كتاب : الأمالي
المؤلف : أبو علي القالي

وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال أخبرني صخر بن قريط قال: كان الهيثم بن جراد من أبين الناس، وإنه أتى قوماً ليزهدهم في منزلهم فقال: يا بني فلان، ما أنتم إلى ريفٍ فتأكلوه، ولا إلى فلاةٍ فتعصمكم، ولا إلى وزرٍ فيلجئكم، فأنتم نهزة لمن رامكم، ولقعة لمن قصدكم، وغرضٌ لمن رماكم، كالفقعة الشرباخ، يشدخها الواطئ ويركبها الساقي.
قال أبو علي: الوزر: الجبل والملجأ. والنهزة: الفرصة التي تتناول بعجلة. والفقعة: الكمأة البيضاء. والشرباخ: التي لا خير فيها. ويشدخها يرضها. والسافي: الريح التي تسفي التراب.
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أحمد بن يحيى قال: رأى رجل من العرب بنيه يثبون على الخيل وقد تنادوا بالغارة، فذهب يروم ذلك مرة وثانية فلم يقدر، فقال: " من سره بنوه ساءته نفسه " . وأنشدنا أبو عبد الله للنابغة الجعدي:
المرء يرغب في الحيا ... ة وطول عيشٍ قد يضره
تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
وتسوءه الأيام ح ... تى ما يرى شيئاً يسره
كم شامتٍ بي هلك ... ت وقائلٍ لله دره
وسمعت غير واحد من أشياخنا ينشد:
كأن مواقع الظلفات منه ... مواقع مضرحياتٍ بقار
الظلفات: الخشبات اللواتي يقعن على جنب البعير، فشبه بياض مواضع الدبر وهي مواقع الظلفات بمواقع المضرحيات على القار. والمواقع جمع موقعة وهي: المكان الذي يقع عليه الطائر. والمضرحيات: النسور. والقار جمع قارة وهي: الجبيل الصغير، ولا يكون إلا أسود، وذلك أن البعير إذا دبر ثم برأ ابيض موضع الدبر، وكذلك ذرق الطائر إذا يبس ابيض فشبهه به. ومثله قول الاخر يصف ساقياً يستقي ماء ملحاً:
كأن متنيه من النفي ... مواقع الطير على الصفيّ
النفيّ: ما تطاير عن الرشاء وعن معظم القطر من الصغار، فشبه ما قطر على ظهره من الماء الملح ويبس بذلك، مثله:
فما برحت سجواء حتى كأنما ... بأشراف مقراها مواقع طائر
سجواء: اسم ناقة. ومقراها: محلبها، وإنما قيل له مقرىً لأنه يقري فيه. قال: وأشرافه: اعاليه فشبه ما على جوانب الإناء من رغوة اللبن بالمواقع، وهي المواضع التي تقع عليها الطير فترى سلوحها عليه مبيضة.
ما دار بين عمر بن أبي ربيعة وفتى من قريش يكلم جارية في الطواف وحدثنا أبو عبد الله قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن الزبير: أن عمر بن أبي ربيعة نظر إلى فتى من قريش يكلم جاريةً في الطواف فعاب ذلك عليه فذكر أنها ابنة عمه، فقال: ذلك أشنع لأمرك، فقال: إني أخطبها إلى عمي، وإنه رغم أنه لا يزوجني حتى أصدقها أربعمائة دينار وأنا غير قادر على ذلك، وذكر من حاله وحبه لها وعشقه، فأتى عمر عمه فكلمه في أمره، فقال: إنه مملق وليس عندي ما أحتمل صلاح أمره، فقال عمر: وكم الذي تريد منه؟ فقال: أربعمائة دينار، قال: فهي علي فزوجه منها، ففعل ذلك. وكان عمر حين أسنّ حلف ألا يقول شعراً إلا أعتق رقبة، فانصرف إلى منزله يحدّث نفسه، فجعلت جاريته تكلمه ولا يجيبها، فقالت: إن لك لشأناً، وأراك تريد أن تقول شعراً، فقال:
تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حيناً
أراك اليوم قد أحدثت أمراً ... وهاج لك الهوى داءً دفينا
وكنت زعمت أنك ذو عزاء ... إذا ما شئت فارقت القرينا
لعمرك هل رأيت لها سمياً ... فشاقك أم رأيت لها خدينا
ويروي :
بربك هل أتاك لها رسولٌ ... فشاقك .. .. .. .. .. "
فقلت شكا إليّ أخٌ محبٌ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا
فقصّ عليّ ما يلقى بهند ... فذكر بعض ما كنا نسينا
وذو الشوق القديم وإن تعزى ... مشوقٌ حين يلقى العاشقينا
فكم من خلة أعرضت عنها ... لغير قلىً وكنت بها ضنينا
أردت بعادها فصددت عنها ... وإن جنّ الفؤاد بها جنونا
ثم دعا بتسعة من رقيقه فأعتقهم.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله عن عبد الرحمن عن عمه لأم خالد الجعثمية في جحوش العقليي:

فليت سماكياً يطير ربابه ... يقاد إلى أهل الغضا بزمام
ليشرب منه جحوشٌ ويشيمه ... بعيني قطاميٍّ أغر شآم
بنفسي عيناً جحوش وقميصه ... وأنيابه اللاتي جلا ببشام
فأقسم أني قد وجدت بجحوش ... كما وجدت عفراء بابن حزام
وما أنا إلا مثلها غير أنني ... مؤجلة نفسي لوقت حِمام
فإن ولوج البيت حلٌّ لجحوش ... إذا جاء والمستأذنون نيام
فإن كنت من أهل الحجاز فلا تلج ... وإن كنت نجدياً فلج بسلام
رأيت لهم سيماء قومٍ كرهتهم ... وأهل الغضا قومٌ على كرام
وأنشدنا بهذا الإسناد أيضاً لها:
ايتها النفس التي قادها الهوى ... أما لك إن رمت الصدود عزيم
فتنصرفي عنه فقد حيل دونه ... وألهاه وصلٌ من سواك قديم
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: أخبرني رجل من بني كلاب قال: سئل رجل من بني عقيل كان جحوش فإن أم خالد قد أكثرت فيه؟ قال: كان أحيمر أزيرق حنكلاً كأنه أبنة عودٍ وعقلة رشاء.
قال أبو علي: الحنكل: القصير. والأبنة العقدة في العود. وقال أبو زيد: قال العقيليون: هو حذاؤه وحذوه نصبٌ، أي مقابلته وهو حذوه رفعٌ إذا كان مثله. وقالوا: ندّ البعير يند نداداً ونديداً ونداً. وقالوا: " الخنق يخرج الورق " يقول: إذا اشتد عليك فخنقك أعطيته، الخنق اسم الفعل هنا. وقالوت: " منزلنا منزل قلعة " القاف واللام مضمومان وهو المنزل الذي لا تملكه. وقالوا: يقال قلدت الماء في الحوض أقلده قلداً وقلدت في السقاء من الماء واللبن إذا جعلت تملأ القدح من الماء ثم تصبه في السقاء فذلك القلد، وقلدت الشراب أقلده قلداً. وقلد في جوفه شراباً كثيراً. وقالوا: قنحت تقنح قنحاً، النون من المصدر ساكنة وهو التكاره في الشراب إذا تكارهت عليه بعد الري، وأكثر كلامهم تقنحت تقنحاً.
وحدثني أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن القزويني عن يعقوب في حديث أم زرع قولها: فأتقنح، أي فأقطع الشرب. وقالوا: ويسمى البياض الذي يظهر في أظفار الإنسان الكدب بكسر الدال، والواحدة كدبة باسكان الدال، وقال بعضهم: الكدب؛ فأسكن الدال والواحدة كدبة، وقال أبو المضاء: الكدب، ففتح الدال والواحدة كدبة باسكان الدال.
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن ابن رستم عن ثابت بن أبي ثابت قال: يقال للبياض الذي يظهر في أظفار الأحداث الفَوف والفُوف والوبش.
شذرة من أمثال العرب قال أبو زيد: ومن أمثال العرب : " لأنا أحذر من ضبٍّ حرشته " . حرشت الصيد إذا صدته، ويقال: إنه لأسمع من قراد. وأبصر من عُقاب. وأحذر من غراب. وإنه لأنوم من فهد. وأخف رأساً من الذئب ومن الطائر وأفحش من فاسية وهي الخنفساء إذا حركوها فست فأنتن القوم بخبيث ريحها، ويقال: " إنه لأصنع من سرفه ومن تنوط " وهي طائر نحو القارية سواداً، تركب عشها تركيباً على عودين أو عود ثم تطيل عشها فلا يصل الرجل إلى بيضها حتى يدخل يده إلى المنكب. وأما السرفة فهي دابة غبراء من الدود تكون في الحمض فتتخذ بيتاً من كسار عيدانه ثم تلزقه بمثل نسج العنكبوت إلا أنه أصلب ثم تلزقه بعود من أعواد الشجر وقد غطّت راْسها وجميعها فتكون فيه. وإنه ل " أخرق من حمامة " وذلك أنها تبيض بيضاً على الأعواد البالية فربما وفع بيضها فتكسر. وقال أبو كر بن دريد: العرب تقول: هو " أظلم من أفعى " وذلك أنها لا تحتفر حجراً إنما تهجم على الحيات في حجرتها وتدخل في كل شق وثقب، وأنشدنا عبد الرحمن:
كأنما زجهك ظلٌّ من حجر ... ذو خضلٍ في يوم ريح ومطر
فأنت كالأفعى التي لا تحتفر ... ثم تجي سادرةً فتنجحر

وكذلك هو " أظلم من حية " وذلك أنها تدخل في كل حجر وتهجم على كل دابة. ومن أمثالهم: " لا تهرف بما لا تعرف " والهرف: الإطناب في الثناء والمدح. وقال أبو عبيدة: من أمثالهم: " سبني واصدق " يقول: لا أبالي أن تقول في ما لا أعرفه من نفسي بعد أن تجانب الكذب. وقال أبو زيد: يقال: " أحمق يمطخ الماء " أي يلعقه، والمطخ: اللعق، يقول: لا يشرب الماء ولكنه يلعقه. وأحمق يسيل مرغه، وهو اللعاب. و " أحمق لا يجأى مرغه " أي لا يحبس لعابه.
" ما وقع بين أبي الأسود وامرأته من المخاصمة في ولدها منه بين يدي زياد " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: جرى بين أبي الأسود الدؤلي وبين امرأته كلام في ابن كان لها منه وأراد أخذه منها، فسار إلى زياد وهو والي البصرة، فقالت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا ابني كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه؛ أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام؛ فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوعكت أوصاله؛ وأملت نفعه؛ ورجوت دفعه؛ أراد أن يأخذه مني كرهاً، فآدني أيها الأمير، فقد رام قهري، وأراد قسري؛ فقال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده؛ وأمنحه علمي، وألهمه حلمي؛ حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله؛ فقالت المرأة: صدق أصلحك الله، حمله خفاً، وحملته ثقلاً؛ ووضعه شهوة، ووضعته كرهاً؛ فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.
سؤال أعرابي آخر عن أخويه وعن نفسه وما أجاب بهوحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد عن العتبي قال: أخبرني أعرابي عن إخوة ثلاثة قال: قلت لأحدهم: أخبرني عن أخيك زيد، فقال: أزيدٍ إنيه، والله ما رأيت أحداً أسكن فوراً، ولا أبعد غوراً، ولا آخذ لذنب حجةٍ قد تقدم رأسها من زيد. فقلت: أخبرني عن أخيك زائد، قال: كان والله شديد العقدة، لين العطفة، ما يرضيه أقل مما يسخطه، فقلت: فأخبرني عن نفسك، فقال: والله إن أفضل ما فيّ لمعرفتي بفضلهما، وإني مع ذلك لغير منتشر الرأي، ولا مخذول العزم.
قال أبو علي: قال ابو زيد الأنصاري قال الكلابيون: إذا قالوا: رأيت زيداً قلنا: زيداً إنيه بقطع الألف وتبيين النون. وقال بعضهم: زيد نيه فألقى الهمزة وحركه بالفتح على نون التنوين وثقّل النون. وقال أبو المضاء: أزيداً إنيه فأتى بألف الاستفهام قبل زيد ولم يفسره أبو زيد.
" مبحث ما تلحقه العرب بآخر الكلمة في الاستفهام الإنكاري " قال أبو علي: هذه الزيادة تلحق في الاستفهام في آخر الكلمة إذا أنكرت أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر أو يكون على خلاف ما ذكر، فإن كان قبله مفتوحاً كانت الزيادة ألفاً، وإن كان مكسوراً كانت الزيادة ياء، وإن كان مرفوعاً كانت الزيادة واواً، وإن كان ساكناً حرك لئلا يلتقي ساكنان لأن هذه الزيادات مدات، والمدات سواكن، فتحركه بالكسر كما يحرك الساكن إذا لقيه الألف واللام الساكن، فإذا قال الرجل: رأيت زيداً قلت أزيدينه لأن النون هي التنوين ساكنة فحركتها بالكسر لئلا يلتقي ساكنان. ويقول: قدم زيدٌ، فتقول أزيدنيه، قال: رأيت عثمان، قلت: أعثماناه، فإن قال: أتاني عمر، قلت: أعمروه كما قلت في الندبة: واغلامهوه، لأن هذا علمٌ لما ذكرت لك كما أن هذا علم للندبة. وذكر سيبويه: أنه سمع رجلاً من أهل البادية وقيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أنا إنيه، وإنما أن يكون رأيه على خلاف الخروج، وكل ما ذكرت، إما أن تنكر على المخبر أن يثبت رأيه على ما ذكر وأن يكون على خلاف ما ذكر، فإن قال: رأيت زيداً وعمراً قلت: أزيداً وعمرنيه تكون الزيادة منتهى الكلام، ألا ترى أنه إذا قال: ضربت قلت أضربتاه، فإن قال: ضربت عمر قلت: أضربت عمراه، وكذلك إن قال: ضربت زيداً الطويل قلت: أزيداً الطويلاه وتعرب الاسم الذي ذكره علة ما أعربه، فإن كان رفعاً رفعته وإن كان نصباً نصبته وإن كان جراً جررته، ألا ترى أنه لو قال: مررت بحذام قلت: أحذاميه، وربما زادت العرب إن إيضاحاً للعلم، ولذلك قالوا: إنيه لأن الهاء والياء خفيان والهمزة والنون واضحان كما زادوا إن في قولهم: ما إن فعلت كذا وكذا.

قال أبو علي: سألت أبا محمد فقلت له: لمَ لمْ يقولوا إناه؟ فقال: لأن الألف علامة لحركة النون وتبيين لها وقد سبقت فلم يجزأن يقيموا علامة محدثة ويسقطوا علامة متقدمة وهما علامتان، فأما ما حكاه أبو زيد من قوله: أزيدنيه بتثقيل النون فإنما هذا على لغة من يقف على الحرف بالتشديد كما قالوا: سبسب وكلكل، فكذلك هذا وقف على زيدن فشدد، فلما ألحق به علامة حركه بالكسر لأنه توهم أن التنوين أصل فلذلك قال أزيدنيه. وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله لجندل الطهوي:
قد خرّب الأنضاد نشاد الحلق ... من كل بالٍ وجهه بالي الخلق
النضد: ما ينضد من أمتعتهم وأزوادهم ناحية البيت، فيعني أن قوماً يجيئون بعلة أنهم ينشدون إبلاً فنحتاج إلى أن نقريهم فيخربون أنضادنا، ويعني بالحلق إبلاً سماتها الحلق.
حدّثنا أبو بكر عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً من بني كلاب يذكر رجلاً فقال: كان والله الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين؛ لم أر أحداً كان أرتق لخلل رأيٍ منه، ولا أبعد مسافة رويةٍ ومراد طرف؛ إنما يرمي بهمته حيث أشار إليه الكرم، وما زال والله يتحسى مرارة أخلاق الإخوان ويسقيهم عذوبة أخلاقه.
قال أبو علي: أرتق: أسد، يقال: رتقت الشيء إذا سددته أو أشددته.
حدّثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: ذكر رجل عند أعرابي فوقع فيه قوم فقال: أما الله إنه لآكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمغروم، وأكسبكم للمعدوم، وأعطفكم على المحروم.
" ما وقع من بعض جلساء ابن أبي عتيق من تفضيله شعر الحارث بن خالد على شعر عمر بن أبي ربيعة ورد ابن أبي عتيق عليه " وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدري قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال أخبرنا الزبير عن يوسف بن عبد العزيز الماجشون قال: ذكر شعر الحارث بن خالد وعمر ابن عبد اللّه بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق، وفي المجلس رجل من ولد خالد بن العاص بن هشام ابن المغيرة، وقال صاحبنا : الحارث أشعرهما، فقال ابن أبي عتيق: بعض قولك يا بن أخي، فلشعر ابن أبي ربيعة لوطة بالقلب وعلق بالنفس ودرك للحاجة ليس لشعر، وما عصى اللّه بشعر أكثر مما عصي بشعر بن أبي ربيعة، فخذ عني ما أصف لك: أشعر قريش: من رق معناه ولطف مدخله وسهل مخرجه ومتن حشوه وتعطفت حواشيه وأنارت معانيه وأعرب عن صاحبه، فقال: الذي من ولد خالد بن العاص: صاحبنا الذي يقول:
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تؤدها العقل
لو بدلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإقواء والمحل
لعرفت مغناه احتملت ... مني الضلوع لأهلها قبل
فقال ابن أبي عتيق: با بن أخي، استر على صاحبك ولا تشاهد المحاضر بمثل هذا، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله، إلا أن يسأل اللّه حجارة من سجيل، ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للرّبع من صاحبك وأجمل مخاطبة حين يقول:
سائلاً الربع بالبلى وقولا ... هجت شوقاًلي الغداة طويلاً
أين حيٌ حلوك إذ أنت مسر ... وربهم أهل أراك جميلاً
قال ساروا فأمعنوا فاستقلوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلاً
سئمونا وما سئمنا مقاماً ... واستحثّوا دماثةً وسهولاً
" مطلب الكلمات التي جاءت بمعنى أصل الشىء " قال أبو زيد الأنصاري: الشرخ والسنخ والنجار والنّجر: الأصل وأنشد يعقوب:
متئد الحشى بطيئا ًنقره ... كأن نجر الناجرات نجره
والأروم والأرومة، قال زهير:
له في الذاهبين أروم صدق ... وكان لكل ذي حسب أروم
والسنخ: الأصل، وأنشد ابن الأعرابي:
وسنخنا من خير أسناخ العرب ... ونحن في الثروة والعزّ الأشب
والبنك والعنصر جميعاً، قال الفرزدق:
ليست هدايا القافلين أتيتم ... بها أهلكم يا شر جيشين عنصرا
والضئضئ والبؤبؤ مهموزان، وقال جرير:
حتى أنحناها الى باب الحكم ... خليفة الحجاج غير المتهم
في ضئضئ المجد وبؤبؤ الكرم
يمدح الحكم بن أيوب بن يحيى بن الحكم الثقفي .والعرق والنحاس، وأنشد يعقوب:

يا أيها السائل عن نحاسي ... قصر مقياسك عن مقياسي
والعيص والأسّ والإسّ والأص وجمعه آصاص، وقال القلاخ:
ومثل سوّار رددناه الى ... إدرونه ولؤم أصه على
ألرغم موطوء الحمى مذللا
وأنشدنا أبو بكر بن دريد:
قلال مجد فرعت آصاصا ... وعزة قعساء لا تناصي
والجذم قال أوس بن حجر:
غنى تآوى بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مر
والإرث والسرّوالمركبّ والمنبت والقنس، وهذان الحرفان رواهما أبو عبيد عنه وكان الطوسيّ يزعم أن أبا عبيد روى قبسا ًبالباء، قال : وهو تصحيف، وكذا قال أحمد بن عبيد وروى قنساً بالنون وهؤلاء كلهن: الأصل العجاج:
كالجبل الأسود في جنث العلم
وقال أبو عبيدة: الحنج والبنج والعكر: الأصل، يقال: رجع إلى حنجه وبنجه وعكره. وقال أبو عمرو الشيباني: المزر: الأصل؛ والجذر: الأصل كذا قال بكسر الجيم ، وقال الأصمعي: الجذر. وقال أبو عبيد: قال غير واحد: الجرثومة: الأصل. والنصاب والمنصب والمحتد والمحكد. قال زهير في المنصب
من الأكرمين منصباً وضربيةً ... اذا ماتشا تأوى إليه الأرامل
وقال آخر في المحتد:
حتى انتصى من هاشم في محتدٍ ... أكرم بذلك محتداً وصميما
وقال حميد الأرقط في يعرض بابن الزبير
ليس الأمير بالشحيح الملحد ... ولا بوبر بالحجاز مقرد
إن ير يوما ًبالفضاء يصطد ... أو ينجحر فالحجر شر محكد
وقال أبو عمرو: الطخس: الأصل، يقال: هو الأمهم طخسا، أي أصلا،قال أبو الغريب النصري:
إنّ امرأ أخّر من أصلنا ... ألأمنا طخساً إذا ينسب
والإردس: الأصل، يقال إنه لئيم الإرس أي الأصل، قال أبو الغريب أيضاً
إنّ لئيم الإرس غير نازعٍ ... عن وذء جاريه الغريب والجنب
الوذء: الشتم، والجنب: القريب، وقال أحمد بن يحيى: الوذء: المكروه من الكلام شتماً كان أو غيره، وأنشد بيتاً لم يحفظ صدره.
ولا إذا الصديق بما أقول
ويقال: إنه للئيم القرق أي الأصل، قال دكين السعدي في فرس له.
ليست من القرق البطاء دوسر ... قد سبقت قيساً وأنت تنظر
وقال الأموي عن أبى المفضل من بني سلامة: الضنء: الولد. وقال الفراء: النِّجار والنُّجار والنِّحاس والنُّحاس بالضم والكسر. وقال يعقوب عن أبي زيد: السِّنح والسِّنج بالحاء أحسن النساء الفخمة الأسلة، وأقبحهنَّ الجهمة القفرة وهي القليلة اللحم. وأغلظ المواطئ الحصباء على الصَّفا. وأشد الرجال الأعجف الضَّخم، يقول: ضخم الألواح كثير العصب، وأنشد
أعجف ألا من عظام وعصب
وأسرع الأرانب أرنب الخلة، وذلك أن الخلة تطويها ولا تفتقها، والحمض يفتقها. وأسرع التُّيوس تيس الحلُّب. وقال بعض الأعراب: أطيب مضغة أكلها الناس صيحانية مصلبة.
قال أبو علي: المصلبة: التي قد سال صليبها، وهو ودكها وإن لم يكن هنال ودك. قال: ويقال آكل الدواب برذونة رغوث، وهي التي يرضعها ولدها. وأقبح هزيلين المرأة والفرس. وأطيب غثٍّ أكل غث الإبل. وأخبث الأفاعي أفعى الجذب. وأخبث الحيّات حيّات الحماط وهو شجر. ويقال مظلم سقاء مروب، وهو الذي يسقي منه قبل أن يمخض وينزع زبده، وأنشد:
وصاحب صدق لم تنلني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامداً أجر
يعني وطب لبن. وشُّر المال ما لا يزكي ولا يذكي يعني الحمير. أخبث الذئاب ذئاب الغضا وأطيب الإبل لحماً ما أكل السّعدان. وأطيب الغنم لبناً ما أكل الحربث. وقال أبو زيد: من أمثالهم " لا تعدم الخرقاء علة " يريد العلل كثيرة يسيرة فهي لا تعدم أن تعتل بعلة عند خطابها وأنشد أبو بكر بن دريد رحمه اللّه تعالى:
جبّت نساء العالمين بالسّبب ... فهنّ بعد كلهن كالمحب
جبت: غلبت. والسب: الحبل، يعني أنها قدّرت عجيزتها بحبل ثم دفعته إلى النساء ليقدّرن كما قدّرت فغلبتهن بذلك. والمحبّ: الساقط اللاصق بالأرض يقال: أحب البعير إذا سقط فلم يبرح، ومثله قول الآخر أنشده ابن الأعرابي:
لقد أهدت حبابة بنت جلٍّ ... لأهل جلاجل حبلاً طويلاً
وقال الاْصمعيّ وأبو زيد: من أمثالهم: " أعن صبوحٍ ترقِّق " وكان المفضّل الضّبي يخبر بأصل

هذا المثل، قال: كان رجل نزل بقوم فأضافوه وغبقوه، فلما فرغ قال: إذا صبحتموني غداً كيف آخذ في حاجتي، فقيل له عند ذلك: أعن صبوح ترقق؟ وإنما أراد الضيف أن يوجب عليه الصبوح. قال الأصمعي: ومن أمثالهم " كأنما أفرغ عليه ذنوباً " إذا كلمه بكلمة عظيمة يسكته بها.
قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد اللهّ لعمر بن أبي ربيعة:
هل تعرف الدار والأطلال والدِّمنا ... زدن الفؤاد على علاّته حزنا
دار لأسماء كانت تحل بها ... وأنت إذ ذاك قد كانت لكم وطنا
لم يحبب القلب شيئاً مثل حبكم ... ولم ترى العين شيئاً بعدكم حسناً
ما إن أبالي أدام اللّه قربكم ... من كان شطّمن الأحياء أو ظعنا
فإن نأتيكم أصاب القلب نأيكم ... وإن دنت داركم كنتم لنا سكنا
إن تبخلي لا يسلى القلب بخلكم ... وإن تجودي فقد عنَّيتني زمنا
أمسى الفؤاد بكم يا هند مرتهنا ... وأنت كنت الهوى والهمّوالوسنا
إذ تستبيك بمصقول عوارضه ... ومقلتي جؤذرٍ لم يعد أن شدنا
وأنشدنا أبو بكر الأنباري قال: أنشدنا أبو علي الغنويّ وأبو الحسن بن البراء وأبو عباس أحمد ابن يحيى لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود: - والألفاظ في الرواية مختلطة -
كتمت الهوى حتى أضرِّالكتم ... ولامك أقوامٌ ولومهم ظلم
وزادك إغراءُ بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهمُّ
فأصبحت كالنَّهديِّ اذمات حسرةً ... على إثر هند وكم سقي السمُّ
ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضى ... شقاها ولا تحيا حياةً لها طعم
تجنّبت إتيان الحبيب تأثماً ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشادُ ألا يا ربما كذب الزِّعم
وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا أبو حاتم لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود:
فلو أكلت من نبت دمعي بهيمةُ ... لهيَّج منها رحمةً حين تأكله
ولو كنت في غلٍّ فبحت بلوعتي ... اليه للانت لي ورقت سلاسله
ولما عصاني القلب أظهرت عولةً ... وقلت ألا قلبٌ بقلبي أبادله
" خطبة الأحنف بن قيس لقوم كانوا عنده " قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه تعالى قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزيّ قال: أخبرني رجل من أهل البصرة عن رجل من بني تميم قال: حضرت مجلس الأحنف بن قيس وعنده قوم مجتمعون في أمرهم، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: إن الكرم، منع الحرم، ما أقرب النقمة من أهل البغي، لا خير في لذة تعقب ندماً، لن يهلك من قصد، ولن يفتقر من زهد، وخير القول ما صدقه الفعل؛ ربَّ هزلٍ قد عاد جداً، من أهل الزمان خانه، ومن تعظَّم عليه أهانه؛ دعوا المزاح فإنه يورث الضغائن، وخير القول ما صدّقه الفعل؛ احتملوا لمن أدل عليكم، وأقبلوا عذر من اعتذر اليكم؛ أطلع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك؛ أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك؛ وإياكم ومشاورة النساء واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم؛ ومن الكرم، أن الوفاء بالذِّمم، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللَّطف، والعداوة بعد الودّ، لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك الى البذل. واعلم أن لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، فأنفق في حقِّ، ولا تكونن خازناً لغيرك. وإذا كان الغدر في الناس موجوداً، فالثقة بكل أحد عجز، إعرف الحق لمن عرفه لك. واعلم أن قطيعة الجاهل، تعدل صلة العاقل، قال : فما رأيت كلاماً أبلغ منه، فقمت وقد حفظته.
وحدثنا أبو بكر قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: ذكر أعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة، وجانبوا التسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم؛ فذلت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز؛ فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: رأيت أعرابياً يصلي وهو يقول: أسألك الغفيرة، والناقة الغزيرة، والشّرف في العشيرة فإنها عليك يسيرة

" حديث الجارية التي اشتراها أبو السمراء لعبد اللّه بن طاهر " وحدّثنا أبو بكر الأنباري رحمه اللّه قال: حدّثنا محمد بن علي المديني قال: حدّثنا أبو الفضل الرَّبعي قال: حدّثنا أبو السمراء قال: دخلت منزل نخَّاس في شراء جارية فسمعت في بيت بإزاء البيت الذي كنت فيه صوت جارية وهي تقول:
وكنا كزوجٍ من قطّا في مفازة ... لدى خفض عيشٍ معجبٍ مونقٍ رغد
أصابهما ريب الزمان فأفردا ... ولم نر شيئاً قطُّ أوحش من فرد
فقلت للنَّخَّاس: اعرض على هذه الجارية المنشدة، فقال: إنها شعثة مرهاء حزينة، فقلت: ولمَ ذلك؟ قال: اشتريتها من ميراث فهي باكية على مولاها، ثم لم أبث أن أنشدت:
وكنَّا كغصني بانةٍ وسط روضةٍ ... نشمُّ حنى الرَّوضات في عيشةٍ رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطعٌ ... فيا فردةً باتت تحنّ إلى فرد
قال أبو السمراء: فكتب إلى عبد اللّه بن طاهر أخبره بخبرها ، فكتب إليَّ: أن ألقِ عليها هذا البيت فإن أجابت فاشترها ولو بخراج خراسان؛ والبيت :
بعيد وصلٍ قريب صدٍّ ... جعلته منه لي ملاذا
قال: فألقيته عليها فقالت في سرعة:
وعاتبوه فذاب عشقاً ... ومات وجداً فكان ماذا
قال أبو السمراء: فاشتريتها بألف دينار وحملتها إليه فماتت في الطريق قبل أن تصل إليه، فكانت إحدى الحسرات عليه.
قال أبو علي: وقرأنا على أبي بكر لابن ميادة وهو الرمّاح بن الأبرد:
تبادر العضاه قبل الاشراق ... بمقنعاتٍ كعقاب الأوراق
المقنع: الفم الذي يكون عطف أسنانه إلى داخل الفم، وذلك القوي الذي يقطع به كل شيء، فإذا كان انصبابها إلى خارج فهو أدفق وذلك ضعيف لا خير فيه. والقِعاب: جمع قعب. والأوراق جمع ورِقِ وهو الفضة، يريد: أنها أفتاء فأسنانها بيضٌ لم تقلح، أي لم تصفر.
قال أبو علي: وقد رد ما ذكرناه - وهو قول الأصمعي ابن الأعرابي، فقال يقول: بادرت العضاه برؤوس ضخام كأنها قعاب الورق كبراً. وقال: قد تكون قعاب الورق سوداً.
قال أبو علي: ويفسد ما ذهب إليه قوله: كأنها قعاب الورق كبراً، لأن القعب قدح صغير فكيف يشبه رؤوسها بالقعاب في الكبر. فأما قوله: قد تكون قعاب الورق سوداً فليس بمبطل لما قال الأصمعي، لأن الورق لا يكون أسود إلا بتغيير لونه بالإحراق، وما كانت العرب تعرف المحق من الفضة، ومع هذا فلا يستعمل أحد قدحاً من فضة سوداء وحدها وإنما يجري السواد في البياض.
" مطلب الكلمات التي تعاقب فيها الصاد الضاد " قال أبو علي: قال يعقوب بن السكيت: يقال: عاد إلى ضئضئه وصئصئه، أي عاد إلى أصله والهمز الأصل، وأنشد:
أنا من ضئضئ صدقٍ ... بخ ومن أكرم حذل
من عزاني قال به به ... سنخ ذا أكرم أصل
الحذل: الحِجْر. وقال اللحياني: بخ بخ، وبه وبه يقال للإنسان إذا عظّم.
وقال أبو عمرو: ما ينوض بحاجةٍ وما يقدر أن ينوص، أي يتحرك ومنه قوله عز وجل: " ولات حين مناصٍ " ومناصٌ ومناضٌ واحد. ويقال: انقاض وانقاص بمعنى واحد، وقال الأصمعي: المنقاض: المنقعر من أصله، والمنقاص: المنشق طولاً، يقال: انقاضت الركية وانقاصت السن انقياصاً إذا انشقت طولاً، والقيص: الشق طولاً، وأنشد لأبي ذؤيب:
فراقٌ كقيص السن فالصبر إنه ... لكل أناسٍ عثرةٌ وجبور
وقال الأصمعي: مضمض لسانه ومصمصه إذا حركه، وقال حدّثنا عيسى بن عمر قال: سألت ذا الرمة عن النضناض فأخرج لسانه وحركه، قال الراعي:
يبيت الحية النضناض منه ... مكان الحب يستمع السرارا
وقال اللحياني: يقال: تصافوا على الماء وتضافوا. ويقال: صلاصل الماء وضلاضله لبقاياه. وقبضت قبضة وقبصت قبصة، يقال: إن القبصة أقل من القبضة.
قال أبو علي وغيره يقول: القبض بأطراف الأصابع والقبض بالكف كلها. وقال اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوّك بخرئه، وسمعت الأصمعي يقول: تصوّك بالصاد غير معجمة. وقال أبو عبيدة: يقال صاف السهم يصيف وضاف يضيف إذا عدل عن الهدف. وتضيفت الشمس للغروب وتصيفت إذا مالت ودنت من الغروب، ومنه اشتق الضيف، يقال: ضافني الرجل إذا دنا منك ونزل بك، قال أبو زبيد:
كل يومٍ ترميه برشقٍ ... فمصيبٌ أوضاف غير بعيد

وقال الأصمعي: جاص وجاض أي عدل. وقال اللحياني: يقال إنه لصلّ أصلال وضلّ أضلال. قال: ويقال ضُلّ أضلال.
وقال أبو علي: قال أبو بكر بن دريد: يقال للرجل إذا كان داهيةً إنه لصلّ أصلال.
وقال أبو علي: والصلّ الحية التي تقتل إذا نهشت من شاعتها. وقال الأصمعي: يقال مصمص إناءه ومضمضه إذا غسله.
قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لعمر بن أبي ربيعة:
قالت سكينة والدموع ذوارفٌ ... تجري على الخدين والجلباب
ليت المغيري الذي لم أجزه ... فيما أراد تصيدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيامنا ... إذ لا نلام على هوىً وتصابي
خُبّرت ما قالت فبتّ كأنما ... يرمي الحشى بنوافذ النشاب
أسكين ما ماء الفرات وبرده ... منى على ظمأ وفقد شراب
بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب
إن تبذلي لي نائلاً أشفى به ... سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي
وعصيت فيك أقاربي فتقطعت ... بيني وبينهم عرى الأسباب
فتركتني لا بالوصال ممسكاً ... منهم ولا أسعفتني بثواب
فقعدت كالمهريق فضلة مائه ... في حر هاجرةٍ للمع سراب
قال أبو علي وحدثني أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي وعبد الله بن خلف قالا حدّثنا ابن أبي سعيد قال حدّثني عبد الله عبد الله بن عبد الرحمن الشافعي قال: سمع سعيد بن المسيب منشداً ينشد:
تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينبٌ في نسوةٍ خفرات
ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكنّ من ان يلقينه حذرات
قال فقال سعيد: هذا والله مما يلذّ استماعه، ثم قال:
وليست كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف للجمرات
وعالت فتات المسك وحفاً مرجّلاً ... على مثل بدرٍ لاح في الظلمات
وقامت تراءى يوم جمعٍ فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات
قال: فكانوا يرون أن الشعر الثاني لسعيد بن المسيب.
قال وأنشدنا أبو الحسن بن البراء قال انشدنا محمد بن غالب لأبي فنجويه الرفاء - وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب:
كيف لي بالسّلو عنك وقلبي ... حشوه الهمّ يا بعيداً قريب
يا سقامي ويا دوائي جميعاً ... وشفائي من الضنا والطبيب
حيثما كنت في البلاد وكنّا ... فعلينا لكل عينٍ رقيب
ما يريد الوشاة منك ومني ... دون هذا له تشقّ الجيوب
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لامرأة من العرب تسمى شقراء:
خليليّ إن أصعدتما أو هبطتما ... بلاداً هوى نفسي بها فاذكراينا
ولا تدعا إن لامني ثم لائمٌ ... على سخط الواشين أن تعذرانيا
فقد شفّ جسمي بعد طول تجلدي ... أحاديث من عيسى تشيب النواصيا
سأرعى لعيسى الودّ ما هبت الصبا ... وإن قطعوا في ذاك عمداً لسانيا
وقرأت عليه لامرأة من بني نصر بن دهمان:
ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعبٍ ... إذا ما مطاياه اتلأبّت صدورها
إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب ... فإن قيل عبد الله أجلى فتورها
وقرأت عليه لامرأة من بني أسد:
بنفسي من اهوى وأرعى وصاله ... وتنقض مني بالمغيب وثائقه
حبيبٌ أبى إلا اطراحي وبغضتي ... وفضّله عندي على الناس خالقه
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي لابن الدمينة:
ألا يا حمى وادي المياه قتلتني ... أباحك لي قبل الممات مبيح
ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قروح
أبى الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومن ذا الذي يشري دوىً بصحيح
قال أبو بكر: الدوى: المرض الشديد. والدوى: الرجل الشديد المرض. والدوى: الرجل الأحمق.
قال أبو علي: وأنشدني أبو بكر بن دريد:
وقد أقوج بالدوى المزمل ... أخرس في السفر بقاق المنزل

وقال أبو بكر الأنباري: الدوا جمع دواة. والدواء بالمد: ما يتداوى به. والدواء: اللبن أيضاً بالمد.
وحدثنا قال: حدّثنا أبو العباس قال: العرب تقول: إنك ستساق إلى ما أنت لاقٍ. وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول شاعر:
ستبكي المخاض الحرب إن مات هيثمٌ ... وكل البواكي غيرهن جمود
يقول: كان يحسن إليها ولا ينحرها وهذا هجاء وضده مدح وهو قوله:
قتيلان لا تبكي المخاض عليهما ... إذا شبعت من قرمل وأفاني
يعني تنه يعقرها ويهبها فلا تحزن عليه. والقرمل: واحدها قرملة وهي شجرة شعيفة كثيرة الماء تنفضح إذا وطئت. ومن أمثالهم " ذليلٌ عاذ بقرملة " . والأفاني: نبت - واحدتها أقانية - ينبت في السهل. وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي لمحرز العكلي:
يظل فؤادي شاخصاً من مكانه ... لذكر الغواني مستهاماً متيماً
إذا قلت مات الشوق مني تنسمت ... به أريحيات الهوى فتنسما
وأنشدنا قال أنشدني أبي لرجل من بني رياح:
كفى حزناً أن لا يزال يعودني ... على النأي طيفٌ من خيالك يا نعم
وأنت مكان النجم منا وهل لنا ... من النجم إلا أن يقابلنا النجم
وقال أبو زيد: يقال: رتمت أرتم رتماً، وحطمت أحطم حطماً، وكسرت أكسر كسراً، ودققت أدق دقاً. هؤلاء الأربع جماع الكسر في كل وجه من الكسر، وأنشدنا غيره:
لأصبح رتماً دقاق الحصى ... مكان النبي من الكاتب
ويقال: رضضت أرض رضاً. وفضضت أفضُّ فضّا. ورفضت أرفض رفضا. هؤلاء الثلاث في الكسر سواء. وهرست أهرس هرساً إذا دققت الشيء في المهراس. والهرس والوهس: دقك الشيء وبينه وبين الأرض وقاية، ومثله نحزت أنحز نحزاً.
قال أبو علي: ومنه المنحاز وهو الهاون. وقال أبو زيد: نحزت النسيج إذا جذبت إليكالصيصية - غير مهموزة - لتحكم اللُحمة. وسحق يسحق سحقاً وهو أشد الدق تدقيقاً، وسحقت الأرض الريح إذا عفت الآثار وأسفت التراب، وانسحق الثوب انسحاقاً إذا سقط زئبره وهو جديد. وسهكت تسهك سهكاً، والريح تسهك التراب كما تسحق. ورهك يرهك رهكاً. وجش يجش جشاً. فالرهك ما جشّ بين حجرين، والجشّ كا طُحن بالرحيين، والشيء جشيش ومجشوش. وطحنت أطحن طحناً، والطحن بالكسر: الدقيق. ورضخت أرضخ رضخاً بإعجام الخاء. وشدخت أشدخ شدخاً. وفدغت أفدغ فدغاً. وثلغت أثلغ ثلغاً. وثمغت أثمغ ثمغاً، وهؤلاء الخمس في الرطب. وقال غير أبي زيد: يقال: رضخت النوى بالخاء رضخاً: رضضته، ويقال للحجر الذي يرضّ به: المرضاخ. والرضخة: النواة التي تطير من تحت الحجر، قال الشاعر:
جلذية كأتان الضحل صلبها ... جرم السوادي رضوه بمرضاخ
يصف ناقة.
وقال أبو زيد: وغضف يغضف غضفاً. وخضد يخصد خضداً. وغرض يغرض غرضاً، وهؤلاء الثلاث: الكسر في الرطب واليابس، وهو الكسر الذي لم يبن. وقصمت أقصم قصماً بالقاف، وفصمت أفصم فصماً بالفاء، وعفتّ أعفت عفتاً، وهو الكسر الذي ليس فيه ارفضاض في رطب أو يابس. ويقال: هشمت أهشم هشماً، وهو كسر اليابس مثل العظم أو الرأس من بين الجسد أو في بيض. وقالوا: تممت الكسر تتميماً إذا عنت فأبنته. ووقرت العظم أو أقره وقراً إذا صدعته، والوقر: الصدع في العظم. وروى أبو عبيدة عن أبي زيد: هضضته أهضّه ودهسته، والشيء دهيشٌ.
وقال الأصمعي: قرضمته قرضمةً: كسرته، وقال: وهسته أهوسه هوساً: كسرته، وأنشد:
إن لنا هوّاسة عربضا
وقال: المعثلب: المكسور. والدوك: الدّقّ، والمدوك: الحجر الذي يدقّ به.
وقال الكسائي: وقصت عنقه أقصها وقصاً، ولا يقال: وقصت العنق نفسها. وقال الأموي: أصرته آصره أصراً: كسرته.
قال أبو علي: الأصر: العطف. والصور مصدر صرته أصوره إذا أملته، ومن هذا قيل للماثل العنق: أصور، وقد قرئ: " فصرهنّ إليك " أي أملهنّ، ومن قرأ: " فصرهنّ إليك " أي قطعهنّ، ومن قولهم: صاره يصيره إذا قطّعه، ومنهذا قيل: صار فلان إلى موضع كذا وكذا، لأنه ميل وذهاب إلى ذلك الوجه. وقال غيره: وهصت ووطست ووقصت أي كسرت، وقد روى بيت عنترة
تطس الإكام بذات خفٍّ ميثم

وروى:تقص وتهص، والوهص: الكسر، وقال الأصمعي: وهصه يهصه وهصا وهزعه اذا كسره. قال أبو علي: وفي كتاب الغريب المنصف هصت، وهكذا قرأته وأنا أشك فيه وأظنه وهصت فسقطت الواو عن الناقل الينا. وقصدته أقصده قصداً: كسرته، ومنه قيل: القنا قصد. والقصم والفصم: الكسر وبعضهم يفرق بينهما، فيقول: القصم: الكسر الذي فيه بينونة، والفصم: الكسر الذي لم يبن. وقال أبو عمرو: الوهط: الكسر، يقال: وهطه. وحكى: انغرف عظمه: أي انكسر.
" نبذة من أمثال العرب " قال أبو زيد: ومن أمثال العرب: " لا يعدم عائس وصلات " يقال ذلك للرجل الذي قد أرمل من الزاد والمال فيلقى الرجل فينال منه ثم الآخر حتى يصل الى أهله. قال: ومن أمثالهم: " ما أنت إلا كابنة الجبل مهما يقل تقل " وذلك اذا تكلمت فرد عليك إنسان مثل كلامك، يريد الصدى الذي يجيبك بما تتكلم به. ومن أمثال العرب: " عود يعود العنج " والعنج: الرياضة. قال: ومن أمثال العرب: " نعيم كلب في بؤس أهله " ويقال: بئيس أهله، ويقال: بئس أهله، لغتان. يضرب مثلاً للرجل يأكل مال غيره فيسمن وينعم، وأصله أن كلباً سمن وأهزل الناس لأكل الجيف فأهله بائسون.
" رد الحسن البصري على من هنأه من أصحابه بغلام ولد له " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال: بلغني أنه لولد للحسن البصري غلاماً فهنأه بعض أصحابه، فقال الحسن: نحمد الله على هبته، ونستزيده من نعمته؛ ولا مرحباً بمن إن كنت غنياً أذهلني، وإن كنت فقيراً أتعبني؛ ولا أرضى له بسعيي سعياً، ولا بكدي له في الحياة كداً؛ أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حالٍ لا يصل إليّ من همه حزن ولا من فرحه سرور.
وبهذا الاسناد قال: بلغني أن محمد بن كعب القرظي قال لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا تتخذن وزيراً إلا عالماً، ولا أميناً إلا بالجميل معروفاً، وبالمعروف موصوفاً؛ فإنهم شركاؤك في أمانتك، وأعوانك على أمورك؛ فإن صلحوا أصلحوا، وإن فسدوا أفسدوا.
وبهذا الاسناد قال: قال عبد الملك بن مروان رحمه الله: يا بني أمية، ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم؛ واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم؛ فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً، ولا يقولن أحكم أبأ بمن تعول؛ فإنما الناس عيال الله قد تكفّل الله بأرزاقهم، فمن وسّع أخلف الله عليه، ومن ضيّق ضيّق الله عليه.
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يقول: لا يوجد العجول محموداً، ولا الغضوب مسروراً، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصاً، والشره غنياً.
وحدّثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابياً يقول: صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف؛ ونجدتك بمجانبة الخيلاء، وخلتك بالإجمال في الطلب.
وحدّثنا قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابياً يقول: أقبح أعمال المقتدر بن الانتقام، وما استنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حصنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبتالبغضاء بمثل الكبر.
وقرأت على أبي بكر بن دريد للشماخ:
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنونٌ آن مطرح الظنون
طوالة: اسم بئر كان لقيها عليها مرتين فلم ير ما يحب، والمعنى في كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون والظنون: الذي لا يوثق به كالبئر الظنون وهي القليلة الماء التي لا تثق بمائها، ثم أقبل على نفسه فقال: قدحان أن أترك الوصل الظّنون وأطّحه، ثم قال:
وما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقفةٍ حرون
الموقفة: الأروية التي في قوائمها خطوط كأنها الخلاخل، والوقف: الخلخال من الذبل، والتوقيف البياض مع السواد فأراد أن في قوائمها خطوطاً تخالف لونها. والحرون: التي تحزن في أعلى الجبل فلا تبرح. يقول: فهذه المرأة ليست بأقرب من هذه الأروية التي لا يقدر عليها، ثم قال:
تطيف بها الرماة وتتقيهم ... بأوعالٍ معطفة القرون
يقول: تطيف بهذه الأروية الرماة فلا تبرح لأنها في أعلى الجبل، ودونها أوعال فلا تصل إليها نبل الرماة، لأنهم يرمون تلك لأنها أقرب إليهم، فكأنها تقي نفسها بها وإنما يؤكد بعدها وأنها لا يقدر عليها.
" شدة بشر بن مروان في معاقبة العصاة وما كتب به بعض العشاق إلى حبيبته وقد استزارته "

وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان بشر بن مروان شديداً على العصاة فكان إذا ظفر بالعاصي أقامه على كرسيٍّ وسمر كفيه في الحائط بمسمار ونزع الكرسيّ من تحته فيضطرب معلقاً حتى يموت، وكان فتى من بني عجل مع المهلب وهو يحارب الأزارقة وكان عاشقاً لابنة عم له، فكتبت إليه تستزيره، فكتب إليها:
لولا مخافة بشرٍ أو عقوبته ... أو أن يشد على كفيّ مسمار
إذاً لعطّلت ثغري ثم زرتكم ... إن المحب إذا ما اشتاق زوّار
فكتبت إليه:
ليس المحبّ الذي يخشى العقاب ولو ... كانت عقوبته في إلفه النار
بل المحب الذي لا شيء يمنعه ... أو تستقر ومن يهوى به الدار
قال: فلما قرأ كتابها عطّل ثغره وانصرف إليها وهو يقول:
أستغفر الله إذ خفت الأمير ولم ... اخش الذي أنا منه غير منتصر
فشأن بشر بلحمي فليعذبه ... أو يعف عفو أمير خير مقتدر
ما أبالي إذا أمسيت راضيةً ... يا هند ما نيل من شعري ومن بشري
ثم قدم البصرة فما أقام إلا يومين حتى وشى به واشٍ إلى بشر، فقال: عليّ به، فأُتى به فقال: يا فاسق، عطّلت ثغرك! هلموا الكرسي، فقال: أعز الله الأمير، إن لي عذراً، فقال: وما عذرك؟ فأنشده الأبيات، فرّق له وكتب إلى المهلب فأثبته في أصحابه.
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي لتماضر بنت مسعود بن عقبة أخي ذي الرمة - وكان خرج بها زوجها إلى القفّين - :
نظرت ودوني القفّ ذو النخل هل أرى ... أجارع في آل الضحى من ذرى الأمل
فيالك من شوقٍ وجيع ونظرةٍ ... ثناها القفّ خبلاً من الخبل
ألا حبذا ما بين حزوى وشارعٍ ... وأنقاء سلمى من حزونٍ ومن سهل
لعمري لأصوات المكاكي بالضحى ... وصوت صباً في حائط الرمث بالدحل
وصوت شمالٍ زعزعت بعد هدأةٍ ... ألاءً وأسباطاً وأرطىً من الحبل
أحب إلينا من صياح دجاجةٍ ... وديكٍ وصوت الريح في سعف النخل
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلةًبجمهور حزوى حيث رببني أهلي قال أبو علي: قال الأصمعي: الأجارع جمع أجرع وجرعاء، وهي الرابية السهلة. والأمل جمع أميل، والأميل: الرمل المستطيل يكون ميلاً وأكثر من ذلك. والخبل: الفساد في البدن. والأنقاء جمع نقاً، وهي الرملة المستطيلة ليست بعظيمة. والمكاكي جمع مكّاء وهو طائر، قال الشاعر:
إذا غرّد المكّاء في غير روضةٍ ... فويلٌ لأهل الشاء والحمرات
قال أبو علي: قال الأصمعي: يقال للرمث أول ما يبدو ورقه قبل أن يخرج: قد أقمل، فإذا زاد جاوز ذلك قيل: قد أورس، فهو وارس ولا يقال مورسٌ. والألاء: شجر حسن المنظر مرّ المطعم قال بشر:
فإنكم ومدحكم بجيراً ... أبا لجإٍ كما امتدح الألاء
يراه الناس أخضر من بعيدٍ ... وتمنعه المرارة والاباء
والأسباط جمع سبط، وهو ضرب من الشجر أيضاً. والحبل: المستطيل من الرمل.
قال أبو علي: وقرأت عليه لابنه الحباب:
محاحبّ يحيى حبّ يعلى فأصبحت ... ليحيى توالي حينا وأوائله
الا بأبي يحيى ومثنى ردائه ... وحيث التقت من متن يحيى حمائله
وقالت فيه أيضاً:
أأضرب في يحيى وبيني وبينه ... تنائف لو تسري بها الريح كلت
ألا ليت يحيى يوم عيهم زارنا ... وإن نهلت مني السياط وعلت
قال أبو علي: وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد عرفة المعروف بنفطويه قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
أمن أجل دارٍ لوذان فالنقا ... غداة اللوى عيناك تبتدران
فقلت ألا لا بل قذيت وإنما ... قذى العين لي ما هيّج الطللان
فيا طلحتى لوذان لا زال فيكما ... لمن يبتغي ظليكما فننان
وإن كنتما هيّجتما لاعج الهوى ... ودانيتما ما ليس بالمتداني
وأنشدنا أيضاً:
ألا يا سيالات الدحائل باللوى ... عليكنّ من بين السيال سلام

وإني لمجلوبٌ لي الشوق كلما ... تغرد في أفنانكن حمام
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لابن الدمينة:
قفي يا أميم القلب نشكو الذي بنا ... وفرط الهوى ثم افعلي ما بدا لك
سلي البانة الغّناء بالأجرع الذي ... به البان هل حييت أطلال دارك
وهل قمت في أطلالهنّ عشيةً ... مقام أخي البأساء واخترت ذلك
ليهنك إمساكي بكفي على الحشى ... ورقرارق عيني رهبةً من زيالك
ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... هوىً لك أو مدنٍ لنا من نوالك
لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدىً منك لي أو ضلةً من ضلالك
قال أبو علي: وأنشدنا أبو عمر المطرز غلام ثعلب قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي:
فلو كنت أدري أن ما كان كائنٌ ... حذرتك أيام الفؤاد سليم
ولكن حسبت الصرم شيئاً أطيقه ... إذا رمت أو حاولت فيك عزيما
أخا الجن بلغها السلام فإنني ... من الإنس مزورّ الجناب كتوم
قال أبو علي: هكذا أنشدنا: جناب، وهو عندي جناب، من قولهم: لجّ فلان في جنابٍ قبيح إذا لجّ في مجانبة أهله.
أخا الجنّ ما ندري إذا لم يدم لنا ... خليلٌ صفاء الود كيف نديم
ولا كيف بالهجران والقلب آلفٌ ... ولا كيف يرضى بالهوان كريم
" مطلب في الكلمات التي تتعاقب فيها الفاء والثاء قال الأصمعي: الدفينة والدثينة: منزل لبني سليم. ويقال: اغتفت الخيل واغتثت إذا أصابت شيئاً من الربيع وهي العفة والغثة، قال طفيل الغنويّ:
وكنا إذا ما اغتفت الخيل غفةً ... تجرد طلاب التراب مطلب
ويقال: فلغ رأسه وثلغ رأسه إذا شدخه، ويقال: جدفٌ وجدثٌ للقبر. والدفئيّ والدثئيّ مثاله الدفعى من المطر، ووقته إذا قاءت الأرض الكمأة فلم يبق فيها شيء. والحثالة والحفالة: الردئ من كل شيء. قال أبو عبيدة: الحفالة والحثالة واحدٌ وهي من التمر والشعير وما أشبههما القشارة منه. وقال أبو عمرو: الفناء والثناء في فناء الدار. وحُكي: غلام ثوهدٌ وفوهدٌ وهو الناعم. وحكي: الأزفة والأرثة للحد بين الأرضين. وقال اللحياني: الأثافي والأثاثي، ولغة بني تميم الأثاثي. وتوفر وتحمد وتوثر وتحمد. وقال الفراء: المغافير والمغاثير: شيء ينضجه الثمام والرمث والعشر كالعسل. قال: وسمعت العرب تقول: خرجنا نتمغفر وتنمغثر أي نأخذ المغفور. قال: وسمعت الكسائي يحكي عن العرب: مغفر لواحد المغافير. والفوم والثوم: الحنطة، وفي قراءة ابن مسعود: " وثومها وعدسها " وثوبٌ فرقبيٌّ وثرقبيٌّ. ووقعوا في عافور شر وعاثور شر، قال العجاج:
وبلدةٍ مرهوبة العاثور
قال يعقوب بن السكيت: نرى أنه من قولهم: عثر يعثر إذا وقع في الشر. والنفيّ والثنيّ، ما نفاه الرشاء من الماء، قال الراجز:
كأن متنيه من النفي ... مواقع الطير على الصفيّ
ويروي: الصفيّ بالكسر والضم. وثم وفمّ في النسق. والنكاف والنكاث: داء يأخذ الإبل، وفروغ الدلو وثروغها: مصبّ مائها. ويقال للشيخ: مر يدلف ويدلث: إذا مشى مشياً ضعيفاً. وعفنت في الجبل أعفن وعنثت أعثن إذا صعدت في الجبل. ويقال: هو الضلال بن قهلل وثهلل وفهلل أيضاً عن اللحياني. واللفام واللثام، قال الفراء: اللثام على الفم واللفام على الأرنبة، وفلان ذو فروةٍ وثروةٍ، أي ذو كثرة من المال. وقال الأعرابي: يقال: انفجر الجرح وانثجر. وطلف على الثمانين وطلث: اذا زاد عليها:وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه لطفيل:
كأن على أعطافه ثوب مائح ... وإن يلق كلب بين لييه يذهب
أعطافه: جوانبه وإنما له عطفان. والمائح: الذي ينزل في البئر فيملأ الدلو فكلما جذبت دلو انصب عليه من مائها فابتل، فشبه الفرس وقد ابتل من العرق بثوب المائح، ومثله:
أبيت كأني كل آخر ليلة ... من الرخصاء آخر الليل مائح
وقوله: وإن يلق كلب بين لحييه أراد أنه واسع الشدقين ثم قال:
كأن على أعرافه ولجامه ... سنا ضرم من عرفج متلهب

السنا: الضوء، فيقول: كأن على أعرافه ولجامه ضوء ضرم، واذا كان له ضوء كان له حفيف، فيقول: يحف من شدة العدو حتى كأن عرفجاً يضرم على أعرافه وعنانه ومثله قول العجاج:
كأنما يستضرمان الرفجا
يستضرمان: يوقدان، يعني حمارين كأنما حفيفهما حفيف العرفج. وكان ابن الأعرابي يقول: سألت غنياً كلها أو سمعت غنياً تقول: إنما وصفه بالشقرة شبه شقرته على عنانه في حر الشمس بتوقد النار في يبيس العرفج. وكان عمارة بن عقيل يقول أيضاً: وصفه بالشقرة. قال أبو علي: وبيت طفيل هذا أحد الأبيات التي غلبت فيها أبو نصر على ابن الأعرابي وذلك أن أبا نصر ذهب فيه الى قول الأصمعي وهو التفسير الأول ومثله في الحفيف:
جموحاً مروحاً واحضارها ... كمعمعة السّعف المحرق
" حديث رجل من الأعراب تزوج اثنتين وقد قيل له من لم يتزوج اثنتين لم يذق حلاوة العيش " قال أبو علي: وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش فتزوج امرأتين ثم ندم فأنشأ يقول:
تزوجت اثنتين لفرط جهلي ... بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت أصير بينهما خروقاً ... أنعم بين أكرم نعجتين
فصرت كنعجة تضى وتمسي ... تداول بين أخبث ذئبتين
رضا هذي يهيج سخط هذي ... فما أعرى من أحدي السخطتين
وألقى في المعيشة كلّ ضرّ ... كذاك الضّرّ بين الضرتين
لهذي ليلة ولتلك أخرى ... عتابٌ دائمٌ في الليلتين
فإن أحببت أن تبقى كريماً ... من الخيرات مملوء اليدين
وتدرك ملك ذي يزن وعمرو ... وذي جدنٍ وملك الحارثين
وملك المنذرين وذي نواسٍ ... وتبعٍ القديم وذي رعين
فعش عزباً فإن لم تستطعه ... فضرباً في عراض الحجفلين
" حديث الأصمعي مع رجل من أهل حمى ضرية " قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: كنت مؤاخياً لرجل من أهل حمى ضرية، وكان جواداً رث الحل، فمررت به يوماً في بعض ترددي على الأحياء فإذا هو كئيبٌ، فسألته عن شأنه فقال:
ثمانين حولاً لا أرى منك راحةً ... لهنك في الدنيا لباقية العمر
فإن أنقلب من عمر صعبة سالماً ... تكن من نساء الناس لي بيضة العقر
والبيتان لعروة الرحال فأقبلت عليه أعظه وأصبّره، فأشنأ يقول:
لو أن نفسي في يدي مطيعتي ... لأرسلتها مما ألاقي من الهمّ
ولو كان قتيلها حلالاً قتلتها ... وكان ورود الموت خيراً من الغم
تعرضت للأفعى أحاول وطأها ... لعلي أنجو من صعيبة بالسمّ
فيا رب إكفنيها وإلا فنجني ... وإن كان يومي قبلها فاقضين حتمي
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله أن أبا عثمان أنشدهم عن التوزي عن أبي عبيدة لأعرابي طلق امرأة ندم فقال:
ندمت وما تغني الندامة بعد ما ... خرجن ثلاثٌ ما لهنّ رجوع
ثلاثٌ يحرمن الحلال على الفتى ... ويصدعن شعب الدار وهو ربيع
" حديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله مع وافد عليه " قال أبو علي: وحدّثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: بلغني أن وافداً وفد على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له: كيف تركت الناس؟ قال: تركت غنيهم موفوراً، وفقيرهم محبوراً، وظالمهم مقهوراً، ومظلومهم منصوراً، فقال: الحمد لله، لو لم تتم واحدة من هذه الخصال إلا بعضو من أعضائي لكان يسيراً.
" كلام بعض الحكماء " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال بعض الحكماء: من كانت فيه سبع خصال لم يعدم سبعاً: من كان جواداً لم يعدم الشرف، ومن كان ذا وفاء لم يعدم المِقة، ومن كان صدوقاً لم يعدم القبول، ومن كان شكوراً لم يعدم الزيادة، ومن كان ذا رعاية للحقوق لم يعدم السؤدد، ومن كان منصفاً لم يعدم العافية، ومن كان متواضعاً لم يعدم الكرامة.
" حديث قس بن ساعدة مع قيصر "

وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا السكن بن سيعد عن العباس بن هشام عن أبيه قال: كان قسّ بن ساعدة يفد على قيصر ويزوره فقال له قيصر يوماً: ما أفضل العقل؟ قال: معرفة المرء بنفسه، قال: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه، قال: فما أفضل المروءة؟ قال: استبقاء الرجل ماء وجهه، قال: فما أفضل المال؟ قال: ما قضي به الحقوق.
" ملاحاة الوليد بن عقبة بن سعيد بن العاص في مجلس معاوية رضي الله عنه " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم رحمه الله عن العتبي قال حدّثني أبي قال: حدّثني رجل من أهل الشام عن الأبرش الكلبي أنه سمع الوليد عن عقبة وعمرو بن سعيد بن العاص يتلاحيان في مجلس معاوية - رحمه الله - فتكلم الوليد، فقال له عمرو: كَذبت أو كُذبت، فقال له الوليد: اسكت با طليق اللسان منزوع الحياء ، ويا ألأم أهل بيته، فلعمري لقد بلغ بك البخل الغاية الشائنة المذلة لأهلها، فساءت خلائقك لبخلك، فمنعت الحقوق، ولزمت العقوق؛ فأنت غير مشيد البنيان، ولا رفيع المكان؛ فقال له عمرو: والله إن قريشاً لتعلم أني غير حلو المذاقة، ولا لذيذ الملاكة، وإني لكالشجا في الحلق؛ ولقد علمت أني ساكن الليل داهية النهار، لا اتبع الأفياء، ولا أنتمي إلى غير أبي، ولا يجهل حسبي، حامٍ لحقائقالذمار؛ غير هيوبٍ عند الوعيد، ولا خائفٍ رعديد، فلم تعير بالبخل وقد جبلت عليه، فلعمري لقد أورثتك الضرورة لؤماً، والبخل فحشاً؛ فقطعت رحمك، وجرت في فضيتك، وأضعت حق من وليت أمره؛ فلست ترجى للعظائم، ولا تعرف بالمكارم، ولا تستعف عن المحارم؛ لم تفدر على التوفير، ولم يحكم منك التدبير، فأُفحم الوليد. فقال معاوية - وساءه ذلك - : كفا لا أبا لكما، لا يرتفع بكما القول إلى ما لا نريد، ثم أنشأ عمرو يقول:
وليد إذا ما كنت في القوم جالساً ... فكن ساكناً منك الوقار على بال
ولا يبدرن الدهر من فيك منطقٌ ... بلا نظرٍ قد كان منك وإغفال
وقرأت على أبي بكر لطفيل الغنوي:
ظعائن أبرقن الخريف وشمنه ... وخفن الهمام أن تقاد قنابله
على إثر حيٍّ لا يرى النجم طالعاً ... من الليل إلا وهو قفرٌ منازله
أبرقن الخريف: رأين برق الخريف، وقال بعضهم: دخلن في برق الخريف. وشمنه: أبصرنه. والشيم: النظر إلى البرق خاصة. وقوله: وخفن الهمام يعني دخلت شهور الحل فخفن أن يغير عليهن فتنكبن ناحيته وتباعدن عنه. والقنابل جمع قنبلة، وهي الجماعة من الخيل. وقوله: لا يرى النجم طالعاً من الليل يقول: هذا الحي لا يرى النجم طالعاً بسدفةٍ إلا رحل إلى مكان آخر يبتغي النّجعة، وذلك في وقت من الأوقات فكأنه أبداً قفر.
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه: سمعت أعرابياً يقول: العاقل حقيق أن يسخى بنفسه عن الدنيا لعلمه ألا ينال أحد فيها شيئاً إلا قلّ إمتاعه به أو كثر عناؤه فيه، واشتدت مرزئته عليه عند فراقه، وعظمت التبعة فيه بعده.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه وأبو حاتم عن العتبي قالا: قال أعرابي: خير الإخوان من ينيل عرفاً أو يدفع ضراً.
وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال شيب بن شبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا هم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، ومعونة على حسن المعاش والمعاد.
قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها، أعبدة ما ينسى مودّتك القلب
وقرأت على أبي عبد اللّه ابراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة من خط ابن سعدا:
أعبدة ما ينسى مودّتك القلب ... ولا هو يسليه رخاء ولا ركب
ةلا قول واشٍ كاشحٍذي عداوة ... ولا بعد دار إن نأيت ةلا قرب
وما ذاك من نعمى لديك أصابها ... ولكنّّحباًما يقاربه حبُّ
فإن تقبلي يا عبد توبة تائب ... يتب ثم لا يوجد له أبدا ذنب
أذل لكم يا عبد فيما هويتم ... ويأصرني قلبٌ بكم كلفٌ صبٌ
وفي الصبر عمن لا يؤاتيك راحةٌ ... ولكنّه لا صبر عندي ولا لبُّ
وعبدة بيضاء المحاجر طفلة ... منعّمة تصبي الحليم وما تصبو

قطوفٌ من الحوار الأوانس بالضحى ... متى تمش قيس الباع من بهرها تربو
فلست بناسٍ يوم قالت لأربع ... نواعم غرٍّكلهن لها ترب
ألا ليت شعري فيم كان صدوده ... أعلق أخرى أم على به عتب
وقرأت عليه له أيضاً:
ألا يا من أحب بكل نفسي ... ومن هو من من جميع الناس حسبي
ومن يظلم فأغفره جميعاً ... ومن هو لا يهم بغفر ذنبي
وقرأت عليه أيضاً:
بنفسي من أشتكي حبه ... ومن إن شكا الحب لم يكذب
ومن إن تسخط أعتبته ... وإن يرني ساخطاً يعتب
ومن لا أبالي رضا غيره ... إذا هو سرّ ولم يغضب
ومن لا يطيع بنا أهله ... ومن قد عصيت له أقربي
ومن لو نهاني من حبه ... عن الماء عطشان لم أشرب
ومن لا سلاح له يتقى ... وإن هو نوزل لم يُغلب
قال أبو علي: وقرئ على أبي عمر المطرز وأنا أسمع قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي:
هل الريح أو برق الغمامة مخبرٌ ... ضمائر حاجٍ لا أطيق لها ذكرا
سليمى سقاها الله حيث تصرفت ... بها غربات الدار عن دارنا القطرا
إذا درجت ريح الصبا وتنسمت ... تعرفت من نجد وساكنه نشرا
فقرّف قرح القلب بعد اندماله ... وهيّج دمعاً لا جموداً ولا نزرا
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله أن أبا عثمان أنشدهم عن التوزي عن أب عبيدة لرجل من بني عبس:
إذا راح ركبٌ مصعدين فقبله ... مع الرائحين المصعدين جنيب
وإن هب علةيّ الرياح رأيتني ... كأني لعلوياتهن نسيب
وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وان لم آته لحبيب
فلاخير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرب إليك حبيب
وأنشدنا قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه للأقرع بن معاذ القشيري:
يقرّ بعيني أن أرى ضوء مزنة ... يمانية أو أن تهبّ جنوب
لقد شغفتني أم بكر وبغّضت ... إليّ نساء ما لهن ذنوب
أراك من الضرب الذي يجمع الهوى ... ودونك نسوانٌ لهن ضروب
وقد كنت قبل اليوم أحسب أنني ... ذلولٌ بأيام الفراق أديب
ويروى: أديب وأنشدنا قال: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لمرار بن هبّاش الطائي:
سقى الله أطلالاً بأحبلة الحمى ... وإن كن قد أبدين للناس ما بيا
منازل لو مرت بهن جنازتي ... لقال صداي: حاملي انزلانيا
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
من كان يزعم أن سيكتم حبه ... حتى يشكك فيه فهو كذوب
الحب أغلب للفؤاد بقهره ... من أن يرى للستر فيه نصيب
وإذا بدا سرّ اللبيب فإنه ... لم يبد إلا والفتى مغلوب
إني لأبغض عاشقاً متستراً ... لم تتهمه أعينٌ وقلوب
" حديث الأحنف مع معاوية في مدح الولد ويزيد بين يديه وحدثنا أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال أخبرنا أحمد بن عمرو وقال حدّثني أبي عمرو ابن محمد عن أبي عبيدة قال: دخل الأحنف بن قيس على معاوية ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجاباً به، فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا؛ فكن لهم أضاً ذليلة، وسماءً ظليلة؛ إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك؛ ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درك يا أبا بحر! هم كما وصفت.
وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي:
فلو كنت سيفاً كان أثرك جعرةً ... وكنت دداناً لا يغيرك الصقل

الجعرة: أثر الجعار، والجعار: حبل يوثق به في حقر الساقي إلى عمود القامة، فإن انقطع الرشاء لم يهو الماتح في البئر، فيقول: كنت سيفاً كليلاً لا يؤثر إلا كأثر الجعار. والددان والكهام والكهيم: الكليل.
" مطلب ما تتعاقب فيه اللام والنون " قال أبو علي: قال الأصمعي: يقال رأيت في أرض بني فلان نعاعة حسنة، ويقال: لعاعةً، وهو نبت ناعم في أول ما يبدو، رقيق لم يغلظ. يقال: إنما الدنيا لعاعة، قال ابن مقبل:
كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ... ورجرجٌ بين لحييها خناطيل
يسحطها: يذبحها. والرجرج: اللعاب يترجرج. وحناظيل: قطع متفرقة.
ويقال: بعيرٌ رفلٌ ورفنٌ إذا كان سابغ الذنب، قال ابن ميادة يصف فحلاً:
يتبعن سدو سبطٍ رفل ... كان حيث تلتقي منه المحل
من قطريه وعلان ووعل
وقال النابغة:
بكل مجرب كالليث يسمو ... إلى أوصال ذيلٍ رفنّ
ويقال: هتنت السماء وهتلت تهتن تهتاناً وتهتل تهتالاً، وهي سحائب هتنٌ وهتلٌ، وهو فوق الهطل، قال:
فسحت دموعي في الرداء كأنها ... كلاً من شعيبٍ ذات سحٍّ وتهتان
وقال العجاج:
عزز منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السواري متنه بالتهتال
قال أبو علي: هكذا يرويه البصريون عزز، يريدون: صلّب. والسدول والسدون: ما جلل به الهودج، قال الزفيان:
كأنما علقن بالأسدان ... يانع حمّاض وأقحوان
وقال حميد بن ثور:
فرحن وقد زايلن كل ظعينةٍ ... لهن وباشرن السديل المرقما
يصف نساء. والكتن والكتل: التلزج ولزوق الوسخ بالشيء، وأنشد لابن ميادة:
تشرب منه نهلاتٍ وتعلّ ... وفي مراغٍ جلدها منه كتل
وقال ابن مقبل:
ذعرت به العير مستوزياً ... شكير جحافله قد كتن
مستوزياً: منتصباً مرتفعاً. والشكير: الشعر الضعيف ها هنا، وكتن أي لزقٍ به أثر خضرة العشب. ويقال: طبرزنٌ وطبرزلٌ للسكر. والرهدنة والرهدلة وهي الرهادل وهو طويرٌ يشبه القبرة إلا أنه ليست له قنزعة، وقال الطوسي: الرهدن والرهدل: الضعيف، والرهدن والرهدل: طوير أيضاً. ويقال: لقيته أصيلانا وأصيلاً لا أي عشياً. قال الفراء: جمعوا أصيلاً أصلانا كما يقال: بعير وبعران ثم صغروا الجمع وأبدلوا النون لاماً. وقال أبو عمرو الشيباني: الغربن والغريل مل يبقى من الماء في الحوض والغدير الذي تبقى فيه الدعاميص لا يقدر على شربه. وقال الأصمعي: الغرين إذا جاء السيل فثبت في الأرض فجفّ فترى الطين قد جفّ ورقّ، فهو الغرين. وقال أبو عمرو: الدمال: السرجين، ويقال: الدمان بالنون. وقال الفراء: يقال: هوشثن الأصابع وشثلها. وهو كبن الدلو وكبل الدلو. وقال الأصمعي: الكبن ما ثني من الجلد عند شفة الدلو. قال: وكل كفٍّ كبنٌ، يقال: قد كبنت عنك بعض لساني أي كففت وقد كبنت ثوبي في معنى غبنته ولم يعرفها باللام.
قال أبو علي: غبنت ثوبي وكففته واحد. قال ويقال: رجل كبنّة: إذا كان منقبضاً عن الناس. وقال الفراء: يقال: أتن يأتن وأتل يأتل وهو الأتلان والأتلال، وهو أن يقارب خطوه في غضب، قال وأنشدني أبو ثروان:
أأن حن أجمالٌ وفارق جيرةٌ ... عنيت بنا ما كان نولك تفعل
ومن يسأل الأيام نأي صديقه ... وصرف الليالي يعط ما كان يسأل
أراني لا آتيك إلا كأنما ... أسأت وإلا أنت غضبان تأتل
أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وقال الفراء: العرب تجمع ذألان الذئب ذآليل.
قال أبو علي: الذألان من المشي: الخفيف، ومنه سمى الذئب ذؤالة. والدّألان بالدال: مشى الذي كأنه يبغي في مشيته. وقال اللحياني عن الكسائي: يقال: أتاني هذا الأمر وما مأنت مأنه، وما مألت مأله، أي ما تهيأت له. وهو حنك الغراب وحلكه لسواده. قال: وقلت لأعرابي: أتقول: مثل حنك الغراب أو حلكه؟ فقال: لا أقول مثل حلكه. قال أبو زيد: الحلك: اللون والخنك: المنسر.

قال أبو علي: المنسر: المنقار، وإنما سمي منسراً لأنه ينسر به أي ينتف به. وقال الكسائي: هو العبد زُلكةً وزَلمةً، وزُنمةً وزَنمةً وزَنَمةً، أي قدّه قدّ العبد. وقال الفراء: عنوان الكتاب وعلوانه وعنيانه وقد عنونته عنونةً وعنواناً وعلونته علونة وعلواناً. وقال اللحياني: أنبته أبلته إذا أثنيت عليه بعد موته. ويقال: هو على آسان من أبيه وعلى آسالٍ من أبيه، وقد تأسن أباه وتأسله إذا نزع إليه في الشبه. وعتلته إلى السجن وعتنته أعْتِله وأعْتُله وأعتِنه وأعتُنه. ويقال: ارمعلّ الدمع وارمعنّ، إذا تتابع. ويقال: لابل ولابن، وإسماعيل وإسملعين، وميكائيل وميكائين، وإسرافيل وإسرافين، وإسرائين وإسرائيل، وأنشد:
قد جرت الطير أيامنينا ... قالت وكنت رجلاً فطينا
هذا ورب البيت إسرائينا
قال أبو بكر في كتاب المتناهى في اللغة: هذا أعرابي أدخل قرداً إلى سوق الحيرة ليبيعه، فنظرت إليه امرأة فقالت: مسخ، فقال هذه الأبيات. وشراحيل وشراحين وجبرئيل وجبرئين. ويقال: ألصت الشيء أليصه إلا صةً وأنصته إناصةً، إذا أدرته. قال أبو علي: يعني مثل إدارتك الوتد لتخرجه. والدحل والدحن: الخبّ الخبيث، والدحن أيضاً: الكثير اللحم، وبعيرٌ دحنة، إذا كان عريضاً كثير اللحم، وأنشد:
ألا ارحلوا دعنكةً دحنة ... بما ارتعى مزهيةً مغنه
وقنة الجبل وقلته. وشلت العين الدمع وشنت. وذلاذل القميص وذناذنه لأسافله، واحدها ذلذل وذنذن. قال أبو علي: وأبو زيد يقول: واحدها ذلذلٌ. وقال اللحياني يقال: هو خامل الذكر وخامن الذكر. قال أبو علي: وحدثنا أبو عبد اله ابراهيم بن محمد بن عرفة النحوي قال حدّثنا عبد الله بن محمد عن المدائني قال: كتب الحسن إلى عمرو بن عبد العزيز - رحمة الله عليهما - : كن كالمداوي جرحه، صبر على شدة الدواء، مخافة طول البلاء.
" كلام لعمر بن عبد العزيز رحمه الله " وحدثنا قال أخبرنا عبد الله بن محمد عن المدائني عن علي بن حماد قال: كتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى رجل: اتق الدنيا فإن مسها لين، وارفض نعيمها لقلة ما يتبعك منه، واترك ما يعجبك منها لسرعة مفارقتها.
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي قال حدّثني أحمد بن عبيد قال قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - قبل خلافته:
إنه الفؤاد عن الصبا ... وعن انقيادٍ للهوى
فلعمر ربك إن في ... شبي المفارق والجلى
لك واعظاً لو كنت تت ... عظ اتعاظ ذوي النهى
حتى متى لا ترعوي ... والى متى وإلى متى
ما بعد أن سميت كه ... لاً واستلبت اسم الفتى
بلى الشباب وأنت إن ... عمّرت ؤهنٌ للبلى
وكفى بذلك زاجراً ... للمرء عن غيًّ كفى
قال أبو علي: الأنزع الذي قد انحسر الشعر عن جانبي جبهته، فإذا زاد قليلاً فهو أجلح، فإذا بلغ النصف فهو أجلي، ثم هو أجله؛ قال رؤية:
لما رأتني خلق المموه ... براق أصلاد الجبين الأجله
بعد غداني الشباب الأبله
" ماوقع بين إسحاق بن سويد العدوي وذي الرمة وقد شرب ذو الرمة النبيذ ولم يشرب إسحاق " قال وحدثنا أبو بكر بن أنباري - رحمه الله - قال حدّثني أبي قال حدّثنا عبد الله قال حدّثني صالح بن صالح قال حدّثنا محمد بن سماعة بن عبد عبد الله بن هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو وقال حدّثنا زيد ابن أسلم مولى بني عديٍّ - وكان إمامهم - قال: اجتمع اسحاق بن سويد العدوي وذو الرمة في مجلس فأتوا بالطعام فطعموا، وأتوا بالنبيذ فشرب ذو الرمة وأبي إسحاق بن سويد العدوي، فقال ذو الرمة:
أما النبيذ فلا يذعرك شاربه ... واحفظ ثيابك ممن يشرب الماءا
قومٌ يوارون عما في صدروهم ... حتى إذا استمكنوا كانوا هم الداءا
مشمرين إلى أنصاف سوقهم ... هم اللصوص وهم يدعون قراءاً
فقال اسحاق بن سويد:
أما النبيذ فقد يزرى بشاربه ... ولن ترى شارباً أزرى به الماء
الماء فيه حياة الناس كلهم ... وفي النبيذ إذا عاقرته الداء

يقال هذا نبيذي يعاقره ... فيه عن البر والخيرات إبطاء
وفيه إن قيل مهلاً عن مصممه ... وفيه عند ركوب الإثم إغضاء
" زياد وعبد الله بن همام السلولي " وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: وشى واشٍ بعبد الله بن همام السلولي إلى زياد، فقال له: إنه هجاك، فقال: أأجمع بينك وبينه؟ قال: نعم، فبعث زياد إلى ابن همام فأتي به، وأدخل الرجل بيتاً، فقال زياد: يابن همام، بلغني أنك هجوتني، فقال: كلا، أصلحك الله! ما فعلت ولا أنت لذلك بأهل، فقال: إن هذا الرجل أخبرني وأخرج الرجل، فأطرق ابن همام هنيهةً ثم أقبل على الرجل فقال:
أنت امرؤٌ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم
فأبت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلةٍ بين الخيانة والإثم
فأعجب زياد بجوابه، وأقصى الواشي ولم يقبل منه.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: دخل أعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال: أصلح الله الأمير، شيخ كبير حدته إليك بارية العظام، ومؤرثة الأسقام، ومطولة الأعوام، فذهبت أمواله، وذعذعت آباله، وتغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بسجله، ويرده إلى أهله! فقال: كل ذلك، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
قال أبو علي: بارية العظام: التي تبري العظام. وذعذعت: فرقت. والسجل: الدلو الذي فيه ماء، وهو هاهنا مثل.
" سؤال عبد الملك بن مروان للعجاج وما أجاب به " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل قال: دخل العجاج على عبد الملك بن مروان، فقال: يا عجاج، بلغني أنك لا تقدر على الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، ومن قدر على تشييد الأبنية أمكنه إخراب الأخبية، قال: فما يمنعك من ذلك؟ قال: إن لنا عزاً يمنعنا من أن نُظْلَم، وإن لنا حلماً يمنعنا من نَظْلِم، فعلام الهجاء؟ فقال: لكلماتك أشعر من شعرك؛ فأنى لك عزٌ يمنعك من أن تُظلم؟ قال: الأدب البارع، والفهم الناصع، قال: فما الحلم الذي يمنعك من تَظْلم؟ قال: الأدب المستطرف والطبع التالد. قال: يا عجاج، لقد أصبحت حكيماً؛ قال: وما يمنعني وأنا نجي أمير المؤمنين.
وأنشدنا أبو بكر بن أنباري قال أنشدنا أبو العباس:
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراماً وأنتم ما أقام ألائم
تحدث ركبان الحجيج بلؤمكم ... وتقري به الضيف اللقاح العواتم
أسود العين: جبل، يقول: لا تكونون كراماً حتى يغيب هذا الجبل، وهو لا يغيب أبداً. وقوله: وتقري به الضيف اللقاح العواتم، يعني أن أهل الأندية يتشاغلون بذكر لؤمكم عن حلب لقاحهم حتى يمسوا، فإذا طرقهم الضيف صادف الألبان بحالها لم تحلب فنال حاجته، فكأن لؤمكم قِرى الأضياف والاشتغال بوصفه.
حدّثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: أعطر رجل أعرابياً فأكثر له، فقال له الأعرابي: إن كنت جاوزت قدري عند نفسي فقد بلغت أملي فيك.
وحدثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سأل رجل رجلاً حاجة فقضاها، فقال: وضعتني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثني الرياشي قال حدّثنا الأصمعي قال: سمعت اعرابياً يمدح رجلاص فقال: كان والله ساعياً في طلب المكارم، غير ضال في معارج طرقها، ولا نتشاغل بغيرها عتها.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثني الرياشي عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: شيعنا الحي وفيهم أدوية السقامن فقرأن بالحدق السلام، وخرست الألسن عن الكلام.
" حديث عثمان بن إبراهيم الخاطبي مع عمر بن أبي ربيعة " قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد الله بن نفطويه قال عثمان بن إبراهيم الخاطبي، فقال لي بعد أن قرأت قطعة من الخبز فتبينه: حدّثنا بهذا الخبر أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال حدّثني مصعب بن عبد الله عن عثمان بن ابراهيم الخاطبي: قال أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنتين، فانتظرته فإذا هو في مجلس قومه بني مخزوم حتى إذا تفرق الناس عنه دنوت منه ومعي صاحب لي، فقال لي: هل لك أن تنظر هل بقي من الغزل شيء في نفسه؟ فقلت: دونك، فقال: يا أبا الخطاب، أحسن والله رسيان العذري، قال: وفيما ذا؟ قال حين يقول:

لو جذ بالسيف رأسي في مودتها ... لمال لاشك يهوى نحوها راسي
فقال عمر: أحسن والله! فقال: يا أبا الخطاب، وأحسن والله نجبة بن جنادة العذري، قال فيما ذا؟ قال حين يقول:
سرت لعينك سلمى عند مغناها ... فبت مستلهياً من بعد مسراها
فقلت أهلاً وسهلاً من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إياها
تأتي الرياح التي من نحو بلدتكم ... حتى أقول دنت منا برياها
وقد تراخت بنا عنها نوىً قذفٌ ... هيهات مصبحها من بعد ممساها
من حبها أتمنى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناعٍ فينعاها
كيما أقول فراقٌ لا لقاء له ... وتضمر النفس يأساً تسلاها
ولو تموت لراعتني وقلت لها ... يا بؤس للموت ليت الدهر أبقاها
فضحك عمر وقال: أحسن ويحه والله! لقد هيجتم عليّ ما كان مني ساكناً، لأحدثنكم حديثاً حلواً: بينا أنا منذ أعوامٍ جالسٌ إذ أتاني خالدٌ الخريت، فقال: يا أبا الخطاب، مرَّ قبيلاً أربع يردن كذا وكذا من مكة ولم أر مثلهن قط، فهل لك أن تأتي متنكراً فتسمع من حديثهن ولا يعلمن؟ قلت: ويحك! وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قال: تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس على قعود حتى تهجم عليهن. قال: فجلست على قعود ثم أتيتهن وسلمت عليهن، فسألنني أن أحدثهن وأنشدهن، فأنشدتهن لكثير وجميل وغيرهما، فقلن: يا أعرابي؛ ما أملحك! لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت. قال: فأنخت قعودي فجلست معهن فتحدثت وأنشدتهن، فدنت هند وهي التي كنت أشبب بها، فمدت يدها فألقت عمامتي عن رأسي، ثم قالت: والله أتراك خدعتنا منذ اليوم، نحن والله خدعناك، ثم أرسلنا إليك خالداً ليأتينا بك على أقبح هيئاتك، ونحن على ما ترى. ثم أخذنا في الحديث فقالت: يا سيدي لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت في جيبي فلما نظرت إلى كعثبي فرأيته ملء العين وأمنية المتمني ناديت: يا عمراه يا عمراه! فصاح عمر: يا لبيكاه يا لبيكاه! ثم أنشأ يقول: " قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها ألم تسأل الأطلال والمتربعا
ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حلياتٍ دوارس بلقعا
قال أبو علي: وأملى علينا أبو عبد الله:
عرفت مصيف الحي والمتربعا
وهو غلظ، لأن عرفت مصيف الحي أول قصيدة جميل:
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعدما ... نكأن فؤاداً كان قدماً مفجعا
بهند وأترابٍ لهند إذ الهوى ... جميعٌ وإذ لم نخش أن يتصدعا
وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا
وإذ لا نطيع العاذلين ولا نرى ... لواشٍ لدينا يطلب الصرم مطمعا
تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكرت الحديث المودعا
فقلت لمطريهن بالحسن إنما ... ضررت فهل تسطيع نفعاً فتنفعا
وأشريت فاستشرى وقد كان صحا ... فؤادٌ بأمثال المها كان موزعا
وروى أبو عبد الله: بأمثال الدمى كان مولعاً، ومعنى مولع وموزع واحد.
وهيجت قلباً كان قد ودع الصّبا ... وأشياعه فاشفع عسى أن تشفعا
لئن كان ما قد قلت حقاً لما أرى ... كمثل الألى أطريت في الناس أربعاً
فقال تعال انظر فقلت وكيف لي ... أخاف مقاماً أن يشيع فيشفعا
فقال أبو علي: هذا البيت لم يمله عليّ أبو عبد اللّه، وقرأته عليه من خط ابن سعدان
فقال اكتفلثم التثم وأت باغياً ... فسلّم ولا تكثر بأن تتورعا
فإني سأخفي الغين عنك فلا ترى ... مخافة أن يفشو الحديث فيسمعا
فأقبلت أهوى مثل ما قال صاحبي ... لموعده أزجى قعوداً موقعاً
فلمل توافقنا وسلّمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا
وروى أبو عبد اللّه: فلما تلاقينا.
تبالهن بالعرفان لما عرفتني ... وقلن امرؤ باغٍ أكلّ وأوضعا
وروى أبو عبد اللّه: لما رأيتني، وروى أيضاً: أضلّ فأوضعا، قال أبو علي: وهو أحب إليّ

وقربّن أسباب الهوى لميتم ... يقيس ذراعاً كلّما قسن إصبعا
فلما تنازعن الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن نغرّ ونخدعا
وروى أبو عبد اللّه: " لكنت خليقاً أن تغرّ وتخدعا "
فبالأمس أرسلنا بذلك خالداً ... إليك وبّينا له الشأن أجمعا
وروى أبو عبد اللّه: لبالأمس أرسلنا
فما جئنا إلا على وفق موعدٍ ... على ملأٍ منا خرجنا له معا
رأينا خلاءً من عيون ومجلساً ... دميث الربى سهل المحلة ممرعا
وقلنا كريمٌ نال وصل كرائم ... فحقّ له في اليوم أن يتمتعا
وبخط ابن سعدان: " فحقّ لنا في اليوم أن نتمتعا " قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لمرار بن هباّش الطائي:
فما ماء مزنٍ في ذرى متمنع ... حمى ورده وعرٌ به ولصوب
بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... سوى أن أرى بيضاً لهنُّ غروب
أأهجر من قد خالط القلب حبه ... ومن هو موموق اليَّ حبيب
" شذرة من أمثال العرب " قال الأصمعي: من أمثال العرب: " زاحم بعودٍ أودع " يقول: لا تستعن على أمرك إلا بأهل السّنّ المعرفة. قال: ومن أمثالهم " الفحل يحمي شوله معقولاً " يعني أن الحرّ قد يحتمل الأمر الجليل ويحمي حريمه وإن كانت به علة. قال: ومن أمثالهم " مخرنبقٌ لينباع " والمخرنبق: المطرق الساكت، وقوله: لينباع أي ليثب؛ وروى أبو عبيدة وأبو زيد، لينباق أيضاً ولم يفسّراه.
قال أبو علي: وأنا أقول لينباق: ليندفع. وقال الأصمعي: من أمثالهم " كان حماراً فاستأتن " يضرب مثلاً للرجل يهون بعد العز. قال: ومن أمثالهم " الحّمى أضرعتني اليك " أي ذلّ للحاجة. قال أبو علي إنما قيل هذا، لأن صاحب الحاجة تأخذه رعشة عند التماس حاجته حرصاً عليها، يقول: فهذا الذي بي من القلّ هو الذي أضرعني، والقلّ: الرّعدة. قال: ومن أمثالهم: " عودٌ يُقلّح " يعني أن تحسن أسنانه وتنقّى. والقلح: صفرة في الأسنان. وقال أبو عبيدة: وفي هذا المعنى من أمثالهم: و " من العناء رياضة الهرم " وقرأنا على أبي بكر بن دريد لأفنون التغلبي:
أنّى جزوا عامراً سوءاً بحسنم ... أم كيف يجزونني السوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنفٍ إذا ما ضنّ باّللبن
العلوق: التي ترأم بأنفها وتمنع درها، يقول: فأنتم تحسنون القول ولا تعطون شيئاً فكيف ينفعني ذلك.
" مطلب ما تتعاقب فيه الميم والباء " وقال أبو عبيدة: السّاسم والسّاسب: شجر.
وقال اللحياني: أتانا وما عليه طحربة ولا طحرمة أي خرقة. وكذلك يقال: ما في السّماء طحربة ولا طحرمة أي لطخٌ من غيم. ويقال: ما في نحي بني فلان عمقة ولا عبقة أي لطخ ولا وضر. وقال أبوعمرو الشيباني: ما زلت راتماً على هذا الأمر وراتباً أي مقيماً. وقال الأصمعي: بنات مخرٍ وبنات بخرٍ: سحائب يأتين قبل الصّيف بيضٌ منتصبات، قال طرفة:
كبنات المخر يمأدن كما ... أنبت الصيف عساليج الخضر
وقال أبو علي: ويروي الخضر. قال: وكان أبو سرّار الغنويّ يقول: با اسمك، يريد: ما اسمك.
وقال: ظليمٌ أربد وأرمد، وهو لون إلى الغبرة. وقال يعقوب بن السكيت: قال بعضهم: ليس هذا من الإبدال، ومعنى أرمد يشبه لون الرّماد، وسمعت ظأب تيس بني فلان وظأم تيسهم بالهمز فيهما، وهو صياحه عند هياجه، وأنشد:
يصوع عنوقها أحوى زنيمٌ ... له ظأبٌ كما صخب الغريم
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: ظاب التيس وظامه لا يهمزان. قال أبو علي: ورويناه في الغريب المصنف غير مهموز وظأم الرجل وظأبه بالهمز: سلفه، ويقال: قد تظاءما وتظاءبا إذا تزوجا أختين. ويقال للرجل إذا يبس من الهزال: ما هو إلا عشبة وعشمة. قال أبو علي: وكذلك يقال للكبير الذي قد ذهب لحمه. ويقال للعجوز: قحمة وقحبة، وكذلك لكل مسنة. ويقال: سّاب فلان فلاناً فأرمى عليه وأربى أي زاد. وقال الفراء يقال: رميت وأرميت. قال وكذلك يقال: أرميت وأربيت على السبعين، ورميت أي زدت. قال وأنشدني أعرابي:
وأسمر خطّيّاً كأن كعوبه ... نوى القسب قد أرمى ذراعاً على العشر

ويروى: قد أربى. وقال أبو عبيدة: الرّجمة والرّجبة، إذا طالت النخلة فخافوا أن تقع وأن تميل رجبوها، وهو أن يبنى لها بناء من حجارة يرفدها، ويكون أيضاً أن يجعل حول النخلة شوك، وذلك إذا كانت غريبة طريفة لئلا يصعدها أحد. قال الأصمعي: ومنه قول الأنصاري: " أنا عُذيقها المرجّب وجذيلها المحكّك. والعُذيق تصغير عذق وهي النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعِذق: الكِباسة، والكِباسة تسمى القنو وجمعه قنوانٌ. والترحيب: أن يبنى للنخلة دُكان يرفدها من شق الميل وذلك إذا أكرمت على أهلها وخافوا أن تقع، فيقول: إن لي عشيرة ترفدني وتمنعني وتُعضدني. وقال أبو عبيدة: يقال سمّد رأسه وسبّد رأسه، والتسبيد: أن يحلق رأسه حتى يلصقه بالجلد، ويكون التسبيد أيضاً: أن يحلق الرأس ثم ينبت الشيء اليسير من الشعر. وقال الأصمعي: ويقال للرجل إذا نبت شعره واسود واستوى: قد سبّد رأسه، وفي الحديث: " إن التسبيد في الحرورية فاشٍ " ويقال للفرخ إذا نبت ريشه فغطى جلده ولم يطل: قد سبّد وسمّد، قال الراعي:
لظلّ قطاميٌّ وتحت لبانه ... نواهض ربدٌ ذات ريشٍ مسبّد
وقال اللحياني: هو يرمي من كثبٍ ومن كثمٍ أي من قرب وتمكّن. وضربة لازم ولازب: وثوب شمارق وشبارق ومشمرق ومشبرق، إذا كان ممزقاً. ويقال: وقع في بنات طمارٍ وطبارٍ أي داهية. والعُبري والعُمريّ: أصل الذّنب. ويقال أدهقت الكأس الى أصبارها وأصمارها، إذا ملأتها الى رأسها والواحد صمر وصبر. ويقال: رجل دنّبة ودنّمة للقصير. وقال الأصمعي: أخذت الأمر بأصباره أي بكلّه، ويقال: أخذتها بأصبارها أي تامة بجميعها وأنشد:
تربي على ما قدّ يفريه الفار ... مسك شبوبين لها بأصبار
ويقال: أسود غيهم وغيهب. ويقال: أصابتنا أزمة وأزبة، وهو الضيق والشدة. ويقال: صئب من الماء وصئم، إذا امتلأ وروى منه. وقال أبو عبيدة: عقمة وعقبة لضربٍ من الوشى ويقال: اضبأكت الأرض واضمأكت إذا اخضرت. ويقال: كبحته وكمحته وأكبحته وأكمحته؛ وقال الأصمعي: أكمحته إذا جذبت عنانه حتى ينتصب رأسه، ومنه قوله: والرأس مكمح وأكفحتها إذا تلقيت فاها باللجام تضربها به، ومنه قيل: لقيته كفاحاً أي كفة كفة. وكبحتها بغير ألف وهو أن تجذبها إليك وتضرب فاها باللجام لكي لا تجري. وقال يعقوب: يقال ذأبته وذأمته إذا طردته وحقرته. ويقال: رأمت القدح ورأبته إذا شعبته. ويقال: زكب بنطفته وزكم بها إذا حذنف بها. ويقال: هو ألأم زكبةٍ وزكمةٍ. ويقال: عبد عليه وأبد وأمد أي غضب. ويقال: المال يربي على كذا وكذا ويرمي ويردي أي يزيد. ويقال: وقعنا في بعكوكاء ومعكوكاء أي في غبار وجلبةٍ وشرٍّ، وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: في بعكوكاء أي في اختلاط، قال أبو علي: المعني واحد. وقال الفراء: يقال: جردبت في الطعام وجردمت، وهو أن يستر بيده على ما بين يديه من الطعام كيلا يتناوله أحد وأنشد:
إذا ما كنت في قومٍ شهاوى ... فلا تجعل شمالك جردبانا
قال أبو العباس: ويروي جردبانا بضم الجيم. وقال غيره يقال: مهلاً وبهلاً في معنى واحد.
وقال أبو عمرو الشيباني: مهلاً وبهلاً: إتباع. قال: والقرهم والقرهب: السّيد، قال أبو علي: والقرهب أيضاً: الثّور المسن.
" نبذة من كلام سيدنا علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه " قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: بلغني أن علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه كان يقول: إنما المرء في الدنيا غرضٌ تنتضل فيه االمنايا، ونهبٌ للمصائب؛ ومع كل جرعة شرقٌ، وفي كل أكلة غصصٌ؛ ولا ينال العبد فيها نعمةً إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله؛ فنحن أعوان الحتوف، وأنفسنا تسوقنا الى الفناء، فمن أين نرجو البقاء؛ وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شىء شرفاً إلا أسرعا الكّرة في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا، فاطلبوا الخير وأهله واعلموا أنّ خيراً من الخير معطيه وشراً من الشر فاعله.
" كتاب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الى ابنه عبد اللّه في غيبة غابها " وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال رجل من أهل الكوفة قال:

كتب عمر رضي اللّه عنه الى ابنه عبد اللّهفي غيبة غابها: أما بعد، فإنه من اتقى اللّه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جزاه، فاجعل التقوى جلاء بصرك، وعماد ظهرك؛ فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسنة له، ولا جديد لمن لا خلق له.
" كلام لبعض الحكماء " وحدّثنا أبو بكر حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: بلغني أن بعض الحكماء كان يقول: إني لأعظكم وإني لكثير الذنوب مسرفٌ على نفسي غير حامدٍ لها ولا حاملها على المكروه في طاعة اللّه عز وجلّ، قد بلوتها فلم أجد لها شكراً في الرخاء، ولا صبراً على البلاء؛ ولو أنّ المرء لايعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه لترك الأمر بالخير والنهي عن المنكر، ولكن محادثة الإخوان حياةٌ للقلوب وجلاءٌ للنفوس وتذكيرٌ من النسيان؛ واعلموا أن الدنيا سرورها أحزان، وإقبالها إدبار، آخر حياتها الموت؛ فكم من مستقبلٍ يوماً لا يستكمله، ومنتظرغداً لا يبلغه؛ ولو تنظرون الى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.
وحدّثنا أبو عبد اللّه قال أخبرنا محمد بن موسى السامي قال حدّثنا الأصمعي قال: رأيت أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا حسن الصحبة، أتيتك من بُعدٍ فأسألك سترك الذي لا ترفعه الرّياح، ولا تخرقه الرماح. وأنشدني أبو بكر بن دريد للحطيئة:
مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريٌّ طرفه سامي
الرّوايا: الإبل التي تحمل الماء والزاد، فالخيل تجنب إليها فإذا طال عليها القياد وضعت جحافلها على أعجازها فصارت كأنها قد استحقبت جحافلها أي جعلتها حقائب لها، وواحد الحقائب حقيبة.
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال أنشدنا محمد بن سلام لعمارة بن صفوان الضبي:
أجارتنا من يجتمع يتفرق ... ومن يك وهنا للحوادث يغلق
ومن لا يزل يوفي على الموت نفسه ... صباح مساء يا بنة الخير يعلق
أجارتنا كل امرئٍ ستصيبه ... حوادث إلا تكسر العظم تعرق
وتفرق بين الناس بعد اجتماعهم ... وكل جميع صالحٌ للتفرق
فلا السالم الباقي على الدهر خالدٌ ... ولا الدهر يستبقى جنينا لمشفق
قال: وأنشدنيه أبي، حبيباً بحاء غير معجمة.
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه قال كُثير - وهجرته عزة وحلفت ألا تكلمه - فلما نفر الناس من منىً ولقيته فحيت الجمل ولم تحيه، فأنشأ يقول:
حيتك عزة بعد النفر وانصرفت ... فحيَّ ويحك من حيّاك يا جمل
لو كنت حييتها ما زلت ذا مقمةٍ ... عندي ولا مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جملاًحييت يا رجل
قال: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدني منصور لأبي تمام الطائي:
سقيم لا يموت ولا يفيق ... قد اقرح جفنه الدمع الطليق
شديد الحزن يحزن من رآه ... أسير الصبر ناظره أريق
ضجيع صبابة وحليف شوق ... تحمل قلبه ما لا يطيق
يظل كأنه مما احتواه ... يسعر في جوانبه الحريق
" نبذة من كلام العرب " قال أبو علي: وأملى علينا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي: من كلام العرب: خفة الظهر أحد اليسارين، والعزبة أحد السبابين، واللّبن أحد اللحمين، وتعجيل اليأس أحد اليسرين والشعر أحد الوجهين، والرواية أحد الهاجيين، والحمية احدى الميتتين. وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا عبد اللّه بن خلف لبشّار بن بن برد الأعمى:
يزهدني في وصل عزة معشرٌ ... قلوبهم فيها مخالفةٌ قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختاروا وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
وما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
وما الحسن إلا كل حسنٍ دعا الصبا ... وألفّ بين العشق والعاشق الصب

وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس قال: لما حضرت عبد الملك الوفاة قال - وهو يعني الدنيا - إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وإن كنا منك لفي غرور.
" كلام لبعض الحكماء " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثني عمي عن أبيه قال: قيل لبعض الحكماء، كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان، ويجدد الآمال، ويقرب الآجال، قيل له، فما حال أهله؟ قال: من ظفر به نصب، ومن فاته حزن، قيل: فأي الأصحاب أبر؟ قال: العمل الصالح، قيل: فأيهم أضر؟ قال: النفس والهوى، قيل: ففيم المخرج؟ قال: في قطع الراحة وبذل المجهود.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يقول لابنه: لا يغرنك ما ترى من خفض العيش ولين الرياش، ولكن فانظر إلى سرعة الظعن وسوء المنقلب.
" وصية عمير بن حبيب الصحابي لبنيه " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدّثنا مسلم قال حدّثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا أبو جعفر الخطمي أن جدّه عمير بن حبيب - وكان بايع النبي صلى الله عليه وسلم - أوصى بنيه فقال: يا بنيّ، إياكم ومخالطة السفهاء، فإن مجالستهم داء، وإنه من يحلم عن السفيه يسر بحلمه ومن يجبه يندم، ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطن قبل ذلك على الأذى وليوقن بالثواب من الله عز وجل، إنه من يوقن بالثواب من الله عز وجل لا يجد مس الأذى.
" حديث أبي مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في تفضيل الرطب على العنب " وحدثنا أبو عبد الله رحمه الله قال حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي الأزدي قال حدّثنا علي بن عبد الله قال حدّثنا سفيان قال حدّثنا الربيع بن لوط بن البراء قال: ذكروا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيهما أطيب، العنب أم الرطب؟ فقال عمر: أرسلوا إلى أبي حثمة، فقال: يا أبا حثمة، أيهما أطيب، الرطب أم العنب؟ فقال: ليس كالصقر في رؤوس الرقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، تحفة الصائم وتعلة الصبي، ونُزل مريم بنة عمران؛ وينج ولا يعنى طابخه، ويحترش به الضب من الصلعاء، ليس كالزبيب إن أكلته ضرست، وإن تركنه غرثت.
قال أبو علي: الصَّقْر: الدبس بلغة أهل الحجاز. والرقل: الطوال من النخل، واحدتها رقلة. ويحترش: يضاد. والصلعاء: الأرض التي لا نبات بها. والنزل: ما ينساغ من الطعام، ويقال: هذا طعامٌ قليل النُّزل والنَّزل إذا كان لا ينساغ، ولا يقال: النَّزول والنُّزول. والنُّزل أيضاً: الريع وهو الزيادة، ذكره اللحياني. فأما قولهم: أخذ القوم نُزلهم فمعناه ما تجري عادتهم بأخذه مما ينزلون عليه ويصلح عيشهم به، وهو مأخوذ من النزول، يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديث الاستسقاء: " اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها " أي أنزل علينا من المطر ما يكون سبباً للنبات الذي تسكن الأرض به، فالسكن من سكن بمنزلة النُّزل من نزل، وفيه لغتان نُزل ونَزل.
وحدثنا أبو عبد الله قال حدّثنا محمد بن موسى السامي عن الأصمعي قال: قال رجل من أهل الحاضرة لرجل من أهل البادية: أتعرفون الزنا عندكم بالبادية؟ قال: نعم، أو أحدٌ لا يعرف الزنا وقد نهى الله عنه! فما الأمر عندكم؟ قال: الضمة والشمة والقبلة؛ قال: ليس الأمر عندنا هكذا، هو أن يباضع الرجل المرأة، فقال الأعرابي: هذا طالب ولدٍ ونسل.
وحدثنا أبو عبد الله قال حدّثنا محمد بن يزيد الأزدي قال: أردف ذو الرمة أخاه فعرضت لهما ظبيةٌ، فقال ذو الرمة:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النقا آأنت أم أمّ سالم
فقال أخوه:
فلو تحسن التشبيه والوصف لم تقل ... لشاة النقا آأنت أم أمّ سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وظلفين مشقوقين تحت القوائم
فقال ذو الرمة:
هي الشبه إلا مدرييها وأذنها ... سواء وإلا مشقة بالقوائم
وأنشدنا غير واحد من أصحابنا قول الشماخ:
وتشكو بعينٍ ما أكلّ ركابها ... وقيل المناى أصبح القوم أدلجى

يريد: وتشكو هذه المرأة السرى الذي قد أكل ركابها، وذلك أنه استبان ذلك في عينها لغؤورها وانكسار طرفها ونعاسها، وتشكو أيضاً قول المنادي أي تشنيع ذلك عليها، ويروى: ما أكلت ركابها. ثم قال:
فظلت كأني أتقي رأس حيةٍ ... بجاجتها إن تخطئ النفس تعرج
يقول: أتقي أن أبوح بما أجد كما أتقي رأس حية إن لم تقتل أعرجت، أي لا أقدر أن أكلمها من الرقباء، ومعنى بحاجتها أي بحاجتي إليها.
" حديث أعرابي دخل على بعض الأمراء وشرب الخمر وهو لا يعلمها " وحدثني أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة: أن أعرابياً دخل على بعض الأمراء وهو يشرب، فجعل يحدثه وينشده ثم سقاه، فلما شربها قال: هي والله أيها الأمير، أي هي الخمر؛ فقال: كلا، إنها زبيب وعسل، فلما طرب قال له: قل فيها، فقال:
أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب فصدقناه وهو كذوب
وما هي إلا ليلةٌ غاب نجمها ... أواقع فيها الذنب ثم أتوب
" حديث عمارة بن عقيل في مولاة لبني الحجاج كانت تنشد كلمته في حمادة " وحدثنا أبو قال حدّثنا أبو عثمان قال حدّثني عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال: كانت مولاة لبني الحجاج تحفظ شعراً وترويه وتنشده فتيات بني الحجاج، فأنشدتهن ذات ليلة كلمتي في حمادة - وفيهن واحدة وهي عقيلتهن - فلما انتهى قولي:
فإن تصبح الأيام شيبن مفرقي ... وأذهبن أشجاني وفللن من غربي
فيا رب يوم قد شربت بمشرب ... شفيت به غيم الصدى باردٍ عذب
ومن ليلة قد بتها غير آثمٍ ... بساجية الحجلين ريانة القلب
ضحكت، ثم أعرضت وضربت بكمها على وجهها وقالت: فهلا أثم! حرمه الله.
وأنشدنا أبو بكر أبي الأزهر مستملي أبي العباس المبرد قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب للضحاك:
يقولون مجنونٌ بسمراء مولعٌ ... ألا حبذا جنٌ بنا وولوع
وإني لأخفي حب سمراء منهم ... ويعلم قلبي أنه سيشيع
ولا خير في حبٍّ يكن كأنه ... شغافٌ أجنته حشاً وضلوع
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله من خط إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
بنفسي من هواه على التنائي ... وطول الدهر مؤتنفٌ جديد
ومن هو في الصلاة حديث نفسي ... وعدل النفس عندي بل يزيد
وقرأت عليه من خطه أيضاً:
ألا بأبي من ليس والله نافعي ... بنيلٍ ومن قلبي على النأي ذاكره
ومن كبدي تهفو إذا ذكر اسمه ... كهفو جناحٍ ينفض الطلّ طائره
له خفقانٌ يرفع الجيب كالشجا ... يقطع أزرار الجربان ثائره
قال أبو علي: هكذا وجدته بخط إسحاق بكسر الجيم ولم ينكره أبو بكر. وقال الفراء: جربان القميص بالضم، وكذلك جربان السيف حده، وأما الذي في خبر أبي زبيد فجربان بتسكين الراء والتخفيف وهو الغمد؛ وقرأت على أبي بكر في شعر الراعي:
وعلى الشمائل أن يهاج بنا ... جربان كل مهندٍ عضب
" ما قيل في خفقان الفؤاد " ومن حسن ما رويناه في خفقان الفؤاد ما أنشدني أبو عبد الله بن جعفر بن درستوية النحوي قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي لباشر بن برد:
كان فؤاده كرةٌ تنزى ... حذار البين إن نفع الحذار
نبت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار
أقول وليلتي تزداد طولا ... أما لليل بعدهم نهار
وقد أحسن عدي بن الرقاع حين يقول:
ألا من لقلبٍ لا يزال كأنه ... يدا لامعٍ أو طائر يتصرف
وأنشدنا غير واحد في هذا المعنى لقيسٍ المجنون:
كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح
قطاةٌ عزها شركٌ فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
والمجنون أحد المحسنين في هذا المعنى، وله:
وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منىً ... فهيّج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أثار بليلى طاراً كان في صدري
ويروى: أطار.
" قصيدة الوقاف ورد بن ورد الجعدي "

وقرئ على أبي عمر المطرز غلام ثعلب في هذا المعنى وأنا أسمع، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد ابن يحيى الشيباني للوقاف وهو ورد بن ورد الجعدي:
إذا تركت وردية النجد لم يكن ... لعينيك مما يشكوان طبيب
وإني لأخشى أن يعود عليهما ... قذىً كان في جفنيهما وغروب
وكانت رياح الشام تبغض مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب
وقد كان علوي الرياح أحبها ... إلينا فقد دارت هناك جنوب
كأن فؤادي كلما خفت روعة ... من البين بازٍ ما يزال ضروب
سما بالخوافي واستمر بساقه ... على الصيد سيرٌ بالأكف نشوب
ولم أنس منها منظراً يوم شبها ... لعيني في الصرم الحلول شبوب
تأود بين المطريفين كأنما ... تأود بين المطرفين عسيب
أثيبي صدىً لو تعلمين سقيته ... سقاك غماماتٌ لهن دبيب
هوامل ماءٍ تمتريهن ربدة ... لما فرغت من مائهن سكوب
هنيئاً لعودس من بشامٍ تزفه ... على بردٍ شهدٌ بهن مشوب
بما قد تروى من رضابٍ ومسه ... بنانٌ كهداب الدمقس خضيب
فلا وأبيها إنها لبخيلةٌ ... وفي قول واشٍ إنها لغضوب
رمتني عن قوس العدو وإنها ... إذا ما رأتني عازفاً لخلوب
وقرأت على أبي بكر بن دريد للشماخ:
رعى بارض الوسمي حتى كأنما ... يرى بسفا البهمي أخلة ملهج
يقول: رعى هذا الحمار بارض الوسمي. والبارض: أول ما يخرج من النبات، فلعادته وأكله ذلك كأنما يرى بسفا البهمي أخلة ملهج. والسفا: شوك البهمي. وأخلة جمع خلال. والملهج: الذي قد لهجت فصائله بالرضاع، فإذا لهجت خل أنفها بخلالٍ محدد الرأس ولأسفلهحجنة لئلا يخرج، فيقول: رعى بارض البهمي حتى ظهر شوكه وجف، فإذا تناوله الحمار أوجعه، فكأنما يرى برؤيته السفا أخلة ملهج.
قصيدة كثير التي أولها: ألا حييا ليلى أجد رحيلي، وشرح ما فيها من الغريب وقرأت على أبي بكر بن دريد لكثير:
ألا حييا ليلى أجد رحيلي ... وآذن أصحابي غداً بقفول
تبدت له ليلى لتذهب عقله ... وشاقتك أمّ الصلت بعد ذهول
وروىأبو عمرو الشيباني: تبدت له ليلى لتغلب صبره
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرةٌ ... تعلّ بها العينان بعد نهول
وكم من خليل قال لي هل سألتها ... فقلت له ليلى أضنّ خليل
وأبعده نيلاً وأوشكه قلىً ... وإن سئلت عرفاً فشر مسول
حلفت برب الراقصات إلى منىً ... خلال الملا يمددن كل جديل
تراها رفاقاً بينهن تفاوتٌ ... ويمددن بالإهلال كل أصيل
تواهقن بالحجاج من بطن نخلة ... ومن عزورٍ والخبت طفيل
بكل حرامٍ خاشع متوجهٍ ... إلى الله يدعوه بكل نقيل
على كل مذعان الرواح معيدةٍ ... ومخشية ألا تعيد هزيل
شوامذ قد أرتجن دون أجنةٍ ... وهوجٍ تبارى في الأزمة حول
يمين أمرئٍ مستغلظٍ من أليةٍ ... ليكذب قيلاً قد ألحّ بقيل
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسيل
ويروى: برسول، والرسول والرسيل: الرسالة ها هنا.
فإن جاءك الواشون عني بكذبةٍ ... فروها ولم يأتوا لها بحويل
فلا تعجلي يا ليل أن تتفهمي ... بنصح أتى الواشون أم بحبول
فإن طبت نفساً بالعطاء فأجزلي ... وخير العطا يا ليل كل جزيل
وإلا فإجمالٌ إليّ فإنني ... أحب من الأخلاق كل جميل
وإن تبذلي لي منك يوماً مودةً ... فقدماً تخذت القرض عنه بذول
وإن تبخلي يا ليل عني فإنني ... توكلني نفسي بكل بخيل

ولست براضٍ من خليل بنائلٍ ... قليل ولا راضٍ له بقليل
وليس خليل بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يديم وصاله ... ويحفظ سري عند كل دخيل
ولم أر من ليلى نولاً أعده ... ألا ربما طالبت غير منيل
يلومك في ليلى وعقلك عندها ... رجالٌ ولم تذهب لهم بعقول
يقولون ودع عنك ليلى ولا تهم ... بقاطعة الأقران ذات خليل
فما نقعت نفسي بما أمروا به ... ولا عجبت من أقوالهم بفتيل
تذكرت أتراباً لعزة كالمها ... حبين بليطٍ ناعم وقبول
وكنت إذا لاقيتهن كأنني ... مخالطةٌ عقلي سلاف شمول
تأطرن حتى قلت لسن بوراحا ... رجاء الأماني أن يقلن مقيلى
فأبدين لي من بينهن تجهما ... وأخلفن ظني إذ ظننت وقيلى
فلأيا بلأيٍّ ما قضين لبانةً ... من الدار واستقللن بعد طويل
فلما رأى واستيقن البين صاحبي ... دعا دعوةً يا حبتر بن سلول
فقلت وأسررت الندامة ليتني ... وكنت امرأً أغتش كل عذول
سلكت سبيل الرئاحات عشيةً ... مخارم نضع أو سلكن سبيلي
فأسعدت نفساً بالهوى قبل أن أرى ... عوادي نأيٍ بيننا وشغول
ندمت على ما فاتني يوم بنتم ... فيا حسرتا ألا يرين عويلي
وروى أبو بكر: يوم بينة، وقال: هو موضع.
كأن دموع العين واهية الكلى ... وعت ماء غربٍ يوم ذاك سبيل
تكنفها خرقٌ تواكلن خرزها ... فأبجلنه والسير غير بجيل
أقيمي فإن الغور يا عز بعدكم ... إليّ إذا ما بنت غير جميل
كفى حزناً للعين أن ردّ طرفها ... لعزة عيرٌ آذنت برحيل
ويروى :... أن راء طرفها ... لعزة عيرا...
قال أبو بكر: رأى وراء مثل رعى وراع: قال أبو علي وروى أبو بكر: فوليت محزوناً.
لعزة إذ يحتلّ أهلها ... فأوحش منها الخيف بعد حلول
وبدّل منها بعد طول إقامة ... تبعث نكباء العشي جفول
لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ... ومال بنا الواشون كل مميل
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي ... إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل
قال أبو علي: بقفول: برجوع، والقافلة: الراجعة من سفر، ولا يقال للذين خرجوا من بيوتهم إلى مكة: قافلة. وأوشكه: أسرعه. والقلي: البغض. والراقصات: الإبل. والملا: الفضاء. والجديل: زمام مجدول أي مضفور. والأصيل: العشي. وتواهقن: تبارين في سيرهن، والمواهقة: المباراة في السير، قال طفيل:
قبائل من فرعي غنيّ تواهقت ... بها الخيل لا عزلٌ ولا متأشب
والمواضحة: المباراة في كل شيء، قال الشاعر:
إذا واضحوه المجد أربى عليهم ... بمستفرغٍ ماء الذناب سجيل
وقال العجاج:
تواضح التقريب قلواً مغلجاً
قال: وكذلك المساجلة والمواغدة والمماناة والمماءرة والمواءمة، يقال: واضخت الرجل وواغدته وساجلته ومانيته ومارءته وواءمته إذا ساويته في فعله، قال أوس بن حجر:
تواغد رجلاها يديه ورأسه ... له نشزٌ فوق الحقيبة رادف
وقال الآخر:
من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وقال لبيد:
أماني بها الأكفاء في كل موطنٍ ... وأجزي فروض الصالحين وأقتري
وقال خداش بن زهير:
تمارءتم في الفخر حتى هلكتم ... كما أهلك الغار النساء الضرائرا

وبطن نخلة: بستان بني عامر، وهو المجمعة. وعزور: ثنية الجحفة. والخبت جمعه خبوت، وهي المطمئنات من الأرض. وطفيل: موضع. والنقيل: الطريق. والمذعان: المذللة، يقال: أذعن له إذا ذل له وخضع. ومعيدة: التي قد عاودت السفر. والشوامذ: الشائلات الأذناب، والناقة إذا استبان لقحها شمذت بذنبها. وأرتجن: أغلقن أرحامهن على أولادهن فهن مرتجات، ومنه قيل: أريج على القارئ إذا وقف فلم يدر ما يتلو، كأنه أغلق عليه. والحول جمع حائل، وهي التي لا تلقح. والألية: اليمين، وفيها أربع لغات، يقال: ألية وتجمع أليّات وألايا؛ وتجمع ألوات؛ وألوة وتجمع ألىً؛ وإلوة وتجمع إلىً. وفردها من الفرية، يقال: فرى يفرى. والحويل: المحاولة. والحبول: الدواهي، واحدتها حبل بكسر الحاء. والخبول: جمع خبل، وهو الفساد. والدخيل: العالم بداخل أمرك، يقال: هو عالم بدَخلك ودِخلك ودُخللك ودُخيلائك ودخيلتك ودُخلك ودخيلك.
وقال اللحياني: قال بعضهم: قد عرفت دخلل أمره ودخلل أمره ودخلة أمره ودِخلة أمره ودُخلة أمره ودخيل أمره وداخلة أمره. وقال بعضهم: دُخلل الحب: صفاؤه وداخله.
وأنشدني عبد الله بن جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس المبرد:
فوددت إذ سكنوا هنالك دارهم ... وعدتهم عنا أمورٌ تشغل
أنا نطاع إذاً فتنقل أرضنا ... أو أن أرضهم إلينا تنقل
لترد من كثبٍ إليك رسالتي ... بجوابها ويعود ذاك الدُّخلل
ويقال: الدخيل والدخلل: الخاصة. وما نفعت أي ما رويت يقال: شرب حتى نقع وبضع أي روي. ومن أمثال العرب: " حتّام تكرع ولا تنقع " وعجت: انتفعت. والأتراب: الأقران، وكذلك اللدات. والليط: اللون وهو الجلد أيضاً. وتأطّرن ها هنا: تلبّثن، وأصل التأطّر: التعطف. واللأي: البطء. واللبانة: الحاجة. والمخارم جمع مخرم: وهو منقطع أنف الجبل. ونصع: جبل أسود بين الصفراء وينبع. والعوادي: الصوارف. والكلى: جمع كلية، وهي الرقعة تكون في أصل عروة المزادة. والغرب: الدلو العظيمة. والسجيل: الغرب الضخم. والخرق جمع خرقاء، والخرقاء: التي لا تحسن العمل، فإذا أحسنت العمل فهي صناعٌ، والرجل صنع. وأبجلنه: أوسعنه. والبجيل: الغليظ، يريد أغلظن الإشفى وأدققن السير.
وقال أبو علي وقال لي أبو بكر: البجيل: الكبير في غير هذا الموضع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف على بقيع الغرقد: " لقد أصبتم خيراً بجيلاً وسبقتم شراً طويلاً " . قال أبو علي: وهما عندي في المعنى واحد، لأن الغليظ لا يكون إلا عن كثرة أجزاء. والنكباء: الريح التي تهب بين مهبي ريحين، وإنما قيل لها نكباء ، لأنها تنكبت مهب هذه ومهب هذه. والجفول: التي تذهب التراب. وطرور الشارب: نباته، قال الشاعر:
منا الذي هو ما إن طرّ شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب
قال أبو علي قال الأصمعي: من أمثال العرب: " حبل فلان يفتل " إذا كان مقبلاً. قال ويقال: " لو كان ذا حيلةٍ تحول " يراد أنه إنما أُتي من قِبل ضعفه. قال ويقال: " لأعصبنكم عصب السلمة " والسلمة يأتيها الرجل فيشدها بنسعةٍ إذا أراد أن يخبطها، لئلا يشذ شوكها فيصيبه. ويقال: " احس وذق " مثل للرجل يتعرض لما يكره فيقع فيه.
" ما تتعاقب فيه العين والحاء من كلام العرب " وقال أبو عبيدة يقال: ضبعت الخيل وضبحت سواء. قال وقال بعضهم: ضبحت بمنزلة نحمت، كذا حكى عنه يعقوب. وقال الأصمعي: إنه لعفضاجٌ وحفضاج إذا تفتق وكثر لحمه. ويقال: رجل عفاضجٌ. قال وشمعت أبا مهدي يقول: " إن فلاناً لمعصوبٌ ما حفضج " . ويقال: بحثروا متاعهم وبعثروه أي فرقوه. ويقال للمرأة إذا كانت تبدو وتجيء بالكلام القبيح والفحش: هي تعنظى وتحنظى وتحنذى، وقد عنظى الرجل وحنظى وحنذى، وأنشد لجندل:
قامت تعنظى بك سمع الحاضر
ويروى: تحنظى بك وتحنذى. ويقال: نزل حراه وعراه أي قريباً منه. والوعا والوحا: الصوت، يقال سمعت وعاهم ووحاهم.
" ما تعاقب فيه الهمزة الهاء " قال الأصمعي يقال: للصبا أيرٌ وأيّر وهيرٌ وهيّر على مثال فيعل. ويقال للقشور التي في أصول الشعر: إبريةٌ وهبرية، ويقال: أيا فلان وهيا فلان، وأنشد:
فانصرفت وهي حصانٌ مغضبه ... ورفعت من صوتها هيا أبه
كل فتاةٍ بأبيها معجبة

ويقال: ارقت الماء وهرقته، ويقال: إياك أن تفعل وهياك. ويقال: اتمألّ السنام واتمهلّ إذا انتصب. ويقال للرجل إذا كان حسن القامة: إنه لمتمئلٌّ ومتمهلٌّ. ويقال: أرحت دابتي وهرجتها. ويقال: أنرت له وهنرت له.
" ما تتعاقب فيه السين والتاء " قال الأصمعي يقال: الكرم من سوسه ومن توسه أي من خليقته. ويقال: رجلٌ حفيسأٌ وحفيتأٌ إذا كان ضخم البطن إلى القصر ما هو، وأنشد الفراء:
يا قبّح الله بني السعلات ... عمرو بن يربوع شرار النات
ليسوا أعفاء ولا أكيات
أراد شرار الناس وأكياس. وقرأنا على أبي بكر بن دريد للبيد:
نشين صحاح البيد كل عشيةٍ ... بعود السراء عند بابٍ محجّب
أراد أنهم يخططون يقسيهم ويفخرون فيقولون: قعلنا وفعلنا. والسراء: خشب يُتخذ منه القسيُّ، ومثله قول الحطيئة:
أم من لخصم مضجعين قسيهم ... ميل خدودهم عظام المفخر
وذلك أن القوم إذا جلسوا يتفاخرون خطوا بأطراف قسيهم في الأرض: لنا يوم كذا وكذا. ولنا يوم كذا وكذا، يعددون أيامهم ومآثرهم.
" وصف علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " وحدثنا أبو عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة النحوي رحمه الله حدّثنا محمد بن عبد الملك قال حدّثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، هكذا قال يزيد بن هارون، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: نعت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الهامة، كثير شعر الرأس، رجلاً أبيض مشرباً حمرةً، طويل المسربة، شثن الكفين والقدمين، طويل أصبابعها - هكذا الحديث - ضخم الكراديس، يتكفأ في مشيته كأنما يمشي في صببٍ، لا طويلاً ولا قصيراً، لم أر مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وسلم. قال أبو علي: الرجل استرسال الشعر كأنه مسرّح وهو ضد الجعودة، يقال رجلٌ رَجِل الشعر. والمسربة: الشعر المستدق من الصدر إلى السرة، وأنشدني أبو بكر بن دريد للحارث بن وعلة:
ألآن لما ابيضّ مسربتي ... وعضضت من نابي على جذم
قال أبو عبيدة: والشثن: الخشن الغليظ. وهذا من صفة النبي صلى الله عليه وسلم التمام وأنه ليس هناك استرخاء. وضخم الكراديس يريد غليظ العظام، والكردوس: كل عظم عليه لحمه. قال أبو علي: ويتكفأ: يتمايل في مشيته، وهذا مدح في المشي لأنه لا يكون إلا عن تؤدة وحسن مشي وقوله: في صبب، الصّبب: الحدور، والماشي يترفق في الحدور.
" شيء من كلام العرب ووصاياها " وأملى علينا أبو عبد اللّه قال: من كلام العرب ووصاياها: جالس أهل العلم، فإن جهلت علموك، وإن زللت قوموك، وإن أخطأت لم يفندوك، وإن صحبت زانوك، وإن غبت تفقدوك؛ ولا تجالس أهل الجهل، فإنك إن جهلت عنفوك، وإن زللت لم يقوموك، وإن أخطأت لم يثبتوك.
وحدثنا أبو عبد اللّه قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: أتى أعرابي باب بعض الملوك فأقام به حولاًً ثم كتب إليه: الأمل والعدم أقدماني عليك. وفي السطر الثاني: الإقلال لا صبر معه. وفي الثالث: الإنصراف بلا فائدة شماتة الأعداء. وفي الرابع: إما نعم سريح، وإما يأس مريح.
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يدعو لرجل فقال: جنبك اللّه أمرين، وكفاك شر الأجوفين، وأذاقك البردين. قال أبو علي: الأمران الفقر والعرى. والأجوفان: البطن والفرج. والبردان: برد العين وبرد العافية.
وحدثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابياً يقول: خصلتان من الكرم: إنصاف الناس من نفسك، ومؤاساة الإخوان.
" حديث طريح بن اسماعيل الثقفي مع كاتب داوود بن علي " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: رفع طريح بن اسماعيل الثقفي حاجة إلى كاتب داوود بن علي ليرفعها إلى داود وجاءه مجازياً له، فقال له: هذه حاجتك مع حاجة فلان - لرجل من الأشراف - فقال طريح:
تخل بحاجتي وأشدد قواها ... فقد أمست بمنزلة الضّياع
إذا راضعتها بلبان أخرى ... أضر بها مشاركة الرضاع
" ما خطب به الناس عمرو بن سعيد في مجلس معاوية يوم عقد البيعة ليزيد "

وحدثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثني أبو حاتم عن العتبي قال: لما عقد البيعة معاوية رحمه اللّه لابنه يزيد قام الناس يخطبون، فقال معاوية لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية، فقام فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه، وأجلٌ تأمنونه؛ إن استضفتم إلى حلمه وسعكم وإن احتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم؛ جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع ففاز سهمه؛ فخو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه. فقال معاوية: آوسعت يا أبا أمية فاجلس.
" ما قاله أعرابي يمدح بعض الملوك وقد دخل عليه " وحدّثنا أبو بكر قال رحمه اللّه حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: دخل أعرابي على بعض الملوك فقال: رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لايخفى على الناظر؛ وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصّر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك؛ ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك .
وقرأنا عن أبي بكر بن دريد قول الشاعر:
لعلك والموعود حقٌّ وفاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
فإن الذي ألقى إذا قال قائل ... من الناس هل أحسستها لعناء
أقول التي تبنى الشمات وإنهّا ... عليّ وإشمات العدو سواء
قال: هذا رجل وعد رجلاً قلوصاً فأخلفه، فقال له الموعود: إذا سئلت أقول التي تنى الشمات عنّي أي أقول: نعم قد أخذتها، أي أكذب، ثم قال: وكذبي وإشمات العدو سواء.
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه اللّه قال أنشدنا أبو حاتم للطّرمّاح:
ولو أن غير الموت لاقى عدبّسا ... وجدّك لم يسطع له أبداً هضما
فتًى لو يصاغ الموت صيغ كمثله ... إذا الخيل جالت في تساجلها قدما
ولو أن موتاً كان سالم رهبةً ... من الناس إنسانا لكان له سلما
قال أبو علي: هذا مثل قول عنترة:
إن المنية لو تمثّل مثّلت ... مثلى إذا نزلوا بضنك المنزل
" مرثية ربيعة الأسدي لأبنه ذؤاب " قال أبو علي: وأملى علينا رحمه اللّه قال أخبرنا أبو حاتم أن أبا عبيدة أنشدهم لربّيعة الأسدي يرثي ابنه ذؤابا:
أبلغ قبائل جعفرٍ مخصوصةً ... ما إن أحاول جعفر بن كلاب
أن المودّة والهوادة بيننا ... خلقٌ كسحق الرّيطة المنجاب
قال يروي:
أن البقيّة والهوادة بيننا ... سملٌ كسحق الرّيطة المنجاب
إّلا بجيش لا يكتّ عديده ... سود الجلود من الحديد غضاب
قال أبو علي: قوله لا يكتّ عديده: ولا يحصى. قال أبو علي وقال لي أبو بكر: من كلام العرب لاتكتّه أو تتكتّ النجوم أي لا تعده.
ولقد علمت على التّجلد والأسى ... أن الرّزيّة كان يوم ذؤاب
أذؤاب إني لم أهبك ولم أقم ... للبيع عند تحضّر الأجلاب
إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
بأحبّهم فقداً إلى أعدائهم ... وأشدهم فقداً على الأصحاب
ويروى:
بأشدهم أوقاً على أعدائهم ... وأجلهم رزءاً على الأصحاب
وعمادهم في كل يوم مريهةٍ ... وثمال مل معصب قرضاب
قال أبو علي: القرضاب والقرضوب: الفقير، والقرضاب في غير هذا الموضع: اللّص.
أهوى له تحت العجاج بطعنةٍ ... والخيل تردي فيا الغبار الكابي
الكابي:المنتفخ. يقال: فلان كابي الرماد إذا كان سخياً، ومن هذا قيل: كبا الفرس يكبو إذا ربا وانتفخ
أذؤاب صاب على صداك فجاده ... صوب الرّبيع بوابلٍ سكاب
ما أنس لا أنساه آخر عيشتنا ... ما لاح بالمعزاء ريع سراب
قال أبو علي: الرّيع: الرجوع، وريعان الشباب: أوله، والرّيع أيضاً: الزيادة، ومنه حدّيث عنر رضي اللّه عنه: املكوا العجين فإنه أحد الرّيعين " مرثية سلمة بن يزيد في أخيه لأمه قيس بن سلمة " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه: أن أباه أنشده عن أحمد بن عبيد عن ابن الكلبي لسلمة بن يزيد يرثي أخاه لأمه قيس بن سلم:

أقول لنفسي في الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر
ألا تفهمين الخبر أن لست لاقياً ... أخي إذا أتى من دون أكفانه القبر
وكنت إذا ينأى به بين ليلةٍ ... يظلَ على الأحشاء من بينه الجمر
فهذا لبينٍ قد علمنا إيابه ... فكيف لبين كان موعده الحشر
وهوّن وجدي أنني سوف أغتدي ... على إثره حقاًً وإن نفس العمر
فلا يبعدنك اللّه إما تركتنا ... حميداً وأودى بعدك المجد والفخر
فتىً كان يعطى السيف في الروع حقّه ... إذا ثوّب الداعي وتشقى به الجزر
فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
فتىً لا يعد المال رباً ولا يرى ... له جفوةٌ إن نال مالاً ولا كبر
فنعم مناخ الضّيف كان إذا سرت ... شمالٌ وأمست لا يعرجها ستر
ومأوى اليتامى الممحلين إذا انتهوا ... إلى بابه سغباً وقد قحط القطر
يقال: قحط الناس بكسر الحاء وأقحطوا وقحط القطر بفتح الحاء.
" المفاضلة بين عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر العذري " وحدثنا حرميٌّ قال حدّثنا الزبير قال: كان عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر يتنازعان الشعر فيقال: إن عمر في الرائية والعينية أشعر، وإن جميلاً في اللامية أشعر، وكلاهما قد قال فأحسن، قال جميل:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني ... لأقسم ما بي عن بثينة من مهل
أحلماً فقبل اليوم كان أوانه ... أم أخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
وفيها يقول:
إذا ما تناثينا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابةً ... إلى إلفه واستعجلت عبرةً قبلي
فيا ويح نفسي الذي بها ... ويا ويح أهل ما أصيب به أهلي
خليليَ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلاً بكى من حبِّ قاتله قبلي
وقال عمر:
جرى ناصحٌ بالود بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب إلى قتلي
وطارت بحدٍّ من فؤادي ونازعت ... قرينتها حبل الصفاء إلى حبلي
فما أنس ملأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها يوماً بقارعة النخل
فلما توافقنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النّعل بالنعل
وفيها يقول:
فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدو بكائي أو يرى كاشحٌ فعلي
فقالت وأرخت جانب السّجف إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سريّ ليس يحمله مثلي
وقال الزبير: ليس من شعراء الحجاز يتقدّم جميلاً وعمر في النّسيب والناس لهما تبعٌ.
وقرأت على أبي بكر بن دريد لكثير:
لا تغدرنّ بوصل عزّة بعد ما ... أخذت عليك مواثقاً وعهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه ... صدق الصفاء وأنجز الموعودا
أللّه يعلم لو أرت زيادة ... في حب عزة ما وجدت مزيدا
ويروى:
أللّه يعلم لو أردت زيادة ... في الحب عندي ما وجدت مزيدا
رهبان مدين والذين رأيتهم يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة خاشعين سجودا
والميت ينشر أن تمس عظامه ... مساً ويخلد أن يراك خلودا
" حديث قيس بن ذريح وإلحاح أبيه عليه في طلاق لبنى وما إليه أمره بعد فراقها "

حدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني عبد اللّه بن خلف الدلال قال قال محمد بن زياد الأعرابي: لما ألحّ ذريح على ابنه قيس في طلاق لبنى فأبى ذلك قيس، طرح ذريح نفسه في الرّمضاء وقال: لا واللّه لا أريم هذا الموضع حتى أموت أو يخلّيها، فجاءه قومه من كل ناحية فعظّموا عليه الأمر وذكّروه باللّه وقالوا: أتفعل هذا بأبيك وأمك! إن مات شيخك على هذه الحال كنت معينا عليه وشريكاً في قتله، ففارق لبنى على رغم أنفه وقلة صبره وبكاء منه حتى بكى لهما من حضرهما؛ وأنشأ يقول:
أقول لخلّتي في غير جرٍم ... ألا بينى بنفسي أنت بينى
فو اللّه العظيم لنزع نفسي ... وقطع الرّجل منّي واليمين
أحبّ إليّ يا لبنى فراقا ... فبكّى للفراق وأسعدني
ظلمتك بالطلاق بغير جرم ... فقد أذهبت آخرتي وديني
قال: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول:
رحلت إليه من بلدي وأهلي ... فجازاني جزاء الخائنينا
فمن راني فلا يغترَّ بعدي ... بحلو القول أو يبلو الدَّفينا
فلما انقضت عدَّتها وأرادت الشخوص إلى أهلها أتيت براحلة لتحمل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخله منه أمر عظيم واشتد لهفه، وأنشأ يقول:
بانت لبيني فأنت اليوم متبول ... وإنك اليوم بعد الحزم مخبول
فأصبحت عنك لبني اليوم نازحة ... ودلّ لبنى لها الخيرات معسول
هل ترجعنَّ نوى لبنى بعاقبةٍ ... كما عهدت ليالي العشق مقبول
وقد أراني بلبني حقّ مقتنع ... والشَّمل مجتمعٌ والحبل موصول
فصرت من حبِّ لبنى حين أذكرها ... القلب مرتهن والعقل مدخول
أصبحت من حب لبنى بل تذكُّرها ... في كربة ففؤادي اليوم مشغول
والجسم منِّي منهوك لفرقتها ... يبريه سقامٍ فهو منحول
كأنني يوم ولَّت ما تكلمني ... أخو هيام مصاب القلب مسلول
أستودع اللّه لبنى اذ تفارقني ... عن غير طوع وأمر الشيخ مفعول
ثم ارتحلت لبنى، فجعل قيس يقبِّل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها، فلما رأى ذلك قومه أقبلوا على أبيه بالعذل واللوم، فقال ذريح لما رأى حله تلك. قد جنيت عليك يا بنيَّ، فقال له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض بقتلي، فاللّه حسبك وحسب أمي! وأقبل قومه يعذلونه في تقبيله التراب،فأنشأ يقول:
فما حبيّ لطيب تراب أرضٍ ... ولكن حب من وطئ والترابا
فهذا فعل شيخينا جميعاً ... أرادا لي البلّية والعذابا
وقرأت على أبي بكر بن دريد:
كسوناها من الريط اليماني ... مسوحاً في بنائقها فضول
وهدّمنا صوامع شّيدتها ... لها حببٌ مخالطها نجيل
يقول: كانت هذه الإبل بيضاً كأن عليها الريط، ثم اسودت من العرق من شدّة ما أتعبناها، فكأننا كسوناها المسوح، يعني أنها صارت سوداً بعد أن كانت بيضاً: وقوله: " وهدّمنا صوامع شيدتها " يعني أسمتها رفعته. لها حببٌ، وهي جمع حبة وهي بزور البقل والنبات. مخالطها نجيل، والنجيل من الحمض، ومنه قول الشماخ:
ولا عيب في مكروهها غير أنها ... تبدّل جونا لونها غير أزهرا
" شيء من أمثال العرب " قال أبو علي قال أبو عبيدة: من أمثال العرب: " العقوق ثكل من لم يثكل " يقول: إذا عقه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء. قال ومن أمثالهم: " تجّنب روضةً وأحال يعدو " يقول: ترك الخصب واختار الضّيق، يضرب مثلاً للرجل تعرض عليه الكرامة فيختار الهوان. قال الأصمعي: ومن أمثالهم: " إذا نزا بك الشرّفاقعد " أي فاحلم ولا تسارع اليه.
" إبدال الياء جيماً في لغة فقيم " وقال الأصمعي: حدّثني خلفٌ الأحمر قال أنشدني رجل من أهل البادية:
عمى عويف وأبو علجّ ... المطمعان الشّحم بالعشجّ
وبالغداة كسر البرنجِّ ... ينزع بالودِّ وبالصيصجّ
أراد بالعشيّ: والصّيصجّ أراد الصّيصّية وهي قرن البقرة. وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ قال: فُقيمجٌّ، فقلت: من أيهم؟ قال مرجٌ، أراد فقيميٌّ ومريٌّ

وأنشد لهيمان بن قحافة السعدي:
يطير هنها الوبر الصّبابحا
قال: أراد الصّهابي من الصهبة. وقال يعقوب بن السكيت: بعض العرب إذا شدّد الياء جعلها جيماً، وأنشد عن ابن الأعرابي:
كأن في أذنابهنّّ الشّول ... من عبس الصّيف قرون الإجل
أراد الإيل، وأنشد الفراء:
لا هم إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج
أقمر نهّاتٌ ينزّى وفريج
أراد وفرتي.
" ماتعاقب فيه الحاء والجيم " قال: الأصمعي يقال: تركت فلاناً يجوس بني فلان ويحوسهم إذا كان يدوسهم ويطلب فيهم.
وحدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدّثني أبو عبد الله محمد بن الحسين قال حدّثنا المازني قال: سمعت أبا سرار الغنوي يقرأ: " فحاسوا خلال الديار " فقلت: إنما هو جاسوا: فقال: حاسوا وجاسوا واحد. قال وسمعته يقرأ: " وإذ قتلتم نسمةً فادارأتم فيها " فقلت له: إنما هو نفس، قال: النسمة والنفس واحد. قال الكسائي: يقال أحمّ الأمر وأجّ إذا حان وقته. ويقال: رجل محارف ومجارف. قال: وهم يحلبون عليك ويجلبون أي يعينون. قال الأصمعي: إذا حان وقوع الأمر قيل: أجمّ، يقال: أجمّ ذلك الأمر أي حان وقته، وأنشد:
حييا ذلك الغزال الأحما ... إن يكن ذاكم الفراق أجما
قال: وإذا قلت: حمّ الأمر فهو قدر، ولم يعرف أحمّ بالألف.
" ما تعاقب فيه الهمزة العين " قال الأصمعي: يقال: آديته على كذا، وأعديته أي قويته وأعنته. ويقال: استأديت الأكير على فلان في معنى استعديت، وأنشد ليزيد بن خذاق العبدي:
ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ... سبل المكارم والهدى يعدي
يقول: إبصارك الهدى يقويك على الطريق، ومعنى يعدي يقوي، ومنه أعداني السلطان؛ قال: ولقد أضاء لك الطريق أي أبصرت أمرك وتبينته. وأنهجت: صارت نهجاً واضحة بيّنة. قال: وسمعت أبا تغلب ينشد بيت طفيل الغنوي:
فنحن عمنا يوم حرسٍ نساءكم ... غداة دعانا عامرٌ غير معتلي
يريد مؤتلي. ويقال: كثأ اللبن وكثع، وهي الكثأة والكثعة إذا علا دسمه وخثورته رأسه، وأنشد:
وأنت امرؤ قد كثأت لك لحيةٌ ... كأنك منها قاعدٌ في جوالق
ويقال: موت زؤاف وزعاف وذعاف وذؤاف إذا كان يعجّل القتل. ويقال: أردت أن تفعل كذا وكذا، وبعض العرب يقول: أدرت عن تفعل. وقال يعقوب بن السكيت أنشد أبو الصقر:
أريني جواداً مات هزلاً لألنى ... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلداً
يريد لعلني. وقال الأصمعي: يقال: التمئ لونه والتمع لونه. وهو الساف والسعف. وقال يعقوب سمعت أبا عمرو يقول: الأسن: قديم الشحم، وبعضهم يقول: العُسن.
" وصية بعض نساء الأعراب لابنها وقد أراد سفراً " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي قال حدّثني عبد الله بن محمد بن رستم قال حدّثني محمد ابن قادم النحوي قال: قال أبان بن تغلب - وكان عابداً من عباد أهل البصرة - : شهدت أعرابية وهي توصي ولداها يريد سفراً وهي تقول له: أي بني! اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. قال أبان: فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها، فإذا هي تقول: أي بني! إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتتغرض للعيوب، فتتخذ غرضاً وخليقٌ إلا يثبت الغرض على كثرة السهام؛ وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته؛ وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها؛ ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبته، فإن المرء لا يرى عيب نفس؛ ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، ثم أمسكت فدنوت منها فقلت: بالله يا أعرابية، إلا زدته في الوصية؛ فقالت: أوقد أعجبك كلام العرب يا عراقي؟ قلت: نعم، قالت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد اجاد الحلة ريطتها وسربالها.
" وصف أعرابي الدنيا وقد سئل عنها " وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم قال: وجد بخط العتبي بعد موته في كتبه أن رجلاً سأل بعض الزهاد فقال: أخبرني عن الدنيا، فقال: جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحباً بصاحب.

وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي زيد قال: سأل الوليد بن عبد الملك أباه عن السياسة، فقال: هيبة الخاصة مع صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع؛ فإن شكرها أقرب الأيادي إليها.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قيل لبعض الحكماء: ما الداء العياء؟ فقال: حسد ما لاتناله بقول ولا تدركه بفعل.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابياً يقول: من لم يضن بالحق عن أهله فهو الجواد. وسمعت آخر يقول: الصبر عند الجود أخو الصبر عند اليأس. وسمعت آخر يقول: سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء البذل.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: شاور أعرابي ابن عمٍّ له فأشار عليه برأي، فقال: قد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمره وحزنه بسهله ويحرك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح منه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لاشك في مودته وصافى غيبه؛ وما زلت بحمد الله إلى الخير منهجاً واضحاً وطريقاً مهيعاً.
قال أبو علي: المهيع: الواضح.
" ما كان زياد يقوله للرجل إذا أراد أن يوليه عملاً " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال: كان زياد إذا ولى رجلاً عملاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خِلالٍ فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك. وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك، وأحسنا على خيانتك أدبك؛ وأوجعنا ظهرك وثقلنا غرمك. وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين؛ وإم وجدناك أميناً قوياً زدنا في عملك ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن عبد الله بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع والآذن يأذن لذوي الهيئات والشارات، وأعرابي يدنو فكلما دنا صرخ به، فقام ناحيةً وأنشأ يقول:
رأيت آذننا يعتام بزتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام
ولو دعينا على الأحساب قدمني ... مجدٌ تليدٌ وجدٌ راجحٌ نامي
متى رأيت الصقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخمٍ قزعٍ ومن هام
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لطفيل الغنوي:
وأصفر مشهوم الفؤاد كأنه ... غداة الندى بالزعفران مطيب
تفلت عليه تفلةً ومسحته ... بثوبي حتى جلده متقوّب
يراقب إيحاء الرقيب كأنه ... لما وتروني أول اليوم مغضب
أصفر يعني قدحاً. مشهوم الفؤاد أي كأن فؤاده مذعور من سرعة خروجه. والشهم: الحديد الفؤاد الذكي. وقوله: بالزعفران، أراد: قد أصابه الندى فاصفر كأنه مطيب بالزعفران. وروى الأصمعي: وأصفر مسموم الفؤاد يعني قدحاً محزوز الصدر، وكل ثقب فهو سمٌّ وسمٌّ، فجعل الحز ثقباً وجعل صدر القدح فؤاده. وقوله تفلت عليه، يقول: كان ضرب به فتترب، فتفلت عليه ومسحته بثوبي ليتلمس فيكون أسرع لخروجه. ومتقوب: مقشر، وقوابته قشره. وقوله: يراقب إيحاء الرقيب، يقول: كأن هذا القدح بصير بما يراد منه، فهو يلامح الرقيب، فإذا قيل للمفيض أفضفكأنه يوحي إليه إيحاء. وقوله: لما وتروني، يقول: كأنه مغضب لقهرهم إياي في أول النهار فهو يثأر لي.
" ما قاله بعض العرب يهجو أخاه الشقيق " قال أبو علي: أخبرنا أبو عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال قال رجل لأخيه: لأهجونك، قال: وكيف تهجوني وأبونا واحد وأمنا واحدة! فقال:
غلامٌ أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من نحو أمٍّ ولا أب
قال وقال آخر يهجو أخاه:
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت الطبائع والظروف
وأمك حين تنسب أمّ صدق ... ولكن ابنها طبعٌ سخيف
وقومك يعلمون إذا التقينا ... من المرجو منا والمخوف
" قصيدة جميل بن معمر التي أولها:
وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشر الناس ذو العلل البخيل
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل:

وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشر الناس ذو العلل البخيل
ففاتيني إلى حكم من أهلي ... وأهلك لا يحيف ولا يميل
فقال أبتغي حكماً من أهلي ... ولا يدري بنا الواشي المحول
فولينا الحكومة ذا سجوف ... أخا دنيا له طرفٌ كليل
فقلنا ما قضيت به رضينا ... وأنت بما قضيت به كفيل
قضاؤك نافذ فاحكم علينا ... بما تهوى ورأيك لا يفيل
فقلت له قتلت بغير جرم ... وغبّ الظلم مرتعه وبيل
فسل هذي متى تقضي ديوني ... وهل يقضيك ذو العلل المطول
فقالت إن ذا كذبٌ وبطلٌ ... وشر من خصومته طويل
أأقتله ومالي من سلاح ... وما بي لو أقاتله حويل
ولم آخذ له مالا فيلفي ... له دينٌ علي كما يقول
وعند أميرنا حكمٌ وعدل ... ورأيٌ بعد ذلكم أصيل
فقال أميرنا هاتوا شهوداً ... فقلت شهيدنا الملك الجليل
فقال يمينها وبذاك أقضي ... وكل قضائه حسنٌ جميل
فبتت حلفةً مالي لديها ... نقيرٌ أدعيه ولا فتيل
فقلت لها وقد غلب التعزي ... أما يقضي لنا يا بثن سول
فقالت ثم زجت حاجبيها ... أطلت ولست في شيء تطيل
فلا يجدنك الأعداء عندي ... فتثكلني وإياك الثكول
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: كانت خليبة الخضرية تهوى ابن عم لها، فعلم بذلك قومها فحجبوها، فقالت:
هجرتك لما أن هجرتك أصبحت ... بنا شمتاً تلك العيون الكواشح
فلا يفرح الواشون بالهجر ربما ... أطال المحب الهجر والجيب ناصح
وتغدو النوى بين المحبين والهوى ... مع القلب مطويٌّ عليه الجوانح
قال عبد الرحمن قال عمي: فحدثت بهذا الحديث رجلاً من ولد جعفر بن أبي طالب، فقال: كانت خيرة بنت أبي ضيعم البلوية تهوى ابن عم لها، وذكر مثل الحديث، فقالت: - قال أبو علي: وأملى علينا هذه الأبيات أبو عبد الله وقال: أنشدنا أحمد بن يحيى لأم ضيغم البلوية -
وبتنا خلاف الحي لا نحن منهم ... ولا نحن بالأعداء مختلطان
وبتنا يقيناً ساقط الطل والندى ... من الليل برداً يمنةٍ عطران
نذود بذكر الله عنا من الشذى ... إذا كان قلبانا بنا يجفان
قال أبو علي: الشذى: الأذى، وروى أبو عبد الله:
نذوذ بذكر الله عنا من الصبا ... إذا كان قلبانا بنا يردان
ونصدر عن أمر العفاف وربما ... نقعنا غليل النفس بالرشفان
وروى أبو عبد الله:
ونصدر عن ري العفاف وربما ... نقعنا..... الخ.
وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي يصف إبلاً:
عوازب لم تسمع بنوح مقامةٍ ... ولم تر ناراً تم حولٍ مجرّم
سوى نار بيضٍ وغزال صريمةٍ ... أغن من الخنس المناخر توأم
إذا راعياها أنضجاه تراميا ... به خلسةً أو شهوة المتقرم
عوازب: بعيدات من البيوت. والنبوح: أصوات الناس. والمقامة: حيث يقيم الناس. وتمّ: تمام. والمجرم: المكمل، يقول: هذه الإبل عوازب لعز أربابها ترعى حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، فلم تسمع أصوات أهل مقامة، ولم تر ناراً سنةً تامة سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه أو غزال يصيده. والصريمة: القطعة من الرمل. وأغن: فيه غنة. والأخنس: القصير الأنف، وكل ظبي أخنس. والتوأم: الذي ولد مع غيره، وذلك أشد لضؤلته وصغر جسمه. وقيل للشعبي: مالك ضئيلاً؟ قال: لأني زوحمت في الرحم. وقيل لبعضهم: مالك ضئيلاً؟ قال: صاف بي أبي، أي ولدت وهو كبير السن. وإذا صغر ما يشوى ضغرت النار. وقوله: تراميا به أي بالغزال، رمى هذا إلى هذا وهذا إلى هذا خلسةً أي اختلاساً شبه العاشين، أو يفعلان ذلك قرماً إلى اللحم، وذلك لاستغنائهما عنه باللبن.

" مطلب وفادة مسلم بن الوليد الشاعر على يزيد بن مزيد وما رثاه به بعد وفاته " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو الحسن بن البراء قال حدّثنا عبد الرحمن بن أحمد الجعفي قال: كان شاعر يفد إلى يزيد بن مزيد في كل سنة، فقال له يزيد: كم يطفيك في كل سنة؟ فقال: كذا وكذا، فقال: أقم في بيتك يأتك ذلك، ولا تتعبن إلينا. فلما مات رثاه بهذه الأبيات: - والشاعر مسلم بن الوليد، قال وقال أبو الحسن بن البراء قال لي ابن أبي طاهر: الشاعر هو التيمي -
أحقٌ أنه أودى يزيد ... تأمل أيها الناعي المشيد
أتدري من نعيت فكيف فاهت ... به شفتاك كان به الصعيد
أحامى المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد
تأمل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد
وهل شيمت سيوف بني نزار ... وهل وضعت عن الخيل اللبود
وهل تسقي البلادعشار مزنٍ ... بدرتها وهل يخضر عود
أما هدت لمصرعه نزار ... بلى وتقّوض المجد المشيد
وحلذ ضريحه إذا حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التليد
أما والله ما تنفكّ عيني ... عليك بدمعها أبداً تجود
فإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسبٍ جمود
أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعاً أو تصان لها خدود
لتبك قبة الإسلام لما ... وهت أطنابها ووهى العمود
ويبكك شاعرٌ لم يبق دهرٌ ... له نشباً وقد كسد القصيد
فمن يدعو الأنام لكا خطبٍ ... ينوب وكل معضلةٍ تؤد
ومن يحمي الخميس إذا تعايا ... بحيلة نفسه البطل النجيد
فإن تهلك يزيد فكل حيٍّ ... فريسٌ للمنية أو طريد
ألم تعجب له أنّ المنايا ... فتكن به وهنّ له جنود
لقد عزّى ربيعة أن يوماً ... عليها مثل يومك لا يعود
" مرثية زينب بنت الطثرية في أخيها يزيد " قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد أبيات زينب بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد، وأملاها علينا أيضاً أبو بكر بن الأنباري رحمه الله عن أحمد بن يحيى - وفي الروايتين زيادة ونقصان - وأنا آتي على جميعها؛ وفيها أبيات تروى للعجير السلولي ولها، وقد أملينا أبيات العجير:
أرى الأثل من وادي العقيق مجاوري ... مقيماً وقد غالت يزيد غوائله
فتىً قُدّ قَدّ السيف لا متضائلٌ ... ولا رهلٌ لباته وبآدله
فتىً لا ترى قدّ القميص بخصره ... ولكما توهى القميص كواهله
فتىً ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوماً دماً فهو آكله
يسرك مظلوماً ويرضيك ظالماً ... وكل الذي حمّلته فهو حامله
إذا نزل الأضياف كان عذوراً ... على الحي حتى تستقلّ مراجله
إذا ماطها للقوم كان كأنه ... حميٌّ وكانت شيمةً لا تزايله
إذا القوم أموا بيته فهو عامدٌ ... لا حسن ما ظنوا به فهو فاعله
إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطلٍ إن شئت أرضاك باطله
مضى وورثناه دريس مفاضةٍ ... وأبيض هندياً طويلاً حمائله
فتى كان يروى المشرفي بكفه ... ويبلغ أقصى حجرة الحي نائله
كريمٌ إذا لاقيته متبسماً ... وإما تولى أشعث الرأس جافله
ترى جازريه يرعدان وناره ... عليها عدا ميل الهشيم وصامله
يجران ثنياً خيرها عظم جاره ... بصيراً بها لم تعد عنها مشاغله
ولو كنت في غلٍّ فبحت بلوعتي ... إليه للانت لي ورقت سلاسله
ولما عصاني القلب أظهرت عولةً ... وقلت ألا قلبٌ بقلبي أبادله

قال أبو علي: الرهل: المسترخي. والبآدل: واحدها بأدلة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق. والعذور: السيء الخلق. والدريس والدرس: الثوب الخلق، وجمعه درسان. والهدم والطمر والسمل والنهج: الخلق أيضاً. والمفاضة: الواسعة. والحجرة: الناحية، يقال: جلس فلان على حجرة أي ناحية. والعداميا: القديمة. والصامل: اليابس. والثنى: الولد الذي بعد الولد الأول، فالأول بكر والثاني ثنىٌ.
" أم الضحاك المحاربية والضبابي زوجها " قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: كانت أم الضحاك المحاربية تحت رجل من بني الضباب، وكانت تحبه حباً شديداً فطلقها فقالت:
هل القلب إن لاقى الضبابي خالياً ... لدى الركن أو عند الصفا متحرج
وأعجلنا قرب المحل وبيننا ... حديثٌ كتشنيج المريضين مزعج
وروى أبو عبد الله: كتنشاج.
حديثٌ لو أن اللحم يصلى بحره ... طرياً أتى أصحابه منضج
قال أبو علي: وقرأت أيضاً لها عليه:
سألت المحبين الذين تحملوا ... تباريج هذا الحب من سالف الدهر
فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما ... تبوأ ما بين الجوانح والصدر
فقالوا شفاء الحب حبٌّ يزيله ... من آخر أو نأيٌّ طويلٌ على هجر
أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما ... رجت طمعاً واليأس عونٌ على الصبر
قال وقالت فيه أيضاً حين سلت عنه:
تعزيت عن حب الضبابي حقبةً ... وكل عمايا جاهلٍ ستثوب
يقول خليل النفس أنت مريبةٌ ... كلانا لعمري قد صدقت مريب
وأريبنا من لا يؤدي أمانةً ... ولا يحفظ الأسرار حين يغيب
ألهفاً بما ضيعت ودي وما هفا ... فؤادي بمن لم يدر كيف يثيب
" زينب بنت فروة المرية وما قالته في ابن عمها المغيرة في الشعر " قال وقرأت عليه زينب بنت فروة المرية في ابن عم لها يقال له المغيرة:
يا أيها الراكب الغادي لطيته ... عرّج أنبيك عن بعض الذي أجد
ما عالج الناس من وجدٍ تضمنهم ... إلا ووجدي به فوق الذي وجدوا
حسبي رضاه وأنى في مسرته ... ووده آخر الأيام أجتهد
وقالت أيضاً:
وذي حاجةٍ ما باح وقد بدت ... شواكل منها ما إليك سبيل
لنا صاحبٌ لا نشتهي أن نخونه ... وأنت لأخرى فارع ذاك خليل
تخالك تهوى غيرها فكأنما ... لها في تظنيها عليك دليل
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري البيتين الأولين في خبر طويل قد تقدم لليلى الأخيلية، وروايته:
وأنت لأخرى فارغٌ وخليل
وقالت أيضاً:
ألم تر أهلي يا مغير كأنما ... يفيئون باللوماء فيك الغنائما
ولو أن أهلي يعلمون تميمة ... من الحب تشفى قلدوني التمائما
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لرؤبة بن العجاج:
وقد أرى واسع جيب الكمأسفر عن عمامة المعتمعن قصبٍ أسحم مدلهم
قال أبو العباس قوله: أرى واسع جيب الكم معناه أرى شاباً رخىّ البال، يقال: فلان واسع الجيب إذا كان رخي البال قليل الاكتراث. وأسفر: أكشف أي أُبدي شعري لسواده وحسنه. والقصب ها هنا: الشعر عن الأصمعي. والأسحم: الأسود.
وقال: وقرأت على أبي بكر بن دريد لعكرشة أبي شغب يرثي ابنه شغباً:
قد كان شغبا لو أنّ اللّه عمره ... عزّاً تزاد به في عزّها مضر
فارقت شغباً وقد فوّست من كبرٍ ... لبئست الخلّتان الثّكل والكبر
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه عن أحمد بن يحيى عن الزبير عن أيوب بن عباية لنصيب:
كُسيت ولم أملك سواداً وتحته ... قميصٌ من القوهيِّ بيضٌ بنائقه
وما ضرّ أثوابي سوادي وإنني ... لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه
ولا خير في ودّ امرئٍ متكارهٍ ... عليك ولا في صاحبٍ لا توافقه
اذا المرء لم يبذل من الودّ مثله ... بعاقبةٍ فاعلم بأني مفارقه
وأنشدنا لعبد بني الحسحاس:

أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ... أو أسود ّاللون إنّي أبيض الخلق
قال أبو علي: الورق عند العرب: المال من الإبل والغنم، والوَرِق: الفضّة.
وحدثني أبو بكر بن دريد: أن أبا حاتم أنشدهم عن أبي زيد:
وزهراء إن كفّنتها فهو عيشها ... وإن لم أكفنها فموتٌ معجّل
يعني النار، هي زهراء أي بيضاء تزهر، يقول: إن قدحتها فخرجت فلم أدركها بخرقة أو غير ذلك ماتت.
" من أمثال العرب " قال أبو علي: قال الأصمعي من أمثال العرب: " كلُّ نجار إبل نجارها " يضرب مثلاً للمخلّط، يريد أنّ فيه ألواناً من الخلق وليس يثبت على رأي. قال ومن أمثالهم: " اسقِ رقاش إنها سقّاية " يضرب مثلاً للمحسن، يقول: أحسنوا اليه لإحسانه. قال ومن أمثالهم: " خرقاء عيّابة " يضرب مثلاً للأحمق، أي أنه أحمق وهو مع ذلك يعيب غيره. قال ومن أمثالهم: " كلُّ مجرٍ بالخلاء يُسر " وأصله أن الرجل يجري فرسه بالمكان الخالي لا مسابق فيه، فهو مسرور بما يرى من فرسه ولا يرى ما عند غيره، يضرب مثلاً للرجل تكون فيه الخير يحمدها من نفسه ولا يشعر بما في الناس من الفضائل.
" ما تعاقب فيه النون والميم " قال أبو عمر الشيباني: يقال أسود قاتم وقاتنٌ. وقال الأحمر: يقال: طانه اللّه على الخير وطامه إذا جبله، وهو يطينه: يجبله. وقال الأصمعي: يقال للحية: أيمٌ وأينٌ، والأصل أيمِّ فخفف، كما يقال: لينٌ وليِّن، وهين وهيِّن. وأنشدنا لأبي كبير الهذلي:
ولقد وردت الماء لم يشرب به ... بين الرّبيع الى شهور الصّيف
إلا عواسر كالمراط معيدةٌ ... بالليل مورد أيِّم متغضّف
والصّيف: مطر الصّيف. وقوله: إلا عواسر يعني ذئاباً عاقدةً أذنابها. والمراط: السّهام التي قد تمرّط ريشها. ومعيدةٌ: معاودة للورد مرة بعد مرة؛ يقول: هذا المكان لخلائه من موارد الحّيات. ومتغضف: متثنٍّ. قال ويقال: الغيم والغين، وأنشد لرجل من بني تغلب:
فداء خالتي وفدىً صديقي ... وأهلي كلهم لأبي قعين
فأنت حبوتني بعنان طرفٍ ... شديد الشّد ذي بذل وصون
كأني بين خافيتي عقابٍ ... أصاب حمامةً في يوم غين
قال يعقوب: وقال بعضهم: الغين: إلباس الغيم، ومنه " إنه ليغان عليه " أي يغطي ويلبس؛ يقال: قد غين على قلبه ورين على قلبه أي غطى، قال رؤبة: " أمطر في أكناف غينٍ مغين " أي ملبس.
وأنشد الأصمعي لعوف بن الخرع:
وتشرب أسآر الحياض تسوفها ... ولو وردت ماء المريرة آجما
قال: أظنه أراد آجناً. قال ويقال: للشّمال: نسعٌ ومسعٌ، وأنشد للهذلي:
قد حال دون دريسيه مؤوبةٌ ... نسعٌ لها بعضاه الأرض تهزيز
دريسيه: خلقيه. ومؤوبة: تأتي مع الليل. والعضاه: كل شجر له شوكٌ، الواحد عضةٌ.
والحلان والحلام: فويق الجدى، وأنشد لابن أحمر:
تهدى إليه ذراع الجدى تكرمةً ... إما ذبيحاً وإما كان حُلاّنا
فالذبيح: الذي يصلح للنسك. والحلاّن: الصغير الذي لايصلح للنسك. ويقال في الضّبِّ: حُلاّن، وفي اليربوع: جفرة، والجفرة: التي قد انتفخ جنباها وأكلت وشربت حتى سمنت؛ ويقال: غلام جفر إذا سمن وتحرك، وأنشدنا أبو عبيدة قول مهلهل:
كلُّ قتيلٍ في كليب حلاّم ... حتّى ينال القتل آل همّام
قال أبو علي: يقول: كل قتيل صغيرٌ ليس هو بوفاء من كليب بمنزلة الحلاّم الذي ليس بوفاء أن يذبح للنسك، حتى ينال القتل آل همام فإنهم وفاءٌ به.
وقال الأصمعي يقال: انتقع لونه، وامتقع لونه، وهو ممتقع اللون. ويقال: نجر من الماء ينجر نجراً، ومجر يمجر مجراً، إذا أكثر من شرب الماء فلم يكد يروي، وأنشد:
حتى إذا ما إشتد لو بان النجر
وقال غيره يقال: مخجت بالدَّلو ونخجت بها، إذا جذبت بها لتمتلئ، وأنشد الفراء:
فصبّحت قليذماً هموما ... يزيدها مخج الدّلا جموما
القليذم: البئر الغزيرة. والدَّلا جمع دلاة. والمدى والنَّدى: الغاية، قال الأصمعي الندى: بعد ذهاب الصوت، يقال: مر فلاناً أن ينادي فأنه أندى منك صوتاً، وأنشد للفرزدق:

فقلت ادعى وأدع فأنَّ أندى ... لصوتٍ أن ينادي داعيان
أي أشد لذهابه، وأنشد:
ومن لم يزل يستسمع العام حوله ... ندى صوت مقروعٍ عن العذف عاذب
المقروع: الذي إختير للفحلة. والعذف: الأكل، يقال: ما ذقت عذوفاً. العاذب: القائم الذي لا يأكل شيئاً، يقال: ما زال عاذباً عن المرعى، وقال يعقوب بن السكيت سمعت أبا عمرو يقول: ما ذقت عدوفاً ولا عذوفاً، قال أنشدت يزيد بن مزيد عدوفاً، فقال لي: صحَّفت يا أبا عمرو، فقلت: لم أصحّف، لغتكم عدوف ولغة غيركم عدوف. وقال غيره: رطبٌ محلقنٌ ومحلقم، وقال الأصمعي: إذا بلغ الترطيب ثلثي البسرة فهي حلقانة والجمع حلقان، وهي محلقنة ومحلقمة. والحزم والحزن: ما غلط من الأرض، وهي الحزوم والحزون. قال: ويقال للبعير إذا قارب الخطو وأسرع: دهامج ودهانجٌ، وقد دهمج يدمهج دهمجة، ودهنج يدهنج دهنجة، وأنشد:
وعير لها من بنات الكداد ... يدهمج بالعقب والمزود
يدهمج: يسرع في تقارب خطوه، وقال العجاج:
كأنَّ رعن الآل منه في الآل ... بين الضُّحى وبين قيل القيَّال
إذا بدا دهانجٌ ذو أعدال
شبَّه الرَّعن حين يقمص في ذلك الوقت وهو توهُّج السَّراب ببعير عليه أعدال يسرع بها.
وقرأت على أبي عبد اللّه إبراهيم بن محمد الأزدي لذي الرمة:
ودوٍّ ككفِّ المشتري غير أنَّه ... بساط لأخماس المراسيل واسع
الدَّوُّ: المستوي من الأرض. وقوله: ككف المشتري يعني إذا بسط كفه فصفَّق براحته على راحة بائعه إذا إشترى منه علقاً. والبساط: الأرض الواسعة. لأخماس: لسير الأخماس وهو جمع خمس، والخِمس: ورود الماء في اليوم الخامس.
" حديث الخيار بن أوفى النهدي مع معاوية " وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا العكلي عن أبي خالد عن الهيثم بن عدي قال: دخل الخيار بن أوفى النَّهدي على معاوية فقال له: يا خيار، كيف تجدك وما صنع بك الدهر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، صدع الدهر قناتي، وأثكلني لداتي؛ وأوهى عمادي، وشيب سوادي، وأسرع في تلادي؛ ولقد عشت زمناً أُصبي الكعاب، وأسر الأصحاب، وأُجيد الضّراب، فبان ذلك عني، ودنا الموت مني، وأنشأ يقول:
غبرت زماناً يرهب القرن جانبي ... كأنّي شتيمٌ باسل القلب خادر
يخاف عدوي صولتي ويهابني ... ويكرمني قرني وجاري المجاور
وتصبي الكعاب لمتى وشمائلي ... كأني غصنٌ ناعم النبت ناضر
فبان شبابي واعترتني رثيةٌ ... كأني قناةٌ أطّرتها المآطر
أدبُ إذا رُمت القيام كأنني ... لدى المشي قرم قيده متقاصر
وقصر الفتى شيبٌ وموتٌ كلاهما ... له سائق يسعى بذالك وناظر
وكيف يلذّ العيش من ليس زائلاً ... رهين أمورٍ ليس فيها مصادر
فقال معاوية: أحسنت القول! واعلم أن لها مصادر فنسأل اللّه أن يجعلنا من الصادرين بخير، فقد أوردنا أنفسنا موارد نرغب إلى اللّه أن يصدرنا عنها وهو راضٍ.
وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قدم علينا البصرة رجل من أهل البادية شيخ كبير فقصدته فوجدته يخضب لحيته، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: بلغني ما خصك اللّه به فجئتك أقتبس من علمك، فقال: أتيتني وأنا أخضب وإن الخضاب لمن علامات الكبر، وطال واللّه ما غدوت على صيد الوحوش، ومشيت أمام الجيوش؛ واختلت بالرّداء، وهؤت بالنساء؛ وقريت الضيف، وأرويت السيف؛ وشربت الراح، ونادمت الجحجاح؛ فاليوم قد حناني الكبر، وضعف مني البصر، وجاء بعد الصفو الكدر؛ ثم قبض على لحيته وأنشأ يقول:
شيبٌ تغيبه كيما تغرّبه ... كبيعك الثّوب مطوياّ على حرق
قد كنت كالغصن ترتاح الرّياح ... فصرت عوداً بلا ماء ولا ورق
صبراً على الدهر إن الدهر ذو غيرٍ ... وأهله منه بين الصفو والرّنق
قال أبو علي قال أبو زيد يقال: هؤت بالرجل خيراً أهوء إذا أزننته به، وإنه لذو هوءة إذا كان ذا رأي ماضياً، قال العجاج: " لا عاجز الهوء ولا جعد القدم " وقال أبو عمرو: الهوء: الهّمة، وقد هاء يهوء، وفلان بعيد الهوء أي بعيد الهّمة.

قال أبو علي وأنشدني أبو يعقوب إسحاق بن الجنيد ورّاق أبي بكر بن دريد قال أنشدنا أحمد بن عبيد قال أنشدني أبو العيناء:
ما في يديَّ من الصبا ... إلا الصّبابة والأسف
جاء الشباب فما أقا ... م ولا ألم ولا وقف
كان الشباب كزائر ... ملَّ الزيارة فانصرف
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي:
لا يرعك المشيب يا بنة عبد ال ... لّه فالشّيب حلّة ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار
وأنشدنا عبد الله بم جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد قال أشندني مسعود ابن بشر المازني:
رأيت أبا الوليد غداة جمع ... به شيبٌ وما فقد الشبابا
ولكن تحت ذاك الشّيب حزمٌ ... إذا ما قال أمرض أو أصابا
قال أبو العباس: معنى قوله أمرض أي قارب الصواب، ومنه إنه ليمرّض في القول إذا لم يصرح.
وحدثتا أبو محمد النحوي قال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول: بلغني عن علي رضوان اللّه عليه: قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمر مرّ السحاب؛ والحكمة ضالّة المؤمن، فخذ ضالتك حيثما وجدتها.
" كتاب علي بن أبي طالب إاى ابن عباس رضي اللّه عنهما بموعظة من أحسن المواعظ " وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال حدّثنا العكلي عن أبيه قال: بلغني عن ابن عباس أنه قال: كتب إليَّ عليُّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بموعظة ما سررت بموعظة سروري بها! أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فما نالك من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفاً؛ فليكن سرورك بما قدمت، وأسفك على خلّفت؛ وهمّك فيما بعد الموت.
وأنشدنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدري قال أنشدنا أحمد بن يحيى الشيباني:
إذا ما خلوت الدّهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن اللّه يغفل ساعةً ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
وأنشدنا قال أنشدنا أحمد بن يحيى:
في كل بلوى تصيب المرء عافيةٌ ... إلا البلاء الذي يدني من النار
ذاك البلاء الذي ما فيه عافية ... من العذاب ولا سترٌ من العار
وأنشدنا أبو محمد النحوي قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد قال أنشدني عمرو بن بحر الجاحظ: - قال أبو محمد والشعر لصالح بن عبد القدوس -
وإنَّ عناءً أن تفهم جاهلاً ... فيحسب جهلاً أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
متى ينتهي عن سيءٍ من أتى به ... إذا لم يكن منه عليه تندُّم
وأنشدنا أبو عبد اللّه قال أنشدنا محمد بن يزيد قال أنشدني عبد اللّه بن القاسم قال أنشدني العتبي:
تأنّقت في الإحسان حين أتيته ... إلى ابن أبي ليلى فأنزله ذمَّا
فواللّه ما آسى على فوت شكره ... ولكن خطاء الرأي يحدث لي غمَّا
وحدّثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال: كان بالمدينة غلام يحمَّق فقال لأمه: يوشك أن تريني عظيم الشأن، فقالت: فكيف؟ واللّه ما بين لابتيها أحمق منك! فقال: واللّه ما رجوت هذا الأمر إلا من حيث يئست منه، أما علمت أن هذا زمان الحمقى وأنا أحدهم.
قال أبو على اللابة: الحرَّة: وجمعها لابٌ، ويقال: اللُّوبة أيضاً، وجمعها لوبٌ، وإنما قيل: للأسود لوبيُّ لأن حجارة الحرة سود كأنها محترقة، ومنه قيل: للحّرة فتينٌ لأن معنى فتنوا أحرقوا .
وأنشد أبو عبد اللّه نفطويه:
لا تنظرنّ إلى عقل ولا إلى أدب ... إن الجدود قرينات الحماقات
واسترزق اللّه مما في خزائنه ... فكلّ ما هو آتٍ مرةً آتى
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه قال أنشدنا أحمد بن يحيى النجوى:
يعزّى المعزّى ثم يمضي لشأنه ... ويترك في القلب الدّخيل المجمجما
حريقاً ثوى في القلب لو أنّ بعضه ... أناخ على سلمى إذاً لتضرّما

قال وأنشدنا قال أنشدنا أبو عيسى الرذبضي قال أنشدنا الطّوسي أبو الحسن علي بن عبد اللّه:
أتت على عهده الليالي ... وحدثت بعده أمور
واعتضت باليأس منه صبرا ... واعتدل الحزن والسرور
فلست أرجو ولست أخشى ... ما أحدثت بعده الدهور
فليجهد الدهر في مساتي ... فما عسى جهده يضير
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه قال أنشدني المذحجيّ لأم معدان الأنصارية:
لا يبعد اللّه فتياناً رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا
أضحت قبورهم شتى ويجمعهم ... زو المنون ولم يجمهم بلد
ميتٌ بمصر وميتٌ بالعراق ومي ... ت بالحجاز منايا بينهم بدد
رعوا من المجد أكنافاً الى أجل ... حتى اذا بلغت أظماؤهم وردوا
كانت لهم هممٌ فرّقن بينهم ... اذا القعاديد عن أمثالها قعدوا
فعل الجميل وتفريج الجليل وإع ... طاء الجزيل اذا لم يعطه أحد
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: من أمّل رجلاً هابه، ومن قصر عن شيء عابه؛ وانما يعيب الشيء الذي يقصر عنه حسداً. وقال أبو زيد يقال: لقيت فلاناً غزالة الضحى، ورأد الضحى، وكهر الضحى، كل ذلك عندما تنبسط الشمس وتضحى، قال الزاجر:
دعت سليمى دعوةً هل من فتىً ... يسوق بالقوم غزالات الضحى
فقام لاوانٍ ولارثّ القوى
وأنشدنا أبو عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة:
اذا غبت يا أسماء فارعى مودتي ... بحفظ كما أرعاك حين أغيب
بنفسي من يجني الذنوب تجرما ... علي وما حلت علي ذنوب
تصد اذا ما جئت حتى كأنني ... عدوٌ مريض الصدر وهو حبيب
وأنشدنا أبو عبد اللّه:
حلفت بربِّ مكة والمصلّى ... وربّ الواقفين غداة جمع
لأنت على التّنائي فاعلميه ... أحبُّ اليَّ من بصري وسمعي
وقرأت على أبي عبد اللّه لذي الرمّة:
أطاع الهوى حتى رمته بحبله ... على ظهره بعد العتاب عواذله
أطاع الهوى يعني هذا المشتاق، أي أتّبع هواه حتى خلّته العواذل وقلن له: حبلك على غاربك، وإنما هذا مثلٌ، أي قلن له: إذهب حيث شئت. ومثله قول الأخنس بن شهاب التغلبي:
رفيقاً لمن أعيا وقلّد حبله ... وحاذر جرّاه الصّديق الأقارب
" مطلب ما تعاقب فيه الهاء الحاء " قال أبو علي الأصمعي: مدحَ ومدهَ، وما أحسن مدحه ومدهه، ومدِحته ومدِهته.
قال وقال الحارث بن مصرف: سابَّ جحل بن نضلة معاوية بن شكل عند المنذر أو النعمان - شكَ فيه الأصمعي - فقال حجل: إنه قتّال ظباء، تبّاع إماء، مشّاء بأقراء؛ قعّو الأليتين، أفحج الفخدين مفجُّ الساقين. فقال: أردت أن تذمّه فمدهته. ورواية أبي بكر بن دريد: كيما تذيمه.
قال أبو علي: الأقراء: واحدها قريٌّ وهو مسيل الماء إلى الرياض. وقعوّ الأليتين: ممتلئ الأليتين ناتئمها ليس بمنبسطهما. والفحج: التباعد. ومفجٌ الساقين: متباعدةٌ هذه عن هذه. ويقال: قوس فجواء إذا بان وترها عن كبدها، وأنشد لرؤبة:
للّه در الغانيات المدّة
أي المدح: ويقال: كدحه وكدهه. ووقع من السطح فتكدّح وتكدّه، وأنشد لرؤبة:
يخاف صقع القارعات الكدّة
الصّقع: كل ضرب على يابس. كدّهٌ: كسرٌ. والقارعة: كل هنةٍ شديدة القرع. ويقال: هبش له وحبش أي جمع له، وهو يهتبش ويحتبش، والأحبوش: الجماعات، قال رؤبة:
لولا حباشاتٌ من التحبيش ... لصبية كأفرخ العشوش
وقال العجاج:
كأن صيران المها الأخلاط ... برملها من عاطفٍ وعاط
بالرمل أحبوش من الأنباط
أي جماعة من الأنباط. ويقال: قهل جلده وقحل، والمقهل: اليابس الجلد. ويقال للرجل إذا كان يتيبس في القراءة: متقهل ومتقحل. ويقال: جلة وجلح، وهو والجلة والجلح: وهو انحسار الشعر من مقدم الرأس فوق الصدغين، قال رؤبة:
براق أصلاد الجبين الأجله
الأصلاد جمع صلد، وكل حجرٍ صلبٍ فهو صلد. ويقال: نحم ينحم، ونهم ينهم، ونأم ينئم، وأنح يأنح، وأنه يأنه وهو صوت مثل الزحير، قال رؤبة:

رعابة يخشى نفوس الأنّه
يصف فحلاً، يقول: يرعب نفوس الذين يأنهون. وقال غير الأصمعي: في صوته صحلٌ وصهلٌ أي بحوحةٌ. وقال: هو يتفيهق في كلامه ويتفيحق إذا توسع في الكلام وتنطع، وأصله الفهق وهو الامتلاء.
وقال الأصمعي يقال: الحقحقة والهقهقة: السير المتعب، قال وقال رؤبة:
يصبحن بعد القرب المقهقه
إنما أصله من الحقحقة، قلبوا الحاء هاء لأنها أختها، وقلبوا الهقهقة إلى الهقهقة. ومن أمثالهم: " شر السير الحقحقة " . قال وقال مطرف بن الشخير لابنه: يا عبد الله، عليك بالقصد وإياك وسير الحقحقة، يريد الإتعاب. قال أبو علي: الحقحقة مشتق من الحق أي يعطي الناقة الحق في سيرها فتجهد نفسها.
" ما قاله بعض أهل اليمن لذي رعين يعزيه يوم مات أخوه " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة ةحدثنا قال حدّثني أيضاً السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي - ولفظاهما متفقان غير أن أبا عبيدة قال: لبعض ملوك اليمن، وقال ابن االكلبي: لذي رعين - قال: مات أخ لذي رعين فعزاه بعض أهل اليمن فقال: إن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولابد مما هو كائن؛ وقد حل ما لا يدفع، ولا سبيل إلى رجوع ما قد مات، وقد أقام معك، ما سيذهب عنك وستتركه؛ فما الجزع مما لابد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سينقل عنك أو تنقل عنه؛ وقد مضت لنا أصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد الأصل! فأفضل الأشياء عند المصائب الصبر، وإنما أهل الدنيا سفرٌ لا يحلّون عن الركاب إلا في غيرها، فما أحسن الشكر عند النعم والستليم عند الغير! فاعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع، هل رد أحداً منهم إلى ثقةٍ من درك؟ واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف، فأفق والمرجع قريب، واعلم أنما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر؛ فإن نسيت الصبر فلا تغفل عن الشكر.
" ما قاله بعض العرب يعزي رجلاً على أخيه " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا سعيد بن هارون الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة قال: عزى رجل من العرب رجلاً على أخيه فقال: محبوب فائت، وغنم عارض، إن ضيعته فات أيضاً وبقيت حسيراً؛ أما أخوك، فلا يذهب بك جزعك فتحط سوددك وتقلّ ثقة عشيرتك باضطلاعك بالأمور، وفي كثرة الأسى عزاءٌ عن المصائب.
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت عمي يقول: التهنئة على آجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة.
" اجتماع وفود العرب بباب سلامة ذي فائش ليعزوه في ابنه وما قالوه في التعزية " وحدثنا عمى عن أبيه عن ابن الكلبي قال: نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان به مسروراً يرشحه لموضعه، فركب ذات يوم فرساً صعباً فكبا به فوقصه، فجزع عليه أبوه جزعاً شديداً وامتنع من الطعام واحتجت عن الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزوه، فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه، فخرج الى الناس فقام خطباؤهم يؤنسونه، وكان في القوم الملبب بن عوف بن سلمة بن عمرو بن سلمة الجعفى، وجعادة بن أفلح بن الحارث وهو جد الجراح بن عبد الله الحكمى صاحب خراسان - فقام الملبب فقال: أيها الملك، إن الدنيا تجود لتسلب، وتعطى لتأخذ، وتجمع لتشتت، وتحلي لتمتر، وتزرع الأحزان في القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب؛ وكل مصيبة تخطأتك جلل، ما لم تدن الأجل، وتقطع الأمل؛ وإن حادثاً ألم بك، فاستبد بأقلك وصفح عن أكثرك لمن أجل النعم عليك! وقد تناهت اليك أنباء من رزىء فصبر، وأصيبت فاغتفر، اذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر؛ فاستشعر اليأس مما فات اذ كان ارتجاعه ممتنعاً، ومرامه مستصعباً، فلشىء ما ضربت الأسى، وفزع أولو الألباب الى حسن العزاء. وقام جعادة فقال: أيها الملك، لا تشعر قلبك الجزع على ما فات، فيغفل ذهنك على الاستعداد لما يأتي، وناضل عوارض الحزن بالأنفة عن مضاهاة أفعال أهل وهي العقول، فإن العزاء لحزماء الرجال، والجزع لربات الحجال، ولو كان الجزع يردّ فائتاً، أو يحيي تالفاً، لكان فعلاً دنيئاً، فكيف به وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب! فارغب بنفسك أيها الملك عما يتهافت فيه الأرذلون، وصن قدرك عما يركبه المخسوسون، وكن على ثقةٍ أن طمعك فيما استبدت به الأيام، ضلة كأحلام النيام.

قال أبو علي: المقاول والأقيال: دون الملوك العظماء. ووقصه: كسره. ويؤسونه: يعزونه، وأصله أن يقال: لك أسوة بفلان وفلان. والجلل: الصغير، والجلل: الكبير، وهو من الأضداد. والبدّة: النصيب. واستبد به أي جعله نصيبه. والشوى: الهين اليسير، والشوى أيضاً: رذال المال. والمناضلة: المراماة. والمضاهاة: المشاكلة. والتهافت: التتابع.
وقرأنا على أبي بكر بن دريد:
حبسن بين رملة وقف ... وبين نخل هجر الملتف
ثمت أصدرن بغير كفّ
هذه إبل خرجت للميرة فرجعت بغير كفٍّ من طعام " خطبة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي قال حدّثنا أحمد بن عبيد قال حدّثنا الزنادي قال يقال: إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تكلم بهذا الكلام في خطبته: ما الجزع مما لابدّ منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول! وإنما الشيء من أصله؛ فقد مضت قبلنا أصولٌ نحن فروعها، فما بقاء فرعٍ بعد أصله! إنما الناس في الدنيا أغراضٌ تنتضل فيهم المنياي، وهم فيها نهبٌ للمصائب، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمّر معمّر يوماص من عمره إلا بهدم آخر من أجله، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكن؛ فأين المهرب مما هو كائن! وإنما نتقلب في قدرة الطالب، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظيم الفائدة غداً، وأكبر خيبة الخائب فيه! والسلام.
" لا أرى لحاقن وما تمثل به علي رضي الله في هذا المعنى " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا محمد بن علي المديني قال حدّثنا أبو الفضل الريعي الهاشمي قال حدّثني نهشل بن دارم عن أبيه عن جده عن الحارث الأعور قال: سئل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه عن مسألة فدخل مبادراً، ثم خرج في حذاء ورداء وهو مبتسم، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنك كنت إذا سئلت عن المسئلة تكون فيها كالسكة المحماة. قال: إني كنت حاقناً ولا رأي لحاقن، ثم أنشأ يقول:
إذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بالنظر
وإن برقت في مخيل الصوا ... ب عمياء لا يجتليها البصر
مقنعةٌ بغيوب الأمور ... وضعت عليها صحيح الفكر
لساناً كشقشقة الأرح ... بي أو كالحسام اليماني الذكر
وقلباً إذا استنطقته الفنون ... أبرّ عليها بواهٍ درر
ولست بإمعةٍ في الرجال ... يسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مذرب الأصغرين ... أبين مما مضى ما غبر
قال أبو علي: المخيل: السحاب الذي يخال فيه المطر. والشقشقة: ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل لخطباء الرجال: شقاشق، أنشدني أبو المياس لتميم بن مقبل:
عاد الأذلة في دارٍ وكان بها ... هرت الشقاشق ظلاّمون للجزر
وأبرّ: زاد على ما تستنطقه. والإمعة: الأحمق الذي لا يثبت على رأي. والمذوب: الحاد. وأصغراه: قلبه ولسانه.
" ما جرى بين عبد الملك بن مروان وأهل سمره من إنشاد كل منهم أحسن ما قيل في الشعر وإنشاده هو شعر معن بن أوس الذي أوله:
وذي رحم قلمت أظفار ضغنه
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كان عبد الملك بن مروان ذات ليلة في سمره مع ولده وأهل بيته وخاصته، فقال لهم: ليق كل واحد منكم أحسن ما قيل في الشعروليفضل من رأى تفضيله، فأنشدوا وفضلوا، فقال بعضهم: امرؤ القيس، وقال بعضهم: النابغة، وقال بعضهم: الأعشى، فلما فرغوا قال: أشعر والله من هؤلاء جميعاً عندي الذي يقول: - قال أبو علي: أنشد عبد الملك هذه الأبيات التي أنا ذاكرها وضممت إليها ما اخترت من القصيدة وقت قراءتي شعر معن بن أوس على أبي بكر بن دريد وما وراه ابن الأعرابي في نوادره -
وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحلّ به الرغم
فإن أعف عنه أغض عيناً على قذىً ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم
وإن أنتصر منه أكن مثل رائشٍ ... سهام عدوٍّ يستهاض بها العظم

صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما تسوتي حرب الأقراب والسلم
وبادرت منه النأي والمرء قادر ... على سهمه مادام في كفه السهم
ويشتم عرضي في المغيب جاهداً ... وليس له عندي هوانٌ ولا شتم
إذا سمته وصل الرقابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والإثم
وإن أدعه للنصف يأب ويعصني ... ويدعو لحكم جائر غيره الحكم
فلولا اتقاء الله والرحم التي ... رعايتها حقٌّ وتعطيلها ظلم
إذاً لعلاه بارقي وخطمته ... بوسم شنارٍ لا يشاكهه وسم
ويسعى إذا أبنى ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يودّ لو أني معدومٌ ذو خصاصةٍ ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم
ويعتدّ غنماً في الحوادي نكبتي ... وما إن له فيها سناءٌ ولا غنم
فما زلت في ليني له وتعطفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم
وروى:
فما زلت في رفق به وتعطف ... عليه... ... ... ... ... ...
وزاد ابن الأعرابي:
وخفضٍ له مني الجناح تألفاً ... لتدنيه مني القرابة والرحم
وقولي إذا أخشى عليه مصيبةص ... ألا اسم فداك الخال ذو العقد والعم
وروى:
وقولي إذ أخشى عليه ملمة ... ألا اسلم ... ... ... ... ...
وصبري على أشياء منه تريبني ... وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم
لأستل منه الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغنٍ ويضيق به الجرم
رأيت انثلاماً بيننا فرفعته ... برفقي وإحيائي وقد يرقع الثلم
وأبرأت غلّ الصدر منه توسعاً ... بحلمي كما يشفى بالأدوية الكلم
وزاد ابن الأعرابي:
فداويته حتى ارفأنّ نفاره ... فعدنا كأنا لم يكن بيننا صرم
وأطفأ نار الحرب بيني وبينه ... فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم
وروى: فأطفأت نار الحرب. فقيل له: يا أمير المؤمنين، من قائل هذه الأبيات؟ قال: معن ابن أوس المزني.
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله:
لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل ... غداة الوغى أكل الردينية السمر
لعمري لقد أرديت غير مزلج ... ولا مغلقٍ باب السماحة بالعذر
سأبكيك لا مستبقياً فيض عبرة ... ولا طالباً بالصبر عاقبة الصبر
وقرأت عليه لرجل مات له أخ بعد أخ:
كأني وصيفياً خليلي لم نقل ... لموقد نارٍ آخر الليل أوقد
فلو أنها إحدى يدي رزئتها ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي
فأقسمت لا آسى على إثر هالكٍ ... قدي الآن من وجدٍ على هالك قدى
وأنشدني محمد بن السري السراج لأبي عبد الرحمن العطوي:
حنطته يا نصر بالكافور ... وزففته للمنزل المهجور
هلا ببعض خلاله حنظته ... فيضوع أفق منازل وقبور
تالله لو بنسيم أخلاقٍ له ... تعزى إلى التقديس والتطهير
طيّبت من سكن الثرى وعلا الربى ... لتزودوه عدةً لنشور
فاذهب كما ذهب الوفاء فإنه ... عصفت به ريحاً صباً ودبور
واذهب كما ذهب الشباب فإنه ... قد كان خير مجاورٍ وعشير
والله ما أبنته لأزيده ... شرفاً ولكن نفثه المصدور
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله قول الشاعر:
وقد كتب الشيخان لي في صحيفتي ... شهادة عدل أدحضت كل باطل
يعني والديه، يقول: بينا شبهى في صحيفة وجهي.
" ما اشترطته هند على أبيها عتبة بن ربيعة في زواجها قبل أن يزوجها من أبي سفيان بن حرب "

قال أبو علي وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا سعيد بن هارون قال حدّثني شيخ من أهل الكوفة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق أخي من بني عامر بن لؤي قال: قالت هند لأبيها عتبة بن ربيعة: إني امرأة قد ملكت أمرى فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي، قال: لك ذاك، فقال لها ذات يوم: إنه قد خطبك رجلان من قومك ولست مسمياً لك واحداً منهما حتى أصفه لك، أما الأول: ففي الشرف الصميم، والحسب الكريم؛ تخالين به هوجاً من غفلته، وذلك إسجاحٌ من شيمته؛ حسن الصحابة، سريع الإجابة؛ إن تابعته تبعك، وإن ملت كل معك؛ تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك عن مشورته. وأما الآخر: ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب؛ بدر أرومته، وعز عشيرته، يؤدب أهله ولا يؤدبونه؛ إن اتبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعّر عليهم؛ شديد الغيرة، سريع الطيرة، صعب حجاب حجاب القبة؛ إن حاج فغير منزور، وإن نوزع فغير مقهور؛ وقد بينت لك كليهما. فقالت: أما الأول، فسيد مضياع لكريمته مواتٍ لها فيما عسى إن تعتص أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت خبائها؛ إن جاءته بولدٍ أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت؛ اطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي؛ وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة، إني لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة؛ وإني لآخذه بأدب البعل مع لزومي قبتي، وقلة تلفتي؛ وإن السليل بيني وبينه لحرى أن يكون المدافع عن حريم عشريته، الذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، المثبت لأرومتها؛ غير مواكلٍ ولا زميل عند صعصعة الحروب. قال: ذاك أبو سفيان بن رحي، قالت: فزوجه ولا تلق إلقاء السلس، ولا تسمه سوم الضرس، ثم استخر الله في السماء، يخر لك في القضاء.
قال أبو علي: الإسجاح: السهولة. والزُّمّل والزُّمّال والزُّمّيل والزُّمّيلة: الجبان الضعيف. والصعصعة: الاضطراب، يقال: قد تصعصع القوم في الحرب إذا اضطربوا، كذا قال أبو بكر، وغيره يقول. تصعصعوا: تفرقوا. والضرس: السيء الخلق.
" حديث البنات الثلاث مع أبيهن وقد كان عضلهن ومنعهن الأكفاء " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن بعض أصحابه عن المدائن قال: كان رجل من العرب له ثلاث بنات قد عضلهن ومنعهن الأكفاء، فقالت إحداهن: إن أقام أبونا على هذا الرأي فارقنا وقد ذهب حظ الرجال منا، فينبغي لنا أن نعرض له ما في نفوسنا - وكان يدخل على كل واحدة منهن يوماً - فلما دخل على الكبرى تحادثا ساعة، فحين أراد الأنصراف أنشدت:
أيزجر لا هينا ونلحي على الصبا ... وما نحن والفتيان إلا شقائق
يؤبن حبيباتٍ مراراً كثيرة ... وتنباق أحياناً بهنّ البوائق
فلما سمع الشعر ساءه، ثم دخل على الوسطى فتحادثا، فلما أرادا الإنصراف أنشدت:
ألا أيها الفتيان إنّ فتاتكم ... دهاها سماع العاشقين فحنت
فدونكم إبغوها فتىً غير زملٍ ... وإلا صبت تلك الفتاة وجنبّت
فلما سمع شعره ساءه، ثم دخل على الصغرى في يومها فتحادثا، فلما أراد الإنصراف أنشدت:
أما كان في ثنتين ما يزع الفتى ... ويعقل هذا الشيخ إن كان يعقل
فما هو إلا الحّل أو طلب الصّبا ... ولا بدّ منه فأتمر كيف تفعل
فلما رأى تواطؤهن على ذلك زوجهن: " حديث همام بن مرة مع بناته الثلاث وكان قد عنسهن " وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كان لهّمام بن مرة ثلاث بنات فعنّسهنّ، فقالت الكبرى: أنا أكفيكموه اليوم، فقالت:
أهمّام بن مرّة إنّ همّي ... إلى قنفاء مشرفة القذال
فقال همام: قنفاء مشرفة القذال! تصف فرساً. فقالت الوسطى: ما صنعت شيئاً، فقالت:
أهمام بن مرة إن همي ... إلى اللأئي يكنّ مع الرجال
فقال همام: يكون مع الرجال الذهب والفضة! فقالت: ما صنعتما شيئاً، وقالت:
أهمام بن مرة إن همي ... إلى عردٍ أسدُّ به مبالي
فقال همام: قاتلكنّ اللّه! واللّه لا أمسيت أو أزوجكن! فزوّجهن.
" ما قاله بعض الأدباء في وصف بعض الثقلاء " وحدثنا أبو بكر الأنباري قال حدّثنا أبو العباس النحوي قال قال العباس بن الحسن العلوي: ما الحمام على الإصرار، وحلول الدّين مع الإقتار، وطول السّقم في الأسفار، بآلم من لقائه!.

وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو العباس وأبى: - اللفظ مختلط -
ثقيلٌ يطالعنا من أمم ... إذا سرّه رغم أنفي ألمّ
أقول له إذ أتى لا أتى ... ولا حملته إلينا قدم
عدمت خيالك لامن عمّى ... وسمع كلامك لامن صمم
تغطّ بما شئت عن ناظري ... ولو بالرّداء به فالتثم
لنظرته وخزةٌ في القلوب ... كوخز المحاجم في الملتزم
قال وأنشدنا عبد اللّه بن خلف:
وثقيل أشدّ من ثقل المو ... ت ومن شدة العذاب الأليم
لو عصت ربّها الجحيم لما كا ... ن سواه عقوبةً للجحيم
قال وأنشدنا عبد اللّه بن خلف وغيره لمحمد بن نصر بن بسام:
يا ثقيلاً على القلوب إذا ع ... نّ لها أيقنت بطول الجهاد
يا قذىً في العيون يا غلةً بي ... ن التّراقي حزازة في الفؤاد
يا طلوع العذول يا بين إلفٍ ... يا غريماً أتى على ميعاد
يا ركوداً في يوم غيم وصيف ... يا وجوه التّجار يوم الكساد
خلِّ عنَّا فإنما أنت فينا ... واو عمرو وكالحديث المعاد
وامض في غير صحبة اللّه ما عش ... ت ملّقى من كلِّ فجّ وواد
يتخطى بك المهامة والبي ... د دليل أعمى كثير الرّقاد
خلفك الثائر المصمّم بالسيّ ... ف ورجلاك فوق شوك القتاد
قال وأنشدنا أبي:
ربّما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفاً في كفّة الميزان
ولقد قلت حين وتدّ في البي ... ت ثقيلٌ أربى على ثهلان
كيف لم تحمل الأمانة أرضٌ ... حملت فوقها أبا سفيان
" ما دار بين عبد الملك بن مروان وعزة صاحبة كثير يوم دخلت عليه " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن عكرمة الضّبّي قال قال العتبي: دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان فقال لها: يا عزّة، أنت عزّة كثيّر؟ فقالت: أنا أمّ بكر الضّمريّة، فقال لها: أتروين قول كثيّر:
وقد زعمت أني تغيّرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عزّلا يتغيّر
تغيّر جسمي والخليقة كالتي ... عهدت ولم يخبر بسّرك مخبر
فقالت: لا أروي هذا، ولكني أروي قوله:
كأني أنادي صخرةً حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشى بها العصم زلّت
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلةً ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
" قصيدة كثير التائية التي منها البيت المشهور
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا الخ "
قال أبو علي: وقرأت هذه القصيدة على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه في شعر كُثيِّر وهي من منتخبات شعر كثر، وأولها:
خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّت
ويروى:
خليليّ هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم انظرا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما الهوى ... ولا موجعات الحزن حتى تولت
فقد حلفت جهداً بما نحرت له ... قريشٌ غداة المأزمين وصلّت
أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت ... بفيفا غزالٍ رفقةٌ وأهلّت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرةٍ نذراً فأوفت وحلّت
ويروى: وفت فأحلّت
فقلت لها يا عزّ كل مصيبةٍ ... إذا وطّنت يوماً لها النفس ذلّت
ولم يلق إنسانٌ من الحب ميعةً ... تعمّ ولا غمّاء إلا تجّلت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لوتمشي بها العصم زلت
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت
ويروى: صفوح، والصفوح: المعرض. ويروى: ذلك البخل.
أباحت حمىً لم يرعه الناس قبلها ... وحلّت تلاعاً لم تكن قبل حلّت
فليت قلوصي عند عزة قيّدت ... بحبل ضعيفٍ عزّ منها فضلت
وغودر في الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغٍ سواي فبلّت
وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت

وكنت كذات الظّلع لما تحاملت ... على ظلعها لعد العِثار استقلت
أريد الثواء عندها وأظنها ... إذا ما أطلنا عندها المكث ملّت
فما أنصفت أما النساء فبغّضت ... إليّ وأمّا بالنوال فضنّت
يكلفها الغيران شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلّت
هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلّت
قال أبو علي قيل لكثير: أنت أشعر أم جميل؟ فقال: بل أنا، فقيل له: أتقول هذا وأنت روايته؟ فقال: جميل الذي يقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
وأنا أقول:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلّت
فو الله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرمٍ ولا أكثرت إلا أقلّت
ويروى: ولا استكثرت
فإن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً ... وحقذت لها العتبى لدينا وقلّت
وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... منادح لو سارت بها العيس كلّت
خليليّ إن الحاجبية طلّحت ... قلوصيكما وناقتي قد أكلّت
فلا يبعدن وصلٌ لعزة أصبحت ... بعاقبةٍ أسبابه قد تولّت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلّت
ولكن أنيلي واذكري من مودةً ... لنا خلةً كانت لديكم فطلّت
فإني وإن صدّت لمثنٍ وصادقٌ ... عليها بما كانت إلينا أزلّت
فما أنا بالداعي لعزّة بالجوى ... ولا شامت إن نعل عزّة زلّت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت غمرةً فتجلّت
فأصبحت قد أبللت من دنفٍ بها ... كما أدنفت هيماء ثم استبلّت
فوالله ثم الله ما حلّ قبلها ... ولا بعدها من خلّةٍ حيث حلّت
وما مرّ من يومٍ علي كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلّت
وأضحت بأعلى شاهقٍ من فؤاده ... فلا القلب يسلاها ولا العين ملّت
فيا عجباً للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطّنت كيف ذلّت
وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخلّيت مما بيننا وتخلّت
لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلما ... تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت
كأني وإياها سحابةُ ممحل ... رجاها فلما جاوزته استهلت
فإن سأل الواشون فيم هجرتها ... فقل نفس حرٍّ سليت فتسلّت
قال أبو علي: المأزمان: بين عرفة والمزدلقة. وأناديك: أجالسك، وهو مأخوذ من النّدى والنادي جميعاً، وهما المجلس، وميعة كل شيء: أوله. والصّفوح: المعرضة. بّلت: ذهبت.
قال أبو علي: وما أعرف بلّت ذهبت إلا في تفسير هذا البيت. والعتبي: الإعتاب، يقال: عاتبني فلان فاعتبته إذا نزعت عما عاتبك عليه، والعتبى: الإسم والإعتاب المصدر. وقوله طلّحت، الطّليح: المعيي الذي قد سقط من الإعياء. وطلّت: هدرت. وأزلّت: اصطنعت. ويقال: بلّ من مرضه وأبلّ واستبلّ إذا برأ. واعترافه: اصطباره، يقال: نزلت به مصيبةٌ فوجد عروفاً أي صبوراً، والعارف: الصابر.
وأنشد أبو عبد اللّه رحمه اللّه لنفسه:
وقائلٍ لاتبح باسمي فقلت له ... هبني أكاتم جهدي ما أعانيه
قال أبو علي: أنشدينه جهدي، وأنا أختار جهدي
فكيف لي بارتياعي حين تبصرني ... حتى أقول بدا ما كنت أخفيه
أم كيف يسعدني صبرٌ ولي كبدٌ ... حرّى تذوب وقلبٌ فيه ما فٌيه
يا ساحر اللّحظ قد واللّه برّح بي ... شوقي إليك وأعياء ما ألاقيه
قال أبو علي وأنشدني لابن أذينة:
قالت وأثبتها شجوى فبحت به ... قد كنت عندي تحبّ السّتر فاستر
ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّى هواك وما ألقى على بصري
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي:
إلى اللّه أشكو ثم أثني فأشتكي ... غريماً لواني الدّين منذ زمان
لطيف الحشا عبل الشّوى طيّب اللّمى ... له عللٌ لاتنقضي وأماني

" سؤال عبد الملك بن مروان للحجاج عن عيبه وما أجاب به قال فيه خالد بن صفوان " وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا العكلّي عن أبيه قال: سأل عبد الملك الحجّاج عن عيبه فتلكأ عليه، فأبى إلا أن يخبره، فقال: أنا حديدٌ حسودٌ حقودٌ لجوج ذو قسوة فبلغ هذا الكلام خالد بن صفوان فقال: لقد انتحل الشّر بحذافيره، والمروق من حمع الخير بزوبره؛ ولقد تأنق في ذم نفسه، وتجود في الدلالة على لؤم طبعه، وفي إقامة البرهان على إفراط كفره، والخروج من كنف ربّه، وشدّة المشاكلة لشيطانه الذي أغواه.
" ما يكون بالخاء المعجمة والمهملة من الكلمات " قال الأصمعي: الخشيُّ والحشيُّ: اليابس، وأنشد للعجاج.
" والهدب الناعم والخشىُّ " الناعم: الرطب اللين، وأنشد:
وإن عندي لو ركبت مسحلي ... سمّ ذرايح رطابٍ وخشي
قال ويقال: حبج وخبج إذا خرجت منه ريحٌ، قال وسمعت أعرابياً يقول: خبج بها وربّ الكعبة. قال ويقال: فاحت منه ريحٌ طيبة وفاخت. وفال أبو زيد يقال: خمص الجرح يخمص خموصاً، وحمصَ يحمص حموصاً، وانحمص انحماصاً، اخمص انخماصاً إذا ذهب ورمه. وقال أبو عبيدة: المخسول والمحسول: المرذول، وقد حسلته وخسلته. قال أبو عمرو الشيباني: الجحادي والجخادي: الضّخم. قال ويقال: طخرور وطحرور للسحابة، وقال الأصمعي: الطخارير قطع من السحاب مستدقّة رقاقٌ، والواحدة طخرورة، والرّجل طخرور إذا لم يكن جلداً ولا كثيفاً، ولم يعرفه بالحاء.قال اللحياني يقال: شرب حتى اطمحرّ واطمخرّ أي امتلأوروي. ويقال: دربح ودربخ إذا حنى ظهره. ويقال: هو يتحوّف مالي ويتخوفّه أي ينقصه ويأخذ من أطرافه، قال اللّه عز وجل: " أو يأخذهم على تخوف " أي تنقص، وقال الشاعر:
تخوف السّير منها تامكاً قرداً ... كما تخوّف عود النبعة السّفن
قال أبو علي: التامك: المرتفع من السّنام. والقرد المتلبد بعضه على بعض. والسّفن: المبرد.
وأخبرني أبو بكر الأنباري عن أبيه قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال:
تخوّفني مالي أخٌ لي ظالمٌ ... فلا تخذلني اليوم يا خير من بقي
فقال: تخوّفك أي تنقّصك؟ قال: نعم، قال: اللّه أكبر! " أو يأخذهم على تخوّفٍ " أي تنقّص من خيارهم. وقد قرئ " إنّ لك في النهار سبحاً طويلاً " وسبخاً، قرأها يحيى بن يعمر، قال الفراء: معناهما واحد أي فراغاً، وقال غيره: سبحاً: فراغاً، وسبخاً: نوماً. ويقال: قد سبخ الحرّ إذا خار وانكسر. ويقال اللهم سبّخ عنه الحمى أي خفّفها، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعائشة رحمها اللّه - حين دعت على سارقٍ سرقها - : " لا تسبّخي عنه بدعائك " أي لاتخفّفي عنه إثمه. ويقال لما سقط من ريش الطائر: سبيخ.
" ما تعاقب فيه الدال التاء " قال الأصمعي: وهو السّدى والسّتى، والأسديُّ والأستيُّ لسدى الثوب، قال الحطيئة:
مستهلك الورد كالأسديّ قد جعلت ... أيدي المطيّ به عاديةً ركبا
ويروى: رغباً. ركب: جمع ركوب وهو الطريق الذي فيه آثار، والرّغب: الواسعة. قال: وأما السّدى من الندى فبالدال لاغير، يقال سديت الأرض إذا نديت، من السّماء كان الندى أو من الأرض. قال أبو علي: حكى بعض شيوخنا عن أبي عبيدة قال: السّدى: ما كان في أول الليل، والنّدى: ما كان في آخره. ويقال للبلح إذا وقع وقد استرخت ثفاريقه وندى: بلحٌ سدٍ، وقد أسدى النّخل. ويقال: أعتده وأعدّه، قال الشاعر:
إثماً وغرما وعذاباً معتدا
ويقال: الدولج والتولج: للكناس. ويقال: مدّ في السير ومتّ. ويقال: السبنداة والسبنتاة للجريئة. ويقال للنمر: سبنتي وسبندى. ويقال: هرت القصّار الثوب وهرده إذا خرقه، وكذلك هرد عرضه وهرته.
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن دريد لحميد بن ثور:
قرينة سبع إن تواترن مرةً ... ضربن فصفّت أرؤوسٌ وجنوب
تواترن: اتبع بعضهن بعضاً، يريد أنهن غير مصطفّات، فإذا أردن الطيران ضربن بأجنحتهن حتى يستوين، ثم يصرن إلى طيرانهن وهنّ مصطفّات الأرؤس والجنوب.
وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه في قصيدة له أولها هذه الأبيات:
ليس المقصّر وانياً كالمقصر ... حكم المعذر غير محكم المعذر
لو كنت أعلم أن لحظك موبقي ... لحذرت من عينيك ما لم أحذر

لا تحسبي دمعي تحدّر إنما ... نفسي جرت في دمعي المتحدّر
خبري خذيه عن الضنا وعن البكا ... ليس اللسان وإن تلفت بمخبر
ولقد نظرت فردّ طرفي خاسئاً ... حذر العدا وبهاء ذاك المنظر
يأسى يحسن لي التستر فاعلمي ... لو كنت أطمع فيك لم أتستّر
قال أبو علي: المعذر في طلب الحاجة: المبالغ فيها، والمعذّر: المتواني. والمقصر عن الشيء: الذي ينزع عنه وهو يقدر عليه، والمقصّر: العاجز عنه.
" ماجاء من الكلكات بالصاد والزاي " قال الأصمعي: جاءتنا زمزمةٌ من بني فلان وصمصمة أي جماعة، وأنشد:
إذا تدانى زمزمٌ لزمزم
وأنشدنا أيضاً:
وحال دوني من الأبناء زمزمةٌ ... كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا
قال ويروي: صمصمة، ويقال: نشصت المرأة على زوجها ونشزت، وهو النشوص والنشوز، ومنه يقال: نشصت ثنيّته إذا خرجت من موضعها، قال الأعشى:
تقمّها شيخٌ عشاءً فأصبحت ... قضاعيّةً تأتي الكواهن ناشصا
أي ناشزا. قال أبو علي: قال لي أبو العباس: معنى تقمرها عقلها وأخرجها من قومها فأصبحت في قضاعة غريبةً تأتي الكواهن تسأل عن حالها هل يرين لها الرجوع إلى أهلها أم لا. والنشاص: الغيم المرتفع.
قال أبو علي: إنما سميّ نشاصاً، لأنه ارتفع على غيره بمنزلة الثّنيّة ارتفعت على غيرها. والشرز والشرص واحد وهو الغلظ.
قال الأصمعي: وسمعت خلفاً يقول سمعت أعرابياً يقول: " لم يحرم من فزدله " أي من فصد فخفّف، وأبدل من الصاد زاياً، يقول: لم يحرم من أصاب بعض حاجته وإن لم ينلها كلها. ويقال: فصّ الجرح يفصّ فصيصاً وفزّ يفزّ فزيزاً أي سال.
" ما تتعاقب فيه السين والثاء المثلثة " وقال الأصمعي: أتانا ملس الظلام أي اختلاطه، ويقال: ساخت رجله في الأرض وثاخت إذا دخلت، قال أبو ذؤيب:
قصر الصبوح لها فشرّج لحمها ... بالني فهي تثوخ فيها الإصبع
شرّج: خلظ، وشريجان: خليطان. والنيّ: الشحم. والوطس والوطث: الضرب الشديد بالخفّ. ويقال: فوه يجري سعابيب وثعابيب وهو أن يجري منه ماءٌ صافٍ. ويقال: ناقة فاسجٌ وفاثجٌ، وهي الفتية الحامل، وأنشد الأصمعي:
والبكرات اللقّح الفواثجا
" ما قاله عمرو بن معد يكرب يمدح مجاشع بن مسعود وقد سأله فوصله " وقال أبو علي: حدّثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة أن عمرو بن معد يكرب أتى مجاشع بن مسعود بالبصرة يسأله الصلة، فقال له، اذكر حاجتك، فقال: حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرساً من بنات الغبراء وسيفاً قلعياً وغلاماً خبّازاً، فلما خرج من عنده، قال له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك؟ فقال: لله درّ بني سليم: ما أشدّ في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللزبات عطاءها، وأثبت في المكرمات بناءها؟ والله لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها؟ ثم قال:
ولله مسئولاً نوالاً ونائلاً ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حام عن العتبي قال: ذكر اعرابي رجلاً فقال: نعم حشو الدرع ومقبض السيف ومدره الرمح؟ هو كان أحلى من العسل إذا لوين، وأمرّ من الصبر إذا خوشن.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا عبد الأول بن مزيد عن أبيه قال حدّثني بعض موالي بني هاشم قال قال المنصور لخالد بن عبد الله القسري: إني لأعدّك لأمر كبير، قال: يا أمير المؤمنين، قد أعدّ الله لك مني قلباً معقوداً بنصيحتك، ويداً مبسوطة بطاعتك، وسفاً مشحوذاً على أعدائك، فإذا شئت.
" ما قاله الزبير بن عبد المطلب يصف ابن أخيه النبي صلى الله عليه وسلم وأخويه العباس وضراراً وابنته أم الحكم ومغيثاً ابن جاريته " قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثني عمي عن أبيه عن هشام بن محمد قال حدّثني رافع بن بكّار ونوح بن درّاج قالا: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه الزبير بن عبد المطلب وهو صبي فأقعده في حجره، وقال:
محمد بن عبدمعشت بعيشٍ أنعمودولةٍ ومغنم
في فرع عزٍّ أسنممكرمٍ معظّمدام سجيس الأزلم
أي أبد الدهر. ثم دخل عليه العباس بن عبد المطلب وهو غلام فأقعده في حجره، قال:
إن أخي عباس عفّ ذو كرم ... فيه عن العوراء إن قيلت صمم

يرتاح للمجد ويوفي بالذمم ... وينحر الكوماء في اليوم الشبم
أكرم بأعراقك من خالٍ وعتم
ثم دخل عليه ضرار بن عبد المطلب وهو أضغر من العباس، فقال:
ظني بميّاسٍ ضرارٍ خير ظن ... أن يشتري الحمد ويغلي بالثمن
ينحر للأضياف ربات السمن ... ويضرب الكبش إذا البأس ارجحن
ثم دخلت عليه ابنته أم الحكم، فقال:
يا حبذا أم الحكم ... كأنها ريمٌ أحمّ
يا بعلها ماذا يشم ... ساهم فيها فسهم
ثم دخلت عليه جارية له يقال لها أم مغيث، فقال: مدحت ولدك وبني أخيك، ولم تمدح ابني مغيثاً، فقال: عليّ به عجليه، فجاءت به، فقال:
وإن ظن بمغيثٍ إن كبر ... أن يسرق الحجّ إذا الحج كثر
ويوقر الأعيار من قرف الشجر ... ويأمر العبد بليل يعتذر
ميراث شيخ عاش دهراً غير حر
قال أبو علي: سالت أبا بكر عن يعتذر، فقال: يصنع عذيرةً، وهي طعام من أطعمة الأعراب: قال أبو علي: وقد جمع يعقوب هذا الباب في كتاب المنطق فأكثر ولم يأت بهذه الكلمة. فأما يعتذر من العذر فكثير من أشعار العرب في أمثال هذا الموضع.
" ما وصفت به هند ابنها معاوية رحمهما الله وهي ترقصه " وحدثنا أبو بكر قال حدّثني عمي عن أبيه عن هشام قال قالت هند بنت عتبة، وهي ترقص ابنها معاوية رحمه الله:
إن بني معرقٌ كريم ... محببٌ في أهله حليم
ليس بفحّاش ولا لئيم ... ولا بطخرورٍ ولا سئوم
صخر بني فهرٍ به زعيم ... لا يخلف الظن ولا يخيم
قال أبو علي: يخيم: يجبن، يقال: خام عن قرنه، ويمكن أن يكون يخيم في هذا الموضع يخيب أبدلت من الباء ميماً، كما قالوا: طينٌ لازبٌ ولازم.
" ما وصفت به ضباعة بنت عامر ابنها المغيرة بن سلمة وهي ترقصه " وحدثنا أبو بكر قال حدّثني عمي عن أبيه عن هشام قال قالت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير وهي ترقص ابنها المغيرة بن سلمة:
نمى به إلى الذرى هشام ... قرمٌ وآباءٌ له كرام
حجاجحٌ خضارمٌ عظام ... من آل مخزوم هم الأعلام
الهامة العلياء والسنام
" ما وصفت به أم الفضل ابنها عبد الله بن عباس وهي ترقصه " قال وأخبرني عمي عن أبيه عن هشام قال قالت أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي ترقص ابنها عبد الله بن العباس:
ثكلت نفسي وثكلت بكري ... إن لم يسد فهراً وغير فهر
بالحسب العدّ وبذل الوفر ... حتى يوارى في ضريح القبر
قال أبو علي: سمعت ابن خيرٍ الورّاق وقد سأل أبا بكر بن دريد فقال له: مم اشتق العقل؟ فقال: من عقال الناقة، لأنه يعقل صاحبه عن الجهل أي يحبسه، ولهذا قيل: عقل الدواء بطنه أي أمسكه، ولذلك سميت خبراء بالدهناء معلقة، لأنها تمسك الماء، قال: فممّ اشتق اللحد؟ قال: من قولهم لحد إذا عدل لأنه عدل إلى أحد شقي القبر، قال: فمم اشتق الضريح؟ قال: هو بمعنى مضروح كأنه ضرحه جانباه أي دفعاه فوقع في وسطه.
وقرأت على أبي بكر بن دريد من شعر الحطيئة:
وإن التي نكبتها عن معاشر ... عليّ غضابٍ أن صددت كما صدوا
أتت آل شمّاس بن لأيٍ وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العدّ
فإن الشقي من تعادي صدورهم ... وذو الجد من لانوا إليه ومن ودوا
قال أبو علي: الحسب: الشرف. والعدّ: القديم؛ ويقال: بئر عدّ إذا كانت لها مادةٌ من الأرض.
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم وأو سدّوا المكان الذي سدّوا
أؤلئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
قال أبو علي: البنى واحدها بنية، مثل رشوة ورشىً.
فإن كانت النعمى عليهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّورها ولا كدّوا
وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردّوا
مطاعين في الهيجا مكاشيف للدّجى ... بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ

فمن مبلغٌ أبناء سعدٍ فقد سعى ... إلى السورة العليا لهم حازمٌ جلد
رأى مجد أقوام أضيع فحثّهم ... على مجدهم لما رأى أنه الجهد
وروى الأصمعي: لما راى أنه المجد. ويروى: لما رأى أنه الجدّ، فمن روى أنه الجهد اراد به أنه الجهد منه، لأن تضييعهم أحسابهم قد جهده؛ ومن روى أنه الجدّ أراد أنه الجد من هؤلاء المضيعين في تضييعهم أحسابهم.
وتعذلني أفناء سعدٍ عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد
وأنشدنا أبو بكر بن أنباري قال أنشدني أبي:
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه ... ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمّما
فلابد أن تلفى له الدهر سبّةٌ ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
وقرأت على أبي بكر بن دريد لأشجع:
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرقٌ ... ولا مغربٌ إلا له فيه مادح
ما كنت أدري ما فواضل كفّه ... على الناس حتى غيّبته الصفائح
فأصبح في لحدٍ من الأرض ميتاً ... وكانت له حياً تضيق الصحاصح
وأنا من رزء وإن جلّ جازعٌ ... ولا بسرور بعد موتك فارح
كأن لم يمت حيٌّ سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا ابو حاتم:
ألا في سبيل الله ما تضمّنت ... بطون الثرى واستودع البلد القفر
بدورٌ إذا الدنيا دجت أشرقت بهم ... وإن أجدبت يوماً فأيديهم القطر
فيا شامتاً بالموت لا تشمتن بهم ... حياتهم فخرٌ وموتهم ذكر
حياتهم كانت لأعدائهم عمىً ... وموتهم للفاخرين بهم فخر
أقاموا بظهر الأرض فاخضرّ عودها ... وصاروا ببطن الأرض فاستوحش الظهر
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت عمي يقول سمعت أعرابياً ينشد:
كلاب الناس إن فكرت فيهم ... أضرّ عليك من كلب الكلاب
لأن الكلب لا يؤذي صديقاً ... وإن صديق هذا في عذاب
ويأتي حين يأتي في ثياب ... وقد حزمت على رجل مصاب
فأخزى الله أثواباً عليه ... وأخزى الله ما تحت الثياب
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: خرج أعرابي إلى الشام، فكتب إلى بني عمه كتباً فلم يجيبوه عنها، فكتب إليهم:
ألا أبلغ معاتبتي وقولي ... بني عمي فقد حسن العتاب
وسل هل كان لي ذنب إليهم ... هم منه فاعتبهم غضاب
كتبت إليهم كتباً مراراً ... فلم يرجع إليّ لهم جواب
فلا أدري أغيّرهم تنائي ... وطول العهد مالٌ أصابوا
فمن يك لا يدوم له وفاء ... وفيه حين يغترب انقلاب
فعهدي دائم لهم وودي ... على حال إذا شهدوا وغابوا
" ما يجيء من الكلمات بالثاء المثلثة والذال المعجمة " قال أبو علي: قال الأصمعي يقال لتراب البئر: النبيثة والنبيذة. وقال: قربٌ حثحاثٌ وحذحاذٌ إذا كان سريعاً. ويقال: قثم له من ماله وقذم، وعذم له من ماله وغثم إذا دفع إليه دفعة فأكثر.
ويقال: قرأ فما تلعثم وما تلعذم. ويقال: جثا يجثو وجذا يجذو إذا قام على أطراف أصابعه، وأنشد للنعمان بن نضلة:
إذا شئت غنتني دهاقين قريةٍ ... وصنّاجةٌ تجذو على كل منسم
قال أبو علي: جعل للإنسان منسماً على الاتساع، وإنما المنسم للجمل كما قال الآخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إلى ملكٍ أظلافه لم تشقق
فجعل للإنسان ظلفاً، وإنما الظلّف للشاء والبقر. وقال غير الأصمعي يقال: جَثوة وجُثوة، وجَذوة وجُذوة وجِذوة. وقال أبو عمر الشيباني: يلوث ويلوذ سواء. وقال غيره يقال: خرجت غثيثة الجرح وغذيذته، وهي مدته وما فيه، وقد غثّ يغثُّ وغذّ يغذّ، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله:
فما كان ذنب بني عامر ... بأن سبّ منهم غلامٌ فسب
بأبيض ذي شطبٍ باترٍ ... يقطّ العظام ويبري العصب

قال: يريد معاقرة غالبٍ أبي الفرزدق وسُحيم بن وثيل الرياحي لما نعاقرا بصوأر، فعقر سحيم خمساً ثم بداله، وعقر غالبٌ مائةً. وقوله سُبّ أي شتم. وقوله سَبّ أي قطع؛ قال: وأصل السَبّ: القطع.
" وصف علي رضي الله عنه الدنيا وقد سئل ذلك " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: سأل رجل عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: صِف لنا اللدنيا، فقال: وما أصف لك من دارٍ أولها عناء، وآخرها فناء؛ من صحّ فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فُتن، حلالها حساب؛ وحرامها عذاب.
" وصف رجل لبعض الأمراء وقد عزل عن عمله " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال: عُزل بعض الأمراء عن عمله، فقال له رجل: أصبحت والله فاضحاً متعباً: أما فاضحاً فلكل والٍ قبلك بحسن سيرتك، وأما متعباً فلكل وال بعدك أن يلحقك.
" وصف المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا الرياشي عن أبي زيد قال قال المغيرة بن شعبة: كان عمر رضي الله عنه أفضل من أن يَخدع، وأعقل من أن يُخدع.
" وصف عمر بن الخطاب معاوية رضي الله عنه " قال: وكان عمر إذا نظر إلى معاوية يقول: هذا كسرى العرب، قال: فكان معاوية يقول: ما رأيت عمر مستخلياً رجلاً قط إلا رحمته.
" وصف بعض علماء الهند صحبة السلطان " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم قال قال بعض علماء الهند: صحبة السلطان على ما فيها من العز والثورة عظيمة الخطار، وإنما نشبه بالجبل الوعر، فيه السباع العادية، والثمار الطيبة؛ فالارتقاء إليه شديد، والمقام فيه أشد؛ وليس يتكافأ خير السلطان وشره، لأن خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان يزيل الحال ويتلف النفس التي لها طلب المزيد؛ ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه، وفي نكبته الجائحة والتلف.
وأنشدني أبو بكر بن دريد:
وخلّفته حتى إذا تمّ واستوى ... كمخّة ساقٍ أو كمتن إمام
خلّقته: ملّسته، يعني سهماً. والإمام: الخيط الذي يمدّ على البناء فيبنى عليه، وهو بالفارسية التّرّ.
" ما وقع بين عمرو بن براقة الهمذاني وحريم المرادي من الإغارة والقتال وما قال عمرو في ذلك " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عبّاد عن ابن الكلبي قال: أغار رجل من مراد يقال له حريم على إبل عمرو بن برّاقة الهمذاني وخيل له فذهب بها، فأتى عمرو سلمى - وكانت بنت سيدهم وعن رأيها كانوا يصدرون - فأخبرها أن حريماً المرادي أغار على إبله وخيله، فقالت: والخفو والوميض، والشفق كالإحريض، والقلة والحضيض؛ إن حريماً لمنيع الخير، سيدٌ مريز، ذو معقل حريز؛ غير أني أرى الحمّة ستظفر منه بعثرة، بطيئة الجبرة؛ فأغر ولا تنكع. فأغار عمرو فاستاق كل شيء له، فأتى حريمٌ بعد ذلك يطلب إلى عمرو أن يرد عليه بعض ما أخذ منه فامتنع ورجع حريم، وقال عمرو:
تقول سليمى لا تعرّض لتلفةٍ ... وليلك عن ليل الصعاليك نائم
وكيف ينام الليل من جلّ ماله ... حسامٌلون الملح أبيض صارم
غموضٌ إذا عضّ الكريهة لم يدع ... له طمعاً طوع اليمين ملازم
ألم تعلمي أن الصعاليك نومهم ... قليلٌ إذا نام الخليّ المسالم
إذا الليل أدجى واكفهر ظلامه ... وصاح من الأفراط بومٌ جواثم
إذا الليل ادجى واسجهرّت نجومه
ويروى: والمسجهرّ: الأبيض.
ومال بأصحاب الكرى غالباته ... فإني على أمر الغواية حازم
كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمةً مادام للسيف قائم
تحالف أقوامٌ عليّ ليسلموا ... وجرّوا عليّ الحرب إذ انا سالم
أفاليوم أدعى للهوادة بعدما ... أجيل على الحيّ المذاكي الصلادم
فغن حريماً إن رجا أن أردها ... ويذهب مالي يابنة القيل حالم
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم
متى تطلب المال الممنّع بالقنا ... تعش ماجداً أو تخترمك المخارم
وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

فلا صلح حتى تقدع الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الخفاف الجماجم
ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرة ... عبيدة يوماً والحروب غواشم
أمستبطئٌ عمرو بن نعمان غارتي ... وما يشبه اليقظان من هو نائم
إذا جرّ مولانا علينا جريرةً ... صبرنا لها إنا كرام دعائم
وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم
قال أبو علي: الخفو: اللمعان الضعيف، يقال: خفا البرق يخفو خَفواً وخُفواً وخفوّاً إذا برق برقاً ضعيفاً. والوميض أشد من الخفو. والإحريض: حجارة النّورة. والحيز: الناجية. ومريز: فاضل، من قولهم هذا أمرّ من هذا أي أفضل منه. والحمّة: القدر، وقال بعض اللغويين: هي واحد الحِمام. وتنكع: تردع، يقال: نكعته إذا ردعته. والمكفهر: المتراكب الظلمة. والأفراط: الآكام، وهي الجبال الصغار واحدها فرط، قال الشاعر:
أم هل سموت بجرارٍ له لجبٌ ... يغشى المخارم بين السهل والفرط
والهوادة: الصلح والسكون، والصلادم واحدها صلدم: وهو الشديد الصلب. وتقدع: تكف. والغشم: أشد الظلم.
" حديث قتل سماك بن حريم في بني قمير وإغارة أخيه مالك عليهم وما قال في ذلك من الشعر " وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا السكن بن سعيد عن أبيه وعن ابن الكلبي قال: قُتل سماك بن حريم أخو مالك بن حريم؛ قتلته مراد غيلةً فلم يدر مالك من قتله حتى أخبر بعد ذلك أن بني قمير قتلوا أخاه، فأغار عليهم وقتل قاتل أخيه وأنشأ يقول:
يا راكباً بلّغن ولا تدعن ... بني قميرٍ وإن هم جزعوا
كي يجدوا مثل ما وجدت فقد ... أصبحت نضواً ومسنى الوجع
لا أسمع اللهو في الحديث ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجولٍ أضلّها ربع
أو وجد شيخ أضلّ ناقته ... يوم رواح الحجيج إذ دفعوا
ينظر في أوجه الرجال فلا ... يعرف شيئاً فالوجه ملتمع
بني قميرٍ سيدكم ... فاليوم لا فديةٌ ولا جزع
جلّلته صارم الحديدة كالم ... لح وفيه سفاسقٌ لمع
تركته بادياً مضاحكه ... يدعو صداه والرأس منصدع
بني قمير تركت سيدكم ... أثوابه من دمائه ردع
فاليوم صرنا على السواء فإن ... أبق فدهري ودهركم جذع
لم أك فيها لما بليت بها ... نؤم ليلٍ يغرني الطمع
قال أبو علي قال أبو عبيدة عن بعض أصحابه: سفاسق السيف: طرائقه التي قال لها الفرند. وردع: متلطخة، ولهذا قيل يدي من الزعفران ردعة.
وحدثني أبو عمر أن أبا العباس أنشدهم عن ابن الأعرابي لعمرو بن شأس:
إن بني سلمى شيوخٌ جلّة ... بيض الوجوه خرق الأخلّه
أخبر أن سيوفهم تأكل أغمادها من حدتها.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا العكلي عن الحرمازي قال أنشدنا الهيثم بن عدي قال: أنشدني مجالد بن سعيد شعراً أعجبني فقلت له: من أنشدك؟ قال: كنا يوماً عند الشعبي فتناشدنا الشعر، فلما فرغنا قال الشعبي: أيكم يحسن أن يقول مثل هذا؟ وأنشدنا:
أعينيّ مهلاً طالما لم أقل مهلا ... وما سرفاً ملآن قلت ولا جهلا
وإن صبا ابن الأربعين سفاهةٌ ... فكيف مع اللائي مثلت بها مثلا
يقول لي المفتي وهنّ عشيةً ... بمكة يسحبن المهدّبة السحلا
تق الله لا تنظر إليهنّ يا فتى ... وما خلتني في الحج ملتمساً وصلا
ووالله لا أنسى وإن شطت النوى ... عرانينهن الشمّ والأعين النجلا
ولا المسك من أعرافهن ولا البرا ... جواعل في أوساطها قصباً خدلا
خليليّ لولا الله ما قلت مرحبا ... لأول شيباتٍ طلعن ولا أهلا
خليليّ إن الشيب داء كرهته ... فما أحسن المرعى وما أقبح المحلا
قال الهيثم قال مجالد: فكتبنا الشعر ثم قلنا للشعبي: من يقول هذا؟ فسكت، فخيل إلينا انه قائله.

قال أبو علي: أراد السحل فسكّن الحاء، وهي ثياب بيض واحدها سحيل، ويقال: السحل الثوب من القطن، قال الهذلي:
كالسحل البيض جلا لونها ... سحّ نجاء الحمل الأسول
والأسول: المسترخي الأسفل، يقال: سول يسول سولاً. ويقال: اتّقاه يتّقيه، وتقاه يتقيه، أنشدني أبو بكر بن دريد:
جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافاً كلها يتقي بأثر
الأثر: فرند السيف. والأثر: خلاصة اللبن. وجاء فلان على إثر فلان وعلى أثره. والأثر: أثر الجرح.
" ما تتعاقب فيه السين والشين " وقال الأصمعي: جاشته وجاسته وجاحفته إذا زاحمته، قال: بعض العرب يقول للجحاش في القتال: الجحاس، وأنشد لرجل من بني فزازة:
والضرب في يوم الوغى الجحاس
وقال أبو زيد يقال: مضى جرسٌ من الليل وجرشٌ. وقال أبو عمرو: سئفت يده وشئفت وهو تشقق يكون في أصول الأظفار. قال ويقال: الشوذق والسوذق للسوار. وقال اللحياني: حمس الشر إذا اشتد وحمش، واحتمس الديكان واحتمشا إذا اقتتلا. ويقال: تنسمت منه علماً وتنشمت. ويقال: الغبس والغبش: السواد، يقال: غبس الليل واغبس. وغبش وأغبش، ويقال: عطس فلان فشمّتّه وسمّتّه. وقال الفراء: أتانا بسَدفة وسُدفة، وشَدفة وشُدفة، وهو السَّدف والشَّدف، وقال أبو زيد: السُّدفة في لغة قيس: الضوء، وفي لغة تميم: الظلمة، وأنشد بعض اللغويين:
وأقطع الليل إذا ما أسدفا
أي أظلم، وبعض اللغويين يجعل السدفة اختلاط الضوء بالظلام مثل ما بين صلاة الصبح إلى الفجر. وقال يعقوب قال الأصمعي يقال: جعسوس وجعشوش، وكل ذلك قمأة وصغر وقلة. ويقال: هو من جعاسيس الناس، ولا يقال في هذا بالشين، وقال أبو عبيدة عن الأصمعي: الجعشوش: الطويل الدقيق، والجعسوس: اللئيم. قال أبو علي وحدثنا أبو محمد قال قرأت على علي بن المهدي عن الزاجي عن الليث قال قال الخليل: الجعسوس: القبيح اللئيم الخلق. وقرأت على أبي عمر قال أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
لنا عزّ ومرمانا قريبٌ ... ومولى لا يدبّ مع القراد
قوله: مرمانا قريب، قال: هؤلاء عنزة، يقول: إن رأينا منكم ما نكره أو رابنا ريبٌ انتمينا إلى بني أسد ابن خزيمة. وقوله: لا يدب مع القراد، قال: هذا رجل كان يأتي بشنةٍ فيها قردانٌ فيشدها في ذنب البعير، فإذا عضه منها قرادٌ نفر فنفرت الإبل فإذا نفرت استلّ منها بعيراً فذهب به.
" حديث مساور الوراق مع بعض العشاق " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدّثنا عبد الله بن خلف الدلال قال حدّثني أبو علي الحسن بن صالح قال قال مساورٌ الوراق لمجنون: - كان عندنا وكان شاعراً، وكان له بنت عم يحبها فذهب عقله عليها - أجز هذا البيت:
وما الحب إلا شعلة قدحت بها ... عيون المها باللحظ بين الجوانح
فقال على المكان ولم يفكر:
ونار الهوى تخفى وفي القلب فعلها ... كفعل الذي جادت به كفّ قادح
قال وحدثنا عبد الله بن خلف الدلال قال حدّثني محمد بن الفضل قال حدّثني بعض أهل الأدب عن محمد بن أبي نصر قال: رأيت بالبصرة مجنوناً قاعداً على ظهر الطريق بالمربد فكلما مر به ركبٌ قال:
ألا أيها الراكب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
نسائلكم هل سال نعمان بعدكم ... وحبّ إلينا بطن نعمان واديا
فسألت عنه، فقيل هذا رجل من البصرة، كانت له ابنة عم يحبها فتزوجها رجل من أهل الطائف فنقلها، فاستوله عليها.
" خبر مجنون ليلى لما سار به أبوه إلى بيت الله الحرام " قال وأخبرني عبد الله بن خلف قال أخبرني أحمد بن زهير قال أخبرني مصعب بن عبد الله الزبيري عن بعض أهله عن أبي بكر الوالبي قال: أخبرت أن أبا المجنون قال له حين سار به إلى بيت الله الحرام - وكان أخرجه ليستشفى له - : تعلّق بأستار الكعبة، وقل: اللهم أرحني من ليلى ومن حبها، وتب إلى الله مما أنت عليه، فتعلّق بأستار الكعبة وقال: اللهم منّ عليّ بليلى وقربها، فزجره أبوه وجعل يعنفه، فأشنأ يقول:
يقرّ بعيني قربها ويزيدني ... بها عجباً من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته ... وتلك لعمري توبةٌ لا أتوبها
قال أبو بكر وزادنا غيره:

فيا نفس صبراً لست والله فاعلمي ... بأول نفس غاب عنها حبيبها
حدّثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدّثنا عبد الأول قال سمعت الكتنجي يقول: أملقت حتى لم يبق في منزلي إلا باريةٌ، فدخلت إلى دار المتوكل فلم أزل مفكراً فحضرني بيتان، فأخذت فصبة وكتبت على الحائط الذي كنت إلى جنبه:
الرزق مقسومٌ فأجمل في الطلب ... يأتي بأسباب ومن غير سبب
فاسترزق الله ففي الله غنىً ... الله خيرٌ لك من أبٍ حدب
قال: فركب المتوكل في ذلك اليوم حماراً وجعل يطوف في الحجر، ومعه الفتح بن خاقان، فوقف على البيتين وقال: من كتب هذين البيتين؟ وقال الفتح: اقرأ هذين البيتين، فاستخسنهما وقال: ومن كان في هذه الحجرة؟ فقيل: الكتنجي، فقال: أغفلناه وأسأنا إليه، وأمر لي ببدرتين.
قال أبو علي: العوام تقول: بارية وهو خطأ، والصواب باري وبري، قال الراجز:
كالخصّ إذ جلّله الباري
وهو بالفارسية " بوريك " فأعرب على ما أنبأتك به.
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الأول قال أنشدني حماد قال أنشدني أبي لنفسه:
لما رأيت الدهر أنحت صروفه ... هليّ وأودت بالذخائر والعقد
حذفت فضول العيش حتى رددتها ... إلى القوت خوفاً أن أجاء إلى أحد
وقلت لنفسي أبشري وتوكلي ... على قاسم الأرزاق والواحد الصمد
فإن لا تكن عندي دراهم جمّةٌ ... فعندي بحمد الله ما شئت من جلد
وقرأت على أبي عمر قال أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
هممت بأمرٍ همّ عبدي بمثله ... وخالف زفافٌ هواي فأبعدا
يقول: رأيت رأي عبدٍ، لأن العبد لا أرى له، وخالف زفاف هواي أي كان رأيه صواباً ولم يرد عبداً له بعينه.
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا عبد الأول عن أبيه قال: حضرت مجلس الحسن بن سهل وقد كتب لرجل كتاب شفاعة، فجعل الرجل يشكر ويدعو له، فقال الحسن: يا هذا، علام تشكرنا! إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا. قال: وحضرته وهو يملّ كتاب شفاعة فكتب في آخره: إنه بلغني أن الرجل يسأل عن فضل جاهه يوم القيامة كما يسأل عن فضل ماله.
وأنشدنا أبو عبد الله قال أنشدنا أحمد بن يحيى:
فأقسم ما تركي عتابك عن قلىً ... ولكن لعلمي أنه غير نافع
وأني إذا لم ألزم الصمت طائعاً ... فلابد منه مكرهاً وغير طائع
ولو أن ما يرضيك عندي ممثلٌ ... لكنت لما يرضيك أول تابع
إذا أنت لم تنفعك إلا شفاعةٌ ... فلا خير في ودّ يكون بشافع
وأنشدنا أيضاً قال أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي:
قال لي القائلون زرت حسيناً ... لا يزار الكريم في جرجان
خالدٌ باللها يجود ويعطي ... وحسينٌ يجود بالحرمان
ضاع مفتاح جوده جوف بحرٍ ... حيث ظلّ البحران يلتقيان
فسألنا الغواص عنهفقالوا ... صيغ منه قلائد الحيتان
وأنشدنا محمد بن القاسم قال أنشدني أبي قال أنشدني عبد الله الرستمي لعبد الله بن كعب العميري:
أيا نخلتي مرّان هل لي إليكما ... على غفلات الكاشحين سبيل
أمنيكما نفسي إذا كنت خاليا ... ونفعكما إلا العناء قليل
ومالي شيء منكما غير أنني ... أمني الصدى ظليكما فأطيل
قال وأنشدني أبي:
تبدّل هذا السدر أهلاً وليتني ... أرى السدر بعدي كيف كان بدائله
وعهدي به عذب الجنى ناعم الذرى ... تطيب وتندى بالعشي أصائله
فمالك من سدرٍ ونحن نحبه ... إذا ما وشى واشٍ بنا لا تجادله
قال أبو علي قال لنا أبو بكر: هذا مثل قول كثير:
فيا عز إن واشٍ وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له أهلا
كما لو وشى واشٍ بعزة عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريباً ولا سهلا
" ترجمة امرئ القيس بن ربيعة الملقب بمهلهل أخي كليب وما وقع له من أخذه بثأر أخيه وقصيدته الرائية التي أولها:
أليلتنا بذي حسم أنيري

قال أبو علي وقرأت على أبي بكر بن دريد وأملى علينا أبو الحسن الأخفش قال: مهلهل بن ربيعة - ومهلهل لقب - وإنما سمي مهلهلاً بقوله:
لمّا توعّر في الغبار هجينهم ... هلهلت أثأر جابراً أو صنبلا
هذا قول أبي الحسن وأبي بكر إلا أن أبا بكر روى:
لما توقّل في الكراع هجينهم
قال أبو علي: الكراع: أنف الحرّة. وقرأت على أحمد عن أبيه: غنما سمي مهلهلاً لأنه أول من أرقّ المراثي، واسمه عديٌ، وفي ذلك يقول:
رفعت رأسها إليّ وقالت ... يا عدياً لقد وقتك الأواقي
وقال :
أليلتنا بذي حسمٍ أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
قال أبو علي: ذي حسم: موضع. وتحوري: ترجعي، يقال: ماله لا حار إلى أهله أي لا رجع إليهم، ويقال: نعوذ باللّه من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة؛ قال أبو علي: الكور مأخوذ من كور العمامة كأنه رجع عّما كان أحكمه من الخير وشدّه. ومثلٌ من أمثالهم: " حورٌ في محارة " يضرب مثلاً للرجل ينقص بعد الزيادة. قال ابو علي: وقال أبو عبيدة: الحور: الهلكة.
فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير
يقول: إن كان طال ليلي بهذا الموضع لقتل أخي فقد كنت أستقصر الليل وهو حيّ.
وأنقذني بياض الصّبح منها ... لقد أنقذت من شرٍّ كبير
كأن كواكب الجوزاء عوذٌ ... معطّفةٌ على ربعٍ كسير
العوذ: الحديثات النّتاج واحدتها عائذ، وإنما قيل لها عوذ، لأن أولادها تعوذ بها. والرّبع: ما نتج في الربيع، يقول: كأن كواكب الجوزاء نوقٌ حديثات النّتاج عطّفت على ربع مكسور فهي لا تتركه وهو على النهوض.
كأن الجدى في مثناة ربقٍ ... أسيرٌ أو بمنزلة الأسير
المثناة: الحبل. قال أبو علي: والمثناة هاهنا عندي: المثنيّ. والرّبق: الحبل، والرّبق: الشّدُّ بالرّبق، فيقول: كأن الجدى قد شدّ بحبل مثنيّ فهو أحكم لشدّه، وكان أبو الحسن يقول: المثناة هاهنا: الحبل، والرّبق: الشَّدُّ. قال أبو علي: ولا أعرف الرّبق الشَّدُّ إلا عنه.
كأنّ النَّجم إذ ولَّى سحيراً ... فصالٌ خلن في يومٍ مطير
النجم: الثُّريَّا، إنما شبّهها بالفصال في يومٍ مطير لبطئها، وذلك أن الفصيل يخاف الزَّلق فلا يسرع.
كواكبها زواحف لا غباتٌ ... كأنّ سماءها بيدي مدير
الزّواحف: المعييات التي لا تقدر على النّهوض. واللّواغب: مثلها، كرّره توكيداً لمّا اختلف اللفظ. وكان أبو الحسن يقول: كان يجب أن يقول مزاحف، لأنه جمع مزحف لأنه يقال: أزحف، فإمّا حذف الزائد وإما جعله كالمنسوب كقولهم: ليلٌ غاضٍ وما أشبهه، أرادوا مغضٍ أو أرادوا ذو غضوٍّ، وأنكر زحف. قال أبو علي: زحف صحيحٌ، يقال: زحف المعيي وأزحف أي لم يقدر على النهوض مهزولاً كان او سميناً. وقوله: كأنّ سماءها بيدي مدير، يريد أن سماءها أثقل من أن يديرها مدير، فهو إذا تكلف إدارتها لم يقدر عليها.
كواكب ليلةٍ طالت وغمّث ... فهذا الصُّبح واغمةً فغوري
وتسألني بديلة عن أبيها ... ولم تعلم بديلة ما ضميري
فلو نبش المقابر عن كليبٍ ... فيخبر بالذنائب أيّ زير
يقال: هو زير نساء، وتبع نساء، وطلب نساء، وحلم نساء، وخلب نساء، إذا كان يتحدّث إليهنّ ويطلبهنّ ويتبعهنّ ويهواهنّ ويخالبهنّ، والخبر محذوف كأنه قال: أيّ زيرٍ أنا.
بيوم الشّعثمين لقرّ عيناً ... وكيف لقاء من تحت القبور
وإنّي قد تركت بوارداتٍ ... بجيراً في دمٍ مثل العبير
الشعثمان: موضع معروف. وبجير بن الحارث بن عباد قتله مهلهل، فلما بلغ خبره أباه قال نعم القتيل قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب! فقيل له: إن مهلهلاً حين قتله قال: بؤ بشسع نعل كليب. قال أبوعلي قوله: بؤ بشسع نعل كليب أمر من قولهم باء الرجل بصاحبه بؤءاً إذا قتل به وكان كفأ له أي مت بشسع نعل كليب، فأنت في القود كفءُ له أي كفءٍ، ويقال: القوم بواءٌ أي أمثال في القود مستوون قالت ليلى الأخيلية:
فإن تكن القتل بواءً فانكم ... فتىً ما قتلتم آل عوف بن عامر
فحينئذ قال الحارث:

قرّباً مربط النعامة منّي ... لقحت حرب وائلٍ عن حيال
ينوء بصدره والرُّمح فيه ... ويخلجه خدبُّ كالبعير
ينوء: ينهض، يقال: نؤت بالحمل أنوء به نوءاً إذا نهضت به، وناء بي الحمل ينوء بي نوءاً إذا جعلني أنهض به، وكذلك قول اللّه عزوجل: " ما أنَ مفاتحه لتنوء بالعصبة " أي تجعلهم ينوءون بها أي ينهضون بها. وليس القلب الذي ذكره أبو عبيدة بشيء وإنما يجوز ما ذكر في الشعر اذا اضطّرالشاعر في الموضع الذي يقع فيه لبسٌ ولا يحتمل إلا القلب، فأمّا في القرآن فلا يجوز. ويخلجه: يجذبه، ومن هذا قيل للحبل خليج، وقيل للماء الذي انجذب الى ناحية خليج، ويروى: ويأطره أي يثنيه ويعطفه. والحدبُّ: الضّخم.
هتكت به بيوت بني عبادٍ ... وبعض القتل أشفى للصدور
وهمّام بن مرّة قد تركنا ... عليه القشعمين من النسور
ويروى:
عليه القشعمان من النسور فمن رفع جعله حالاً كأنه قال: وعليه القشعمان من النسور، وجاز حذف الواو لأن الهاء التي في عليه تربط الكلام بأوّله. والقشعم: الهرم من النسور.
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا رجف العضاه من الدّبور
رجف: تحرك حركة شديدة. والعصاة: كل شجر له شوك واحدها عضةٌ.
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلاً من كليب ... غداة بلابل الأمر الكبير
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا برزت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا علنت نجيّات الأمور
فداً لبني الشقيقة يوم جاءوا ... كأسد الغاب لجّت في زئير
البلابل: الاضطراب. وروى بعضهم: التلاتل، وهو الانزعاج والحركة. والنجيّات: السرائر. يقال: زأر يزئر، والزئير الاسم، ويجيء مثل هذا في الأصوات، قالوا: الفحيح والكشيش والهدير والقليخ، يقال: فحّت الأفعى وهو صوتها من فيها وكشّت كشيشها: صوت جلدها. وقلخ البعير إذا هدر، وبهذا سمي الشاعر قلاخاً.
كأن رماحهم أشطان بئر ... بعيدٍ بين جاليها جرور
الأشطان: الحبال، واحدها شطن. والبئر ها هنا: الهواء الذي من الجال إلى الجال. والبين: الوصل، وقرأ بعضهم: " لقد تقطّع بينكم " وقال أبو عبيدة: البين: الوصل، والبين: الافتراق وهو من الأضاد. وجال البئر وجولها. ناحيتها وما يحبس الماء منها، ولهذا قيل للرجل الأحمق: ماله جولٌ أي شيءٌ يمسكه. وكذلك يقال: ماله زبرٌ، وزبر البئر: طيّها، وماله صيورٌ أي رأيٌ يصير إليه، وماله معقول، كل هذا في معنى واحد أي ماله عقلٌ؛ واللغويون يقولون: معقول أي عقل، وأبو علييقول: إنما أراد بمعقول أي ماله شيءٌ عُقل أي شدّ أي ليس له هناك عقلٌ أمسك عليه.
فلا وأبي جليلة ما أفأنا ... من النعم المؤبل من بعير
جليلة: أخت كليب وكانت تحت جساس قاتل كليب. وأفأنا: رجعنا. والنعم: الإبل خاصة؛ فإن اختلط بها غنمٌ جاز أن يقال نعم، ولا يجوز أن يقال للغنم وحدها نعم، وجمع نعم أنعام. والمؤبل: كان أبو الحسن يقول: المكمل، يقال: إبل مؤبّلة كما يقال: مائة ممآة. وقال الأصمعي: المؤبّلة: التي للقنية. وقال غيره: المؤبّلة: الجماعة من الإبل.
ولكنا نهكنا القوم ضرباً ... على الأثباج منهم والنحور
نهكنا القوم: أجهدناهم. والأثباج: الأوساط، واحدها ثبجٌ. وقال أبو عمرو الشيباني: الكتد: ما بين الكاهل إلى الظهر، والثبج نحوه.
قتيلٌ ما قتيل المرء عمرو ... وجسّاسش بن مرّة ذو ضرير
تركنا الخيل عاكفةً عليهم ... كأن الخيل تدحض في غدير
يقال: إنه لذو ضرير أي ذو مشقة على العدو. وعاكفة: مقيمة. تدحض: تزلق، يقال: مكان دحضٌ ومزلّة ومدحضة، فأما قول علقمة:
رغا فوقهم سقب السماء فداحصٌ ... بشكّته لم يستلب وسليب
فبالصاد غير المعجمة، يقال: دحص برجله وفحص، وكان بعض العلماء يرويه فداحص، وهذا الحرف أحد ما نسب فيه إلى التصحيف.

كأنا غدوةً وبني أبينا ... بجنب عنيزةٍ رحيا مدير
فلولا الريح أسمع أهل حجرٍ ... صلصل البيض تقرع بالذكور
حجرٌ: قصبة اليمامة، وحريمهم إنما كانت بالجزيرة. قال أبو الحسن حدّثني أبو العباس الأحول قال: أول كدبٍ سمع في الشعر هذا . والصليل: الصوت؛ قال الراعي:
فسقوا صوادي يسمعون عشيةً ... للماء في أجوافهن صليلا
أي تصلّ أجوافها من العطش كما يصلّ الخزف إذا أصابه الماء. والذكور: السيوف التي عملت من حديد غير أنيث، ويروى: نقاف البيض يقرع بالذكور. قال الأصمعي: قد غلث طعامه وعلثه، وقد اغتلث طعامه واعتلث، والعلاثة، أقطٌ وسمن يخلط أو ربٌّ وأقط، ويقال: فلان يأكل الغليث إذا أكل خبزاً من شعير وحنطة.
" ما سمع من العرب في لعل من اللغات " قال: وفي لعلّ لغات، بعض العرب يقول: لعلي، ويعضهم لعلني، وبعضهم عليّ، وبعضهم علّني، وبعضهم لعنّي، وبعضهم لغنّي، وأنشدنا للفرزدق:
هل أنتم عائجون بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام
قال وقال عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم يقول:
أغد لعلنا في الرهان نرسله
يريد: لعلّنا. وبعض العرب يقول: لأنني، وبعضهم يقول لأني، وبعضهم لوني. قال وقال رجل بمنىً: من يدعو إلى المرأة الضالّة، فقال أعرابي: لوّن عليها خماراً أسود، يريد لعلّ عليها خماراً أسود، فقال: سوّد الله وجهك.
" ما تعاقب فيه العين المهملة الغين المعجمة " وقال الفراء: سمعت وعاهم ووغاهم، وهي الضّجّة. ويقال: ماله عن ذلك وعل وماله عن ذلك وغل في معنى لجأ. وقال اللحياني يقال: ماله ارمعلّ دمعه وارمغلّ إذا قطر وتتابع. وقال أبو عمرو الشيباني: نشعت به ونشغت أي أولعت به، وإنه لمنشوع بأكل اللحم، ونشعته ونشغته إذا سعّطته، والنشوع والنشوغ: السعوط.
وحدثنا أبو عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي قال في بيت الكميت:
وما استنزلت في غيرنا قدر جارنا ... ولا ثفّيت إلا بنا حين تنصب
يقول: إذا جاورنا أحد لم نكلّفه أن يطبخ من عنده بل يكون ما يطبخه من عندنا بما نعطيه من اللحم حين ينصب قدره.
قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو معمر عبد الأول قال حدّثنا رجل من موالي بني هاشم قال: أذنب رجلٌ من بني هاشم ذنباً فعنّفه المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، من كانت له مثل دالتي، ولبس ثوب حرمتي، ومتّ بمثل قرابتي، غفر له فوق زلّتي؛ فأعجب المأمون كلامه وصفح عنه.
" كتاب مكتوم بن عمرو إلى صديق له يستجديه " وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا موسى بن علي الختّليّ قال حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي قال حدّثنا الأصمعي قال حدّثني بعض العتّابيين قال: كتب كلثوم بن عمرو إلى صديق له: أما بعد أطال الله بقاءك وجعله يمتدّ بك إلى رضوانه والجنة، فإنك كنت عندنا روضةً من رياض الكرم، تيتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، وكنّا نعفيها من النّجعة، استتماماً لزهرتها، وشفقةً على خضرتها، وادخاراً لثمرتها؛ حتىأصابتنا سنةٌ كانت عندي قطعةً من سني يوسف، واشتدّ علينا كلبها، وغابت قطّتها، وكذبتنا غيومها، وأخلفتنا بروقها، وفقدنا صالح الإخوان فيها؛ فانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك، مع علمي بأنك موضع الرائد، وأنك تغطّي عين الحاسد؛ والله يعلم أني ما أعدك إلا في حومة الأهل. واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل، ولم يمكنه الكثير لم يعرف جوده، ولم تظهر همّته وأنا أقول في ذلك:
ظلّ اليسار على العباس ممدود ... وقلبه أبداً بالبخل معقود
إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود
وللبخيل على أمواله عللٌ ... زرق العيون عليها أوجهٌ سود
إذا تكرمت عن بذل القليل ولم ... تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود
بثّ النوال ولا يمنعك قلّته ... فكل ما سدّ فقراً فهو محمود
قال: فشاطره ماله حتى أعطاه إحدى نعليه ونصف قيمة خاتمه.
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيةٌ رجلاً ينشد:
وكأس سلافٍ يحلف الديك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأحسن

فقالت: بلغني أن الديك من صالح طيركم وما كان ليحلف كاذباً.
وأنشدنا أبو عبد الله بن نفطويه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لرجل من العرب، كان أبوه يمعنه من الاضطراب في المعيشة شفقةً عليه، فكتب إليه:
ألا خلّني أذهب لشأني ولا أكن ... على الناس كلا إنّ ذاك شديد
أرى الضرب في البلدان يغني معاشراً ... ولم أر من يجدي عليه قعود
أتمنعني خوف المنيا ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد
فدعني أجوّل في البلاد لعلني ... أسرّ صديقاً أو يساء حسوء
فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت سديد
" كتاب امرأة إلى زوجها وكان مع الحجاج يحضر طعامه وهي في سوء حال " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا بو عثمان الأشنانداني قال: كان رجل من أهل الشام مع الحجاج يحضر طعامه، فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك، فكتبت إليه:
أيهدى لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت على باب الأمير بطين
إذا غبت لم تذكر صديقاً ولم تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين
فأنت ككلب السوء جوّع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمين
" كتاب البختري بن أبي صفرة إلى المهلب يدفع به عن نفسه سعاية الأعداء " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قال: كان البختري ابن أبي صفرة من أكمل فتيان العرب جمالاً وبياناً ونجدة وشعراً، وكان بنو المهلب يحسدونه لفضله، فدسّت إليه أمّ ولد عمارة بن قيس اليحمدي فراودته عن نفسه فأبى، فحملت عليه عمارة حتى شكاه إلى المهلّب، وأكثر في بنوه القول فعرف ذلك في وجه المهلب فكتب إليه:
جفوت امرأ لم ينب عماً تريده ... وكان إلى ما تشتهيه يسارع
تموت حفاظاً دون ضيمك نفسه ... وأنت إلى ما ساءه متطالع
كأني أخو ذنب وما كنت مذنباً ... ولكن دهنني الساريات الشبادع
قال أبو علي: الشبادع: النمائم. والشبادع: العقارب، واحدها شبدعة.
دببن وقد نام الغفول بعيبنا ... إليك إماءٌ مومساتٌ جوالعٌ
المومسة: الفاجرة. والجالعة: التي قد ألقت عنها الحياء:
فأوقدن نيران العداوة بيننا ... جهاراً ولم تسدد عليّ المطالع
بغين أموراً لست ممن أشاؤها ... ولو جعلت في ساعديّ الجوامع
أأصبو بعرس الجار أن كان غائباً ... وتلك التي تستكّ فيها المسامع
فلست وربّ البيت أصبو بمثلها ... وربي راءٍ ما صنعت وسامع
فإن تك عرس اليحمدي وأخته ... سرين فلا قتهنّ أليس خالع
الأليس: الجريء من كل شيء، وخالع: قد خلع الحياء.
يبيت يراعي المومسات إذا دجا الظ ... لام وجار البيت وسنان هاجع
فما أنا ممن تطّبيه خريدةٌ ... ولو أنها بدرٌ من الأفق طالع
تطّبيه: تدعوه، يقال: اطّباه يطّبيه وطباه ويطبوه.
وإني لتنهاني خلائق أربعٌ ... عن الفحش فيها للكريم روادع
حياءٌ وإسلامٌ وشيبٌ وعفةٌ ... وما المرء إلا ما حبته الطبائع
وقد كنت في عصر الشباب مجانباً ... صباي فأنى الآن والشيب شائع
فلا تقطعن مني وشائج سهمةٍ ... فلا يصل الأنباء ما أنت قاطع
وكافح بأجرامي الهياج إذا التظى ... شهابٌ من الموت المحرّق لامع
تنبّه وعهد الله مني مشيعاً ... صبوراً على اللاواء والموت كانع
الوشائج: الأرحام المشتبكة المتصلة، قال أبو محمد: وهي مأخوذة من وشائج الرماح، وهي عروقها. والسهّمة: القرابة.
وقرأت علي أبي بكر لتأبط شراً:
وإني لمهدٍ من ثنائي فقاصدٌ ... به لابن عمّ الصدق شمس بن مالك
أهزّ به في ندوة الحيّ عطفه ... كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك
الندوة: المجلس. والأوارك: التي ترعى الأراك.
قليل التشكّي للمهمّ يصيبه ... كثير الهوى شتذى النّوى والمسالك

يظلّ بموماةٍ ويمسي بغيرها ... جحيشاً ويعروري ظهور المهالك
الجحيش: المنفرد.
ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي ... بمنخرقٍ من شده المتدارك
إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل ... له كالئٌ من قلب شيحان فاتك
بمنخرق، يريد السريع الواسع. والشيحان: الحادّ في كل أمر.
إذا طلعت أولى العديّ فنفره ... إلى سلةٍ من صارم الغرب باتك
العديّ: الجماعة الذين يعدون في الحرب.
إذا هزّه في عظم قرنٍ تهللّت ... نواجذ أفواه المنايا الضّواحك
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أمّ النجوم الشوابك
وأنشدنا أبو الحسن الترمذي الورّاق قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
إلبس أخاك على تصنّعه ... فربّ مفتضح على النّصّ
ما كدت أفحص عن أخي ثقةٍ ... إلا ذممت عواقب الفحص
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال أنشدني أبي:
تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماءً نقاخا
شراب النبيين والمرسلين ... ومن لا يحاول منه اطّباخا
رأيت النبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو التّقيّ النّقيّ اتّساخا
فهبني عذرت الفتى جاهلاً ... فما العذر فه إذ المرء شاخا
" ما تتعاقب فيه القاف والكاف من الألفاظ " قال أبو علي قال الأصمعي يقال: إناءٌ قربان وكربان إذا دنا ان يمتلئ. ويقال: عسق به وعسك به إذا لزمه. والأقهب والأكهب: لون إلى الغبرة. قال ويقال: دقمه ودكمه إذا دفع في صدره. ويقال للصّبيّ ةالسّخلة: قد امتكّ ما في ضرع أمّه، وقد امتقّ ما في ضرع أمه إذا شربه كلّه. ويقال: كاتعه الله في معنى قاتله الله. وقال أبو عمرو الشيباني: عربيٌ كحٌّ وعربية كحّة، وقال أبو زيد: أعرابي قحٌّ وأعرابٌ أقحاح أي محضٌ خالص، وكذلك عبدٌ قحٌّ أي خالص، وقال الأصمعي: القحّ: الخالص من كل شيء. وقال الفراء يقال للذي يتبخر به: قسط وكسط. ويقال: كشطت عنه جلده وقشطت. قال: وقريش تقول: كشطت، وقيس وتميم وأسد تقول: قشطت. وفي مصحف ابن مسعود: قشطت. قال ويقال: قحط القطار وكحط. ويقال: قهرت الرجل أقهره وكهرته أكهره. قال: وسمعت بعض غنم بن دودان تقول: فلا تكهر.
وقرأت على أبي عمر بن أبي العباس أن ابن الاعرابي أنشدهم:
قتلنا سبعةً بأبي لبينى ... وألحقنا الموالى بالصميم
أي قتلنا سادتهم فصار الموالي سادةً.
قال أبو علي وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال: كان فتى من أهل البصرة يختلف معنا إلى الأصمعي فافتقدته فلقيت أباه فسألته عنه، فقال: سألني عن بيتين كان الأصمعي يرددهما:
سقى الله أياماً لنا لسن رجّعاً ... وسقياً لعصر العامريّة من عصر
ليالي أعطيت البطالة مقودي ... تمرّ الليالي والشهور وما أدري
فقلت له: يا بني، إنك لست بعاشق، ولولا ذلك لعرفت ما يفعله الذِّكر بصاحبه، قال: فبعثته على أن عشق لجاجاً.
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي لبعض بني عمرو بن كلدة:
إني أعيذك بالرحمن يا سكني ... أن تدخلي ببعادي حسبك النارا
قالت بعادك من ربي يقرّبني ... وفي دنوّك أخشى النار والعارا
قلت اسمعي ودعينا من تفقّهكم ... فلست أفقه منا أمّ عمّارا
إذا بذلت لنا ما منك نطلبه ... فاستغفري منه ربّاً كان غفّارا
وأنشدنا أبو عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة:
تعاللت لمّا لم تكن بك علّةٌ ... وقلت شهيدي ما بعيني من السّقم
فلا تجعلي سقماً بعينيك علةٍ ... فقد كان هذا القسم في صحّة الجسم

وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدّثنا العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم قال: أنا بالكناسة بالكوفة إذ أتى رجل مكفوف نخّاساً، فقال له: اطلب لي حماراً ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكثير المشتهر؛ إن خلا الطريق تدفّق، وإن كثر الزحام ترفّق؛ لا يصادم السواري، ولا يدخلني تحت البواري؛ إن أقللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر؛ وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري قام. فقال له: اصبر، فإن مسخ الله القاضي حماراً قضيت حاجتك.
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال: سمعت جندل بن الراعي ينشد بلال بن أبي بردة قصيدة أبيه:
نعوسٌ إذا درّت جروزٌ إذا غدت ... بويزل عامٍ أو سديسٌ كبازل
قال: فكاد صدري ينفرج لحسن إنشاده وجودة الشعر. قال أبو علي: إنما سمى راعياً لقوله:
لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت ... لأخفافها مرعىً تبوّأ مضجعا
فقيل رعى الرحل.
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدّثني أبي قال حدّثنا أحمد بن عبيد عن الرحمازي قال: مرّ جرير بذب الرّمة فقال: يا غيلان، أنشدني ما قلت في المرئي، فأنشده:
نبت عيناك عن طللٍ بحزوى ... عفته الريح وامتنح القطارا
فقال: ألا أعينك! قال: بلى، بأبي وأمي، فقال:
يعد الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعةً كبارا
يعدّون الرّباب وآل سعدٍ ... وعمراً ثم حنظلة الخيارا
ويهلك وسطها المرئيّ لغواً ... كما ألغيت في الدية الحوارا
قال: فمر ذو الرمة بالفرزدق فقال: أنشدني ما قلت في المرئي، فأنشده القصيدة، فلما انتهى إلى هذه الأبيات، قال الفرزدق حسّ! أعد عليّ! فأعاد، فقال: تالله لقد علكهنّ أشدّ لحيين منك.
" قصيدة الصلتان العبدي وقد جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير أيهما أشعر " قال أبو علي وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله للصّلتان العبدي:
أنا الصّلتنانيّ الذي قد علمتم ... من ما يحكّم فهو الحقّ صادع
أتتني تميم حين هابت قضاتها ... فإني لبا لفضل المبين قاطع
كما أنفذ الأعشى قضيّة عامر ... وما لتميم في قضائي رواجع
ولم يرجع الأعشى قضية جعفر ... وليس لحكمي آخر الدهر راجع
سأقضي قضاءً بينهم غير جائر ... فهل أنت للحكم المبين سامع
قضاء امرئ لا يتقي الشتم منهم ... وليس له في المدح منهم منافع
قضاء امرئ لا يرتشي في حكومة ... إذا مال بالقاضي أبّرشا والمطامع
فإن كنتما حكّمتماني فأنصتا ... ولا تجزعا وليرض بالحكم قانع
فإن تجزعا أو ترضيا لا أقلكما ... وللحق بين الناس راض وجازع
فاقسم لا آلو عن الحق بينهم ... فإن أنا لم أعدل فقل أنت طالع
فإن يك بحرا الحنظلّيين واحداً ... فما يستوي حيتانه والضّفادع
وما يستوي صدر القناة وزجّها ... وما يستوي شمّ الذّرى والأجارع
وليس الذّنابي كالقدامى وريشه ... وما تستوي في الكّف منك الأصابع
ألا إنّما تخطى كليبٌ بشعرها ... وبالمجد تخطى دارمٌ والأقارع
ومنهم رؤوسٌ يهتدي بصدورها ... والأذناب قدماً للرؤوس توابع
أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ... ولكن خيراً من كليب مجاشع
فيا شاعراً لا شاعر اليوم مثله ... جريرٌ ولكن في كليب تواضع
جريرٌ أشد الشاعرين شكيمةً ... ولكن علته الباذخات الفوارع
ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... له باذخٌ لدى الخسيسة رافع
وقد يحمد السيف الدّدان بجفنه ... وتلقاه رثّاً غمده وهو قاطع
يناشدني النصر الفرزدق بعدما ... ألحت عليه من جريرٍ صاقع
فقلت له إني ونصرك كالذي ... يثبت أنفاً كشّمته الجوادع

وقالت كليب قد شرفنا عليهم ... فقلت لها سدت عليك المطالع
قال أبو علي: كشم أنفه إذا قطعه، والأكشم أيضاً: الناقص الخلق، قال حسان:
له جانب وافٍ وآخر أكشم
وقرأت على أبي عمر عن أبي العباس ابن الأعرابي قال: أهجي بيت قالته العرب:
وقد علمت عرساك أنَك آئبٌ ... تخبّرهم عن جيشهم كل مربع
أخبر أن من عادته أن ينهزم فيتحدث بخبر جيشه.
قال أبو علي أخبرنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللهّ قال حدّثني أبي قال حدّثنا عبد الصمد بن المعذل ابن غيلان قال: ركب أبي إلى عيسى بن جعفر ليسلم عليه، فأخبر أنه متأهب للركوب فانتظره، فلما أبطأ خروجه دخل إلى المسجد ليصلي - وكان المعذل إذا دخل في الصلاة لم يقطعها - فخرج عيسى وصاح يا معذّل، يا أبا عمرو، فلم يجبه فغضب ومضى، فأتم المعذل صلاته ثم لحقه فأنشده:
قد قلت إذ هتف الأمير ... يأيها القمر المنير
حرم الكلام فلم أجب ... وأجاب دعوتك الضمير
لو أن نفسي طاوعت ... ني إذ دعوت ولا أجير
لبّاك كلّ جوارحي ... بأناملي ولها السرور
شوقاً اليك وحق لي ... ولكدت من فرحٍ أطير
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللهّ قال: جلس كاملٌ الموصليّ في المسجد الجامع يقرئ الشعر، فصعد مخلدٌ الموصليّ المنارة وصاح:
تأهبوا للحدث النازل ... قد قرئ الشعر على كامل
وكامل الناقص في عقله ... لا يعرف العام من القابل
يهيهةٌ يخلط ألفاظه ... كأنه بعض بني وائل
وإنما المرء ابن عم لنا ... ونحن من كوثى ومن بابل
أذنابنا ترفع قمصاننا ... من خلفنا كالخشب الشائل
قال أبو علي وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد المحوي لأعرابي مات ابنه وهو غائب:
يا ليتني فيمن كان حاضره ... إذ ألبسوه ثياب الفرقة الجددا
قالوا وهم عصبٌ يستغفرون له ... نرجو لك الله والوعد الذي وعدا
قلّ الغناء إذا لاقى الفتى تلفاً ... قول الأحبّة لا يبعد وقد بعدا
قال أبو علي: بعد: هلك، وبعد: نأى.
" المراثي التي قالها بعض العرب على قبر عمرو بن حممة الدوسي بعد أن عقروا رواحلهم عليه " وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبي مسكين وعن الشرقيّ ابن قطاميّ قالا: لما مات عمرو بن جمعة الدوسي، وكان أحد من تتحاكم إليه العرب، مرّ بقبره ثلاثة نفر من أهل يثرب قادمين من الشام: الهدم بن امرئ القيس بن هيشة بن أمية بن معاوية؛ وحاطب بن قيس بن هيشة الذي كانت بسببه حرب حاطب؛ فعقروا رواحلهم على قبره، وقام الهدم فقال:
لقد ضمّت الأثراء منك مرزّأ ... عظيم رماد النار مشترك القدر
حليماً إذا ما الحلم كان حزامةً ... وقوراً إذا كان الوقوف على الجمر
إذا قلت لم تترك مقالاً لقائل ... وإن صلت كنت الليث يحمي حمى الأجر
ليبكك من كانت حياتك عزّه ... فأصبح لمّا بنت يغضي على الصغر
سقى الأرض ذات الطول والعرض مثجمٌ ... أحمّ الرّحا واهي العرى دائم القطر
وما بي سقيا الأرض لكن تربةً ... أضلّك في أحشائها ملحد القبر
قال أبو علي: الرّحى: وسط الغيم ومعظمه، ووسط الحرب ومعظمها. وقام عتيك بن قيس فقال:
برغم العلى والجود والمجد والندى ... طواك الردى يا خير حافٍ وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزأً ... نهوضاً بأعباء الأمور الأثاقل
يضمّ العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضمّ أمّ الرأس شعب القبائل
ويسرو دجى الهيجا مضاء عزيمةٍ ... كما كشف الصبح اطّراق الغياطل
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرّاراً كثير الصواهل
وينقاد ذو البأو الأبيّ لحكمه ... فيرتدّ قسراً وهو جمّ الدغاول
ويمضي إذا ما الحرب مدّ رواقه ... على الروع وارفضّت صدور العوامل

فإمّا تصبنا الحادثات بنكبة ... رمتك بها إحدى الدواهي الضآبل
فلا تبعدن إن الحتوف مواردٌ ... وكل فتىً من صرفها غير وائل
قال أبو علي: الضآبل: الدواهي، واحدها ضئبل. وقام حاطب بن قيس فقال:
سلامٌ على القبر الذي ضمّ أعظماً ... تحوم المعالي حوله فتسلّم
سلام عليه كلما ذرّ شارقٌ ... وما امتدّ قطعٌ من دجى الليل مظلم
فيا قبر عمرو جاد أرضاً ... عليك ملثٌّ دائم القطر مرزم
تضمنت جسماً طاب حيّاً وميّتاً ... فأنت بما ضمّنت في الأرض معلم
فلو نطقت أرضٌ لقال ترابها ... إلى قبر عمرو الأزد حلّ التكرم
إلى مرمسٍ قد حلّ بين ترابه ... وأحجاره بدرٌ وأضبط ضيغم
فلو وألت من سطوة الموت مهجةٌ ... لكنت ولكن الردى لا يثمثم
فلا يبعدنك الله حياً وميتاً ... فقد كنت نور الخطب والخطب مظلم
وقد كنت تمضي الحكم غير مهلّل ... إذا غال في القول الأبلّ الغشمشم
لعمر الذي حطّت إليه على الونا ... حدابير عوجٌ نيّها متهمّم
لقد هدّم العلياء موتك جانباً ... وكان قديماً ركنها لا يهدّم
قال أبو علي: وألت: نجت. ويثمثم: يبطئ، ويثمثم: يحرّك ويدفع. والمهلّل: المتوقّف، يقال: حمل عليه فما هلّل. والغيطلة: الظلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، قال أبو النجم:
مستأسداً ذبّانه في غيطل
وهو جمع غيطلة. والغيطلة: البقرة الوحشية، قال زهير:
كما استغاث بسيٍّ فزّ غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
والغيطلة: الشجر الملتف، وقال ابن الأعرابي: الغيطلة: التفاف الناس واجتماعهم، والغيطلة: غلبة النعاس. والدغاول: الدواهي، قال أبو علي: ولم أسمع له بواحد، قال الهذلي:
فقلصي لكم ما عشيتم ذو دغاول
والأبلّ: الظلوم. والغشمشم: الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عما يحب ويهوى. والحدابير جمع حدبار: وهي المنحنية الظهر. والنيّ: الشحم. والمتهممّ: الذائب.
وقرأت على أبي عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم في صفة قدر:
ألقت قوائمها خساً وترنّمت ... طرباً كما يترنم السكران
قوائمها: الأثافي. وخساً: فرد " ما تعاقب فيه اللام الراء " قال أبو علي قال الأصمعي: يقال: لثدت القصعة بالثريد إذا دفع بعضه إلى بعض وسوّى، وقد رثدت، وقد رثد المتاع إذا نضّد وسوّى، والرثيد: المنضود، ومنه سمى مرثد، ويقال: تركت فلاناً مرتثداً أي قد ضم متاعه بعضه إلى بعض ونضّده، قال الشاعر:
فتذكّرا ثقلاً رثيداً بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
تذكّر الظّليكم والنعامة رثيداً يعني بيضهما منضوداً بعضه فوق بعض. قال أبو علي: وذُكاء: الشمس، وابن ذكاء: الصبح. والكافر: الليل، وإنما سمي كافراً لأنه يغطّي بظلمته كل شيء، ولهذا قيل: تكّفر الرجل بالسلاح إذا لبسه، وكفر الغمام النجوم أي غطّها، ومنه سمي الكافر كافراً لأنه يغطي نعمة الله، وسمي أيضاً الزرّاع كافراً لأنه يغطي الحبّة، وعنى بقوله:
... بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
أي ابتدأت في المغيب. ويقال: هدمٌ ملّدم ومردّم أي مرقّع، وقد ردّم ثوبه أي رقعه، قال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهّم
يقول: هل ترك الشعراء شيئاً يرقع، وهذا مثلٌ وإنما يريد: هل تركوا مقالاً لقائل. ويقال: اعلنكس واعرنكس الشيء إذا تراكم وكثر أصله، قال العجاج:
بفاحمٍ دووي حتى اعلنكسا
بفاحم يعني شعراً أسود. دووي: عولج وأصلح، وقال أيضاً:
واعرنكست أهواله واعرنكسا
أي ركب بعضه بعضا. وهدل الحمام يهدل هديلاً، وهدر الحمام يهدر هديراً. وطلمساء وطرمساء: للظلمة. ويقال للدرع: نثلة ونثرة إذا كانت واسعة. ويقال: امرأة جلبّانة وجربّانة: وهي الصّخّابة السيئة الخلق، قال حميد بن ثور:
جربّانة ورهاء تخصي حمارها ... بغى من بغى خيراً إليها الجلامد

ويروى: جلبّانة. ويقال: عودٌ متقطّل ومتقطّر ومنقطل ومنقطر أي مقطوع. وقال أبو عبيدة: يقال: سهم أملط وأمرط إذا لم يكن عليه ريش، وقد تملّط ريشه وتمرّط. ويقال: جلمه وجرمه إذا قطعه. قال أبو علي: ومنه سميّ الجلم الذي يؤخذ به الشعر. قال أبو علي يقال لكل واحد من الحديدتين: جلم، فإذا اجتمعا فهما جلمان وكذلك مقراضان، الواحد منها مقراض. والتلاتل والتراتر: الهزاهز . قال الأصمعي يقال: مرّ يرتكّ ويرتجّ إذا ترجرج. ويقال أصابه سكٌّ وسجٌّ إذا لان عليه بطنه. ويقال: الزمكّي والزمجّي لزمكّي الطائر. ويقال: ريح سيهك وسيهج وسيهوك وسيهوج: وهي الشديدة، قال رجل من بني سعد:
يا دار سلمى بين دارات العوج ... جرّت عليها كلّ ريح سيهوج
والسّهج والسّهك والسّحق، يقال: سحقه وسهكه وسهجه، وقال أبو عمرو الشيباني السّهك والسّهج: ممرّ الريح.
" وصف ضرار الصدائي لعلي رضي الله عنه وقد طلب منه ذلك معاوية " قال أبو علي وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدّثني العكلي عن الحرمازي عن رجل من همدان قال قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي عليّاً رضي الله عنه، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنّه، قال: أما إذ لابدّ من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى؛ يقول فضلاً، ويحكم عدلاً؛ يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه؛ يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته؛ وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة؛ يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه؛ يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن؛ كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبّئنا إذا استنبأناه؛ ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته؛ يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين؛ لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله؛ وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين؛ ويقول: يا دنيا، غرّي غيري ألى تعرّضت، أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير؛ أه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! فبكى معاوية رحمه الله وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها.
" قصيدة كعب بن سعد الغنوي التي رثى بها أبا المغوار " قال أبو علي وقرأت على أبي كبر محمد بن الحسن بن دريد هذه القصيدة في شعر كعبٍ الغنوي وأملاها علينا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش وقال: قرئ لنا على أبي العباس محمد بن الحسن الأحول ومحمد بن يزيد وأحمد بن يحيى قال: وبعض الناس يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي، وبعضهم يرويها بأسرها لسهم الغنوي وهو من قومه وليس بأخيه، ويعضهم يروي شيئاً منها لسهم، والمرثيّ بهذه القصيدة يكنى أبا المغوار واسمه هرم، وبعضهم يقول: اسمه شبيبٌ، ويحتج ببيت روي في هذه القصيدة:
أقام فخلّى الطاعنين شبيب
وهذا البيت مصنوع، والأول كأنه أصح لأنه رواه ثقة. قال: وزادنا أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أولها بيتين، قال: وهؤلاء كانوا يختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره.
قال أبو علي: وأنا ذاكر ما يحضرني من ذلك، والبيتان اللذان رواهما أبو العالية:
ألا من لقبرٍ لا يزال نهجّه ... شمالٌ ومسياف العشي جنوب
تهجّه: تهدمه، يقال: هجّ البيت وهجمه إذا هدمه. قال أبو عبيدة: ولما قتل بسطام بن قيس لم يبق في بكر بن وائل بيتٌ إلا هجم أي هدم إكباراً لقتله. ومسيافٌ مفعال من سافه يسيفه سيفاً إذا ضربه بالسيف، يريد أنها في حدّتها في الصيف والشتاء كالسيف.
به هرمٌ يا ويح نفسي من لنا ... إذا طرقت للنائبات خطوب
وأولها في رواية الجميع:
تقول سليمى ما لجشمك شاحباً ... كأنّك يحميك الطعام طبيب
فقلت ولم أعى الجواب لقولها ... وللدهر في صمّ السلام نصيب
ويروى:
فقلت ولم أعى الجواب ولم ألح
تتابع أحداثٌ تخرّمن إخوتي ... وشيّبن رأسي والخطوب تشيب

لعمري لئن كانت أصابت منيّةٌ ... أخي والمنيا للرجال شعوب
لقد عجمت مني الحوادث ماجداً ... عروفاً لريب الدهر حين يريب
وقد كان أمّا حلمه فمروّحٌ ... علينا وأمّا جهله فعزيب
فتى الحرب إن حاربت كان سمامها ... وفي السلم مفضال اليدين وهوب
هوت أمّه ما ذا تضمّن قبره ... من الجود والمعروف حين ينوب
ويروى: حين يؤب.
جموع خلال الخير من كل جانب ... إذا جاء جيّاءٌ بهنّ ذهوب
مفيدٌ مفيت الفائدات معوّد ... لفعل الندى والمكرمات كسوب
فتىً لا يبالبي أن يكون بجسمه ... إذا نال خلات الكرام شحوب
قال أبو علي وقرأت على أبي بكر:
فتى لا يبالي أن يكون بوجهه
غنينا بخيرٍ حقبةً ثم جلّحت ... علينا التي كل الأنام تصيب
فأبقت قليلاً ذاهباً وتجهّزت ... لآخر والراجي الخلود كذوب
وأكثرهم ينشدون: والراجي الخلود، لأنه أغرب وأظرف، والخلود أجود في العربية.
وأعلم أن الباقي الحيّ منهما ... إلى أجل أقصى مداه قريب
فلو كان حيٌّ يفتدى لفديته ... بمل لم تكن عنه النفوس تطيب
الفداء يمد ويقصر. قال أبو علي: كذا حدّثني محمد بن الأنباري. وقال الأخفش: الفداء لا يقصر إلا عند ضرورة الشعر، فإذا فتحت الفاء قصر.
بعينيّ أو يمنى يديّ وإنني ... ببذل فداه جاهداً لمصيب
فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إليّ فقد عادت لم تحتجنه غيوب
قريبٌ ثراه ما ينال عدوه ... له نبطاً آبى الهوان قطوب
لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على يومه علقٌ إليّ حبيب
حليمٌ إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب
إذا ما تراآه الرجال تحفّظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب
قال أبو علي قرأت على أبي بكر: فلم ينطقوا العوراء.
أخي ما أخى لا فاحشٌ عند بيته ... ولا ورعٌ عند اللقاء هيوب
على خير ما كان الرجال نباته ... وما الحظُ إلا طعمةٌ ونصيب
قال أبو علي وقرأت على أبي بكر:
على خير ما كان الرجال خلاله ... وما الخير إلا قسمةٌ ونصيب
حليف الندى يدعو النّدى فيجيبه ... قريباً ويدعوه النّدى فيجيب
هو العسل لينا وشيمةً ... وليثٌ إذا يلقى العدوّ غضوب
حليم إذا ما سورة الجهل أطلقت ... حبى الشيب للنفس اللّجوج غلوب
هوت أمّه ما يبعث الصبح غادياً ... وما ذا يردّ الليل حين يؤوب
كعالية الرّمح الرديني لم يكن ... إذا ابتدر الخير الرجال يخيب
وروى أبو بكر: لم يكن إذا إبتدر القوم النّهاب:
أخو شتواتٍ يعلم الحيّ أنه ... سيكثر ما في قدره ويطيب
ويروى: " أخو شتوات يعلم الضيف أنه "
ليبكك عانٍ لم يجد من يعينه ... وطاوى الحشا نائي المزار غريب
يروح تزهاه صباً مستطفيةٌ ... بكلِّ ذرىً والمستراد جديب
كأن أبا المغوار لم يرقب مرقباً ... إذا ربأ القوم الغزاة رقيب
ولم يدع فتياناً كراماً لميسر ... إذا هبّ من ريح الشتاء هبوب
حبيبٌ إلى الزّوار غشيان بيته ... جميل المحيّا شبّ وهو أريب
إذا حلّ لم يقصر مقامة بيته ... ولكنّه الأدنى بحيث يجيب
يبيت النّدى يا أمّ عمرو ضجيعه ... إذا لم يكن في المنقيات حلوب
وحدثنا أبو الحسن قال حدّثنا أحمد بن يحيى قال أخبرنا سلمة عن الفراء أنه روى: " يبيت النّدى يا أمّ عمر ضجيعه " قال أبو علي وزادني أبو بكر بن دريد رحمه اللّه من حفظه ها هنا بيتنا وهو:
كأن بيوت الحيّ ما لم يكن بها ... بسابس لايلقى بهنّ عريب
إذا شهد الأيسار أو غاب بعضهم ... كفى ذاك وضّاح الجبين نجيب
قال أبو علي وقرأت على أبي بكر:

وإن شهدوا أو غاب بعض حماتهم ... كفى القوم وضاح الجبين أريب
وداعٍ دعاً يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذال مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة ... لعلّ أبا المغوار منك قريب
يجبك كما قد كان يفعل إنه ... مجيب لأبواب العلاء طلوب
فأنى لباكيه وإني لصادق ... عليه وبعض القائلين كذوب
فتىً أريحيٌ كان يهتز للنّدى ... كما اهتز ماضي الشفرتين قضيب
وخبّرتماني أنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا روضةٌ وكثيب
قال أبو علي يقال: حميت المريض حمية، وأحميت الحديد في النار إحماء، وحميت الشئ إذا منعت عنه، وأحميت المكان إذا جعلته حمىً لا يقرب. ويقال: عييت بالكلام فأنا أعيا عياً، ولا يقال: أعييت، ويقال: أعييت من الشيء فأنا إُعي إعياء. وإلح: أُشفق، يقال: ألاح من الشيء أي أشفق، قال جبيهاء الأشجعي:
تنجو إذا نجدت وعارض أوبها ... سلقُ ألحن من السّياط خضوع
والسّلام: الصّخور واحدتها سلمة. والسّلم: شجر، واحدتها سلمة. والسّلام أيضاً: شجر،
واحدتها سلامة. ويقال: خرمته المنية وتخرمته إذا ذهبت به. وشعوب معرفة لاتنصرف: اسم من أسماء المنية، وإنما سميت شعوب لأنها تشعب أي تفرق، وشعوب صفة في الأصل ثم سمي به ويقال: عجمت العود أعجمه عجماً إذا عضضته لتسبر صلابته من رخاوته بضم الجيم في المضارع والعجم: النّوى، ومنه قول الأعشى: " كلقيط العجم " وكان أبو بكر بن دريد يروي عن أصحابه: كلفيظ العجم، وهو أجود لأن ما لفظ من النوى أصلب من غيره. وعروفاً صبوراً. ويقال: رابني يريبني وأرابني بمعنى واحد، وبعضهم يقول: رابني: تبيّنت منه الريبة، وأرابني: إذا ظننت الريبة. ومروح ومراح واحد. وعازب وعزيب: بعيد، ومنه سمى العزب لأنه بعد عن النساء. والسمام جمع سمّ، وهذا مما اتفق في جمعه فعول وفعال لأنهم يقولون: سمام وسموم. والسَّلم والسِّلم: الصّلح، والسّلم: الاستسلام. وهوت أمه أي هلكت، كأنها إنحدرت إلى هاوية. وجيّاء فعال من جاء يجئ وفعول وفعال يكونان للمبالغة.
قال أبو علي حدّثنا أبو الحسن قال حدّثنا محمد بن يزيد عن أبي المحكّم قال: أنشدت يونس أبياتاً من رجز فكتبها على ذراعه ثم قال لي: إنك لجيّاء بالخيرز وفي قوله مفيد مفيت قولان: أحدهما يريد أنه يحرب قوماً ويجبر آخرين، والآخر أنه يستفيد ويتلف. والشّحوب: التغيّر، يقال: شحب لونه يشحب شحوباً. وغنينا: أقمنا، ولهذا قيل للمنزل: معنىً، ومنه قول اللّه عز وجل: " كأن لم يغنوا فيها " وحقبةً: دهراً. وجلّحت: ذهبت بنا وأكلتنا فأفرطت، وأصل الجلح الكشف والمجالحة: المكاشفة، ويقال: جلحت الأرض إذا أكل ما فيها من النبات، ويقال: جلح، الشجر فهو مجلّح إذا ذهب الشتاء بغصونه وورقه كالرأس الأجلح، قال ابن مقبل:
ألم تعلمي ألا يذم فجاءتي ... دخيل إذا أغبر العضاه المجلح
ويقال: ناقة مجلاح ومجلح ومجالح إذا أكلت أغصان الشجر، وهي أصلب الإبل وأبقاها لبناً.
وقال الأصمعي المجالح بغير هاء: التي تدرُّ على الجوع والقرّ، ويقال: جالحت الناقة تجالح مجالحة شديدة، قال الشاعر:
لها شعرٌ داجٍ وجيدٌ مقلّص ... وجسم خداريّ وضرعٌ مجالح
وقال الفرزدق:
مجاليح الشّتاء خبعثاتٌ ... إذا النّكباء ناوحت الشّمالا

والخبعثن والخبعثنة: الغليظ الجسم من الإبل وغيرها. وقوله عظيم رماد النار أي جواد بذول للقرى قال أبو علي: إنما تصف العرب الرجل بعظم الرماد، لأنه لا يعظم إلا رماد من كان مطعاماً للأضياف. والفناء ممدود: فناء الدار، والفناء بالفتح ممدود: من فنى الشيء، عنب الثّعلب مقصور، والفنا جمع فناةٍ أيضاً مقصور: وهي البقرة الوحشية.وتحتجنه: تغيّبه،ومنه إحتجن فلان المال إذا غيّبه، وتحتجبه: من الحجاب. والثّرى: التراب النّدى وهذا مثلٌ، وإنما يريد أنه قريب المعروف والخير إذا طلب ما عنده. وقوله لا ينال عدوّه له نبطاً أي لا يدرك غوره ولا يستخرج ما في بيته لدهائه، ويقال: إنه أراد: لا ينال لينه لأن ناحيته خشنةٌ على عدوّه وإن كانت لّينة لولّيه. والنّبط: أوّل ما يخرج من البئر إذا حفرت. وقطوب: معبّس، يقال: قطب يقطب فهو قاطب، وقطّب فهو مقطّب وقطوب للمبالغة. والعلق: النفيس من كل شىء. والعوراء الكلمة القبيحة من الفحش، قال الشاعر:
وما الكلم العوران لي بقتول
والورع: الجبان الضعيف. والماذيّ: العسل الأبيض: وهو أجود العسل، وقال بعض اللغويين: ومنه قيل للدّرع ماذّيةٌ لصفاء لونها وقوله: كعالية الرّمح، أراد كالرمح في طوله وتمامه، والعالية من الرمح: النصف الذي يلي السّنان. فاما الذي يلي الزّجّ فسافلته. وطاوي البطن: يريد ضامر البطن من الجوع. وتزهاه. تستخفّه، وقال بعض اللغويين: ذرى الحائط وذرى الشجر: أصلهما، والجيّد أن يكون الذّرى الناحية. قال أبو علي: هكذا سمعت من أبي بكر ومن أثق بعلمه، ولهذا قيل: أنا في ذرى فلان، وفلان في ذرى فلان. ويوفى: يشرف. وربأ: صار لهم ربيئة، والرّبيئة: الطّليعة، وهو الرّقيب أيضاً. والميسر: الجزور التي تنحر. والأيسار: الذين يقسمون الجزور، واحدهم يسرٌ. والمحيّا: الوجه.
وحدّثنا أبو الحسن قال حدّثنا أبو العباس محمد بن يزيد أن نفراً من بني هاشم دخلوا على المنصور يتظلّم بعضهم من بعض، فقال له قائل منهم: أعلمك يا أمير المؤمنين أن هذا شدّ علّي بخزالوفٍة فضرب بها وجهي، فأقبل المنصور على الربيع فقال له: ويلك! ما خزالوفةٌ؟ فقال: يريد خزفةً يا أمير المؤمنين، فقال المنصور: قاتلكم اللّه صغاراّ وكباراً! لستم كما قال كعب بن سعد الغنوي:
حبيبٌ إلى الفتيان غشيان رحله ... جميل المحيّا شبّ وهو أديب
والمنقيات: ذوات النقى، والنقى: المخ. وقال: البسابس والسّباسب: الصحارى. ويقال: ما بالدارعريبٌ أي ما بها أحد. والأيسار: واحدهم يسرٌ وهو الذي يدخل مع القوم في الميسر وهو مدح. والبرم: الذي لا يدخل وهو ذمٌّ.
وقرأت على أبي عمر عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم:
فلما رأت جدّ النوى ضاقت النّوى ... بنظرة ثكلى أكذبت كلّ كاشح
أي لما علمت بالفراق بكت، فعلم أن الكاشح الساعي لم ينجع قوله، يعني عندها: قال أبو علي وحدثنا الرياشي قال حدّثني ابن سّلام قال: دخلت ديباجة المدينة على امرأة فقيل لها: كيف رأيتها؟ فقالت: لعنها اللّه! كأن بطنها قربة وكأن ثديها دبة، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديك قد نفش عفريته يقاتل ديكاً.
وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم رحمه اللّه قال حدّثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: كان المجشّر في الشّرف من العطاء، وكان دميماً، فقال له عبيد اللّه ذات يوم: كم عيالك؟ فقال ثمان بنات، فقال: وأين هنّ منك؟ فقال: أنا أحسن منهن، وهنّ أكمل مني، فضحك عبيد اللّه وقال: جاد ما سألت لهن! وأمر له بأربعة آلاف، فقال:
إذا كنت مرتاد الرّجال لنفعهم ... فناد زياداً أو أخاً لزياد
يجبك امرؤٌ يعطى على الحمد ماله ... إذا ضنّ بالمعروف كلّ جواد
ومالي لاأثني عليه وإنما ... طريفي من أمواله وتلادى
هم أدركوا أمر البرية بعدما ... تفانوا وكادوا يصبحون كعاد
وأنشدنا رحمه اللّه قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الزبير لامرأة من أهل الحجاز:
يا خليلي آبني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
كيف تلحوني على رجل ... آنسٍ تلتذّه كبدي
مثل ضوء البدر طلعته ... ليس بالزّمّيلة النّكد
قال وأنشدنا أيضاً:

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5