كتاب : الكتاب
المؤلف : سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

فإن قلت: لم لم يقولوا مقتون؟ فإن شئت قلت: جاءوا به على الأصل كما قالوا: مقاتوهُ. حدثنا بذلك أبو الخطّاب عن العرب. وليس كلُّ العرب يعرف هذه الكلمة. وإن شئت قلت: هو بمنزلة مذروين، حيث لم يكن له واحد يفرد.
وأمَّا النَّصارى فإنه جماع نصرىٍ ونصران، كما قالوا: ندمان وندامى، وفي مهري مهارى، وإنَّما شبَّهوا هذا ببخاتي، ولكنَّهم حذفوا إحدى الياءين كما حذفوا من أُثفية، وأبدولا مكانها ألفاً، كما قالوا صحارى.
هذا قول الخليل. وأمَّا الذي نوجِّهه عليه فأنَّه جاء على نصرانة، لأنَّه قد تكلم به في الكلام، فكأنَّك جمعت نصران، كما جمعت الأشعث ومسمعا، وقلت نصارى، كما قلت ندامى، فهذا أقيس، والأول مذهب.
يعني طرح إحدى الياءين حيث جمعت وإن كانت للنسب، كمال تطرح للتحقير من ثماني، فتقول: ثمين، وأدع ياء الإضافة، كما قلت في بختيةٍ بالتثقيل في الواحد، والحذف في الجمع إذ جاءت مهارى وأنت تنسبها إلى مهرة. وأن يكون جمع نصران أقيس، إذ لم نسمعهم قالوا: نصرىٌّ.
قال أبو الأخزر الحمّانّي:
فكلتاهما خرَّت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّف
باب تثنية الأسماء المبهمة التي أواخرها معتلّة
وتلك الأسماء: ذا، وتا، والذي، والتي، فإذا ثنيّت ذا قلت: ذان، وإن ثنيت تا قلت: تان، وإن ثنيّت الذي قلت: اللَّذان، وإن جمعت فألحقت الواو والنون قلت: اللَّذون.
وإنما حذفت الياء والألف لتفرق بينها وبين ما سواها من الأسماء المتمكّنة غير المبهمة، كما فرقوا بينها وبين ما سواها في التحقير.
واعلم أنَّ هذه الأسماء لا تضاف إلى الأسماء كما تقول: هذا زيدك، لأنها لا تكون نكرة فصارت لاتضاف، كما لا يضاف ما فيه الألف واللام.
باب ما يتغيّر في الإضافة إلى الاسم
إذا جعلته اسم رجل أو امرأة، ومالا يتغيّر إذا كان اسم رجل أو امرأة.
أمَّا مالا يتغير فأبٌ وأخٌ ونحوهما، تقول: هذا أبوك وأخوك كإضافتهما قبل أن يكونا اسمين، لأن العرب لمَّا ردّته في الإضافة إلى الأصل والقياس تركته على حاله في التسمية، كما تركته في التثنية على حاله. وذلك قولك: أبوان في رجل اسمه أبٌ، فأمَّا فمٌ اسم رجل، فإنَّك إذا أضفته قلت: فمك، وكذلك إضافة فمٍ. والذين قالوا: فوك، لم يحذفوا الميم ليردوا الواو، ففوك لم يغيَّر له فمٌ في الإضافة. وإنَّما فوك بمنزلة قولك: ذو مالٍ. فإذا أفردته وجعلته اسماً لرجل، ثم أضفته إلى اسم لم تقل: ذُوك، لأنه لم يكن له اسم مفرد ولكن تقول: ذواك.
وأما مايتغيّر: فلدى، وإلى وعلى، إذا صرن أسماء لرجال أو لنساء قلت: هذا لداك وعلاك، وهذا إلاك. وإنما قالوا: لديك، وعليك، وإليك في غير التسمية ليفرقوا بينها وبين الأسماء المتمكنة، كما فرقوا بين عنّى ومنّى وأخواتها وبين هنى، فلمَّا سميت بها جعلتها بمنزلة الأسماء، كما أنَّك لو سميت بعن أو من قلت: عني كما تقول هني.
وحدثنا الخليل أن ناساً من العرب يقولون: علاك، ولداك، وإلاك.
وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف.
وسألت الخليل عمن قال: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك ثم قال: مررت بكليهما، فقال: جعلوه بمنزلة عليك ولديك في الجر والنصب لأنَّهما ظرفان يستعملان في الكلام مجرورين ومنصوبين، فجعل كلا بمنزلتهما حين صار في موضع الجر والنصب. وإنَّما شبَّهوا كلا في الإضافة بعلى لكثرتهما في كلامهم، ولأنَّهما لايخلوان من الإضافة. وقد يشبَّه الشيء بالشيء وإن كان ليس مثله في جميع الأشياء. وقد بيّن ذلك فيما مضى، وستراه فيما بقى إن شاء الله، كما شبّه أمس بغاق وليس مثله، وكما قالوا: من القوم فشبَّهوها بأين.
ولا تفرد كلا، إنَّما تكون للمثنى أبداً.
باب إضافة المنقوص إلى الياءالتي هي علامة المجرور المضمر اعلم أنَّ الياء لا تغيَّر ألف، وتحرِّكها بالفتحة لئلاَّ يلتقي ساكنان وذلك قولك: بشراى، وهداى، وأعشاى.
وناس من العرب يقولون: بشرىَّ وهدىَّ، لأنَّ الألف خفية، والياء خفية، فكأنهم تكلموا بواحدة فأرادوا التبيان، كما أنَّ بعض العرب يقول: أفعى لخفاء الألف في الوقف، فإذا وصل لم يفعل. ومنهم من يقول: أفعى في الوقف والوصل، فيجعلها ياء ثابتة.
باب إضافة كلّ اسم آخره ياء
تلي حرفاً مكسوراً إلى هذه الياء.

اعلم أن الياء التي هي علامة المجرور إذا جاءت بعد ياء لم تكسرها وصارت ياءين مدغمة إحداهما في الأخرى. وذلك قولك: هذا قاضيَّ وهؤلاء جواريَّ، وسكنت في هذا لأن الضمير تصير فيه مع هذه الياء كما تصير فيه الياء في الجر، لأن هذه الياء تكسر ما تلي.
وإن كانت بعد واو ساكنة قبلها حرف مضموم تليه قلبتها ياء، وصارت مدغمةً فيها. وذلك قولك: هؤلاء مسلمىَّ وصالحىَّ، وكذلك اشباه هذا. وإن وليت هذه الياء ياء ساكنة قبلها حرف مفتوح لم تغيّرها، وصارت مدغمةً فيها، وذلك قولك: رأيت غلامىَّ. فإن جاءت تلي ألف الاثنين في الرفع فهي بمنزلتها بعد ألف المنقوص، إلا أنَّه ليس فيها لغة من قال: بُشرىَّ، فيصير المرفوع بمنزلة المجرور والمنصوب، ويصير كالواحد نحو عصىَّ، فكرهوا الالتباس حيث وجدوا عنه مندوحةً.
واعلم أنَّ كلَّ اسمٍ آخره ياء تلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون في الرفع، والياء والنون في الجر والنصب للجمع، حذفت منه الياء التي هي آخره، ولا تحركها لعلة ستبيَّن لك إن شاء الله، ويصير الحرف الذي كانت تليه مضموماً مع الواو، لأنَّه حرف الرفع فلا بدّ منه، ولا تكسر الحرف مع هذه الواو، ويكون مكسوراً مع الياء. وذلك قولك: قاضون وقاضين وأشباه ذلك.
هذا باب التصغيراعلم أنَّ التصغير إنَّما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة: على فعيلٍ، وفعيعلٍ وفعيعيلٍ.
فأمَّا فعيلٌ فلما كان عدّة حروفه ثلاثة أحرف، وهو أدنى التصغير، لا يكون مصغَّرٌ على أقل من قعيلٍ، وذلك نحو قييسٍ، وجميلٍ، وجبيلٍ. وكذلك جميع ما كان على ثلاثة أحرف.
وأمَّا فعيعلٌ فلما كان على أربعة أحرف وهو المثال الثاني، وذلك نحو جعيفر ومطيرفٍ، وقولك في سبطر: سبيطرٌ، وغلامِ: غُليّم، وعلبطٍ علبيطٌ. فإذا كانت العدة أربعة أحرف صار التصغير على مثال: فعيعلٍ، تحرّكن جمع أو لم يتحرّكن، اختلفت حركاتهن أو لم يختلفن كما صار كل بناء عدة حروفه ثلاثة على مثال فعيل تحركن جمع أو لم يجمع اختلفت حرتكاتهن أولم يختلفن.
وأمَّا فعيعيلٌ فلما كان على خمسة أحرف، وكان الرابع منه واواً أو ألفاً أو ياء، وذلك نحو قولك في مصباحٍ: مصيبيحٌ، وفي قنديلٍ: قنيديلٌ، وفي كردوسٍ: كريديسٌ، وفي قربوسٍ: قريبيسٌ، وفي حمصيصٍ حميصيص، لا تبالي كثرة الحركات ولا قلتها ولا اختلافها.
واعلم أنَّ تصغير ما كان على أربعة أحرف إنّما يجيء على حال مكسَّرة للجمع في التحرك والسكون، ويكون ثالثه حرف اللين، كما أنّك إذا كسَّرته للجمع كان ثالثه حرف اللين، إلاَّ أنَّ ثالث الجمع ألف، وثالث التصغير ياء، وأوّل التصغير مضموم، وأول الجمع مفتوح.
وكذلك تصغير ما كان على خمسة أحرف يكون في مثل حاله لو كسرّته للجمع، ويكون خامسه ياء قبلها حرف مكسور، كما يكون ذلك لو كسّرته للجمع، ويكون ثالثه حرف لين كما يكون ثالثه في الجمع حرف لين. غير أنَّ ثالثه في الجمع ألف وثالثه في التصغير ياء، وأوّله في الجمع مفتوح وفي التصغير مضموم.
وإنّما فعل ذلك لأنَّك تكسر الاسم في التحقير كما تكسره في الجمع فأرادوا أن يفرقوا بين علم التصغير والجمع.
باب تصغير ما كان على خمسة أحرف.ولم يكن رابعه شيئاً مما كان رابع ما ذكرناه مما كان عدّة حروفه خمسة أحرف.
وذلك نحو: سفرجلٍ، وفرزذقٍ، وقبعثرى، وشمردلٍ، وجحمرشٍ، وصهصلق. فتحقير العرب هذه الأسماء: سفيرجٌ، وفريزدٌ، وشميردٌ، وقبيعثٌ، وصهصيلٌ.
وإن شئت ألحقت في كل اسم (منها) ياء قبل آخر حروفه عوضاً. وإنَّما حملهم على هذا أنَّهم لايحقّرون ماجاوز ثلاثة أحرف إلاَّ على زنته وحاله لو كسَّروه للجمع. إلاَّ أنَّ نطير الحرف اللين الثالث الذي في الجمع الياء في التصغير. وأوّل التصغير مضموم وأوَّل الجمع مفتوح، لما ذكرت لك. فالتصغير والجمع بمنزلة واحدة في هذه الأسماء في حروف اللين وانكسار الحرف بعد حرف اللين الثالث، وانفتاحه قبل حرف اللين، إلاَّ أنَّ أوَّل التصغير وحرف لينه كما ذكرت لك، فالتصغير والجمع من وادٍ واحد.
وإنَّما منعهم أن يقولوا: سفيرجلٌ أنَّهم كسَّروه لم يقولوا: سفارجل، ولافرازدق، ولاقباعثر، ولاشماردل.
وسأبيِّن لك إن شاء الله لم كانت هذه الحروف أولى بالطرح في التصغير من سائر الحروف التي من بنات الخمسة.

وهذا قول يونس. وقال الخليل: لو كنت محقِّراً هذه الأسماء لا أحذف منها شيئاً كما قال بعض النحوييّن، لقلت: سفيرجلٌ كما ترى، حتى يصير بزنة دنينيرٌ، فهذا أقرب وإن لم يكن من كلام العرب.
باب تصغير المضاعف

الذي قد أدغم أحد الحرفين منه في الآخر
وذلك قولك في مدقٍّ: مديقٌّ وفي أصمَّ: أصيمٌّ، ولاتغيِّر الإدغام عن حاله كما أنَّك إذا كسَّرت مدقَّا للجمع قلت: مداقُّ، ولو كسرت أصمّ على عدَّة حروفه كما تكسّر أجدلاً فتقول: أجادل لقلت: أصامُّ. فإنَّما أجريت التحقير على ذلك، وجاز أن يكون الحرف الدغم بعد الياء الساكنة، كما كان ذلك بعد الألف التي في الجمع.
باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرفولحقته الزيادة للتأنيث صارت عدَّته مع الزيادة أربعة أحرف وذلك نحو: حبلى، وبشرى، وأخرى. تقول: حبيلى، وبشيرى، وأخيرى.
وذلك أنَّ هذه الألف لمَّا كانت ألف تأنيث لم يكسروا الحرف بعد ياء التصغير، وجعلوها ههنا بمنزلة الهاء التي تجيء للتأنيث، وذلك قولك في طلحة طليحة، وفي سلمة: سليمة. وإنّما كانت هاء التأنيث بهذه المنزلة، لأنها تضم إلى الاسم، كما يضم موت إلى حضر، وبكَّ إلى بعل.
وإن جاءت هذه الألف لغير التأنيث كسرت الحرف بعد ياء التصغير وصارت ياء، وجرت هذه الألف في التحقير مجرى ألف مرمى، لأنها كنون رعثنٍ، وهو قوله في معزىً: معيزٍ كما ترى، وفي أرطى: أريطٍ كما ترى، وفيمن قال علقى: عليقٍِ كما ترى.
واعلم أن هذه الألف إذا كانت خامسةً عندهم فكانت للتأنيث أو لغيره حذفت، وذلك قولك في قرقرى: قربقر، وفي حبركى: حبيركٌ. وإنما صارت هذه الأف إذا كانت خامسة عندهم بمنزلة الألف مبارك وجوالقٍ، لأنها ميّتة مثلها، ولأنها كسِّرت الأسماء للجمع لم تثبت، فلّما اجتمع فيها ذلك صارت عند العرب بتلك المنزلة، وهذا قول يونس والخليل. فكذلك هذه الألف إذا كانت خامسةً فصاعدا.
هذا باب
تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته
ألف التأنيث بعد ألف فصار مع الألفين خمسة أحرف
اعلم أنَّ تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير، ولا تغيَّر الألفان عن حالها قبل التصغير، لأنَّهما بمنزلة الهاء. وذلك قولك: حميراء، وصفيراء، وطرفاء: طريفاء. وكذلك فعلان الذي له فعلى عندهم، لأنَّ هذه النون لمَّا كانت بعد ألف وكانت بدلاً من ألف التأنيث حين أرادوا المذكَّر صار بمنزلة الهمزة التي في حمراء، لأنَّها بدلٌ من الألف. ألا تراهم أجروا على هذه النون ما كانوا يجرون على الألف، كما كان يجرى على الهمزة ما كان يجرى على التي هي بدل منها.
واعلم أنَّ كلَّ شيءٍ كان آخره كآخر فعلان الذي له فعلى، وكانت عدَّة حروفه كعدَّة حروف فعلان الذي له فعلى، توالت فيه ثلاثة حركات، أو لم يتوالين، اختلفت حركاته أو لم يختلفن، ولم تكسِّره للجمع حتَّى يصير على مثال مفاعيل، فإنَّ تحقيره كتحقير فعلان الذي له فعلى.
وإنَّما صيّروه مثله حين كان آخره نونا بعد ألف كما أن آخر فعلان الذي له فعلى نون بعد ألف وكان ذلك زائداً كما كان آخر فعلان الذي له فعلى زائداً، ولم يكسّر على مثال مفاعيل كما لم يكسَّر فعلان الذي لع فعلى على ذلك، فشبَّهوا ذا بفعلان الذي لع فعلى كما شبّهوا الألف بالهاء.
واعلم أنَّ ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته زائدتان فكان ممدوداً منصرفاً فإنَّ تحقيره كتحقير الممدود الذي هو بعدّة حروفه مما فيه الهمزة بدلاً من ياء من نفس الحرف. وإنّما صار كذلك لأنَّ همزته بدلٌ من ياء بمنزلة الياء التي من نفس الحرف. وذلك نحو: علباء وحرباء، تقول: عليبىٌّ وحريبىٌّ، كما تقول في سًّقاءٍ سقيقى وفي مقلاءٍ: مقيلىٌّ.
وإذا كانت الياء التي هذه الهمزة بدلٌ منها ظاهرة حقّرت ذلك الاسم كما تحقرِّ الاسم الذي ظهرت فيه ياءٌ من نفس الحرف مما هو بعَّدة حروفه، وذلك درحايةٌ فتقول: دريحيَّةٌ، كما تقول في سقايةٍ سقيقيةٌ. وإنَّما كان هذا كهذا لأنَّ زوائده لم يجئن للتأنيث.
واعلم أنَّ من قال: غوغاءٌ فجعلها بمنزلة قضقاضٍ وصرف قال: غويغيٌّ. ومن لم يصرف وأنَّث فإنَّها عنده بمنزلة عوراء، يقول: غويغاء كما يقول: عُويراء.

ومن قال: قوباء فصرف قال: قويبىٌّ، كما تقول: عليبىٌّ. ومن قال: هذه قوباء فأنَّث ولم يصرف قال: قويباء كما قال حميراء، لأنَّ تحقير ما لحقته ألفا التأنيث وكان على ثلاثة أحرف وتوالت فيه ثلاث حركات أو لم يتوالين، اختلفت حركاته أو لم يختلفن، على مثال فعيلاء.على مثال مفاعيل فإن تحقيره كتحقير سربال شبهوه به حيث كسر للجمع.
واعلم أنَّ كلّ اسم آخره ألف ونون زائدتان وعدَّة حروفه كعدَّة حروف فعلان كُسِّر للجمع كما يكسَّر سربالٌ، وفعل به ما ليس لبابه في الأصل فكما كسِّر للجمع هذا التكسير حقِّر هذا التحقير. وذلك قولك: سريحينٌ في سرحانٍ، لأنَّك تقول: سراحينٌ، وضبعانٌ ضبيعينٌ لأنَّك تقول: ضباعينٌ وحومان: حويمينٌ، لأنهم يقولون حوامينٌ، وسلطانٌ سليطينٌ، لأنهم يقولون: سلاطين، يقولون في فرزانٍ: فريزين، لأنَّهم يقولون: فرازين، ومن قال: فرازنةٌ، قال أيضاً: فريزينٌ، لأنه قد كسِّر كما كسِّر جحجاحٌ وزنديقٌ كما قالوا: زنادقة وجحاجحةٌ.
وأما ظربانٌ فتحقيره ظريبانٌ، كأنَّك كسّرته على ظرباء ولم تكسّره على ظربانٍ. ألا ترى أنَّك تقول: ظرانىٌّ كما قالوا: صلفاء وصلافي. ولو جاء شيء مثل ظرباء كانت الهمزة للتأنيث، لأنَّ هذا البناء لايكون من باب علباء وحرباءٍ ولم تكسّره على ظربانٍ. ألا ترى أنَّ النون قد ذهبت فلم يشبه سربالاً حيث لم تثبت في الجمع. كما تثبت لام سربال وأشباه ذلك.
وتقول في ورشانٍ وريشينٌ، لأنَّك تقول: وراشين.
وإذا جاء شيء على عدّة حروف سرحانٍ، وآخره كآخر سرحانٍ، ولم تعلم العرب كسَّرته للجمع، فتحقيره كتحقير فعلان الذي له فعلى إذا لم تعلم. فالذي هو مثله في الزيادتين والذي يصير في المعرفة بمنزلته أولى به حتَّى تعلم، والذي ذكرت لك في جميع ذا قول يونس.
ولو سمّيت رجلاً بسرحانٍ فحقَّرته: لقلت سريحينٌ. وذا قول يونس وأبي عمرو.
ولو قلت: سريحانٌ لقلت في رجل يسمَّى علقىً: عليقى، وفي معزًى معيزىً، وفي امرأة اسمها سربال سريبال، لأنها لا تنصرف.
فالتحقير على أصله وإن لم ينصرف الاسم.
وجميع ما ذكرت لك في هذا الباب وما أذكر لك في الباب الذي يليه قول يونس.
باب تحقير ماكان على أربعة أحرففلحقته ألفا التأنيث، أو لحقته ألف ونون كما لحقت عثمان.
أمَّا ما لحقته ألفا التأنيث فخنفساء وعنصلاء، وقرملاء، فإذا حقَّرت قلت: قريملاء وخنيفساء وعنيصلاء، ولا تحذف كما تحذف ألف التأنيث، لأنَّ الألفين لمَّا كانتا بمنزلة الهاء في بنات الثلاثة لم تحذفا هنا حيث حيّ آخر الاسم، كتحرَّك متحرك الهاء.
وإنّما حذفت الألف لأنَّها حرف ميت، فجعلتها كألف مبارك. فأمّا الممدود فإنَّ آخره حيٌّ كحياة الهاء، وهو في المعنى مثل ما فيه الهاء، فلَّما اجتمع فيه الأمران جعل بمنزلة ما فيه الهاء، والهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم فجعلا اسماً واحداً، فالآخر لا يحذف أبداً، لأنَّه بمنزلة اسم مضاف إليه، ولا تغيّر الحركة التي في آخر الأول كما لا تغيّر الحركة التي قبل الهاء.
وأمّا ما لحقته ألف ونون: فعقربانٌ وزعفرانٌ، تقول: عقيربانٌ، وزعيفرانٌ، تحقره كما تحقّر ما في آخره ألفا التأنيث.
ولا تحذف لتحُّرك النون، وإنَّما وافق عقربانٌ خنفساء، كما وافق تحقير عثمان تحقير حمراء، جعلوا ما فيه الألف والنون من بنات الأربعة بمنزلة ما فيه ألف التأنيث من نبات الأربعة كما جعلوا ما هو مثله من نبات الثلاثة مثل ما فيه ألفا التأنيث من بنات الثلاثة، لأن النون في بنات للأربعة بمَّا تحركت اشبهت الهمزة في خنفساء وأخواتها ولم تسكن فتشبه بكونها الألف التي في قرقرى وقهقرى و قبعثرى وتكون حرفا واحداً بمنزلة قهقرى.
وتقول في أقحوانة: أقيحيانة، وعنظوانة: عنيظيانة، كأنَّك حقَّرت عنظواناً وأقحواناً. وإذا حقَّرت عنظواناً وأقحواناً فكأنك حقرت عنظوة وأقحوانا. وإذا حقَّرت عنظواناً وأقحواناً فكأنك حقَّرت عنظوة وأقحوة، لأنَّك تجري هاتين الزيادتين مجرى تحقير مافيه الهاء، فإذا ضممتهما وإنما أدخلت التاء ههنا لأن الزيادتين ليستا علامة للتأنيث.
وأمَّا أسطوانةٌ فتحقيرها أسيطينةٌ، لقولهم: اساطين كما قلت: سريحينٌ حيث قالوا: سراحين، فلمَّا كسّروا هذا الاسم بحذف الزيادة وثبات النون حقَّرته عليه.
باب مايحقَّر على تكسيرك إيّاه

لو كسرته للجمع على القياس لاعلى التكسير للجمع على غيره.
وذلك قولك في خاتمٍ: خويتمٌ، وطابقٍ: طويبقٌ، ودانقٍ: دوينقٌ والذين قالوا: دوانيق وخواتيم وطوابيق إنَّما جعلوه تكسير فاعالٍ، وإن لك يكن من كلامهم. كما قالوا: ملامح والمستعمل في الكلام لمحةٌ، ولايقولون ملمحةٌ، غير أنَّهم قد قالوا: خاتام، حدثنا بذلك أبو الخطاب.
وسمعنا من يقول ممّن يوثق به من العرب: خويتيمٌ، فإذا جمع قال: خواتيم.
وزعم يونس أنَّ العرب تقول أيضاً: خواتم ودوانق وطوابيق، على فاعلٍ، كما قالوا: تابلٌ وتوابل. ولو قلت: خويتيمٌ ودوينيقٌ لقولك: خواتيم ودوانيق، لقلت في أثفية أثيفيةٌ فخففتها، لأنك تقول: أثافٍ، ولكنَّك تحقّرها على تكسيرها على القياس، وكذلك معطاء تقول: معيطىٌّ ولاتلتفت إلى معاطٍ، ولحذفت في تحقير مهريةٍ إحدى الياءين، كما حذفت في مهارى إحداهما.
ومن العرب من يقول: صغييرٌ ودريهيم، فلا يجيء بالتصغير على صغيرٍ ودرهمٍ، كما لم يجيء دوانيق على دانقٍ، فكأنَّهم حقروا درهاماً وصغياراً وليس يكون ذا في كلِّ شيء إلاَّ أن تسمع منه شيئاً، كما قالوا: رويجلٌ فحقَّروا على راجلٍ، وإنّما يريدون الرَّجل.
باب مايحذف في التحقير

من بنات الثلاثة من الزيادات
لأنك لو كسرتها للجمع لحذفتها فكذلك تحذف في التصغير وذلك في قولك في مغتلمٍ: مغيلمٌ، كما قلت مغالم، فحذفت حين كسّرت للجمع، وإن شئت قلت: مغيليمٌ فألحقت الياء عوضاً مما حذفت، كما قال بعضهم مغاليم.
وكذلك جوالقٌ إن شئت قلت: جويليقٌ عوضاً كما قالوا: جواليق. والعوض قول يونس والخليل.
وتقول في المقدمَّ والمؤخرَّ: مقيدمٌ، ومؤيخر، وإن شئت عوضت الياء كما قالوا: مقاديم ومآخير والمقادم والمآخر عربية جيدة. ومقيدم خطأ، لأنه لايكون في الكلام مقاديم ومآخير، والمقادم والمآخر عربية جيدة. ومقيدم خطأ، لأنّه لايكون في الكلام مقادِّم. فإذا لم يكن ذا فيما هو بمنزلة التصغير في أنَّ ثالثه حرف لين كما أنّ ثالث التصغير حرف لين، وما قبل حرف لينه مفتوح كما أنَّ ما قبل حرف لين التصغير مفتوح، ومابعد حرف لينه مكسور كما كان ما بعد حرف لين التصغير مكسوراً - فكذلك لا يكون في التصغير فعلى هذا فقس. وهذا قول الخليل.
وحروف اللين هي حروف المدّ التي يمدّ بها الصوت، وتلك الحروف: الألف، والواو، والياء.
وتقول في منطلقٍ: مطليقٌ ومطيليقٌ، لأنَّك لو كسَّرته كان بمنزلة مغتلمٍ في الحذف والعوض.
وتقول في مذَّكرٍ مذيكرٌ كما تقول في مقتربٍ: مقيربٌ، وإنَّما حدُّها مذتكرٌ، ولكنَّهم أدغموا، فحذفت هذا كما كنت حاذفة في تكسير كه للجمع لو كسِّرته. وإن شئت عوّضت فقلت: مذيكيرٌ ومقيريبٌ. وكذلك مغيسلٌ.
وإذا حقَّرت مستمعاً قلت: مسيمعٌ ومسيميعٌ، تجريه مجرى مغيسل، تحذف الزوائد، كما كنت حاذفها في تكسير للجمع لو كسَّرته.
وإذا حقّرت مزدانٌ قلت: مزينٌ ومزيِّين، وتحذف الدال لأنَّها بدلٌ من تاء مفتعلٍ، كما كنت حاذفها لو كسِّرته للجمع. ومزدانٌ بمنزلة مختارٍ، فإذا حقرته قلت: مخيّرٌ، وإن شئت قلت: مخييِّرٌ، لأنَّك لو كسرته للجمع قلت: مخاير ومخايير، كما فعلت ذلك بمغتلم، لأنه مفتعلٌ، وكذلك منقادٌ لأنه منفعل، وكذلك مستزادٌ تحقيره مزيدٌ، لأنه مستفعلٌ. فهذه الزوائد تجرى على ماذكرت لك.
وتقول في محمرٍ: محيمرٌ، ومحيميرٌ، كما حقَّرت مقدَّماً، لأنَّك لو كسّرت محمراً للجمع أذهبت إحدى الراءين، لأنَّه ليس في الكلام مفاعلٌ.
وتقول في محمارٍ: محيميرٌ، ولاتقول: محميرٌّ، لأنَّ فيها إذا حذفت الراء ألفاً رابعة، فكأنك حقَّرت محمارٌ.
وتقول في تحقير حمّارةٍ: حميرَّةٌ، كأنَّك حقّرت حمرَّة، لأنَّك لو كسّرت حمارةً للجمع لم تقل: حمائرُّ، ولكن تقول حمارُّ، لأنَّه ليس في الكلام فعائلُّ كما لا يكون مفاعلُّ.
وإذا حقّرت جبنةً قلت: جبينَّةٌ، لأنّك لو كسرتها (للجمع) لقلت: جبانُّ، كما تقول في المرضّة: مراضُّ كما ترى. فجبنّةٌ ونحوها على مثال مرضَّة، وإذا كسّرتها للجمع جاءت على ذلك المثال. وقد قالوا: جبنةٌ، فثّقلوا النون وحففّوها.

وتقول في مغدودنٍ: مغيدينٌ إن حذفت الدال الآخرة، كأنك حقّرت مغدونٌ، لأنَّها تبقى خمسة أحرف رابعتها الواو، فتصير بمنزلة بهلول وأشِباه ذلك. وإن حذفت الدال الأولى فهي بمنزلة جوالقٍ، كأنك حقّرت مغودنٌ.
وإذا حقّرت خفيددٌ قلت: خفيددٌ وحفيديدٌ، لأنَّك لو كسّرته للجمع قلت: خفارد وخفاديدٌ، فإنَّما هو بمنزلة عذافرٍ وجوالقٍ.
وإذا حقَّرت غدودنٌ فبتك المنزلة، لأنَّك لو كسّرته للجمع لقلت: غدادين وغدادن، ولاتحذف من الدالين لأنَّهما بمنزلة ماهو بنفس الحرف ههنا، ولم تضطر إلى حذف واحد منهما، وليسا من حروف الزيادات إلاّ أن تضاعف لتلحق الثلاثة بالأربعة، والأربعة بالخمسة.
وتقول في قطوطىً: قطيطٍ وقطيطىٌّ، لأنَّه بمنزلة غدودنٍ وعثوثلٍ.
وإذا حقَّرت مقعنسٌ حذفت النون وإحدى السينين، لأنَّك كنت فاعلاً ذلك لو كسّرته للجمع. فإنَّ شئت قلت: مقيعسٌ، وإن شئت قلت مقيعيسٌ.
وأمّا معلوّطٌ فليس فيه إلاَّ معيليطٌ، لأنَّك إذا حقّرت فحذفت إحدى الواوين بقيت واوٌ رابعةً، وصارت الحروف خمسة أحرف. والواو إذا كانت في هذه الصفة لم تحذف في التصغير، كما لا تحذف في الكسر للجمع.
فأمَّا مقعنسٌ فلا يبقى منه إذا حذفت إحدى السينين زائدةٌ خامسةً تثبت في تكسيرك لاسم الجمع، والتي تبقى هي النون، ألا ترى أنه ليس في الكلام مفاعنل.
وتقول في تحقير عفنججٍ: عفيججٌ وعفيجيجٌ، تحذف النون ولاتحذف من اللامين، لأنَّ هذه النون بمنزلة واو غدودنٍ وياء خفيددٍ، وهي من حرف الزيادة، والجيم ههنا المزيدة بمنزلة الدال المزيدة في غدودنٍ وخفيددٍ، وهي بمنزلة ماهو من نفس الحرف، لأنَّها ليست من حروف الزيادة إلا أن تضاعف.
وإذا حقّرت عطوَّدٌ قلت: عُطّيدٌ، لأنّك لو كسّرته للجمع قلت: عطاود وعطاويد، وإنَّما ثقّلت الواو التي ألحقت بنات الثلاثة بالأربعة كما ثقَّلت باء عدبَّسٍ ونون عجنَّسٍ.
وإذا حقّرت عثولٌّ قلت عثيلٌ وعثيِّيلٌ، لأنَّك لو جمعت قلت: عثاول وعثاويل، وإنَّما صارت الواو تثبت في الجمع والتحقير لأنَّهم إنما جاءوا بهذه الواو لتلحق بنات الثلاثة بالأربعة، فصارت عندهم كشين قرشٍبّ، وصارت اللام الزائدة بمنزلة الباء الزائدة في قرشٍبّ، فحذفتها كما حذفوا الباء حين قالوا قراشب، فحذفوا ما هو بمنزلة الباء وأثبتوا ما هو بمنزلة الشين، وكذلك قول العرب وقول الخليل.
وإذا حقّرت النددٌ ويلنددٌ، ومعنى يلنددٍ وألنددٍ واحد، حذفت النون كما حذفتها من عفنججٍ، وتركت الدَّالين، لأنَّهما من نفس الحرف. ويدلّك على ذلك أنَّ المعنى معنى ألدَّ. وقال الطرماح:
خصمٌ أبرَّ على الخصوم ألنددٌ
فإذا حذفت النون قلت: أليدُّ كما ترى، حتَّى يصير على قياس تصغير أفعل من المضاعف، لأنَّ أفيعل من المضاعف وأفاعل من المضعف لايكون إلا مدغماً، فأجريته على كلام العرب.
ولو سميّت رجلاً بألبب ثم حقّرته قلت: أليبُّ كما ترى، فرددته إلى قياس أفعل، وإلى الغالب في كلام العرب. وإنما ألببٌ شاذّ كما أنَّ حيوة شاذّ. فإذا حقّرت حيوة صار على قياس غزوة، ولم يصيّره كينونته ههنا على الأصل أن تحقّره عليه، فكذلك ألببٌ، وإذا حقّرت إستبرقٌ قلت: أبيرقٌ، وإن شئت قلت: أبيريقٌ على العوض، لأن السين والتاء زائدتان، لأنَّ الألف إذا جعلتها زائدة لم تدخلها على بنات الأربعة ولا الخمسة، وإنَّما تدخلها على بنات الثلاثة، وليس بعد الألف شيء من حروف الزيادة إلاَّ السين والتاء، فصارت الألف بمنزلة ميم مستفعلٍ، وصارت السين والتاء بمنزلة سين مستفعلٍ وتائه. وترك صرف إستبرق يدلّك على أنه استفعل.
وإذا حقّرت أرندجٌ قلت: أريدجٌ، لأنَّ الألف زائدة، ولاتلحق هذه الألف إلاَّ بنات الثلاثة، والنون بمنزلة نون ألنددٍ.
وتقول في تحقير ذرحرحٍ: ذريرحٌ، وإنَّما ضاعفت الراء والحاء كما ضاعف الدال في مهدد. والدليل على ذلك: ذرّاحٌ وذرُّوح، فضاعف بعضهم الراء، وضاعف بعضهم الراء والحاء، وحقّرته كتكسيركه للجمع. ألا ترى أنَّ من لغته ذرحرحٌ يقول: ذرارح.
وقالوا: جلعلعٌ وجلالع

وزعم يونس أنَّهم يقولون: صمامح ودمامك، في صمصمحٍ ودمكمكٍ، فإذا حقّرت قلت: صميمحٌ ودميمكٌ وجليلعُ، وإن شئت قلت ذريريحٌ عوضاً كما قالوا: ذراريحُ. وكرهوا ذراحح وذريححٌ، للتضعيف والتقاء الحرفين من موضع واحد، وجاء العوض فلم يغيّروا ماكان من ذلك قبل أن يجيء، ولم يقولوا في العوض: ذراحيح فيكون في العوض على ضربٍ وفي غيره على ضربٍ. ومع ذا أنَّ فعاعيل وفعاعل أكثر وأعرف من فعالل وفعاليل).
وزعم الخليل أ،َّ مرمريسٌ من المراسة، والمعنى يدلّ. وزعم أنّهم ضاعفوا الميم والراء في أوله كما ضاعفوا في آخره ذرحرحٍ الراء والحاء. وتحقيره مريريسٌ، لأن الياء تصير رابعة، وصارت الميم أولى بلحذف من الراء، لأن الميم إذا حذفت تبيَّن في التحقير أن اصله من الثلاثة، كأنَّك حقّرت مراَّسٌ. ولو قلت: مريميسٌ لصارت كأنَّها من باب سرحوبٍ وسرداحٍ وقنديلٍ.
فكلُّ سيء ضوعف الحرفان من أوّله أو آخره فأصله الثلاثة، ممّا عدّة حروفه خمسة أحرف، كما أنَّ كلّ سيء ضوعف الثاني من أوّله أو آخره، وكانت عدّته أربعة أو خمسة رابعه حرف لين، فهو من الثلاثة عندك، فهذان يجريان مجرى واحداً.
وإذا حقّرت المسرول فهو مسيريلٌ، ليس إلاّ (هذا)، لأنَّ الواو رابعة. ولو كسّرته للجمع لم تحذف، فكذلك لاتحذف في التصغير، فإذا حقّرت أو كسِّرت وافق بهلولا وأشباهه.
وإذا حقّرت مساجد اسم رجلٍ قلت: مسيجدٌ، فتحقيره كتحقير مسجدٍ لأنه اسمٌ لواحد، ولم ترد أن تحقِّر جماعة المساجد، ويحقَّر ويكسَّر اسم رجل كما يحقَّر مقدَّمٌ.
باب ماتحذف منه الزوائد

من بنات الثلاثة مما أوائله الألفات الموصولات
وذلك قولك في استضرابٍ: تضيريبٌ، حذفت الألف الموصولة لأنَّ مايليها من بعدها لابدّ من تحريكه، فحذفت لأنَهم قد علموا أنَّها في حال استغناء عنها، وحذفت السين كما كنت حاذفها لو كسّرته للجمع حتَّى يصير على مثال مفاعيل، وصارت السِّين أولى بالحذف حيث لم يجدوا بدّا من حذف أحدهما، لأنَّك إذن أردت أن يكون تكسيره وتحقيره على ما في كلام العرب، نحو: التجّفاف والتّبيان، وكان ذلك أحسن من أن يجيئوا به على ماليس من كلامهم. ألا ترى أنَّه ليس في الكلام سفعالٌ.
وإذا صغّرت الافتقار حذفت الألف لتحرُّك مايليها، ولاتحذف التاء لأنَّ الزائدة إذا كانت ثانية من بنات الثلاثة وكان الاسم عدّة حروفه خمسة رابعهنّ حرف لين لم يحذف منه شيء في تكسيره للجمع لأنَه يجيء على مثال مفاعيل، ولا في تصغيره. وذلك قولك في ديباجٍ: دبابيج، والبياطير والبياطرة جمع بيطار، صارت الهاء عوضاً من الياء. فإذا حذفت الألف الموصولة بقيت خمسة أحرف الثاني منها حرف زائدٌ والرابع حرف لين. فكل اسم كان كذا لم تحذف منه شيئاً في جمع ولاتصغير. فالتاء في افتقارٍ إذا حذفت الألف بمنزلة الياء في ديباجٍ، لأنَّك لو كسَّرته للجمع بعد حذف الألف لكان على مثال مفاعيل، تقول: فتيقيرٌ.
وإذا حقَّرت انطلاقٌ قلت: نطيليقٌ، تحذف الألف لتحرُّك مايليها، وتدع النون، لأنَّ الزيادة إذا كانت أوّلا في بنات الثلاثة وكانت على خمسة أحرف،وكان رابعه حرف لين،، لم تحذف منه شيئاً في تكسير كه للجمع، لأنَّه يجيء على مثال مفاعيل، ولا في التصغير، وذلك نحو: تجفافٍ وتجافيف، ويربوعٍ ويرابيع، فالنون في انطلاقٍ بعد حذف الألف كالتاء في تجفافٍ. وإذا حقَّرت احمرارٌ قلت: حميريرٌ، لأنَّك إذا حذفت الألف كأنَّك تصغر حمرارٌ، فإنَّما هو حينئذٍ كالشملال، ولاتحذف من الشملال كما لا تحذف منه في الجمع.
وإذا حقَّرت اشيبهابٌ حذفت الألف، فكأنه بقي شهيبابٌ، ثم حذفت الياء التي بعدها الهاء كما كنت حاذفها في التكسير إذا جمعت، فكأنَّك حقَّرت شهبابٌ. وكذلك الاغديدان تحذف الألف والياء التي بعد الدال، كما كنت حاذفها في التكسير للجمع، فكأنك حقَّرت عدَّان، وذلك نحو غديدينٍ وشهيبيبٍ.

وإذا حقَّرت اقعنساسٌ حذف الألف لما ذكرناه، فكأنه يبقى قعنساسٌ وفيه زائدتان: إحدى السينين والنون، فلا بدُّ من حذف إحداهما، لأنَّك لو كسَّرته للجمع حتَّى يكون على مثال مفاعيل لم يكن من الحذف بدٌّ، فالنون أولى، لأنَّها هنا بمنزلة الياء في اشهيبابٍ واغديدانٍ وهي من حروف الزيادة، والسين ضوعفت كما ضوعفت الباء وما ليس من حروف الزيادة في الاشهيباب والاغديدان. ولو لم يكن فيه شيء من ذا كانت النون أولى بالحذف لأنّه كان يجيء تحقيره وتكسيره كتكسير ما هو في الكلام وتحقيره فإذا لم تجد بداً من حذف إحدى الزائدتين فدع التي يصير بها الاسم كالذي في الكلام كشميليلٍ.
وإذا حقَّرت اعلوّاطٌ قلت: عليِّيطٌ، تحذف الألف لما ذكرناه، وتحذف الواو ألأولى لأنها بمنزلة الياء في الاغديدان والنُّون في احرنجامٍ، فالواوٌ المتحرِّكة بمنزلة ماهو من نفس الحرف، لأنَّه ألحق الثلاثة ببناء الأربعة، كما فعل ذلك بواو جدولٍ، ثم زيد عليه كما يزاد على بنات الأربعة.
باب تحقير ماكان في الثلاثة فيه زائدتانتكون فيه بالخيار في حذف إحداهما تحذف أيَّهما شئت
وذلك نحو: قلنسوةٍ، إن شئت قليسيةٌ، وإن شئت قلت: قلينسة، كما فعلوا ذلك حين كسّروه للجمع، فقال بعضهم: قلانس، وقال بعضهم: قلاسٍ. وهذا قول الخليل.
وكذلك حبنطى، إن شئت حذفت النون فقلت: حبيطٍ، وإن شئت حذفت الألف فقلت: حبينطٌ، وذلك لأنَّهما زائدتان ألحقتا الثلاثة ببناء الخمسة، وكلاهما بمنزلة ماهو من نفس الحرف، فليس واحدةٌ الحذف ألزم لها منه للأخرى، فإنَّما حبنطَّى وأشباهه بمنزلة قلنسوةٍ.
ومن ذلك كوأللٌ. إن شئت حذفت الواو وقلت: كؤيللٌ وكؤيليلٌ، وتقديرها كعيللٌ وكعيليلٌ، وإن شئت حذفت إحدى اللامين فقلت: كويئلٌ وكويئيلٌ، وتقديرها كويعلٌ وكويعيلٌ، لأنَهما زائدتان ألحقتا بسفرجلٍ، وكلّ واحدة منهما بمنزلة ماهو من نفس الحرف.
ومَّما لايكون الحذف ألزم لإحدى زائدتيه منه للأخرى حبارى، إن شئت قلت: حبيرى كما ترى، وإن شئت قلت: حبيّرٌ، وذلك لأنَّ الزائدتين لم تجيئا لتلحقا الثلاثة بالخمسة، وإنَّما الألف الآخرة ألف تأنيث، والأولى كواو عجوزٍ، فلا بدّ من حذف إحداهما، لأنَّك لو كسّرته للجمع لم يكن لك بدٌّ من حذف إحداهما كما فعلت بقلنسوةٍ، فصار ما لم تجيء زائدتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة، بمنزلة ماجاءت زيادتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة، لأنَّهما مستويتان في أنَّهما لم يجيئا ليلحقا شيئاً بشيء كما أنَّ الزيادتين اللتين في حبنطى مستويتان في أنَّهما ألحقتا الثلاثة بالخمسة.
وأمّا أبو عمرو فكان يقول: حبيّرةٌ، ويجعل الهاء بدلاً من الألف التي كانت علامة للتأنيث إذ لم تصل إلى أن تثبت.
وإذا حقَّرت علانيةً أو ثمانيةً أو عفاريةً، فأحسنه أن تقول: عفيريةٌ وعلينيةٌ، وثمينيةٌ، من قبل أنَّ الألف ههنا بمنزلة ألف عذافرٍ وصمادحٍ، وإنَّما مدّ بها الاسم، وليست تلحق بناءً ببناء، والياء لاتكون في آخر الاسم زيادة إلاَّ وهي تلحق بناءً ببناء. ولو حذفت الهاء من ثمانيةٍ وعلانيةٍ لجرت الياء مجرى ياء جواري، وصارت الياء بمنزلة ماهو من نفس الحرف، وصارت الألف كألف جواري، وهي وفيها الهاء بمنزلة جاريةٍ، فأشبههما بالحروف التي هي من نفس الحرف أجدر أن لا تحذف فالياء في آخر الاسم أبداً بمنزلة ما هو من نفس الحرف، لأنها تلحق بناءً ببناءً، فياء عفاريةٍ وقراسيةٍ بمنزلة راء عذافرةٍ، كما أنَّ ياء عفريةٍ بمنزلة عين ضفدعةٍ فإنَّما مددت عفريةً حين قلت عفاريةٌ، كما كأنك أنَّك مددت عذفراً لمّا قلت: عذافرٌ.
وقد قال بعضهم: عفيِّرةٌ وثميّنةٌ، شبَّهها بألف حبارى، إذ كانت زائدة كما أنَّها زائدة وكانت في آخر الاسم، وكذلك صحارى وعذارى وأشباه ذلك.
وإن حقّرت رجلاً اسمه مهارى، أو جلاً أسمه صحارى كان صحير ومهيرٍ أحسن، لأنَّ هذه الألف لم تجيء للتأنيث، إنما أرادوا مهارىُّ وصحارىُ، فحذفوا وابدلوا الألف في مهارى وصحارى، كما قالوا: مدارى ومعايا، فيما هو من نفس الحرف، فإنّما هو من نفس الحرف، فإنّما فعالى كفعالى وفعالل وفعائل. ألا ترى أنَّك لاتجد في الكلام فعالى لشيء واحد.

وإن حقَّرت عفرناةً وعفرنى كنت بالخيار إن شئت قلت: عفيرنٌ وعفيرنةٌ وإن شئت قلت: عفيرٍ وعفيرنةٌ، لأنَّهما زيدتا لتلحقا الثلاثة بالخمسة، كما كان حبنطىً زائدتاه تلحقانه بالخمسة، لأنَّ الألف إذا جاءت منَّونة خامسة أو رابعةً فإنها تلحق بناءً ببناءٍ. وكذلك النون.
ويستدلّ على زيادتي عفرنى بالمعنى. ألا ترى أنَّ معناه عفرٌ وعفريتٌ.
وقال الشاعر:
ولم أجد بالمصر من حاجاتي ... غير عفاريت عفرينات
أمّا العرضنى فليس فيها إلاَّ عريضنٌ، لأنَّ النون ألحقت الثلاثة بالأربعة، وجاءت هذه الألف للتأنيث، فصارت النون بمنزلة ماهو من نفس الحرف، ولم تحذفها وأوجبت الحذف للألف، فصار تحقيرها كتحقير حججبى، لأنَّ النون بمنزلة الراء من قمطرٍ.
وإذا حقَّرت جلاً اسمه قبائل قلت: قبيئل، وإن شئت قلت قبيئيل عوضاُ مّما حذفت، والأف أولى بالطرح من الهمزة، لأنَّها كلمةٌ حيةٌ لم تجيء للمد، وإنَّما هي بمنزلة جيم مساجد وهمزة برائلٍ، وهي في ذلك الموضع والمثال، والألف بمنزلة ألف عذافر، وهذا قول الخليل. وأمَّا يونس فيقول: فبيِّل يحذف الهمزة إذ كانت زائدة، كما حذفوا ياء قراسيةٍ وياء عفاريةٍ.
وقول الخليل أحسن، كما أنَّ عفيريةً أحسن.
وإذا حقَّرت لغَّيزى قلت: لغيغيزٌ تحذف الألف ولاتحذف الياء الرابعة لأنَّك لو حذفتها احتجت أيضاً إلى أن تحذف الألف، فلمَّا اجتمعت زائدتان لو حذفتها احتجت أيضاً إلى أن تحذف الألف، فلمَّا اجتمعت زائدتان إن حذفت إحداهما ثبتت ألأخرى، لأنَّ مايبقى لو كسّرته كان على مثال مفاعيل، وكانت الأخرى إن حذفتها احتجت إلى حذف الأخرى حين حذفت التي إذا حذفتها استغنيت. وكذلك فعلت في أقعنساس، حذفت النون وتركت ألألف، لأنَّك لو حذفت الألف احتجت إلى حذف النون.
فإذا وصلوا إلى أن يكون التحقير صحيحاً بحذف زائدةٍ، لم يجاوزوا حذفها إلى مالو حذفوه لم يستغنوا به كراهية أن يخلّوا بالاسم إذا وصلوا إلى أن لايحذفوا إلاّ واحداً. وكذلك لو كسّرته للجمع لقلت: لغاغيز.
واعلم أن ياء لغَّيزى ليست ياء التحقير، لأنَّ ياء التحقير لاتكون رابعة، إنّما هي بمنزلة ألف خضَّارى، وتحقير خضَّارى كتحقير لغيَّزى.
وإذا حقَّرت عبدَّى قلت: عبيدٌ تحذف ألألف ولاتحذف الدال (الثانية) لأنَّها ليست من حروف الزيادة، وإنَّما ألحقت الثلاثة ببناء ألأربعة، وإنَّما هي بمنزلة جيم عفنججٍ الزائدة. فهذه الدال بمنزلة ما هو من نفس الحرف، فلا يلزم الحذف إلا الألف، كما لم يلزم في قرقرى الحذف إلاَّ الألف.
وإذا حقَّرت بروكاء أو حلولاء قلت: بريكاء وجليلاء، لأنّك لاتحذف هذه الزوائد، لأنَّها بمنزلة الهاء، وهي زائدة من نفس الحرف، كألف التأنيث، فلمَّا لم يجدوا سبيلاً إلى حذفها لأنَّها كالهاء في أن لاتحذف خامسة وكانت من نفس الحرف، صارت بمنزلة كاف مباركٍ وراء عذافرٍ، وصارت الواو كالألف التي تكون في موضع الواو، والياء التي تكون في موضع الواو، إذا كنَّ سواكن، بمنزلة ألف عذافر ومباركٍ، لأنَّ الهمزة تثبت مع الاسم، وليست كهاء التأنيث.
وإذا حقّرت معيوراء ومعلوجاء قلت: معيليجاء ومعييّراء، لاتحذف الواو لأنها ليست كألف مبارك، وهي رابعةٌ. ولو كان كان آخر الاسم ألف التأنيث كانت هي ثابتة لايلزمها الحذف، كما لم يلزم ذلك ياء لغيَّزى وألف خضَّارى التي بعد الضاد، فلمَّا كانت كذلك صارت كقاف قرقرى وفاء خنفساء، لأنَّهما لاتحذف أشباههما من بنات ألأربعة إذا كان في شيء منهنَّ شيئاً ألف التأنيث خامسة لأنهن من أنفس الحروف ولا تحذف منهن فلمَّا كان آخر شيءٍ من بنات الأربعة ألفات التأنيث كان لايحذف منها شيء إذا كانت الألف خامسة، إلاَّ الألف، وصارت الواو بمنزلة ماهو من نفس الحرف في بنات ألأربعة.
ولو جاء في الكلام فعولاء ممدودة لم تحذف الواو، لأنّها تلحق الثلاثة بالأربعة، فهي بمنزلة شيء من نفس الحرف، وذلك حين تظهر الواو فيمن قال: أسيود، فهذه الواو بمنزلة واو أسيود.

ولو كان في الكلام أفعلاء العين منها واوٌ لم تحذفها، فإنَّما هذه الواو كنون عرضنةٍ. ألا ترى أنَّك كنت لاتحذفها لو كان آخر الاسم ألف التأنيث، ولم يكن ليلزمها حذفٌ كما لم يلزم ذلك نون عرضنى لو مددت. ومن قال في أسود: أسيدٌ وفي جدولٍ: جديّلٌ قال في فعولاء إن جاءت فعيلاء يخفّف لأنَّها صارت بمنزلة السواكن، لأنَّها تغيّرها وهي في مواضعها، فلمَّا ساوتها وخرجت إلى بابها صارت مثلهن في الحذف. وهذا قول يونس.
وإذا حقّرت ظريفين غير اسم رجلٍ أو ظريفات أو دجاجات قلت: ظريِّفون وظريِّفاتٌ ودجيِّجاتٌ، من قبل أنَّ الياء والواو والنون لم يكسّر الواحد عليهن كما كسِّر على ألفي جلولاء، ولكنّك إنّما تلحق هذه الزوائد بعد ما تكسّر الاسم في التحقير للجمع، وتخرجهن إذا لم ترد الجمع، كما أنّك إذا قلت: ظريفون فإنّما ألحقته اسماً بعد مافرغ من بنائه. وتخرجهما إذا لم ترد معنى الجمع، كما تفعل ذلك بياءي الإضافة، وكذلك هما، فلمّا كان ذلك شبّهوه بهاء التأنيث. وكذلك التثنية تقول ظريِّفان.
وسألت يونس عن تحقير ثلاثين فقال: ثلثيون ولم يثقل، شبَّهها بواو جلولاء، لأنَّ ثلاثاً لاتستعمل مفردة على حدّ مايفرد ظريفٌ، وإنما ثلاثون بمنزلة عشرين لايفرد ثلاث من ثلاثين كما العشر من عشرين. ولو كانت إنَّما تلحق هذه الزيادة الثلاث التي تستعملها مفردة لكنت إنَّما تعني تسعة، فلمّا كانت هذه الزيادة لاتفارق شبّهت بألفى جلولاء.
ولو سميَّت رجلاً جدارين ثم حقّرته لقلت: جديران ولم تثقِّل، لأنك لست تريد معنى التثنية، وإنَّما هو اسم واحد، كما أنَّك لم ترد بثلاثين أن تضعف الثلاث.
وكذلك لو سمّيته بدجاجاتٍ أو ظريفين أو ظريفاتٍ خفَّفت. فإن سمَّيت رجلاً بدجاجةٍ أو دجاجتين ثقّلت في التحقير، لأنَّه حينئذ بمنزلة دراب جرد، والهاء بمنزلة جرد والاسم بمنزلة دراب، وإنَّما تحقير ماكان من شيئين كتحقير المضاف، فدجاجةٌ كدراب جرد، ودجاجتين كدراب جردين.
باب تحقير ماثبتت زيادتهمن بنات الثلاثة في التحقير ذلك نحو: تجفافٍ، وإصليتٍ، ويربوعٍ، فتقول: تجفيفيٌ وأصيليتٌ ويريبيعٌ، لأنَّك لو كسّرتها للجمع ثبتت هذه الزوائد.
ومثل ذلك عفريتٌ وملكوتٌ، تقول: عفيريتٌ، لأنَّك تقول: عفاريتُ، ومليكيتٌ لأنَّك تقول: ملاكيتُ، وكذلك رعشنٌ لأنَّك تقول: رعاشن، ومثل ذلك سنبتةٌ لأنك تقول: سنابت. يدلُّك على زيادتها أنَّك تقول: سنبةٌ كما تقول: عفرٌ، فيدلُّك على عفريت أنَّ تاءه زائدة.
وكذلك قرنوةٌ تقول: قرينيةٌ، لأنَّك لو سّرت قرنوةٍ لقلت: قرانٍ، كما تقول في ترقوةٍ: تراقٍ.
وإذا حقَّرت بردرايا أو حولايا قلت: بريدرٌ وبريديرٌ وحويلىٌّ، لأنَّ هذه ياء ليست حرف تأنيث، وإنَّما هي كياء درحايةٍ، فكأنك إذا حذفت ألفاً إنَّما تحقّر قوباءً وغوغاءً فيمن صرف.
باب مايحذف في التحقيرمن زوائد بنات الأربعة لأنها لم تكن لتثبت لو كسّرتها للجمع
وذلك قولك في قمحدوةٍ: قميحدةٌ، كما قلت: قماحد، وسلحفاةٍ سليحفةٌ كما قلت: سلاحف، وفي منجنيقٍ: منجنيقٌ، لأنَّك تقول: مجانيق، وفي عنكبوتٍ: عنيكبٌ، وعنيكيبٌ، لأنَّك تقول: عناكب، وعناكيب، وفي تخربوتٍ: تخيربٌ وتخيريبٌ إن شئت عوضاً. وإن شئت فعلت ذلك بقمحدوةٍ وسلحفاةٍ ونحوهما.
ويدلّك على زيادة التاء والنون كسر الأسماء للجمع وحذفها، وذلك (أنهم لايكسّرون من بنات الخمسة للجمع حتى يحذفوا) لأنَهم لو أرادوا ذلك لم يكن من مثال مفاعل ومفاعيل، فكرهوا أن يحذفوا حرفاً من نفس الحرف ومن ثم لايكسرون بنات الخمسة إلاّ أن تستكرههم فيخلّطوا، لأنَّه ليس من كلامهم، فهذا دليلٌ على الزوائد.
وتقول في عيطموسٍ: عطيميسٌ، كما قالوا: عطاميس ليس إلاّ، لأنها تبقى واوٌ رابعة، إلاَّ أن يضطرّ شاعر، كما قال غيلان:
قد قرّبت ساداتها الرَّوائسا ... والبكرات الفسَّج العطامسا
وكذلك عيضموزٌ عضيميزٌ، لأنَّك لو كسَّرته للجمع لقلت: عضاميز.
وتقول في جحنفلٍ:جحيفل ،وإن شئت جحيفيلٌ كما كنت قائلاً ذلك لو كسَّرته، وإنَّما هذه النون زائدة كواو فدوكس، وهي زائدة في جحفلٍ، لأنَّ المعنى العظم والكثرة.
وكذلك عجنَّسٌ وعدبَّسٌ. وإنَّما ضاعفوا الباء كما ضاعفوا ميم محَّمدٍ. وكذلك قرشبٌّ، وإنَّما ضاعفوا الباء كما ضاعفوا دال معدٍ.

وأمّا كنهورٌ فلا تحذف واوه، لأنَّها رابعة فيما عدَّته خمسة وهي تثبت لو أنَّه كسّر للجمع. وإذا حقّرت عنتريسٌ قلت: عتيريسٌ. وزعم الخليل: أنّ النون زائدة، لأنّ العنتريس الشديد، والعترسة: الأخذ بالشدّة، فاستدلّ بالمعنى.
وإذا حقّرت خنشليلٌ قلت: خنيشيلٌ، تحذف إحدى اللامين لأنَّها زائدة. يدلَّك على ذلك التضعيف.
وأما النون فمن نفس الحرف حتَّى يتبيّن لك، لأنَّها من النونات التي تكون عندك من نفس الحرف، إلاَّ أن يجيء شاهدٌ من لفظة فيه معنّى يدلّك على زيادتها. فلو كانت النون زائدة لكان من الثلاثة، ولكان بمنزلة كوأللٍ.
وكذلك منجنونٌ تقول: منيجينٌ، وهو من الفعل فعيليلٌ.
وإذا حقَّرت الطُّمأنينة أو قشعريرةً قلت: طميئينةٌ وقشيعيرةٌ، تحذف إحدى النونين لأنّها زائدة، فإذا حذفتّها صار على مثال فعيعيلٍ، وصار ممَّا يكون على مثال فعاعيل لو كسِّر.
وإذا حقَّرت قندأوٌ حذفت الواو لأنَّها زائدة كزيادة ألف حبركى، وإن شئت حذفت النون من قندأوْ لأنها زائدة كما فعلت ذلك بكوأللٍ.
وإن حقَّرت بردرايا قلت: بريدرٌ تحذف الزوائد حتَّى يصير على مثال فعيعلٍ. فإن قلت: بريديرٌ عوضاً جاز.
وإن حقَّرت إبراهيم وإسماعيل قلت: بريهم وسميعيل، تحذف الألف، فإذ حذفتها صار مابقي يجيء على مثال فعيعيلٍ.
وإذا حقَّرت مجرفسٌ ومكردسٌ قلت: جريفسٌ وكريدسٌ، وإن شئت عوضت فقلت: جريفيسٌ وكريديسٌ، حذفت الميم لأنَّها زيدت على الأربعة، ولو لم تحذفها لم يكن التحقير على مثال فعيعيلٍ ولا فعيعلٍ، وكانت أولى بالحذف لأنَّها زائدة.
وإذا حقَّرت مقشعرًّا أو مطمئناً حذفت الميم وإحدى النونين حتَّى يصير على مثال ماذكرنا، ولا بَّد لك من أن تحذف الزائدتين جميعاً، لأنّك لو حذفت إحداهما لم يجيء مابقي على مثال فعيعلٍ ولا فعيعيلٍ وإذا حقرت منكروس حذفت الزائدتين لهذه القصة وذلك قولك في مقشعر قشيعر وفي مطمثن طميئن وفي كريدس وإن شئت عوضت فألحقت الياءات حتى يصير على مثال .
وإن حقَّرت خورنق فهو بمنزلة فدوكسٍ، لأنَّ هذه الواو زائدة كواو فدوكسٍ، ولا بدَّ لها من الحذف حتَّى يكون على مثال: فعيعلٍ أو فعيعيلٍ، ولذلك أيضاً حذفت واو فدوكسٍ.
باب تحقير ما أوّله ألف الوصل
وفيه زيادة من بنات الأربعةوذلك احر نجامٌ، تقول: حريجيمٌ فتحذف أللف، لأنَّ مابعدها لا بدّ من تحريكه، وتحذف النون حتّى يصير مابقي مثل فعيعيلٍ، وذلك قولك: حريجيمٌ.
ومثله الاطمئنان تحذف الألف لما ذكرت لك وإحدى النونين حتى يكون مابقي على مثال فعيعيلٍ.
ومثل ذلك الاسلنقاء، تحذف الألف والنون لما ذكرت لك حتَّى يصير على مثال فعيعيلٍ.
باب تحقير بنات الخمسةزعم الخليل: أنَّه يقول في سفرجلٍ: سفيرجٌ حتَّى يصير على مثال فعيعلٍ، وإن شئت قلت: سفيريجٌ. وإنَّما تحذف آخر الاسم لأن التحقير يسلم حتى ينتهى إليه ويكون على مثال مايحقَّرون من الأربعة.
ومثل ذلك جردحلٌ تقول: جريدحٌ، وشمردلٌ تقول: شميردٌ، وقبعثرى: قبيعثٌ، وجحمرشٌ: جحيمرٌ. وكذلك تقول في فرزدقٍ فريزدٌٌ. وقد قال بعضهم: فريزقٌ لأنّ الدال تشبه التاء، والتاء من حروف الزيادة والدال من موضعها، فلمّا كانت أقرب الحروف من الآخر كان حذف الدال أحبَّ إليه، إذ أشبهت حرف الزيادة، وصارت عنده بمنزلة الزيادة.
وكذلك خدرنقٌ خديرقٌ فيمن قال: فريزقٌ، ومن قال: فريزدٌ قال: خديرنٌ.
ولايجوز في جحمرشٍ حذف الميم وإن كانت تزاد، لأنَّه لايستنكر أن يكون بعد الميم حرف ينتهى إليه في التحقير كما كان ذلك في جعيفرٍ،وإنما يستنكر أن يجاوز إلى الخامس، فهو لايزال في سهولة حتى يبلغ الخامس ثم يرتدع، فإنَّما حذف الذي ارتدع عنده حيث أشبه حروف الزوائد، لأنَّه منتهى التحقير، وهو الذي يمنع المجاوزة، فهذا قولان، والأَّول أقيس، لأنَّ مايشبه الزوائد ههنا بمنزلة ما لايشبه الزوائد.
واعلم أنَّ كلَّ زائدة لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير، فإذا صار الاسم خمسةً ليست فيه زيادة أجريته مجرى ماذكرنا من تحقير بنات الخمسة، وذلك قولك في عضر فوطٍ: عضيرفٌ، كأنَّك حقّرت عضرفٌ، وفي قذعميلٍ: قذيعمٌ وقذيعلٌ فيمن قال: فريزيقٌ، كأنَّك حقَّرت قذعلٌ.وكذلك الخزعبيلة (تقول: خريعيبةٌ، ولايجوز خزيعيلةٌ، لأنَّ الباء ليست من حروف الزيادة).

باب تحقير بنات الحرفين
اعلم أنَّ كلّ اسمٍ كان على حرفين فحقّرته رددته إلى أصله حتَّى يصير على مثال فعيلٍ، فتحقير ماكان على حرفين كتحقيره لو لم يذهب منه شيء وكان على ثلاثة، فلو لم تردده لخرج عن مثال التحقير، وصار على أقلّ من مثال فعيلٍ.
باب ماذهبت منه الفاء نحو عدةٍ وزنةٍ، لأنَّهما من وعدت ووزنت، فإنَّما ذهبت الواو وهي فاء فعلت، فإذا حقّرت قلت: وزينةٌ ووعيدةٌ، وكذلك شيةٌ تقول: وشيةٌ لأنَّها من وشيت وإن شئت قلت: أعيدةٌ وأزينةٌ وأشيّةٌ، لأنَّ كلَّ واو تكون مضمومة يجوز لك همزها.
ومما ذهبت فاؤه وكان على حرفين كل وخذ، فإذا سمَّيت رجلاً بكل وخذ قلت: أكيلٌ وأخيذٌ، لأنَّهما من أكلت وأخذت فالألف فاء فعلت.
باب ماذهبت عينه فمن ذلك مذ، يدلّك على أن العين ذهبت منه قولهم: منذ، فإن حقَّرته قلت: منيذٌ.
ومن ذلك أيضاسل، لأنَّه من سألت، فإن حقَّرته قلت: سؤيلٌ، ومن لم يهمز قال: سويلٌ، لأن من يهمز يجعلها من الواو بمنزلة خاف يخاف.
أخبرني يونس: أنَّ الذي لايهمز يقول: سلته فأنا أسال وهو مسولٌ، إذا أراد المفعول.
ومثل ذلك أيضاسهٌ، تقول: ستيهةٌ، فالتاء هي العين، يذُّلك على ذلك قولهم في استٍ: ستيهةٌ، فرددت اللام وهي الهاء والتاي العين بمنزلة نون ابنٍ، يقولون: سهٌ، يريدون الاست، فحذفوا موضع العين، فإذا صغَّرت قلت: ستيهةٌ. ومن قال: استٌ فإنما حذف موضع اللام، وقال:
إنَّ عبيداً هي صئبان السَّه
باب ماذهبت لامه فمن ذلك دمٌ. تقول: دمىٌّ، يدلُّك دماءٌ على أنَّه من الياء أو من الواو.
ومن ذلك أيضاً يدٌ، تقول: يديّةٌ، يدلّك أيدٍ على أنَّه من بنات الياء أو الواو، ودماءٌ وأيدٍ دليلان على أنَّ ماذهب منهما لام.
ومن ذلك أيضاً شفةٌ تقول: شفيهةٌ، يدلّك على أنَّ اللام هاء شفاهٌ. وهي دليلٌ أيضاً على أنَّ ماذهب من شفةٍ اللام، وشافهت.
ومن ذلك حرٌ تقول: حريجٌ، يدلَّك أنَّ الذي ذهب لام، وأنَّ اللام حاءٌ قولهم: أحراجٌ.
ومن قال في سنةٍ: سانيت قال سنيّةٌ، ومن قال: ساتهت قال: سنيَّهةٌ.
ومن العرب من يقول في عضةٍ: عضيهةٌ، يجعلها من العضاه، ومنهم من يقول: عضيّةٌ، يجعلها من عضَّيت كما قالوا: سانيت. ومن ذلك قالوا عضواتٌ، كما قالوا: سنواتٌ.
ومن ذلك: فلُ تقول: فلينٌ. وقولهم: فلانٌ دليلٌ على أن ماذهب لام وأنَّها نون. وفلٌ وفلانٌ معناها واحد. قال (الراجز) أبو النجم:
في لجَّةٍ أمسك فلاناً عن فل.
ولو حقّرت رب مخفَّفة لقلت: ربيبٌ، لأنَّها من التضعيف، يدلّك على ذلك ربَّ الثقيلة.
وكذلك بخ الخفيفة، يدلّك على ذلك قول العجّاج:
في حسبٍ بخٍّ وعزٍّ أقعسا
فردّه إلى أصله حيث اضطرّ، كما ردّ ماكان من بنات الياء إلى اصله حين اضطرّ. قال:
وهي تنوش الحوض نوشاً من علا.
وأظنُّ قط كذلك، لأنَّها يعنى بها انقطاع الأمر أو الشيء، والقطُّ قطعٌ فكأنَّها من التضعيف.
ومن ذلك فمٌ تقول: فويهٌ، يدلّك على أنَّ الذي ذهب لام وأنَّها الهاء قولهم: أفواهٌ، وحذفت الميم ورددت الذي من الأصل، كما فعلت ذلك حين كسَّرته للجمع فقلت: افواهٌ.
ومثله مويهٌ، ردُّوا الهاء كما ردّوا حين قالوا: مياهٌ وأمواهٌ.
ومثل ذلك ذه ذييّة لو كانت امرأة، لأنَّ الهاء بدلٌ من الياء كما كانت الميم في فمٍ بدلاً من الواو. ولو كسّرت ذه للجمع لأذهبت هذه الهاء كما أذهبت ميم فمٍ حين كسَّرته للجمع.
وإذا خفَّفت أنَّ ثم حقَّرتها رددتها إلى التضعيف، كما رددت ربَّ. وتخفيفها قول ألأعشى.
قد علموا ... أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل
وكذلك إن خففَّت إنَّ، وتخفيفها في قولك: إن زيدٌ لمنطلقٌ، كما تخفّف لكنَّ.
وأمّا إن الجزاء وأن التي تنصب الفعل بمنزلة عن وأشباهها، وكذلك إن التي تلغى في قولك: ما إن يفعل، وإن التي في معنى ما، فتقول في تصغيرها: هذا عنىُّ وأنىُّ. وذلك أن هذه الحروف قد نقصت حرفاً وليس على نقصانها دليلٌ من أيّ الحروف هو، فتحمله على ألأكثر، والأكثر أن يكون النقصان ياءً. ألا ترى أن ابنٌ واسمٌ ويدٌ وماأشبه هذا إنَّما نقصانه الياء.
باب ماذهبت لامه وكان أوله ألفاً موصولة

فمن ذلك اسمٌ وابنٌ، تقول: سمىٌّ وبنىٌّ، حذفت ألف حين حركت الفاء فاستغنيت عنها، وإنما تحتاج إليها في حال السكون.
ويدلّك على أنَّه إنما ذهب من اسمٍ وابنٍ اللام وأنَّها الواو أو الياء قولهم: أسماءٌ وأبناءٌ.
ومن ذلك أيضاً استٌ تقول: ستيهةٌ، يدلّك على ذهاب اللام وأنَّها هاءٌ قولك: أستاهٌ.
باب تحقير ماكانت فيه تاء التأنيثاعلم أنَّهم يردُّون ماكانت فيه تاء التأنيث إلى ألأصل، كما يردّون ماكانت فيه الهاء، لأنَّهم ألحقوها الاسم للتأنيث، وليس ببدلٍ لازم كياء عيدٍ، وليست كنون رعشنٍ لازمةً،وإنَّما تجمع الاسم الذي هي فيه، كما تجمع مافيه الهاء. وإنَّما ألحقت بعد مابنى الاسم ثم بنى بها بناءً بنات الثلاثة بعد، فلمّا كانت كذلك لم تحتمل أن تثبت مع الحرفين حتَّى تصير معهما في التحقير على مثال فعيلٍ، كما لم يجز ذلك للهاء. فإذا جئت بما ذهب من الحرف حذفتها وجئت بالهاء، لأنَّها العلامة التي تلزم لو كان الحرف على أصله. وإنَّما تكون التاء في كلّ حرفٍ لو كان على أصله كانت علامته الهاء لشبهها بها؛ وذلك قولك في أختٍ: أخيّةٌ، وفي بنتٍ: بنيَّةٌ، وذيتٍ: ذييَّةٌ، وفي هنتٍ: هنيّةٌ. ومن العرب من يقول في هنتٍ هنيهةٌ، وفي هنٍ هنيةٌ، يجعلها بدلاً من الياء (كما جعلوا الهاء بدلاً من الياء في ذه).
ولو سمّيت امرأة بضربت ثم حقَّرت لقلت: ضريبةٌ، تحذف التاء وتجيء بالهاء مكانها؛ وذلك لأنَّك لمَّا حقَّتها جئت بالعلامة التي تكون في الكلام لهذا المثال، وكانت الهاء أولى بها من بين علامات التأنيث لشبهها بها، ألا ترى أنَّها في الوصل تاء، ولأنَّهم لايؤنثون بالتاء شيئاً إلاَّ شيئاً علامته في الأصل الهاء فألحقت في ضربت الهاء حيث حقَّرت، لأنَّه لاتكون علامة ذلك المثال التاء، كما لا تكون علامة مايجيء على اصله من الأسماء التاء. وهذا قول الخليل.
باب تحقير ماحذف منه ولايردّ
في التحقير ماحذف منه من قبل أنَّ مابقي إذا حقِّر يكون على مثال المحقَّر، ولايخرج من أمثلة التحقير.
وليس آخره شيئاً لحق الاسم بعد بنائه كالتاء التي ذكرنا والهاء.
فمن ذلك قولك في ميتٍ: مييتٌ، وإنَّما الأصل ميتٌ، غير أنَّك حذفت العين.
ومن ذلك قولهم في هارٍ: هويرٌ، وإنَّما الأصل هائرٌ، غير أنَّهم حذفوا الهمزة كما حذفوا ياء ميِّتٍ، وكلاهما بدلٌ من العين.
وزعم يونس: أن ناساً يقولون: هويئرٌ على مثال هويعرٍ، فهؤلاء لم يحقّروا هاراً إنَّما حقَّروا هائراً، كما قالوا: رويجلٌ كأنهم حقَّروا راجلاً، كما قالوا أبينون كأنَّهم حقّروا أبنى مثل أعمى.
ومثل ذلك مرٍويرى، قالوا: مرىٌّ ويرىٌّ، كما قلت: هويرٌ ومييتٌ ومن قال هويئرٌ فإنّه لاينبغي له أن يقيس عليه، كما لا يقيس على من قال أبينون وأنيسيانٌ، إلاَّ أن تسمع من العرب شيئاً فتؤدِّيه وتجيء بنظائره مما ليس على القياس.
وأمَّا يونس فحدثني أن ابا عمرٍ وكان يقول في مرٍ: مريءٍ مثل مريعٍ، وفي يرى: يرئيءٍ يهمز ويجر، لأنَّها بمنزلة ياء قاضٍ، فهو ينبغي له أن يقول: مييِّتٌ، وينبغي له أن يقول في ناس: أنيِّسٌ، لأنَّهم إنما حذفوا ألف أناس. (وليس من العرب أحد إلاّ يقول: نويسٌ).
ومثل ذلك رجل يسمى بيضع تقول: يضيع، وإذا حقّرت خيراً منك وشٌّرا منك، قلت: خييرٌ منك، وشريرٌ منك، لاتردّ الزيادة كما لا تردّ ماهو من نفس الحرف.
باب تحقير كل حرف كان فيه بدلٌ
(فإنّك) تحذف ذلك البدل وترد الذي هو من أصل الحرف، إذا حقرته، كما تفعل ذلك إذا كسَّرته للجمع.
فمن ذلك ميزانٌ وميقاتٌ وميعادٌ، تقول: مويزينٌ ومويعيدٌ ومويقيتٌ وإنّما أبدلوا الياء لاستثقالهم هذه الواو بعد الكسرة، فلمَّا ذهب مايستثقلون ردِّ الحرف إلى أصله.
وكذلك فعلوا حين كسَّروا للجمع، قالوا: موازين ومواعيد ومواقيت ومثل ذلك قيلٌ ونحوه، تقول: قويلٌ كما قلت: أقوالٌ. وإنَّما أبدلوا لما ذكرت لك.
فأمَّا عيدٌ فإن تحقيره عييدٌ، لأنَّهم ألزموا هذا البدل، قالوا: أعيادٌ ولم يقولوا: أعوادٌ كما قالوا: أقوالٌ، فصار بمنزلة همزة قائلٍ لأن همزة قائل بدلٌ من واو.

فإن قلت: فقد يقولون ديمٌ فإنَّما فعلوا ذلك كراهية الواو بعد الكسرة، كما قالوا في الثور ثيرةٌ، فلو كسَّروا ديمةً على أفعلٍ أو أفعالٍ لأظهروا الواو، وإنّما أعيادٌ شادٌّ.
وإذا حقّرت الطىّ قلت: طوىٌّ، وإنَّما أبدلت الياء مكان الواو كراهية الواو الساكنة بعدها ياء، ولو كسَّرت الطّىّ على أفعلٍ أو أفعالٍ أظهرت الواو.
ومثل ذلك ريَّان وطيَّان تقول: رويَّان وطويَّان، لأنَّ الواو قد تحركت وذهب ماكانوا يستثقلون، كما ذهب ذلك في ميزان، وهذا البدل لا يلزم كما لا تلزم ياء ميزان، ألا تراهم حيث كسَّروا قالوا: رواءٌ وطواءٌ.
وإذا حقَّرت قىٌّ قلت: قوىٌّ؛ لأنَّه من القواء، يستدلّ على ذلك بالمعنى وممَّا يحذف منه البدل ويردّ الذي من نفس الحرف موقنٌ وموسرٌ، وإنّما أبدلوا الياء كراهية الياء الساكنة بعد الضّمة، كما كرهوا الواو الساكنة بعد الكسرة، فإذا تحرَّكت ذهب ما استثقلوا، وذلك مييقنٌ ومييسرٌ. وليس البدل ههنا لازماً كما يم يكن ذلك في ميزانٍ، ألا ترى أنّك تقول: مياسير.
ومن ذلك أيضاً عطاءٌ وقضاءٌ ورشاءٌ، تقول: عطىٌّ وقضىٌّ ورشىٌ؛ لأنّ هذا البدل لايلزم، ألا ترى أنك تقول: أعطيةٌ وأرشيةٌ وأقضيةٌ.
وكذلك جميع الممدود لايكون البدل الذي في آخره لازماً أبداً.
وكذلك إذا حقَّرت الصِّلاء تقول: صلىٌّ؛ لأنَّك لو كسَّرته للجمع رددت الياء، وكذلك صلاءةٌ لو كسّرتها رددت الياء.
وأمّا ألاءةٌ وأشاءةٌ فأليئةٌ واشيئةٌ؛ لأن هذه الهمزة ليست مبدلة. ولو كانت كذلك الكان الحرف خليقاً أن تكون فيه الايةٌ كما كانت في عباءةٍ عبايةٌ، وصلاءةٍ صلايةٌ، وسحاءة سحايةٌ، فليس له شاهدٌ من الياء والواو، فإذا لم يكن كذلك فهو عندهم مهموز ولاتخرجها إلاَّ بأمرٍ واضح، وكذلك قول العرب ويونس.
ومن ذلك منسأةٌ تقول: منيسئةٌ؛ لأنّها من نسأت، ولأنهم لايثبتون هذه الألف التي هي بدل من الهمزة كما لا يلزمون الهمزة التي هي بدلٌ من الياء والواو. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرته للجمع قلت: مناسىء.
وكذلك البريَّة تهمزها. فأمّا النّبيِّ فإنَّ العرب قد اختلفت فيه، فمن قال النَّبآء قال: كان مسيلمة نبيِّىء سوءٍ، وتقديرها تبيِّعٌ، وقال العباس ابن مراداسٍ.
ياخاتم النبّآء إنك مرسلٌ ... بالحقّ كلُّ هدى السَّبيل هداكما
ذا القياس، لأنه مّما لايلزم. ومن قال: أنبياء قال: نبىُّ سوءٍ كما قال في عيدٍ حين قالوا أعيادٌ: عييدٌ، وذلك لأنهم ألزموا الياء؛ وأمّذا النُّبوَّة فلو حقّرتها لهمزت؛ وذلك قولك: كان مسيلمة نبوَّته نبيِّة سوءٍ؛ لأنّ تكسير النبَّوَّة على القياس عندنا؛ لأنّ هذا الباب لايلزمه البدل، وليس من العرب أحد إلاّ وهو يقول: تنبّأ مسيلمة؛ وإنما هو من أنبأت.
وأمّا الشَّاء فإنّ العرب تقول فيه: شوىٌّ، وفي شاةٍ: شويهةٌ، والقول فيه: أنَّ شاءً من بنات الياءات أو الواوات التي لاتكون لاماتٍ، وشاةً من بنات الواوات التي تكون عينات ولامها هاء، كما كانت سواسيةٌ ليس من لفظ سىٍّ، كما كانت شاءٌ من بنات الياءات التي هي لامات وشاةٌ من بنات الواوات التي هنّ عينات، والدليل على ذلك هذا شوىٌّ، وإنما ذا كامرأةٍ ونسوةٍ؛ والنِّسوة ليست من لفظ إمرأة؛ ومثله رجلٌ ونفرٌ.
ومن ذلك ايضاً قيراطٌ ودينارٌ. تقول: قريريطٌ ودنينيرٌ، لأنَّ الياء بدلٌ من الراء والنون فلم تلزم. إلا تراهم قالوا: دنانير وقراريط. وكذلك الدّيباج فيمنقال: دبابيج، والدّيماس فيمن قال: دماميس. وأمّا من قال دياميس وديابيج فهي عنده بمنزلة واو جلواخٍ وياءٍ جريالٍ، وليست ببدل. وجميع ماذكرناه قول يونس والخليل.
وسألت يونس عن بريةٍ فقال: هي من برأت، وتحقيرها بالهمز كما أنَّك لو كسّرت صلاءةً رددت الياء فقلت: اصليةٌ.
فهذه الياء لاتلزم في هذا الباب كما لا تلزم الهمزة في بنات الياء و الواو التي هنَّ لامات.
ولو سمَّيت رجلاً ذوائب قلت: ذؤيئبٌ؛ لأنَّ الواو بدلٌ من الهمزة التي في ذؤابةٍ.
باب تحقير ماكانت الألف بدلاً من عينه.

إن كانت بدلاً من واو ثم حقَّرته رددت الواو. وإن كانت بدلاً من ياء رددت الياء، كما أنَّك لو كسَّرته رددت الواو إن كانت عينه واواً، والياء إن كانت عينه ياء، وذلك قولك في بابٍ: بويبٌ كما تقول: ابوابٌ ونابٍ نييبٌ كما تقول: أنياب وأنيبٌ. فإن حقَّرت ناب الإبل فكذلك، لأنَّك تقول: أنيابٌ.
ولو حقَّرت رجلاً اسمه سار أو غاب لقلت: غييبٌ وسييرٌ، لأنَّهما من الياء، ولو حقَّرت السار وأنت تريد السّائر لقلت: سويرٌ، لأنها ألف فاعل الزائدة.
وسألت الخليل عن خاف والمال في التحقير فقال: خافٍ يصلح أن يكون فاعلا ذهبت عينه وأن يكون فعلاً، فعلى أيّهما حملته لم يكن إلاّ بالواو وإنَّما جاز فيه فعلٌ لأنه من فعلت أفعل، وأخاف دليلُ على أنها فعلت، كما قالوا: فزعت تفزع. وأما مالٌ فإنّه فعلٌ، لأنهم لم يقولوا: مائلٌ، ونظائره في الكلام كثيرة فاحمله على أسهل الوجهين.
وإن جاء اسم نحو الناب لاتدري أمن الياء هو أم من الواو فاحمله على الواو حتَّى يتبين لك أنها من الياء؛ لأنها مبدلةٌ من الواو أكثر، فاحمله على الأكثر حتَّى يتبين لك. ومن العرب من يقول في نابٍ: نويبٌ، فيجيء بالواو؛ لأنَّ هذه أللف مبدلة من الواو أكثر، وهو غلطٌ منهم.
وأخبرني من أثق به أنه يقول: مال الرجل، وقد ملت بعدنا فأنت تمال، ورجل مالٌ، إذا كثر ماله، وصوف الكبش إذا كثر صوفه، وكبشٌ أصوف. هذه الكثيرة. وكبشٌ صافٌ، ونعجةٌ صافةٌ.
باب تحقير الأسماء التي تثبت الأبدال البدالٌ فيها وتلزمها وذلك إذا كانت أبدالاً من الواوات والياءات التي هي عيناتٌ.
فمن ذلك قائلٌ وقائمٌ وبائعٌ، تقول: قويئمٌ وبويئعٌ. فليست هذه العينات بمنزلة التي هنّ لامات، لو كانت مثلهن لما أبدلوا، لأنهم لايبدلون من تلك (اللامات) إذا لم تكن منتهى الاسم وآخره. ألا تراهم يقولون: شقاوةٌ وغباوةٌ، فهذه الهمزة بمنزلة همزة ثائرٍ وشاءٍٍ من شاوت. ألا ترى أنك إذا كسّرت هذا الاسم للجمع ثبتت فيه الهمزة، تقول: قوائم وبوائع وقوائل. وكذلك تثبت في التصغير.
ومن ذلك ايضاً أدؤرٌ ونحوها، لأنك أبدلت منها كما أبدلت من واو قائمٍ، وليست منتهى الاسم، ولو كسَّرتها للجمع لثبتت، خلافاً لباب عطاءٍ وقضاءٍ وأشباههما إذ كانت تخرج ياءاتهن وواواتهن إذا لم يكنَّ منتهى الاسم. فلما كانت هذه تبدل وليست منتهى الاسم كانت الهمزة فيها أقوى.
وكذلك أوائل اسم رجل؛ لأنَّك أبدلت الهمزة منها كما ابدلتها في أدؤرٍ وهي عينٌ مثل واو أدؤرٍ؛ لأنَّ أوائل لو كانت على أفاعل (وكان مما يجمع) لكان في التكسير تلزمه الهمزة، فإنَّما هو بمنزلته لو كان أفاعلاً، وقويت فيه الهمزة إذا لم تكن منتهى الاسم.
وكذلك النَّؤور والسُّؤور واشباه ذلك، لأنَّها همزات لازمه لو كسَّرت للجمع الأسماء لقوّتهن حيث كنّ بدلا من معتّل ليس بمنتهى الاسم، فلمّا لم يكنَّ منتهى أجرين مجرى الهمزة التي من نفس الحرف.
وكذلك فعائل؛ لأن علّته كعلة قائلٍ، وهي همزة ليست بمنتهى الاسم، ولو كانت في فعائل ثم كسّرته للجمع لتثبت. وجميع ماذكرت لك قول الخليل ويونس.
ومن ذلك أيضاً تاء تخمةٍ، وتاء تراثٍ، وتاء تدعةٍ، يثبتن في التصغير كما يثبتن لو كسّرت الأسماء للجمع، ولأنَّهن بمنزلة الهمزة التي تبدل من الواو نحو ألف أرقةٍ، إنَّما هي بدلٌ من واو ورقةٍ، ونحو ألف أددٍ إنّما هي بدلٌ من واو وددٍ، وإنما أددٌ من الود، وإنَّما هو اسمٌ، يقال: معدُّ ابن عدنان بن أددٍ. والعرب تصرف أددًا ولايتكلمون به بالألف واللام، جعلوه بمنزلة ثقبٍ ولم يجعلوه مثل عمر.
والعرب تقول: تميم بن ودٍ وأدٍ، يقالان جميعاً، فكذلك هذه التاءات، إنّما هي بدلٌ من واو وخامة وورثت وودعت، فإنما هذه التاءات كهذه الهمزات.
وهذه الهمزات لايتغيّرون في التحقير كما لا يتغير همزة قائلٍ؛ لأنَّها قويت حيث كانت في أوّذذل الكلمة ولم تكن منتهى الاسم، فصارت بمنزلة الهمزة من نفس الحرف نحو همزة أجلٍ وأبدٍ، فهذه الهمزة تجري مجرى أدؤرٍ.

ومن ذلك ايضاً: متلجٌ ومتهمٌ ومتخمٌ، تقول في تحقير متَّلجٍ: متيلجٌ ومتيهمٌ ومتيخمٌ، تحذف التاء التي دخلت لمفتعلٍ وتدع التي هي بدلٌ من الواو، لأن هذه التاء أبدلت هاهنا، كما ابدلت حيث كانت أوّل الاسم، وابدلت هاهنا من الواو كما أبدلت في أرقةٍ وأوؤرٍ الهمزة من الواو، وليست بمنزلة واو موقنٍ ولاياء ميزانٍ، لأنهما إنَّما تبعتا ماقبلهما. ألا ترى أنَّهما يذهبان إذا لم تكن قبل الياء كسرة ولاقبل الواو ضمة، تقول: أيقن وأوعد.
وهذه لم تحدث لأنَّها تبعت ماقبلها، ولكنها بمنزلة الهمزة في أدؤرٍ وفي أرقةٍ. ألا ترى أنها تثبت في التصرّف، تقول: اتَّهم ويتَّهم، ويتَّخم، ويتَّلج واتَّلجت واتّلج واتَّخم: فهذه التاء قوية. ألا تراها دخلت في التقّوى والتقَّية فلزمت فقالوا: اتَّقى منه، وقالوا: التُّقاة، فجرت مجرى ما هو من نفس الحرف.
وقالوا في التُّكأة: أتكأته، وهما يتكئان، جاءوا بالفعل على التُّكاة. أخبرني من أثق به أنَّهم يقولون: ضربته حتى أتكأته أي (حتَّى) اضجعته على جنبه الأيسر.
فأمَّا ياء قيلٍ وياء ميزانٍ فلا يقويان لأنَّ البدل فيهما لما قبلهما.
ومثل ذلك متعدٌ ومتَّزنٌ، لاتحذف التاء كما لاتحذف همزة أدؤرٍ. وإنَّما جاءوا بها كراهية الواو والضمّة التي قبلها، كما كرهوا واو أدورٍ والضمة. وإن شئت قلت: موتعدٌ وموتزنٌ، كما تقول: أدورٌ ولاتهمز.
هذا باب تحقير ماكان فيه قلباعلم أنَّ كلّ ما كان فيه قلبٌ لايردّ إلى الأصل؛ وذلك لأنَّه اسم بنى على ذلك كما بنى ماذكرناه على التاء، وكما ينى قائلٌ على أن يبدل من الواو الهمزة، وليس شيئاً تبع ماقبله كواو موقنٍ وياء قيلٍ، ولكن الاسم يثبت على القلب في التحقير، كما تثبت الهمزة في أدؤرٍ إذا حقّرت، وفي قائل. وإنَّما قلبوا كراهية الواو والياء، كما همزوا كراهية الواو والياء. فمن ذلك قول العجّاج:
لاثٍ به الأشاء والعبرىُّ
إنما أراد لائثٌ، ولكنه أخرّالواو وقدم الثاء. وقال طريف بن تميم العنبريٌّ:
فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
إنَّما يريد الشائك فقلب. ومثل ذلك أينق إنَّما هو أنوق في الأصل، فأبدلوا الياء مكان الواو وقلبوا، فإذا حقّرت قلت: لويثٍ وشويكٍ وأيينق. وكذلك لو كسّرت للجمع لقلت: لواثٍ وشواكٍ كما قالوا: أيانق.
وكذلك مطمئنٌّ، إنّما هي من طأمنت فقلبوا الهمزة.
ومثل ذلك القيسيُّ، إنّما هي في الأصل القووس، فقلبوا كما قلبوا أينق.
ومثل ذلك قولهم: أكره مسائيك، إنَّما جمعت المساءة ثم قلبت. وكذلك زعم الخليل. ومثله قول الشاعر، وهو كعب بن مالك:
لقد لقيت قريظة ماسآها ... وحلَّ بدارهم ذلٌّ ذليل
ومثل ذلك قد راءه يريد قد رآه. قال الشاعر، وهو كثير عزَّة:
وكلُّ خليل راءني فهو قائل ... من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد
وإنما اراد ساءها ورآني ولكنَّه قلب. وإن شئت قلت: راءني، إنما أبدلت همزتها الفا وأبدلت الياء بعد، كما قال بعض العرب: راءة في رايةٍ، حدثنا بذلك أبو الخطّاب.
ومثل الألف التي أبدلت من الهمزة قول الشاعر، وهو حسّان بن ثابت:
سألت هذيل رسول الله فاحشةّ ... ضلّت هذيل بما جاءت ولم تصب
باب تحقير كلّ اسم كانت عينه واواً
وكانت العين ثانية أو ثالثة أمّا ما كانت العين فيه ثانية فواوه لا تتغيّر في التحقير، لأنَّها متحرّكة فلا تبدل ياءً لكينونة ياء التصغير بعدها . وذلك قولك في لوزة: لويزة، وفي جوزة: جويزة، وفي قولةٍ: قويلة.
وأمّا ما كانت العين فيه ثالثة مما عينه واو فإنَّ واوه تبدل ياءً في التحقير، وهو الوجه الجيّد؛ لأنَّ الياء الساكنة تبدل الواو التي تكون بعدها ياءً.
فمن ذلك ميّت وشيّد، وقيام وثيُّوم، وإنَّما الأصل ميوت وسيود وقيوام وقيووم.
وذلك قولك في أسود: أسيّد، وفي أعور أعير، وفي مرودٍ: مرّيد، وفي أحوى: أحيُّ، وفي مهوىً: مهىٌّ، وفي أرويَّة: أريّة، وفي مرويّة مرية.
واعلم أنَّ من العرب من يظهر الواو في جميع ما ذكرنا، وهو أبعد الوجهين، يدعها على حالها قبل أن تحقَّر.

واعلم أنَّ من قال: أسيود فإنّه لا يقول في مقامٍ ومقالٍ: مقيوم ومقيول، لأنَّها لو ظهرت كان الوجه أن لا تترك، فإذا لم تظهر لم تظهر في التحقير وكان أبعد لها، إذ كان الوجه في التحقير إذا كانت ظاهرة أن تغيَّر، لو جاز ذلك لجاز في سيِّد سييود وأشباهه.
واعلم أنَّ أشياء تكون الواو فيها ثالثة وتكون زيادةً، فيجوز فيها ماجاز في أسود. وذلك نحو جدولٍ وقسورٍ، تقول: جديولٌ وقسيورٌ كما قلت: أسيود وأريويةٌ؛ وذلك لأنَّ هذه الواو حيّةٌ، وإنّما ألحقت الثلاثة بالأربعة. ألا ترى أنَّك إذا كسَّرت هذا النحو للجمع ثبتت الواو كما تثبت في أسود حين قالوا: أساود، وفي مرودٍ حين قالوا: مراود. وكذلك جداول وقساور. وقال الفرزدق:
إلى هادراتٍ صعاب الرُّؤس ... قساور للقسور الأصيد
واعلم أنَّ الواو إذا كانت لاماً لم يجز فيها الثبات في التحقير على قول من قال: أسيود، وذلك قولك في غزوةٍ: غزيةٌ، وفي رضوى: رضيَّا، وفي عشواء عشيَّاء. فهذه الواو لاتثبت كما لا تثبت في فعيل، ولو جاز هذا لجاز في غزوٍ غزيوٌ، وهاء التأنيث ههنا بمنزلتها لو لم تكن، فهذه الواو التي هي آخر الاسم ضعيفة. وسترى ذلك، ونبيِّن لك إن شاء الله تعالى ذكره في بابه.
والوو التي هي عين أقوى، فلمَّا كان الوجه في الأقوى أن تبدل ياءً لم تحتمل هذه أن تثبت، كما لم يحتمل مقالٌ مقيولٌ.
وأمّا واو عجوزٍ وجزورٍ فإنَّها لاتثبت أبداً، وإنما هي مدّة تبعت الضمّة، ولم تجيء لتلحق بناءً ببناء. ألا ترى أنَّها لاتثبت في الجمع إذا قلت عجائز، فإذا كان الوجه فيما يثبت في الجمع أن يبدل. فهذه الميّتة التي لاتثبت في الجمع لايجوز فيها أن تثبت.
وأمَّا معاوية فإنه يجوز فيها ماجاز في أسود؛ لأن الواو من نفس الحرف، وأصلها التحريك، وهي تثبت في الجمع، ألا ترى أنَّك تقول: معاوٍ. وعجوزٌ ليست كذلك، وليست كجدول ولاقسور. ألا ترى أنَّك لو جئت بالفعل عليها لقلت: جدولت وقسورت. وهذا لايكون في مثل عجوزٍ.
؟ هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات وواوات اعلم أنَّ كل شيء منها كان على ثلاثة أحرف فإنّ تحقيره يكون على مثال فعيلٍ، ويجري على وجوه العربية، لأنَّ كلّ ياء أو واوٍ كانت لاما وكان قبلها حرف ساكن جرى مجرى غير المعتلّ، وتكون ياء التصغير مدغمة لأنَّهما حرفان من موضع والأوّل منهما ساكن. وذلك قولك في قفاً: قفىٌّ، وفي فتىً فتىٌّ، وفي جروٍ: جرىٌّ، وفي ظبيٍ: ظبيٌّ.
واعلم أنَّه إذا كان بعد ياء التصغير ياءان حذفت التي هي آخر الحروف، ويصير الحرف على مثال فعيلٍ، ويجري على وجوه العربية. وذلك قولك في عطاءٍ: عطىٌّ، وقضاءٍ: قضىٌّ، وسقايةٍ سقيّةٌ، وإداوةٍ أديّةٌ، وفي شاويةٍ شويّة، وفي غاوٍ: غوىٌّ. إلاَّ أن تقول: شويويةٌ وغويوٍ، في من قال: أسيود؛ وذلك لأنّ هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلّت، واستثقلت إذا كانت بعد كسرة في غير المعتلّ، فلمَّا كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالاً فحذفوها. وكذلك أحوى إلاَّ في قول من قال: أسيود. ولاتصرفه لأنَّ الزيادة ثابتة في أوّله، ولايلتفت إلى ماقلَّته كما لا يلتفت إلى قلّة يضع.
وأمّا عيسى فكان يقول: أحىٌّ ويصرف وهو خطأ. لو جاز ذا لصرفت أصمَّ لأنَّه أخّف من أحمر، وصرفت أرأس إذا سمّيت به ولم تهمز فقلت: أرس.
وأمّا ابو عمرٍ فكان يقول: أحّىٍ. ولو جاز لقلت في عطاءٍ: عطىّ لأنَّها ياء كهذه الياء، وهي بعد ياء مكسورة، ولقلت في سقايةٍ: سقيِّية وشاو: شوٍى.
وأمّا يونس فقوله: هذا أحىُّ كما ترى، وهو القياس والصواب.
واعلم أن كلّ واو وياء أبدل الألف مكانها ولم يكن الحرف الذي الألف بعده واوا ولاياءً، فإنها ترجع ياءً وتحذف ألألف، لأنَّ مابعد ياء التصغير مكسوراً أبداً؛ فإذا كسروا الذي بعده الألف لم يكن للألف ثبات مع الكسرة. وليست بألف تأنيث فتثبت ولاتكسر الذي قبلها. وذلك قولك في أعمى: أعيمٍ، وفي ملهًى: مليهٍ كما ترى، وفي أعشى: أعيشٍ كما ترى وفي مثنىًّ: مثنينٍ كما ترى، إلاََّّ أن تقول: مثينيٌّ في قول من قال محيميدٌ.

وإذا كانت الواو والياء خامسة وكان قبلها حرف لين فإنَّها بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تليها فيما كان على مثال فعيلٍ لأنَّها تصير بعد الياء الساكنة، وذلك في قولك في مغزٍو: مغيزىٌّ، وفي مرمىٍ: مريميٌّ، وفي سقاءٍ: سقيقيٌّ.
وإذا حقّرت مطايا اسم رجل قلت: مطىٌّ، والمحذوف الألف التي بعد الطاء، كما فعلت ذلك بقبائل، كأنَّك حقَّرت مطياً. ومن حذف الهمزة في قبائل فإنّه ينبغي له أن يحذف الياء التي بين الألفين، فيصير كأنه حقر مطاءً. وفي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ؛ لأنَّك لو حقّرت مطاءً لكان على مثال فعيلٍ، ولو جقَّرت مطياً لكان كذلك.
وكذلك خطايا اسم رجل، إلاّ أنّك تهمز آخر الاسم، لأنَّه بدلٌ من همزته، فقول: خطيءٍ فتحذفه وتردُّ الهمزة، كما فعلت ذلك بألف منساةٍ.
ولاسبيل إلى أن تقول: مطيءٍ، لأن ياء فعيلٍ لاتهمز بعد ياء التصغير، وإنّما تهمز بعد الألف إذا كسّرته للجمع، فإذا لم تهمز بعد تلك الألف فهي بعد ياء التصغير أجدر أن لاتهمز، وإنما انتهت ياء التحقير إليها وهي بمنزلتها قبل أن تكون بعد الألف. ومع ذا إنَّك لو قلت فعائلٌ من المطىّ لقلت مطاءٍ، ولو كسّرته للجمع لقلت: مطايا، فهذا بدلٌ أيضاً لازم.
وتحقير فعائلٍ كفعائل من بنات الياء والواو ومن غيرهما سواءٌ. وهو قول يونس، لأنَّهم كأنهم مدُّوا فعالٌ أو فعولٌ أو فعيلٌ بالألف، كما مدّوا عذافرٌ. والدليل على ذلك أنّك لاتجد فعائل إلاّ مهموزاً، فهمزة فعائلٍ بمنزلتها في فعائل، وياء مطايا بمنزلتها لو كانت في فعائلٍ، وليست همزةً من نفس الحرف فيفعل بها مايفعل بما هو من نفس الحرف، إنَّما هي همزةٌ تبدل من واو أو ياء أو ألفٍ، من شيء لايهمز أبداً إلاَّ بعد ألف، كما يفعل ذلك بواو قائلٍ، فلمَّا صارت بعدها فلم تهمز صارت في أنَّها لاتهمز بمنزلتها قبل أن تكون بعدها، ولم تكن الهمزة بدلاً من شيءٍ من نفس الحرف، ولا من نفس الحرف، فلم تهمز في التحقير، هذا مع لزوم البدل يقوّى وهو قول يونس والخليل.
وإذا حقّرت رجلاً اسمه شهاوى قلت: شهيٌّ، كأنك حقرت شهوى كما أنك حين حقرت صحارى قلت: صحيرٍ، ومن قال: صحيرٌ قال شهيٌّ أيضاً كأنه حقَّر شهاوٌ، ففي كلا القولين يكون على مثال فعيلٍ.
وإذا حقرت عدوىٌّ اسم رجل أو صفة قلت: عدييٌّ (أربع ياءات) لابدَّ من ذا. ومن قال: عدوىٌّ فقد أطأ وترك المعنى، لأنه لا يريد أن يضيف إلى عدىٍّ محقّراً، إنّما يريد أن يحقّر المضاف إليه، فلا بدّ من ذا. ولايجوز عديويٌّ في قول من قال: أسيود، لأنَّ ياء الإضافة بمنزلة الهاء في غزوةٍ، فصارت الواو في عدويٍّ آخرة كما أنَّها في غزوةٍ آخرة، فلمَّا لم يجز غزيوةٌ كذلك لم يجز عديويٌّ.
وإذا حقَّرت أمويٌّ قلت: أميِّيٌّ كما قلت في عدوىٍ، لأنَّ أمويّ ليس بناؤه بناء المحقَّر، إنَّما بناؤه بناء فعلىٍّ، فإذا أردت أن تحقِّر الأمويّ لم يكن من ياء التصغير بدٌّ، كما أنَّك لو حقَّرت الثقفيَّ لقلت: الثقيفيُّ، فإنما أمويٌّ بمنزلة ثقفيٍّ، أخرج من بناء التحقير كما أخرج ثقيفٌ إلى فعلىٍّ.
ولو قلت ذا لقلت إذا حقرت رجلاً يضاف إلى سليمٍ سلمىٌّ فيكون التحقير بلا ياء التحقير.
وإذا حقّرت ملهوىٌّ قلت: مليهىٌّ تصير الواو ياءً لكسره الهاء. وكذلك إذا حقَّرت حبلوىٌّ؛ لأنك كسرت اللام فصارت ياءً ولم تصر وواً فكأنَّك أضفت إلى حبيلى، لأنك حقّرت. وهي بمنزلة واو ملهوىٍّ وتغيّرت عن حال علامة التأنيث كما تغيَّر عن حال علامة التأنيث حين قلت حبالى، فصارت بمنزلة ياء صحارى؛ فإذا قلت حبلوىٌّ فهو بمنزلة ألف معزى فإذا تغير إلى ياء كما تغيرت واو ملهوي، لأنّك لم ترد أن تحقِّر حبلى ثم تضيف إليه.
؟ هذا باب تحقير كلّ اسم كان من شيئين ضمَّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد زعم الخليل أنّ التحقير إنما يكون في الصَّدر؛ لأن الصّدر عندهم بمنزلة المضاف والآخر بمنزلة المضاف إليه؛ إذ كانا شيئين. وذلك قولك في حضرموت: حضيرموت. وبعلبَّ: بعيلبكُّ، وخمسة عشر: خميسة عشر. وكذلك جميع ماأشبه هذا، كأنك حقّرت عبد عمروٍ وطلحة زيدٍ.

وأمَّا اثنا عشر فتقول في تحقيره: ثنيَّا عشر، فعشر بمنزلة نو اثنين، فكأنك حقّرت اثنين، لأنّ حرف الإعراب الألف والياء، فصارت عشر في اثني بمنزلة النون، كما صار موت في حضر موت بمنزلة ريسٍ في عنتريسٍ.

هذا باب الترخيم في التصغير
اعلم أنَّ كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز لك أن يحذفه في الترخيم، حتَّى تصير الكلمة على ثلاثة أحرف لأنها زائدة فيها، وتكون على مثال فعيلٍ، وذلك قولك في حارثٍ: حريثٌ، وفي أسود: سويدٌ، وفي غلاب: غليبة.
وزعم الخليل أنه يجوز أيضاً في ضفنددٍ: ضفيدٌ، وفي خفييدٍٍ: خفيدٌ، وفي مقعنس: قعيسٌ. وكذلك كلَّ شيء كان أصله الثلاثة.
وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة تحذف الزوائد حتّى يصير الحرف على أربعة لا زائدة فيه، ويكون على مثال فعيعلٍ، لأنه ليس فيه زيادة وزعم أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل: بريةٌ وسميعٌ.
باب ماجرى في الكلام مصغَّراً وترك تكبيره
لأنّه عندهم مستصغر فاستغنى بتصغيره عن تكبيره وذلك قولهم: جميلٌ وكعيتٌ، وهو البلبل. وقالوا: كعتانٌ وجملانٌ فجاءوا به على التكبير. ولو جاءوا به وهم يريدون أن يجمعوا المحقّر لقالوا: جميلاتٌ. فليس شيء يراد به التصغير إلاّ وفيه ياء التصغير.
وسألت الخليل عن كيت فقال: هو بمنزلة جميلٍ؛ وإنما هي حمرةٌ مخالطها سوادٌ ولم يخلص؛ فإنَّما حقّروها لأنَّها بين السواد والحمرة ولم يخلص أن يقال اسود ولا أحمر وهو منهما قريب، وإنَّما هو كقولك: هو دوين ذلك.
وأمّا سكيتٌ فهو ترخيم سكيَّتٍ. والسُّكّيت: الذي يجيء آخر الخيل.
باب مايحقر لدنوّه من الشيء
وليس مثله.وذلك قولك: هو أصيغر منك، وإنَّما أردت أن تقلل الذي بينهما ومن ذلك قولك هو دوين ذاك، وهو فويق ذاك. ومن ذا أن تقول أسيِّد، أي قد قارب السّواد.
وأمّا قول العرب: هو مثيل هذا وأميثال هذا، فإنَّما هذا، فإنَّما أرادوا أن يخبروا أن المشبَّه حقيرٌ، كما أن المشبّه به حقيرٌ.
وسألأت الخليل عن قول العرب: ما أميلحه. فقال: لم يكن ينبغي أن يكون في القياس، لأنَّ الفعل لايحقَّر، وإنّما تحقَّر الأسماء لأنها توصف بما يعظم ويهون،والأفعال لاتوصف، فكرهوا أن تكون الأفعال كالأسماء لمخالفتها إيّاها في أشياء كثيرة، ولكنهم حقّروا هذا اللفظ وإنّما يعنون الذي تصفه بالملح، كأنَّك قلت: مليِّحٌ، شبّهوه بالشيء الذي تلفظ به وأنت تعني شيئاً آخر نحو قولك: يطؤهم الطريق، وصيد عليه يومان. ونحو هذا كثير في الكلام.
وليس شيء من لفعل ولا شيءٌ مما سمِّى به الفعل يحقّر إلاّ هذا وحده وماأشبهه من قولك: ما أفعله.
واعلم أنّ علامات الإضمار لا يحقَّرون، من قبل أنها لا تقوى قوّة المظهرة ولاتمكن تمكنُّها، فصارت بمنزلة لا ولو وأشباههما. فهذه لا تحقَّر لأنها ليست أسماء، وإنما هي بمنزلة ألأفعال التي لا تحقَّر.
فمن علامات الإضمار وأنا ونحن، ولو حقرتهنَّ لحقّرت الكاف التي في بك والهاء التي في به وأشباه هذا.
ولا يحقّر أين ولا متى، ولا كيف؛ ولا حيث ونحوهنَّ، من قبل أنّ أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت، حين قلت: فويق ذاك ودوين ذاك، وتحيت ذاك، وليست أسماء تمكَّن فتدخل فيها الألف واللام ويوصفن، وإنَّما لهنَّ مواضع لا يجاوزنها فصرن بمنزلة علامات الإضمار.
وكذلك من وما وأيهم، إنَّما هنَّ بمنزلة أين لا تمكَّن الأسماء التامَّة نحو زيدٍ ورجلٍ. وهنَّ حروف استفهام كم أنَّ أين حرف استفهام، فصرن بمنزلة هل في أنهنَّ لا يحقرن.
ولا نحقّر غير، لأنَّها ليست منزلة مثل، وليس كلّ شيء يكون غير الحقير عندك يكون محقَّراً مثله، كما لا يكون كلُّ شيء مثل الحقير حقيراً، وإنّما معنى مررت برجلٍ غيرك معنى مررت برجلٍ ليس بك وسواك لا يحقر لأنه ليس اسماً متمكناً وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك، فكما قبح تحقير ليس قبح تحقير سوى.
وغير أيضاً ليس باسم متمكَّن. ألا ترى أنَّها لا تكون إلاَّ نكرة، ولا تجمع، ولا تدخلها الألف واللام.
وكذلك حسبك لا يحقَّر كما لا يحقَّر غير، وإنَّما هو كقولك: كفاك فكما لا يحقَّر كفاك، كذلك لا تحقِّر هذا.

واعلم أنَّ اليوم والشهر والسنة والساعة والليلة يحقّرن. وأمَّا أمس وغد فلا يحقَّران؛ لأنَّهما ليسا اسمين لليومين بمنزلة زيدٍ وعمروٍ، وإنّما هما اليوم الذي قبل يومك، واليوم بعد يومك، ولم يتمكنا كزيدٍ واليوم والساعة والشهر وأشباههن، ألا ترى أنَّك تقول: هذا اليوم وهذه الليلة فيكون لما أنت فيه، ولما لم يأت، ولما مضى وتقول: هذا زيد وذلك زيد، فهو اسم ما يكون معك وما يتراخى عنك. وأمس وغد لم يتمكنا تمكَّن هذه الأشياء، فكرهوا أن يحقّروهما كما كرهوا تحقير أين، واستغنوا عن تحقيرها بالذي هو أشدّ تمكنا، وهو اليوم والليلة والساعة. وكذلك أوّل من أمس، والثَّلاثاء، والأربعاء، والبارحة لما ذكرنا وأشباههنَّ.
ولا تحقَّر أسماء شهور السنة، فعلامات ما ذكرنا من الدَّهر لا تحقّر، إنَّما يحقَّر الاسم غير العلم الذي يلزم كلّ شيء من أمته، نحو: رجلٍ وامرأة وأشباههما.
واعلم أنَّك لا تحقِّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل، ألا ترى أنّه قبيح: هو ضويرب زيداً، وهو ضويرب زيدٍ، إذا أردت بضارب زيدٍ التنوين. وإن كان ضارب زيدٍ لما مضى فتصغيره جيدّ.
ولا تحقِّر عند كما تحقِّر قبل وبعد ونحوهما، لأنّك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما، وليس يراد من التقليل أقلُّ من ذا، فصار ذا كقولك: قبيل ذاك، إذا أردت أن تقلَّل ما بينهما. وكذلك عن ومع، صارتا في أن لا تحقّرا كمن.
باب تحقير كلّ اسم كان ثانية ياء
تثبت في التحقير وذلك نحو: بيت وشيخ وسيِّد. فأحسنه أن تقول: شييخ وسييد فتضم؛ لأنّ التحقير يضم أوائل الأسماء، وهو لازم له، كما أنّ الياء لازمة له.
ومن العرب من يقول: شييخ وبييت وسييد، كراهية الياء بعد الضمّة.
باب تحقير المؤنَّث
اعلم أن كلّ مؤنَّث كان على ثلاثة أحرف فتحقيره بالهاء، وذلك قولك في قدم: قديمة، وفي يدٍ: يديَّة.
وزعم الخليل أنَّهم إنَّما أدخلوا الهاء ليفرقوا بين المؤنّث والمذكّر. قلت: فما بال عناقٍ؟ قال: استثقلوا الهاء حين كثر العدد، فصارت القاف بمنزلة الهاء، فصارت فعيلةً في العدد والزنة، فاستثقلوا الهاء. وكذلك جميع ما كان على أربعة أحرف فصاعدا.
قلت: فما بال سماءٍ، قالوا: سميَّة؟ قال: من قبل أنها تحذف في التحقير، فيصير تحقيرها كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف، فلمَّا خفَّت صارت بمنزلة دلوٍ، كأنَّك حقَّرت شيئاً على ثلاثة أحرف.
فإن حقّرت امرأة سقَّاء قلت: سقيقيٌّ ولم تدخلها الهاء؛ لأنَّ الاسم قد تمّ.
وسألته عن الذين قالوا في حباري: حبيِّرة فقال:لمَّا كانت فيه علامة التأنيث ثابتةً أرادوا أن لا يفارقها ذلك التحقير، وصاروا كأنَّهم حقّروا حبارة. وأمَّا الذين تركوا الهاء فقالوا: حذفنا الياء والبقية على اربعة أحرف، فكأنّا حقّرنا حبار. ومن قال في حباري: حبيِّرة قال: في لغيزي: لغيغيزة، وفي جميع ما كانت فيه الألف خامسة فصاعداً إذا كانت ألف تأنيث.
وسألته عن تحقير نصفٍ نعت امرأة فقال: تحقيرها نصيف، وذاك لأنّه مذكّر وصف به مؤنث. ألا ترى أنّك تقول: هذا رجل نصف. ومثل ذلك أنّك تقول: هذه امرأة رضىً، فإذا حقّرتها لم تدخل الهاء؛ لأنَّها وصفت بمذكّر، وشاركت المذكّر في صفته لم تغلب عليه. ألا ترى أنك لو رخمّت الضّامر لم تقل ضميرة.
وتصديق ذلك فيما زعم الخليل قول العرب في الخلق: خليق وإن عنوا المؤنَّث؛ لأنه مذكّر يوصف به المكّر، فشاركه فيه المؤنث. وزعم الخليل أن الفرس كذلك.
وسألته عن الناب من الإبل فقال: إنّما قالوا: نييب؛ لأنَّهم جعلوا الناب الذّكر اسماً لها حين طال نابها على نحو قولك للمرأة: إنَّما أنت بطين ومثلها أنت عينهم فصار اسماً غالباً وزعم أن الحرف بتلك المنزلة، كأنَّه مصدر مذكّر كالعدل، والعدل مذكّر؛ وقد يقال: جاءت العدل المسلمة. وكأنَّ الحرف صفة، ولكنَّها أجريت مجرى الاسم، كما أجرى الأبطح، والأبرق، والأجدل.
وإذا رخَّمت الحائض فهي كالضامر؛ لأنَّه إنما وقع وضفاً لشيء، والشَّيء مذكَّر. وقد بيَّنا هذل فيما قبل.

قلت: فما بال المرأة إذا سمِّيت بحجر قلت: حجيرة؟ قال: لأنّ حجر قد صار اسماً لها علما وصار خالصاً؛ وليس بصفة ولا اسماً شاركت فيه مذكّرا على معنّى واحد، ولم ترد أن تحقِّر الحجر، كما أنَّك أردت أن تحقِّر المذكّر حين قلت: عديل وقريش؛ وإنَّما هذا كقولك للمرأة: ما أنت إلا رجيل، وللرجل: ما أنت إلا مريَّة، فإنّما حقَّرت الرجل والمرأة. ولو سمّيت امرأة بفرس لقلت: فريسة كما قلت: حجيرة، فإذا حقَّرت الناب والعدل وأشباههما، فإنَّك تحقِّر ذلك الشيء، والمعنى يدلُّ على ذلك، وإذا سمَّيت رجلاً بعين أو أذنٍ فتحقيره بعينٍ أو أذنٍ فتحقيره بغير هاء، وتدع الهاء ههنا كما أدخلتها في حجرٍ اسم امرأة.
ويونس يدخل الهاء؛ ويحتجّ بأذينة، وإنما سمَّى بمحقَّر.
باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره
الذي يستعمل في الكلام فمن ذلك قول العرب في مغرب الشمس: مغيربان الشمس، وفي العشيِّ: آتيك عشيَّاناً.
وسمعنا من العرب من يقول في عشَّية: عشيشية، فكأنهم حقَّروا مغربان وعشيان وعشاة.
وسألت الخليل عن قولك: آتيك أصيلالاً؛ فقال: إنما هو أصيلان أبدلوا اللام منها. وتصديق ذلك قول العرب: آتيك أصيلاناً.
وسألته عن قول بعض العرب: آتيك عشيَّاناتٍ ومغيربانات، فقال: جعل ذلك الحين أجزاء؛ لأنَّه حين كلمَّا تصوَّيت فيه الشمس ذهب منه جزء، فقالوا: عشيَّانات، كأنَّهم سمَّوا كلَّ جزء منه عشيَّة. ومثل ذلك قولك المفارق في مفرقٍ، جعلوا المفرق مواضع، ثم قالوا: المفارق كأنَّهم سمّوا كلّ موضع مفرقاً. قال الشاعر، وهو جرير:
قال العواذل ما لجهلك بعد ما ... شاب المفارق واكتسين قتيرا
ومن ذلك قولهم للبعير: ذو عثانين، كأنهم جعلوا كلّ جزء منه عثنوناً. ونحو ذا كثير.
فأمَّا غدوة فتحقيرها عليها، تقول: غدية، وكذلك سحر تقول: أتانا سحيراً. وكذلك ضحىً، تقول: أتانا ضحيّاً.
وقال الشاعر، وهو النابغة الجعدي:
كأنّ الغبار الذي غادرت ... ضحيّاً دواخن من تنضب
واعلم أنك لا تحقر في تحقيرك هذه الأشياء الحين، ولكنّك تريد أن تقرِّب حيناً من حين، وتقلِّل الذي بينهما، كما أنك إذا قلت: دوين ذاك، وفويق ذاك؛ فإنما تقرّب الشيء من الشيء وتقلَّل الذي بينهما وليس المكان بالذي يحقّر.
ومثل ذلك قبيل وبعيد، فلمَّا كانت أحياناً وكانت لا تمكن، وكانت لم تحقَّر؛ لم تمكَّن على هذا الحدّ تمكُّن غيرها. وقد بيَّنا ذلك فيما جاء تحقيره مخالفاً كتحقير المبهم، فهذا مع كثرتها في الكلام.
وجميع ذا إذا سمَّي به الرجل حقَر على القياس.
ومما يحقّر على غير بناء مكبَّره المستعمل في الكلام إنسان، تقول: أنيسيان وفي بنون: أبينون، كأنهم حقَّروا إنسيان، وكأنهم حقَّروا أفعل نحو أعمى، وفعلوا هذه الأشياء لكثرة استعمالهم إيَّاها في كلامهم، وهم ممّا يغيِّرون الأكثر في كلامهم عن نظائره، وكما يجيء جمع الشيء على غير بنائه المستعمل. ومثل ذلك ليلة، تقول لييلية، كما قالوا: ليالٍ، وقولهم في رجلٍ: رويجل؛ ونحو هذا.
وجميع هذا أيضاً إذا سمّيت به رجلاً أو امرأة صرفته إلى القياس كما فعلت ذلك بالأحيان.
ومن ذلك قولهم في صبية: أصيبية، وفي غلمةٍ: أغيلمة، كأنَّهم حقروا أغلمةً وأصبيةً، وذلك أنَّ أفعلةً يجمع به فعال وفعيل، فلمَّا حقّروه جاءوا به على بناء قد يكون لفعالٍ وفعيلٍ. فإذا سمَّيت به امرأة أو رجلاً حقرته على القياس، ومن العرب من يجريه على القياس فيقول: صبيَّة وغليمة. وقال الراجز:
صبيةً على الدُّخان رمكا ... ما إن عدا أصغرهم أن زكَّا
باب تحقير الأسماء المبهمةاعلم أن التحقير يضم أوائل هذه الأسماء، فإنّه يترك أوائلها على حالها قبل أن تحقّر؛ وذلك لأنَّ لها نحواً في الكلام ليس لغيرها - وقد بيّنَّا ذلك - فأرادوا أن يكون تحقيرها على غير تحقير ما سواها.
وذلك قولك في هذا: هذيَّا، وذاك: ذيّاك، وفي ألا: أليَّا.
وإنَّما ألحقوا هذه الألفات في أواخرها لتكون أواخرها عل غير حال أواخر غيرها، كما صارت أوائلها على ذلك.

قلت: فما بال ياء التصغير ثانيةً في ذا حين حقّرت؟ قال: هي في الأصل ثالثة، ولكنَّهم حذفوا الياء حين اجتمعت الياءات، وإنَّما حذفوها من ذييَّا. وأما تيَّا فإنما هي تحقيرتا، وقد استعمل ذلك في الكلام. قال الشاعر، كعب الغنويٌّ:
وخبَّرتماني أنَّما الموت في القرى ... فكيف وهاتا هضبة وقليب
وقال عمران بن حطَّان:
وليس لعيشنا هذا مهاه ... وليست دارنا هاتا بدار
وكرهوا أن يحقَّروا المؤنّث على هذه فيلتبس الأمر. وأمّا من مدَّ ألاء فيقول: ألياء، وألحقوا هذه الألف لئّلا يكون بمنزلة غير المبهم من الأسماء، كما فعلوا ذلك في آخر ذا وأوّله.وأولئك هما أولا، وأولاء، كما أنَّ هو ذا، إلاّ أنَّك زدت الكاف للمخاطبة.
ومثل ذلك الذي والتي، تقول: اللذيَّا واللتّيَّا. قال العجّاج:
بعد اللَّتيَّا واللّتيَّا والتي
وإذا ثنَّيت هذه الألفات كما تحذف ألف ذواتا، لكثرتها في الكلام، إذا ثنيَّت. وتصغير ذلك في الكلام ذيَّاك وذيالك، وكذلك اللَّذيا إذا قلت: اللذيُّون، والتي إذا قلت: اللَّتيات، والتثنية إذا قلت: اللّذيَّان واللَّتيَّان وذيَّان.
ولا يحقّر من ولا أيٌّ إذا صارا بمنزلة الذي، لأنّهما من حروف الاستفهام، والذي بمنزلة ذا، أنَّها ليست من حروف الاستفهام، فمن لم يلزمه تحقير كما يلزم الذي، لأنّه إنَّما يريد به معنى الذي وقد استغنى عنه بتحقير الذي، مع ذا الذي ذكرت لك.
واللاّتي لا تحقَّر، استغنوا بجمع الواحد إذا حقّر عنه، وهو قولهم: اللّتيَّات، فلمَّا استغنوا عنه صار مسقطا.
فهذه الأسماء لمَّا لم يكن حالها في التحقير حال غيرها من الأسماء غير المبهمة، ولم تكن، حالها في أشياء قد بيَّناها حال غير المبهمة، صارت يستغنى ببعضها عن بعض، كما استغنوا بقولهم: أتانا مسيّاناً وعشيَّاناً عن تحقير القصر في قولهم: أتانا قصراً، وهو العشيّ.
باب تحقير ما كسّر عليه الواحد للجمع
وسأبيّن لك تحقير ذلك إن شاء الله اعلم أنّ كل بناء كان لأدنى العدد فإنّك تحَّقر ذلك البناء لا تجاوزه إلى غيره، من قبل أنك إنَّما تريد تقليل الجمع، ولا يكون ذلك البناء إلاَّ لأدنى العدد، فلما كان ذلك لم تجاوزه.
واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصَّة به، وهي له في الأصل، وربَّما شركه فيه الأكثر، كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر.
فأبنية أدنى العدد أفعل نحو: أكلبٍ وأكعبٍ. وأفعال نحو: أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ، وأفعلة نحو: أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ. وفعلة نحو: غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ.
فتلك أربعوة أبنية، فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر وإن شركه الأقل. ألا ترى ما خلا هذا إنَّما يحقّر على واحده، فلو كان شيء ممّا خلا هذا يكون للأقل كان يحقّر على بنائه، كما تحقّر الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وذلك قولك في أكلب: أكيلب، وفي أجمالٍ: أجيمال، وفي أجربة: أجيربة، وفي غلمةٍ: غليمة، وفي ولدةٍ: وليدة. وكذلك سمعناها من العرب.
فكلّ شيء خالف هذه الأبنية في الجمع فهو لأكثر العدد، وإن عني به على الأقلُّ فهو داخل على بناء الأكثر وفيما ليس له، كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيِّزه.
وسألت الخليل عن تحقير الدُّور، فقال: أردُّه إلى بناء أقلّ العدد؛ لأني إنّما أريد تقليل العدد، فإذا أردت أن أقللّه وأحقّره صرت إلى بناء الأقلِّ، وذلك قولك: أديئر، فإن لم تفعل فحقّرها على الواحد وألحق تاء الجمع؛ وذلك لأنَّك تردّه إلى الاسم الذي هو لأقلّ العدد. ألا ترى أنَّك تقول للأقل ظبيات وغلوات وركوات، ففعلات ههنا بمنزلة أفعلٍ في المذكَّر وأفعالٍ ونحوهما. وكذلك ما جمع بالواو والنون والياء والنون، وإن شركه الأكثر كما شرك الأكثر الأقلُّ فيما ذكرنا قبل هذا.
وإذا حقَّرت الأكفّ والأرجل وهنَّ قد جاوزن العشر قلت: أكيفٌّ وأريجلٌ؛ لأنَّ هذا بناء أدنى العدد، وإن كان قد يشرك فيه الأكثر الأقلَّ. وكذلك الأقدام والأفخاذ.
ولو حقَّرت الجفنات وقد جاوزن العشر لقلت: جفينات لا تجاوز؛ لأنّها بناء أقلِّ العدد.

وإذا حقَّرت المرابد والمفاتيح والقناديل والخنادق قلت: مريبدات، ومفيتيحات، وقنيديلات، وخنيدقات؛ لأنَّ هذا البناء للأكثر وإن كان يشركه فيه الأدنى، فلمَّا حقرت صيّرت ذلك إلى شيء هو الأصل للأقلّ. ألا تراهم قالوا في دارهم: ريهمات. وإذا حقَّرت الفتيان قلت: فتيَّة، فإن لم تقل ذا قلت: فتيُّون، فالواو والنون بمنزلة التاء في المؤنَّث.
وإذا حقّرت الشسُّوع وأنت تريد الثلاثة قلت: شسيعات، ولا تقول شسيّع؛ أنَّ هذا البناء لأكثر العدد في الأصل، وإنَّما الأقل مدخل عليه، كما صار الأكثر يدخل على الأقلِّ.
وإذا حقّرت الفقراء قلت: فقيِّرون على واحده، وكذلك أذلاّء إن لم تردده إلى الأذلّة ذليِّلون. قال رجل من الأنصار الجاهلي:
إن ترينا قليِّلين كما ذي ... د عن المجربين ذود صحاح
وكذلك حمقى وهلكى وسكرى وجرحى، وما كان من هذا النّحو ممّا كسّر الواحد. وإنّما صارت التاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره وهو الواحد، كما صارت الألف والنون للتثنية، ومثنّاه أقلُّ من مثلَّثه. ألا ترى أنّ جرّ التاء ونصبها سواء، وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حدّ التثنية ونصبهم سواء. فهذا يقرِّب أن التاء والواو والنون لأدنى العدد؛ لأنّه وافق المثنى.
وإذا أردت أن تجمع الكليب لم تقل إلاَّ كليبات؛ لأنَّك إن كسّرت المحقَّر وأنت تريد جمعه ذهبت ياء التحقير. فاعرف هذه الأشياء.
واعلم أنَّهم يدخلون بعضها على بعض للتوسُّع إذا كان ذلك جمعاً.
باب ما كسّر على غير واحده المستعمل
في الكلام فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام الذي هو من لفظه وذلك قولك في ظروفٍ: ظريِّفون، وفي السُّمحاء: سميحون، وفي الشعراء: شويعرون.
وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياساً ولا غير ذلك، فتحقيره على واحدٍ هو بناؤه إذا جمع في القياس. وذلك نحو عباديد، فإذا حقّرتها قلت: عبيديدون؛ لأنّ عباديد إنما هو جمع فعلولٍ أو فعليلٍ أو فعلالٍ. فإذا قلت: عبيديات فأيّاً ما كان واحدها فهذا تحقيره.
وزعم يونس أن من العرب من يقول في سراويل: سرييَّلات، وذلك لأنهم جعلوه جماعاً بمنزلة دخاريض، وهذا يقوِّي ذاك؛ لأنهم إذا أرادوا بها الجمع فليس لها واحد في الكلام كسَّرت عليه ولا غير ذلك.
وإذا أردت تحقير الجلوس والقعود قلت: قويعدون وجويلسون، فإنما جلوس ههنا حين أرادت الجمع بمنزلة ظروف وبمنزلة الشهود والبكيّ، وإنّما واحد الشّهود شاهد والبكيّ الباكي.هدان المستعملان في الكلام ولم يكسَّر الشُّهود والبكيُّ عليهما، فكذلك الجلوس.
باب تحقير ما لم يكسَّر عليه واحد للجمع
ولكنَّه شيء واحد يقع على الجميع، فتحقيره كتحقير الاسم الذي يقع على الواحد؛ لأنه بمنزلته إلا أنه يعني به الجميع وذلك قولك في قومٍ: قويم، وفي رجلٍ: رجيل. وكذلك النفر، والرّهط، والنّسوة، وإن عنى بهن أدنى العدد.
وكذلك الرَّجلة والصُّحبة، هما بمنزلة النِّسوة، وإن كانت الرّجلة لأدنى العدد؛ لأنّهما ليسا مما يكسّر عليه الواحد.
وإن جمع شيء من هذا على بناء من أبنية أدنى العدد حقّرت ذلك البناء كما تحقّر إذا كان بناءً لما يقع على الواحد. وذلك نحو أقوامٍ وأنفارٍ، تقول: أقَّيام وأنيفار.
وإذا حقرت الأراهط قلت: رهيطون، كما قلت في الشعراء: شويعرون. وإن حقّرت الخباث قلت خبيثات، كما كنت قائلاً ذاك لو حقرت الخبوث، والخباث: جمع الخبيثة، بمنزلة ثمارٍ فمنزلة هذه الأشياء منزلة واحدة. وقال:
قد شربت إلاَّ دهيدهينا ... قليِّصات وأبيكرينا
والدهداء: حاشية الإبل؛ فكأنه حقّر دهاده فردّه إلى الواحد وهو دهداه، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين، وذلك حيث اضطرّ في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير. وأمّا أبيكرينا فإنه جمع الأبكر، كما يجمع الجزر والطُّرق فتقول: جزرات وطرقات، ولكنّه أدخل الياء والنُّون كما أدخلها في الدُّهيدهين.
وإذا حقرت السِّنين لم تقل إلاَّ سنيات؛ لأنَّك قد رددت ما ذهب، فصار على بناء لا يجمع بالواو والنون، وصار الاسم بمنزلة صحيفةٍ وقصيعةٍ.

وكذلك أرضون تقول: أريضات ليس إلاّ؛ لأنَّها بمنزلة بديرةٍ. وإذا حقَّرت أرضين اسم امرأة قلت: أريضون، وكذلك السِّنون، ولا تدخل الهاء لأنَّك تحقّر بناء أكثر من ثلاثة، ولست تردُّها إلى الواحد، لأنَّك لا تريد تحقير الجمع، فأنت لا تجاوز هذا اللفظ كما لا تجاوز ذلك في رجل اسمه جريبان تقول: جريبان، كما تقول في خراسان: خريسان ولا تقول فيه كما تقول حين تحقِّر الجريبين.
وإذا حقَّرت سنين اسم امرأة في قول من قال: هذه سنين، كما قلت: سنيِّن على قوله في يضع: يضيع. ومن قال: سنون قال: سنيُّون، فرددت ما ذهب وهو اللاّم. وإنَّما هذه الواو والنون إذا وقعتا في الاسم بمنزلة ياء الإضافة وتاء التأنيث التي في بنات الأربعة لا يعتدّ بها، كأنَّك حقّرت سنيٌّ.
وإذا حقَّرت أفعال اسم رجل قلت: أفيعال، كما تحقّرها قبل أن تكون اسما، فتحقير أفعالٍ كتحقير عطشان، فرقوا بينها وبين إفعالٍ لأنه لا يكون إلا واحداً ولا يكون أفعالٌ إلا جمعاً، ولا يغيَّر عن تحقيره قبل أن يكون اسما كما لا يغيَّر سرحان عن تصغيره إذا سمّيت به، ولا تشبِّهه بليلة ونحوها إذا سمَّيت بها رجلاً ثم حقَّرتها؛ لأن ذا ليس بقياس.
وتحقير أفعالٍ مطَّرد على أفيعالٍ، وليست أفعال وإن قلت فيها أفاعيل كأنعامٍ وأناعيم تجري مجرى سرحانٍ وسراحين؛ لأنه لو كان كذلك لقلت في جمَّالٍ: جميمال؛ لأنك لا تقول: جماميل. وإنّما جرى هذا ليفرق بين الجمع والواحد.
باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطهاوللقسم والمقسم به أدوات في حروف الجرّ، وأكثرها الواو، ثمَّ الباء، يدخلان على كلِّ محلوف به. ثمَّ التاء، ولا تدخل إلا في واحد وذلك قولك: والله لأفعلنّ: وبالله لأفعلنّ، وتالله لأكيدنَّ أصنامكم.
وقال الخليل: إنّما تجيْ بهذه الحروف؛ لأنَّك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف مررت به بالباء، إلاّ أنَّ الفعل يجيء مضمراً في هذا الباب، والحلف توكيد.
وقد تقول: تالله! وفيها معنى التعجب.
وبعض العرب يقول في هذا المعنى: لله، فيجيء باللام، ولا تجيء إلا أن يكون فيها، معنى التعجّب. قال أميّة بن أبي عائذ:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ... بمشمخرٍّ به الظَّيان والآس
واعلم أنك إذا حذفت من المحلوف به حرف الجرّ نصبته، كما تنصب حقّاً إذا قلت: إنك ذاهب حقّاً. فاالمحلوف به مؤكَّد به الحديث كما تؤكَّده بالحقِّ، ويجرُّ بحروف الإضافة كما يجر حقٌّ إذا قلت: إنك ذاهب بحقٍّ، وذلك قولك: الله لأفعلنَّ. وقال ذو الرمة:
ألا ربَّ من قلبي له الله ناصح ... ومن قلبه لي في الظِّباء السوانح
وقال الآخر:
إذا ما الخبز تأدمه بلحمٍ ... فذاك أمانة الله الثَّريد
فأمَّا تالله فلا تحذف منه التاء إذا أردت معنى التعجّب. ولله مثلها إذا تعجّبت ليس إلا.
ومن العرب من يقول: الله لأفعلنَّ، وذلك أنه أراد حرف الجرّ، وايّاه نوى، فجاز حيث كثر في كلامهم، وحذفوه تخفيفاً وهم ينوونه، كما حذف ربَّ في قوله:
وجدَّاء ما يرجى بها ذو قرابةٍ ... لعطفٍ وما يخشى السُّماة ربيبها
إنَّما يريدون: ربَّ جدَّاء، وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين، من قولهم: لاه أبوك، حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى، ليخففِّوا الحرف على اللسان، وذلك ينوون.
وقال بعضهم: لهى أبوك، فقلب العين وجعل اللام ساكنة، إذ صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة، وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أين مفتوحا. وإنَّما فعلوا ذلك به حيث غيَّروه لكثرته في كلامهم فغيَّروا إعرابه كما غيَّروه.
واعلم أنَّ من العرب من يقول: من ربيِّ لأفعلنَّ ذلك، ومن ربيِّ إنَّك لأشر، يجعلها في هذا الموضع بمنزلة الواو والباء، في قوله: والله لأفعلنَّ. ولا يدخلونها في غير ربيِّ، كما لا يدخلون التاء في غير الله، ولكن الواو لازمة لكلّ اسم يقسم به والباء. وقد يقول بعض العرب: لله لأفعلنَّ، كما تقول: تالله لأفعلنَّ. ولا تدخل الضمّة في من إلا ههنا، كما لا تدخل الفتحة في لدن إلا مع غدوةٍ حين تقول: لدن غدوةً إلى العشيّ.
باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضا

من اللفظ بالواو وذلك قولك: إي هاالله ذا، نثبت ألف لأنَّ الذي بعدها مدغم. ومن العرب من يقول: إي هلله ذا، فيحذف الألف التي بعد الهاء. ولا يكون في المقسم ههنا إلا الجرّ؛ لأنَّ قولهم: ها صار عوضاً من اللفظ بالواو، فحذفت تخفيفاً على اللسان. ألا ترى أنَّ الواو لا تظهر ههنا كما تظهر في قولك: والله، فتركهم الواو ههنا البتَّة يدلُّك على أنها ذهبت من هنا تخفيفاً على اللسان، وعوضت منها ها. ولو كانت تذهب من هنا كما كانت تذهب من قولهم: الله لأفعلنَّ، إذن لأدخلت الواو.
وأمَّا قولهم: ذا، فزعم الخليل أنه المحلوف عليه، كأنه قال: إي والله للأمر هذا، فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم؛ وقدم ها، كما قدَّم ها في قولهم ها هوذا: وها أناذا. وهذا قول الخليل، وقال زهير:
تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك
ومثل قولهم: آلله لأفعلنّ، صارت الألف ههنا بمنزلة ها ثمّ. ألا ترى أنك لا تقول: أو الله، كما لا تقول: ها والله، فصارت الألف ههنا وهما يعاقبان الواو، ولا يثبتان جميعا.
وقد تعاقب ألف اللام حرف القسم كما عاقبته ألف الاستفهام وها، فتظهر في ذلك الموضع الذي يسقط في جميع ما هو مثله للمعاقبة، وذلك قوم: أفألله لتفعلنَّ. ألا ترى أنك إن قلت: أفوّ الله، لم تثبت.
وتقول: نعم الله لأفعلن، وإي الله لأفعلنّ، لأنهما ليسا ببدل. ألا ترى أنك تقول: إي والله ونعم والله. وقال الخليل في قوله عزّ وجلَّ: " والليل إذا يغشى. والنَّهار إذا تجلى. وما خلق الذَّكر والأنثى " : الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى، ولكنهما الواوان اللتان تضمّان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيدٍ وعمروٍ، والأولى بمنزلة الباء والتاء. ألا ترى أنَّك تقول: والله لأفعلنَّ ووالله لأفعلنّ، فتدخل واو العطف عليها كما تدخلها على الباء والتاء.
قلت للخليل: فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى؟ فقال: إنَّما أقسم بهذه الأشياء على شيء واحد، ولوكان انقضى قسمه بالأوّل على شيء لجاز أن يستعمل كلاماً آخر فيكون، كقولك: بالله لأفعلنّ، بالله لأخرجنّ اليوم، ولا ييقوى أن تقول: وحقِّك وحقِّ زيد لأفعلنّ، والواو الآخرة واو قسم، لا يجوز إلا مستكرها، لأنَّه لا يجوز هذا في محلوف عليه إلا أن تضمّ الآخر إلى الأول وتحلف بهما على المحلوف عليه.
وتقول: وحياتي ثمَّ حياتك لأفعلنّ، فثمَّ ههنا بمنزلة الواو. وتقول: والله ثم الله لأفعلنّ، وبالله ذم الله لأفعلنّ، وتالله ثمَّ الله لأفعلنَّ. وإن قلت: والله لآتينك ثم الله لأضربنّك، فإن شئت قطعت فنصبت، كأنَّك قلت: بالله لآتينك، والله لأضربنَّك، فجعلت هذه الواو بمنزلة الواو التي في قولك: مررت بزيد وعمرو خارج، وإذا لم تقطع وجررت فقلت: والله لآتينك، ثمّ والله لأضربنك، صارت بمنزلة قولك: مررت بزيد ثم بعمروٍ.
وإذا قلت: والله لآتينك ثم لأضربنك الله فأخّرته، لم يكن إلا النصب؛ لأنه ضمّ الفعل إلى الفعل، ثمّ جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأوّل.
وإذا قلت: والله لآتينك ثمّ الله، فإنَّما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر وإن كان قد أخرّ أحدهما، ولا يجوز في هذا إلا الجرّ؛ لأنَّ الآخر معلَّق بالأوّل؛ لأنه ليس بعده محلوف عليه.
ويدلك على أنّه إذا قال: والله لأضربنك ثم لأقتلنك الله، فإنه لا ينبغي فيها إلا النصب: أنه لو قال: مررت بزيدٍ أول من أمس وأمس عمروٍ كان قبيحاً خبيثا؛ لأنه فصل بين المجرور والحرف الذي يشركه وهو الواو في الجار، كما أنَّه لو فصل بين الجّار والمجرور كان قبيحاً، فكذلك الحروف التي تدخله في الجارّ، لأنه صار كأنَّ بعده حرف جر، فكأنك قلت: وبكذا.
ولو قال: وحقِّك وحقِّ زيد على وجه النِّسيان والغلط جاز. ولو قال: وحقِّك وحقِّ، على التوكيد جاز، وكانت الواو واو الجرّ.
باب ما عمل بعضه في بعضوفيه معنى القسم وذلك قولك: لعمر الله لأفعلنَّ، وأيم الله لأفعلنّ. وبعض العرب يقول: أيمن الكعبة لأفعلنَّ، كأنه قال: لعمر الله المقسم به، وكذلك أيم الله وأيمن الله، إلا أنّ ذا أكثر في كلامهم، فحذفوه كما حذفوا غيره، وهو أكثر من أن أصفه لك.

ومثل أيم الله وأيمن: لاها الله ذا، إذا حذفوا ما هذا مبني عليه. فهذه الأشياء فيها معنى القسم، ومعناها كمعنى الاسم المجرور بالواو، وتصديق هذا قول العرب: عليَّ عهد الله لأفعلنّ. فعهد مرتفعة وعليَّ مستقرّ لها. وفيها معنى اليمين.
وزعم يونس أنَّ ألف أيم موصولة. وكذلك تفعل بها العرب، وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرَّجل، وكذلك ايمن. قال الشاعر:
فقال فريق القوم لمَّا نشدتهم ... نعم وفريق ليمن الله ما ندري
سمعناه هكذا من العرب. وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرىء القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
جعلوه بمنزلة أيمن الكعبة وأيم الله، وفيه المعنى الذي فيه. وكذلك أمانة الله.
ومثل ذلك يعلم الله لأفعلنّ، وعلم الله لأفعلن؛ فإعرابه كإعراب يذهب زيد، وذهب زيد، والمعنى: والله لأفعلنّ، وذا بمنزلة يرحمك الله وفيه معنى الدعاء، وبمنزلة اتقى الله امرؤ وعمل خيراً، إعرابه إعراب فعل، ومعناه ليفعل وليعمل.
باب ما يذهب التنوين فيهمن الأسماء لغير الإضافة ولا دخول الألف واللام، ولا لأنَّه لا ينصرف وكان القياس أن يثبت التنوين فيه وذلك كلُّ اسمٍ غالبٍ وصف بابنٍ، ثم أضيف إلى اسم غالب، أو كنية، أو أمٍ. وذلك قولك: هذا زيد بن عمروٍ. وإنَّما حذفوا التنوين من هذا النَّحو حيث كثر في كلامهم؛ لأنَّ التنوين حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن، ومن كلامهم أن يحذفوا الأوّل إذا التقى ساكنان، وذلك قولك: اضرب ابن زيد، وأنت تريد الخفيفة. وقولهم: لد الصَّلاة في لدن حيث كثر في كلامهم.
وما يذهب منه الأوّل أكثر من ذلك، نحو: قل، وخف.
وسائر تنوين الأسماء يحرَّك إذا كانت بعده ألف موصولة؛ لأنَّهما ساكنان يلتقيان فيحرّك الأول كما يحرّك المسكَّن في الأمر والنهي.
وذلك قولك: هذه هند امرأة زيدٍ، وهذا زيد امرؤ عمروٍ وهذا عمر الطويل، إلاَّ أن الأول حذف منه التنوين لما ذكرت لك. وهم ممَّا يحذفون الأكثر في كلامهم.
وإذا اضطرَّ الشاعر في الأوَّل أيضاً أجراه على القياس. سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البيت:
هي ابنتكم وأختكم زعمتم لثعلبة بن نوفلٍ ابن جسر
وقال الأغلب:
جارية من قيسٍ ابن ثعلبة
وتقول: هذا أبو عمرو بن العلاء؛ لأنَّ الكنية كالاسم الغالب. ألا ترى أنَّك تقول: هذا زيد بن أبي عمروٍ، فتذهب التنوين كما تذهبه في قولك: هذا زيد بن عمروٍ؛ لأنَّه اسم غالب. وتصديق ذلك قول العرب: هذا رجل من بني أبي بكر بن كلابٍ. وقال الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:
ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها ... حتَّى أتيت أبا عمرو بن عمّار
وقال:
فلم أجبن ولم أنكل ولكن ... يممت بها أبا صخر بن عمر
وقال يونس: من صرف هنداً قال: هذه هند بنت زيدٍ، فنوّن هنداً؛ لأن هذا موضع لا يتغيَّر فيه الساكن، ولم تدركه علّة. وهكذا سمعنا من العرب.
وكان أبو عمرو يقول: هذه هند بنت عبد الله فيمن صرف، ويقول: ولمَّا كثر في كلامهم حذفوه كما حذفوا لا أدر، ولم يك، ولم أبل، وخذ وكل، وأشباه ذلك، وهو كثير.
وينبغي لمن قال: بقول أبي عمرو أن يقول: هذا فلان بن فلانٍ؛ لأنّه كناية عن الأسماء التي هي علامات غالبة؛ فأجريت مجراها.
وأما طامر بن طاكر فهو كقولك: زيد بن زيدٍ؛ أنه معرفة كأمّ عامرٍ وأبي الحارث، للأسد وللضبَّع، فجعل علماً. فإذا كنيت إن غير الآدمييّن قلت: الفلان والفلانة؛ والهن والهنة، جعلوه كنايةً عن النَّاقة التي تسمى بكذا، والفرس الذي يسمَّى بكذا، ليفرقوا بين الآدمييّن والبهائم.
باب ما يحرَّك فيه التنوين
في الأسماء الغالبة وذلك قولك: هذا زيد ابن أخيك، وهذا زيد ابن أخي عمروٍ، وهذا زيد الطويل، وهذا عمرو الظريف، إلا أن يكون شيء من ذا يغلب عليه فيعرف به، كالصَّعق وأشباهه، فإذا كان ذلك كذلك لم ينوَّن.
ٍوتقول: هذا زيد ابن عمرك، إلا أن يكون ابن عمرك غالباً، كابن كراع وابن الزُّبير، وأشباه ذلك.
وتقول: هذا زيد بن أبي عمروٍ، إذا كانت الكنية أبا عمرو.

وأمَّا زيد ابن زيدك، فقال الخليل: هذا زيد ابن زيدك، وهو القياس وهو بمنزلة : هذا زيد ابن أخيك؛ لأنَّ زيداً إنَّما صار ههنا معرفةً بالضمير الذي فيه، كما صار الأخ معرفة به. ألا ترى أنَّك لو قلت: هذا زيد رجلٍ صار نكرة، فليس بالعلم الغالب؛ لأنَّ ما بعده غيَّره، وصار يكون معرفةً ونكرةً به. وأمّا يونس فلا ينوّن.
وتقول: مررت بزيدٍ ابن عمرو، إذا لم تجعل الابن وصفاً، ولكنَّك تجعله بدلاً أو تكريرا كأجمعين.
وتقول: هذا أخو زيدٍ ابن عمروٍ، إذا جعلت ابن صفةً للأخ، لأنَّ أخا زيدٍ ليس بغالبٍ، فلا تدع التنوين فيه فيما يكون اسماً غالباً أو تضيفه إليه.
وإنما ألزمت التنوين والقياس هذه الأشياء؛ لأنَّهم لها أقلّ استعمالا. ومثل ذلك: هذا رجلٍ،ابن رجل وهذا زيد رجلٍ كريمٍ.
وتقول: هذا زيد بني عمرو، في قول أبي عمرو ويونس، لأنَّه لا يلتقي ساكنان: وليس بالكثير في الكلام ككثرة ابن في هذا الموضع، وليس كلُّ شيء بكثير في كلامهم يحمل الشاذّ. ولكنه يجري على بابه حتَّى تعلم أنَّ العرب قد قالت غير ذلك. وكذلك تقول العرب، ينوّنون. وجيع التنوين يثبت في الأسماء إلاّ ما ذكرت لك.
باب النون الثقيلة والخفيفةاعلم أنَّ كل شيء دخلته الخفيفة فقد تدخله الثقيلة. كما أن كلَّ شيء تدخله الثقيلة تدخله الخفيفة.
وزعم الخليل أنَّهما توكيد كما التي تكون فضلاً. فإذا جئت بالخفيفة فأنت مؤكّد، وإذا جئت بالثقيلة فأنت أشدُّ توكيدا.
ولها مواضع سأبينها إن شاء الله ومواضعها في الفعل.
فمن مواضعها الفعل الذي للأمر والنهي، وذلك قولك: لا تفعلنَّ ذاك واضربنَّ زيدا. فهذه الثقيلة. وإن خففت قلت: ذاك ولا تضربن زيدا.
ومن مواضعها الفعل الذي لم يجب، الذي دخلته لام القسم، فذلك لا تفارقه الخفيفة أو الثقيلة، لزمه ذلك كما لزمته اللام في القسم. وقد بيّنا ذلك في بابه.
فأمّا الأمر والنَّهي فإن شئت أدخلت فيه النون وإن شئت لم تدخل؛ لأنه ليس فيهما ما في ذا. وذلك قولك: لتفعلنَّ ذاك ولتفعلان ذاك ولتفعلن ذاك. فهذه الثقيلة. وإن خففّت قلت: لتفعلن ذاك ولتفعلن ذاك.
فما جاء فيه النون في كتاب الله عزّ وجلّ: " ولا تتَّبعان سبيل الذين لا يعلمون " ، " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً " وقوله تعالى: " ولآمرنهم فليبنِّكنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيَّر خلق الله " . و " وليسجنّن وليكونن من الصاغرين " ، وليكونن خفيفة.
وأمّا الخفيفة فقوله تعالى: " لنسفعن بالنَّاصية " وقال الأعشى:
فإياك والميتات لا تقربنّها ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
فالأولى ثقيلة، والأخرى خفيفة. وقال زهير:
تعلَّمن ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقصد بذراعك وانظر أين تنسلك
فهذه الخفيفة. وقال الأعشى:
أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا ... أبا ثابت فاقعد وعرضك سالم
فهذه الخفيفة. وقال النابغة الذبياني:
لا أعرفن ربرباً حوراً مدامعها ... كأن أبكارها نعاج دوار
وقال النابغة أيضاً:
فلتأتينك قصائد وليدفعن ... جيش إليك قوادم الأكوار
والدعاء بمنزلة الأمر والنهي، قال ابن رواحة:
فأنزلن سكينة علينا
وقال لبيد:
فلتصلقن بني ضبينة صلقةً ... تلصقنهم بخوالف الأطناب
هذه الثقيلة، وهو أكثر من أن يحصى. وقالت ليلى الأخيلية:
تساور سواراً إلى المجد والعلا ... وفي ذمتى لئن فعلت ليفعلا
وقال النابغة الجعدي:
فمن يك لم يثأر بأعراض قومه ... فإني وربِّ الراقصات لأثأرا
فهذه الخفيفة خففّت كما تثقَّل إذا قلت: لأثأرن.
ومن مواضعها الأفعال غير الواجبة التي تكون بعد حروف الاستفهام وذلك لأنك تريد أعلمني إذا استفهمت ، وهي أفعال غير واجبة فصارت بمنزلة أفعال الأمر والنهي فان شئت أقحمت النون وان شئت تركت، كما فعلت ذلك في الأمر والنهي.وذلك قولك:هل تقولن؟ وأتقولن ذاك؟ وكم تمكثن؟ وانظر ماذا تفعلن؟ وكذلك جميع حروف الاستفهام. وقال الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين
وقال:
وأقبل على رهطى ورهطك نبتحث ... مساعينا حتى ترى كيف نفعلا
وقال مقنع:
أفبعد كندة تمدحنَّ قبيلا
وقال:

هل تحلفن يا نعم لا تدينها
فهذه الخفيفة. وزعم يونس أنك تقول: هلاَّ تقولنَّ، وألاَّ تقولنَّ. وهذا أقرب من لأنك تعرض، فكأنَّك قلت: افعل، لأنه استفهام فيه معنى العرض.
ومثل ذلك: لولا تقولنَّ، لأنك تعرض.
وقد بيّنّا حروف الاستفهام وموافقتها الأمر والنهي في باب الجزاء وغيره، وهذا ممّا وافقتها فيه، وترك تفسيرهن ههنا للذي فسرنا فيما مضى.
ومن مواضعها حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل ما للتوكيد؛ وذلك لأنَهم شبّهوا ما باللام التي في لتفعلن، لمَّا وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا النون آخره كما ألزموا هذه اللام. وإن شئت لم تقحم النون كما أنَّك إن شئت لم تجيء بها. فأمّا اللام فهي لازمة في اليمين، فشبّهوا ما هذه إذ جاءت توكيداً قبل الفعل بهذه اللام التي جاءت لإثبات النون. فمن ذلك قولك: إمّا تأتيني آتك، وأيُّهم ما يقولنَّ ذاك تجزه. وتصديق ذلك قوله عزّ وجلّ: " وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك " ، وقال عزّ وجلّ: " فإما ترينّ من البشر أحداً " .
وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء، وذلك قليل في الشعر، شبّهوه بالنهي حين كان مجزوماً غير واجب. وقال الشاعر:
نبتم نبات الخيزرانيِّ في الثَّرى ... حديثاً متى ما يأتك الخير ينفعا
وقال ابن الخرع:
فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا
وقال:
من يثقفن منهم فليس بآثبٍ ... أبداً وقتل بني قتيبة شافي
وقال:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخاً على كرسيّه معمَّما
شبّهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب، وهذا لا يجوز إلاَّ في اضطرار، وهي في الجزاء أقوى.
وقد يقولون: أقسمت لمَّا لم تفعلنَّ؛ لأن ذا طلب فصار كقولك: لا تفعلنَّ كما أن قولك أتخبرني، فيه معنى افعل، وهو كالأمر في الاستغناء والجواب.
ومن مواضعها أفعال غير الواجب التي في قولك: بجهدٍ ما تبلغنَّ، وأشباهه. وإنّما كان ذلك لمكان ما. وتصديق ذلك قولهم في مثل:
في عضة مَّا ينبتنَّ شكيرها
وقال أيضاً في مثل آخر: بألمٍ مَّا تختننَّه، وقالوا: بعين مَّا أريتك. فما ههنا بمنزلتها في الجزاء.
ويجوز للمضطر أنت تفعلنّ ذلك، شبهوه بالتي بعد حروف الاستفهام، لأنها ليست مجزومة والتي في القسم مرتفعة، فأشبهتها في هذه الأشياء، فجعلت بمنزلتها حين اضطروا. وقال الشاعر، جذيمة الأبرش:
ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات
وزعم يونس أنهم يقولون ربَّما تقولنَّ ذاك وكثر ما تقولنَّ ذاك، لأنّه فعل غير واجب، ولا يقع بعد هذه الحروف إلاّ وما له لازمة، فأشبهت عندهم لام القسم.
وإن شئت لم تقحم النون في هذا النحو، فهو أكثر وأجود، وليس بمنزلته في القسم؛ لأنّ اللام إنما ألزمت اليمين كما ألزمت النون اللام وليست مع المقسم به بمنزلة حرف واحد وليست كالتي في بألم ما تختتنه لأنها ليست مع ما قبلها بمنزلة حرف واحد. ولو لم تلزم اللام التبس بالنفي إذا حلف أنه لا يفعل، فما تجيء لتسهل الفعل بعد ربِّ. ولا يشبه ذا القسم.
ومثل ذلك: حيثما تكونن آتك؛ لأنّها سهلت الفعل أن يكون مجازاة. وإنما كان ترك النون في هذا أجود؛ لأنَّ ما وربَّ بمنزلة حرف واحد، نحو قد وسوف، وما حيث بمنزلة أين، واللام ليست مع المقسم به بمنزلة حرف واحد، ولأنّ اللام لا تسقط كما تسقط ما من هذا إن شئت.
باب أحوال الحروف التي قبل النون

الخفيفة والثقيلة
اعلم أنّ فعل الواحد إذا كان مجزوماً فلحقته الخفيفة والثقيلة حركت المجزوم وهو الحرف الذي أسكنت للجزم لأن الخفيفة ساكنة والثقيلة نونان الأولى منهما ساكنة. والحركة فتحة ولم يكسروا فيلتبس المذكّر بالمؤنّث، ولم يضمّوا فيلتبس الواحد بالجميع. وذلك قولك: اعلمن ذلك وأكرمن زيدا، وإما تكرمنه أكرمه.
وإذا كان فعل الواحد مرفوعا ثم لحقته النون صيّرت الحرف المرفوع مفتوحاً لئلا يلتبس الواحد بالجميع، وذلك قولك: هل تفعلن ذاك، وهل تخرجن يا زيد.

وإذا كان فعل الاثنين مرفوعاً وأدخلت النون الثقيلة حذفت نون الاثنين لاجتماع النونات، ولم تحذف الألف لسكون النون، لأن الألف تكون قبل الساكن المدغم، ولو أذهبتها لم يعلم أنك تريد الاثنين، ولم تكن الخفيفة ههنا لأنّها ساكنة ليست مدغمة فلا تثبت مع الألف، ولا يجوز حذف الألف فيلتبس بالواحد.
وإذا كان فعل الجميع مرفوعاً ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة حذفت نون الرفع، ذلك قولك: لتفعلنَّ ذاك ولتذهبنَّ، لأنَّه اجتمعت فيه ثلاث نونات فحذفوها استثقالا. وتقول: هل تفعلنَّ ذاك، تحذف نون الرفع لأنَّك ضاعفت النون،وهم يستثقلون التضعيف، فحذفوها إذ كانت تحذف، وهم في ذا الموضع أشدّ استثقالا للنونات، وقد حذفوها فيما هو أشدّ من ذا. بلغنا أن بعض القراء قرأ أتحاجوني وكان يقرأ فبم تبشِّرون، وهي قراءة أهل المدينة؛ وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف.
وقال عمرو بن معد يكرب:
تراه كالثَّغام يعلُّ مسكاً ... يسوء الفاليات إذا فليني
يريد: فلينني.
واعلم أنَّ الخفيفة والثقيلة إذا جاءت بعد علامة إضمار تسقط إذا كانت بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام، فإنَّها تسقط أيضاً مع النون الخفيفة والثقيلة، وإنَّما سقطت لأنَّها لم تحرَّك فإذا لم تحرك حذفت، فإذا حذفت، فتحذف لئلا يلتقي ساكنان، وذلك قولك للمرأة: اضربنَّ زيدا وأكرمنَّ عمر، تحذف الياء لما ذكرت لك، ولتضربنَّ زيدا ولتكرمنَّ عمرا؛ لأنَّ نون الرفع تذهب فتبقى ياء كالياء التي في اضربي وأكرمي. ومن ذلك قولهم للجميع: اضربنَّ زيدا وأكرمن عمراً، ولتكرمن بشرا؛ لأنّ نون الرفع تذهب فتبقى واو هي كواو ضربوا وأكرموا.
فإذا جاءت بعد علامة مضمرٍ تتحرّك للألف الخفيفة أو للألف واللام حرّكت لها وكانت الحركة هي الحركة التي تكون إذا جاءت الألف الخفيفة أو الألف واللام؛ لأن علّة حركتها ههنا العلّة التي ذكرتها ثمّ، والعلّة التقاء الساكنين، وذلك قولك: ارضونَّ زيدا، تريد الجميع، واخشون زيدا واخشينَّ زيدا، وارضينَّ زيدا، فصار التحريك هو التحريك الذي يكون إذا جاءت الألف واللام أو الألف الخفيفة.
باب الوقف عند النون الخفيفةاعلم أنَّه إذا كان الحرف الذي قبلها مفتوحاً ثم وقفت جعلت مكانها ألفا كما فعلت ذلك في الأسماء المنصرفة حين وقفت؛ وذلك لأنَّ النون الخفيفة والتنوين من موضع واحد، وهما حرفان زائدان، والنون الخفيفة ساكنة كما أنَّ التنوين ساكن، وهي علامة توكيد كما أنَّ التنوين علامة المتمكّن، فلمَّا كانت كذلك أجريت مجراها في الوقف، وذلك قولك: اضربا: إذا امرت الواحد وأردت الخفيفة، وهذا تفسير الخليل.
وإذا وقفت عندها وقد أذهبت علامة الإضمار التي تذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام رددتها الألف التي في هذا: هذا مثنًّنى كما ترى إذا سكتَّ، وذلك قولك للمرأة وأنت تريد الخفيفة: اضربي وللجميع: اضربوا وارموا، وللمرأة: ارمي واعزي. فهذا تفسير الخليل، وهو قول العرب ويونس.
وقال الخليل: إذا كان ما قبلها مكسوراً أو مضموماً ثم وقفت عندها لم تجعل مكانها ياءً ولا واوا، وذلك قولك للمرأة وأنت تريد الخفيفة: اخشى، وللجميع وأنت تريد النون الخفيفة: اخشوا. وقال: هو بمنزلة التنوين إذا كان ما قبله مجرورا أو مرفوعا.
وأمّا يونس فيقول: اخشيي واخشووا، يزيد الياء والواو بدلاً من النون الخفيفة من أجل الضمّة والكسرة.
فقال الخليل: لا أرى ذاك إلاَّ على قول من قال: هذا عمرو، ومررت بعمري. وقول العرب على قول الخليل.
وإذا وقفت عند النون الخفيفة في فعل مرتفع لجميع رددت النون التي تثبت في الرفع، وذلك قولك وأنت تريد الخفيفة: هل تضربين، وهل تضربون، وهل تضربان. ولا تقول: هل تضربونا، فتجريها مجرى التي تثبت مع الخفيفة التي في الصلة.
وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشيي واخشووا إذا أردت أراد الخفيفة أن ييقول: هل تضربوا، يجعل الواو مكان الخفيفة كما فعل ذلك في اخشيي؛ لأنَّ ما قبلها في الوصل مرتفع إذا كان الفعل للجمع ومنكسر إذا كان للمؤنث، ولا يردّ النون مع ما هو بدل من الخفيفة كما لم تثبت في الصلة، فإنما ينبغي لمن قال بذا أن يجريها مجراها في المجزوم؛ لأنَّ نون الجميع ذاهبة في الوصل كما تذهب في المجزوم، وفعل الاثنين المرتفع بمنزلة فعل الجميع المرتفع.

فأمّا الثقيلة فلا تتغيّر في الوقف لأنّها لا تشبه التنوين.
وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام، أو ألف الوصل، ذهبتكما تذهب واو يقل لالتقاء الساكنين. ولم يجعلوها كالتنوين هنا، فرقوا بين الاسم والفعل، وكان في الاسم أقوى لأنّ الاسم أقوى من الفعل وأشّد تمكنّا.
هذا باب النون الثقيلة والخفيفة في فعل الاثنين وفعل جميع النساء فإذا أدخلت الثقيلة في فعل الاثنين ثبتت الألف التي قبلها، وذلك قولك لا تفعلان ذلك، ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون.
وتقول: افعلانِّ ذلك، وهل تفعلانِّ ذلك. فنون الرفع تذهب ها هنا كما ذهبت في فعل الجميع وإنّما تثبت الألف ههنا في كلامهم؛ لأنه قد يكون بعد الألف حرف ساكن إذا كان مدغما في حرف من موضعه وكان الآخر لازما للأول، ولم يكن لحاق الآخر بعد استقرار الأول في الكلام، وذلك نحو قولك: راد، وأراد. فالدال الآخرة لم تلحق الأولى ولم تكن الأولى في شيء يكون كلاماً بها والآخرة ليست بعدها ولكنهما يقعان جميعاً وكذلك الثقيلة هما نونان تقعان معاً ليست تلحق الآخرة الأولى بعدما يستقر كلاماً. فالخفيفة في الكلام على حدةٍ. والثقيلة على حدةٍ، ولأن تكون الخفيفة حذف عنها المتحرَّك أشبه؛ لأنَّ الثقيلة في الكلام أكثر، ولكنَّا جعلناها على حدةٍ لأنَّها في الوقف كالتنوين، وتذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام، كما تذهب لالتقاء الساكنين ما لم يحذف عنه شيء. ولو كانت بمنزلة نون لكن وأن وكأن التي حذفت عنها المتحرّكة لكانت مثلها في الوقف. والألف الخفيفة والألف واللام، فإنما النون الثقيلة بمنزلة باء قبَّ وطاء قطُّ.
وليس حرف ساكن في هذه الصِّفة إلا بعد ألفٍ أو حرف لين كالألف، وذلك نحو: تمودَّ الثوب وتضربيني، تريد المرأة. وتكون في ياء أصيمَّ، وليس مثل هذه الواو والياء لأنَّ حركة ما قبلهنّ منهن، كما أ،َّ ما قبل الألف مفتوح. وقد أجازوه في مثل ياء أصيمّ لأنّه حرف لين.
وقال الخليل: إذا أردت الخفيفة في فعل الاثنين كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعل الاثنين، في الوصل والوقف؛ لأنه لا يكون بعد الألف حرف ساكن ليس بمدغم. ولا تحذف الألف، فيلتبس فعل الواحد والاثنين. وذلك قولك: اضربا وأنت تريد النون، وكذلك لو قلت: اضرباني واضربا نعمان لا تردَّن الخفيفة. ولا تقل ذا موضع إدغام فأردَّها؛ لأنَّها قد تثبت مدغمة. والردُّ خطأ ههنا إذا كان محذوفا في الوصل والوقف إذا لم تتبعه كلاما. وكيف تردّه وأنت لو جمعت هذه النون إلى نون ثانية لاعتلَّت وأدغمت، وخذفت في قول بعض العرب، فإذا كفوا مؤنثها لم يكونوا ليردوها إلى ما يستثقلون.
ولو قلت ذا لقلت: اضربا نُّعمان؛ لأنَّ النون تدغم في النون.
ولو قلت ذا لقلت: اضربان أبا كما في قول من لم يهمز؛ لأنَّ ذا موضعٌ لم يمتنع فيه الساكن من التحريك، فتردها إذا وثقت بالتحريك كما رددتها حيث وثقت بالإدغام، فلا تردّ في شيء من هذا، لأنّك جئت به إلى شيء قد لزمه الحذف. إلا ترى أنكَّ لو لم تخف اللبس فحذفت الألف لم تردهّا، فكذلك لا ترد النون. ولو قلت ذا لقلت جيثونيِّ في قولك: جيؤنى؛ لأنَّ الواو قد ئبتت وبعدها ساكن مدغم، ولقلت: جيؤو نعمَّان. والنون لا تردّ ههنا، كما لا تردّ في الوصل والوقف هذه الواو في نحو ما ذكرنا. وذلك انكَّ تقول للجميع: جيؤنَّ زيداً، تريد الثقيلة، ولا تردها في الوقف ولا في الوصل.

وأن أردت الخفيفة في فعل الاثنين المرتفع قلت: هل تضربان زيداً، لأنكَّ قد أمنت النونّ الخفية وإنمَّا أذهبت النون لأنها لا تثبت مع النون الرفع، فإذا بقيت نون الرفع لم تثبت بعدها النون الخفيفة فلماَّ أمنوها ثبتت نون الرفع في الصلة كما ثبتت نون الرفع في فعل جميع في الوقف ورددت نون الجميع كما رددت ياء أضرب وواو اضربوا حين أمنت البدل من الخفيفة في الوقت. وإذا أدخلت الثقيلة في فعل جميع النساء قلت: اضربنانَِّ يا نسوة، وهل تضربنانِّ ولتضربنانِّ، فإنمَّا ألحقت هذه الألف كراهية النونات، فأرادوا أن يفصلوا لالتقائها كما حذفوا نون الجميع للنوَّنات ولم يحذفوا نون النِّساء كراهية ان يلتبس فعلهن وفعل الواحد. وكسرت الثقيلة ههنا لأنهَّا بعد ألف زائدة فجعلت بمنزلة نون الاثنين حيث كانت كذلك. وهي في ما سوى ذلك مفتوحة؛ لأنهَّما حرفان الأوّل منهم ساكن، ففتحت كما فتحت نون أين.
وإذا أردت الخفيفة في فعل جميع النساء قلت في الوقف والوصل: اضربن زيدا، ولضربن زيداً،ويكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة، وتحذف الألف التي في قولك: اضربنانِّ لأنِّها ليست باسم كألف اضربا، وإنمَّا جئت بها كراهية النونات، فلمِّا أمنت النون لم تحتج أليها فتركتها كما أثبِّت نون الاثبين في الرفع إذا أمنت النون، وذلك لأنهَّا لم تكن لتثبت مع نون الجميع التقائهما، ولا بعد الألف، كما لم تثبت في الاثنين، فلمَّا استغنوا عنها تركوها.
وأمًّا يونس وناسٌ من النحويينّ فيقولون: اضربان زيداً واضربنان زيداً.
فهذا لم تقله العرب، وليس له نظيرا في كلامها. ولا يقع بعد الألف ساكنٌ إلاّ أن يدغم.
ويقولون في الوقف: اضربا واضربنا فيمدّون، وهو القياس قولهم، لأنهَّا تصير ألفاً، فإذا اجتمعت ألفان مد الحرف، وإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألف موصلة جعلوها همزة مخففَّة وفتحوها، وإنمَّا القياس في قولهم أن يقولوا اضرب الرَّجل، كما تقول بغير الخفيفة إذا كان بعدها ألف وصلٍ أو ألف ولام ذهبت، فينبغي لهم أن يذهبوها لذا، ثم تذهب الألف كما تذهب الألف وأنت تريد النون في الواحد إذا وقفت فقلت: اضربا ثم قلت: اضرب الرجل؛ لأنَّهم إذا قالوا: اضربان زيدا فقد جعلوها بمنزلتها في اضربن زيدا، فينبغي لهم أن يجرؤا عليها هناك ما يجري عليها في الواحد.
باب ثبات الخفيفة والثقيلةفي بنات الياء والواو التي الواوات والياءات لا ماتهن اعلم أن الياء التي هي لام، والواو التي هي بمنزلتها، إذا حذفنا في الجزم ثم الحقت الخفيفة أو الثقيلة، أخرجتها كما تخرجها إذا جئت بالألف للاثنين؛ لأنَّ الحرف يبنى عليها كما يبنى على تلك الألف وما قبلها مفتوح كما يفتح ما قبل الألف. وذلك قولك: ارمينَّ زيدا، واخشينَّ، واغزونَّ.
قال الشاعر:
استقدر الله خيراً وأرضينَّ به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير
وإن كانت الواو والياء غير محذوفين ساكنتين، ثم ألحقت الخفيفة أو الثقيلة حرّكتّها كما تحرّكّها لألف الاثنين، والتفسير في ذلك كالتفسير في المحذوف. وذلك قولك: لأدعونَّ ولأرضينَّ ولأرمينَّ، وهل ترضينَّ أو ترمينَّ، وهل تدعون.
وكذلك كلُّ ياءٍ أجريت مجرى الياء من نفس الحرف وكانت في الحرف، نحو ياء سلقيت وتجعبيت. جعباه أي صرعه، وتجعبى: انصرع.
باب مالا تجوز فيه نون خفيفة ولا ثقيلةوذلك الحروف التي للأمر والنهي وليست بفعل، وذلك نحو: إيه وصه ومه وأشباهها. وهلَّم في لغة أهل الحجاز كذلك. ألا تراهم جعلوها للواحد والاثنين والجميع والذَّكر والأنثى سواء. وزعم أنها لمَّ ألحقتها هاء التنبيه في اللغتين.
وقد تدخل الخفيفة والثقيلة في هلَّم في لغة بني تميم لأنَّها عندهم بمنزلة ردًّ وردّاً وردِّي وارددن، كما تقولك هلمَّ وهلمَّا وهلمِّي وهلممن والهاء فضل، إنَّما هي ها التي للتنبيه، ولكنّهم حذفوا الألف لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم.
باب مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه

والتضعيف أن يكون آخر الفعل حرفان من موضعٍ واحد، ونحو ذلك: رددت ووددت، واجتررت، وانقددت، واستعددت، وضاررت، وتراددنا، واحمررت واحماررت، واطمأننّت. فإذا تحرَّك الحرف الآخر فالعرب مجمعون على الإدغام، وذلك فيما زعم الخليل أولى به؛ لأنه لما كانا من موضع واحد ثقل عليهم أن يرفعوا ألسنتهم من موضع ثم يعيدوها إلى ذلك الموضع للحرف الآخر، فلما ثقل عليهم ذلك أرادوا أن يرفعوا رفعةً واحدة.
وذلك قولهم: ردِّي واجترّاَ وانقدوا واستعدّي وضارّي زيدا، وهما يرادّان واحمرّ واحمارَّ، وهو يطمئنُّ. فإذا كان حرف من هذه الحروف في موصع تسكن فيه لام الفعل فإنَّ أهل الحجاز يضاعفون؛ لأنَّهم أسكنوا الآخر، فلم يكن بدٌّ من تحريك الذي قبله؛ لأنه لا يلتقي ساكنان. وذلك قولك: اردد واجترر، وإن تضار أضارر، وإن تستعدد أستعدد وكذلك جميع هذه الحروف ويقولون اردد الرجل وإن تستعدد اليوم استعدد، يدعونه على حاله ولا يدغمون؛ لأنَّ هذا التحريك ليس بلازم لها، إنما حركوا في هذا الموضع لالتقاء الساكنين، وليس الساكن الذي بعده في الفعل مبنيَّاً عليه كالنون الثقيلة والخفيفة.
وأمّا بنو تميم فيدغمون المجزوم كما أدغموا، إذ كان الحرفان متحرّكين لما ذكرنا من المتحرّكين، فيسكنون الأوّل ويحرِّكون الآخر، لأنَّهما لا يسكنان جميعاً، وهو قول غيرهم من العرب، وهم كثير.
فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف الأول من الحرفين ساكنا ألقيت حركة الأول عليه: إن كان مكسورا فاكسره، وإن كان مضموما فضمَّه، وإن كان مفتوحا فافتحه. وإن كان قبل الذي تلقى عليه الحركة ألف وصل حذفتها؛ لأنَّه قد استغنى عنها حيث حرّك، وإنَّما احتيج إليها لسكون ما بعدها. وذلك قولك: ردَّ وفلاَّ وعضَّ، وإن تردَّأ ردَّ، ألقيت حركة الأول منهما على الساكن الذي قبله وحذفت الألف، كما فعلت ذلك في غير الجزم، وذلك قولك ردّاً وردَّوا.
وإن كان الساكن الذي قبل الأوَّل بينه وبين الألف حاجز ألقيت عليه حركة الأول؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما يتحولَّ في حال صاحبه عن الأصل، كما فعلت ذلك في ردَّ وفرَّ وعضَّ، ولا تحذف الألف لأنَّ الحرف الذي بعد ألف الوصل ساكن؛ وذلك قولك: اطمأنَّ واقشعرَّ، وإن تشمئزَّ أشمئز فصارت الألف في الإدغام والجزم مثلها في الخبر. وذلك قولك: اطمئنوا واطمئنا، ومثل ذلك استعدَّ.
وإن كان الذي قبل الأول متحركا وكان في الحرف ألف وصل لم تغيِّره الحركة عن حاله؛ لأنه لم يكن حرفا يضطرّ إلى تحريكه، ولا تذهب الألف لأنَّ الذي بعدها لم يحرَّك وذلك قولك:اجترَّ واحمرَّ وانقدَّ، وإن تنقدَّ أنقدَّ، فصار الإدغام وثبات الألف مثله في غير الجزم.
وإذا كان قبل الأوَّل ألف لم تغيَّر؛ لأنَّ الألف قد يكون بعدها الساكن المدغم فيحتمل ذلك وتكون ألف الوصل في هذا الحرف؛ لأنَّ الساكن الذي بعدها لا يحرَّك. وذلك احمارَّ واشهابَّ. وإن تدهامَّ أدهامَّ، فصار في الإدغام وثبات الألف مثله في غير الجزم.
وإن كان قبل الأوّل ألف ولم يكن في ذلك الحرف حرف وصلٍ لم يتغيِّر عن بنائه وعن الإدغام في غير الجزم، وذلك قولك: مادَّ ولا تضارَّ، ولا تجارّ. وكذلك ما كانت ألفه مقطوعة نحو: أمدَّ وأعدَّ.
باب اختلاف العرب في تحريك الآخرلأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأوّل، من غير أهل الحجاز اعلم أن منهم من يحرك الآخر كتحريك ما قبله، فإن كان مفتوحا فتحوه، وإن كان مضموما ضمَّوه، وإن كان مكسوراً كسروه، وذلك قولك: ردُّ وعضَّ وفرَّ يا فتى، واقشعرَّ واطمئنِّ واستعدِّ، واجترَّ واحمرَّ وضارَّ؛ لأن قبلها فتحة وألفاً؛ فهي أجدر أن تفتح وردُّنا ولا يشلِّكم الله، وعضَّنا ومدَّني إليك ولا يشلِّك الله وليعضُّكم. فإن جاءت الهاء والألف فتحوا أبداً.

وسألت الخليل لم ذاك؟ فقال: لأنَّ الهاء خفيَّة، ردَّا وأمدَّا غلاَّ، إذا قالوا: ردَّها وغلَّها وأمدَّها. فإذا كانت الهاء مضمومة ضمرا، كأنهم قالوا: مدُّوا وعضُّوا، إذا قالوا: مدُّه وعضُّه. فإن جئت بالألف واللام وبالألف الخفية كسرت الأول كله، لأنَّه كان في الأصل مجزوما؛ لأن الفعل إذا كان مجزوماً فحرّك لالتقاء الساكنين كسر. وذلك قول: اضرب الرَّجل واضرب ابنك، فلما جاءت الألف واللام والألف الخفيفة رددته إلى أصله، لأن أصله أن يكون مسكَّنا على لغة الحجاز، كما أنَّ نظائره من غير المضعف على ذلك جرى.
ومثل ذلك مذوذهبتم فيمن أسكن، تقول: مذ اليوم، وذهبتم اليوم؛ لأنك لم تبن الميم على أصله السكون، ولكنه حذف كياء قاضٍ ونحوها.
ومنهم من يفتح إذا التقى ساكنان على كل حال، إلا في الألف واللام والألف الخفيفة. فزعم الخليل أنهم شبهوه بأين وكيف وسوف وأشباه ذلك، وفعلوا به إذ جاءوا بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون، وهم بنو أسدٍ وغيرهم من بني تميم. وسمعناه ممن ترضى عربيته. ولم يبتغوا الآخر الأول كما قالوا: امرؤ وامرىءٍ وامرأ فأتبعوا الآخر الأول، وكما قالوا: ابم وابنم وابنّما.
ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام على حاله مفتوحاً، يجعله في جميع الأشياء كأين. وزعم يونس أنه سمعهم يقولون:
غضَّ الطَّرف إنك من نميرٍ
ولا يكسر هلَّم البتة من قال: هلمَّا وهلمَّي، ولكن يجعلها في الفعل تجري مجراها في لغة أهل الحجاز بمنزلة رويد.
ومن العرب من يكسر ذا أجمع على كل حال، فيجعله بمنزلة اضرب الرجل وأن لم تجىء بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين وكذلك اضرب ابنك واضرب واضرب ابنك واضرب الرجل. ولا يقولها في هلَّم، لا يقول: هلمِّ يا فتى من يقول: هلُّموا، فيجعلها بمنزلة رويد. ولا يكسر هلَّم أحد؛ لأنها تصرَّف تصرُّف الفعل ولم تقوقوَّته ومن يكسر كعب وغنى.
وأهل الحجاز وغيرهم، مجتمعون على أنهم يقولون للنساء: ارددن، وذك لأن الدال لم تسكن ههنا لأمر ولا نهيٍ. وكذلك كل حرف قبل نون النساء لا يسكن لأمر ولا لحرفٍ يجزم. ألا ترى أن السكون لازم له في حال النصب والرفع، وذلك قولك: رددن، وهن يرددن، علىَّ أن يرددن وكذلك يجري غير المضاعف قبل نون النساء، لا يحرك في حال. وذلك قولك: ضربن ويضربن ويذهبن. فلما كان هذا الحرف يلزمه السكون في كل موضع وكان السكون حاجزاً عنه ما سواه من الإعراب وتمكن فيه ما لم يتمكن في غيره من الفعل، كرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما يجزم لأمر أو لحرف الجزم، فلم يلزمه السكون كلزوم هذا الذي هو غير مضاعف.
ومثل ذلك قولهم: رددت ومددت؛ لأن الحرف بني على هذه التاء كم بنى على النون وصار السكون فيه بمنزلته فيما نون النساء. يدلك على ذلك أنه في موضح فتح.
وزعم الخليل أنَّ ناساً من بكر بن وائل يقولون: ردَّن ومدَّن وردَّت، جعلوه بمنزلة ردَّ ومدَّ. وكذلك جميع المضاعف يجري كم ذكرت لك في لغة أهل الحجاز وغيرهم والبكرييّن. وأما ردَّد ويردد فلم يدغموه؛ لأنه لا يجوز أن يسكن حرفان فيلتقيا، ولم يكونوا ليحركوا العين الأولى لأنَّهم لو فعلوا ذلك لم ينجوا من أ، يرفعوا ألسنتهم مرتين، فلما كان ذلك لا ينجيهم أجروه على الأصل ولم يجز غيره.
واعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أجروه على الأصل، قال الشاعر، وهو قعنب بن أم صاحب:
مهلاً أعاذل قد جرَّبت من خلقي ... أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا
وقال:
تشكو الوجى من أظلل وأظلل
وهذا النحو في الشعر كثير.
باب لمقصور والممدودوهما في بنات الياء والواو التي هي لامات وما كانت الياء في آخره وأجريت مجرى تلك التي من نفس الحرف.
فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح، وإنما نقصانه أن تبدل الألف مكان الياء والواو، ولا يدخلها نصب ولا رفع ولا جر.

وأشياء يعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنّما تقع أواخرهن بعد حرف مفتوح، وذلك نحو: وذلك نحو: معطيً ومشتريً وأشباه ذلك لأن معطىً مفعل، وهو مثل مخرجٍ، فالياء بمنزلة الجيم والراء بمنزلة الطاء، فنظائر ذا تدلّك على أنه منقوص. وكذلك مشتريً، إنَّما هو مفتعل، هو مثل معتركٍ، فالراء بمنزلة الراء، والياء بمنزلة الكاف.
ومثل ذلك: هذا مغزىً وملهى إنَّما هما مفعل، وإنمَّا هما بمنزلة مخرجٍ، فإنمّا هي واوٌ وقعت بعد مفتوح، كما أن الجيم وقعت بعد مفتوح، وهما لامان، فأنت تستدلّ بذا على نقصانه.
ومثل ذلك المفعول من سلقيته، وذلك قولك: مسلقىً ومسلنقىً.
والدليل على ذلك أنهَّ لو كان بدل هذه الياء التي في سلقيت حرفُ غير الياء لم تقع إلا بعد مفتوح، فكذلك هذا وأشباهه.
ومما تعلم أنهَّ منقوص كل شيء كان مصدراً لفعل يفعل، وكان الاسم على افعل؛ لأنَّ ذلك في غير بنات الياء والواو إنمَّا يجيء على مثال فعلٍ، وذلك قولك للأحول: به حولٌ، وللأعور: به عورٌ، ولأدر به أدرٌ، وللأشتر: به شترٌ، وللأقرع: به قرعٌ، وللأصلع: به صلعٌ. وهذا أكثر من أن أحصيه لك.
فهذا يدلكَّ على أن الذي من بنات الياء والواو منقوص لأنهَّ فعلٌ، وذلك قولك للأعشى: به عشيً وللأعمى: به عميً، وللأقنى: به قنًي.
فهذا يدلّك على أنه منقوص، كما يدلكّ على أنَّ نظير كل شيء وقعت جيمه بعد فتحة من أخرجت منقوص من أعطيت؛ لأنهَّا أفعلت، ولكل شيء من أخرجت نظير من أعطيت.
ومما تعلم أنه منقوص أن ترى الفعل فعل يفعل والاسم منه فعلٌ، فإذا كان الشيء كذلك عرفت أنَّ مصدره منقوص لأنهَّ فعلٌ، يدلّك على ذلك نظائره من غير المعتل، وذلك قولك: فرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ، وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ، وكسل يكسل كسلاً وهو كسلٌ، ولحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ، وأشر يأشر أشراً وهو أشرٌ، وذلك اكثر من أن أذكره لك.
فمصدر ذا من بنات الياء والواو على مثال فعلٍ، وإذا كان فعلٌ فهو ياء أو واو وقعت بعد فتحة، وذلك قولك: هوى يهوي هويً وهو هوٍ، ورديت تردى ردىً وهو ردٍ، وهو الرَّدى، وصديت تصدي صدىً وهو صدٍ وهو ولوي يلوي لويً وهو لو وهو اللَّوي، وكريت تكري كريً وهو النعُّاس، وغوى الصبيُّ يغوي غوًى وهو غوٍ وهو الغوى.
وإذا كان فعل يفعل والاسم فعلان فهو أيضاً منقوص. ألا ترى أنَّ نظائره من غير المعتل تكون فعلا. وذلك قولك للعطشان: عطش يعطش عطشاً وهو عطشان، وغرث يغرث غرثاً وهو غرثان، وظمىء يظمأ ظمأً وهو ظمآن. فكذلك مصدر نظير ذا من بنات والواو ولأنه فعل لما أن ذا فعل حيث كان فعلان له فعلى، وكان فعل يفعل، وذلك قولك: طوى يطوي طوىً، وصدى يصدي صدًى وهو صديان. وقالوا: غرى يغري غرىً وهو غرٍ. والغراء شاذٌّ ممدود كما قالوا الظماء. وقالوا: رضي يرضي وهو راضٍ وهو الرِّضا، ونظيره سخط يسخط سخطاً وهو ساخط، وكسروا الراء كما قالوا: الشَّبه فلم يجيئوا به على نظائره، وذا لا يجسر عليه إلاَّ بسماعٍ، وسوف نبين ذلك إن شاء الله. وأما الغراء فشاذ.
وقالوا: بدا له يبدو له بداً، ونظيره حلب يحلب حلباً. وهذا يسمع ولا يجسر عليه، ولكن يجاء بنظائره بعد السمع.
ومن الكلام ما لا يدري أنَّه منقوص حتى تعلم أن العرب تكلَّم به، فإذا تكلموا به منقوصاً علمت أنها ياء وقعت بعد فتحة أو واو، لا تستطيع أن تقول ذا لكذا، كما لا تستطيع أن تقول قالوا: قدم لكذا، ولا قالوا: جمل لكذا، فكذلك نحوهما. فمن ذلك قفاً ورحى ورجا البئر، وأشباه ذلك، لا يفرق بينها وبين سماء كما لا يفرق بين قدمٍ وقذالٍ؛ إلا أنك إذا سمعت قلتك هذا فعل وهذا فعال.
وأما الممدود فكلُّ شيء وقعت ياؤه أو واو بعد ألف.
فأشياء يعلم أنَّها ممدودة، وذلك نحو الاستسقاء لأن استسقيت استفعلت مثل استخرجت، فإذا أردت المصدر علمت أنَّه لا بد من أن تقع ياؤه بعد ألف كما أنه لا بد للجيم من أن تجيء في المصدر بعد ألف، فأنت تستدل على الممدود كما يستدل على المنقوص بنظيره من غير المعتل، حيث علمت أنه لا بد لآخره من أن يقع بعد مفتوح، كما أنَّه لا بدّ لآخر نظيره من أن يقع بعد مفتوح.
ومثل ذلك الاشتراء؛ لأنَّ اشتريت افتعلت بمنزلة احتقرت، فلا بد من أن تقع الياء بعد ألف، كما أن الرَّاء لا بدّ لها من أ، تقع بعد ألف إذا أردت المصدر.

وكذلك الإعطاء؛ لأنَّ أعطيت أفعلت، كما أنَّك إذا أردت المصدر من أخرجت لم يكن بدُّ للجيم من أن تجيْ بعد ألف إذا أردت المصدر فعلى هذا فقس هذا النحو.
ومن ذلك أيضاً الاحبنطاء، لا يقال إلا احبنطيت، والاسلنقاء؛ لأنك لو أوقعت مكان في مكان الياء حرفاً سوى الياء لأوقعته بعد ألف، فكذلك جاءت الياء بعد ألف، فإنما تجيء على مثال الاستفعال.
ومما تعلم به أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول يكون للصوت، نحو: العواء والدُّعاء والزُّقاء، وكذلك نظيره من غير المعتل نحو: الصراخ والنُّباح، والبغام.
ومن ذلك أيضا البكاء وقال الخليل: الذين قصروه جعلوه كالحزن.
ويكون العلاج كذلك، نحو: النزاء. ونظيره من غير المعتل القماص، وقلَّما يكون ما ضم أوله من المصدر منقوصاً؛ لأن فعلاً لا تكاد تراه مصدراً من غير بنات الياء والواو.
ومن الكلام ما لا يقال له: مدَّ لكذا، كما أنك لا تقول: جراب وغراب لكذا، وإنَّما تعرفه بالسَّمع، فإذا سمعته علمت أنَّها ياء أو واو وقعت بعد ألف، نحو: السَّماء والرِّشاء والألاء والمقلاء.
ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون عل مثال أفعلةٍ، فواحده ممدود أبداً نحو: أقبيةٍ واحدها قباء، وأرشية واحدها رشاء. وقالوا: ندىً وأندية. فهذا شاذ.
وكلّ جماعة واحدها قعلة أو فعلة فهي مقصورة نحو: عروةٍ وعرًى، وفريةٍ وفرًى.
هذا باب الهمزاعلم أن الهمزة تكون فيها ثلاثة أشياء: التحقيق، والتخفيف، والبدل.
فالتحقيق قولك: قرأت، ورأس، وسأل، ولؤم، وبئس، وأشباه ذلك.
وأمّا التخفيف فتصير الهمزة فيه بين بين وتبدل، وتحذف، وسأبيّن ذلك إن شاء الله.
اعلم أن كلّ همزةٍ مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنَّك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة وتكون بزنتها محققَّةً، غير أنَّك تضعف الصوت ولا تتمه وتخفي؛ لأنّك تقربّها من هذه الألف. وذلك قولك: سأل في لغة أهل الحجاز إذا لم تحقَّق كما يحقِّق بنو تميم، وقد قرأ قبل، بين بين.
وإذا كانت الهمزة منكسرة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء الساكنة كما كانت المفتوحة بين الهمزة والألف الساكنة. ألا ترى أنك لا تتم الصوت ههنا وتضعِّفه لأنَّك تقرِّبها من الساكن، ولولا ذلك لم يدخل الحرف وهن، وذلك قولك: يئس وسئم، وإذ قال ابراهيم وكذلك أشباه هذا.
وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو الساكنة. والمضمومة قصتها وقصّة الواو قصة المكسورة والياء، فكلّ همزة تقرَّب من الحرف الذي حركتها منه فإنّما جعلت هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفاتٍ ولا ياءات ولا واواتٍ؛ لأنَّ أصلها الهمز، فكرهوا أن يخففّوا على غير ذلك فتحوَّل عن بابها، فجعلوها بين بين ليعلموا أنَّ أصلها عندهم الهمز.
وإذا كانت الهمزة مكسورة وقبلها كسرة أو ضمة فهذا أمرها أيضاً، وذلك قولك: من عند إبلك ومرتع إبلك.
وإذا كانت الهمزة مضمومة وقبلها ضمّة أو كسرة فإنَّك تصيَّرها بين بين؛ وذلك قولك: هذا درهم أختك، ومن عند أمّك، وهو قول العرب وقول الخليل.
واعلم أنَّ كلّ همزة كانت مفتوحة وكان قبلها حرف مكسور فإنّك تبدل مكانها ياء التخفيف، وذلك قولك في المئر: مير، وفي يريد أن يقرئك يقريك. ومن ذلك: من غلام يبيك، إذا أردت من غلام أبيك.
وإن كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمّة وأردت أن تخفف أبدلت مكانها واواً كما أبدلت مكانها ياء حيث كان ما قبلها مكسورا، وذلك قولك: في التؤدة تودة، وفي الجؤن جون، وتقول: غلام وبيك إذا إذا أردت غلام أبيك.
وإنما منعك أن تجعل الهمزة ههنا بين بين من قبل أنها مفتوحة، فلم تستطع أن تنحو بها نحو الألف وقبلها كسرة أو ضمّة، كما أن الألف لا يكون ما قبلها مكسوراً ولا مضموماً، فكذلك لم يجيء ما يقرب منها في هذه الحال.
ولم يحذفوا الهمزة إذا كانت لا تحذف وما قبلها متحرِّك، فلمَّا لم تحذف وما قبلها مفتوح لم تحذف وما قبلها مضموم أو مكسور، لأنَّه متحرِّك يمنع الحذف كما منعه المفتوح.
وإذا كانت الهمزة ساكنة وقبلها فتحة فأردت أن تخفِّف أبدلت مكانها ألفاً، وذلك قولك في رأسٍ وبأسٍ وقرأت: راس وباس وقرات.
وإن كان ما قبلها مضموما فأردت أن تخفِّف أبدلت مكانها واواً، وذلك قولك في الجؤنة والبؤس والمؤمن الجونة والبوس والمومن.

وإن كان ما قبلها مكسورا أبدلت مكانها ياء، كما أبدلت مكانها واواً إذا كان ما قبلها مضموما، وألفاً إذا كان ما قبلها مفتوحا، وذلك الذِّئب والمئرة: ذيب وميرة فإنّما تبدل مكان كلِّ همزة ساكنةٍ الحرف الذي منه الحركة التي قبلها؛ لأنَّه ليس شيء أقرب منه ولا أولى به منها.
وإنّما يمنعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنَّها حروف ميتة، وقد بلغت غايةً ليس بعدها تضعيف، ولا يوصل إلى ذلك ولا تحذف؛ لأنه لم يجيء أمر تحذف له السواكن، فألزموه البدل كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمّة البدل: وقال الراجز:
عجبت من ليلاك وانتيابها ... من حيث زراتني ولم أورا بها
خفّف: ولم أورأبها، لإأبدلوا هذه الحروف التي منها الحركات لأنها أخوات، وهي أمَّهات البدل والزوائد، وليس حرف يخلو منها أو من بعضها، وبعضها حركاتها. وليس حرف أقرب إلى الهمزة من الألف، وهي إحدى الثلاث، والواو والياء شبيهة بها أيضاً مع شركتهما أقرب الحروف منها. وسترى ذلك إن شاء الله.
واعلم أنَّ كل همزة متحرّكة كان قبلها حرف ساكن فأردت أن تخفّف حذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها. وذلك قولك: من بوك ومن مُّك وكم بلك، إذا أردت أن تخفِّف الهمزة في الأب والأم والإبل.
ومثل ذلك قولك ألحمر إذا أردت أن تخفف ألف الأحمر. ومثله قولك في المرأة: المرة، والكمأة: الكمة. وقد قالوا: الكماة والمراة ومثله قليل.
وقد قال الذين يخفِّفون: " ألا يسجدوا لله الَّذي يخرج الخب في السَّموات، حدثنا بذلك عيسى وإنَّما حذفت الهمزة ههنا لأنك لن ترد أن تتمّ وأردت إخفاء الصوت، فلم يكن ليلتقي ساكن وحرف هذه قصته كما لم يكن ليلتقي ساكنان. ألا ترى أنَّ الهمزة إذا كانت مبتدأةً محقَّقة في كل لغة فلا تبتدىء بحرف قد أوهنته؛ لأنَّه بمنزلة الساكن، كما لا تبتدىء بساكن. وذلك قولك: أمر. فكما لم يجز أن تبتدأ فكذلك لم يجز أن تكون بعد ساكن، ولم يبدلوا لأنَّهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الياء والواو اللّتين هما لامان. فإنَّما تحتمل الهمزة أن تكون بين بين في موضع لو كان مكانها ساكنٌ جاز، ألاَّ الألف وحدها فإنه يجوز ذلك بعدها، فجاز ذلك فيها. ولا تبالي إن كانت الهمزة في موضع الفاء أو العين أو اللام، فهو بهذه المنزلة إلاّ في موضع لو كان فيه ساكنٌ جاز.
وممّا حذف في التخفيف لأنّ ما قبله ساكن قوله: أرى وترى ويرى ونرى، غير أنَّ كل شيء كان في أوله زائدةٌ سوى ألف الوصل من رأيت فقد اجتمعت العرب على تفيفه لكثرة استعمالهم إيّاه، جعلوا الهمزة تعاقب.
وحدثني أبو الخطاَّب أنه سمع من يقول: قد أرآهم، يجيء بالفعل من رأيت على الأصل، من العرب الموثوقون بهم.
وإذا اردت أن تخفِّف همزة ارأوه، تلقى حركة الهمزة على الساكن وتلقى ألف الوصل؛ لأنَّك استغنيت حين حرّكت الذي بعدها، لأنَّك إنما الحقت ألف الوصل للسكون. ويدّلك على ذلك: رذاك، وسل، خفّفوا ارأ واسأل.
وإذا كانت الهمزة المتحرّكة بعد ألف لم تحذف؛ لأنَّك لو حذقتها ثم فعلت بالألف ما فعلت بالسواكن التي ذكرت لك لتحولت حرفاً غيرها، فكرهوا أن يبدلوا مكان الألف حرفاً ويغيّروها؛ لأنَّه ليس من كلامهم أن يغيّروا السَّواكن فيبدلوا مكانها إذا كان بعدها همزة فخفّفوا، ولو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حدِّ كلامهم؛ لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الياء والواو ثانيةً فصاعداً وقبلها فتحة، إلاَّ أن تكون الياء أصلها السكون. وسنبين ذلك في بابه إن شاء الله.
والألف تحتمل أن يكون الحرف المهموز بعدها بين بين، لأنَّها مدٌّ، كما تحتمل أن يكون بعدها ساكن، وذلك قولك في هباءة: هباأة، وفي مسائل مسايل، وفي جزاء أمِّه: جزاؤ امِّه.

وإذ1 كانت الهمزة المتحركة بعد واو أو ياء زائدةٍ ساكنة لم تلحق لتلحق بناء ببناء، وكانت مدَّةً في الاسم والحركة التي قبلها منها بمنزلة الألف، أبدل مكانها واو إن كانت بعد واو، وياء إن كانت بعد ياء ولا تحذف فتحرِّك هذه الواو والياء فتصير بمنزلة ما هو من نفس الحرف، أو بمنزلة الزوائد التي مثل ما هو من نفس الحرف من الياءات والواوات. وكرهوا أن يجعلوا الهمزة بين بين بعد هذه الياءات والواوات إذ كانت الياء والواو الساكنة قد تحذف بعدها الهمزة المتحركة وتحرّك، فلم يكن بدٌّ من الحذف أو البدل، وكرهوا الحذف لئلاَّ تصير هذه الواوات والياءات بمنزلة ما ذكرنا، وذلك قولك في خطيئةٍ خطيَّة، وفي النَّسىء النَّسيٌّ يا فتى، وفي مقروء، ومقروءةٍ: هذا مقروٌّ، وهذه مقروّة، وفي أفيئس وهو تحقير أفؤسٍ أفيس، وفي بريئةٍ بريَّة، وفي سويئلٍ وهو تحقير سائلٍ سويِّل، فياء التحقير بمنزلة ياء خطيّةٍ وواو الهدوِّ، في أنَّها لم تجيء لتلحق بناء ببناء، ولا تحرَّك أبداً بمنزلة الألف. وتقول في أبي إسحاق وأبو إسحاق: أبيسحاق وأبو سحاق. وفي أبي أيُّوب وذو أمرهم: ذومرهم وأبي يُّوب، وفي قاضي أبيك: قاضي بيك، وفي يغزو أمَّه: يغزومَّه، لأنَّ هذه من نفس الحرف.
وتقول في حوأبةٍ: حوبة؛ لأنّ هذه الواو ألحقت بنات الثلاثة ببنان الأربعة، وإنما كواو جدولٍ. ألا تراها لا تغيّر إذا كسّرت للجمع تقول: حوائب، فإنَّما هي بمنزلة عين جعفرٍ.
وكذلك سمعنا العرب الذي يخففون يقولون: اتَّبعومره لأنّ هذه الواو ليست بمدَّة زائدة في حرف الهمزة منه، فصارت بمنزلة واو يدعو. وتقول: اتبَّعي مره، صارت كياء يرمي حيث انفصلت ولم تكن مدَّةً في كلمة واحدةٍ مع الهمزة؛ لأنَّها إذا كانت متَّصلة ولم تكن من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو نفس الحرف، أو تجيء لمعنىً، فإنّما تجيء لمدَّةً لا لمعنى. وواو اضربوا واتبعوا، هي لمعنى الأسماء، وليس بمنزلة الياء في خطيئةٍ تكون في الكلمة لغير معنىً. ولا تجيء الياء مع المنفصلة لتلحق بناءً ببناء فيفصل بينها وبين ما لا يكون ملحقاً بناء ببناء.
فأمَّا الألف فلا تغيَّر على كلِّ حال؛ لأنها إن حرِّكت صارت غير ألف. والواو والياء تحرّكان ولا تغيَّران.
واعلم أنَّ الهمزة إنَّما فعل بها هذا من لم يخففها؛ لأنَّه بعد مخرجها، ولأنها نبرة في الصدَّر تخرج بالجتهادٍ، وهي أبعد الحروف مخرجاً، فثقل عليهم ذلك، لأنَّه كالتهُّوع.
واعلم أنَّ الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدةً منهما من كلمة، فإنَّ أهل التحقيق يخفَّفون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة. فليس كم كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا، ومن كلام العرب تخفيف الأولى وتحقيق الآخرة، وهو قول ابي عمر. وذلك قولك: فقد جا أشراطها، ويا زكريَّا إنا نبشرك.
ومنهم من يحقِّق الأولى ويخفّف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، وهو قولك: فقد جاء أشراطها، ويا زكريَّا إنَّا. وقال:
كلَّ غرَّاء إذا ما برزت ... ترهب العين عليها والحسد
سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له: لمه؟ فقال: إنيَّ رأيتهم حين أرادوا أن يبدلوا إحدى الهمزتين اللَّتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة، وذلك: جاىءٍ وآدم. ورأيت أبا عمرو أخذ بهنَّ في قوله عزَّ وجلَّ: " يا ويلتا أللد وأنا عجوز " ، وحقق الأولى. وكلٌّ عربيّ. وقياس من خفّف الأولى أن يقول: يا ويلتا األد.
والمخفّفة فيما ذكرنا بمنزلتها محقّقة في الزِّنة، يدُّلك على ذلك قول الأعشى:
أأن رأت رجلاً أعشى أضرَّبه ... ريب المنون ودهر متبل خبل
فلو لم تكن بزنتها محقّقة لا نكسر البيت.
وأمَّا أهل الحجاز فيخفّفون الهمزتين؛ لأنّه لو لم تكن إلاّ واحدة لخفِّفت.

وتقول: اقرا آيةً في قول من خفف الأولى؛ لأنّ الهمزة الساكنة أبداً إذا خففت أبدل مكانها الحرف الذي منه حركة ما قبلها. ومن حقَّق الأولى، قال: اقرآية؛ لأنّك خففّت همزةً متحرّكة قبلها حرف ساكن، فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها. وأمّا أهل الحجاز فيقولون: اقرأ آيةً؛ لأن أهل الحجاز يخفّفونهما جميعاً يجعلون همزة اقرأ ألفاً ساكنة ويخفّفون همزة آية. ألا ترى أن لو لم تكن إلا همزة واحدة خفَّفوها، فكأنه قال: اقرا، ثمَّ جاء بآية ونحوهما.
وتقول: أقري باك السَّلام بلغة أهل الحجاز؛ لأنهم يخففَّونهما. فإنما قلت أقري ثمَّ جئت بالأب فحذفت الهمزة وألقيت الحركة على الياء.
وتقول فيهما إذا خففت الأولى في فعل أبوك من قرأت: قرا أبوك، وإن خففت الثانية قلت: قرأ ابوك محققةٌ. والمخففة بونتها محققةً، ولولا ذلك لكان هذا البيت منكسراً إن خففت الأولى أو الآخرة:
كلُّ غرّاء إذا ما برزت
ومن العرب ناس يدخلون بين الف الاستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا، وذلك أنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا، كما قالوا: اخشينان ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة. قال ذو الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النَّقا آأنت أم أمُّ سالم
فهؤلاء أهل التحقيق. وأمَّا أهل الحجاز فمنهم من يقول: آأنّك وآأنت، وهي التي يختار أبو عمرو، وذلك لأنهم يخففون الهمزة والذي كما يخفف بنو تميم في اجتماع الهمزتين فكرهوا التقاء الهمزة والذي هو بين بين فأدخلوا الألف كما أدخلته بنو تميم في التحقيق.
ومنهم من يقول: إن بني تميم الذين يدخلون بين الهمزة وألف الاستفهام ألفاً، وأمَّا الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعاً ولا يدخلون بينهما ألفاً. وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بدٌّ وخفَّفوا الثانية على لغتهم.
واعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بدٌّ من بدل الآخرة، ولا تخفف لأنهما إذا كانتا في حرف واحد لزم التقاء الهمزتين الحرف.
وإذا كانت الهمزتان في كلمتين فإنّ كلّ واحدة منهما قد تجرى في الكلام ولا تلزق بهمزتها همزة، فلما كانتا لا تفارقان الكلمة كانتا أثقل، فأبدلوا من إحداهما ولم يجعلوها في الاسم الواحد والكلمة الواحدة بمنزلتهما في كلمتين. فمن ذلك قولك في فاعلٍ من جئت جاىءٍ، أبدلت مكانها الياء لأنّ ما قبلها مكسور، فأبدلت مكانها الحرف الذي منه الحركة التي قبلها، كما فعلت ذلك بالهمزة الساكنة حين خففّت.
ومن ذلك أيضاً: آدم، أبدلوا مكانها الألف؛ لأن ما قبلها مفتوح وكذلك لو كانت متحركة لصيّرتها ألفاً كما صيرت همزة جاىءٍ ياءً وهي متحركة للكسرة التي قبلها.
وسألت الخليل عن فعللٍ من جئت فقال: جيأي، وتقديرها جميعاً، كما ترى.
وإذا جمعت آدم قلت: أوادم، كما إذا حقرت قلت: أويدم؛ لأنّ هذه الألف لمّا كانت ثانية ساكنة وكانت زائدة؛ لأنّ البدل لا يكون من انفس الحروف، فأرادوا أن يكسِّروا هذا الاسم الذي ثبتت فيه هذه الألف - صيّروا ألفه بمنزلة ألف خالد.

وأمَّا خطايا فكأنَّهم قلبوا ياء أبدلت من آخر خطايا ألفاً؛ لأنَّ ما قبل آخرها مكسور، كما أبدلوا ياء مطاياً ونحوها ألفاً، وأبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخر ياءً، وفتحت للألف، كما فتحوا راء مداري، فرقوا بينها وبين الهمزة التي تكون من نفس الحرف، أو بدلاً مما هو من نفس الحرف، نحو فعالٍ من برئت إذا قلت: رأيت براءً، وما يكون بدلاً من نفس الحرف قضاء، إذا قلت: رأيت قضاءً، وهو فعال من قضيت، فلمَّا أبدلوا من الحرف الآخر ألفاً استثقلوا همزةً بين ألفين، لقرب الألفين من الهمزة. ألا ترى أنَّ أناساً يحقِّقون الهمزة، فإذا صارت بين ألفين خفِّفوا، وذلك قولك: كساءان، ورأيت كساءً، وأصبت هناءً، فيخفّفون كما يخفّفون إذا التقت الهمزتان؛ لأنّ الألف أقرب الحروف إلى الهمزة. ولا يبدلون؛لأن الاسم قد يجري في الكلام ولا تلزق الألف الآخرة بهمزتها، فصارت كالهمزة التي تكون في الكلمة على حدة، فلمَّا كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخرة ياءً، ولم يجعلوها بين بين، لأنَّها والألفين في كلمة واحدة، ففعلوا هذا إذ كان من كلامهم، ليفرقوا بين ما فيه همزتان إحداهما بدل من الزائدة، لأنها أضعف - يعني همزة خطايا - وبين ما فيه همزتان إحداهما بدل من مما هو من نفس الحرف. إنما تقع إذا ضاعفت، وسترى ذلك في باب الفعل إن شاء الله.
واعلم أن الهمزة التي يحقِّق أمثالها أهل التحقيق من بني تمبم وأهل الحجاز وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين، تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً، والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً، والواو إذا كان ما قبلها مضموما. وليس ذا بقياس متلئبٍّ، نحو ما ذكرنا. وإنَّما يحفظ عن العرب كما يحفظ الشيء الذي تبدل التَّاء من واوه، نحو أتلجت، فلا يجعل قياساً في كلّ شيءٍ من هذا الباب، وإنَّما هي بدل من واو أولجت.
فمن ذلك قولهم: منساة، وإنَّما اصلها منسأة. وقد بجوز في ذا كلّه البدل حتَّى يكون قياساً متلئباً، إذا اضطر الشاعر: قال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشيَّةً ... فارعي فزارة لا هناك المرتع
فأبدل الألف مكانها. ولو جعلها بين بين لانكسر البيت.
وقال حسان:
سألت هذيل رسول الله فاحشةً ... ضلَّت هذيل بما جاءت ولم تصب
وقال القرشيّ، زيد بن عمرو بن نفيل:
سالتا الطَّلاق أن رأتاني ... قلَّ مالي، قد جئتماني بنكر.
فهؤلاء ليس من لغتهم سلت ولا يسال.
وبلغنا أن سلت تسال لغة.
وقال عبد الرحمن بن حسّان:
وكنت أذلَّ من وتدٍ بقاعٍ ... يشجّج رأسه بالفهر واجي
يريد: الواجىء وقالوا: نبيٌّ وبريّةٌ، فألزموا أهل التحقيق البدل. وليس كلُّ شيء نحوهما يفعل به ذا، إنّما يؤخذ بالسمع. وقد بلغنا أنَّ قوماً من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحقّقون نبيْ وبريئة، وذلك قليل رديء. فالبدل ههنا كالبدل في منساةٍ وليس بدل التخفيف، وإن كان اللفظ واحداً.
واعلم أنَّ العرب منها من يقول في أو أنت: أو أنت، يبدل. ويقول: أنا أرميّ باك، وأبوَّ يُّوب يريد أبا أيُّوب، وغلاميَّ بيك. وكذلك المنفصلة كلُّها إذا كانت الهمزة مفتوحة.
وإن كانت في كلمة واحدة نحو سوأةٍ وموألةٍ، حذفوا فقالوا: سوة ومولة. وقالوا في حوأبٍ: حوب؛ لأنَّه بمنزلة ما هو من نفس الحرف. وقد قال بعض هؤلاء: سوَّة وضوٌّ، شبّهوه بأوّنت.
فإن خفّفت أحلبني إبلك في قولهم، وأبو أمِّك، لم تثقل الواو كراهيةً لاجتماع الواوات والياءات والكسرات. تقول: أحلبني بلك وأبومِّك. وكذلك أرمي مَّك وادعو بلكم. يخفِّفون هذا حيث كان الكسر، والياءات مع الضمّ، والواوات مع الكسر. والفتح أخفُّ عليهم في الياءات والواوات. فمن ثمّ فعلوا ذلك.
ومن قال: سوة قال: مسوٌّ وسيَّ. وهؤلاء يقولون: أنا ذونسه، حذفوا الهمزة ولم يجعلوها همزةً تحذف وهي مما تثبت.
وبعض هؤلاء يقولون: يريد أن يجييك ويسوك، وهو يجيك ويسوك يحذف الهمزة. ويكره الضمُّ مع الواو والياء، وعلى هذا تقول: هو يرم خوانه، تحذف الهمزة ولا تطرح الكسرة على الياء لما ذكرت لك، ولكن تحذف الياء لالتقاء الساكنين.
باب الأسماء التي توقع على عدّة المؤنَّث
والمذكَّر لتبيِّن ما العدد إذا جاوز الاثنين والثِّنتين إلى أن تبلغ
تسعة عشر وتسع عشرة

اعلم أنَّ ما جاوز الاثنين إلى العشرة مما واحده مذكر فإنّ الأسماء التي تبين بها عدّته مؤنَّثة فيها الهاء التي هي علامة التأنيث. وذلك قولك: له ثلاثة بنين، وأربعة أجمالٍ، وخمسة أفراسٍ إذا كان الواحد مذكَّراً، وستَّة أحمرة. وكذلك جميع هذا تثبت فيه الهاء حتى تبلغ العشرة.
وإن كان الواحد مؤنثاً فإنَّك تخرج هذه الهاءات من هذه الأسماء وتكون مؤنَّثة ليست فيها علامة التأنيث. وذلك قولك: ثلاث بناتٍ، وأربع نسوةٍ، وخمس أينقٍ، وستُّ لبنٍ، وسبع تمراتٍ، وثماني بغلاتٍ. وكذلك جميع هذا حتَّى تبلغ العشر.
فإذا جاوز المذكَّر العشرة فزاد عليها واحداً قلت: أحد عشر، كأنَّك قلت: أحد جمل. وليست في عشر ألف، وهما حرفان جعلا اسماً واحداً، ضمّوا أحد إلى عشر ولم يغيَّروا أحد عن بنائه الذي كان عليه مفرداً حين قلت: له أحد وعشرون عاماً، وجاء الآخر على غير بنائه حين كان منفرداً والعدد لم يجاوز عشرة.
وإن جاوز المؤنَّث العشر فزاد واحداً قلت: إحدى عشرة بلغة بني تميم، كأنما قلت: إحدى نبقة. وبلغة أهل الحجاز: إحدى عشرة، كأنما قلت: إحدى تمرة. وهما حرفان جعلا اسماً واحداً ضمُّوا إحدى إلى عشرة ولم يغيّروا إحدى عن حالها منفردةً حين قلت: له إحدى وعشرون سنةً.
فإن زاد المذكَّر واحداً على أحد عشر قلت: له اثنا عشر، وإنَّ له اثنى عشر، لم تغيّر الاثنين عن حالهما إذا ثنيت الواحد، غير أنّك حذفت النون لأنَّ عشر بمنزلة النون، والحرف الذي قبل النون في الاثنين حرف إعراب، وليس كخمسة عشر. وقد بيَّنا ذلك فيما ينصرف ولا ينصرف.
وإذا زاد المؤَّنث واحدا على إحدى عشرة قلت: له ثنتا عشرة واثنتا عشرة، وإن له ثنتي عشرة واثنتي عشرة. وبلغة أهل الحجاز: عشرة. ولم تغيّر الثّنتين عن حالهما حين ثنَّيت الواحدة، إلاّ أنَّ النون ذهبت، هنا كما ذهبت في الاثنين؛ لأنّ قصَّة المذكّر والمؤنَّث سواء. وبني الحرف الذي بعد إحدى وثنتين على غير بنائه والعدد لم يجاوز العشر، كما فعل ذلك بالمذكّر.
وقد يكون اللفظ له بناء في حالٍ فإذا انتقل عن تلك الحال تغيَّر بناؤه. فمن ذلك تغييرهم الاسم في الإضافة، قالوا في الأفق أفقيٌّ، وفي زبينة زبانيٌّ. ونحو هذا كثير في الإضافة، وقد بينَّاه في بابه.
وإذا زاد العدد واحداً على اثنى عشر فإن الحرف الأول لا يتغير بناؤه عن حاله وبنائه حيث لم تجاوز العدَّة ثلاثةً، والآخر بمنزلته حيث كان بعد أحدٍ واثنين. وذلك قولك: له ثلاثة عشر عبداً، وكذلك ما بين هذا العدد إلى تسعة عشر. وإذا زاد العدد واحدا فوق ثنتي عشرة فالحرف الأول بمنزلته حيث لم تجاوز العدَّة ثلاثاً، والآخر حيث كان بعد إحدى وثنتين، وذلك قولك: ثلاث عشرة جارية وعشرة بلغة أهل الحجاز. وكذلك ما بين هذه العدَّة إلى تسع عشرة. ففرقوا ما بين التأنيث والتذكير، في جميع ما ذكرنا من هذا الباب.
باب ذكرك الاسم الذي به تبين العدةكم هي مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ فبناء الاثنين وما بعده إلى العشرة فاعل، وهو مضاف إلى الاسم الذي به يبيَّن العدد. وذلك قولك: ثاني اثنين. قال الله عزَّ وجلّ: " ثاني اثنين إذ هما في الغار " ، و " ثالث ثلاثةٍ " ، وكذلك ما بعد هذا إلى العشرة.
وتقول في المؤنث ما تقول في المذكر، إلاَّ أنّك تجيء بعلامة التأنيث في فاعلة وفي ثنتين واثنتين، وتترك الهاء في ثلاثٍ وما فوقها إلى العشر.
وتقول: هذا خامس أربعةٍ؛ وذلك أنَّك تريد أن تقول: هذا الذي خمس الأربعة، كما تقول: خمستهم وريعتهم. وتقول في المؤنَّث: خامسة أربعٍ، وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة. إنَّما، تريد هذا الذي صيَّر أربعةً خمسةً. وقلما تريد العرب هذا وهو قياس. ألا ترى أنك لا تسمع أحداً يقول: ثنيت الواحد ولا ثاني واحدٍ.
وإذا أردت أن تقول في أحد عشر كما قلت خامس قلت: حادي عشر، وتقول: ثاني عشر، وثالث عشر. وكذلك هذا، إلى أن تبلغ تسعة عشر. ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأوّل والآخر، وجعلا بمنزلة اسم واحد كما فعل ذلك بخمسة عشر. وعشر في هذا أجمع بمنزلته في خمسة عشر.
وتقول في المؤنث كما تقول في المذكر، إلا أنَّك تدخل في فاعلة علامة التأنيث، وتكون عشرة بعدها بمنزلتها في خمس عشرة. وذلك قولك حادية عشرة وثانية عشرة وثالثة عشرة، وكذلك جميع هذا إلى أن تبلغ تسع عشرة.

ومن قال: خامس خمسةٍ قال: خامس خمسة عشر، وحادي أحد عشر. وكان القياس أن تقول: حادي عشر وخامس عشر لأن حادي عشر وخامس عشر بمنزله خامسٍ وسادسٍ، ولكنه يعني حادي ضمّ إلى عشر، بمنزلة حضرموت. قال: تقول حادي عشر فتبينه وما أشبهه كما قلت: أحد عشر وما أشبهه.
فإن قلت: حادي أحد عشر فحادي وما أشبهه يرفع ويجرُّ ولا يبني؛ لأنَّ أحد عشر وما أشبهه مبنيّ، فإن بنيت حادي وما أشبهه معها صارت ثلاثة أشياء اسماً واحداً.
وقال بعضهم: تقول ثالث عشر ثلاثة عشر ونحوه. وهو القياس، ولكنّه حذف استخفافاً؛ لأنَّ ما ابقوا دليل على ما ألقوا، فهو بمنزلة خامس خمسة في أنَّ لفظ أحد عشلا كما أن في خامس لفظٍ خمسةٍ لمّا كان من كلمتين ضمّ أحدهما إلى الآخر، وأجرى مجرى المضاف في مواضع، صار بمنزلة قولهم حادي عشر بمنزلة خامس خمسةٍ ونحوه. وإنما حادي عشر بمنزلة خامسٍ. وليس قولهم ثالث ثلاثة عشر في الكثرة كثالث ثلاثة؛ لأنّهم قد يكتفون بثالث عشر.
وتقول: هذا حادي أحد عشر إذا كنّ عشر نسوة معهن رجل؛ لأنَّ المذكّر يغلب المؤنّث. ومثل ذلك قولك: خامس خمسةٍ إذا كن أربع نسوةٍ فيهن رجل، كأنك قلت: هو تمام خمسةٍ.
وتقول: هو خامس اربعٍ إذا أردت أنه صيّر أربع نسوةٍ خمسةً. ولا تكاد العرب تكلَّم به كما ذكرت لك.
وعلى هذا تقول: رابع ثلاثة عشر، كما قلت: خامس أربعة عشر.
وأمَّا بضعة عشر فبمنزلة تسعة عشر في كلّ شيء، وبضع عشرة كتسع عشرة في كل شيء.
باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر

وأصله التأنيث
فإذا جئت بالأسماء التي تبيَّن بها العدّة أجريت الباب على التأنيث في التثليث إلى تسع عشرة. وذلك قولك: له ثلاث شياه ذكور، وله ثلاث من الشّاء، فأجريت ذلك على الأصل؛ لأنّ الشاء أصله التأنيث وإن وقعت على المذكر، كما أنك تقول: هذه غنم ذكور، فالغنم مؤنّثة وقد تقع على المذكّر.
وقال الخليل: قولك: هذا شاة بمنزلة قوله تعالى: " هذا رحمة من ربِّي " .
وتقول: له خمسة من الإبل ذكور وخمس من الغنم ذكور؛ من قبل أن الإبل والغنم اسمان مؤنّثان كما أنّ ما فيه الهاء مؤنّث الأصل وإن تثليثهما وقع على المذكّر، فلمّا كان الإبل والغنم كذلك جاء تثلثيهما على التأنيث؛ لأنَّك إنَّما أردت التثليث من اسم مؤنث بمنزلة قدمٍ، ولم يكسَّر عليه مذكر للجميع فالتثليث منه كتثليث ما فيه الهاء، كأنَّك قلت: هذه ثلاث غنم. فهذا يوضح لك وإن كان لا يتكلَّم به، كما تقول: ثلثمائة فتدع الهاء لأن المائة أنثى.
وتقول: له ثلاث من البطِّ؛ لأنّك تصيّره إلى بطّةٍ. وتقول: له ثلاثة ذكور من الإبل؛ لأنَّك لم تجيء بشيء من التأنيث، وإنّما ثلّثت المذكَّر ثم جئت بالتفسير. فمن الإبل لا تذهب الهاء كما أنَّ قولك ذكور بعد قولك من الإبل لا تثبت الهاء.
وتقول: ثلاثة أشخص وإن عنيت نساءً؛ لأنَّ الشخص اسم مذكّر. ومثل ذلك ثلاث أعينٍ وإن كانوا رجالاً، لأنَّ العين مؤنَّثة. وقالوا: ثلاثة أنفسٍ لأنَ النفس عندهم إنسان. ألا ترى أنهم يقولون: نفس واحد فلا يدخلون الهاء. وتقول: ثلاثة نسَّابات؛ وهو قبيح، وذلك أن النَّسَّابة صفة فكأنه لفظ بمذكّر ثم وصفه ولم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم، فإنَّما تجيء كأنك لفظت بالمذكَّر ثم وصفته كأنَّك قلت: ثلاثة رجالٍ نسٍّاباتٍ.
وتقول: ثلاثة دوابّ إذا أردت المذكر لأنَّ أصل الدابّة عندهم صفة، وإنما هي من دببت، فأجروها على الأصل وإن كان لا يتكلم بها إلاَّ كما يتكلم بالأسماء، كما أنَّ أبطح صفة واستعمل استعمال الأسماء.
وتقول: ثلاث أفراسٍ إذا أردت المذكّر؛ لأنَّ الفرس قد ألزموه التأنيث وصار في كلامهم للمؤنّث أكثر منه للمذكّر، حتَّى صار بمنزلة القدم، كما أنَّ النَّفس في المذكّر أكثر.

وتقول: سار خمس عشرة من بين يومٍ وليلةٍ؛ لأنّك ألقيت الاسم على اللّيالي ثم بينت فقلت: من بين يومٍ وليلةٍ. ألا ترى أنك تقول: لخمسٍ بقين أو خلون ويعلم المخاطب أنَّ الأيام قد دخلت في الليالي فإذا ألقى الاسم على الليالي اكتفى بذلك عن ذكر الأيام، كما أنّه يقول: أتيته ضحوة وبكرة فيعلم المخاطب أنَّها ضحوة يومك وبكرة يومك. وأشباه هذا في الكلام كثير، فإنَّما قوله من بين يومٍ وليلةٍ توكيد بعد ما وقع على الليالي؛ لأنه قد علم أنَّ الأيام داخلة مع الليالي. وقال الشاعر، وهو النابغة الجعديّ:
فطافت ثلاثاً بين يوم وليلةٍ ... يكون النَّكير أن تضيف وتجأرا
وتقول أعطاه خمسة عشر من بين عبدٍ وجاريةٍ، لا يكون في هذا إلاّ هذا؛ لأنَّ المتكلم لا يجوز له أن يقول: خمسة عشر عبداً فيعلم أنَّ ثمَّ من الجواري بعدّتهم ولا خمس عشرة فيعلم أن ثم من العبيد بعدتهن فلا يكون هذا إلا مختلطاً يقع عليهم الاسم الذي بيِّن به العدد.
وقد يجوز في القياس: خمسة عشر من بين يومٍ وليلةٍ. وليس بحدّ كلام العرب.
وتقول: ثلاث ذودٍ؛ لأنَّ الذَّود أنثى وليست باسم كسّر عليه مذكّر.
وأما ثلاثة أشياء فقالوها: لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعالٍ لو كسّروا عليها فعل، وصار بدلاً من أفعالٍ.
ومثل ذلك قولهم: ثلاثة رجلةٍ؛ لأنَّ رجلة صار بدلاً من أرجال.
وزعم الخليل أن اشياء مقلوبة كقسيٍّ، فكذلك فعل بهذا الذي هو في لفظ الواحد ولم يكسَّر عليه الواحد.
وزعم يونس عن رؤية أنه قال: ثلاث أنفسٍ، على تأنيث النَّفس، كما يقال: ثلاث أعين للعين من الناس، زكما قالوا: ثلاث أشخصٍ في النساء. وقال الشاعر، وهو رجل من بني كلاب:
وإنَّ كلاباً هذه عشر أبطنٍ ... وأنت بريء من قبائلها العشر
وقال القتَّال الكلابي:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ... وللسَّبع خير من ثلاثٍ وأكثر
فأنَّث أبطنا إذ كان معناها القبائل. وقال الآخر، وهو الحطيئة:
ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذودٍ ... لقد جار الزمان على عيالي
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فكان نصيري دون من كنت أتقَّى ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فأنث الشَّخص إذ كان في معنى أنثى.
باب ما لا يحسن أن تضعف إليه الأسماءالتي تبين بها العدد إذا جاوزت الاثنين إلى العشرة وذلك الوصف تقول: هؤلاء ثلاثة قرشيون، وثلاثة مسلمون، وثلاثة صالحون. فهذا وجه الكلام، كراهية أن تجعل الصفة كالاسم، إلاّ أن يضطر شاعر. وهذا يدلّك على أنَّ النسَّابات إذا قلت: ثلاثة نسَّابات إنّما يجيء كأنه وصف المذكَّر؛ لأنَّه ليس موضعاً تحسن فيه الصفة، كما يحسن الاسم، فلمّا لم يقع إلاّ وصفاً صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكَّرين ثم وصفهم بها. وقال الله جلّ ثناؤه: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " .
باب تكسير الواحد للجمعأما ما كان من الأسماء على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فإنَّك إذا ثلّثته إلى أن تعشّره فإن تكسيره أفعل وذلك قولك: كلب وأكلب ، وكعب وأكعب، وفرخ وأفرخ، ونسر وأنسر.
فإذا جاوز العدد هذا فانَّ البناء قد يجيء على فعال وعلى فعول وذلك قولك: كلاب وكباش وبغال وأما الفعول فنسور وبطون. وربما كانت فيه اللغتان فقالوا فعول فعال، وذلك قولهم: فروخ وفراخ،وكعوب وكعاب وفحول وفحال.
وربما جاء فعيلاً، وهو قليل نحو: الكليب والعبيد والمضاعف يجري هذا المجرى، وذلك قولك:ضب وأضب وضباب، كما قلت: كلب وأكلب وكلاب، وصك وأصك وصكاك وصكوك، كما قالوا:فرخ وأفرخ وفروخ،وبتٌّ وأبت وبتوت وبتات.والياء والواو بتلك المنزلة تقول:ظبي وظبيان وأظب وظباء، كما قالوا:كلب وكلبان وأكلب وكلاب، ودلو ودلوان وأدل ودلاء، وثدي وثديان وأثد وثديٌّ،كما قالوا:أصقر وصقور.ونظير فراخ وفروخ قولهم:الدِّلاء والدُّلُّى.
وأعلم أنه قد يجئ في فعل أفعال مكان أفعل، قال الشاعر، الأعشى:
وجدت إذا اصطلحوا خيرهم ... وزندك أثقب أزنادها
وليس ذلك بالباب في كلام العرب.ومن ذلك قولهم:أفراخ وأجداد وأفراد،وأجدٌّ عربيّة وهي الأصل.ورأد وأرآد، والرأد:أصل اللحيين.
وربّما كسّر الفعل على فعلة كما كسّر على فعال وفعول، وليس ذلك بالأصل.وذلك قولهم:جبءٌ وهو الكمأة الحمراء وجبأة، وفقع وفقعة وقعب وقعبة.

وقد يكسّر على فعولة وفعالة، فيلحقون هاء التأنيث البناء وهو القياس أن يكسّر عليه.وزعم الخليل أنَّهم إنما أرادوا أن يحقّقوا التأنيث.و00ذلك نحو الفحالة والبعولة والعمومة.والقياس في فعل ما ذكرنا، وأمّا ما سوى ذلك فلا يعلم إلا بالسمع ثم تطلب النظائر كما أنًّك تطلب نظائر الأفعال هاهنا فتجعل نظير الأزناد قول الشاعر، وهو الأعشى:
إذا روَّح الرّاعي الَّلقاح معزِّباً ... وأمست على آنافها عبراتها.
وقد يجيء،خمسة كلاب، يرادبه خمسة من الكلاب، كما تقول:هذا صوت كلابِِ، أي هذا من هذا الجنس.وكما تقول:هذا حبُّ رمَّان.وقال الراجز:
كأنّ حصييه من التدلدل ... ظرف عجوزِِ فيه ثنتا حنظل
وقال الآخر:
قد جعلت ميٌّ على الظِّرار ... خمس بنانِِ قانىء الأظفار
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانك إذا كسّرته لأدنى العدد بنيته على أفعال.وذلك قولك:جملٌ واجمال، وجبل وأجبال، وأسد وآساد.فإذا جاوزوا به أدنى العدد فإنه يجيء على فعال وفعول فأما الفعال فنحو جمال وأما الفعول فنحو أسود وذكور والفعال في هذا أكثر.
وقد يجيء إذا جاوزوا به أدنى العدد على فُعلان وفِعلانِ ِفأما فعلانٌ فنحو:خربانِِ وبرقانِِ وورلانِِ.وأمّا فعلان فنحو:حملانِِ وسلقانِِ.فإذا تجاوز أدنى العدد قلت:أبراقٌ وأحمالٌ وأورالٌ وأخرابٌ، وسلقٌ وأسلاقٌ.
وربّما جاء الأفعال يستغنى به أن يكسّر الاسم على البناء الذي هو لأكثر العدد، فيعنى به ما عني بذلك البناء من العدد.وذلك نحو:قتب وأقتابِِ، ورسنِِ وأرسانِِ.ونظير ذلك من باب الفعل الأكفُّ والأرآد.
وقد يجيء الفعل فعلاناً، وذلك قولك:ثغبٌ وثغبانٌ.والثَّغب:الغدير.وبطنٌ وبطنانٌ وظهرٌ وظهرانٌ.
وقد يجيء على فعلان وهو أقلُّهما نحو:حجلِِ وحجلانِِ، ورألِِ ورئلانِِ، وجحشِِ وجحشانِِ، وعبدِِ وعبدانِِ.
وقد يلحقون الفعال الهاء، كما ألحقوا الفعال التي في الفعل.وذلك قولهم في جملِِ:جمالةٌ، وحجرِِ:حجارةٌ،وذكرِِ:ذكارةٌ، وذلك قليل. والقياس على ما ذكرنا.
وقد كُسّر على فُعل، وذلك قليل،كما أنَّ فعلةً في باب فعلِِ قليل، وذلك نحو:أسدِِ وأُسدِِ، ووثنِِ،بلغنا أنها قراءة.وبلغني أن بعض العرب يقول:نصفٌ ونُصفٌ.
وربما كُسّروا فعلاَ على أفعل كما كسّروا فعلاً على أفعال،وذلك قولك:زمنٌ وأزمنٌ.وبلغنا أنَّ بعضهم يقول:جبلٌ وأجبلٌ.وقال الشاعر، وهو ذو الرّمة:
أمنزلتي ميِّ سلامٌ عليكما ... هل الأزمن الَّلائي مضين رواجع.
وبنات الياء والواو تُجرى هذا المجرى،قالوا:قفاً وأقفاء وقُفيٌّ، وعصى وعصيٌّ،وصفا وأصفاءٌ وصفيٌّ، كما قالوا:آسادٌ وأسودٌ،وأشعارٌ وشعورٌ.وقالوا:رحىً وأرحاءٌ فلم يكسّروها على غير ذلك،كما لم يكسّروا الأرسان والأقدام على غير ذلك،ولو فعلو كان قياساً ولكني لم أسمعه.
وقالوا:عصىً وأعصِِ، كما قالوا:أزمن.وقالوا:عصيٌّ كما قالوا:أسودٌ، ولا نعلمهم قالوا:أعصاء،جعلوا أعص بدلاً من أعصاء وجعلوا هذا بدلاً منها.وتقول في المضاعف:لببٌ وألبابٌ،ومددٌ وأمدادٌ،وفنن وأفنان،ولم يجاوزوا الأفعال كما لم يجاوزوا الأقدام والأرسان والأغلاق.
والثبات في باب فعلِِ على الأفعال أكثر من الثَّبات في باب فعلِِ على الأفعل.
فان بني المضاعف على فعالِِ أو فعولِِ أو فِعلانِِ أو فُعلان فهو القياس على ما ذكرنا، كما جاء المضاعف في باب فعلِِ على قياس غير المضاعف.فكلُّ شيءِِ دخل المضاعف مما دخل الأوّل فهو له نظير.
وقالوا:الحجار فجاءوا به على الأكثر والأقيس، وهو في الكلام قليل.
قال الشاعر:
كأنَّها من حجار الغيل ألبسها ... مضارب الماء لون الطُّحلب الَّّلزب.

وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانّما تكسّره من أبنية أدنى العدد على أفعال.وذلك نحو:كتفِِ،وأكتافِِ وكبدِِ وأكبادِِ وفخذِِ وأفخاذِِ، ونمرِِ وأنمارِِ.وقلََّما يجاوزون به؛لأنَّ هذا البناء نحو كتفِِ أقلُُّ من فعل بكثير، كما أن فعلاً أقلّ من فعلِِ.ألا ترى أنّ ما لزم منه بنا الأقلّ أكثر فلم يفعل به ما فُعل بفعلِِ إذ لم يكن كثيراً مثله،كما لم يجيء في مضاعف فعلِِ ما جاء في مضاعف فعلِِ لقلَّته.ولم يجيء في بنات الياء والواو من فعلِِ جميع ما جاء في بنات الياء والواو من فعل لقلَّتها، وهي على ذلك أكثر من المضاعف.وذلك أنَّ فعلاًً اكثر من فعل.وقد قالوا:النُّمور والوعول، شبّهوها بالأسود.وهذا النحو قليل؛فلمَّا جاز لهم أن يثبتوا في الأكثر على أفعالِِ كانوا له في الأقل ألزم.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو بمنزلة الفعل، وهو أقلّ وذلك قولك:قمعٌ وأقماعٌ، ومعاً وأمعاءٌ، وعنبٌٌ وأعنابٌ، وضلعٌ وأضلاعٌ،وارمٌ وآرامٌ.وقد قالوا:الضُّلوع والأروم كما قالوا النُّمور.وقد قال بعضهم:الأضلع، شبَّهها بالأزمن.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو كفعلِِ وفعلِِ، وهو أقلّ في الكلام منهما، وذلك قولك:عجزٌ وأعجازٌ، وعضدٌ وأعضادٌ.وقد بني على فعال قالوا: أرجلٌ ورجالٌ، وسبعٌ وسباعٌ، جاءوا به على فعال كما جاءوا بالصلع على فعول وفعال ومفعول أختان وجعلوا أمثلته على بناء لم يكسَّر عليه واحده.وذلك قولهم: ثلاثة رجلةِِ،واستغنوا بها عن أرجال.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فهو بمنزلة الفعل؛لأنه قليلٌ مثله، وهو قولك:عنقٌ وأعناقٌ،وطنبٌ وأطنابٌ، وأُذُنٌ وآذانٌ.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فُعلاً فانَّ العرب تكسّره على فعلانِِ، وان أرادوا أدنى العدد لم يجاوزوه واستغنوا به كما استغنوا بأفعل وأفعال فيما ذكرت لك فلم يجاوزه في القليل والكثير.وذلك قولك:صردٌ وصردانٌ، ونغرٌ ونِغرانٌ، وجُعلٌ وجِعلانٌ، وخُززٌ وخزَّّانٌ.وقد أجرت العرب شيئاً منه مجرى فعلِِ،وهو قولهم:ربعٌ وأرباعٌ، ورطبٌٌ وأرطابٌ، كقولك:جملٌ وأجمالٌ.
وقد جاء من الأسماء اسم واحد على فعلِِ لم نجد مثله،وهو ابل، وقالوا:آبالٌ،كما قالوا:أكتاف.فهذه حال ما كان على ثلاثة أحرف وتحركت حروفه جُمع.وقال الراجز:
فيها عياييل أسودٌ ونمر.
ففعل به ما فعل بالأسد حين قال:أُسدٌ.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانه إذا كُسّر على ما يكون لأدنى العدد كُسّر على أفعالِِ، ويجاوزون به بناء أدنى العدد فيكسّر على فعولِِ وفعالِِ والفعول فيه أكثر.فمن ذلك قولهم:حملٌ وأحمالٌٌ وحمولٌ، وعدلٌ وأعدالٌ وعدولٌ، وجذعٌ وأجذاعٌ وجذوعٌ، وعرقٌ وأعراقٌٌ وعروقٌ، عذقٌ وأعذاقٌ وعذوقٌ.وأمّا الفعال فنحو:بئر وأبارِِ وبئارِِ، وذئبِِ وذئابِِ.وربما لم يجاوزوا أفعالاً في هذا البناء كما لم يجاوزوا الأفعل والأفعال، فيما ذكرنا، وذلك نحو خمسِِ وأخماسِِ، وسترِِ وأستارِِ، وشبرِِ وأشبارِِ، وطمرِِ وأطمارِِ.
وقد يكسّر على فعلةِِ نحو:قرد وقردة، وحسلِ وحسلةِِ، وأحسالِِ إذا أردت بناء أدنى العدد.فأمَّا القردة فاسُتغنى بها عن أقرادِِ كما قالوا:ثلاثة شسوع، فاستغنوا بها عن أشساعِِ، وقالوا:ثلاثة قروءِِ فاستغنوا بها عن ثلاثة أقرؤِِ.وربما بني فعلٌ على أفعلِِ من أبنية أدنى العدد، وذلك قولهم:ذئبٌ وأذؤبٌ،وقطعٌ وأقطعٌ، وجروٌ وأجرِِ، وقالوا:جراءٌ كما قالوا: ذئابٌٌ، ورجلٌ وأرجلٌ، ألا أنَّهم لا يجاوزون الأفعل كما أنَّهم لم يجاوزوا الأكف.وقصة المضاعف ها هنا وبنات الياء والواو كقصَّتها في باب فعلِِ،قالوا: نحيٌ وأنحاءٌ ونحاءٌٌ، كما قالوا:آبارٌ وبئارٌ.وقالوا في جمع نحيِِ:نُحىٌّ، كما قالوا:لصٌّ ولصوصٌٌ، وقالوا في الذِّئب:ذُؤبانٌ، جعلوه كثغبِِ وثغبانِِ.وقالوا: الصوص في اللص كما قالوا: القدور في القدر، وأقدر حين أرادوا بناء الأقلّ.وكما قالوا: فرخ وأفراخ وفراخ، قالوا: قدح وأقداح وقداح جعلوها كفعل وقالوا: رئدٌٌ ورئدانٌ كما قالوا: صنوٌ وصنوانٌ وقنوٌ وقنوانٌ، وقال بعضهم:صنوانٌ وقنوانٌ كقوله:ذؤبان.والرِّئد:فرخ الشجرة.

وقالوا: شقذ وشقذانٌ.والشِّقذ:ولد الحرباء.وقالوا:صرمٌ وصرمانٌ، كما قالوا:ذئب وذؤبانٌ.وقالوا:ضرسٌ وضريسٌ، كما قالوا:كليبٌ وعبيدٌ.وقالوا:زقٌّ وزقاقٌ وأزقاقٌ، كما قالوا: بئرٌٌ بئار وآبار.وقالوا: زُقّانٌ وكما قالوا ذُؤبانٌ.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانّه يكسَّر من أبنية أدنى العدد على أفعال.وقد يجاوزون به بناء أدنى العدد فيكسِّرونه على فعولٍ وفعالٍ وفعولُ أكثر، وذلك قولهم:جندٌ وأجنادٌ وجنودٌ،وبردٌ وأبرادٌ وبرودٌ، وبرجٌ وأبراجٌ وبروجٌ.وقالوا:جرحٌ وجروح ٌولم يقولوا: أجراحٌ، كما لم يقولوا:أقرادٌ.وأمّا الفعال فقولهم:جمدٌ وأجمادٌ وجمادٌ، وقرطٌ وأقراطٌ وقراطٌ. والفعال في المضاعف منه كثير، وذلك قولهم:أخصاصٌ وخصاصٌ، وأعشاشٌٌ وعشاشٌ، وأقفافٌ وقفافٌ، وأخفافٌ وخفافٌ، تجريه مجرى أجمادٍ وجمادٍ.وقد يجيء إذا جاوز بناء أدنى العدد على فعلةٍ نحو:جحرٍ وأجحارٍ وجحرةٍ.
قال الشاعر:
كرامٌ حين تنكفت الأفاعي ... الى أجحارهنّ من الصَّقيع.
ونظيره من المضاعف حبٌّ وأحبابٌ وحببةٌ، نحو:قلبٍ وأقلابٍ وقلبةٍ، وخرجٌ وخرجةُ، ولم يقولوا:أخراجٌ كما لم يقولوا:أجراحٌ، وصلبٌ وأصلابٌ وصلبةٌ، وكرزق وأكرازٌ وكرزةٌ، وهو كثير.
وربَّما استغنى بأفعالٍ في هذا الباب فلم يجاوز، كما كان ذلك في فعلٍ وفعلٍ؛ وذلك نحو:رُكنٍ وأركانٍ، وجزءٍ وأجزاءٍ، وشفرٍ وأشفارٍ.
وأمّا بنات الياء والواو منه فقليل، قالوا:مُديٌ وأمداءٌ، لا يجاوزون به ذلك لقلَّته في هذا الباب.وبنات الياء والواو فيه أقلُّ منها، في جميع ما ذكرنا.
وقد كُسّر حرفٌ منه على فُعلٍ كما كُسّر عليه فعلٌ، وذلك قولك للواحد:هو الفلكُ فتُذكّر، وللجميع:هي الفلك.وقال الله عزَّ وجلَّ: " في الفُلك المشون " ، فلمّا جمع قال: " والفُلك التي تجري في البحر " ، كقولك:أسدٌٌ وأُسدٌ. وهذا قول الخليل، ومثله: رهنٌ، ورُهنٌ. وقالوا: رُكنٌ، وأركنٌ وقال الراجز وهو رؤبة:
وزحم ركنيك شداد الأركن.
كما قالوا: أقدح في القدح، وقالوا: حشٌّ وحشَّانٌ وحُشَّانٌ، كقولهم: رِئدٌ ورِئدانٌ.
وأمّا ما كان على فعلةٍ فانَّك إذا أردت أدنى العدد جمعتها بالتاء وفتحت العين، وذلك قولك: قصعةٌ وقصعاتٌ، وصحفةٌ وصحفاتٌ، وجفنةٌ وجفناتٌ، وشفرةٌ وشفراتٌ، وجمرةٌ وجمراتٌ. فإذا جاوزت أدنى العدد كسَّرت الاسم على فعال وذلك قصعةٌ وقِصاعٌ، وجِفنةٌ وجِفانٌ، وشفرةٌ وشِفارٌ، وجمرةٌ وجمارٌ. وقد جاء على فعولٍ وهو قليلٌ، وذلك قولك: بَدرةٌ وبُدورٌ، ومأنةٌ ومؤونٌ، فأدخلوا فعولاً في هذا الباب؛ لأنَّ فِعالاً وفعولاً أختان، فأدخلوها ههنا كما دخلت في باب فعلٍ مع فِعالٍ، غير أنَّه في هذا الباب قليل. وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير. وقال الشاعر، وهو حسان بن ثابت:
لنا الجفناتُ الغُرّ يلمعن بالضُّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما.
فلم يرد أدنى العدد.
وبنات الياء والواو بتلك المنزلة، تقول: ركوةٌ وركاءٌ وركواتٌ وقشوةٌ وقِشاءٌ وقشواتٌ، وغلوةٌ وغلاءٌ وغلوات، وظبيةٌ وظباءٌ وظبياتٌ. وقالوا: جدياتُ الرَّحل ولم يكسِّروا الجدية على بناء الأكثر استغناءً بهذا، إذ جاز أن يعنوا به الكثير.ُ والمضاعف في هذا البناءِ بتلك المنزلة، تقول: سَلّةٌ وسِلالٌّ وسلاَّتٌ، ودبَّةٌ ودبابٌ ودَبَّاتٌ.
وأما ما كان فعلةً فهو في أدنى العدد وبناءٍ الأكثر بمنزلة فعلةٍ وذلك قولك: رحبةٌ ورحباتٌ ورحابٌ، ورقبةٌ ورقباتٌ ورقابٌ.
وان جاء شيءٌ من بنات الياء والواو والمضاعف أُجريَ هذا المجرى إذ كان مثل ما ذكرنا، ولكَّنه عزيزٌ.
وأما ما كان فُعلةً فانّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد ألحقت التاء وحرَّكت العين بضمّة، وذلك قولك: رُكبةٌ ورُكباتٌ، وغرفةٌ وغُرفاتٌ، وجفرةٌ وجُفراتٌ. فإذا جاوزت بناء أدنى العدد كسَّرته على فُعلٍ، وذلك قولك: رُكبٌ وغُرفٌ وجفرٌ. وربما كسَّروه على فِعالٍ، وذلك قولك: نُقرةٌ ونقارٌ، وبُرمةٌ وبِرامٌ، وجُفرةٌ وجِفارٌ ، وبُرقةٌ وبُراقٌ. ومن العرب من يفتح العين إذا جمع بالتاء، فيقول: رُكباتٌ وغُرفاتٌ.
سمعنا من يقول في قول الشَّاعر:
ولمَّا رأونا بادياً رُكباتُنا ... على موطنٍ لا نخلط الجدَّ بالهزل.

وبنات الواو بهذه المنزلة. قالوا: خُطوةٌ وخُطواتٌ وخُطىً، وعُروةٌ وعُرواتٌ وعُرىً. ومن العرب من يدع العين من الضمّة في فُعلةٍ فيقول: عُرواتٌ وخُطواتٌ.
وأمّا بنات الياء إذا كُسِّرت على بناء الأكثر فهي بمنزلة بنات الواو، وذلك قولك: كُليةٌ وكُلىً، ومُديةٌ ومُدىً، وزُبيةٌ وزُبىً، كرهوا أن يجمعوا بالتاء فيحرِّكوا العين بالضَّمة، فتجئ هذه الياء بعد ضمّة، فلمَّا ثقُل ذلك عليهم تركوه واجتزءوا، ببناء الأكثر. ومن خفَّف قال: كُليات ومديات.
وقد يقولون: ثلاث غُرفٍ ورُكبٍ وأشباه ذلك، كما قالوا: ثلاثةُ قِردةٍ وثلاثةُ حِببةٍ، وثلاثةُ جُروحٍ وأشباه ذلك. وهذا في فُعلةٍ كبناء الأكثر في فعلةٍ، إلا أنَّ التاء في فَعلةٍ أشدُّ تمكُّناً؛ لأنَّ فَعلةً أكثر، ولكراهية ضمتين. والمضاعف بمنزلة ركبة قالوا: سرات وسرر وجدة وجدد وجدات ولا يحركون العين لأنَّها كانت مدغمةٌ. والفعالُ كثير في المضاعف نحو: جِلالٍ وقِبابٍ وجبابٍ.
وما كان فِعلةً فانّك إذا كسَّرته على بناء أدنى العدد أدخلت التاء وحرّكت العين بكسرة، وذلك قولك: قِرباتٌ وسِدراتٌ وكِسراتٌ، ومن العرب من يفتح العين كما فُتحت عين فُعلةٍ، وذلك قولك: قِرباتٌ وسِدراتٌ وكِسراتٌ.
فإذا أردت بناء الأكثر قلت: سِدرٌ وقِربٌ وكِسرٌ. ومن قال: غُرفاتٌ فخفَّف قال: كِسراتٌ.
وقد يريدون الأقلّ فيقولون: كِسرٌ وفِقرٌ، وذلك لقلَّة استعمالهم التاء في هذا الباب لكراهية الكسرتين. والتاء في الفُعلةِ أكثر لأنَّ ما يلتقي في أوله كسرتان قليل.
وبنات الياء والواو بهذه المنزلة. تقول: لِحيةٌ ولِحىً، وفِريةٌ وفِرىً، ورِشوةٌ ورِشاً. ولا يجمعون بالتاء كراهية أن تجيء الواو بعد كسرة، واستثقلوا الياء هنا بعد كسرة، فتركوا هذا استثقالاً واجتزءوا ببناء الأكثر. ومن قال: كِسراتٌ قال: لِحياتٌ.
والمضاعف منه كالمضاعف من فُعلة. وذلك قولك: قِدةٌ وقِداتٌ وقِددٌ، وربَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ، وعِدَّةُ المرأة وعدَّاتٌ وعِددٌ.
وقد كُسّرت فعلةٌ على أفعُلٍ وذلك قليل عزيز، ليس بالأصل. قالوا:نِعمةٌ وأنعمٌ وشِدَّةٌ وأشُدُّ، وكرهوا أن يقولوا في رِشوةٍ بالتاء فتنقلب الواو ياءً، ولكن من أسكن فقال: كِسراتٌ قال: رِشواتٌ.
وأمّا الفعلةُ فإذا كُسِّرت على بناء الجمع ولم تُجمع بالتاء كُسّرت على فَعل وذلك قولك: نَقمةٌ ونقِمٌ، ومعِدَةٌ ومَعِدٌ.
والفُعلةُ تكسَّر على فُعَلٍ ان لم تجمع بالتاء، وذلك قولك: تُخمةٌ وتُخمٌ، وتُهمةٌ وتُهمٌ. وليس كرُطبةٍ ورُطبٍ. ألا ترى أنَّ الرُّّطب مذكَّر كالبُرّ والتَّمر، وهذا مؤنّث كالظُّّلَم والغُرف.
باب ما كان واحداً يقع للجميع.
ويكون واحده على بنائه من لفظه، إلا أنه مؤنث تلحقه هاء التأنيث ليتبيّن الواحد من الجميع.
فأمَّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فَعلاً فهو نحو طَلحٍ والواحدة طَلحةٌ، وتمرٍ والواحدة تَمرةٌ، ونخلٍ ونخلةٍ، وصخرٍ وصخرةٍ. فإذا أردت أدنى العدد جمعت الواحد بالتاء. وإذا أردت الكثير صرت إلى الاسم الذي يقع على الجميع ولم تكسّر الواحد على بناء آخر. وربّما جاءت الفَعلةُ من هذا الباب على فِعالٍ، وذلك قولك سَخلةٌ وسِخالٌ، وبَهمةٌ وبِهامٌ وطلحة وطلاح وطلح شبهوه بالقصاع وقد قال بعضهم صخرة وصخور، فجُعلت بمنزلة بَدرةٍ وبُدورٍ، ومأنةٍ ومؤونٍ. والمأنةُ: تحت الكِركِرة.
وأمّا ما كان منه من بنات الياء والواو فمثل: مَروٍ ومَروةٍ، وسَروٍ وسَروةٍ. وقالوا:صَعوةٌ وصَعوٌ وصِعاءٌ، كما قالوا: ومثلُ ما ذكرنا شَريةٌ وشَريٌ، وهديةٌ وهَديٌ، هذا مثله في الياء. والشِّريةُ: الحنظلةُ. ومن المضاعف: حَبَّةٌ وحَبٌّ، وقتّةٌ وقَتٌّ.
وأمّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فعلاً فانَّ قصَّته كقصة فعلٍ وذلك قولك: بَقرةٌ وبقراتٌ وبقرٌ، وشجرةُ وشَجراتٌ وشَجَرٌ، وخَرَزةٌ وخَرزاتٌ وخَرزٌ.
وقد كسروا الواحد منه على فِعال كما فعلوا ذلك في فَعلٍ، قالوا أكمةٌ واكامٌٌ وأكمٌ، وجَذبَةٌ وجِذابٌ وجَذبٌ، وأجَمةٌ واجامٌ وأجمٌ، وثمرٌة وثمارٌ وثمرٌ.

ونظير هذا من بنات الياء والواو حصى وحصاةٌٌ وحَصياتٌ وقَطاةٌ وقطاً وقَطَوَاتٌ. وقالوا: أضاةٌ وأضاً وإضاءٌ، كما قالوا: إكامٌ وَأكمٌ. سمعنا ذلك من العرب. والذين قالوا: إكامٌ ونحوها شبَّهوها بالرّحاب ونحوها، كما شبَّهوا الطِلاّح وطَلحةً بجَفنةٍ وجِفانٍ.
وقد قالوا: حَلَقٌ وفَلكٌ، ثمَّ قالوا: حَلقةٌ وفَلكةٌ، فخفَّفوا الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيَّروا المعنى، كما فعلوا ذلك في الإضافة.
وهذا قليلٌ. وزعم يونُس عن أبي عَمروٍ، أنَّهم يقولون: حَلَقةٌ.
وأمّا ما كان فَعِلاً فقصَّته كقصَّة فَعَلِ، إلا أنَّا لم نسمعهم كسّروا الواحد على بناء سوى الواحد الذي يقع على الجميع وذلك أنّه أقلُّ في الكلام من فَعَلٍ، وذلك: نَبِقَةٌ ونَبقاتٌ ونَبِقٌ، وخَرِبٌ وخَرِبٌ وخَرِباتٌ، ولَبِنٌ ولِبنةٌ ولِبناتٌ، وكلِمةٌ وكلماتٌ وكَلِمٌ.
وأما ما كان فِعلاً فهو بمنزلته وهو أقلُّ منه. وذلك نحو: عِنبةٍ وعنبٍ، واحدأةٍ وحدإٍ وحدآتٍ، وإبرةٍ وإبرٍ وإبراتٍ، وهو فسيلُ المقلِ.
وأما ما كان فَعُلةً فهو بهذه المنزلة وهو أقلُّ من الفعل، وهو سَمرُةٌ وسَمرٌ، وثمرةٌ وثمرٌ، وسمراتٌ، وثمراتٌ وفقُرةٌ وفَقُرٌ وفَقُراتٌ.
وما كان فُعُلاً فنحو: بُسُرٍ وبُسُرةٍ وبُسُراتٍ، وهُدُبٍ وهُدُبةٍ وهُدُباتٍ.
وما كان فُعلاٌ فهو كذلك، وهو قولك: عُشَرٌ وعُشَرةٌ وعُشَراتٌ، ورُطَبٌ ورُطَباتٌ. ويقول ناس للرُّطب: أرطابٌ، كما قالوا: عِنَبٌ وأعنابٌ. ونظيرها رُبَعٌ وأرباعٌ، ونُعرةٌ ونُعَرٌ ونُعَراتٌ. والنُّعر: داءُ يأخذ الإبل في رءوسها. ونظيرها من الياء قول بعض العرب: مُهاةٌ ومُهىً، وهو ماء الفحل في رَحمِ الناقة. وزعم أبو الخطَّاب أن واحد الطُّلى طُلاةٌ. وإن أردتَ أدنى العدد جمعت بالتاء، وقال الحُكأُ والواحدة حُكأةٌ، والمُرعُ والواحدةُ مُرعةٌ.
فأمّا ما كان على ثلاثة أحرف وكان فِعلاً فإنَّ قصته كقصة ما ذكرنا، وذلك: سِدرٌ وسِدرةٌ وسِدراتٌ، وسِلقٌ وسِلقةٌ وسِلقاتٌ، وتِبنٌ وتِبنةٌ وتِبناتٌ، وعِربٌ وعِربةٌ وعِرباتٌ. والعِربةُ: السَّفى، وهو يبيسُ البهي.
وقد قالوا: سِدرةٌ وسِدرٌ، فكسروها على فِعَلٍ جعلوها ككسَرٍ، كما جعلوا الطَّلحةَ حين قالوا الطِّلاح كالقصاع، فشبهَّوا هذا بِلقحةٍ ولقاحٍ كما شبهوا طَلحةً بصفحةٍ وصحافٍ. وقالوا: لِقحةٌ ولِقاحٌ كما قالوا في باب فُعلَةٍ فِعالٌ، نحو: جُفرةٍ وجِفارٍ. ومثل ذلك حِقَّةٌ وحقاقٌ، وقد قالوا حِقّقٌ.
قال الشَّاعر، وهو المُسيَّبُ بن علسٍ:
قد نالني منهم على عدمٍ ... مِثلُ الفسيلِ صِغارها الحِققُ.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فُعلاً فقصَّته كقصَّة فِعلٍ، وذلك قولك دُخنٌٌ ودُخنةٌ ودُخناتٌ، ونُقد ونُقُدة ونقداتٌ، وهو شجرٌ، وحُرفٌ وحُرفةُ وحُرفاتٌ.
ومثل ذلك من المضاعف دُرٌّ ودُرَّةٌ ودُرَّاتٌ، وبُرٌّ وبُرّةٌ وبُرّاتٌ. وقد قالوا: دُرجٌ فكسروا الاسم على فُعلٍ، كما كسَّروا سِدرةً على سِدرٍ. ومثله التُّوم يقال: تُومةٌ وتُوماتٌ وتُومٌ، ويقال:تُومٌ.

باب نظير ما ذكرنا من بنات الياء والواو
التي الياءات والواوات فيهن عينات.
أمَّا ما كان فَعلاً من بنات الياء والواو فإنَّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد كسرّته على أفعالٍ وذلك: سَوطٌ وأسواطٌ، وثَوبٌ وأثوابٌ، وقَوسٌ وأقواسٌ. وإنَّما منعهم أن يبنوه على أفعُلٍ كراهية الضمّة في الواو، فلمَّا ثقل ذلك بنوه على أفعالٍ. وله في ذلك أيضاً نظائرُ من غير المعتلّّ، نحو أفراخٍ وأفرادٍ، ورَفغٍ وأرفاغٍ. فلمّا كان غيرُ المعتلّ يُبنى على هذا البناء كان هذا عندهم أولى.
وإذا أرادوا بناء الأكثر بنوه على فِعالٍ، وذلك قولك: سِياطٌ وثِيابٌ وقِياسٌ. تركوا فُعُولاً كراهية الضمّة في الواو والضَّمّة التي قبل الواو، فحملوها على فِعال، وكانت في هذا الباب أولى إذ كانت متمكِّنةً في غير المعتلّ.

وقد يُبنى على فِعلانٍ لأكثر العدد، وذلك: قوزٌ قيزانٌ، وثَورٌ وثيرانٌ، ونظيره من غير هذا الباب وَجذٌ ووجذَانٌ، فلمَّا بُني عليه ما لم يعتلّّ فرُّوا إليه كما لزموا الفِعالَ في سَوطٍ وثَوبٍ. وقال: الوَجذُ: نُقرَةٌ في الجبل. وقد يلزمون الأفعال في هذا فلا يجاوزونها كما لم يجاوزوا الأفعُلَ في باب فَعلٍ الذي هو غير معتلّ، والأفعال في باب فعلٍ الذي هو معتلّ. فإذا كانوا لا يجاوزون فيما ذكرتُ لك فهم في هذا أجدرُ أن لا يجاوزوا، وذلك نحو: لوحٍ وألواحٍ، وجوزٍ وأجوازٍ، ونَوعٍ وأنواعٍ.
وقد قال بعضهم في هذا الباب حين أراد بناء أدنى العدد أفعُلٌ فجاء به على الأصل، وذلك قليل. قالوا: قَوسٌ وأقواسٌ. وقال الراجز:
لِكُلِّ عَيشٍ قد لبِستُ أثوباً.
وقد كسّروا الفعل في هذا الباب على فِعَلَةٍ كما فعلوا ذلك بالفقع والجبءِ حين جاوزوا به أدنى العدد، وذلك قولهم: عَودٌ وعِوَدةٌ، وأعوادٌ إذا أرادوا بناء أدنى العدد، وقالوا: زَوجٌ وأزواجٌ وزوجةٌ، وثورٌ وأثوارٌ وثِورةٌ، وبعضهم يقول: ثِيرَةٌ. وجاءوا به على فُعولٍ كما جاءوا بالمصدر، قالوا فَوجٌ وفُؤجٌ كما قالوا: نحوٌ ونُحُوٌّ كثيرةٌ. وهذا لا يكاد يكون في الأسماء، ولكن في المصادر، استثقلوا ذلك في الأسماء. وسنبيّن ذلك إن شاء اللّه. ومثل ثِيَرَةٍ زَوجٌ وزِوجةٌ.
وأمّا ما كان من بنات الياء وكان فَعلاً فإنَّك إذا بنيته بناء أدنى العدد بنيه على أفعالٍ، وذلك قولك: بيتٌ وأبياتٌ، وقَيدٌ وأقيادٌ، وخيطٌ وأخياطٌ، وشيخٌ وأشياخٌ. وذلك أنَّهم كرهوا الضمّة في الياء كما يكرهون الواو بعد الياء، وسترى ذلك في بابه إن شاء اللّه. وهي في الواو أثقلُ. وقد بنوه على أَفعُلٍ على الأصل، قالوا: أعيُنٌ. قال الراجز:
أنعتُ أعيارً رَعينَ الخنزَرَا ... أنعتَهُنَّ آيُراً وكَمَرَا.
وقال آخر:
يا أضبُعاً أكلت آيارَ أحمرةٍ ... ففي البطونِ وقد راحت قراقيرُ.
بناه على أفعالٍ. وقالوا أعيانٌ. قال الشاعر:
ولكنَّني أغدو عَلَيَّ مُفاضَةٌ ... دِلاصٌ كأعيانِ الجرادِ المُنَظَّمِ.
وإذا أردت بناء أكثر العدد بنيته على فُعُولٍ، وذلك قولك: بُيُوتٌ، وخُيُوطٌ، وشُيُوخٌ، وعُيُونٌ، وقُيُودٌ. وذلك لأنَّ فُعولاً وفِعالاً كانا شريكين في فِعلٍ الذي هو غير معتلّ، فلمّا ابتزَّ فِعالٌ بفَعلٍ من الواو دون فُعولٍ لما ذكرنا من العلَّةِ ابتزَّت الفُعولُ بفَعلٍ من بنات الياء، حيث صارت أخّف من فُعولٍ من بنات الواو. فكأنّهم عوضوا هذا من إخراجهم إياها من بنات الواو.
فأمّا أقيادٌ ونحوها فقد خَرج،َ من الأصل، كما خرجت أسواطٌ وأثوابٌ يعنى إذا لم تُبنَ على أفعُلٍ لأنَّ أفعُلاً هي الأصل لفِعلٍ. وليست أفعُلٌ وأفعالٌ شريكين في شيء كشركة فُعولٍ وفِعالٍ، فتعوِّض الأفعُلَ الثَّبات في بنات الياء لخروجها من بنات الواو، ولكنَّهما جميعاً خارجان من الأصل والضمّةُ تُستثقل في الياء كما تُستثقل في الواو وإن كانت في الواو أثقل ومع هذا إنهم كرهوا أن يقولوا أبيات إذا كانت أخف من فعول من بنات الواو لئلا تلتبس الواو فأرادوا أن يفصلوا فإذا قالوا: أبياتٌ وأسواطٌ فقد بيَّنوا الواو من الياء. وقالوا: عُيورةٌ وخُيُوطةٌ، كما قالوا بُعُولةٌ وعُمُومةٌ.
وأمّا ما كان فَعلاً فإنَّه يكسَّر على أفعالٍ إذا أردت بناء أدنى العدد، وذلك نحو: قاعٍ وأقواعٍ، وتاجٍ وأتواجٍ، وجارٍ وأجوارٍ. وإذا أردت بناء أكثر العدد كسّرته على فِعلانٍ، وذلك نحو: جيرانٍ وقيعانٍ وتيجانٍ، وساجٍ وسيجانٍ. ونظير ذلك من غير المعتل: شَبَتٌ وشِبثانٌ وخِربانٌٌ. ومثله فَتىً وفتيانٌ. ولم يكونوا ليقولوا فُعولٌ كراهية الضمّة في الواو مع الواو التي بعدها والضمّة التي قبلها وجعلوا البناء على فِعلانٍ. وقَلَّ فيه الفعال لأنَّهم ألزموه فِعلانٌ، فجعلوه بدلاً من فِعالٍ؛ ولم يجعلوه بدلاً من شريكه في هذا الباب. وإنما امتنع أن يتمكَّن فيه ما تمكّن في فَعَلٍ من الأبنية التي يكسّر عليها الاسم لأكثر العدد، نحو: أُسودٍ وجبالٍ أنَّه معتلّ أسكنوا عينه وأبدلوا مكانها ألفاً، ولم يُخرجوه من أن يبنوه على بناء قد بُني عليه غير المعتلّ، وانفرد به كما انفرد فِعالٌ ببنات الواو.

وقد يُستغنى بأفعالٍ في هذا الباب فلا يجاوزونه، كما لم يجاوزوه في غير المعتلّ، وهو في هذا الأكثر، لاعتلاله ولأنّه فَعَلٌ، وفَعَلٌ يُقتصر فيه على أدنى العدد كثيراً، وهو أولى من فَعلٍ كما كان ذلك في باب سَوطٍ، وذلك نحو: أبوابٍ وأموالٍ، وباعٍ وأبواعٍ. وقالوا: نابٌ وأنيابٌ، وقالوا: نُيوبٌ كما قالوا: أُسودٌ، وقد قال بعضهم: أنيُبٌ كما قالوا في الجبل: أجبُلٌ.
وما كان مؤنثاّ من فَعلٍ من هذا الباب فإنه يكسّر على أفعُلٍ إذا أردت بناء أدنى العدد، وذلك: دارٌ وأدوارٌ، وساقٌ وأسوقٌ، ونارٌ وأنورٌ. هذا قول يونس، ونظنُّه إنَّما جاء على نظائره في الكلام، نحو: جَمَلٍٍ وأجمُلٍ، وزمنٍ وأزمُن، وعصاً وأعصٍ. فلو كان هذا إنَّما هو للتأنيث لما قالوا: غَنمٌ وأغنامٌ.
فإذا أردت بناء أكثر العدد قلت في الدار: دُورٌ، وفي الساق: سُوقٌ، وبنوهما على فُعلِ فِراراً من فُعُولٍ، كأنَّهم أرادوا أن يكسِّروهما على فُعُولٍ كما كسّروهما على أفعُلٍ. وقد قال بعضهم: سُؤوقٌ فَهَمَزَ: كراهية الواوين والضمّة في الواو. وقال بعضهم: ديرانٌ كما قالوا: نِيرانٌ، شبّهوها بقيعانٍ وغِيران. وقالوا: دِيارٌ كما قالوا: جِبالٌ. وقالوا: نابٌ ونِيبٌ للناقة، بنوها على فُعلٍ كما بنوا الدار على فُعلٍ، كراهية نُيُوب، لأنَّها ضمّة في ياء وقبلها ضمّة وبعدها واو، فكرهوا ذلك. ولهنَّ مع ذا نظائر من غير المعتلّ: أسدٌ وأُسدٌ، ووثنٌ ووُثنُ. وقالوا: أنيابٌ كما قالوا: أقدامٌ.
وما كان على ثلاثة أحرف وكان فِعلاً فإنَّك تكسّره على أفعال من أبنية أدنى العدد، وهو قياس غير المعتلّ. فإذا كان كذلك فهو في هذا أجدر أن يكون. وذلك قولك: فِيلٌ وأفيالٌ، وجيدٌ وأجيادٌ، ومِيلٌ وأميالٌ. فإذا كسّرته على بناء أكثر العدد قلت فُعولٌ كما قلت: عُذوقٌ وجُذوعٌ. وذلك قولك: فُيُولٌ ودُيوكٌ، وجُيودٌ. وقد قالوا: دِيكةٌ وكِيَسةٌ كما قالوا: قِردةٌ وحِسلةٌ. ومثل ذلك فِيَلةٌ. وقد يقتصرون في هذا الباب على أفعال كما اقتصروا على ذلك في باب فَعلٍ وفَعَلٍ من المعتلّ. وقد يجوز أن يكون ما ذكرنا فَعلاً، يعني أن الفيل يجوز أن يكون أصله فُعلاً كُسر من أجل الياء، كما قالوا أبيضُ وبيضٌ فيكون الأفيال والأجياد بمنزلة الفيال والجياد ويكون فيلة بمنزلة خرجةٍ وجِحرةٍ. وإنما اقتصارهم على أفعال ٍ في هذا الباب الذي هو من بنات الياء نحو: أميالٍ وأنيارٍ وكِيرٍ وأكيارٍ.
وقالوا في فِعلٍ من بنات الواو: رِيحٌ وأرواحٌ ورِياحٌ، ونظيره أبآرٌ وبئارٌ. وقالوا فِعالٌ في هذا كما قالوا في فَعلٍ من بنات الواو، فكذلك هذا لم يجعلوه بمنزلة ما هو من الياء.
وأمّا ما كان فُعلاً من بنات الواو فإنَّك تكسّره على أفعالٍ إذا أردت بناء أدنى العدد، وهو القياس والأصل. ألا تراه في غير المعتلّ كذلك. وذلك: عُودٌ وأعوادٌ، وغُولٌ وأغوالٌ، وحوتٌ وأحواتٌ، وكُوزٌ وأكوازٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد لم تكسّره على فُعولٍ ولا فعالٍ ولا فِعَلةٍ، وأجرى مجرى فَعَلٍ وانفرد به فِعلانٌ، كما أنه غَلبَ على فَعل من الواو الفِعالُ، فكذلك هذا، فرقوا بينه وبين فُعلٍ من بنات الياء، كما فرقوا بين فَعلٍ من الياء وفَعلٍ من الواو، ووافق فعلاً في الأكثر كموافقته إياه في الأقلّ. وذلك عيدان - وغيلان - وكيزان وحيتان وبنيان جماعة النون وقد جاء مثل ذلك في غير المعتلّ. قالوا: حُشٌّ وحِشّانٌ، كما قالوا في فَعلٍ من بنات الواو: ثورٌ وثيرانٌ، وقوزٌ وقِيزانٌ، كما جاء في الصحيح: عَبدٌ وعِبدانٌ، ورَألٌ ورِئلانٌ.
وإذا كسّرت فَعلةً من بنات الياء والواو على بناء أكثر العدد كسّرتها على البناء الذي كسّرت عليه غير المعتلّ. وذلك قولك: عيبنة وعَيباتٌ وعِيابٌ، وضَيعةٌ وضَيعاتٌ وضِياعٌ، ورَوضةٌ وروضاتٌ ورِياضٌ. فإذا أردت بناء أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحِّرك العين؛ لأنَّ الواو ثانية والياء ثانية. وقد قالوا: فَعلةٌ في بنات الواو وكسّروها على فُعلٍ كما كسّروا فَعلاً على بناء غيره. وذلك قولهم: نَوبةٌ ونُوبٌ، وجوبةٌ وجُوبٌ، ودَولةٌ ودُولٌ. ومثلها: قريةٌ وقُرىً، ونزوةٌ ونُزىً.

وقد قالوا: فَعلةٌ في بنات الياء ثم كسّروها على فِعل، وذلك قولهم: ضَيعةٌ وضِيَعٌ، وخيمةٌ وخِيمٌ. ونظيرها من غير المعتلّ: هَضبةٌ وهِضبٌ، وحَلقةٌ وحِلقٌ، وجَفنةٌ وجِفنٌ. وليس هذا بالقياس.
وأمّا ما كان فُعلةً فهو بمنزلة غير المعتلّ وتجمعه بالتاء إذا أردت أدنى العدد. وذلك قولك: دُولةٌ ودُولاتٌ، لا تحرِّك الواو لأنَّها ثانية، فإذا لم ترد الجمع المؤنَّث بالتاء قلت: دُولٌ، وسُوقةٌ وسُوقٌ، وسُورةٌ وسُورٌ.
وأمَّا ما كان فِعلةً فهو بمنزلة غير المعتلّ، وذلك: قيمةٌ وقِيمٌ وقِيماتٌ، ورِيبةٌ ورِيباتٌ ورِيبٌ، وديمةٌ وديماتٌ ودِيمٌ.
وأمّا ما كان على فَعَلةٍ فإنه كُسّر على فِعال، قالوا: ناقةٌ ونياقٌ، كما قالوا رَقبةٌ ورِقابٌ. وقد كسّروه على فُعلٍ، قالوا: ناقةٌ ونُوقٌ، وقارةٌ وقُورٌ، ولابةٌ ولُوبٌ؛ وأدنى العدد لاباتٌ وقاراتٌ. وساحةٌ وسُوحٌ.
ونظيرهن من غير المعتلّ: بدنةٌ وبُدنٌ، وخشبةٌ وخُشبٌ، وأكمّةٌ وأُكمٌ. وليس بالأصل في فَعلةٍ وإن وجدت النظائر. وقالوا: أينُقٌ، ونظيرها أكمةٌ وآكمٌ. وقد كُسّرت على فِعلٍ كما كُسّرت ضيعةٌ، قالوا: قامةٌ وقِيمٌ، وتارةٌ وتِيرٌ. وقال:
يقوم تاراتٍ ويمشي تِيرا.
وإنما احتملت الفعل في بنات الياء والواو لأنَّ الغالب الذي هو حدُّ الكلام في فعله في غير المعتل الفعال هذا باب ما يكون واحداً يقع للجميع من بنات الياء والواو ويكون واحده على بنائه ومن لفظه، إلاَّ أنّه تلحقه هاء التأنيث لتبيّن الواحد من الجميع.
أمّا ما كان فَعلاً فقصّته قصّةُ غير المعتلّ، وذلك: جَوزٌ وجوزةٌ وجوزاتٌ، ولَوزةٌ ولَوزٌ ولَوزاتٌ، وبَيضٌ وبيضةٌ وبيضاتٌ، وخَيمٌ وخيمةٌ وخيماتٌ، وقد قالوا: خِيامٌ، وروضةٌ ورَوضاتٌ ورِياضٌ ورَوضٌ، كما قالوا: طِلاحٌ وسِخالٌ.
وأما ما كان فعلاً فهو بمنزلة الفعل من غير المعتلّ، وذلك: سوسٌ وسوسةٌ وسوساتٌ، وصوفٌ وصوفةٌ وصوفاتٌ، وقد قالوا: تومةٌ وتوماتٌ وتومٌ، وقد قالوا: تومٌ كما قالوا: درر، وأمَّا ما كان فعلاً فقصته كقصّةغير المعتلّ، وذلك قولك: تينٌ وتينةٌ وتيناتٌ، وليفٌ وليفاتٌ، وطينٌ وطينةٌ وطيناتٌ. وقد يجوز أن يكون هذا فعلاً كما يجوز أن يكون الفيل فعلاً. وسترى بيان ذلك في بابه إن شاء الَّله.
وأمّا ما كان فعلاً فهو بمنزلة الفعل من غير المعتلّ، إلا أنَّك إذا جمعت بالتاء لم تغيَّر الاسم عن حاله، وذلك :هامٌ وهامةٌ وهاماتٌ، وراحٌ وراحاتٌ، وشامٌ وشامةٌ وشاماتُ.
قال الشاعر، وهو القطاميّ:
فكنّا كالحريق أصاب غاباً ... فيخبو ساعةً ويحيج ساعا
فقال: ساعةٌ وساعٌ، وذلك كهامةٍ وهامٍ. ومثله آيةٌ وآي.
ومثله قول العجَّاج:
وخطرت أيدي الكماة وخطر ... رأى إذا أورده الطعَّن صدر
باب ما هو اسم واحد يقع على جميعوفيه علامات التأنيث وواحده على بنائه ولفظه، وفيه علامات التأنيث التي فيه وذلك قولك للجميع: حلفاء وحلفاء واحدة، وطرفاء للجميع وطرفاء واحدة، وبهمي للجميع وبهمى واحدة، لَّما كانت تقع للجميع ولم تكن أسماء كسّر عليها الواحد أرادوا أن يكون الواحد من بناءٍ فيه علامة التأنيث، كما كان ذلك في الأكثر الذي ليس فيه علامة التأنيث ويقع مذكَّراً، نحو التَّمر والبَّر والشَّعير وأشباه ذلك. ولم يجاوزوا البناء، الذي يقع للجميع حيث أرادوا واحداً فيه علامة تأنيث؛ لأنَّه فيه علامة التأنيث، فاكتفوا بذلك وبيّنوا الواحدة بأن وصفوها بواحدة، ولم يجيئوا بعلامة سوى العلامة التي في الجميع، ليفرق بين هذا وبين الاسم الذي يقع للجميع وليس فيه علامة التأنيث، نحو: البسر والتَّمر.
وتقول: أرطى وأرطاة، وعلقي وعلقاه؛ لأن الألفات لم تلحق للتأنيث، فمن ثمَّ دخلت الهاء.
باب ما كان على حرفينوليست فيه علامة التأنيث أما ما كان أصله فعلاً فإنّه إذا كسّر على بناء أدنى العدد كسّر على أفعل، وذلك نحو: يدٍ وأيدٍ، وإن كسّر على بناء أكثر العدد كسُّر على فعالٍ وفعولٍ،وذلك قولهم: دماء ودمى، لَّما ردَّوا ما ذهب من الحروف كسّروه على تكسيرهم إيَّاه لو كان غير منتقص على الأصل نحو: ظبيٍ ودلو

وإن كان أصله فعلاُ كسُّر من أدنى العدد على أفعالٍ كما فعل ذلك بما لم يحذف منه شيء، وذلك أبٌ وآباءٌ. وزعم يونس أنَّهم يقولون: أخٌ وآخاءٌ. وقالوا: أخوانٌ كما قالوا: خربٌ وخربان. والخرب: ذكر الحبارى فبنات الحرفين تكسَّر على قياس نظائرها التي لم تحذف. وبنات الحرفين في الكلام قليل.
وأمَّا ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنَّك إذا أردت الجمع لم تكسره على بناء يردُّ ما ذهب منه، وذلك لأنَّها فعل بها ما لم يفعل بما فيه الهاء ممّا لم يحذف منه شيء، وذلك أنّهم يجمعونها بالتاء والواو والنون كما يجمعون المذكَّر نحو: مسلمين، فكأنه عوضٌ، فإذا جمعت بالتاء لم تغير البناء.وذلك قولك: هنة وهنات، وفئةٌ وفئاتٌ، وشيةٌ وشياتٌ، وثبةٌ وثبات، وقلةٌ وقلات. وربمَّا ردَّوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء، وذلك قولهم: سنوت وعضوات. فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأوَّل وغيّروا الاسم. وذلك قولهم: سنون وقلون وثبون ومئون، فإنَّما غيّروا أوَّل هذا لأنَّهم ألحقوا آخره شيئاً ليس هو في الأصل للمؤنث ولا يلحق شيئاً فيه الهاء ليس على حرفين. فلّما كان كذلك غيَّروا أوَّل الحرف كراهية أن يكون بمنزلة ما الواو والنون له في الأصل، نحو قولهم: هنون ومنون وبنون. وبعضهم يقول: قلون: فلا يغيَّر كما لم يغيروا في التاء.
وأمّا هنة ومنةٌ فلا تجمعان ألاَّ بالتاء؛ لأنَّهما قد ذكّرتا.
وقد يجمعون الشيء بالتاء ولا يجاوزون به ذلك، استغناء، وذلك: ظبةٌ وظبات، وشيةٌ وشياتٌ. والتاء بدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأنَّها الأصل.
وقد يكسَّرون هذا النحو على بناءٍ يردُّ ما ذهب من الحرف. وذلك قولهم: شفةٌ وشفاه وشاةٌ وشياهٌ، تركوا الواو والنون حيث ردُّوا ما حذف منه واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وإن كانت من أبنية أكثر العدد، كما استغنوا بثلاثة جروحٍ عن أجراحٍ، وتركوا الواو والنون كما تركوا التاء حيث كسَّروه على شيء يردُّ ما حذف منه واستغنى به.
وقالوا: أمةٌ وآمٍ وإماء، فهي بمنزلة أكمةٍ وآكمٍ وإكامٍ. وإنّما جعلناها فعلةً لأنّا قد رأيناهم كسّروا فعلةً على أفعلٍ ممَّا لم يحذف منه شيء ولم نرهم كسّروا فعلةً ممَّا لم يحذف منه شيء على أفعلٍ. ولم يقولوا: إمون وإن حيث كسَّروه على ماردَّ الأصل استغناء عنه، حيث ردّ إلى الأصل بآمٍ، وتركوا أماتٌ استغناءً بآمٍ.
وقالوا: برةٌ وبراتٌ وبرون وبرىً، ولغةٌ ولغىً، فكسّروها على الأصل كما كسّروا نظائرها التي لم تحذف ، نحو: كليةٍوكلىً. فقد يستغنون بالشيء عن الشيء، وقد يستعملون فيه جميع ما يكون في بابه.
وسألت الخليل عن قول العرب: أرضٌ وأرضاتٌ؟ فقال: لمَّا كانت مؤنثَّة وجمعت بالتاء ثقلَّت كما ثقلَّت طلحاتٌ وصحفاتٌ. قلت: فلم جمعت بالواو والنون؟ قال: شبّهت بالسِّنين ونحوها من بنات الحرفين لأنَّها مؤنثّة كما أن سنةً مؤنّثة، ولأن الجمع بالتاء أقلّ والجمع بالواو والنون أعمُّ. ولم يقولوا: آرضٍ ولا آراضٍ فيجمعونه كما جمعوا فعلٌ.قلت: فهلَّا قالوا: أرضون كما قالوا: أهلون؟ قال: إنَّها لمّا كانت تدخلها التاء أرادوا أن يجمعونها بالواو والنون كما جمعوها بالتاء، وأهلٌ مذكَّر لا تدخله التاء ولا تغيَّره الواو والنون كما لا تغيّر غيره من المذكَّر، نحو: صعبٍ وفسلٍ.
وزعم يونس أنّهم يقولون: حرَّةٌ وحرَّون، يشبّهونها بقولهم: أرضٌ وأرضون؛ لأنها مؤنّثة مثلها. ولم يكسروا أوَّل أرضين؛ لأنّ التغيير قد لزم الحرف الأوسط كما لزم التغيير الأوّل من سنةٍ في الجمع. وقالوا: إوزَّة وإوزون، كما قالوا: حرةٌ وحرَّون.
وزعم يونس أنَّهم يقولون أيضاً: حرّةٌ وإحرُّون، يعنون الحرار كأنه جمع إحرّة ، ولكن لا يتكلم بها.
وقد يجمعون المؤنَّث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء كما يجمعون ما فيه الهاء؛ لأنَّه مؤنّث مثله، وذلك قولهم: عرساتٌ وأرضاتٌ، وعيرٌ وعيراتٌ، حرّكوا الياء وأجمعوا فيها على لغة هذيلٍ؛ لأنَّهم يقولون: بيضاتٌ وجوزات.

وقالوا: سمواتٌ فاستغنوا بهذا، أرادوا جمع سماء لا من المطر، وجعلوا التاء بدلاً من التكسير كما كان ذلك في العير والأرض. وقد قالوا: عيراتٌ وقالوا: أهلاتٌ، فخفَّفوا، شبَّهوها بصعبات حيث كان أهلٌ مذكَّراً تدخله الواو والنون، فلمّا جاء مؤنثاً كمؤنَّث صعبٍ فعل به كما فعل بمؤنث صعبٍ. وقد قالوا: أهلاتٌ فثقّلوا، كما قالوا: أرضاتٌ. قال المخَّبل:
وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ ... إذا أدلجوا بالَّليل يدعون كوثرا
وقد قالوا: إموانٌ جماعة الأمة كما قالوا: إخوانٌ؛ لأنّهم جمعوها كما جمعوا ما ليس فيه الهاء. وقال القتّال الكلابّي:
أمَّا الإماء فلا يدعونني ولداً ... إذا ترامى بنو الأموان بالعار
باب تكسير ما عدّة حروفه أربعة أحرف
للجمع أمّا ما كان فعالاً فإنَّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد كسَّرته على أفعلةٍ، وذلك قولك: حمارٌ وأحمرة وخمار وأخمرةٌ، وإزارٌ وآزرة، ومثالٌ وأمثلةٌ، وفراشٌ وأفرشةٌ،. فإذا أردت أكثر العدد بنيته على فعلٍ وذلك حمارٌ وحمرٌ، وخمارٌ وخمرٌ، وإزارٌ وأزرٌ، وفراشٌ وفرشٌ. وإن شئت خفّفت جميع هذا في لغة تميمٍ. وربَّما عنوا ببناء أكثر العدد أدنى العدد كما فعلوا ذلك بما ذكرنا من بنات الثلاثة، وذلك قولهم: ثلاثةُ جدرٍ وثلاثة كتبٍ.
وأمّا ما كان منه مضاعفاً فإنَّهم لم يجاوزوا به أدنى العدد وإن عنوا الكثير تركوا ذلك كراهية التضعيف، إذ كان من كلامهم أن لا يجاوزوا بناء أدنى العدد فيما هو غير معتلّ.وذلك قولهم: جلالٌ وأجلَّة ، وعنانٌ وأعنَّةٌ، وكنانٌ وأكنَّةٌ.
وأمّا ما كان منه من بنات الياء والواو فإنهم يجاوزون به بناء أدنى العدد كراهية هذه الياء مع الكسرة والضّمة لو ثقّلوا، والياء مع الضمّة لو جففّوا.فلمّا كان كذلك لم يجاوزوا به أدنى العدد، إذ كانوا لا يجاوزون في غير المعتلّ بناء أدنى العدد. وذلك قولهم: رشاءٌ وأرشيةٌ، وسقاءٌ وأسقيةٌ، ورداءٌ وأرديةٌ، وإناءٌ وآنيةٌ.
فأمّا ما كان منه من بنات الواو التي الواوات فيهن عيناتٌ فإنَّك إذا أردت بناء أدنى العدد كسّرته على أفعلةٍ، وذلك قولك: خوانٌ وأخونةٌ، ورواقٌ وأروقة، وبوانٌ وأبوانةٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد لم تثقّل وجاء على فعلٍ كلغة بني تميم في الخمر، وذلك قولك: خونٌ وروقٌ وبونٌ. وإنّما خففّوا كراهية الضمّة قبل الواو، والضمة التي في الواو، فخفّفوا هذا كما خففّوا فعلاً حين أرادوا جمع قوولٍ، وذلك قولهم: قولٌ. وإذا كان في موضع الواو من خوانٍ ياء ثقّل في لغة من يثّقل، وذلك قولك: عيانٌ وعينٌ. والعيان: حديدة تكون في متاع الفدّان. فثقَّلوا هذا كما قالوا: بيوضٌ وبيضٌ، حيث كان أخفَّ من بنات الواو، كما قالوا: بيوتٌ حيث كان أخفَّ من بنات الواو.
وزعم يونس أنّ من العرب من يقول: صيودٌ وصيدٌ، وبيوضٌ وبيضٌ، وهو على قياس من قال في الرُّسل: رسلٌ.
وأمَّا ما كان فعالاً فإنهم إذا كسّروه على بناء أدنى العدد فعلوا به ما فعلوا بفعالٍ؛ لأنَّه مثله في الزيادة والتحريك والسكون، إلا أن أوّله مفتوح، وذلك قولك: زمان وأزمنةٌ، ومكانٌ وأمكنةٌ، وقذالٌ وأقذلةٌ، وفدانٌ وأفدنةٌ. وإذا أردت بناء أكثر العدد قلت: قذلٌ وفدنٌ. وقد يقتصرون على بناء أدنى العدد كما فعلوا ذلك فيما ذكرنا من بنات الثلاثة، وهو أزمنةٌ وأمكنةٌ.
وما كان منه من بنات الياء والواو فعل به ما فعل بما كان من بنات فعالٍ، وذلك قولك: سماءٌ وأسميةٌ، وعطاءٌ وأعطيةٌ. وكرهوا بناء الأكثر لإعتلال هذه الياء لما ذكرت لك، ولأنّها أقلُّ الياءات احتمالاً وأضعفها. وفعالٌ في جميع الأشياء بمنزلة فعالٍ.
وأمّا ما كان فعالاً فإنه في بناء أدنى العدد بمنزلة فعالٍ؛ لأنّه ليس بينهما شيء إلاَّ الكسر والضُّم. وذلك قولك: غرابٌ وأغربةٌ، وخراجٌ وأخرجةٌ، وبغاثٌ وأبغثةٌ. فإذا أردت بناء أكثر العدد كسّرته علىفعلانٍ، وذلك قولك: غرابٌ وغربانٌ، وخراجٌ وجرجانٌ، وبغاثٌ وبغثانٌ، وغلامٌ وغلمانٌ. ولم يقولوا: أغلمةٌ، استغنوا بقولهم: ثلاثة غلمةٍ، كما استغنوا بفتيةٍ عن أن يقولوا: أفتاء.

وقالوا في المضاعف حين أرادوا بناء أدنى العدد كما قالوا في المضاعف في فعالٍ، وذلك قولهم: ذبابٌ وأذبةٌ. وقالوا حين أرادوا الأكثر ذبّانٌ، ولم يقتصروا على أدنى العدد لأنَّهم أمنوا التضعيف. وقالوا: حوارٌ وحيرانٌ، كما قالوا: غرابٌ وغربانٌ. وقالوا في أدنى العدد: أحورة. والذين يقولون حوارٌ يقولون: حيرانٌ، وصوارٌ وصيرانٌ، جعلوا هذا بمنزلة فعالٍ، كما أنَّهما متفقان في بناء أدنى العدد. وأمَّلسوا وسورٌ فوافق الذين يقولون سوارٌ الذين يقولون: سوارٌ كما اتفقوا في الحوار. وقد قال بعضهم: حورانٌ. وله نظيرٌ، سمعنا العرب يقولون: زقاقٌ وزقاقٌ، جعلوه وافق فعيلاً كما وافقه في أدنى العدد. وقد يقتصرون على بناء أدنى العدد كما فعلوا ذلك في غيره، قالوا: فؤادٌ وأفئدةٌ، وقالوا قرادٌ وقردٌ، فجعلوه موافقاً لفعالٍ؛ لأنه ليس بينهما إلا ما ذكرت لك. ومثله قول بعضهم: ذبابٌ وذبٌ.
وأمّا ما كان فعيلاً فإنّه في بناء أدنى العدد بمنزلة فعالٍ وفعالٍ؛ لأنّ الزيادة التي فيها مدّة، لم تجيء الياء التي في فعيلٍ لتلحق بناتٍ الثلاثة ببنات الأربعة كما لم تجيء الألف التي في فعالٍ وفعالٍ لذلك، وهو بعد في الزنة والتحريك والسكون مثلهما، فهنّ أخواتٌ. وذلك قولك: جريبٌ وأجربةٌ، وكثيبٌ وأكثبةٌ، ورغيفٌ وأرغفةٌ، ورغفانٌ وجربانٌ وكثبان.
ويكَّسر على فعلٍ أيضاً، وذلك قولهم: رغييفٌ ورغفٌ، وقليبٌ وقلبٌ، وكثيبٌ وكثبٌ، وأميلٌ وأملٌ، وعصيبٌ وعصبٌ، وعسيبٌ وعسبٌ وعسبانٌ، وصليبٌ وصلبانٌ وصلبٌ.
وربَّما كسّروا هذا على أفعلاء، وذلك : نصيبٌ وأنصباء، وخميسٌ وأخمساء، وربيعٌ وأربعاءٌ.وهي في أدنى العدد منزلة ما قبلهمّ.
وقد كسّره بعضهم على أفعلاء، وهو قليل، وذلك:قولهم: ظليمٌ وظلمانٌ،وعريضٌ وعرضانٌ، وقضيبٌ وقضبانٌ. وسمعنا بعضهم يقول: فصيلٌ وفصلانٌ، شبّهوا ذلك بفعالٍ.
فأمّا ما كان من بنات الياء والواو فإنه بمنزلة ماذكرنا. وقالوا: قرىٌّ وأقريةٌ وقريانٌ، حين أرادوا بناء الأكثر، كما قالوا: جريبٌ وأجربةٌ وجربانٌ. ومثله: سريٌّ وأسريةٌ. وسريان وقالوا: صبيٌّ وصبيانٌ كظلمانٍ، ولم يقولوا: أصبيةٌ، استغنوا بصبيةٍ عنها. وقالوا بعضهم : حزّانٌ كما قالوا ظلمانٌ. وقالوا: سريرٌ وأسرةٌ وسررٌ، كما قالوا: قليبٌ وأقلبةٌ وقلبٌ. وقالوا: فصيلٌ وفصالٌ، شبّهوه بظريف وظراف؛ ودخل مع الصفة في بنائه كما دخلت الصفة في بناء الاسم وستراه، فقالوا: فصيل حيث قالوا:فصيلةٌ، كما قالوا: ظريفةٌ وتوهّموا الصفّة حيث أنّثوا وكان هو المنفصل من أمِّه. وقد قالوا: أفيلٌ وأفائل والأفائل: حاشية الإبل، كما قالوا: ذنوبٌ وذنائب. وقالوا أيضاً: إفالٌ، شبهوها بفصال حيث قالوا: أفيلةٌ.
وأمّا ما كان من هذه الأشياء الأربعة مؤنثاً فإنهم إذا كسّروه على بناء آدني العدد كسّروه على أفعلٍ وذلك قولك: عناقٌ وأعنقٌ. وقالوا في الجميع: عنوقٌ، وكسّروه على فعولٍ كما كسّروها على أفعٌلٍ، بنوه على ما هو بمنزلة افعلٍ، كأنَّهم أرادوا أن يفصلوا بين المذكّر والمؤنّث، كأنّهم جعلوا الزيادة التي فيه إذ كان مؤنثاً بمنزلة الهاء التي في قصعةٍ ورحبةٍ، وكرهوا أن يجمعوه جمع قصعةٍ؛ لأنَّ زيادته ليست كالهاء، فكسّروه تكسير ما ليس فيه زيادةٌ من الثلاثة، حيث شبِّه بما فيه الهاء منه ولم تبلغ زيادته الهاء؛ لأنهَّا من نفس الحرف، وليست علامة تأنيث لحقت الاسم بعد ما بني كحضرموت. ونظير عنوقٍ قول بعض العرب في السَّماء: سميٌّ. وقال أبو نخيلة:
كنهورٌ كان من أعقاب السُّمي
وقالوا:أسميةٌ، فجاءوا به على الأصل.
وأمّا من أنث اللَّسان فهو يقول: ألسنٌ. من ذكّر قال: أسنةٌ.
وقالوا: ذراعٌ وأذرعٌ حيث كانت مؤنثّة، ولا يجاوز بها هذا البناء وإن عنو الأكثر، كما فعل ذلك بالأكفّ والأرجل. وقالوا: شمالٌ وأشملٌ وقد كسّرت على الزيادة التي فيها فقالوا: شمائل، كما قالوا في الرَّسالة: رسائل، إذ كانت مؤنّثةً مثلها. قالوا: شملٌ فجاءوا بها على قياس جدرٍ قال الأزرق العنبريّ:
طرن أنقطاعة أوتارٍ محظربةٍ ... في أقواسٍ نازعتها أيمن شملا
وقالوا: عقابٌ وأعقبٌ، وقالوا: عقبانٌ كما قالوا: غربانٌ وقالوا: كراعٌ وأكرعٌ، وأتانٌ وآتنٌ. كما قالوا: أشملٌ، وقالوا: يمينٌ وأيمنٌ لأنَّها مؤنّثة. وقال أبو النجم:

يأتي لها من أيمنٍ وأشمل
وقالوا: أيمانٌ فكسّروها على أفعالٍ كما كسّروها على أفعلٍ إذ كانا لما عدده ثلاثة أحرف.
وأمّا ما كان فعولاً فهو بمنزلة فعيل إذا أردت بناء أدنى العدد، لأنهَّا كفعيلٍ في كل شيء،إلاَّ أنَّ زيادتها واو، وذلك: قعودٌ وأقعدةٌ، وعمودٌ وأعمدةٌ، وخروفٌ وأخرفةٌ. فإن أردت بناء أكثر العدد كسّرته على فعلانٍ، وذلك: خرفانٌ وقعدانٌ، وعتودٌ وعدَّانٌ، خالفت فعيلاً كما خالفتها فعالٌ في أوّل الحرف.وقالوا: عمودٌ وعمدٌ، وزبورٌ وزبرٌ، وقدومٌ وقدمٌ، فها بمنزلة قضبٍ وقلبٍ وكثبٍ. قالوا: قداثم كما قالوا: شمائل في الشّمال، وقالوا: قلصٌ وقلائص.
وقد كسّروا شيئاً منه من بنات الواو على أفعالٍ، قالوا: أفلاءٌ وأعداءٌ، والواحد فلوٌّ وعدوٌّ. وكرهوا فعلاً كما كرهوا في فعال وكرهوا فعلاناً للكسرة التي قبل الواو إن كان بينهما حرفٌ ساكن لأنهَّ ليس جاهزاً حصيناً. وعدوٌّ وصف ولكنَّه ضارع الاسم.
وأمّا ما كان عدّة حروفه أربعة أحرف وكان فعلى أفعل فإنك تكسوِّه على فعلٍ وذلك قولك: الصُّغرى والصُّغر، والكبرى والكبر والأولى والأول. وقال تعالى جدٌّه: " إنهَّا لإحدى الكبر " .ومثله من بنات الياء والواو: الدُّنيا والدُّنى. والقصوى والقصى، والعليا والعلي. وإنمَّا صيروا الفعلى ههنا بمنزلة الفعلة لأنها على بنائها، ولأنَّ فيها علامة التأنيث، وليفرقوا بينها وبين ما لم يكن فعلى أفعل. وإن شئت جمعتهنَّ بالتاء فقلت: الصغريات والكبريات، كما تجمع المذكّر بالواو والنون، وذلك الأصغرون والأكبرون والأرذلون.
وأمّا ما كان على أربعة أحرف وكان آخره ألف التأنيث فإن أردت أن تكسّره فإنكَّ تحذف الزيادة التي هي التأنيث، ويبنى على فعالي وتبدل من الياء الألف، وذلك نحو قولك في حبلى: حبالى، وفي ذفري ذفاري. وقال بعضهم: ذفري وذفارٍ. ولم ينوّنوا ذفري. وكذلك ما كانت الألفان في آخره للتأنيث، وذلك قولك صحراء وصحارى، وعذراء وعذارى. وقد قالوا: صحارٍ وعذارٍ، وحذفوا الألف التي قبل علامة التأنيث، وليكون آخره كآخر ما فيه علامة التأنيث، وليفرقوا بين هذا وبين علباءٍ ونحوه: وألزموا هذا ما كان فيه علامة التأنيث، إذ كانوا يحذفونه من غيره، وذلك: مهريةٌ ومهارٍ، وأثفيةٌ وأثافٍ. جعلوا صحراء بمنزلة ما في آخره ألفٌ، إذ كان أواخرهما علامات التأنيث، مع كراهيتهم الياءات، حتى قالوا مدارى ومهارى. فهم في هذا أجدر أن يقولوا، لئلاّ يكون بمنزلة ما جاء آخره لغير التأنيث.
وقالوا: ربي وربابٌ حذفوا الألف وبنوه على هذا البناء، كما ألقوا الهاء من جفرةٍ فقالوا: جفارٌ، إلاَّ أنَّهم قد ضموَّا أول ذا، كما قالوا: ظئرٌ وظؤارٌ، ورخلٌ ورخالٌ. ولم يكسوا أوّله كما قالوا: بئارٌ وقداحٌ. وإذا أردت ما هو أدنى العدد جمعت بالتاء، تقول: خبراواتٌ وصحراواتٌ وذفرياتٌ وحبلياتٌ.
وقالوا: إنثى وإناثٌ، فذا بمنزلة جفرةٍ وحفار.
ومثل ظئرٍ وظؤارٍ: ثنىٌ وثناءٌ. والثَّنى: التي قد نتجت مرَّتين.
وقالوا: خنثى وخناثى، كقولهم: حبلى وحبالى.
وقال الشاعر:
خناثى يأكلون التَّمر ليسوا ... بزوجاتٍ يلدن ولا رجال
وأمَّا ما كان عدد حروفه أربعة أحرف وفيه هاء التأنيث وكان فعيلةً فإنَّك تكسّره على فعائل، وذلك نحو: صحيفةٍ وصحائف، وقبيلةٍ وقبائل؛ وكتيبةٍ وكتائب، وسفينةٍ وسفائن، وحديدةٍ وحدائد. وذا أكثر من أن يحصى .وربَّما كسّروه على فعلٍ، وهو قليل، قالوا: سفينة وسفنٌ، وصحيفةٌ وصحفٌ، شبّهوا ذلك بقليبٍ وقلبٍ، كأنَّهم جمعوا سفينٌ وصحيفٌ حين علموا أنَّ الهاء ذاهبةٌ، شبَّهوها بجفارٍ حين أجريت مجرى جمدٍ وجمادٍ.
وليس يمتنع شيءٌ من ذا أن يجمع بالتاء إذا أردت ما يكون لأدنى العدد. وقد يقولون: ثلاث صحائف وثلاث كتائب، وذلك لأنّها صارت على مثال فعالل، نحو:حضاجر وبلابل وجنادب، فأجروها مجراها. ومثل صحائف من بنات الوا الياء والواو صفيةٌ وصفايا، ومطيةٌ ومطايا.

وأمَّا فعالةٌ فهو بهذه المنزلة؛ لأنَّ عدّة الحروف واحدة، والزنة والزيادة مدٌّ كما أنَّ زيادة فعيلة مدٌّ، فوافقته كما وافق فعيلٌ فعالاً. وذلك قولك إذا جمعت بالتاء: رسالاتٌ، وكناناتٌ، وعماماتٌ، وجنازاتٌ. فإذا كسّرته على فعائل قلت: جنائز، ورسائل، وكنائن، وعمائم.والواحدة جنازةٌ وكنانةٌ وعمامةٌ ورسالةٌ.ومثله جناية وجنايا.
وما كان على فعالةٍ فهو بهذه المنزلة؛ لأنَّه ليس بينهما إلاَّ الفتح والكسر، وذلك: حمامةٌ وحمائم، ودجاجةٌ ودجائج. والتاء أمرها ههنا كأمرها فيما قبلها.
وما كان فعالةً فهو كذلك في جميع الأشياء؛ لأنَّه ليس بينهما شيء إلَّا الضمّ في أوله. وذلك قولك: ذؤابةٌ وذؤاباتٌ، وقوارةٌ وقواراتٌ، وذبابةٌ وذباباتٌ. فإذا كسَّرته قلت: ذوائب وذبائب.
وكذلك فعولةٌ: لأنها بمنزلة فعيلةٍ في الزنة والعدّة وحرف المدّ. وذلك قولهم: حمولةٌ وحمائل، وحلوبةٌ وحلائبُ، وركوبة وركائب.وإن شئت قلت: حلوباتُ وركوباتُ وحمولاتٌ. وكلُّ شيء كان من هذا أقلّ كان تكسيره أقلّ كما كان ذلك في بنات الثلاثة.
واعلم أنّ فعالاً وفعيلاً وفُعالاً وفَعالاً إذا كان شيء منها يقع على الجميع فإنَّ واحده يكون على بنائه ومن لفظه، وتلحقه هاء التأنيث، وأمرها كأمر ما كان على ثلاثة أحرف. وذلك قولك دجاجٌ ودجاجةٌ ودجاجاتٌ. وبعضهم يقول: دجاجةٌ ودجاجٌ ودجاجاتٌ. ومثله من الياء: أضاءةٌ وأضاءٌ وأضاءاتٌ، وشعيرةٌ وشعيرٌ وشعيراتٌ، وسفينٌ وسفينةٌ وسفيناتٌ. ومثله من بنات الياء والواو: ركيّةٌ وركىُّ، ومطيّةٌ ومطىُّ، وركياتٌ ومطيَّاتٌ، ومرارٌ ومرارةٌ مراراتٌ، وثمامُ وثمامةُ وثماماتٌ، وجراد وجرادة وجراداتٌ؛ وحمامٌ وحمامةٌ وحماماتٌ. ومثله من بنات الياء والواو وعظاءة وعظاءات وملاء وملاءة وملاءات وقد قالوا: سفائنُ ودجائج وسحائب. وقالوا: دجاجٌ كما قالوا: طلحةٌ وطلاحٌ، وجذبةٌ وجذابٌ.
وكلّ شيء كان واحداً مذكراً يقع على الجميع فإنَّ واحده وإياه بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف مما ذكرنا، كثرت عدّة حروفه أو قلَّت.
وأمّا ما كان من بنات الأربعة لا زيادة فيه فإنّه يكسّر على مثال مفاعل، وذلك قولك: ضفدعٌ وضفادعٌ، وحبرجٌ وحبارجُ، وخنجرٌ وخناجر، وجنجنٌ وجناجن، وقمطرٌ وقماطر. فإن عنيت الأقلّ لم تجاوز ذا، لأنَّك لا تصل إلى التاء لأنَّه مذكّر، ولا إلى بناءٍ من أبنية أدنى العدد لأنَّهم لا يحذفون حرفاً من نفس الحرف، إذ كان من كلامهم أن لا يجاوزوا بناء الأكثر وإن عنوا الأقل. فإن عنوا الأقل. فإن كان فيه حرفٌ رابعٌ حرف لين، وهو حرف المدّ، كسَّرته على مثال مفاعيل وذلك قولك: قنديلٌ وقناديلُ، وخنذيذٌ وخناذيذً، وكرسوعٌ وكراسيعُ، وغربالٌ وغرابيلُ.
واعلم أنَّ كلَّ شيء كان من بنات الثلاثة فلحقته الزيادة فبنى بناء بنات الأربعة وألحق ببنائها، فإنّه يكسِّر على مثال مفاعل كما تكسّر بنات الأربعة، وذلك:جدولٌ وجداول، وعثيرٌ وعثاير، وكوكبٌ وكواكبٌ، وتولبٌ وتوالبٌ، وسلَّم وسلالم، ودمَّل ودمامل، وجندبٌ وجنادبُ، وقرددٌ وقرادد، وقد قالوا: قراريد كراهية التضعيف. وكذلك هذا النحو كلُّه.
وما لم يلحق ببنات الأربعة، وفيها زيادة وليست بمدَّة فإنَّك إذا كسَّرته كسَّرته على مثال مفاعل، وذلك: تنضبٌ وتناضب، وأجدل وأجادل، وأخيل وأخايل.
وكل شيء مما ذكرنا كانت فيه هاء التأنيث يكسر على ما ذكرنا إلا أنك تجمع بالتاء إذا أردت بناء ما يكون لأدنى العدد، وذلك قولك جمجمة وجماجم، وزردمة وزرادم، ومكرمة ومكارم وعودقة وعوادق وهو الكلوب الذي يخرج به الدلو.
وكلُّ شيء من بنات الثلاثة قد ألحق ببنات الأربعة فصار رابعه حرف مدّ فهو بمنزلة ما كان من بنات الأربعة له رابعٌ حرف مدٍّ، وذلك : قرطاطٌ وقراطيطُ، وجرينالٌ وجرابيلُ، وقرواحٌ وقراويحُ. وكذلك ما كانت فيه زيادة ليست بمدّة وكان رابعه حرف مدٍّ ولم يبن بناء بنات الأربعة التي رابعها حرف مدّ، وذلك نحو: كلُّوبٍ وكلاليب، ويربوعٍ ويرابيع.

وما كان من الأسماء على فاعلٍ أو فاعلٍ فإنّه يكسّر على بناء فواعل، وذلك: تابلٌ وتوابلُ، وطابقٌ وطوابقُ، وحاجر وحواجر، وحائط وحوائط. وقد يكسرون الفاعل على فعلانٍ نحو: حاجرٍ وحجرانٍ، وسالًّ وسلانٍ، وحائر وحورانٍ، وقد قال بعضهم: حيرانٌ كما قالوا: جانٌ وجنانٌ، وكما قال بعضهم: غائطٌ وغيطانُ وحائطٌ وحائطٌ وحيطانٌ، قلبوها حيث صارت الواو بعد كسرة. فالأصل فعلانُ. وقد قالوا: غالٌّ وغلاَّنٌ، وقالقٌ وفلقانٌُ، ومالٌّ ملّلان. ولا يمتنع شيء من ذا من فواعل.
وأمَّا ما كان أصله صفة فأجرى الأسماء فقد يبنونه على فعلانٍ كما يبنونها، وذلك: راكبٌ وركبانٌ، وصاحبٌ وصحبانٌ، وفارسٌ وفرسانٌ، وراعٍ ورعيانٌ. وقد كسّروه على فعالٍ، قالوا صحابٌ حيث أجروه مجرى فعيلٍ، نحو: جريبٍ وجربانٍ. وسترى بيانه إن شاء الَّله لم أجرى ذلك المجرى. فإدخلوا الفعال ههنا كما أدخلوه ثمَّة حين قالوا: إفالٌ وفصالٌ، وذلك نحو صحابٍ. ولا يكون فيه فواعل كما كان في تابلٍ وخاتمٍ وحاجرٍ؛ لأن أصله صفة وله مؤنّث، فيفصلون بينهما؛ إلّا في فوارس فإنَّهم قالوا: فوارس كما قالوا: حواجر لأنَّ هذا اللفظ لا يقع في كلامهم إلَّا للرجال، وليس في أصل كلامهم أن يكون إلّا لهم. فلّما لم يخافوا الالتباس قالوا فواعلُ، كما قالوا فعلانٌ وكما قالوا: حوارثُ؛ حيث كان اسماً خاصاً كزيدٍ.
باب ما يجمع من المذكّر بالتاء
لأنه يصير إلى تأنيث إذا جمع فمنه شيء لم يكّسر على بناء من أبنية الجمع بالتاء إذ منع ذلك، وذلك قولهم: سرادقاتٌ، وحمَّاماتٌ، وإواناتٌ، ومنه قولهم: جملٌ سبحلٌ وجمالٌ سبحلاتٌ، وربحلاتٌ، وجمالٌ سبطراتٌ. وقالوا: جوالقٌ وجواليقُ فلم يقولوا: جوالقاتٌ حين قالوا: جواليق.
والمؤنث الذي ليس فيه علامة التأنيث أجرى هذا المجرى. ألا ترى أنك لا تقول: فرسناتٌ حين قالوا فراسن، ولا خنصراتٌ حين قالوا: خناصرُ، ولا محاجاتٌ حين قالوا: محالجُ ومحاليجٌ. وقالوا: عيراتٌ حين لم يكسّروها على بناء يكسَّر عليه مثلها.
وربَّما جمعوه بالتاء وهم يكسّرونه على بناء الجمع لأنه يصير إلى بناء التأنيث فشبهوه بالمؤنث الذي ليس فيه هاء التأنيث؛ وذلك قولهم: بواناتٌ وبوانٌ للواحد وبونٌ للجميع، كما قالوا: عرساتٌ وأعراسٌ، فهذه حروفٌ تحفظ ثم يجاء بالنظائر. وقد قال بعضهم في شمالٍ: شمالاتٌ
باب ما جاء بناء جمعه على غير مايكون في مثله ولم يكسّر هو على ذلك البناء
فمن ذلك قولهم: رهطٌ وأراهط، كأنَّهم كسّروا أرهط. ومن ذلك باطلٌ وإبطيلُ لأنَّ ذا ليس بناء باطلٍ ونحوه إذا كسّرته، فكأنَّه كسّرت عليه أباطيل وإبطالٌ. ومثل ذلك: كراعٌ وأكارع؛ لأنّ ذا ليس من أبنية فعالٍ إذا كسر بزيادة أو بغير زيادة، فكأنّه كسّر عليه أكرعٌ. ومثل ذلك حديثٌ وأحاديث، وعروضٌ وأعارض، وقطيعٌ وأقاطيعُ؛ لأنّ هذا لو كسّرته إذ كانت عَّدة حروفه أربعة أحرف بالزيادة التي فيها لكانت فعائل؛ ولم تكن لتدخل زيادة تكون في أوَّل الكلمة، كما أنَّك لا تكسِّر جدولاً ونحوه إلّا على ما تكَّسر عليه بنات الأربعة. فكذلك هذا إذا كسّرته بالزيادة، لا تدخل فيه زيادةٌ سوى زيادته، فيصير اسماً أوّله ألف ورابعه حرف لين. فهذه الحروف لم تكَّسر على ذا. ألا ترى أنك لو حقّرتها لم تقل: أحيديثٌ ولا أعيريضٌ ولا أكيريعٌ. فلو كان ذا أصلاً لجاز ذا التحقير وإنَّما يجري التحقير على أصل الجمع إذا أردت ما جاوز ثلاثة أحرف مثل مفاعل ومفاعيل.
ومثل: أراهط أهلٌ وأهالٍ، وليلةٌ وليالٍ: جمع أهلٍ وليلٍ. وقالوا: لييليةٌ فجاءت على غير الأصل كما جاءت في الجمع كذلك.
وزعم أبو الخطّاب أنّهم يقولون: أرضٌ وآراضٌ أفعالٌ، كما قالوا: أهلٌ وآهالٌ.
وقد قال بعض العرب: أمكنٌ، كأنّه جمع مكنٍ لا مكانٍ؛ لأنّا لم نر فعيلاً ولا فعالاً ولا ِفعالاً ولا فُعالاً يكسّرون مذكّراتٍ على أفعلٍ. ليس ذا لهنَّ طريقةً يجرين عليها في الكلام.
ومثل ذلك: توأمٌ وتؤامٌ، كأنّهم كسّروا عليه تئم ، كما قالوا: ظئرٌ وظؤارٌ، ورخلٌ ورخالٌ.
وقالوا: كروانٌ وللجميع كروانٌ، فإنّما يكسر عليه كرىً، كما قالوا إخوانٌ. وقد قالوا في مثلٍ: " أطرق كوا ومثل ذلك: حمارٌ وحميرٌ. ومثل ذا: أصحابٌ وأطيارٌ، وفلوُّ وأفلاءُ.
باب ما عدّة حروفه خمسةُ أحرف

خامسه ألف التأنيث أو ألفا التأنيث
أمّا ما كان فعالي فإنهَّ يجمع بالتاء. وذلك: حباري وحبارياتٌ، وسماني وسمانياتٌ، ولبادي ولبادياتٌ. ولم يقولوا: حبائر ولا حباري ولا حبار؛ ليفرقوا بينها وبين فعلاءً وفعالةٍ وأخواتها، وفعيلةٍ وفعالةٍ وأخواتها.
وأمَّا ما كان آخره ألفا التأنيث وكان فاعلاء فإنّه يكسَّر على فواعل شبّه بفاعلةٍ؛ لأنّه علم تأنيث كما أنّ الهاء في فاعلة علم التأنيث. وذلك: قاصعاء وقواصع، ونافقاء ونوافق، ودامَّاء ودوام. وسمعنا من يوثق به من العرب يقول: سابياء وسوابٍ، وحانياء وحوانٍ وحاوياء وحواياً.
وقالوا: خنفساء: وخنافس، شبّهوا ذا بعنصلاء وهناصل، وقنبراء وقنابر.
باب جمع الجمعأمّا أبنية أدنى العدد فتكسّر منها أفعلة وأفعل على فاعل على أفاعل؛ لأنَّ أفعلاً بزنة أفعل، وأفعلةً بزنة أفعلة، كما أنَّ أفعالاً بزنة إفعال. وذلك نحو: أيدٍ وأيادٍ، وأوطب وأواطب.
قال الأجز:
تحلب منها ستَّة الأواطب
وأسقية وأساقٍ وأمَّا ما كان أفعالاً فإنّه يكسّر على أفاعيل؛ لأنَّ أفعالاً بمنزلة إفعال، وذلك نحو: أنعامٍ وأناعيم، وأقوالٍ وأقاويل. وقد جمعوا أفعلةً بالتاء كما كسّروها على أفاعل، شبّهوها بأنملةٍ وأنامل وأنملات، وذلك قولهم: أعطيات، وأسقيات.
وقالوا: جمال وجمائل، فكسّروها عل فعائل لأنها بمنزلة شمالٍ وشمائل في الزِّنة. وقد قالوا: جمالات فجمعةها يالاء كما قالواك رجالات، وقالوا: كلابات.
ومثل ذلك: بيوتات. عملوا بفعولٍ ما عملوا بفعالٍ.
ومثل ذلك: الحمرات والطُّرقات والجزرات، فجعلوا فعلا إذ كانت للجمع كفعالٍ الذي هو للجمع، كما جعلوا الجمال إذ كان مؤنثاً في جمع التاء نحو: جمالاتٍ بمنزلة ما ذكرنا من المؤنّث نحو: أرضاتٍ وعيراتٍ وكذلك الطُّرق والبيوت.
واعلم أنه ليس كلُّ جمع يجمع، كما أنَّه ليس كلُّ مصدر يجمع، كالأشغال والعقول والحلوم والألبان: ألا تر ى أنك لا تجمع الفكر والعلم والنَّظر. كما أنَّهم لا يجمعون كلّ اسم يقع على الجميع نحو: التَّمر، وقالوا: التُّمرات. ولم يقولوا: أبرار ويقولون: مصران ومصارين، كأبيات وأبابيت وبيوتٍ وبيوتاتٍ.
ومن ذا الباب أيضاً قولهم: أسورة وأساورة. وقالوا: عوذ وعوذات، كما قالوا: جزرات.
قال الشاعر:
لها بحقيل فالثُّميرة موضع ... ترى الوحش عوذات به ومتاليا
وقالوا: دورات كما قالوا: عوذات. وقالوا: حشان وحشاشين، مثل مصران ومصارين، وقال:
ترعى أناضٍ من جزيز الحمض
جمع الأنضاء، وهو جمع نضوٍ.
هذا باب
ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف
وقد أعرب فكسّرته على مثال مفاعل
زعم الخليل أنَّهم يلحقون جمعه الهاء إلا قليلا. وكذلك وجدوا أكثره فيما زعم الخليل. وذلك: مؤرخ وموازجة، وصولج وصوالجة، وكربج وكرابجة، وطيلسان وطيالسة، وجورب وجواربة. وقد قالوا: جوارب وكيالج، جعلوها كالصَّوامع والكواكب. وقد أدخلوا الهاء أيضاً فقالوا كيالجة. ونظيره في العربية صيقل وصياقلة، وصيرف وصيارفة، وقشعم وقشاعمة، فقد جاء إذا أعرب كملكٍ وملائكةٍ.
وقالوا: أناسية لجمع إنسانٍ. وكذلك إذا كسّرت الاسم وأنت تريد آل فلانٍ، أو جماعة الحيّ أو بني فلان. وذلك قولك: المسامعة، والمناذرة، والمهالبة، والأحامرة، والأزارقة.
وقالوا: الدّياسم، وهو ولد الذئب، والمعاول، كما قالوا: جوارب شبّهوه بالكواكب حين أعرب. وجعلوا الدّياسم بمنزلة الغيالم والواحد غيلم. ومثل ذلك الأشاعر.
وقالوا: البرابرة والسّيابجة، فاجتمع فيها الأعجمية وأنَّها من الإضافة، إنَّما يعني البرَّبرييَّن والسيبجييَّن، كما أردت بالمسامعة المسمعييِّن. فأهل الأرض كالحيّ.
باب ما لفظ به مما هو مثنًّى
كما لفظ بالجمع وهو أن يكون الشيئان كلُّ واحد منهما بعض شيء مفردٍ من صاحبه. وذلك قولك: ما أحسن رءوسهما، وأحسن عواليهما. وقال عزّ وجلَّ: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " ، " والسّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما " ، فرقوا بين المثَّنى الذي هو شيءٌ على حدةٍ وبين ذا وقال الخليل: نظيره قولك: فعلنا وأنتما اثنان، فتكلَّم به كما تكلَّم به وأنتم ثلاثة.

وقد قالت العرب في الشيئين الَّلذين كلُّ واحد منهما اسمٌ على حدة وليس واحدٌ منهما بعض شيء كما قالوا في ذا؛ لأَّن التثنية جمعٌ، فقالوا كما قالوا: فعلنا.
وزعم يونس أنّهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما، وإنمَّا هم اثنان.
قال الله عزَّ وجلَّ " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب. إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان " ، وقال: " كّلا فاذهبا بآياتنا إناَّ معكم مستمعون " .
وزعم يونس أنهّم يقولون: ضربت رأسيهما. وزعم أنهَّ سمع ذلك من رؤبة أيضاً، أجروه على القياس. قال هميان بن قحافة:
ظهراهما مثل ظهور الترسين
وقال الفرزدق:
هما نفثا في فيَّ من فمويهما ... على النابح العاوى أشدَّ رجام
وقال أيضاً:
بما في فؤادينا من الشَّوق والهوى ... فيجبر منهاض الفؤاد المشَّعف
واعلم أنَّ من قال: أقاويل وأبابيب في أبياتٍ، وأنابيب في أنيابٍ، لا يقول: أقوالان ولا أبياتان.
قلت: فلم ذلك؟ قال: لأنكَّ لا تريد بقولك: هذه أنعامٌ وهذه أبياتٌ وهذه بيوتٌ ما تريد بقولك: هذا رجلٌ وأنت تريد هذا رجلٌ واحد، ولكنك تريد الجمع. وإنَّما قلت: أقاويل فبنيت هذا البناء حين أردت أن تكثَّر وتبالغ في ذلك، كما تقول: قطّعه وكسّره حين تكثِّر عمله. ولو قلت: قطعه جاز واكتفيت به. وكذلك تقول: بيوتٌ فتجزيء به.
وكذلك الحلم، والبسر، والتَّمر، إلاّ أن تقول: عقلان وبسران وتمران، أي ضربان مختلفان. وقالوا: إبلان؛ لانه اسم لم يكسَّر عليه، وإنمَّا يريدون قطيعين، وذلك يعنون. وقالوا: لقاحان سوداوان جعلوهما بمنزلة ذا. وإنمّا تسمع ذا الضرب ثم تأتي بالعلة والنظائر. وذلك لأنّهم يقولون لقاحٌ واحدةٌ، كقولك: قطعةٌ واحدة. وهو في أبلٍ أقوى؛ لأنه لم يكسَّر عليه شيء.
وسألت الخليل عن ثلاثة كلابٍ فقال: يجوز في الشعر، شبهّوه بثلاثة قرودٍ ونحوها، ويكون ثلاثة كلابٍ على غير وجه ثلاثة أكلبٍ، ولكن على قوله ثلاثةٌ من الكلاب، كأنَّك قلت: ثلاثة عبدي الله. وإن نوّنت قلت: ثلاثةٌ كلاب على معنًى، كأَّنك قلت: ثلاثةٌ ثم قلت: كلابٌ. قال الراجز، لبعض السعديِّين:
كأنَّ خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل
وقال:
قد جعلت ميٌّ على الظِّرار ... خمس بنانٍ قانئ الأظفار
باب ما هو اسم يقع على الجميعلم يكسر عليه واحده ولكنه بمنزلة قومٍ ونفرٍ وذودٍ، إلاّ أنَّ لفظه من لفظ واحده وذك قولك: ركبٌ وسفرٌ. فالرَّكب لم يكسّر عليه راكبٌ. ألا ترى أنكَّ تقول في التحقير: ركيبٌ وسفيرٌ، فلو كان كسّر عليه الواحد ردَّ إليه، فليس فعلٌ مما يكسَّر عليه الواحد للجميع.
ومثل ذلك: طائر وطيرٌ، وصاحبٌ وصحبٌ.
وزعم الخليل أنَّ مثل ذلك الكمأة، وكذلك الجبأة، ولم يكسَّر عليه كمءٌ، تقول: كميئةٌ فإنّما هي بمنزلة صحبةٍ وظؤرةٍ، وتقديرها ظعرةٌ، ولم يكسّر عليها واحد كما أنَّ السفَّر لم يكسَّر عليه المسافر، وكما أنَّ القوم لم يكسَّر عليه واحد. ومثل ذلك: أديمٌ وأدمٌ. والدليل على ذلك انكَّ تقول: هو الأدم وها أديمٌ.ونظيره أفيقٌ وأفقٌ، وعمودٌ وعمدٌ.وقال يونس: يقولون هو العمد.
ومثل ذلك:حلقةٌ وحلقٌ،وفلكةٌ وفلكٌ، فلو كانت كسّرت على حلقةٍ كما كسّروا ظلمةً على ظلمٍ لم يذكّروه، فليس فعلٌ مما يكسّر عليه فعلةٌ. ومثله فيما حدثنا أبو الخطّاب نشفةٌ ونشفٌ، وهو الحجر الذي يتدلّك به. ومثل ذلك: الجامل والباقر، لم يكسّر عليهما جملٌ ولا بقرةٌ. والدليل عليه التذكير والتحقير، وأنّ فاعلاً لا يكّسر عليه شيءٌ. فبهذا استدل على هذه الأشياء. وهذا النحو في كلامهم كثير.
ومثل ذلك في كلامهم: أخٌ وإخوةٌ، وسرىٌّ وسراةٌ. ويدلك على هذا قولهم: سرواتٌ، فلو كانت بمنزلة فسقةٍ أو قضاةٍ لم تجمع. ومع هذا أنَّ نظير فسقةٍ من بنات الياء والواو يجيء مضموماً.
وقد قالوا: فارهٌ وفرهةٌ، مثل صاحبٍ وصحبةٍ، كما أن راكبٌ وركبٌ بمنزلة صاحبٍ وصحبٍ.
ومثل ذلك: غائبٌ وغيبٌ، وخادمٌ وخدم. فإنمَّا الخدم ههنا كالأدم.
ومثل هذا: إهابٌ وأهبٌ. ومثله ماعزٌ ومعزٌ، وضائنٌ وضأنٌ، وعازبٌ وعزيبٌ، وغازٍ وغزيٌّ. أجرى مجرى القاطن والقطين. وكذلك التَّجر والشَّرب. قال امرؤ القيس:

سريت بهم حتَّى تكلّ غزّيهم ... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان
باب تكسير الصفة للجمعوأمّا ما كان فعلاً فإنّه يكسر على فعالٍ ولا يكسّر على بناء أدنى العدد الذي هو لفعلٍ من الأسماء؛ لأنهَّ لا يضاف إليه ثلاثةٌ وأربعةٌ ونحوهما إلى العشرة، وإنمَّا يوصف بهن، فأجرين غير مجرى الأسماء. وذلك: صعبٌ وصعابٌ، وعبلٌ وعبالٌ، وفسلٌ وفسالٌ، وخدلٌ وخدالٌ. وقد كسّروا بعضه على فعولٍ. وذلك نحو: كهلٍ وكهولٍ.
وسمعنا من العرب من يقول: فسلٌ وفسولٌ، فكسّروه على فعول كما كسَّروه عليه إذ كان اسماً، وكما شركت فعالٌ فعولاً في الاسم.
واعلم أنهَّ ليس شيء من هذا إذا كان للآدميّين يمتنع من أن تجمعه بالواو والنون. وذلك قولك: صعبون وخدلون. وقال الراجز:
قالت سليمى لا أحبُّ الجعدين ... ولا السبَّاط إنهّم مناتين
وجميع هذا إذا لحقته الهاء لتأنيث كسّر على فعالٍ، وذلك: عبلةٌ وعبالٌ، وكمشةٌ وكماشٌ، وجعدةٌ وجعادٌ. وليس شيءٌ من هذا يمتنع من التاء، غير أنكَّ لا تحرك الحرف الأوسط لأنهّ صفة.
وقالوا. شياهٌ لجباتٌ، فحركوا الحرف الأوسط؛ لأنّ من العرب من يقول: شاةٌ لجبةٌ، فإنمَّا جاءوا بالجمع على هذا واتفقوا عليه في الجمع.
وأمّا ربعةٌ فإنهم يقولون: رجالٌ ربعاتٌ ونسوةٌ ربعاتٌ، وذلك لأنَّ أصل ربعةٍ اسم مؤنَّث وقع على المذكّر والمؤنّث، فوصفا به، ووصف المذكّر بهذا الاسم المؤنّث كما يوصف المذكّرون بخمسة حين يقولون: رجالٌ خمسةٌ وخمسةٌ اسم مؤنث وصف به المذكّر.
وقد كسروا فعلاً على فعلٍ فقالوا: رجلٌ كثٌّ، وقوم كثٌّ، وقالوا: ثطٌّ وثطٌّ، وجونٌ وجونٌ. وقالوا: سهمٌ حشرٌ، وأسهمٌ حشرٌ.
وسمعنا من العرب من يقول: قومٌ صدق اللقاء؛ والواحد صدق اللقٍّاء. وقالوا: فرسٌ وردٌ، وخيل وردٌ. وقد كسروا ما استعمل منه استعمال الأسماء على أفعلٍ، وذلك: عبدٌ وأعبدٌ. وقالوا: عبيدٌ وعبادٌ كما قالوا: كليبٌ وكلابٌ وأكلبٌ.
والشيخ نحو من ذلك، قالوا: أشياخٌ كما قالوا: أبياتٌ، وقالوا: شيخانٌ وشيخةٌ. ومثله: ضيفٌ وضيفانٌ، مثل: رألٍ ورئلانٍ. وقالوا: ضيفٌ وضيوفٌ، وقالوا: وغدٌ ووغدانٌ، كما فالوا ظهورٌ ظهرانٌ، وقالوا: وغدانٌ فشبهُّ بعبدٍ وعبدانٍ. ومع ذا إنهّم ربمّا كسّروا الصفة كما يكسرون الأسماء، وسترى ذلك إن شاء الله.
وأمّا ما كان فعلاً فإنّهم يكسّرونه على فعالٍ، كما كسّروا والفعل، واتفقا عليه كما انهما متّفقان عليه في الأسماء. وذلك قولك: حسن وحسانٌ، وسبطرٌ وسباطٌ، وقططٌ وقطاطٌ.
وربمَّا كسّروه على أفعالٍ؛ لأنهَّ ممَّا يكسَّر عليه فعلٌ، فاستغنوا به عن فعالٍ. وذلك قولهم: بطلٌ وأبطالٌ، وعزبٌ وأعزابٌ، وبرمٌ وأبرامٌ.
وأمَّا ما جاء على فعل الذي جمعه فعالٌ فإذا لحقته الهاء للتأنيث كسّر على فعالٍ كما فعل ذلك بفعلٍ. وليس شيء من هذا للآدميين يمتنع من الواو والنون،وذلك قولك: حسنون وعزبون.
وأمّا ما كان من فعلٍ على أفعال فإنَّ مؤنثّه إذا لحقته الهاء جمع بالتاء نحو بطلةٍ وبطلاتٍ، من قبل أن مذكّره لا يجمع على فعالٍ فيكسَّر هو عليه، ولا يجمع على أفعالٍ لأنّه ليس مما يكّسر عليه فعلةٌ، كما لا يجمع مؤنَّث فعلٍ على أفعلٍ.
وقالوا: رجلٌ صنعٌ وقومٌ صنعون، ورجلٌ رجلٌ وقومٌ رجلون - والرّجل هو الرّجل الشعّر - ولم يكسروهما على شيء، استغنى بذلك عن تكسيرهما. وإنَّما منع فعلٌ أن يطرّد اطِّراد فعلٍ أنّه أقلّ في الكلام من فعلٍ صفةً. كما كان أقلّ منه في الأسماء. وهو في الصفة أيضاً قليل.
وأمّا الفعل فهو في الصفات قليل، وهو قولك: جنبٌ. فمن جمع من العرب قال: أجنابٌ، كماقالوا: أبطالٌ، فوافق فعلٌ فعلاً في هذا كما وافقه في الأسماء. وإن شئت قلت: جنبون كما قالوا صنعون. وقالوا: رجلٌ شللٌ، وهو الخفيف في الحاجة، فلا يجاوزون شللون.
وأمّا ما كان فعلاً فإنهَّم قد كسّروه على أفعالٍ، فجعلوه بدلاً من فعولٍ وفعالٍ، إذ كان أفعالٌ ما يكسَّر عليه الفعل، وهو في القلّة بمنزلة فعلٍ أو أقلّ. وذلك قولك: جلفٌ وأجلافٌ، ونضوٌ وأنضاءٌ، ونقضٌ وأنقاضٌ. ومؤنثّه إذا لحقته الهاء بمنزلة مؤنَّث ما كسّر على أفعالٍ من باب فعلٍ. وقد قال بعض العرب: أجلفٌ كما قالوا: أذؤبٌ، حيث كسّروه على أفعل، كما كسّروا الأسماء.

وقالوا: أرجلٌ صنعٌ وقومٌ صنعون، ولم يجاوزوا ذلك. وليس شيء مما ذكرنا يمتنع من الواو والنون إذا عنيت الآدمييّن. وقالوا: جلفون ونضوون. وقالوا: علجٌ وعلجةٌ، فجعلوها كالأسماء، كما كان العلج كالأسماء حين قالوا: أعلاجٌ.
ومثله في القلّة فعلٌ يقولون: رجلٌ حلوٌ وقومٌ حلوون. ومؤنَّثه يجمع بالتاء. وقالوا: مرٌّ وأمرارٌ، كما قالوا: جلفٌ وأجلافٌ؛ لأن فعلا وفعلا شريكان في أفعالٍ، ومؤنثّه كمؤنث فعل.
ويقولون: رجلٌ جدٌّ للعظيم الجدِّ، فلا يجمعونه إلاّ بالواو والنون كما لم يجمعوا صنعٌ إلاّ كذلك، يقولون: جدّون. وصار فعلٌ أقل من فعلٍ في الصفات إذ كان أقلّ منه في السماء.
وأمّا ما كان فعلاً فإنّه لم يكسِّر على ما كسّر عليه اسماً، لقلّته في الأسماء، ولأنه لم يتمكَّن في الأسماء للتكسير والكثرة والجمع كفعلٍ، فلمّا كان كذلك وسهلت فيه الواو والنون تركوا التكسير وجمعوه بالواو والنون. وذلك: حذرون وعجلون، ويقظون وندسون فألزموه هذا إذ كان فعلٌ وهو أكثر منه قد منع بعضه التكسير، نحو: صنعون ورجلون، ولم يكسّروا هذا على بناء أدنى العدد كما لم يكسّروا الفعل عليه. وإنما صارت الصفة أيعد من الفعول والفعال؛ لأن الواو والنون يقدر عليهما في الصفة ولا يقدر عليهم في الأسماء؛ لأن الأسماء أشدّ تمكناً في التكسير. وقد كسّروا أحرفاً منه على أفعالٍ كما كسّروا فعلاً وفعلاً. قالوا: نجدٌ وأنجادٌ، ويقظٌ وأيقاظٌ.
وفعلٌ بهذه المنزلة وعلى هذا التفسير، وذلك قولهم: قومٌ فزعون وقومٌ فرقون وقومٌ وجلون. وقالوا: نكدٌ وأنكادٌ، كما قالوا: أبطالٌ وأجلافٌ وأنجادٌ، فشبَّهوا هذا بالأسماء لأنّه بزنتها وعلى بنائها.
باب تكسيرك ما كان من الصفات

عدد حروفه أربعة أحرف
أمّا ما كان فاعلاً فإنّك تكسّره على فعَّلٍ. وذلك قولك: شاهدٌ المصر وقومٌ شَّهدٌ، وبازلٌ وبزَّلٌ، وشاردٌ وشرَّدٌ، وسابقٌ وسبَّقٌ، وقارحٌ وقرّحٌ.
ومثله من بنات الياء والواو التي هي عيناتٌ: صائمٌ وصوَّمٌ، ونائمٌ ونوّمٌ وغائبٌ وغيّبٌ، وحائضٌ وحيّضٌ.
ومثله من الياء والواو التي هي لا مات: غزًّي وعفًّي.
ويكسّرونه أيضاً على فعَّالٍ وذلك قولك: شهّاد، وجهَّالٌ، وركَّابٌ، وعرَّاضٌ، وزوّار، وغيّابٌ. وهذا النحو كثير.
ويكّسرونه على فعلةٍ وذلك نحو: فسقةٌ، وبررةٌ، وجهلةٌ، وظلمةٌ، وفجرةٌ، وكذبةٌ. وهذا كثير. ومثله خونةٌ وحوكةٌ وباعةٌ. ونظيره من بنات الياء والواو التي هي لام يجيء على فعلةٍ، نحو غزاة وقضاةٍ ورماةٍ. وقد جاء شيء كثير منه على فعلٍ شبهّوه بفعول حيث حذفت زيادته وكسّر على فعلٍ لأنه مثله في الزيادة والزنة وعدّة الحروف وذلك: بازلٌ وبزلٌ، وشارفٌ وشرفٌ، وعائذٌ وعوذٌ، وحائلٌ وحولٌ، وعائطٌ وعيطٌ.
وقد يكسّر على فعلاء، شبّه بفعيلٍ من الصفات، كما شبّه في فعلٍ بفعول، وذلك: شاعرٌ وشعراء، وجاهلٌ وجهلاء، وعالمٌ وعلماء، يقولها من لا يقول إلاّ عالمٌ.
وليس من هذا شيء إذا كان لآدميين يمتنع من الواو والنون؛ وذلك فاسقون وجاهلون وعاقلون.
وليس فعلٌ وفعلاءٌ بالقياس المتمّكن في ذا الباب. ومثل شاعر وشعراء صالح وصلحاء.
وجاء على فعالٍ كما جاء فيما ضارع الاسم حين أجرى مجرى فعيلٍ هو والاسم حين قالوا فعلانٌ. وقد يجرون الاسم مجرى الصفة والصفة مجرى الاسم، والصفة إلى الصفة أقرب. وذلك قولهم: جياعٌ ونيامٌ.
وقالوا: فعلانٌ في الصفة كما قالوا في الصفة التي ضارعت الاسم، وهي إليه أقرب من الصفة إلى الاسم، وذلك: راعٍ ورعيانٌ، وشابٌّ وشبّانٌ.
وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كسّر على فواعل وذلك قولك: ضاربةٌ وضوارب وقواتل وخوارج. وكذلك إن كان صفة للمؤنّث ولم تكن فيه هاء التأنيث ، وذلك: حواسر وحوائض.
ويكسّرونه على فعَّلٍ نحو: حيَّضٍ، وحسَّرٍ، ومخَّضٍ، ونائمةٍ ونوٍَّم، وزائرةٍ وزوّرٍ.
ولا يمتنع شيء فيه الهاء من هذه الصفات من التاء وذلك قولك ضارباتٌ وخارجاتٌ.
وإن كان فاعلٌ لغير الأدميّين كسّر على فواعل وإن كان المذكّر أيضاً؛ أنه لا يجوز فيه ما جاز في الآدميين: وذلك قولك: جمالٌ بوازل، وجمالٌ عواضه. وقد اضطر فقال في الرجال، وهو الفرزدق:
وإذا الرَّجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرِّقاب نواكس الأبصار

لأمك تقول: هي الرِّجال، كما تقول: هي الجمال، فشبهّ بالجمال.
فأما ما كان فعلا فنحو فقهاء وبخلاء وظرفاء وحلماء وكلماء وأمّا ما كان فعلاً فإنهّ يكسَّر على فعلاء وعلى فعال.
فأمَّا ما كان فعلاء، فنحو: ظريفٍ وظراف، وكريم وكرامٍ، ولثامٍ، وبراءٍ.
وفعالٌ بمنزلة فعيلٍ، لأَّنهما أختان. ألا ترى انك تقول: طويلٌ وطوالٌ، وبعيدٌ وبعادٌ. وسمعناهم يقولون: شجيعٌ وشجاعٌ، وخفيفٌ وخفافٌ. وتدخل في مؤنَّث فعالٍ الهاء كما تدخلها في مؤنّث فعيل. وقالوا: رجلٌ شجاعٌ وقم شجعاء، وجلٌ بعادٌ وقمٌ بعداء، وطوالٌ وطوالٌ.
فأمّا ما كان من هذا مضاعفا فإن يكسر على فعال كما كسر غير المضاعف وذلك شديد وشداد وحديد وحداء ونظير فعلا فيه أفعلاء وذلك شديد وشداد ولبيب وألباء وشحيح وأشحاء وإنما دعاهم إلى ذلك إذا كانت مما يكسر يكسّرون المضاعف على أفعلة نحو أشحّة كما كسّروه على أفعلاء.وإنمَّا هذان البناءان للأسماء، يعني أفعلةً وأفعلاء. وكما جاز أفعلاءٍ جاز أفعلةٌ، وهي بعد بمنزلتها في البناء، وفي أنَّ آخره حرف تأنيث كما أنّ آخر هذا حرف تأنيث، نحو: أشحَّة.
وأمَّا ما كان من بنات الياء والواو فإنَّ نظير فعلاء فيه أفعلاء، وذلك نحو: أغنياء، وأشقياء، وأغوياء، وأكرياء، وأصفياء. وذلك أنهَّم يكرهون تحريك هذه الواوات والياءات وقبلها حرف مفتوح فلمَّا كان ذلك ممَّا يكرهون ووجدوا عنه مندوحةً فروا إليها كما فرّوا إليها في المضاعف.
ولا نعلمهم كسّروا شيئاً من هذا على فعالٍ، استغنوا بهذا وبالجمع بالواو والنون. وإنما فعلوا ذلك أيضاً لأنهّ من بنات الياء والواو أقل منه مما ذكرنا قبله من غير بنات الياء والواو.
وأما ما كان من بنات الياء والواو التي الياء والواو فهن عينات فإنهّ لم يكسّر على فعلاءً ولا أفعلاء، واستغنى عنهما بفعالٍ؛ لأنهَّ أقلَّ ممّا ذكرنا وذلك: طويلٌ وطوالٌ، وقويمٌ وقوامٌ.
واعلم انه ليس شيء من ذا يكون للآدميين يمتنع من الواو والنون، وذلك قولهم: ظريفون، وطويلون، ولبيبون، وحكيمون. وقد كسّر شيء منه على فعلٍ شبه بالأسماء لأنّ البناء واحد، وهو نذيرٌ ونذرٌ، وجديدٌ وجددٌ، وسديسٌ. وسدسٌ ومثل ذلك من بنات الياء ثنيٌّ وثنٍ.
ومثل ذلك: شجعانٌ شبهّوه بجربانٍ. ومثله: ثنيٌّ وثنيانٌ.
وقالوا: خصيٌّ وخصيانٌ، شبهّوه بظلمنٍ، كما قالوا: حلقانٌ وجذعانٌ شبّهوه بحملانٍ، إذ كان البناء واحداً.
وقد كسّروا منه شيئاً على أفعالٍ كما كسّروا عليه فاعلاً، نحو: شاهدٍ وصاحب، فدخل هذا على بنات الثلاثة كما دخل هذا؛ لأنَّ العدَّة والزَّنة والزيادة واحدة. وذلك قولهم: يتيمٌ وأيتامٌ، وشريفٌ وأشرافٌ. وزعم أبو الخطّاب أنهَّم يقولون: أبيلٌ وآباٌ، وعدوٌّ وأعداءّ، شَّبه بهذا لأنَّ فعيلاً يشبهه فعولٌ في كلّ شيء، إلاّ أنّ زيادة فعولٍ الواو.
وقالوا: صديقٌ وصدقٌ وأصدقاء، كما قالوا: جديدٌ وجددٌ، ونذيرٌ ونذرٌ. ومثله فصحٌ حيث استعمل كما تستعمل الأسماء.
وإذا لحقت الهاء فعيلاً للتأنيث فإنَّ المؤنث يوافق المذكّر على فعالٍ، وذلك: صبيحةٌ وصباحٌ، وظريفةٌ وظراف. وقد كسّر على فعائل كما كسّرت عليه الأسماء، وهو نظير أفعلاء وفعلاء ههنا، وذلك: صبائح، وصحائح، وطبائب. وقد يدعون فعائل استغناء بغيرها، كما أنّهم قد يدعون فعلاء استغناء بغيرها، نحو قولهم: صغيرٌ وصغارٌ ولا يقولون: صغراء، وسمينٌ وسمانٌ. ولا يقولون: سمناء، كما أنهّم قد يقولون: سريٌّ ولا يقولون أسرياء، وقالوا: خليفةٌ خلائف فجاءوا بها على الأصل وقالوا خلفاء من أجل أنة لا يقع إلا على مذكر فحملوا عليه المعنى وصاروا كأنهم جمعوا خليفٌ حيث علموا أنّ الهاء لا تثبت في التكسير.
واعلم أنه ليس شيء من هذا يمتنع من ان يجمع بالتاء.
وزعم الخليل أنّ قولهم: ظريفٌ وظروفٌ لم يكسر على ظريفٍ، كما أن المذاكير لم تكسّر على ذكر.
وقال أبو عمر: أقول في ظروفٍ هو جمع ظريفٍ، كسّر على غير بنائه وليس مثل مذاكير. والدليل على أن ذلك أنكّ إذا صغَّرت قلت: ظريِّفون، ولا تقول ذلك في مذاكير.
وأمّا ما كان فعولاً فإنهَّ يكسَّر على فعلٍ عنيت جميع المؤنّث أو جميع المذكر وذلك قولك: صبورٌ وصبرٌ، وغدورٌ وغدرٌ.

وأمّا ما كان منه وصفاً للمؤنث فإنهَّم يجمعونه على فعائل كما جمعوا عليه فعيلةً؛ لأنه مؤنث، وذلك: عجوزٌ وعجائز، وقالوا: عجزٌ كما قالوا صبرٌ، وجدودٌ وجدائد، وصعودٌ وصعائد. وقالوا للواله: عجولٌ وعجلٌ، كما قالوا: عجوزٌ وعجزٌ، وسلوبٌ وسلبٌ، وسلائب كما قالوا عجائز، وكما كسّروا الأسماء. وذلك: قدومٌ وقدائمٌ وقدمٌ، وقلوصٌ وقلائص وقلصٌ. وقد يستغنى ببعض هذا عن بعض، وذلك قولك: صعائد ولا يقال: صعدٌ، ويقال: عجلٌ ولا يقال: عجائل. وليس شيء من هذا وإن عنيت به الآدميين يجمع بالواو والنون، كما أنَّ مؤنثَّه لا يجمع بالتاء؛ لأنه ليس فيه علامة التأنيث لأنه مذكّر الأصل. ومثل هذا مريٌّ وصفيٌّ قالوا: مرايا وصفايا.
والمريُّ: التي يمريها الرجل يستدرُّها للحلب. وذلك لأّنهم يستعملونه كما تستعمل الأسماء.
وقالوا للذَّكر: جزورٌ وجزائر، لمّا لم يكن من الآدميين صار في الجمع كالمؤنث، وشبّهوه بالذنوب والذّنائب، كما كسّروا الحائط على الحوائط.
وقالوا: رجلٌ ودودٌ ورجالٌ ودداء، شبّهوه بفعيلٍ؛ لأنه مثله في الزيادة والزنة، ولم يتقَّوا التضعيف لأنّ هذا اللفظ في كلامهم نحو: خششاء.
وقالوا: عدوٌّ وعدوةٌ، شبهّوه بصديقٍ وصديقةٍ، كما وافقه حيث قالوا للجميع: عدوٌّ وصديقٌ، فأجرى مجرى ضدّه.
وقد أجرى شيء من فعيلٍ مستويا في المذكّر والمؤنث، شبّه بفعولٍ، وذلك قولك: جديدٌ، وسديسٌ، وكتيبةٌ خصيفٌ، وريح خريقٌ وقالوا: مديةٌ هذامٌ، ومديةٌ جرازٌ جعلوا فعالاً بمنزلة أختها فعيل.ٍ وقالوا: فلوٌّ فلوّةٌ لأنها اسم، فصارت كفعيل وفعيلةٍ.
وقالوا: امرأٌة فروقةٌ وملولةٌ جاءوا به على التأنيث كما قالوا: حمولةٌ. ألا ترى أنه في المذكّر والمؤنّث والجمع فهي لا تغيرَّ كما لا تغيرَّ حمولةٌ فكما كانت حمولةٌ كالطَّريد كان هذا كربعةٍ.
وأمّا فعالٌ بمنزلة فعول. وذلك قولك: صناعٌ وصنعٌ كما قالوا: جمادٌ وجمدٌ وكما قالوا: صبورٌ وصبرٌ. ومثله من بنات الياء والواو التي الواو عينها: نوارٌ ونورٌ، وجوادٌ وجودٌ، وعوانٌ وعونٌ فأمر فعال كأمر فعولٍ. ألا ترى انَّ الهاء لا تدخل في مؤنثه كما لا تدخل في مؤنث فعولٍ.
وتقول: رجلٌ جبانٌ وقومٌ جبناء، شبهّوه بفعيلٍ؛ لأنهّ مثله في الصفة والزنة والزيادة.
وأمّا فعالٌ فبمنزلة فعالٍ. ألا ترى أنكّ تقول: ناقةٌ كناز اللحم، وتقول للجمل العظيم: جملٌ كنازٌ ويقولون كنزٌ. وقالوا: رجلٌ لكاك اللحم، وسمعنا العرب يقولون للعظيم كنازٌ. فإذا جمعت قلت: كنزٌ ولكك. ومثله جملٌ دلاثٌ وناقةٌ دلاثٌ ودلتٌ للجميع.
وزعم الخليل أن قولهم: هجانٌ للجماعة بمنزلة ظراف، وكسّروا عليه فعالاً فوافق فعيلاً ههنا كما يوافقه في الأسماء.
وزعم أبو الخطّاب أنهم يجعلون الشمّال جميعاً، فهذا نظيره. وقالوا: شمائل كما قالوا: هجائن. وقالوا: درعٌ دلاصٌ وأدرعٌ دلاصٌ، كأنه كجوادٍ وجياد. وقالوا: دلصٌ كقولهم: هجنٌ.
ويدلك على أن دلاصاً وهجاناً جمع لدلاصٍ وهجان، وأنهّ كجوادٍ وجياد وليس كجنب، قولهم: هجانات ودلاصان. فالتثنية دليل في هذا النحو. وأمّا ما كان مفعالاً فإنهّ يكسر على مثال مفاعيل كالأسماء، وذلك لأنهّ شبهّ بفعولٍ حيث كان المذكّر والمؤنّث فيه سواءً. وفعل ذلك به كما كسّر فعولٌ على فعلٍ، فوافق الأسماء. ولا يجمع هذا بالواو والنون كما لا يجمع فعولٌ. وذلك قولك: مكثارٌ ومكاثير، ومهذارٌ ومهاذير، ومقلاتٌ ومقاليت.
وما كان مفعلاً فهو بمنزلته؛ لأنه للمذكّر والمؤنث سواءٌ.
وكذلك مفعيلٌ لأنه لمذكّر والمؤنث سواءٌ.
وأمّا مفعلٌ فنحو: مدعسٍ ومقولٍ، تقول: مداعس ومقاول.
وكذلك المرأة.
وأمّا مفعيلٌ فنحو: محضيرٍ ومحاضير ومئشيرٍ ومآشير. وقالوا: مسكينةٌ شبّتهت بفقيرةٍ، حيث لم يكن في معنى الإكثار، فصار بمنزلة فقيرٍ وفقيرة. فإن شئت قلت: مسكينون كما تقول فقيرون. وقالوا مساكين كما قالوا: مآشير وقالوا أيضاً: امرأةٌ مسكينةٌ فقاسوه على امرأة جبانٍ، وهي رسولٌ لأنّ مفعيلاً من هذا النحو الذي يجمع هكذا.
وأمّا ما كان فعّالا فإنهّ لا يكسّر لأنهّ تدخله الواو والنون فيستغني بهما ويجمع مؤنثّه بالتاء لأن الهاء تدخله، ولم يفعل به ما فعل بفعيلةٍ، ولا بالمذكّر ما فعل بفعيلٍ. وكذلك فعالٌ.
فأمّا الفعاّل فنحو شرَّابٍ وقتالٍ.

وأمّا الفعّال فنحو: الحسّان والكرّام يقولون: شرَّابون وقتالون، وحسّانون وكرّامون. وكرهوا أن يجعلوه كالأسماء حيث وجدوا مندوحة.
وقد قالوا: عوارٌ وعواوير، شّبهوه بمنفّاز ونقاقيز. وذلك أنهّم قلمَّا يصفون به المؤنث، فصار بمنزلة مفعالٍ ومفعيل، ولم يصر بمنزلة فعَّالٍ، وكذلك مفعولٌ.
وأمّا الفعِّيل فنحو: الشِّريِّب والفسِّيق تقول: شرِّيبون وفسيِّقون. والمفعول نحو مضروب، تقول: مضروبون. غير أنهّم قد قالوا: مكسورٌ ومكاسير، وملعونٌ وملاعين، ومشئومٌ ومشائيم، ومسلوخةٌ ومساليخ، شبهوها بما يكون من الأسماء على هذا الوزن، كما فعل ذلك ببعض ما ذكرنا.
فأمّا مجرى الكلام الاكثر فإن يجمع بالواو والنون، والمؤنث بالتاء.
وكذلك مفعلٌ ومفعلٌ إلاَّ إنهَّم قد قالوا: منكرٌ ومناكير، ومفطرٌ ومفاطير، وموسر ومياسير.
وفعل بمنزلة فعالٍ، وذلك نحو: زملٍ وجبأ يجمع فعلٌ بالواو والنون، وفعَّيل كذلك، وهو زمَّيل. وكذلك أشباه هذا تجمع بالواو والنون مذكّرةً، وبالتاء مؤنثةً.
وأمّا مفعلٌ الذي يكون للمؤنث ولا تدخله الهاء فإنهَّ يكسّر. وذلك مطفلٌ ومطافل، ومشدنٌ ومشادن. وقد قالوا على غير القياس: مشادين ومطافيل، شّبهوه في التكسير بالمصعود والمسلوب، فلم يجز فيها إلاّ ما جاز في الأسماء إذ لم يجمعا بالتاء.
وأمّا فيعلٌ فبمنزلة فعّالٍ، نحو: قيِّمٍ وسيِّدٍ وبيِّع، يقولون للمذكّر بيعون وللمؤنث بيعاتٌ، إلاّ أنّهم قالوا: ميِّتٌ وأمواتٌ، شّبهوا فيعلاً بفاعلٍ حين قالوا: شاهدٌ وأشهادٌ. ومثل ذلك قيلٌ وأقيالٌ، وكيسٌ وأكياسٌ، فلو لم يكن الأصل فيعلاً لما جمعوه بالواو وانون فقالوا: قيلون وكيسون ولينون وميتون، لأنهّ ما كان من فعلٍ فالتكسير فيه أكثر، وما كان من فيعلٍ فالواو والنون فيه أكثر. ألا ترى أنَّهم يقولون: صعبٌ وصعابٌ، وخدلٌ وخدالٌ، وفسلٌ وفسالٌ، وقالوا: هينٌ وهينون، ولينٌ ولينون؛ لأن اصله فيعل ولكنه خفف وحذف منه فلو كان قيل وكيس فعلا لم يكن أصلاً فعيلاً كان التكسير أغلب.
وقد قالوا: ميِّتٌ وأمواتٌ، فشبّهوه بذلك. ويقولون للمؤنث أيضاً أمواتٌ، فيوافق المذكّر كما وافقه في بعض ما مضى. وستراه أيضاً موافقاً له، كأنهَّ كسَّر ميتٌ.
ومثل ذلك: امرأة حيَّةٌ وأحياءٌ، ونضوةٌ وأنضاءٌ، ونقضةٌ وأنقاضٌ؛ كأنك كسّرت نقضاً، لأنَّك إذا كسّرت فكأنَّ الحرف لا هاء فيه.
وقالوا: هيِّنٌ وأهوناء، فكسّروه على أفعلاء كما كسّروا فاعلاً على فعلاء ولم يقولوا: هوناء، كراهية الضمة مع الواو فقالوا ذا، كما قالوا: أغنياء حين فروا من غنياء.
وكنضوةٍ نسوةٌ ونسوانٌ؛ كأن الهاء لم تكن في الكلام كأنه كسّر نسوٌ. وقالوا: طيِّبٌ وطيابٌ، وجيِّدٌ وجيادٌ، كما قالوا: جياعٌ وتجارٌ. وقالوا: بينَّ وأبيناء، كهيِّن وأهوناء.
وأمّا ما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة فإنهَّ يكسّر كما كسّر بنات الأربعة وذلك: قسورٌ وقساور، وتوأمٌ وتوائم، أجروه مجرى قشاعم وأجارب. ومثل ذلك: غيلمٌ وغاليم، شبّهوه بسملق وسمالق. ولا يمتنع هذا أن تقول فيه إذا عنيت الآدميين قسورون وتوأمون؛ كما أن مؤنّثه تدخله الهاء ويجمع بالتاء.
وقد جاء شيء من فيعل في المذكّر والمؤنث سواءً، قال الله جلَّ وعزَّ: " وأحيينا به بلدة ميتاً " ، وناقة ريِّض. قال الراعي:
وكأنّ ريضها إذا ياسرتها ... كانت معوَّدة الرحيل ذلولا
جعلوه بمنزلة سديسٍ وجديدٍ. والناقة الَّريِّض: الصَّعبة.
وأمّا افعل إذا كان صفة فإنه يكّسر على فعلٍ كما كسّروا فعولاً على فعلٍ؛ لأنّ افعل من الثلاثة وفيه زائدة، كما أنّ فعولاً فيه زائدة وعدَّة حروفه كعدّة حروف فعول، إلاّ أنّهم لا يثقلون في أفعل في الجمع العين إلا ان يضطر شاعر، وذلك: أحمر وحمرٌ، وأخضر وخضرٌ، وأبيض وبيضٌ، وأسود وسودٌ. وهو مما بكسّر على فعلانٍ؛ وذلك: حمرانٌ وسودانٌ وبيضانٌ، وشمطانٌ وأدمانٌ.
والمؤنث من هذا يجمع على فعلٍ، وذلك: حمراء وحمرٌ، وصفراء وصفرٌ.

وأمّا الأصغر والأكبر فإنه يكسّر على أفاعل. ألا ترى أنكَّ لا تصف به كما تصف بأحمر ونحوه، لا تقول: رجلٌ أصغر ولا رجلٌ أكبر. سمعنا العرب تقول الأصاغرة كما تقول: القشاعمة وصيارفةٌ، حيث خرج على هذا المثال، فلمَّا لم يتمكَّن هذا في الصفة كتمكن أحمر أجرى مجرى أجدلٍ وأفكلٍ، كما قالوا: الأباطح والأساود حيث استعمل استعمال الأسماء. وإن شئت قلت الأصفرون واللأكبرون فاجتمع الواو والنون والتكسير ههنا كما اجتمع الفعل والفعلان.
وقالوا: الآخرون ولم يقولوا غيره، كراهية ان يلتبس بجماع آخر، ولأنهّ خالف أخواته في الصفة فلم تمكَّن تمكنَّها كما لم تصرف في النكرة. ونظير الأصغرين قوله تعالى: " بالأخسرين أعمالاً " .
وأمّا فعلان إذا كان صفة وكانت له فعلى فإنه يكسّر على فعالٍ بحذف الزيادة التي في آخره، كما حذفت ألف إناثٍ وألف ربابٍ. وذلك: عجلان وعجالٌ، وعطشان وعطاشٌ، وغرثان وغراثٌ.وكذلك مؤنثّه وافقه كما وافق فعيلةٌ في فعالٍ. وقد كسَّر على فعالي، وفعالٌ فيه أكثر من فعالي؛ وذك: سكران وسكارى، وحيران وحيارى، وخزيان وخزايا، وغيران وغيارى.
وكذلك المؤنّث أيضاً، شبهّوا فعلان بقولهم: صحراء وصحارى. وفعلي وفعلي جعلوها كذفري وذفارى، وحبلي وحبالى.وقد يكسِّرون بعض هذا على فعالي وذلك قول بعضهم: سكارى وعجالى. ومنهم من يقول: عجالى.
ولا يجمع بالواو والنون فعلان كما لا يجمع أفعل، وذلك لأنّ مؤنثَّه لم تجيء فيه الهاء على بنائه فيجمع بالتاء، فصار بمنزلة مالا مؤنّث فه، نحو فعولٍ.
ولا يجمع مؤنثّه بالتاء كما لا يجمع مذكرّه بالواو والنون. فكذلك أمر فعلان وفعلي وأفعل وفعلاء، إلاّ أن يضطرَّ شاعر.
وقد قالوا في الذي مؤنثّه تلحقه الهاء كما قالوا في هذا، فجعلوه مثله. وذلك قولهم: ندمانةٌ وندمانٌ وندامٌ وندامى. وقالوا: خمصانةٌ وخمصانٌ وخماصٌ. ومن العرب من يقول: خمصانٌ فيجريه هلى هذا.
وما يشبَه من الأسماء بهذا كما تشبَّه الصفة بالاسم سرحانٌ وضبعانٌ، وقالوا: سراجٌ وضباعٌ لأنّ آخره كآخره، ولأنه بزنته، فشبَّه به. وهم ممَّا يشبهّون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء، وقد بيّن ذلك فيما مضى، وستراه فيما بقي إن شاء الله.
وإن شئت قات في خمصانٍ: خمصانون، وفي ندمانٍ: ندمانون؛ لأنكّ تقول: ندماناتٌ وخمصاناتٌ. وإن شئت قلت في عريانٍ: عريانون، فصار بمنزلة قولك: ظريفون وظريفاتٌ؛ لانَّ الهاء ألحقت بناء التذكير حين أردت بناء التأنيث فلم يغيَّروا ولم يقولوا في عريانٍ: عراءٌ ولا عرايا، استغنوا بعراة لأنَّهم مما يستغنون بالشيء عن الشيء حتىَّ لا يدخلوه في كلامهم.
وقد يكسرون فعلاً على فعالي لأنهّ قد يدخل في باب فعلان، فيعني به ما يعني بفعلان. وذلك: رجلٌ عجلٌ، ورجلٌ سكرٌ، وحذرٌ وحذارى، وبعيرٌ حبطٌ وإبلٌ حباطى ومثل سكرٍ كسلٌ، يراد به ما يراد بكسلان. ومثله صدٍ وصديان. وقالوا: رجلٌ رجل الشعر وقومٌ رجالي؛ لانَّ فعلاً قد يدخل في هذا الباب. وقالوا: عجلٌ وعجلان. وقال بعضهم: رجلان وامرأةٌ رجلي، وقالوا: رجالٌ كما قالوا: عجالٌ. ويقال: شاةٌ حرمي وشاهٌ حرامٌ وحرامى؛ لأنّ فعلي صفةٌ بمنزلة التي لها فعلان، كأن ذا لو قيل في المذكّر قيل: حرمان.
وأمّا فعلاء فهي بمنزلة فعلةٍ من الصفات، كما كانت فعلي بمنزلة فعلةٍ من الأسماء. وذلك قولك: نفساء ونفساواتٌ، وعشراء وعشراواتٌ، ونفاسٌ وعشارٌ، كما قالوا: ربعةٌ وربعاتٌ ورباعٌ، شبّهوها بها لأنّ البناء واحد، ولأنّ آخره علامة التأنيث كما أن آخره هذا عامة التأنيث. وليس شيء من الصفات آخره علامة التأنيث يمتنع من الجمع بالتاء غير فعلاء أفعل، وفعلي فعلان. ووافقن الأسماء كما وافق غيرهن من الصفات الأسماء.
وقالوا: بطحاواتٌ حيث استعملت استعمال الأسماء كما قالوا: صحراواتٌ. ونظير ذلك قولهم: الأباطح ضارع الأسماء. ومن العرب من يقول: نفاسٌ كما تقول: ربابٌ. وقالوا بطحاء وبطاحٌ، كما قالوا: صحفةٌ وصحافٌ، وعطشى وعطاشٌ. وقالوا: برقاء وبراقٌ، كقولهم: شاةٌ حرمي وحرامٌ وحرامى.

وأمّا فعيلٌ إذا كان في معنى مفعولٍ فهو في المؤنث والمذكّر سواءٌ وهو بمنزلة فعولٍ، ولا تجمعه بالواو والنون كما لا يتجمع فعولٌ؛ لأن قصتّه كقصتّه وإذا كسّرته كسّرته على فعلي. وذلك: قتيلٌ وقتلى، وجريح وجرحى، وعقيرٌ وعقرى، ولديغٌ ولدغى. وسمعنا من العرب من يقول قتلاء يشبِّهه بظريفٍ؛ لأنَّ البناء والزيادة مثل بناء ظريف وزيادته.
وتقول: شاةٌ ذبيحٌ، كما تقول: ناقةٌ كسيرٌ. وتقول: هذه ذبيحة فلانٍ وذبيحتك. وذلك أنكَّ لم ترد أن تخبر أنهَّا قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حيَّة، فإنمَّا هي بمنزلة ضحَّيةٍ.
وتقول: شاةٌ رمىٌّ إذا أدت أن تخبر إنهَّا قد رميت. قالوا:بئس الرَّميَّة الأرنب، إنمّا تريد بئس الشيء ممّا يرمى، فهذه بمنزلة الذَّبيحة.
وقالوا: نعجةٌ نطيحٌ، ويقال: نطيحةٌ، شبهَوها بسمينٍ وسميَّنة.
وأمّا الذَّبيحة فبمنزلة القتوبة والحلوبة، وإنَّما ترد: هذه ممّا يقتبون، وهذه ممَّا يحلبون، فيجوز أن قول: قتوبةٌ ولم تقتب، وركوبةٌ ولم تركب. وكذلك فريسة الأسد، بمنزلة الضَّحيَّة. وكذلك أكيلة السَّبع.
وقاواك رجلٌ حميدٌ وامرأةٌ حميدةٌ، يشبَّه بسعيدٍ وسعيدةٍ، ورشيدٍ ورشيدةٍ، حيث كان نحوهما في المعنى وأتَّفق في البناء، كما قالوا: قتلاء وأسراء، فشبهَّوهما بظرفاء.
وقالوا: عقيم وعقمٌ، شبهّوه بجديد وجددٍ. ولو قيل: إنهَّا لم تجئ على فعل كما أنَّ حزينٌ لم تجئ على حزن لكان مذهباً.
ومثله في أنهّ جاء على فعلٍ لم يستعمل: مريٌّ ومريّةٌ، لا تقول: مرت وهذا النحو كثيرٌ، وستراه فيما تستقبل إن شاء الله، ومنه ما قد مضى.
وقال الخليل: إنمّا قالوا: مرضى وهلكى وموتى وجربى وأشباه ذلك لأنّ ذلك أمر يبتلون به، وأدخلوا فيه وهم له كارهون وأصيبوا به، فلمّا كان المعنى معنى المفعول كسّروه على هذا المعنى. وقد قالوا: هّلاكٌ وهالكون، فجاءوا به عل قياس هذا البناء وعلى الأصل هذا المعنى. وقد يكسّروه على المعنى إذ كان بمنزلة جالسٍ في البناء وفي الفعل. وهو على هذا اكثر في الكلام. ألا ترى أنهَّم قالوا: دامرٌ ودمارٌ ودامرون، وضامرٌ وضِّمر ولا يقولون: ضمرى. فهذا يجري مجرى هذا، إَّلا أنَّهم قد قالوا ما سمعت على هذا المعنى.
ومثل هَّلاكٍ قولهم: مراضٌ وسقامٌ ولم يقولوا: سقمى، فالمجرى الغالب في هذا النحو غير فعلي.
وقالوا: رجلٌ وجعٌ وقوم وجعى كما قالوا هلكى، وقالوا: وجاعى كما قالوا: حباطى وحذارى، وكما قالوا: بعيرٌ حبج وإبلٌ جباحى وقالوا: قوم وجاعٌ كما قالوا: بعيرٌ جربٌ وإبلٌ جرابٌ، جعلوها بمنزلة حسن وحسان، فوافق فعلٌ فعلاً هنا كما يوافقه في الأسماء.
وقالوا: أنكادٌ وأبطالٌ فاتفقنا كما اتفقنا في الأسماء.ّ وقالوا: مائقٌ وموقى، وأحمق وحمقى،وأنوك ونزكى؛ وذلك لأنَّهم جعلوه شيئاًَ فد أصيبوا به في عقولهم كما أصيبوا ببعض ما ذكرنا في أبدانهم.
وقالوا: أهوج وهوجٌ، فجاءوا به على القياس، وأنوك ونوك.
وقد قالوا: رجلٌ سكران وقوم يسكرى.ذلك لأنهم جعلوه كالمرضى وقالوا رجال روبى جعلوه بمنزلة سكرى والرّوبى: الذين قد استثقلوا نوماً، فشَّبهوه بالسَّكران. وقالوا اللذّين قد أثخنهم السّفر والوجع روبى أيضاً، والواحد رائبٌ.
وقالوا: زمنٌ وزمنّي، وهرمٌ وهرمي، وضمنٌ وضمني، كما قالوا وجعي؛ لأنَّها بلايا ضربوا بها، فصارت في التكسير لذا المعنى، ككسيرٍ وكسرى ورهيص ورهصى، وحسيرٍ وحسرى. وإن شئت قلت: زمنون وهرمون، كما قلت: هّلاكٌ وهالكون.
وقالوا: أسارى، شبّهوه بقولهم: كسالى وكسالى. وقالوا: كسلى فشبّهوه بأسرى.
وقالوا: وجٍ ووجيا كما قالوا: زمنٌ وزمني، فأجروا ذلك على المعنى كما قالوا: يتيمٌ ويتامى، وأيِّمٌ وأيامي، فأجروه مجرى وجاعى. وقالوا: حذاري لأنهَّ كالخائف.
وقالوا: ساقطٌ وسقطى، كما قالوا: مائقٌ وموقى، وفاسدٌ وفسدى.
وليس يجيء في كلِّ هذا على المعنى، لم يقولوا: بخلى ولا سقمى، جاءوا ببناء الجمع على الواحد المستعمل في الكلام على القياس. وقد جاء منه شيءٌ كثير على فعالي، قالوا: يتامى وأيامي، شبّهوه بوجاعى وحباطى، لأنهَّا مصائب قد ابتلوا بها، فشبَّهت بالأوجاع حين جاءت على فعلي.

وقالوا: طلحت الناقة وناقةٌ طليحٌ، شبّهوها بحسيرٍ لأنهَّا قريبة من معناها. وليس ذا بالقياس؛ لأنهَّا ليست طلحت، فإنما هي كمريضةٍ وسقيمةٍ، ولكن المعنى أنهَّ فعل ذابها، كما قالوا: زمني. فالحمل على المعنى في هذه الأشياء ليس بالأصل. ولو كان أصلاً لقبح هالكون وزمنون ونحو ذلك.
الجزء الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا باب بناء الأفعال
التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها
فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل، وفعل يفعل، وفعل يفعل. ويكون المصدر فعلاً، والاسم فاعلاً.
فأما فعل يفعل ومصدره فقتل يقتل قتلاً، والاسم قاتل؛ وخلقه يخلقه خلقاً، والاسم خالق؛ ودقه يدقه دقاً، والاسم داقٌّ.
وأما فعل يفعل فنحو: ضرب يضرب ضرباً وهو ضاربٌ؛ وحبس يحبس حبساً، وهو حابس.
وأما فعل يفعل ومصدره والاسم فنحو: لحسه يلحسه لحساً وهو لاحسٌ، ولقمه يلقمه لقماً وهو لاقمٌ، وشربه يشربه شرباً وهو شاربٌ، وملجه يملجه ملجاً وهو مالج.
وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول. وذلك: لزمه يلزمه لزوماً، ونهكه ينهكه نهوكاً، ووردت وروداً، وجحدته جحوداً، شبهوه بجلس جلوساً، وقعد يقعد قعوداً، وركن يركن ركوناً، لأن بناء الفعل واحد.
وقد جاء مصدر فعل يفعل وفعل يفعل على فعلٍ، وذلك: حلبها يحلبها حلباً، وطردها يطردها طرداً، وسرق يسرق سرقاً.
وقد جاء المصدر أيضاً على فعل، وذلك: خنقه يخنقه خنقاً، وكذب يكذب كذباً، وقالوا: كذاباً، جاءوا به على فعالٍ، كما جاء على فعولٍ. ومثله حرمه يحرمه حرماً، وسرقه يسرقه سرقاً. وقالوا: عمله يعمله عملاً، فجاء على فعلٍ كما جاء السرق والطلب. ومع ذا أن بناء فعله كبناء فعل الفزع ونحوه، فشبه به.
وقد جاء من مصادر ما ذكرنا على فعلٍ، وذلك نحو: الشرب والشغل. وقد جاء على فعلٍ نحو: فعله فعلاً، ونظيره: قاله قيلاً. وقالوا: سخطه سخطاً، شبهوه بالغضب حين اتفق البناء وكان المعنى نحواً منه، يدلك ساخطٌ وسخطته أنه مدخل في باب الأعمال التي ترى وتسمع، وهو موقعه بغيره.
وقالوا: وددته وداً، مثل شربته شرباً. وقالوا: ذكرته ذكراً كحفظته حفظا.
وقالوا: ذكراً كما قالوا شرباً.
وقد جاء شيء من هذه الأشياء المتعدية التي هي على فاعلٍ على فعيلٍ، حين لم يريدوا به الفعل، شبهوه بظريفٍ ونحوه، قالوا: ضريب قداحٍ، وصريمٌ للصارم. والضريب: الذي يضرب بالقداح بينهم.
وقال طريف بن تميم العنبري:
أو كلما وردت عكاظ قبيلةٌ ... بعثوا إلي عريفهم يتوسم
يريد: عارفهم.
وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعال كما جاء على فعولٍ، وذلك نحو: كذبته كذاباً، وكتبته كتاباً، وحجبته حجاباً، وبعض العرب يقول: كتباً على القياس. ونظيره: سقته سياقاً، ونكحها نكاحاً، وسفدها سفاداً. وقالوا: قرعها قرعاً.
وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعلانٍ، وذلك نحو: حرمه يحرمه حرمانا، ووجد الشيء يجده وجداناً. ومثله أتيته آتيه إتياناً، وقد قالوا: أتياً على القياس.
وقالوا: لقيه لقياناً، وعرفه عرفاناً. وثل هذا: رئمه رئمانا وقالوا: رأماً.
وقالوا: حسبته حسباناً، ورضيته رضواناً. وقد قالوا: سمعته سماعاً، فجاء على فعالٍ كما جاء على فعولٍ في لزمته لزوماً.
وقالوا: غشيته غشياناً، كما كان الحرمان ونحوه.
وقد جاء على فعلانٍ نحو الشكران والغفران. وقالوا: الشكور كما قالوا: الجحود. فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها، ولكن الأكثر يقاس عليه. وقالوا: الكفر كالشغل، وقالوا: سألته سؤالا، فجاءوا به على فعالٍ كما جاءوا بفعالٍ.
وقالوا: نكيت العدو نكاية، وحميته حماية، وقالوا: حمياً على القياس. وقالوا: حميت المريض حميةً كما قالوا: نشدته نشدةً. وقالوا: الفعلة نحو الرحمة واللقية. ونظيرها: خلته خيلة. وقالوا: نصح نصاحة، وقالوا: غلبه غلبةً كما قالوا: نهمةٌ، وقالوا: الغلب كما قالوا: السرق. وقالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه كما لا يقولون نكحاً وهو القياس.
وقالوا: دفعها دفعا كالقرقع، وذقطها ذقطاً، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة.
وقالوا: سرقةٌ كما قالوا: فطنةٌ.
وقالوا: لويته حقه ليانا على فعلانٍ، وقالوا: رحمته رحمةً كالغلبة.

وأما كل عملٍ لم يتعد إلى منصوب. فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى، ويكون الاسم فاعلاً والمصدر يكون فعولاً، وذلك نحو: قعد قعوداً وهو قاعد، وجلس جلوساً وهو جالسٌ، وسكت سكوتاً وهو ساكتٌ، وثبت ثبوتاً وهو ثابتٌ، وذهب ذهوبا وهو ذاهبٌ. وقالوا: الذهاب والثبات، فبنوه على فعال كما بنوه على فعولٍ، والفعول فيه أكثر. وقالوا: ركن يركن ركوناً وهو راكنٌ.
وقد قالوا في بعض مصادر هذا فجاء به على فعلٍ كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فعولٍ، وذلك قولك: سكت يسكت سكتاً، وهدأ الليل يهدأ هدءاً، وعجز عجزاً، وحرد يحرد حرداً وهو حاردٌ. وقولهم فاعلٌ يدلك على أنهم إنما جعلوه من هذا الباب وتخفيفهم الحرد.
وقالوا: لبث لبثاً فجعلوه بمنزلة عمل عملاً وهو لابثٌ، يدلك على أنه من هذا الباب. وقالوا: مكث يمكث مكوثاً، كما قالوا: قعد يقعد قعوداً: وقال بعضهم: مكث، شبهوه بظرف لأنه فعل لا يتعدى كما أن هذا فعلٌ لا يتعدى، وقالوا: المكث كما قالوا: الشغل وكما قالوا: القبح، إذ كان بناء الفعل واحداً.
وقال بعض العرب: مجن يمجن مجناً، كما قالوا: الشغل. وقالوا: فسق فسقاً كما قالوا فعل فعلاً، وقالوا: حلف حلفاً كما قالوا: سرق سرقاً.
وأما دخلته دخولاً وولجته ولوجاً فإنما هي ولجت فيه ودخلت فيه؛ ولكنه ألقي في استخفافا كما قالوا: نبئت زيداً، وإنما يريد نبئت عن زيدٍ.
ومثل الحارد والحرد: حميت الشمس تحمى حمياً، وهي حاميةٌ.
وقالوا: لعب يلعب لعبا، وضحك يضحك ضحكاًن كما قالوا الحلف.
وقالوا: حج حجاً كما قالوا: ذكر ذكراً.
وقد جاء بعضه على فعالٍ كما جاء على فعالٍ وفعولٍ، قالوا: نعس نعاساً، وعطس عطاساً، ومزح مزاحاً.
وأما السكات فهو داءٌ كما قالوا: العطاس. فهذه الأشياء لا تكون حتى تريد الداء، جعل كالنحاز والسهام، وهما داءان، وأشباههما.
وقالوا: عمرت الدار عمارةً، فأنثوا كما قالوا: النكاية، وكما قالوا: قصرت الثوب قصارة حسنة.
وأما الوكالة والوصاية والجراية ونحوهن فإنما شبهن بالولاية لأن معناهن القيام بالشيء. وعليه الخلافة والإمارة والنكابة، والعرافة، وإنما أردت أن تخبر بالولاية.
ومثل ذلك الإيالة، والعياسة والسياسة. وقد قالوا: العوس.
كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داءٍ على غير فعالٍ وبابه فعالٌ، كما قالوا: الحبط، والحج، والغدة. وهذا النحو كثير.
وقالوا: التجارة والخياطة والقصابة، وإنما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها، فصار بمنزلة الوكالة. وكذلك السعاية، إنما أخبر بولايته كأنه جعله الأمر الذي يقوم به.
وقالوا: فطنةٌ كما قالوا: سرقةٌ.
وقالوا: رجح رجاحناً، كما قالوا: الشكران والرضوان.
وقالوا في أشياء قرب بعضها من بعض فجاءوا به على فعالٍ، وذلك نحو الصراف في الشاء، لأنه هياجٌ، فشبه به كما شبه ما ذكرنا بالولاية، لأن هذا الأصل كما أن ذاك هو الأصل.
ومثله الهباب والقراع، لأنه يهيج فيذكر. وقالوا: الضبعة كما قالوا: العوس.
وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ، وذلك: الصرام والجزاز، والجداد، والقطاع، والحصاد.
وربما دخلت اللغة في بعض هذا فكان فيه فعالٌ وفعالٌ، فإذا أرادوا الفعل على فعلت قالوا: حصدته حصداً، وقطعته قطعاً، إنما تريد العمل لا انتهاء الغاية. وكذلك الجز ونحوه.
ومما تقاربت معانيه فجاءوا به على مثالٍ واحد نحو الفرار والشراد والشماس والنفار والطماح، وهذا كله مباعدة، والضراح إذا رمحت برجلها. يقال رمحت وضرحت، فقالوا: الضراح شبهوه بذلك. وقالوا: الشباب، شبهوه بالشماس.
وقالوا: النفور والشموس، والشبوب والشبيب، من شب الفرس.
وقالوا: الخراط كما قالوا: الشراد والشماس، وقالوا: الخلاء والحران. والخلاء: مصدر من خلأت الناقة أي حرنت. وقد قالوا: خلاءٌ لأن هذا فرق وتباعدٌ.
والعرب مما يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد، ومن كلامهم أن يدخلوا في تلك الأشياء غير ذلك البناء، وذلك نحو: النفور، والشبوب والشب، فدخل هذا في ذا الباب كما دخل الفعول في فعلته، والفعل في فعلت.

وقالوا: العضاض شبهوه بالحران والشباب، ولم يريدوا به المصدر من فعلته فعلاً. ونظير هذا فيما تقاربت معانيه قولهم: جعلته رفاتاً وجذاذاً. ومثله الحطام والفضاض والفتات. فجاء هذا على مثالٍ واحد حين تقاربت معانيه.
ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفضالة، وذلك نحو القلامة، والقوارة، والقراضة، والنفاية، والحسالة، والكساحة، والجرامة وهو ما يصرم من النخل، والحثالة. فجاء هذا على بناء واحد لما تقاربت معانيه.
ونحوه مما ذكرنا: العمالة والخباسة، وإنما هو جزاء ما فعلت، والظلامة نحوها.
ونحوٌ من ذا: الكظة والملأة والبطنة ونحو هذا، لأنه في شيءٍ واحد.
وأما الوسم فإنه يجيء على فعالٍ، نحو: الخباط والعلاط والعراض والجناب والكشاح. فالأثر يكون على فعالٍ والعمل يكون فعلاً، كقولهم: وسمت وسماً، وخبطت البعير خبطاً، وكشحته كشحاً. وأما المشط والدلو والخطاف فإنما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وسمت به، كأنه قال: عليها صورة الدلو.
وقد جاء على غير فعالٍ، نحو القرمة والجرف، اكتفوا بالعمل، يعني المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر. الخباط على الوجه، والعلاط والعراض على العنق، والجناب على الجنب، والكشاح على الكشح.
ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النزوان، والنقزان؛ وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثله العسلان والرتكان.
وقد جاء على فعالٍ نحو النزاء والقماص، كما جاء عليه الصوت نحو الصراخ والنباح، لأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه ما تكلف من نفسه في النزوان ونحوه. وقالوا: النزو والنقز، كما قالوا: السكت والقفز والعجز، لأن بناء الفعل واحدٌ لا يتعدى كما أن هذا لا يتعدى.
ومثل هذا الغليان، لأنه زعزعة وتحرك. ومثله الغثيان، لأنه تجيش نفسه وتثورٌ. ومثله الخطران واللمعان، لأن هذا اضطراب وتحرك. ومثل ذلك اللهبان والصخدان، والوهجان، لأنه تحرك الحر وثؤوره، فإنما هو بمنزلة الغليان.
وقالوا: وجب قلبه وجيباًن ووجف وجيفاً، ورسم البعير رسيماً، فجاء على فعيلٍ كما جاء على فعال، وكما جاء فعيلٌ في الصوت كما جاء فعالٌ. وذلك نحو الهدير، والضجيج، والقليخ، والصهيل، والنهيق، والشحيج، فقالوا: قلخ البعير يقلخ قليخاً، وهو الهدير.
وأكثر ما يكون الفعلان في هذا الضرب، ولا يجيء فعله يتعدى الفاعل، إلا أن يشذ شيءٌ، نحو: شنئته شنآناً.
وقالوا: اللمع والخطر، كما قالوا: الهدر. فما جاء منه على فعلٍ فقد جاء على الأصل وسلموه عليه.
وقد جاءوا بالفعلان في أشياء تقاربت. وذلك: الطوفان، والدوران، والجولان. شبهوا هذا حيث كان تقلباً وتصرفاً بالغليان والغثيان، لأن الغليان أيضاً تقلب ما في القدر وتصرفه.
وقد قالوا: الجول والغلي، فجاءوا به على الأصل.
وقالوا: الحيدان والميلان فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرناه من المصادر قد دخل بعضها على بعض.
وهذه الأشياء لا تضبط بقياس ولا بأمر أحكم من هذا. وهكذا مأخذ الخليل.
وقالوا: وثب وثباً ووثوباً، كما قالوا: هدأ هدءً وهدوءاً. وقالوا: رقص رقصاً، كما قالوا: طلب طلباً. ومثله خب يخب خبباً. وقالوا: خبيباً كما قالوا: الذميل والصهيل.
وقد جاه شيءٌ من الصوت على الفعلة، نحو الرزمة، والجلبة، والحدمة والوحاة.
وقالوا: الطيران كما قالوا: النزوان. وقالوا: نفيان المطر، شبهوه بالطيران لأنه ينفي بجناحيه، فالسحاب تنفيه أول شيء رشاً أو برداً. ونفيان الريح أيضاً: التراب. وتنفي المطر: تصرفه كما يتصرف التراب.
ومما جاءت مصادره على مثالٍ لتقارب المعاني قولك: يئست يأساً ويآسةً وسئمت سأماً وسآمةً، وزهدت زهداً وزهادةً. فإنما جملة هذا لترك الشيء. وجاءت الأسماء على فاعل لأنها جعلت من باب شربت وركبت.
وقالوا: زهد كما قالوا: ذهب، وقالوا: الزهد كما قالوا: المكث.
وجاء أيضاً ما كان من الترك والانتهاء على فعل يفعل فعلاً، وجاء الاسم على فعلٍ. وذلك أجم يأجم أجماً وهو أجمٌ، وسنق يسنق سنقاً وهو سنقٌ، وغرض يغرض غرضا وهو غرضٌ.
وجاءوا بضد الزهد والغرض على بناء الغرض، وذلك هوى يهوى هوى وهو هوٍ.
وقالوا: قنع يقنع قناعةً، كما قالوا: زهد يزهد زهادةً. وقالوا قانعٌ، كما قالوا: زاهدٌ، وقنعٌ كما قالوا: غرضٌ، لأن بناء الفعل واحد، وأنه ضد ترك الشيء.

ومثل هذا في التقارب بطن يبطن بطناً وهو بطينٌ وبطنٌ، وتبن تبناً وهو تبن، وثمل يثمل ثملا وهو ثملٌ. وقالوا: طبن يطبن طبناً وهو طبنٌ.
باب ما جاء من الأدواءعلى مثال وجع يوجع وجعاً وهو وجع، لتقارب المعاني وذلك: حبط يحبط حبطاً وهو حبطٌ، وحبج يحبج حبجاً وهو حبجٌ.
وقد يجيىء الاسم فعيلاً نحو مرض يمرض مرضاً وهو مريض. وقالوا: سقم يسقم سقماً وهو سقيمٌ، وقال بعض العرب: سقم، كما قالوا: كرم كرماً وهو كريمٌ، وعسر عسراً وهو عسيرٌ. وقالوا: السقم كما قالوا: الحزن. وقالوا: حزن حزناً وهو حزينٌ، جعلوه بمنزلة المرض لأنه داء. وقالوا: الحزن كما قالوا: السقم وقالوا في مثل وجع يوجع في بناء الفعل والمصدر وقرب المعنى: وجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ.
ومثله من بنات الياء ردى يردى ردىً وهو ردٍ، ولوى يلوى لوىً وهو لوٍ، ووجى يوجى وجىً وهو وجٍ، وعمى قلبه يعمى عمىً وهو عمٍ. إنما جعله بلاءً أصاب قلبه.
وجاء ما كان من الذعر والخوف على هذا المثال، لأنه داء قد وصل إلى فؤاده كما وصل ما ذكرنا إلى بدنه، وذلك قولك: فزعت فزعاً وهو فزعٌ، وفرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ، ووجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ، ووجر وجراً وهو وجرٌ. وقالوا: أوجر فأدخلوا أفعل ههنا على فعل لأن فعلاً وأفعل قد يجتمعان، كما يجتمع فعلان وفعلٌ. وذلك قولك: شعثٌ وأشعث، وحدبٌ وأحدبٌ، وجربٌ وأجرب. وهما في المعنى نحوٌ من الوجع.
وقالوا: كدرٌ وأكدر، وحمقٌ وأحمق، وقعسٌ وأقعس. فأفعل دخل في هذا الباب كما دخل فعلٌ في أخشن وأكدر، وكما دخل فعلٌ في باب فعلان.
ويقولون: خشنٌ وأخشن.
واعلم أن فرقته وفزعته إنما معناهما فرقت منه، ولكنهم حذفوا منه كما قالوا: أمرتك الخير، وإنما يريدون بالخير.
وقالوا: خشيته خشيةً وهو خاشٍ، كما قالوا: رحم وهو راحمٌ فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه، ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله.
وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه. قالوا: أشر يأشر أشراً وهو أشرٌ، وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ، وفرح يفرح فرحاً وهو فرحٌ، وجذل يجذل جذلاً وهو جذلٌ. وقالوا: جذلان، كما قالوا: كسلانٌ وكسلٌ، وسكران وسكرٌ.
وقالوا: نشط ينشط وهو نشيطٌ، كما قالوا: الحزين. وقالوا: النشاط، كما قالوا: السقام. وجعلوا السقام والسقيم كالجمال والجميل.
وقالوا: سهك يسهك سهكاً وهو سهكٌ، وقنم قنماً وهو قنمٌ، جعلوه كالداء لأنه عيبٌ. وقالوا: قنةٌ وسهكةٌ.
وقالوا: عقرت عقراً، كما قالوا: سقمت سقماً. وقالوا: عاقرٌ كما قالوا: ماكثٌ.
وقالوا: خمط خمطاً وهو خمطٌ، في ضد القنم. والقنم: السهك.
وقد جاء على فعل يفعل وهو فعلٌ وهو فعلٌ أشياء تقاربت معانيها، لأن جملتها هيج. وذلك قولهم: أرج يأرج أرجاً وهو أرجٌ، وإنما أراد تحرك الريح وسطوعها. وحمس يحمس حمساً وهو حمسٌ، وذلك حين يهيج ويغضب. وقالوا: أحمس كما قالوا: أوجر، وصار أفعل ههنا بمنزلة فعلان وغضبان.
وقد يدخل أفعل على فعلان كما دخل فعلٌ عليهما فلا يفارقهما في بناء الفعل والمصدر كثيراً، ولشبه فعلان بمؤنث أفعل. وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: رجلٌ أهيم وهيمان، يريدون شيئاً واحداً وهو العطشان.
وقالوا: سلس يسلس سلساً وهو سلسٌ، وقلق يقلق قلقاً وهو قلقٌ، ونزق ينزق نزقاً وهو نزقٌ، جعلوا هذا حيث كان خفةً وتحركاً مثل الحمس والأرج.
ومثله: غلق يغلق غلقاً، لأنه طيشٌ وخفةٌ. وكذلك الغلق في غير الأناسي لأنه قد خف من مكانه.
وقد بنوا أشياء على فعل يفعل فعلاً وهو فعلٌ، لتقاربها في المعنى، وذلك ما تعذر عليك ولم يسهل. وذلك: عسر يعسر عسراً وهو عسرٌ، وشكس يشكس شكساً وهو شكسٌ. وقالوا: الشكاسة، كما قالوا: السقامة. وقالوا: لقس يلقس لقساً وهو لقسٌ، ولحز يلحز لحزاً وهو لحزٌ. فلما صارت هذه الأشياء مكروهةً عندهم صارت بمنزلة الأوجاع، وصار بمنزلة ما رموا به من الأدواء.
وقد قالوا: عسر الأمر وهو عسيرٌ، كما قالوا: سقم وهو سقيمٌ. وقالوا: نكد ينكد نكداً وهو نكدٌ، وقالوا: أنكد كما قالوا: أجرب وجربٌ. وقالوا: لحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ، لأن معناه قريبٌ من معنى العسر.
باب فعلان ومصدره وفعله

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7