كتاب : نكث الهميان في نكت العميان
المؤلف : الصفدي

بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر. الإمام المفتي المعمر ضياء الدين. أبو
المظفر، وأبو محمد الكلبي الحلبي الشافعي. ولد سنة تسع وخمسين، ظناً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وخمسين وستمائة. وتفقه في المذهب وجوده. وسمع من يحيى بن محمود الثقفي، والخشوعي، وحنبل، وابنطبرزد. ودرس مدةً بحلب، وأفتى وأفاد. وروى عنه الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه أبو إسحاق إبراهيم، وسنقر القضائي، وتاج الدين الجعبري، وبدر الدين محمد بن التوزي، والكمال إسحاق، والعفيف إسحاق، وجماعة. وكان موصوفاً بالعلم
والديانة وأضر بأخرة.
حرف الطاء المهملة
طرخان بن ماضي
بن جوشن بن علي. الفقيه أبو عبد الله اليمني، ثم الدمشقي الشاغوري الضرير
الشافعي. سمع من أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي، وأبي القاسم بن مقاتل، ومحمد بن كامل بن ديسيم، وغيرهم. وروى عنه عبد الكافي، والصقلي، وابن خليل، والشهاب القوصي، وجماعة. وأم السلطان نور الدين. وكان يلقب تقي الدين. وهو والد إسحاق شيخ الشرف محمد بن خطيب بيت الآبار. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
طقتمر
الأمير سيف الدين الشريفي السلاح دار. كان من جملة أمراء الطبلخانات بدمشق، وكان في نظرة ضعف. وكان يركب قدامه واحد من مماليكه يعرفه بالناس ليسلم عليهم. ثم إنه أضر جملةً كافةً، قبل موته بأربع سنين. وانقطع في بيته إلى أن توفي رحمه الله تعالى في حادي عشر من شوال، سنة خمسين وسبعمائة.
طلحة بن الحسين
بن أبي ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني. كان من المكثرين في الحديث.
أضر في آخر عمره. ومات رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وخمسمائة وهو والد الحسين بن طلحة، ووالد أخيه سعيد بن طلحة.
حرف العين
عامر بن موسى
بن طاهر بن بشكم. أبو محمد الضرير المقري البغدادي. كان فقيها شافعياً يتكلم في مسائل الخلاف ويعرف القراآت والنحو، معرفةً تامةً. وكان يؤم في شهر رمضان بالإمام المقتدى. وسمع من علي بن محمد بن علي بن قسيس، وعلي بن المحسن بن علي التنوخي، وغيرهما. وحدث باليسير. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثمانين وأربعمائة.
العباس بن عبد المطلب
بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الفضل. كان
أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل بثلاث، أمه نثلة، وقيل نثيلة ابنة جناب بن كليب بن مالك بن النمر بن قاسط. كذا نسبها الزبير وغيره. ولدت العباس لعبد المطلب، فأنجبت به. وهي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والديباج وأصناف الكسوة. لأن العباس ضل وهو صبي فنذرت كسوة البيت إن وجدته. فلما وجدته، وفت بنذرها. وكان العباس رئيساً في الجاهلية وفي قريش وإليه كانت عمارة البيت والسقاية في الجاهلية، أما السقاية. فمعروفة وأما العمارة، فإنه كان لا يدع أحداً يسقب في المسجد الحرام ولا يقول فيه هجراً: يحملهم على عمارته في الخير، لا يستطيعون لذلك امتناعاً، لان ملا قريش تعاقدوا على ذلك وسلموه إليه، وكانوا له أعواناً. وكان العباس ممن خرج مع المشركين. يوم بدر فأسر مع جملة الأسرى وشد وثاقهم. فسهر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم. فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبي الله فقال: أسهر لأنين العباس. فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فافعل ذلك بالأسرى كلهم.
قال ابن عبد البر: اسلم العباس قبل فتح خيبر. وكان يكتم إسلامه. وذلك بين في حديث الحجاج بن علاط إنه كان مسلماً يسره ما فتح الله على المسلمين. ثم أظهر إسلامه يوم الفتح، وشهد حنيناً، والطائف، وتبوك. وقيل إن إسلامه قبل بدر. وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم. وكان المسلمون بمكة يتقوون به. وكان يحب أن يقدم على رسول الله صلى اله عليه وسلم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مقامك بمكة خير: فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقى منكم العباس فلا يقتله فإنه أخرج كرهاً.

وكان العباس: أنصر الناس لرسول اله صلى الله عليه وسلم بعد أبي طالب. وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة، يشترط له على الأنصار. وكان على دين قومه يومئذ. وقدى عقيلاً ونوفلاً ابن أخويه أبي طالب والحارث. وغيرهم من ماله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم الباس ويجله ويعظمه بعد الإسلام، ويقول: هذا عمي، صنو أبي.
وكان العباس جواداً مطعماً وصولاً للرحم ذا رأي حسن ودعوة مرجوة. ولم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا: إجلالاً له، ويقولون: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولما أقحط أهل الرمادة وذلك سنة سبع عشرة، قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين! إن بني إسرائيل. كانوا إذا أصابهم مثل هذا، استسقوا بعصبة الأنبياء. فقال عمر: هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم. فمشى إليه عمر فشكا إليه ما الناس فيه. ثم صعد المنبر ومعه العباس، فقال: اللهم! إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين! ثم قال: عمر! يا أبا الفضل. قم فادع. فقال العباس بعد حمد الله والثناء عليه: اللهم إن عندك سحاباً وعندك ماءً. فانشر السحاب ثم انزل الماء فيه علينا فاشدد به الأصل وأطل به الفرع وأدر به الضرع. اللهم! إنك لم تنزل بلاءً إلا بذنب ولم تكشفه إلا بتوبة. وقد توجه القوم بي إليك فاسقنا الغيث! اللهم! اشفعنا في أنفسنا وأهلينا! اللهم اسقنا سقياً وادعاً طبقاً سحاً عاماً. اللهم! لا نرجو إلا غياك ولا ندعو غيرك ولا نرغب إلا إليك. اللهم! إليك جوع كل جائع وعرى كل عار وخوف كل خائف وضعف كل ضعيف. في دعاء كثير. فأرخت السماء عزاليها فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام وأخصبت الأرض وعاش الناس. فقال عمر: هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه. وقال حسان بن ثابت الأنصاري:
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا ... فسقى الإمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ... ورث النبي بذاك دون الناس
أحيي الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد الياس
وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمى سقى الله الحجاز وأهله ... عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً ... فما كر حتى جاء بالديمة المطر
ولما سقى الناس طفق الناس يمسحون أركان العباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين وكان العباس جميلاً أبيض غضاً، ذا ضفيرتين معتدل القامة. وقيل: بل كان طويلاً. وقد بارك الله في نسله.
قال رجاء بن أبي الضحاك فس سنة مائتين أحصى ولد العباس فبلغوا ثلاثى وثلاثين ألفاً، ذكر ذلك الجهشياري في كتاب الوزراء. وأضر رضي الله عنه بأخرة، قيل إنه لما استسقى. كان ضريراً. وتوفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين للهجرة. وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنهما. ودفن بالبقيع. وعاش رضي الله عنه ثمانياً وثمانين سنة.

عبد الله بن أحمد
بن جعفر. أبو جعفر. الضرير المقرئ، من أهل واسط. قدم بغداد صبياً، وقرأ بالروايات على الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس المعروف بالبارع وغيره. وسمع من أبي القاسم هبة الله بن الحصين، وأحمد بن الحسن بن البناء، ويحيى بن عبد الرحمن بن حبيش الفارقي. وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
عبد الله بن الأرقم
الكاتب. كان ممن أسلم يوم الفتح. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر رضي الله عنه، ثم لعمر رضي الله عنه، وولي بيت المال لعمر وعثمان رضي الله عنهما مديدة. وكان من فضلاء الصحابة وصلحائهم. وأجازه عثمان ثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها. وتوفي في حدود الستين للهجرة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
عبد الله بن حبيب
بن ربيعة. أبو عبد الرحمن السلمي. مقرئ الكوفة بلا مدافعة. قرأ القرآن
على عثمان وعلى علي وعلى ابن مسعود وسمعهم. وتوفي في حدود الثمانين للهجرة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقد عده ابن الجوزي وغيره في العميان من التابعين.
عبد الله بن الحسين

بن عبد الله بن الحسين. الغمام العلامة محب الدين. أبو البقاء البغدادي
العكبري الأزجي الضرير النحوي الفرضي الحنبلي، صاحب التصانيف. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله سنة ست عشرة وستمائة. قرأ على ابن الخشاب، وأبى البركات بن نجاح. وبرع في الفقه والأصول. وحاز قصب السبق في العربية. أضر في صباه الجدري. وكان إذا أراد أن يصنف شيئاً، أحضرت إليه مصنفات ذلك الفن وقرئت عليه. وإذا حصل ما يريد في خاطره، أملاه. وكان يقال أبو البقاء تلميذ تلاميذه. وكان ينظم الشعر. وقال جاء إلى جماعة من الشافعية وقالوا: انتقل إلى مذهبنا ونعطيك تدريس النحو واللغة بالنظامية. فقلت: لو أقمتموني وصببتم الذهب علي حتى واريتموني، ما رجعت عن مذهبي. وقرأ الأدب على عبد الرحيم بن العصار والفقه على الشيخ أبي حكم إبراهيم بن دينار النهاوندي. وكان الشيخ أبو الفرج يفزع إليه مما يشكل عليه من الأدب. وكان رقيق القلب سريع الدمعة. وسمع في صباه من أبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وأبي بكر عبد الله بن النقور، وأبي العباس أحمد بن المبارك بن المرقعاني، وغيرهم. قلا محب الدين بن النجار: وكان ثقةً صدوقاً فيما ينقله ويحكيه، غزير الفضل، كامل الأوصاف، كثير المحفوظ، متديناً، حسن الأخلاق، متواضعاً. ذكر أنه تقرأ له زوجته. ومن شعره يمدح الوزير ابن مهدي:
بك أضحى جيد الزمان محلى ... بعد ا، كان من علاه مخلى
لا يجاريك في نجاريك شخص ... أنت أعلى قدراً وأغلى محلاً
دمت تحيي ما قد أميت من الفضل ... وتنفى فقراً وتطرد محلا
ومن تصانيف أبي البقاء: تفسير القرآن. إعراب القرآن. إعراب الشواذ من القراآت. متشابه القرآن. عدد آي القرآن. إعراب الحديث. المرام في نهاية الأحكام، في المذهب. الكلام على دليل التلازم. تعليق في الخلاف. المنقح من الخطل في الجدل. شرح الهداية لأبي الخطاب. الناهض في علم الفرائض. البلغة في الفرائض. التلخيص في الفرائض. الأستيعاب في أنواع الحساب. مقدمة في الحساب. شرح الفصيح. المشوف المعلم، في ترتيب كتاب إصلاح المنطق على حروف المعجم. شرح الحماسة. شرح المقامات الحريرية. شرح الخطب النباتية. المصباح، في شرح الغيضاح والتكملة. المتبع، في شرح اللمع. لباب الكتاب. شرح أبيات كتاب سيبويه. إعراب الحماسة. الإفصاح، عن معاني أبيات الإيضاح. تلخيص أبيات الشعر لأبي علي. المحصل، في إيضاح المفصل. نزهة الطرف، في إيضاح قانون الظرف. الترصيف في علم التصريف اللباب في علل البناء والإعراب. الإشارة في النحو، مختصر. مقدمة في النحو. أجوبة المسائل الحلبيات. التلخيص، في النحو. التهذيب، في النحو. شرح شعر المتنبي. شرح بعض قصائد رؤبة. مسائل الخلاف، في النحو. تلخيص التنبيه، لابن جني. مختصر أصول ابن السراج. مسائل نحو، مفردة. مسئلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يرحم الله من عبادة الرحماء. المنتخب من كتاب المحتسب. لغة الفقه.
عبد الله بن العباس

بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أبو العباس، الحبر
البحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء. ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين. وتوفي رضي الله عنه سنة ثمان وستين للهجرة بالطائف. وصلى عليه محمد بن الحنيفة، وكبر عليه أربعاً، وقال : اليوم مات رباني هذه الأمة. وضرب على قبره فسطاطاً. صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا بالحكمة مرتين. وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وبأبي ذر، وأبي سفيان، وطائفة من الصحابة. وقال مجاهد: ما رأيت أحداً قط مثل ابن عباس. لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. وكان يسمى البحر لكثرة علومه. وعن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق، وفقه ما احتيج إليه، وحلم ونسب ونائل. ولا رأيت أحداً أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أعلم بشعر منه. وروى من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم علمه الحكمة، وتأويل القرآن. وفي بعض الروايات: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وفي حديث: اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين. وفي حديث: اللهم زده علماً وفقهاً. قال ابن عبد البر: وكلها أحاديث صحاح.
وكان عمر رضي الله عنه يحبه ويدنيه ويقربه، ويشاور مع جلة الصحابة: وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤل. وقلب عقول. وقال طاووس أدركت نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذاكروا ابن عباس. فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية رضي الله عنه حاجاً معه ابن عباس رضي الله عنه. وكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عبد الله بن يزيد الهلالي.
ونحن ولدنا الفضل والخبر بعده ... عنيت أبا العباس ذا الفضل والندى
وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري:
إذاما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل أحواله فضلا
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي غربة في القول جداً ولا هزلا
ومر عبد اله بن صفوان يوماُ بدار عبد الله بن عباس فرأى فيها جماعة من طالب الفقه، ومر بدار عبيد الله بن عباس فرأى فيها جمعاً يتناوبونها لطعام، فدخل على ابن الزبير فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر:
فإن تصبك من الأيام قارعة ... لم نبك منك على دنيا ولا دين
فقال: وما ذاك يا أرعج؟ فقال: هذان ابنا العباس: أحدهما يفقه الناس، والآخر يطعم الانس. فما أبقيا لك مكرمةً. فدعا عبد الله بن مطيع وقال له: انطلق إلى ابني العباس. فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين. اخرجا عني، أنتما ومن انضوى إليكما من أهل العراق. وإلا فعلت وفعلت. فقال عبد اله: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان رجل يطلب فقهاً. ورجل يطلب فضلاً. فأي هذين تمنع.
وكان عبد الله رضي الله عنه قد عمي آخر عمره. قيل لأنه كان في وضوءه يدخل الماء في عينيه. مبالغةً في استقصاء. وروى عنه انه رأى رجلاً مع النبي صلى اله عليه وسلم فلم يعرفه. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: فقال له: رأيته؟ قال نعم قال: ذاك جبريل. أما إنك ستفتقد بصرك.
ورؤي أن طائراً أبيض خرج من قبره فتأولوه خرج إلى الناس. ويقال بل دخل قبره كائراً أبيض، فقيل إنه بصره بالتأويل. وقيل جاء طائر أبيض فدخل نعشه حين حمل فما رؤي خارجاً منه.
وشهد عبد الله بن عباس الجمل وصفين والنهروان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال له يوماً معاوية رضي الله عنه: ما بالكم تصابون في أبصاركم يا بني هاشم؟ فقل له: كما تصابون في بصائركم يا بني أمية. وعمي هو وأبوه وجده.
عبد الله بن عبد العزيز: أبو القاسم. الضرير النحوي المعروف بأبي موسى. كان يؤدب المهتدي. وكان من أهل بغداد. وسكن مصر. وحدث بها عن أحمد بن جعفر الدينوري، وجعفر بن مهلهل بن صفوان الراوي عن ابن الكلبي. وروى عنه يعقوب بن يوسف ين خرزاذ النجيرمي. وله كتاب في الفرق، وكتاب في الكتابة والكتاب.

عبد الله بن علقمة
أبي أوفى الخزاعي الأسلمي. أحد من بايع بيعة الرضوان. قال: غزونا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. نأكل الجراد. وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وممن مات في عشر المائة أو تجاوزها. وتوفي رضي الله عنه سنة ست وثمانين للهجرة، وقيل سنة ثمان وثمانين. وكنيته أبو محمد، وقيل أبو معاوية، وقيل أبو إبراهيم. وشهد الحديبية وخيبر. ولم يزل بالمدينة إلى أن قبض رسول الله صلى اله عليه وسلم فتحول إلى الكوفة وكف بصره بأخرة.
عبد الله بن علي
أمير المؤمنين المستكفي بالله. بن المكتفي بن المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور. بويع له عند خلع أخيه، في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وقبض عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين، وسملت عيناه، وسجن في هذه السنة إلى أن مات، سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، عن ست وأربعين سنة. وكان أبيض جميلاً، ربعة من الرجال، خفيف العارضين، اكحل أقنى، ابن أمة اسمها غصن، ولم تدرك خلافته. وبايعوه بعد المطيع لله الفضل بن المقتدر. وكان يلقب الوسيم، ويسمى بإمام الحق، وخطب له بالمستكفي. وكنيته أبو القاسم. ولم يل الخلافة قبله من بني العباس أكبر سناً منه ومن المنصور. وخلعه معز الدولة أحمد بن بويه، ولم يزل محبوساً في دار السلطان إلى أن مات. فكانت خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين. وأقام في السجن ثلاث سنين وأربعة اشهر وأربعة عشر يوماً. وكان كاتبه أبو الفرج محمد بن أحمد السامري، ثم الحصين بن أبي سلمان، ثم أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازي. والمدبر للأمور محمد بن يحيى بن شيرازاد. وحاجبه أبو العباس أحمد بن خاقان المفلحي. ونقش خاتمه، لله الأمر. وكان الغالب على دولته امرأة يقال لها علم الشيرازية، وكانت قهرمانة داره. وهي التي سعت في خلافته عند توزون حتى تمت. فعوتب على إطلاق يدها وتحكمها في الدولة فقال: خفضوا عليكم فإنما وجدتها في الشدة ووجدتكم في الرخاء، وهذه الدنيا التي بيدي هي التي سعت لي فيها حتى حصلى؟ أفأبخل عليها ببعضها. وكان خواصه كثيراً ما يبصرونه مصفراً لكثرة الجزع. فقالوا له في ذلك. فقال: كيف يطيب لي عيش، والذي خلع ابن عمي وسمله أشاهده في اليوم مرات وأطالع المنية بين عينيه فما مر شهر من حين هذا الكلا حتى سم توزون ومات. ثم دخل عليه معز الدولة بن بويه فخلعه وسمله وانقضت دولة الأتراك وصارت الدولة للديلم.
عبد الله بن عمر
بن الخطاب أبو عبد الرحمن، رضي الله عنه. صاحب رسول الله صلى اله عليه
وسلم، وابن وزيره. هاجر به أبوه قبل احتلامه، واستصغر عن أحد وشهد الخندق وما بعدها. وهو شقيق حفصة. أمهما زينب بنت مطعون. روى علماً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر. وشهد فتح مصر. قاله ابن يونس. وقال غيره: شهد غزو فارس. وكان يخضب بالصفرة. وبلغ أربعاً وثمانين سنة. وتوفي رضي الله عنه بمكة سنة ثلاث وسبعين. قيل إنه قدم حاجاً فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمح: فقال من أصابك: قال أصابني من أمر نموه بحمل السلام في مكان لا يحل فيه حمله. وقيل أنه أول نم بايع يوم الحديبية. والصحيح أن أول من بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، أبو سنان الأسدي.
وكان رضي الله عنه شديد الاحتياط في فتواه، وكل ما يأخذ به نفسه. وكان لا يتخلف عن السرايا في حياة رسول اله صلى اله عليه وسلم. ثم كان بعد موته مولعاً بالحج، قبل الفتنة وفي الفتنة، يقال إنه كان أعلم الصحابة بمناسك الحج. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجه حفصة: إن أخاك عبد الله رجل صالح، لو كان يقوم من الليل فما ترك بعدها قيام الليل وكان لورعه قد أشكلت عليه حروب علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقعد عنه وندم على ذلك حين حضرته الوفاة. وسئل عن تلك المشاهد، فقال: كفت يدي فلم أقدم. والمقاتل على الحق أفضل. وقال جابر بن عبد الله ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر وابنه عبد الله. وأفتى في الإسلام ستين سنة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وأضر باخرة.
عبد الله بن عمير

الأنصاري الخطمي. روى عنه عروة بن الزبير. وهو صحابي بعد في أهل المدينة.
وكان أعمى يؤم قومه، بني خطمة. وجاهد مع رسول الله صلى اله عليه وسلم، وهو أعمى رضي الله عنه.
عبد الله بن محمد
وقيل ابن محمود. أبو محمد المكفوف. النحوي القيرواني. كان عالماً بالغريب والعربية والشعر وتفسير المشروحات وأيام العرب وأخبارها. توفي رحمه اله تعالى سنة ثمان وثلاثمائة. وله كتاب في العروض يفضله أهل العلم على كل ما صنف لما بين وقرب، وكان يجلس مع حمدون النعجة في مكتبه. فربما استعار بعض الصبيان كتاباً فيه شرع أو غريب أو شيء من أخبار العرب. فيقتضيه صاحبه إياه فإذا ألح عليه أعلم أبا محمد المكفوف بذلك فيقول له: اقرأه علي. فإذا فعل قال: أعده ثانية. ثم يقول: رده على صاحبه، ومتى شئت تعال حتى أمليه عليك. وهجاه أبو إسحاق بن خنيس، فأجابه المكفوف:
إن الخنيسي يهجوني لأرفعه ... إخسأ خنيس فإني لست أهجوكا
لم تبق مثلبة تحصى إذا جمعت ... من المثالب إلا كلها فيكا
وكانت الرحلة إليه من جميع إفريقية: لأنه كان أعلم الناس بالنحو واللغة والشعر وأيام العرب.
عبد الله بن محمد
بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون بن أبي السري. قاضي القضاة
شرف الدين، أبو سعد التميمي الموصلي الفقيه الشافعي، أحد الأئمة الأعلام. تفقع على القاضي المرتضى بن الشهرزوري، وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي. وقرأ السبع على أبي عبد الله البارع، والعشر على أبي بكر المزرفي، والنحو على أبي الحسن بن دبيس. ودخل حلب ودرس بها وأقبل عليه صاحبها نور الدين. ولما أخذ دمشق ورد معه إليها. ودرس بالغزالية ثم عاد إلى حلب وولي قضاء سنجار وحران وديار بيعة. ثم عاد إلى دمشق، فولي بها القضاء. وبنة له نور الدين المدارس بحلب وحماه وحمص وبعلبك. وبنى هو لنفسه مدرسة حلب وأخرى بدمشق. وأضر آخر عمره، وهو قاض. فصنف جزأً في قضاء الأعمى وجوزه. وقد تقدم الكلام على هذه المسالة في مقدمة الكتاب وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
وكتب السلطان صلاح الدين بخطه إلى القاضي الفاضل يقول فيه. إن القاضي قال: إن قضاء الأعمى جائز. فتجتمع بالشيخ أبي الطاهر بن عوف الإسكندري وتسأله عما ورد من الأحاديث في قضاء الأعمى. ومن تصانيفه: صفوة المذهب في نهاية المطلب. سبع مجلدات: والانتصار، في أربع مجلدات: والمرشد، في مجلدين: والذريعة في معرفة الشريعة: والتيسير في الخلاف، أربع مجلدات: ومآخذ النظر. ومختصر في الفرائض: والإرشاد في نصرة المذهب، ولم يتم: والتنبيه في معرفة الأحكام: وفوائد المهذب، في مجلدين، وغير ذلك.
وكتب القاضي الفاضل رحمه الله جواباً لمن كتب إليه بموت القاضي: وصل كتاب حضرة القاضي مع الله شملها، وسر بها أهلها، ويسر إلى الخيرات سبلها، وجعل في ابتغاء رضوانه قولها وفعلها، وفيه زيادة وهي نقص الإسلام. وثلم في البرية تتجاوز رتبة الإنثلام إلى الإنهدام. وذلك ما قضاه الله تعالى، من وفاة الإمام شرف الدين بن أبي عصرون، رحمة الله عليه، وما حصل بموته من نقص الأرض من أطرافها، ومن مساءة أهل الملة ومسرة أهل خلافها، فلقد كان علماً للعلم منصوباً، وبقيةً من بقايا السلف الصالح محسوباً، وقد علم الله اغتمامي، لفقد حضرته، واستيحاشي لخلو الدنيا من بركته، واهتمامي بما عدمت من النصيب الموفور من أدعيه. ومن شعر القاضي ابن أبي عصرون:
أؤمل أن أحيي وفي كل ساعة ... تمر بي الموتى تهز نعوشها
وهل أنا غلا مثلهم غير أن لي ... بقايا ليال في الزمان أعيشها
ومنه:
أؤمل وصلا من حبيب وإنني ... على ثقة عما قليل أفارقه
تجارى بنا خيل الحمام كأنما ... يسابقني نحو الردى واسابقه
فيالبتنا متنا معاً ثم لم يذق ... مرارة فقدي لا ولا أنا ذائقه
ومنه:
يا سائلي كيف حالي بعد فرقته ... حاشاك مما بقلبي من تنائيكا
قد أقسم الدمع لا يجفو الجفون أسىً ... والنوم لا زارها حتى ألا قيكا
عبد الله بن هرمز

بن عبد الله. أبو العز. الضرير البغدادي المقرئ. كان ينظم الشعر. ورور
عنه أبو بكر بن كامل الخفاف. ومن شعره.
ومدامة صهباء صافية ... تنسى الهموم وتذكر المرحا
سبقت حدوث الدهر عصرتها ... فلذاك يلفى سؤرها شبحا
هينئاً لك النوم يا نائم ... رقدت ولم يرقد الهائم
وكيف ينام فتىً مغرم ... برى جسمه سره الكاتم
أريد لا ضمر وجدي بكم ... فيظهره دمعي الساجم
فلست الذي شفني حبه ... بما في فؤادي له عالم
عساه على ظلمه يرعوى ... فيدنو وقد يرعوى الظالم
أبو عبد الله الباذني
بالباء ثانية الحوف وبعدها ألف وذاك معجمة وبعدها نون شاعر مجيد، كان ضريراً، وكان يمدح الوزير البلعمي. ذكره الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور. وباذن قرية من قرى خابران من أعمال سرخس.
عبد الرحمن بن عبد الله
بن أحمد بن اصبغ بن الحسين بن سعدون بن رضوان ابن فتوح. الإمام الحبر أبو
القاسم، وأبو زيد، ويقال أبو الحسن بن الخطيب أبي محمد ابن الخطيب أبي عمرو بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي الأندلسي المالقي الحافظ صاحب المصنفات. توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ناظر علي بن الحسين ابن الطراوة في كتاب سيبويه، وسمع منه كثيراً من اللغة والآداب. وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان عالماً بالعربية واللغة والقراآت، بارعاً في ذلك. تصدر للإقراء والتدريس والحديث، وبعد صيته وجل قدره. جمع بين الرواية والدراية. ومن تصانيفه. الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، وهو كتاب جليل جود فيه ما شاء. ذكر في آخره أنه استخرجه من نيف وعشرين ومائة ديوان. وله التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام. وشرح آية الوصية. ومسألة رؤية الله تعالى ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. وشرح الجمل، ولم يتم. ومسألة السر في عور الدجال. استدعى إلى مراكش، وحظى بها، وولى قضاء الجماعة وحسنت سيرته. وأصله من قرية بوادي سهيل من كورة مالقة. لا يرى سهيل في جميع المغرب إلا من جبل مطل على هذه القرية.
ومن شعره يرثي بلده، وكان الفرنج فد خربته وقتلت رجاله ونساءه، وكان غائباً عنه:
يا دار أين البيض والأرام ... أم أين جيران علي كرام
دار المحب من المنازل آية ... حياً فلم يرجع إليه سلام
أخرسن أم بعد المدى فنسينه ... أم غال من كان المجيب حمام
دمعي شهيدي أنني لم أنسهم ... إن السلو على المحب حرام
لما أجابني الصدى عنهم ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام
طارحت ورق حمامها مترنماً ... بمقال صب والدموع سجام
يا دار ما صنعت بك الأيام ... ضامتك والأيام ليس تضام
ومر علي بعض تلاميذه من أعيان البلد، وهو جميل وقد مرض فلقيه بعض المشايخ، فقال له عجباً لمرورك ههنا، فأشار بيده نحو دار التلميذ وأنشد:
جعلت طريقي على داره ... ومالي على داره من طريق
وعاديت من أجله جيرتي ... وآخيت من لم يكن لي صديقي
فإن كان قتلي حلالاً له ... فسيري بروحي مسير الرفيق
وله الأبيات المشهورة:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن ... امنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك ربي أضرع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة ... فإذا رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشى لمجدك أن يقنط عاصياً ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
عبد الرحمن بن عبد المولى

بن إبراهيم. الشيخ المسند أبو محمد اليلداني، بالياء آخر الحروف وبعدها
لام ودال مهملة وألف ونون الصحراوي، سبط اليلداني. سمع الكثير من جده تقي الدين، والرشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ الأنصاري. وأجاز له علم الدين السخاوي، والحافظ ضياء الدين، وآخرون. وتفرد بأشياء. وسمع منه الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام. كتاب الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له مرتباً. وكان فقيراً. ثم إنه عمي. ومولده سنة أربعين وستمائة. ووفاته سنة خمس وعشرين وسبعمائة. رحمه اله تعالى.
عبد الرحمن بن عمر: بن أبي القاسم. الشيخ الإمام العلامة نور الدين أبو طالب البصري الحنبلي. مدرس طائفته بالمدرسة المستنصرية ببغداد. مولده سنة أربع وعشرين وستمائة. ووفاته يوم عيد الفطر سنة أربع وثمانين وستمائة.
كان من العلماء المجتهدين العالمين العاملين. عين أولاً مدرساً بمدرسة الحنابلة بالبصرة، فدرس بهامدة وانتفع به خلق كثير. حفظ القرآن المجيد في أول عمره، وختمه سنة إحدى وثلاثين، وعمره يومئذ سبع سنين ونصف. قدم بغداد سنة سبع وخمسين وفوض إليه التدريس بطائفة الحنابلة بالمدرسة البشيرية فدرس بهامدةً. وكف بصره سنة أربع وثلاثين، وأذن له في الإفتاء سنة ثمان وأربعين. وفضائله كثيرة مشهورة. ومن تصانيفه: كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم، أربع مجلدات. الحاوي في الفقه، كتاب جليل القدر كثير الفوائد.
ولما توفي الشيخ الإمام جلال الدين ابن عكبر مدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية عين مدرساً بها، وذلك في يوم الإثنين التاسع من شوال سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وكان رحمه الله تعالى محققاً للمسائل، عارفاً بالخلاف، صحيح النقل لمذهبه ومذهب غيره، تام الأنس حسن المعشرة والخلق، ينبسط مع جلسائه بحسب أحوالهم. وكان لا يكاد يغلب في البحث والمجادلة والمعارضة. حكى الشيخ تقي الدين أبو الوليد محمد ابن إبراهيم بن عمر الخالدي الحنبلي وكان خصيصاً بالشيخ يقرا له الدروس والفتاوى ويكتب عنه ما يحتاج إليه ويطالع له، وكان ختن الشيخ على ابنته قال: حضرنا في خدمة الشيخ يوماً في ديوان المظالم، وكان الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى صاحب ديوان الإنشاء بالعراق حاضراً، فتكلم الجماعة، وتكلم الشيخ، فاستحسن الحاضرون كلام الشيخ، فقال له الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى: من أين الشيخ. فقال: من البصرة، فقال: ما المذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجيب بصري حنبلي! فقال له الشيخ على الفور: ها هنا ما هو اعجب من هذا. فقال له: ما هو؟ قال: كردي رافضي. فأفحم الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى حتى لم يحر جواباً، وكان أصله كردياً، وكان متشيعاً.
عبد الرحمن بن يحيى
الأسدي الكفيف أبو القاسم. ابن الخواص المغربي. لم يكن أبوه خواصاً، ولكن سكن بالقيروان في سوق الخوص. قال بان رشيق في الأنموذج: أبو القاسم هذا شاعر مشهور، حسن الطريقة منقاد الطبع، لا يتكلف برئ من تعقيد أصحابه النحويين وبرد أشعارهم، مفنن في علم القرآن من مشكل وغريب وأحكام. ومن شعره:
دق لما يلقى من اللمس ... وفات درك الوهم والحس
كأنه مما به من ضنىً ... وهم جرى في خاطر النفس
ومنه:
أراك عيني كحيل الطرف ذي حور ... ظبي خلا أنه ظبي من البشر
أغني من الغصن قداً بالقوام كما ... أغنى بغرته عن طلعة القمر
يفتر عن أشنب عذب مراشفه ... كالمسك نكهته في ساعة السحر
مستملح الدل حلو الشكل ما نظرت ... إليه عين فلم تفتن من النظر
ما كان أحسن غذ تمت محاسنه ... لو تم لي منه إشفاق على ضرري
جرى هواه مجاري الروح في جسدي ... وحل مني محل السمع والبصر
عبد الرزاق بن أبي الغنائم
بن ياسين بن العلاء. أبو محمد مهذب الدين الدقوقي بقافين بينهما واو
العراقي الضرير الشاعر. قدم دمشق شاباً، وسمع من عبد اللطيف ابن أبي سعد، ومن القاسم بن عساكر، والد ولعي الخطيب وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ومن شعره

عبد الرزاق بن همام: بن نافع. الإمام أبو بكر الحميري الصنعاني. احد الأعلام. روى عن أبيه ومعمر، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، والمثنى بن الصباح، وثور بن يزيد، وحجاج بن أرطاة، وزكرياء بن إسحاق، والأوزاعي، وعكرمة بن عمار، والسفيانين، ومالك، وخلق. ودخل إلى الشام بتجارة وسمع الكثير عن جماعة. مولده سنة ست وعشرين ومائة. وروى عنه شيخاه. معمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وأبو أسامة، وهو أكبر منه. وأحمد بن حنبل، وابن معين، وإسحاق، ومحمد بن نافع، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن غيلان، وأحمد بن صالح، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن الفرات، والرمادي، وإسحاق، الكوسج، والحسن بن علي الخلال، وسلمة بن شبيب، وعبد بن حميد، وإسحاق الديري، وإبراهيم بن سويد الشامي، وخلق كثير. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد بن حنبل: كان عبد الرزاق يحفظ حديث معمر؟ قال: نعم. قيل له: فمن أثبت ابن جريج في عبد الرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبد الرزاق. وعمي عبد الرزاق بأخرة، وكان يلقن. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسال عن حديث الناجبار. فقال: هذا باطل، ليس من هذا شيء؟ ثم قال: ومن يحدث به عن عبد الرزاق. قلت: حدثني أحمد بن شبويه. قال: هؤلاء سمعوا بعدما عمي. ليس هو في كتبه. وقد اسندوا عنه بأحاديث ليست في كتبه. كان يلقنها بعدما عمي.
قال ابن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً، فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، يعني التشيع. فقلت له: إن أستاذيك اللذين أخذت عنهم ثقات. كلهم أصحاب سنة: معمر ومالك وابن جريج وسفيان والأوزاعي. فعمن أخذت هذا المذهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً حسن الهدى فأخذت هذا عنه.
وقال سليمان بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما نشرح صدري لأن أفضل علياً على أبي بكر وعمر. وقال أحمد بن الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما نفسه لو لم يفضلهما. كفى بي إزراءً أن أحب علياً ثم أخالف قوله.
وقال ابن معين: قال لي عبد الرزاق: أكتب عني حديثاً من غير كتاب. فقلت: ولا حرف.
وصنف عبد الرزاق التفسير والسنن وغير ذلك. وعمر دهراً طويلاً وأكثر عنه الطبراني. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال أبو خثيمة زهير بن حرب. لما قدمنا صنعاء أغلق عبد الرزاق الباب ولم يفتحه لأحد إلا لأحمد بن حنبل لديانته فدخل. فحدثه بخمسة وعشرين وحديثاً: ويحيى بن معين جالس بين الناس. فلما خرج أحمد، قال له يحيى: أرني ما حدثك. فنظر فيه فخطأه في ثمانية عشر حديثاً. فعاد أحمد إليه فأراه مواضع الخطا، فأخرج عبد الرزاق أصوله، فوجدها كما قال يحيى. ففتح الباب وقال: ادخلوا وأخذ مفتاح بيت وسلمه إلى أحمد. وقال، هذا البيت ما دخلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله، على أنكم لا تقولون ما لم أقل ولا تدخلوا علي حديثاً من حديث غيري ثم أومأ إلى أحمد وقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. فأقاموا عنده مولاً. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة. وفي رواية أخرى: عبد الرزاق بن همام، من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بأخرة، حدث عنه بأحاديث مناكير.

عبد السيد بن عتاب
بن محمد بن جعفر بن عبد الله الحطاب. بالحاء المهملة أبو القاسم الضرير
المقرئ. كان من الموصوفين بجودة القراءة ومعرفة وجوه القراآت. قرا بالروايات على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، والحسين بن عبد الله الحربي، ومحمد بن زلال النهاوندي، وجماعة كثيرين. وتوفي رحمه الله سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
عبد السيد بن محمد
بن عبد الواحد بن جعفر. أبو نصر، الفقيه الشافعي ابن الصباغ البغدادي.
فقيه العراق. كان يقدم على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. صنف الشامل، وهو من أصح كتب الشافعية وأجودها في النقل. وصنف كتاب الكامل. وتذكرة العالم والطريق السالم. والعدة، في أصول الفقه.

وتولى التدريس بالنظامية ببغداد. أول ما فتحا. ثم إنه عزل بالشيخ أبي إسحاق. ولما توفي أبو إسحاق رحمه الله تعالى، أعيد إليها أبو نصر، وقيل تولى المتولي بعد أبي إسحاق وعزل المتولي وولى أبو نصر. وتوفي رحمه الله في ثالث عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة. قال ابن النجار في ذيله. وكف بصره في آخر عمره.

عبد الصمد بن علي
بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. الهاشمي، كانت فيه عجائب. منها أنه
ولد سنة ست ومائة أو أربع ومائة، وولد أخوه محمد بن علي والد السفاح والمنصور سنة ستين. فبينهما في المولد أربع وأربعون سنة. وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين ومائة، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثماني ومائة. فبينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة. ومنها أنه حج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج عبد الصمد بالناس سنة مائة وخمسين. وهما في النسب إلى عبد مناف سواء. لأن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. فبين يزيد وعبد مناف خمسة أجداد، وبين عبد الصمد وعبد مناف خمسة أجداد. لأن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف. ومنها أنه أدرك السفاح والمنصور، وهما ابنا أخيه، ثم أدرك المهدي بن المنصور، وهو عم أبيه، ثم أدرك الهادي، وهو عم جده، ثم أدرك الرشيد. وفي أيامه مات رحمه الله تعالى. ومنها أنه مات بأسنانه التي خلق بها وولد بها ولم يثغر. وكانت قطعة واحدة من أسفل. وقال يوماً للرشيد: يا أمير المؤمنين هذا مجلس فيه عم أمير المؤمنين، وعم عم أمير المؤمنين وعم عم عمه. وذلك أن سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد، والعباس عم سليمان، وعبد الصمد عم العباس. وولي عبد الصمد إمرة دمشق للمهدي والرشيد. وولي مكة والموسم. وكان كبير القدر معظماً. وهو أعرق الناس في العمى: لأنه أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى. وقعت في عينه ريشة فعمي منها. وكانت وفاته بالبصرة في التاريخ المذكور.
عبد الصمد بن يوسف
بن عيسى. النحوي الضرير. قرأ على ابن الخشاب. وأقام بواسط يقرئ النحو
ويفيد أهلها، إلى أن مات رحمه الله سنة ست وتسعين وخمسمائة.
عبد الظاهر بن نشوان: بن عبد الظاهر بن نجدة. الإمام رشيد الدين، أبو محمد الجذامي المصري المقرئ الضرير من ذرية روح بن زنباع، قرأ القراآت على أبي الجود وغيره، وسمع وتصدر للأقراء مدة وتخرج به جماعة. وكان مقرئ الديار المصرية في زمانه. روى عنه الدمياطي والحفاظ. وهو والد القاضي محيي الدين عبد الظاهر، الكاتب المنشئ. توفي رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وستمائة. ونقلت من خط ولده محيي الدين يرثيه:
فما ابن كثير الدمع إن مات نافع ... ولا نافع حزن عليه يحتم
خزانة علم قبره فلذا غدا ... بها كل يوم بالتلاوة يختم
عبد العزيز بن أبي سهل
الحسني الضرير. قال ابن رشيق في الأموذج كان مشهور باللغة والنحو جداً، مفتقراً إليه فيهما، بصيراً بغيرهما من العلوم. ولم ير ضرير قط أطيب نفساً ولا اكثر حياءً، مع دين وفعة، أدركته وقد جاوز التسعين، والتلاميذ يكلمونه فيحمر خجلاً. وكان شاعراً مطبوعاً، يلقي الكلام إلقاءً. وسلك طريق أبي العتاهية في سهولى الطبع ولطف التركيب. ولا غنى لأحد من الشعراء الحذاق عن العرض عليه، والجلوس بيتن يديه. أخذ للعلم عنه واقتباساً للفائدة منه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وأربعمائة. ومن شعره:
قال العواذل قد طولت حزنك إذ ... لو شئت إخراجه عن سلوة خرجا
ولن أطيق خروج الحزن عن جلدي ... لأنني أنا لم آمره أن يلجا
ومنه:
العين من وجهك في لهو ... والقلب من صدك في شجو
تناصف الحسن الذي حزنه ... لم يفتقر عضو إلى عضو
ولم يفد منك محب سوى ... قلب شج في جسد نضو
عبد العزيز بن صهيب
مولاهم البصري الأعمى. روى عن أنس، وشهر، وأبي نضرة العبدي. وثقة أحمد بن
حنبل. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين ومائة.
وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
عبد الكريم بن علي

بن محمد القضاعي. أبو محمد النحوي، الملقب بالبارع. كانت له حلقة في جامع
الإسكندرية، يقرئ النحو وهو ضرير. مائل إلى الخير كثير الصمت. وتوفي رحمه الله تعالي في
عبد الكريم بن علي
بن عمر الأنصاري. الشيخ الإمام العلامة علم الدين ابن بنت العراقي.
أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان، قال ولد بديار مصر سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعمائة. وأصله من وادي آش من الأندلس. وجده أبو أمه ليس من العراق وغنما رحل إلى العراق. ثم قدم مصر وهي بلده فسمي العراقي. وكان الشيخ علم الدين من المعدودين في علماء مصر. وكانت له مشاركة في الفقه وأصوله والتفسير وله اختصاص بتفسير الزمخشري، وصنف مختصراً في أصول الفقه، ورداً على القاضي ابن المنير المالكي في رده على الزمخشري، وكان كثيراً ما يشغل الطلبة بالعلم حتى إنه معظم من بديار مصر اشتغل عليه، ولا يمل من الإقراء ولا يسأم حسن المفاكهة، كثير الحكاية والنوادر، منبسط النفس، وله معرفة بالحساب والكتابة، وحظ من النظم والنثر، درس بالشريفية وبالمشهد الفقه. وأضر في آخر عمره. وأملى كتاباً في تفسير القرآن مختصراً احتوى على فوائد، وكتب الشيخ علم الدين بخطه كتاب الحاوي الكبير للماوردي مرتين. وكان يؤم بمسجد الدرفيل، قال العلامة أثير الدين وأنشدنا قال نظمت في النوم في قاضي القضاة ابن رزين وكان معزولاً.
ياسالكاً سبل السعادة منهجاً ... يا موضح الخطب البهم اذادجا
يا ابن الذين رست قواعد مجدهم ... وسرى ثناهم عاطراً فتأرجا
لا تيأسن من عود ما فارقته ... بعد السرار ترى الهلال تبلجا
وابشر وسرح ناظراً فلقد ترى ... عما قليل في العدى متفرجا
وترى وليك ضاحكاً مستبشراً ... قد نال من تدميرهم ما يرتجى
عبد الكريم بن الفضل
بن جعفر بن أحمد. أمير المؤمنين الطائع لله بن المطيع المرتضي بن المقتدر
بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي. أمه أمة. تولى الخلافة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وقبضوا عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين. فكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة اشهر وستة أيام، وكان كبير الأنف. وفي أنفه يقول ابن حجاج:
خليفة في وجهه روشن ... خر بشته قد ظلل العسكرا
عهدي به يمشي على رجله ... وانفه قد صعد المنبرا
واستعرض جارية فأعجبته، فأمر بشرائها. فنظرت إليه ورأت عظم انفه فقالت ما يقدم على أن يباع عندكم إلا من يوطن نفسه على المرابطة في سبيل الله. فضحط، وقال: اشتروها. فإن لم يكن عندها أدب الملوك فعندها نوادر الظرفاء. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة عبد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. وصلى عليه القادر، وكبر خمساً. وحمل إلى الرصافة وشيعه الأكابر. وكان قد خلف بهاء الدولة بن عضد الدولة بإشارة الأمراء ومعونتهم، وسملوا عينيه، وجعلوا القادر مكانه. فرق له واسكنه معه في زاوية قصره وكان يحسن إليه ويحتمل غلطة كلامه ويقضي معظم ماله من الحوائج. ورثاه الشريف الرضي بقصيدة منها:
أيها القبر الذي أمسى به ... عاطل الأرض جميعاً وهو حال
لم يواروا فيك ميتاً إنما ... أفرغوا فيك جبالاً من نوال
لا أرى الدمع كفاءً للجوى ... ليس أن الدمع من بعدك غال
وبرغمي أن كسوناك الثرى ... وفرشناك زرابي الرمال
وهجرناك على رغم العدى ... رب هجران على غير تقال
لا تقل تلك قبور إنها ... هي أصداف على در اللألى
عبد الملك بن عبد العزيز
بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون، وقيل دينار بن الماجشون. أبو مروان
القرشي التيمي المنكدري مولاهم. الأعمى الفقيه المالكي.

تفقه على الإمام مالك رضي الله عنه، وعلى والده عبد العزيز وغيرهما. وقيل إنه عمى آخر عمره. وكان مولعاً بالغناء. قال أحمد بن حنبل: قدم علينا ومعه من يغنيه. وحدث. وكان من الفصحاء. روى أنه كان إذا كره الشافعي رضي الله عنه. لا يعرف الناس كثيراً مما يقولان. لأن الشافعي تأدب بهذيل، وعبد الملك تأدب في خؤولته في كلب البادية. وقال أحمد بن المعدل: كلما تذكرت أن التراب يأكل لسان عبد الملك، صغرت الدنيا في عيني. قال أبو داود: كان لا يعقل الحديث. وقال فيه يحيى بن أكثم: كان بحراً لا تكدره الدلاء. توفي رحمه الله تعالى بالمدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وقيل: سنة ثلاث عشرة. وروى له النسائي وابن ماجه.

عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة بن مسعود بن عاقل بن حبيب ينتهي إلى عدنان أبو عبد الله الهذلي.
أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. وهو أخو أخي عبد الله بن مسعود الصحابي. وكان من أعلام التابعين. لقي خلقاً كثيراً من الصحابة، وسمع من ابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم. وقال الزهري: أدركت أربعة بحور. فذكر عبيد الله وقال: سمعت من العلم شيئاً كثيراً فظننت أنني قد اكتفيت، حتى لقيت عبيد الله فإذا كأني ليس في يدي شيء. وكان مؤدب عمر بن عبد العزيز. وكان عمر يقول: لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا. وكان عالماً ناسكاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين ومائتين، وقيل سنة تسع وتسعين، وقيل سنة ثمان وتسعين، وقيل سنة سبع وتسعين، بالمدينة وأورد له أبو تمام الطائي في الحماسة.
شفقت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور
تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير
توغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
ولما قال هذا الشعر، قيل له: أتقول مثل هذا؟ فقال؟ في اللدود، راحة المكدود. أو قال: المفؤد. وهو القائل: لا بد للمصدور أن ينفث. وأضر رحمه الله بأخرة.
عبيد بن عقيل: أبو عمرو الهلالي لابصري الضرير المقرئ المؤدب. قال أبو حاتم: صدوق. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع ومائتين. وروى له أبو داود والنسائي.
عتبان بن مالك
بن عمرو بن العجلان. الأنصاري السالمي من بني عوف الخزرج. شهد بدراً، ولم يذكره ابن إسحق في البدريين، وذكره غيره فيما قال ابن هشام. وكان أعمى. ذهب بصره على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقال كان ضرير البصر ثم عمي بعد. ومات في خلافة معاوية. روى عنه أنس بن مالك ومحمود بن الربيع. وبعد في أهل المدينة. وروى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
عتبة بن مسعود
الهذلي حليف بني زهرة. أخو عبد الله بن مسعود وشقيقه، وقيل بل أمه امرأة
من هذيل. والأكثر أنه شقيقه أبو عبد الله هاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية. ثم قدم المدينة وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد. وتوفي رضي الله عنه بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وقال المسعودي مات عتبة قبل أخيه عبد الله في خلافة عمر. وقال الزهري: ما عبد الله افقه عندنا من عتبة، ولكن مات عتبة سريعاً انتهى. وكف بصره بأخرة.
عثمان بن عامر: بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي التيمي، أبو قحافة، والدائي أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. أسلم أبو قحافة يوم الفتح. وأتى به ليبايع ورأسه ولحيته كأنهما ثغامة بيضاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا وهذا بشيء، وجنبوه السواد. فهو أول مخضوب في الإسلام. وعاش بعد ذلك إلى أن مات سنة أربع عشرة للهجرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة. وتوفي ولده أبو بكر رضي الله عنه قبله. وورث منه السدس، ورده على ولد أبي بكر. واضر بأخرة.
عدي بن ربيعة: كان في زمن النبي صلى اله عليه وسلم. وهو أعمى. وكان منافقاً. وهو أبو سويد بن عدي.
عطاء بن أبي رباح

اسلم. أبو محمد المكي مولى قريش. أحد الأئمة الأعلام من التابعين. ولد في خلافة عثمان. وتوفي رحمه الله سنة أربع عشرة ومائة على الصحيح. سمع عائشة وأبا هريرة وأسامة بن زيد وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وأبا سعيد الخدري وخلقاً. وكان إماماً سيداً، أسود مفلفل الشعر، من مولدي الجند، فصيحاً علامةً. أنتهت إليه الفتوى بمكة، مع مجاهد. وكان يخضب بالحناء. قال أبو حنيفة: ما رأيت افضل من عطاء. وقال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنةً. قال ابن معين: كان معلم كتاب دهراً. قال ابن سعد: كان أعور. وقال غيره: كان اسود مفلفل الشعر أعور أشل وعمي آخراًز وإياه عني الشاعر حيث قال:
سألت الفتى المكي هل في تزاور ... وضمة مشتاق الفؤاد جناح
فقال معاذ الله أن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بهن جراح
وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء، كانا يأخذان عن كل أحد. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: عطاء حجة بالإجماه، وعاش مائة سنة. قال ابن خلكان: حكى أبو الفتوح العجلي في كتاب مشكلات الوسيط والوجيز في الباب الثالث من كتاب الرهن ما مثاله: وحكي عن عطاء أنه كان يبعث بجواربه إلى ضيفانه. والذي أعتقد، أنا أن هذا بعيد. فإنه لو رأى الحل لكانت المروءة والغيرة تأبي ذلك. فكيف يظن ذلك بمثل هذا السيد الإمام. ولم أذكره إلا لغرابته. وقال ابن خلكان قبل هذا: ونقل اصحابنا أنه كان يرى إباحة وطئ لجواري، بإذن أربابهن.

عقيل بن أبي طالب
أبو يزيد الهاشمي، أخو علي رضي الله عنهما. قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " يا أبا يزيد! إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك " . قدم البصرى، ثم أتى الكوفة، ثم الشام. وتوفي في خلافة معاوية. وله دار بالمدينة مذكورة. وكان قد أخرج إلى بدر مكرهاً ففداه عمه العباس. ثم إنه أتى مسلماً قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة.
وكان أسن من أخيه جعفر بعشر سنين، وجعفر أسن من علي بعشر سنين.
وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامهم، ولكنه كان مبغضاً إليهم. لأنه كان يعد مساويهم. وكانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله صلى لله عليه وسلم، يصلي عليها ويجتمع إليه في علم النسب وأيام العرب. وكان أسرع الناس جواباً، وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك.
وكان الذين يتحاكم إليهم ويوقف عند قولهم في علم النسب أربعة: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزهري، وأبا جهم بن حذيفة العدوي، وحويطب بن عبد العزي. وعقيل أكثرهم ذكراً لثالب قريش. فعادوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل ونسبوه إلى الحمق، واختلفوا عليه أحاديث مزورة. وكان مما أعانهم عليه في ذلك مغاضبته لأخيع علي وخروجه إلى معاوية وإقامته معه. وقال معاوية يوماً بحضرته: هذا أبو يزيد! لولا علمه بأني خير له من أخيه أقام عندنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي. وقد آثرت ديناي وأسأل الله خاتمة خير. ولما التحق عقيل بمعاوية بالغ في إكرامه إرغاماً لعلي. فلما قتل علي واستقل معاوية بالأمر، ثقل عليه أمر عقيل. فكان يسمعه ما يكره، لينصرف عنه. فبينما هو يوماً في مجلس حفل بأعيان الناس من الشاميين إذ قال معاوية: أتعرفون أبا لهب الذي أنزل الله في حقه: " تبت يدي أبي لهب " .
من هو؟ فقال أهل الشام: لا. فقال معاوية: هو عم هذا. وأشار إلى عقيل. فقال عقيل: أتعرفون أرملته التي قال الله في حقها " حمالى الحطب في جيدها حبل من مسد " . من هي؟ فقالوا: لا؟ فقال عقيل هي عمة هذا. وأشار إلى معاوية. وكانت عمته أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي زوجة أبي لهب عبد العزي. وتوفي رضي الله عنه في حدود الخمسين، وقد أضر بصره. وروى له النسائي وابن ماجه.
العلاء بن الحسن

بن وهب بن الموصلايا. أبو سعيد البغدادي. أحد الكتاب المعروفين الذين
يضرب بهم المثل. كان نصرانياً. فلما رسم الخليفة في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وأربعمائة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والتزام ما شرطه عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهربوا كل مهرب، واسلم أبو غالب الأصباغي وابن الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء وابن أخته صاحب الخبر على يد الخليفة. وكان يتولى ديوان الرسائل منذ أيام القائم، وناب في الوزارة. وأضر آخر عمره. وكانت مدة خدمته خمساً وستين سنة كل يوم منها يزيد جاهه وناب في الوزاة. وقد أضر مرات. وكان ابن أخته هبة الله بن الحسن يكتب الإنشاآت عنه. وكان كثير الصدقة والخير. ومولده سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وتوفي سنة سبع وتسعين وأربعمائة ثامن عشر جمادى الأولى. وكان الخليفة قد لقبه أمين الدولة. قال محمد نب عبد الملك الهمذاني: ومن قرأ علم السير، علم أن الخليفة والملوك لم يثقوا بأحد، ثقتهم بأمين الدولة، ولا نصحهم أحد نصحه ومن شعره:
يا هند رقى لفتىً مدنف ... يحسن فيه طلب الأجر
يرعى نجوم الليل حتى يرى ... حل عراها بيد الفجر
ضاق نطاق الصبر عن قلبه ... عند استاع الخرق في الهجر
ومنه:
وكاس كساها الحسن ثوب ملاحة ... فحازت ضياءً مشرقاً يشبه الشمسا
أضاءت له كف المدير وما درى ... وقد دجت الظلماء أصبح أم أمسى
ومنه:
أقول للائمي في حب ليلى ... وقد ساوى نهار منه ليلا
أقل فما اقلت قط أرض ... محباً جر في الهجران ذيلا
ومنه:
بنفسي وإن عزت وأهلي أهلة ... لها غرر في الحسن تبدو وأوضاح
نجوم أعاروا النور للبدر عندما ... أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا
فتتضح الأعذار فيهم إذا بدوا ... ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا
وكرخية عذراء يعذر حبها ... ومن دنها في الدهر تقدح أفراح
إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى ... تقابل إصباح لديك ومصباح
يطوف بها ساق لسوق جماله ... نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح
به عجمة في اللفظ تغرى بوصله ... وإن كان منه في القطيعة إفصاح
وغرته صبح وطرته دجىً ... ومبسمه در وريقته راح
أباح دمي مذ بحت في الحب باسمه ... وبالشجو من قبلي المحبون قد باحوا
وأوعدني بالسوء ظلماً ولم يكن ... لإشكال ما يفضى إلى الضيم إيضاح
وكيف أخاف الضيم أو أحذر الردى ... وعوني على الأيام أبلج وضاح
وظل نظام الملك للكسر جابر ... وللضر مناع وللخير مناح
علوان بن علي
بن مطارد. الأسدي الضرير. سمع منه سلمان الشحام في شهر رمضان سنة ثمان
وعشرين وخمسمائة. ومن شعره في غلام أسود مخطوط:
سواد عيني فدا أسود ... في داخل القلب له نقطه
البدر ما استكمل في حس ... نه حتى اكتسى من لونه خطه
مخطط بالحسن لكنما ... قلبي من الخطة في خطه
علي بن إبراهيم
بن إسمعيل الشرفي. والشرف بفتح الشين المعجمة وفتح الراء بعدها فاء. موضع
بمصر. الفقيه الشافعي الضرير أبو الحسين. روى كتاب المزني عن الصابوني. روى عنه أبو الفتح أحمد بن بابشاذ، وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال. توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وأربعمائة.
علي بن أبي بكر
بن روزبة، راء أول قبل الواو وبعدها زاي وباء موحدة ابن عبد الله أبو
الحسن. البغدادي القلانسي الصوفي. سمع البخاري من أبي الوقت. وحدث ببغداد ورأس العين مرات بالصحيح. وازدحموا عليه ووصلوه بجملة من الذهب. وكان قد عزم على الحضور إلى دمشق، فرد إلى بغداد، فطالبوه بما كانوا أعطوه. فرد البعض وماطل بالباقي. وجاوز السبعين. وأضر آخر عمره. وأجاز لابن الشيرازي وسعد والمطعم وأحمد ابن الشجنة وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
علي بن أبي القاسم

بن أحمد القزويني الشافعي القاضي. الإمام العالم الفاضل الورع التقي
الكبير المعمر. تاج الدين أبو الحسن، نزيل بغداد. كان ديناً متواضعاً إلى الغاية، متودداً مليح الهيئة، حسن الخلق والخلق، تام الشكل، باشاً وقوراً، ذا زهد وعفة وحياء، جم الفضائل. ولي القضاء بالجانب الشرقي من بغداد، نحو خمسين سنة. ودرس بالمدرسة النظامية زماناً إلى أن توفي بعيد ضرره في سنة وأربعين وسبعمائة. كان محبباً إلى الناس والحكام، ولهم فيه اعتقاد عظيم. وعمر له خواجا إمام الدين الافتخاري القزويني حاكم بغداد إذ ذاك مدرسةً بدرب فراشا، شرقي بغداد. أجاد بناءها وتحسينها، وأسكنه إياها، وفوض إليه التدريس بها وولاية أوقافها. وهي معروفة به. وله نظم ونثر وأدب كثير وتصانيف منها: شرح المصابيح. وشرح المقامات الحريرة. وكتاب المحيط بفتاوى أقطار البسيط. وكتاب العجاب مع شرحه، في النحو. وكتاب الإعجاز مع شرحه، في النحو. وكتاب الرغاب مع شرحه، في التصريف وكتاب اللطائف. وغير ذلك. وأجاز له فضلاء عصره، وأولو السند فيه. ومن شعر القاضي تاج الدين القزويني رحمه الله.
علي بن أحمد
ين سيده. أبو الحسن اللغوي الأندلسي المرسي الضرير. كان أبوه أيضا
ً ضريراً. قال ياقوت: هكذا قال الحميدي: علي بن أحمد. وفي كتاب ابن بشكوال: علي بن إسمعيل. وفي كتاب القاضي صاعد الجياني: علي بن محمد في نسخة، وفي نسخة: علي بن إسمعيل، كما قال ابن بشكوال. فاعتمدنا على ما ذكره الحميدي، لان كتابه اشهر. وتوفي أبن سيده بالأندلس سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ستين سنة أو نحوها. روى ابن سيده عن أبيه وعن صالح بن الحسن البغدادي. وكان مع توفره على علوم العربية، متوفراً على علوم الحكمة، وألف فيها تواليف كثيرة. قال أبو عمر الطلمنكي: دخلت مرسية فتشبث بي أهلها ليسمعوا علي الغريب المصنف. فقلت لهم: انظروا من يقرأ، وأنا أمسك كتابي، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده فقرأه من أوله إلى آخره، حفظاً من قلبه. فتعجبت منه. وقال الحميدي: كان ابن سيده منقطعاً إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري. ثم حدثت له نبوة بعد وفاته في أيام إقبال الدولة بن الموفق فهرب منه. ثم قال يستعطفه:
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى ... سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا
ضحيت فهل في برد ظلك نومة ... لذي كبد حري وذي مقلة وسنى
ونضو هموم طلحته ظباته ... فلا غارباً أبقين منه ولامتنا
وهي طويلة. فوقع له الراضي عنه عند وصولها إليه. فرجع. وكان ابن سيده ثقة في اللغة، حجة. لكنه عثر في المحكم عثرات. قال في الجمار التي ترمى بعرفة... وكذلك يهم في النسب. ومن تصانيفه: كتاب المحكم، والمحيط الأعظم في اللغة. وكتاب المخصص، مرتب على الأبواب كالغريب المصنف. كتاب شرح إصلاح المنطق. كتاب الأنيق في شرح الحماسة، كبير إلى الغاية. كتاب العالم والمتعلم، على المسألة والجواب. وكتاب الوافي في علم القوافي. وكتاب شاذ اللغة، في خمس مجلدات. وكتاب شرح كتاب الاخفش. وتوفي رحمه اله تعالى بدانية. وكان يوم الجمعة صحيحاً سوياً إلى صلاة المغرب، فدخل المتوضا وأخرج منه، وقد سقط لسانه، وانقطع كلامه. وبقي على تلك الحالة إلى عصر يوم الأحد ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى.
علي بن أحمد: بن هبل بفتح الهاء والباء ثانية الحروف وبعدها لام البيع، مهذب الدين أبو الحسن البغدادي الطبيب. قرأ الأدب على الشريف الشجري، وسمع من أبي القاسم ابن السمرقندي، ومحمد بن أحمد العاقولي. وقرأ الطب وبرع فيه. وخرج عن بغداد ودخل الروم وصار طبيب السلطان هناك. وكثر ماله وارتفع مقداره. ثم إنه سكن خلاط، ثم الموصل إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة عشر وستمائة. وكان قد بعث من خلاط إلى الموصل بوديعة ستة وثلاثين ألف دينار، لما كان عند شاه أرمن. وأضر في آخر عمره وزمن. وكان الناس يأتونه إلى منزله ويقرؤون عليه. وله مصنفات. منها: كتاب المختار في الطب وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل. وكتاب الطب الجمالي، صنفه لجمال محمد الدين الوزير المعروف بالجواد. ومن شعره:
لقد سبتني غداة الخيف غانية ... قد حازت الحسن في دل لها وصبا

قامت تميس كخوط البان غازله ... مع الأصائل ريحاً شمأل وصبا
يكاد من دقة خصر تدل به ... يشكو إلى ردفها من ثقله وصبا
لو لم يكن أقحواناً ثغر مبسمها ما هام قلبي بحبها هوىً وصبا
علي بن أحمد: بن يوسف بن الخضر. الشيخ الإمام العلامة زين الدين أبو حسن الحنبلي الآمدي العابر. كان شيخاً مليحاً مهيباً صالخاً ثقة صدوقاً كبير القدر والسن. آية عظيمة في تعبير الرؤيا مع مزايا عجيبة. أضر في أوائل عمره.
وله حكايات غريبة. منها أن بعض أصحابه أهدي إليه نصفية حسنة فسرقت من بيته. فرأى شيخه الإمام مجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش المقرئ شيخ القراء ببغداد في النوم وهو يقول له: النصفية أخذها فلان، وأودها عند فلان. اذهب وخذها منه. فلما استيقظ قال في نفسه: الشيخ مجد الدين كان صدوقاً في حياته. وكذلك هو بعد وفاته. فذهب إلى الرجل الذي ذكره له الشيخ مجد الدين، فدق عليه الباب فخرج إليه. فقال: اعطني النصفية التي أودعها فلان عندك. فقال: نعم. ودخل فأخرجها. فقال: اعطني، فأخذها وذهب ولم يقل شيئاً. وجاء السارق بعد ذلك إلى المودع، يطلب النصفية. فقال له: جاء الشيخ زين الدين الآمدي وطلبها على لسانك، فأعطيته إياها. فبهت السارق، وبقي حائراً. ولم يعنفه الشيخ ولا وأخذه.
ومنها أنه قال: رأيت في المنام كأن شخصاً أطعمني دجاجة مطبوخة فأكلت منها ثم استيقظت وبقيتها في يدي وهذا شيء عجيب وهاتان الواقعتان مشهورتان عنه.
ولما دخل السلطان غازان بن السلطان ارغون بن السلطان آباقا بن السلطان هولاكو بن السلطان جنكز خان بغداد سنة خمس وتسعين وستمائة، أعلم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور. فقال. إذا جئت غداً المدرسة المستنصرية، اجتمع به. فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس له واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي، لتلقى السلطان. فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحداً بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ زين الدين، ويوهمه الذين معه انه هو السلطان، امتحاناً له: فجعل الناس، كلما قدم أمير، يزهزهون له ويعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين، ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه من غير تحرك له ولا احتفال به. حتى جاء السلطان غازان في دون من تقدمة من الأأمراء في الحغل وسلم على الشيخ وصافحه فحين وضع يده نهض له قائماً، وقبل يده وأعظم ملتقاه والاحتفال به وأعظم الدعاء له باللسان المغلي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي، ثم بالرومي، ثم بالعربي، ورفع به صوته، إعلاماً للناس. وكان زين المذكور يعرف بألسن عدة فعجب السلطان غازان من فطنته وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع ضرره. ثم إن السلطان خلع عليه في الحال ووهبه مالاً ورسم له بمرتب يجري عليه في كل شهر ثلاثمائة ردهم. وحظي عنده وعند أمرائه ووزرائه وخواتينه كثيراً.

ومن تصانيفه: جواهر التبصير في علم التعبير. وله تعاليق كثيرة في الفقه والخلاف وغير ذلك. وانتفع به جماعة. وكان يتجر في الكتب. وله كتب كثيرة جداً وكان إذا طلب منه كتاب وكان يعلم أنه عنده نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها كأنه قد وضعه لساعته وإن كان الكتاب عدة مجلدات وطلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك أخرجه بعينه وأتى به. وكان يمس الكتاب أولاً ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا كرأسة فيكون الأمر كما قال. وإذا أمر يده على الصفحة قال عدد أسطر هذه الصحيفة كذا وكذا سطراً فيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كتب به في الوجهة فيها بالحمرة هذا وهذا لمواضع كتبت فيها بالحمرة. وإن اتفق أنها كتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هنا إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يمتحن به ويعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء وذلك أنه كان إذا اشترى كتاباً بشيء معلوم أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبد فإذا شذ عن ذهنه كمية ثمن كتاب ما من كتبه مس الموضع الذي علمه في ذلك الكتاب بيده فيعرف ثمنه من تنبيت العدد الملصق فيه. وكان لا يفارق الإشغال والاشتغال أبداً وعنده تودد عظيم في حاله وتؤدة تامة في سائر أموره وحركاته وللناس والحكام والرؤساء عليه إقبال عظيم لخيره وفضله وورعه ودينه وعلمه ونزاهته ومروته وتوفي رحمه الله تعالى بعد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. بقليل والله سبحانه وتعالى أعلم علي بن أسامة: أبو الحسن. العلوي الواسطي الضرير الشاعر. قدم بغداد ومدح الوزير أبا الفرج محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء. ومن شعره فيه:
يا عضد الدين يا محمد يا ... من صان ملكاً وشيد الأمرا
بشرت بالسعد ما أتى بشر ... إليك إلا أوسعته بشرا
طويت عرضاً مطهراً بك إن ... فض نشقنا من نشره نشرا
عمرت يا عامر البلاد لقد ... فضلت زيداً وقبله عمرا
علي بن إسمعيل: بن إبراهيم بن جبارة. القاضي الرئيس شرف الدين أبو الحسن الكندي التجيبي السخاوي، المولد المحلي الدار، النحوي المالكي العدل. حدث عن السلفي. وسمع من ابن عوف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأبي طالب أحمد بن المسلم التنوخي والشريف أبي علي محمد بن اسعد الجواني وغيرهم. مولده سنة أربع وخمسين وخمسمائة تقريباً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. كف بصره. آخر عمره ولزم دار. وكان يزعم أنه من ولد عبد الرحمن بن الأشعث. ومن شعره:
خاطر بها إما ردىً أو ورود ... فهذه نجد وهذا زرود
قد حكم البين بإسراعها ... والوجد والدمع عليها شهود
قلائص تحمل أكوارها ... اشباح عليها همود
وله كتاب نظم الدر في نقد الشعر، قصره على مؤاخذات ابن سنا الملك. وأجاد في بعضها وتعنت تعنتاً زائداً في بعضها. ومن شعره:
ما للنصيحة في الغرام بذلتها ... يا عاذلي وجسرت حتى قلتها
أو ما علمت وما تريد زيادة ... أن النصيحة في الهوى لا تشتهى
نهنهت دمعي عن ثراه فما هدى ... ونهيت قلبي عن هواه فما انتهى
أو لم تخف لهف الزفير بمهجتي ... أسرارها إذا أودعتك أذعتها
علي بن جبلة: بن مسلم بن عبد الرحمن المعروف بالعكوك بعين مهملة وكافين وبينهما واو مشددة. أبو الحسن الخراساني. أحد فحول الشعراء. كان أسود ابرص، وولد أعمى. والعكوك السمين القصير. قال الجاحظ: كان أحسن خلق الله إنشاداً. ما رأيت مثله بدوياً ولا حضرياً. وهو من الموالي. ولد ببغداد سنة ستين ومائة. وتوفي رحمه الله سنة ثلاث عشرة ومائتين. ومن شعره في أبي دلف قصيدته المشهورة وأولها:
ذاد ورد الغي عن صدره ... فارعوى واللهو من وطره
يقول منها في المديح:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره

مستعير منك مكرمةً ... يكتسيها يوم مفتخره
وهي ثمانية وخمسون بيتاً. قال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله تعالى: سئل شرف الدين بن عنين عن هذه القصيدة وقصيدة أبي نواس الموازنة التي أولها
أيها المنتاب من عفره ... لست من ليلى ولا سمره
فلم يفضل أحداهما على الأخرى. وقال: ما يصلح يفضل بين هاتين إلا شخص يكون في درجة هذين الشاعرين. ثم أن العكوك مدح حميد بن عبد الحميد الطوسي فقال له: ما عسى أن تقول فينا، وما أبقيت لنا بعد قولك في أبي دلف: إنما الدنيا أبو دلف. وأنشد البيتن. فقال أصلح الله الأمير قد قلت ما هو أحسن من ذلك: فقال: ما هو. فأنشد
إنما الدنيا حميد ... وأياديه الجسام
فإذا ولي حميد ... فعلى الدنيا السلام
فتبسم، ولم يحر جواباً. فاجمع من حضر المجلس من أهل العلم بالشعر أن هذا أحسن مما قاله في أبي دلف. فأعطاه وأحسن جائزته. قال ابن المعتز في طبقات الشعراء: لما بلغ المأمون خبر هذه القصيدة غضب غضباً شديداً وقال اطلبوه حيث ما كان. فطلب فلم يقدر علي، لأنه كان مقيماً بالجبل وهرب إلى الجزيرة الفرانية. فكتب إلى الآفاق بأخذه حيث كان فهرب إلى الشامات فظفروا به فحمل مقيداً إليه. فلما صار بين يديه قال له يا ابن اللخناء أنت القائل في قصيدتك للقاسم بن عيسى. كل من في الأرض من عرب. وأنشد البيتين. جعلتنا ممن يتسعير المكارم منه ويفتخر به قال يا أمير المؤمنين: أنتم أهل بيت لا يقاس بكم لأن الله أختصكم لنفسه على عباده وآتاكم الكتاب والحكم وأنالكم ملكاً عظيماً: وإنما ذهبت في قولي إلى الأقران والأشكال من هذا الناس. فقال: والله ما أبقيت أحداً. ولقد أدخلتنا في الكل وما أستحل دمك بكلمتك هذه. ولكن بكفرك في شعرك حيث قلت في عبد ذليل مهين فأشركت بالله العظيم وجعلت معه ملكاً قادراً. وهو قولك:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
ذاك الله عز وجل يفعله أخرجوا لسانه من قفاه. فأخرجوه فمات من وقته: قلت وبعد هذين البيتين قوله:
تزور سخطاً فتمسي البيض راضيةً ... وتستهل فتبكي أعين المال
وأما قوله في أبي دلف فإنه أحسن من قوله في حميد الطوسي عند من له ذوق، لا سيما قوله: ولت الدنيا على أثره. وأخبار العكوك في الأغاني كثيرة.
علي بن الحسن: بن يوسف. الشيخ الإمام العلامة موفق الدين. أبو الحسن ابن الصياد البغدادي الحنبلي. أحد معيدي الحنابلة بالمدرسة السمتنصرية. كان من أعيان العدول ببغداد. وأضر قبل وفاته بمدة.
كان شيخاً بهياً عفيفاً صالحاً مباركاً عالماً عاملاً فاضلاً. سمع الأربعين الطائية على ابن الليثي عن مصنفها. وتوفي رحمه الله تعالى بناحية الراذان في شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة. وإجازاته عالية. وأجاز لجماعة من الفضلاء ببغداد وغيرهم.
علي بن الحسين: بن علي الضرير. أبو الحسن النحوي الباقولي. المعروف بالجامع. ذكره أبو الحسن البيهقي في كتاب الوشاح فقال: هو في النحو والإعراب كعبة، لها أفاضل العصر سدنة، والفضل بعد خفائه إسوة حسنة. وقد بعث إلى خراسان ببيت الفرزدق المشهور في شهور سنة خمسون وثلاثين وخمسمائة وهو:
وليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفاً أميرها
وكتب كل فاضل من أفاضل خراسان لهذا البيت شرحاً. وهذا الإمام استدرك علي أبي الحسن النسوي وعبد القاهر وله هذه الرتبة. ومن شعره:
أخبب النحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشرف
إنما النحوي في مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السدف
يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدرة من جوف الصدف
وله من التصانيف: شرح اللمع. كتاب كشف المعضلات، وإيضاح علل القراآت. وكتاب الجواهر. وكتاب المجمل. وكتاب الاستدراك، علي أبي علي. وكتاب البيان، وفي شواهد القرآن.

علي بن الخطاب: بن مقلد أبو الحسن الفقيه الشافعي المحدثي بسكون الحاء المهملة. من وسواد واسط المقرئ الضرير. كان بارعاً في المذهب والخلاف. ودرس وأعاد وأفاد. وكان يقرأ في شهر رمضان تسعين ختمةً، وفي باقي السنة كل يوم ختمة. وكان قيماً بعلم العربية. أقبلت الدنيا عليه آخر عمره، وجالس المستنصر بالله، فأقام عنده نحو خمسة أشهر لتعليم بعض الجواري القرآن. ووصله بأنعام كثير. ثم أصابه فالج يومين ومات رحمه الله تعالى سنة ست وعشرين وستمائة. وكان قد قرأ علي أبي بكر عبد الله بن منصور الباقلاني، وسمع من أبي طالب محمد بن علي بن الكناني، وأبي العباس بن الجلخت، وغيرهما. وقرأ المذهب والخلاف والأصول على أبي القاسم بن فضلان، وأبي علي بن الربيع.
علي بن زيد بن جدعان: هو ابن زيد بن أبي مليكة. أبو الحسن القرشي التيمي البصري الضرير. أحد أوعية العلم في زمانه. روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وأبي عثمان النهدي وجماعة. ولد أعمى، ولما مات الحسن، قالوا له: اجلس موضعه. قال حماد بن زيد: سمعت الجريري يقول: اصبح فقهاء البصرة عمياناً ثلاثةً: قتادة. وعلي بن زيد. وأشعث الحداني. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أحمد: ضعيف الحديث. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، لسوء حفظه. وقال النسائي: ضعيف. وقال الترمذي: صدوق. وقال خليفة: مات في الطاعون. وقال مطين. سنة تسع وثلاثين ومائة، وقيل سنة إحدى وثلاثين ومائة. وكان يقلب الأحاديث وهو شيعي. وروى له مسلم مقروناً. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
علي بن زيد: بن علي بن مفرج. أبو الرضا الجذامي السعدي التسارسي بتاء ثالث الحروف وسينين مهملتين بينهما ألف وراء. وتسارس قرية من بلاد برقة ثم الاسكندراني المالكي الخياط الضرير. ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وستمائة أو ما بعد الثلاثين. سمع من السلفي. وقدم دمشق شاباً. كان شاعراً فاضلاً حسن السمت. وروى عنه جماعة. ومن شعره.
علي بن شجاع: بن سالم بن علي بن موسى بن حسان بن طوق بن سند بن علي بن الفضل بن علي. الشيخ كمال الدين. أبو الحسن بن أبي الفوارس الهاشمي العباس المقرئ الشافعي الضرير. مسند الآفاق في القراآت. فإنه قرأ السبع لكل رواة الأئمة سوى رواية الليث عن الكسائي وجامعاً لهم إلى سورة الأحقاف، على حمية الإمام الشاطبي، تزوج بعد الشاطبي بابنته وسمع الشاطبية وصحهها دروساً، على الشاطبي. وروى بالإجازة العامة عن السلفي. وكان أحد الأئمة المشاركين في فنون العلم. وقرأ عليه جماعة كبيرة منهم: الدمياطي، وبرهان الدين إبراهيم الوزير، والشيخ نصر المنبجي. وروى عنه الدواداري. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وستين وستمائة.
علي بن عبد الله: بن عبد الجبار بن يوسف. أبو الحسن الشاذلي بالشين والذال المعجميتن وبينهما ألف وفي الآخر لام. وشاذلة قرية بأفريقية. المغربي. الزاهد، نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب في بعض مصنفاته إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: بعد يوسف المذكورين يوشع بن برد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الشيخ شمس الدين الذهبي. هذا نسب مجهول لا يصح ولا يثبت وكان الأولى به تركه وترك كثير مما قاله في تآليفه من الحقيقة. وهو رجل، كبير القدر. كثير الكلام. عالي المقام. له نظم ونثر، فيه متشابهات وعبارات. يتكلف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عماد الدين قد فتر عنه في الآخر، وبقي واقفاً في هذه العبارات حائراً في الرجل. لأنه كان قد تصوف على طريقته. وصحب الشيخ نجم الدين الأصفهاني نزيل الحرم، ونجم الدين صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي. وكان الشاذلي ضريراً. وحج مرات. وتوفي رحمه الله تعالى بصحراء عيذاب، قاصد الحج. فدفن هناك في أول ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة. والشيخ تقي الدين ابن تيمية مصنف في الرد على ما قاله الشاذلي في حزبه.

علي بن عبد الغني: أبو الحسن الفهري. المقرئ الحصري بالحاء والصاد المهملتين. الشاعر الضرير. اقرأ الناس بسبتة وغيرها. له قصيدة مائتا بيت نظمها في قراءة نافع، وتوفي رحمه الله تعالى سنة و ثمان وثمانين وأربعمائة. قال ابن خلكان هو ابن خالة أبي إسحاق إبراهيم الحصري صاحب زهر الآداب، بعث. المعتمد بن عباد إلى أبي العرب مصعب بن محمد بن صالح الزبيري الصقلي الشاعر خمسمائة دينار وإلى أبي الحسن الحصري بمثلها. وأمرهما بالمصير إليه، فكتب إليه أبو العرب:
لا تعجبن لرأسي كيف شاب اسىً ... وأعجب لاسود عيني كيف لم يشب
البحر للروم لا تجري السفين به ... إلا على غرر والبر للعرب
وكتب إليه الحصري.
أمرتني بركوب البحر أقطعه ... غيري لك الخير فاخصصه بذا الداء
ما أنت نوح فتنجيني سفينته ... ولا المسيح أنا أمشي على الماء
ومن شعره:
أقول له وقد حيي بكاس ... لها من مسك ريقته ختام
أمن خديك تعصر قال كلا ... متى عصرت من الورد المدام
ومنه القصيدة المشهورة التي أولها:
يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرقه ... أسف للبين يردده
علي بن عساكر: بن المرجب بن العوام. أبو الحسن البطائحي الضرير المقرئ من قرية المحمدية. قدم بغداد صغيراً واستوطنها إلى أن توفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، قرأ بها القرآن على أبي العز محمد بن الحسين القلانسي والحسين الدباس ومحمد بن الحسين المزرفي وسبط أبو منصور الخياط وغيرهم. وقرأ الأدب على الشريف عمر بن إبراهيم الزيدي الكوفي. وسمع الكثير من أحمد بن عبد الجبار الصيرفي. وعبد القادر بن محمد بن يوسف ومحمد بن أبي يعلي ابن الفراء وأحمد بن الحسن ابن البناء وغيرهم. وحدث، وأقرا الناس، وصنف في القرآن عدة مفردات. وكان إماماً كبيراً في القراآت ووجوهها وعللها وطرقها، وحسن الاتقان والأداء والثقة والصدق.
وكان يعرف النحو جيداً. وروى عنه ابن الأخضر وأبو العباس البندنيجي، وداود بن معمر القرشي.
علي بن علي: بن جعفر بن شيران. أبو القاسم الضرير المقرئ الواسطي. قرا القراآت بالعشر على أبي علي الحسن بن القاسم غلام الهراس. وكان مقرئاً، مجوداً موصوفاً بالصدق والتحقيق. قرأ عليه جماعة. وسمع من الحسن بن أحمد الغندجاني، وأبي نعيم الجماري، وأبي الفتح بن مختار النحوي، وغيرهم. ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
علي بن عمر بن أبي بكر: الشيخ الصالح المعمر المسند. أبو الحسن نور الدين المصري الصوفي الواني الأصل. ولد تقريباً سنة خمس وثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وسمع من ابن رواج أربعين الثقفي. ومن السبط أربعين السلفي. وجزأ ابن عيينة، والسابع من أمالي المحاملي، والعاشر من الثقفيات. وسمع صحيح مسلم من المرسي والبكري. وحدث به خمس مرات. وسمع من يوسف الساوي. وتفرد. وألحق الصغار بالكبار. وأضر بأخرة ثم عولج فابصر. وكان شخصاً صالحاً سهل القياد. أكثر المصريون وغيرهم عنه.
علي بن محمد: بن إبراهيم بن عبد الله القهندزي بالقاف والهاء والنون والدال المهملة والزاي. أبو الحسن الضرير النحوي الأديب النيسابوري. كان شيخاً فاضلاً. سمع من أبي العباس المناسكي المحاملي وغيره. وقرأ عليه الأئمة وتخر جوابه. قرأ عليه مثل الواحدي. وقال الواحدي: كان من أبرع أهل زمانه. وذكره عبد الغافر في السياق.

علي بن محمد: بن الحسين بن محمد بن أبي الفضل. هو الوزير أبو الفتح بن العميد. كان والده وزيراً كبيراً مشهوراً. ووزر أبيه أبي الفضل لركن الدولة. وكان عمره اثنتين وعشرين سنة. وكان ذكياً متوقداً أديباً متوسطاً. وله نظم ونثر. لكنه ولد نعمة شديد العجب والدالة. وحمل النفس على ما تدعوه إليه الحداثة. فسد رأي عضد الدولة فيه. فلما توفي ركن الدولة وسار مؤيد الدولة من أصبهان إلى الري، استصحب معه الصاحب بن عباد، كاتبه، وأقرأ أبا الفتح ابن العميد على جهاته، ورتبه في منزلته وقدمه ومكنه. فاستمر على عادته في الإدلال والاستبداد والمضي على وجهه في كل الأحوال. فاستوحش منه مؤيد الدولة وترددت بينه وبين عضد الدولة مكاتبات ومراسلات في شأنه. فقبض عليه مؤيد الدولة في شهر ربيع الأول سنة ست وستين وثلاثمائة. وحبسه وعذبه وسمل عينيه وجدع انفه وجز لحيته. ففتق جيب جبته وأخرج منها رقعةً تشتمل على ودائع أمواله وذخائره فألقاها في النار. وقال للموكل به: إصنع ما شئت، فوالله لا يصل إليكم من أموالي المستورة حبة واحدة. فما زال يعذبه بعد ذلك إلى أن مات رحمه الله تعالى. ووجد بعد موته، على حائط محبسه من نظمه:
ملك شد لي عرى الميثاق ... بأمان قد سار في الآفاق
لم يحل رأيه ولكن دهري ... حال عن رأيه فشد وثاقي
فقرى الوحش من عظامي ولحمي ... وسقى الأرض من دمي المهراق
فعلى من تركته من قريب ... وبعيد تحية المشتاق
وكان قد جرى في بعض الأيام في مجلس أبيه قول الشاعر:
لئن كففت وإلا ... شققت منك ثيابي
فأصغى أبو الفتح، وقال في الوقت:
يا مولعاً بعذابي ... أما رحمت شبابي
تركت قلبي تيهاً ... نهب الأسى والتصابي
إن كنت تنكر ما بي ... من ذلتي واكتآبي
فارفع قليلاً قليلاً ... عن العظام ثيابي
ومن شعره:
مازلت في سكري ألمع كفها ... وذراعها بالقرص والآثار
حتى تركت أديمها وكأنما ... غرس البنفسج فيه بالجمار
قال الثعالبي: كنت يوماً عند أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحر، فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فلم أفطن لما أراده. فلما كان بعد قليل، أتى من استدعاني إلى مجلس أبيه، فلما مثلت بين يديه تبسم، وقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهت من جهة والده من يطالعه بأخباره، فكتب إلى أبيه في تلك الساعة بتلك. اللفظة، وكتب إلى والده: أنه كتب الليلة إلى فلان يستدعي منه بشراب ونقل ومشموم. فدس أبوه إلى ذلك الرجل من يأتيه بنفس الورقة التي بخط ابنه. فأتاه بها. فإذا فيها بعد البسملة: قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاء سيدي ومولاي رقدةً من عين الدهر، وانتهزت فيها فرصةً من فرص العمر، وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام عدنا كبنات نعش والسلام، فاستطير: أبوه فرحاً وعجاباً بهذه الرقعة، وقال: الآن ظهر لي أثر براعته، ووقع له بألفي دينار، وانشد وهو في آخر حاله في الحبس:
راعوا قليلاً فليس الدهر عبدكم ... كما تظنون فالأيام تنتقل
علي بن محمد: بن خلف. الإمام أبو الحسن المعافري القروي القابسي المالكي. عالم إفريقية سمع وحدث، وكان حافظاً للحديث وعلله ورجاله، فقيهاً أصولياً متكلماً مصنفاً صالحاً متقناً، وكان أعمى لا يرى شيئاً. وألف تآليف بديعةً. وسمي القابسي، لأن عمه كان يشد عمته قابسيةً. وتوفي رحمه الله تعالى. سنة ثلاث وأربعمائة. ورثاه الشعراء وضربت الأخبية على قبره. ومولده سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. رحل إلى المشرق. وسمع البخاري بمكة من أبي زيد ورجع إلى القيروان، قال: أبو بكر الصقلي، قال: أبو الحسن القابسي. كذب علي وعليك فسموني القابسي وما أنا قابسياً، وإلا فأنا قيرواني وأنت. دخل أبوك مسافراً إلى صقلية فنسب إليها وأول جلوسه للمناظرة بأثر موت أبي محمد، قال:
لعمر أبيك ما نسب المعلي ... لمكرمة وفي الدنيا كريم
ولكن الرياض إذا اقشعرت ... وصوح نبتهار عي الهشيم

ثم بكى أبكى الناس، وقال. أنا الهشيم ثلاثاً. والله! لو أن في الدنيا خضراء ما دعيت أنا، وشيخه المذكور. هو أبو محمد عبد الله بن أبي هاشم التجيبي، وسمع شخصاً يقول في مجلسه ما قصر المتنبي في قوله:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
فقال: يا مسكين أين أنت عن قوله تعالى " لا تبديل لخلق الله " . ومن تصانيفه الممهد في الفقه وأحكام الديانات. والمنقذ من شبه التأويل. والمنبه للفطن، نمن غوائل الفتن. وملخص الموطا. والمناسك والاعتقادات.
علي بن محمد: بن علي أبو الحسن الأزجي الضرير المفسر، كان: عالماً بتفسير القرآن. وقد صنف فيه كتاباً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وأربعين وأربعمائة.
علي بن محمد: الدرزبيني نسبةً إلى الدرزبينية وهي قرية من قرى نهر عيسى من أعمال بغداد، وهي بدال مهملة وراء ساكنة وزاي وبعدها باء ثانية الحروف وياء آخر الحروف ونون وياء أخرى مشددة وهاء. أبو الحسن المقري الضرير. سكن بغداد وقرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عساكر بن المرجب البطائحي. وكان حسن القراءة والتلاوة يدخل دار الخلافة ويقرأ بها ويؤم في مسجد الحدادين. وسمع الحديث. وتوفي رحمه الله تعالى في نصف شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ودفن بباب حرب.
علي بن مسهر: أبو الحسن القرشي مولاهم. الحافظ قاضي الموصل. وهو أخو عبد الرحمن قاضي جبل. كان ثقةً جمع الفقه والحديث. وولى قضاء إرمينية. فلما قدمها اشتكى عينه. فقال قاض كان قبله للكحال: اكحله بما يذهب عينه حتى أعطيك مالاً. فكحله. فذهبت عينه فرجع إلى الكوفة أعمى. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
علي بن المظفر: بن بدر. أبو الحسن الشافعي الضرير. المعروف بابن الخلوفي. من أهل البندنيجين. سمع بالبصرة عبد الأعلى بن أحمد بن عبد الله بن مالك البجلي والحسين بن محمد بن بكر الوراق وعلي بن وصيف القطان، وغيرهم. وقرأ بعسكر على أبي أحمد العسكري. وروى عنه الخطيب أبو بكر وغيره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
علي بن مقلد: هو علاء الدين حاجب العرب أيام المرحوم سيف الدين تنكز. كان أسمر طوالاً، يتحنك بعمامته ويتقلد بسيفه على عاتقه. زي العرب. قدمه الأمير وأهله لهذه الوظيفة وصار عنده مكيناً. حكي لي من لفظه، قال: توجهت إلى الرحبة في شغل فعدت وقد حصل لي ثمانية عشر ألف درهم. أو قال خمسة عشر ألف درهم من العربان، وكان الأمير في آخر الأمر قد سأل عنه من ناصر الدين الدوادار. فقال: له هذا علي بن مقلد ما يعجبني حاله وربما إنه يشرب الخمر، فقال له: ما أعلم أنه يشرب ولا يقدر يفعل ذلك وحاجه فيه مرات وكان حمزة التركماني يحط عليه فخرج ذلك الوقت وهو متمكن عند الأمير، فقال: لوالي دمشق أريد أن تكبس الليلة ابن مقلد فكبسه في تلك الليلة وعنده جماعة نسوة ومعهن الحرفاء، فلما اصبح دخل حمزة إلى الأمير وعرفه الصورة فأحضر ناصر الدين الدوادار ووبخه وعنفه وكان ذلك سبب الانحراف عنه وأحضر ابن مقلد قدامه وضربه بالمقارع ضرباً شديداً مبرحاً وكحله وقطع لسانه في الاعتقال لأنه تكلم بما لا يليق وأحضر لسانه إليه على ورقة فأقام معتقلاً في قلعة دمشق مدة يسيرةً. وتوفي رحمه الله وسامحه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بعدما سلبه الله تعالى نعمةً عظيمةً.
عمر بن ثابت: أبو القاسم الثمانيني وثماني قرية، وقيل بليدة صغيرة بجزيرة ابن عمر بأرض الموصل نزلها الثمانون الذين كانوا في سفينة نوح عليه السلام، وهي أول بلدة بنيت بعد الطوفان. هو النحوي الضرير. كان إماماً فاضلاً كاملاً أديباً. أخذ عن ابن جني وكان خواص الناس في ذلك الوقت يقرؤون على ابن برهان والعوام يقرؤون على الثمانيني. روى ابن جني اللمع والتصريف. وروى عنه الشريف يحيى بن طباطبا وإسمعيل بن المؤمل الأسكافي، ومحمد بن عقيل بن عبد الواحد الكاتب الدسكري، وصنف شرح اللمع. وكتاب المقيد في النحو. وشرح التصريف الملوكي. وتوفي رحمه الله تعالى اثنتين وأربعين وأربعمائة.

عمر بن علي: بن البدوخ. أبو جعفر القلعي المغربي. كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المركبة والمفردة. وله حسن نظر في الإطلاع على الأمراض ومداواتها، وأقام بدمشق سنين كثيرةً. وكانت له دكان عطر باللبادين يجلس فيها يبيع ويداوي الناس وكانت له عناية بالكتب الكبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها. وله حواش على كتاب القانون لابن سينا. وشرح الفصول لأبقراط أرجوزة. وشرح كتاب تقدمة المعرفة رجوزة. وكتاب ذخيرة الألباء في الباءة. وعمر عمراً طويلاً. وكان يحمل إلى دكانه في محفة لما ضعف عن الحركة. وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه لأنه كان يغتذي باللبن كثيراً يقصد بذلك ترطيب بدنه. وتوفي بدمشق سنة ست أو خمس وسبعين وخمسمائة. وله قصيدة في ذكر الموت والمعاد منها.
يا رب سهل لي الخيرات أفعلها ... مع الأنام بموجودي وإمكاني
فالقبر باب إلى دار البقاء فمن ... للخير يغرس أثمار المنى جان
وخير أنس الفتى تقوى تصاحبه ... والخير يفعله مع كل إنسان
يا ذا الجلالة والإكرام يا أملي ... إختتم بخير وتوحيد وإيمان
إن كان مولاي لا يرجوك ذو زلل ... بل من أطاعك من للمذنب الجاني
عمر بن ميمون: من بحر بن الرماح. أبو علي الفقيه قاضي بلخ. ولي قضاء بلخ نحواً من عشرين سنة. وكان فيها محموداً وهو مذكور بالحلم والعلم والصلاح. واضر في آخر عمره، وقال: أبو داود ثقة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وسبعين ومائة.
عمرو بن قيس: بن زائدة بن الأصم القرشي العامري. هو إبن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عاتكة بن عامر بن مخزوم. واختلف في اسمه، فقيل عبد اله، وقيل عمرو. وهو الأكثر. وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها أخو أمها، وكان ممن قدم المدينة مع مصعب بن عمير قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: قدمها بعد بدر بيسير. واستخلفه رسول الله صلى اله عليه وسلم على المدينة في غزواته ثلاث عشرة مرةً. واستخلفه في خروجه إلى حجة الوداع وشهد القادسية ومعه اللواء يومئذ وقتل بها شهيداً، وقال الواقدي: رجع إلى المدينة ومات بها سنة خمس عشرة. وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقد ذكرت سبب نزول قوله تعالى " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " . في مقدمات هذا الكتاب.
عمرو بن مرة: المرادي الجملي. أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام. وكان ضريراً سمع ابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب ومرة الطبيب وأبا وائل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وأبا وزاذان وطائفة، قال: عبد الرحمن بن مهدي هو من حفاظ الكوفة، ويقال إنه دخل في شيء من الإرجاء وهو مجمع على ثقته وإمامته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست عشرة ومائة. والجملي بفتح الجيم والميم كذا وجدته مقيداً. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
عمير بن عدي: الخطمي. إمام بن خطمة وقارئهم الأعمى. روى عنه عدي بن عمير، قال ابن عبد البر: فإن كان الذي روى عنه زيد بن إسحق فهو الذي قتل أخته لشتمها رسول الله صلى اله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى اله عليه وسلم أبعدها الله. قال وهما عندي واحد. قال ابن الدباغ: شهد أحداً وما بعدها وكان ضعيف البصر وقد حفظ طائفةً من القرآن فسمي القارئ. هذا قول بن القداح. وأما الواقدي وأهل المغازي فيقولون لمشهد أحداً ولا الخندق لضرر بصره، ولكنه قديم الإسلام صحيح النية، وكان هو وخزيمة بن ثابت يكسران أصنام بني خطمة وعمير قتل عصماء بنت مروان كانت تحض على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوجاها عمير بسكين تحت ثديها فقتلها، ثم أتى رسول الله صلى اله عليه وسلم فاخبره، وقال: إني لأتقي تبعة إخوتها، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخفهم. وقيل، قال: لا ينتطح فيها عنزان. وهو أول من اسلم من بني خطمة.

عوانة بن الحكم: بن عوانة بن عياض. ينتهي إلى عامر بن النعمان الكوفي الأخباري المشهور. يروى عن طائفة من التابعين عالم بالشعر وأيام الناس. قل أن روى حديثاً مسنداً ولهذا لم يذكر بجرح ولا تعديل. الظاهر أنه صدوق. وكان يكنى أبا الحكم وهو ضرير. توفي رحمه الله تعالى ثمان وخمسين ومائة. قال أبو عبيدة في كتاب المثالب. يقال في الحكم بن عوانة. إن أباه كان عبداً خياطاً ادعى بعدما احتلم وكانت أمه أمةً سوداء لآل ايمن بن خريم بن فاتك الأسدي وله أخوة موالي، قال: في ذلك ذو الرمة.
الكني فإني مرسل برسالة ... إلى حكم من غير حب ولا قرب
فلو كنت من كلب صميم هجوتها ... ولكن لعمري لا إخالك من كلب
ولكنني أخبرت أنك ملصق ... كما ألصقت من غيره ثلمة القعب
تهدى فخرت ثلمة من صحيحه ... فلز بأخرى بالغراء وبالشعب
قال الهيثم بن عدي: كنت عند عبد الله بن عياش وعنده عوانة بن الحكم فذكروا أمر النساء. فقلت: حدثني ابن الظلمة عن أمه أنها قالت: والله ما أتى النساء مثل أعمى عفيف فضرب عوانه بيده على فخذي وقال لي: حفظك الله يا أبا عبد الرحمن فإنك تحفظ غريب الحديث وحسنه. وعامة أخبار المدائني عن أبي الحكم عوانة. ويروى عن اعبد الله بن المعتز عن الحسن عليك العنزي. أن عوانة بن الحكم كان عثمانياً. وكان يضع الأخبار لبني أمية.
عيسى بن شعيب: أبو الفضل الضرير النحوي. توفي في حدود المائتين. روى عن سعيد بن أبي عروبة وأبي حرة واصل وروح بن القاسم. وروى عنه عمر الفلاس ومحمد بن المثنى وعباس بن يزيد البحراني ومحمد بن موسى الحرسي. وآخرون. وصدقه الفلاس.
عيسى بن يوسف: بن أحمد تقي الدين العراقي الغرافي بالغين المعجمة والفاء وبينهما راء مشددة. الأعمى. قال أبو شامة كان ضريراً عفيفاً فقهياً شافعياً مدرساً بالمدرسة الأمينية خارج باب الجامع القبلي. وكان يسكن في أحد بيوت منارة الجامع العربية. وكان ابلتى بأخذ مال له من بيته، واتهم به شخصاً كان يقرا عليه، ويطلع معه إلى البيت يقضي حاجته، ويقوده من المدرسة إلى البيت، ومن البيت إلى المدرسة، فأنكر الشخص المتهم ذلك. وتعصب له أقوام عند الوالي ووقع الناس في عرضه، من اتهامه من ليس من أهل التهم. ومن كونه جمع ذلك المال، وهو وحيد غريب. ونسبوه إلى أنه غير صادق فيما ادعاه. فزاد عليه الهم، فشنق نفسه. قال: وقد وقع مثل هذا لجماعة وفعلوا فعله. بلغني، أن جماعة من الفقهاء. امتنعوا من الصلاة عليه. فتقدم شيخنا فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن عساكر فصلى عليه، فاقتدى به الناس. وذلك في سنة اثنتين وستمائة. ودرس بعده بالأمينية، الجمال المصري وكيل بيت المال.
عيسى: طبيب القاهر. كان القاهر يركن إليه ويفضي له بأسراره. ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين. توفي ببغداد، وقد كف بصره، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.

حرف الغين
غازي
القاضي شهاب الدين الحلبي الكاتب. المعروف بابن الواسطي. ولد بحلب، وخدم بديوان الاستيفاء نائباً. ثم خدم كاتب الجيش. وتوجه إلى مصر، وخدم بها في جهات. وعاد إلى حلب مستوفياً في الدولة الظاهرية بيبرس. وصرف وعاد إلى مصر، ورتب بديوان الإنشاء. وكان يكتب خطاً حسناً. رأيت بخطه نسخة المثل السائر في غاية الحسن، ثم ولي نظر الصحبة في الأيام المنصورية. ورافق الأمير بدر الدين بكتوت الأقرعي، سنة اثنتين وثمانين وستمائة. والأقرعي مشد الصحبة وصادرا الناس وعاقباهم، ووصل أذاهما إلى القضاة. ثم إنه تولى نظر حلب في الدولة الناصرية إلى سنة اثنتين وسبعمائة. وصرف . ثم ولي نظر الدواوين بدمشق، ثم صرف. وأعيد إلى حلب وقد ضعف نظره جداً. وتوفي بها سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. وكان عنده فضيلة وله تصانيف وشعر. ومن شعره:
غياث بن فارس
بن مكي. أبو الجود. اللخمي المصري المقرئ. الأستاذ النحوي العروضي الضرير. شيخ الديار المصرية. ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وتصدر للإقراء مدة زمانيةً. وسمع كثيراً وروى. وتوفي سنة خمس وستمائة.
حرف الفاء
الفرج بن عمر

بن الحسن بن احمد بن عبد الكريم بن زيدان. أبو الفتح الضرير المقرئ
الواسطي. قرأ القرآن بواسط على علي بن منصور الشعيري في سنة ست وسبعين وثلاثمائة عن يوسف بن يعقوب عن العليمي وعلي أبي أحمد عمر بن عبد اله بن شوذب المقرئ، وغيرهما. وقرأ القرآن ببغداد على أبي طاهر صالح بن محمد بن المبارك المؤدب صاحب أبي بكر بن مجاهد. وأقرا الناس ببغداد. ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين وأربعمائة.
الفضل بن جعفر
بن الفضل بن يونس. أبو علي النخعي. الشاعر المعروف بالبصير. كان من أهل
الكوفة وسكن بغداد. وكان قدم من سر من رأى، أول خلافة المعتصم. ومدحه، ومدح جماعةً من قواده، ومدح المتوكل، والفتح بن خاقان. وكان يتشيع تشيعاً فيه بعض الغلو. وله في ذلك أشعار. وكان أعمى. وإنما لقب البصير على العادة في التفاؤل. وقيل: إنما لقب بذلك لأنه كان يجتمع مع إخوانه على النبيذ، فيقوم من صدر المجلس يريد البول، فيتخطى الزجاج وكلما في المجلس من آلة، ويعود إلى مكانه، ولم يؤخذ بيده. وبقي إلى أيام المعتز. وقيل توفي سنة الفتنة. وقيل توفي رحمه الله بعد الصلح. وتغير عقله قبل موته بقليل من سوداء عرضت له، ولم تزل إلى أن مات. وربما ثاب إليه عقله في بعض الأوقات. وفي ذلك يقول:
خبا مصباح عقل أبي علي ... وكانت تستضيء به العقول
إذا الإنسان مات الفهم منه ... فإن الموت بالباقي كفيل
ومن شعره:
إن أرم شامخاً من العز أدركه ... بذرع رحب وباع طويل
وإذا نابني من الأمر مكر ... وه تلقيته بصبر جميل
ما ذممت المقام في بلد يو ... ماً فعاتبته بغير الرحيل
الفضل بن الحباب
بن محمد بن شعيب بن صخر. أبو خليفة الجمحي. هو ابن أخت محمد بن سلام
الجمحي. كان من رواة الأخبار والأشعار والآداب والأنساب. توفي بالبصرة رحمه الله سنة خمس وثلاثمائة. وروى عن خاله كتبه. وروى عن غيره. ومن شعره:
سيبان والكبش حدثاني ... شيخان بالله عالمان
قالا إذا كنت فاطمياً ... فاصبر على نكبة الزمان
الكبش أبو داود الطيالسي، وشيبان هو ابن فروخ الايلي.
وكان قد ولي القضاء بالبصرة. وكان كثير استعمال السجع في كلامه. وكان في البصرة رجل يتحامق ويتشبه به يعرف بأبي الرطل لا يتكلم إلا بالسجع هزلاً، كله. فقدمت هذا الرجل امرأته إلى أبي خليفة، وادعت عليه الزوجية والصداق فاقر لها، بهما. فقال له أبو خليفة: إعطهما مهرها. فقال أبو الرطل: كيف. أعطيها مهرها، ولم تقلع مسحاتي نهرها. فقال له أبو خليفة: فأعطها نصف صداقها. فقال: لا. أو أرفع بساقها، واضعه في طاقها. فأمر به أبو خليفة فصفع. واشترى القاضي أبو خليفة جارية، فوجدها حسنة. فقال: يا جارية، هل من بصاق، أو بزاق، أو بساق؟ العرب تنقل السين صاداً أو زاياً. فتقول أبو الصقر وأبو الزقر، وأبو السقر. فقالت الجارية: الحمد لله الذي ما أماتني حتى رأيت حرى قد صارا بن الأعرابي يقرأ عليه غريب اللغة. وكان أبو خليفة يتشيع. وكان يقرأ عليه سراً ديوان عمران بن حطان، ويبكي في مواضيع منه. فقال المفجع المصري:
أبو خليفة مطوي على دخن ... للهاشميين في سر وإعلان
مازلت أعرف ما يخفي وأنكره ... حتى اصطفى شعر عمران بن حطان
الفضل بن عمار
بن فياض. أبو الكرم الشيباني الضرير. ذكره أبو سعد السمعاني. وقال: شاب
له معرفة باللغة والأدب. أظنه من بعض سواد بغداد. رأيته بالمسجد الذي على باب شيخنا أبي الفتح بن البطى وكتبت عنه. وأنشدنا لنفسه:
أمن شجن عيناك جادت شؤونها ... نجيعاً وما ضنت بذاك جفونها
نأت بنت عوف آبن الخطيم غديةً ... إلى الحلة الرجلاء تحدى ظعونها
فإن تك هند حلت الرمث فاالغضا ... فلسنا وإن شط المزار نخونها
الفضل بن محمد

بن علي بن الفضل. أبو القاسم القصباني بالقاف المفتوحة والصاد المهملة
الساكنة والباء الموحدة وبعدها ألف ونون. النحوي البصري. شيخ الحريري صاحب المقامات الحريرية. كان واسع العلم، غزير الفضل، إماما في علم العربية، وإليه كانت الرحلة في زمانه. وكان مقيماً بالبصرة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وأخذ عنه الخطيب أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي. وله كتاب في النحو. وكتاب حواش على الصحاح. وكتاب الأمالي. وكتاب مختار أشعار العرب. ومن شعره:
في الناس من لا يرتجى نفعه ... إلا إذا مس بإضرار
كالعود لا يطمع في ريحه ... إلا إذا أحرق بالنار
فويك
بالفاء المضمومة والواو المفتوحة وبعدها ياء آخر الحروف وكاف. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئاً. فسأله ما أصابه. فقال: وقفت على بيض حية فأصيب بصري. فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر. فرؤى. وهو ابن ثمانين سنة يدخل الخيط في الإبرة، وأن عينيه لمبيضتان.
حرف القاف
القاسم بن فيره
بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف وتشديد الراء وضمها وهذا من لغة
اللطيني من أعاجم الأندلس. ومعناه الحديد. إبن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون. الشاطبي المقرئ الضرير أحد الأعلام. ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية. سمع من السلفي وغيره. وكان إماماً نبيلاً محققاً ذكياً، واسع المحفوظ كثير الفنون، بارعاً في القراآت وعللها، حافظاً للحديث، كثير العناية به، أستاذاً في العربية، وقصيدتاه في القراآت والرسم تدلان على تبخره. وقد سارت بهما الركبان وخضع لهما فحول الشعراء. وكان زاهداً عابداً قانتاً مهيباً. إستوطن القاهرة وتصدر للأقرباء بالمدرسة الفاضلية، وانتفع به الخلق. وكان يقول عن قصيدته في القراآت: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل بها، لأنني نظمتها مخلصاً لله تعالى. ونظم قصيدةً دالية في خمسمائة بيت، من حفظها أحاط علماً بكتاب التمهيد لإبن عبد البر. وكان عالماً بالقرآن قراءةً وتفسيراً، وبالحديث مبرزاً فيه. وكان إذا قرئ عليه البخاري ومسلم والموطأ، يصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على الموطأ في المواضع المحتاج إليها. وكان أوحد عصره في النحو واللغة، عارفاً بالتعبير، حسن، المقاصد مخلصاً فيما يقول ويفعل. قرأ بالروايات على عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي المغربي، وأبي الحسن علي بن محمد بن هذيل الأندلسي. وكان لا ينطق إلا بما تدعو الضرورة إليه ولا يجلس للإقراء إلا على طهر في هيئة حسنة وتخشع واستكانة. وكان يعتل العلة الشديدة، فلا يشتكي ولا يتأوه. وإذا سئل عن حاله، فال: العافية! لا يزيد على ذلك.
قال السخاوي: قال لي يوماً: جرت بيني وبين الشيطان مخاطبة. فقال: فعلت كذا، فسأهلكك. فقلت: والله ! ما أبالي بك. وقال لي يوماً: كنت في طريق وتخلف عني من كان معي وأنا على الدابة وأقبل إثنان، فسبني أحدهما سباً قبيحاً. فأقبلت على الاستعاذة وبقي كذلك ما شاء الله. ثم قال له الآخر: دعه. وفي تلك الحالة لحقني من كان معي، فأخبرته بذلك. فطلب يميناً وشمالاً، فلم يجد أحداً. وكان رحمه الله يعذل أصحابه في السر على أشياء لا يعلمها إلا الله عز وجل. وكان يجلس إليه من لا يعرفه فلا يرتاب به أنه يبصر لذكائه، ولا يظهر منه ما يدل على العمى. ومولده سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. ومات رحمه الله تعالى سنة تسعين وخمسمائة. ودفن في مقبرة الفاضل بسارية مصر. قال ياقوت: بعد أن أضر. ومن شعره:
بكى الناس قبلي لا كمثل مصائبي ... بدمع مطيع كالسحاب الصوائب
وكنا جميعاً ثم شتت شملنا ... تفرق أهواء عراض المواكب
ومن:
يلومونني إذ ما وجدت ملائماً ... ومالي مليم حين سمعت الأكارما
وقالوا تعلم للعلوم نفاقها ... بسحر نفاق يستنفر العزائما
وقال بعضهم يصف الشاطبية:
جلا الرعيني علينا ضحىً ... عروسة البكر وياما جلا
لو رامها مبتكر غيره ... قالت قوافيها له الكل لا

القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. أحد الأعلام . ولد في خلافة عثمان رضي
الله عنه. وتوفي سنة سبع ومائة.
وكان خيراً من أبيه. نشأ بعد قتل أبيه في حجر عمته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وسمع منها ومن ابن عباس وابن عمر ومعاوية وصالح بن خوات وفاطمة بنت قيس. وكان فقيهاً إماماً مجتهداً ورعاً عابداً ثقةً حجة. وأضر بأخرة. قال مالك: كان القاسم من فقهاء هذه الأمة. وكان يقول في سجوده: اللهم اغفر لأبي ذنبه في عثمان رضي الله عنه. وكان هو وزين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما إبني خالة، وكذلك سالم بن عبد الله بن عمر وزين العابدين. وروى للقاسم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وإبن ماجة.
القاسم بن محمد
بن القاسم بن محمد بن رشيق. أبو البركات الضرير. المقرئ الشاعر. الملقب
بالزنزرة بزائين مفتوحتين بينهما نون ساكنة وبعد الزاي الثانية راء وهاء. من أهل الرصافة. وكان صافي الذهن والقريحة، والإرتجال والبديهة. حدث باليسير عن أبي محمد عبد الله بن محمد الصريفي. وسمع منه أبو البركات بن السقطي. وروى عنه حديثاً واحداً في معجم شيوخه.
قتادة بن دعامة
أبو الخطاب السدوسي البصري الأعمى المفسر. أحد الأئمة الأعلام. روى عن
عبد الله بن سرجس وابن مالك أنس وابن الطفيل وأبي رافع الصائغ وأبي أيوب المراغي وأبي الشعثاء وزرارة بن أوفى والشعبي وعبد الله بن شقيق و مطرف بن الشخير وسعيد بن المسيب وأبي العالية وصفوان بن محرز ومعاذة العدوية وأبي عثمان النهدي والحسن، وخلق. وكان أحد من يضرب به المثل في حفظه. قال: ما قلت قط لمحدث: أعد علي وما سمعت أذناي شيأً قط، إلا وعاه قلبي. قال: أحمد بن حنبل: قتادة عالم بالتفسير وباختلاف العلماء. ثم وصفه بالفقه والحفظ، وأطنب ذكره. وقال: قلما نجد من يتقدمه. قرئت مرةً عليه صحيفة جابر، فحفظها.
قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وقد تفوه بشئ من القدر، وقال: كل شيء بقدر، إلا بالمعاصي. وكان رأساً في الغريب والعربية والأنساب. وقد وثقه غير واحد. قال معمر: سألت أبا عمر بن العلاء عن قوله تعالى: وما كنا معذبين. فلم يجيبني. فقلت: أني سمعت قتادة يقول: مطيقين. فقلت له: ما تقول يا أبا عمر؟ قال: حسبك فلولا كلامه في القدر، وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا ذكر القدر فامسكوا: لما عدلت به أحداً من دهره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع عشرة ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
حرف الكاف
كامل بن الفتح
بن ثابت. ظهير الدين الباذراي الضرير. الأديب. أبو تمام له شعر وترسل كتب
الطلبة عنه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وتسعين وخمسمائة. ونزل في باب الأزج من بغداد، وصاهر بني رهويه الكتاب. وسمع من أبي الفتح علي بن رهويه، وقيل إنه كان يدخل على الناصر ويحاضره ويخلو معه وإنه علمه علم الأوائل. وهون عليه الشرائع، والله أعلم. قال ياقوت: كان متهماً في دينه. وأورد له من شعره:
وفي الأوانس من بغداد آنسة ... لها من القلب ما تهوى وتختار
ساومتها نفثةً من ريقها بدمي ... وليس إلا خفى الطرف سمسار
عند العذول اعتراضات ولائمة ... وعند قلبي جوابات وأعذار
كعب بن مالك
بن عمر بن القين بن كعب بن سواد بن غنم. ينتهي إلى الخزرج. الأنصاري
السلمى أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الرحمن. أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة. شهد العقبة، واختلف في شهوده بدراً. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين طلحة بن عبيد الله، حين آخى بين المهاجرين والأنصار.

وكان أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردون الأذى عنه. وكان مجوداً مطبوعاً، قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعرف به. وأسلم، وشهد أحداً والمشاهد كلها، حاشا تبوك. فإنه تخلف عنها. وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، والثاني هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، تخلفوا عن غزوة تبوك. وتاب الله عليهم، وعذرهم وغفر لهم. ولبس يوم أحد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت صفراء، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. فجرح كعب أحد عشر جرحاً. وتوفي رضي الله عنه سنة خمس، وقيل سنة ثلاث وخمسين. وهو ابن سبع وسبعين سنة. وكان قد عمي آخر عمره، يعد من المدنيين.
وكان شعراء المسلمين: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. وكان كعب يخوفهم الحرب ، وعبد الله يعيرهم بالكفر، وحسان يقبل على الأنساب. وأسلمت دوس فرقا من قول كعب رضي الله عنه:
قضينا من تهامة كل وتر ... وخيبر ثم أغمدنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
فقالت دوس: إنطلقوا فخذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف.
وشعراء المشركين عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث، وضرار بن الخطاب.
وقال كعب: يا رسول الله! ماذا ترى في الشعر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترى الله عز وجل نسى لك قولك:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب
وروى عن كعب جماعة من التابعين. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

حرف الميم
مالك بن ربيعة
بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج إبن ساعدة. أبو أسيد
الساعدي. قال إبن إسحاق. ذكر جده، بالياء والنون. وكذلك قال يونس بن بكير. وقال غيرهما: بالياء مكان النون، فصحف، وهو مشهور بكنيته.
شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات بالمدينة سنة ستين للهجرة. وقيل سنة ثلاثين. ذكر ذلك الواقدي وخليفة. وهذا إختلاف متباين جداً: ومات رضي الله عنه وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل ابن ثمان وسبعين. وقد ذهب بصره. وهو آخر من مات من البدريين. هذا على قول من قال إنه مات سنة ستين، وهو قول المدائني وقول ابن سعد.
المبارك بن المبارك
بن سعيد. أبو بكر وجيه الدين ابن الدهان الواسكي قدم بغداد مع أبيه. قال
ياقوت: وهو شيخي. عليه تخرجت وعليه قرأت، وقرأ هو بواسط على أبي سعد نصر بن محمد بن مسلم المؤدب وغيره. وأدرك ابن الخشاب ببغداد. وأخذ عنه ولازم الكمال ابن الأنباري، وهو أشهر شيوخه، وسمع منه تصانيفه. وسمع الحديث من طاهر المقدسي. وتولى تدريس النحو بالنظامية، سنين. وتخرج عليه جماعة. منهم حسن بن الباقلاني الحلى، والموفق عبد اللطيف البغدادي، والمنتجب سالم بن أبي الصقر العروضي. وكان قليل الحظمن التلامذة: يتخرجون عليه ولا ينتسبون إليه. ولم يكن فيه عيب إلا أنه كان فيه كيس ولين فإذا جلس للدرس، قطع أكثر أوقاته بالأخبار والحكايات وإنشاد الأشعار، حتى يسأم الطالب منه وينصرف وهو ضجر، وينقم ذلك عليه. وكان إبن الدهان المذكور، يعرف بالتركي والفارسي والرومي والحبشي والزنجي. وكان إذا قرأ عليه عجمي، واستغلق عليه المعنى بالعربي، فهمه إياه بالعجمية. وكان حسن التعليم، طويل الروح، كثير الإحتمال للتلامذة.
مولده سنة إثنتين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة. ودفن بالوردية. وكان لا يغضب أبداً، ولم يره أحد حردان. فخاطر إنسان على إغضابه وجاء إليه وتعنته في مسألة وشتمه وسبه، فلم يغضب. وقال: قد فهمت مقصودك. وكان أولا حنبلياً ثم صار حنفيا. فلما درس النحو بالنظامية، صار شافعيا. فقال فيه المؤيد أبو البركات محمد بن أبي الفرج التكريتي، وهو تلميذه:
ألا مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدى لديه الرسائل
تمذهبت للنعمان بعد إبن حنبل ... وذلك لما أعوزتك المآكل
وما اخترت دين الشافعي تدينا ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل

وعما قليل أنت لاشك صائر ... إلى ما ذلك فافطن لما أنا ناقل
ومن شعر وجيه الدين ابن الدهان:
أرفع الصوت إن مررت بدار ... أنت فيها إذ ما إليك وصول
وأحيي من ليس عندي باهل ... أن يحى كي تسمعى ما أقول

محمد بن إبراهيم
بن عمران القفصي. الكفيف. أصله من دانية، وبها تأدب. ذكره إبن رشيق فقال:
شاعر متقدم، علامة بغريب اللغة، قادر على التطويل. يصنع القصيدة تبلغ المائة وأكثر في ليلتها، ويحفظها فلا يشذ عنه منها شيء. ويسرد أكثر مسائل العين للخليل بن أحمد. ومن شعره:
ومن غير الأيام أني شاعر ... أديب بسربال الخمول مسربل
أروم على إكداء حالي تجملاً ... وأحسن من مضغ الحديد التجمل
ومنه:
سقاك بلخط مقلته مداما ... وهز الغصن من خنث قواما
وظل الصبح يخطر في رداه ... وقد خط العذار به ظلاما
كأن تموج الأصداغ منه ... عقارب مسكة تشكو الضراما
مجمجمة بها الواوات تعلو ... على قرطاسها لاماً فلاما
بعينيه من المنصور سيف ... يقد بشفرتيه طلىً وهاما
محمد بن إبراهيم
بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر. الإمام العالم.
قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني، الحموي الشافعي. ولد بحماة سنة تسع وثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة في حمادى الأولى بمصر.
سمع سنة خمسين من شيخ الشيوخ الأنصاري، وبمصر من المرضي بن البرهان والرشيد العطار وإسماعيل بن عزون وعدة. وبدمشق من إبن أبي يسر وابن عبد وطائفة. وأحاز له عمر بن البراذعي والرشيد بن مسلمة وطائفة. وحدث بالشاطبية عن إبن عبد الوارث صاحب الشاطبي. وسمعتها أنا عليه، مع جماعة بمنزله بمصر مجاوراً لجامع الناصري. وأجاز لي في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وحدث بالكثير، وتفرد في وقته. وكان قوي المشاركة في علوم الحديث والفقه والأصول والتفسير، خطيباً تام الشكل، ذا تعبد وأوراد. وحج. وله تصانيف. درس وأفتى واشتغل. نقل إلى خطابة القدس ثم طلبه الوزير شمس الدين بن السلعوس، فولاه قضاء مصر ورفع شأنه. ثم حضر إلى الشام قاضيا. وولى خطابة الجامع الأموي مع القضاء. ثم طلب لقضاء مصر بعد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. وامتدت أيامه إلى أن شاخ وكبر وأضر وثقل سمعه. فعزل بقاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وكثرت أمواله. وباشر آخراً بلا معلوم على القضاء. ولما رجع السلطان الملك الناصر من الكرك سنة تسع وسبعمائة، صرفه وولى جمال الدين الزرعي فاستمر نحو السنة. ثم أعيد قاضي القضاة بدر الدين، وولى المناصب الكبار. وكان يخطب من إنشائه. وصنف في علوم الحديث وفي الأحكام. وله رسالة في الإضطرلاب. ومن شعره ما أنشدنيه لنفسه إجازة:
يا لهف نفسي لو تدوم خطابتي ... بالجامع الأقصى وجامع جلق
ماكان أهنأ عيشنا وألذه ... فيها وذاك طراز عمري لو بقي
الدين فيه سالم من هفوة ... والرزق فوق كفاية المسترزق
والناس كلهم صديق صاحب ... داع وطالب دعوة بترقق
وأنشدني له إجازة:
لما تمكن من فؤادي حبه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته
فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شراك الردى أوقعته
عاينت حسناً باهراً فاقتادني ... سراً إليه عند ما أبصرته
محمد بن أحمد
أمير المؤمنين القاهر بالله العباسي. أبو منصور بن أمير المؤمنين المعتضد
بالله أبي العباس. بويع بالخلافة سنة عشرين وثلاثمائة عند قتل المقتدر. وخلع القاهر في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسملت عيناه فسالتا وحبسوه مدةً. ثم أهملوه وأطلقوه فمات رحمه الله تعالى في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وكان، ربعة أسمر أصهب الشعر، طويل الأنف. وأمه أم ولد تسمى قبول، لم تدرك خلافته.

ووزر له أبو علي ابن مقلة وهو بشيراز، وخلفه محمد بن عبيد الله بن محمد الكلوذاني، ثم أحمد بن الخصيب. وكان حاجبه بليق، ثم سلامة الطولوني. ونقش خاتمة: القاهر بالله المنتقم من أعداء الله لدين الله.
ولما بويع له يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، كان ذلك بمشورة مؤنس المظفر، قال: هذا رجل قد سمى مرةً للخلافة، فهو أولى بها، ممن لم يسم. وكأنما سعى مؤنس في حتف نفسه، لأنه أول من قتله القاهر. وكان سن القاهر يوم بويع ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت خلافته سنة وستة أشهر وثمانية أيام، ولما توفي رحمه الله ببغداد دفن في دار محمد بن طاهر. وكان يسعى بين الصفوف في الجمع، ويقول: أيها الناس! تصدقوا على من كان يتصدق عليكم، تصدقوا على من كان خليفتكم.
ولما ولى الراضي أوقع القاهر في همه، بما يلقيه من فلتات لسانه، أن له بالقصر دفائن عظيمة من الأموال والجواهر. فأحضره وقال: ألا تدلني على دفائنك؟ قال: نعم. بعد تمنع يسير. وقال: احفروا المكان الفلاني والمكان الفلاني. وجعل يتتبع الأماكن التي كان عمرها أحسن عمارة واصطفاها لنفسه حتى خربها كلها، ولم يجدوا شيأً. فقال: لأني كنت عملتها لأتمتع بها فحرمتموني إياها وأذهبتم نور عيني، فلا أقل من أن أحرمكم التمتع بما عملته لي.
محمد بن أحمد: بن محمد بن أحمد. أبو جعفر السمناني، قاضي الموصل وشيخ الحنفية سكن بغداد، وحدث عن المرجي، والدارقطني. قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً حنفياً فاضلاً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف. ذكره ابن حزم فقال: السمناني المكفوف، قاضي الموصل، من أكبر أصحاب الباقلاني، مقدم الأشعرية في وقته. ثم أخذ في التشنيع عليه. وتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

محمد بن أحمد
بن محمد بن حاضر. أبو عبد الله الضرير. المقرئ الشاعر، الأنباري. قدم
بغداد وسكن باب البصرة. وكان موصوفاً بالصلاح والديانة. قال ابن النجار: وله قصيدة في السنة سماها الموضحة، سمعها منه محمد بن علي بن اللتي، ورواها عنه أبو علي الحسن ابن إسحاق بن موهوب الجواليقي. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. ومن شعره يمدح الوزير عون الدين ابن هبيرة:
لك الجود والعدل الذي طبق الأرضا ... وبلج أياد بعضها يشبه البعضا
ورأى له ألحاظ بأس كأنها ... سيوف على الأعداء لكنها اقضى
محمد بن أحمد بن هبة الله
بن تغلب. الفزاري. أبو عبد الله. الضرير النحوي. كان يعرف بالبهجة، من أعمال نهر الملك. قدم بغداد في صباه وقرأ القرآن والنحو وسمع الكثير. وقرأ الأدب على أبي عبد الله أحمد بن الخشاب وصحبه مدة. وسمع من ابن الشهرزوري وأبي الحصين وأبي الفضل بن ناصر وجماعة. وكان عالماً بالنحو والقراآت. انقطع في بيته وقصده الناس للقراءة. وكان كيساً نظيف الهيئة وقوراً. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وستمائة.
محمد بن أحمد
أمير المؤمنين أبو نصر الظاهر بالله بن الإمام الناصر بن المستضيء. بايع له أبوه ثم خلعه، فلما توفي أخوه بايع له ثانياً. واستخلف عند موت والده. وكانت وفاته سنة ثلاث وعشرين وستمائة. فكانت خلافته تسعة أشهر ونصفاً. وروى عن والده بالإجازة. وقال ابن الأثير: لما ولى الظاهر بالله أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سيرة العمرين فإنه لو قيل: ما ولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله، لكان القائل صادقاً. فإنه أعاد من الأموال المغصوبة والاملاك المأخوذة، في أيام أبيه وقبلها، شيئاً كثيراً، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق وإسقاط جميع ما جدده أبوه، وأخرج المحبوسين، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار، ليوفيها عمن أعسر. وقيل له: هذا الذي تخرجه من الأموال ما تسمح نفس ببعضه. فقال: أنا فتحت الدكان بعد العصر، فاتركوني أفعل الخير. وفرق في العلماء والصلحاء، مائة ألف دينار. انتهى.

وعمر رباط الأخلاطية. ورباط الحريم. ومشهد عبد الله. وتربة عون ومعين. وتربة والدته. والمدرسة إلى جانبها. والرباط الذي يقابلها، كان دار والدته. ومسجد سوق السلطان. ورباط المرزبانية. ودور المضيف في جميع المحال. ودار ضيافة الحاج. وغرم على هذه الأماكن أموالاً جليلةً. ونقل إليها الكتب النفيسة بالخطوط المنسوبة، والمصاحف الشريفة.
وزر له عبد الله بن يونس وابن حديدة وابن القصاب، ثم يحيى بن زيادة، ثم القمي. وفتح خوزستان وتستر وتشتمل على أربعين قلعة وهمذان وإصبهان وحمل إليه خراجها وتكريت ودقوقا والحديثة. وكان جميل الصورة، ابيض مشرباً حمرة حلو الشمائل، شديد القوى. وحديثه مع الجاموس بحضرة والده مشهور.
ولد في المحرم سبعين وخمسمائة، وخطب له والده بولاية العهد على المنابر سنة خمس وثمانين، وعزله سنة إحدى وستمائة. وألزمه أن أشهد على نفسه بخلعه. ثم أعيدت له ولاية العهد سنة ثمان عشرة وستمائة.
ولما توفي والده الناصر سنة اثنتين وعشرين وستمائة، بويع بالخلافة، ولد من العمر اثنان وخمسون سنة إلا شهوراً. وصلى عليه بالتاج، وعمل العزاء ثلاثة أيام. ولما خلعه أبوه الناصر، اسقط ذكره من الخطبة على المنبر في سائر الآفاق، فسقطت، إلا خوارزم شاه.
قال قد صح عندي توليته ولم يثبت عندي موجب عزله. وجعل ذلك حجة لطروق العراق بالعساكر ليرد خطبته. وحبس الناصر ولده الظاهر في دار مبيضة الأرجاء، ليس فيها لون غير البياض. وكان حراسه يفتشون اللحم، خوفاً من أين يكون فيه شيء أخضر ينعش به نور بصره، فضعف بصره وكاد يذهب جملة، إلى أن تخيل ابن الناقد الذي صار وزيراً بعد ذلك فدخل عليه، ومعه سراويل اخضر وارى أنه يحتاج إلى المستراح، فدخل وترك السروال في المستراح. وفطن الظاهر لذلك. فدخل على أثره فوجده فلبسه. ولم يزل يتعلل به إلى أن تراجع ضوء بصره. رحمه الله تعالى.

محمد بن أحمد بن بصخان
بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وخاء معجمة وبعد الألف نون. ابن
عين الدولة، الإمام شيخ القراء. بدر الدين. أبو عبد الله ابن السراج الدمشقي، المقرئ النحوي. ولد سنة ثمان وستين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في خامس ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بدمشق. كان حسن الشيبة منورها، حسن البزة والعمة، طيب النغمة، جيد الأداء. اشتهر عنه أنه لا يأكل إلا اللحم مصلوقاً والحلواء السكرية، لا غير. ولم يأكل المشمش. وكان يدخل الحمام وعلى رأسه قبع لباد غليظ. فإذا تغسل، رفعه وإذا بطل قلب لاماء أعاده، فأورثه ذلك ضعف البصر وانقطع لعدم قوة البصر مدة. وكان: له قعدد في جلوسه ومشيته لا يلتفت ولا يتنخم ولا يبصق إذا كان جالساً للإقراء، دخل يوماً هو والشيخ نجم الدين القفخازي في درب العجم، وبه ظروف زيت فعثر في أحدها. فقال الشيخ نجم الدين: تعسنا في ظرف المكان. فقال له الشيخ بدر الدين: لأنك تمشي بلا تمييز. فقال: إن ذا حال نحس.

وسمع الكثير بعد الثمانين من أبي إسحاق اللمتوني، والعز ابن الفراء، والإمام عز الدين الفاروئي، وطائفة. وعني بالقراآت سنة تسعين وبعدها. فقرأ للحرميين وأبي عمرو علي رضي الدين ابن دبوقا، ولابن عامر علي جمال الدين الفاضلي. ولم يكمل عليه ختمة الجمع. ثم كمل على الدمياطي وبرهان الدين الإسكندري. وتلا لعاصم ختمة على الخطيب شرف الدين الفزاري، ولازمه مدة وقرأ عليه شرح القصيدة لأبي شامة. قال: الشيخ شمس الدين الذهبي وترددنا جميعاً إلى الشيخ الجد نبحث عليه في القصيد. ثم حج غير مرة. وانجفل عام سبعمائة إلى مصر وجلس في حانوت تاجراً. أقبل على العربية فأحكم كثيراً منها. وقدم دمشق بعد ستة أعوام، وتصدى لإقراء القراآت والنحو. وقصده الطلبة وظهرت فضائله وبهرت معارفه وبعد صيته. ثم إنه أقرا لأبي عمر بإدغام الحمير لتركبوها وبابه ورآه سائغاً في العربية، والتزم إخراجه من القصيد وصمم على ذلك مع اعترافه بأنه لم يقل له، وقال أنا قد أذن لي بالإقراء بما في القصيد وهذا يخرج منها فقام عليه شيخنا المجد وابن الزملكاني وغيرهما. فطلبه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري، بحضورهم وراجعوه وباحثوه. فلم ينته. فمنعه الحاكم من الإقراء بذلك، وأمره بموافقة الجمهور. فتألم وامتنع من الإقراء بالجامع. وجلس للإفادة، وازدحم عليه المقرئون وأخذوا عنه، وأقرأ العربية. وله ملك يقوم بمصالحه، ولم يتناول من الجهات درهماً ولا طلب جهةً مع كمال أهليته. قال: وذهنه متوسط لا باس به. ثم ولى بلا طلب مشيخة التربة الصالحية، بعد مجد الدين التونسي، بحكم أنه أقرا من دمشق في زمانه. قلت: وأجاز لي رحمه الله تعالى جميع ما صنفه ونظمه وسمعه. وكتب لي خطه بذلك، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وأنشدني رضي الله عنه لنفسه إجازةً:
كلما اخترت أن ترى يوسف الحسن ... فخذ في يمينك المرآة
وانظرن في صفائها تبصرنه ... وارحمن من لاجل ذا الحسن باتا
لا يذوق الرقاد شوقاً إليه ... قلق القلب لا يطيق ثباتا
وأنشدني له أجازةً أيضاً، في مليح دخل الحمام مع عمه، فلما جعل السدر على وجهه قلب الماء عليه شخص اسود، كان هناك:
وبروحي ظبي على وجهه السدر ... وقد أغمض الجفون لذلك
قائلاً عند ذاك حين أتاه ... يسكب الما عليه اسود حالك
من ترى ذا الذي يصب أعمى ... قلت بل ذا الذي يصب كخالك
قلت: وقد حقق الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ما قيل عن شعر النحاة من الثقالة. على أنني ما أعتقد أن أحداً أرضى لنفسه أن ينظم هكذا. والذي أظنه به رحمه الله تعالى أنه تعمد هذا التركيب القلق. إلا فما في طباع أحد يعاني النظم هذا التعسف، ولا هذه الركة. ولكن المعاني جيدة، كما تراها. محمد بن أحمد: بن عثمان بن قايماز. الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ شمس الدين، أبو عبد الله الذهبي. حافظ لا يجارى، ولافظ لا يبارى. أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله. وعرف تراجم الناس، وأزال الإيهام في تواريخهم والإلباس. مع ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وإنتماؤه. جمع الكثير ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف. وقف الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني على تاريخه الكبير، المسمى تاريخ الإسلام، جزأ بعد جزأ، إلى أن أنهاه مطالعة، وقال: هذا كتاب علم.
اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيراً من تصانيفه. ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كوذنة النقلة. بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات. أعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد أو طعن في رواة. وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين ثالث ذي العقدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ودفن في مقابر باب الصغير.

أخبرني العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي الشافعي، قال: عدته ليلة مات. فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: في السياق. وكان قد أضر رحمه الله تعالى، قبل موته بأربع سنين أو أكثر، بماء نزل في عينيه. فكان يتأذى ويغضب، إذا قيل له: لو قدحت هذا الرجع إليك بصرك. ويقول: ليس هذا بماء، وأنا أعرف بنفسي. لأنني ما زال بصري ينقص قليلاً قليلاً إلى أن تكامل عدمه. وأخبرني عن مولده فقال: في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وارتحل وسمع بدمشق، وبعلبك، وحمص، وحماه، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبلبيس، والقاهرى، والاسكندرية، والحجاز، والقدس، وغير ذلك.
ومن تصانيفه: تاريخ الإسلام. وقد قرأت منه عليه المغازي، والسيرة النبوية، إلى آخر ايام الحسن رضي الله عنه، وجميع الحوادث إلى آخر سنة سبعمائة. والثلاثين البلدية. ومن تكلم فيه وهو موثق وقد كتبتهما بخطى وقرأتهما عليه. وتاريخ النبلاء. والدول الإسلامية. وطبقات القراء وسماه القراء الكبار على الطبقات والأعصار. تناولته منه وأجازني روايته عنه وكتبت عليه:
عليك بهذه الطبقات فاصعد ... إليها بالثنا إن كنت راق
تجدها سبعة من بعد عشر ... كنظم الدر في حسن اتفاق
تجلى عنك ظلمة كل جهل ... به أضحى مقالك في وثاق
فنور الشمس أحسن ما تراه ... إذا ما لاح في السبع الطباق
وطبقات الحفاظ، مجلدان. وميزان الإعتدال في الرجال، في ثلاثة أسفار. كتاب المشتبه في الأسماء والأنساب، مجلد. نبأ الدجال، مجلد. تذهيب التهذيب، اختصار تهذيب الكمال للشيخ جمال الدين المزي. واختصار كتاب الأطراف، أيضاً للمزي. والكاشف، اختصار التذهيب. اختصار السنن الكبير للبيهقي. تنقيح أحاديث التعليق لإبن الجوزي. المستحلى في اختصار المحلى. المقتنى في الكنى. المغنى في الضعفاء. العبر في خبر من غبر، مجلدان. إختصار تاريخ نيسابور، مجلد. إختصار المستدرك للحاكم. إختصار تاريخ إبن عساكر، في عشرة أسفار. إختصار تاريخ الخطيب، مجلدان. الكبائر، جزآن. تحريم الأدبار، جزآن. أخبار السد. أحاديث مختصر إبن الحاجب. توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق. نعم السمر في سيرة عمر. التبيان في مناقب عثمان. فتح المطالب في أخبار علي بن أبي طالب وقرأته عليه من أوله إلى آخره. معجم أشياخه، وهم ألف وثلاثمائة شيخ. إختصار كتاب الجهاد، لبهاء الدين بن عساكر. ما بعد الموت، مجلد. إختصار كتاب القدر للبيهقي، ثلاثة أزاء. هالة البدر في عدد أهل البدر. إختصار تقويم البلدان لصاحب حماة. نفض الجعبة في أخبار شعبة. قض نهارك بأخبار إبن المبارك. أخبار أبي مسلم الخراساني. وله في تراجم الأعيان لكل واحد مصنف قائم الذات مثل الأئمة الأربع، ومن جرى مجراهم. لكنه أدخل الكل في تاريخ النبلاء. وقد أجازني رحمه الله تعالى رواية جميع ما يجوز له تسميعه. وأنشدني لنفسه مضمنا:
إذا ماقرأ الحديث على شخص ... وأخلى موضعاً لوفاة مثلي
فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي
وأنشدني لنفسه من لفظه أيضاً:
لو أن سفيان على حفظه ... في بعض همي نسى الماضي
نفسي وعرسي ثم ضرسي سعوا ... في غربتي والشيخ والقاضي
وأنشد أيضاً لنفسه من لفظه:
العلم قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فأجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالةً ... بين الرسول وبين رأي فقيه
وقلت أنا أرثيه لما توقي رحمه الله تعالى:
لما قضى شيخنا وعالمنا ... ومات فن التاريخ والنسب
قلت عجيب وحق ذا عجباً ... كيف تعدى البلى إلى الذهب
وقلت فيه أيضاً:
الشمس الدين غبت وكل شخص ... تغيب وغاب عنا نور فضلك
وكم ورخت أنت وفاة شخص ... وما ورخت قط وفاة مثلك

محمد بن أحمد: بن عبد الرحيم، الموقت بالجامع الأموي. هو الإمام المدقق شمس الدين أبو عبد الله المزي. قرأ على الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأكفاني. وكان الشيخ شمس الدين ابن الأكفاني يثني على ذهنه كثيراً. وكان يحفظ الشاطبية، وينقل القراآت، وعلى ذهنه بعض عربية. وبرع في وضع الاسطرلاب والأرباع، ولم نر أحسن من أوضاعه ولا اظرف. يباع اسطرلابه في حياته بمائتي درهم واكثر. وأرباعه تباع بخمسين درهماً وأكثر. وتهافت الناس عليها في حياته. ولعلها فيما بعد تبلغ أكثر من ذلك. وبرع في دهن القسي. وقول الناس قوس: عمل المزي، يريدون به دهان هذا شمس الدين. وتباع قوسه دائماً زائداً عن قوس غيره. ومن ملازمته للشمس، نزل في عينيه ماء. ثم إنه قدح عينيه ورأى بالواحدة يسيراً. وكان أولاً يوقت بالربوة، ثم إنه انتقل إلى الجامع. وكان يعرف أشياء من حيل بني موسى ويصنعها. وله رسائل في الاسطرلاب، وله رسالة سماها كشف الريب في العمل بالجيب، وكان ينظم. توفي رحمه الله تعالى في أوائل سنة خمسين وسبعمائة، وهو من أبناء الستين.

محمد بن أحمد بن علي
بن جابر الأندلسي الضرير. أبو عبد الله الهواري المربي عرف بابن جابر.
قدم إلى دمشق وسمع بها على أشياخ عصره. وتوجه من دمشق إلى حلب في أخريات سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. اجتمعت به مرات وسألته عن مولده، فقال: سنة ثمان وتسعين وستمائة بالمرية. وقرا القرآن والنحو على أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي العيش، والفقه لمالك رضي الله عنه على أبي عبد الله محمد بن سعيد الرندي. وسمع علي أبي عبد الله محمد الزواوي صحيح البخاري، غير كامل. وينظم الشعر جيداً. وأنشدني منه كثيراً. وهو الآن حي يرزق بناحية البيرة. كتب إلي يستجيزني:
إن البراعة لفظ أنت معناه ... وكل شيء بديع أنت مغناه
إنشاد نظمك أشهى عند سامعه ... من نظم غيرك لو إسحاق غناه
تحجب الشعر عن قوم وقد جهدوا ... وعند ما جئته أبدى محياه
أتيت منه بمثل الروض مبتسماً ... فلو تكلم زهر الروض حياه
حجرت بعداً ابن حجر أن يحوز فتىً ... محاسن الشعر إلا كنت إياه
وهل خليل إذا عدت محاسنه ... إلا حبيب إذا عدت مزاياه
إذا المعري رامت ذكره بلد ... قلناها الصفدي اليوم أنساه
إعلام كل بديع راق سامعه ... أعلام فخر تلقتهن كفاه
ما لذة السمع إلا من فوائده ... ولا لفض ختام العلم إلا هو
يا مشبه البحر فيما حاز من درر ... لكن وردك عذب إن وردناه
حليت أسماعنا بالدر منك وما ... كمال ذلك إلا أن رويناه
تلك الذخائر أولى ما نسير بها ... للغرب مغربةً فيما سمعناه
كذا الكواكب شرق الأرض مطلعها ... وكلها أبداً للغرب مسراه
إن ابن جابر إن تسأله معرفةً ... محمد عند من نادى فسماه
لما عمرت مجال السمع منه بما ... لو جال في سمع ملحود لأحياه
وافاكم مستجيزاً والإجازة من ... أمثالك اليوم أحرى ما سألناه
فألفظ كجيزاً لنا ما صغت من كلم ... ينازع الروض مرآه ورياه
نظم ونثر يهز السامعين له ... لو صيغ للدر حلي كان إياه
إجازةً شملت ما قد رويت وما ... ألفت يا نخبةً فيمن رأيناه
فعش لنظم المعاني في مواضعها ... ودم لوارف عز طاب مجناه
فكتبت له إجازةً، صدرتها بقولي:
يا فاضلاً كرمت فينا سجاياه ... وخصنا باللآلئ في هداياه
خصصتني بقريض شف جوهره ... لما تألق منه نور معناه
من كل بيت مبانيه مشيدة ... كم من خبايا معان في زواياه
إذا أديرت قوافيه وقد ثمل ... النديم أغنته عن راح تعاطاه
وغير مستنكر من أهل أندلس ... لطف إذا هب من روض عرفناه

هم فوارس ميدان البلاغة في ... يوم الفصاحة إن خطوا وإن فاهوا
إيه تفضلت بالنظم البديع فما ... أعلاه عندي من عقد وأغلاه
أقسمت لو سمعته أذن ذي حزن ... في الدهر ألزمه البشرى وألهاه
أشرت فيه بأمر ما أقابله ... لا بطاعة عبد خاف مولاه
ولست أهلاً لأن تروى فضائح ما ... عندي لأني من التقصير أخشاه
وليس إلا الذي ترضاه فارو عن ال ... مملوك ما رحت تهواه وترضاه

محمد بن أحمد بن معضاد
الضرير الصرصري البغدادي الحنبلي. كان من الأضراء الملازمين لمسجد ابن
حمدي بالريحانيين، وهو معدود في القراء والمحدثين. كان عالماً فاضلاً خيراً ديناً. حدثنا عنه بعض شيوخنا بسنن الدارقطني. وأجاز لجماعة. وتوفي رحمه الله تعالى بكرة الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وستمائة. ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله عنه.
محمد بن البقاء
بن الحسن بن صالح بن يوسف. أبو الحسن. الضرير البرسفي بالباء ثانية
الحروف وراء بعدها سين مهملة وفاء، قرية من طريق خراسان من سواد بغداد بالجانب الشرقي. سمع أبا القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ، وأبا الوقت السجزي، ومحمد ابن ناصر. وسمع منه جماعة. وكان شيخاً صالحاً ثقةً. ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. وتوفي سنة خمس وستمائة.
محمد بن أبي بكر
بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق. الأسدي الحلبي الصفار. الشيخ الصالح
المعمر المسند أمين الدين، نزيل دمشق. ولد سنة خمس وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة عشرين وسبعمائة. وسمع لما حج مع إخوته، من صفية القرشية. ومن شعيب الزعفراني بمكة. ومن يوسف الساوي وابن الجميزي بمصر. ومن ابن خليل بحلب. وأجاز له أبو إسحاق الكاشغري، وطائفة. وتفرد وأضر وانحطم وعجز وأبطل الحانوت. وكان ساكناً خيراً عامياً، وله دنيا، وفيه بر. وما تزوج قط، ولا احتلم. ثم إنه قدح بعد ما أضر فأبصر.
محمد بن جابر
اليمامي الضرير الحنفي السحيمي. روى له أبو داود وابن ماجه. وضعفه ابن
معين والنسائي وغيرهما. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وسبعين ومائة.
محمد بن حازم: أبو معاوية الضرير. مولى بني عمرو بن سعد بن زيد مناة. التميمي. من الطبقة السابعة من أهل الكوفة. ولد سنة ثلاث وعشرة ومائة. وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة. وعمي وله أربع سنين. جرى له مع هرون الرشيد حديث؟ منه: قال هرون: لا يثبت أحد خلافة علي بن أبي طالب إلا قتلته. فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قالت تيم: منا خليفة. وقالت عدي: منا خليفة. وقالت بنو أمية: منا خليفة. فأين حظكم يا بني هاشم من الخلافة؟ لولا علي. فقال صدقت. لا ينفي أحد علياً من الخلافة إلا قتلته. وقدم بغداد، وحدث عن الاعمش. وكان أثبت أصحابه، لأنه لازمه عشرين سنةً. وروى عن هشام بن عروة وليث بن أبي سليم. وروى عنه أحمد ابن معين والحسن بن عرفة وآخرون. وكان يحفظ القرآن. وهو ثقة. قال ابن سعد: كان يدلس. وكان مرجئاً ولم يشهد وكيع جنازته. وهذا أبو معاوية غير أبي معاوية الأسود. لان ذاك اسمه اليمان. نزل طوس وصحب سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم والفضيل. وكان عظيم الزهد والورع، اسود اللون، من موالي بني أمية.
محمد بن الحسن
بن علي بن عبد الرحمن بن النبلوية، أبو الفضائل المعيني الريوندي الفجكشي
بالفاء والجيم والكاف والشين المعجمة. نسبةً إلى قرية بربع الريوند من أرباع نواحي نيسابور. كان ضريراً أديباً فاضلاً عارفاً باللغة والأدب. يقرأ الناس عليه. سمع أبا الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواس. كتب عنه أبو سعد وأبو القاسم ابن عساكر. ولد بفجكش. وتوفي رحمه الله تعالى بنيسابور، في شوال سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
محمد بن خلصة

أبو عبد الله. النحوي الشذولي بالشين والذال المعجمتين. كان كفيفا
ً نحوياً من كبار النحاة والشعراء. أخذ عن ابن سيده. وبرع في النحو واللغة. وشعره مدون. توفي سنة سبعين وأربعمائة أو ما قبلها. ورأيت ابن الأبار قد ذكر في تحفة القادم ابن خلصة النحوي الشاعر في أول كتابه لكنه محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن فتح بن قاسم بن سليمان وبن سويد. وقال: هو من أهل بلنسية وأقرا وقتاً بدانية. وذكر وفاته في سنين مختلفة وصحح سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. ولعله غير هذا، لبعد ما بين الوفاتين. والأول نقلته من خط الشيخ شمس الدين الذهبي. وقد طول ياقوت. في معجم الأدباء في إبراد ما أورده من ترسله وشعره، وأورد له من مراسلات كتبها إلى وزراء الموصل ونقيبها. والحميدي قال: آخر عهدي به بدانية، ويحتمل أن يكون ورد إلى الشام. ومن شعره:
يغرهم بك والآمال كاذبة ... ما جمعوا لك من خيل ومن خول
وما يصمم عظماً كل ذي شطب ... ولا يقوم بخصل كل ذي خصل
مكنت حزمك من حيزوم مكرهم ... وقد تصاد أسود الغيل بالغيل
ومنه:
ملك لو استبقت الأيام باقيةً ... ممن أبادته أو جادت بمعتقب
طوى الجناح على كسر به حسداً ... كسرى وعاد أبا كرب أبو كرب
ومنه:
بنفسي وقلت ظعنهم مستقلةً ... وللقلب إثر الواخدات بهم وخد
يحف سنا الأقمار فيهم سنا الظبي ... وشهد اللمى الماذي ماذية حصد
فمن غرب ثغر دونه غرب مرهف ... ومن ورد خد دونه أسد ورد
محمد بن زكريا
الرازي الطبيب الفيلسوف. كان في صباه مغنياً بالعود، فلما التحى، قال: كل غناء يخرج بين شارب ولحية، ما يطرب. فأعرض عن ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والفلسفة. فقرأها قراءة متعقب على مؤلفيها. فبلغ من معرفتها الغاية واعتقد صحيحها، وعلل سقيمها. وصنف في الطب كتباً كثيرة. فمن ذلك الحاوي، يدخل في مقدار ثلاثين مجلدةً. والجامع. وكتاب الأعصاب، وهو أيضاً كبير. والمنصوري المختصر، جمع فيه بين العلم والعمل، يحتاج إليه كل أحد. صنفه لأبي صالح منصور بن نوح أحد ملوك السامانية. وغير ذلك.
ومن كلامه: إذا كان الطبيب عالماً، والمريض مطيعاً، فما أقل لبث العلة. ومنه: عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة.
ولم يزل رئيس هذا الفن. واشتغل به على كبر، قيل إنه اشتغل فيه بعد الأربعين. وطال عمره. وعمي في آخر عمره. وأخذ الطب عن الحكيم أبي الحسن علي بن زيد الطبري صاحب التصانيف التي منها: فردوس الحكمة. وكان مسيحياً ثم أسلم. وقيل إن سبب عماه، أنه صنف للملك منصور المذكور كتاباً في الكيمياء فأعجبه ووصله بألف دينار، وقال: أريد أن تخرج ما ذكرت من القوة إلى الفعل. فقال: إن ذكل يحتاج إلى مؤن وآلات، وعقاقير صحيحة، وإحكام صنعة. فقال: الملك كلما تريده أحضره إليك، وأمدك به. فلما كع عن مباشرة ذلك وعمله، قال له الملك: ما اعتقدت أن حكيماً يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة، يشغل بها قلوب الناس ويتعبهم فيما لا فائدة فيه والألف دينار لك صلة، ولا بد من عقوبتك على تخليد الكذب في الكتب. ثم أمر أن يضرب بالكتاب الذي وضعه على رأسه، إلى أن يتقطع. فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه. وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. قال ابن أبي أصيبعه في تاريخ الأطباء: قال عبد الله بن جبريل إن الرازي عمر إلى أن عاصر الوزير بن العميد. وهو الذي كان سبب إظهار كتاب الحاوي بعد وفاته بأن بذل لأخته مالاً حتى أظهرت المسودات له. فجمع تلاميذه الأطباء بالري حتى رتبوا الكتاب. فخرج الكتاب على ما هو عليه من الاضطراب انتهى. وكنت أنا قد وقفت على بيتين من شعره، وهما:
لعمري ما أدري وقد آذن البلى ... بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي
وأين محل الروح بعد خروجه ... من الهيكل المنحل والجسد البالي
وكان وقوفي عليهما بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فقلت راداً عليه في وزنه ورويه.
إلى جنة المأوى إذا كنت خيراً ... تخلد فيها ناعم الجسم والبال
وإن كنت شريراً ولم تلق رحمةً ... من الله فالنيران أنت لها صال

محمد بن سالم: بن نصر الله بن سالم بن واصل. القاضي جمال الدين. قاضي حماه الشافعي الحموي. أحد الأئمة الأعلام. ولد بحماه ثاني شوال سنة أربع وستمائة وعمر دهراً طويلاً. وتوفي سنة سبع وتسعين وستمائة. وبرع في العلوم الشرعية والعقلية، والأخبار، وأيام الناس. وصنف ودرس، وأفتى، واشتغل. وبعد صيته واشتهر اسمه. وكان من أذكياء العالم. ولي القضاء مدةً طويلةً. وحدث عن الحافظ زكي الدين البرزالي بدمشق وبحماه. وتخرج به جماعة. وما زال حريصاً على الإشغال، وغلب عليه الفكر إلى أن صار يذهل عن احوال نفسه وعمن يجالسه. ولما مات رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع عشري شوال من السنة المذكورة، دفن بتربته بعقبة يبرين عن أربع وتسعين سنة. وصنف في الهيئة. وله تاريخ. واختصر الأغاني. وملكت باختصاره نسخةً عظيمةً إلى الغاية في ثلاث مجلدات، وخطه عليها بعد ما أضر، وهي كتابة من قد عمي. رحمه الله! وله مختصر الأربعين. وشرح الموجز للأفضل الخونجي. وشرح الجمل له. وهداية الألباب في المنطق. وشرح قصيدة ابن الحاجب في العروض والقوافي. والبارع الصالحي. ومختصر الأدوية لابن البيطار.
وقيل إنه جهزه بعض ملوك مصر أظنه الصالح إلى الانبرور ملك الفرنج في الرسلية. فتلقاه وعظمه واحضر له الأرفل يوماً، وضرب به قدامه. وأراد بذلك ليستخفه. فيقال إنه ما تحرك ولا اهتز وتثبت، وما أظهر لهم خفةً لذلك ولا طرباً، إلا أنه لما قام وجدوا تحته نقط دم. يقال إنه بقي يحك كعبيه في الأرض إلى أن أدماها. فعظم أمره عند لأنبرور. ثم قال له: يا قاضي! أنا ما عندي ما أسألك عنه: لا فقه ولا عربية. وسأله ثلاثين سؤالاً، من علم المناظر. فبات تلك الليلة، وصبحه بالواب عنها. فصلب الأنبرور على وجهه. وقال: هكذا يكون قسيس المسلمين! لأن القاضي لم يكن معه كتب في تلك السفرة، وإنما أجابه عن ظهر قلب.
وله أيضاً كتاب مفرج الكروب في دولة بني أيوب. وغير ذلك. وقيل: إنه كان يشغل في حلقته في ثلاثين علماً.
وحضر حلقته نجم الدين ديبران الكاتبي المنطقي، وأورد عليه أشكالاً في المنطق. وحكى لي عنه الإمام البارع شمس الدين إبن الأكفاني غرائب عن حفظه وذكائه. وحكى لي الحكيم السديد الدمياطي اليهودي، قال: جاء ليلةً إلى عند الشيخ علاء الدين بن النفيس في بعض سفراته إلى القاهرة ونام عنده تلك الليلة. فصلى العشاء الأخيرة. وانفتح بينهما باب البحث، فلم يزالا إلى إلى أن طلع الضوء، والشيخ علاء الدين يبحث معه من غير انزعاج، والقاضي جمال الدين إبن واصل يحتد في البحث ويحمار وجهه. فلما طلع الضوء إلتفت إلى الشيخ علاء الدين، وقال له: يا شيخ علاء الدين! نحن عندنا نكت ومسائل وأطراف. وأما خزائن علم هكذا فما عندنا. وحكى لي العلامة أثير الدين أبو حيان، قال: قدم علينا القاهرة مع المظفر، فسمعت منه، وأجاز لي جميع رواياته ومصنفاته، وذلك بالكبش من القاهرة يوم الخميس التاسع والعشرين من المحرم سنة تسعين وستمائة. وهو من بقايا من رأيناه من أهل العلم الذين ختمت بهم المائة السابعة. وأنشدنا لنفسه، مما كتب به لصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن المظفر:
يا سيداً مازال نجم سعده ... في فلك العلياء يعلو إلا نجما
إحسانك الغمر ربيع دائم ... فلم يرى في صفر محرما
محمد بن سعدان: الضرير النحوي المقرئ. توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وكنيته أبو جعفر. وكان أحد القراء. له كتاب في النحو. وكتاب كبير في القراآت. وروى عن عبد الله بن إدريس وأبي معاوية الضرير وجماعة. وروى عنه محمد بن سعد. كاتب الواقدي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهما.
محمد بن سعيد: بن غالب البغدادي الضرير. كان ثقة. قال إبن أبي حاتم: صدوق. روى عنه ابن ماجة في تفسيره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وستين ومائتين.
محمد بن سعيد: أبو بكر. البلخي الضرير. من شعره:
نأى عني لقاءكم الرقاد ... وحالفني التذكر والسهاد
علام صددت ياتفديك نفسي ... ولج بك التجنب والبعاد
ولو لم أحى نفسي بالأماني ... وبالتعليل لا نصدع الفؤاد

محمد بن سواء: بن غبر. أبو الخطاب السدوسي البصري، المكفوف. كان ثقة نبيلا. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثمانين ومائة.
محمد بن شبل: بن عبد الله المقرئ الضرير. أبو عبد الله الدممي. الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع التقي الناسك، له الروايات العالية الصحيحة الجمة. منها: صحيح البخارى والدارمى. وتوفي رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة. قال الشيخ تقي الدين الدقوقي محدث بغداد. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شبل بن عبد الله الدممي الضرير المقرئ بجميع صحيح البخاري، قراءة مني عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر إبن عبد الله بن روز به القلانسي، قال: أخبرنا أبو الوقت السجزي.
محمد بن شرشيق: بشينين معجمتين الأولى مكسورة وبينهما راء ساكنة وبعد الشين الثانية ياء آخر الحروف ساكنة وقاف. ابن محمد بن عبد العزيز بن عبد القادر بن صالح ابن جنكي دوست بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الشيخ الإمام العارف الكامل شمس الدين أبو الكرم بن الشيخ الإمام القدوة حسام الدين أبي الفضل بن الشيخ الإمام القدوة جمال الدين أبي عبد الله بن الشيخ الإمام علم الزهاد شمس الدين أبي المعالي بن الشيخ الإمام قطب العارفين محي الدين أبي محمد الجيلي الحسنى الحنبلي المعروف بشيخ الحيال بالحاء المهملة وياء أخر الحروف وألف بعدها لام، وهي بلدة من أعمال سنجار.
ولد ليلة الجمعة منتصف شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة ثاني ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ودفن بالحيال في تربتهم عند قبر أبيه وجده. وأضر قبل موته بنحو من ستة سنين. ولم يخلف بعده مثله. حفظ القرآن العظيم في صباه. وتفقه للإمام أحمد. وسمع الحديث، وهو كبير، من جماعة. منهم: الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخارى بدمشق، وأبو العباس أحمد بن محمد بن النصيبي بحلب، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن الزجاج بمكة، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع المصري البصري بالمدينة الشريفة. ورحل. وحدث ببغداد ودمشق والحيال وغيرها من البلاد. وروى عنه جماعة منهم أولاده المشايخ حسام الدين عبد العزيز، وبدر الدين الحسن، وعز الدين الحسين، وظهير الدين أحمد، ومحدث العراق تقي الدين أبو البناء محمود بن علي بن محمود الدقوقي الحنبلي، والشيخ الإمام زين العابدين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن شيخ العوينة الموصلي الشافعي، والإمام بدر الدين محمد ابن الخطيب الإربلي الشافعي، وخلق.
وبيته بيت رئاسة وحشمة وسؤدد ومروءة، والخير والإحسان معروف بهم. لم تمس يده منذ عاش إلى أن توفي ذهباً ولافضة. وجوده مشهور معروف. وكانت له في النفوس هيبةً، وعليه وقار وحرمة. وله كشف وأحوال وقيام بعلم وعمل وزهد وتقوى. حسن الشكل مليح الخلق والخلق. وله وجاهة عند الملوك، وهولا يكترث بهم. وللناس فيه إعتقاد ومحبة شديدة، لمكارمه وأصالته وديانته. ولم يزل بيته إلى آخر وقت يناصحون الإسلام ويكاتبون صاحب مصر ونوابه بالشام . ولما كنت بالرحبة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، أهديت إليه قماشاً اسكندرياً، فأهدى إلى أشياء من طرائف سنجار. ولم تزل رسله تتردد إلي وأخدمهم. رحمه الله تعالى! محمد بن عبد الحميد: أبو جعفر الفرغاني العسكري الضرير. سكن الؤلؤة. وهي قلعة قرب طرطوس غزاها المأمون. وكان أبو جعفر المذكور يلقب زريق. حدث عن جماعة وافرة. ومات سنة سبع عشرة وثلاثمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الرحمن: بن عبيد الله بن يحيى بن يونس. الطائي، الداراني القطان المعروف بإبن الخلال الدمشقي. حدث عن خيثمة. كان ثقة نبيلا. مضى على سداد وأمر جميل. وقد كف بصره سنة خمس عشرة، وقيل ست عشرة وأربعمائة.

محمد بن عبد الرحيم: بن الطيب القيسي، الأندلسي، الضرير، العلامة المقرئ. أبو القاسم ولد سنة ثلاثين وستمائة، أو نحوها. وتلا بالسبع على جماعة وسكن سبتة. أراده الأمير العزفي أن يقرأ في رمضان السيرة، فبقي يدرس كل يوم ميعاداً ويورده. فحفظها في الشهر. وكان طيب الصوت، صاحب فنون. يروى عن أبي عبد الله الأزدى أخذ عنه أئمة. وتوفي سنة إحدى وسبعمائة.
محمد بن عبد العزيز: وقيل محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الصمد بن رستم الأسعردى، أبو بكر نور الدين الشاعر. ولد سنة تسع عشرة وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وخمسين وستمائة. كان من كبار شعراء الملك الناصر، وله به إختصاص. وله ديوان شعر مشهور. وغلب عليه المجون. وأفرد هزلياته، وسمى ذلك: سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون، وضم إليه أشياء من نظم غيره. وكان شابا خليعاً جلس تحت الساعات. واصطفاه الناصر. وأحضره مجلس شرابه فخلع عليه ليلة قباءً وعمامة بطرف مذهب. فأتى بهما من الغد وجلس تحت الساعات مع الشهود. وحضر ليلة عند الناصر مجلس أنس وكان فيه شرف الدين ابن الشيرجى، وكان ألحى. فقام ابن الشيرجى قضى شغله وعاد. فأشار إليه بصفع النور الأسعردي، فصفعه. فلما فعل ذلك نزلت دقنه على كتف النور لما انحنى لصفعه. فأمسكها النور بيده، وأنشد في الحال:
قد صفعنا في ذا المحل الشريف ... وهو إن كنت ترتضي تشريفي
فارث للعبد من مصيف صفاع ... يا ربيع الندى وإلا خرى في
وأضر النور الأسعردي المذكور قبل موته. ومن شعره، مضمناً قول الشريف الرضي:
قلت إذ نام من أحب وأبدي ... ضرطةً آذنت لشملي بجمع
فإنني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي
ومنه يضمن قول المتنبي:
سباني معسول المراشف عاسل!! ... معاطف مصقول السوالف مائد
يروم على أردافهالخصر مسعداً ... إذا عظم المطلوب قل المساعد
ومنه:
سمحت بيعا لمملوك يعاندني ... ولو أراد رضائي ماتعداني
قالوا أينسب للعلان قلت لهم ... ما كنت بايعه لو كان علاني
ومنه:
كم رام أي... جرح ج..ر معذبي ... بالطعن فيه عند جد مراسه
حتى تجرح رأسه فأعجب له ... طلع الذي في قلبه في رأسه
ومنه:
قلت للزين هل تثبت للبع ... ث وتنفي إنكارهم للحشر
قال أثبت قلت دقنك في آس ... ى قال أنفي فقلت في وسط ج...ى
ومنه:
لما ثنى جيده للسكر مضطجعاً ... وهناً ولولا شفيع الراح لم ينم
د...ت ليلا عليه بعد هجعته ... سكراً فقل في دبيب النور في الظلم
ومنه: رآه في النوم فانتبه وهو يحفظه:
د...ت على الخطيب قبيل نوم ... فقال أصبر إلى وقت الدبيب
فلما نام قمت إليه سراً ... فقل في من يطيب على الخطيب
ومنه:
وريم جلالي خمرةً مزةً جلت ... همومي وقد عاينت في خده سطرا
وربونه الشقراء ناعمة غدت ... ويا حسنها من برزة ليتها عذراء
جمع فيها أسماء سبعة من ضواحي دمشق وهي: المزة وسطراو والربوة والشقراء والناعمة وبرزة وعذرا.
ومنه:
لحية طال شعرها وعلتها ... صفرة ليتها تكون لهيبا
لولوى شعرها إلى أنفه اله ... ائل عاينت منه جنكا عجيبا
ومنه " يلغز في الطست والإبريق "
وذات بطن فارغ ... تحمل فيه إبنها
حتى إذا فارق في ال ... يوم مراراً بطنها
يصب فيها ماؤه ... بآلة كأنها
ومنه في غلام يحرث:
ياحارثاً تروي مقامات الهوى ... عن طرفه الفتاك غير مأولة
أضحى يشق لحود من قتل الهوى ... في حبة ليست خطوطا مهملة
روحي الفداء لبدر ثم سائق ... للثور ليس يروم غير السنبلة
ومنه يلغز في عثمان:
ياسائلي عمن هويت وحسنة ... ذو شهرة في الناس وهو يصان
خوف الوشاة أجبت عنه ملغزاً ... هو ثالث من سبعة وثمان
ومنه

ومليح شكا من الخط ضعفاً ... بمعانيه تضرب الأمثال
قلت إن رمت جودة الخط فاكتب ... بمثال فقال مالي مثال
وأنشدني الشيخ شمس الدين الذهبي وغيره. قالوا أنشدنا الشيخ شمس الدين محمد ابن عبد العزيز الدمياطي. قال أنشدنا النور الأسعردي لنفسه:
ولقد بليت بشادن إن لمته ... في قبح ما يأتيه ليس بنافع
متبذل في خسة وجهالة ... ومجاعة كشهود باب الجامع
محمد بن عبد الله : بن رزين. الشاعر المشهور، الملقب بأبي الشيص. وهو ابن عم دعبل الخزاعي. توفي سنة مائتين أو قبلها. قال ابن الجوزي: في سنة ست وتسعين ومائة. وقد كف بصره قال أبو الشيص. وهو مشهور عنه:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذةً ... حباً لذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظى منك حظى منهم
وأهنتني فأهنت نفسي عامداً ... ما من يهون عليك ممن يكرم
قوله: أجد الملامة. البيت، أخذه بعض المغاربة فقال:
هددت بالسلطان فيك وإنما ... أخشى صدودك لا من السلطان
أجد اللذاذة في الملام فلو درى ... أخذ الرشا مني الذي يلحاني
وخالفه أبو الطيب، فقال:
أأحبه وأحب فيه ملامة ... إن الملامة فيه من أعدائه
ولأبي الشيص أيضاً:
لا تنكري صدىً ولا إعراضي ... ليس المقل عن الزمان براض
شيئان لا تصبو النساء إليهما ... حلى المشيب وحلة الإنفاض
حسر المشيب عذاره عن رأسه ... فرمينه بالصد والإعراض
ولربما جعلت محاسن وجهه ... لجفونها غرضاً من الأغراض
محمد بن عبد الله: الضرير المروزي. أبو الخير. كان فقيهاً فاضلاً أديباً لغوياً. تفقه على القفال وبرع في الفقه. وإشتهر بالأدب النحو واللغة وصنف فيها. وتوفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. قال السمعاني في كتاب مرو: كان من أصحاب الرأي فصار من أصحاب الحديث لصحبة الإمام أبي بكر القفالئ. سمع الحديث منه، ومن أبي نصر إسمعيل بن محمد بن محمود المحمودي. وروى عنه أبو منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني. ومن شعره:
تنافى العقل والمال ... فما بينهما شكل
هما كالورد والنر ... جس لا يحويهما فصل
فعقل حيث لا مال ... ومال حيث لاعقل
محمد بن عبد الله: الناجحون الضرير. قال ابن رشيق: هو من أبناء قفصة. خرج منها صغيرا. كان يسرد جميع ديوان أبي نواس، ويقرأ القرآن برواياته. ولم يكن له صبر على النبيذ. وكان يعلم الصبيان. رأيته في المكتب يوماً طافحاً، وهو يقول للصبيان:
يا فراخ المزابل ... ونتاج الأراذل
إقرأوا لا قرأتم ... غير سحر وباطل
روح الله منكم ... عاجلا غير آجل
أطعم طعاماً فمات منه مبطوناً بالحضرة. سنة أربع عشرة وأربعمائة. مشرفا على الستين. وأتهم به جماعة ممن كان هجاهم.
محمد بن عبيد الله: بن عبد الله . أبو الفتح. سبط التعاويذي، المبارك بن المبارك. وكان أبو الفتح المذكور من الشعراء المشهورين. وديوانه مشهور، يدخل في مجلدين. أضر آخر عمره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. ومولده سنة تسع عشرة وخمسمائة. وإنما نسب إلى التعاويذي لأنه نشأ في حجر التعاويذي المذكور وكفله صغيراً. قال ابن خلنكان: ولم يكن في وقته مثله،ولم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل، فإن ذلك يختلف بميل الطباع.

قلت كان شاعراً منطبقاً، سهل الألفاظ، عذب الكلام، منسجم التركيب، ولم يكن غواصاً على المعاني. ولم يورد له ابن خلنكان رحمه الله تعالى على إطنابه في وصفه شيئاً من قصائده الطنانة. وكان شيخنا الإمام القاضي شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى لا يفارق ديوانه، ويعجبه طريقه، ويقتفي أسلوبه. وكان ابن التعاويذي كاتبا بديوان المقاطعات وعمي آخر عمره سنة تسع وستعين. وله في عماه أشعار كثيرة أوردت منها جملة في صدر هذا الكتاب. وجمع ديوانه بنفسه ورتبه أربعة فصول ثم ألحقه بعد ذلك زيادات. وصنف كتابا سماه الحجبة والحجاب، يدخل في مقدار خمسة عشر كراساً وهو قليل الوجود. وقال العماد الكاتب: إنه كان بالعراق صاحبه فلما انتقل العماد إلى الشام وخدم نور الدين وصلاح الدين كتب إليه يطلب منه فروة برسالة ذكرها ابن خلنكان في وفيات الأعيان. وقد تقدمت أشعاره في مصيبته بعينيه في ديباجة الكتاب. ومن شعره:
سقاك سار من الوسمى هتان ... ولا وقت للغوادي فيك أجفان
يا دار لهوي وأطرابي ومعهد أت ... رابي وللهو أوطار وأوطان
أعائد لي ماض من جديد هوىً ... أبليته وشباب فيك فينان
إذ الرقيب لنا عين مساعدة ... والكاشحون لنا في الحب أعوان
وإذ جميلة توليني الجميل وعن ... د الغانيات وراء الحسن إحسان
ولى إلى البان من رمل الحمى طرب ... فاليوم لا الرمل يصبيني ولا البان
وما عسى يدرك المشتاق من وطر ... إذا بكى الربع والأحباب قد بانوا
كانوا معاني المغاني والمنازل أم ... وات إذا لم يكن فيهن سكان
لله كم قمرت لبى بجودك أق ... مار وكم غازلتني فيك غزلان
وليلة بات يجلو الراح من يده ... فيها أغن خفيف الروح جذلان
خال من الهم في خلخاله حرج ... فقلبه فارغ والقلب ملآن
يذكى الجوى بارد من ريقه شبم ... ويوقظ الطرف طرف منه وسنان
إن يمس ريان من ماء الشباب فلي ... قلب إلى ريقه المعسول ظمآن
بين السيوف وعينيه مشاركة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان
فكيف أصحو غراما أو أفيق جوىً ... وقده ثمل الأعطاف نشوان
أفديه من غادر للعهد غادرني ... صدوده ودموعي فيه غدران
في خده وثناياه ومقلته ... وفي عذاريه للعشاق بستان
شقائق وأقاح نبته خضل ... ونرجس أنا منه الدهر سكران
منه:
إن كان دينك في الصبابة ديني ... فقف المطي برملتي يبريني
والثم ثرىً لو شارفت بي هضبة ... أيدي الركاب لثمته بجفوني
وأنشد فؤادي في الظبا معرضا ... فبغير غزلان الصريم جنوني
ونشيدتي بين الخيام وإنما ... غالطت عنها بالظباء العين
لولا العدى لم أكن عن ألحاظها ... وقدودها بجوازئ وغصون
من كل تائهة على أترابها ... بالحسن غانية عن التحسين
خود ترى قمر السماء إذا بدت ... ما بين سالفة لها وجبين
غادين ما لمعت بروق ثغورهم ... إلا آستهلت بالدموع شؤوني
إن تنكروا نفس الصبا فلأنها ... مرت بزفرة قلبي المحزون
وإذا الركائب في القطار تلفتت ... فحنينها لتلفتي وحنين
ياسلم إن ضاعت عهودي عندكم ... فأنا الذي أستودعت غير أمين
أو عدت مغبونا فما أنا في الهوى ... لكم بأول عاشق مغبون
رفقاً فقد عسف الفراق بمطلق!! ... العبرات في أسر الغرام رهين
مالي ووصل الغانيات أرومه ... ولقد بخلن علي بالماعون
وعلام أشكو والدماء مطاحة ... بلحاظهن إذا لوين ديوني

ومن البلية أن تكون مطالبي ... جدوى بخيل أو وفاء خؤون
ومنه، قصيدة طويلة كتبها إلى القاضي الفاضل:
مرت بنا في ليلة النفر ... تجمع بين الإثم والأجر
أدماء غراء هضيم الحشا ... واضحة اللبات والنحر
مرت تهادى بين أترابها ... كالبدر بين الأنجم الزهر
مال بها سكر الهوى والصبا ... ميل الصبا بالغصن النضر
تفر من ساكل وجدى بها ... دنوها في ساعة النفر
لم أحظ منها بسوى نظرة ... خلستها من جانب الخدر
أومت بتسليم وجاراتها ... يروينا بالنظر الشزر
يابردها تسليمة قلبت ... قلب أخي الشوق على الجمر
منها:
ذنبي إلى الأيام حريتي ... ولم تزل إلباً على الحر
مالي أرى الناس وحالي على ... خلاف أحوالهم تجرى
كأنني لست من الناس في ... شئ ولا دهرهم دهري
ومالإ نسانيتي شاهد ... شئ سوى أني في خسر
وهي قصيدة طويلة جيدة كلها. قال الشيخ تقي الدين إبن دقيق العيد: لو مدحت بهذه القصيدة، أجزت عليها بألف دينار. ومن شعره:
يا واثقاً من عمره بشبيبة ... علقت يداك بأضعف الأسباب
ضيعت ما يجدى عليك بقاؤه ... وحفظت ماهو مؤذن بذهاب
المال يضبط في يديك حسابه ... والعمر تنفقه بغير حساب
ومنه:
وعلو السن قد ... كسر بالشيب نشاطي
كيف سموه علواً ... وهو أخذ في إنحطاط
ومنه:
أأحرم دولتكم بعدما ... ركبت الأماني وأنضيتها
ومالي ذنب سوى أنني ... رجوتكم فتمنيتها
ومنه:
جبة طال عمرها فغدت تص ... لح أن يسمع الحديث عليها
كلما قلت فرج الله منها ... أحوجت خسة الزمان إليها
ومنه:
فمن شبه العمر كأساً يق ... ر قذاه ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافياً ... على صفحة الكأس من أوله
ومنه. يهجو الوزير إبن البلدي:
يارب أشكو إليك ضراً ... أنت على كشفه قدير
أليس صرنا إلى زمان ... فيه أبو جعفر وزير
ومنه:
ولقد مدحتكم على جهل بكم ... وظننت فيكم للصنيعة موضعا
ورجعت بعد الأختبار أذمكم ... فأضعت في الحالين عمري أجمعا
ومنه:
أسفت وقد نضت عني الليالي ... جديداً من شباب مستعار
وكان يقيم عذرى في ومان ال ... صبا لون الشبيبة في عذارى
ولم أكره بياض الشيب إلا ... لأن العيب يظهر في النهار
ومنه:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنه صواب
شواء وشمام وشهد وشادن ... وشمع وشاد مطرب وشراب
محمد بن عبد الملك: بن عيسى بن درباس. القاضي كمال الدين. أبو حامد ابن قاضي القضاة صدر الدين الماراني المصري الشافعي الضرير. أجاز له. وروى عنه. الدواداري، وابن الظاهري، وغيرهما. ودرس بالمدرسة السيفية مدة. وأفتى. وأشغل. وقال الشعر. وجالس الملوك. وتوفي رحمه الله سنة تسع وخمسين وستمائة.
محمد بن عثمان: أبو القاسم. الإسكافي الخوارزمي النوباغي. الأديب الضرير. توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، عن خمس وثمانين سنة. كان من أعيان فضلاء خوارزم. وهو فقيه أديب شاعر مترسل. وكان آخر عمره يعظ الناس ويذكرهم. ومن شعره:
ونار كالعقيقة في احمرار ... وفي حافاتها مسك وند
أمام الشيخ مولانا المرجي ... إمام ماله في الفضل ند

محمد بن عدنان: بن حسن. الشيخ الإمام العالم العابد الشريف السيد يحيى الدين العلوي الحسيني الدمشقي الشيعي المعتزلي شيخ الإمامية. ولد سنة تسع وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ولى مرى نظر السبع وولي ابناه زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر، نقابة الأشراف فماتا، واحتسبهما عبد الله تعالى. أخبرني غير واحد أنه لما مات كل منهما. كان يسجى ولده قدامه وهو قاعد يتلو القرآن لم تنزل دمعة عليه وكان كل منهما رئيس دمشق. وولي النقابة في حياته ابن ابنه شرف الدين عدنان بن جعفر. وكان محيي الدين ذا تعبد زائد وتلاوة وتأله وانقطاع بالمرة. واضر مدةً قبل موته. وكان يترضى عن عثمان رضي الله عنه ويتلو القرآن ليلاً ونهاراً ويتظاهر بالاعتزال، ينتصر له، ويبحث عليه.
محمد بن علي: بن علوان. الشيخ شمس الدين المزي عابر الرؤيا. كان ضريراً كثير التلاوة. وكان إليه المنتهى في تفسير المنامات. يضرب به المثل في وقته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمانين وستمائة.
محمد بن عيسى: بن سورة بن موسى. السلمي الحافظ. أبو عيسى الترمذي الضرير مصنف الكتاب الجامع. ولد سنة بضع ومائتين. وتوفي رحمه الله تعالى ثالث عشر شهر رجب الفرد سنة تسع وسبعين ومائتين. وسمع قتيبة بن سعيد، وأبا مصعب الزهري، وإبراهيم ابن عبد الله الهروي، وإسماعيل بن موسى السدي، وصالح بن عبد الله الترمذي، وعبد الله ابن معاوية، وحميد بن مسعدة، وسويد بن مطر المروزي، وعلي بن حجر السعدي، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأبا كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي معشر السدي، ومحمود بن غيلان، وهناد بن السري، وخلقاً كثيراً. وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري. وروى عنه حماد بن شاكر، ومكحول بن الفضل، وآخرون. وذكره ابن حبان في الثقاة. وقال: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر.
محمد بن عيسى: الفقيه الحنفي أبو عبد الله. بن أبي موسى الضرير. ولي القضاء زمن المتيق والمستكفي. وكان ثقة مشهوراً بالفقه والتصون. لا مطعن عليه. قتله اللصوص رحمه الله تعالى. في شهر ربيع الأول سنة وأربع وثلاثين وثلاثمائة.
محمد بن القاسم: بن خلاد بن ياسر اليمامي. الهاشمي. مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء. ولد سنة إحدى وتسعين ومائة. وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان قبل العمى أحول، قال: ياقوت قرأت في تاريخ دمشق، قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي. حدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال. سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي. يقول سمعت اسمعيل بن محمد النحوي. يقول سمعت أبا العيناء. يقول: أنا والجاحظ. وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه. إلا ابن شيبة العلوي. قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما كان. وكان جد أبي العيناء الأكبر، لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأساء المخاطبة بينه وبينه. فدعا عليه بالعمة له وتولد من بعده. فكل من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم، وقال المبرد: إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين وخرج من البصرة واعتلت عيناه. فرمى فيهما بما رمى. والدليل على ذلك قول أبي علي البصير فيه:
قد كنت خفت يد الزما ... ن عليك إذ ذهب البصر
لم أدر أنك بالعمى ... تغني ويفتقر البشر
وقال أحمد بن أبي داود لأبي العيناء: ما اشد؟ ما أصابك في ذهاب بصرك. قال ابدأ بالسلام، وكنت. أحب أن أكون أنا المبتدئ. وأحدث من لا يقبل على حديثي. ولو رايته لم اقبل عليه، فقال له ابن أبي داود: أما من بداك بالسلام. فقد كافأته بجميل نيتك له. ومت أعرض عن حديثك. إنما أكسب نفسه من سوء الأدب، أكثر مما نالك من سوء الاستماع. فأنشد أبو العيناء:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور
قلب ذكي وعقل غير خطل ... وفي فمي صارم كالسيف ماثور

وقال الخطيب: مولد أبي العيناء بالأهواز. ومنشاؤة بالبصرة. وبها كتب الحديث، وطلب الأدب. وسمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي عاصم النبيل، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم. وكان من أحفظ الناس، وأفصحهم لساناً، وأسرعهم جواباً، وأحضرهم نادرة. وانتقل من البصرة إلى بغداد، وكتب عنه أهلها، ولم يسند من الحديث إلا القليل. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات. وقال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. وقال جحظة: أنشدنا أبو العيناء لنفسه:
حمدت إلهي إذ بلاني بحبها ... على حول يغني عن النظر الشزر
نظرت إليها والرقيب يظنني ... نظرت إليه فاسترحت من الغدر
وقال محمد بن خلف بن المرزبان: قال لي أبو العيناء. أتعرف في شعراء المحدثين. رشيد الرياحي، قال: فقلت لا. قال بل هو القائل في:
نسب لابن قاسم ما تراث ... فهو لخير صاحب وقرين
أحول العين والخلائق زين ... لا احولال بها ولا تلوين
ليس لمرء شائناً حول العين ... إذا كان فعله لا يشين

فقلت له، وكنت قبل العمى. أحول؟ من السقم إلى البلى، فقال: هذا أظرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم. وقال: أيما أصلح؟ من السقم إلى البلى. أو حال العجوز. لا وأخذها الله! من القيادة إلى الزنا. وحمله بعض الوزارء على دابة. فانتظر علفها فلما ابطأ عليه، قال: أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليها أو حملتها علي. وقال له المتوكل يوماً: هل رأيت طالبياً؟ حسن الوجه، قال: نعم رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة واحداً. قال: تجده كان مؤاجراً. وكنت أنت تقود عليه، فقال: يا أمير المؤمنين أو بلغ هذا من فراغي. أدع موالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء، فقال المتوكل للفتح: أردت أن أشتفي منهم. فاشتفى مني لهم. وقال له يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك. فقال إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وقال ابن ثوابة يوماً: كتبت أنفاس الرجال، فقال: حيث كانوا وراء ظهرك. وقال له يوماً نجاح بن سلمة: ما ظهورك؟ وقد خرج توقيع أمير المؤمنين في الزنادقة، فقال له: استدفع الله عنك وعن أصهارك. ودخل يوماً على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. وهو يلعب بالشطرنج، فقالت: في أي الحيزين أنت، فقال: في حيز الأمير أيده الله. وغلب عبيد الله، فقال: يا أبا العيناء قد غلبنا. وقد أصابك خمسون رطل ثلج. فقام ومضى إلى ابن ثوابة. وقال: إن الأمير يدعوك. فلما دخلا. قال: أيد الله الأمير قد جئتك. بجبل همذان، وماسبذان، ثلجاً. فخذ منه ماشئت. ومر يوماً على دار عدو له. فقال: ما خبر أبي محمد. فقالوا كما تحب. قال: فمالي لا أسمع. الرنة والصياح. ووعده ابن المدبر بدابة. فلما طالبه قال: أخاف أن أحملك عليها فتقطعني ولا أراك. فقال: عدني أن تضم إليها حماراً. لاواظب مقتضياً. ووعده يوماً أن يعطيه بغلاً. فلقيه في الطريق، فقال له: كيف أصبحت يا أبا العيناء. فقال: أصبحت بلا بغل. فضحك منه وبعث به إليه، وقالت له: قينة هب لي خاتمك أذكرك به. فقال لها: اذكري أنك طلبته مني ومنعتك. وقال له محمد بن مكرم: هممت أن آمر غلامي أن يدوس بطنك. فقال: الذي تخلفه على عيالك إذا ركبت، أو الذي تحمله على ظهرك إذا نزلت. وقيل له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم. فقال: هما. الخمر والميسر وإثمهما من نفعهما، ولما استوزر صاعد عقيب إسلامه، صار أبو العيناء إلى بابه. فقيل له يصلي، فعاد. فقيل يصلي. فقال: معذور لكل جديد لذة. وحضره يوماً ابن مكرم، وأخذ يؤذيه، فقال ابن مكرم، الساعة والله انصرف. فقال ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك. وقال له: يوماً يعرض به: كم عدد المكديين بالبصرة، فقال. عدد البغايين ببغداد. وقال ابن مكرم يوماً: مذهبي الجمع بين الصلاتين. فقال له: صدقت. تجمع بينهما بالترك. وقال له أبو الحمار المغني: هل تذكر سالف معاشرتنا، فقال: إذ تغنينا ونحن نستعفيك. وقال له علي بن الجهم: إنما تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان يقتل الفاعل والمعول وأنت أحدهما، وقال له يوماً: يا مخنث، فقال وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. وقال له عبيد اله بن سليمان: اعذرني فإني مشغول عنك، فقال له: إذا فرغت لم أحتج إليك. وسلم نجاح بن سلمة. إلى موسى بن عبد الملك ليستاديه مالاً. فتلف في المطالبة. فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء، وقال له: ما عندك من خير نجاح قال فوكزه موسى فقضى عليه. فبلغت كلمته موسى فلقيه، فقال له: أبي تولع والله لأقومنك، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس. وغداه ابن مكرم يوماً. فقدم إليه عراقاً فلما جسه قال له: قدركم هذه طبخت بالشطرنج. وقدم يوماً إليه قدراً. فوجدها كثيرة العظام، فقال له: هذه قد رأم قبر. وقال له رجل من بني هاشم: بلغني أنك بغاء، فقال: وما أنكرت من ذلك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. مولى القوم منهم، فقال: إنك دعي فينا. قال: بغائي صحح نسبي فيكم. وأكل عند ابن المكرم. فسقى على المائدة ثلاث شربات باردة. ثم استسقى فسقى شربةً، فقال: لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع. وقال له العباس ابن رستم يوماً: أنا أكفر منك، قال لأنك تكفر ومعك خفير مثل عبيد الله بن يحيى وابن أبي داود، وأنا أكفر بلا خفارة. ودخل يوماً إلى المتوكل. فقدم إليه طعاماً. فغمس أبو العيناء لقمته في خل كان حامضاً، فأكلها وتأذى بالحموضة. وفطن المتوكل فجعل يضحك، فقال: لا تلمني

يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " . وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم.يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " . وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم.

محمد بن محمد: المعروف بابن الجبلي. الفرجوطي بالفاء والراء والجيم والواو والطاء المهملة. كان له مشاركة في الفقه والفرائض. ومعرفة بالقرآت. وله أدب وشعر ومعرفة بحل الألغاز والأحاجي. وكان ذكياً. جيد الإدراك. خفيف الروح. حسن الأخلاق. كف بصره آخر عمره. قال كمال الدين جعفر الأدفوي: اجتمعت به كثيراً وأنشدني من شعره وألغازه. وتوفي رحمه الله تعالى بفر جوط. في شهر الله المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. ومن شعره:
وشاعر يزعم من غرة ... وفرط جهل أنه يشعر
يصنف الشعر ولكنه ... يحدث من فيه ولا يشعر
ومنه في النبق:
نظر إلى النبق في الأغصان منتظماً ... والشمي قد أخذت تجلوه في القضب
كأن صفرته للناظرين غدت ... تحكى جلاجل قد صيغت من الذهب
محمد بن محمد: ين أحمد بن إسحاق. الحافظ الحاكم الكبير. النيسابوري الكرابيسي أبو أحمد. صاحب التصانيف. سمع بنيسابور وبغداد والكوفة وطبرية ودمشق ومكة والبصرة وحلب والثغور. وروى عنه جماعة. كف بصره سنة سبعين. وكان حافظ عصره. وتغير حفظه لما كف ولم يختلط قط. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وله ثلاث وتسعون سنة. قال أبو عبد الله: الحاكم أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة. وكان من الصالحين الثابتين على الطريق السلفية، ومن المنصفين فيما يعتقده في أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم. تقلد القضاء في مدن كثيرة.
وصنف على صحيحي البخاري ومسلم، وعلى جامع الترمذي، وله كتاب الأسماء والكنى، وكتاب العلل، والمخرج على كتاب المزني، وكتاب الشروط، وكان بها عارفاً. وصنف الشيوخ والأبواب. وقلد قضاء الشاش، وحكم بها أربع سنين، ثم قضا طوس. وكان يحكم بين الخصوم فإذا فرغ أقبل على التصنيف بين يديه. وقدم نيسابور سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأقبل على العبادة والتأليف.
محمد بن محمد: بن الحسين بن صالح. أبو الفضل الضرير الحنفي. المعروف بزين الأئمة. كان له معرفة تامة بالفقه. وناب في التدريس عن قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي بمشهد أبي حنيفة. ثم درس بالمدرسة الغياثية. سمع أبا الفضل أحمد بن خيرون، وأبا طاهر أحمد ابن الكرجي، وأبا علي أحمد البرداني الحافظ، وغيرهم. وسمع منه أبو محمد بن الخشاب، وأبو بكر الخفاف. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
محمد بن محمد: بن بقية. بالباء الموحدة والقاف والياء آخر الحروف، على وزن هديه الوزير. أبو الطاهر. نصير الدولة وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه. كان من جلة الوزراء وأعيان الكرماء وأكابر الرؤساء يقال إن راتبه في الشمع كان في كل شهر ألف من. وكان من أهل أو أنا من عمل بغداد. وفي أول أمره توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة، ثم نقل في غير ذلك من الولايات والخدم. ولما مات معز الدولة حسنت حاله عند ولده عز الدولة. ورعى له خدمته لأبيه. فاستوزره في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة. وستر عيوبه كرمه. خلع في عشرين يوماً عشرين ألف خلعه. وقال أبو إسحاق الصابي: رأيته في ليلة يشرب وكلما لبس حلة خلعها على احد الحاضرين. فزادت على مائة خلعة. وقالت له مغنية: في هذه الخلع زنانير ما تدعك تلبسها. فضحك وأمر لها بحقة حلي. ثم إن عز الدولة قبض عليه. لسبب بطول ذكره. حاصله أنه حمله على محاربة ابن عمه عضد الدولة فالتقيا على الأهواز وكسر عز الدولة. وفي ذلك يقول أبو عنان الطيب بالبصرة
أقام على الأهواز خمسين ليلةً ... يدبر أمر الملك حتى تدمرا
فدبر أمراً كان أوله عمىً ... وأوسطه بلوي وآخره خرا

ولما قبض عليه بمدينة واسط سمل عينيه ولزم بيته إلى أن مات عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد فطلبه لما كان يبلغه عنه من الأمور القبيحة. منها انه كان يسميه أبا بكر الغددي تشبيهاً له برجل أشقر أنمس يبيع الغدد للسنانير. والظاهر أن أعداءه كانوا يفعلون به ذلك ويفتعلونه. فلما حضر ألقاه تحت أرجل الفيلة. فلما قتلته. صلبه بحضرة البمارستان العضدي ببغداد. وذلك يوم الجمعة لست خلون من شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة. وكان قد نيف على الخمسين ورثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد بقصيدة لم يسمع في مصلوب أحسن منها: وأولها.
علو في الحياة وفي الممات ... بحق أنت إحدى المعجزات
كان الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلاة
كأنك قائم فيهم خطيباً ... وكلهم قيام للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً ... كمد كها إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحفاظ وحراث ثقات
وتشعل عندك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيةً من قبل زيد ... علاها في السنين الذاهبات
ولم أر قبل جذعك قط جذعاً ... تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثار النائبات
وكنت تجير من صرف الليالي ... فعاد مطالباً لك بالترات
وصير دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعسر سعداً فلما ... مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليل باطن لك في فؤادي ... يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام ... بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات
ومالت تربة فاقول تسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى ... برحمات غواد رائحات
وكتبها الشاعر المذكور. ورمى بها نسخاً في شوارع بغداد. فتداولها الأدباء إلى أن وصل خبرها إلى عضد الدولة وأنشدت بين يديه. فتمنى أن يكن هو المصلوب دونه. وقال: علي بهذا الرجل. فطلب سنةً كاملةً واتصل الخبر بالصاحب ابن عباد فكتب له إلى عضد الدولة بالأمان فحضر إليه. فقال له الصاحب: أنشدنيها فلما بلغ قوله ولم أر قبل جذعك البيت قام إليه وقبل وفاته وأنفذه إلى عضد الدولة. فقال له: ما حملك على رثاء عدوي. قال: حقوق وجبت، وأياد سلفت فجاش الحزن في قلبي فرثيته. وكان بين يدي عضد الدولة شموع تزهر. فقال: هل يحضرك شيء في الشموع. فأنشد:
كان الشموع وقد أظهرت ... من النار في كل رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين ... تضرع تطلب منك الأمانا
فخلع عليه وأعطاه فرساً وبدرةً. ولم يزل ابن بقية المذكور مصلوباً إلى أن توفي عضد الدولة رحمهما الله تعالى.
محمد بن محمد: بن علي المقرئ. العكبري الجوزراني بالجيم والواو الساكنة وزاي بعدها راء وألف ونون، وهي قرية قرب عكبراء من نواحي بغداد. كان ضريراً من أهل القرآن والحديث. سمع أبا الحسن محمد بن أحمد رزقويه، وغيره. وروى الحافظ ابو محمد الاشعثي، وغيره عنه. ومات الجوزراني في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.

محمد بن محمود: ين سبكتكين. لما توفي والده كان ولده مسعود أخو محمد هذا غائباً. فقدم نيسابور وقد استتب أمر أخيه محمد. بوصية من أبيه. واجتمعت الكلمة عليه وغمر الناس ببذل الأموال فيهم. فراسل أخاه محمداً ومال الناس إليه. لقوة نفسه، وتمام هيبته. وزعم أن الإمام القادر ولاه خراسان، وسماه الناصر لدين اله وخلع عليه وطوقه سواراً، فقوى أمره لذلك. وكان محمد سيء التدمير منهمكاً في ملاذه. فاجتمع الجند على عزل محمد وولاية مسعود. وفعلوا ذلك وقبضوا على محمد وحملوه إلى قلعة. ووكلوا له واستقر الأمر لمسعود. وجرى له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها. وقتل سنة ثلاثين وأربعمائة. واستولى على الممكلة بنو سلجوق. وقاسى الناصر المذكور شدائد عظيمةً في حروب بني سلجوق. وثبت ثباتاً عظيماً. هكذا ذكره ابن خلكان رحمه الله تعالى في ترجمة محمود أبيه. وقال غيره: إن مسعود خلع أخاه محمداً وسجنه وسمل عينيه وحكم على خراسان والهند وغير ذلك. ثم إن الجيش أطاعوا أخاه محمداً لمسمول وعاد إلى الملك وقتل أخاه مسعوداً سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. والله أعلم.
محمد بن المسيب: بن إسحاق بن عبد الله النيسابوري. الأرغياني الأسفنجي. الحافظ الجوال الزاهد. روى عنه ابن خزيمة مع جلاله قدره وتقدمه. قيل إنه بكى حتى عمي. وكان من العباد المجتهدين. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
محمد بن مصطفى: بن زكرياء بن خواجا حسن فخر الدين التركي الصلغري الدوركي الحنفي. أخبرني الشيخ أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال صلغر فخذ من الترك ودورك بلد بالروم. مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة دورك. كان شيخاً فاضلاً عنده أدب. وله نظم ونثر. وقد نظم القدوري، في الفقه. نظماً فصيحاً سهلاً جامعاً. ونظم قصيدة في النحو تضمنت أكثر الحاجبية. وفخر الدين هذا كتبنا عنه لسان الترك ولسان الفرس. وكان عالماً باللسانين، يعرفهما إفراداً وتركيباً. أعانه على ذلك مشاركته في علم العربية وله قصائد كثيرة، منها قصيدة في قواعد لسان الترك، ونظم كثير في غير فن، وانشدني كثيراً منه.
ردس بالحسامية الفقه على مذهب أبي حنيفة. وكان قديماً قد تولى الحسبة بغزة. وكان بارع الخط، جميل العشرة، متواضعاً منصفاً، تالياً للقرآن، حسن النغمة. وقد أدب بقلعة الجبل بعض أولاد الملوك. قلت: هو السلطان الملك الناصر. قال الشيخ أثير الدين: وعمى في آخر عمره. وأنشدني من قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم:
قالوا اتخذ مدح النبي محمد ... فينا شعارك إن شعرك ريق
وعلى بنانك لليراعة بهجة ... وعلى بيانك للبراعة رونق
يا قطب دائرة الوجود باسره ... لولاك لم يكن الوجود المطلق
مذ كنت أوله وكنت أخيره ... في الخافقين لواء مجدك يخفق
كل الوجود إلى جمالك شاخص ... فإذا اجتلاك فعن جلال يطرق
كنت النبي وآدم في طينه ... ما كان يعلم أي خلق يخلق
فأتيت واسطة لعقد نبوة ... منها أنار عقيقها والابرق
قلت: شعر جيد فصيح.
محمد بن مكرم: بتشديد الراء ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الإفريقي ثم المصري. القاضي جمال الدين أبو الفضل. من ولد رويفع بن ثابت الصحابي. سمع بن يوسف بن المخيلي، وعبد الرحمن بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقير، وطائفة. وتفرد وعمر وكبروا وأكثروا عنه. وكان فاضلاً وعنده تشيع. بلا رفض. خدم في ديوان الإنشاء بمصر. ثم ولى نظر طرابلس. وكتب عنه الشيخ شمس الدين الذهبي. أخبرني العلامة اثير الدين أبو حيان رحمه الله قال: ولد المذكور يوم الإثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وسبعمائة. قال وأنشدني لنفسه من نظمه سنة إحدى وثمانين وستمائة.
ضع كتابي إذا أتاك إلى الأ ... رض وقلبه في يديك لماما
فعلى ختمه وفي جانبيه ... قبل قد وضعتهن نؤاما
كأن قصدي بها مباشرة الأر ... ض وكفيك بالتثامي إذا ما
ومن شعر جمال الدين بن مكرم:
بالله إن جزت بوادي الأراك ... وقبلت عيدانه الخضر فاك

ابعث إلى المملوك من بعضه ... فإنني والله مالي سواك
قلت: هو والد القاضي قطب الدين بن المكرم، كاتب الإنشاء الشريف بمصر، الصائم الدهر، المجاور بمكة زماناً. أخبرني قطب الدين المذكور بقلعة الجبل في ديوان الإنشاء أن والده ترك بخطه خمسمائة مجلد. قلت: وما أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره. من ذلك: كتاب الأغاني الكبير، رتبه على الحروف مختصراً. وزهر الآداب للحصري. واليتيمة. والذخيرة. ونشوان المحاضرة. واختصر تاريخ ابن عساكر. وتاريخ الخطيب. وذيل ابن النجار عليه. وجمع بين صحاح الجوهري، وبين المحكم لابن سيده، وبين الأزهري، في سبع وعشرين مجلدة. ورأيت أنا أولها بالقاهرة، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن: كالشيخ بهاء الدين بن النحاس، وشهاب الدين محمود، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وغيرهم. واختصر صفوة الصفوة . ومفردات ابن البيطار. وكتاب التيفاشي. فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب، اختصره في عشر مجلدات، وسماه سرور النفس. ورأيت كتاب الصحاح للجوهري، في مجلدة واحدة بخطه، في غاية الحسن. ولم يزل يكتب لي أن أضر وعمي في آخر عمره. رحمه الله تعالى.
محمد بن منهال: التميمي المجاشعي البصري الضرير الحافظ. أبو جعفر. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود. وروى عنه النسائي بواسطة. قال العجلي: بصري ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى.محمد بن موهوب: بن السحن. أبو نصر الفرضي الضرير. كان أوحد وقته في علم الفرائض والحساب. وله مصنفات حسنة في ذلك. قرأ عليه جماعة وتخر جوابه. وذكره ابن كامل الخفاف في معجم شيوخه الذين سمع منهم، ولم تخرج عنه حديثاً. وكان لا يأخذ أجرة على تعليمه الفرائض والحساب. ولكن يأخذ الأجرة على تعليمه الجبر والمقابلة، ويقول: الفرائض مهمة. وهذا العلم من الفضل.
محمد بن هبة الله: بن ثابت. الإمام أبو نصر البندنيجي الشافعي. كان من أكبر أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. سمع وحدث. كان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة " قل هو الله أحد " . ويعتمر في شهر رمضان ثلاثين عمرة. وهو ضرير يؤخذ بيده. وتوفي رحمه الله بمكة. سنة خمس وتسعين وأربعمائة. محمد بن الهذيل: بن عبد الله بن مكحول. أبو الهذيل. العلاف البصري المعتزلي. قيل اسمه أحمد. كان من أجلاد القوم راساً في الاعتزال. ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه، يعرفون بالهذيلية يقولون بمقالاته.
زعم أن أهل الجنة تنتقطع حركاتهم حتى لا يتكلمون كلمة وينقطع نعيمهم. وكذلك أهل النار خمود سكوت. وتجتمع اللذة لأهل الجنة، والآلام لأهل النار في ذلك السكون. وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان. لأنه حكم بفناء أهل الجنة والنار. وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب. لأنه التزم في مسالة حدوث العالم أن الحوادث التي لا اول لها كالحوادث التي لا آخر لها، إذ كان كل واحد منهما لا يتناهى. قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم. فظن أن ما التزم من الأشكال في الحركة لا يلزمه في السكون. وغلط في ذلك بل هو لازم. فلا فرق في امتناع عدم التناهي بين الحركات والسكون. وأثبت إرادات لا في محل. وهو أول من أحدث هذه المقالة. وتابعه عليها جماعة من المتأخرين: وقال: بعض كلام الباري لا في محل، وهو قوله: كن. وبعضه في محل، كالأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار. وابتدع القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولو مات بأجله، حتى لو فرضنا أنه لم يقتل لبقي إلى اجله فيموت. وكذلك من أكل حراماً، لم يأكل رزقه. وانفرد بأشياء غير هذه.
ويروى أن المأمون قال لحاجبه: من بالباب؟ قال: أبو الهذيل العلاف، وعبدالله بن أباض الخارجي، وهشام بن الكلبي الرافضي. فقال المأمون: ما بقي من رؤس جهنم أحد إلا وقد حضر.
وشرب مرة عند أناس فراود غلا ماأمرد. فضربه بتور فدخل في رقبته. فاحضروا له حداداً حتى فكه من عنقه.

وقال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان عمري خمس عشرة سنة. فبلغني أن يهوديا قدم البصرة وقطع كل من فيها. فقلت لعمي: امض بي إليه حتى أناظره. فقال: لا طاقة لك به. فقلت : بلى. فمضينا إليه فوجدته في إثبات نبوة موسى وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: نحن قد اتفقنا على نبوة موسى، فأثبتوا لنا نبوة محمد حتى نقربه. فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال مستصغراً: أو ما ترى ما فعلت بمشايخك؟ فقلت: دع هذا واسألني أو أسألك. فقال: أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله؟ أتقر بهذا أم تجحده؟ فقلت له: سألتني عن نبوة موسى. وهذا على أمرين، أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر بإتباعه. فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به. وهو نبي. والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد، ولا بشر به ولا أمر بأتباعه، فلا أقر به ولاأعرفه، فإنه شيطان. فتحير اليهودي ثم قال لي: ماتقول في التوراة؟ فقلت: أيضاً هي منقسمة إلى قسمين: توراة فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به والأمر بأتباعه، فهي التوراة الحق المنزلة. وتوراة ليس فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ولا البشارة به، فهي باطلة ولا أصدق بها. فتحير اليهودي وانقطع. ثم قال لي: إني أريد أن أشارك في شئ. فتقدمت إليه، فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي. فظن أني أرد عليه وأضار به بحضرة الناس، فيقول إنهم قد تغلبوا علي. فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد. فأخذته الأيدي بالنعال. فخرج هاربا من البصرة.
وقال المسعودي في مروج الذهب: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين. وكان قد كف بصره، وخرف آخر عمره إلا أنه كان لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه. ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له.
وقيل ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين. وحكى عنه أنه لقى صالح بن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه، فقال أبو الهذيل: لا أرى لجزعك عليه وجهاً، إذ كان الإنسان عندك كالزرع. فقال صالح: يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك. فقال: وما كتاب الشكوك؟ قال: كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، ويشك فيما لم يكن حتى كأنه قد كان. فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت، وإن كان قد مات. وشك في قراءته الكتاب وأعمل على أنه قرأه، وإن لم يكن قرأه. فأخجله. وقيل إن الذي قال ذلك إبراهيم النظام ابن أخت أبي الهذيل. وهو الصحيح. ولأبي الهذيل: كتاب يعرف بميلاس. وكان ميلاس هذا مجوسيا جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل . فأسلم فيلاس عند ذلك.
محمد بن يعقوب: بن يوسف بن معقل بن بشار. أبو العباس الأموي مولاهم النيسابوري الأصم. كان يكره أن يقال له الأصم. قال الحاكم إنما ظهر به الصمم بعد إنصرافه من الرملة فاستحكم فيه حتى بقي لايسمع نهيق الحمار. وكان محدث عصره بلا مدافعة. حدث في الإسلام ست وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه. وضبط والده يعقوب الوراق لها. أذن سبعين سنة في مسجده. وكف بصره بأخرة. وانقطعت الحلة إليه. ورجع أمره إلى أن كان يناول قلما فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها: وهي أربعة عشر حديثا. وسبع حكايات. وصار بأسوء حال. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة. قال الحاكم: سمعت أبا العباس يقول: رأيت أبي في المنام. فقال لي: عليك بكتاب البويطي، فليس في كتب الشافعية مثله.

محمد بن يوسف: بن علي بن يوسف بن حيان. الشيخ الأمام الحافظ العلامة. فريد العصر وشيخ الزمان، وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي النفزى بالنون والفاء والزاي. قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وبلاد إفريقية، وثغر الإسكندرية، وديار مصر، والحجاز. وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك. واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد، ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب. ولم أره على غير ذلك. وله إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم. وله نظم ونثر. وله الموشحات البديعة. وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها. وأما النحو والتصريف، فهو إمام الدنيا في عصره فيهما، لم يذكر معه أحد في أقطار الأرض. وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، خصوصاً المغاربة. ويقيد أسماؤهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم، لأنهم مجاورو بلاد الفرنج، وأسماؤهم قريبة منهم وألقابهم كذلك. كل ذلك قد جرده وحرره وقيده. والشيخ شمس الدين الذهبي. له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة، وأجابه عنها. وله التصانيف التي سارت وطارت، وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودريت، ونسخت وما نسخت. أخملت كتب الأقدمين، وألهت المقيمين بمصر والقادمين. وقرأ الناس عليه. وصاروا أئمةً وأشياخاً في حياته.
وهو الذي جسر الناس على مصنفات السيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله، ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها، وفتح لهم مقفلها. وكان يقول عن مقدمة بن الحاجب هذه نحو الفقهاء.
والتزم أن لا يقرأ أحداً إلا إن كان في كتاب سيبويه، أو في التسهيل لإبن مالك، أو في تصانيفه.
ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً، وأخذ منه كتب الأدب.
وكان شيخاً حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشرباً بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، لم تكن كثة.
عبارته فصيحة لغة الأندلس، يعقد القاف قريباً من الكاف، على أنه ينطق بها في القرآن فصيحةً. وسمعته يقول: ليس في هذه البلاد من يعقد حرف القاف.
وكانت له خصوصية الأمير سيف الدين أرغون النائب الناصري، ينبسط معه ويبيت عنده. ولما توفيت إبنته نضار. طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له.
وكان أولاً يرى رأي الظاهرية. ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه. وتولى تدريس التفسير بالقبة النصورية والإقراء بجامع الأقمر. وقرأت عليه الأشعار الستة وكان يحفظها، والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية، وسمعوها بقراءتي عليه. وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبأيدي الجماعة قريب من إثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري. ووقع منه الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة. وقال لي: لم أر بعد بن دقيق العيد أفصح من قراءتك. ولما وصلت إلى المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي، قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب. فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له. فقال لي: لا تتعب معي. فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً، ولا أفاد ولا ظهر لي. وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة، لاعترافه لي في مثل ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك، وقرأت عليه سقط الزند لأبي العلاء المعري، وبعض الحماسة لأبي تمام الطائي، ومقصورة إبن دريد. وسمعت من لفظه كتاب الفصيح لثعلب. وكان يحفظه. وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراآت السبع لإبن بليمة. وسمعت من لفظه خطبة كتاب إرتشاف الضرب من لسان العرب. وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه. وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر، وغيرذلك. وأنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله
وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم يجيد وهو ابن مقلة
وأنشد أيضاً في صفات الحروف:
أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوة
أهمس القول وهو يجهر سبى ... وإذا ما انخفضت أظهر علوة

فتح الوصل ثم أطبق هجراً ... بصفير والقلب قلقل شجوه
لان دهراً ثم اغتدى ذا إنحراف ... وفشا السر مذ تكررت نحوه
وأنشدني من لفظة لنفسه:
يقول لي العذول ولم أطعه ... تسل فقد بدا للحب لحيه
تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه
وأنشدني من لفظه لنفسه:
راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض
وأنشدني من لفظه في أحدب
تعشقته أحدباً كيساً ... يحاكي نجيباً حنين البغام
إذا كدت أسقط من فوقه ... تعلقت من ظهره بالسنام
وأنشدني من لفظه لنفسه في أسود:
علقته بشجى اللحظ حالكه ... ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا
قد صاغه من سواد العين خالقه ... وكل عين إليه تقصد النظرا
وأنشدني من لفظه لنفسه:
تعشقته شيخاً كأن مشيبة ... على وجنتيه ياسمين على ورد
أخا العقل يدري ما يراد من النهى ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحى ناس وناس إلى المرد
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد
وسد اللحى أبصرت فيهم مشاركاً ... فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي
وأما تصانيفه فهي: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم. اتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب. كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار، شرحاً لكتاب سيبويه. كتاب التجريد، لأحكام سيبويه. كتاب التذييل والتكميل، في شرح التسهيل. كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل. كتاب التذكرة. كتاب المبدع في التصريف. كتاب الموفور. كتاب التقريب. كتاب التدريب. كتاب غاية الإحسان. كتاب النكت الحسان. كتاب الشذا في مسألة كذا. كتاب الفصل في أحكام الفصل. كتاب اللمحة. كتاب الشذرة. كتاب الإرتضاء في الفرق بين الضاد والظاء. كتاب عقد اللىلي. كتاب نكت الأمالي. كتاب النافع في قراءة نافع. كتاب الأثير في قراءة ابن كثير. المورد الغمر في قراءة أبي عمرو. الروض الباسم في قراءة عاصم. المزن الهامر في قراءة ابن عامر. الرمزة في قراءة حمزه. تقريب الناتئ في قراءة الكسائي. غاية المطلوب في قراءة يعقوب، قصيدة. النير الجلي في قراءة زين بن علي. الوهاج في اختصار المنهاج. الأنور الأجلي في اختصار المجلي. الحلل الحالية في أسانيد القراآت العالية. كتاب الإعلام بأركان الإسلام. نثر الزهر ونظم الزهر. قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي. فهرست مسموعاته. نوافث السحر في دمائث الشعر. كتاب تحفة الندس في نحاة الأندلس. الأبيات الوافية في علم القافية. جزء في الحديث. مشيخة أبي المنصور. كتاب الإدراك للسان الأتراك. زهر الملك في نحو الترك. نفحة المسك في سيرة الترك. منطق الخرس في لسان الفرس. ومما لم يكمل تصنيفه إلى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة حسب ما كتب به خطه لي. مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد. كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك. نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب، رجز. مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر. خلاصة البيان في علمي البديع والبيان، رجز. نور الغبش. في لسان الحبش. المخبور في لسان اليحمور.
ومولده بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري صفر بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وقلت أنا أرثيه رحمه الله تعالى:
مات أثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا
ورق من حزن نسيم الصبا ... واعتل في الأسحار لما سرى
وصادحات الأيك في دوحها ... رئته في السجع على حرف را
ياعين جودي بالدموع التي ... تروي بها ما ضمه من ثرى
واجرى دماً فالخطب في شأنه ... قد اقتضى أكثر ما جرى
مات إمام كان في علمه ... يرى أماماً والورى من ورا
أمسى منادي للبلى مفرداً ... فضمه القبر على ما ترى

يا أسفاً كان هدىً ظاهراً ... فعاد في تربته مضمرا
وكان جمع الفضل في عصره ... صح فلما أن قضى كسرا
وعرف العلم به برهةً ... والآن لما أن مضى نكرا
وكان ممنوعاً من الصرف لا ... يطرق من وافاه خطب عرا
لاأفعل التفضيل ما بينه ... وبين من أعرفه في الورى
لا بدل عن نعته بالتقى ... ففعله كان له مصدرا
لم يدغم في اللحد إلا وقد ... فك من الصبر وثيق العرى
بكى له زيد وعمرو فمن ... أمثلة النحو وممن قرا
ما أعقد التسهيل من بعده ... فكم له من عسرة يسرا
وجسر الناس على خوضه ... إذ كان في النحو قد استبحرا
من بعده قد حال تمييزه ... وحظه قد رجع القهقرى
شارك من قد ساد في فنه ... وكم له فن به استاثرا
داب بني الآداب أن يغسلوا ... بدمعهم فيه بقايا الكرى
والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا
واللغة الفصحى غدت بعده ... يلغى الذي في ضبطها قررا
تفسيره البحر المحيط الذي ... يهدي إلى وارده الجوهرا
فوائد من فضله جمة ... عليه فيها نعقد الخنصرا
وكان ثبتاً نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إذ اسفرا
ورحلة في سنة المصطفى ... أصدق من يسمع إن خبرا
له الأسانيد التي قد علت ... فاستفلت عنها سوامي الذرا
ساوى بها الأحفاد أجدادهم ... فاعجب لماض فاته من طرا
وشاعراً في نظمه مفلقاً ... كم حرر اللفظ وكم حبرا
له معان كلما خطها ... تستر ما يرقم في تسترا
أفديه من ماض لأمر الردى ... مستقبلاً من ربه بالقرى
ما بات في أبيض أكفانه ... إلا وأضحى سندساً أخضرا
تصافح الحور له راحةً ... كم تعبت في كل ما سطرا
إن مات فالذكر له خالد ... يحيى به من قبل أن يقبرا
جاد ثرىً واراه غيث إذا ... مساه بالسقيا له بكرا
وخصه من ربه رحمة ... تورده في حشره الكوثرا
وكنت كتبت إليه من رحبة مالك بن طوق في سنة تسع وعشرين وسبعمائة في ورق أحمر:
لو كنت أملك من دهري جناحين ... لطرت لكنه فيكم جنى حيني
يا سادةً نلت في مصر بهم شرفاً ... أرقى به شرفاً تتأى عن العين
وإن جرى لسما كيوان ذكر علاً ... أحلني فضلهم فوق السماكين
وليس غير أثير الدين اثله ... فساد ما شاد لي حقاً بلا مين
حبر ولو قلت إن الباء رتبتها ... من قبل صدقك الأقوام في ذين
أحي علوماً أمات الدهر أكثرها ... مذ خلدت خلدت ما بين دفين
يا واحد العصر ما قولي بمتهم ... ولا أحاشي امرأ بين الفريقين
هذي العلوم بدت من سيبويه كما ... قالوا وفيك انتهت يا ثاني اثنين
فدم لها وبودي لو أكون قدىً لما ينالك في الأيام من شين
يا سيبويه الورى في العصر لا عجب ... إذا الخليل غدا يفديك بالعين
يقبل الأرض وينهى ما هو عليه من الأشواق التي برحت بالمها، وأجرت الدموع دماً وهذا الطرس الأحمر يشهد بدمها، وأربت بسحها على السحائب، وأين دوام هذه من ديمها، وفرقت الأوصال على السقم لوجود عدمها.
فيا شوق ما أبقى ويالي من النوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما اصبا
ويذكر ولاءه الذي تسجع به في الروض الحمائم، ويسير تحت لوائه مسير الرياح بين الغمائم، وبناؤه الذي يتضوع كالزهر في الكمائم. ويتنسم تنسم هامات الربا إذا لبست من الربيع ملونات العمائم.
ويشهد الله على كل ما ... قد قلته والله نعم الشهيد

محمد بن يوسف: بن عبد الغني بن محمد بن ترشك بالتاء ثالثة الحروف والراء وشين معجمة وبعدها كاف. الشيخ الصالح الورع العالم الناسك تاج الدين المقرئ الصوفي الحنبلي البغداي. مولده ثالث عشر شهر رجب سنة ثمان وستين وستمائة ببغداد. حفظ القرآن المجيد في صباه بالروايات وأقرأه. وسمع الكثير من ابن حصين ومن في طبقته. وإجازاته عالية. وروى وحدث وسمع منه خلق ببغداد وبدمشق وبغيرهما من البلاد. وكان ذا سمت حسن وخلق طاهر ونقس عفيفة رضية وصوت مطرب إلى الغاية. قدم الشام مراراً وحدث وحج غير مرة، ثم عاد إلى بلده. توفي رحمه الله تعالى سنة خمسين وسبعمائة وقد أضر بأخرة.
محمود بن همام: بن محمود. عفيف الدين. أبو الثناء. الإمام الزاهد المحدث المقرئ الأنصاري الدمشقي الضرير. كان فقيهاً مدققاً حسن الأداء للإقراء. وكان يصوم الدهر ويلازم الجامع. ولا يكاد يخرج منه إلا بعد العشاء للفطر. وسمع من الخشوعي، وابن عساكر، وطبقتهم، وابن طبرزد. ولازم الحافظ عبد الغني كثيراً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
مخرمة بن نوفل: بن أهيب بن زهرة بن كلاب القرشي. أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف. وهو والد المسور. وكان مخرمة من مسلمة الفتح وكان له سن وعلم يايام وقريش. كان يؤخذ عنه علم النسب. وكان أحد علماء قريش وكنيته أبو صفوان، وقيل أبو المسور، وقيل أبو الأسود، والأول أكثر.
روى عن الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة، قال: أخبرني المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي صفوان: يا أبا صفوان في حديث ذكره.
شهد مخرمة حنيناً وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه. وهو أحد الذين نصبوا أعلام الحرم لعمر رضي الله عنه.
توفي رضي اله عنه بالمدينة سنة أربع وخمسين للهجرة. وقد بلغ مائة وخمس عشرة سنة وكف بصره في زمن عثمان. وله من الولد صفوان والمسور والصلت الاكبر وام صفوان والصلت الأصغر وصفوان الأصغر والعطاف الأكبر والعطاف الأصغر ومحمد. استأذن مخرمة على رسول صلى الله عليه وسلم، فلما سمع صوته، قال: بئس أخو العشير. فلما دخل بش به. فلما خرج. قالت له عائشة في ذلك. فقال: يا عائشة أعهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس من يتقي شره.
مربع بن قيظي: وقيل ابن قطن. قال الدارقطني: كان مربع أعمى منافقاً. وهو الذي سلك النبي صلى الله عليه وسلم في حائطه لما خرج إلى أحد. فجعل مربع يحثو التراب في وجوه المسلمين. ويقول: إن كنت نبياً فلا تدخل حائطي.

المرزبان: بن فناخسرو هو الملك صمصام الدولة. أبو كاليجار بن عضد الدولة. ولي الملك بعد أبيه. لأنه لما توفي والده. أخفى خواصه موته وكتموه كتماناً بليغاً واستدعوا ابنه صمصام الدولة إلى دار المملكة. وأخرجوا عهداً من عضد الدولة بتوليته واستخلافه. وفيه مكتوب: قد قلدنا ابا كاليجار المرزبان بن عضد الدولة، والله يختار لنا وله حسن الخيرة. وبويع على ما في العهد. ثم إنهم التمسوا له من الطائع العهد والخلع واللواء. فبعث إليه بذلك جميعه. وجلس صمصام الدولة وقرئ العهد بين يديه. واستمر الحال على إخفاء موت عضد الدولة، إلى أن تمهد الامر لصمصام الدولة، واجتمعت الكلمة على الطاعة له. وكان صمصام الدولة، قد خاف من أخيه أبي الحسن أحمد فاعتقله، وكانت والدته ابنة نادر ملك الديلم، فخافهم صمصام الدولة. وعزمت أمه على كبس دار صمصام الدولة، وأن تلبس مثل الرجال، وتأتي بالرجال، وتخلص ولدها. فعلم بذلك صمصام الدولة فأطلقه وولاه شيراز وفارس. وقال له: الحق،قبل أن يصل إليها شرف الدولة. وأعطاه الأموال والرجال. فسبقه شرف الدولة إلى شيراز. وأقام أبو الحسن بالأهواز. بأبن أخاه صمصام الدولة وتلقب بتاج الدولة. وخطب لنفسه. فجهز إليه صمصام الدولة جيشاً من الترك والديلم، فهزمهم وقتل جماعة منهم. واستولى على الأهواز ووجد فيها أربعمائة ألف دينار وثلاثة آلاف وخمسمائة ثوب ديباج وأربعمائة رأس من الدواب. ووجد جمالاً وقماشاً. فاستولى على الجميع. وجاء الترك والديلم فاستخدمهم وأعطاهم وأحبوه وسار إلى البصرة فملكها ورتب فيها أخاه أبا طاهر ولقبه ضياء الدولة. ثم إنه في شهر رمضان سنة سبعين وثلاثمائة، شغب الجند على صمصام الدولة وفارقه أكثرهم وتسلل الأعيان منهم إلى شرف الدولة، منهم أبو نصر بن عضد الدولة. فعزم صمصام الدولة على الإصعاد إلى عكبرا. فبينا هو في ذلك. احتاطوا بداره وصاحوا بشعار شرف الدولة وخرقوا الهيبة. فانحدر إلى شرف الدولة بنفسه فتلقاه وأكرمه وأنزله في خيمة وأخدمه حواشيه ولما كان يوم العيد. جلس شرف الدولة جلوساً عاماً للتهنئة. ودخل الناس على طبقاتهم وجاء صمصام الدولة، فقبل الأرض ووقف عن يمين السرير. وجاء الشعراء وأنشدوا مدائحهم وغمز بعضهم في شعره بصمصام الدولة خبر. فقيل: حمل إلى فارس واعتقل بقلعة وكحل. وكانت مدة ايامه بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهراً.
وتوفي شرف الدولة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بعلة الاستسقاء. ونزل صمصام الدولة من القلعة التي كان بها محبوساً هو وأخوه أبو طاهر. وكانا قد أقاما معتقلين بها مدة. ولم يعلم أحد منهما بصاحبه.
ولما خلص صمصام الدولة من الاعتقال، سار إلى فارس وملك شيراز وأقام بها ملكاً إلى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. فاضطربت أموره. وتبسط الديلم عليه. وقصرت مواده عما يرضيهم. فاستولى الديلم على إقطاع والدته وحاشيته. وكان قد أسقط من الديلم ألف رجل، فتوجهوا إلى أبي نصر سهفيروزو أبي القاسم ابني عز الدولة بختيار، وهما مبحوسان في بعض قلاع فارس. وخدعوا الموكلين بهما. فصارت القلعة بحكمهما، وانضم إليهما الاكراد. فسار ابنا عز الدولة في جيش كثيف ومكا أرجان. ثم إنه مات ابن لصمصام الدولة، يقال له أبو شجاع. قد ترعرع ونشأ. فوجد عليه وجداً عظيماً ولم يبق بشيراز إلا من لبس السواد عليه. وكان صمصام الدولة يبكي عليه من أذنيه. وهذا من الغرائب. وأراد أن يصعد إلى القلعة، فلم يفتح له نائبها الباب. فدعا الأكراد واستوثق منهم واخذ أمواله وجواهره وكل ما يملكه. وطلب الأهواز. فما بعد عن شيراز حتى نهبوا جميع ما معه. وعرف أبو نصر خبره فبعث إليه جماعة من الديلم فقتلوه في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وكان عمره خمساً وثلاثين وسبعة اشهر وسبعة عشر يوماً. وإمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيام.
مسافر بن إبراهيم: مسلم بن إبراهيم: أبو عمرو. الأزدي الفراهيدي. مولاهم البصري الحافظ؟ روى عنه البخاري وأبو داود. وروى الباقون عن رجل عنه. وكان ثقة. وكان يروي عن سبعين امرأة. وكان لا يحتاج إلى الجماع وفيه سلامة. وتوفي رحمه الله تعالى في صفر سنة اثنتين وعشرين ومائتين.

مشرف بن علي: بن أبي جعفر بن كامل. الخالصي أبو العز الضرير المقرئ. قدم بغداد في صباه وأقام بها. وجود القرآن، وقرأ بالروايات. على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وأبي منصور مسعود بن عبد الواحد بن محمد بن الحصين، وأبي الحسن علي بن أبي الغنائم المشتركي. وسمع الكثير من ابن الشهرزوري، ومسعود بن الحصين، وأبي الوقت عبد الاول وأبي بكر بن سلامة، وأحمد بن الصدر، وغيرهم. قال ابن النجار: كتبت عنه. وكان صدوقاً شيخاً صالحاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان عشرة.
مظفر بن إبراهيم: بن جماعة بن علي بن سامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق. أبو العز. موفق الدين الغيلاني الحنبلي الشاعر المصري. كان أديباً شاعراً مجيداً. صنف في العروض مختصراً جيداً، دل على حذقه. وله ديوان شعر. ولد في جمادى الآخرة سنة أربع واربعين وخمسمائة بمصر. وتوفي بها رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ودفن بسفح المقطم. ومن شعره:
كانما مشمشنا ... في الياسمين اليقق
جلاجل من ذهب ... في ورق من ورق
ومنه في الشمعة:
جاءت بجسم لسانه ذهب ... تبكي وتشكو الهوى وتلتهب
كأنها في يمين حاملها ... رمح لجين سنانه ذهب
ومنه:
ومورد الوجنات أخفى حبه ... عنه ولا يخفى عليه تموهي
في خده لعذاره ولخاله ... حرفان من يقرأهما يتأوه
ومنه:
قبلته فتلظى جمر وجنته ... وفاح من عارضيه العنبر العبق
وجال بينهما ماء ومن عجب ... لا ينطفي ذاوولاذامنه يحترق
ومنه:
مولاي زرت وما عليك رقيب ... ومضيت والسلوان عنك عجيب
كالطيف أو كهلال أول ليلة ... في الشهر تطلع ساعة وتغيب
ومنه:
مولاي مالك لا تحنو على دنف ... جفاك من هذه الدنيا وظيفته
ما اسود خدك حتى ابيض مفرقه ... مما يقاسيه واسودت صحيفته
ومنه في أمرد التحي:
وشادن كان زمان الصبا ... بدولة المرد له صوله
قد كتب الشعر على خده ... خفض فهذا آخر الدولة
ومنه:
حييت من أهوى بباقة نرجس ... نمت محاسنها على لحظاته
وسقيته بيد المحبة خمرةً ... فبدت مصحفةً على وجناته
ومنه:
ومطرب لو صدقنا في محبته ... لهان منا عليه المال والروح
غنى فملنا على ألحانه طرباً ... مثل الغصون إذا هبت بها الريح
ومنه:
يا حادياً بغنائه وبهائه ... يزداد فيه تشوقي وتلهفي
شيئآن فيك صبا الفؤاد إليهما ... نغمات داود وصورة يوسف
ودخل موفق الدين المذكور. على ابن سنا الملك. فقال له: يا أدريب. قد صنعت نصف بيت. ولي أيام أفكر فيه ولا يأتي تمامه. فقال: له ما هو فأنشده:
بياض عذارى من سواد عذاره
فقال موفق الدين: قد حصل تمامه. وأنشده:
كما جل ناري فيه من جلناره
فاستحسنه وجعل يعمل عليه. فقام موفق الدين، فقال له: ابن سنا الملك إلى أين؟ قال أقوم وإلا يطلع المقطوع من كيسي. وكان الوزير صفي الدين بن شكر قد توجه إلى مصر. فخرج أصحابه يتلقونه إلى الخشبي وهي المنزلة المعروفة المجاورة للعباسية. فكتب إليه الموفق المذكور يعتذر:
قالوا إلى الخشبي سرنا على عجل ... نلقى الوزير جميعاً من ذوي الرتب
ولم تسر أيها الأعمى فقلا لهم ... لم أخش من تعب ألقى ولا نصب
وإنما النار في قلبي لوحشته ... وكيف أجمع بين النار والخشب
وقد أكثر أهل عصره الهجو فيه. فقال فيه نشء الملك ابن المنجم:
قالوا يقود أبو العز قلت هذا عناد
أعمى يقود عهدي بكل أعمى يقاد
وكان الموفق يقرأ في مسجد كهف الدين طغان. فكتب ابن المنجم إليه:
يا كهف دين الله يأوي له ... فتية كهف قط لم يكفروا
لا تظلم إلا ستبطل في كفهم ... فهو بسب الناس مستهتر
ولا تقل دعه يكن كلبهم ... فكلب أهل الكهف لا يعقر
فطرده طغان من المسجد. فقال فيه ابن المنجم:

أبا العز قل لي ولا تجحد ... علام نفوك من المسجد
أحقاً رأوك على أربع ... وفي اس... فيشله الأسود
لقد كذبوا وتجنوا عليك ... بما سوف يلقونه في غد
وحاشاك من سجدة للعبيد ... فأنت لربك لم تسجد
وقال فيه ايضاً:
قالوا هجاك أبو العز الضرير ولم ... تجبه إلا بتهديد وإنذار
فقلت لا تعجبوا فالخوف أقلقه ... العير يضرط والمكواة في النار
المظفر بن القاسم: بن المظفر بن علي بن الشهرزوري. أبو منصور بن أبي أحمد. ولد بإربل. ونشأ بالموصل. وقدم بغداد في صباه. وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي. وسمع منه ومن الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي الغنائم محمد بن علي بن أبي عثمان، وغيرهم. وعاد إلى الموصل وولي قضاء سنجار. بعد علو سنه، وسكنها. وأضر في آخر عمره. وقدم بغداد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وحدث بها. وسمع منه أبو سعد السمعاني وعبد الخالق بن عبد الوهاب الصابوني. وكان شيخاً فاضلاً صالحاً، كثير العبادة، مليح الشيبة. ولد سنة سبع وخمسين واربعمائة.
معاوية بن سفيان: أبو القاسم الأعمى. شاعر. رواية. أحد غلمان الكسائي. كان معلم أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب ونديمه. ثم إنه اتصل بالحسن بن سهل يؤدب ولده. فعتب عليه في شيء، فقال يهجوه:
لا تحمدن حسناً في الجود إن مطرت ... كفاه غزراً ولا تذممه إن رزما
فليس يمنع إبقاءً على نسب ... ولا يجود لفضل الحمد مغتنما
لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما
ومن شعره:
أتدري من تلوم على المدام ... فتىً فيها أصم عن الكلام
فتىً لا يعرف النشوات إلا ... بكاسات وطاسات وجام
وكتب إلى الحسن بن سهل:
ما كان أقصر عمر فاكهةً ... جاءت إلينا ثم لم تعد
ولدت غداة السبت صالحةً ... فينا وماتت ليلة الأحد
معن بن أوس: المزني. شاعر مجيد مخضرمي الجاهلية والإسلام. كان له بنات وكان يكرمهن ويحسن إليهن. فولد لبعض عترته بنت فكرهها، فقال:
رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... فيهن لا تكذب نساء صوالح
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادب لا يمللنه ونوائح
ومر عبيد الله بن العباس بمعن، وقد كف بصره، فقال: يا معن كيف حالك؟ فقال: ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين. فقال: وكم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فبعث بها إليه.فمر به من الغد، فقال: كيف أصبحت يا معن؟ فقال:
أخذت بعين المال حتى نهكته ... وبالدين حتى ما أكاد أدان
وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى ... فرد فلان حاجتي وفلان
فقال له عبيد الله: الله المستعان. إنا بعثنا إليك بالأمس لقمةً. فما لكتها حتىى انتزعت من يدك. فأي شيء الأهل والقرابة والجيروان؟ وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى. فقال:
إنك فرع من قريش وإنما ... يمج الندى منها البحور القوارع
ثو وإقادةً للناس بطحاء مكة ... لهم وسقايات الحجيح الدوافع
فلما دعوا للموت لم تبك منهم ... على حادث الدهر العيون الدوامع
مغيرة بن مقسم: الضبي الكوفي. أبو هاشم الكوفي الأعمى. أحد الأعلام. من موالي بني ضبة. تفقه بإبراهيم النخعي وبالشعبي. وروى عنهما، وعن أبي وائل شقيق، ومجاهد. وقال: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. وكان عثمانياً، إلا أنه كان يحمل على علي بعص حمل. وقال: إذا تكلم اللسان بما لا يعنيه، قال القفا: واحرباه. وقال: من طلب الحديث، قلت صلاته. قال أحمد بن حنبل: مغيرة بن مقسم صاحب سنة، ذكي حافظ، في روايته عن إبراهيم ضعف. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل سنة اربع وثلاثين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

مفرج بن موفق: بن عبد الله. الشيخ الصالح العابد ذو الكرامات أبو الغيث الدماميني. ذكره الشيخ الصفي بن أبي المنصور وذكر عنه كرامات. وذكر أنه كان أولاً مجذوباً ثم صحب الشيخ أبا الحسن بن الصباغ. وذكر الشيخ عبد الكريم أنه صحب أبا الحجاج الأقصري. وذكره الحافظ رشيد الدين العطار، وقال: من مشاهير الصالحين ومن ترجى بركة دعائه. وذكرت عنه بركات وتعبد. نفعنا الله به! وكان قد عمر وبلغ نحواً من تسعين سنة. وكف بصره آخر عمره، وقال: سمعته يقول: التقوى مجانبة ما حرم الله تعالى. وسمعته يقول: من تكلم في شيء لا يصل إلى علمه، كان كلامه فتنةً لسامعه. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وستمائة. ولما قبض الصالح نجم الدين أيوب على أخيه العادل قبض على بني الفقيه نصر بسبب العادل. لأنه ابن الكامل من شمسة. وكانت أولا جارية لابن الفقيه نصر. وكانوا جماعة بقوص، ولهم إحسان لى الفقراء والفقهاء وغيرهم. فتوجه الشيخ مجد الدين علي بن وهب القشيري والد الشيخ تقي الدين ين دقيق العيد والشيخ مفرج بسببهم إلى القاهرة. فلما وصلا إليها أرسل السلطان إليه يقول له: لولا العوام جئت إليك. وطلب منه الحضور، فطلع ودخل عليه. وكان عادته أول ما يرى شخصاً يقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقاطعوا ولا تباغضوا. ويسوق الحديث. فلما رأى السلطان قال له: أنت السلطان؟ قال: نعم. فروى الحديث، فوجم السلطان خشية أن يشفع في العادل. فلما ذكر أولاد الفقيه نصر، سري عنه ورسم بإطلاق بني نصر ورفع الحوطة عنهم. وأخرج الحريم إلى الشيخ حتى لمس رؤسهن ودعا لهن. وكان يقال له في الطريق: يا سيدي! إذا دخلت على السلطان ايش تقول له؟ فقال: يا أولادي! كل كلام معبي مفسود.
مقلد بن أحمد: بن محمد أبو الحمائل، المعروف والده بحشيش التكريتي. قال محب الدين ابن النجار: ذكر لي القاضي عبد الرحمن بن يحيى التكريتي أنه كان يقول الجيد من الشعر، في غير معرفة بالأدب. وأنه رثى الأمير أبا الحسن علي بن الإمام الناصر بقصيدة وأنشدها ببغداد، وسمعها منه جماعة. وأضر آخر عمره. وولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ووفاته رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وستمائة. ومن شعره: مكي بن ريان: بن شبة الماكسيني النحوي أبو الحرم. قدم بغداد وجالس شيوخها. ومات رحمه الله تعالى بالموصل سنة ثلاث وستمائة. وقرا ببغداد علي أبي محمد بن الخشاب، وعلى أبي الحسن بن العطار، وعلى أبي البركات ابن الأنباري، وبالموصل على أبي بكر بن سعدون القرطبي وغيره. وقرأ عليه أهل الموصل. وتخرج به أعيان زمانه من أهلها. ومضى إلى الشام وعاد إلى الموصل. قال ياقوت رحمه الله: رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرات عليه شيئاً. وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين. يجلس لهم من سحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة. وكان من أحفظ الناس للقرآن، ناقلاً للسبع. وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر. ومن شعره:
إذا احتاج النوال إلى شفيع ... فلا تقبله تضح قرير عين
إذا عيف النوال لفرد من ... فأولى أن يعاف لمنتين
وكان يتعصب لأبي العلاء المعري ويطرب إذا قرئ عليه شعره، للجامع بينهما من الأدب والعمى. لأنه اضر بأخرة. وكان أولاً في ماكسين يعرف بمكيك، تصغير مكي. فلما ارتحل عن ماكسين وتميز واشتغل، اشتاق إلى وطنه. فعاد إليها وتسامع به الناس، ممن كان قد بقي يعرفه. فزاروه وفرحوا بفضله. فبات تلك الليلة فلما كان من الغد خرج لى الحمام سحر، فمسع امرأة تقول من غرفتها لأخرة: ما تدرين من جاء؟ قالت: لا. قالت: مكيك بن فلانة. فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك! وسافر من وقته إلى الموصل بعد ما كان قد نوى الإقامة في وطنه. وماكسين بليدة على نهر الخابور من أعمال الجزيرة.
مكي بن علي: بن الحسن الحريري أبو الحرم الضرير. الفقيه الشافعي المعروف بالعراقي. قرا الفقه ببغداد على أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز. وسكن دمشق إلى حين وفاته. وتفقه بها على أبي السحن علي بن المسلم السلمي. وسمع منه ومن الفقيه نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي. وحدث باليسير. وتوفي رحمه اله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

منصور بن إسماعيل: بن عمر أبي الحسن. الفقيه الشافعي التميمي. أصله من رأس العين. وهو من أصحاب الشافعي. كان ضريراً. وله مصنفات في المذهب، مليحة. منها: الواجب، والمستعمل، والمسافر، والهداية. وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثمائة بمصر. أصابته مسغبة شديدة في سني القحط فرقي سطح داره ونادى بأعلى صوته في الليل:
الغياث الغياث يا أحرار ... نحن خلجانكم وأنتم بحار
إنما تحسن المواساة في الشد ... ة لا حين ترخص الأسعار
فسمع جيرانه. فأصبح على بابه مائة حمل من بر. وكان جندياً قبل عماه، ويظهر في شعره التشيع. ومن شعره:
عاب التفقه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... أن لا يرى ضوءها من كان ذا بصر
ومنه:
الكلب احسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسة
ومنه:
لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
ومنه:
كن بما أوتيته مغتبطاً ... تستدم عمر القنوع المكتفى
إن في نيل المنى وشك الردى ... وقياس القصد عند السرف
كسراج دهنه قوته ... فإذا غرقته فيه طفى
مهنا بن علوي: بن مهنا. أبو بكر. الضرير المقرئ الدممي الوالدمم قرية على الفرات. قدم بغداد في صباه، وحفظ القرآن وجوده، وسمع الكثير من أبي الحسين عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، ومن جماعة. وكان صالحاً. قال: محب الدين ابن النجار: وسمع معنا كثيراً بالحلقة بجامع القصر، وكتبنا عنه شيئاً يسيراً. وكان حسن الشكل.
موسى بن سلطان: بن علي أبو الفضل. البابوني. الضرير المقرئ البغدادي. قدم بغداد صبياً وسكنها إلى حين وفاته. وقرأ بالروايات، على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وعلى غيره. وسمع من أبي الوقت، وحدث باليسير. وكان شيخاً صالحاً صدوقاً. قال: محب الدين ابن النجار كتبنا عنه، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
المؤمل بن أميل: المحاربي الكوفي. كان شاعراً مجيداً. مدح المهدي مرةً فأجازه ألف دينار، وتوفي رحمه الله في حدود التسعين والمائة. وهو القائل في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة
شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
فيقال إنه بات تلك الليلة، فرأى رجلاً في المنام أدخل إصعيه في عينيه، وقال: هذا ما تمنيت. فأصبح أعمى. ومن هذه القصيدة:
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم ... والله لا عذبتهم بعدها سقر
وامتدح المهدي وهو ولي عهد، فأمر له بعشرين ألف درهم. فبلغ المنصور ذلك، فكتب إليه يلومه. وقال: إنما كان ينبغي أن تعطيه أربعة آلاف درهم، بعد أن يقيم ببابك سنة. وأجلس قائداً من وقواده على جسر النهروان وأن يتصفح وجوه الناس، حتى مر به المؤمل فأخذه ودخل به على المنصور فسلم. فقال: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل. قال: أتيت إلى غلام غر خدعته. قال: نعم أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاماً كريماً فخدعته فانخدع. فكأن ذلك أعجب المنصور. فقال: أنشدني ما قلت فيه. فأنشده القصدية التي منها:
هو المهدي إلا ا فيه ... مشابهةً من القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
وبعض الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فقال: والله أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم. فأين المال؟ فقال: هوذا. فقال: يا ربيع! امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم. وخذ الباقي. ففعل. فلما تولى المهدي رفع المؤمل رقعةً ذكر فيها واقعته، فضحك. وقال:ردوا إليه عشرين ألف درهم. فردت.

حرف النون
نابت

أبو الزهر الضرير. قال العماد الكاتب: كان يحفظ كتاب سيبويه. وكان هجاءً. ومن شعره في الهجاء قوله:
ونابت هو في ذا الدهر نائبة ... وأقرع وهو عندي من قوارعه
قفاه يشهد وهو العدل أن يدى ... لا توقع الصفع إلا في مواقعه

نصر بن الحسن
بن جوشن بن منصور بن حميد، يتصل بمضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبو
المرهف النميري الضرير الشاعر. قدم بغداد وسكنها إلى حين وفاته، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وحفظ القرآن المجيد، وتفقه لابن حنبل، وسمع من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، وأبي الفضل محمد بن ناصر، وغيرهم. وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي. ومدح الخلفاء. والأكابر. وحدث. وكان زاهداً ورعاً. وكان كثير الانقطاع إلى الوزير ابن هبيرة. ومن شعره:
مافي قبائل عامر ... من معلم الطرفين غيري
خالي زعيم عبادة ... وأبي زعيم بني نمير
ومنه أيضاً:
متى يتألف الشمل الصديع ... وآمن من زماني ما يروع
وتأنس بعد وحشتنا بنجد ... منازلنا القديمة والربوع
ذكرت بأيمن العلمين عصراً ... مضى والشمل ملتم جميع
فلم أملك لدمعي ردغرب ... وعند الشوق تعصيك الدموع
النفيس بن معتوق
بن يحيى بن فارس بن وهب. الأسدي. أبو الخير الضرير البغدادي. سكن رحبة
الشام، وتفقه بها على أبي الحسن ابن المتقنة. ثم إنه أقام بدمشق في آخر عمره. وروى بها أرجوزة ابن المتقنة في الفرائض.
نوح بن دراج
القاضي بالجانب الشرقي من بغداد الكوفي الفقيه. أحد المجتهدين. تفقه على
أبي حنيفة، وعلى عبد الله بن شبرمة. كذبه يحيى بن معين. وقال ابن حبان: روى موضوعات. وضعفه النسائي وغيره، وأضر بأخرة. وبقي يحكم ثلاث سنين حتى فطنوا له. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثمانين ومائة.
حرف الهاء
هارون بن معروف
أبو علي المروزي. كان خزازاً وأضر بأخرة. وروى عنه مسلم وأبو داود. وروى البخاري عن رجل عنه. وأحمد وصالح جزره، وغيرهم. وقال: رأيت في المنام. قيل لي: من آثر الحديث على القرآن عذب. قال: فظننت أن ذهاب بصرى من ذلك. وكان صدوقاً فاضلاً صاحب سنة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
هارون بن الحاتك
الضرير النحوي. أحد أعيان أصحاب ثعلب. وكان يوزن بوزنه. أصله يهودي من
الحيرة. وكان الوزير عبيد الله بن سليمان أرسل إلى ثعلب في الاختلاف إلى ولده القاسم فأبى واحتج عليه بالضعف. فقال: أنقذ إلي من ترتضيه من أصحابك. فأنفذ هرون الضرير، فاستحضر عبيد الله أبا اسحاق الزجاج، وجمع بينهما، فسأله الزجاج. كيف تقول: ضربت زيداً ضرباً؟ فقال: ضربت زيداً ضرباً. فقال: كيف تكنى عن زيد والضرب؟ فأفحمه ولم يجبه وحار في يده وانقطع انقطاعاً قبيحاً وكان ذلك سبب منيته. وما كان هرون يذهب عليه ذلك، وجواب المسألة أن تقول: ضربته إياه. ولهارون من التصانيف: كتاب العلل في النحو، وكتاب الغريب الهاشمي واختلف فيه فقيل إنه لثعلب.
هبة الله بن سلامة
أبو القاسم. المقرئ الضرير المفسر. كان من أحفظ الناس. للتفسير والنحو
والعربية. وكانت له حلقة بجامع المنصور في بغداد. وسمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وغيره. وله كتاب الناسخ والمنسوخ، وله مسائل منثورة في العربية. وأبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي المحدث هو ابن بنت هذا.
هبة الله بن عبد الرحيم
بن إبراهيم. شيخ الإسلام، ومفتي الشام، القاضي شرف الدين أبو القاسم بن
القاضي نجم الدين ابن القاضي الكبير شمس الدين ابن الطاهر بن المسلم الجهني الحموي الشافعي البارزي قاضي حماة، صاحب التصانيف. ولد سنة خمس وأربعين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، في ذي القعدة.

سمع من أبيه وجده، وابن هامل والشيخ إبراهيم بن الأرموي يسيراً. وتلا بالسبع على التاذفي. واجاز له نجم الدين البادراي، والكمال الضرير، والرشيد العطار، وعماد الدين ابن الحرستاني، وعز الدين بن عبد السلام، وكمال الدين ابن العديم. وبرع في الفقه وغيره. وشارك في الفضائل، وانتهت إليه الإمامة في زمانه، ورحل إليه. وكان من بحورالعلم، قوي الذكاء، مكباً على الطلب، لا يفتر ولا يمل، مع الصون والدين والفضل والرزانة والخير والتواضع. وكان جم المحاسن كثير الزيارة للصالحين حسن المعتقد. اقتنى من الكتب. شيئاً كثيراً. وأذن لجماعة بالإفتاء، وحكم بحماة دهراً. ثم إنه ترك الحكم وذهب بصره. وحج مرات. وحدث بأماكن. وحمل عنه خلق. وكان يرى الكف عن الخوض في الصفات. ويثنى على الطائفتين. ولما توفي أغلقت حماه لمشهده. وله من التصانيف. تفسيران، وكتاب بديع القرآن، وشرح الشاطبية، وكتاب الشرعة في السبعة، والناسخ والمنسوخ، ومختصر جامع الأصول، والوفا في شرف المصطفى، والأحكام على أبواب التنبيه، وغريب الحديث. كبير، وشرح الحاوي، أربع مجلدات، ومختصر التنبيه، والزبدة في الفقه، وكتاب المناسك، وكتاب عروض، وغير ذلك.
ووقف كتبه. وهي تساوي مائة ألف درهم. وباشر القضاء بلا معلوم لغناه عنه. ولا اتخذ درةً. ولا عزر أحداً قط، ولا ركب بمهماز ولا بمقرعة وعين مرات لقضاء مصر فاستعفى. وكانت جلالته عجيبة مع تواضعه. وكان قد أخذ الفقه عن والده وجده، وجده عن القاضي عبد الله بن إبراهيم الحموي، وعن فخر الدين بن عساكر. وأخذ القاضي عبد الله عن أبي سعد بن أبي عصرون، عن الفارقي، عن أبي إسحاق الشيرازي، عن القاضي أبي الطيب. وأخذ الفخر عن القطب مسعود النيسابوري، عن عمر بن سهل السلطان، عن الغزالي، عن إمام الحرمين، عن أبيه، عن أبي بكر القفال. وقال لي: غير واحد إن الشيخ برهان الدين بن تاج الدين الفزاري شيخ دمشق. كان يقول مع جلالته وددت لو سافرت إلى حماة وقرأت التنبيه على القاضي شرف الدين البارزي. وله مما يقرا معكوساً سور حماة بربها محروس

هبة الله بن علي
بن ملكا. أبو البركات أوحد الزمان الطبيب الفاضل. كان يهودياً وسكن بغداد وأسلم في أخر عمره. خدم المستنجد. ودخل يوماً على الخليفة فقام الحاضرون سوى قاضي القضاة فإنه لم يقم له. فقال: يا أمير المؤمنين. إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكوني على غير ملته. فأنا أسلم ولا ينتقصني فاسلم. وكان له اهتمام بالغ في العلوم. وفطرة فائقة. وكان مبدأ أتعلمه الطب. أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله. كان له تصانيف وتلامذة. وكان لا يقرئ يهودياً. وكان أوحد الزمان يشتهي أن يقرأ عليه وثقل عليه بكل طريق فما مكنه فكان يتخادم للبواب ويجلس في الدهليز. فلما كان بعد سنة جرت مسألة وبحثوا فيها ولم يتجه لهم جواب عنها. فدخل وخدم الشيخ؟ وقال يا سيدي بإذنك أتكلم، فقال: قل. فأجاب بشيء من كلام جالينوس. وقال يا سيدنا هذا جرى في اليوم الفلاني في ميعاد فلان فاستعلم حاله فأوضحه. فقال إذا كنت كذا فما نمنعك. فقربه وصار من أجل تلامذته. وكان في بغداد مريض بالماليخوليا يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه فيتحايد السقوف القصيرة ويطأطئ راسه فأحضره أبو البركات عنده وأمر غلامه أن يرمي دنا بقرب رأسه وأن يضربه بخشبة يكسره فزال بذلك الوهم عن الرجل وعوفي. وأضر أبو البركات في آخر عمره، وكان: يملي على الجمال بن فضلان. وعلى ابن الدهان المنجم. وعلى يوسف والد عبد اللطيف. وعلى المهذب النقاش. كتاب المعتبر وهو كتاب جيد. وله مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلاً وخفائها نهاراً، وإختصار التشريح، وكتاب أقراباذين. ومقالة في الدواء الذي ألفه وسماه برشعثا. ورسالة في العقل، وغير ذلك. ومن تلامذته المهذب بن هبل. وتوفي في حدود الستين وخمسمائة. وعاش ثمانين سنة. وكان كثيراً ما يلعن اليهود. قال مرةً بحضور ابن التلميذ لعن الله اليهود. فقال: نعم وأبناء اليهود. فوجم لذلك وعرف أنه عناه.
هشام بن معاوية

أبو عبد الله الضرير النحوي الكوفي. صاحب أبي الحسن على الكسائي. أخذ عنه
كثيراً من النحو. وله فيه مقالة تعزى إليه. وله فيه تصانيف، منها: كتاب الحدود وهو صغير. وكتاب المختصر. وكتاب القياس. وغير ذلك، كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب قد كلم المامون يوماً فلحن في كلامه فنظر إليه المأمون ففطن لما أراد وخرج من عنده. وجاء إلى هشام المذكور وقرأ النحو عليه. وتوفي هشام المذكور رحمه الله تعالى سنة تسع ومائتين. قال أبو نصر سندي بن صدقة: كنت أهوى غلاماً يقال له إسحاق من أبناء الكتاب، وكان هشام الضرير يعرف أمري معه. فقال لي يوماً: يا أبا نصر رأيت في النوم كأنك بطحت إسحاق وأنت تضربه. فقلت له: إن صدقت رؤياك نلت أملي منه: فلم أزل حتى خلوت معه. فقلت:
ما رأينا كمثل رؤيا هشام ... لم تكن من كواذب الأحلام
كأن تأويلها وقد يكذب الحا ... كم... وشرب صفو المدام
في ندامى كأنهم أوبة الأحب ... اب من حسن منطق وندام
فاقترحنا ونحن أنضاء شكر ... من لقلب متيم مستهام
ذاك حتى بدا وقد وضح الفج ... ر ومال الصباح بالإظلام
جادلي أحمد قدت نفسة نف ... سي ما شئت من صنوف الحرام
ولقد كان بعد بطح ونطح ... واغتلام ما تشتهي من غلام
همام بن غالب
أبو الحسن السعدي. الضرير الموصلي الشاعر. قدم بغداد. ومدح بعا عضد
الدولة. وابن بقية الوزير. وقاضي القضاة ابن معروف. وكان مجدوراً جهوري الصوت يقوده أخوه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبين وثلاثمائة. دخل مرة على ابن بقية وأنشده قصيدة أولها
ما تأبيت في الديار الخلاء
ومطط إنشاده وطوله. فقال ابن بقية لما فرغ من المصراع الأول: أبعد وهذا الذي قد تهوع علينا في الخلاء، وأعطوه جائزته. وقطع إنشاده. وقال في القاضي ابن معروف:
اليوم أشرق وجه الدين وابتسما ... وازداد نوراً بأسنى قادم قدما
قاضي القضاة الذي حلت ما ثره ... فوق النجوم وساد العرب والعجما
يزين الحكم أحكام له سمعت ... ترى الأصالة فيما حاولت أمما
أقام سوق المعالي بعدما كسدت ... ورد الشعر ذكراً بعدما انخرما
أبو هلال بن سليم: الراسبي البصري. قال أبو حاتم: كان محله الصدق. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: علق له البخاري. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وتوفي رحمه الله تعالى في حدود السبعين والمائة.
حرف الواو
وشاح بن جواد
بن أحمد بن الحسن بن جواد. أبو طاهر الضرير المقرئ. من أهل قرية دازربجان
بالدال المهملة والألف والزاي والراء والباء الموحدة والجيم والألف والنون، وهي بين المدائن وبغداد. سكن بغداد إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة ثمانين وخمسمائة. قرأ القرآن على المشايخ، وسمع من أبي طالب بن يوسف، وغيره. وحدث باليسير. روى عنه ابن الأخضر. وكان شيخاً صالحاً جيد التلاوة. وصلى أياماً بالوزير علي بن طراد الزينبي.
حرف الياء
يحيى بن أحمد
بن عبد العزيز بن عبد الله بن علي. الجذامي الإمام المقرئ المعمر. شرف
الدين. أبو الحسين بن نجيب الدين بن الصواف الإسكندري الشروطي. ولد سنة تسع وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وسبعمائة. وسمع في سنة خمس عشرة من ناصر الأغماي، وسمع من محمد بن عماد، الخلعيات. ومن جمال الدين ابن الصفراوي، وتلا عليه بالثمان. وسمع من جعفر بالهداني، ومن جده، وطائفة. ثم إنه كبر وثقل سمعه وذهب بصره. ولحقه العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن على السبكي الشافعي بآخر رمق، فلقنه أاديث سمعها نه. وسمع منه الشيخ شمس الدين الذهبي، ثلاثة أجزاء.
يحيى بن الحسين

بن أحمد بن حميلة، أبو زكرياء الأواني الضرير المقرئ. قدم بغداد في صباه.
وأتقن القرآن بالروايات الكثيرة على المشايخ. وسمع الكثير. ولازم مجالس العلم. وحصل النسخ والأصول. ولم يزل في التحقيق والتجويد وضبط القراآت. وقرأ عليه خلق كثير وجم غفير، قال محب الدين ابن النجار: قرأت عليه ولم يكن ثقة ولا مر ضيافي دينه ولا روايته. وكان يرتكب لافواحش والمنكرات في المساجد، رأيته مراراً يبول في بالوعة المسجد، ويخل بالصلوات، ولا فرق عنده بين المسجد وأقمين الحمام في الحرمة، وزاد في ذمه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وستمائة. وكان يحقق التلاوة، وحفظ القراآت، ومعرفة وجوهها وعللها.
يحيى بن هذيل: بن عبد الملك بن هذيل بن إسمعيل. التميمي القرطبي الشاعر.
سمع. وروى، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وكان يعرف بالكفيف وهو شيخ الرمادي. ومن شعره:
لا تلمني على الوقوف بدار ... أهلها صير والسقام ضجيعي
جعلوا لي إلى هواهم سبيلا ... ثم سدوا علي باب الرجوع
يحيى بن يوسف
بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام. الشيخ الإمام الزاهد الضرير.
جمال الدين. أبو زكرياء الصرصري البغدادي الحنبلي اللغوي الأديب الناظم صاحب المدائح النبوية السائرة في الآفاق. لا أعلم شاعراً أكثر من مدائح النبي صلى الله عليه وسلم أشعر منه. وشعره طبقة عليا. وكان فصيحاً. بليغاً. يدخل شعره في ثمان مجلدات. وكله جيد وله قصائد التزم في كل حرف ظاءً. وأخرى في كل كلمة منها ضاد. وأخرى في كل كلمة منها زاي. وهكذا الحروف الصعبة. وأخرى في كل بيت حروف المعجم، وهذا دليل القدرة والإطلاع والتمكن. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وروى الحديث. وتوفي رحمه الله في سنة ست وخمسين وستمائة. دخل عليه التتار في كائنة بغداد وكان ضريراً فطعن بعكازه بطن واحد فقتله. ثم إنه قتل شهيداً، ومن شعره يمدح النبي صلى الله عليه وسلم.
بين السهاد وبين جفنك آخى ... زمن تقادم عهده وتراخى
هل ناشد خبر الحمى لمتيم ... صب إذا ذكر الحجاز اصاخا
لولا جوى يحلو له ما اعتاض من ... ريف الحضارة حرةً وسباخا
يا سائق البزل البوادن طالبا ... خير المنازل للركاب مناخا
بلغ إلى الحرم الشريف رسالة ... عن ذي بلابل وقده ما باخا
هل لي إلى تلك الأباطح عودة ... لا زال صوب غمامها نضاخا
وإذ لحللت بأرض طيبة داره ... جمعت مناقب تعجز النساخا
بلغ سلام محلا عن وردوه ... والماء قد روى العطاش نقاخا
فبعطف من فيها يبدل خوفه ... أمناً ويفرخ كربه إفراخا
يا خاتم الرسل الكرام وفاتح الخيرات ... يا متواضعاً شماخا
يا من به الإسلام أصبح طاهراً ... وبقهره الكفر المشقشق داخا
يا من رست وسمت قواعد دينه ... وبه هوى أس الضلال وساخا
يا خير من شد الرحال لقصده ... حادي المطي وفي هواه أناخا
عطفاً على عبد تعلق حبكم ... طفلاً وفي صدق المحبة شاخا
فامنن علي بنظرة تجلو الصدى ... عنه وتنفى الهم والأوساخا
وأسأل لي الله المهيمن عزم من ... في الدين أضحى ثابتاً رساخا
فلعلني أكفى غوائل ناصب ... شر كالنا من كيده وفخاخا
يجري مع الدم بالوساوس نافثاً ... في الصدر همازاً به نفاخا
وأفوز بالبشرى إذا ورد الورى ... يوم القيامة جاحماً طباخا
فنجا التقى ولم يدر في قعرها ... إلا غوياً معولاً صراخا
ومنه: لغز في حرف الكاف
وحرف من حروف الخط ليست ... علامته على العلماء تخفى
يكوتن اسماً مع الأسماء طوراً ... وطوراً في الحروف يكون حرفا

تراه يقدم الأسماء طرا ... ويمنع من مشابهها وينفى
يصير أمامها ما دام حرفاً ... وإن سميته فيصير خلفا
وقد تلقاه بين اسم وفعل ... قد اكتنفاه كالأبوين لفا
ومنه: في عدد أسنان الإنسان
ثنيات الفتى ورباعيات ... وأنياب الفتى كل رباع
وأربع الضواحك ثم ست ... وست في طواحنها انتفاع
وأربع النواجذ ما لماض ... إذا ثغر الفتى منها اتفاع

يعقوب بن داود
بن عمر بن عثمان بن طهمان. السلمي بالولاء. مولى أبي صالح عبد الله بن
حازم السلمي والي خراسان. كان يعقوب كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وكان أبوه داود وأخوته كتاباً لنصر بن سيار عامل خراسان. ولما ظهر المنصور على إبراهيم المذكور حبس يعقوب في المطبق. وكان يعقوب سمحاً جواداً كثير البر والصدقة واصطناع المعروف. وكان مقصوداً ممدحاً، فلما مات المنصور وقام المهدي من بعده، جعل يتقرب إليه حتى أدناه واعتمد وعلت منزلته عنده وعظم شأنه، حتى خرج كتابه إلى الديوان، أن أمير المؤمنين قد آخى يعقوب بن داود. فقال في ذلك سلم الخاسر.
قل للإمام الذي جاءت خلافته ... تهدى إليه بحق غير مردود
نعم القرين على التقوى استعنت به ... أخوك في الله يعقوب بن داود
وحج المهدي ويعقوب معه ولم يكن ينفذ شيء من كتب المهدي حتى يرد كتاب الوزير يعقوب معه. إلى أمينه بإنفاذه. وكان المنصور قد خلف في بيوت المال ألف ألف درهم وستين ألف الف درهم. وكان الوزير أبو عبيد الله بشير على المهدي بالاقتصاد في الإنفاق وحفظ الأموال. فلما عزله وولى يعقوب بن داود. زين له هواه فأنفق الأموال على اللذات والشرب وسماع الغناء واشتغل يعقوب بالتدبير. وفي ذلك قال بشار بن برد:
بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود
ثم إن يعقوب ضجر مما هو فيه فسأل المهدي الإقالة فامتنع عليه. ثم إن المهدي أراد أن يمتحنه في ميله إلى العلوية. فدعا به يوماً وهو في مجلس فرشه موردة، وعليه ثياب موردة، وعلى رأسه جارية عليها ثياب موردة، وهو مشرف على بستان فيه صنوف من الورد. فقال له: يا يعقوب كيف ترى مجلسنا. فقال: في غاية الحسن متع الله أمير المؤمنين به. فقال: جميع ما هو فيه لك والجارية لك ليتم سرورك. وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فدعا له. فقال له المهدي: لي إليك حاجة فقام قائماً. وقال: ما هذا يا أمير المؤمنين إلا لموجدة وأنا أستعيذ بالله من سخطك. فقال: أحب أن تضمن قضاءها، فقال السمع والطاعة. فقال له: والله! قال. والله! ثلاثاً. فقال: ضع يدك على راسي واحلف به. ففعل. فلما استوثق منه، قال: هذا فلان ابن فلان من العلوية أحب أن تكفيني مؤونته وتريحني منه. فخذه إليك فحوله وحول الجارية، وما كان في المجلس فلشدة سروره بالجارية جعلها في مجلس يقرب منه. ووجه فأحضر العلوي فوجده لبيباً فهماً، فقال له: ويحك يا يعقوب تلقى الله بدمي وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: يعقوب يا هذا. أفيك خير؟ فقال: إن فعلت معي خيراً شكرت لك ودعوت لك، فقال: خذ هذا المال وخذ أي طريق شئت، فقال طريق. كذا وكذا لي آمن. فقال: امض مصاحباً. وسمعت الجارية الكلام كله فوجهت مع بعض خدمها إلى المهدي تعرفه الخبر. فأمسك المهدي الطرقات حتى ظفر بالعلوي والمال. ووجه إلى يعقوب فقال له: ما حال الرجل، فقال: قد أراحك الله منه. قال مات. قال: نعم. قال: والله! قال: والله! قال: فضع يدك على راسي واحلف به. فوضع يده وحلف له. فقال المهدي: اخرج إلينا يا غلام. ففتح العلوي الباب وخرج والمال معه. فبقي متحيراً وامتنع من الكلام. فقال المهدي: لقد حل دمك. ولو شئت لأرقته. ولكن احبسوه في المطبق. فحبسوه وأمر أن يطوى خبره عنه وعن كل أحد. فحبس في بئر وبني عليه قبة فكان فيها خمس عشرة سنة. يدلي له في كل يوم رغيف وكوز ماء ويؤذن بأوقات الصلوات. فلما كان في رأس ثلاث عشرة سنة. أتاه آت في منامه. فقال له:

حنى على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم
فحمد الله. وقال: أتاني الفرج، ثم مكث حولاً لا يرى شيئاً. ثم أتاه ذلك الآتي. فأنشده:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
ثم أقام حولاً آخر لا يرى شيئاً، ثم أتاه ذلك الآتي بعد حول. فأنشده:
عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر
فلما أصبح نودي فظن أنه يؤذن بالصلاة. ودلى له حبل أسود. وقيل اشدده في وسطك. ففعل. فلما خرج إلى الضوء وقابله غشي بصره ولم ير شيئاً. وانطلقوا به فادخل على الرشيد. فقيل له: سلم على امير المؤمنين. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته المهدي. فقال: لست به. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي. فقال: لست الهادي. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الرشيد. فقال: يا يعقوب بن داود والله ما شفع فيك أحد عندي. غير أني حملت الليلة صبية على عنقي. فذكرت حملك إيي على عنقك. فرثيت لك من المحل الذي أنت فيه. ثم إنه رد ماله إليه وخيره المقام حيث يريد. فاختار مكة فتوه إليها فأقام بها حتى مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل سنة اثنتين وثمانين ومائة. رحمه الله تعالى.

يعقوب بن سفيان
ين جوان الحافظ الكبير الفسوي صاحب التاريخ والمشيخة. طوف الأقاليم. وسمع
ما لا يوصف كثرة. روى عنه الترمذي والنسائي وقال: لا بأس به، وكان يتشيع ويتكلم في عثمان. قال كنت أكثر النسخ في الليل وقلت نفقتي، فجعلت أستعجل فنسخت لبلة حتى تصرم الليل فنزل الماء في عيني. فلم أبصر السراج فبكيت على انقطاعي وعلى ما يفوتني من طلب العلم. فاشتد بكائي فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم. فناداني: يا يعقوب بن سفيان لم بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني من كتب سنتك. وعلى الانقطاع عن بلدي. فقال: ادن مني قدنوت منه.فأمر يده على عيني كأنه يقرأ عليهما. ثم استيقظت. فأبصرت. فأخذت نسخي وقعدت أكتب في السراج. وتوفي رحمه الله تعالى في حدود الثمانين والمائتين.
يعيش بن صدقة
بن علي أبو القاسم. الفراتي الضرير الفقيه الشافعي. صاحب ابن الخل. كان
إماماً صالحاً بارعاً في معرفة المذهب والخلاف. سديد الفتاوى. حسن المناظرة. توفي رحمه اله تعالى سنةثلاث وتسعين وخمسمائة.
اليمان بن أبي اليمان
أبو بشر البندنيجي. أصله من الأعاجم من الدهاقين. ولد أكمه لا يرى
الدنيا، في سنة مائتين. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثمانين ومائتين. نشأ بالبندنيجين. وحفظ هناك أدباً كثيراً، وأشعاراً كثيرة. وكان بها أبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم صاحب أبي عبيدة. يروي كتبه كلها، وكتب الأصمعي. فلزم أبو بشر ذلك النمط، وحفظ من كتب الأثرم علماً كثيراً. قال: حفظت في مجلس واحد مائةً وخمسين بيتاً من الشعر بغريبة. وخرج إلى بغداد وسر من رأى. ولقي العلماء. وقرأ على محمد بن زياد الأعرابي، وسمع منه. ولقي أبا نصر صاحب الأصمعي، وهو ابن أخته. حفظ كتاب الأجناس الأكبر. وكانت لأبي بشر ضياع كثيرة وبساتين خلفها أبوه فباعها وأنفقها في طلب العلم. ولقي يعقوب بن السكيت. ولقي الزيادي، والرياشي، بالبصرة. وقرأ عليهما من حفظه كتباً كثيرة. ومن تصانيفه: كتاب التفقيه. كتاب معاني الشعر.كتاب العروض. ومن شعره.
أنا اليمان بن أبي اليمان ... أسعد من أبصرت في العميان
إن تلقني تلق عظيم الشأن ... تلاقني أبلغ من سحبان
في العلم والحكمة والبيان
ومن شعره:
فديوان الضياع بفتح ضاد ... وديوان الخراج بغير جيم
إذا ولى ابن عباس وموسى ... فما أمر الإمام بمستقيم
يوسف بن سليمان

أقسام الكتاب
1 2 3