كتاب : بدائع الفوائد
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية

الدار الآخرة لم يجز له الرجوع لا بثمن ولا بغيره لقوله لا تعد فى صدقتك // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم
قال أبو حفص وتحصيل المذهب أنه لا يجوز له الرجوع فيما دفع إلى غير الولد هبة كان أو صدقة ويرجع فيما وهبه لابنه ولا يرجع فيما كان على وجه الصدقة
وروى عنه مهنأإذا تصدق الرجل بشيء من ماله على بعض ولده ويدع بعضا قال أبو حفص لا فرق بين العطية للمنفعة وبين الصدقة للأجر لأن كلاهما عطية وإنما يختلف حكمها في رجوع الوالد اختلف قوله في قسمة الرجل ماله بين ولده في حياته فروى إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم إذا لم يفضل
وروى عنه محمد بن الحكم أحب إلى أب لا يقسم ماله يدعه على فرائض الله لعله يولد له
علي بن سعيد عن أحمد إذا زوج بعض ولده وجهزه له ولد سواهم وهم عنده ينفق عليهم ويكسوهم فإن كان نفقته عليهم مما يجحف بماله ينبغي له أن يواسيهم وإن لم يجحف بماله وإنما هى نفقة فلا يكون عليه شيء
قال أبو حفص قوله يجحف بماله يعنى ينفق فوق الحاجة ينبغي أن يعطي الذين خرجوا من نفقته بإزاء ذلك لأن ما زاد على النفقة يجري مجرى النحل
وروى عنه أحمد بن الحسين في امراة جعلت مالها لأحد بنيها إن هو حج بها دون أخويه تعطيه أجرته وتسوي بين الولد
وروى عنه إسحاق بن إبراهيم في الأب يقول وهبت جاريتي هذه لابني إذا كان ذلك في صحة منه وأشهد عليه كان قبضه لها قبضا وهذه الرواية تدل على أن هبة الأب لابنه الصغير يجري فيها الإيجاب لأنه اعتبر في ذلك القبض وروى عنه يوسف بن موسى في الرجل يكون له الولد البار الصالح وآخر غير بار لا ينيل البار دون الآخر
قال أبو حفص لأن النبي لم يفرق ولأنه كالبار في الميراث وروى عنه للشاهد أن لا يشهد إذا جاء مثل هذا وعرف فيه الحيف في الوصية وروى عنه الحكم لا يشهد اذا فضل ببيت ولده

وروى عنه الفضل بن زياد في رجل كانت له بنت وأخ وله عشرة الاف درهم لم يجز له أن يصالح الأخ منها على ألفي درهم ليس هذا بشيء
قال أبو حفص لأنه هضم للحق فبطل ولآنه إنما يستحق بعد الموت فهو كإجازة الشريك لشريكه بيع نصبيه ثم له المطالبة بالشفعه قلت هذا القياس غير صحيح لأن النبي على الشريك البيع قبل استئذان شريكه // رواه البخاري ومسلم // فقال لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق بالشفعه فدل على أنه إذا أذن في البيع ولم يرد أخذ الشقص سقطت شفعته وعلى هذا موجب النص فسبب الشفعة إرادة البيع واستئذان الشريك فاذا طلبه الشريك وجب على شريكه بيعه إياه هذا مقتضي النص خالفه من خالفه
وأما إسقاط الميراث فإسقاط أمر موهوم لا يدري أيحصل أم لا ولعله أن يموت هو قبله فهو جار مجرى إسقاط حقه من الغنيمة قبل الجهاد وتحرك العدو البتة وإسقاط حقه بما لعل الموصى أن يوصي له به وأمثال ذلك مما لا عبرة به والله أعلم فائدة أحكام الوالدين بالنسبة لأولادهما
إذا مات ولم يسو فهل يرد فيه روايتان منصوصتان رواية ابنه عبد الله وعمه حنبل وابي طالب أنه يرد وأصحابنا إنما نسبوا ذلك إلى أنه قول أبى حفص ولا ريب أنه اختياره في هذا الكتاب ونقله نصا عن أحمد رواية من سمينا وهو الأقيس نقل عنه حرب في مجوسي كان له ولد فنحل بعض ولده دون بعض وكان للمنحول ابن فمات وترك ابنه كيف حاله في هذا المال الذي ورث عن أبيه وكان الجد نحله قال لا بأس يأكله لأن هذا في الشرك
قال ابو حفص هذا يجيء على القولين جميعا أما على القول الذى يمضيه بالموت فهو مثله وأما على القول بالرد بعد الموت فلأنه نحله في حال الشرك وهو مقبوض فيه فهو كما يثبت قبض المهر إذا كان خمرا أو خنزيرا وإن كان مرودا في الإسلام آخر ما انتقاه القاضي من الكتاب المذكور

ومما انتقاه من كتاب أحكام الملل لأبي حفص أيضا
أبو طالب عنه قال وسأله إسماعيل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج قال لا يستعان بهم في شيء وذكر أبو حفص الحديث إلى قول النبي فلن أستعين بمشترك // رواه والترمذي وابو داود واحمد // قال وروى ابو معاوية حدثنا أبو حيان التيمي عن الزنباع عن أبي الدهقان قال قيل لعمر إن ههنا رجلا من أهل الحيرة له علم بالديوان أفنتخذه كاتبا فقال عمر لقد اتخذت إذا بطانه من دون المؤمنين
وكيع حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري عن أبي موسى قال قلت لعمران لي كاتب نصراني فقال ما لك قاتلك الله ما سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وذكر الحديث
قال أبو حفص احتج أبو عبد الله في جبر الكافر على الإسلام بذكر الشهادتين وإن لم يقل أنا بريء من الكفر الذي كنت فيه بقوله لعمه أدعوك إلى كلمة أن أقاتل الناس حتى يقولوا إلا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم // رواه البخاري ومسلم //
فإن قال لم أرد الإسلام فهل تضرب عنقه أم لا اختلف قوله في ذلك فروى عنه حرب يضرب عنقه وروى عنه مهنأفي يهودي أو نصراني أو مجوسي قال أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وقال لم أنو الإسلام يجبر على الإسلام فإن أبي يحبس فقلت يقتل قال لا ولكن يحبس
ووجه الأولى أنه قد أتى بصريح الإسلام والإعتبار في الإسلام بالظاهر ووجه الثانية أنه يحتمل ما قاله وإن لم يقصد الإيمان فجاز أن يجعل ذلك شبهة في سقوط القتل والقتل سقط بالشبهة بدليل ما لو أعطي الأمان لواحد من أهل الحصن واشتبه علينا

ومما انتقاه من خط أبي حفص البرمكي
بإسناده إلى أنس بن مالك قال رأيت رسول الله على كور عمامته // ضعيف // وبإسناده إليه يرفعه إذا سمعت النداء فأجب وعليك السكينة فإن أصبت فرجة وإلا فلا تضيق على أخيك واقرأ ما تسمع أذنيك ولا تؤذ جارك وصل صلاة مودع // ضعيف //
وبإسناده إلى ابن عمر يرفعه ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد // إسناده فيه ضغف // وبإسناده عن أبي هريرة يرفعه إذا دخل أحدكم المسجد فوجد الناس

سجودا فليسجد ولا يقف كما يقف اليهود وروى ابن بطة بإسناده إلى أبي أمامة أن رسول الله جنازة وهو سابع سبعة فأمرهم رسول الله يصفوا ثلاثة صفوف خلفه فصف ثلاثة واثنيت وواحد صفا خلف صف فصلى على الميت ثم انصرف // ضعيف //
وبإسناده عن سمرة بن جندب يرفعه من كتم علي غال فهو غال مثله // ضعيف //
وبإسناده عن عائشة رضي الله عنها سئل النبي الشعر فقال هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح // صحيح //

وبإسناده عن جابر بن سمرة يرفعه لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق بصاع كل يوم على مسكين // ضعيف //

وبإسناده عن عائشة ترفعه أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد وليولم أحدكم ولو بشاة // ضعيف //
وبإسناده عن إبراهيم الحربي قال الناس كلهم عندي عدول إلا من عدله القاضي
قلت ويروى عن ابن المبارك أنه قال الناس كلهم عدول إلا العدول سمعته من شيخنا
وبإسناده عن يحيى القطان لم يكن يشهد عند الحاكم إلا القسام والذراع فأما المستورون وأهل العلم فلم يكونوا يشهدون وبإسناده قال رجل لابن المبارك يا أبا عبد الرحمن من السفل قال الذين يلبسون القلانس ويأتون مجالس الحكام
وبإسناده عن أنس بن مالك قال رسول الله على الناس زمان يدعوا فيه المؤمن للعامة فيقول الله عز و جل ادع لخاصة نفسك أستجب لك فأما العامة فإني عليهم ساخط // باطل //
وبإسناده عن عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي قال قال أحمد بن حنبل إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال النبي أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم // رواه مسلم //
وبإسناده عن همام بن مسعود كان يقول لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا // صحيح من قول ابن مسعود // وليت القاضي ذكر أسانيد هذه الاحاديث وكتبها لاكشف حالها

ومن خط القاضي أيضا
حكى عن عثمان بن منصور وعمرو بن معدي كرب أنهما كانا يقولان الخمر مناحة مباحة ويحتجان بقوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنو وعملوا الصالحات قالا قد آمنا وعملنا الصالحات فلا جناح علينا فيما طعمنا فلم تكفرهما الصحابة بهذا القول وسؤالهما الحكم في ذلك لأنه لم يكن قد ظهرت أحكام الشريعة في ذلك الوقت ظهورا عاما ولو قال بعض المسلمين في وقتنا هذا لكفرناه لأنه قد ظهر تحريم ذلك
وسبب نزول هذه الآية ما قاله الحسن لما نزل تحريم الخمر قالوا كيف بإخواننا الذين ماتوا وهي في بطونهم وقد أخبر الله انها رجس فأنزل الله ليس على الذين آمنو وعملةا الصالحات جناح فيما طعموا
وكذلك قد قيل في مانعي الزكاة أنهم على ضربين منهم من حكم بكفره وهم من آمن بمسيلمة وطليحة والعنسى ومنهم من لم يحكم بكفره وهم من لم يؤمنوا بهم لكن منعوا الزكاة وتأولوا أنها كانت واجبة عليهم لأن النبي كان يصلي عليهم وكانت صلاته سكنا لهم قالوا وليس صلاة ابن أبي قحافة سكنا لنا فلم يحكم بكفرهم لأنه لم يكن قد انتشرت أحكام الإسلام ولو منعها مانع في وقتنا حكم بكفره ومن خطه أيضا من تعاليقه
عذاب القبر حق وقد وقيل ولا بد من انقطاعه لأنه من عذاب الدنيا والدنيا وما فيها فان منقطع فلا بد أن يلحقهم الفناء والبلاء ولا يعرف مقدار مدة ذلك يجوز أن يحشر الله العباد يوم القيامة عراة في وقت خروجهم من قبورهم يوم البعث ثم يكسو الله المؤمن حلل الجنان ويجعل علىالكافر والعصاة سرابيل القطران والتعبد في الآخره بترك التكشف زائل

المحشر هل هو في ارض الجنة او في ارض من اراضي من أراضي الدنيا أو في موضع لا من الجنة ولا من النار فقد قيل أول حشر الناس عند قيامهم من قبورهم في هذه الأرض التي ماتوا ودفنوا فيها ثم يحولون إلى الأرض التي تسمى الساهرة فهذا معنى قوله \ فإذا هم بالساهرة والساهرة هي التي يحاسبون عليها فإذا فرغوا من الحساب وجازوا على الصراط وميز بين المجرمين والمؤمنين ضرب بينهم بسور فكان ما وراء السور مما يلي الجنة من أرض الجنة وصار ما دون السور مما يلي النار من أرض جهنم وموضع الحساب يصير من جهنم قوله تعالى لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون المراد الأمر في الدنيا لأن الآخرة ليس فيها أمر ولا نهي على الملائكة ولا غيرهم لأن التعبد زائل
وفي البخاري عن علي اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل // رواه البخاري // قلت هذا وهم منه رحمة الله تعالى فإن الله تعالى يأمر الملائكة

يوم القيامة بأخذ الكفار والمجرمين إلى النار وسوقهم إليها وتعذيبهم فيها ويأمر عباده بالسجود له فيخرون سجدا إلا من منعه الله من السجود ويأمر المؤمنين فيعبرون الصراط ويأمر خزنة الجنة بفتحها لهم ويأمر خزنة النار بفتحها لأهلها ويأمر ملائكة السموات بالنزول إلى الأرض ويأمر بشأن البعث كله وما بعده فالأمر يومئذ لله ولا يعصي الله في ذلك اليوم طرفة عين وأومره ذلك اليوم للثواب والعقاب والشفاعة للملائكة والأنبياء وغيرهم تضبطها قدرة الخالق فكيف يقال ليس في الآخرة أمر ولا نهى حتى يقال لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون في الدنيا أفترى الله عز و جل لا يأمرهم يوم القيامة في امر النار بشيء فلا يعصون فيه ويفعلون ما يؤمرون فيه نعم ليست الآخرة دار حرث وإنما هي دار حصاد وأوامر الرب ونواهية ثابتة في الدارين وكذلك أوامر التكليف ثابته في البرزخ ويوم القيامة وحكاه أبو الحسن الأشعري في مقالاته عن أهل السنة في تكليف من لم تبلغه الدعوة في الدنيا أن يكلفوا يوم القيامة فقول القائل الآخرة ليست دار تكليف ولا أمر ولا نهي قول باطل ودعوى فاسدة والله تعالى الموفق تحقيق معنى الولاية
قال ذكر بعضهم أنه يجوز أن يقول أنا مؤمن ولا يقول أنا ولي وفرق

بينهما فإن الله تعالى أمر من ظهر منه الإيمان أن يسمى مؤمنا قال تعالى فإن علمتموهن مؤمنات الآية ولم يأمر من ظهر منه ذلك أن يسمى وليا ولا فرق بينهما فإن الله قد وصف الولي بصفة المؤمن فقال وما كانوا أولياؤه ان اولياءه إلا المتقون وهذه صفة المؤمن ثم لا يجوز أن يصف نفسه بأنه ولي وكذلك المؤمن ولأنه إنما يكون وليا بتوليه لطاعات الله وقيامه بها كالمؤمن
قلت هذه حجة من منع قول القائل أنا مؤمن بدون استثناء كما لا يقول أنا ولي ومن فرق بينهما اجاب بأنه لا يمكنه العلم بأنه ولي لأن الولاية هي القرب من الله عز و جل فولى الله هو القريب منه المختص به والولاء هو في اللغة القرب ولهذا علامات وأدلة وله اسباب وشروط وموجبات وله موانع وآفات وقواطع فلا يعلم العبد هل هو ولي الله أم لا
وأما الإيمان فهو أن يؤمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ويلتزم أداء فرائضه وترك محارمه وهذا يمكن أن يعلمه من نفسه بل ويعلمه غيره منه
والذي يظهر لي من ذلك أن ولاية الله تعالى نوعان عامة وخاصة فالعامة ولاية كل مؤمن فمن كان مؤمنا لله تقيا كان له وليا وفيه من الولاية بقدر إيمانه وتقواه ولا يمتنع في هذه الولاية أن يقول أنا ولي إن شاء الله كما يقول أنا مؤمن إن شاء الله
والولاية الخاصة إن علم من نفسه أنه قائم لله بجميع حقوقه مؤثر له على كل ما سواه في جميع حالاته قد صارت مراضي الله ومحابة هي همه ومتعلق خواطره يصبح ويمسي وهمه مرضاة ربه وإن سخط الخلق فهذا إذا قال أنا ولي الله كان صاقا
وقد ذهب المحققون في مسألة أنا مؤمن إلى هذا التفصيل بعينه فقالوا له أن يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه ولا يقول أنا مؤمن لأن قوله أنا مؤمن يفيد اإلإيمان المطلق الكامل الآتي صاحبه بالواجبات التارك للمحرمات بخلاف قوله آمنت بالله فتأمله وإذا دخل خارجي أو قاطع طريق إلى بلد وقد غصب الأموال وسبى الذراري هل يجوز معاملته
نظرت فإن لم يكن معهم إلا ما أخذوه من الناس لم يجز معاملتهم وإن كان معهم حلال وحرام لم يجز أيضا إلا أن يبينوه كرجل كان عنده أربع إماء فأعتق واحدة منهن

بعينها وعرض واحدة منهن وهو مدع لرقهن لم يجز الشراء منه حتى يبين التي أعتقها وكذلك إذا كان عنده ميتة ومذكاة لم يجز الشراء منه حتى يبين فأما الأموال التي في ايدي هؤلاء الغصبة من الخوارج واللصوص الذين لا يعرف لهم صناعة غير هذه الأموال المغصوبة عليهم فالعلم قد أحاط بأن جميع ما معهم حرام فلا يجوز البيع والشراء منهم
ولكن يجوز للفقير أن يأخذ منهم ما يعطوه من جهة الفقر لأن إمام المسلمين لو ظفر بهذا الفاسق وبما معه من الأموال لوجب أن يصرف هذه الأموال في الفقراء وأما المستور فإنه يحكم له بما في يده لأنا لا نعلم أنه في دعواه مبطل
وكذلك لو أن رجلا من فساق المسلمين لا ينزع عن الزنا والقذف ونحوه وكان في يده مال حكم له به ويفارق هذا من يعرف بالغصب والظلم لأن الظاهر أن تلك الأموال حرام غصوب ومن خط القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد
رواية المروزي عنه رواية أبي بكر أحمد بن عبد الخالق عنه رواية أبي بكر أحمد ابن جغفر بن سالم الحنبلي رواية أبي الحسين أحمد بن عبد الله السوسنجردي قال المروزي سمعت أبا عبد الله يقول لرجل اقعد اقرأ فجئته أنا بالمصحف فقعد فقرأعليه فكان يمر بالاية فيقف أبو عبد الله فيقول له ما تفسيرها فيقول لا أدري فيفسرها لنا فربما خنفقته العبرة فيردها وكان إذا أمر بالسجدة سجد الذي يقرأوسجدنا معه فقرأ مرة فلم يسجد فقلت لأبي عبد الله لاي شيء لم تسجد قال لو سجد سجدنا معه قد قال ابن مسعود للذي قرأأنت إمامنا إن سجدت سجدنا وكان يعجبه ان يسلم فيها
وقال ذهب إلى ابن سواء فكان يقرأبنسخة لعبد الوهاب فكان يقرأويفسر قال ابن سواء كان يقرأويفسر قال وكان قتادة يقرا ويفسر
وقال لرجل لو قرأت فسمعنا ونحن يسير من العسكر فكان الرجل يقراوأبو عبد الله يسمع وربما زاد أبو عبد الله الحرف والآية فتفيض عيناه وسمعته يفسر القرآن وقال قال مجاهد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات وقال أعيتني الفرائض فما أحسنها
وقرأ عليه لا شية فيه قال لا سواد فيها عوان بين ذلك

قال لا كبيرة ولا صغيره غير مدينين قال محاسبين وقال يقرأالسجن والسجن أحب إلى أيتها العير قال حمر تحمل الطعام كفرت بأنعم الله فأذاقها الله قال تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال هذه نسختها التي في البقرة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا قال يفرض لكل حامل مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها لها النفقة حتى تضع هكذا رأيت هذا التفسير ولا يخلوا من وهم إما من المروزي أو من الناقل وثيابك فطهر قال عملك فأصلحه والرجز فاهجر قال الرجز عبادة الأوثان ولا تمنن تستكثر قال تمنن بما أعطيت لتأخذ أكثر قل أعوذ برب الفلق قال واد في جهنم الغاسق القمر وقال النبي هذا الغاسق قد طلع // صحيح // يعني القمر النفافات السحر و العقد الذين يعقدون السحر حاسد إذا حسد قال هو الحسد الذي يتحاسد الناس قلت إيش تفسير إذا وقب قال لا أدرى
وقرىء عليه إرم ذات العماد قال لم تزل جابو الصخر بالواد قال نقبوا الصخر وجاءوا عليهم جلود النمار قد جابوها قد نقبوها عسعس أظلم إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة قال هذه مدينه مروان قد مررت بها وهي قرينة من عبد الرزاق رأيتها سوداء حمراء أثر النار تبين فيها ليس فيها أثر زرع ولا خضرة إنما غدوا على أن

يصرموها أو يجدوها وفيها حرث وكانوا قد أقسموا أن لا يدخلها مسكين فأصبحت كالصريم قد أكلتها النار حتى تركتها سوداء
قال أوسطهم أعدلهم لا يلتكم من أعمالكم لا يظلمكم يوم تكون السماء كالمهل قال مثل دردري الزيت ذات الرجع قال الرجع المطر والصدع النبات ألم نجعل الأرض كفاتا يكفتون فيها الأحياء الشعر والدم وتدقنون ! فيها موتاكم
قال المروزي وسمعته يقول يدفن فيها ثلاثة أشياء الأظافر والشعر والدم ثم قال وأمواتا تدفن فيها الأموات ماء فراتا عذبا الفراش المبثوث قال الفراش الذي يطير عند السراج فيحترق
ونجنى من فرعون وعمله قال مضاجعته بغير عمد ترونها قال كان ابن عباس يقول ترون السموات ولا ترون العمد والنجم والشجر يسجدان قال الشجر ما كان إلى طول قائم والنجم النبات الذي على وجه الأرض وقرىء عليه خلقت بيدي قال مشددة مخالفة على الجهمية أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار قال أخلصوا بذكر الآخرة فطفق مسحا بالسوق والأعناق قال ضرب أعناقها وآتيناه أجره في الدنيا قال الثناء يتولى إبراهيم الملل كلها يتسولونه ورد الله الذين كفروا بغيظهم قال جاءت ريح فقطعت أطناب الفساطيط
فرجعوا لن تنالوا البر قال الجنة اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة قال باعوها قلت يريد أبو عبد الله باعوا الآخرة لا أنه فسر الاشتراء بالبيع فإنهم لم يبيعوا الحياة الدنيا وإنما باعوا الآخرة واشتروا الدنيا
فيها صر برد فضحكت حاضت بخس دراهم معدودة قال بعشرين درهما قاصرات الطرف قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم حور عين قال كثير بياض أعينهن شديد سواد الحدق والذين جاءوا من

بعدهم قال العجم يصرون على الحنث العظيم قال الكفر شرب الهيم الإبل الأحقاف الرمل سيل العرم قال السيل هو السيل والعرم هو مسناة البحر
قال المروزي حدثنا محمد بن جعفر ثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة في قوله سيل العرم قال المسناة بلحن اليمن
قال أي شيء تفسير إن الإنسان لربه لكنود قلت لكفور قال نعم بين الصدفين قال الجبلين عين القطر النحاس المذاب لا تأخذه سنة لا تأخذه نعسة فلما قضينا عليه الموت قال مكث على عصاة سنة فلما نخرت العصى وقع ذواتي أكل خمط قال الأراك
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ما لم يكن فيه سرف أو تقتير وأنى لهم التناوش ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك قال القرآن ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم بالذي أوحينا إليك قال سجل منالعذاب ذات الأكمام قال الطلع قرىء عليه والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا قال الذي قال سفيان إذا اختلفتم في شيء فانظروا ما عليه أهل التقوى يتأول الآية سوف أستغفر لكم ربي أخر دعاءه إلى السحر العشار عطلت لم تحلب ولم تصر ما أغنى عنه ماله وما كسب قال ما كسب ولده ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال نعيم الدنيا نسوق الماء إلى الأرض الجرز هي أرض لا يأتيها المطر إنما يساق إليها الماء وقد مررت بها بليل قلت وكان شيخنا أبو العباس أحمد بن تيمية يقول هي أرض مصر وهي أرض إيليز لا ينفعها المطر فلو أمطرت مطر العادة لم ينفعها ولم يروها ولو داوم عليها المطر لهدم البيوت وقطع المعايش فأمطر الله بلاد الحبشه والنوبة ثم ساق الماء إليها وعندي أن الأية عامة في الماء الذي يسوقه الله على متون الرياح في السحاب وفي الماء الذي يسوقه وجه الأرض فمن قال هي مصر إنما أراد التمثيل لا التخصيص
فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال أهل المدينة فنوان نضيج قلت أهل المدينة أول من وكل بها ولمن بعدهم من الوكالة بحسب قيامة بها علما وعملا ودعوة إلى الله تعالى

قال بعث شعيب إلى مدينتين قال عذبوا يوم الظله قال فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين قال يقرأ صواع الملك وصواع وصواعب أصوب قال وكان من ذهب هارون أخي اشدد به أزري قال أشركه معي يا رب قال افعل بنا قال هذا دعاء قال ومن قرأأشدد به ازري قال موسى أنا أشركه في أمري قال كلا الوجهين حسن
يعلم السر وأخفى قال السر ما كان في القلب يسره وأخفى الذي لم يكن بعد يعلمه هو يعلم خائنة الأعين قال هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فليخظها بصره وقد سئل النبي نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك عنها // رواه مسلم وأبو داود والترمذي //
ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء قال كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرا حيث ما وجد لا يأت بخير قال أحسن هذا الحرف وقرأه هو أكثر نفيرا قال رجالا ولم يجعل له عوجا قيما قال إنما هو قيما ولم يجعل له عوجا وقال ليس أحد من الأنبياء تمنى الموت غير يوسف قال رب توفني مسلما الآية أزكى طعاما أحل
لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها قال عيسى والعزيز قلت هذا تفسير يحتاج إلى تفسير فإن كان أحمد قال هذا فلعله أراد الشياطين الذين عبدهم اليهود والنصارى وزعموا أنهما عيسى والعزيز
وقال يا أخت هارون قلت هو هارون أخو موسى قال نعم كان المشركون قد اختصموا على عهد رسول الله بين موسى وعيسى كذا وكذا فقال النبي كان هذا بدعا بين الأنبياء // رواه مسلم //
قال ابو عبد الله استعمل عمر رضي الله عنه رجلا فأبي أن يدخل له في عمل فقال يعني عمر يوسف قد سأل العمل فاستعمل على خزائن الأرض
وقال في المائدة ثمانيةعشرة فريضة حلال وحرام يعمل بها وليس فيها شيء لا يعمل به إلا آية يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام

قال هذه منسوخة وقال آخر شيء نزل من القرآن المائدة وأول شيء نزل من القرآن اقرأ أحلت لكم بهيمة الأنعام قال كان ابن عباس يأخذ بذنب الجنين ويقول هذا من بهيمة الأنعام
وقد روى عن النبي قال ذكاة الجنين ذكاة أمه // صحيح // قال وأما

فارغه

أبو حنيفة فقال لا يؤكل تذبح نفس وتوكل نفس فأنزل الله سكينته عليه قال أبو بكر وكان النبي أنزلت عليه السكينة قلت وكان شيخنا أبو العباس بن تيمية قدس الله روحه يذهب إلى خلاف هذا ويقول الضمير عائد إلى النبي وإلى صاحبه تبعا له فهو الذي أنزلت عليه السكينة وهو الذي أيده الله بالجنود وسرى ذلك إلى صاحبه انتهى
وقال ما نزل بمكة والمدينة من القرآن أربع سور أنزلت بالمدينة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ياأيها الذين آمنو قال بالمدينة يا أيها الناس قال بمكة قلت لم يرد أحمد التخصيص ولا خلاق بين الأمة في أن الأنفال وبراءة والنور والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقين نزلن بالمدينة في سور أخرى
وقوله يا أيها الذين آمنوا بالمدينة صحيح و يا أيها الناس بمكة فمنه ما هو بالمدينة ومنه ما هو بمكة فالبقرة مدينة وفيها يا أيها الناس جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس قال كان ابن عباس يقول لو ترك الناس الحج سنة واحدة ماتوا طرا
ما ذبح على النصب قال على الأصنام قال وكل شيء يذبح على الأصنام لا يؤكل تستقسموا بالأزلام قال كعاب فارس يقال لها النرد وأشباه ذلك
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم قال لو أن رجلا ب عدن هم

بقتل رجل وهو في الحرام هذا قول الله نذقه من عذاب أليم هكذا قال ابن مسعود قال وقد خرج جابر من المدينه إلى مكة مجاورا أربعة أشهر وعشرا قال والعشر ليال او أيام ثم قال لو كانت ليالي كان يكون نقصان يوم لكنها وليال عشرة قال وأهل مصر يقولون الشام باديتهم
قال يوسف وجاء بكم من البدو لا تثرين عليكم لا تعبير اذهبوا بقميصي قال شم ريحه من مسيرة سبعة أيام فصبر جميل لا جزع فيه
قلت وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحة مرار يقول ذكر الله الصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل فالصبر الجميل الذي لا شكوى معه والهجر الجميل الذي لا أذى معه والصفح الجميل الذي لا عتاب معه انتهى
شاهد من أهلها قال عبد قد قال قوم حكيم من أهلها وقال قوم القميص الشاهد وقال قوم الصبر
خلقنا الإنسان في كبد قال منتصبا وقال القول الآخر أظهر وهو في مشقة وعناء يكابد أمر الدنيا والآخرة قال الحسن ما اجد من خلق الله تعالى يكابد ما يكابده ابن آدم ماؤكم غورا قال لا يناله الرشاء بماء معين قال على وجه الأرض قلت يحتمل تفسير أحمد أمرين احدهما أن يكون معينا فعيلا من أمعن في الأرض إذا ذهب فيها ويحتمل أن يكون مفعولا من العين اى مرئيا بالعين وأصله معيون ثم أعل إعلال مبيع وبابه أو قال قرأ زيد بن ثابت وانظر إلى العظام كيف ننشرها وهو أشبه إذا شاء أنشره
وتعزروه وتوقروه وتسبحوه قال يعزروه النبي الله تعالى على تخوف نقصان فيه يعصرون قال يحلبون البحر المسجور جهنم قلت لم يرد احمد المراد بالآية جهنم وإنما اراد أنه يكون جهنم أو موضعها والله أعلم البحار فجرت فاضت
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون قال كانوا يؤخرونها حتى يخرج الوقت
أو دما مسفوحا هو العبيط ولا يكاد ان يكون في اللحم الصفو فيغسل في ظلمات ثلاث البحر وحوت في حوت فنادى

في الظلمات قلت هذا تفسير فنادى في الظلمات وذكر في ظلمات ثلاث وهم فإن تلك الظلمات هي التي يخلق فيها الجنين لا مدخل لظلمه البحر ولا لظلمه الحوت فيها بل لظلمه الرحم وظلمة المشيمة وظلمة البطن والله أعلم
فمن ابتغى وراء ذلك قال الزنا
لكم فيها منافع قال اشترى ابن المنكدر بجميع ما كان معه بدنة وتأويل هذه الآية وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنينة إلى عذاب يوم عظيم قال هذه نزلت بمكة والباقي بالمدينة
ثم أنشاناه خلقا لآخر قال نفخ فيه الروح قال أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال هو ان ينظر قيل ان يرجع طرفه إليه قال وإنما كان قد علم الاسم الذي يستجاب فدعا به
سائق وشهيد قال يسوق إلى أمر الله والشهيد يشهد عليه بما عمل الماعون الفأس والقدر وأشباه ذلك
وإذا أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال قدمه على نوح قال هذه حجة على القدرية قلت ولعل احمد أراد القدرية المنكرة للعلم بالأشياء قبل كونها وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف وإلا فلا تعرض فيها خلق الأعمال
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء إلى قوله ومتعوهن قال هذه لها نصف الصداق وإن متعت فحسن وإن لم تمتع فحسن قال ابن عباس تمتع بخادم ابن عمر تمتع بدرع وإزار ونحو هذا
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره
يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية قال هذه ليس عليها عدة وقال سعيد بن جبير لكل مطلقة متاع ابن المسيب ليس لها متاع قال أبو عبد الله من متع فحسن ومن لم يمتع فحسن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وقد قال قوم هو الولى فإذا عفا الرجل اعطاها المهر كاملا أو يعفون قال تكون المرأة تترك للزوج ما عليه فتكون قد عفت
قلت ونص أحمد في رواية أخرى أنه الأب وهو مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ذكرت على رجحانه بضعة عشر دليلا في موضع آخر

الوحوش حشرت قال جمعت وقال قوم ماتت
قال من قرأ إن هذان لساحران قال موسى وهارون ومن قرأ ساحران قال هذان كتابان واحدا بعد واحد قلت هكذا رأيته وهو وهم وإنما هذا تفسير الآية التي في القصص
أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا اراد موسى ومحمدا وقالوا إنا بكل كافرون وقرأالكوفيون سحران تظاهرا أرادوا التوراة والقرأن وأما آية طه فليس فيها إلا قراءة واحدة ومعنى واحد لساحران يريدون موسى وهارون فاشتبهت الآيتان على النافل أو السامع
نزاعة للشوى تأكل لحم الساقين قلت في الاية تفسيران مشهوران أحدهما أن الشوى الأطراف التي ليست مقاتل كاليدين والرجلين تنزعها عن اماكنها ومنه قولهم رمى الصيد فأشواه إذا أصاب أطرافه دون مقاتلة فإن أصاب مقتله فمات موضعه قيل رماه فأصماه فإن حمل السهم وفر به ثم مات في موضع آخر قيل رماه فأنحاه قال الشاعر
فهو لا ينحى رمية ... ما له عد من نفره
التفسير الثاني أن الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس وفروته وتفسير أحمد لا يناقض هذا فلعله إنما ذكر لحم الساقين تمثيلا والله أعلم
ما زاغ البصر لم ينصرف يمينا ولا شمالا وما طغى لم ينظر إلى فوق وقال من قرأسأل سائل قال سأل واد ومن قرأسأل سائل قال دعا قلت هذا أحد القولين والثاني أن ذا الألف من السؤال أيضا لكنه قلبت الهمزة فيه ألفا
ناشئة الليل قال قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر والناشئة لا تكون إلا من بعد رقدة ومن لم يرقد لا يقال لها ناشئة
هي أشد وطئا قال هي أشد تبيينا تفهم ما يقرأوتعى أذنك وخر راكعا قال كان ابن مسعود لا يسجد فيها يقول هي توبة نبي
إذا ارسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث قال قوينا قال هي أنطاكية وجاء الثالث وقد اجتمع الناس على الاثنين فقال يا قوم

اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم اجرا قال أبو عبد الله قال ابن ادريس وددت أني قرأت اهل المدينة المنورة قال وقال ابن عيينة قال لي ابن جريح اقرأعلي حتى أفسر لك قال وكان ابن جريح قد كتب التفسير عن ابن عباس وعن مجاهد وقال رحم الله سفيان ما كان أفقهه في القرآن وكان له علم وقال في النجم في آخرها يسجد ثم يقوم فيقرأهذا في الإمام وقال النفاق لم يكن في المهاجرين وقال في القرآن اثنان وثمانون موضعا الصبر محمود وموضعان مذموم قال المذموم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا أن امشوا واصبروا على ألهتكم أو قال فما أصبرهم على النار المروزي شك
وإبراهيم الذي وفي قال بلى بالذبح ذبح ابنه فوفى وبلى بحرق النار فوفى وذكر الثالثة فوفى فلم أحفظه
قلت لأبي عبد الله إيش تفسير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا قال لا ترضوا أعمالهم قال وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا في الصلاة والخطبة يوم ندعو كل أناس بإمامهم قال هو في التفسير بكتابها قلت لأبي عبد الله في القرآن المحراب كلما دخل عليها زكريا المحراب هو محراب مثل محاريبنا هذه قال لا أدري أي محراب هو وفي بعض التفسير ذكر محراب داود
وسئل عن قوله تعالى قلوبنا غلف قال أوعية قلت هذا أحد القولين والقول الثاني وهو أرجح غلف اي في غشاوة لا نفقه عنك ما تقول نظيره قوله وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يضعف قول من قال أوعية جدا وقال إنما هي جمع أغلف ويقال للقلب الذي في الغشا أغلف وجمعه غلف كما يقال للرجل غير المختون أقلف وجمعه قلف
وسئل عن صيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة قال كملت للهدى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام فأما أهل مكة فليس عليهم هدى ولا لمن كان بأطراف ما تقصر فيه الصلاة آخر ما وجد من خط القاضي رحمة الله تعالى فوائد شتى من كلام ابن عقيل وفتاويه سئل عمن قال إن برىء مريضي أو قدم غائبي صمت هل يكفي كونه نذرا أو

يفتقر إلى أن يقول لله علي فأجاب يكفى نذرا لأنه ذكره على وجه المجازاة لأن الله هو يبرىء المرضي فاستغنى بدلالة الحال
وسئل عن رجل طعن بعض الناس فظنه لصا في لصوص هربوا فأجاب عليه القود لأنه لو كان لصا فهرب لم يجز طعنه ووجب القود فكيف إذا لم يكن
وسئل لو قال منجم أن الشمس تكسف تحت الأرض في وقت كذا هل تصلي صلاة الكسوف فأجاب لا لأن خبرهم لا يؤخذ به كما لو قالوا الهلال تحت الغيم فإن قيل فإذا قالوا قد زالت الشمس قلنا ذاك موقوف على تقدير ولهذا نقدره بالصنائع انتهى كلامه ولا حاجة إلى هذا فإن الشمس لو كسفت ظاهرا ثم غابت كاسفة لم يصل للكسوف بعد غيبتها فكيف يصلي لها إذا لم يعاين كسوفها البتة الفراسة حكم بالأمارت والشرع
وذكر له حاكم طعن عليه بأنه يحكم بالفراسة وأنه ضرب بالجريد في إقرار بمال وأخذه منه فقال ابن عقيل ليس ذلك فراسة بل حكم بالأمارات وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوز التعويل على ذلك وقد ذهب مالك بن أنس رضي الله عنه غلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم وذلك يستند إلى قوله إن كان قميصه قد من قبل ومتى حكمنا بعقد الأزح وكثرة الخشب ومعاقد القمط في الحصن وما يصلح للمرأة والرجل يعنى في الدعاوي والدباغ والعطار إذا تحاكما في جلد والقيافة والنظر في الخنثى والنظر في أمارات القبلة وهل اللوث في القسامة إلا نحو هذا انتهى لا بد للحاكم من فقهين
قلت الحاكم أذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال كفقهه في كليات الأحكام ضيع الحقوق فهاهنا فقهان لا بد للحاكم منهما فقه في أحكام الحوادث الكلية وفقه في الوقائع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ثم يطبق بين هذا وهذا بين الواقع والواجب فيعطي الواقع حكمه من الواجب السياسة العادلة جزء من الشريعة ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها وأن الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة علم أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها وأن من احاط علما بمقاصدها ووضعها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة

فإن السياسة نوعان سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر وهي من الشريعة علمها من علمها وخفتيت على من خفيت عنه ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله للمراتين اللتين ادعتا الولد فحكم به داود للكبرى فقال سليمان ايتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغري لا تفعل هو ابنها فقضي به للصغرى لما دل عليه امتناعها من رحمة الأم ودل رضي الكبرى بذلك على الاسترواح إلى التأسي بمساواتها في فقد الولد
وكذلك قول الشاهد من أهل امرأة العزيز إن كان قميصه قد من قبل وإن كان قميصه قد قد من دبر فذكر الله تعالى ذلك مقررا له غير منكر على قائله بل رتب عليه العلم ببراءة يوسف عليه السلام وكذب المرأة عليه
وقد أمر النبي أن يقرر ابني ابي الحقيق بالتعذيب على إخراج الكنز فعذبهما حتى أقرا به // صحيح // ومن ذلك قول علي للظعينة التي حملت كتاب حاطب وأنكرته فقال لها لتخرجن بكتاب أو لنجردنك // رواه البخاري ومسلم وغيرهم // وهل تقتضي محاسن الشريعة الكاملة إلا هذا وهل يشك أحد في أن كثيرا من القرائن تفيد علما اقوى من الظن المستفاد من الشاهدين بمراتب عديدة فالعلم المستفاد من مشاهدة الرجل مكشوف الرأس وآخر هارب قدامه وبيده عمامة وعلى رأسه عمامة فالعلم بأن هذه عمامة المكشوف رأسه كالضرورى فكيف تقدم عليه اليد التي إنما تفيد ظنا ما عند عدم المعارضة واما مع هذه المعارضة فلا تفيد شيئا سوى العلم بأنها يد عادية فلا يجوز الحكم بها البتة ولم تأت الشريعة بالحكم لهذه اليد وأمثالها البتة
وقد أمر النبي أن يدفع اللقطة إلى واصفها // رواه البخاري ومسلم والموطأ وغيرهم // وقد نص احمد على اعتبار الوصف عند تنازع المالك والمستأجر في الدفين في الدار وهذه من محاسن مذهبه ونص على البلد يفتح فيوجد فيه أبواب مكتوب عليها بالكتابة القديمة أنها وقف أنه

يحكم بذلك لقوة هذه القرينة وهل الحكم بالقافة إلا حكم بقرينة الشبه وكذلك اللوث في القسامة حتى أن مالكا وأحمد في إحدى الرايتين يقيدان بها في وهو الصواب الذي لا ريب فيه وكذلك الحكم بالنكول إنما هو مستند إلى قوة القرينة الدالة على أن الناكل غير محق وبالجملة فابينه اسم لكل ما يبن الحق ومن خصها بالشاهدين دعواه والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرهما من أنواع البينة قد تكون أقوى منهما وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة وكذلك قول النبي البينة على المدعى // رواه البخاري ومسلم // المراد به بيان ما يصحح دعواه الشاهدان من البينة ولا ريب ان غيرها من أنواع البينة قد تكون أقوى منهما كدلالة الحال على صدق المدعى فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد والبينة والحجة والدلالة والبرهان والآية والتبصرة كالمترادفة لتقارب معانيها والمقصود أن الشرع لم بيغ القرائن ولا دلالات الحال بل من استقرأمصادر الشرع وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار مرتبا عليها الأحكام وقول ابن عقيل ليس هذا فراسة يقال ولا ضير في تسميته فراسه فإنها فراسه صادقة وقد مدح الله سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه قال تعالى إن في ذلك لآيات للمتوسمين وهم المتفرسون الذين يأخذون بالسيما وهي العلامة
ويقال توسمت فيك كذا أي تفرسته كأنك اخذت من السيما وهي فعلا من السمة وهي العلامة وقال تعالى ولو نشألأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم وقال تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم وفي الترمذي مرفوعا اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين // ضعيف // والله أعلم

هوامش

ذكرة مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته
قال مدعي الطهارة المنى مبدأخلق بشر فكان طاهرا كالتراب قال الآخر ما أبعد ما اعتبرت فالتراب وضع طهورا ومساعدا للطهور في الولوغ ويرفع حكم الحدث على رأى والحدث نفسه على راي فأين ما يتطهر به إلى ما يتطهر منه على أن الاستحالات تعمل عملها فأين الثواني من المبادىء وهل الخمر إلا ابنة العنب والمني إلا المتولد من الأغذية في المعدة ذات الإحالة لها إلى النجاسة ثم إلى الدم ثم إلى المني
قال المطهر ما ذكرته في التراب صحيح وكون المني يتطهر منه لا يدل على نجاسته فالجماع الخالى من الأنزال يتطهر منه ولو كان التطهر منه لنجاسته لاختصت الطهارة بأعضاء الوضوء كالبول والدم وأما كون التراب طهورا دون المني فلعدم تصور التطهير بالمني وكذلك مساعدته في الولوغ فما أبعد ما اعتبرت من الفرق وأما دعواك أن الاستحالة تعمل عملها فنعم وهي تقلب الطيب إلى الخبيث كالأغذية إلى البول والعذرة والدم والخبيث إلى الطيب كدم الطمث ينقلب لبنا وكذلك خروج البن من بين الفرث والدم فالاستحالة من أكبر حجتنا عليك لأن المني دم قصرته الشهوة وأحالته النجسة وانقلابه عنها إلى عين أخرى فلو اعطيت الاستحالة حقها لحكمت بطهارته
قال مدعي النجاسة المذي مبدأ المني وقد دل الشرع على نجاسته حيث أمر بغسل الذكر وما أصابه منه وإذا كان مبدؤه نجسا فكيف بنهايته ومعلوم أن المبدأموجود في الحقيقة بالفعل قال المطهر هذا دعوى لا دليل عليها ومن أين لك ان المذي مبدأ المني وهما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة فدعواك أن المذي مبدأالمني وأنه مني لم تستحكم طبخه دعوى مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي فلا تكون مقبوله ثم لو سلمت لك لم يفدك شيئا البتة فإن للمبادىء أحكاما تخالفها احكام الثواني فهذا الدم مبدأ اللبن وحكمهما مختلف بل هذا المني نفسه مبدأ الآدمي طاهر العين ومبدأه عندك نجس العين فهذا مناظهر ما يفسد دليلك ويوضح تناقضك وهذا مما لا حيلة في دفعة فإن المني لو كان نجس العين لم يكن الآدمى طاهرا لأن النجاسة عندك لا تطهر بالاستحاله فلا بد من نقض أحد أصليك فإما أن تقول بطهارة المني أو تقول النجاسة تطهر بالاستحالة وإما أن تقول المني نجس والنجاسة لا تطهر بالاستحالة ثم تقول بعد ذلك بطهارة الآدمي فتناقض مالنا إلا النكير له

قال المنجس لا ريب ان المني فضله مستحيلة عن الغذاء يخرج من مخرج البول فكانت نجسه كهو أى كالبول ولا يرد على البصاق والمخاط والدمع والعرق لأنها لا تخرج من مخرج البول
قال المطهر حكمك بالنجاسة إما أن يكون للاستحالة عن الغذاء أو للخروج من مخرج البول أو لمجموع الأمرين فالأول باطل إذ مجرد استحالة الفضله عن الغذاء لا يوجب الحكم بنجاستها كالدمع والمخاط والبصاق وإن كان لخوجه من مخرج البول فهذا انما يفيدك انه متنجس لنجاسة مجراه لا أنه نجس العين كما هو أحد الأقوال فيه وهو فاسد فإن المجرى والمقر الباطن لا يحكم عليه بالنجاسة وإنما يحكم بالنجاسةبعد الخروج والانفصال ويحكم بنجاسة المنفصل لخبثه وعينه لا لمجراه مقره وقد علم بهذا بطلان الاستناد إلى مجموع الأمرين والذي يوضح هذا انا رأينا الفضلات المستحلة عن الغذاء تنقسم إلى طاهر كالبصاق والعرق والمخاط ونجس كالبول والغائط فدل على أن جهة الاستحالة غير مقتضية للنجاسة ورأينا ان النجاسة دارت مع الخبث وجودا وعدما فالبول والغائط ذاتان خبيثتان منتنتان مؤذيتان متميزتان عن سائر فضلات الآدمى بزيادة الخبث والنتن والاستقذار تنفر منهما النفوس وتنأى عنهما وتباعدهما عنها أقصى ما يمكن ولا كذلك هذه الفضلة الشريفة التي هي مبدأ خيار عباد الله وساداتهم
وهي من أشرف جواهر الإنسان وأفضل الأجزاء المنفصلة عنه ومعها من روح الحياة ما تميزت به عن سائر الفضلات فقياسها على العذرة أفسد قياس في العالم وأبعده عن الصواب
والله تعالى أحكم من أن يجعل محال وحيه ورسالاته وقربه مبادئهم نجسه فهو أكرم من ذلك وأيضا فإن الله تعالى أخبر عنه هذا الماء وكرر الخبر عنه في القرآن ووصفه مرة بعد مرة وأخبر أنه دافق يخرج من بين الصلب والترائب وأنه استودعه في قرار مكين ولم يكن الله تعالى ليكرر ذكر شيء كالعذرة والبول ويعيده ويبديه ويخبر بحفظه في قرار مكين ويصفه بأحسن صفاته من الدفق وغيره ولم يصفه بالمهانة إلا لإظهار قدرته البالغة أنه خلق من هذا الماء الضعيف هذا البشر القوي السوي فالمهين ههنا الضعيف ليس هو النجس الخبيث
وأيضا فلو كان المني نجسا وكل نجس خبيث لما جعله الله تعالى مبدأخلق الطيبين من عبادة والطيبات ولهذا لا يتكون من البول والغائط طيب فلقد أبعد النجعة من جعل أصول بني آدم كالبول والغائط في الخبث والنجاسة والناسإذا سبوا الرجل قالوا أصله خبيث وهو خبيث الأصل فلو كانت أصول الناس نجسة وكل نجس خبيث لكان

هذا السبب بمنزلة أن يقال أصله نطفة أو أصله ماء ونحو ذلك وإن كانوا إنما يريدون بخبث الأصل كون النطفة وضعت في غير حالها فذاك خبث على خبث ولم يجعل الله في أصول خواص عبادة شيئا من الخبث بوجه ما
قال المنجسون قد أكثرتم علينا من التشنيع بنجاسة أصل الآدمي وأطلتم القول وأغرضتم وتلك الشناعة مشتركة الإلزام بيننا وبينكم فإنه كما أن الله يجعل خواص عباده ظروفا وأوعية للنجاسة كالبول والغائظ والدم والمذي ولا يكون ذلك عائدا عليهم بالعيب والذم فكذلك خلقه لهم من المني النجس وما الفرق
قال المطهرون لقد تعلقتم بما لا متعلق لكم به واستروحتم إلى خيال باطل فليسوا ظروفا للنجاسة البتة وإنما تصير الفضلة بولا وغائطا إذا فارقت محلها فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث وإنما يصير خبيثا بعد قذفة وإخراجه وكذلك الدم إنما هو نجس إذا سفح وخرج فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس فالمؤمن لا ينجس ولا يكون ظرفا للخبائث والنجاسات
قالوا والذي يقطع دابر القول بالنجاسة أن النبي علم أن الأمة شديدة البلوى في أبدانهم وثيابهم وفرشهم ولحفهم ولم يامرهم فيه يوما ما بغسل ما أصابة لا من بدن ولا من ثوب البتة ويستحيل أن يكون كالبول ولم يتقدم إليهم بحرف واحد في الأمر بغسله وتأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ممتنع عليه
قالوا ونساء النبي الأمة بحكم هذه المسألة وقد ثبت عن عائشة أنها أنكرت على رجل أعارته ملحفة صفراء ونام فيها فاحتلم فغسلها فأنكرت عليه غسلها وقالت إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه ربما فركته من ثوب رسول الله بإصبعي ذكره ابن أبي شيبة
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال نزل بعائشة ضيف فذكره وقال أيضا حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله عنه تعنى المني // رواه مسلم والنسائي وغيرهم // وهذا قول عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عباس قال ابن أبي شيبة ثنا هشيم عن حصين عن مصعب بن

سعد عن سعد أنه كان يفرك الجناية من ثوبه ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن مصعب ابن سعد عن سعد أنه كان يفرك الجنايه من ثوبه
حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في المنى قال امسحه بإذخرة ثنا هشيم انبأنا حجاج وابن ابي ليلى عن عطاء عن ابن عباس في الجنابه تصيب الثوب قال إنما هو كالنخامة أو النخاعة أمطه عنك بخرقة أو بأذخرة
قالوا وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسا ثم يصلى فيه // حسن // وهذا صريح في طهارته لا يحتمل تأويلا البتة
قالوا وقد روى الدارقطني من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق ثنا شريك عن محمد ابن عبد الرحمن عن عطاء عن أبن عباس رضي الله عنهما قال سئل النبي المني يصيب الثوب فقال إنما هو بمنزلة البصاق والمخاط وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة قالوا هذا إسناد صحيح فإن إسحاق الأزرق حديثه مخرج في الصحيحين

وكذلك شريك وإن كان قد علل بتفرد إسحاق الأزرق به فإسحاق ثقة يحتج به في الصحيحين وعندكم تفرد الثقة بالزيادة مقبول

قال المنجس صح عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تغسله من ثوب رسول الله وثبت أبن عباس رضي اللعه عنهما أنه أمر بغسله قال أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا أجنب الرجل في ثوبه ورأى فيه اثرا فليغسله وإن لم ير فيه أثرا فلينضحه
ثنا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول في الجنابة في الثوب إن رأيت أثره فاغسله وإن علمت أنه قد أصابه وخفي عليك فاغسل الثوب مكانه وعلم أنه قد أصابه غسل الثوب كله ثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن زيد بن الصلت أن عمر بن الخطاب غسل ما رأى ونضح ما لم ير وأعادة بعدما أضحى متمكنا
ثنا وكيع عن السري بن يحيى عن عبد الكريم بن رشيد عن أنس في رجل اجنب في ثوبه فلم ير أثره قال يغسله كله
ثنا جابر ثنا حفص عن أشعت عن الحكم أن ابن مسعود كان يغسل اثر الاحتلام من ثوبه
ثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان عن خالد بن أبي عزة قال سأل رجل عمر ابن الخطاب فقال إني احتلمت على طنفسة فقال إن كان رطبا فاغسله وإن كان يابسا فاحككه وإن خفي عليك فارششه قالوا وقد ثبت تسمية المني اذي كما سمى دم الحيض أذى والأذى هو النجس فقال الطحاوي ثنا ربيع الحيرى ثنا إسحاق

ابن بكر بن مضر قال حدثني ابي عن جعفر بن ربيعة عن يزيد بن ابي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن ابي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي كان النبي في الثوب الذي يضاجعك فيه قالت نعم إذا لم يصبه أذى وفي هذا دليل من وجه آخر وهو ترك الصلاة فيه
وقد روى محمد بن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان رسول الله يصلي في لحف نسائه
قالوا وأما ما ذكرتم من الآثار على مسحه بأذخرة وفركه فإنما هي في ثياب النوم لا في ثياب الصلاة
قالوا وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا بأس بالنوم فيها ولا تجوز الصلاة فيها فقد يجوز أن يكون المني كذلك قالوا وإنما تكون تلك الآثار حجة علينا لو كنا نقول لا يصح النوم في الثوب النجس فإذا كنا نبيح ذلك ونوافق ما رويتم ما رويتهم عن النبي ذلك ونقول من بعد لا تصلح الصلاة في ذلك فلم يخالف شيئا مما روى في ذلك عن النبي
قالوا وإذا كانت الآثار قد اختلفت في هذا الباب ولم يكن فيها دليل على حكم المني كيف هو اعتبرنا ذلك من طريق النظر فوجدنا خروج المني حدثا أغلظ الأحداث لأنه يوجب أكبر الطهارات فأردنا أن ننظر في الأشياء التي خروجها حدث كيف حكمها في نفسها فرأينا الغائط والبول خروجهما حدث وهما نجسان في أنفسهما وكذلك دم الحيض والاستحاضة هما حدث وهما نجسان في أنفسهما ودم العروق كذلك في النظر فلما ثبت بما ذكرنا أن كل ما خروجه حدث فهو نجس في نفسه وقد ثبت أن خروج المني حدث ثبت أيضا أنه في نفسه نجس فهذا هو النظر فيه
قال المطهر ليس في شيء مما ذكرت دليل على نجاسته أما كون عائشة كانت تغسله من ثوب رسول الله فلا ريب أن الثوب يغسل من القذر والوسخ والنجاسة فلا يدل مجرد غسل الثوب منه على نجاسته فقد كانت تغسله تارة وتمسحه أخرى وتفركه أحيانا ففركه ومسحه دليل على طهارته وغسله لا يدل على النجاسة فلو أعطيتم الأدلة حقها لعلمتم توافقها وتصادقها لا تناقضها واختلافها وأما أمر ابن عباس بغسله فقد ثبت عنه أنه قال إنما هو بمنزله المخاط والبصاق فأمطه عنك ولو

بإذخرة وأمره بغسله للاستقذار والنظافة ولو قدر أنه للنجاسة عنده وأن الرواية اختلفت عنه فتكون مسألة خلاف عنه بين الصحابة والحجة تفضل بين المتنازعين على أنا لا نعلم عن صحابي ولا أحد أنه قال إنه نجس البته بل غاية ما يروونه عن الصحابة غسله فعلا وأمرا وهذا لا يستلزم النجاسة ولو أخذتم بمجموع الآثار عنهم لدلت على جواز الأمرين غسله للاستقذار والاجتزاء بمسحه رطبا وفركه يابسا كالمخاط وأماقولكم ثبت تسمية المني أذى فلم يثبت ذلك وقول أم حبيبة ما لم ير فيه أذى لا يدل على أن مرادها بالأذى المني لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام فإنها إنما أخبرت بأنه يصلي في الثوب الذي يضاجعها فيه مالم يصبه أذى ولم تزد
فلو قال قائل المراد بالأذى دم الطمث لكان أسعد تفسيره منكم وكذلك تركه الصلاة في لحف نسائه لا يدل على نجاسة المني البتة فإن لحاف المرأة قد يصيبه من دم حيضها وهي لا تشعر وقد يكون التركذ تنزها عنه وطلب الصلاة على ما هو أطيب منه وأنظف فأين دليل التنجيس
وأما حملكم الآثار الدالة على الاجتزاء بمسحه وفركه على ثياب النوم دون ثياب الطهارة فنصره المذاهب توجب مثل هذا فلو أعطيتهم الأحاديث حقها وتأملتم سياقها وأسبابها لجزمتم بأنها إنما سيقت لا حتجاج الصحابة بها على الطهارة وإنكارهم على من نجس المني
قالت عائشة رضي الله عنها كنت أفركه من ثوب رسول الله فيصلي فيه وفي حديث عبد الله بن عباس مرفوعا وموقوفا إنما هو كالمخاط والبصاق فأمطه عنك ولو بإذخرة وبالجملة فمن المحال أن يكون نجسا والنبي شدة ابتلاء الأمه به في ثيابهم وأبدانهم ولا يامرهم يوما من الأيام بغسله وهم يعلمون الاجتزاء بمسحه وفركه
وأما قولكم إن الآثار قد اختلفت في هذا الباب ولم يكن في المروى عن النبي بيان حكم المني فاعتبرتم ذلك من طريق النظر فيقال الآثار بحمد الله في هذا الباب متفقة لا مختلفة وشروط الاختلاف منتفية بأسرها عنها وقد تقدم أن الغسل تارة والمسح والفرك تارة جائز ولا يدل ذلك على تناقض ولا اختلاف البتة
ولم يكن رسول الله أمته في بيان حكم هذا الأمر المهم إلى مجرد نظرها

وآرئها وهو يعلمهم كل شيء حتى التخلي وآدابه ولقد بينت السنة هذه المسألة بيانا شافيا ولله الحمد
وأما ما ذكرتم من النظر على تنجيسه فنظر أعشى لأنكم أخذتم حكم نجاسته من وجوب الاغتسال منه ولا ارتباط بينهما لا عقلا ولا شرعا ولا حسا وإنما الشارع حكم بوجوب الغسل علىالبدن كله عند خروجه كما حكم به عند إيلاج الحشفة في الفرج ولا نجاسة هناك ولا خارج وهذه الريح توجب غسل أعضاء الوضوء وليست نجسه ولهذا لا يستنجي منها ولا يغسل الإزار والثوب منها فما كل ما أوجب الطهارة يكون نجسا ولا كل نجس يوجب الطهارة أيضا فقد ثبت عن الصحابة أنهم صلوا بعد خروج دمائهم في وقائع متعددة وهم أعلم بدين الله من أن يصلوا وهم محدثون فظهر ان النظر لا يوجب نجاسته والآثار تدل على طهارته وقد خلق الله الأعيان على أصل الطهارة فلا ينجس منها إلا ما نجسه الشرع وما لم يرد تنجيسه من الشرع فهو على أصل الطهارة والله أعلم فائدة تعليق الطلاق على أمر
إذا علق الطلاق بأمر يعلم العقل استحالته عادة وأخبر من لا يعلم إلا من جهته بوقوعه وليس خبره مما قام الدليل على صدقه فقد قال كثير من الفقهاء بوقوع الطلاق عند خبره
قال محمد بن الحسن بعدم الوقوع وهو الصواب وهو اختيار ابن عقيل وغيره من أصحاب أحمد بن حنبل وصورة المسألة إذا قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق فقالت أنا أحب ذلك قال الموقعون المحبة أمر لا يتوقف عليه ولا يعلم إلا من جهتها فإذا أخبرت به رجع إلى قولها الباطن
اعترض على ذلك ابن عقيل فقال إذا كان عليه دلالة أمكن الاطلاع عليه ولا دلالة أكبر من العلم بأن طباع الحيوان لا تصبر على نفحات النار ولا تحبها وإذا علم هذا طبعا صار دعوى خلافه خرقا للعادة فهو كقوله أنت طالق إن صعدت السماء فغابت ثم ادعت الصعود فإنه لا يقع لاستحالته طبعا وعادة قالوا النعام يميل إلى النار فلا يمتنع أن تكون هذه صادقة لإخبارها عن نفسها أو دخل عليها داخل من برد استولى على جسدها فتمنت معه دخول النار

قال ابن عقيل لا يستحيل الميل إلى النار من الحيوان الذي ذكرت لكن ذلك خرق للعادة في حق غيرها فلئن جاز أن يصدقها في ذلك لكونه لا يستحيل وجب أن يصدقها في صعود السماء فقد صعدت إليها الملائكة والجن والأنبياء بل يبنى الأمر على العادة دون خرقها وفي مسألتنا لم تقل أحب النار بل قالت احب ان يعذبني الله بالنار والنعام لا يتعذب فقد صرحت بحب أعظم الألم ولم يجتمع في حيوان حب وميل إلى ما يعذب به فقد صرحت بحب أعظم الألم ولم يجتمع في حيوان حب وميل إلى ما يعذب به بل طبعه النفور من كل مؤلم فأما تعلقهم بأن ما في قلبها لا يطلع عليه إلا من إخبارها فهذا شيء يرجع إلى ما يجوز أن يكون في قلبها من طريق العادة
فأما المستحيل عادة فإنه كالمستحيل في نفسه ولو أنه قال لها إن كنت تعتقدين ان الجمل يدخل في خرم الإبرة فأنت طالق فقالت أعتقده لم يقع الطلاق إذ لا عاقل يجوز ذلك فضلا عن أن يعتقده انتهى كلامه وهو كما ترى قوة صحة حادثة
مسجد عليه وقف خرب وليس في وقفه ما يفى بعمارته هل يجوز نقل ذلك إلى عمارة الجامع الذي لا غنى للقرية عنه
قال جماعة يجوز وخالفهم ابن عقيل فقال يجب صرف دخل وقف المسجد إلى عمارته بحسبها وقد كان سقف مسجد النبي انتهى
والتحقيق في المسألة أن المسجد ان تعطل بحيث انتقل أهله عنه وبقى في مكان لا يصلى فيه فالصواب ما قاله الجماعة وإن كان جبرانه بحالهم وهو بصدد أن يصلى فيه فالصواب ما قاله ابن عقيل والله أعلم
وسئل عن رجل تزوج ضريرة ومعها جارية تخدمها فأنفق عليها مدة ثم قصر في النفقة وعلل ذلك بأنه في مقابلة ما كان أنفق على الجارية فقال هذا فإن من تزوج ضريرة فقد دخل على بصيرة أنه لا بد لها من خادم فتكون المؤونة عليه كمن تزوج امرأة ذات جلالة يلزمه إخدامها
وسئل عن رجل ادرك الناس ركوعا في صلاة الجمعة وسمع من المبلغين قول سمع الله لمن حمده فهل يقدر ما يكون به تابعا للإمام أو يعتبر بمن يليه فقال بل يقدر ما يكون به حاكما تابعا للإمام في حال ركوعه لأنه قد يكون ركع والإمام قد رفع ولكن

لبعد ما بين المبلغين وبين الإمام قد يكون الأواخر ركعا وذلك أن الشرع علق الإدراك بركوع الامام فالوسائط لا عبرة بهم حادثة طلاق امرأة
رجل قال لامراته انت طالق لا كلمتك وأعادة فقال بعض أصحاب أحمد إن قصد إفهامها بالثاني لم يقع وإن قصد الابتداء وقع المعلق بالثاني
قال ابن عقيل هذا خطألأن الثاني هو كلام لها على كل حال سواء قصد الإفهام إو الابتداء وإنما اشتبهت بمسألة إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وأعادة فإن التفصيل كما ذكرت فأما الكلام فهو على الإطلاق يتناول كل كلام مخصوص بخلاف الحلف فإنه لا يكون حلفا إلا بقصد وإذا كان قصده بالثاني إفهامها لما حلف به أولا لم يكن حلفا قلت والصواب القول الأول وهذا الفرق خيالي فإنه اراد أذ قصد إفهامها فلم يرد إلا اليمين الأولى ولم يرد به الكلام المحلوف عليه فتحنيثه بما لم يرده البتة وبساط الكلام وتبينه إنما يدل على أنه لا كلمتك بعد اليمين مفردة كانت أو مكررة فما كلمها الكلام الذي حلف عليه وإنما أفهمها يمينه فلا فرق بينهما وبين مسألة الحلف
وأما قوله إن الحلف لا يكون حلفا إلا بقصد فيقال إن كان القصد شرطا في اعتبار المحلوف عليه لم يحنث في الموضعين وإن لم يكن شرط فيه فينبغي أن يحنث في الموضعين فأما أن يجعل القصد شرطا في أحدهما دون الآخر فلا وجه له والله أعلم فائدة الوصية لأهل البيت
استدل شيعي على الوصية لأهل البيت بقوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فأجيب بأن قيل هذه وصية بهم لا وصية إليهم فهي حجة على خلاف قول الشيعة لأن الأمر لو كان إليهم لأوصاهم ولم يوص بهم ونظير هذا الاحتجاج على أن الأمر في قريش لا في الأنصار بقول النبي أوصيكم بالأنصار // رواه البخاري ومسلم والترمذي // فدل على أن الأمر في غيرهم

قلت وهذا كله خروج عن معنى الآية وما أريد بها ولا دلالة فيها لواحد من الطائفتين فإن معنى الآية لا أسالكم عليه اجرا إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة فإنه لم يكن بطن من قريش إلا وللنبي قرابة فقال لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا ولكن صلوا ما بيني وبينكم من القرابة وليست هذه الصلة أجرا فالاستثناء منقطع فإن الصلة من موجبات الرحم فهي واجبة على كل احد وهذا هو تفسير ابن عباس الذي ذكره البخاري عنه في صحيحه فائدة أنكار أشياء على الفقهاء
من العجب إنكار كون القرعة طريقا لإثبات الأحكام مع ورود السنة بها وإثبات حل الوطء بشهادة شاهدي زور يعلم الزوج الثاني انهما شاهدا زور ومع هذا فيثبت الحل له بشهادتهما فمن يقول هذا في باب حل الإبضاح والفروج كيف يمنع القرعة
ومن العجب قولهم إذا منع الذمي دينار من الجزية انتقض عهده ولو جاهر بسب الله ورسوله ودينه او حرق بيوت الله لم ينتقض عهده
ومن العجب إباحتهم القرآن بالعجمية ومنع رواية الحديث بالمعنى
ومن العجب قولهم الإيمان نفس التصديق وهو لا يتفاضل والأعمال ليست منه وتكفيرهم من يقول مسيجد وفقيه ومن يلتذ بالسماع ويصلي بلا وضوء ونحو ذلك
ومن العجب إسقاطهم الحد عمن استأجر امرأة لرضاع ولده فزنا بها أو أستأجرها ليزني بها وإيجابهم الحد على من وطىء امرأة في الظلمة بظنها امرأته فبانت أجنبية
ومن العجب تشددهم في المياة أعظم التشديد حتى نجسوا القناطير المقنطرة من الماء بمثل رأس الأبرة من البول ويجوزون الصلاة في ثوب ربعه متضمخ بالنجاسة
ومن العجب منعهم إلحاق النسب بالقيافة التي هي من أظهر الأدلة وقد اعتبرها النبي // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // وعمل بها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلحاقهم النسب برجل تزوج امرأة بأقصى المشرق وهو بأقصى المغرب وبينهما ما لا يقطعه البشر وقال تزوجت فلانه وهي طالق ثلاثا عقب القبول ثم جاءت بولد فقالت هو منه

ومن العجب إلحاقهم الولد في هذه الصورة وزعمهم أن الرجل إذا كانت له سرية وهو يطأها دائما فأتت بولد على فراشه لم يلحقه إلا أن يستحلقه
ومن العجب أنهم يقولون إذا شهد عليه أربعة بالزنا فقال صدقوا في شهادتهم وقد فعلت سقط عنه الحد وإن اتهمهم وقال كذبوا علي حد
ومن العجب قولهم لا يصح اسئجار دار لتجعل مسجدا يصلي فيه المسلمون ويصح استئجارها كنيسة يعبد فيها الصليب وبيتا تعبد فيه النار
ومن العجب قولهم أذا قهقه في الصلاة انتقض وضوؤه ولو غنى في صلاته وقذف المحصنات وأتى بأقبح السب والفحش فوضوؤه بحالة لم ينتقض
ومن العجب قولهم إذا وقع في البئر نجاسة ينزح منه ادلاء معينة فإذا حصل الدلو الأول في البئر تنجس وغرف الماء نجسا فما أصاب حيطان البئر منه نجسها وكذلك ما بعده من الدلاء إلى الأخير فإنه ينزل نجسا ثم يصعد طاهرا يقشقش النجاسة من البئر قال الحافظ ما يكون أكرم او أعقل من هذا الدلو
ومن العجب قولهم لو حلف لا يأكل فاكهة حنث يأكل الجوز ولو كان يابسا منذ سنين ولا يحنث بأكل الرطب والعنب والرمان
وأعجب من ذلك تعليلهم بأن هذه الثلاثة خيار الفاكهه فلا تدخل في الأسم المطلق ذكر الحكم والدليل الأسماقي في شرح الطحاوي
ومن العجب قولهم لو حلف لا يشرب من النيل أو الفرات أو دجلة فشرب بكفه لم يحنث حتى ينكب ويكرع بفيه مثل البهائم فائدة نعيم وعذاب
قال جماعة من الناس إذا ماتت نصرانية في بطنها جنين مسلم نزل ذلك القبر نعيم وعذاب فالنعيم للأبن والعذاب للأم ولا بعد فيما قالته كما لو دفن في قبر واحد مؤمن وفاجر فإنه يجتمع في القبر النعيم والعذاب فائدة العتق
قالت الإمامية إن العتق لا ينفذ إلا إذا قصد به القربه لأنهم جعلوه عبادة والعبادة لا تصح إلا بالنية

قال ابن عقيل ولا بأس بهذا القول لا سيما وهم يقولون الطلاق لا يقع إلا إذا كان مصادقا للسنة مطابقا للأمر وليس بقربة فكيف بالعتق الذي هو قربة قلت وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال الطلاق ما كان عن وطر والعتق ما ابتغى به وجه الله فائدة خطاب الرؤساء باللين
كثير من الناس يطلب من صاحبه بعد نيله درجة الرياسة الأخلاق التي كان يعامله بها قبل الرياسة فلا يصادفها فينتقض ما بينهما من المودة وهذا من جهل الصاحب الطالب للعادة وهو بمنزلة من يطلب من صاحبه إذا سكر أخلاق الصاحي وذلك غلط فإن الرياسه سكرة كسكرة الخمر أو أشد ولو لم يكن للرياسة سكرة لما اختارها صاحبها على الآخرة الدائمة الباقية فسكرتها فوق سكرة القهوة بكثير ومحال أن يرى من السكران أخلاق الصاحي وطبعه ولهذا أمر الله تعالى أكرم خلقه عليه بمخاطبة رئيس القبط بالخطاب اللين فمخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعا وعقلا وعرفا ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه وهكذا كان النبي رؤساء العشائر والقبائل وتأمل امتثال موسى لما أمر به كيف قال لفرعون هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأخرج الكلام معه مجرج السؤال والعرض لا مخرج الأمر وقال إلى أن تزكى ولم يقل إلى أن أزكيك فنسب الفعل إليه هو وذكر لفظ التزكي دون غيره لما فيه من البركة والخير والنماء ثم قال وأهديك إلى ربك أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك وقال الى ربك استدعاء لأيمانه بربه الذي خلقه ورزقه ورباه بنعمه صغيرا ويافعا وكبيرا
وكذلك قول إبراهيم الخليل لأبيه يا أبت لم تعبد ما لايسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فابتدأ خطابه بذكر أبوته الدالة على توقيره ولم يسمه باسمه ثم اخرج الكلام معه مخرج السؤال فقال لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا

يغنى عنك شيئا ولم يقل لا تعبد ثم قال يا ابت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فلم يقل له جاهل لا علم عندك بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة تدل على هذا المعنى فقال جاءني من العلم ما لم يأتك ثم قال فاتبعني أهدك صراطا سوايا
هذا ومثل قول موسى لفرعون وأهديك إلى ربك ثم قال يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا فنسب الخوف إلى نفسه دون أبيه كما يفعل الشفيق الخائف على من يشفق عليه
وقال يمسك فذكر لفظ المس الذي هو ألطف من غيره ثم نكر العذاب ثم ذكر الرحمن ولم يقل الجبار ولا القهار فأي خطاب ألطف وألين من هذا
ونظير هذا خطاب صاحب يس لقومه حيث قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون
ونظير ذلك قول نوح لقومه يا قوم إني لكم نذير مبين أن أعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى وكذلك سائر خطاب الأنبياء لأمتهم في القرآن إذا تأملته وجدته ألين خطاب وألطفه بل خطاب الله لعباده وألطف خطاب وألينه كقوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم الآيات وقوله تعالى يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وقوله يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور وتأمل ما في قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا من اللطف الذي سلب العقول
وقوله تعالى أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين على أحد التأويلين أي نترككم فلا ننصحكم ولا ندعوكم ونعرض عنكم إذا أعرضتم انتم وأسرفتم
وتأمل لطف خطاب نذر الجن لقومهم وقولهم يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم

فائدة
سئل ابن عقيل عن رجل له ماء يجري على سطح جاره فعلى داره هل يسقط حق الجري فقال لا لكنه إذا سلط الماء على عادته حفر سطح جاره لموضع العلو فينبغي أن يجعل جريه بحدته إلى ملكه ثم يخرجه بسهولة إلى سطح جاره فائدة قالت لزوجها طلقني
وسئل عن رجل قالت له زوجته طلقني فقال إن الله قد طلقك فقال يقع الطلاق لأنه كناية استندت إلى دلالة الحال وهي ذكر الطلاق وسؤالها إياه
وإجاب بعض الشافعية بإنه إن نوى وقع الطلاق وإلا لم يقع قلت وهذا هو الصواب إن قوله إن الله قد طلقك إن أراد به شرع طلاقك وأباحة لم يقع وإن أراد أن الله قد أوقع عليك الطلاق وأراده وشاءه فهذا يكون طلاقا لأن ضرورة صدقة أن يكون الطلاق واقعا وإذا احتمل الأمرين فلا يقع إلا بالنية فائدة
وسئل عن رجل أوقف دابة في مكان فجاء رجل فضربها فرفسته فمات هل يضمن صاحب الدابة فقال إذا لم يكن متعديا في إيقافها بأن تكون في ملك الضارب فلا ضمان عليه وإن كان متعديا فالضمان عليه فائدة
حكى الطحاوي أن مذهب أبي يوسف جواز أخذ بني هاشم الفقراء الزكاة من بني هاشم الأغنياء قاله ابن عقيل قال وسألت قاضي القضاة عن ذلك يريد الدامغاني فقال نعم هو مذهب أبي يوسف وهو مذهب الإمامية
قلت وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنهم يجوزون لهم الأخذ من الزكاة مطلقا إذا منعوا حقهم من الخمس وأفتى به بعض الشافعية

فائدة

هل حجرة النبي أفضل أم الكعبة
قال ابن عقيل سألني سائل أيما أفضل حجرة النبي الكعبة فقلت إن أردت مجرد الحجرة فالكعبة أفضل وإن أردت وهو فيها فلا والله ولا العرش وحملته ولا جنه عدن ولا الأفلاك الدائرة لأن بالحجرة جسدا لو وزن بالكونين لرجح
وسئل عن حبس الطير لطيب نغمتها فقال سفه وبطر يكفينا أن نقدم على ذبحها للأكل فحسب لأن الهواتف من الحمام ربما هتفت نياحة على الطيران وذكر أفراخها أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ليترنم فيلتذ بنياحته وقد منع من هذا بعض أصحابنا وسموه سفها فائدة صحة الرأي باعتدال المزاج
من دقيق الورع أن لا يقبل المبذول حال هيجان الطبع من حزن أو سرور فذلك كبذل السكران ومعلوم ان الرأى لا يتحقق إلا مع اعتدال المزاج ومتى بذل باذل في تلك الحال يعقبه ندم ومن هنا لا يقضي القاضي وهو غضبان وإذا أردت اختبار ذلك فاختبر نفسك في كل مواردك من الخير والشر فالبدار بالانتقام حال الغضب يعقب ندما وطالما ندم المسرور على مجازفته في العطاء وود أن لو كان اقتصر وقد ندم الحسن على تمثيله بابن ملجم فائدة
في قول النبي لسائل عن مواقيت الصلاة صل معنا // رواه مسلم والنسائي والترمذي // جواز البيان بالفعل وجواز تأخيره إلى وقت الحاجة إليه وجواز العدول عن العمل الفاضل إلى المفضول لبيان الجواز

فائدة تفسير القيراط في حديث الرسول
قوله صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان سئل أبو نصر بن الصباغ عن القيراطين هل هما غير الأول أو به فقال بل القيراطان الأول وآخر معه بدليل قوله تعالى مثنى وثلاث ورباع
قلت ونظير هذا قوله صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله // رواه مسلم والترمذي وابو داود وغيرهم // فهذا مع صلاة العشاء في جماعة قد جاء مصرحا به في جامع الترمذي كذلك ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله
ونظيره أيضا قوله تعالى قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من قوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين فهي أربعة باليومين الأولين ولولا ذلك لكانت أيام التخليق ثمانية فائدة
لم أزل حريصا على معرفة المراد بالقيراط في هذا الحديث وإلى أي شيء نسبته حتى رأيت لابن عقيل فيه كلاما قال القيراط نصف سدس درهم مثلا أو نصف دينار ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان وأعماله كالصلاة والحج وغيره وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود وهو الأجر العائد إلى الميت ويتعلق بالميت أجر الصبر على المصاب فيه وأجر تجهيز وغسله ودفنه والتعزية به وحمل الطعام إلى أهله وتسليتهم وهذا مجموع الأجر الذي يتعلق بالميت فكان للمصلى والجالس إلى أن يقبر سدس ذلك أو نصف سدسه إن صلى وانصرف
قلت كان مجموع الأجر الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحده وقضاء حق أهله وأولاده وجبرهم دينار مثلا فللمصلي عليه قراط من هذا الدينار

والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه نصف سدس فإن صلى عليه وتبعه كان له قيراطان منه وهما سدسه وعلى هذا فيكون نسبه القيراط إلى الأجر الكامل بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه وكلما كان اعظم كان القيراط منه بحسبه فهذا بين ههنا
وأما قوله افتنى كلبا إلا كلب ماشية أو زرع نقص من أجره أو من عمله كل يوم قيراط فيحتمل أن يراد به هذا المعنى أيضا بعينه وهو نصف سدس أجر عمله ذلك اليوم ويكون صغر هذا القيراط وكبره بحسب قلة عمله وكثرته فإذا كانت له أربعة وعشرون ألف حسنة مثلا نقص منها كل يوم ألفا حسنة وعلى هذا الحساب والله أعلم بمراد رسوله وهذا مبلغ الجهد في فهم هذاالحديث فائدة تعزية المصاب قوله عزى مصابا فله مثل أجره // ضعيف // استكشله بعضهم وقال

مشقة المصيبة أعظم بكثير من مساواة تعزية المعزي لها مع برد قلبه فأجاب ابن عقيل رحمه الله بجواب بديع جدا فقال ليس مراده بعضهم لبعض نسأ الله في أجلك وتعيش انت وتبقى وأطال الله عمرك وما أشبه ذلك بل المقصود من عمد اجلك إلى قلب قد أقلقه ألم المصاب وأزعجه وقد كاد يساكن السخط ويقول الهجر ويوقع الذنب فداوى ذلك القلب بآي الوعيد وثواب الصبر وذم الجزع حتى يزيل ما به او يقلله فيتعزى فيصير ثواب المسلى كثواب المصاب لأن كلا منهما دفع الجزع فالمصاب كابده بالاستجابة والمعزي عمل في أسباب المداواة لألم الكآبة فائدة إقالة العثرات
قوله ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود // حسن // قال ابن عقيل

هوامش

المراد بهم الذين دامت طاعاتهم وعدالتهم فزلت في بعض الأحايين أقدامهم بورطة
قلت ليس ما ذكره بالبين فإن النبي يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد فإن الله تعالى خصهم بنوع التكريم وتفضيل على بني جنسهم فمن كان منهم مستورا مشهورا بالخير حتى كبا به جواده ونبا عصب صبره وأديل عليه شيطانه فلا تسارع إلى تأنيبه وعقوبته بل تقال عثرته ما لم يكن حدا من حدود الله فإنه يتعين استيفاؤه من الشريف كما يتعين أخذه من الوضيع فإن النبي لو أن فاطمه بنت محمد سرقت لقطعت

يدها وقال إنما هلك بنوا إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد // رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي // وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد فائدة نفاة الحكم والمثبتون
اعترض نفاة المعاني والحكم على مثبتيها في الشريعة بأن قالوا الشرع قد فرق بين المتماثلات فأوجب الحد بشرب الخمر ولم يحد بشرب الدم والبول وأكل العذرة وهي أخبث من الخمر وأوجب قطع اليد في سرقه ربع دينار ومنع قطعها في نهبه ألف دينار وأوجب الحد في رمي الرجل بالفاحشة ولم يوجبه في رميه بالكفر وهو أعظم منه ولم يرتب على الربا حدا مع كونه من الكبائر ورتب الحد على شرب الخمر والزنا وهما من الكبائر
فأجاب المثبتون بأن قالوا هذا مما يدل على اعتبار المعاني الحكم ونصب الشرع بحسب مصالح العباد فإن الشارع ينظر إلى المحرم مفسدته ثم ينظر إلى وازعه وداعية فإذا عظمت مفسدته رتب عليها من العقوبة بحسب تلك المفسدة ثم أن كان في الطباع التي ركبها الله تعالى في بني آدم وازعا عنه اكتفى بذلك الوازع عن الحد فلم يرتب على شرب البول والدم والقىء وأكل العذرة حدا لما في طباع الناس من الامتناع عن هذه الاشياء فلا تكثر مواقعتها بحيث يدعو إلى الزجر بالحد بخلاف شرب الخمر والزنا والسرقة فإن الباعث عليها قوي فلولا ترتيب الحدود عليها لعمت مفاسدها وعظمت المصيبة بارتكابها
وأما النهبة فلم يرتب عليها حدا إما لأن بواعث الطباع لا تدعوا إليها غالبا خوف الفضيحة والإشتهار وسرعة الأخذ وإما لأن مفسدتها تندفع بإغاثة الناس ومنعهم المنتهب واخذهم على يده
وأما الربا فلم يرتب عليها حدا فقيل لأنه يقع في الأسواق وفي الملأ فوكلت إزالته إلى إنكار الناس بخلاف السرقة والفواحش وشرب الخمر فإنها إنما تقع غالبا سرا فلو وكلت إزالته إلى الناس لم تزل وأحسن من هذا أن يقال لما كان المرابي إنما يقضي له

برأس ماله فقط فإن أخذ الزيادة قضى عليه بردها إلى غريمة وإن لم يأخذها لم يقض له بها كانت مفسدة الربا منتفيه بذلك فإن غريمة لو سأله لم يعطه إلا رأس ماله فحيث رضي بإعطائه الزيادة فقد رضى باستهلاكها وبذلها مجانا والأخذ لها رضي بأكل النار
وأجود من هذين أن يقال ذنب الربا أكبر من أن يطهره الحد فإن المرابي محارب لله ورسوله آكل للجمر والحد إنما شرع طهرة وكفارة والمرابي لا يزول عنه أثم الربا بالحد لأن حرمته أعظم من ذلك فهو كحرمة مفطر رمضان عمدا من غير عذر
ومانع الزكاة بخلا وتارك صلاة العصر وتارك الجمعة عمدا فإن الحدود كفارات وطهر فلا تعمل إلا في ذنب يقبل التكفير والطهر
ومن هذا عدم إيجاب الحد بأكل أموال اليتامي لأن آكلها قد وجبت له النار فلا يؤثر الحد في إسقاط ما وجب له من النار
وكذلك ترك الصلاة هو أعظم من أن يرتب عليه حد ونظير هذا اليمين الغموس هي أعظم إثما من أن يكون فيها حد أو كفارة
وإذا تأملت أسرار هذه الشريعة الكاملة وجدتها في غاية الحكمة ورعاية المصالح لا تفرق بين متماثلين البتة ولا تسوى بين مختلفين ولا تحرم شيئا لمفسدة وتبيح ما مفسدته مساوية لما حرمته أو رجحته عليه ولا تبيح شيئا لمصلحة وتحرم ما مصلحته تساويه لما اباحته البتة ولا يوجد فيما جاء به الرسول شيء من ذلك البتة
ولا يلزمه الأقوال المستندة إلى آراء الناس وظنونهم واجتهاداتهم ففي تلك من التفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات وإباحة الشيء وتحريم نظره وأمثال ذلك ما فيها فائدة كشف وجه المرأة في الإحرام
سئل ابن عقيل عن كشف المرأة وجهها في الإحرام مع كثرة الفساد اليوم أهو أولى أم التغطية مع الفداء وقد قالت عائشة رضي الله عنها لو علم رسول الله أحدث النساء لمنعهن المساجد // رواه البخاري ومسلم وابو داود // فأجاب بأن الكشف شعار إحرامها ورفع حكم

ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز لأنه يكون نسخا بالحوادث ويفضي إلى رفع الشرع رأسا
وأما قول عائشة فإنها ردت الأمر إلى صاحب الشرع فقالت لو رأى لمنع ولم تمنع هي وقد حبذ عمر السترة على الامة وقال لا تشبهي بالحرائر ومعلوم أن فيهن من تفنن لكنه لما وضع كشف رأسها للفرق بين الحرائر والإماء جعله فرقا فما ظنك بكشف وضع بين النسك والإحلال وقد ندب الشرع إلى النظر إلى المرأة قبل النكاح وأجاز للشهود النظر فليس ببدع أن يأمرها بالكشف ويأمر الرجال بالغض ليكون أعظم للابتلاء كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه
قلت سبب هذا السؤال والجواب خفاء بعض ما جاءت به السنة في حق المرأة في الإحرام فإن النبي يشرع لها كشف الوجه في الاحرام ولا غيره وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة كما جاء بالنهي عن القفازين وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل ومعلوم ان نهيه عن لبس هذه الاشياء لم يرد أنها تكون مكشوفة لا تستر البتة بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها وأن الرجل يستر بدنه بالرداء وأسافله بالإزار مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد وكيف يزاد على موجب النص
ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهارا فأي نص اقتضى هذا أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة بل وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب والبرقع بل وكيدها يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفاز وأما سترها بالكم وستر الوجه بالملاءه والخمار والثوب فلم ينه عنه البته
ومن قال إن وجهها كرأس المحرم فليس معه بذلك نص ولا عموم ولا يصح قياسه على رأس المحرم لما جعل الله بينهما من الفرق
وقول من قال من السلف إحرام المرأة في وجهها إنما اراد به هذا المعنى أي لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل بل يلزمها اجتناب النقاب فيكون وجهها كبدن الرجل
ولو قدر أنه أراد وجوب كشفه فقوله ليس بحجة ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك وأراد به وجوب كشف الوجه ولا سبيل إلى واحد من الأمرين
وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كنا إذ مر عنها الركبان سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ولم تكن إحداهن تتخذ عودا تجعله بين وجهها وبين الجلباب كما

قاله بعض الفقهاء ولا يعرف هذا عن امرأة من نساء الصحابة ولا أمهات المؤمنين البتة لا عملا ولا فتوى
ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإحرام ولا يكون ظاهرا مشهورا بينهن يعرفه الخاص والعام ومن آثر الإنصاف وسلك سبيل العلم والعدل تبين له راجح المذاهب من مرجوحها وفاسدها من صحيحها والله الموفق والهادي فائدة زكاة الحلي
قال ابن عقيل يخرج من رواية إيجاب الزكاة في حلي الكراء والمواشط أن يجب في العقار المعد للكراء وكل سلعة تؤجر وتعد للإجارة قال وإنما خرجت ذلك عن الحلي لأنه قد ثبت من اصلنا أن الحلي لا يجب فيه الزكاة فإذا اعد للكراء وجبت جميع العروض التي لا تجب فيها الزكاة ينشيء إيجاب الزكاة
يوضحه أن الذهاب والفضة عينان تجب الزكاة بجنسهما وعينهما ثم إن الصياغة والإعداد للباس والزينة والانتفاع غلبت على إسقاط الزكاة في عينه ثم جاء الإعداد للكراء فغلب على الاستعمال وإنشاء إيجاب الزكاة فصار أقوى مما قوى على إسقاط الزكاة فأولى أن يوجب الزكاة في العقار والأواني والحيوان التي لا زكاة في جنسها أن ينشيء فيها الإعداد للكراء زكاة فائدة
قال ابن عقيل جاءت فتوى أن حاكما قال بين يديه يهودي لا ننكر أن محمدا بعث إلى العرب فقال له وتقول إنه جاء بالحق فقال نعم فأفتى جماعة أنه قد أسلم وكتبت لا شك أن قوله إنه بعث إلى العرب قول طائفة منهم وقوله بعد هذا وأعتقد أنه جاء بالحق يرجع إلى ما أقر به من أنه جاء رسولا إلى العرب فإذا احنمل أن يعود كلامه إلى هذا لم يخرج من دينه بأمر محتمل وكتب بذلك كياد الشاشي

فائدة غلبة الحسن على العلم
قال ابن عقيل في مسألة ما إذا ألقى في مركبهم نار واستوى الأمران عندهم فيه رويتان قال واعلموا أن التقسيم والتفصيل مالم تمس النار الجسد فإن مسته فالإنسان بالطبع يتحرك إلى خارج منها لأن طبع الحيوان الهرب من المحس ويغلب الحس على التأمل والنظر في العاقبة فتصير النار دافعة له بالحس والبحر ليس محسوسا أذاه له لكن الغرق والمضرة معلومة والحس يغلب على العلم
يبين هذا ما يشاهد من الضرب والوخز للإنسان الذي قد نصبت له خشبة ليصلب عليها أو حفر له بئر ليلقي فيها فإنه يتقدم إلى الخشبه والبئر لأن الضرر فيهما ليس بمحس والوخز بالإنسان والضرب محس فهو أضرار ناجز واقع وإذا أردت أن تعلم ذلك فانظر إلى وقوف الحي وجنوحه عن التحرك إذا تكافأعنده الأمرين في الحس والعلم بيانه إنسان هجم عليه سبع على حرف نهر جار عميق وهو لا يحسن السباحة فإنه لا محالة يتحرك نحو الماء راميا نفسه لأجل إلحاء السبع له وهجومه عليه فلو هجم عليه من قبل وجهه سبع فالتفت فإذا وراءه سبع آخر وهما متساويان في الهجوم عليه لم يبق للطبع مهرب وتوازنت المكروهات فإنه يقف مستسلما صامدا للبلاء وكذلك تكافؤ كفة الميزان
قلت هذا صحيح من جهة الوهم والدهش وإلا فلو كان عقله حاضرا معه لتكافأ عنده الأمران المحسوس والمعلوم وكثيرا ما يحضر الرجل عقله إذ ذاك فيتكافأ عنده المحسوس والمعلوم فيستسلم لما لا صنع له فيه ولا يعين على نفسه ويحكم عقله على حسه ويعلم أنه أن صبر كان له أجر من قتل ولم يعن على نفسه وإن ألقى في الهلاك لم يكن من هذا الأجر على يقين بل ولا يستلزم ذلك للإيمان بالثواب بل إذا تصور حمد الناس له على صبره وعدم جزعه بالقاء نفسه في الهلاك هربا مما لا بد له منه رأى الصبر أحمد عاقبة وأنفع له إجلا فمحكم في فمحكم العقل يقدم الصبر ومحكم الحس يهرب من التلف إلى التلف فليست الطباع هذا متكافئة والله أعلم فائدة الهدية تفقأ عين الحكم
يذكر عن كعب قال قرأت في بعض كتب الله تعالى الهدية تفقأ عين الحكم

قال ابن عقيل معناه أن المحبة الحاصلة للمهدي إليه وفرحته بالظفر بها وميله إلى المهدي يمنعه من تحديق النظر إلى معرفة باطل المهدي وأفعاله الدالة على أنه مبطل فلا ينظر في أفعاله بعين ينظر منها إلى من لم يهد إليه هذا معنى كلامه
قلت وشاهده الحديث المرفوع الذي رواه أحمد في مسنده حبك الشيء يعمى ويصم // ضعيف // فالهدية إذا أوجبت له محبة المهدي ففقأت عين الحق وأصمت أذنه

فائدة الأموال التي يأخذها القضاة
قال ابن عقيل الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام رشوة وهداية وأجرة ورزق الرشوة
حرام وهي ضربان رشوة ليميل إلى إحدهما بغير حق فهذه حرام عن فعل حرام على الآخذ والمعطي وهما آثمان ورشوة يعطاها ليحكم بالحق واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه فهي حرام على الحاكم دون المعطي لأنها للاستقاذ فهي كجعل الآبق وأجرة الوكلاء في الخصومة وأما الهدية
فضربان هدية كانت قبل الولاية فلا تحرم استدامتها وهدية لم تكن إلا بعد الولاية وهي ضربان مكروهة وهي الهدية إليه ممن لا حكومة له وهدية ممن قد اتجهت له حكومة فهي حرام على الحاكم والمهدي وأما الأجرة
إن كان للحاكم رزق من الإمام من بين المال حرم عليه أخذ الأجرة قولا واحدا لأنه إنما أجرى له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه لأخذ الأجرة من جهة الخصوم وإن كان الحاكم لا رزق له فعلى وجهين أحدهما الإباحة لأنه عمل مباح فهو كما لو حكماه ولأنه مع عدم الرزق لا يتعين عليه الحكم فلا يمنع من أخذ الأجرة كالوصي وأمين الحاكم يأكلان من مال اليتيم بقدر الحاجة
وأما الرزق من بيت المال فإن كان غنيا لا حاجة له إليه احتمل أن يكره لئلا يضيق على أهل المصالح ويحتمل أن يباح لأنه بذل نفسه لذلك فصار كالعامل في الزكاة والخراج
قلت أصل هذه المسائل عامل الزكاة وقيم اليتيم فإن الله تعالى أباح لعامل الزكاة جزءا منها فهو يأخذه مع الفقر والغنى والنبي منعه من قبول الهدية وقال هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدي إليه أم لا // رواه البخاري ومسلم وابو داود // وفي هذا دليل على أن أهدي إليه في بيته ولم يكن بسببيه العمل على الزكاة جاز له قبوله فيدل ذلك على أن الحاكم إذا أهدى إليه من كان يهدي له قبل الحكم ولم تكن ولايته سبب الهدية فله قبولها
وأما ناظر اليتيم فالله تعالى أمره بالاستعفاف مع الغنى وأباح له الأكل بالمعروف مع الفقر
وهو إما اقتراض أو إباحة على الخلاف فيه والحاكم فرع متردد بين أصلين عامل

الزكاة وناظر اليتيم فمن نظر إلى عموم الحاجة إليه وحصول المصلحة العامة به ألحقه بعامل الزكاه فيأخذ الرزق مع الغني كما يأخذه عامل الزكاة ومن نظر إلى كونه راعيا منتصبا لمعاملة الرعية بأن لا حظ لهم أنهم ألحقه بولي اليتيم إن احتاج أخذ وإن استغنى ترك
وهذا أفقه وهو مذهب الخلفيتين الراشدين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة ولي اليتيم إن احتاج أكل بالمعروف وإن استغنى ترك // صحيح //
والفرق بينه وبين عامل الزكاة وأن عامل الزكاة مستأجر من جهة الإمام لجباية أموال المستحقين لها وجمعها فما يأخذه يأخذه بعمله كمن يستأجره الرجل لجباية أمواله
وأما الحاكم فإنه فإنه منتصب لإلزام الناس بشرائع الرب تبارك وتعالى وأحكامه وتبليغها إليهمم فهو مبلغ عن الله تعالى عز و جل بفتياه ويتميز عن المفتى بالإلزام بولايته وقدرته والمبلغ عن الله تعالى الملزم للأمة بدينة لا يستحق عليهم شيئا فإن كان محتاجا فله من الفىء ما يسد حاجته وهذا لون وعامل الزكاة لون فالحاكم مفتي في خبره عن حكم الله ورسوله شاهد فيما ثبت عنده ملزم لمن توجه عليه الحق فيشترط له شروط المفتى والشاهد ويتميز بالقدرة على التنفيذ فهو في منصب خلافه من قال لا أسألكم عليه أجرا فهؤلاء هم الحكام المقدر وجودهم في الأذهان المفقودون في الأعيان الذين جعلهم الله ظلالا يأوى إليها اللهفان ومناهل يردها الظمآن

فائدة حنث في اليمين
إذا قال إنسان انفذ لي كتابا فحلف الآخر أنه قد أنفذه أمس ثم بان أنه أنفذه قبله بيوم فماذا يبني على ذلك
قال ابن عقيل لا يحنث لا لأجل الخطأ والنسيان بل لأن قصده تصديق نفسه في الإنفاذ الذي هو مقصود الطالب وإذا بان أن المقصود قد حصل قبل أمس فقد بان أنه قد حصل أو في المقصود كما لو حلف قد أعطيتك دينارا فبان انه أعطاه دينارين

فائدة إذا ماتت الحامل
إذا ماتت الحامل فصلي عليها هل ينوى الحمل
قال ابن عقيل يحتمل أن لا يذكر سوى المرأة لأن الحمل غير متيقن ولهذا لا يلاعن عليه ولو قتلت لم تجب ديته
فإن قيل أليس يعزل له الإرث ولا تدفن في مقابر المشركين إذا كانت نصرانية ويتذكى بذكاة أمه
قيل أما الإرث فهو الحجة لأنه لا يعطاه ولا يورث عنه حتى يتحقق وضعه عنه وأما دفنه فلظن وجوده وحكم الزكاة تلحقه إذا وضع فائدة
إذا جب إنسان عبده ليزيد في ثمن عبده فهل تحل له الزيادة
أما على أصلنا وأصل مالك بن أنس رضي الله عنه في العتق بالمثلة فلا تفريع وأما من لم يعتقه بالمثلة فينبغي عنده أن لا تحرم الزيادة كما لو قطع له إصبعا زائدة فزاد ثمنه بقطعها
فإن قيل فالمغنية إذا زادت قيمتها لأجل الغناء حرمت الزيادة
قيل الغناء منهي عنه حال دوامه فيقال لايحل لك أن تغني ولا يؤخذ العوض عنه وأما الخصاء فهو أثر فعل قد انقضى ولا يتعلق النهي بدوامه فافترقا

فائدة
رجل سرق منديلا لا يساوى نصابا وفي طرفه دينار لم يعلم به
قال ابن عقيل قياس قول أحمد فيمن سرق إناء من ذهب فيه خمر قال إنه لا يقطع فكذلك ههنا لا يقطع لأنه جعل القصد للخمر علة لإسقاط القطع بالإناء فقال لو لم يكن قصده الخمر أراقه فائدة قود في النفس والطرف
رجل له على آخر قود في النفس والطرف فقطع الطرف فسرى إلى النفس هل يسقط حكم القود في النفس بالسراية
قال ابن عقيل يحتمل أن يكون مستوفيا للحق بالسراية لأن القطع قد صار قتلا وما صلح لاستيفاء الحقين حصل به استيفاؤهما كمن أعتق المكاتب عندنا في الكفارة حصل به مقصود المكاتب من العتق ومقصود السيد من التكفير
وكمن أطعم المضطر طعاما قد وجب عليه بذلة لكون المضطر لا طعام له وكون صاحب الطعام غير محتاج إليه ونوي بإطعامه الكفارة فإنه يندفع به الحقين
وكذا من دخل المسجد فصلى قضاء ناب عن القضاء والتحية
قلت وكذلك إذا نذر صيام يوم يقدم فلان فقدم في نهار رمضان على قول الخرقي وكذلك المتمتع إذا دخل المسجد طاف طوافا واحدا هو طواف العمرة وطواف القدوم
وكذلك إذا اخر طواف الزيارة إلى وقت الوداع وطاف طوافا واحدا كفاه عنهما
وكذلك إذا سرق وقطع يدا معصومة فطلب القصاص قطعت يده حدا وقصاصا
قال ويحتمل أن لا يقع موقعه ويكون فائدة وقوعه على الإحتمال الأول أنه لا يستحق الدية
وإن قلنا الواجب أحد أمرين ويكون فائدة عدم وقوعه على الإحتمال الثاني أن تقع السراية هدرا لأنها غير مضمونه عندنا وإن لم تكن مضمونه لم يكن محتسبا بالسراية قتلا فإن الاحتساب بها عن القود الواجب له هو أحد الضمانين فإذا ثبت أنها لا تقع موقع القود كان له الدية على الرواية التي تقول إن الواجب أحد الأمرين

فائدة ما يؤخذ من الذمي والحربي
مذهب الإمام أحمد رحمه الله يؤخذ من الذمي التاجر إذا جاز علينا نصف العشر ومن الحربي المستأمن العشر
ومذهب أبي حنيفة إن فعلوا ذلك بنا فعلنا بهم وإلا فلا
ومذهب الشافعي لا يجوز إلا بشرط أو تراض بينهم وبين الإمام
قال ابن عقيل وهذا هو الصحيح من المذهب لأن عقد الذمة للذمي والأمان للحربي أوجب حفظ أموالهم وصيانتها بالعهد والجزية وأخذ ذلك يقع ظلما منا ونقصا لذمتهم الموجبة عصمة أموالهم ودمائهم فأورد عليهم ما يصنع بقضية عمر فقال هي محتملة أنه فعل ذلك لفعل كان منهم ويحتمل انه كان شرط على قوم منهم ذلك لمصلحة رآها وحاجة للمسلمين أوجبت ذلك قال ودليلي مصرح بالحكم واضح لا يحتمل فاصرف ظاهر القصة إلى هذا الاحتمال بدليلي الواضح فائدة كتب المهر في ديباج
قال ابن عقيل سئلت عن كتب المهر في ديباج فقلت إنما يقصد المباهاة وهي التي حرم لأجلها الحرير وهو الكبر والخيلاء قالوا فهل يطعن ذلك في الحجة قلت لا كما لو كتب في ورقة مغصوبة الكتب حرام والحجة ثابتة فائدة الشهود على زنا المحصن
طلب في الزنا أربعة وفي الإحصان اكتفى بإثنين لان الزنا سبب وعلة والإحصان شرط وإبداء الشروط تقصر عن العلل والأسباب لأنها مصححة وليست موجبة ولهذا لا يكتفي بالإقرار مرة عندنا وعند الحنفة فائدة عطية الأولاد المشروعة
عطية الأولاد المشروع أن يكون على قدر موارثيهم لأن الله تعالى منع مما يؤدي إلى قطيعة الرحم والتسوية بين الذكر والأنثى مخالفة لما وضعه الشرع من التفصيل فيفضي

ذلك إلى العداوة ولأن الشرع أعلم بمصالحنا فلو لم يكن الأصلح التفضيل بين الذكر والأنثى لما شرعه ولأن حاجة الذكر إلى المال أعظم من حاجة الأنثى ولأن الله تعالى جعل الأنثى على النصف من الذكر في الشهادات والميراث والديات وفي العقيقة بالسنة ولأن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء فإذا علم الذكر أن الأب زاد الانثى علىالعطية التي أعطاها الله وسواها بمن فضله الله عليها أفضى ذلك إلىالعداوة والقطيعة كما إذا فضل عليه من سوى الله بينه وبينه
فأي فرق بين أن يفضل من أمر الله بالتسوية بينه وبين أخيه ويسوى بين من أمر الله بالتفضيل بينهما
واعترض ابن عقيل على دليل التفضيل وقال بناء العطية حال الحياة والصحة والمال لا حق لأحد فيه ولهذا لا يجوز له الهبات والعطايا للوارث وما زاد على الثلث للأجانب عبرة بحال صحته وقطعا له عن حال مرض الموت فضلا عن الموت وكذا تعطى الأخوات مع وجود الابن والآب وإن لم يكن لهم حق في الإرث وتلك عطية من الله على سبيل التحكم لا اختيار لأحد فيه وهذه عطية من مكلف غير محجور عليه فكانت على حسب اختياره من تفضيل وتسوية وهذا هو القول الصحيح عندي
قلت وهذه الحجة ضعيفة جدا فإنها باطلة بما سلمه من امتناع التفصيل بين الأولاد المتساوين في المذكورة والأنوثة وكيف يصح له قوله إنها عطية من مكلف غير محجور عليه فجازت على حسب اختياره وأنت قد حجرت عليه في التفصيل بين المتساوين فائدة جواز العمل في السلطنة الشرعية
قال ابن عقيل الجري في جواز العمل في السلطنة الشرعية بالسياسة هو الحزم فلا يخلو منه إمام
قال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع
قال ابن عقيل السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليظ للصحابة فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسنن ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة وتحريق على في الأخاديد وقال

إني إذا شاهدت أمرا منكرا ... أججت ناري ودعوت قنبرا
ونفي عمر نصر بن حجاج قلت هذا موضع مزله أقدام وهو مقام ضنك ومعترك صعب فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بها مصالح العباد وسدوا على نفوسهم طرقا عديدة من طرق معرفة الحق من الباطل بل عطلوها مع علمهم قطعا وعلم غيرهم بأنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها أمر العالم فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقم الامر وتعذر استدراكه
وأفرطت طائفة أخرى فسوغت منه ما ينافى حكم الله ورسوله وكلا الطائفتين أتت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله فإن الله ارسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذى به قامت السماوات والأرض فإذا ظهرت أمارات العدل وتبين وجهة بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وعلاماته في شيء ونفي غيرها من الطرق التي هي مثلها أو أقوى منها بل بين ما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة العدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين
لا يقال إنها مخالفة له فلا تقول إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع بل موافقة لما جاء به بل هي جزء من أجزائه ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحكم وإنما هي شرع حق فقد حبس رسول الله في نميمة وعاقب في تهمة لما ظهر أمارات الريبه على المتهم فمن أطلق كل متهم وخلى سبيله مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقبه البيوت وكثرة سرقاته وقال لا آخذه إلا بشاهدي عدل فقوله مخالف للسياسة الشرعية وكذلك منع النبي الغال من سهمه من الغنيمة // ضعيف مرفوعا // وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه

كله // ضعيف // وكذلك أخذه شطره مال مانع الزكاة // حسن // وكذلك اضعافه الغرم على سارق ما لا يقطع فيه عقوبته بالجلد // حسن // وكذلك إضعافه الغرم على كاتم الضالة // صحيح // وكذلك تحريق

عمر حانوت الخمار وتحريقه قربه خمر وتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وكذلك حلقه رأس نصر ابن حجاج ونفيه وكذلك ضربه صبيغا وكذلك مصادرته عماله وكذلك إلزامه الصحابة أن يقلوا الحديث عن رسول الله ليشتغل الناس بالقرآن فلا يضيعوه إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فصارت سنة إلى يوم القيامة وإن خالفها من خالفها ومن هذا تحريق الصديق رضي الله عنه للوطىء ومن هذا تحريق عثمان رضي الله عنه للصحف المخالفة للسان قريش ومن هذا اختيار عمر رضي الله عنه للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهره فلا يزال البيت الحرام مقصودا إلى أضعاف أضعاف ذلك من سياسته التي ساسوا بها الأمة وهي بتأويل القرآن وسنته وتقسيم الناس الحكم إلى شرعية وسياسية كتقسيم من قسم الطريقة إلى شريعة وحقيقة وذلك تقسيم باطل فالحقيقة نوعان
حقيقة هي حق صحيح فهي لب الشرعية لا قسيمتها وحقيقة باطلة فهي مضادة للشريعة كمضادة الضلال للهدى
وكذلك السياسة نوعان سياسة عادلة فهي جزء من الشريعة وقسم من أقسامها لا قسيمتها وسياسة باطلة فهي مضادة للشريعة مضادة الظلم للعدل ونظير هذا تقسيم بعض الناس الكلام في الدين إلى الشرع والعقل هو تقسيم باطل بل المعقول قسمان قسم يوافق ما جاء به الرسول فهو معقول وإنما هي خيلات وشبه باطلة لظن صاحبه أنه معقولات وإنما هي خيالات وشبهات قسم يخالفه هي خيالات وشبه باطلة لظن صاحبه أنها معقولات وإنما هي خيالات وشبهات القياس الصحيح والباطل
وكذلك القياس والشرع فالقياس الصحيح هو معقول النصوص والقياس الباطل المخالف للنصوص مضاد للشرع
فهذا الفصل هو فرق ما بين ورثه الأنبياء وغيرهم وأصله مبنى على حرف واحد وهو عموم رسالته بالسنة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم التي بها صلاحهم في معاشهم ومعادهم وأنه لا حاجة إلى أحد سواه البتة وإنما حاجتنا إلى من يبلغنا عنه ما جاء به فمن لم يستقر هذا في قلبه لم يرسخ قدمه في الإيمان بالرسول بل يجب الإيمان بعموم رسالته في ذلك كما يجب الإيمان بعموم

رسالته بالنسبة إلى المكلفين فكما لا يخرج أحد من الناس عن رسالته البتة فكذلك لا يخرج حق من العلم به والعمل عما جاء به فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلى سواه وإنما يحتاج إلى غيره من قبل نصيبه من معرفته وفهمه فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته وإلا فقد توفي رسول الله وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للأمة منه علما وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول ووصف لهم وآداب العرش والكرسي والملائكة والجنة والنار ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين وعرفهم بربهم ومعبودهم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه بما وصفه لهم به من صفات كماله ونعوت جلاله وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله
وعرفهم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما جلى لهم ذلك حتى كأنهم يعاينوه
وكذلك عرفهم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع طوائف أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه إلى كلام أحد من الناس البتة
وكذلك عرفهم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق الظفر به ما لو علموه وفعلوه لم يقم لهم عدوا أبدا وكذلك عرفهم من مكائد إبليس طرقه التي يأتيهم منها ويحترزون به من كيده ومكره وما يدفعون به شره مالا مزيد عليه وبذلك أرشدهم في معاشهم إلى ما لو فعلوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة
وبالجملة فقد جاءهم رسول الله بخير الدنيا والآخرة بحذافيره ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه ولهذا ختم الله به ديوان النبوة فلم يجعل بعده رسولا لاستغناه الأمة به عمن سواه فكيف يظن أن شريعته الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسة خارجه عنها أو إلى حقيقة خارجه عنها أو إلى قياس خارج عنها أو إلى معقول خارج عنها
فمن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك
قال تعالى أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون وقال تعالى ونزلنا عليك

الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشري للمسلمين وقال تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وقال تعالى يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين وكيف يشفى ما في الصدور كتاب لا يفي بعشر معشار ما الناس محتاجون إليه على زعمهم الباطل ويا لله العجب كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين واستخراج هذه الآراء والمقايس والأقوال أهل كانوا مهتدين بالنصوص أم كانوا على خلاف ذلك حتى جاء المتأخرون أعلم منهم وأهدي منهم هذا ما لا يظنه من به رمق من عقل أو حياء نعوذ بالله من الخذلان ولكن من أوتي فهما في الكتاب وأحاديث الرسول استغنى بهما عن غيرهما بحسب ما أوتيه من الفهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وهذا الفصل لو بسط كما ينبغي لقام منه عدة أسفار ولكن هذه لفظات تشير إلى ما وراءها فائدة خلوة النساء بالخصيان والمجبوبين
قال ابن عقيل يحرم خلوه النساء بالخصيان والمجبوبين إذ غاية ما تجد فيهم عدم العضو أو ضعفه ولا يمنع ذلك لإمكان الاستمتاع بحسبهم من القبلة واللمس والاعتناق والخصى يقرع قرع الفحل والمجبوب يساحق ومعلوم أن النساء لو عرض فيهن حب السحاق ومنعنا خلوة بعضهن ببعض فأولى أن يمنع خلوة من هو في الأصل على شهوته للنساء فائدة تعزية بطفلة
عزى بعض العلماء رجلا بطفلة فقال له قد دخل بعضك الجنة فاجتهد أن لا تتخلف بقيتك عنها
قلت وفي جواز هذه الشهادة ما فيها فإنا وإن لم نشك أن أطفال المؤمنين في الجنة لا نشهد به لمعين أنه فيها كما نشهد لعموم المؤمنين بالجنة ولا نشهد بها لمعين سوى من شهد له النص

وعلى هذا يحمل حديث عائشة رضي الله عنها وقد شهدت للطفل من الأنصار بأنه عصفور من عصافير الجنة فقال لها النبي وما يدرك //

فائدة طويت الصحف
وهكذا نقول لهذا المغزي وما يدريك أن بعض المغزي دخل الجنة وسر المسألة الفرق بين المعين والمطلق في الأطفال والبالغين والله أعلم
قوله في حديث الجمعة وطويت الصحف أي صحف الفضل فاما صحف الفرض فإنها لا تطوى لأن الفرض يسقط بعد ذلك فائدة الشاة والشواؤون
عن أحمد في الصيد إذا أوجبه والشاة إذا ذبحها ثم سقطت في ماء هل تباح على روايتين
وسئل بعض أصحابنا عن هؤلاء الشوائين يذبحون الدجاج ويرمون به في ماء السمط وهو يضطرب فخرجه على هاتين الروايتين وصحح الإباحة قال لأن ذلك الاضطراب ليس له حكم الحياة فائدة تفضيل النكاح على التخلي عنه
استدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة بأن الله تعالى عز و جل اختاره النكاح لأنبيائه ورسله فقال تعالى ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وقال في حق آدم وجعل منها زوجها ليسكن

إليها واقتطع من زمن كليمة عشر سنين في رعاية الغنم مهر الزوجة ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات
واختار لنبيه محمد أفضل الأشياء فلم يحب له ترك النكاح بل زوجة بتسع فما فوقهن ولا هدي فوقه هدية
ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي يوم المباهاة بأمته
ولو لم يكن فيه إلا انه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته
ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد بالله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة
ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله تعالى
ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ويثيبه على قضاء وطره ووطرها فهو في لذاته وصحائف حسناته تتزايد
ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها
ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام
ولو لم يكن فيه إلا ما يترتب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل
ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه فإن تعلق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصده عن تعلقه بما هو أنفع له فإن الهمة متي انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره
ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن كن له سترا من النار
ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدم له فرطين لم يبلغا الحنث أدخله الله بهما الجنة
ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له فإن في الحديث المرفوع ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والمجاهد

فائدة وجوب الجماعة استدل على وجوب الجماعة بأن الجمع بين الصلاتين شرع
في المطر لأجل تحصيل الجماعة مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت والوقت واجب فلم لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب
اعترض على ذلك بأن الواجب قد يسقط لغير الواجب بك لغير المستحب فإن شطر الصلاة يسقط لسفر الفرجة والتجارة ويسقط غسل الرجلين لأجل لبس الخف وغايته أن يكون مباحا وهذا الاعتراض فاسد فإن فرض المسافر ركعتين قلم يسقط الواجب لغير الواجب وأيضا فإنه لا محذور في سقوط الواجب لأجل المباح وليس الكلام في ذلك وإنما المستحيل أن يراعى في العبادة أمر مستحب يتضمن فوات الواجب فهذا هو الذي لا عهد لنا في الشريعة بمثله البتة وبذلك الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخف واستدل على وجوبها بان الله تعالى أمر بها في صلاة الخوف التي هي محل التخفيف وسقوط ما لا يسقط في غيرها واحتمال ما لا يحتمل في غيرها فما الظن بصلاة الآمن المقيم
فاعترض على ذلك بأن المقصود الاجتماع في صلاة الخوف فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار دينهم ولا سيما حيث كانوا مع النبي فكان المقصود أن يظهروا للعدو طاعة المسلمين له وتعظيمهم لشأنه حتى أنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتبعونه ولا يتفرقون عنه ولا يفارقونه بحال وهذا كما جرى لهم في عمرة القضاء معه حتى قال عروة بن مسعود لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر فلم ار ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه والذي يدل على هذا أنا رأينا الجماعة تسقط عند المطر الذي يبل النعال فكان منادي رسول الله ينادي ألا صلو في رحالكم والجمعة تسقط بخشية فوات الخبز الذي في التنور مع كون الجماعة شرطا فيها

وتسقط خشية مصادفة غريم يؤذيه ومعلوم أن عذر الحرب ومواقفة الكفار أعظم من هذا كله ومع هذا فأقيم شعارها في تلك الحال فدل على أن المقصود ما ذكرنا
قلت ونحن لا ننكر أن هذا مقصود أيضا مضموم إلى مقصود الجماعة فلا منافاة بينه وبين وجوب الجماعة بل إذا كان هذا أمرا مطلوبا فهو من أدل الدلائل على وجوب الجماعة في تلك الحال ومع ان هذا مقصود أيضا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراء إمامهم وأسباب العبادات التي شرعت لأجلها لا يشترط دوامها في ثبوت تلك العبادات بل تلك العبادات تستقر وتدوم وإن زالت أسباب مشروعيتها وهذا كالرمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة
ونظير هذا اعتراضهم على أحاديث الأمر بفسخ الحج إلى العمرة بأن المقصود بها الإعلام بجواز العمرة في اشهر الحج مخالفة للكفار فقيل لهم وهذا من أدل الدلائل على استحبابه ودوام مشروعيته فإن ما شرع من المناسك قصدا لمخالفة الكفار فإنه دائم المشروعية إلى يوم القيامة كالوقوف بعرفة فإن النبي خالفهم ووقف بها وكانوا يقفون بمزدلفة فقال خالف هدينا هدي المشركين وكالدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس فإنهم كانوا لا يدفعون منها حتى تشرق الشمس فقصد مخالفتهم وصارت سنة إلى يوم القيامة وهذه قاعدة من قواعد الشرع أن الأحكام المشروعة لهذه الأسباب في الأصل لا يشترط في ثبوتها قيام تلك الأسباب فلو كان ما ذكرتم من الأسباب في كون الجماعة مأمورا بها في صلاة الخوف هو الواقع لم يلزم منه سقوط الأمر بها عند زوال تلك الأسباب وفتح هذا الباب يفضي إلى إسقاط كثير من السنن وذلك باطل

فائدة التفضيل بين عائشة وفاطمة
الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقا فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز و جل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح
وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة وإن

أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها
وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخواتها
وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل
وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوي لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم مسائل متنوعة في التفضيل
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي
فمنها أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس فأجاب بما يشفي الصدور فقال أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة
ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل فقال أيام عشر ذي الحجة أفضل من ايام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا فإنه ليس من ايام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الاحياء التي كان رسول الله يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة
ومنها أنه سئل عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي أيهما أفضل فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة فحظ النبي الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر وحظ الأمة من ليلة القدر

أكمل من حظهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسرى به
ومنها أنه سئل عن يوم الجمعة ويوم النحر فقال يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل ايام العام وغير هذا الجواب لا يسلم صاحبه من الاعتراض الذي لا حيلة له في دفعه
ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين ايهما أفضل فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من امهات المؤمنين وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقا لم تخلص من المعارضة
ومنها أنه سئل عن صالحي بني آدم والملائكة ايهما أفضل فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم مستغرقون في عبادة الرب ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير حال صالحي البشر اكمل من حال الملائكة وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويصالح كل منهم على حقه فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولا ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيا ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثا كثرة وقوة ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا قرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالا لغيره بل كمال غيره بسواها فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض
وههنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله وهي أن كثيرا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسيته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإعضاء عما سواها ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس
ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا وهذا مناف لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل الله سواها ولا يرضي غيرها ومن هذا تفضيل

كثير من أصحاب المذاهب والطرائق واتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته أو شيخه وكذلك الأنساب والقبائل والمدائن والحرف والصناعات فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى وهو أنه يشهد حظه نفعه المتعلق بتلك الجهة ويغيب عن نفع غيره بسواها لأن نفعه مشاهد له أقرب إليه من علمه بنفع غيره فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه فهذه نكت جامعة مختصرة إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها واستقام له نظره ومناظرته والله الموفق

فائدة أيهما أفضل السمع أو البصر
اختلف ابن قتيبة وابن الأنباري في السمع والبصر أيهما أفضل
ففضل ابن قتيبة السمع ووافقه طائفة واحتج بقوله تعالى ومنهم من يستمعون إليك أفانت تسمع الصم ولو كأنوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون قال فلما قرن بذهاب السمع ذهاب العقل ولم يقرن بذهاب النظر إلا ذهاب البصر كان دليلا على أن السمع أفضل
قال ابن الأنباري هذا غلط وكيف يكون السمع أفضل وبالبصر يكون الإقبال والإدبار والقرب إلى النجاة والبعد من الهلاك وبه جمال الوجه وبذهابه شينة وفي الحديث من ذهبت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة // صحيح // وأجاب عما ذكره ابن قتيبة بأن الذي نفاه الله تعالى مع السمع بمنزلة الذي نفاه عن البصر إذا كأنه أراد إبصار القلوب ولم يرد إبصار العيون والذي يبصره القلب هو الذي يعقله لأنها نزلت في قوم من اليهود كانوا يستمعون كلام النبي فيقفون على صحته ثم يكذبونه فأنزل في الله فيهم أفانت الصم أي المعرضين ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك بعين نقص أفأنت تهدي العمي أي المعرضين ولو كانوا لا يبصرون قال ولا حجة في تقديم السمع على البصر هنا فقد اخبر في قوله تعالى مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع

قلت واحتج مفضلو السمع بأن به ينال غاية السعادة من سمع كلام الله وسماع كلام رسوله قالوا وبه حصلت العلوم النافعة قالوا وبه يدرك الحاضر والغائب والمحسوس والمعقول فلا نسبة لمدرك البصر إلى مدرك السمع قالوا ولهذا يكون فاقده أقل علما من فاقد البصر بل قد يكون فاقد البصر أحد العلماء الكبار بخلاف فاقد صفة السمع فإنه لم يعهد من هذا الجنس عالم البتة قال مفضلو البصر أفضل النعيم النظر إلى الرب تعالى وهو يكون بالبصر والذي يراه البصر لا يقبل الغلط بخلاف ما يسمع فإنه يقع فيه الغلط والكذب والوهم فمدرك البصر أتم وأكمل قالوا وأيضا فمحله أحسن وأكمل وأعظم عجائب من محل السمع وذلك لشرفه وفضله
قال شيخنا والتحقيق أن السمع له مزية والبصر له مزية فمزية السمع العموم والشمول ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه فالسمع أعم وأشمل والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه

فائدة مسائل فقهية عن ابن عقيل
إذا تزوجها على خمر أو خنزير صح النكاح واستحقت مهر المثل ولو خالعها على خمر أو خنزير صح الخلع ولم تستحق عليه شيئا في أحد القولين والفرق بينهما عند بعض الأصحاب أن البضع متقوم في دخوله إلى ملك الزوج ولا يتقوم في خروجه عن ملكه أما تقومه داخلا فلتعلق أحكام المقومات به من استقرار المهر بالدخول ووجوب المهر بوطء الشبهة ولهذا يزوج الاب ابنه الصغير ولا يخلع ابنته الصغيره بشيء من مالها ولا فر6ق بينهما إلا أن الابن حصل في ملكه ما له قيمة والبنت أخرج ما لها في مقابلة ما لا قيمة له في خروجه إليها ولو كان خروج البضع من ملك الزوج متقوما لكان قد بذل ما لها فيما له قيمة وذلك لايمتنع ويدل عليه أنه لو طلق زوجته في مرض موته لم يعتبر من الثلث ولو كان بخروج البضع قيمة لا عتبر من الثلث وأيضا لو خالعها في مرض موته بدون مهر مثلها صح الخلع ولو كان خروجه متقوما لكان بمثابة ما لو باع سلعة بدون ثمنها فإنه محاباة محسوبة من الثلث ويدل عليه أيضا أنه يطلق عليه القاضي في الايلاء والعنت والإعسار بالنفقة وغير ذلك مجانا ولا عهد لنا في الشريعة بمتقوم يخرج عن ملك مالكه قهرا بغير عوض ويدل عليه أنه

لو كان بخروجه قيمة لجاز للأب ان يخرجه عن ابنته الصغيرة بشيء من مالها كما يشترى لها عقارا أو غيرها بمالها
قلت وكان شيخنا أبو العباس بن تيمية رحمه الله ورضي عنه يضعف هذا القول جدا ويذهب إلى خروج البضع من ملكه متقوم ويحتج عليه بالقرآن قال لأن الله تعالى أمر المسلمين أن يردوا إلى من ذهبت امرأته إلى الكفار مهره إذا أخذوا من الكفار مالا بغنيمة أو غيرها فقال تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ومعنى عاقبتم أصبتم منهم عقبى وهي الغنيمة هذا قول المفسرين والمقصود أنه قال فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا وهو المهر وقال تعالى في هذه القصة واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم فأمر المسلمين أن يسألوا مهور نسائهم ويسأل الكفار مهور نسائهم اللاتي هاجرن وأسلمن ولو لا أن خروج البضع متقوم لم يكن لأحد الفريقين على الآخر مهرا واختلف أهل العلم في رد مهر من أسلم من النساء إلى أزواجهن في هذه القصة هل كان واجبا او مندوبا على قولين أصلهما أن الصلح هل كان قد وقع على رد النساء أم لا
والصحيح أن الصلح كان عاما على رد من جاء مسلما مطلقا ولم يكن فيه تخصيص بل وقع بصيغة من المتناولة للرجال والنساء ثم أبطل الله تعالى منه رد النساء وعوض منه رد مهورهن وهذه شبهة من قال إن حكم هذه الآية منسوخ ولم ينسخ منه إلا رد النساء خاصة وكان رد المهور مأمورا به والظاهر أنه كان واجبا لأن الله تعالى قال واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم فثبت أن رد المهور حق لمن يسأله فيجب رده إليه
قال الزهري ولولا الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ولم يرد الصداق
وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد فلما نزلت هذه الآية أقر المسلمون بحكم الله تعالى وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبي المشركون أن يقروا بحكم الله تعالى فيما أمر من رد نفقات المسلمين إليهم فأنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجهم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فهذا ظاهر القرآن يدل على أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم

قلت ويدل عليه أن الشارع كما جعله متقوما في دخوله فكذلك في خروجه لأنه لم يدخله إلى ملك الزوج إلا بقيمة وحكم الصحابة رضي الله عنهم في المفقود بما حكموا به من رد صداق امرأته اليه بعد دخول الثاني بها دليل على أنه متقوم في خروجه وهذا ثابت عن خمسة من الصحابة منهم عمر وعلي
قال أحمد أي شيء يذهب من خالفهم فهذا القرآن والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين دالة على تقويمه ولو لم يكن له قيمة لما صح بذل نفائس الأموال فيه بل قيمته عند الناس من أغلى القيم ورغبتم فيه من أقوى الرغبات وخروجه عن ملك الرجل من أعظم المغارم حتى يعده غرما أعظم من غرم المال
قلت لشيخنا لو كان خروجه من ملكه متقوما عليه لكانت المرأة إذا وطئت بشبهة يكون المهر للزوج دونها فحيث كان المهر لها دل على أن الزوج لم يملك البضع وإنما يملك الاستمتاع فإذا خرج البضع عنه لم يخرج عنه شيء كان مالكه فقال لي الزوج إنما ملك البضع ليستمتع به ولم يملكه ليعاوض عليه فإذا حصل لها بوطء الشبهة عوض كان لها لأن عقد النكاح لم يقتض ملك الزوج المعاوضة عن بضع امرأته فصار ما يحصل لها بجناية الواطىء بمثابة ما يحصل لها بغيره من أروش الجنايات
قلت له فما تقول في خلع المريض بدون مهر المثل فقال هو يملك إخراج البضع مجانا بالطلاق فإذا أخذ منها شيئا فقد زاد الورثة خيرا قال ونحن إنما منعناه من المحاباة فيما ينتقل إلى الورثة لأنه يفوته عليهم وبضع الزوجة لا حق للورثة فيه البتة ولا ينتقل إليهم فإذا أخرجه بدون مهر المثل لم يفوتهم حقا ينتقل إليهم انتهى
قلت وأما منع الأب من خلع ابنته بشيء من مالها فليست مسألة وفاق بل فيها قولان مشهوران ونحن إذا قلنا أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب وأن له أن يعفو عن صداق ابنته قبل الدخول وهو الصحيح لبضعه عشر دليلا قد ذكرتها في موضع آخر فكذلك خلعها بشيء من مالها بل هو أولى لأنه إذا ملك إسقاط مالها مجانا فلأن يملك إسقاطه ليخلصها من رق الزوج وأسره ويزوجها بمن هو خير لها منه أولى وأحرى
وهذه رواية عن أحمد ذكرها أبو الفرج في مبهجه وغيره واختاره شيخنا وأما قولكم إنه يخرج من ملكه قهرا بغير عوض فيما إذا طلق عليه الحاكم لإعسار أو عنت أو غيرها فجوابه أن الشارع إنما ملكه البضع بالمعروف وأنما ملكه بحقه فإذا لم يستمتع به بالمعروف الذي هو حقه أخرجه الشارع عنه قال تعالى وعاشروهن بالمعروف وقال ولهن ! مثل الذي عليهن بالمعروف

وقال فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فأوجب الله تعالى الزوج أحد الأمرين إما أن يمسك بمعروف وإما أن يسرح بإحسان فإذا لم يمسك بمعروف ولم يسرح بإحسان سرح الحاكم عليه قهرا
قلت لشيخنا فلو قتلت الزوجه لم يجب للزوج المهر على قاتلها مع كونه قد أخرج البضع عن ملكه وفوته إياه فلو كان خروجه متقوما لوجب له على القاتل المهر
فقال النكاح معقود على مدة الحياة فإذا قتلت زال وقت النكاح وانقضى أمده فلا يجب للزوج شيء بعد ذلك كما لو ماتت
قلت له فلو افسد مفسد نكاحها بعد الدخول لاستقر المهر على الزوج ولم يرجع على المفسد فضعف هذا القول وقال عندي أنه يرجع به وهو المنصوص عن أحمد وهو مبنى على هذا الأصل فإذا ثبت أن خروج البضع من ملكه متقوم فله قيمته على من أخرجه من ملكه
قلت ويرد عليه ما لو أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول فإن مهرها لا يسقط قولا واحدا ولم أسأله عن ذلك وكان يمنع ذلك ويختار سقوط المهر ويثبت الخلاف في المذهب ولا فرق بين ذلك وبين إفساد الأجنبي فطرد قول من طرد هذا الأصل وقال بالتقويم في حال الخروج أن يسقط إذا افسدته هي ولو قيل إن مهرها لا يسقط بذلك قولا واحدا وإن قلنا بان خروج البضع متقوم فيجب لها مهرها المسمى في العقد وعليها مهر المثل وقت الإفساد لأن اعتبار خروجه من ملكه حيئذ لكان متوجها ولكن يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى اعتبر في خروج البضع ما أنفق الزوج وهو المسمى لا مهر المثل
وكذلك الصحابة حكموا للمفقود بالمسمى الذي أعطاها لا بمهر المثل فطرد هذه القاعدة أن مهرها يسقط بإفسادها وهو الذي كان شيخنا يذهب إليه
فإن قيل فما تقولون في شهود الطلاق إذا رجعوا قبل الدخول أو بعده
قيل أما قبل الدخول فيلزمه نصف المهر ويرجع به علي الشهود وفيها مأخذان احدهما أنه يقوم عليه في دخوله بنصف المهر الذي غرمه فيقوم عليه في خروجه بنظيره والثاني أنهم ألجأوه إلى غرمه وكان بصدد السقوط جملة بأن ينسب الزوجة إلى إسقاطه ورجح هذا المأخذ بأنه لو كان الغرم لأجل التقويم للزمهم نصف مهر المثل لأنه هو القيمة لا المسمى وقد تقدم أن الشارع إنما اعتبر تقويمه في الخروج بالمسمى لا بمهر المثل وكذلك خلفاؤه الراشدون

فإن قيل لو كان الغرم لأجل التقويم للزم الشهود جميع المهر لأنهم أخرجوا البضع كله من ملكه
قيل هو متقوم عليه بما بذله فلما كان من المبذول نصف المهر كان هو الذي رجع به ولا ريب أن خروج البضع قبل الدخول دون خروجه بعد الدخول فإن المقصود بالنكاح لم يحصل إلا بالدخول فإذا دخل استقر له ملك البضع واستقر عليه الصداق وأما إذا رجع الشهود بعد الدخول فكذلك يقول يجب عليهم غرم المهر الذي بذله الزوج وهو إحدى الراويتين عن أحمد رضي الله عنه
فإن قيل فما في مقابلة المهر قد استوفاه بوطئه فلم يفت عليه شيء
قيل ليس كذلك لأنه إنما بذل المهر في مقابلة بضع يسلم له الاستمتاع به فإذا لم يسلم له رجع بما بذله ويدل عليه حكم الله عز و جل في المهاجرات وحكم الصحابة في امرأة المفقود
فإن قيل فما تقولون فيما إذا أفسدت امراة نكاحه برضاع
قيل إن افسدته قبل الدخول غرمت نصف المهر وفيه مأخذان أحدهما أنها قررته عليه وهذا مأخذ كثير من الأصحاب لظنهم أنه لو كان لأجل التقويم لغرمت كمال المهر بعد الدخول والثاني وهو الصحيح أنها إنما غرمت لأنه متقوم في خروجه وقد يقوم بنصف المهر وهو الذي بذله فهو الذي يرجع به وعلى هذا فإذا كان الإفساد بعد الدخول رجع عليها بكمال المهر هذا منصوص الإمام أحمد رحمه الله تعالى وفي رواية ابي القاسم وقال بعض أصحابه لا يرجع بشيء والمنصوص هو الأقوى دليلا ومذهبا والله تعالى أعلم فائدة
إذا خاف على نفسه الهلاك وأبي صاحب الطعام أن يبذله إلا بعقد ربا فهل يباح أخذه منه على هذا الوجه أو يغالبه ويقاتله
قال بعض أصحاب أحمد الربا عقد محظور لا تبيحه الضرورة والمغالبة والمقاتلة للمانع طريق إباحة الشرع فينبغي له أن يغلبه على قدر ما يحتاج إليه ولا يدخل في الربا فإن لم يقدر دخل معه في العقد ملافظة وعزم بقلبه على ان لا يتمم عقد الربا بل إن كان نسيئا عزم على ان يجعل العوض الثابت في الذمة قرضا

ولو قيل إن له أن يظهر معه صورة الربا ولا يغالبه ولا يقاتله ويكون بمنزلة المكرة فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقتة لكان أقوى من مقاتلة فلو اتفق مثل هذا لامرأة فأبى صاحب الطعام أن يبذله لها إلا بالفخور بها فهل يباح لها ذلك إذا خافت الهلاك قال بعض أصحابنا لها أن تبذل نفسها ويجرى ذلك مجرى التهديد بقتلها من قادر فإن المنع في هذه الحال قتل ولهذا يجب القود علي صاحب الطعام إذا منع المضطر حتى مات قال وغاية ما يمكنها مما يبعدها عن الزنا يجب فعله بأن تقول قدم عقد زوجية على أرخص المذاهب ولو بمتعة ولا تمكنه تمكينا بغير عقد رأسا مع إمكان أن يرغب إليه في عقد على قول بعض أهل الإسلام فلو اتفق مثل هذا لصبي صبر لحكم الله ولقائه ولم يجز له التمكين من نفسه بحال لأن الضرر اللاحق له بتمكينه أعظم فسادا من الضرر اللاحق له بفوات الحياة والله أعلم فائدة تسديد الدين من ثمن الخمر
رجل له على ذمي دين فباع الذمي خمرا وقضاه من ثمنه فأبي أن يأخذه
قال الإمام أحمد رضي الله عنه ليس له إلا أن يأخذه أو يبرئه فائدة بناء من مال مغصوب
إذا غصب إنسان مالا وبنى به رباطا أو مسجدا أو قنطرة فهل ينفعه ذلك أو يكون الثواب للمغصوب منه
قال ابن عقيل لا ثواب على ذلك لواحد منهما أما الغاصب فعليه العقوبة وجميع تصرفاته في مال الغير آثام متكررة وأما صاحب المال فلا وجه لثوابه لأن ذلك البناء لم يكن له فيه نية ولا حسبة وما لم يكن للمكلف فيه عمل ولا نية فلا يثاب عليه وإنما يطالب غاصبة يوم القيامة فيؤخذ من حسناته بقدر ماله
قلت في هذا نظر لأن النفع الحاصل للناس متولد من مال هذا وعمل هذا والغاصب وإن عوقب على ظلمه وتعدية واقتص المظلوم من حسناته فما تولد من نفع الناس بعمله له وغصب المال عليه وهو لو غصبه وفسق به لعواقب عقوبتين فإذا

غصبه وتصدق به او بنى به رباطا أو مسجدا أو افتك به أسيرا فإنه قد عمل خيرا وشرا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
وأما ثواب صاحب المال فإنه وإن لم يقصد ذلك فهو متولد من مال اكتسبه فقد تولد الخير وأيضا فإن أخذ ماله مصيبة فإذا أنفق في خير فقد تولد له من المصيبة خير والمصائب إذا ولدت خيرا لم يعدم صاحب منه ثوابا وكما أن الأعمال إذا ولدت خيرا أثيب عليه وإن لم يقصده فالمصائب إذا ولدت خيرا لم يمنع أن يثاب عليه وإن لم يقصده والله أعلم فائدة وراثة
رجل مات وترك دينا فورثه ولده ولم يستوفه فهل المطالبة به في الآخرة له او لولده
قال بعض أصحاب أحمد المطالبة للابن لان الإرث انتقل عن الأب إلى الإبن فصار الحق له
قلت وفي هذا نظر وينبغي التفصيل فإذا كان الموروث قد عجز عن استيفائه وتعذر عليه فقد وجب أجره له وله حق المطالبة لا للابن لان الإرث انتقل عن الأب إلى يوم القيامة والحقوق الأخروية لا تورث وإن أمكنه المطالبة به فلم يطالب به حتى مات انتقل إلى الولد فإذا لم يوفه إياه كان حق المطالبة به للولد
وقد قال بعض الناس إنه إذا لم يوف الميت ولا وارثه حتى مات الزوارث وورثه آخر ثبتت المطالبة لكل واحد منهم وتضاعفت عليه المطالبة لاستحقاق كل واحد منهم ذلك الحق عليه فائدة السر في حروف الم
تأمل سر ألم كيف اشتملت على هذه الحروف الثلاثة فالألف إذا بدىء بها أولا كانت همزة وهي أول المخارج من أقصى الصدر واللام من وسط مخارج وهي

أشد الحروف اعتمادا على اللسان والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم وهذه الثلاثة هي أصول مخارج الحروف أعني الحلق واللسان والشفتين وترتيب في التنزيل من البداية إلى الوسط إلى النهاية
فهذه الحروف معتمد المخارج الثلاثة التي تتفرع منها ستة عشر مخرجا فيصير منها تسعة وعشرون حرفا عليها دار كلام الأمم الأولين والآخرين مع تضمنها سرا عجيبا
وهو أن اللألف البداية واللام التوسط والميم النهاية فاشتملت الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف الثلاثة فهي مشتملة على بدء الخلق ونهايته وتوسطه فمشتملة على تخليق العالم وغايته وعلى التوسط بين البداية والنهاية من التشريع والأوامر فتأمل ذلك في البقرة وآل عمران وتنزيل السجدة وسورة الروم
وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والسين مهموس رخو مستفل صفيري منفتح فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها كالسين والهاء فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف وتأمل السور التي اشتملت على الحروف المفردة كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف فمن ذلك ق والسورة مبنية على الكلمات القافية من ذكر القرآن وذكر الخلق وتكرير القول ومراجعته مرارا والقرب من ابن آدم وتلقي الملكين قول العبد وذكر الرقيب وذكر السائق والقرين والإلقاء في جهنم والتقدم بالوعيد وذكر المتقين وذكر القلب والقرون والتنقيب في البلاد وذكر القيل مرتين وتشقق الأرض وإلقاء الرواسي فيها وبسوق النخل والرزق وذكر القوم وحقوق الوعيد ولو لم يكن إلا تكرار القول والمحاورة وسر آخر وهو أن كل معاني هذه السورة مناسبة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلو والانفتاح
وإذا أردت زياة إيضاح هذا فتأمل ما اشتملت عليه سورة ص من الخصومات المتعددة فأولها خصومة الكفار مع النبي أجعل الآلهة لها واحد إلى أخر كلامهم ثم اختصام الخصمين عند داود ثم تخاصم أهل النار ثم اختصم الملأ الأعلى في العلم وهو الدرجات والكفارات ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم ثم خصامة ثانيا في شأن بنيه حلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم فليتأمل اللبيب الفطن هل يليق بهذه السورة غير ص وسورة ق غير حرفها وهذه قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف والله أعلم

فوائد من السياسة الشرعية
من السياسة الشرعية نص عليه الإمام احمد قال في رواية المروزي وابن منصور
المخنث ينفي لأنه لا يقع منه إلا الفساد والتعرض له وللإمام نفيه إلى بلد يأمن فساد اهله وإن خاف عليه حبسه
ونقل حنبل عنه فيمن شرب خمرا في نهار رمضان أو اتى شيئا نحو هذا أقيم عليه الحد وغلط عليه مثل الذي قتل في الحرم دية وثلث
ونقل حرب عنه إذا أتت المرأة تعاقبان وتؤديان
وقال أصحاب أحمد إذا راى الإمام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك إذا رأى لأن خالد ابن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فاستشار أصحاب النبي علي بن أبي طالب وكان أشدهم قولا فقال إن هذا الذنب لم تعص به إمة من الأمم إلا واحدة فصنع الله بهم ما قد علمتهم أرى أن يحرقوا بالنار فأجمع رأي أصحاب رسول الله على أن يحرقوا بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يحرقوا ثم حرقهم ابن الزبير ثم حرقهم هشام بن عبد الملك ونص أحمد فيمن طعن في الصحابة على أنه قد وجب على السلطان عقوبته وليس للسلطان أن يعفوا عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب وإلا أعاد عليه العقوبة فائدة الإخلاص في العمل
قال ابن عقيل شهد شيخنا ومعلمنا المناظرة أن أبا إسحاق الفيروزبادي لا يخرج شيئا إلى فقير إلا أحضر النية ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التزين والتحسين للخلق ولا صنف مسالة إلا بعد أن صلى ركعات فلا جرم شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقا وغربا هذه بركات الإخلاص فائدة تقبيل يد السلطان
عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه فقال أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده أكان خطأأم واقعا موقعة قالوا بلى قال فالأب يربي ولده

تربية خاصة والسلطان يربي العالم تربية عامة فهو بالإكرام أولى ثم قال وللحال الحاضرة حكم من لابسها وكيف يطلب من المبتلي بحال ما يطلب من الخالي عنها فائدة كفر تارك الصلاة
أورد شيخنا الهراسي سؤالا على القول بكفر تارك الصلاة وزعم أنه لا جواب عنه فقال إذا أراد هذا الرجل معاودة الإسلام فبماذا يسلم فإنه لم يترك كلمة الإسلام
فاجابة ابن عقيل بأن قال إنما كان كفره بترك الصلاة لا بترك الكلمة فهو إذا عاود فعل الصلاة صارت معاودته للصلاة إسلاما فإن الدال على إسلام الكافر الكلمة أو الصلاة
قلت وهذا الذي ذكره شيخنا يرد عليه في كل من كفر بشيء من الأشياء مع إتيانه بالشهادتين وتلك صور عديدة فائدة لا موت في الجنة
سأل سائل فقال إذا كانت الجنة لا موت فيها فكيف يأكلون فيها لحم الطير وهو حيوان قد فارقته الروح فأجيب بأنه يجوز أن لا يكون ميتا وهذا جواب في غايه الغثاثة قال ابن عقيل وما الذي احوجه إلى هذا والجنة دار لا يخلق فيها أذى ولا نصب لا مطلقا بل لا يدخل الدخل إليها ذلك على طريق الإكرام كما قال تعالى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى وذلك مشروط بالطاعة فإذا جاز ذلك في حق آدم علم أنه ليس بواجب في حق الطير ولا يمتنع في قدرة الله تعالى أن يكون هذا الطائر مشوبا لا عن روح خرجت منه أو عن روح خرجت خارج الجنة وولج الجنة وهو لحم مشوي
قلت وما الذي أوجب هذا التكلف كله فالجنة دار الخلود لأهلها وسكانها وأما الطير فهو نوع من أنواع الأطعمة التي يحدثها الله لهم شيئا بعد شيء فهو دائم النوع وإن آحاده متصرمة كالفاكهه وغيرها وقد ثبت عن النبي المؤمنين ينحر لهم يوم القيامة ثور الجنة الذي كان يأكل منها فيكون نزلهم // رواه مسلم // فهذا حيوان قد كان يأكل من الجنة فينحر نزلا لأهلها والله أعلم

فائدة الدنيا سجن المؤمن
الدنيا سجن المؤمن // رواه مسلم والترمذي وغيرهما // فيه تفسيران صحيحان
احدهما أن المؤمن قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف
الثاني ان ذلك باعتبار العواقب فالمؤمن لو كان أنعم الناس فذلك بالإضافة إلى مآله في الجنة كالسجن والكفار عكسه فإنه لو كان أشد الناس بوسا فذلك بالنسبة إلى النار جنته فائدة المبالغة في المدح
سأل تلميذ أستاذه أن يمدحه في رقعة إلى رجل ويبالغ في مدحه بما هو فوق رتبته فقال لو فعلت ذلك لكنت عند المكتوب إليه إما مقصرا في الفهم حيث أعطيتك فوق حقك أو متهما في الإخبار فأكون كذابا وكلا الأمرين يضرك لأني شاهدك وإذا قدح في الشاهد بطل حق المشهود له فائدة مخالفة العادات
قال قائل أراني إذا دعيت باسمي دون لقبي شق ذلك علي جدا بخلاف السلف فإنهم كانوا يدعون بأسمائهم
فقيل له هذا لمخالفة العادات لأن أنس النفوس بالعادة طبيعة ثابتة ولأن الاسم عن السلف لم يكن عندهم دالا على قلة رتبة المدعو واليوم صارت المنازل في القلوب تعلم بأمارة الاستدعاء فإذا قصر دل على تقصير رتبته فيقع السخط لما وراء الاستدعاء فلما صارت المخاطبات موازين المقادير شق على المحطوط من رتبته قوة كما يشق عليه فعلا فائدة الدعاء والدواء
سمع بعض اهل العلم رجلا يدعوا بالعافية فقال له يا هذا استعمل الأدوية وادع

بالعافية فإن الله تعالى إذا كان قد جعل إلى العافية طريقا وهو التداوي ودعوته بالعافية ربما كان جوابه قد عافيتك بما جعلته ووضعته سببا للعافية وما هذا إلا بمثابة من بين زرعه وبين الماء ثلمة يدخل منها الماء يسقي زرعه فجعل يصلي ويستسقي لزرعه ويطلب المطر مع قدرته على فتح تلك الثلمة لسقي زرعة فإن ذلك لا يحسن منه شرعا ولا عقلا ولم يكن ذلك إلا لأنه سبق بإعطاء الأسباب فهو إعطاء بأحد الطريقين وله ان يعطي بسبب وبغير سبب وبالسبب ليتبين به ما أفاض من صنعه وما أودع في مخلوقاته من القوى والطبائع والمنافع وإعطاؤه لغير سبب ليتبين للعباد أن القدرة غير مفتقرة إلى واسطة في فعله فإذا دعوته بالعافية فاستنقذ ما أعطاك من العتائد والأرزاق فإن وصلت بها وإلا فاطلب طلب من أفلس من مطلوبه فرغب إلى المعدن كما قال سيد الخلائق اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك // إسناد ضعيف ولبعضه شواهد //

أقسام الناس في طلب الأسباب
قلت هذا كلام حسن وأكمل منه ان يبذل الاسباب ويسأل سؤال من لم يدل بشيء البتة والناس في هذا المقام أربعة أقسام
فأعجزهم من لم يبذل السبب ولم يكثر الطلب فذاك أمهن الخلق
والثاني مقابلة وهو أحزم الناس من أدلى بالاسباب التي نصبها الله تعالى مفضية إلى المطلوب وسأل سؤال من لم يدل بسبب أصلا بل سؤال مفلس بائس ليس له حيله ولا وسيلة
والثالث من استعمل الأسباب وصرف همته إليها وقصر نظره عليها فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله تعالى عليها لكنه منقوص منقطع نصب الآفات والمعارضات لا يحصل له إلا بعد جهد فإذا حصل فهو وشيك الزوال سريع الانتقال غير معقب له توحيدا ولا معرفة ولا كان سببا لفتح الباب بينه وبين معبوده
الرابع مقابلة وهو رجل نبذ الأسباب وراء ظهره وأقبل على الطلب والدعاء والابتهال فهذا يحمد في موضع ويذم في موضع ويشينه الأمر في موضع فيحمد عند كون تلك الأسباب غير مأمور بها إذ فيها مضرة عليه في دينه فإذا تركها وأقبل على السؤال والابتهال والتضرع لله كان محمودا ويذم حيث كانت الأسباب مأمورا بها فتركها وأقبل على الدعاء كمن حصره العدو وأمر بجهاده فترك جهاده وأقبل على الدعاء والتضرع أن يصرفه الله عنه وكمن
جهده العطش وهو قادر على تناول الماء فتركه وأقبل يسأل الله تعالى أن يرويه وكمن أمكنه التداوي الشرعي فتركه وأقبل يسأل العافية ونظائر هذا
ويشتبه الأمر في الأسباب التي لا يتبين له عواقبها وفيها بعض الاشتباه ولها لوازم قد يعجز عنها وقد يتولد عنها ما يعود بنقصان دينه
فهذا موضع اشتباه وخطر والحاكم في ذلك كله الأمر فإن خفي فالاستخارة وأمر الله وراء ذلك فائدة إذا تزوج العبد حرة
قال أحمد إذا تزوج العبد الحرة عتق نصفه ومعنى هذا أن اولاده يكونون أحرارا وهم فرعه فالأصل عبد وفرعه حر والفرع جزء من الأصل

فائدة رد الحق والتهاون
حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء
احدهما رد الحق لمخالفته هواك فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأسا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك قال تعالى نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لو لم يؤمنوا به أول مرة فعاقبهم على رد الحق اول مرة بأن قلب افئدتهم وأبصارهم بعد ذلك
والثاني التهاون بالأمر إذا حضر وقته فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك قال تعالى فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنه السلامة فائدة فتوى في طلاق
وقعت حادثة في أيام ابن جرير وهي أن رجلا تزوج امرأة فأحبها حبا شديدا وأبغضته بغضا شديدا فكانت تواجهه بالشتم والدعاء عليه فقال لها يوما أنت طالق ثلاثا لا تخاطبيني بشيء إلا خاطبتك بمثله فقالت له في الحال أنت طالق ثلاثا بتاتا فأبلس الرجل ولم يدر ما يصنع فاستفتى جماعة من الفقهاء فكلهم قال لا بد أن تطلق فإنه إن أجابها بمثل كلامها طلقت وان لم يحبها حنث وطلقت فإن بر طلقت وإن حنث طلقت
فأرشد به إلى ان جرير فقال لها امض ولا تعاود الأيمان واقم على زوجتك بعد أن تقول لها انت طالق ثلاثا إن أنا طلقتك فتكون قد خاطبتها بمثل خطابها لك فوفيت بيمينك ولم تطلق منك لما وصلت به الطلاق من الشرط
فذكر ذلك لابن عقيل فاستحسنه وقال وفيه وجه آخر لم يذكره ابن جرير وهو أنها قالت له انت طالق ثلاثا بفتح التاء وهو خطاب تذكير فإذا قال لها أنت بفتح التاء لم يقع به طلاق

قلت وفيه وجه آخر أحسن من الوجهين وهو جار على أصول المذهب وهو تخصيص اللفظ العام بالنية كما إذا حلف لا يتغدى ونيته غذاء يومه قصر عليه
وإذا حلف لا يكلمه ونيته تخصيص الكلام بما يكرهه لم يحنث إذا كلمه بما يحبه ونظائره كثيرة وعلى هذا فنياط الكلام صريح او كالصريح في أنه إنما اراد لا تكلم بشتم أو سب أو دعاء أو ما كان من هذا الباب إلا كلمها بمثله
ولم يرد أنها قالت له اشتر لي مقنعة أو ثوبا ان يقول لها اشترى لي ثوبا او مقنعه وإذا قالت له لا تشتر لي كذا فإني لا احبه أن يقول لها مثله هذا مما يقطع أن الحالف لم يرده فإذا لم يخاطبها بمثله لم يحنث وهكذا يقطع بأن هذه الصورة المسؤول عنها لم يردها ولا كان بساط الكلام يقتضيها ولا خطرت بباله وإنما أراد ما كان من الكلام الذي هيج يمينه وبعثه على الحلف ومثل هذا يعتبر عندنا في الأيمان فائدة سورة التكوير
قرأ قارىء إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وفي الحاضرين أبو الوفاء بن عقيل فقال له قائل يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب فلم هدم الأبنية وسير الجبال ودك الأرض وفطر السماء ونثر النجوم وكور الشمس
فقال إنما بني لهم الدار للسكني والتمتع وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خربها لانتقال الساكن منها
فأراد أن يعلمهم بأن الكونين كانت معمورة بهم وفي إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وبيان المقدرة بعد بيان العزة وتكذيب لأهل الإلحاد وزنادقة المنجمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فإذا راوا آلهتهم قد انهدمت وأن معبوداتهم قد انثرت وانفطرت ومحالها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم وظهر أن العالم مربوب محدث مدبر له رب يصرفه كيف يشاء تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم فكم لله تعالى من حمكة في هدم هذه الدار ودلالة على عظم عزته وقدرته وسلطانه وانفراده بالربوبية وانقياد المخلوقات بإسرها لقهره وإذ عانها لمشيئته فتبارك الله رب العالمين

فائدة حشر الوحوش
الدليل على حشر الوحوش وجوه
الأول قوله تعالى وإذا الوحوش حشرت
الثاني قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالطكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون
الثالث حديث مانع صدقه الإبل والبقر والغنم وأنها تجيء يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها // رواه البخاري ومسلم // وهو متفق على صحته
الرابع حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي شاتين ينتطحان فقال يا ابا ذر اتدري فيم نيتطحان قال قلت لا قال لكن الله يدري وسيقضي بينهما // صحيح // رواه أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مسنده
الخامس الاثار الواردة في قوله تعالى يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وأن الله تعالى يجمع الوحوش ثم يقتص من بعضها لبعض ثم يقول لها كوني ترابا فتكون ترابا فعندها يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا فاءدة التشديد والتيسير في التكليف
تأمل الحكمة في التشديد في اول التكليف ثم التيسير في آخره بعد توطين النفس على العزم والامتثال فيحصل للعبد الأمران الأجر على عزمه وتوطين نفسه على الامتثال والتيسير والسهولة بما خفف الله عنه

فمن ذلك أمر الله تعالى رسوله بخمسين صلاة ليلة الإسراء ثم خففها وتصدق بجعلها خمسا
ومن ذلك انه أمر أولا بصبر الواحد إلى العشرة ثم خفف عنهم ذلك إلى الاثنين ومن ذلك أنه حرم عليهم في الصيام إذا نام أحدهم أن يأكل بعد ذلك او يجامع ثم خفف عنهم
ومن ذلك أنه أوجب عليهم تقديم الصدفة بين يدي مناجاة رسوله فلما وطنوا له أنفسم على ذلك خففه عنهم بإباحة ذلك إلى عنهم الفجر
ومن ذلك تخفيف الاعتداد بالحول بأربعة اشهر وعشرا وهذا كما قد يقع في الابتلاء بالأوامر فقد يقع في الابتلاء بالقضاء والقدر يشدد على العبد أولا ثم يخفف عنه وحكمه تسهيل الثاني بالأول وتلقى الثاني بالرضي وشهود المنه والرحمة
وقد يفعل الملوك ببعض رعاياهم قريبا من هذا فهؤلاء المصادرون يطلب منهم الكثير جدا الذي ربما عجزوا عنه ثم يحطون إلى ما دونه لتطوع لهم أنفسهم بذلة ويسهل عليهم
وقد يفعل بعض الحمالين قريبا من هذا فيزيدون على الحمل شيئا لا يحتاجون إليها ثم يحط تلك الأشياء فيسهل حمل الباقي عليهم
والمقصود أن هذا باب من الحكمة خلقا وأمرا ويقع في الأمر والقضاء والقدر ايضا ضد هذا فينقل عباده بالتدريج من اليسير إلى ما هو اشد منه لئلا يفجأ هذا التشديد بغته فلا تحمله ولا تنقاد له
وهذا كتدريجهم في الشرائع شيئا بعد شيء دون ان يؤمروا بها كلها وهلة واحدة
وكذلك المحرمات ومن هذا أنهم أمروا بالصلاة أولا ركعتين ركعتين فلما ألفوها زيد فيها ركعتين أخريين في الحضر
ومن هذا أنهم أمروا أولا بالصيام وخيروا فيه بين الصوم عينا وبين التخيير بينه وبين الفدية فلما ألفوه أمروا بالصوم عينا
ومن هذا أنهم أذن لهم بالجهاد أولا من غير أن يوجبه عليهم فلما توطنت عليه نفوسهم وباشروا حسن عاقبته وثمرته أمروا به فرضا وحكمة هذا التدريج التربية على قبول الأحكام والإذعان لها والانقياد لها شيئا فشيئا
وكذلك يقع مثل هذا في قضائه وقدره مقدر على عبده بل لا بد منه اقتضاه حمده وحكمته فيبتليه بالأخف أولا ثم يرقيه إلى ما هو فوقه حتى يستكمل ما كتب عليه منه

ولهذا قد يسعى العبد في أول البلاء في دفعه وزواله ولا يزداد إلا شدة لأنه كالمرض في أوله وتزايده فالعاقل يستكين له أولا وينكسر ويذل لربه ويمد عنقه خاضعا ذليلا لعزته حتى إذا مر به معظمه وغمرته وأذن ليله بالصباح فإذا سعى في زواله ساعدته الأسباب ومن تأمل هذا في الخلق انتفع به انتفاعا عظيما ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى

فائدة امرأة طلبت الطلاق من زوجها
رجل قالت له زوجته أريد منك ان تطلقني فقال لها إن كنت تريدين أن أطلقك فأنت طالق فهل يقع الطلاق بهذا أو لا بد من إخبارها عن إرادة مستقبلة
وقال بعض الفقهاء لا بد من إرادة مستقبلة عملا بمقتضى الشرط وأن تأثيره إنما هو في المستقبل
قال بعضهم بل تطلق بذلك اكتفاء بدلالة الحال على أنه إنما أراد بذلك إجابتها إلى ما سألته من طلاقها المراد لها فأوقعه معلقا له بإرادتها التي أخبرته بها هذا هو المفهوم من الكلام لا يفهم الناس غيره
وقال ابن عقيل ظاهر الكلام ووضعه يدل على إرادة مستقبلة ودلالة الحال تدل على أنه أراد إيقاعه لأجل الإرادة التي أخبرته بها ولم يزد
قلت وكأنه ترجيح منه للوقوع اكتفاء بدلالة الحال على ما هو المعهود من قواعد المذهب ولفظ الشرط في مثل هذا لا يستلزم الاستقبال
وقد جاء مرادا به المشروط المقارن للتعليق وهو كثير في أفصح الكلام كقوله تعالى وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين وقوله واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون وقوله تعالى فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين وقول مريم إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا وهو كثير جدا ولما كان ما يتلو أداة الشرط في هذا لا يراد به المستقبل بل يراد الحال والماضي
قل ! بعض النحاة إن فيه بمعنى إذا التي تكون للماضي وقال غيره إنها للتعليل والتحقيق فيها أنها للشرط على بابها والشرط في ذلك داخل الكون المستمر المطلوب دوامه واستمراره دون تقيده بوقت دون وقت فتأمله

فائدة النية وطهارة الماء
استدل على أن النية لا تشترط في طهارة الماء بأن الماء خلق على صفات وطبيعة لا يحتاج في حصول أثرها إلى النية وخلق طهورا وخلق مرويا وخلق مبردا سائلا كل ذلك طبعه ووصفه الذي جعل عليه فكما أنه لا يحتاج إلى النية في حصول الري والتبريد به فكذلك في حصول التطهير يوضحه أنه خلق طاهرا أو طهورا وطاهريته لا تتوقف على نية فكذلك طهوريته يزيده إيضاحا أن عمله في أقوى الطهارتين وهي طهارة الخبث لا تتوقف على نية فعدم توقف عمله علي النية في الطهارة الأخرى أولى وإنما قلنا إنها أقوى الطهارتين لأن سببها وموجبها أمر حسي وخبث مشاهد ولأنه لا بدل لها من التراب فقد ظهرت قوتها حسا وشرعا يزيده بيانا قوله خلق الماء طهورا // صحيح المعنى // صريح في أنه مخلوق على هذه الصفة وطهورا منصوب على الحال أي خلق على هذه الحالة من كونه طهورا وإن كانت حالا لازمة فهي كقولهم خلق الله الزراقه يديها أطول من رجليها فهذه الصفة وهي الطهورية مخلوقة معه نويت أو لم تنو
والاستدلال بهذا قريب من الاستدلال بقوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا يوضح ذلك أيضا أن النية إن اعتبرت بجريان الماء على الأعضاء فهو حاصل نوى أو لم ينو وإن اعتبر حصول الوضاءة والنظافة فكذلك لا يتوقف حصولها على نية وإن اعتبرت لإزالة الحدث المتعلق بالأعضاء فقد بينا أن الخبث المتعلق بها اقوى من الحدث وزوال هذا الأقوى لا يتوقف على النية فكيف للأضعف
يوضحه أيضا أنا رأينا الشريعة قد قسمت أفعال المكلفين إلى قسمين
قسم يحصل مقصوده والمراد منه بنفس وقوعه فلا يعتبر في صحته نية كأداء الديون ورد الأمانات والنفقات الواجبة وإقامة الحدود وإزالة النجاسات وغسل الطيب عن المحرم واعتداد المفارقة وغير ذلك فإن مصالح هذه الأفعال حاصلة بوجودها ناشئة من ذاتها فإذا وجدت حصلت مصالحها فلم تتوقف صحتها على نية

القسم الثاني ما لا يحصل مراده ومقصوده منه بمجرده بل لايكفي فيه بمجرد صورته العارية عن النية كالتلفظ بكلمة الإسلام والتلبية في الإحرام وكصورة التيمم والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة والصلاة والاعتكاف والصيام ولما كان إزالة الخبث من القسم الأول اكتفى فيه بصورة الفعل لحصول مقصودة
وقد عللنا أن المراد من الوضوء النظافة والوضاءة وقيام العبد بين يدي الرب تبارك وتعالى على أكمل أحواله مستور العورة متجنبا للنجاسة نظيف الأعضاء وضيئها وهذا حاصل بإيانه بهذه الأفعال نواها أو لم ينوها يوضحه أن الوضوء غير مراد لنفسه بل مراد لغيره والمراد لغيره لا يجب أن ينوي لأنه وسيلة وإنما تعتبر النية في المراد لنفسه إذ هو المقصود المراد ولهذا كانت نية قطع المسافة في الحج والجمعة غير واجبة ولا تتوقف الصحة عليها وكذلك نية شراء الماء وشراء العبد في عتق الكفار وشراء الطعام فيها غير واجبة إذ هذه وسائل مرادة لغيرها
وكذلك الوضوء وسيلة تراد للصلاة فهي كطهارة المكان والثياب اعتبار النية في العبادات
يوضحه أن النية لو اعتبرت في الوضوء لاعتبرت في سائر شروط الصلاة كستر العورة وإزالة النجاسة وغيرهما ولا أرى منازعي القوم يتمكنون من الجواب عن هذه الكلمات بجواب شاف هذه أجوبتهم في طريقهم فعليك بمراجعتها ونحن لا ترتضي هذا الرأي ولكن لم نر استدلال منازعتهم وأجوبتهم لهم أقوى من هذه الأدلة وما ذاك لضعف المسألة من جانبهم ولكن لأن الكلام في مسألة النية شديد الارتباط بأعمال القلوب ومعرفة مراتبها وارتباطها بأعمال الجوارح وبنائها عليها وتأثيرها فيها صحة وفسادا وإنما هي الأصل المراد المقصود وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة وأن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث
فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عليها
وكذلك أيضا لا يتحقق الكلام في المسألة إلا بعد معرفة حقيقة النية وهل هي من جنس المعلوم والتصورات أو من جنس الإرادات والعزوم أو حقيقتها مركبة من الأمرين وأما من قبيل انبساطها وانقسامها على حروف معينة لكل حرف منها جزء من أجزاء النية فلم يحصل معنى النية فضلا عن ان يتمكن من رد قول منازعه في اعتبارها

وكذلك من ظن أنها لا تتحقق إلا بجريان ألفاظ من اللسان يخبر بها عنها لم يحصل أيضا معناها فيجب أن نعلم حقيقتها أولا ومنزلتها من أعمال القلوب وأنه مستحيل عليها الانبساط والانقسام وأنه لا مدخل للألفاظ البتة ويفرق بين النية المتعلقة بالمعبود التي هي من لوازم الإسلام وموجباته بل هي روحه وحقيقته التي لا يقبل الله من عامل عملا بدونها البتة
وبين النية المتعلقة بنفس العمل التي وقع فيها النزاع في بعض المواضع ثم يعرف ارتباطها بالعمل وكيف قصد به تمييز العبادة عن العادة إذ كانا في الصورة واحدا وإنما يتميزان بالنية فإذا عدمت النية كان العمل عاديا لا عباديا والعادات لا يتقرب بها إلى بارىء البريات وفاطر المخلوقات فإذا عري العمل عن النية كان كالأكل والشرب والنوم الحيواني البهيمي الذي لا يكون عبادة بوجه فضلا أن يؤمر به ويرتب عليه الثواب والعقاب والمدح والذم وما كان هذا سبيله لم يكن من المشروع للتقرب به إلى الرب تبارك وتعالى ولذلك يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض فيميز فرضها عن نفلها ومراتبها بعضها عن بعض وهذه أمور لا تحقق لها إلا بالنية ولا قوام لها بدونها البتة
وهي مرادة للشارع بل هي وظائف العبودية فكيف يؤدي وظائف العبودية من لا يخطر بباله التمييز بين العبادات والعادات ولا التمييز بين مراتب تلك الوظائف ومنازلها من العبودية هذا أمر ممتنع عادة وعقلا وشرعا فالنية هي سر العبودية وروحها ومحلها من العمل محل الروح من الجسد ومحال أن يعتبر في العبودية عمل الأرواح له معه بل هو بمنزلة الجسد الخراب وهذا معنى الأثر المروى موقوفا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له

وقد قال تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين فنهى سبحانه أن يكون أمر عباده بغير العبادة التي قد أخلص عاملها له فيها النية ومعلوم أن إخلاص النية للمعبود أصل لنية أصل العبادة فإذا لم يأمرهم إلا بعمل هو عبادة قد أخلص عاملها النية فيها لربه عز و جل ومعلوم أن النية جزء من العبادة بل هي روح العبادة كما تبين علم أن العمل الذي لم ينو ليس بعبادة ولا مأمور به فلا يكون فاعله متقربا إلى الله تعالى وهذا مما لا يقبل نزاعا
ومن نكت المسألة أن يفرق بين الأفعال التي لا تقع إلا منوية عادة وبين الأفعال التي تقع منوية وغير منوية فالأولى كالوضوء المرتب عضوا بعد عضو فإنه لا يكاد يتصوروقوعه من غير نية فإن علم الفاعل بما يفعله وقصده له هو النية والعاقل المختار لا يفعل فعلا إلا مسبوقا بتصوره وإرادته وذلك حقيقة النية فليست النية أمرا خارجا عن تصور الفاعل وقصده لما يريد أن يفعله وبهذا يعلم غلط من ظن أن الملتفظ مدخلا في تحصيل النية فإن القائل إذا قال نويت صلاة الظهر أو نويت رفع الحدث إما أن يكون مخبرا أو منشأفإن كان مخبرا فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكلاهما عبث لا فائدة فيه لأن الاخبار إنما يفيد أذا تضمن تعريف المخبر ما لم يكن عارفا به وهذا محال في إخباره لنفسه وإن كان إخبارا لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ولا مفيد وهو بمثابة إخباره له بسائر افعاله من صومة وصلاته وحجة وزكاته بل بمنزلة إخباره له ايمانه عن وحبة وبغضه بل قد يكون في هذا الإخبار فائدة وأما إخبار المأمومين أو الإمام أو غيرهما بالنية فعبث محض ولا يصح أن يكون ذلك إنشاء فإن اللفظ لا ينشيء وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها

فعلم بهذا أن التلفط بها عبث محض فتأمل هذه النكتة البديعة والمقصود أن مثل هذه الأفعال المرتبة التي لا تقع إلا عن علم وقصد لا تكون إلا منوية وهذا بخلاف الاغتسال مثلا فإنه قد يقع لتنظيف أو تبريد ونحوهما فإن لم يقصد به رفع حدثه لم يكن منويا
وكذلك افعال الصلاة المرتبة التي يتبع بعضها بعضا لا تقع إلا منوية ولو تكلف الرجل أن يصلى أو يتوضا بغير نية لتعذر عليه ذلك بل يمكن تصوره فيما إذا قصد تعليم غيره ولم يقصد العبادة أو صلى وتوضأمكرها وأما عاقل مختار عالم بما يفعله يقع فعله وفق قصده فهذا لا يكون إلا منويا
فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان
أحدهما أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره والنية لا تتعلق إلا بنفسه فلا يتصور أن ينوى الرجل فعل غيره ويتصور أن يقصده ويريده
الفرق الثاني أن القصد لا يكون إلا بفعل مقدور يقصده الفاعل وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي في ماله ربه ويصل فيه رحمة ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل عند الله وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيتة وأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما ذلك شر منزلة عند الله ثم قال وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وهما في الوزر سواء // صحيح // فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه بخلاف القصد والإرادة فإنما لا يتعلقان بالمعجوز عنه لا من فعله ولا من فعل غيره وإذا عرف حقيقة النية ومحلها من الإيمان وشرائعه تبين الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بعلم وإنصاف
ولنذكر كلامهم وما فيه من مقبول ومردود فأما قولهم إن الماء خلق بطبعه مبردا ومرويا وسائلا وسائلا ومطهرا وحصول هذه الاثار منه لا تفتقر إلى نية إلى آخره فيقال إن أردتم بكونه مطهرا بطبعه أنه منظف لمحل التطهير فمسلم ولكن نزاعنا في أمر وراءه

وإن أردتم أنه يفتتح به الصلاة ويرفع المانع الذي جعله الشارع صادا عن الدخول فيها بطبعه من غير اعتبار فيه فدعوى مجردة لا يمكنهم تصحيحها البته بل هي بمثابة قول القاتل استعماله عبادة بمجرد طبعه فحصول التعبد والثواب به لا يحتاج إلى نية وهذا بين البطلان وهذا حرف المسالة وهو أن التعبد به مقصود وهو متوقف علىالنية والمقدمتان معلومتان مغنيتان عن تقدير
وقد أجابهم بعض الناس بان منع أن يكون في الماء قوة أو طبع وقال هذا مبني على إثبات القوى والطبائع في المخلوقات وأهل الحق ينكرونه وهذا جواب فاسد يرغب طالب الحق عن مثله وهو باطل طبعا وحسا وشرعا وعقلا وأهل الحق هم المتبعون للحق أين كان والقران والسة مملوآن من اثبات الأسباب والقوى والعقلاء قاطبة على إثباتها سوي طائفة من المتكلمين حملهم المبالغة في إبطال قول القدرة والنفاة على إنكارها جملة والذي يكشف سر المسألة أن التبريد والري والتنظيف حاصل بالماء ولو لم يرده وحتى لو أراد أن لا يكون
وأما التعبد لله بالوضوء فلا يحصل إلا بنية التعبد فقياس أحد الأمرين على الآخر من أفسد القياس فالحاصل بطبع الماء أمر غير التعبد الذي هو مقوم لحقيقة الوضوء الذي لا يكون وضوءا إلا به وبهذا خرج الجواب عن قولهم إن عمله في رفع الخبث لم يتوقف على نية فان لا يتوقف رفعه للحدث أولى فإن رفع الخبث أمر حسي مشاهد لا يستدعي أن يكون رافعة من أهل العبادة بل هو بمنزلة كنس الدار وتنظيف الطرقات وطرح المميتات والخبائث
نوضحه إن زوال النجاسة لا يفتقر إلى فعل من المكلف البتة بل لو أصابها المطر فأزال عينها طهر المحل بخلاف الطهارة من الخبث فإن الله أمر بأفعال متميزه لا يكون المكلف مؤديا ما أمر به إلا بقعلها الاختياري الذي هو مناط التكليف وبهذا خرج الجواب عن قولهم النية إن اعتبرت لجريان الماء على الأعضاء أو لحصول الوضاءة لم يفتقر إلى نيةإلى آخره طلب النية في الأعمال
قولهم الشريعة قسمت الأفعال إلى قسمين
قسم يحصل منه مقصوده بمجرد من غير نية قسم لا يحصل إلا بالنية فمسلم قولهم أن الوضوء من القسم الأول دعوى محل النزاع فلا يقبل قولهم في تقريرها لمقصود الوضاءه أن الوضوء والنظافة وقيام العبد بين يدي ربه على أكمل أحواله

فجوابه أن لله على العبد عبوديتين عبودية باطنة وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية وعلى لسانه وجوارحه عبودية فقيامه بسورة العبودية الظاهر مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة مما لا يقربه إلى ربه ولا يوجب له الثواب وقبول عمله فإن المقصود امتحان القلوب وابتلاء السرائر فعمل القلب هو روح العبودية ولبها فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح والنية هي عمل القلب الذي هو ملك الأعضاء والمقصود بالأمر والنهي فكيف يسقط واجبة ويعتبر واجب رعيته وجنده واتباعه اللاتي إنما شرعت واجباتها لأجله ولأجل صلاحه وهل هذا إلا عكس القضية وقلب الحقيقة والمقصود بالأعمال كلها ظاهرها وباطنها إنما هو صلاح القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه وإلهه ومن تمام ذلك قيامه هو وجنوده في حضرة معبوده وربه فإذا بعث جنوده ورعيته وتغيب هو عن الخدمة والعبودية فما أجدر تلك الخدمة بالرد والمقت وهذا مثل في غاية المطابقة
وهل الأعمال االخالية عن عمل القلب إلا بمنزلة حركات العابثين وغايتها أن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب ولما رأى بعض أرباب القلوب طريقة هؤلاء انحرف عنها إلى أن صرف همه إلى عبودية القلب وعطل عبودية الجوارح وقال المقصود قيام القلب بحقيقة الخدمة والجوارح تبع والطائفتان متقابلتان أعظم تقابل هؤلاء لا التفات لهم إلي عبودية جوارحهم ففسدت عبودية قلوبهم وأولئك لا التفات لهم إلى عبودية قلوبهم ففسدت عبودية جوارحهم والمؤمنون العارفون بالله وبأمره قاموا له بحقيقة العبودية ظاهرا وباطنا وقدموا قلوبهم في الخدمة وجعلوا الأعضاء تبعا لها فأقاموا الملك وجنوده في خدمة المعبود وهذا هو حقيقة العبودية
ومن المعلوم أن هذا هو مقصود الرب تعالى بإرساله رسله وإنزاله كتبه وشرعه شرائعه فدعوى المدعي أن المقصود من هذه العبودية حاصل وإن لم يصحبها عبودية القلب من أبطل الدعاوي وأفسدها والله الموفق
ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من اعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان فمركب الإيمان القلب ومركب الإسلام الجوارح فهذه كلمات مختصرة في هذه المسألة لو بسطت لقام منها سفر ضخم وإنما أشير إليها إشارة

وحرف المسألة أن أعمال الجوارح إنما تكون عبادة بالنية والوضوء عبادة في نفسه مقصود مرتب عليه الثواب وعلى تركه العقاب وكما يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى عن غيره بالنية والقصد فيكون وحده المقصود المراد فكما أنه يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى بها لا سواه فكذلك يجب فيها تمييز العبادة عن العادة ولا يقع التمييز بين النوعين اتحاد صورة العملين إلا بالنية فعمل لا يصحبه إرادة المعبود غير المقبول ولا يعتد به وكذلك عمل لا تصحبه إرادة التعبد له والتقرب إليه غير مقبول ولا معتقد به بل نية التقرب والتعبد جزء من نية الإخلاص ولا قوم لنية الإخلاص للمعبود إلا بنية التعبد فإذا كانت نية الإخلاص شرطا في صحة كل أداء العبادة فاشتراط نية التعبد أولى وأحرى ولا جواب عن هذا البتة إلا بإنكار أن يكون الوضوء عبادة
وكذلك يلتحق بإنكار المعلوم من الشرع بالضرورة وهو بمنزلة إنكار كون الصوم والزكاة والحج والجهاد وغيرها عبادات والله الموفق للصواب فائدة ميت لا يوجد له كفن
ذكر أحمد بن مروان المالكي عن ابن عباس أنه سئل عن ميت مات ولم يوجد له كفن قال يكب على وجهه ولا يستقبل بوجهه القبلة
قلت هذا بعيد الصحة من عبد الله بن عباس بل هو باطل والصواب أنه يستر بحاجز من تراب ويوضع في لحده على جنبه مستقبل القبلة كما ينام العريان الذي نشر عل6يه ملاءة أو غيرها وإذا كان عليه حاجز من تراب وهو مستقبل القبلة كان بمنزلة من عليه ثيابه فائدة وذكر أيضا عن مجاهد قال جلست إلى عبد الله بن عمر وهو يصلي فخفف ثم سلم وأقبل إلى ثم قال إن حقا علي أو سنة إذا جلس الرجل إلى الرجل وهو يصلي التطوع أن يخفف ويقبل إليه
وذكر ايضا عن ابن عباس قال ما من يوم إلا ليلته قبله إلا يوم عرفة فإن ليلته بعده قلت هذا مما اختلف فيه وحكى عن طائفة أن ليلة اليوم بعده والمعروف عند الناس

أن ليلة اليوم قبله ومنهم من فصل بين الليلة المضافة إلى اليوم كليلة الجمعة والسبت والأحد وسائر لأيام والليلة المضافة إلى مكان أو حال أو فعل كليلة عرفة وليلة النفر ونحو ذلك فالمضافة إلى اليوم قبله والمضافة إلى غيره بعده واحتجوا له بهذا الاثر المروي عن أبن عباس ونقض عليهم بليلة العيد والذي فهمه الناس قديما وحديثا من قول النبي تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي // رواه مسلم وأبو داود والترمذي // أنها الليلة التي تسفر صبيحتها عن يوم الجمعة فإن الناس يسارعون إلى تعظيمها وكثرة التعبد فيها عن سائر الليالي فنهاهم تخصيصها بالقيام كما نهاهم عن تخصيص يومها بالصيام والله أعلم
قال أبو عبد الله الحاكم في كتابه الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار سمعت أبا تراب المذكور يقول سمعت إبراهيم بن عبد الرحمن بن سهل يقول سمعت العباس بن محمد الهاشمي يقول دخل يحيى بن معين مصر فاستقبلته هدايا أبي صالح كاتب الليث وجارية ومائة دينار فقبلها ودخل مصر فلما تأمل حديثه قال لا تكتبوا عن أبي صالح قال الحاكم هذه من أجل فضائل يحيى إذ لم يحاب أبا صالح وهو في بلده ونعمته
أنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ناجدي سمعت علي بن المدني يقول كان أبو الجعد والد سالم بن أبي الجعد إذا تغذى جمع بنيه فكانوا ستة اثنان مرجئان واثنان شيعيان واثنان خارجيان فكان أبو الجعد يقول لقد جمع الله بين ايديكم وفرق بين أهوائكم
قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي ثنا عبد الله ابن الحسين بن موسى نا عبد الله بن علي بن المديني قال سمعت أبي يقول خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله حديث لو صدق السائل ما افلح من رده وحديث لا وجع إلا وجع العين ولا غم إلا غم الدين وحديث إن الشمس ردت لعلى بن أبي طالب وحديث أنه أنا أكرن على الله من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام وحديث أفطر الحاجم والمحجوم إنهما كانا يغتابان قال كاتبه ونظير هذا قول الإمام أحمد أربعة أحاديث تدور في الأسواق لا أصل لها عن رسول الله من آذى ذميا فكأنما آذاني وحديث من

بشرني بخروج آذار ضمنت له على الله الجنة وحديث للسائل حق وإن جاء على فرس وحديث يوم صومكم يوم نحركم يوم رأس سنتكم قال الحاكم سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان يقول سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفي يقول شاهدت محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى ودفع إليه كتابا من محمد ابن كرام يسأله عن أحاديث منها سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن عن أبيه أن النبي قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص ومعمر عن الزهري مثله فكتب البخاري رحمه الله تعالى على ظهر كتابه من حدث بها استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل
سمعت أبا الخير محمد بن يعقوب الحافظ يقول سمعت ابا العباس الدغولي يقول قلت لأبي حاتم الرازي هل تعرف في أصحاب رسول الله اسمه أحمد قال لا أعلمه قلت فهل تعلم في الصحابة رضي الله عنهم من اسمه إسماعيل قال لا غير الأغر المزني أسيد قال لا اعلمه قلت فهل كان فيهم من اسمه ايمن قال لا أعلم قلت أفكان فيهم من اسمه أشعث قال لا غير اشعت بن قيس الكندي قلت فهل كان فيهم من أسمه امية قال صحابي واحد يقال له أمية بن مخشي الخزاعي قلت فهل كان فيهم من اسمه أسلم قال واحد أسلم ابو رافع مولى النبي فهل كان غير أهبان بن صيفي قال أهبان بن أوس قلت فهل كان فيهم أبيض غير ابن حمال فقال لا أعلمه قلت فهل كان فيهم اغر غير الأغر المزني المزني قال لا أعلمه قلت فهل كان فيهم من اسمه أرقم قال انا ارقم بن أبي الأرقم قلت فهل كان فيهم من اسمه إبراهيم قال نعم إبراهيم اسم قديم قد تسمى به رجل قد سمع من النبي المكيون عن عطاء بن إبراهيم عن أبيه قال سمعت رسول الله قابلوا بين النعال // إسناده ضعيف // قال كاتبه وفي كتاب ابن حبان في ترجمة الصحابة أسلم آخر

غير أبي رافع قال أسلم بن عبدل لما اسلم أسلمت اليهود بإسلامه لم يزد تم الانتقاء
يا جامع المال ما أعددت للحفر ... هل يغفل الزاد من أضحى على سفر
أفنيت عمرك في اللذات تطلبها ... واخيبة السعي بل واضيعة العمر
قف في ديار بني اللذات معتبرا ... وانظر إليها ولا تسال عن الخبر
ففي الذي فعلت أيدي الشتات بهم ... من بعد ألفتهم معنى لمعتبر
قال غيره
قد عرف المنكر واستنكر ... المعروف في أيامنا الصعبة
صار أهل العلم في وهدة ... وصار أهل الجهل في رتبة
فقلت للأبرار أهل التقي ... والدين لما أشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد اتت ... نوبتكم في زمن الغربة
وقال غيره
اقنع بأيسر ميسور من الزمن ... واشكر لربك ما أولاك من منن
واذكر ملابس من عدن تخص بها ... ذوي التقي واهجروا الأبراد من عدن
إن شئت أن تدخل الجنات مجتنبا ... قطوفها فتفوق النار بالجنن
وباشر الناس بالمعروف مجتهدا ... وراقب الله في سر وفي علن
حديث روى البيهقي من حديث أبي بكر الحنفي ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومىء إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك // صحيح // قال البيهقي هذا الحديث يعد في أفراد أبي بكر الحنفي عن الثوري تم كلامه

خطأ إنما هو عن جابر قوله أنه دخل على مريض قيل له فإن أبا أسامة قد رواه عن الثورى مرفوعا قال ليس بشيء هو موقوف تم كلامه رحمه الله تعالى
ورواه يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا الثوري فذكره بمثله ورواه البيهقي فهؤلاء ثلاثة رفعوه ابو أسامة وعبد الوهاب بن عطاء وأبو بكر الحنفي فأما ابو أسامة فالعلم المشهور وأما أبو بكر الحنفي من رجال الصحيحين وقواه ووثقه أحمد وأما عبد الوهاب بن عطاء فاحتج به مسلم والظاهر أن الحديث موقوف كما ذكره ابن أبي الحاتم عن ابيه والله أعلم
والآثار في ذلك معروفة عن الصحابة كما روى مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء ولم يرفع إلى جبهته شيئا
وقد رفعه عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع وقد ضعفه أحمد وأبو زرعة والصواب وقفه
وروى شعبة عن ابي الحق السبيعي عن زيد مولى ابن معاوية عن علقمة قال دخلت

مع عبد الله بن مسعود على أخيه يعوده وهو مريض فرأى معه مروحة يسجد عليها فانتزعها منه عبد الله وقال اسجد على الأرض فإن لم تستطع فأومىء إيماء واجعل السجود أخفض من الركوع
وزيد هذا ثقة حديث قال حنبل قال أحمد في حديث حجاج المصيصي عن شريك عن إبراهيم بن حزم عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال كان النبي إذا دخل الخلاء أتيته بماء فاستنجى ثم مسح بيده على الأرض ثم توضأ فقال أحمد هذا حديث منكر إنما هو عن أبي الأحوص عن عبد الله ولم يرفعه

فائدة نسيات ليس بلحن
قال بعضهم قول العامة نسيات ليس بلحن لأن الجوهري حكاه وكأنه جمع نسية بتصغير نسوة
قلت وعلى هذا فلا يقال إلا على جماعات متعددة منهن لأنه جمع الجمع والعامة تطلقه على الجماعة الواحدة منهن
فائدة اللعب بالنرد قول النبي من لعب بالنرد فكأنما صيغ يده في لحم
خنزير ودمه سر هذا التشبيه والله أعلم أن اللاعب بها لما كان مقصوده بلعبه أكل المال بالباطل الذي هو حرام كحرمة لحم الخنزير وتوصل إليه بالقمار وظن أنه يفيده حل المال كان كالمتوصل إلى أكل لحم الخنزير بذكاته والنبي شبه اللاعب بها بغامس يده في لحم الخنزير ودمه إذ هو مقدمة الأكل كما أن اللعب بها مقدمة أكل المال فإن أكل بها المال كان كأكل لحم الخنزير

والتشبه إنما وقع في مقدمة هذا بمقدمة هذا والله أعلم

فائدة تفسير البقر التي رآها النبي في نومه
تفسير النبي البقر التي رآها في النوم تنحر بالنفر الذين أصيبوا من أصحابه يوم أحد قيل وجه هذا التأويل أن البقر والنفر مشتركان في صورة الخط ويمتاز أحدهما عن الآخر بالنقط وهذه جهة من جهات التعبير وهذا قول فاسد جدا ولم يكن النبي يدرك شيئا من الخط أصلا ولا هذه جهة صحيحة من جهات التأويل فلا يؤل النرد بالبرد ولا الزيد بالزند ولا العين بالغين ولا الحية بالجنة وأمثال ذلك

وقيل وجه الشبة أن البقر معها أسلحتها التي تقاتل بها وهي قرونها وكانت العرب تستعمل الصياصي والقرون في الرماح عند عدم الأسنة وهذا أقرب من الأول ولكنه مشترك بين المسلمين والكفار فإن كل طائفة معها سلاحها
أجود من هذين أن يقال وجه التشبيه أن الأرض لا تعمر ولا تفلح إلا بالبقر فهم عمارة الأرض وبها صلاح العالم وبقاء معيشتهم وقوام أمرهم وهكذا المؤمنون بهم إصلاح الأرض وأهلها وهم زينتها وأنفع أهل الأرض للناس كما أن البقر أنفع الدواب للأرض
ومن وجه آخر وهو أن البقر تثير الأرض وتهيئها لقبول البذر وإنباته وهكذا أهل العلم والإيمان يثيرون القلوب ويهيئونها لقبول بذر الهدى فيها ونباته وكماله والله أعلم

فائدة قول المسيح آمنت بالله وكذبت بصري
قول النبي رأى عيسى رجلا يسرق فقال سرقت قال كلا والذي لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت بصري // رواه البخاري // يل هو استفهام من المسيح لا إنه إخبار والمعنى أسرقت فلما حلف له صدقه
ويرد هذا قوله وكذبت بصري وقيل لما رآه المسيح أخذ المال بصورة السارق فقال سرقت قال كلا أي ليس بسرقة إما لأنه ماله أو له فيه حق أو لأنه أخذه ليقلبه ويعيده والمسيح عليه السلام أحال على ظاهر ما رأى فلما حلف له قال آمنت بالله وكذبت نفسي في ظني أنها سرقة لا أنه كذب نفسه في أخذه المال عيانا فالتكذيب واقع على الظن لا على العيان وهكذا الرواية كذبت نفسي ولا تنافي بينها وبين رواية وكذبت بصري لأن البصر ظن أن ذلك الأخذ سرقة فأنا كذبته في ظن أنه رأى سرقة ولعله إنما رأى أخذا ليس بسرقة
وفي الحديث معنى ثالث ولعله أليق به وهو أن المسيح عليه السلام لعظمة وقار الله في قلبه وجلاله ظن أن هذا الحالف بوحدانية الله تعالى صادقا عمله إيمانه بالله على

تصديقه وجوز أن يكون بصره قد كذبه وأراه ما لم ير فقال آمنت بالله وكذبت بصري
ولا ريب أن البصر يعرض له الغلط ورؤية بعض الأشياء بخلاف ما هي عليه ويخيل ما لا وجود له في الخارج فإذا حكم عليه العقل تبين غلطه والمسيح صلوات الله عليه وسلامه حكم إيمانه على بصره ونسب الغلط إليه والله أعلم

فائدة الأنبياء أولاد علات
قول النبي الأنبياء أولاد علات وفي لفظ اخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد قال الجوهري بنو العلات هم أولاد الرجل من نسوة شتى سميت بذلك لأن الذي تزوجها على أولى كانت قبلها ثم عل من الثانية العلل الشرب الثاني يقال له علل بعد نهل وعله يعله إذا سقاه السقية الثانية وقال غيره سموا بذلك لأنهم أولاد ضرائر والعلات الضرائر وهذا الثاني أظهر
وأما وجه التسمية فقال جماعة منهم القاضي عياض وغيره معناه أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الوقت من بعض فهم أولاد علات إذ لم بجمعهم زمان واحد كما لم يجمع أولاد العلات بطن واحد وعيسى لما كان قريب الزمان من النبي ولم يكن بينهما نبي كانا كأنهما في زمان واحد فقال أنا أولى الناس بعيسى بن مريم عليه السلام قالوا كيف يا رسول الله فقال الأنبياء إخوة من علات الحديث
وفيه وجه آخر أحسن من هذا وهو أن النبي شبه دين الأنبياء الذين اتفقوا عليه من التوحيد وهو عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله ولقائه بالأب الواحد لاشتراك جميعهم فيه وهو الدين الذي شرعه الله لأنبيائه كلهم فقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وقال البخاري في صحيحه باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد وذكر هذا الحديث وهذا هو دين الإسلام الذي أخبر الله أنه دين أنبيائه ورسله من أولهم نوح إلى خاتمهم محمد فهو بمنزلة الأب الواحد

وأما شرائع الأعمال والمأمورات فقد تختلف فهي بمنزلة الأمهات الشتى التي كان لقاح تلك الأمهات من أب واحد كما أن مادة تلك الشرائع المختلفة من دين واحد متفق عليه فهذا أولى المعنيين بالحديث وليس في تباعد أزمنتهم ما يوجب أن يشبه زمانهم بأمهاتهم ويجعلون مختلفي الأمهات لذلك وكون الأم بمنزلة الشريعة والأب بمنزله الدين وأصالة هذا وتذكيره وفرعية الأم وتأنيثها واتحاد الأب وتعدد الأم ما يدل على أنه معنى الحديث والله أعلم فائدة قوله تعالى أسرى بعبده
في قوله تعالى أسرى بعبده دون بعث بعبده وأرسل به ما يفيد مصاحبته له في مسراه فإن الباء هنا للمصاحبة كالهاء في قوله هاجر بأهله وسافر بغلامه وليست للتعدية فإن أسرى يتعدى بنفسه يقال سري به وأسراه وهذا لأن ذلك السري كان أعظم أسفاره والسفر يعتمد الصاحب ولهذا كان سافر يقول اللهم أنت الصاحب في السفر // رواه مسلم والترمذي وأبو داود //
فإن قيل فهذا المعنى يفهم من الفعل الثلاثي لو قيل سري بعبده فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء ففيه أجوبة
أحدها أنهما بمعنى وأن أسرى لازم كسرى تقول سرى زيد وأسرى بمعنى واحد هذا قول جماعة
الثاني أن اسرى متعذ ومفعوله محذوف أي أسرى بعبده البراق هذا قول أبي القاسم السهيلي وغيره ويشهد للقول الأول قول الصديق أسرينا ليلتنا كلها ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة
الجواب الصحيح أن الثلاثي المتعدي بالباء يفهم منه شيئان أحدهما صدور الفعل من فاعله الثاني مصاحبته لما دخلت عليه الباء
فإذا قلت سريت بزيد وسافرت به كان قد وجد منك السري والسفر مصاحبا لزيد فيه كما قال ولقد سريت على الظلام بمعشر ومنه الحديث أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها // رواه البخاري وابو داود // وأما المتعدي بالهمزة فيقتضي إيقاع الفعل بالمفعول فقط كقوله تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم

فأخرجناهم من جنات وعيون ونظائره فإذا قرن هذا المتعدي بالهمزة أفاد إيقاع الفعل على المفعول مع المصاحبة المفهومة من الباء ولو أتى فيه بالثلاثي فهم منه معنى المشاركة في مصدره وهو ممتنع فتأمله فائدة كرامة الرسول بالأسراء
كانت كرامة رسول الله مفاجأة من غير ميعاد ليحمل عنه ألم الانتظار ويفاجأ بالكرامة بغتة وكرامة موسى بعد انتظار أربعين ليلة فائدة ليس في السفر إلى الرب تعب
لما سافر موسى إلى الخضر وجد في طريقة مس الجوع والنصب فقال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا فإنه سفر إلى مخلوق
ولما واعده ربه ثلاثين ليلة وأتمها بعشر فلم يأكل فيها لم يجد مس الجوع ولا النصب فإنه سفر إلى ربه تعالى وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين فائدة تسخير البراق لحمل الرسول
تسخير البراق لحمل رسول الله ليلة واحدة مسيرة شهرين ذهابا وإيابا أعظم من تسخير الريح لسليمان مسيرة شهرين في يوم واحد ذهابا وإيابا فإن الريح سريعة الحركة طبعها الإسراع بما تحملة وأما البراق فالآية فيه أعظم فائدة شق صدر الرسول
شق صدر النبي بتطهير قلبه وحشوه إيمانا وحكمة دليل على أن محل العقل القلب وهو متصل بالدماغ
واستدل بعض الفقهاء بغسل قلبه الطست من الذهب على جواز تحلية المصاحف بالذهب والمساجد وهو في غايه البعد
فإن ذلك كان قبل النبوة ولم يكن ذلك من ذهب الدنيا وكان كرامة أكرام بها من فعل الملائكة بأمر الله وهم ليسوا داخلين تحت تكاليف البشر

وأبعد منه احتجاج من احتج به على جواز انتفاع الرجل بالحرير تبعا لامرأته كالفراش واللحاف والمخدة قال لأن الملك لا حرج عليه والنبي انتفع بذلك تبعا وقد أبعد هذا القائل النجعة وأتى بغير دليل فائدة التحريم والكراهية
الفعل إن كان منشأالمفسدة الخالصة أو الراجحة فهو المحرم فإن ضعفت تلك المفسدة فهو المكروه ومراتبه في الكراهة بحسب ضعف المفسدة هذا إذا كان منشأ للمفسدة وأما إن كان مفضيا إليها فإن كان الإفضاء قريبا فهو حرام أيضا كالخلوة بالأجنبية والسفر بها ورؤية محاسنها فهذا القسم يسلب عنه اسم الإباحة وحكمها
وإن كان الإفضاء بعيدا جدا لم يسلب اسم الإباحة ولا حكمها كخلوة ذي رحم المحرم بها وسفره معها وكنظر الخاطب الذي مقصوده الإفضاء إلى المصلحة الراحجة فإن قرب الإفضاء قربا ما فهو الورع وهو في المراتب على قدر قرب الإفضاء وبعده وكلما قرب الإفضاء كان أولى بالكراهة والورع حتى ينتهي إلى درجة التحريم فائدة ترحيب الملائكة بالرسول
قول الملائكة للنبي الإسراء مرحبا به أصل في استعمال هذه الألفاظ وما ناسبها عند اللقاء نحو أهلا وسهلا ومرحبا وكرامة وخير مقدم وأيمن مورد ونحوها
ووقع الاقتصار منها على لفظ مرحبا وحدها لاقتضاء الحال لها فإن الترحيب هو السعة وكان قد أفضى إلى واسع الأماكن ولم يطلق فيها سهلا لأن معناه وطئت مكانا سهلا والنبي محمولا إلى السماء فائدة تفسير حديث والله لا أحملكم
قول النبي في حديث أبي موسى والله لا أحملكم ولا عندي ما أحملكم عليه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون جملة واحدة والواو واو الحال والمعنى لا

أحملكم في حال ليس عندي فيها ما احملكم عليه ويؤيد هذا جوابه قال ما أنا حملتكم الله حملكم // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي // وعلى هذا فلا تكون هذه اليمين محتاجة إلى تكفير
ويحتمل أن تكون جملتين حلف من إحداهما أنه لا يحملهم وأخبر في الثانية أنه ليس عنده ما يحملهم عليه ويؤيد قوله في الحديث لما قيل له إنك حملتنا وقد حلفت فقال إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ولمن نصر الاحتمال الأول أن يجيب عن هذا بجوابين
أحدهما أن هذا استثناف لقاعدة كان سببها اليمين ليبين فيها للأمة حكم اليمين لا أنه حنث في تلك اليمين وكفرها والجواب الثاني أن هذا كلام خرج على التقدير أي ولو حنثت لكفرت عن يمين وأتيت الذي هو خير والله أعلم فائدة يوسف أوتي شطر الحسن
قول النبي يوسف أوتى شطر الحسن // رواه مسلم وأحمد وغيرهما // قالت طائفة المراد منه أن يوسف اوتي شطر الحسن الذي أوتيه محمد فالنبي بلغ الغاية في الحسن ويوسف بلغ شطر تلك الغاية قالوا ويحقق ذلك ما رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس قال ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم وجها وأحسنهم صوتا والظاهر أن معناه أن يوسف عليه السلام اختص على الناس بشطر الحسن واشترك الناس كلهم في شطره فانفرد عنهم بشطره وحده وهذا ظاهر اللفظ فلماذا يعدل عنه واللام في الحسن للجنس لا للحسن المعين والمعهود المختص بالنبي أدري ما الذي حملهم علي العدول عن هذا إلى ما ذكروه
وحديث أنس لا ينافى هذا بل يدل على أن النبي أحسن الأنبياء وجها وأحسنهم صوتا ولا يلزم من كونه أحسنهم وجها أن لا يكون يوسف

اختص عن الناس بشطر الحسن واشتركوا هم في الشطر الآخر ويكون النبي شارك يوسف فيما اختص به من الشطر وزاد عليه بحسن آخر من الشطر الثاني والله أعلم فائدة اللعانون قول النبي لايكون اللعانون سفعاء ولا شهداء يوم القيامة // رواه مسلم وأبو داود // لأن اللعن إساءة بل من أبلغ الأساءة والشفاعة إحسان فالمسىء في هذه الدار باللعن سلبه الله الإحسان في الآخرى بالشفاعة فإن الإنسان إنما يحصد ما يزرع والإساءة مانعة من الشفاعة التي هي إحسان
وأما منع اللعن من الشهادة فإن اللعن عداوة وهي منافية للشهادة ولهذا كان النبي الشفعاء وشفيع الخلائق لكمال إحسانه ورأفته ورحمته بهم فائدة السر في خروج الخلافة عن أهل بيت النبي
السر والله أعلم في خروج الخلافة عن أهل بيت النبي أبي بكر وعمر وعثمان أن لو تولى الخلافة بعد موته لأوشك أن يقول المبطلون إنه ملك ورث ملكه أهل بيته فصان الله منصب رسالته ونبوته عن هذه الشبهة وتأمل قول هرقل لأبي سفيان هل كان في آبائه من ملك قال لا فقال له لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك ابائه فصان الله منصبه العلي من شبهة الملك في أبائه وأهل بيته وهذا والله أعلم هو السر في كونه لم يورث هو والأنبياء قطعا لهذه ! الشبهة لئلا يظن المبطل أن الانبياء طلبوا جمع الدنيا لأولادهم وورثتهم كما يفعله الإنسان من زهده في نفسه وتوريثه ماله لولده وذريته فصانهم الله عن ذلك ومنعهم من توريث ورثتهم شيئا من المال لئلا تتطرق التهمة إلى حجج الله ورسله فلا يبقى في نبوتهم ورسالتهم شبهة أصلا ولا يقال فقد وليها علي وأهل بيته لأن الأمر لما سبق أنها ليست بملك موروث وإنما هي خلافة نبوة تستحق بالسبق والتقدم كان علي في وقته هو سابق الأمة وأفضلها

ولم يكن فيهم حين وليها أولى بها منه ولا خير منه فلم يحصل لمبطل بذلك شبهة والحمد الله تعالى فائدة بيع عقار اليتيم وطهارة المقبرة
في شراء رجل مسجد المدينة من اليتيمين وجعلها مسجدا
من الفقه دليل على جواز بيع عقار اليتيم وإن لم يكن محتاجا إلى بيعه للنفقة إذا كان في البيع مصلحة للمسلمين عامة لبناء مسجد أو سور أو نحوه ويؤخذ من ذلك أيضا بيعه إذا عوض عنه بما هو خير له منه
وفي نبش قبور المشركين من الأرض وجعلها مسجدا دليل على طهارة المقبرة فإن الصلاة فيها لم ينه عنها لنجاستها وإنما هو صيانة للتوحيد وسدا لذريعة الشرك بالقبور الذي هو أصل عبادة الأصنام كما قال ابن عباس وغيره فائدة جواز الرجوع للكافر في الطب والكتابة
في استئجار النبي الله بن أريقط الدؤلي هاديا في وقت الهجرة // رواه البخاري // وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافرا أن لا يوثق به في شيء أصلا فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة فائده شهادة التقليد
في حديث عبد الله بن جحش أن النبي له كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى

يسير يومين وأن عبد الله امتثل أمره ففتح الكتاب بعد اليومين فقرأه // إسناده مرسل // الحديث فيه من الفقه جواز الشهادة على الكتاب الذي لا يدري ما فيه بل أذا قال هذا كتاب فاشهد علي بما فيه جازت الشهادة وهي مسألة خلاف مشهورة وتسمى شهادة التقليد ويدل عليها أيضا أن النبي يبعث كتبه إلى الملوك والنواحي ولا يقرأها على من يبعثها معه بل يقول هذا كتابي فأوصله إلى فلان
وكذلك عمل به خلفاؤه من بعده وفيه جواز تراخي القبول عن الإيجاب فإن في هذا الكتاب أن اقرأه ولا تكره أحدا فمن أجابك فامض به حتى تنزل نخلة وفيه مسألة بديعة وهي جواز العقد والتولية على أمر مجهول حال العقد يتبين في ثاني الحال فائدة الندم والشفاعة
قو النبي أنشدته قتيلة بنت الحارث شعرها المعروف ترثي به إخاها النضر لو سمعت هذا قبل قتله لم أقتله ليس فيه الندم على قتله فإنه لم يقتله إلا بالحق ولكن كان رحيما يقبل الشفاعة ويمن على الجاني فمعناه لو شفعت عندي بما قالت قبل أن اقتله لقبلت شفاعتها وتركته
وقريب من هذا قوله لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولجعلتها متعة // رواه البخاري ومسلم والنسائي // ليس فيها ندامة على أفضل مما أتى به من النسك فإن الله لم يكن ليختار له إلا أفضل الأنساك وأعلاها ولكن كان لمحبة تآلف قلوب أصحابه وموافقتهم وتطييب نفوسهم بأن يفعل كما فعلوا ود لو أنه مما احلوا ولكن منعة سوق الهدي وعلى هذا فيكون الله تعالى قد اختار له أفضل الأنساك بفعله وأعطاه ما تمناه من موافقة أصحابه وتآلف قلوبهم بنيته ومناه فجمع له بين الأمرين وهذا هو اللائق به صلوات الله تعالى وسلامة عليه

فائدة استشكال في حديث قتل ابن الأشرف
استشكل الناس من حديث قتل كعب بن الأشرف استئذان الصحابة أن يقولوا في النبي // رواه البخاري ومسلم وأبو داود // وذلك ينافي الإيمان وقد أذن لهم فيه وأجيب عنه بأجوبة
أحدها بأن الإكراه على التكلم بكلمة الكفر يخرجها عن كونها كفرا مع طمأنينة القلب وبالإيمان وكعب قد اشتد في اذى المسلمين وبالغ في ذلك فكان يحوض على قتالهم وكان في قتله خلاص المسلمين من ذلك فكان اكراه الناس على النطق بما نطقوا به ألجأهم إليه فدفعوا عن انفسهم بألسنتهم مع طمأنينة قلوبهم بالإيمان وليس هذا بقوى الجواب
الجواب الثاني أن ذلك القتل والكلام لم يكن صريحا بما يتضمن كفرا بل تعريضا وتورية فيه مقاصد صحيحة موهمة موافقة في غرضه وهذا قد يجوز في الحرب الذي هو خدعة
الجواب الثالث إن هذا الكلام والنيل كان بإذنه والحق له وصاحب الحق إذا أذن في حقه لمصلحة شرعية عامة لم يكن ذلك محظورا
فائدة الشروع والنذر
قوله ينبغي لنبي إذا ليس لأمته أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه // حسن // احتج به من يقول أن النوافل تلزم بالشروع وان الشروع فيها جار مجرى

التزامها بالنذر فإن الشروع التزام بالفعل والنذر التزام بالقول والالتزام بالفعل اقوى لأنه الغاية
وفي الاستدلال بالحديث شيء فإن فيه الإشارة إلى الاختصاص بقوله ما ينبغي لنبي ولم يقل ما ينبغي لأحد ولا ما ينبغي لكم فدل على مخالفة حكم غيره له في هذا وأنه من خواصه ويدل عليه انه كان إذا عمل عملا أثبته وداوم عليه ولهذا لما قضي سنة الظهر بعد العصر أثبتها وداوم عليها
وقولهم الشروع التزام بالفعل يقال تعنون بالالتزام إيجابه إياه على نفسه أم تعنون به دخوله فيه
الأول محل النزاع والثاني لا يفيد وبه خرج الجواب عن قولكم الالتزام بالفعل أقوى
وسر المسألة أن الشارع في النافلة لم يلتزمها التزام الواجبات بل شرع فيها نية تكميلها فعلها فعل سائر النوافل وأما الناذر لها فبنذره قد التزم أداءها كما يؤدي الواجبات فافترقا فائدة من شؤم الآباء على الأبناء
عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعية النبي أحد قال بعض العلماء بالإخبار أنه استقرى نسله فلا يبلغ أحد منهم الحلم إلا أبخر وأهتم يعرف ذلك فيهم من شؤم الآباء على الأبناء
واختلف فيما وقع للنبي هذا ونحوه فقيل هو قبل نزول قوله والله يعصمك من الناس وقيل العصمة الموعود بها عصمة النفس من القتل لاعصمته من أذاهم بالكلية بل أبقى الله تعالى لرسوله ثواب ذلك الأذى ولأمته حسن التأسي به إذا أوذي أحدهم نظر إلى ما جرى عليه وصبر وللمؤذين الأشقياء الأخذة الرابية فائدة التفدية قيل إنما فدا النبي بأبويه // رواه البخاري مسلم والترمذي // لما ماتا عليه واما الأبوان المسلمان

فلا يجوز أن يفدي بهما ولهذا لا يحتاج إليه فإن التفدية نقلت بالعرف عن وضعها الأول وصارت علامة على الرضى والمحبة وكأنه قال أفعل كذا مغبوطا مرضيا عنك فائدة عسى من الله واجب
في حديث ابا لبابه لما بلغ النبي قال لو أتاني لاستغفرت له وإذا فعل فلست اطلقه حتى يطلقه الله فأنزل الله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم إلى قوله عسى الله أن يتوب عليهم فأطلقه النبي // صحيح // وفي هذا ما يدل على صحة قول المفسرين أن عسى من الله واجب وفيه أن فاطمة جاءت تحله فقال لا إلا رسول الله فقال فاطمة بضعة مني // صحيح //
فإن قيل فهل يبر الحالف بمثل هذا لو اتفق اليوم
قيل لا إما لأنه مختص بالنبي لأن فاطمة بضعة منه قطعا والله أعلم فائدة إطلاق السيد على البشر
اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر فمنعه قوم ونقل عن مالك واحتجوا بأنه قبل له يا سيدنا قال إنما السيد الله // صحيح // وجوزه قوم واحتجوا بقول النبي قوموا إلى سيدكم وهذا اصح من الحديث الأول

قال هؤلاء السيد أحد ما يضاف الله فلا يقال لتميمي أنه سيد كندة ولا يقال لمالك أنه سيد البشر قال وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الإسم وفي هذا نظر فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق والله سبحانه وتعالى أعلم فائدة حكم ومواعظ وعبر
وأخلاق كأخلاق الزجاج ... دققت بها فصارت كالزجاج
إلى أن عدن لي علا وماء ... كذلك يكون عاقبة العلاج
الأول جمع زج وهو نصل الرمح والثاني القوارير ...
ما أنت أول سار غرة قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاربأ بنفسك عني إنني رجل ... مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترنى
وقال غيره
إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت ... عن الماء فاشتاقت إليها المناهل
وترجع أعقاب الرماح سليمة ... وقد حطمت في الدار عين العوامل
من أراد من العمال أن ينظر قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه
وحدث زيد وما رأى الرسول وكفر ابن أبي وقد صلى معه القبلتين لما تقدم اختبار الطين المنهبط صعد علىالنار المرتفعة فكانت الغلبة لآدم في حرب إبليس
سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسبق تابوته إلى بيتها فجاء طفل بلا أم إلى امراة بلا ولد يا من هو من جملة عسكر الرسول أيحسن بك كل يوم هزيمة
الحيوانات تذل في طلب القوت والفيل يتملق حتى يأكل
إن كان يوجب صبري رحمتي فرضى ... بسوء حالي وحل للضنا بدني
منحتك القلب لا أبغي به ثمنا ... إلا رضاك وافقري إلى الثمن
وقال
أحسن بأطراف النهار صبابة ... وبالليل يدعوني الهوى فأجيب

وقال غيره
سأتعب نفسي أو أصادف راحة ... فإن هوان النفس أكرم للنفس
يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك إنما خلقت الأكوان كلها لك يا من غذي بلبان البر وقلب بأيدي الألطاف كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة صورة وأنت المعنى وصدف وأنت الدر ومخيض وأنت الزبد
منشور اختيارنا لك واضح الخط ولكن استخراجك ضعيف متى رمت طلبي فاطلبني عندك
ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي إنما ابعدنا إبليس لأنه لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك فواعجبا كيف صالحته وتركتنا وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا
لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك
عجب ربنا من رجل ثار عن وطائه ولحافه إلى صلاته تأمل معنى ثار ولم يقل قام لأن القيام قد يقع بفتور فأما الثوران فلا يكون إلا بإسراع حذرا من فائت ما
انتفع آدم في بلية وعصى بكمال وعلم ولا رد عنه عز
وإنما خلصة ذل ربنا ظلمنا أنفسنا لما عشقت للبلاء به الشجر تعلقت طلبا للعناق فقيل لها مع الكثافة لا يمكن فرضيت بالتحول والتفت
تلق قلبي فقد أرسلته عجلا ... إلى لقائك والأشواق تقدمه
ولا تكلني على بعد الديار إلى ... صبري الضعيف فصبري أنت تعلمه
وقال الشاعر
إذا لم يكن بيني وبينك مرسل ... فريح الصبا مني إليك رسول
ملؤوا مراكب القلوب متاعا لا ينفق إلا على الملك فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب قطعوا بادية الهوى بأقدام الجد فما كان إلا القليل حتى قدموا من السفر فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الأبد
فرغ القوم قلوبهم من الشواغل فضربت فيها سرادقات المحبة فأقاموا العيون تحرس تارة وترسق الأرض أخرى

سرادق المحبة لا تضرب إلا في قاع فارغ نزه ...
فرغ لي بيتا اسكنه أعرف مقدار ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت ...
لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المآثم على بعدك ...
لو استنشقت ريح الاسحار لأفاق قلبك المخمور ...
من استطال الطريق ضعف مشيه ...
وما انت بالمشتاق إن قلت بيننا ... طوال الليالي أو بعيد المفاوز
أما علمت أن الصادق إذا هم ألقى بين عينيه عزمة ...
إذا نزل آب في القلب سكن آذار في العين ...
من قبل فم اللذة لا ينكر عض اسنان الندامة ...
هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بمسع الملك ...
فيقك قيسي وأنت يماني ...
إذا كنت كلما لاحت لك شهوة طفيل العرائس فانتظر قبله وضاح اليمن ...
من لاح له كمال الآخرة هان عليه فراق الدنيا ...
إذا لاح للباشق الصيد نسي مألوف الكف ...
يا اقدام الصبر احملى بقي القليل ...
تذكر حلاوة الوصال يهين عليك والمجاهدة ...
قد علمت أين المنزل فأحد لها كسر ...
قال أبو يزيد ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكى حتى سقتها إلية وهي تضحك
الهمة العلية من استعد صاحبها للقاء الحبيب وقدم التقادم بين يدي الملتقي فاستبشر عند القدوم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه
الجنة ترضى منك بأداء الفرائض والنار تندفع عنك بترك المعاصي والمحبة لا تقنع منك إلا ببذل لروح إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم

بدم المحب يباع وصلهم ... فمن الذي يبتاع بالثمن
لله ما أحلى زيارة تسعى بها اقدم الرضا على أرض الاشتياق
زرناك شوقا ولو أن النوى بسطت ... فرش الفلا بيننا جمرا لزرناك
ماسافر الخليل سفرا ولا سلك طريقا أطيب من الفلاة التي دخلها حين خرج من كفة المنجنيق
رآه جبريل قد ودع بلد العادة فظن ضعف التوكل فعرض عليه زاد ألك حاجة فرده بأنفه أما إليك فلا لما تكامل وفاؤه ما أمر به جاءته خلعته وإبراهيم الذي وفى
قالت لطيف خيال زارها ومضى ... بالله صفة ولا تنقص ولا تزد
فقال خلفته لو مات من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت صدقت الوفا في الحب شيمته ... يا برد ذاك الذي قالت علي كبدي
وقال غيره
إن قومي بانوا فرقوا بينه وبيني ... فإذا كنت أنا الرهن فمن يقبض ديني
وقال غيره
وكم مغرم بين تلك الخيا ... م تحسبه بعض اطنابها
للنفس حظ وعليها حق فلا تميلوا كل الميل وزنوا بالقسطاط المستقيم
وإن رأيتم منها فتورا فاضربوها بسوط الهجر في المضاجع فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا
ارفقوا بمطايا الأبدان فقد ألفت الترف ولا تضاورهن لتضيقوا عليهن
إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تحملوا علىالنفوس فوق الطاقة إلى أن تتمكن المحبة فلها حينئذ حكمها
شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشوق
من تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة
يا معرقلا في شرك الهوى حموة عزم وقد خرقت ! الشبكة لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم أي تصرف بقى لك في قلبك وهو بين اصبعين
يا منقطعين عن القوم سيروا في بادية الدجى وافتحوا بوادي الذل فإذا فتح باب

للواصلين فدونكم فاهجموا هجوم اللوانين وتصدق علينا لعل هاتف الرحمة يقول لا تثريب لله ملك السموات والأرض
واستقرض منك حبة فبخلت بها وخلق سبعة أبحر واستقرض دمعة فقحطت عينك بها
إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور والقلب كعبة وما يرضى المعبود بمزاجمه الأصنام
لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن غير أن زوبعة الهوى إذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة
تدور عينك على المحرمات كأنه قد ضاع منك شيء
وراحل همتك في الهوى ما تحمل لها قتب إن قهر نفسك حب الفاني فذكرها العيش الباقي فإن أبت إلا ببيع الغبن فاحجر عليها حجر السفينه وغط بصر باشقك إلى أن ينسى ما رأى واغسل باطن عينيك بطهور المدامع وكلما تذكرت ما أبصرت فاطرق بدمعة لعل فرط البكاء يدفع فساد البصر فيصلح لرؤية الحبيب
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها المدامع
وتسمع منها لفظة بعدما جرى ... حديث سواها في خروق المسامع
وقال غيره
إذا لم أنل منكم حديثا ونظرة ... إليكم فما نفعى بسمعي وناظري
تزينت الجنة للخطاب فجدوا في تحصيل المهور
تعرف رب العزة للمحبين فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف ما يساوى ربع الدينار خجل الفضيحة فكيف بألم القطع
المعرفة بساط لا يطأ عليه إلا مقرب والمحبة نشيد لا يطرب عليها إلا محب مغرم والحب غدير في صحراء ليس عليه جادة فلهذا قل وراده
المحب يهرب إلى العزلة والخلوة بمحبوبة والتعلق بذكره كهرب الحوت إلى الماء والطفل إلىأمه

وأخرج من بين البيوت لعلني ... احدث عنك النفس بالسر خاليا
لو رأيت المحبين في الدجى تمر عليهم زمر النجوم مر الوصائف إلى أن تقبل هوادج هل من سائل فينثرون عليه الأرواح نثر الفراش على النار
ليس للعابدين مستراح إلا تحت شجرة طوبى ولا للمحبين قرار إلا يوم المزيد فمثل لقلبك الاستراحة تحت شجرة طوبى يهن عليك النصب واستحضر يوم المزيد يهن عليك ما تتحمل من أجله
كنوز الجواهر مودعة في مصر الليل فتتبع آثار المحبين لعلك تظفر بكنز
انت طفل في حجر العادة مشدود بقماط الهوى فما لك ولمزاحمة الرجال
أين أنت والمحبة وأنت أسير الحبة
تمسكت بالدنيا تمسك الرضيع بالظئر والقوم ما أعاروها الطرف
اف لبدوي لا يطربه ذكر حاجر
انقسم الصالحون عند السباق فمنهم من أخذه القلق فكان يقول ويل لي إن لم يغفرها انا أمضي إلى النار أو يغفر ومنهم من غلبه عليه الرجاء كبلال الحبشي كانت زوجته تقول واحزناه وهو يقول واطرباه غدا ألقي الأحبة محمدا وحزبه
واها لبلال علم أن الإمام لا ينسى المؤذن
اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت
دق كؤوس الرحيل فسار الركب وتأهبوا للمسير وعكمت أحمال الزاد وسار رفقة المجدين وأنت في الرقدة الأولى بعد كيف تطيق السهر مع الشيع أم كيف تزاحم أهل العزائم بمناكب الكسل
هيهات ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب
وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع المحبوب ميدان
لو رأيت أهل القبور في وثاق الأسر فلا يستطيعون الحركة إلى نجاة وحيل بينهم وبين ما يشتهون
يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه ليس في أعدائك أشد شرا عليك منك
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه

وقال غيره
هذا المحب لديك فانظر هل ترى ... قلبا فإن صادفت قلبا فاعذل
غاية العاذل إيصال اللوم إلي الأذن فأما القلب فلا سبيل له إليه
سفر الليل لا يطيقه إلا مضمر المجاعة
تمر النجائب في الأول وحاملات الزاد في الآخر ولو وردت ماء مدين لوجدت عليه أمة من الناس يسقون
إقبال الليل عند المحبين كقميص يوسف في أجفان يعقوب
لو أحببت المخدوم حضر قلبك في خدمته
فيا دارها بالحزن إن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
العروس تلبس عند العرض تحت الثياب شعار الخوف من الرد وفوق الثياب حلة الانكسار وحمرة الخجل تغنيها عن تخمير مستعار لأنها لا تدري على ماذا تقدم فكيف يسكن من لا يعرف العواقب
مداراة قيس ممكن ولكن لا مع ذكر ليلى
انقسم العباد ثلاثة اقسام فمنهم من لاحظ الحصاد فزاد في البذر ومنهم من رأى حق المخدوم فقام بادائه ومنهم من خدم حبا وشوقا فتلذذ بالخدمة وهذه الخدمة لا ثقل لها لان محركها الحب وغيرها ثقيل على البدن
نوق ابدان المحبين لا تحس بالنصب وأسماعها مشغولة بصوت الحادي وقلوبها معلقة بالمنزل
من عبده خوفا أمنه ومن عبده رجاء أعطاه أمله ومن عبده حبا فلا تعلم نفس ما أخفي لها
يراها بعين الشوق قلبي على النوى ... فتحظى ولكن من لعيني برؤياها
وهبكم منعتم أن يراها بعينه ... فهل تمنعون القلب أن يتمناها
كم دخل المجلس عاص في باطنه باطية خمر فما زالت تعمل فيها حدة شمس التذكير حتى انقلبت خلا فحلت
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقى نشركم فيطيب

فائدة في فقه اللغة
حلي الشيء في عيني وحلي في فمي الحذف بالعصا والخذف بالحصا حسر عن رأسه وسفر عن وجهه وافتر عن نابه وكشر عن أسنانه وأبدى عن ذراعيه وكشف عن ساقيه مائدة لما عليها الطعام وخوان لما لا طعام عليه عرق العظم عليه اللحم وعراق جمعه وبدون اللحم عظم كأس لما فيه شراب وبدونه زجاجة وإناء وقدح كوز لذي العروة وبدونها كوب رضاب للريق في الفم فإذا انفصل فبصاق أريكة السرير عليه قبة وبدونا سرير خدر للخباء فيه المرأة وبدونها ستر ظعينة للمرأة في الهودج قلم للمبرى وبدون بريه أنبوب عهن للصوف المصبوغ وبدون صبغه صوف وقود للحطب المشتعل نارا وبدونها حطب ركية للبئر ذي الماء وراوية للإبل حاملات الماء سجل للدلو فيها الماء فإذا ملئت فهي ذنوب ودلو بدونهما نفق إذا كان له منفذ وبدونه سرب نعش للسرير عليه الميت وبدونه سرير خاتم لذي الفص وبدونه حلقة رمح لذي الزج وبدونها قناة لطيمة الإبل التي تحمل الطيب والبز خاصة وحمولة لحاملات الأمتعه وبدنة للمهداة هضبة للحمراء من التلول غيث للمطر في إبانه وإلا فمطر الفرق البغض بين الزوجين خاصة الشيم نظير البرق وحده الناعية الصائحة على الميت خاصة والإباق هرب العبد خاصة القتار ريح الشواء خاصة القذف الشتم بالزنا خاصة لا يؤوبه به وله وأما إليه فمن لحن الخاصة ينفل بالكسر والضم ويفسق مثله آسيتك وواكلتك وآخيتك وحكى أبو عبيد واسيتك بالواو فيهن وليس إذا من لحن الخاصة وله وجه في العربية فإنهم يقولون أواسيه بقلب الهمزة واوا في المستقبل فأعطوها ذلك في الماضي لا يقال أقلبه إلا في موضع واحد قلبت الخبز إذا حان وقت قلبها القوة الماسكة ليس بغلط كما زعم طائفة لأنه قد ورد مسك ثلاثي تعس بفتح العين ما أعطي أحد النصف فأباه إلا أخذ أقل منه
اعجبني الشيء يراد به معنيان
أحدهما سرني وهو من الإعجاب والثاني بمعنى دعاني إلى التعجب منه فتقول عجب يعجب معدي بالهمزة قال كعب بن زهير
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
فأعجبني هنا من العجب لا من الإعجاب فتقول أعجبني وما أعجبني بالاعتبارين

يتحدر في قراءته يسرع ويهدر يهتاج في قراءته مع علو صوته فيها من قولهم هدر الفحل إذا هاج وهدر الحمام وهدرت الضفادع فليس من لحن العامة إذا حلت الشمس بالشرطين بفتح الشين والراء وضمهما لحن يقال عنيت في كذا فأنا عان فيه وعنيت بالضم بها وعنيت بالفتح أي قصدت تقول عنيت كذا أي قصدته غير معدي بالباء فهذا من القصد وأما من العنا فإنما يقال معنى وأما من العناية فإنما يقال عني به مبني للمفعول

فصل أسماء بعض الرجال وأسماء آبائهم
بلال بن حمامة وأبوه رباح ابن ام مكتوم وأبوه عمرو بشر بن الحصاصة وأبوه معبد الحارث بن الرضا وأبوه مالك خفاف بن ندية وابوه عمير شرحبيل بن حسنة وأبوه مالك مالك بن نميلة وأبوه ثابت معاذ ومعوذ إبني عفرا وأبوهما الحارث يعلى بن منبه وأبوه أمية عبد الله بن بحينة وأبوه مالك فصل
إسماعيل بن علية وأبوه إبراهيم منصور بن صفية وأبوه عبد الرحمن محمد بن عائشة وأبوه حفص إبراهيم بن هراشة وأبوه سلمة محمد بن عثمة وأبوه خالد فصل
عطاء عن أبي هريرة في كل صلاة قراءة وعطاء مرفوعا لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن فذكر الخلفاء الأربعة وعطاء عنه مرفوعا إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وعطاء عنه أن النبي سجد في اقرأ باسم ربك وعطاء عنه مرفوعا ذا مضى ثلث الليل يقول الله تعالى ألا داع فالأول ابن أبي رباح والثاني الخراساني والثالث ابن يسار والرابع ابن ميناء والخامس مولى أم صفية

عمرة أنها دخلت مع امها على عائشة فسألتها ما سمعت رسول الله يقول في الفرار من الطاعون قالت سمعته يقول كالفرار من الزحف
وعمرة عن عائشة سمعت رسول الله ينهي عن الوصال الأولى بنت عبد الرحمن الثانية بنت قيس العدوية الثالثة بنت أرطأة الرابعة يقال لها الصاحية
حماد عن ثابت عن أنس سمع النبي في النخل صوتا الحديث

حماد عن ثابت عن أنس رأى رسول الله على عبد الرحمن صفرة الحديث
حماد عن ثابت عن أنس يرفعه مثل أمتي كالمطر الأول ابن سلمة الثاني ابن زيد الثالث الأشج

قتادة يروي عن عكرمة مولي ابن عباس وعن عكرمة بن خالد ضعيف
وكيع يروي عن النضر بن عدي ثقة وعن النضر بن عبد الرحمن ضعيف حفص ابن غياث يروى عن أشعث بن عبد الرحمن ثقة وعن اشعث بن سوار ضعيف موسى بن عبيدة الزبدي كان أخوه عبد الله بن عبيدة أسن منه بثمانين سنة طالب أسن من عقيل بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر وجعفر أسن من علي بعشر
يزيد وزياد ومدرك بنو المهلب بن أبي صفرة ولدوا في عام واحد وقتلوا في عام واحد

وعاش كل منهم ثمانيا وأربعين سنة أربعة أنفس ولد كل منهم مائة ولد أنس بن مالك وعبد الله بن عمر الليثي وخليفة السعدي وجعفر بن سليمان الهاشمي علي بن الحسين وعلي بن عبد الله بن عباس وعلي بن عبد الله جعفر بنو عم ولكل منهم ابن اسمه محمد والكل أشراف والكل علماء والكل أخيار

فصل الإنسان خليفة الله في الأرض
الله سبحانه مهد الأرض لآدم وذريته قبل خلقه فقال إني جاعل في الأرض خليفة وقضى أن يعرفه قدر المخالفة وأقام عذره بقوله فأزلهما الشيطان وتداركه برحمة بقوله ثم اجتباه ربه يا آدم لا تجزع من كأس خطا كان سبب كيسك فقد استخرج منك داء العجب وألبسك رداء العبودية لو لم تذنبوا
لا تحزن بقولي لك اهبطوا منها فلك خلقتها ولكن اخرج إلى مزرعة المجاهدة واجتهد في البذر واسق شجرة الندم بساقية الدمع فإذا عاد العود أخضر فعد لما كان منصب الخلة
وهو منصب لا يقبل المزاحمة بغير المحبوب وأخذ الولد شعبة من شعاب القلب غار الحبيب على خليله أن يسكن غيره في شعبة من شعاب قلبه فامره بذبحه فلما أسلم للامتثال خرجت تلك المزاحمة وخلصت المحبة لأهلها فجاءته البشرى وفديناه بذبح عظيم ليس المراد أن يعذب ولكن يبتلى ليهذب ليس العجب من أمر الخليل بذبح الولد إنما العجب من مباشرة الذبح بيده ولولا الاستغراق في حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور فلذلك جعلت آثارها مثابة للقلوب تحن إليها أعظم من حنين الطيور إلى أوكارها موقف لوط من شذوذ قومه
قول لوط لقومه يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد يجمع أنواعا من الاستعطاف
أحدها خطابهم بخطاب الناصح المشفق بقوله يا قوم ولم يقل يا هؤلاء

الثاني عرضه بناته عليهم بقوله هؤلاء بناتي
الثالث تنجيز ذلك بالإشارة بلفظ الحضور
الرابع ترغيبه فيهن لطهارتهن وطيبهن
الخامس تذكيرهم بالله تعالى بقوله فاتقوا الله
السادس المطالبة بحفظ الذمام وترك الأذى بقوله ولا تخزون
السابع التوبيخ الشديد بقوله أليس منكم رجل شديد حكم ومواعظ وعبر
لما تمكن الحسد من قلوب إخوة يوسف عليه السلام أرى المظلوم مآل الظالم في مرآة إني رأيت أحد عشر كوكبا
شكرك لا يساوي قدر قوتك
لا كانت دابة لا تعمل بعلفها
متى رأيت العقل يؤثر الفاني على الباقي فاعلم أنه قد مسخ
ومتى رأيت القلب قد ترحل عنه حب الله والاستعداد للقائه وحل فيه حب المخلوق والرضا بالحياة الدنيا والطمأنينة بها فالعلم أنه قد خسف به
ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب وأبعد القلوب من الله القلب القاسي
ومتى رأيت نفسك تهرب من الأنس به إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصلح له
ومتى رأيته يستزيد غيرك وأنت لا تطلب ويستدني سواك وأنت لا تقرب
فإن تحركت لك قدم في الزيارة تخلف قلبك في المنزل فاعلم أنه الحجاب والعذاب مزاج الإيمان منحرف عن الصحة ونبض الهوى شديد الخفقان
تحكمت أخلاط الشهوات في أعضاء الكسل فثبطت عن الحركة فتولدت الأمراض المختلفة هذا وما يسهل عليك شرب مسهل فإن تداركت المرض وإلا قتل
لو احتميت ساعة لم تحتج إلى معالجة الدواء مدة
من ركب ظهر التفريط والتواني نزل به دار العسرة والندامة

ربك يحب حياة نفسك وأنت تريد قتلها
يريد بك اليسر وأنت تريد العسر
يريد بها الكرامة وأنت جاهد في إهانتها
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
من أدلج في غياهب الليل على نجائب الصبر صبح منزل السرور
ومن نام على فراش الكسل أصبح ملقى بوادي الأسف
الجد كله حركة والكسل كله سكون
فتورك عن السعي في طلب الفضائل دليل على تأنيث العزم
إذا أردت أن تعرف الديك من الدجاجة وقت خروجه من البيضة فعلقه بمنقارة فإن تحرك فديك وإلا فدجاجة
الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج فلذلك عيب عشاقها
ميزت بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودها ... فكأنما حلفت لنا أن لا تفي
ما حظي الدينار بنقش اسم الملك فيه حتى صبرت سبيكته على الترداد على النار فنفت عنها كل خبث ثم صبرت علي تقطيعها دنانير ثم صبرت على ضربها على السكة فحينئذ يظهر عليها رقم النقش فكيف يطمع في نقش كتب في قلوبهم الإيمان من كله خبث
مكابدة البادية تهون عند ذكر البيت المضحي بوادي الجوع والمعشي بوادي السهر إلى ان تلوح أعلام المنزل
إذا ونت الركاب في السير فبثوا حداة الغزم في نواحيها يطيب لها السرى
إذا حال غيم الهوى بين القلوب وبين شمس الهدى تحير السالك
الحيوان البهيم يتأمل العواقب وأنت لا ترى إلا الحاضر
ما تكاد تهتم بمؤونة الشتاء حتى يقوى البرد ولا بمؤونه الصيف حتى يقوى الحر والذر يدخر الزاد من الصيف لأيام الشتاء
وهذا الطائر إذا علم أن الأنثى قد حملت أخذ ينقل العيدان لبناء العش قبل الوضع أفتراك ما علمت قرب رحيلك إلى القبر فهلا بعثت فراش من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون

وهذا اليربوع لا يتخذ بيتا إلا في موضع صلب ليسلم من الحافز ويكون مرتفعا ليسلم من السيل ويكون عند أكمه أو صخرة لئلا يضل عنه ثم يجعل له ابوابا ويرقق بعضها فلا ينقذه فإذا أتى من باب مفتوح دفع برأسه ما رق من التراب وخرج منه وأنت قد ضيقت على نفسك الخناق فما أبقيت للنجاة موضعا
النفس كالعدو إن عرفت صوله الجد منك استأسرت لك وإن أنست عنك المهانة أسرتك أتمنعها ملذوذ مباحاتها ليقع الصلح على ترك الحرام فإذا احتجت لطلب المباح فإما منا بعد وإما فداء
الدنيا والشيطان عدوان خارجان عنك والنفس عدو بين جنبيك
من سنة الجهاد قاتلوا الذين يلونكم
أليس المبارك بالمحاربة كالكمين الذي يطلع عليك من حيث لا تشعر
أقل ما تفعل النفس معك أنها تمزق العمر بكف التبذير والبطاله اخل معها في بيت الفكر سويعة ثم انظر هل هي معك أو عليك ثم عاملها بما تعامل به واحدا منهما
من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه
سينقشع غيم التعب عن فجر الآخرة
كم صبر بشر عن شهوة حتى سمع كل يا من لم يأكل
يامن حسد سجاف نعم العبد على قبة ووهبنا له حتى وصل على قدر إنا وجدناه صابرا
كيف يفلح من يشكو الليل إلى ربه من طول يومه والنهار من قبيح فعله
كيف يفلح من هو جيفة بالليل قطرب بالنهار ينصب بميزان البخس ومكيال التطفيف والقدر ثالثة الأثافي
لو فكر الطائر في الذبح ما حام حول القمح
لولا صبر المضمرات على قلة العلف ما قيل لها سوابق
مما أضر بأهل العشق أنهم ... هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى نفوسهم شوقا وأعينهم ... في إثر كل قبيح وجهه حسن

تحمل حميلكم كل رابحة ... فكل بين على اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض ... إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
سهرت بعد رحيل وحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الوسن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام تصحب فيه روحك البدن
فما يديم سرورا قد سررت به ... لا يرد عليك الغائب الحزن
إذا لم تكن من أنصار الرسول فتناول الحرب فكن من حراس الخيان فإن لم تفعل فكن من نظارة الحرب الذين يتمنون الظفر للمسلمين ولا تكن الرابعة فتهلك إذا رأيت الباب مسدودا في وجهك فاقنع بالوقوف خارج الدار مستقبلا الباب سائلا مستعطيا فعسى ولكن لا تول ظهرك وتقول ما حيلتي وقد سد الباب دوني
لما نادي منادي الأفضال من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها سارت نجائب الأعمال قام الجزاء يصيح بالدليل ولولا أن ثبتتك فقال ما منكم من ينجيه عمله إن لم تقدر على مشارع أرباب العزائم فرد باقي الحياض فمن لم يكن عنده ابن لبون قبلت منه ابنة مخاض
لا تحتقر معصية فكم أحرقت شررة
أما عرفت سر ولا تقربا هذه الشجرة
لو قنع آدم لاكتفى ولكن المحنة كانت في الشرة
الخلوة شرك لصيد المؤانسة
أخفى الصيادين شخصا وأقلهم حركة أكثرهم التقاط للصيد
ما صاد هرنوا أي صوت
أبدا نفوس العاشقين ... إلى ربوعكم تحن
وكذا القلوب بذكركم ... بعد المخافة تطمئن
وقال غيره
طلولي إذا يشكو إليها متيم ... شكا غير ذي نطق إلى غير ذي فهم
وقال غيره

وأنما عمر الفتى سوق له ... يصدر عنه غانمأأو خاسرا
قال غيره
تراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تخفي ذاهبات
كروعة ثلة لظهور ذئب ... فلما غاب عادت راتعات
خذ نفسك بالعزائم لا ترخص
حائط الباطن خراب فعلام أذا تجصص
العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة
الجهل والبطالة توأمان أمهما إيثار الكسل
أيها المعلم تثبت على المبتدى وقدر في السر فللعالم رسوخ وللمتعلم قلق
ويا أيها الطالب تواضع في الطلب فإن التراب بيننا هو تحت الأخمص صار طهورا للوجه
تجلى عليك عروس المعرفة ولكن علي غير كفؤ
وإنما يحل النظر إذا كان العقد جائزا
فغض الطرف إنك من نمير
ليس العالم شخصا واحدا العالم عالم تصانيف
العالم أولاده المخلدون دون أولاده
من خلق للعلم شف جوهره من الصغر
طول الشهر مفض إلى طيب المرقد والهوان في ظل الهوينا كامن
وجلالة الأخطار في ركوب الأخطار
مياه المعاني مخزونة في قلب العالم يفتح منها للسقي سيحا بعد سيح ويدخر أصفاها لأهل الصفا فإذا تكاثرت عليه نادى للسبيل فيبقي علمه سيح ولهذا يتضاعف عليه زكاة الشكر
كل وقت تسافر بضائع فكره من مدينة قلبه إلى قلوب الطالبين فينادي عليها دلال لسانه وهو يعرضها في مواسم النصح على تجار الطلب والإرادة من يشترى حكمه وعلما بتخيير الثمن

فيا من يرى علو تلك المرتبة لا تنس الدرج
كم خاض بحرا ملحا حتى وقع بالعذب وكم تاه في مهمه قفر حتى سمى بالدليل وكم أنض مراكب الجسم وفض شهوات الحس وواصل السرى ليلا ونهارا وأوقد نار الصبر في دياجي الهوى فإن وثقتم بأمانته فهذا تخبير السرى
الدنيا تفوق سهامها نحو بنيها وتقول خذوا حذركم فلهذا دم قتلاها هدر
غاب الهدهد عن سليمان ساعة فتوعده فيا من أطال الغيبة عن ربه هل أمنت غضبه تخلف الثلاثة عن الرسول في غزوة واحدة فجرى لهم ما سمعت فكيف بمن عمره في التخلف عنه
إذا سكر الغراب بشراب الحرص تنقل بالجيف فإذا صحا من خماره ندم على الطلل خالف موسى الخضر في طريق الصحبة ثلاث مرات فحل عقدة الوصال بيد هذا فراق بيني وبينك أفما تخاف يا من لم يف لربه قط أن تقول في بعض زلاتك هذا فراق بيني وبينك
أعظم عذاب أهل جهنم جهلهم بالمعذب
لو صحت معرفتهم بما لمالك هنالك لما استغاثوا بمالك يا مالك
وقع بينهم شخص ليس من الجنس كان في باطنه ذرة من المعرفة فكلما حملت عليه النار اتقاها بدرع يا حنان يا منان
كان موته في المعاصي سكن فقبر في جهنم فلما تحرك الروح في الباطن أخرج من القبر
حرص العصفور يخنقه وقنع العنكبوت في زاوية الضعف يسوق إليها الذباب قوتا لها
رب ساع لقاعد
أرسلت قلبك مع كل مطلوب من الهوى ثم تبعث وراءه وقت الصلاة فربما لا يلقاه الرسول فتصلي بلا قلب
خلفت قلبك في الأظغان إذ نزلت ... بالمازمين غداة النفر بالنفر
ورحت تطلب في أرض العراق ضحى ... ما ضاع عند مني فاعجب لذا الخبر
لما طرقنا مني كان الفؤاد معي ... فضل عني بين الضال والسمر

بأرجل العيس تنبيك الرمال فما ... امشي بوجدي غذا إلا على الأثر
يا من فقد قلبه لا تيأس من عودة
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
الهوى قاطن والصواب خاطر وطرد القاطن صعب وإمساك الخاطر أصعب
إنك لم تزل في حبس فاول الحبوس صلب الأب والثاني بطن الأم والثالث القماط والمهد والرابع المكتب والخامس الكد على العيال والسادس مرض الموت والسابع القبر فإن وقعت في الثامن نسيت مرارة كل حبس تقدم
ادخل حبس التقوى باختيارك أياما ليحصل لك الإطلاق على الدوام ولا تؤثر إطلاق نفسك فيما تحب فإنه يؤثر حبس الأبد
العذل على حمل العشق علاوة ومريخ قطب الشم يوجده فروى له خبر التعذيب فعرضا متى تركت المعصية وما حللت عقد الإصرار لم يفد شيئا كما لو سكن المرض من غير استفراغ فإنه على حاله إن لم يتحقق قصد القلب لم يؤثر النطق شيئا
يمين المكره لا تنعقد ويحك نفسك سلعتك وقد استامها المشترى بأفخر الثمن فاجهد في إصلاح عيوبها لعلة يرضي بها
منام المنى أضغاث ورائد الأمال كذوب ومرتع الشهوات وخيم
العجز شريك الحرمان التفريط مصائب الكسل
قفل قلبك رومي ما يقع عليه غش
متى خامر من جنود عزمك عليك واحد لم يأمن قلبك الهزيمة عليه
وإذا كان في الأنابيب خلف وقع الطيش في رؤوس الصعاد
كمن قيما على جوارحك ورعيتك إذا وفيتها الحظوظ فاستوف منها الحقوق
تأمل قوله تعالى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى كيف شرك بينهما في الخروج وخص الذكر بالشقاء لاشتغاله بالكسب والمعاش والمرأة في خدرها
تزود من الماء القراح فلن يرى ... بوادي الغضا ماء نقاحا ولا بردا
فهل من نسيم البان والرند نفحة ... فهيهات واد ينبت البان والرندا
وكر إلى نجد بطرفك إنه ... متى تسر لا تنظر عقيقا ولا نجدا

انظر يمنه فهل ترى محنة ثم اعطف يسرة فهل ترى إلا حسرة أم الربع العامر فدرس وأما أسر الممات فغرس وأما الراكب فكبت به الفرس ساروا في ظلم ظلامتهم فما عندهم قبس وقفت بهم سفن نجاتهم لأن البحر يبس وانقلبت تلك الدور كلها في تعس وجاء منكر بآخر سبأ ونكير بأول عبس أفلا يقوم لنجاته من طال ما قد جلس
يا نفس ما هي إلا صبر أيام ... كأن مدتها أضغاث أحلام
يا نفس جودي عن الدنيا ولذتها ... وخل عنها فإن العيش قدامي
ألا يصبر طائر الهوى عن حبة مجهوله العاقبة وإنما هي ساعة ويصل إلى برج أمنة وكم فيه من حبة
وإن حننت للحمى وروضة ... فبالفضا ماء وروضات أخر
حامل الكتب من الطير أقوى عزيمة فلعل وضعك على غير الاعتدال
لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل ولا الهمة العالية إلا في نفس نفيسة
إذا حمل الطائر الرسالة صابر العزيمة ولازم بطون الأوديه فإن خفيت عليه الطريق تنسم الرياح وتلمح قرص الشمس وتستر وهو مع شدة جوعه يحذر الحب الملقى خوفا من دفينة فخ توجب تعرقل الجناح ويضيع ما حمل فإذا بلغ الرسالة اطلق نفسه في أغراضها داخل البرج
فيا حاملي كتب الأمانه أكثركم على غير الجادة وما يستدل منكم من قد راقه الحب فنزل بما حمل فارتهن وربح فيسلم تعرقل جناحه وينتظر الذبح فلا الحبة حصلت ولا الرسالة وصلت
قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
فلا في الليل نالت ما تمنت ... ولا في الصبح كان لها سراح
لو صابرتم مشقة الطريق لانتهي السفر فتوطنتم مستريحين في جنات عدن يا مهملين النظر في العواقب أسلفوا في وقت الرخص فما يؤمن تغير الأسعار لا ترم بسهام النظر فإنها والله فيك تقع رب راع مقلة أهملها فأغير على السرح
كل الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت قلب ناظرها ... فعل السهام بلا قوس ولا وتر

وقال غيره
وأرى السهام نام من يرمي بها ... فعلام سهم للخط يصمى من رمي
اعرف قدر لطفه بل وحفظه لك
إنما نهاك عن المعاصي حماية لك وصيانة لك لا بخلا منه عليك وإنما أمرك بالطاعة رحمة وإحسانا
لا حاجة منه إليك لما عرفته بالعقل حرم ما يزيله وهو الخمر صيانه لبيت المعرفة
يا متناولا للمسكر لا تفعل يكفيك سكر جهلك فلا تجمع بين سكرين
سلعة وإني لغفار لا تبذل إلا بثمن لمن تاب
يا خارجا من سبيلة وأمن عن سكة وعمل صالحا
من داري ضرب ثم اهتدى إن لم تقدر على الجد في العمل فقف على باب الطلب
تعرض لنفحة من نفحات الرب ففي لحظة أفلح السجرة
لا تجزعن من كل خطب عرى ... ولا ترى الأعداء ما يشمت
واصبر فبالصبر تنال المنى ... إذا لقيتم فئة فاثبتوا
ثمن المعالي الجد والفتور داء أمر من السلوة
أفي عينيك آيات وآثار إذا ما برد القلب فما تسخنه النار
الوجود بحر والعلماء جواهره والزهاد عنبره والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على ظهره كالزبد
لو كشفت لك الدنيا ما تحت نقابها لرأيت المعشوقة عجوزا وما ترضى إلا بقتل عشاقها وكم تدللت عليهم بالنشوز أذاقتهم برد كانون الأماني وإذا هم في وسظ تموز
تطلب مشاركة الغانمين وما شهدت الحرب تحل الغنيمة لمن شهد الوقعة
البلايا تظهر جواهر الرجال وما أسرع ما يفتضح المدعي
تنام عيناك وتشكو الهوى ... لو كنت صبا لم تكن هكذا
يا مؤثرا ما يفنى على ما يبقى هذا رأي هواك فهلا استشرت العقل لتعلم أنصحهما لك

لا تحقرن يسير المعصية كالعشب الضعيف يفتل منه حبال تجر السفن
ما نفذت في سد سبأ حيلة جرد العمر ثوب غير مكفوف وكل نفس خيط يسل منه
أنت أجير وعليك عمل فأخر ثياب الراحة إلى انقضاء العمل
كم غرقت سفينة في بحر شوق ساروا وما يسألون ما فعل الفجر ولا كيف مالت الشهب عودهم هجرهم مطالبة الراحات أن يظفروا بما طلبوا
الشجاع يلبس القلب على الدرع والجبان يلبس الدرع علىالقلب
أعظم البلايا تردد الركب إلى بلد الحبيب يودعون الدمن
ومعال لو ادعاها سواهم ... لزمته جناية السراق
قال آخر
نالوا السماء وحطوا من نفوسهم ... إن الكرام إذا انحطوا فقد صعدوا
لو صدق عزمك قذفتك ديار الكسل إلى بيداء الطلب
الناقد يخاف دخول المبهرج عليه واختلاطه بماله والبهرج آفته
هذا الصديق يمسك بلسانه ويقول هذا أوردني الموارد
وعمر يناشد حذيفة هل أنا منهم والمخلط على بساط الأمن
إذا جن الليل وقع الحرب بين النوم والسهر فكان الشوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة وصار الكسل والتواني في كتيبة الغفلة فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفتور والنوم فحصل الظفر والغنيمة فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان وما عند النائمين خبر
قام المتهجدون على اقدام الجد تحت ستر الدجى يبكون على زمن ضاع في غير الوصال
ما زالت مطايا السهر تذرع بيداء الدجى وعيون آمالها لا ترى إلا المنزل وحادى العزم يقول
يا رفقة الليل طاب السير فاغتنموا ... المسرى فمن نام طول الليل لم يصل
إلى أن هب نسيم السحر فقام الصادح يبغي ظلام الليل فلما هم بالرحيل تشبث القوم بأذياله يبكون على فراق المحبوب فلما طلع الفجر حدا حاديهم

عند الصباح يحمد القوم السرى
يا من يستعظم أحوال القوم تنقل في المراقي تصل
من جمع بين العلم بالسنة ومتابعتها انتحا له المعاني البديعة فهي تنادي على رؤوس الأشهاد ولدت من نكاح لا من سفاح
ومن قرن بين البدعة والهوى انتحا له ضروب الهذيان فهي تنادي على رؤوس الأشهاد أيها الفطن لا تغتير إذا فتحت الوردة عينها فرأت الشوك حولها فلتصبر على مجاورته قليلا فوحدها تقصد وتقبل وتشم إذا تكلم من يريد الدنيا بكلامه فإنه كلما حفر في قليب قلبه وأمعن في الاستنباط انهار عليه تراب الطمع فطمه إذا رأيت سربال الدنيا قد تقلص عنك فاعلم أنه لطف بك لأن المنعم لم يقبضه بخلا أن يتمزق ولكن رفقا بالساعي أن يتعثر
فتش على القلب الضائع قبل الشروع فحضور القلب أول منزل من منازل الصلاة فإذا نزلته انتقلت إلى باديه المعنى فإذا رحلت عنها أنخت بباب المناجاة فكان أول قرى ضيف اليقظة كشف الحجاب لعين القلب فكيف يطمع في دخول مكة من لا خرج إلى البادية بعد
إذا كانت مشاهدة مخلوق يوم أخرج عليهن استغرقت إحساس الناظرات فقطعن أيديهن وما شعرن فكيف بالحال يوم المزيد
لو أحببت العبود لحضر قلبك في عبادته
قيل لعامر بن عبد القيس أما تسهو في صلاتك قال أو حديث أحب إلى من القرآن حتى أشتغل به
وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته حتى انهدمت ناحية من نواحي المسجد فزع لها اهل السوق فما التفت وكان إذا دخل منزله سكت أهل بيته فإذا قام يصلي تكلموا وضحكوا علما منهم بالغيبة
وقيل لبعضهم إنا لنوسوس في صلاتنا قال بأي شيء بالجنة أو الحور العين والقيامة قالوا لا بل بالدنيا فقال لأن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذلك تقف في صلاتك بجسدك وقد وجهت وجهك إلى القبلة ووجهت قلبك إلى قطر آخر ويحك ما تصلح هذه الصلاة مهرا للجنة فكيف تصلح ثمنا للمحبة

رأت فأرة جملا فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصلت إلى باب بيتها وقف فنادى بلسان الحال إما أن تتخذي دارا تليق بمحبوبك أو محبوبا يليق بدارك وهكذا أنت إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك وإما أن تتخذ معبودا يليق بصلاتك
تعاهد قلبك فإن رأيت الهوى قد أمال أحد الحملين فاجعل في الجانب الآخر ذكر الجنة والنار ليعتدل الحمل فإن غلبك الهوى فاستعنت بصاحب القلب يعينك على الحمل فإن تأخرت الإجابة فابعث رائد الانكسار خلفها تجده عند المنكسرة قلوبهم مع الضعف أكثر فتضاعف ما أمكنك
لما كانت الدجاجة لا تحنو على الولد اخرج كاسبا
لما كانت النملة ضعيفة البصر أعينت بقوة الشم فهي تجد ريح المطعوم من البعد
ولما كانت الخلد عمياء ألهمت وقت الحاجة إلى القوت أن تفتح الذباب فيسقط فيه فتناول منه حاجتها
الأطيار تترنم طول النهار فقيل للضفدع ما لك لا تنطقين فقالت مع صوت المزمار يستبشع صوتي ولكن الليل اجمل بي
لا تنس العناية بالسحرة جاءوا يحاربونه ويحاربون رسله وخلع الصلح قد فصلت وتيجان الرضى قد وضعت وشراب الوصال مروق فمدوا أيديهم إلى ما اعتصروا من خمر الهوى فإذا بها قد انقلبت خلا فأقطروا عليه فسكروا بشراب المحبة فلما عربدت عليهم المحبة صلبوا في جذوع النخل
واعجبا لعزمات ما ثناها لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف
سجدوا له سجدة واحدة فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا منازلهم من الجنة فغلبهم الوجد وتمكن منهم الشوق فقالوا اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا
تمر الصبا بساكن ذي الغضا ... ويصدع قلبي أن يهب هبوبها
قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كل نفس أين حل حبيبها
قطعت نياق جدهم بادية الليل ولم تجد مس التعب فالطريق إلى المحبوب لا تطول
بعيد على كسلان أو ذي ملالة ... وأما علي المشتاق فهو قريب

يا حاضرين معنا بنية النزهة لستم معنا عودوا إلى أوكار الكسل فالحرب طعن وضرب ويا مودعين ارجعوا فقد عبرنا العذيب وعن قريب تأتيكم أخبارنا بعد قليل ويا أيها الحادث عرس بالخيف من منى تعلمك الدموع كيف ترمى حصا الجمار
ضيف المحبة ما له قرى إلا المهج
إذا رأيت محبا ولم تدر لمن وضع يدك على نبضه وسم له من تطبه به فإن النبض ينزعج عند ذكره
المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
حر الخوف صيف الذوبان وبرودة الرجاء شتاء العطلة ومن لطف به فزمانه كله فصل الربيع
عين تسر إذا رأتك وأختها ... تبكى لطول تباعد وفراق
فاحفظ لواحدة دوام سرورها ... وعد التي أبكيتها بتلاق
إذا رزقت يقظة فصنها في بيت عزلة فإن أيدي المعاشره نهاية واحذر معاشرة البطالين فإن الطبع لص لا تصادقن فاسقا ولا تثق إليه فإن من خان اول منعم عليه لا يفى لك
يا فرح التوبة لازم ذكر الخلوة فإن هر الهوي صيود
إياك والتقرب من طرف الوكر والخروج من بيت العزلة حتى تتكامل نيات الحوافي وإلا كنت رزق الصائد
الأنس بالخلوة دبق أول ما يعلق جناج الطير والمخالطة توجب التخليط وأيسرها تشتيت الهمة وضعف العزيمة
أقل ما في سقوط الذئب في غنم ... إن لم يصب بعضها ان تنفر الغنم
إن لم تكن من جملة المستحقين للميراث فكن من رفقة إذا حضر القسمة أولوا القربى ويحك لا تحقر نفسك فالتائب حبيب والمنكر صحيح
إقرارك بالإفلاس عين الغنى
تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة
اعترافك بالخطأ نفس الإصابة عرضت سلعة العبودية في سوق البيع فبذلت الملائكة نقد ونحن تسبح بحمدك فقال آدم ما عندي إلا فلوس الإفلاس نقشها ربنا ظلمنا أنفسنا فقيل هذا الذي ينفق على خزانة الخاص

أنين المذنبين احب إلينا من زجل المسبحين
إن كان يأجوج الطبع ومأجوج الهوى قد كانوا في أرض القلوب فأفسدوا فيها فأعينوا الملك بقوة يجعل بينكم وبينهم ردما
أجمعوا له من العزائم ما يشابه زبر الحديد ثم تفكروا فيما اسلفتم ليثور صعد الأسف فلا يحتاج إلى أن يقول لكم انفخوا
شدوا بنيان العزم بهجر المألوفات والعوائد وقد استحكم البناء فحينئذ أفرغوا عليه قطر الصبر وهكذا بنى الأولياء قبلكم فجاء العدو فما أستطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا
ضاقت ايام الموسم فأسرعوا بالإبل لا تفتكم الوقفة
لا تحد وما لك بعير
لا تمد القوس وما لها وتر كم بذل نفسه مراء ليمدحه الخلق فذهبت نفسه فانقلب المدح ذما
ولو بذلها لله لبقيت ما بقى الدهر
عمل الرائي بصلة كلها قشور المرائي يحشو جراب الزوادة رملا يثقله في الطريق وما ينفعه
ريح الرياء جيفه تجافاها مشام القلوب لما أخذ دود القز ينسج اقبلت العنكبوت تشبهه وقالت لك نسج ولي نسج فقالت دودة القز ولكن نسيجي اردية الملوك ونسجك شبكة الذباب وعند مس الحاجة يتبين الفرق
إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبين من بكا ممن تباكا
شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنه وشجرة الدباء تصعد في اسبوعين فتقول للصنوبرة إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قطعتها في أسبوعين ويقال لي شجرة ولك شجرة فقالت لها الصنوبرة مهلا حتى تهب رياح الخريف فإن ثبت لها تم فخرك
كان التصوف والفقر في مواطن القلوب فصار في ظواهر الثياب كان خرقة فصار حرفه
غير زيك أيها المرائي فإنه يصبح بك خذوني

السيف والدرع لتزين هيئتك فضيحة البهرج تبين عند المحك
لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل الركب او سمعت استغاثة المحبين في وسط الركب أو شاهدت ساقة المستغفرين في آخر الركب لعلمت انك قد انقطعت تحت شجر أم غيلان
واحسرتا لمنقطع دون الركب يعد المنازل
أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
إلام الرواح في الهوى والتفليس وحتام السعى في صحبة ابليس وكم بهرجة في العمل وتدليس اين أقرنك هل تسمع لهم من حسيس اعلمت انهم اشتد ندمهم وحسرتهم على إيثار الخسيس تالله لقد ودوا ان لو كانوا طلقوا الدنيا قبل المسيس
عين المنية تغضي غير مطرقة ... وطرف مطلوبها مذ كان وسنان
جهلا تمكن منه حين مولده ... فالنطق صاح ولب المرء سكران
لا تنفع الرياضة إلا في نجيب
لو سقى الحنظل بماء السكر لم يخرج إلا مرا
شجر الأثل والصفصاف والحور ونحوها ولو دام الماء في عروقها لا تثمر ابدا
سحاب الهوى قد طبق بيداء الأكوان وأمطر مشارق الأرض ومغربها ولكن قيعان ارض قلبك قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ومع هذا فلا تيأس فقد يستحيل الخمر خلا ولكنت إنما ذلك لطيب العنصر
خلا الفكر في القلب في بيت التلاوة فجرى ذكر الحبيب وأوصافه فنهض الشوق على قدم السعي يا من لم يشاهد جمال يوسف لم يعرف ما الذي ألم قلب يعقوب
من لم يبت والحب حشوة فؤاده ... لم يدر كيف تفتت ألأكباد
يا من هبت على قلبه جنوب المجانبة فتكاثفت عليه غيوم الغفلة فأظلم أفق المعرفة لا تيأس فالشمس تحت الغيم
لو تصاعد منك نفس أسف استحالت شمالا فتقطع السحاب فبانت الشمس تحته
لما كان رزق الطائر اختلاسا لم يجعل له أسنان لأن زمن الانتهاب لا يحتمل المضغ وجعل له حوصلة كالمخلاة ينقل إليها ما يسلب ثم تنقله إلى القاضة في زمن الإمكان فإن كانت له أفراخ أسهمهم قبل النقل

كلما طالت ساق الحيوان طال عنقه ليمكنه تناول الأطعمة من الأرض
رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة فاحتبس الماء فإن لم تطق رفعها فانقب حولها لعل ينابيع الماء تنفجر
لو بعت لحظة منإقبالك على الله بمقدار عمر نوح في ملك قارون لكنت مغبوتا في العقد
عشاق الدنيا بين مقتول ومأسور فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر
يا طالبي العلم قد كتبتم ودرستم فلو طلبكم العلم في بيت العمل فلستم وإنناقشكم على الإخلاص أفلستم
شجرة الإخلاص أصلها ثابت لا يضرها زعازع اين شركائي الذي كنتم تزعمون وأما شجرة الدباء فإنها تجتث عند نسمة من كان يعبد شيئا فليتبعه
رياء المرائين صير مسجد الضرار مزبلة وخربة لا تقم فيه ابدا وإخلاص المخلصين رفع قدر التفث
رب اشعث أغبر قلب من ترائيه بيد من أعرضت عنه يصرفه عنك غلى غيرك فلا على ثواب المخلصين حصلت ولا إلى ما قصدته بالرياء وصلت وفات الأجر والمدح فلا هذا ولا هذا
لا تنقش على الدرهم الزائف اسم الملك فإنه لا يدخل الخزانة إلا بعد النقد
المخلص يتبهرج على الخلق بستر حاله وببهرجته يصح له النقد والمرائي يتبرطل على باب الملك يوهم أنه من الخواص وهو غريب فسله عن أسرار الملك يفتضح فإن خفي عليك فانظر حاله مع خاصة الملك
يا من لم يصبر عن الهوى صبر يوسف يتعين عليه بكاء يعقوب فإن لم يطق فذل إخواته يوم تصدق علينا
إذا طاب لبث الطين على الأنهار تكامل ربه فإذا نضب عنه الماء استلبت الشمس ما فيه من الرطوبة فيشتد شوقه إلى الماء فلو وضعت منه قطعة على لسانك لأمسكه وعلق به شوقا إلى الورد فيا من نضب ماء معاملته هل أحسست بالعطش وقالوا

يعود الماء في البئر بعدما ... كانت بالحجاز لنا ليال
نهبناهن من أيدي الزمان ...
ولا تنصب خيامك في محل ... فإن النازلين على ارتحال
مداراة الضعفاء باللطف فإذا قووا شدد عليهم
مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر
كان الأسلام في بدايته كالنطفة فاقتنع بكلمة التوحيد فلما نفخ فيه الروح احتاج إلى الغذاء ففرضت الصلاة فلما تحرك وجبت الهجرة فلما اشتد وجبت الزكاة فلما قربت الولادة لزم الحج فلما ظهر طفلا حبا بلطف يريد الله بكم اليسر فلما خاف من الزلل والعقاب جاءت بشارة لا تقنطوا فلما ترعرع قال المؤدب من يعمل سوءا يجز به فلما بلغ اشده واستوى جاء ويحذركم الله نفسه
المتعبدون بالليل يقربون إلى نوق الأبدان خيط الرقاد فإذا تناولت سد الفاقة رفعت رؤوسها فإذا الدليل على الجادة فتأخذ في السير
من النجوم الجواري مؤذن ومنها مقيم فأرباب العزائم يؤذن في محلتهم بليل ويقام لهم أول الوقت ومن دونهم يصلون في اول الوقت واهل الفتور في آخره إذا هجمت جنود الرقاد على العيون صاح حارس اليقظة بالمتعبدين الصلاة خير من النوم وهتف رقيب المعاتبة كذب من ادعى محبتي حتى إذا جنة الليل نام عني فيصيح المشتاق
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالغمض لي فيه اجفان
ثم تمر بالمجتهدين سيارة النجوم فيبعثون مع كل فيج رسالة فتسلم أخباره إلى ركب السحر فتهب لمجيئها رياح الأسحار فيقول المنتظر إني لأجد ريح يوسف
سبحان من أنعم على الموجودات بإيجادها من غير طلب فلما وجدت بسطت اكف السؤال لطلب تكميلها فالأجنة في بطون الأمهات تطلب تكميل الخلق والبذر تحت التراب يطلب قوته من الري ومخ الثمار ينتظر من فضله كمال نضجه ومراكب البحار تحريكها بالرياح وأصحاب البضائع ينتظرون وجود الأرباح عليهم وطلاب العلم يسالون فتح منغلق الفهم وأهل المجاهدة يرومون المعاونة على الطبع والمظلوم يترقب طلوع فجر النصر والمريض يتململ بين يديه طلبا للطفه والمكروب ينتظر كشف ما به والخائف يترقب بريد الأمن والأبدان المتمزقة في اللحود تنتظر جمع الشمل بعد الشتات وعرائس الجنان يسألن سلامة بعولتهن وتعجيل اللقاء فإذا قام الخلق من

أطباق التراب بإنعاش البعث نكس صاحب الزلل رأس الندم طلبا للعفو ومد العابد يد التقاضي بالمسلم فيه عند حلول الأجل وحدق الزاهد إلى جزاء الصبر واشرف المحب على أطلال الشوق إلى الحبيب وصاح العارف بلسان الوجد إذ لم يبق وقت للصمت
لي عندكم دين فواعجبا ... الدين لي وفؤادي الرهن
وقال غيره
من شاء باهلتي باهلته بهم ... وبعد عند ورود الحوض نستبق
وقال غيره
عدمت دوائي بالعراق وربما ... وجدت بنجد لي طبيبا مداويا
ويا جبل الريان إن تعر منهم ... فإني سأكسوك الدموع الجواريا
ومن جذري لا أسأل الركب عنهم ... وأغلاق وجدي باقيات كما هيا
ومن يسال الركبان عن كل غائب ... فلا بد ان يلقى بشيرا وناعيا فائدة دقائق المعاني وظواهر الألفاظ
من له غرض في دقائق المعاني يتجاوز نظره قالب اللفظ إلى لب المعنى والواقف مع الألفاظ مقصود على الزينة اللفظية فتأمل قوله تعالى إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى كيف قابل الجوع بالعرى والظمأ بالضحى والواقف مع القالب ربما يخيل إليه أن الجوع يقابل بالظمأوالعري بالضحى والداخل إلى بلد المعنى يرى هذا الكلام في اعلى الفصاحة والجلالة لأن الجوع ألم الباطن والعري ألم الظاهر فهما متناسبان في المعني وكذلك الظمأ مع الضحى لأن الظما موجب لحرارة الباطن والضحى موجب لحرارة الظاهر فاقتضت الآية نفي جميع الآفات ظاهرا وباطنا وفي هذا الباب حكاية مشهورة وهي ان ابن حمدان قال يوما للمتنبي قد انتقد عليك قولك
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
قالوا ركبت صدر كل بيت على عجز الآخر وكان الأولى ان تقول
وقفت وما في الموت شك لواقف ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
فليتم المعنى حينئذ لأن انبساط الوجد ووضوحه مع الوقوف في موقف الموت اشبه بأوصاف الكماة والسلامة من الردى مع مرور الأبطال كلمى هزيمة

أعجب في حصول النجاة وهذا كما انتقد على أمرىء القيس قوله
كأني لم أركب جوادا للذة ... ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال
فلو قال
كأني لم أركب جوادا ولم اقل ... خليلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ... ولم أبتطن كاعبا ذات خلخال
كان أشبه بالمعنى لأن ركوب الخيل اشبه بالكر على الأبطال وسبأ الزق أليق بتبطن الكواعب فقال المتنبة يعني قائل الشعر المدعو بالمتنبي الكذاب أعلم أن القزاز اعلم بالثوب من البزاز لأن القزاز يعلم أوله وآخره والبزاز لا يرى منه إلا ظاهره وهذا الانتقاد غير صحيح فإني قلت وقفت وما في الموت شك لواقف فذكرت الموت وتحقق وقوعه في صدر البيت ثم تممت المعنى بقولي كأنك في جفن الردى وهو نائم والردى الموت بعينه فكأني قلت وقفت في مواضع الموت ولم تمت كأن الموت نائم عنك فحصل المعنى مناسبا للقصد ثم قلت تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ومن شأن المكلوم والمنهزم أن يكونا كاشحي الوجوه عابسيها خائبي الأمل فقلت ووجهك وضاح وثغرك باسم لتحصل المطابقة بين عبوس الوجه وقطوبه ونضارته وشحوبه وإن لم تكن ظاهره في اللفظ فهي في المعنى يفهمها من له في إدراك دقائق المعاني قدم راسخ
وأما قول امرىء القيس كأني لم اركب جودا للذة فإنه لما ذكر الركوب في البيت الأول تممه بما يشبهه ويناسبه من ركوب الكواعب ليحصل لذة ركوب مهر الحرب وركوب مهر اللذة
وأما البيت الثاني فمن شأن الشارب إذا انتشي أن تتحرك كوامن صدره ويثور ما في نفسه من كوامن الأخلاق إلى الخارج فلما ذكر الشرب وحالة وتخيل نفسه كذلك فتحرك كامن خلقه من الحماسة والشجاعة فأردفه بما يليق به ثم ذكر الآية وتكلم عليها بنحو ما تقدم
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم ... فكل ذنب جناه الحب مغفور فصل حكم ومواعظ وعبر
من نبت جسمه على الحرام فمكاسبه كبريت به يوقد عليه

الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب
أتراهم نسوا طي الليالي لمن تقدمهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فما هذا الاعترار وقد خلت من قبلهم المثلات فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم من لهم إذا طلبوا العودة فحيل بينهم وبين ما يشتهون
سبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة واحترقت كبد يتيم وجرت دمعة مسكين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ولتعلمن نبأه بعد حين ما ابيض لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه
لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك
ويحك نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت
قوسه قلبه المقروح ووتره سواد الليل وأستاذه صاحب لأنصرنك ولو بعد حين وقد رأيت ولكن لست تعتبر
احذر عداوة من ينام وطرفه باك يقلب وجهه في السماء يرمي سهاما ما لها غرض سوى الأحشاء منك فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها
ما تساوي لذة سنة غم ساعة فكيف والأمر بالعكس
كم في يم الغرور من تمساح فاحذر يا غائص ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك
إذا التقى كل ذي دين وماطلة ... ستعلم ليلى أي دين تداينت
من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من ايدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب
يا ارباب الدول لا تعربدوا في سكر القدرة فصاحب الشرطة بالمرصاد
سليمان الحكم قد حبس عاصف العقوبة في حصن فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا وأجرى رحا الرخا لئلا يكون للناس على الله حجة فلو هبت سموم الجزاء من مهب ولئن مستهم نفحة قلعت سكرى إنما نملي لهم فإذا طوفان التلف ينادي فيهم لا عاصم اليوم من امر الله فالحذر ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدرا إلا من طريق جناية إن الله لا يغير ما بقوم

حتى يغيروا ما بأنفسهم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
كان يشوب الماء باللبن فجاء سيل فذهب بالغنم فجعل يبكي فهتف به هاتف اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلا ولسان الجزاء ينادية يداك أوقدتا وفوك نفخ اذكر غفلتك عن الأمر والأمر وقت الكسب
ولا تنس إطراح التقوى عند معاملة الخلق فإذا انقض غاصب فسمعت صوت سوطه يضرب
عقد المكسب جزاء لخيانته العقود فلا تستعظم ذاك فأنت الجاني والبادي أظلم فائدة تعليق الطلاق
ما يقول الفقيه أيده الل ... ه وما زال عنده إحسان
في فتى علق الطلاق بشهر ... قبل ما قبل قبله رمضان
في هذا البيت ثمانية أوجه أحدها هذا والثاني بعدما بعد بعده والثالث قبل ما بعد بعده والرابع بعد ما قبل قبله فهذه أربعة متقابلة والخامس قبل ما بعد قبله والسادس بعد ما قبل بعده والسابع بعد ما بعد قبله والثامن قبل ما قبل بعده
وتلخيصها إنك إن قدمت لفظه بعد جاء اربعة احدها بعدات كلها والثانية بعدان وقبل والثالثة بعد وقبلان والرابعة بعد وقبل ثم بعد وإن قدمت لفظه قبل جاءت أربعة كذلك فإذا عرفت هذا فضابط الجواب عن هذه الأقسام الثمانية أنه إذا اتفقت الألفاظ فإن كانت قبلا فيكون هذا الشهر الذي تقدمه رمضان بثلاثة أشهر فيقع الطلاق في ذي الحجة فكأنه قال أنت طالق في شهر ذي الحجة لأن المعنى أنت طالق في شهر رمضان قبل قبل قبله فلو قال رمضان قبله طلقت في شوال ولو قال قبل قبله لطلقت في ذي القعدة فإن قال قبل قبل قبله طلقت في ذي الحجة وإن كانت الألفاظ بعدات طلقت في جمادي الآخرة لأن المعنى أنت طالق في شهر يكون رمضان بعد بعد بعده ولو قال رمضان بعده طلقت في شعبان ولو قال بعد بعده طلقت في رجب فإن قال بعد بعد بعده طلقت في جمادى الآخرة وإن اختلفت الألفاظ وهي في ست مسائل فضابطها أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فألفهما نحو قبل بعده وبعد قبله واعتبر الثالث

فإذا قال قبل بعد بعده أو بعد قبل قبله فألغ اللفظين الأولين يصير كأنه قال في الأول بعده رمضان فيكون شعبان وفي الثاني كأنه قال قبله رمضان فيكون شوال
وتقرير هذا أن كل شهر واقع قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله وإن توسطت لفظه بين مضادين لها نحو قبل بعد قلبه وبعد قبل بعده فالغ اللفظين الأولين ويكون شوالا وإذا قال بعد بعد قبله أو قبل قبل بعده وهما تمام الثمانية طلقت في الأولى في شعبان كأنه قال بعده رمضان في الصورة الأولى كأنه قال في شهر رمضان وشعبان في الثانية كأنه قال بعده رمضان وفي الثانية في شوال كأنه قال قبله رمضان فائدة الاحتمالات في بيت من الشعر
قال بعض الفضلاء بيتا من الشعر يشتمل على أربعين الف وثلاث مائة وعشرين بيتا من الشعر وهو لزين الدين المقري
لقلبي حبيب مليح ظريف ... بديع جميل رشيق لطيف
وبيان ذلك ان هذا البيت ثمانية اجزاء يمكن أن ينطق بكل جزء من أجزائه مع الجزء الآخر فتنتقل كل كلمة ثمانية انتقالات فالجزءان الأولان لقلبي حبيب يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير
ثم خذ الجزء الثالث فيحدث منه مع الأولين ست صور لأن له ثلاثة أحوال تقديمه عليهما وتأخيره وتوسطه ولهما حالان فاضرب أحواله في الحالين يكن ستة
ثم خذ الجزء الرابع وله أربعة احوال فاضربها في الصور المتقدمه وهي السته التي لما قبله تكن أربعة وعشرين
ثم خذ الخامس تجد له خمسة أحوال فاضربها في الصور المتقدمة وهي أربعة وعشرون تكن مائة وعشرين
ثم خذ السادس تجد له سته احوال فاضربها في مائة وعشرين تكن سبع مائة وعشرين
ثم خذ السابع تجد له سبعة أحوال فاضربها في سبع مائة وعشرين تكن خمسة الاف وأربعين
ثم خذ الثامن تجد أحواله ثمانية فاضربها في خمسة آلاف واربعين تكن أربعين ألفا وثلاث مائة وعشرين بيتا فامتحنها تجدها كذلك ومثله لي قلته في القدس

محب صبور غريب فقير ... وحيد ضعيف كتوم حمول فائدة دخول الشرط على الشرط
في دخول الشرط على الشروط وهو صور
أحدها إن خرجت ولبست فأنت طالق لا يحنث إلا بهما كيفما كانا
الثانية إن لبست فخرجت لم يحنث إلا بخروج بعد لبس
الثالثة إن لبست ثم خرجت لا يحنث إلا بخروجها بعد لبسها لا معه ويكون متراخيا هذا البناء على ظاهر اللفظ وأما قصده فيراعي ولا يلتفت إلى هذا
الرابعة إن خرجت لا إن لبست يحنث بالخروج وحده ولا يحنث باللبس ويحتمل هذا التعليق أمرين
أحدهما ان يجعل الخروج شرطا ويبقى أن يكون اللبس شرطا فحكمه ما ذكرنا
الثاني أن يجعل الخروج مع عدم اللبس شرطا فلا يحنث بخروج معه لبس ويكون المعنى إن خرجت لالابسه أو غير لابسة فإن خرجت لابسة لم يحنث
الخامسة إن خرجت بل إن لبست فلا يحنث إلا باللبس دون الخروج ويحتمل هذا التعليق أيضا أمرين احدهما هذا والثاني أن يكون كل منهما شرطا فيحنث بأيهما وجد ويكون الإضراب إضراب اقتصار لا إضراب إلغاء فكأنه يقول لا أقتصر على جعل الأول وحده شرطا بل أيهما وجد فهو شرط فعلى التقدير الأول يكون أضراب إلغاء ورجوع وعلى الثاني إضراب اقتصار وإفراد
السادسة إن خرجت أو إن لبست يحنث بأيهما وجد
السابعة إن لبست لكن إن خرجت فالشرط الثاني قد لغا الأول ب لكن لانها للاستدراك
الثامنة وهي أشكلها إن لبست إن خرجت وهذه مسألة دخول الشرط على ويحتمل التعليق في ذلك أمرين
أحدهما أن يجعل كل واحد منهما شرطا مستقلا فيكون كالمعطوف بالواو سواء ولا إشكال والثاني أن يجعل أحدهما شرطا في الآخر
واختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة فقال اصحاب مالك هو تعليق للتعليق ففي هذا الكلام تعليقان
احدهما إن لبست فأنت طالق ثم علق هذه الجملة المعلقة بالخروج فكأنه قال

شرط نفوذ هذا التعليق الخروج فعلى هذا لا يحنت حتى يوجد الخروج بعد اللبس وممن نص عليها ابن شاش في الجواهر وقال أبو إسحاق في المهذب وقد صور المسألة إن كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وهكذا عكس قول المالكية ورجح أبو المعالي قول المالكية في نهايته
وقد وقع هذا التعليق في كتاب الله عز و جل في مواضع
أحدها قوله حكاية عن نوح ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم وهذا ظاهر في أن الشرط الثاني شرط في الشرط الأول والمعنى إن أراد الله أن يغويكم لم ينفعكم نصحي إن اردته وهذا يشهد لصحة ما قال الشيخ أبو إسحاق
الموضع الثاني قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن اراد النبي أن يستنكحها خالصة لك قالوا فهذه الآية ظاهرة في قول المالكية لأن إرادة رسول الله متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في هذا العقد والإيجاب هو هبتها
ونظير هذا أن يقول إن وهب لي شيئا إن أردت قبوله أخذته فإرادة القبول متأخرة عن الهبة فلا يكون شرطا فيها قال الأولون يجوز أن تكون إرادة رسول الله فلما فهمت المرأة منه ذلك وهبت نفسها له فيكون كالآية الأولى وهذا غير صحيح والقصة تأباه فإن المرأة قامت وقالت يا رسول الله إني وهبت لك نفسي فصعد فيها النظر وصوبه ثم لم يتزوجها وزوجها غيره
الموضع الثالث قوله تعالى فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين المعنى فلولا ترجعونها أي تردون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين مملوكين إن كنتم صادقين وهنا الثاني شرط للأول والمعنى إن كنتم صادقين في قولكم فهلا تردونها إن كنتم غير مدينين ويدل عليه قول الشاعر أنشده عبد الله بن مالك
إن تستغيثوا بنا أن تذعروا وتجدوا ... منا معاقل عز زانها الكرم
ومعلوم أن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالذعر شرط فيها ومن هذا قول الدريدي
فإن عثرت بعدها أن والت ... نفسي من هاتا فقولا لا لعا

ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد النجاة من الأولى فوالت شرط في الشرط الثاني وعلى هذا فإذا ذكرت الشرطين وأتيت بالجواب كان جوابا للأول خاصة والثاني جرى معه مجرى الفضله والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات قاله ابن مالك
وأحسن من هذا أن يقال ليس الكلام بشرطين يستدعيان جوابين بل هو شرط واحد وتعليق واحد اعتبر في شطره قيد خاص جعل شرطا فيه وصار الجواب للشرط المقيد فهو جواب لهما معا بهذا الاعتبار وإيضاحه أنك إذا قلت إن كلمت زيدا إن رأيته فأنت طالق جعلت الطلاق جزاء على كلام مقيد بالرؤية لا على كلام مطلق وكأنه قال إن كلمته ناظرة إليه فأنت طالق وهذا يبين لك حرف المسألة ويزل عنك إشكالها جملة وبالله التوفيق فائدة الأعم لا يستلزم الأخص
قولهم الأعم لا يستلزم الأخص عينا وإنما يستلزم مطلق الأخص ضرورة وقوعه في الوجود ولا بد في هذا من تفصيل وهو أن الحقيقة العامة تارة تقع في رتب متساوية فهذه تستلزم الأخص عينا ولا بد كما إذا قال أفعل كذا فإنه أعم من مرة ومرات وهو يستلزم المرة الواحدة عينا وأنفق مالا يستلزم اقل القليل عينا وتارة يقع في رتب غير متساوية كالحيوان والعدد فإنهما لا يستلزمان أحد انواعهما عينا والله سبحانه وتعالى اعلم فائدة حمل المطلق على المقيد
حمل المطلق على المقيد في الكلي شيء وحمل المطلق على المقيد في الكلية شيء آخر
فالأول كقوله تعالى فتحرير رقبه وقيدها بالإيمان في مكان آخر فهذا إذا حمل المطلق على المقيد فيه لم يكن متضمنا لمخالفة أحدهما بل هو عمل بهما وتوفيه بمقتضاهما ولو عمل بالمطلق دون المقيد لخالف ولا بد
أما الثاني فكما إذا كان الإطلاق في العام كقوله في كل أربعين شاة وشاة فإذا قيل في الغنم السائمة في كل أربعين شاة شاة فليس هذا من باب حمل المطلق على

المقيد فإن اللفظ العام متناول لجميع أفراده فحمله على التخصيص إخراج لبعض مدلوله والفرق بين إخراج بعض مدلول اللفظ وبين تقييد سلب عنه اللفظ الأول رافع لموجب الخطاب
والثاني رافع لموجب الاستصحاب وإنما يرجع هذا إلى أصل آخر وهو تخصيص العموم بالمفهوم فتأمله فائدة وعلى هذا فلا ينبغي أن يقال يحمل المطلق على المقيد مطلقا بل يفرق بين الأمر والنهى فإن المطلق إذا كان في الأمر لم يكن عاما فحمله على المقيد لا يكون مخالفة لظاهره ولا تخصيصا
وإذا كان الإطلاق في النهي فإنه يعم ضرورة عموم النكرة في سياق النهي
وإذا حمل عليه مقيد آخر كان تخصيصا ومثاله قوله يمسكن أحدكم ذكره بيمينه // رواه مسلم // فهذا عام في الإمساك وقت البول ووقت الجماع وغيرهما وقال لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول // رواه البخاري ورواه مسلم وأبو داود والنسائي // فهذا مقيد بحالة البول فحمل الأول عليه تخصيص محض فائدة
حمل المطلق على المقيد مشروط بأن لا يقيد بقيدين متنافيين فإن قيد بقيدين متنافيين امتنع الحمل وبقى على إطلاقه سبع مرات وعلم أن القيدين تمثيل لا تقييد مثاله قوله تعالى في لوغ الكلب فليغسله إحدهن بالتراب // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // مطلق وفي لفظ اولاهن وهذا مقيد بالأول
وفي لفظ أخراهن وهذا مقيد بالآخرة فلا يحمل على أحدهما بل يبقى على إطلاقه فائدة شروط حمل المطلق
إنما يحمل المطلق على المقيد إذا لم يستلزم حمله تأخير البيان عن وقت الحاجة فإن استلزمه على إطلاقه وله مثالان
أحدهما قوله من لم يجد نعلين فليلبس خفين // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم //

ولم يشترط قطعا وقال بالمدينة على المنبر لمن سأله ما يلبس المحرم من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من كعبيه // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم //
فهذا مقيد ولا يحمل عليه ذلك المطلق لأن الحاضرين معه بعرفات من أهل اليمن ومكة والبوادي لم يشهدوا خطبته بالمدينة فلو كان القطع شرطا لبينه لهم لعدم علمهم به ولا يمكن اكتفاؤهم بما تقدم من خطبته بالمدينه
ومن هنا قال أحمد ومن تابعه إن القطع منسوخ بإطلاقه بعرفات اللبس ولم يأمر بقطع في أعظم أوقات الحاجة
المثال الثاني قوله لمن سألته عن دم الحيض حتيه ثم اغسليه // رواه البخاري ومسلم // ولم يشترط عددا مع أنه وقت حاجة فلو كان العدد شرطا لبينه لها ولم يحملها على غسل ولوغ الكلب فإنها ربما لم تسمعه ولعله لم يكن شرع الأمر بغسل ولوغه فائدة النهي عن بيع الطعام قبل قبضه
نهى رسول الله بيع الطعام قبل قبضه // رواه مسلم // ونهى عن بيع ما لم يقبض في حديث حكيم بن حزام وزيد بن ثابت فقال أصحاب مالك النهي مخصوص بالطعام دون غيره فمنهم من قال هو من باب حمل المطلق على المقيد وهو فاسد كما تقدم فإنه عام وخاص ولفظه إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه // صحيح //

ومنهم من قال خاص وعام تعارضا فقدم الخاص على العام وهو أفسد من الأول إذ لا تعارض بين ذكر الشيء بحكم وذكر بعضه به بعينه
ومنهم من قال هو من باب تخصيص العموم بالمفهوم وهذا المأخذ أقرب لكنه ضعيف هنا لأن الطعام هنا وإن كان مشتقا فاللقبية أغلب عليه حيث لم يلج معنى يقتضي اختصاص النهي به دون الشراب واللباس والأمتعة فالصواب التعميم فائدة حديث جعلت لي الأرض مسجدا قولهجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا // رواه البخاري ومسلم والنسائي // وفي لفظ وترابها طهور فقيل تخصيص الطهور بالتراب حملا للمطلق علىالمقيد وهو ضعيف لأنه من باب الخاص والعام
وقيل هو من باب التخصيص بالمفهوم واعترض عليه بثلاثة أمور
أحدها أن دلالة العموم أقوى لأنها لفظية متفق عليها
الثاني أنه مفهوم لقب وهو أضعف المفهومات
الثالث أن التخصيص بالتربة خرج لكونه غالب أجزاء الأرض والتخصيص إذا كان له سبب لم يعتبر بمفهومه
وأجيب بأن ذكر التربة الخاصة بعد ذكر لفظ الأرض عاما في مقام بيان ما اختص به وامتن الله عليه وعلى الأمة به دليل ظاهر على أختصاص الحكم باللفظ الخاص فإن عدوله عن عطفه على اللفظ العام إلى اسم خاص بعده يتضمن زيادة اللفظ والتفريق بين الحكمين وأن الطهور متعلق بالتربة وكونها مسجدا متعلق بمسمى الأرض يفهم تقييد كل حكمم بما نسب إليه وتخصيصه بما جعل خبرا عنه وهذا واضح فائدة قال لنسائه إحداكن طالق
استشكل جمهور الفقهاء مذهب مالك فيمن قال لنسائه إحداكن طالق فإن الجميع يحرمن عليه بالطلاق

وقالوا هذا إلزام بالطلاق لمن لم يطلقها وهو باطل قالوا ويلزم من هذا خلاف الإجماع ولا بد لأن الله تعالى اوجب إحدى خصال الكفارة فإضافة الحكم لأحد الأمور إن اقتضى التعميم وجب أن يوجبوا جميع الخصال وهو خلاف الإجماع وإن لم يقتض العموم وجب أن لا يقتضيه في قوله إحداكن طالق لأنه لو عم لعم بغير مقتض وهو باطل بالإجماع ولكن لقوله رضي الله عنه غور وهو الفرق بين إيجاب القدر المشترك وتحريم القدر المشترك فالايجاب في الكفارة إيجاب لقدر مشترك وهو مسمى احد الخصال وذلك لا يقتضي العموم كما إذا أوجب عتق رقبه وهي مشتركة بين الرقاب لم يعم سائرها وأما تحرير القدر المشترك فيلزم منه العموم لأن التحريم من باب النهي
وإذا نهى عن القدر المشترك كان نهيا عن كل فرد من أفراده بطريق العموم وإذا ثبت هذا فالطلاق تحريم لأنه رافع لحل النكاح فإذا وقع في القدر المشترك وهو إحدى نسائه عم جميعهن كما لو قال والله لا قربت إحداكن شهرا
وأما أصحاب أحمد فإنهم قالوا إذا قال عبدي حر وامرأتي طالق عتق عليه جميع عبيده وطلق جميع نسائه ولكن ليس بناء منهم على هذا المأخذ بل لأن عندهم المفرد المضاف يعم كالجمع المضاف
وأما أصحاب أبي حنيفة والشافعي فلم يقولوا بالعموم في واحدة من الصورتين وقال أصحاب مالك إذا قال لعبيدة أحدكم حر كان له أن يختار من شاء منهم فيعينه للعتق ولا يعتق الجميع قالوا لأن العتق قربة وطاعة لا تحريم فهو إيجاب للقدر المشترك وإن لزم منه التحريم ولهذا لو قال لله على أن أعتق أحدكم لزمه عتق واحد دون الجميع فيقال لا فرق بين الطلاق والعتق في ذلك وقول الجمهور أصح وقولكم إن الطلاق تحريم ليس كذلك بل هو كاسمه إطلاق وإرسال للمرأة ويلزم منه التحريم كما أن العتق إرسال للأمة ويلزم منه التحريم فهما سواء
ويدل عليه أنه إن قال إن كلمت زيدا فلله علي أن أطلق واحدة منكن أو إحداكن لم يلزمه طلاق جميعهن عند من يعين عليه الوفاء عينا دون الكفارة ومعلوم قطعا أن القائل لنسائه إحداكن طالق غير مطلق لبقيتهن لا بلفظه ولا بقصده فكيف يطلقن جميعا فلو طلقن بغير مقتض لطلاقهن ويدل على أن الطلاق ليس بتحريم أن الله تعالى أباحه ولم يبح قط تحريم الحلال والتحريم ليس إلى العبد إنما إليه الاسباب

التحليل والتحريم يتبعها فهو كالعتق سواء وقد قال تعالى ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثم فرض تحلة اليمين في تحريم الحلال وقد طلق // صحيح // ولم يكن ذلك تحريما لها ولو كان الطلاق تحريما لشرعت فيه الكفارة كما شرعت في تحريم الحلال وكما شرعت في الظهار الذي هو تحريم
فإن قيل فما تقولون إذا قال لنسائه إحداكن علي حرام فإن هذا تحريم للمشترك فينبغي أن يعم
قيل هذا السؤال غير مسموع منكم فإن التحريم عندكم طلاق فهو كقوله إحداكن طالق وأما من يجعله تحريما تزيله الكفارة كالظهار كقول أحمد ومن وافقه فعندهم لا يعم لأنه مطلق في إثبات فهو كقوله حرمت واحدة منكن بخلاف ما إذا أراد المطلق في نفي كقوله والله لا قربت واحدة منكن أو في نهي كقوله لا تقرب واحدة منهن فإنه يعم فائدة ارتفاع الواقع في الماضي
ارتفاع الواقع شرعا محال أي ارتفاعه في الزمن الماضي وأما تقدير ارتفاعه مع وجوده ممكن وله أمثله
أحدهما أن من يقول الفسخ رفع للعقد من أصله فيستتبع الولد والثمرة والكسب نقول بقدر ارتفاعه من أصله واقعا لا أنا نقول برفعه من أصله
الثاني إذا قال لامرأته إن قدم زيد آخر الشهر فأنت طالق أوله وقلنا تطلق أول الشهر بقدومه آخره فإنا نقدر ارتفاع تلك الإباحة قبل قدومه لا أنا نرفعها ونجعل الوطء حراما بل نقدر أن تلك الإباحة في حكم العدم تنزيلا للموجود بمنزلة المعدوم
الثالث أنا ننزل المجهول كالمعدوم في باب اللقطة فننقل الملك بعد الحول إلى الملتقط مع بقاء المالك تنزيلا له بمنزلة المعدوم
الرابع أنا في المفقود نزلنا الزوج الذي فقد منزلة المعدوم فأبحنا لامرأته أن تعتد وتتزوج كما قضى فيه الصحابة
الخامس إن من مات ولا يعرف له قرابة كان ماله لبيت المال تنزيلا للمجهول

منزلة المعدوم ولانقول نوقفه حتي يتبين له قرابة وكذلك لو علمنا له وارثا واحدا وشككنا في غيره دفعنا إلى المعلوم ميراثه ولم نوقفه إلا إن تيقن أنه كان له وارث وشككنا في عدمه فإنه ينبني على تقدير وجوده لأنه الأصل وعكس هذا تنزيل المعدوم منزلة الموجود تقديرا لا تحقيقا وله أمثله
أحدها أن المقتول خطأ تورث عنه ديته المستحقة بعد موته تنزيلا لحياته المعدومة وقت ثبوت الدية منزلة الحياة الموجودة ليثبت له الملك
ثانيها لو أعتق عبده عن غيره فإنا نقدر الملك المعدوم للمعتق عنه بمنزلة الموجود الثابت له ليقع العتق عنه
ثالثها الأجزاء التي لم تخلق بعد في بيع الثمار بعد بدو صلاحها فإنها تنزل بمنزلة الموجود حتى يكون موردا للعقد
رابعها المنافع المعدومة في الإجازة فإنها تنزل منزلة الموجود ونظائر القاعدتين كثيرة فائدة رفض الأعمال بعد الفراغ منها باطل
القياس وأصول الشرع يقتضي أنه لا يصح رفض شيء من الأعمال بعد الفراغ منه وأن نية رفضه وإبطاله لا تؤثر شيئا فإن الشارع لم يجعل ذلك إليه ولو صح ذلك لتمكن المكلف من إسقاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمن الماضي فيقصد إبطال ما مضي من حجة وجهاده وهجرته وزكاته وسائر أعماله الحسنة والقبيحة فيقصد إبطال زناه وسرقته وشربه وقتله ورباه وأكله أموال اليتامى وغير ذلك فما بال الوضوء والصلاة والصوم والحج دون سائر الأعمال خرج فيها الخلاف فالمشهور في مذهب مالك صحة الرفض في الصلاة والصوم وفي الحج والطهارة خلاف وفي الطهاره خاصة وجهان لأصحابنا وليس في هذه المسائل نص ولا إجماع ولا فرق صحيح بينها وبين سائر الأعمال بل المعلوم من قاعدة الشرع أن إبطال ما وقع من الأعمال إنما يكون بأسباب نصيبه الله تعالى مبطلات لتلك الأعمال كالردة المبطلة للإيمان والحدث المبطل للوضوء والإسلام المبطل للكفر والتوبة المبطلة لآثار الذنوب وقريب منه المن والأذى المبطل للصدقة وفي الرياء اللاحق بعد العمل خلاف فهذه الأسباب جعلها الشارع مبطلات لآثار الأعمال وأما الرفض فلا دليل في الشرع يدل على أنه مبطل ولا يمكن طرده وليس له أصل يقاس عليه بل قد يقترن بالعمل أمور تمنع صحته

وتراتب أثره عليه كالرياء والسمعة وغيرهما وليس هذا إبطالا لما صح وإنما هو مانع من الصحة فائدة الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية
الأسباب الفعلية أقوى من الأسباب القولية ولهذا تصح الفعليةمن المحجور عليه دون القولية فلو استولد ثبت استيلاده ولو عتق كان لغوا ولو تملك مالا بالشراء كان لغوا ولو تملكه باصطياد أو احتطاب ونحوه ملكه وكذلك لو أحياه ملكه بالإحياء ثم قيل الفرق بينهما احتياجه إلىالفعل دون القول فإنا لو منعناه من وطئه أمته أضررنا بها ولا حاجة به إلى عتقها وهذا غير طائل فإنه قد يحتاج إلى القول أيضا كالشراء والنكاح والإقرار ولكن الفرق أن أقواله يمكن إلغاؤها فإنها مجرد كلام لا يترتب عليه شيء وأما الأفعال فإذا وقعت لا يمكن إلغاؤها فلا يمكن أن يقال إنه لم يسرق ولم يقتل ولم يستولد ولم يتلف وقد وجدت منه هذه الأفعال فجرى مجرى المكره في إلغاء أقواله ومجرى المأذون له في صحة أفعاله والله اعلم فائدة الحائض والجنب
الحائض إذا انقطع دمها فهي كالجنب فيما يجب عليها ويحرم فيصح صومها وغسلها وتجب عليها الصلاة ولها أن تتوضأوتجلس في المسجد ويجوز طلاقها على أحد القولين إلا في مسألة واحدة فإنها تخالف الجنب فيها وهي جواز وطئها فإنه يتوقف على الاغتسال والفرق بينها وبين الجنب في ذلك أن حدث الحيض أوجب تحريم الوطء وحدثه لا يزول إلا بالغسل بخلاف حدث الجناية فإنه لا يوجب تحريم الوطء ولا يمكن ذلك فيه البتة
واستثنى بعض الفقهاء مسألة أخرى وهي نقض الشعر للغسل فإنه يجب على الحائض في أحد القولين دون الجنب ولا حاجة إلى هذا الاستثناء فتأمله قاعدة
في المسائل التي يتعلق بها الاحتياط الواجب وترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس ومدارها على ثلاثة قواعد قاعدة في اختلاط المباح بالمحظور حسا وقاعدة في اشتباه أحدهما بالآخر والتباسه به على المكلف وقاعدة في الشك في العين الواحدة هل هي قسم من المباح أم قسم من المحظور فهذه القواعد الثلاث هي معاقد هذا الباب

فأما القاعدة الأولى وهي اختلاط المباح بالمحظور حسا فهي قسمان أحدهما أن يكون المحظور محرما لعينه كالدم والبول والخمر والميتة والثاني أن يكون محرما لكسبه لأنه حرام في عينه كالدرهم المغصوب مثلا فهذا القسم الثاني لا يوجب اجتناب الحلال ولا تحريمه البتة بل إذا خالط ماله درهم حرام أو أكثر منه أخرج مقدار الحرام وحل له الباقي بلا كراهة سواء كان المخرج عين الحرام أو نظيره لأن التحريم لم يتعلق بذات الدرهم وجوهره وإنما تعلق بجهة الكسب فيه فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى هذا هو الصحيح في هذا النوع ولا تقوم مصالح الخلق إلا به
وأما القسم الأول وهو الحرام لعينه كالدم والخمر ونحوهما فهذا إذا خالط حلالا وظهر أثره فيه حرم تناول الحلال ولا نقول أنه صير الحلال حراما فإن الحلال لا ينقلب حراما البتة ما دام وصفه باقيا وإنما حرم تناوله لأنه ما تعذر الوصول إليه إلا بتناول الحرام فلم يجز تناوله وهذه العلة بعينها منصوصة للإمام أحمد وقد سئل بأي شيء يحرم الماء إذا ظهرت فيه النجاسة فأجاب بهذا وقال حرم الله تعالى الميتة والدم ولحم الخنزير فإذا خالطت هذه الماء فمتناوله كأنه قد تناول هذه الأشياء هذا معنى كلامه هذا إذا ظهر أثر المخالط فلو استهلك ولم يظهر أثره فهنا معترك النزال وتلاطم أمواج الأقوال وهي مسألة الماء والمائع إذا خالطته النجاسة فاستهلكت ولم يظهر لها فيه أثر البتة والمذاهب فيها لا تزيد على إثنى عشر مذهبا نذكرها في غير هذا الموضع إن شاء الله
أصحها مذهب الطهارة مطلقا مائعا كان ما خالطته أو جامدا ماء أو غيره قليلا أو كثيرا لبراهين كثيرة قطعية أو تكاد تذكر هناك إن شاء الله وعلى هذا فإذا وقعت قطرة من لبن في ماء فاستهلكت وشربه الرضيع لم تنتشر الحرمة ولو كانت قطرة خمر فاستهلكت في الماء البتة لم يحد بشربه ولو كانت قطرة بول لم يغير ويشربه وهذا لأن الحقيقة لما استهلكت امتنع ثبوت الإسم الخاص بها فنفى الإسم والحقيقة للغالب فيتعين ثبوت أحكامه لأن الأحكام تتبع الحقائق والأسماء وهذا أحد البراهين في المسألة فصل
وأما القاعدة الثانية وهي اشتباه المباح بالمحظور إن كان له بدل لا اشتباه فيه انتقل إليه وتركه وإن لم يكن له بدل ودعت الضرورة إليه اجتهد في المباح واتقى الله ما

استطاع فإذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس انتقل إلى بدله وهو التيمم ولو اشتبها عليه في الشرب اجتهد في أحدهما وشربه
وكذلك لو اشتبهت ميتة بمذكاة انتقل إلى غيرهما ولم يتحر فيهما فإن تعذر عليه الإنتقال ودعته الحاجة اجتهد
ولو اشتبهت أخته بأجنبية انتقل إلى نساء لم يشتبه فيهن فإن كان بلدا كبيرا تحرى ونكح
ولو اشتبه ثوب طاهر بنجس انتقل إلى غيرهما فإن لم يجد فقيل يصلي في كل ثوب صلاة ليؤدي الفرض في ثوب متيقن الطهارة وقيل بل يجتهد في أحد الثوبين ويصلي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال لأن اجتناب النجاسة من باب الترك ولهذا لا تشترط له النية
ولو صلى في ثوب لا يعلم نجاسته ثم علمها بعد الصلاة لم يعد فإن اجتهد فقد صلى في ثوب يغلب على ظن طهارته وهذا هو الواجب عليه لا غير
قلت وهذا كما لو اشترى ثوبا لا يعلم حاله جاز له أن يصلي فيه اعتمادا على غلبة ظنه وإن كان نجسا في نفس الأمر فكذلك إذا أداه اجتهاده إلى طهارة أحد الثوبين وغلب على ظنه جاز أن يصلي فيه وإن كان نجسا في نفس الأمر فالمؤثر في بطلان العلم بنجاسة الثوب لا نجاسته المجهولة بدليل ما لو جهلها في الصلاة ثم علمها بعد الصلاة لم يعد الصلاة فهذا القول ظاهر جدا وهو قياس المذهب
وقيل يراعى في ذلك جانب المشقة فإذا كثرت الثياب اجتهد في أحدها وإن قلت صلى بعدد الثياب النجسة وزاد صلاة وهو اختيار ابن عقيل المني أو المذي
ومن هذا الباب ما لو استيقظ فرأى في ثوبه بللا واشتبه عليه أمني هو أم مذي ففي هذه المسألة قولان في كل مذهب من المذاهب الأربعة إلا أن أصحاب الإمام أحمد رضي الله عنه قالوا إن سبق منه سبب يمكن إحالة كونه مذيا عليه مثل القبلة والملاعبة والفكر مع الإنتشار فهو مذي إذ الظاهر أن الذكر بعد ذلك إنما انكسر به فهو المتيقن وما زاد عليه فمشكوك فيه فلا يجب عليه غسل بالشك وإن لم يتقدم منه شيء من ذلك فهو مني في الحكم إذ هو الغالب على النائم ولم يتقدم سبب يعارضه والنوم في مظنة الإحتلام وقد قام شاهد المظنة ظاهر القياس بموجب شهادته وقوة هذا المسلك مما لا يخفي على منصف اشتباه جهة القبلة
ومن هذا الباب إذا اشتبهت عليه جهة القبلة ففيها ثلاثة أقوال

أحدها يجتهد ويصلي صلاة واحدة هذا أصح الأقوال في المذاهب الأربعة وهو المشهور
الثاني أنه يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات ليؤدي مسيتقنا كما قالوا في الثياب النجسة وكما قالوا فيمن فاتته صلاة من يوم لا يعلم عينها صلى خمس صلوات
والقول الثالث أنه قد سقط عنه فرض الاستقبال في هذه الحال فيصلي حيث شاء وهذا مذهب أبي محمد بن حزم واحتج بأن الله إنما فرض الاستقبال على العالم بجهة الكعبة القادر على التوجه إليها فأما العاجز عنها فلم يفرض الله عليه التوجه إليها قط فلا يجوز أن يلزم بما لا يلزمه الله ورسوله به وإذا لم يكن التوجه واجبا عليه لأن وجوبه مشروط بالقدرة صلى إلى أي جهة شاء كالمسافر المتطوع والزمن الذي لا يمكنه التوجه إلى جهة القبلة
قلت وهذا القول ارحج وأصح من القول بوجوب اربع صلوات عليه فإنه إيجاب ما لم يوجبه الله ورسوله ولا نظير له في إيجابات الشارع البتة ولم يعرف في الشريعة موضع واحد أوجب الله على العبد فيه أن يوقع الصلاة ثم يعيدها مرة اخرى إلا لتفريط في فعلها أولا كتارك الطمأنينة والمصلى بلا وضوء ونحوه وأما أن يأمره بصلاة فيصليها بأمره ثم يأمره بإعادتها بعينها فهذا لم يقع قط وأصول الشريعة ترده وقياس هذه المسالة على مسالة الثياب وناسي صلاة من يوم قياس لمختلف فيه على مثله ولعل الكلام إلا في تينك المسألتين ايضا فلو أن حكمهما ثبت بكتاب أو سنة أو إجماع لكان في قياس عليها ما فيه بل لم يكن صحيحا لأن جهة الفرق إما مساوية لجهة الجمع أو أظهر وعلى التقديرين فالقياس منتف بقي النظر في ترجيح أحد قولي الاجتهاد والتخيير في مسألة القبلة على الآخر فمن نصر التخيير احتج بما في الترمذي وسنن ابن ماجة عن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنا مع النبي في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي فأينما تولوا فثم وجه الله // حسن // قال الترمذي هذا حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان وفيه ضعف

وروى الدارقطني من حديث عطاء عن جابر قال كنا مع النبي مسير فأصابنا غيم فتحيرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا فذكرنا ذلك للنبي فلم يأمرنا بالإعادة فقال قد أجزأتكم صلاتكم // ضعيف على الراجح // قال الدارقطني رواه محمد ابن سالم عن عطاء قال

ويروى أيضا عن محمد بن عبد الله العرزمي عن عطاء وكلاهما ضعيف وقال العقيلي لا يروى متن هذا الحديث من وجه يثبت واحتجوا أيضا بما تقدم حكايته أن الله لم يأمر بالاستقبال إلا من كان عالما به وقادرا عليه وأما العاجز الجاهل فساقط عنه فرض الاستقبال فلا يكلف به ومن نصر الاجتهادا احتج بأن الله تعالى أوجب على العبد أن يتقيه ما استطاع وهذا مقتضي وجوب الاجتهاد عليه في تقوى ربه تعالى والتقوى هي فعل ما أمر وترك ما نهى قالوا وأيضا فإنه من المعلوم أنه اذا قام إلى الصلاة لم يجز له أن يستقبل أي جهة شاء ابتداء بل ينظر إلى مطالع الكواكب ومساقطها وسمت جهة القبلة حتى إذا علم جهتها استقبلها وهذا نوع اجتهاد وأدلة الجهة متفاوته الخفاء والظهور فيجب على كل أحد فعل مقدوره من ذلك فإن لم يصبها قطعا أصابها ظنا وهو الذي يقدر عليه فمتى ترك مقدروة لم يكن قد اتقى الله تعالى بحسب استطاعته
وقولكم إن الله إنما أوجب الاستقبال على القادر عليه العالم به قلنا الله سبحانه وتعالى أوجب على كل عبد ما تؤديه إليه استطاعته من طاعته فإذا عجز عن هذا اليقين وأدلة الجهة سقط عنه ولكن من أين يسقط عنه بذل وسعه ومقدوره اللائق به فصل إذا طلق إحدى امرأتيه ثم اشتبهت عليه بالأخرى
ومن هذا الباب لو طلق احدى امرأتيه بعينها ثم اشتبهت عليه بالأخرى فقيل يجب عليه اعتزالها ويوقف الأمر حتى يتبين الحال وعليه نفقتهما وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وهي اختيار صاحب المغنى
وقيل يقرع بينهما كما لو أبهم الطلاق في واحدة لا بعينها وهذا هو المشهور في المذهب وهذا اختيار عامة أصحاب أحمد ونص عليه الخرقى في المختصر فقال ولو طلق واحدة من نسائه ونسيها أخرجت بالقرعة
قال المانعون من القرعة في هذه الصورة اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلا تحل له إحدهما بالقرعة كما لو اشتبهت أخته بأجنبية لم يكن له أن يعقد على إحداهما

بالقرعة قالوا ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولا تزيل احتمال كون المطلقة غير من وقعت عليها القرعة بدليل أن التحريم لو ارتفع بالقرعة لما عاد إذا ذكرها فلما عاد التحريم بالذكر دل على أن القرعة لم ترفع تحريم المطلقة
قالوا وأيضا القرعة لا يؤمن وقوعها على غير المطلقة وعدولها عن المطلقة وذلك يتضمن مفسدتين تحريم المحللة له بلا سبب وتحليل المحرمة عليه مع جواز كونها المطلقة
قالوا وأيضا فلو حلف لا يأكل تمرة بعينها ثم وقعت في تمر فإنها لا تخرج بالقرعة ولو حلف لا يكلم إنسانا بعينه ثم اختلط في آخرين لم يخرج بالقرعة إلى أمثال ذلك من الصور فهكذا قالوا
وأيضا فلا نعلم سلفا باستعمال القرعة في مثل هذه الصورة قالوا وأيضا لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة فقد قال الخرقي لا تحل له امراته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فهاهنا اولى قالوا وأيضا فقد قال الخرقي فيمن طلق امرأته ولم يدر أواحدة طلق أو ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لم يطاها حتى يتيقن كم الطلاق فلم يبح له وطؤها لاحتمال كون الطلاق ثلاثا والأصل عدمه واحتمال كون غير من خرجت عليها القرعة هي المطلقة كاحتمال كون هذه مطلقة ثلاثا بل هو هناك أقوى فإن في صورة الشك في عدد الطلاق لم يتيقن تحريما يرفع النكاح والأصل بقاء الحل وفي المنسية قد تيقنا ارتفاع النكاح جملة عن إحدهما وأنها أجنبية وحصل الشك في تعيينها
قالوا ولا يصح قياس هذه الصورة على ما إذا طلق واحدة مبهمة فقال واحدة منكن طالق جاز له أن يعينها بالقرعة لان الطلاق ههنا لم يثبت لواحدة بعينها فإذا عينتها القرعة تعينت لان الشارع جعل القرعة صالحة للتعيين منشئة له وفي مسألتنا المطلقة معينة في نفسها لا محالة والقرعة لا ترفع الطلاق عنها ولا توقعه على غيرها كما تقدم
وسر المسألة أن القرعة إنما تعمل في إنشاء التعيين الذي لم يكن لا في إظهار تعيين كائن قد نسى فهذا ما احتج به من نصر هذا القول وأما من نصر القول بالقرعة فقالوا الشارع جعل القرعة معينة في كل موضع تتساوى فيه الحقوق ولا يمكن التعيين إلا بها إذ لولاها لزم أحد باطلين إما الترجيح بمجرد الاختيار والشهوة وهو باطل في تصرفات

الشارع وإما التعطيل ووقف الأعيان وفي ذلك تعطيل الحقوق وتضرر المكلفين بما لا تأتي به الشريعة الكاملة بل ولا السياسة العادلة فإن الضرر الذي في تعطيل الحقوق أعظم من الضرر المقدر في القرعة بكثير ومحال أن تجيء الشريعة بالتزام أعظم الضررية لدفع أدناهما
وإذا عرف هذا فالحق إذا كان لواحد غير معين فإن القرعة تعينه فيسعد الله بها من يشاء ويكون تعيين القرعة له هو غاية ما يقدر عليه المكلف فالتعيين بها تعيين لتعلق حكم لما عينته فهي دليل من أدلة الشرع واجب العمل به وإن كان نفس الأمر بخلافه كالبينة والإقرار والنكول فإنها أدلة منصوبة من الشارع لفصل النزاع وإن كانت غير مطابقة لمتعلقها في بعض الصور فلهذا نصب الشارع القرعة معينة للمستحق قاطعة للنزاع
وإن تعلقت بغير صاحب الحق في نفس الامر فإن جماعة المستحقين إذا استووا في سبب الاستحقاق لم تكن القرعة ناقله لحق احدهم ولا مبطلة له بل لما لم يمكن تعميمهم كلهم ولا حرمانهم كلهم وليس احدهم أولى بالتعيين من الآخرين جعلت القرعة فاصلة بينهم معينة لأحدهم فكأن المقرع يقول اللهم قد ضاق الحق عن الجميع وهم عبيدك فخص بها من تشاء منهم به ثم تلقى فيسعد الله بها من يشاء ويحكم بها على من يشاء وهذا سر القرعة في الشرع وبهذا علم بطلان قول من شبهها بالقمار الذي هو ظلم وجور وكيف يلحق غاية الممكن من العدل والمصلحة بالظلم والجور هذا من افسد القياس وأظهره بطلانا وهو كقياس البيع على الربا فإن الشريعة فرقت بين القرعة والقمار كما فرقت بين الربا والبيع فأحل الله البيع وحرم الربا وأحل الشارع القرعة وحرم القمار وقد قال تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون وقال تعالى إخبارا عن ذي النور فساهم فكان من المدحضين وقد احتج الأئمة بشرع من قبلنا جاء ذلك منصوصا عنهم في مواضع وقد ثبت عن النبي أنه كان إذا اراد سفرا اقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وثبت عنه في الصحيح ايضا أن رجلا أعتق ستة مملوكين لا مال له سواهم فجزأهم النبي أجزاء وضرب عليهم بسهمي رق وسهم حربة فأعتق إثنين وأرق أربعة وكل ما ذكروه في الطلاق فهو منتقض عليهم بهذه الصورة بل القرعة في الطلاق أولى لأن القرعة ههنا إنما هي لجمع الحرية في بعضهم وقد كان في الممكن أن يعتق من كل واحد سدسه وليستسعى في بقية نفسه كما يقول أبو حنيفة أو يترك رقيقا ومع هذا

فاقرع بينهم لجمع الحرية في إثنين منهم وعين بها عبدين من الستة مع تشوفه إلى العتق وحكمه به في السراية في ملكه وملك شريكه فما الظن بالطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله ورسوله ولأنا لو لم نستعمل القرعة في المنسية لزم احد محذورين
أما إيقاع الطلاق على الأربع إذ انسيت بينهن وهذا باطل لأنه يتضمن تحريم من لم يطلقها ولا حرمها الله عليه
وأما أن يعطل انتفاعه بهن ويتركهن معلقات ابدا إلى الممات ومع هذا نوجب عليه نفقتهن وكسوتهن وإسكانهن ونقول لا يحل لك قربان واحدة منهن وعليك القيام بجميع حقوقهن فهذا لو جاء به الشارع لقوبل بالسمع والطاعة ولكن حكمة شرعه ورحمته تأبياه ولا شاهد له يرد إليه ويعتبر به
وأما القول بالقرعة فقد ذكرنا من أصول شرعه ما يدل عليه وأنه أولى الأقوال في المسألة وقد روى البخاري في صحيحه أن النبي على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين ايهم يحلف // رواه البخاري وغيره // وفي السنن والمسند عن أبي هريرة أن رجلين تداعيا في دابة ليس لواحد منهما بينة فأمرهما رسول الله أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها // صحيح // وفي المسند والسنن أيضا أن النبي قال إذا كره الإثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها // صحيح // وفي السنن عن أم سلمة أن رجلين اختصما إلى رسول الله مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينه فقال إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لأخي فقال رسول الله إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما عليه ثم ليتحلل كل منكما صاحبه // رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود //
وأقرع سعد يوم القادسية بين المؤذنين فهذه قرعة في الحضانة وفي تخفيف السفينة

وفي السفر بالزوجة والبداءة بها في القسم وفي الحلف على الحق وفي تعيين الحق المتنازع فيه وفي الأذان وفي العتق وجمع الحرية وتكميلها في رقبة كاملة
وصح عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن رجل له اربع نسوة طلق إحداهن ونكح ثم مات لا أيتهن طلق فقال أقرع بين الاربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث فهذه قرعة يدري الشهود فهذه قرعة إما في الطلاق وإما في الاستحقاق للمال وأيا ما كان فالموانع التي ذكروها في الطلاق بعينها قائمة في استحقاق المال سواء بسواء فأي فرق بين تحريم مال أحله الله تعالى وبين تحريم فرج أحله الله فإن كانت القرعة تتضمن أحد الفسادين فهي متضمنة للآخر قطعا وإن لم تتضمن الآخر لم تتضمن ذلك
وقولكم المال فهي أسهل لا ينفعكم في دفع هذا الإلزام والله أعلم
قالوا ونحن نجيب عن كلماتكم أما قولكم اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم يحل المشتبه بالقرعة كما لو اشتبهت قبل العقد أخته بأجبية
فجوابه ان الأصل قبل العقد التحريم وقد شككنا في دفعة والأصل بقاؤه فمنعنا ثم اصل مستصحب لا يجوز تركه إلا بسبب يزيله ولا كذلك في مسألتنا إذ ثبت الحل قطعا فنحن إذا اخرجنا المطلقة بالقرعة بقيت الأخرى على الحل المستصحب قبل الطلاق وقد شككنا في إصابة الطلاق لها فنتمسك بالأصل حتى يثبت ما يزيله وهذاواضح
وقد اتفق على هذا الأصل أعنى استصحاب ما ثبت حتى ثبت رفعه
وأما قولكم القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولا تزيل احتمال كون المطلقة غير التي وقع عليها القرعة
فجوابه أنه منقوض بالعتق وما كان جوابكم عن العتق فهو جوابنا بعينه ومنقوض بالقرعة في الملك المطلق فحق المالك في ملك المال كحقه في ملك البضع والعتق بالقرعة متضمن إرقاق رقبه من ثبت له الحرية وسقوط الحج والجهاد عنه وثبوت أحكام العبيد له على تقدير كونه هو المعتق في نفس الأمر وإن كانت امة يضمن إباحة فرجها لغير مالكها ومع هذا فالقرعة معينة للمعتق فتعينها للمطلقة كذلك أولى
وجواب آخر وهو أن القرعة لم تزل تحريما ثابتا في المطلقة وإنما عينت حكما لم يكن لنا سبيل إلى تعيينه إلا بالقرعة واحتمال كون غير التي خرجت لها القرعة هي المطلقة في نفس الأمر كما لم يكلفنا به الشارع لتعذر الوصول إلى علمه فنزل منزلة المعدوم
وهذا كما أن احتمال كون غير الأمة التي خرجت لها القرعة هي الحرة في نفس الأمر ساقطا عنا لتعذر علمنا به فتنزل منزل المعدوم
وكذلك كون مالك المال الضائع موجودا في نفس الأمر لا يمتنع من نقله عنه إلى الملتقط بعد حول التعريف لتعذر معرفته فنزل منزلة المعدوم

وكذلك حكم الصحابة عمر وغيره في المفقود تتزوج امرأته وإن كان باقيا حيا على وجه الأرض وقد أبيج فرج زوجته لغيره من غير طلاق منه ولا وفاة لتعذر معرفته فنزل في منزلة المعدوم
قولكم لو ارتفع التحريم بالقرعة لما عاد إذا ذكرها
قلنا ارتفاع التحريم مشروط باستمرار النيسان و4إذا زال النسيان زال شرط الارتفاع والقرعة إنما صرنا إليها للضرورة ولا ضروره مع التذكر
قولكم القرعة لا يؤمن وقوعها على غير المطلقة وعدولها عن المطلقة وذلك يتضمن مفسدتين إلى آخره
قلنا منقوض بالعتق وبالملك المطلق وأيضا لما كان ذلك مجهولا معجوزا عن علمه نزل منزلة المعدوم ولم يضر كون المستحق في نفس الأمر غير المستحق بالقرعة كما قدمنا من النظائر فلسنا مؤاخذين بما في نفس الأمر ما لم نعلم به
وهذه قاعدة من قواعد الشرع وهي أن المؤاخذة وترتب الأحكام على المكلف إنما هي على علمه لا على ما في نفس الأمر إذا لم يعلمه وعليها جل الشريعة في الطهارات والنجاسات والمعاملات والمناكحات والأحكام والشهادات فإن الشاهد إذا عرف أن لزيد قبل عمرو حقا وجب عليه أن يشهد به وإن كان قد برىء إليه منه ويحكم به الحاكم فالشريعة غير منكر فيها ذلك وهل تتم مصالح العباد إلا بذلك
قولكم لو حلف لا يأكل تمرة ولا يكلم إنسانا ثم اختلط المحلوف عليه بغيره لم يخرج بالقرعة فيقال هذه المسألة ليست منصوصا عليها ولا يعلم فيها إجماع البتة
فإن كانت مثل مسألتنا سواء فالصواب التسوية بينهما وإن كان بينهما فرق بطل الإلحاق فبطل الإلزام بها على التقديرين نعم غاية ما يفيدكم إلزام الفرق بينهما وإن كان بينهما فرق بطل التقديران بالتناقض وأنه يجب عليه التسوية بينهما في الحكم وهذا ليس بدليل يثبت لكم حكم المسألة إذ منازعكم يقول تناقض في الفرق بين المسألتين ليس بدليل على صحة ما ذهبتم إليه فإن كان التفريق باطلا جاز أن يكون الباطل في عدم القول بالقرعة في مسألة الإلزام ولا يتعين أن يكون الباطل القول بها في المسالة المتنازع فيها فهذا جواب إجمالي كاف فكيف والفرق بينهما في غاية الظهور فإنه إذا حلف لا يأكل تمرة بعينها ثم وقعت في تمر فأكل منه واحدة فإنه لا يحنث حتى يأكل الجميع أو ما يعلم به أنه أكلها وما لم يتيقن أكلها لم يتيقن حنثه فلا حاجة إلى القرعة وكذلك مسألة كلام رجل بعينه
فإن قيل فهل يأمرونه بالإقدام على الأكل مع الاختلاط
قيل الورع أن لا يقدم على الأكل فإن أكل لم يحنث حتى يتيقن أكله لها

قولكم لا سلف بالقرعة في هذه الصورة فيقال سبحان الله تعالى وأي سلف معكم يوقف الرجل عن جميع زوجاته وجعلهن معلقات لا مزوجات ولا مطلقات إلى الموت مع وجوب نفقتهن وكسوتهن وسكناهن عليه وينبغي أن يعلم ان القول الذي لا سلف به الذي يجب إنكاره ان المسألة وقعت في زمن السلف فأفتوا فيها بقول او أكثر من قول فجاء بعض الخلف فأفتى فيها بقول لم يقله فيها احد منهم فهذا هو منكر
فأما إذا لم تكن الحادثة قد وقعت بينهم وإنما وقعت بعدهم فإذا افتى المتأخرون فيها بقول لا يحفظ عن السلف لم يقل أنه لا سلف لكم في المسألة
اللهم إلا أن يفتوا في نظيرها سواء بخلاف ما أفتى به المتأخرون فيقال حينئذ أنه لا سلف لكم بهذه الفتوى وليس هذا موضع بسط الكلام في هذا الموضع فإنه يستدعي تحريرا أكثر من هذا
وأما قولكم لو حلف لا يأكل تمرة قد وقعت في تمر فأكل منه واحدة فإن الخرقي يحرم عليه امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين مع أن الأصل بقاء النكاح فهنا أولى
قلت الخرقي لم يصرح بالتحريم بل أفتى بأنه لا يقرب زوجته حتى يتبين الحال وهذا لا ينهض للتحريم ولفظ الخرقي في مختصره هذا وإذا حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فإن أكل منه واحدة منع من وطء زوجته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله هذا لفظه
وآخر كلامه يدل على أن منعه من وطئها إنما هو على سبيل الورع فإنه لا يحرمها عليه بحنث مشكوك فيه وهذا ظاهر
وأما مسألة من طلق ولم يدر أواحدة طلق ام ثلاثا فالاحتجاج بها في غاية الضعف وكذلك الإلزام بها فإن الخرقي بناها على كون الرجعية محرمة ولهذا صرح في المختصر بذلك في تعليل المسألة فقال وإذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق لانه متيقن للتحريم شاك في التحليل
فالخرقي يقول هذا قد تيقن وقوع الطلاق وشك هل الرجعة رافعة له أم لا وغيره ينازعه في إحدى المقدمتين ويستفصل في الأخرى فيقول لا نسلم أن الرجعية محرمة فلم يتيقن تحريما البتة وعلى تقدير أن تكون محرمة فالتحريم المتيقن أي تحريم يعنون به تحريما تزيله الرجعة أو تحريما لا تزيله الأول مسلم ولا يفيدكم شيئا والثاني

ممنوع وعلى التقديرين فلا حجة لكم في هذه المسالة ولا إلزام فإنها ليست منصوصة ولا متفق عليها ولا ملزمة ايضا فإنه بناها على اصله من كون الرجعية محرمة فقد تيقن تحريمها وشك في رفع هذا التحريم بالرجعة ولا كذلك فيمن خرجت على سواها فإنه لم يتيقن تحريمها وإزالة التحريم بالقرعة فافترقا
وأما قولكم لا يصح قياسها على ما إذا طلق واحدة مبهمة حيث يعينها بالقرعة لأن الطلاق لم يثبت لواحدة بعينها فتعيينها بالقرعة بخلاف المنسية قلت لا ريب ان بين المسألتين فرقا ولكن الشأن في تأثيره ومنعه من إلحاق إحداهما بالإخرى فإن صح تأثير الفرق بطل هذا الدليل المعين ولا يلزم من بطلان دليل معين بطلان الحكم إلا أن لا يكون لهم دليل سواه ونحن لم نحتج بهذا الدليل اصلا حتى يلزم بطلان ما ذكرناه وإن بطل تأثير الفرق وجب إلحاق إحدى الصورتين بالأخرى
ونحن نبين بحمد الله أن هذا الفرق ملغي فنقول إذا قال لنسائه إحداكن طالق فإما أن ينفذ الطلاق على واحدة منهن عقب إيقاعه أو لا يقع إلا بتعيينه والثاني باطل لأن التعييين ليس بسبب صالح للتطليق فلا يصح إضافة الطلاق إليه فيتعين أن الطلاق استند إلى واحدة في إيقاعة أولا فقد وقع بواحدة منهن ولا بد والأقوال هنا ثلاثة
أحدها أنه يملك تعيين المطلقة فيمن شاء وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة
القول الثاني أنه تطلق عليه الجميع وهذا قول مالك ومن وافقه
القول الثالث أنه يخرج المطلقة بالقرعة وهذا مذهب أحمد وهو قول علي وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة وبه قال الحسن البصري وأبو ثور وغيرهما وهو الصحيح من الأقوال فإن طلاق الأربع مع كون اللفظ غير صالح له والإرادة غير متناوله له مخالفة للأصول وإيقاع الطلاق من غير سببه وقد تقدم الكلام على مأخذ هذا القول وما فيه فلا نعيده وعلى هذا القول فلا قرعة ولا تعيين وإنما الكلام على قولى القرعة والتعيين فنقول
القول بالقرعة أصح وإذا كان القول بها اصح في هذه المسألة فالقول بها في مسألة المنسية اولى فهذان مقامان بهما يتم الكلام في المسالة فأما المقام الأول فيدل عليه ان القرعة قد ثبت لها اعتبار في الشرع كما قدمناه وهي أقرب إلى العدل وأطيب

للقلوب وابعد عن تهمة الغرض والميل بالهوى إذ لولاها لزم احد الأمرين إما الترجيح بالميل والغرض وإما التوقف وتعطيل الانتفاع وفي كل منهما من الضرر ما لاخفاء به فكانت القرعة من محاسن هذه الشرعية وكمالها وعموم مصالحها
وأما تعيين المطلقة بعد إبهامها وانتظار ما يعينه النصيب والقسمة التي لا تتطرق إليها تهمة ولا ظن فليس ذلك إلى المكف بل إليه إنشاء الطلاق ابتداء في واحدة منهن وأما أن يكون إليه تعيين من جعل طريق تعيينه خارجا عن مقدوره وموكولا إلى ما يأتي به القدر ويخرجه النصيب المقسوم المغيب عن العباد فكلا
وسر المسالة أن العبد له التعيين ابتدء وأما تعيين ما أبهمه اولا فلم يجعل إليه ولا ملكه الشارع إياه
والفرق بينهما أن التعيين الابتدائي تعلق به إرادته وباشره بسبب الحكم فتعين بتعيينه وبمباشرته بالسبب وأما التعيين بعد الإبهام فلم يجعل إليه لأنه لم يباشره بالسبب والسبب كان قاصرا عن تناوله معينا وإنما تناوله مبهما والمكلف كان مخيرا بين أن يوقع الحكم معينا فيتعين بتعيينه أو يوقعه مهما فيصير تعيينه إلى الشارع
وسر ذلك أن الحكم قد تعلق في المبهم بالمشترك فلا بد من حاكم منزه عن التهمة يعين ذلك المشترك في فرد من افراده
والمكلف ليس بمنزه عن التهمة فكانت القرعة هي المعينة وأما إذا عينه ابتداء فلم يتعلق الحكم بمشترك بل تعلق بما اقتضاه تعيينه وغرضه فأنفذه الشارع عليه
فهذا مما يدلك على دقة فقه الصحابة رضي الله عنهم وبعد غور مداركهم ولهذا افتى على وابن عباس بالقرعة ولم يجعلا التعيين إليه
ولا نحفظ عن صحابي خلافهما وإذا ثبت أن القرعة في هذه الصورة راجحة على تعيين المكلف تبين بذلك تقرير المقام الثاني وهو أن القول بها في مسألة المنسية أولى لأنها أذا علمت في محل قد يعلق الحكم فيه بالمشترك وهو أحد الزوجات إذ كل واحدة منهن يصدق عليها انها أحدها وهذا هو مأخوذ من عمم الوقوع فلأن يعمل في محل تعلق الحكم فيه ببعض أفراده اولى فإن الحكم في الأول كان صالحا لجميع الأفراد لتعلقه بالقدر المشترك ومع هذا فالقرعة قطعت هذه الصلاحية وخصتها بفرد بعينه والحكم في الثانية إنما تعلق بفرد بعينه لكنه جهل فاستفيد علمه من القرعة ولما جهل صار كالمعدوم إذ المجهول المطلق في الشريعة كالمعدوم وليس لنا طريق إلى اعتباره موجودا إلا بالقرعه

فإذا قطعت القرعة الحق المشترك من غير المعين فلأن يعين مجهولا لا سبيل إلى تعينها إلا بها أولى واحرى
فإن شئت قلت إخراج المجهول أيسر من تعيين المبهم وأوسع طريقا وأقل مانعا لأن المبهم لا تثبت له حقيقة معينه بعد ولا سيما إذا كان مشتركا بين افراد تقتضيه اقتضاء واحد فليس ثبوت التعيين لفرد أولى من ثبوته لغيره والمجهول قد ثبتت له الحقيقة أولا ثم جهلت فيكفي في الدلالة عليها اي دليل وجد واي علامة أمكنت فإنها علامة ودليل على وجودها لا علة لأنيتها وبغير المبهم ليس دليلا محضا بل هو كالعلة لانيته وثبوته فإذا صلحت القرعة لتعيين المبهم فلان تصلح للدلالة على المجهول بطريق الأولى ونحن لا ندعي ولا عاقل ان القرعة تجعل المخرج بها هو متعلق الحكم في نفس الأمر بل نقول إن القرعة تجعل المخرج بها متعلق الحكم ظاهرا وشرعا وهو غاية ما يقدر عليه المكلف ولم يكلفه الله علم الغيب ولا موافقة ما في نفس الأمر بل القرعة عندنا لا تزيد على البينه والنكول والأمارات الظاهرة التي هي طرق لفصل النزاع والله سبحانه وتعالى اعلم فصل
وأما القاعدة الثالثة وهي قاعدة الشك ينبغي ان يعلم انه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه البته وإنما يعرض الشك للمكلف بتعارض إمارتين فصاعدا عده فتصير المسالة مشكوكا فيها بالنسبة إليه فهي شكيه عنده وربما تكون ظنية لغيره أوله في وقت آخر وتكون قطعيه عند آخرين فكون المسالة شكية أو ظنيه أو قطعية ليس وصفا ثابتا لها بل هو أمر يعرض لها عند إضافتها إلى حكم المكلف وإذا عرف هذا فالشك الواقع في المسائل نوعان
أحدهما شك سببه تعارض الأدلة والأمارات كقولهم في سؤر البغل والحمار مشكوك فيه فنتوضأونتيمم فهذا الشك لتعارض دليلي الطهارة والنجاسة وإن كان النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة فإنه لم يقم على تنجيس سؤرهما دليل وغاية ما احتج به لذلك قول النبي الحمر الأهلية إنها رجس // رواه البخاري ومسلم وغيرهم // والرجس هو النجس وهذا لا دليل فيه لأنه إنما نهاهم عن لحومها

وقال انها رجس ولا ريب أن شحومها ميته لا تعمل الذكاة فيها فهي رجس ولكن من أين يلزم أن تكون نجسة في حياتها حتى يكون سؤرها نجسا وليس هذا موضع هذه المسألة
ومن هذا قولهم للدم الذي تراه المرأه بين الخمسين سنة إلى الستين أنه مشكوك فيه فتصوم وتصلى وتقضي فرض الصوم لتعارض دليلي الصحة والفساد وإن كان الصحيح أنه حيض ولا معارض لدليل كونه حيضا أصلا لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا معقول فليس هذا مشكوكا فيه والمقصود التمثيل
القسم الثاني الشك العارض للمكلف بسبب اشتباه اسباب الحكم عليه وخفائها لنسيانه وذهوله أو لعدم معرفته بالسبب القاطع للشك فهذا الحكم واقع كثيرا في العيان والأفعال وهوالمقصود لذكر القاعدة التي تضبط أنواعه
والضابط فيه أنه إن كان للمشكوك فيه حال قبل الشك استصحبها المكلف وبني عليها حتى يتيقن الانتقال عنها هذا ضابط مسائلة فمن ذلك إذا شك في الماء هل أصابته نجاسة أم لا بني علي يقين الطهارة ولو تيقن نجاسته ثم شك هل زالت أم لا بنى على يقين النجاسة
الثالثة إذا أحدث ثم شك هل توضأ أم لا بنى على يقين الحدث ولو توضأ وشك في الحدث بنى على يقين الطهارة وفروع المسألة مبنية على هذا الأصل
الرابعة إذا شك الصائم في غروب الشمس لم يجز له الفطر ولو اكل أفطر ولو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل ولو اكل لم يفطر
الخامسة لو شك هل صلى ثلاثة أو أربعا وهو منفرد بنى على اليقين إذ الأصل بقاء الصلاة في ذمته وإن كان إماما فعلى غالب ظنه لأن المأموم ينبهه فقد عارض الأصل هنا ظهور تنبيه المأموم على الصواب وقال الشافعي ومالك يبني على اليقين مطلقا لأنه الأصل
السادسة إذا رمى صيدا فوقع في ماء فشك هل كان موته بالجرح أو بالماء لم ياكله لأن الأصل تحريمه وقد شك في السبب المبيح وكذلك لو خالط كلابا أخرى ولم يدر اصاده كلبه أو غيره لم ياكله لأنه لم يتيقن شروط الحل في غير كلبه كما قال النبي إنك إنما سميت على كلبك ولم تسم علي غيره // رواه البخاري ومسلم //

السابعة إذا شك هل طاف ستا او سبعا أو رمى ست حصيات او سبعا بنى على اليقين
الثامنة إذا شك هل عم الماء بدنه وهو جنب أم لا لزمه يقين تعميمه ما لم يكن ذلك وسواسا
التاسعة إذا اشترى ثوبا جديدا أو لبيسا وشك هل هو طاهر أو نجس فيبني الأمر على الطهارة ولم يلزمه غسله
العاشرة إذا أصابه بلل ولم يدر ما هو لم يجب عليه أن يبحث عنه ولا يسال من أصابه به ولو سأله لم يجب عليه إجابته على الصحيح وعلي هذا لو أصاب ذيله رطوبة بالليل أو بالنهار لم يجب عليه شمها ولا تعرفها فإذا تيقنها عمل بموجب يقينه
الحادية عشر إذا كان عليه حق لله عز و جل من صلاة أو زكاة أو كفارة أو عتق أو صيام وشك هل أتى به أم لا لزمه الإتيان به
الثانية عشرة إذا شك هل مات مورثه فيحل له ماله أو لم يمت لم يحل له المال حتى يتيقن موته
الثالثة عشرة إذا شك في الشاهد هل هو عدل أو لا لم يحكم بشهادته لأن الغالب في الناس عدم العدالة وقول من قال الأصل في الناس العدالة كلام مستدرك بل العدالة طارئة متجددة والأصل عدمها فإن خلاف العدالة مستندة جهل الإنسان وظلمه والإنسان خلق جهولا ظلوما فالمؤمن يكمل بالعلم والعدل وهما جماع الخير وغيره يبقى على الأصل أي فليس الأصل في الناس العدالة ولا الغالب
الرابعة عشرة إذا شك هل صلى ثلاثا أو أربعا بنى علي اليقين وألغى المشكوك فيه واستثنى من هذا موضعين
أحدهما أن يقع الشك بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت إليه الثاني أن يكون إماما فيبني على غالب ظنه
فأما الموضع الأول فهو مبني على قاعدة الشك في العبادة بعد الفراغ منها فإنه لا يؤثر شيئا وفي الوضوء خلاف فمن ألحقه بهذه القاعدة نظر إلى أنه قد أنقضى بالفراغ منه ومن نظر إلى بقاء حكمه وعمله وأنه لم يفعل المقصود به ألحقه بالشك في العبادة قبل انقطاعها والفراغ منها
وأما الموضع الثاني فإنما استثنى لظهور قطع الشك والرجوع إلى الصواب بتنبيه المأموم

له فسكوتهم وإقرارهم دليل على الصواب هذا ظاهر المذهب عند الإمام أحمد ومذهب الشافعي أنه يبني علىاليقين مطلقا إماما كان أو منفردا ولا يلتفت إلى قول غيره
ومذهب مالك أنه يبنى على اليقين إلا أن يكون مستنكحا بالشك فلا يلتفت إليه ويلهي عنه فإن لم يمكنه أن يلهي عنه بنى على خواطره ومذهب أبي حنيفة أنه إن عرض له ذلك في أول صلاته أعادها وإن عرض له فيما بعدها بنى على اليقين
الخامسة عشرة إذا شك هل دخل وقت الصلاة أو لا لم يصل حتى يتيقن دخوله فإن صلى مع الشك ثم بان له أنه صلى في الوقت فقد قالوا إنه يعيد صلاته وعلى هذلا إذا صلى وهو يشك هل هو محدث أو متطهر ثم يتقن أنه كان متطهرا فإنه يعيدها أيضا
وكذلك إذا صلى إلى جهة وشك هل هي القبلة أو غيرها ثم تبين لها أنها جهة القبلة ولا كذلك إذ شك في طهارة الثوب والبدن والمكان فصلى فيه ثم تيقن أن ذلك كان طاهرا لأن الأصل هنا الطهارة وقد تيقنه آخرا فتوسط الشك بين الأصل واليقين لا يؤثر بخلاف المسائل الأولى لأن الأصل فيها عدم الشك فالشك فيها مستند إلى اصل يوجب عليه حكما لم يأت به والذي يقتصية أصول الشرع وقواعد الفقه في ذلك هو التفرقة بين المعذور والقادر
فالمعذور لا يجب عليه الإعادة إذا لم ينسب إلى تفريط وقد فعل ما اداه إليه اجتهاده وأصاب فهو كالمجتهد المصيب
وعلى هذا فإذا تحرى الأسير وفعل جهده وصام شهرا يظنه رمضان وهو يشك فيه فبان رمضان أو ما بعده أجزاه مع كونه شاكا فيه
وكذلك المصلي إذا كان معذورا محتاجا إلى تعجيل الصلاة في أول الوقت إما لسفر لا يمكنه النزول في الوقت ولا الوقوف أو لمرض يغمى عليه فيه أو لغير ذلك من الأعذار فتحرى الوقت وصلى فيه مع شكه ثم تبين له أنه أوقع الصلاة في الوقت لم يجب عليه الإعادة بل الذي يقوم عليه الدليل في مسألة الأسير أنه لو وافق شعبان لم يجب عليه الإعادة وهو قول الشافعي لأنه فعل مقدورة ومأموره والواجب على مثله صوم شهر يظنه من رمضان وإن لم يكنه والفرق بين الواجب على القادر المتمكن والعاجز
فإن قيل فما تقولون في مسألة الصلاة إذا بان أنه صلاها قبل الوقت
قيل الفرق بين المسألتين أن الصوم قابل لإيقاعه في غير الوقت للعذر كالمريض أو

المسافر والمرضع والحبلى فإن هؤلاء يسوغ لهم تأخيره ونقله إلى زمن آخر نظرا لمصلحتهم ولم يسوغ الأحد منهم تأخير الصلاة عن وقتها البتة
فإن قيل فقد يسوغ تأخيرها للمسافر والمريض والممطور من وقت إحداهما إلى وقت الأخرى
قيل ليس بتأخير من وقت إلى وقت وإنما جعل الشارع وقت العبادتين في حق المعذور وقتا واحدا فهو يصلي الصلاة في وقتها المشروع الذي جعله الشارع وقتا لها بالنسبة إلى أهل الأعذار فهو كالنائم والناسي إذا استيقظ وذكر فإنه يصلي الصلاة حينئذ لكون ذلك وقتها بالنسبة إليهما وإن لم يكن وقتا بالنسبة إلى الذاكر المستيقظ على أن للشافعي قولين في المسألتين والله أعلم فصل مدح العلماء العاملين
ابن عيينة عن محمد بن المنكدر قال إن العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم وقال سهل بن عبد الله من أراد أن ينظر إلى محاسن الأنبياء فلينظر إلى محاسن العلماء يجيء الرجل فيقول يا فلان إيش تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته وهذا مقام للأنبياء فاعرفوا لهم ذلك
قال عبد الرحمن بن ابي ليلى أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ما منهم من أحد إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا
وقال ابن مسعود من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون
عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال حصين الأسدي إن أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر وعن الحسن والشعبي مثله وقال الحاكم سمعت أبا عبد الله الصفار يقول سمعت عبد الله ابن أحمد يقول سمعت ابي يقول سمعت الشافعي يقول سمعت مالك ابن أنس يقول سمعت محمد بن عجلان يقول إذا أخطأالعالم لا أدري أصيبت مقاتله
وروى ذلك بنحوه عن أبن عباس وذكر أبو عمر عن القاسم بن محمد أنه جاءه رجل فسأله عن شيء فقال القاسم لا أحسنه فجعل الرجل يقول إني دفعت إليك

لا أعرف غيرك فقال القاسم لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي والله لا أحسنه فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه يا ابن اخي الزمها فوالله ما رأيت في مجلس أبيك مثل اليوم فقال القاسم والله لئن يقطع لساني أحب إلى من أن أتكلم بما لا أعلم
وذكر أبو عمر عن ابن عيينة وسحنون اجسر الناس على الفتيا أقلهم علما
وكان مالك بن أنس يقول من أجاب في مسألة فينبغي من قبل أن يجيب فيها ان يعرض نفسه على الجنة أو النار وكيف يكون خلاصة في الآخرة سئل عن مسألة فقال لا ادري فقيل له إنها مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال ليس في العلم شيء خفيف ألم تسمع قوله جل ئناؤه إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فالعلم كله ثقيل وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة وقال كان أصحاب رسول الله عليهم المسائل ولا يجيب أحدهم في مسألة حتى ياخذ رأي صاحبه مع ما رزقوا من السداد والتوفيق مع الطهارة فكيف بنا الذين غطت الخطايا والذنوب قلوبنا
وقال عبد الرحمن بن مهدي جاء رجل إلى مالك يسأله عن شيء أياما ما يجيبه فقال يا أبا عبد الرحمن إني أريد الخروج وقد طال التردد إليك فأطرق طويلا ثم رفع رأسه وقال ما شاء الله يا هذا إني إنما أتكلم فيما احتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك هذه
وسئل الشافعي عن مسألة فسكت فقيل له ألا تجيب يرحمك الله فقال حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب
وكان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتى فتيا ولا يقول شيئا إلا قال اللهم سلمني وسلم مني
وقال سحنون أشقى الناس من باع آخرته بدنياه وأشقى منه باع آخرته بدنيا غيره فقال تفكرت فيه وجدته المفتى يأتيه الرجل قد حنث في امرأته ورقيقته فيقول له لا شيء عليك فيذهب الحانث فيستمتع بامراته ورقيقته وقد باع المفتي دينه بدنيا هذا
وجاء رجل إلى سحنون يسأله عن مسألة فأقام يتردد إليه ثلاثة أيام فقال مسألتي أصلحك الله اليوم ثلاثة أيام فقال له وما أصنع بمسألتك مسألتك معضلة وفيها أقاويل وأنا متحير في ذلك فقال وأنت أصلحك الله لكل معضلة فقال سحنون هيهات يا ابن أخي ليس بقولك هذا أبذل لحمى ودمي للنار وما أكثر ما لا أعرف إن صبرت رجوت أن تنقلب بمسألتك وإن أردت أن تمضي إلى غيري فامض

تجاب في مسالتك في ساعة فقال إنما جئت إليك ولا استفتي غيرك قال فاصبر ثم اجابه بعد ذلك
وقيل له إنك تسأل عن المسألة لو سئل عنها أحد من أصحابك لأجاب فيها فتتوقف فيها فقال إن فتنة الجواب بالصواب أشد من فتنه المال
وقيل لهإنك تسأل عن المسألة لو سئل عنها أحد من اصحابك لأجاب فيها فتتوقف فيها فقال إن فتنة الجواب بالصواب اشد من فتنة المال
وقال بعض العلماء قل من حرص على الفتوى وسابق إليها وثابر عليها قل توفيقه واضطرب في أمره وإن كان كارها لذلك غير مختار له ما وجد مندوحه عنه وقدر أن يحيل بالأمر فيه إلى غيره كانت المعونه له من الله أكثر والصلاح في جوابه وفتاويه أغلب
وقال بشر الحافي من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل وذكر أبو عمر عن مالك أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة فوجده يبكى فقال ما يبكيك امصيبة دخلت عليك وارتاع لبكائه فقال لا ولكن استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم
قال ربيعة ولبضع من يفتى ههنا أحق بالحبس من السراق ومن مسائل إسحاق الكوسج لأحمد
قلت يتوضأالرجل في المسجد قال فعل ذلك قوم إسحاق هو حسن ما لم يستنج فيه قلت إذا عطس الرجل يوم الجمعة قال لا تشمته قلت يقاتل اللص قال إذا كان مقبلا فقاتله وإذا ولى لا تقاتل قال إسحاق كما قال ويناشده في الإقبال ثلاثا فإن أبى وإلا يقاتله قلت الضالة المتكتومة قال الذي يكتمها إذا زالت القطع فغرامة مثلها عليه قال إسحاق كما قال سنة مسنونة
قلت سئل سفيان عن صبي افتض صبية قال لها مهر مثلها في ماله قال أحمد يكون على عاقلته إذا بلغ الثلث قال إسحاق كما قال سفيان في ماله قلت قال سفيان استفتي يوسف بن عمر بن ابي ليلى في هذه فقال لها مهر مثلها في ماله قال أحمد لا بل على عاقلته قال اسحاق كما قال ابن أبي ليلى
قلت كأنه اراده والله أعلم أرش البكارة فسماه مهرا أو يقال أن استيفاء هذه المتعة منه تجري مجرى جنايته عليها فإذا أوجبت مالا كان على من يحمل جنايته ولا ريب أن الوطء يجرى مجرى الجناية إذ لا بد فيه من عفو أو عقوبة وجناية الصبي على

النفوس والأعضاء والمنافع على عاقلته وهذه جناية على منفعة الصبية فتكون على عاقلته وهذا أصوب الاحتمالين ولم أر أصحابنا تعرضوا لهذا النص ولا وجهوه
قلت أيقطع في الطير قال لا يقطع في الطير قال إسحاق كما قال قلت لعله أراد به الطير إذا تفلت من قفصه فصاره وهو خلاف ظاهر كلامه إذ يقال الطير لا تستقر عليه اليد ولا يثبت في الحرز ولا سيما إذا اعتاد الخروج والمجىء كالحمام وأجود من هذين المأخذين أن يقال إذا أخذه فهو بمنزلة من فتح القفص عنه حتى ذهب ثم صاده من الهواء فإن ملك صاحبه عليه في الحالين واحد وهو لو تفلت من قفصه ثم جاء إلى دار انسان فأخذه لم يقطع ولو صاده من الهواء لم يقطع فكذلك إذا فتح قفصه وأخذه منه والقاضي تأويل هذا النص على الكير غير المملوك ولا يخفي فساد هذا التأويل والذي عندي فيه أن أحمد ذهب إلى قول أبي يوسف في ذلك والله أعلم
قلت رجل زوج جاريته ثم وقع عليها قال أحمد أما الرجم فادرأعنه لكن أضربه الحد محصنا كان أو غير محصن
قال إسحاق كما قال يجلد مائة جلدة نكالا كما قال عمر قلت لعله سمى التعزير حدا وبلغ به مائة أو لما سقط عنه الرجم حده حد الزاني غير المحصن
قلت سئل سفيان عن رجل قال لرجل ما كان فلان لبلد مثلك قال ما أرى في هذا شيئا فقال أحمد هو تعريض شديد فيه الحد
قلت سئل سفيان عن رجل قال لرجل أنت أكثر زنا من فلان وقد ضرب فلان في الزنا قال ما أرى الحد بينا أرى أن يعزر قال أحمد هذا تعريض يضرب الحد
قال أسحاق كما قال أحمد فقد نص على وجوب الحد بالتعريض وهو الصواب بلا ريب فإنه أنكى وأوجع من التصريح وهو ثابت عن عمر
قلت قال سفيان من رمى الجمرتين ولم يقم عندهما فليذبح شاة أو ليتصدق بصاع قال أحمد لا أعلم عليه شيئا ويتقرب إلى الله تعالى بما شاء وقد اساء قال إسحاق كما قال احمد
قلت الحائك يدفع إليه ثوبا على الثلث والربع قال كل شيء من هذا الغزل والدار والدابة وكل شيء يدفع إلى الرجل يعمل فيه على الثلث والربع فعلى قصة خيبر قال إسحاق كما قال أحمد
قلت من بنى في فناء قوم بإذنهم أو بغير إذنهم قال إذا كان بإذنهم فله

عليهم نفقته وإن كان بغير إذنهم قلع بناءه وأحب إلى إذا كان البناء ينتفع به هنا أن يعطيه النفقة ولا يقلع بناءه قال إسحاق كما قال سواء
قلت رجل ضل بعير له اعجف فوجده في يد رجل قد أنفق عليه حتى سمن قال هو بعيره يأخذه من أمر هذا أن يأخذ قال النبي دعها فإن معها حذاءها وسقاءها // رواه البخاري ومسلم // قال إسحق إذا كان أخذه في دار مضيعة فأنفق عليه ليرده إلى الأول ويأخذ النفقة كان له ذلك
قلت ولا يناقض هذا قاعدته فيمن أدى عن غيره واجبا بغير إذنه أنه يرجع عليه لأن هذا متعد بأخذ البعير حيث نهاه الشارع عن أخذه والله تعالى أعلم بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية الجزء الرابع ج4

بسم الله الرحمن الرحيم
فصول في أصول الفقه والجدل وآدابه والإرشاد إلى المنافع كما جاء في القرآن والسنة فصل عموم النكرة في النفي والإثبات
النكرة في سياق النفي تعم مستفاد من قوله تعالى ولا يظلم ربك أحد فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين وفي الاستفهام من قوله هل تعلم له سميا الشرط من قوله فإما ترين من البشر أحدا إن أحد من المشركين استجارك وفي النهى من قوله ولا يلتفت منكم أحد وفي سياق الإثبات بعموم العامة والمقتضى كقوله علمت نفس ما أحضرت وإذا أضيف إليها كل نحو وجاءت كل نفس ومن عمومها بعموم المقتضى ونفس وما سواها فصل عموم المفرد والجمع
ويستفاد عموم المفرد المحلى باللام من قوله إن الإنسان لفي خسر وقوله وسيعلم الكفار وعموم المفرد المضاف من قوله وصدقت بكلمات ربها وكتبه وقوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق والمراد جميع الكتب التي أحصيت فيها أعمالهم وعموم الجمع المحلى بالام من قوله وإذا الرسل أقتت وقوله وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم وقوله إن المسلمين والمسلمات إلى آخرها

والمضاف من قوله كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وعموم أدوات الشرط الأسماء من قوله ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وقوله فمن يعمل مثقال زرة خيرا يرا وما تفعلوا من خير يعلمه الله أينما تكونوا يدركم الموت وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنافقل سلام عليكم
هذا إذا كان الجواب طلبا مثل هاتين الآيتين فإن كان خبرا ماضيا لم يلزم العموم كقوله وإذا رأو تجارة أو لهوا أنفضوا إليها إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله
وإن كان مستقبلا فأكثر موارده للعموم كقوله وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وإذا مروا بهم يتغامزون وقوله إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون وقد لا تعم كقوله وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم فصل الوجوب والتحريم
ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمة لمن خالفه وتسميته إياه عاصيا وترتيبه عليه العقاب العاجل أو الآجل
ويستفاد كون النهي للتحريم من ذمة لمن ارتكبه وتسميته عاصيا وترتيبه العقاب على فعله ويستفاد الوجوب بالإمر تارة وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب ولفظة على ولفظة حق على العباد وعلى المؤمنين وترتيب الذم والعقاب على الترك وإحباط العمل بالترك وغير ذلك
ويستفاد التحريم من النهي والتصريح بالتحريم والحظر والوعيد علىالفعل وذم الفاعل وإيجاب الكفارة بالفعل وقوله لا ينبغي فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا أوشرعا ولفظة ما كان لهم كذا ولم يكن لهم وترتيب الحد على الفعل ولفظة لا يحل ولا يصلح ووصف الفعل بأنه فساد وأنه من تزيين الشيطان وعمله وإن

الله لا يحبه وأنه لا يرضاه لعباده ولا يزكي فاعله ولا يكلمه ولا ينظر إليه ونحو ذلك
وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير والأمر بعد الحظر ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة والإخبار بأنه معفو عنه وبالإقرار على فعله في زمن الوحي وبالإنكار على من حرم الشيء والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا وامتنانه علينا به وإخباره عن فعل من قبلنا له غير ذام لهم عليه فإن اقترن بإخباره مدح فاعله لأجله دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا فصل الوجوب والندب
وكل فعل عظمه الله ورسوله ومدحه أو مدح فاعله لأجله أو فرحه به أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به او رضى عن فاعله أو وصفه بالطيب أو البركة أو الحسن أو نصبه سببا لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لشكره له أو لهدايته إياه أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارة فاعله بالطيب أو وصف الفعل بكونه معروفا أو نفي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده بالأمن أو نصبه سببا لولايته أو اخبر عن دعاء الرسل بحصوله أو وصفه بكونه قربة أو أقسم به أو بفاعله كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتها أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله أو عجبه به فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب فصل استنباط التحريم من القرآن الكريم
وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذم فاعله أو عتب عليه أو لعنه أو مقته أو مقت فاعله أو نفي محبته إياه أو محبة فاعله أو نفي الرضى به أو الرضاء عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين أو جعله مانعا من الهدى أو من القبول او وصفه بسوء كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه أو جعل سببا لنفي الصلاح لعذاب عاجل أو آجل أو لذم أو لوم أو لضلالة أو معصية أو وصف بخبث أو

رجس أو نجس أو بكونه فسقا أو أسما أو سببا لإثم أو رجس أو لعن أو غضب أو زوال نعمة أو حلول نقمة أو حد من الحدود أو قسوة أو خزي أو ارتهان نفس أو لعداوة الله أو لمحاربته أو للاستهزاء به وسخريته أو جعله الرب سببا لنسيانه لفاعله أو وصف نفسه بالصبر عليه أو بالحلم والصفح عنه أو دعا إلى التوبة منه أو وصف فاعله بخبث أو احتقار أو نسبة إلى عمل الشيطان وتزيينه أو تولى الشيطان لفاعله أو وصفه بصفة ذم مثل كونه ظلما أو بغيا أو عدوانا أو إثما أو تبرأ الأنبياء منه أو فاعله أو شكوا إلى الله من فاعله أو جاهروا فاعله بالعداوة أ نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا او اجلا أو ترتب عليه حرمان الجنة أو وصف فاعله بأنه عدو لله وان الله عدوه او اعلم فاعله بحرب من الله ورسوله أو حمل فاعله إثم غيره أو قيل فيه لا ينبغي هذا ولا يصلح أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه أو أمر بفعل يضاده أو هجر فاعله أو تلاعن فاعلوه في الآخرة وتبرأ بعضهم من بعض أو وصف فاعله بالضلالة أو أنه ليس من الله في شيء من الرسول وأصحابه أو قرن بمحرم ظاهر التحريم في الحكم والخبر عنهما بخبر واحد أو جعل اجتنابه سببا للفلاح أو فعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين أو قيل لفاعله هل أنت منته أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله أو رتب عليه إبعادا وطردا ولفظة قتل من فعله أو قاتل الله من فعله أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وإن الله لا يصلح عمله ولا يهدي كيده وإن فاعله لا يفلح ولا يكون يوم القيامة من الشهداء ولا من الشفعاء أو أن الله يغار من فعله أو منه على وجه المفسدة فيه أو أخبر أنه لا يقبل من فاعله صرفا ولا عدلا أو أخبر أن من فعله قيض له شيطان فهو له قرين أو جعل الفعل سببا لإزاغة الله قلب فاعله أو صرفه عن آياته وفهم كلامه أو سؤال الله تعالى عن علة الفعل لم فعل نحو لم تصدون عن سبيل الله لم تلبسون الحق بالباطل ما منعك أن تسجد لم تقولون ما لا تفعلون ما لم يقترن به جواب من المسؤول فإن اقترن به جواب كان بحسب جوابه
فهذا ونحوه يدل على المنع من الفعل ودلالته على التحريم أطرد من دلالته على مجرد الكراهة
وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه وأما لفظة أما أنا فلا أفعل فالمتحقق من الكراهة كقوله أما أنا فلا آكل متكئا وأما لفظه ما يكون لك وما يكون لنا فاطرد

استعمالها في المحرم نحو ما يكون لك أن تتكبر فيها وما يكون لنا أن نعود فيها ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق فصل كيفية استفادة الإباحة
وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ورفع الجناح والإذن والعفو وإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل من الامتنان بما في الأعيان من المنافع وما يتعلق بها من الأفعال نحو من أصوافها وأوبارها واشعارها أثاثا ونحو وبالنجم هم يهتدون ومن السكوت عن التحريم ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي وهو نوعان إقرار الرب تبارك وتعالى وإقرار رسوله إذا علم الفعل فمن إقرار الرب تعالى قول جابر كنا نعزل والقرآن ينزل // رواه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي // ومن إقرار رسوله قول حسان لعمر كنت أنشد وفيه من هو خير منك فائدة جمع أصول احكام الشريعة
قوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين جمعت أصول أحكام الشريعة كلها فجمع الأمر والنهي والإباحة والخبر

فائدة معاتبة الله لنبيه
تقديم العتاب على الفعل من الله تعالى لا يدل على تحريمه وقد عاتب الله تعالى نبيه في خمسة مواضع من كتابه في الأنفال وبراءة والأحزاب وسورة التحريم وسورة عبس خلافا لأبي محمد بن عبد السلام حيث جعل العتب من أدلة النهي

فائدة الامتنان بممنوع
لا يصح الامتنان بممنوع منه خلافا لمن زعم أنه يصح ويصرف الامتنان إلى خلقه للصبر عنه فائدة الجمع بين التزهيد والترغيب
قوله تعالى قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا جمعت بين التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والحض علىالفعل الخير والزجر عن فعل الشر إذا قوله ولا تظلمون فتيلا يتضمن حثهم على كسب الخير وزجرهم عن كسب الشر فائدة دلالات التعجب
التعجب كما يدل على محبة الله لفعل نحو عجب ربك من شاب ليست له صبوة ويعجب ربك من رجل ثار من فراشه ووطائه إلى الصلاة ونحو ذلك وقد يدل على بعض الفعل نحو قوله وإن تعجب فعجب قولهم وقوله بل عجبت ويسخرون كيف تكفرون بالله وقوله وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وقد يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه نحو كيف يكون للمشركين عهد وقد يدل على حسن المنع منه وأنه لا يليق به فعله نحو كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم فائدة نفي التساوى في القرآن الكريم
نفي التساوي في كتاب الله تعالى قد يأتي بين الفعلين كقوله تعالى أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله وقد يأتي بين الفاعلين نحو لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في

سبيل الله وقد يأتي بين الجزئين كقوله لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة وقد جمع الله بين الثلاثة في آية واحدة وهي قوله تعالى وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات فالأعمى والبصير الجاهل والعالم والظلمات والنور الكفر والإيمان الظل والحرور الجنة والنار الأحياء والأموات والمؤمنين والكفار فائدة ضرب الأمثال في القرآن الكريم
ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس
وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم وعلى الثواب والعقاب وعلي تفخيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر والله أعلم فائدة إرشادات السياق
السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة
وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن اهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته فانظر إلى قوله تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير فائدة إخبار الله عباده عن المحسوس
إخبار الرب تبارك وتعالى عن المحسوس الواقع له عدة فوائد
منها أن يكون توطئة وتقدمه لإبطال ما بعده

ومنها أن يكون موعظة وتذكير
ومنها أن يكون شاهدا على ما أخبر به من توحيده وصدق رسوله وإحياء الموتى
ومنها أن يذكر في معرض الامتنان
ومنها أن يذكر في معرض اللوم والتوبيخ
ومنها أن يذكر في معرض المدح والذم
ومنها أن يذكر في معرض الإخبار عن إطلاع الرب عليه وغير ذلك من الفوائد

فائدة قوله وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوء لقومكما بمصر بيوتا وقوله
تعالى وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين هو من أحسن النظم وأبدعه فإنه ثنى أولا إذ كان موسى وهارون هما الرسولان المطاعان ويجب على بنى إسرائيل طاعة كل واحد منهما سواء وإذا تبوءا البيوت لقومهما فهم تبع لهما ثم جمع الضمير فقال وأقيموا الصلاة لأن إقامتها فرض على الجميع ثم وحده في قوله وبشر المؤمنين أن موسى هو الأصل في الرسالة وأخوه ردءا ووزيرا وكما أرسلا برسالة واحدة كانا رسولا واحدا كقوله تعالى إني رسول رب العالمين فهذا الرسول هو الذي قيل له وبشر المؤمنين فائدة عدم المانع شرط في ثبوت الحكم
الفقهاء يقولون عدم المانع شرط في ثبوت الحكم لأن الحكم يتوقف عليه ولا يلزم من تحقق عدم المانع ثبوت الحكم وهذا حقيقة الشرط واعترض على هذا الشهاب القرافي وزعم أنه غير صحيح بأن قال المشكوك فيه ملغي في الشريعة فإذا شككنا في الشرط أو في السبب لم يترتب الحكم وإذا شككنا في المانع رتبنا الحكم كما إذا شككنا في ردة زيد قبل وفاته أو في طلاقه لامراته لم يمنع ذلك ترتيب الميراث
ثم قال فلو كان عدم المانع شرطا لاجتمع النقيضان فيما إذا شككنا في طريان المانع لأن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في النقيض الآخر فإذا شككنا في وجود المانع شككنا في عدمه ضرورة فلو كان عدمه شرطا لكنا قد شككنا في الشرط

والشك في الشرط يمنع ترتب الحكم والشك في المانع لايمنع ترتب الحكم فيجتمع النقيضان
قلت وهذا الاعتراض في غاية الفساد فإن الشك في عدم المانع إنما لم يؤثر إذا كان عدمه مستصحبا بالأصل فكون الشك في وجوده ملغى بالأصل فلا يؤثر الشك ولا فرق بينه وبين الشرط في ذلك لو شككنا في إسلام الكافر وعتق العبد عند الموت لم نورث قريبة المسلم منه إذ الأصل بقاء الكفر والرق وقد شككنا في ثبوت شرط التوريث
وهكذا إذا شككنا في الردة أو الطلاق لم يمنع الميراث لأن الأصل عدمهما ولا يمنع كون عدمها شرطا ترتب الحكم مع الشك فيه لأنه مستند إلى الأصل كما لم يمنع الشك في إسلام الميت الذي هو شرط التوريث منه لأن بقاءه مستند إلى الأصل فلا يمنع الشك فيه من ترتب الحكم فالضابط أن الشك في بقاء الوصف على أصله أو خروجه عنه لا يؤثر في الحكم استنادا إلى الأصل سواء كان شرط أو عدم مانع فكما لا يمنع الشك في بقاء الشرط من ترتب الحكم فكذلك لا يمنع الشك استمرار عدم المانع من ترتب الحكم فإذا شككنا هل وجد مانع الحكم أم لا لم يمنع من ترتب الحكم ولا من كون عدمه شرطا لأن استمراره على النفي الأصلي يجعله بمنزلة العدم المحقق في الشرع وإن أمكن بطلانه كما أن استمرار الشرط على ثبوته الأصلي يجعله بمنزلة الثابت المحقق شرعا وإن أمكن خلافه فعلم أن إطلاق الفقهاء صحيح واعتراض هذا المعترض فاسد
ومما يبين لك الأمر اتفاق الناس على أن الشرط ينقسم إلى وجودي وعدمي بمعنى أن وجود كذا شرط فيه وعدم كذا شرط فيه وهذا متفق عليه بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين وسائر الطوائف وما كان عدمه شرطا فوجوده مانع كما أن ما وجوده شرط فعدمه مانع
فعدم الشرط مانع من موانع الحكم وعدم المانع شرط من شروطه وبالله التوفيق فائدة الأدلة والأسباب والبينات
الحاكم محتاج إلى ثلاثة أشياء لايصح له الحكم إلا بها معرفة الأدلة والأسباب والبينات
فالأدلة تعرفه الحكم الشرعي الكلي والأسباب تعرفه ثبوته في هذا المحل المعين أو

انتفاءه عنه والبينات تعرفه طريق الحكم عند التنازع ومتى اخطأفي واحد من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم وجميع خطأالحكام مداره على الخطأفيها أو في بعضها مثال ذلك إذا تنازع عنده إثنان في رد سلعة مشتراه بعيب فحكمه موقوف على العلم بالدليل الشرعي الذي يسلط المشترى على الرد وهو إجماع الأمة المستند إلى حديث المصراة وغيره وعلى العلم بالسبب المثبت بحكم الشارع في هذا البيع المعين وهو كون هذا الوصف عيبا يسلط علىالرد أم ليس بعيب وهذا لا يتوقف العلم به على الشرع بل على الحس أو العادة والعرف أو الخبر ونحو ذلك وعلى البينه التي هي طريق الحكم بين المتنازعين وهي كل ما تبين له صدق أحدهما يقينا أو ظنا من إقرار أو شهادة أربعة عدول أوثلاثة في دعوى الإعسار بتلف ماله على أصح القولين او شاهدين أو رجل وامرأتين أوشاهد ويمين أو شهادة رجل واحد وهو الذي يسميه بعضهم الإخبار ويفرق ويفرق بينه وبين الشهادة مجرد اللفظ أو شهادة امرأة واحدة كالقابلة والمرضعة أو شهادة النساء منفردات حيث لا رجل معهن كالحمامات والأعراس على الصحيح الذي لا يجوز القول بغيره أو شهادة الصبيان على الجراح إذا لم يتفرقوا أو شهادة الأربع من النسوة أوالمراتين أو القرائن الظاهرة عند الجمهور كمالك وأحمد وأبي حنيفة كتنازع الرجل والجلم والإبرة والذراع وكتنازع الوراق والحداد في الدواء والمسطرة والقلم والمطرقة وامراته في ثيابهما وكتب العلم ونحو ذلك كتنازع النجار والخياط في القدوم والجلم والكلبتين والسندان ونحو ذلك مما يقتضي فيه أكثر اهل العلم لكل واحد من المنتازعين بآلة صنعته بمجرد دعواه
والشافعي يقسم الخف بين الرجل والمرأة ويقسم الكتاب الذي يقرأ فيه بينهما وكذلك طيلسانه وعمامته أو الشاهد واليمين أو اليمين المرودة أوالنكول المجرد أو القسامة أو التعان الزوج ونكول الزوجة أوشهادة أهل الذمة في الوصية في السفر أوشهادة بعضهم على بعض أوالوصف للقطة أو شهادة الدار أو الحبل في ثبوت زنا التي لا زوج لها أو رائحة المسكر أو قيئه أو وجود المسروق عند من ادعى عليه سرقته على أصح القولين أو وجود الآجر ومعاقد القمط وعقد الأزج عند من يقول بها فهذه كلها داخلة في اسم البينة فإنها اسم لما يبين الحق ويوضحه وقد أرشد الله سبحانه إليها في كتابه حيث حكى عن شاهد يوسف اعتباره قد القميص وحكى عن

يعقوب وبنيه أخذهم البضائع التي باعوا بها بمجرد وجودهم لها في رحالهم اعتمادا على القرائن الظاهرة بأنها وهبت لهم ممن ملك التصرف فيها وهم لم يشاهدوا ذلك ولا علموا به ولكن اكتفوا بمجرد القرينة الظاهرة وكذلك سليمان بن داود عليهما السلام حكم للمرأة بالولد بقرينة رحمتها له لما قال إيتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل هو ابنها فقضى به لها وهذا من أحسن القرائن وألطفها
وكذلك النبي بتعذيب أحد ابنى الحقيق اليهودي ليدله على كنز حيي ابن أخطب وقد ادعى ذهابه فقال هو أكثر من ذلك والعهد قريب // صحيح // فاستدل بهذه القرينة الظاهرة على كذبه في دعواه فأمر الزبير أن يعذبه حتى يقر به فإذا عذب الوالي المتهم إذا ظهر له كذبه ليقر بالسرقة لم يخرج عن الشريعة إذا ظهرت له ريبة بل ضربه له في هذه الحال من الشرع
وقد حبس رسول الله في تهمة وقد عزم علي والزبير على تجريد المرأة التي معها الكتاب وتفتيشها لما تيقنا أن الكتاب معها // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد // فإذا غلب على ظن الحاكم أن المال المسروق أو غيره في بيت أو غيره في بيت المدعى عليه أو معه فأمر بتفتيشه حتى يظهر المال لم يكن بذلك خارجا عن الشرع
وقد قال النعمان بن بشير للمدعي على قوم بسرقة مال لهم إن شئتم أن أضربهم فإن ظهر متاعكم عندهم وإلا أخذت من ظهوركم مثله يعنى مثل ضربهم فقالوا هذا حكمك قال بل هذا حكم رسول الله أحمد ابو داود والنسائي حسن //
والرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء بل بين المسلمين كلهم وقد اعتمد الصحابة على القرائن في الحدود فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقىء والرائحة وأمر النبي باستنكاه المقر بالسكر وهو اعتماد على الرائحة

والأمة مجمعة على جواز وطء الزوج للمرأة التي تهديها إليه النساء ليلة العرس ورجوعه إلى دلالة الحال أنها هي التي وقع عليها العقد وإن لم يراها ولم يشهد بتعيينها رجلان
ومجمعة على جواز أكل الهدية وإن كانت من فاسق أو كانت من صبي ومن نازع في ذلك لم يمكنه العمل بخلافه وإن قاله بلسانه
ومجمعة على جواز شراء ما بيد الرجل اعتمادا على قرينة كونه في يده وإن جاز أن يكون مغصوبا وكذلك يجوز إنفاق النقد إذا أخبر بأنه صحيح رجل واحد ولو كان ذميا فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعرف فائدة

دليل مشروعية الحكم ودليل وقوع الحكم
الفرق بين دليل مشروعة الحكم وبين دليل وقوع الحكم فالأول متوقف علىالشارع والثاني يعلم بالحس أو الخبر أو الزيادة
فالأول الكتاب والسنة ليس إلا وكل دليل سواهما يستنبط منهما
والثاني مثل العلم بسبب الحكم وشروطه وموانعه فدليل مشروعيته يرجع فيه إلى أهل العلم بالقرآن والحديث ودليل وقوعة يرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأسباب والشروط والموانع
ومن أمثله ذلك بيع المغيب في الأرض من السلجم والجزر والقلقاس وغيره فدليل المشروعية أو منعها موقوف علىالشارع لايعلم إلا من جهته
ودليل سبب الحكم أو شروطه أو مانعه يرجع فيه إلى أصله فإذا قال المانع من الصحة هذا غرر لأنه مستور تحت الأرض قيل كون هذا غررا أو ليس بغرر يرجع إلى الواقع لا يتوقف على الشرع فإنه من الأمور العادية المعلومة بالحس أوالعادة مثل كونه صحيحا أو سقيما وكبارا أو صغارا ونحو ذلك فلا يستدل على وقوع أسباب الحكم بالأدلة الشرعية كما لا يستدل على شرعيته بالأدلة الحسية فكون الشيء مترددا بين السلامة والعطب وكونه مما يجهل عاقبته وتطوى مغبته أو ليس كذلك يعلم بالحس أو العادة لا يتوقف على الشرع ومن استدل على ذلك بالشرع فهو كمن استدل على ان هذا الشراب مسكر بالشرع وهذا ممتنع بل دليل إسكاره الحس ودليل تحريمه الشرع
فتأمل هذه الفائدة ونفعها ولهذه القاعدة عبارة أخرى وهي ان دليل سببية الوصف غير

دليل ثبوته فيستدل على سببيته بالشرع وعلى ثبوته بالحس أو العقل أو العادة فهذا شيء وذلك شيء فائدة الأمر المطلق ومطلق الأمر
الأمر المطلق والجرح المطلق والعلم المطلق والترتيب المطلق والبيع المطلق والماء المطلق المطلق غير المطلق الأمر والجرح والعلم إلى آخرها والفرق بينهما من وجوه
أحدها أن الأمر المطلق لا ينقسم إلى أمر الندب وغيره فلا يكون موردا للتقسيم ومطلق الأمر ينقسم إلى أمر أيجاب وأمر ندب فمطلق الأمر ينقسم والأمر المطلق غير منقسم
الثاني أن الأمر المطلق فرد من أفراد مطلق الأمر ولا ينعكس
الثالث أن نفي مطلق الأمر يستلزم نفي الأمر المطلق دون العكس
الرابع أن ثبوت مطلق الأمر لا يستلزم ثبوت الأمر المطلق دون العكس
الخامس أن الأمر المطلق نوع لمطلق الأمر ومطلق الامر جنس للأمر المطلق
السادس أن الأمر المطلق مقيد بالإطلاق لفظا مجرد عن التقييد معنى ومطلق الأمر مجرد عن التقييد لفظا مستعمل في المقيد وغيره معنى
السابع أن الأمر المطلق لا يصلح للمقيد ومطلق الأمر يصلح للمطلق والمقيد
الثامن أن الأمر المطلق هو المقيد بقيد الإطلاق فهو متضمن للإطلاق والتقييد ومطلق الأمر غير مقيد وإن كان بعض أفراده مقيدا
التاسع أن من بعض أمثلة هذه القاعدة الإيمان المطلق ومطلق الإيمان فالإيمان المطلق لا يطلق إلا على الكامل الكمال المأمور به ومطلق الإيمان يطلق علىالناقص والكامل ولهذا نفى النبي المطلق عن الزاني وشارب الخمر والسارق ولم ينف عنه مطلق الإيمان لئلا يدخل في قوله والله ولى المؤمنين ولا في قوله قد أفلح المؤمنين ولا في قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى آخر الآيات ويدخل في قوله فتحرير رقبة مؤمنة وفي قوله وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا وفي قوله لا يقتل مؤمن بكافر // رواه البخاري والترمذي والنسائي // وأمثال ذلك

فائدة مطلق الإيمان والإيمان المطلق
فلهذا كان قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا نفيا للإيمان المطلق لا لمطلق الإيمان لوجوه
منها أنه أمرهم او اذن لهم أن يقولوا أسلمنا والمنافق لا يقال له ذلك
ومنها أنه قال قالت الأعراب ولم يقل قال المنافقون
ومنها أن هؤلاء الجفاة الذين نادوا رسول الله من وراء الحجرات ورفعوا أصواتهم فوق صوته غلظة منهم وجفاء لا نفاقا وكفرا
ومنها أنه قال ولما يدخل إلإيمان في قلوبكم ولم ينف دخول الإسلام في قلوبهم ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام كما نفى الإيمان
ومنها أن الله تعالى قال وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا أي لا ينقصكم والمنافق لا طاعة له
ومنها أنه قال يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم فأثبت لهم إسلامهم ونهاهم أن يمنوا على رسول الله لم يكن إسلاما صحيحا لقال لم تسلموا بل أنتم كاذبون كما كذبهم في قولهم نشهد أنك لرسول الله لما لم تطابق شهادتهم اعتقادهم
ومنها أنه قال بل الله يمن عليكم ولو كانوا منافقين لما من عليهم
ومنها أنه قال أن هداكم للإيمان ولا ينافي هذا قوله قل لم تؤمنوا فإنه نفى الإيمان المطلق ومن عليهم بهدايتهم إلىالإسلام الذى هو متضمن لمطلق الإيمان
ومنها أن النبي لما اقسم القسم قال له سعد أعطيت فلانا وتركت فلانا وهو مؤمن فقال أو مسلم ثلاث مرات // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي // وأثبت له الإسلام دون الإيمان وفي الآية أسرار بديعة ليس هذا موضعها والمقصود الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان فالإيمان المطلق يمنع دخول النار ومطلق الإيمان يمنع الخلود فيها
العاشر إنك إذا قلت الأمر المطلق فقد ادخلت اللام على الأمر وهى تفيد العموم والشمول ثم وصفته بعد ذلك بالإطلاق بمعنى أنه لم يقيد بقيد يوجب

تخصيصه من شرط أو صفة وغيرهما فهو عام في كل فرد من الأفراد التي هذا شأنها
وأما مطلق الأمر فالإضافة فيه ليست للعموم بل للتمييز فهو قدر مشترك مطلق لا عام فيصدق بفرد من افراده وعلى هذا فمطلق البيع جائز والبيع المطلق ينقسم إلى جائز وغيره والأمر المطلق للوجوب ومطلق الأمر ينقسم إلى الواجب والمندوب والماء المطلق طهور ومطلق الماء ينقسم إلى طهور وغيره والملك المطلق هو الذى يثبت للحر ومطلق الملك يثبت للعبد
فإذا قيل العبد هل يملك أم لا يملك كان الصواب إثبات مطلق الملك له دون الملك المطلق
وإذا قيل هل الفاسق مؤمن أم غير مؤمن فهو على هذا التفصيل والله تعالى أعلم
فبهذا التحقيق يزول الإشكال في مسألة المندوب هل هو مأمور به أم لا وفي مسألة الفاسق هل هو مؤمن ام لا فائدة انعقاد البيع بالمعاطاة
نص الشافعي علىان البيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول وخرج ابن شريح له قولا أنه ينعقد بالمعاطاه واختلف أصحابه من أين خرجه
فقال بعضهم خرجه من قوله في الهدي إذا عطب قبل المحل فإن المهدى ينحره ويغمس نعلة في دمه ويخلي بينه وبين المساكين ولا يحتاج إلى لفظ بل القرينة كافية
واعترض على هذا التخريج بأن ذلك من باب الإباحات وهي مبنية على المسامحات يغتفر فيها مالا يغتفر في غيرها كتقديم الطعام للضيف والبيع من باب المعاوضات التي تعقد علىالمسامحة ويطلب الشارع قطع النزاع والخصومة بكل طريق
وقال بعضهم هو مخرج عن مسألة الغسال والطباخ ونحوهما فإنه يستحق الأجرة مع انه لم يسم شيئا
واعترض على ذلك بأنه لا نص للشافعي فيها إلاعدم الاستحقاق وإنما قال بعض أصحابه يستحق الأجرة

وقال بعضهم هو مخرج من مسألة الخلع إذا قال لها أنت طالق إن أعطيتنى ألفا فوضعتها بين يديه فإنها تطلق ويملك الألف مع أنه لم يصدر منها لفظ يدل على التمليك
وحكى أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يرجع التخريج من ههنا واعترض عليه بأن في الخلع شائبة التعلق والمعاوضة وأما البيع فمعاوضة محضة ولهذا يصح الخلع بالمجهول دون البيع فائدة جواز البدل وفقد المبدل
ما علق جواز البدل فيه على فقد المبدل فإذا فقدا معا فهل يجب عليه تحصيل المبدل او يتخير بينه وبين البدل فيه خلاف وعليه إذا وجب عليه بنت مخاض فابن لبون فإن عدمه فقولان
أحدهما متخير بينهما في الشراء والثاني أنه يتعين شراء الأصل
ومنها أنه لو ملك مائتين من الأبل وقلنا يخرج أربع حقاق فعدمها فهل يجوز أن يشترى خمس بنات لبون فيه خلاف فائدة ثلاثة من الصحابة كانوا أنصارا ومهاجرين
ثلاثة من الصحابة جمعوا بين كونهم أنصارا ومهاجرين ذكرهم ابن إسحاق في سيرته
أحدهم ذكوان بن عبد قيس من بنى الخزرج قال ابن إسحاق كان خرج إلى رسول الله كان معه بمكة المكرمة ثم هاجر منها إلى المدينة وكان يقال له مهاجري أنصارى شهدا بدرا وقتل بأحد شهيدا
والعباس بن عبادة بن نضلة من بنى الخزرج أيضا قال ابن أسحاق كان فيمن خرج إلى رسول الله وهو بمكة المكرمة فأقام معه بها قتل يوم احد شهيدا
وعقبة بن وهب خرج إلى رسول الله من المدينة المنورة إلى مكة وكان يقال له مهاجرى أنصاري حليف لبنى الخزرج

فائدة قول الحاكم كنت حكمت بكذا
إذا قال الحاكم المولى كنت حكمت بكذا قبل قوله عند أحمد والشافعي والجمهور وعند مالك لا يقبل قوله
قال الجمهور هو يملك للإنشاء فيملك الإقرار كولي المجبرة إذا قال زوجتها من فلان قبل قوله اتفاقا
قال اصحاب مالك الفرق بينهما أن ولي المجبرة غير متهم بخلعها لكمال شفقته وكمال رعايته لمصالح ابنته بخلاف الحاكم
قال أصحاب القول وكذلك نحن إنما نقبل قول الحاكم حكمت حيث تنتفي التهمة فأما إذا كان تهمة لم يقبل
قال أصحاب مالك هذانفسه في مظنه التهمة فوجب رده كما يرد حكمه لنفسه وحكمه بعلمه فمظنه التهمة كافيه وأما الأب فهو في مظنة كمال الشفقة ورعاية مصلحة ابنته فافترقا وهذا فقه ظاهر ومأخذ حسن والإنصاف أولى من غيره فائدة حلف ومخالعة وزواج
إذا حلف على شيء بالطلاق الثلاث أنه لا يفعله ثم خلع ولم يفعله ثم تزوجها
فقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الصحيح أنه لا يعود الحنث فذكر له اختيار الشيخ أبي إسحاق في كتاب الطلاق فقال ذلك غلط قال ومأخذنا في هذه المسألة أنه لو عاد الحنث في النكاح الثاني تملك بالعقد الواحد أكثر من ثلاث تطليقات بيانه أن النكاح يملك به ثلاثا والتنجيز كالتعليق فإنه يملك بالعقد الطلاق المنجز والمعلق ولا يزيد ذلك على ثلاث فلو عاد الحنث لملك ثلاثا بالعقد لو نجزها لوقعت وملك المعلق بتقدير عود الحنث وهو محال فائدة عدة المتوفى عنها زوجها
ربما يظن بعض الناس أن عدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال فإذا طلع فجر

الليلة العاشرة انقضت العدة ووقع في التنبيه وإن كانت أمة اعتدت بشهرين وخمس ليال
ويقوي هذا الوهم حذف التاء من العشر وإنما يحذف مع المؤمن نحو سبع ليال وثمانية ايام وجواب هذا أن المعدود إذا ذكر مع عدده فالأمر كما ذكر تحذف التاء مع المؤنث وتثبت مع المذكر وإذا ذكر العدد دون معدوده المذكر جاز فيه الوجهان حذف التاء وذكرها حكاه الفراء وابن السكيت وغيرهما وعلي هذا جاء قوله من صام رمضان واتبعه من شوال // رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي // ولم يقل بستة
وقوله تعالى يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا فهذه أيام بدليل ما بعدها وعلى هذا فلا نتقضي العدة حتى تغيب شمس اليوم العاشر وما وقع في التنبيه فغلط والله تعالى أعلم ووقع له هذا في باب العدد وباب الاستبراء فائدة الرضع والمرضعة
المرضع من لها ولد ترضعه والمرضعة من ألقمت الثدي للرضيع وعلى هذا فقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت أبلغ من مرضع في هذا المقام فإن المرأة قد تذهل عن الرضيع إذا كان غير مباشر للرضاعة فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعة لم تذهل عنه إلا لأمر أعظم عندها من اشتغالها بالرضاع
وتأمل رحمك الله تعالى السر البديع في عدوله سبحانه عن كل حامل إلى قوله ذات حمل فإن الحامل قد تطلق على المهيأة للحمل وعلى من هي في أول حملها ومبادئه فإذا قيل ذات حمل لم يكن إلا لمن ظهر حملها وصلح للوضع كاملا أو سقطا كما يقال ذات ولد فأتي في المرضعة بالتاء التي تحقق فعل الرضاعة دون التهيؤ لها وأتى في الحامل بالسبب الذي يحقق وجود الحمل وقبوله للوضع والله تعالى أعلم فائدة قول المطلق الرجعي راجعت زوجتى
قال الشيخ تاج الدين سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن معنى قول الفقهاء

للمطلق الطلاق الرجعي قل راجعت زوجتي إلى نكاحي ما معناه وهي لم تخرج من النكاح فإنها زوجة في جميع الأحكام فقلت له معناه إنها رجعت إلى النكاح الكامل الذي لم تكن فيه صائرة إلى بينونه بانقضاء زمان وبالطلاق وصارت إلى بينونه بانقضاء العدة فقال احسنت فائدة إظهار حكم الشرع
القاضي والمفتى مشتركان في أن كلا منهما يجب عليه إظهار حكم الشرع في الواقعة ويتميز الحاكم بالإلزام به وإمضائه فشروط الحاكم ترجع إلى شروط الشاهد والمفتى والوالى فهو مخبر عن حكم الشارع بعلمه مقبول بعدالته منفذ بقدرته فائدة استمرار الحجر على الصبي
كان الشيخ عز الدين يستشكل مذهب الشافعي في أن حجر الصبي يستمر بمجرد الفسق والسفه في الدين وقال قد اتفق الناس على أن المجهول يسمع الحاكم دعواه والدعوى عليه فالغالب في الناس وجودا عدم الرشد في الدين فلو كان الصلاح في الدين شرطا في كل الحجر لزم أن لا يسمع دعوى المجهول ولا إقراره وذلك خلاف الإجماع المستمر عليه العمل فائدة تفضيل الأرض أم السماء
اختلف الناس هل السماء أشرف من الأرض أم الارض أشرف من السماء فالأكثرون على الأول
واحتج من فضل الأرض بأن الله تعالى أنشأمنها أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين وبأنها مساكنهم ومحله أحياء وأمواتا وبأن الله سبحانه وتعالى لما أراد إظهار آدم للملائكة قال إني جاعل في الأرض خليفة فأظهر فضله عليهم بعلمه واستخلافه في الأرض وبأن الله سبحانه وتعالى وضعها بأن جعلها محل بركاته عموما وخصوصا فقال وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر ووصف

الشام بالبركة في ست آيات ووصف بعضها بأنها مقدسة ففيها الأرض المباركة والمقدسة والوادي المقدس وفيها بيته الحرام ومشاعر الحج والمساجد التي هي بيوته سبحانه والطور الذي كلم عليه كليمة ونجيه وبإقسامه سبحانه بالأرض عموما وخصوصا اكثر من إقسامه بالسماء فإنه أقسم بالطور والبلد الأمين والتين والزيتون ولما اقسم بالسماء أقسم بالأرض معها وبأنه سبحانه خلقها قبل خلق السماء كما دلت عليه سورة حم السجدة وبأنها مهبط وحيه ومستقر كتبه ورسله ومحل احب الأعمال إليه وهو الجهاد والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومغايظة أعدائه ونصر اوليائه وليس في السماء من ذلك شيء وبأن ساكنيها من الرسل والأنبياء والمتقين افضل من سكان السماء من الملائكة كما هو مذهب أهل السنة فمسكنهم أشرف من مسكن الملائكة وبأن ما اودع فيها من المنافع والأنهار والثمار والمعارف والأقوات والحيوان والنبات ما هو من بركاتهم لم يودع في السماء مثله وبأن الله سبحانه قال وفي الأرض آيات للمؤمنين ثم قال وفي السماء رزقكم وما توعدون فجعل الأرض محل آياته والسماء محل رزقه ولو لم يكن له فيها إلا بيته وبيت خاتم انبيائه ورسله حيا وميتا وبأن الارض جعلها الله قرارا وبساطا ومهادا وفراشا وكفاتا ومادة للساكن لملابسه وطعامه وشرابه ومراكبه وجميع آلاته ولا سيما إذا أخرجت بركتها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج
قال المفضلون للسماء على الأرض يكفي في فضلها أن رب العالمين سبحانه فيها وأن عرشه وكرسيه فيها وأن الرفيق الأعلى الذي أنعم الله عليه فيها وأن دار كرامته فيها وانها مستقر انبيائه ورسله وعباده المؤمنين يوم الحشر وأنها مطهرة مبرأة من كل شر وخبث ودنس يكون في الأرض ولهذا لا تفتح أبوابها للأرواح الخبيثة ولا يلج ملكوتها ولأنها مسكن من لا يعصون الله طرفة عين فليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد أو قائم وبأنها أشرف مادة من الأرض وأوسع وأنور وصفى واحسن خلقه وأعظم آيات وبأن الأرض محتاجة في كمالها إليها ولا تحتاج هي إلى الأرض ولهذا جاءت في كتاب الله في غالب المواضع مقدمة على الارض وجمعت وأفردت الأرض فبشرفها وفضلها أتى بها مجموعة واما الأرض فلم يأت بها إلا مفردة وحيث اريد تعدادها قال وفي الأرض مثلهن وهذا القول هو الصواب والله سبحانه وتعالى أعلم

فائدة فق النكاح
فرق النكاح عشرون فرقة الأولى فرقة الطلاق الثانية الفسخ للعسرة بالمهر الثالثة الفسخ للعسر عن النفقة الرابعة فرقة الإيلاء الخامسة فرقة الخلع السادسة تفريق الحكمين السابعة فرقة العنين الثامنه فرقة اللعان التاسعة فرقة العتق تحت العبد العاشرة فرقة الغرور الحادية عشر فرقة العيوب الثانية عشرة فرقة الرضاع الثالثة عشر فرقة وطء الشبهة حيث تحرم الزوجة الرابعة عشر فرقة إسلام أحد الزوجين الخامسة عشر فرقة ارتداد أحدهما السادسة عشر فرقة إسلام الزوج وعنده اختان أو أكثر من أربع أو امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها السابعة عشر فرقة السبا الثامنة عشر فرقة ملك أحد الزوجين صاحبة التاسعة عشر فرقة الجهل بسبق أحد النكاحين العشرون فرقة الموت فهذه الفروق منها إلى المرأة وحدها فرقة الحرية والغرور والعيب ومنها إلى الزوج وحده الطلاق والغرور والعيب أيضا ومنها ما للحاكم فيه مدخل وهو فرقة العنين والحكمين والإيلاء والعجز عن النفقة والمهر ونكاح الوليين ومنها ما لا يتوقف على أحد الزوجين ولا الحاكم هو اللعان والردة والوطء بالشبهة وإسلام أحدهما وملك احد الزوجين صاحبة والرضاع وهذه الفرق منها ما لا يتلافى إلا بعد زوج وإصابة وهو استيفاء الثلاث ومنها ما لا يتلافى ابدا وهو فرقة اللعان والرضاع والوطء بشبهة ومنها مالا يتلافى في العدة خاصة وهى فرقة الردة وإسلام احد الزوجين الطلاق الرجعي ومنها ما يتلافى بعقد جديد وهي فرقة الخلع والإعسار بالمهر والنفقة وفرقة الإيلاء والعيوب والغرور وكلها فسخ إلا الطلاق وفرقة الإيلاء والفرقة بالحكمين فائدة الشك عند الفقهاء
حيث أطلق الفقهاء لفظ الشك فمرادهم به التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء تساوى الاحتمالان او رجح أحدهما كقوله إذا شك في نجاسة الماء أو طهارته أو انتقاض الطهارة أو حصولها أو فعل ركن في الصلاةأو شك هل طلق واحدة أو اكثر أو شك هل غربت الشمس أم لا ونحو ذلك بنى على اليقين ويدل على صحة قوله الشك وليبن على ما أستيقن // رواه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم //

انتقاض الشك
قال أهل اللغة الشك خلاف اليقين
وهذا ينتقض بصور منها أن الإمام متى تردد في عدد الركعات بنى على الأغلب من الاحتمالين
ومنها أنه إذا شك في الأولى بنى على الأغلب في ظنه عندما يجوز له التحرى
ومنها أنه أذا شك في القبلة بنى على غالب ظنه في الجهات
ومنها أنه إذا شك في دخول وقت الصلاة جاز له أن يصلى إذا غلب على ظنه دخول الوقت
ومنها أنه إذا غلب على ظنه عدالة الراوى والشاهد عمل بها ولم يقف على اليقين
ومنها إذا شك في المال هل هو نصاب أم لا وغلب على ظنه أنه نصاب فإنه يزكيه كما لو اخبره خارص واحد بأنه نصاب
ومنها لو وجد في بيته طعاما وغلب على ظنه أنه أهدى له جاز له الأكل وإن لم يتيقن كما لو أخبره بد ولده أو امرأته
ومنها أنه لو شك في مال زيد هل هو حلال أم حرام وغلب على ظنه أنه حرام فإنه لا يجوز له الأكل منه ونظائر ذلك كثيرة جدا فما ذكر من القاعدة ليس بمطرد فائدة تزاحم الحقين
إذا تزاحم حقان في محل أحدهما متعلق بذمة من هو عليه والآخر متعلق بعين من هى له قدم الحق المتعلق بالعين على الآخر لأنه يفوت بفواتها بخلاف الحق الآخر وعلى ذلك مسائل
أحدها إذا جنى العبد المرهون قدم المجنى عليه بموجب جنايته على المرتهن لاختصاص حقه بالعين خلاف المرتهن
الثانية إذا جنى عبد المدين قدم المجنى عليه على الغرماء كذلك
الثالثة إذا تشاح البائع والمشترى في المبتدي بالتسليم فإن كانا عينين جعل بينهما

عدل وإن كان الثمن في الذمة أجبر البائع على تسليم المبيع أولا لتعلق حقه بعين المبيع بخلاف المشترى فإن حقه متعلق بذمة البائع قاعدة ما ثبت ضمنا وما ثبت أصالة
فرق بين ما ثبت ضمنا وبين ما ثبت اصالة بأنه يغتفر في الثبوت الضمنى ما لا يغتفر في الأصل وعلى ذلك مسائل
ومنها لو أقر المريض بمال لوارث لم يقبل إقراره ولو اقر بوارث قبل إقراره واستحق ذلك المال وغيره
ومنها لو اشترى منه سلعة فخرجت مستحقة رجع عليه بدرك المبيع وقد تضمن شراؤه منه إقراره له بالملك وقد أقر له بالملك صريحا ثم اشتراها فخرجت مستحقة لا يرجع عليه بالدرك
ومنها لو قال الكافر لمسلم أعتق عبدك المسلم عنى وعلى ثمنه فإنه يصح في أحد الوجهين ونظيره إذا أعتق الكافر الموسر شركا له في عبد مسلم عتق عليه جميعة في أحد الوجهين ولو قال للمسلم بعنى عبدك المسلم حتى أعتقه لم يصح بيعه قاعدة الاجتهاد فيما تبيحه الضرورة
ما تبيحه الضرورة يجوز الاجتهاد فيه حال الاشتباه وما لا تبيحه الضرورة فلا وعلى هذه مسائل
أحدها إذا اشتبهت أخته بأجنبية لم يجز له الإجتهاد في أحدهما
الثانية طلق إحدى امرأتيه واشتبهت عليه لم يجز له أن يجتهد في إحداهما
الثالثة اشتبه عليه الطاهر بالنجس لم يجب عليهم أن يتحرى في أحدهما وهذا بخلاف ما لو اشتبهت ميته بمذكاة أوطاهر بنجس للشرب عند الضرورة تبيحه وتبيح ترك القبلة في حال المسايفة وغيرها قاعد مسائل في الإبدال
ما بطل حكمه من الإبدال بحصول مبدله لم يبق متعبدا به بحال فإن وجود المبدل

بعد الشروع فيه كوجوده قبل الشروع فيه وما لم يبطل حكمه رأسا بل بقى معتبرا في الجملة لم يبطل وجود المبدل بعد الشروع فيه وعلى هذا مسائل
إحداهما المعتدة بالأشهر إذا صارت من ذوات القرء قبل انقضاء عدتها انتقلت إليها لبطلان اعتبار الأشهر حال الحيض
الثانية المتيمم إذا قدر على الماء بعد التيمم سواء شرع في الصلاة أولم يشرع فيها بطل تيممه
الثالثة إذا شرع في صوم الكفارة ثم قدر على الإطعام او العتق لم يلزمه الانتقال عنه إليهما لأن الصوم لم يبطل اعتباره بالقدرة على الطعام بل هو معتبر في كونه عبادة وقربة وقد شرع فيه كذلك ولم يبطل تقربه وتعبده به
الرابعة المتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال لذلك وفرق ثان أن الاعتبار في الكفارات بحال وجوبها على المكلف لأنه حال استقرار الواجب في ذمته فالواجب عليه أداؤها كما وجبت في ذمته ولهذا لو قدر على الطعام بعد الحنث وقبل الصوم لم يلزمه الانتقال إليه كذلك بخلاف العدة والصلاة فإن الواجب عليه أداء الصلاة على أكمل الأحوال وإنما أبيح له ترك ذلك للضرورة وما أبيح بشرط الضرورة فهو عدم عند عدمها وكذلك العدة سواء قاعدة أحوال قدرة المكلف
المكلف بالنسبة إلى القدرة والعجز في الشيء المأمور به والآلات المأمور بمباشرتها من البدن له أربعة أحوال
إحداهما قدرته بهما فحكمه ظاهر كالصحيح القادر على الماء والحر القادر علىالرقبة الكاملة
الثانية عجزة عنهما كالمريض العادم للماء والرقيق العادم للرقبة فحكمه أيضا ظاهر
الثالثة قدرته ببدنه وعجزه عن المأمور به كالصحيح العادم للماء والعاجز عن الرقبة في الكفارة فحكمه الانتقال إلى بدله إن كان له بدل يقدر عليه كالتيمم أو الصيام في الكفارة ونحو ذلك فإن لم يكن له بدل سقط عنه وجوبه كالعريان العاجز عن ستر عورته في الصلاة فإنه يصلى ولا يعيد
الرابعة عجزه ببدنه وقدرته على المأمور أو بد

فهو مورود الإشكال في هذه الأقسام وله صور
إحداها المغصوب الذى لا يستمسك على الراحلة وله مال يقدر أن يحج به عنه فالصحيح وجوب الحج عليه بماله لقدرته على المأمور به وإن عجز عن مباشرته هو بنفسه وهذا قول الأكثرين ونظيره القادر على الجهاد بماله العاجز ببدنه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء وهما رويتان منصوصتان عن أحمد رحمه الله تعالى
الصورة الثانية الشيخ الكبير العاجز عن الصوم القادر على الإطعام فهذا يجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكينا في اصح أقوال العلماء
الصورة الثالثة المريض العاجز عن استعمال الماء فهذا حكمه حكم العادم وينتقل إلى بدله كالشيخ العاجز عن الصيام ينتقل إلى الإطعام
وضابط هذا أن المعجوز عنه في ذلك كله إن كان له بدل انتقل إلى بدله وإن لم يكن له بدل سقط عنه وجوبه
فإذا تمهدت هذه القاعدة ففرق بين العجز ببعض البدن والعجز عن بعض الواجب فليسا سواء بل متى عجز ببعض البدن لم يسقط عنه حكم البعض الآخر وعلى هذا إذا كان بعض بدنه جريحا وبعضه صحيحا غسل الصحيح وتيمم للجريح على المذهب الصحيح كما دل عليه حديث الجريح
ونظيره إذا ملك المعتق بعض ما يتمكن به من عتق واجب لزمه الإعتاق
ونظيره إذا ذهب بعض أعضاء وضوئه وجب عليه غسل الباقي وأما إذا عجز عن بعض الواجب فهذا معترك الإشكال حيث يلزمه به مرة ولا يلزمه به مرة ويخرج الخلاف الخلاف مرة فمن قدر على إمساك بعض اليوم دون إتمامه لم يلزمه اتفاقا ومن قدر على بعض مناسك الحج وعجز عن بعضها لزم فعل ما يقدر عليه ويستناب عنه فيما عجز عنه ولو قدر بعض رقبة وعجز عن كاملة لم يلزمه عتق البعض ولو قدر علىبعض ما يكفيه لوضوئه أو غسله لزمه استعماله في الغسل وفي الوضوء وجهان أحدهما يلزمه والثاني له أن ينتقل إلى التيمم ولا يستعمل الماء
وضابط الباب أن ما لم يكن جزؤه عبادة مشروعة لا يلزمه الإتيان به كإمساك بعض اليوم وما كان جزؤه عبادة مشروعة لزمه الإتيان به كتطهير الجنب بعض أعضائه فإنه يشرع كما عند النوم والأكل والمعاودة يشرع له الوضوء تخفيفا للجنابه
وعلى هذا جوز الإمام أحمد للجنب أن يتوضأويلبث في المسجد كما كان الصحابة يفعلونه وإذا ثبت تخفيف الحدث الأكبر في بعض البدن فكذلك الأصغر

يبقى أن يقال فهذا ينتفض عليكم بالقدرة على عتق بعض العبد فإنه مشروع ومع هذا فلا يلزمونه به
قيل الفرق بينه وبين القدرة على بعض الطهارة أن الله سبحانه وتعالى إنما نقل المكلف إلى البدن عند عدم ما يسمى ماء فقال تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وبعض ماء الطهارة ماء لايتيمم مع وجوده
وأما في العتق فإن الله سبحانه وتعالى نقله إلى الإطعام والصيام عند استطاعه إعتاق الرقبة فقال فمن لم يستطع لا ريب فيه أن المعنى فمن لم يستطع فتحرير رقبة ولا يحتمل الكلام غير هذا البته والقادر على بعض الرقبة غير مستطيع تحرير رقبة والله سبحانه وتعالى أعلم فهذا ما ظهر لي في هذه القاعدة فائدة مسائل فقهية أصوليه
من وجب عليه شيء وأمر بإنشائه فامتنع فهل يفعله الحاكم عنه أو يجبره عليه فيه خلاف مأخذه أن الحاكم نصب نائبا ووكيلا من جهة الشارع لصاحب الحق حتى يستوفيه له أو مجبرا وملزما لمن هو عليه حتى يؤديه
فإذا اجتمع الأمران في حكم فهل يغلب وصف الإلزام والإجبار أو وصف الوكالة والنيابة هذا سر المسألة وعلى هذا مسائل
إحداها المولى إذا امتنع من الفيئة والطلاق فهل يطلق الحاكم عليه أو يجبره على الطلاق فيه خلاف
الثانية إذا امتنع من الإنفاق على رقيقة أو على بهيمته لإعساره كلف بيع البعض للإنفاق على الباقي فإذا امتنع فهل يجبره عليه أو يبيع الحاكم عليه فيه خلاف أيضا
الثالثة إذا اشترى عبدا بشرط العتق وامتنع من عتقه وقلنا لا نجبر البائع بين الفسخ والإمضاء فهل يجبر على العتق أو يعتق الحاكم فيه خلاف فائدة رد الاستحسان
الشافعي رضي الله عنه يبالغ في رد الاستحسان وقد قال به في المسائل

الأولى أنه استحسن في المتعة في حق الغنى أن يكون خادما وفي حق الفقير مقنعة وفي حق المتوسط ثلاثين درهما
الثانية استحسن التحليف بالمصحف
الثالثة أنه استحسن في خيار الشفعة أن تكون ثلاثة أيام
الرابعة أنه نص في أحد أقواله أنه يبدأ في النضال بمخرج السبق اتباعا لعادة الرماة قال أصحابه هو استحسان فائدة أصول جامعة
من أصول مالك اتباع عمل أهل المدينه وإن خالف الحديث وسد الذرائع وإبطال الحيل ومراعاة المقصود والنيات في العقود واعتبار القرائن وشواهد الحال في الدعاوى والحكومات والقول بالمصالح والسياسة الشرعية
ومن أصول أبي حنيفة الاستحسان وتقديم القياس وترك القول بالمفهوم ونسخ الخاص المتقدم بالعام المتأخر والقول بالحيل
ومن أصول الشافعي مراعاة الألفاظ والوقوف معها وتقديم الحديث على غيره ومن أصول أحمد الأخذ بالحديث ما وجد إليه سبيلا فإن تعذر فقول الصحابي ما لم يخالف فإن اختلف أخذ من أقوالهم بأقواها دليلا وكثيرا ما يختلف قوله عند اختلاف أقوال الصحابة فإن تعذر عليه ذلك كله أخذ بالقياس عند الضرورة وهذا قريب من أصول الشافعي بل هما عليه متفقان فائدة شرط العمل بالظنيات
شرط العمل بالظنيات الترجيح عند التعارض فإن وقع التساوى ففيه قولان التخيير والتوقف
فإن كان طريق التقليد فهل يشترط الترجيح في أعيان من يقلده
فيه وجهان فإن كان طريق العمل اليقين فلا مدخل للترجيح هناك إذ الترجيح إنما يكون بين متعارضين ولا تعارض في اليقينيات

وهل تسمع المعارضة فيها
فيه لأهل الجدل قولان منهم من يسمعها ومنهم من لا يسمعها والحق التفصيل أنها إن كانت معارضة في مقدمة قطعية لم تسمع بحال وإن كانت معارضة في غيرها سمعت فائدة الحقوق المالية الواجبة لله
الحقوق المالية الواجبة لله تعالى أربعة قسام
أحدها حقوق المال كالزكاة فهذا يثبت في الذمة بعد التمكن من أدائه فلو عجز عنه بعد ذلك لم يسقط ولا يثبت في الذمة إذا عجز عنه وقت الوجوب وألحق بهذا زكاة الفطر
القسم الثاني ما يجب بسبب الكفارة ككفارة الأيمان والظهار والوطء في رمضان وكفارة القتل فإذا عجز عنها وقت انعقاد أسبابها ففي ثبوتها في ذمته إلى الميسرة أو سقوطها قولان مشهوران في مذهب الشافغي وأحمد
القسم الثالث ما فيه معنى ضمان المتلف كجزاء الصيد وألحق به فدية الحلق والطيب واللباس في الإحرام فإذا عجز عنه وقت وجوبة ثبت في ذمته تغليبا لمعنى الغرامة وجزاء المتلف وهذا في الصيد ظاهر وأما في الطيب وبابه فليس كذلك لأنه ترفة لا اتلاف إذ الشعر والظفر ليسا بمتلفين ولم تجب الفدية في إزالتها في مقابلة الإتلاف لأنها لو وجبت لكونها إتلافا لتقيدت بالقيمة ولا قيمة لها وإنما هي من باب الترفة المحض كتغيطه الرأس واللباس فأي إتلاف ههنا وعلى هذا فالراجح من الاقوال أن الفدية لا تجب مع النسيان والجهل
القسم الرابع دم النسك كالمتعة والقرآن فهذه إذا عجز عنها وجب عنها بدلها من الصيام فإن عجز عنها ترتب في ذمته أحدهما فمتى قدر عليه لزمه وهل الاعتبار بحال الوجوب أو بأغلظ الأحوال فيه خلاف
وأما حقوق الآدميين فإنها لا تسقط بالعجز عنها لكن إن كان عجزه بتفريط منه في أدائها بها الآخرة وأخذ لأصحابها في حسناته وإن كان عجزه بغير تفريط كمن احترق ماله أو غرق أو كان الإتلاف خطأ مع عجزه عن ضمانه ففي إشغال

ذمته به وأخذ أصحابها من حسناته نظر ولم اقف على كلام شاف للناس في ذلك والله تعالى أعلم فائدة ملك الإنشاء لعقد
قولهم من ملك الإنشاء لعقد ملك الإقراربه ومن عجز عن إنشائه عجز عن الإقرار به غير مطرد ولا منعكس فأما اختلال طرده ففي مسائل
أحدها ولي المراة غير المجبرة يملك إنشاء العقد عليها دون الإقرار به
الثانية الوكيل في الشراء إذا أنه اشترى ما وكل فيه وأنكره الموكل لم يقبل إقراره عليه مع ملكه لإنشائه
الثالثة الوكيل بالبيع إذا أقر به وأنكر الموكل فالقول قول الموكل وأما اختلال عكسه ففي مسائل
الأولى أن العاقل لا يملك إنشاء إرقاق نفسه ولو أقر به قبل فهذا عاجز عن الإنشاء قادر على الأقرار
الثانية المرأة عاجزة عن إنشاء النكاح ولو أقرت به قبل إقرارها
الثالثة لو أقر العبد المأذون بعد الحجر عليه بدين قبل إقراره ولم يملك الإنشاء
الرابعة لو أقر المريض لأجنبى أنه كان وهبه في الصحة ما يزيد على الثلث قبل إقراره في أصح الروايتين ولم يملك الإنشاء
الخامسة الحاكم إذا بعد قال العزل كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بكذا قبل قوله وحده وإن لم يملك الإنشاء وكذلك لو قال القاضي المعزول عن مال في يد أمين أقر أنه تسلمه منه هو لفلان وقال الأمين بل هو لفلان قبل قول القاضي دون الأمين
وهذ المسألة مما يعيا بها وهي رجلان في يد أحدهما مال وهو أمين عليه والآخر ليس المال في يده ولا له حكم ولا هو أمين عليه يقبل إقرار هذا الثاني في المال دون الأمين
من كان يعلم أن الموت مدركه ... والقبر مسكنه والبعث مخرجه
وأنه بين جنات ستبهجه ... يوم القيامة أو نار ستنضجه

فكل شيء سوى التقوى به سمج ... وما أقام عليه منه أسمجه
ترى الذي اتخذ الدنيا له وطنا ... لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
تظل على أكتاف أبطالها القنا ... وهاتيك في أغمارهن المناصل
تحامى الرزايا ضف ومنسم ... وتلقى رداهن الذرى والكواهل
وترجع أعقاب الرماح سليمة ... وقد حطمت في الدارعين العوامل
فإن كنت تبغي العيش فاقنع توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاول مسائل

هل يجوز للحاكم أن يسمع شهادة أبية وابنه ويحكم بها
أجاب أبو الخطاب يجوز له سماع شهادتهما لغيره ويحكم بها جواب ابن عقيل يجوز إذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولم يوجب لهما بقبول شهادته ريبة لم تثبت بطريق التزكية إذا سأل الحاكم الشهود عن مستند شهادتهم فقالوا أخبرنا جماعة أجاب أبو الخطاب تقبل شهادتهم في ذلك ويحكم فيه بشهادة الاستفاضة وأجاب ابن عقيل إن صرحا بالاستفاضة أو استفاض بين الناس قبل في الوفاة والنسب جميعا
من فتاوى أبى الخطاب وابن عقيل وابن الزاغونى
هل للذمي أن يصلى بإذن المسلم
أجاب أبو الخطاب لا يجوز له أذن المسلم أو لم يأذن لأنه حق لله تعالى لله تعالى وأجاب ابن عقيل مثله
هل يصح أن توقف على المسجد ستور أجاب أبو الخطاب يصح وقفها على المسجد ويبيعها وينفق أثمانها على عمارته ولا ستر حيطانه بخلاف الكعبة الشريفة فإنها خصت بذلك كما خصت بالطواف حولها وأجاب ابن عقيل لا ينعقد هذا الوقف راسا لأنه بدعة وهو على حكم الميراث
إذا وجد لقطه فخاف إذا عرفها أن ينتزعها منه ظالم أجاب أبو الخطاب لا يكون معذورا في ترك التعريف ولا يملكها إلا بعد تعريفها أجاب ابن عقيل التعريف يراد به حفظها على مالكها وهذا التعريف يفضى إلى تضييعها فيدعها أبدا في يده إلى أن يجد فسحة وأمنا فيعرفها حولا

إذا وجد في البرية شاة فذبحها وجب عليه ضمانها إذا جاء مالكها وفي المصر يعرفها لأن الظاهر أنها خرجت من دار أهل المحلة بخلاف البرية هذا جواب أبى الخطاب وجواب ابن عقيل لا يجوز له ذبحها أوان ذبحها ثم ولزمه ضمان قيمتها
إذا صادر السلطان إنسانا وعنده وديعة هل يضمن أجاب أبو الخطاب عليه الإثم والضمان إذا فرط فيها فإن تحقق أنه يتأذى في نفسه كان عليه الضمان من غير إثم فإن استدعى السلطان المودع إذا لم يدله عليها وأخذت بغير اختياره فلا ضمان عليه جواب ابن عقيل إذا غلب على ظنه أنه يأخذها منه بإقراره وكان ذلك دلالة عليها وعليه الضمان
إذا كان عنده وديعة فاعترض السلطان لها ظلما أجاب أبو الخطاب إن حلف وورى عنها وتأول كان مثابا مثل أن يحلف أنه لم يودعنى في المسجد الحرام أو بموضع لم يسلكاه أو في زمان كرمضان ونحوه فإن لم يحلف وأخذها السلطان من حرزه لم يضمن فإن طلب منه أن يحلف بالطلاق فدفعها إليه أو دله على مكانها ضمن وأجاب ابن عقيل لا يسقط الضمان بخوفه من وقوع الطلاق بل يضمن بدفعها إليه لأنه افتدى بها عن ضرره بوقوع الطلاق
إذا كان كلب المسلم قد علمه مجوسي فهل يجوز أن يصطاد به أجاب أبو الخطاب وابن عقيل بالإيجاب
هل يجوز كتابه المصحف بالذهب وهل تجب فيه الزكاة فإن وجبت فهل يجوز حكه لمعرفة قدرة اجاب أبو الخطاب تجب فيه الزكاة إن كان نصابا ويجوز له حكه وأخذه وسأل عنها ابن عقيل بن الزغوني فأجاب إن كتابه القرآن بالذهب حرام لأنه من جملة زخرفة المصاحف ويؤمر بحكه ورفعه وأن كان مما إذا حك اجتمع منه شيء يتمول وجبت فيه الزكاة لأنه ينزل منزلة الأوانى المحرمة وإن كان إذا حك لا يجتمع منه شيء كان بمنزلة التالف فلا شيء فيه
إذا أجرت امرأة نفسها للرضاع فكان الصوم ينقص من لبنها أو يغيره فطالبها أهل الصبي بالفطر في رمضان لأجل ذلك هل يجوز لها الفطر فإن لم يجز هل يثبت لأهل الصبي الخيار وما المانع من جوازه قلنا يجوز للأم أن تفطر أجاب أبو الخطاب إذا كانت قد أجرت نفسها إجارة صحيحة جاز لها الإفطار إذا نقص لبنها أو تغير بحيث يتأذى بذلك المرتضع وإذا امتنعت لزمها ذلك فإن لم تفعل كان لأهل

فارغة

والثاني لا يجب الحد ولا ينشر الحرمة فعلى هذا يكون الأمر على التفصيل المتقدم وأجاب أبو الخطاب عن هذه المسألة بأن قال يجب غسلها بعد الوطء كذا الظاهر عندي ولا أعرف فيه رواية فوائد شتى

هل كان الإسراءيقظة أو مناما
قال القاضي نص أحمد على أن الإسرار كان يقظة وحكي له أن موسى ابن عقبة قال أحاديث الإسراء منام فقال هذا كلام الجهمية ونقل حنبل أن الرؤية منام ونقل الأثرموغيره أنه رآه ولا يطلق سوى ذلك وقال أبو بكر النجار راه إحدى عشرة مرة بالسنة تسع مرات ليلة المعراج حين كان يتردد بين موسى وبين ربه عز و جل ومرتين بالكتاب فائدة إقعاد الرسول على العرش
قال القاضي صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي وذكر فيه إقعاده على العرش قال القاضي وهو قول ابي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن ابي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهانى وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب بن العابد وأبي بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبى قلابة وعلي بن سهل وابى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام والمروزي وبشر الحافي انتهى
قلت وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه
حديث الشفاعة عن أحمد ... إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده ... على العرش أيضا فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعده ... ولا تنكروا أنه يقعده

فائدة مسائل عن القاضي
سئل القاضي عن مسائل عديدة وردت عليه من مكة وكان منها ما تقول في قول الإنسان إذا عثر محمد أو علي فقال إن قصد الاستعانة فهو مخطىء لأن الغوث من الله تعالى فقال وهما ميتان فلا يصح الغوث منهما ولأنه يجب تقديم الله على غيره
إذا قال القاضي أفضل الناس بعد رسول الله ثم طلحة ثم الزبير ثم سعد إلى آخر العشرةفأجاب الأولى العطف على الاربعة الواو لأن ثم تقتضي الترتيب فيقتضى تقديم طلحة على الزبير والزبير على عبد الرحمن ولا يمكن لأنه ليس فيه نقل يرجع إليه وعمر رضي الله عنه أمرهم أن يختاروا للخلافة واحدا من ستة ولم ينص على واحد منهم وظاهره التساوي
ومنها وقد سئل عن حركة اللسان بالقرآن الكريم فقال لا يجوز أن يقال إنها قديمة بل حركة اللسان بالقرآن الكريم محدثة
ومنها في البدريين أنهم أفضل في الجملة من غيرهم ولا تفضل آحادهم على غيرهم لأنه قد يكون في غيرهم من هو أفضل من آحادهم كما قال النبي خيركم القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // فخاير بين القرون في الجملة لأنه قد يكون في التفضيل من غيره أفضل منه ولهذا يعلم أن أحمد أفضل من يزيد ويزيد في عصر التابعين لما جرى من يزيد بما عاد في القدح في عدالته
ومنها هل يجوز أن يقال إن الله يرحم الكافر قال لا يجوز أن يقال إن الله يرحم الكافر لأن فيه رد الخبر الصادق إن الله لا يغفر أن يشرك به ولا يخفف عنهم العذاب إلى أمثاله بل يقال يخفف عذاب بعضهم قال تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وآتهم ضعفين من العذاب فائدة شهوة الرجل وشهوة المرأة
قال ابن عقيل قولهم إن الله تعالى جعل للمرأة شهوة تزيد على شهوة الرجل بسبعة أجزاء

قال لو كان كذلك ما جعل الله للرجل ان يتزوج بأربع ويتسرى بما شاء من الإماء وضيق على المرأة فلا تزيد على رجل ولها من القسم الربع وحاشا حكمته أن تضيق على الأحرج وتوسع على من دونه في الحرج أجابة حنبلي آخر فقال
إن ذلك إنما كان لعارضراجح وهو خرفه اشتباه الانساب وأيضا ففي التوسعة للرجل يكثر النسل الذي هو من أهم مقاصد النكاح
وأيضا فإن الرجل والمرأة لما اشتركا في التذاذ كل منهما بصاحبه وقضاء وطره منه وخص الرجل بالنفقة والكسوة وكلفة المرأة عوض بأن أطلق له الاستمتاع بغيرها
وأيضا فإن المرأة مقصورة في الخدر لا تدخل ولا تخرج إلا لحاجة حتى أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد لم يقع نظرها من الرجال على ما يقع نظر الرجل عليه فحاجته إلى أكثر من واحدة أشد من حاجتها
وأيضا فإن طبيعة الذكر الحرارة وطبيعة ألأنثى البرودة وصاحب الحرارة يحتاج من الجماع فوق ما يحتاج إليه صاحب البرودة
وأيضا فإن الله فضل الذكر على الأنثى في الميراث والدية والشهادة والعقيقة وغير ذلك ولهذا قال تعال ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله فكان من تفضيله الذكر على الأنثى أن خص بجواز نكاح أكثر من واحدة والله أعلم فائدة استعمال الحرير
سئل ابن عقيل هل يجوز أن يتخذ النساء السفر والمطارح والمخاد وغير ذلك حريرا فقال لابل ملابس فقط فائدة

في الأذان في الفنون سئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن رجل سمع مؤذنا
يقول اشهد أن محمدا رسول الله فقال كذبت هل يكفر فقال لا لا يكفر لجواز أن يكون قصده

تكذيب القائل فيما قال لا في أصل الكلمة فكأنه قال أنت لا تشهد هذه الشهادة كقوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فائدة في الكفر
قال الخلال حدثنا العباس بن احمد اليمامي بطرسوس ثنا أوانبأعبد الله رجل عن الحديث الذي يروى عن النبي يكفر أحد من أهل التوحيد بذنب فقال موضوع لا أصل له فكيف بحديث النبي من ترك الصلاة فقد كفر // صحيح // فقال له يورث بالمله فقال لا يورث ولا يرث فائدة السر بين العبد وربه
قال ابن الجوزي في آخر منتخب الفنون مما بلغه عن ابن عقيل من غير الفنون قال سمعت أبا يعلى بن الفراء يقول من قال إن بينه وبين الله سرا فقد كفر واي وصلة بينه وبين الإلة وإنما ثم ظواهر الشرع فإن عنى بالسر ظاهر الشرع فقد كذب لأنه ليس بسر وإن شيئا وراء ذلك فقد كفر
وقال في قول المتوسلين بالميت اللهم إني أسلك بالسر الذي بينك وبين فلان أي سر بين العبد وبين ربه لولا حماقة هذا القائل قال ابن الجوزي معترضا عليه إنما يعنى المتوسل بذلك العبادات المستورة عن الخلق فائدة الجمع بين أم الرجل وأختيه
سئل رجل عن رجل تزوج أم رجل وأختيه فقال
صورة المسألة رجلان وطئا أمة في طهر واحد فأتت بولد فتداعياه فأرى القافة

فألحقوه بهما على مذهب من يرى ذلك وكان للرجلين بنتان فجاء رجل أجنبي فتزوج بالأمة بعد عتقها وتزوج بنتي الواطئين لأنه ليس إحداهما أختا للأخرى وإن كانتا أختين للولد الملحق بالواطئين فقد جمع هذا الرجل الأجنبي بين أم ذلك الولد وأختيه من الواطئين فأمة ليست امهما فائدة تخصيص آية الميراث
استدل على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد بتخصيص آية الميراث بقوله لا نورث ما تركناه صدقة // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // والصديق أول من خصصه قال ابن عقيل وهذه بلاهة من هذا المستدل فإن الصديق لم يخصصه إلا بما سمعه شفاها من النبي قطعي وليس النزاع فيه فائدة مناظرة المعتزلة
قال ابن عقيل في مناظرته لبعض المعتزلة أنتم اعتمدتم في نفي التثنية على دليل التمانع وهو بعينه ينقلب عليكم في خلق الأفعال لأنا إذا قدرنا أنه تعالى أراد تحريك جسم وأراد العبد تسكينه فلا يخلوا إلى آخره وفعل الله لا يدخل تحت مقدور العبد وفعل العبد لا يدخل تحت مقدور الله عندكم فلا انفكاك لكم البته عن هذا السؤال فأين توحيدكم فائدة مسائل فقهية
جعفر بن محمد سألت أبا عبد الله عن رجل ينقد للناس مائة دينار بدرهم فخرج في نقده دينار ردىء قال وجب عليه أن يرد من اجرته من مائة من درهم قال القاضي إنما صحت هذه الإجارة وإن لم يشاهد الدنانير لأنه لا تفاوت بين الدنانير في النقد فصحت الإجارة انتهى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5