كتاب : بدائع الفوائد
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية

فعلى هذا إذا استأجره ليكيل له مائة مكوك من طعام في بيت لم يره صحت الإجارة للعلة التي ذكرناها وإنما رجع عليه بجزء من مائة جزء من الدرهم لأن العمل لا يتفاوت في كل واحد منها كما لو كان له مائة مكوك إلا مكوكا واحدا
إذا رأى إنسانا يغرق فلا يمكنه تخليصه إلا بأن يفطر هل يجوز له الفطر اجاب أبو الخطاب يجوز له الفطر إذا تيقن تخليصه من الغرق ولم يمكنه الصوم مع التخليص وأجاب ابن الزاغوني عنها إذا كان يقدر على تخليصه وغلب على ظنه ذلك لزمه الإفطار وتخليصة ولا فرق بين ان يفطر بدخول الماء في حلقه وقت السباحة أو كان يجد من نفسه ضعفا عن تخليصه لأجل الجوع حتى يأكل لأنه يفطر للسفر المباح فلأن يفطر للواجب أولى
قلت أسباب الفطر أربعة السفر والمرض والحيض والخوف على هلاك من يخشى عليه بصوم كالمرضع والحامل إذا خافتا على ولديهما ومثله مسألة الغريق
واجاز شيخنا ابن تيمية الفطر للتقوى على الجهاد وفعله وأفتى به لما نازل العدو دمشق في رمضان فأنكر عليه بعض المتفقهين وقال ليس سفرا طويلا فقال الشيخ هذا فطر للتقوى على جهاد العدو وهو أولى من الفطر للسفر يومين سفرا مباحا او معصية والمسلمون إذا قاتلوا عدوهم وهم صيام لم يمكنهم النكاية فيهم وربما أضعفهم الصوم عن القتال فاستباح العدو بيضة ألإسلام وهل يشك فقيه أن الفطر ههنا أولى من فطر المسافر وقد أمرهم النبي في غزوة الفتح بالإفطار لبتقووا على عدوهم فعلل ذلك للقوة على العدو لا للسفر والله أعلم
قلت إذا جاز فطر الحامل والمرضع لخوفهما على ولديهما وفطر من يخلص الغريق ففطر المقاتلين أولى بالجواز ومن جعل هذا من المصالح المرسلة فقد غلط بل هذا أمر من باب قياس الأولى ومن باب دلالة النص وإيمائه
إذا صلى سهوا خلف المرأة أجاب أبو الخطاب تلزمه الإعادة إذا علم وتجوز إمامة المراة بالنساء ويجوز على رواية عن أحمد أن تصلي بالرجال نافلة وتكون وراءهم وهي بعيدة
قلت إن كان أميا وهي قارئة لم تلزمه الإعادة وإن كان قارئا مثلها ففي وجوب

الإعادة نظر إذ غاية ذلك أن يكون كرجل صلى خلف محدث لا يعلم حدثه فإنه لا تلزمه الإعادة وهنا أولى لأن صلاة المراة في نفسها صحيحة بخلاف المحدث
واجاب ابن الزاغوني إذا علم ذلك حكم ببطلان صلاته والإعادة ولم يجوز إمامنا أحمد أن يتابع رجل امرأة في الصلاة مفترضا فأما في النفل فإنه أجازه في موضع وهو إذا كانت امرأة تحفظ القرآن فإنه يجوز للأمي أن يتابعها في النافلة كصلاة التروايح وتكون صفوف الرجال بين يديها وهي والنساء خلفهم إذا امتنع من صلاة الجمعة وقال أنااصلى الظهر هل يقتل أم لا أجاب أبو الخطاب يستتاب فإن تاب وإلا قتل زاد ابن عقيل في جوابه إذا لم يكن على وجه قد اعتقد اعتقاد بعض المجتهدين في أنها لا تتعقد في القرايا جواب ابن الزاغوني الجمعة تفعل في موضعين أحدهما متفق على وجوبه فيه وهو البلد الكبير الواسع مع إذن الإمام في إقامتها فهذا متى ترك الجمعة في هذه الحالة قتل كما يقتل في سائر الصلوات والموضع الثاني ما اختلف الفقهاء في وجوبها معه كالأرباض والقرى وإذا لم يأذن الإمام وأمثال ذلك فهذا إن ترك الجمعة متأولا قول أحد من الفقهاء فإنه يكون معذورا بذلك ولا يعترض عليه
إذا كانت للأخرس إشارة مفهومة فأشار بها في صلاته فهل تبطل أجاب ابن الزغواني أما الإشارة برد السلام فلا تبطل الصلاة من الأخرس والمتكلم وأما غير ذلك فإنه يجري منهما مجرى العمل في الصلاة إن كان يسيرا عفي عنه وإن كان كثيرا أبطل الصلاة
وجواب أبي الخطاب إذا كثر ذلك منه بطلت صلاته
وجواب ابن عقيل إشارته المفهومة تجري مجرى الكلام فإن كانت برد السلام خاصة لم تبطل صلاته وما سوى ذلك تبطل
قلت إشارة الأخرس منزلة منزلة كلامه مطلقا وأما تنزيلها منزلة الكلام في غير رد السلام خاصة فلا وجه له وإنما كان رد السلام من الناطق بالإشارة غير مبطل في أصح قولي العلماء كما دل على النص أن إشارته لم تنزل منزلة كلامه بخلاف الأخرس فإن إشارته المفهومة ككلام الناطق في سائر الأحكام
إذا توضأ بماء زمزم هل يجوز أم لا أجاب ابن الزاغوني لا يختلف المذهب أنه منهي عن الوضوء منه والأصل في النهي قول العباس لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل واختلف في السبب الذي لأجله ثبت النهي وفيه طريقان أحدهما أنه اختيار الواقف وشرطه وهو قول العباس

وقد أختلف أصحابنا في مسألة مثل هذه وهي أن رجلا لو سبل ماء للشرب فهل يجوز لأحد أن يأخذ منه ما يتوضأبه قال بعضهم يجوز ويكره فعلى هذا يكون النهى عنها كراهة تنزيه لا تحريم
وقال آخرون من أصحابنا لا يجوز له الوضوء به لأنه خلاف مراد الواقف فعلى هذا لا يجوز الوضوء بماء زمزم فأما الطريق الآخر أن سببه الكرامة والتعظيم
فإن قلنا ما يتحدر عن أعضاء المتوضيء أعضاء المتوضيء طاهر غير مطهر كأشهر الروايات كره الوضوء بماء زمزم
وإن قلنا بالرواية الثانية أنه يحكم بنجاسة ما ينفصل من أعضاء الوضوء حرام الوضوء به
وإن قلنا بالرواية الثالثة أن المنفصل طاهر مطهر لم يحرم الوضوء به ولم يكره لأنه لم يؤثر الوضوء فيه بما يوجب رفع التعظيم عنه فأما إن أزال به نجاسة وتغير كان فعله محرما وإن لم يتغير وكان في الغسلة السابعة فهل يحرم أو يكره على روايتين
وإن قلنا إن الماء لا ينجس إلا بالتغير فمتى انفصل غير متغير في أي الغسلات كان كره ولم يحرم
قلت وطريقة شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية كراهة الغسل به دون الوضوء وفرق بأن غسل الجناية يجرى إزالة النجاسة من وجه ولهذا عم البدن كله لما صار كله جنبا ولأن حدثها أغلظ ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة وجواب أبي الخطاب وابن عقيل يصح الوضوء به رواية واحده وهل تكره على روايتين فوائد شتى من خط القاضي ابي يعلى التوبة وأصحاب البدع
أبو الفرج الهمداني سمعت المروزي يقول سئل أحمد عما ورد عن النبي أن الله احتجر التوبة عن صاحب بدعة وحجب التوبة إيش معناه

فقال أحمد لا يوفق ولا يسير صاحب بدعة لتوبة وقال النبي لما قرأ هذه الآية إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء فقال النبي أهل الأهواء والبدع ليست لهم توبة // إسناده حسن // فوائد
وهى من مسائل أبي جعفر محمد بن أبى حرب الجرجاني بخط القاضي أبي يعلى
قيل لأبي عبد الله الرجل يحفر إلى جنب قناة الرجل ولا يضر بها أله أن يمنعه قال له يروى عن الزهري أنه قال حريم العيون خمس مائة ذراع كأنه ذهب إليه
قيل لأبي عبد الله فإن حفر على أكثر من خمس مائة ذراع فأضر به هل له أن يمنعه قال ليس أن يمنعه إذا جاوز حريمه أضر به أو لم يضر به
قيل لأبي عبد الله رجل عمل في قناة رجل بغير إذنه فاستخرج الماء فجاء صاحب القناة فقال لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون منفعة لصاحب القناة في الحاشية بخط القاضي إنما رجع بنفقته لأن الآبار كالأعيان ولو عمل في ملك غيره عملا له فيه اعيان رجع بها كذلك في الآبار هذا كلام القاضي وفيه نظر

قيل لأبى عبد الله الرجل يسبق إلى دكاكين السوق قال إذا لم يكن لأحد ولم يحجز أخذه فمن سبق إليه عدوة فهو له إلى الليل قال وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى
قيل أيكره بيع الطعام وأن تكون تجارة الرجل كلها في الطعام قال إذا لم يرد الحكرة فلا بأس هذا ضيق بالمدينة ومكة فأما ههنا فربما كان خيرا ثم قال إنما ههنا شبه البحر
قيل من أحق بالسوم قال البائع قلت له فإن أوقد نارا في السفينة فقال لا بد له من أن يطبخ وكأنه لم يرد عليه
قيل له رجل اشترى من رجل حائطا على أن يعمل له فيه سنة أو سنتين قال لا بأس وكتبت إلى أبي عبد الله أسأله قلت بنت أخ لي خطبها ابن أخت لي فقير وأمها تقر ذلك قال لا تفعل فإن النبي وآمروا النساء في بناتهن وما ذكرت من أمر الفقر فزوج فإن الفقر والغنى إلى الله فزوجت الفقير فلم أر إلا خيرا
وسألته عن الرجل يشترى البقر للأكار فكرهه
قلت يأخذ الرجل يحج عن الرجل قال لا يأخذ
قلت فيأخذ الفرس أو لا يأخذ في السبيل قال ياخذ لم يزل الناس يأخذون فإذا بلغ مغزاه فهو كسائر ماله
وسئل عن الطواف فقال ثلاثة واجبة طواف القدوم وطواف الزيارة وطواف الصدر وأما طواف الزيارة فلا بد منه ولو أنسية الرجل حتى يرجع إلى مدينته على أن يأتى

به قيل له كيف يصنع قال يدخل معتمرا فيطوف بعمرة ثم يطوف للزيارة بعد ذلك
وسئل عن المحرم يغسل بدنه بالمحلب قال أراه يكرهه وكره الأشنان
وسئل عن الخضاب للمحرم فقال ليس هو بمنزلة الطيب ولكنه زينة
وسئل عن صيد الليل فقال لا أعلم فيه شيئا حديث ثابت روى فيه حديث ابن عباس ثم ذكره تفسيره أراه عن نافع أو غيره قال كانوا في الجاهليه إذا خرجوا يطيرون الطير من مكانه قال رسول الله في مكانه يعنى أنه لا يضر ولا ينفع ولم ير به باسا
وسئل عن أكل الكراث والبصل في السفر قال أن كان من علة فأرجوا وإن كان من غير ذلك فلا يؤكل وأما الكراث فليس له كبير شيء وهو أهون من البصل
قيل له فالثوم قال إنما جاءت الكراهة في الثوم والبصل فلا تأكل
وسألته عن أكل الجبن هل سمعت في كراهيته شيئا ثبت قال لا وكأنه لم يكرهه ولم يتكلم فيه
وسألته عن شراء الأرض بالثغور فقال هو أيسر من غيره لأنهم بإزاء العدو وهم يدفعون عن المسلمين فوائد
من مسائل أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي لأحمد
سمعت أبا عبد الله يقول السائمة التي ترعى والسائبة التي تسيب وليس لها رعاء وفي السائمة الزكاة
وقال رجل لأحمد بلغني أن نصاري يكتبون المصاحف فهل يكون ذلك قال نعم نصارى الحيرة كانوا يكتبون المصاحف وإنما كانوا يكتبون لقله من كان يكتبها فقال رجل يعجبك ذلك فقال لا يعجبني
وسئل عن رجل أعطى رجلا درهما يشترى له شيئا فخلطه مع دراهمه فضاع قال ليس عليه شيء

وسئل عن رجل أوصى أن يشترى بألف درهم فرسا للجهاد ومائة للنفقة قال يشترى له مثل ما اوصى لا يزاد على ذلك شيء قال فإن أصيبا بأقل من الف بخمسين أو اكثر قال يزاد على نفقته
إذا قال بعتك هذه السلعة ولم يسم الثمن أجاب أبو الخطاب لا يصح البيع وإذا قبض السلعة فهي مضمونة عليه وجواب ابن الزغوني أما البيع من غير ذكر العوض فإبطال وإذا اقتض السلعة عند هذا العقد فله ردها فإن تلفت تحت يده وجب عليه ضمانها في المشهور من المذهب لأنها تجرى مجرى المقبوضة على وجه السوم وقد روي عن أحمد في المقبوض على وجه السوم إذا تلف من غير تفريط فلا ضمان فيه ومثله ههنا وجواب شيخنا ابن تيمية صحة البيع بدون تسمية الثمن فانصرافه إلى ثمن المثل كالنكاح والإجازة كما في دخول الحمام ودفع الثوب إلى القصار والغسال واللحم إلى الطباخ ونظائره قال فالمعاوضة بثمن المثل ثابتة بالنص والإجماع في النكاح وبالنص في إجارة المرضع في قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وعمل الناس قديما وحديثا عليه في كثير من عقود الإجارة وكذلك البيع بما ينقطع به السعر وهو بيع بثمن المثل وقد نص أحمد على جوازه وعمل الأمة وعليه
قلت والمحرمون له لا يكادون يخلصون منه فإن الرجل يعامل اللحام والخباز والبقال ويأخذ كل يوم ما يحتاج إليه من أحدهم من غير تقدير ثمن الذي ينقطع به وكذلك جرايات الفقهاء وغيرها فحاجة الناس إلى هذه المسألة تجرى مجرى الضرورة وما كان هكذا لا يجيء الشرع بالمنع منه البتة كيف وقد جاء بجوازهن في العقد الذي الوفاء بموجبه أكثر تأكيدا من غيره من العقود وهو النكاح وتفريقهم بينه وبين البيع بأن الصداق داخل فيه لا يصح بل هو ركن فيه يبطل العقد بنفيه كما نص عليه صاحب الشرع في الشفار وجاء بجوازه أيضا في عقد الإجارة الذي تقديره العوض فيهااكثر تأكيدا من تقديره في البيع لأن قيمة العين في البيع اقل اختلافا في المنفعة لأنها تتجدد بتجدد الأوقات فتختلف باختلافها غالبا فإذا جازت الأجارة بعوض المثل فالبيع بثمن المثل وما ينقطع به السعر أولى ولو فرعنا على بطلان العقد فالمقبوض به يضمن بنظيره وهو اما مثله واما قيمته ولا يصح إلحاقه للمقبوض على وجه السوم فإن القابض هناك لم يدخل على أنه ضامن بل مختبر مقلب للمقبوض والقابض

ههنا دخل على أنه ضامن بثمن المثل لم يقبضه على أنه مستام مقلب بل مالك له بعوضه فإذا تلف ضمنه
فإن قيل هو لم يملكه بهذا العقد الفاسد قلنا دخل على أنه مالك ضامن فلا وجه لإسقاط الضمان عنه وكونه لم يملكه في نفس الأمر لا يوجب سقوط الضمان عنه كالمستعار والمقبوض بالعقود الفاسدة والمغصوب وأما إذا فرعنا على صحة العقد فالضمان يكون بثمن المثل وهو القيمة لا بالمثل نفسه والله أعلم
كم مقدار التراب المعتبر في الولوغ جواب أبي الخطاب ليس له حد وإنما هو بحيث تمر أجزاء التراب مع الماء على جميع الإناء وأجاب ابن عقيل يكون بحيث تظهر صفته ويغير صفة الماء وأجاب ابن الزاغوني فقال النجاسات على ضربين نجاسة لا تزول عن محلها إلا بالحت والفرك والتراب الذي يظهر أثره فهذا الحت والقرص والتراب في إزالتها واجب
الثاني ما يكفى فيها فراغ الماء ففي وجوب التراب فيها لأصحابنا وجهان أحدهما وجوبه عينا وهو اختيار أبي بكر والثاني مستحب غير واجب والقائلون بوجوبه إذا كان المغسول مما لا يضره التراب الكثير فلا بد أن يطرح في الغسل ما يؤثر وإن كان مما يضره التراب كالثوب ونحوه فهل يجرى ما يقع عليه اسم التراب وإن لم يظهر أثره فيه ايضا عن أصحابنا وجهان أحدهما لا يجزئه إلا ما يظهر أثره الثاني يجزئه ما يقع على الأسم وإن لم يظهر أثره وهل ينوب عنه الصابون والأشنان وامثال ذلك مما يضره التراب فيه عن أصحابنا وجهان
إذا قلنا الواجب التوجه إلى عين القبلة وكان الصف طويلا يزيد على سمت الكعبة اختلف كلام أحمد في ذلك على روايتين
إحداهما أن طول الصف مع البعد الكثير لا يؤثر ذلك ميلا عن الكعبة إلا قدرا يخفي أمره ويعسر اعتباره لا سيما فيما هو مأخوذ بالإجتهاد فعفي عنه والرواية الثانية أنه إذا طال الصف من جانبى الإمام انحرف الطرفان إلى ما يلي الإمام انحرافا يسيرا يجمع به توجيه الجميع إلى العين ولا يشبه هذا خلاف المجتهدين لأن كل واحد من المجتهدين يعتقد خطأ صاحبه في اجتهاده وفي مسألتنا قد اتفقا في الإجتهاد
قلت الصواب أنه مع كثرة البعد يكثر المحاذي للعين فإن قيل هذا إنما يكون مع التقوس كالدائرة حول نقطة قلنا نعم ولكن الدائرة إذا عظمت واتسعت جدا فإن التقوس لا يظهر في جوانب محيطها إلا خفيفا فيكون الخط الطويل متقوسا نحو شعرة وهذا لا يظهر للحس

إذا وطىء الصبي هل يجب عليه الغسل أجاب ابن الزغوني هذا لا نسميه جنبا لأن الجنب اسم لمن أنزل الماء والصبي لا ماء له وهل يجب عليه الغسل لالتقاء الختانين ينظر فيه فإن كان مراهقا وهو أن يجد الشهوة في ذلك وجب عليه الاغتسال ولم لم يجد ذلك فلا اغتسال عليه لكن يؤمر به تمر ينا وعادة وهكذا أجاب ابن عقيل عن هذه المسألة في صبي وطىء مثله قال إن كان له شهوة لزمه الغسل وإن كان ذلك على سبيل اللعب لغير شهوة فلا غسل عليه
إذا سجد على شيء مرتفع لعذر فهل يجوز أجاب ابن الزاغوني إذا كانت الأرض ذات صعود وهبوط فلا يضر إن سجد على الأعلى ويجلس في المنهبط فأما إذا كان متخذا كالدرجة والضفة وأمثال ذلك ولا حاجة تدعوه إلى السجود عليها فإنه لا يجوز له ذلك
وإن كان مريضا لم يجز له أن يعتمد مثل ذلك بل يومىء بركوعه وسجوده ولا ينزل تحت جبهته شيئا دون الأرض يسجد عليه فأما إذا زحم ولم يقدر إلا أن يسجد على ظهر أخيه سجد على ظهر أخيه وأجزأه
وأجاب أبو الخطاب إن كان ارتفاعه بحيث يخرج به عن صفة السجود لم يجزئه وإن فعل ذلك لعذر جاز
هل يجوز له ان يحدث حماما يتأذى به الجيران أجاب ابو الخطاب لا يجوز له فعل ما يتأذى به عقار الجيران وأبنيتهم ويؤذيهم في إجسامهم
وأجاب ابن عقيل إذا كان ذلك في خاصة ملكه بحيث لا يتزلزل حيطانهم بالرحا ولا يتع يتعدى دخان نار حمامه ولا ينزو ماؤه إلى جدار جاره جاز
وأجاب ابن الزاغوني لا يجوز له أن يتصرف في ملكه على وجه يضر بجيرانه بزلزال حائط أو حر نار أو ماء ينزل في بالوعة أو غير ذلك مما به ضرر عليهم إلا بإذنهم
إذا قال القاضي لشاهدين أعلمكما أني حكمت بكذا وكذا هل يجوز أن يقولا أشهدنا أنه حكم على نفسه بكذا وكذا
أجاب ابن الزاغوني الشهادة على الحاكم تكون في وقت حكمه فأما بعد ذلك فإنه مخبر لهما بحكمه فيقول الشاهد أخبرنى أو أعلمنى أنه حكم بكذا في وقت كذا
وأجاب أبو الخطاب وأبن عقيل بأنه لا يجوز أن يقولا اشهدنا وإنما يقولان أخبرنا وأعلمنا

قلت الصواب المقطوع به أن يجوز يقولا أشهدنا كما يقولان أعلمنا وأخبرنا لأن الخبرة شهادة وكل مخبر شاهد قال تعالى وشهد من أهلها ثم ذكر شهادته فقال إن كان قميصه قد قبل
قال ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون أن رسول الله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // الحديث
وقال علي بن المديني أقول إن العشرة في الجنة ولا أشهد بذلك فقال الإمام أحمد متى قلت هم في الجنه فقد شهدت قال شيخنا وهذا صريح مناحمد أن لفظ الشهادة ليس بشرط قال وهو الصحيح
قلت عن احمد ثلاث روايات منصوصات حكاها أبو عبد الله بن تيمية في ترغيبة
احدها الإشتراط وهي المعروفة عند متأخرى اصحابنا
الثانية عدم الاشتراط اختارها شيخنا
الثالث الفرق بين الأقوال والأفعال فإن شهد على الفعل لم يشترط لفظ الشهادة بل يكفيه أن يقول رأيت وشاهدت وتيقنت ونحوه وإن شهد على القول فلا بد من لفظ الشهادة إذا عرف هذا فإذا قال الحاكم أعلمكما أو أخبركما أو قال شاهد الأصل لشاهدي الفرع يعلمكما أو يخبركما بأنا نشهد بكذا وكذا ساغ أن يقولا اشهدنا كما ساغ أن يقولا أخبرنا واعلمنا ولا فرق بينهما البتة لا في اللفظ ولا في المعنى ولا في الشرع ولا في الحقيقة فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين
قلت والشريعة تأباه وقد كان رسول الله كتبه إلى رسله ينفذونها إلى المكتوب إليه ولم يقل لأحد منهم أشهدك أو هذا كتابى وكان الرسول يدفع كتابه إلى المرسل إليه ولا يقول اشهد أن هذا كتاب رسول الله يقول أشهدني على ما فيه ولو سئل الشهادة الشهد قطعا وقال أشهد أنه كتابه
مما يدل على أن لفظ الشهادة غير مشترط قوله تعالى قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ومعلوم قطعا أنه لم ينكر عليهم إلا مجرد قولهم إن الله حرم هذا لم يخص الإنكار بقول من قال يشهد أن الله تعالى حرمه ولا نهى رسول الله يتلفظ بالشهادة على التحريم بل هو نهي له أن يقول إن الله حرمه

فوائد من مسائل شتى
من جامع الأنباري استودع
سألته عن رجل مالا وديعة فمات الرجل الذي أودعه وله صبي فكان أوسع لهأن يدفع المستودع المال إلى رجل مستور ينفق عليه قال القاضي ومعنى هذا إذا لم يكن وصي ولا حكام
وسئل عن الرجل يكون له الجاه عند السلطان فيسأل له الماء فاستقى منه إذا لم يكن تركه له يرد على من قد سئل عنه أو نحوا مما قلت له فأجاز لي ذلك إذا اخذت بقدر حاجتي وذهب في الشفعة أن لا يحلف للذي يطالبه وإن قدمه إلى الحاكم فأخرجه خرج
ورأى أن ما كان في النطفة والعلقة أنه لا يكون نفاسا وما كان في حد المضغة أنه نفاس وودعته غير مرة فقال أحسن الله لك الصحابة وطوى لك البعيد
قلت له كيف الحديث الذي جاء في المعاريض في الكلام قال المعاريض لا تكون في الشراء والبيع وتصلح بين الناس
وسألته عن الأذان الذي يوجب علي من كان خارجا من المصر أن يشهد الجمعة هو الأذان الذي على المنارة أو الأذان بين يدي المنبر قال هو الذي في المنارة
وسألته عن كتابه الحديث بالأجرة فلم ير به بأسا وكتابه القرآن أيضا
وسألته عن رجل اشترى من رجل شيئا بدنانير أو دراهم فدفعها إليه فقال اذهب فانتقدها وزن حقك ورد على الباقي فضاعت فرأى أنها من مال المشترى إلا أنه يقول هذا حقك فخذه ورد على الباقي فكان معنى قوله يكون من مال البائع إذا ضاعت
الرجل يوجد ميتا مخضوبا أقلف فرأى الصلاة عليه قلت فإن وجد ميتا أقلف فرأى دفنه ولم ير الصلاة عليه
وكنت على باب احمد فجاء رجل يسأل عن رجل أراد أن يتصدق يعنى بمال اشترى به موضع غلته أو يتصدق به فخرج إليه الجواب أنه لا يدرى من يقوم بها وقال إن كان له قرابة محتاجون تصدق عليهم

فارغه

قال القاضي قد ذكر هنا يتيمم لكل صلاة
وقال في الفوائت يصليها بتيمم واحد فتخرج الجميع على روايتين قوله إن جيء بالأخرى حين يسلم صلى بذلك التيمم لأحد وجهين
احدهما أن وقت الأولى إلى تمام فعلها فإذا جاء بعد ذلك فقد خرج الوقت والتيمم يقدر بالوقت والثاني أنه إذا جاءت الثانية عقيب الأولى لحقته المشقة في التيمم لتفاوت الزمان وإذا تراخى لم يشق ويجب أن تكون المسألة محمولة على أنه تعين عليه الصلاة عليها فأما إن لم يتعين عليه جاز أن يصلي بتيمم واحد كالنوافل تجمع بتيمم واحد ولو قيل إنه يصلى عليها بتيمم واحد مع التعين وجها واحدا وفي الفوائت على روايتين لأن الجنازة إذا تعينت فهي فرض على الكفاية فهي اخف وتلك فرض على الأعيان فهي آكد انتهى كلام القاضي وعدنا إلى مسائل البرزاطي
الرجل يتوضأبفضل وضوء المرأة وسؤرها قال أكره ذلك قلت فإن توضأ وصلى قال لا آمرهم بالإعادة
رجل في سوقة مسجد لايصلى فيه إلا الظهر والعصر ويسأله اهل سوقه أن يصلي بهم فيه هاتين الصلاتين قال أحب لهم أن يخرج يصلي مع الناس في مساجد الجماعة التي يصلي فيها الصلوات الخمس
مسجد في بعضه غصب قال إذا كان موقف الإمام منه في الغصب اعاد الإمام ومن صلى خلفه وإذا لم يكن موقف الإمام في الغصب أعاد من صلى في الغصب
قلت رجل دخل المسجد ورجلان يقرآن سورتين فيهما سجدة فسجدا جميعا قال إذا سمعها جميعا يقرآن السجدة وقد سجدا سجد الرجل سجدتين
سألت أحمد عن رجل يعمل القلانس ويبيعها فربما خلط القطن العتيق بالقطن الجديد أو بشيء من الصوف وحشى القلانس به قال هذا من الغش وأكره له ذلك إلا أن يعرف من يشتريها أن القطن فيه عتيق وفيه صوف
سالت أحمد عن رجل مات وخلف أولادا صغارا وخلف لهم مالا ولهم والدة أترى لها ان تأكل من مالهم قال لا احب لها أن تأكل من مالهم إذا كان لها مال
قلت إنها تكفلهم وتحضنهم وتقوم عليهم ألا يجوز لها أن تأكل من مالهم قال لا إلا من ضرورة وحاجة ولا تجد إلا ذلك أو تصير إلى الحاكم حتى يفرض لها من مالهم حق الحضانة لمثلها

سألت احمد عن الرجل يرهن الثوب عند التاجر فلما رام انفكاكه أخرج المرتهن الثوب إليه فقال الراهن ليس هذا ثوبي قال الموتهن هذا ثوبك الذي رهنته قال القول قول الراهن مع يمينه أن هذا ثوبك وأنه ما خرج من يده إلى يد غيره منذ أخذه إلى يوم أخرجه إليه وفي الحاشية بخط القاضي قوله القول قول الراهن سهو من الراو ومعناه المرتهن لأن كلامه فيما بعد يدل عليه وهو قوله يمينك وإن هذا ثوبك ما خرج من يده إلى يد غيره منذ أخذه لأنه غارم ولأنه أمين
قلت لأحمد ماتت زوجته وقد حكم عليه القاضي أن يدفع صبيانه إلى جدتهم لتحضنهم وهي في قرية بعيدة عن قريته قال إن كانت بحيث يمكن أن يراهم في كل يوم ويرونه فلا بأس بذلك قد مضى أبو بكر على عمر أن يدفع ابنه لجدته وهي بقبا وعمر بالمدينة // صحيح //
سألت عن معنى نهى النبي منع نفع البئر قال هو الرجل تكون له الأرض وليس فيها بئر ولجاره بئر في أرضه فليس له أن يمنع جاره أن يسقي ارضه من بئره

سألته عن إجارة بيت الرحى الذي يديره الماء قال الإجارة على البيت والأحجار والحديد والخشب فأما الماء فإنه يزيد وينقص ويذهب فلا تقع عليه إجارة
قلت إذا قال لعبده أنت حر وقال إنما أردت من هذه الصنعة قال هو حر ونينه فيما وبينه وبين الله
وسألته عن رجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم ويزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم وفيهم من يحدثه فترى أنه يدفع إليه الرجل المجنون ليعالجه قال ما أدري ما هذا ما سمعت في هذا شيئا ولا احب لأحد أن يفعله وتركه أحب إلى
وسئل عن رجل مات وخلف ألف درهم وعليه للغرماء ألفا درهم وليس له وارث غير ابنه فقال ابنه لغرمائه اتركوا هذه الألف في يدي وأخروا لي حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم ترى هذا جائزا قال إذا كانوا قد استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرون لأجل تركها في يديه فهذا لا يؤخر فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخرونه بالباقي ما شاءوا
قلت وجه هذا الألف قد انتقلت إلى ملكهم وليس له في ذمة الإبن شيء فإذا أخروا قبضها استوفوها ألفين صار كالنسيئة بزيادة وبعد فلا يخلوا ذلك من نظر فإنهم لو اخروا فبض الألف اتفاقا لا لأجل الزيادة ثم أتجر الولد بالتركة وربح فيها ما يقوم بوفائهم لا ستوفوا حقهم كله ولا يكون هذا من باب عمل الإنسان في مال غيره فإنهم لا يستحقون الربح كله وإنما يستحقون منه تمام حقهم وحق الغرماء
وإن تعلق بالتركة فهو كتعلق الرهن لا أنهم يملكون التركة بمجرد موت الغريم ولو وفاهم الورثة من غيرها لم يكن أن يمتنعوا من الإستيفاء وهذا على قولنا إن الدين لا يمنع انتقال التركة إلى الورثة أظهر فإن التركة تنتقل إليهم وتبقى ديون الغرماء على نفس التركة فلو ربحت لا ستحقوا من الربح بقدر ديونهم وليس هذا من الربا في شيء فإن الغريم يستحق الألفين استحقاقا صحيحا بوجه لا ربا فيه وإنما يؤخر قبض بعض حقه ليستوفيه كاملا فليس هذا من باب الزيادة على رأس ماله لأجل الأجل في شيء وهذا حقيقة الربا وإنما هذا صبر منه يستوفي ما وجب له بأصل العقد كما لو كان الغريم حيا وأفلس ولم يسع ما له لوفاء ما عليه فصبر الغرماء ليستوفوا حقهم كاملا ولا يعنى الفرق أن ذمة الميت قد خرجت بالموت وذمة المعسر باقية لوجهين أحدهما المنع بل الدين باقي في ذمة الميت كما هو باقي في ذمة الحي وإنما تعذرت

المطالبة بالموت والذمة مشغولة مرتهنة بالدين وتعذرت مطالبته كتعذر مطالبة الغريم إذا سقط عنه التكليف بالجنون وذلك غير مانع من التأخير بتمام الأستيفاء وكذا في الموت وهذا على أصول ابى عبد الله وقواعده والله تعالى أعلم
رجل قال لعبده إذا فرغت من هذا العمل فأنت حر وقال أردت أنك حر من العمل أجاب ابن عقيل وأبو الخطاب وابن الزاغوني لا يقبل قوله في ظاهر الحكم وأما بينه وبين الله فيحتمل
قلت أما التوقف لكونه يدين فلا وجه له فإنه إذا أراد بلفظه ما يحتمله ولم يخطر بقلبه العتق وليس هنالك قرينة ظاهرة تكذبه فهو أعلم بنيته ومراده وقد قال أحمد في رواية بشر بن موسى في الرجل يكتب إلى أخيه أعتق جاريتي فلانه ويريد ان يهددها بذلك وينوى التصحيف اكره ذلك لا بخبر وهو عبث فيهددها ويسعه فيما بينه وبين الله أن يبيعها والقاضي يفرق بينهما
قلت مراده بالتصحيف التعريض وكأنه تصحيف للمعنى وهو العدول باللفظ عن معناه الموضوع له وقد قال في رواية أبي الحارث إذا قال انت طالق وهو يريد طالق من عقال إذا كانت قد سألته الطلاق أو كان بينهما غضب لم يقبل قوله وهذا يدل على قبوله عند عدم القرينة الدالة علىالطلاق فعلى هذا إذا قال له عبده أعتقنى لله فقال إذا فرغت من هذا العمل فأنت حر لم يقبل قوله
وأما إذا قال أرحنى من هذا العمل واستعملني في غيره أو اعتقني من هذا العمل فقال إذا فرغت منه فأنت حر واراد من هذا العمل قبل قوله فالمراتب ثلاثة بما يبعد معه صرف اللفظ عن غرضه لما هنالك من القرائن فلا يقبل قوله وبما يعرف معه الصرف كقرائن تحف به فيقبل قوله وما يكون تجردا عن الأمرين فهو محل تردد
إذا لقي امرأة في الطريق فقال تنحى يا حرة فإذا هي جاريته فاجاب ابن الزاغوني بأن قال اختلف اصحابنا فيما إذا لقى امرأة في الطريق فقال تنحى يا طالق فإذا هي امرأته فهل تطلق على وجهين قال والعتق مثله
قلت وقوع العتق في هذه الصورة بعيد إذ من عادة الناس في خطابهم في الطرقات وغيرها إطلاق هذا اللفظ ولا يريد به المخاطب إنشاء العتق هذا عرف مستقر وأمر معلوم وأيضا فإنما يريدون حرية الأفعال وحرية العفة لا حرية العتق ولم تجر العادة بأن تخاطب المراة الأجنبية بالطلاق فلا يلزم من الحكم بوقوع الطلاق في مثل هذا الحكم بوقوع العتق

إذا علم الحاكم من حال الشاهدين أنهم لا يفترقان بين ان يشهدا بما يذكر أن الشهادة قديمة به وبين ان يعتمدا على معرفة الخط من غير ذكر هل يجوز إذا شهدا الشهادة قديمة أن يسألهما هل يعتمدان على الخط أو هما ذاكران للشهادة أجاب ابن الزاغوني إذا علم الحاكم أنهما يجوزان بذلك صار حكمهما في ذلك حكم المغفلين أو المحرفين إذا علم أ4نهما يحرفان ومن هذه صفته لا يجوز له قبول شهادتهما بحال فإذا كان يتوهم ذلك من غير تحقيق لم يجز له أن يسألهما عن ذلك ولا يجب عليهما أن يخبراه بالصفة
أجاب أبو الخطاب لا يلزم الحاكم سؤالهما عن ذلك ولا يلزم جوابه إذا قالا نشهد من حيث جاز لنا الشهادة وإذا علم تجوزهما في الشهادة صارا كالمغفلين فلا يجوز له قبول شهادتهما
إذا شهدا أنا لا نعلم لفلان وارثا إلا هذا فدفع إليه الحاكم الملك ثم عاد وشهد الاخر أنه وارثه معه فهل يشارك الأول
إجاب ابن الزاغوني ليس بين الشهادتين تناقض لأنه يعلم الإنسان بعض المعلوم في وقت ويعلم في وقت آخر ما بقي وإذا ثبت هذا وجب أن يشارك الثاني الأول
وأجاب أبو الخطاب يقبل قولهما وتقسم التركة بينهما
وأجاب ابن عقيل الشهادة الأولى لا تنافي الثانية ولا تناقض بينهما وأن نفي العلم في حال لا ينافى ثبوته بطريقة فيما بعد فيرثان جميعا
إذا حكم الحاكم بشهادة شاهدين ثم بان له فسقهما أو كذبهما وقت الشهادة
إجاب أبو ألخطاب ينقضي الحكم الأول ولا يجوز تنفيذه
أجاب ابن عقيل لا يقبل قوله بعد الحكم
فإن قال كنت عالما بفسقهما قبل قوله وجواب ابن الزغوني لا يخلو قبوله لشهادة الشاهدين إما أن يكون لعدالة ثبتت عنده بعلمه أو بعدالة ثبتت بتعديل مزك أو بظاهر عدالة الإسلام فإن كان لعدالة ثبتت عنده بعلمه فالأمر في ذلك مبنى على الحاكم هل يجوز له أن يحكم بعلمه وفي ذلك عن أحمد رويتان
إحداهما أنه لا يحكم بعلمه فعلى هذا قد اخبر بأنه حكم على وجه لا يجوز له الحكم به فنقض حكمه

والرواية الثانية أنه يجوز له الحكم بعلمه فعلى هذه الرواية لا ينتقض حكمه لأنه متهم في نقضه وذلك بأنه أتى بقولين مختلفين يضيفهما إلى نفسه لعمل يكون على الأول دون الثاني
وإن كان حكم بعدالتهما لشاهدة مزكى بعدالتهما لم يجز له أن ينقض حكمه إذا أضافة إلى علمه وهل يقتصر في حكمه إلى شاهدين غيره يشهدان بفسقهما أو يكتفى معه بشاهد واحد فيه وجهان ذكرهما أبو علي ابن أبي موسى من اصحابنا فإن حكم بشهادتهما لظاهر عدالة الإسلام فهل يجوز له ذلك فيه عن أحمد روايتان
إحداهما لا يجوز الحكم بشهادة شاهد حتى يعلم عدالته باطنا وظاهرا فتعلى هذا ينقض حكمه
والرواية الثانية أنه لا يجوز له ذلك فعلى هذا يجوز له أن ينقض حكمه يحتمل وجهين
إحدهما لا يجوز له ذلك إلا أن يثبت عنده ببينة
والثاني يجوزله نقض الحكم لأنه قد تظهر بالإسلام عدالة من ولو كشفت حاله لم يكن عدلا وكان قوله محتملا يبعد عن التهمة ثم ينظر بعد هذا فإن وافقه المشهود له على ما ذكر وجب عليه رد ما أخذ فإن كان ما نقض الحكم بنفسه دون الحاكم وإن خالفه فيه فإن أوجبه دون غرامه لزمت الحاكم إذا قال المشهود عليه أشهدت على نفسي بما في هذا الكتاب ولم أعلم ما فيه ولم يقرأعلى وليس في الكتاب أنه قرىء عليه هل يمنع ذلك الحكم به وهل يجوز للشاهد أن يقول للمشهود عليه اشهد عليك بجميع ما نسب إليك في هذا الكتاب من غير أن يعرفه ما به ويشهد به
أجاب ابن الزاغوني لا يجوز للشاهد أن يشهد على المشهود عليه إلا بأن يقرأ عليه الكتاب ويقول المشهود عليه قد قرىء علي أو يقول قد فهمت جميع ما فيه وعرفته فإذا اقر بذلك عند الشهود شهدوا عليه به وإذا شهد الشاهدان عند الحاكم أنه قد أقر عندهم بفهم جميع ما في الكتاب لم يلتفت إلى إنكار المشهود عليه
وأجاب أبو الخطاب إذا قال المشهود عليه أشهدتم على نفسي بما في هذا الكتاب لا يشهد الشاهدان إلا أن يقولا له نشهد عليك بجميع ما في هذا الكتاب وقد فهمته أو قرىء عليك فيقول نعم أو يقرأعليه فإذا وجد ذلك لم يقبل قوله لم اعلم ما فيه ولزمه الحكم في الظاهر
قلت وعلى هذا فكثير من كتب هذه الأوقاف المطولة التي واقفها امرأة أو أعجمي أو

تركي أو عامي لا يعرف مقاصد الشروط لا يجب القيام بكثير من الشروط التي تضمنته لأن الواقف لم يقصدها ولا فهمها وقد صرح كثير من الواقفين بذلك بعد الوقف وعلى هذا فيصير كالوقف الذي لا نعلم شروطه ومن مسائل أبي جعفر محمد بن علي الوراق
قيل له قال حج عني قال يحج عنه يعنى يفرد الحج قيل له قال وما فضل فهو لك كيف ترى قال إذا قال فأرجو أن يطيب له صلى بنا أبو عبد الله يوم جمعة صلاة الفجر فقرأ تنزيل السجدة وعبس فسها أن يقرا السجدة فجاوز2ها فسجد سجدتي السهو قبل التسليم قيل له لم سجدت سجدتي السهو قال لا يضره وذكر حديث ابن عباس إن استطعت أن لا تصلى صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين أما رأيتني ما صنعت يقول إني لم أقرأالسجدة
قلت هذه الرواية في غاية الإشكال لأن سجدةيوم الجمعة ليست من سنن صلاة الفجر ولهذا لا يستحب ان يتعمد قراءة آية سجدة من هذه السورة ولا من غيرها في فجر الجمعة وإنما المقصود قراءة هاتين السورتين تنزيل وهل أتى وذلك لما فيهما من بدء خلق الإنسان وذكر القيامة فإنها في يوم الجمعة فإن آدم خلق يوم الجمعة وفي يوم الجمعة تقوم الساعة فاستحب قراءة هاتين السورتين في هذا اليوم تذكيرا للأمة بما كان فيه ويكون والسجدة جاءت تبعا غير مقصود فلا يستحب لمن لم يقرا سورة تنزيل أن يتعمد قراءة آية سجدة من غيرها لاسيما وقد آل هذا بخلق كثير إلى اعتقادهم أن يوم الجمعة خص بزيادة سجدة فيشتد إنكارهم على من لم يسجد ذلك اليوم وربما يعيدون الصلاة وينسبونه مع سعة علمه وفقهه إلى أنه لا يحسن يصلي ولهذا والله أعلم كرهها مالك وأبو حنيفة وغيرها فالسجدة ليست من سنن الصلاة فلا يستحب سجود السهو لتركها وهذا إن كان قد صح عن احمد فالظاهر والله أعلم أنه رجع عن ذلك فلم يستقر مذهبه عليه وقول ابن عباس أن استطعت أن لا تصلي صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين إنما أراد به ابن عباس الركعتين بعد الفريضة جابرين بما يكون من الفريضة من خللل والركعة تسمى سجدة
وقال ابن عمر حفظت عن رسول الله قبل الصبح وسجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها // رواه البخارى ومسلم والبيهقي // الحديث وهو كثير في ألأحاديث والآثار إطلاق اسم

السجدتين على الركعتين وقد ذهبت طائفة من الزيدية إلى أنه يشرع لكل مصل أن يسجد سجدتين للسهو في آخر كل صلاة ولعلهم فهموا ذلك من قول ابن عباس والله أعلم
ولا أعلم للوراق متابعا على هذه الرواية والمذهب على خلافها عدنا إلى مسائلة قال قلت الإمام إذا ختم يقرأ المعوذتين ثم يقرأ بفاتحة الكتاب ويبتدى بالقراءة قال لا أدري ما سمعت في هذا بشيء
قلت تجزىء العمامة في الكسوة في كفارة اليمين فقال لي تجزىء القلنسوة ثم قال لا إلا الثوب أو القميص وإن كسا امرأة فقميص ومقنعة لأنه لا يجوز للمرأة أن تصلي إلا في قميص ومقنعة الكسوة فيما تجوز فيه الصلاة وسأله رجل عن مسألة فقال لا أدرى فردها الرجل عليه فقال أكل العلم نحسنه نحن قال فاذهب إلى هؤلاء فاسألهم يعنى أصحاب الرأى فقال لا أنظر إلى من يذهب إلى رأي أهل المدينة
وسمعت أحمد يقول كان الحجاج بن أرطاة يقول لا تقولوا من حدثك ولا من اخبرك قولوا من ذكره قيل له كان يدلس قال نعم
ومن مسائل أبي العباس أحمد بن محمد البزي قلت إذا تلاعن الزوجان ما أمرهما فسخ أو طلاق بتفريق الحاكم وكيف يكون حال المرأة إذا ارتدت عن الإسلام والخلع وما أشبه هذا فقال هذه مسألة أنا فيها منذ ثلاثين سنة لم يتضح الأمر فيها فلا أدرى اللعان فيها أو لا ومن مسائل زياد الطوسي
سألته عن العقيقة فقال ليست بواجبه وقد روى عن النبي أنه عق عن الحسن والحسين // صحيح // قال زياد وأخبرني أبو عبد الله أنه قال تعطي القابلة الراحل كذا بخط القاضي بحاء مهملة وهو سهو منه وصوابه الرجل بالجيم
وروى أحمد بإسناده أن النبي أن يبعثوا إلىالقابلة برجل // ضعيف // يعني من العقيقة ذكره الخلال في جامعة قال وسمعت أحمد يقول لا

يعجبنا أن يقول مؤمن حقا ولا يكفر من قاله وقال وسمعته يقول لا تسمى في التشهد إلا ما روي عن عبد الله التحيات ومن مسائل بكر بن أحمد
سألت أبا عبد الله إذا فاتتني أول صلاة الإمام فأدركت معه ركعة من آخر صلاته فقال لي تقرأ فيما تقضي يعني الحمد لله وسورة وفي القعود على ابتداء صلاتك ومن مسائل الفضل بن زياد
قال سمعت أبا عبد الله قيل له ما تقول في التزويج في هذا الزمان فقال مثل هذا الزمان ينبغي للرجل أن يتزوج ليت أن الرجل إذا تزوج اليوم ثنتين فقلت ما يأمن أحدكم أن ينظر النظر فيحبط عمله قلت له كيف يصنع من أين يطعمهم فقال ارزاقهم على الله عز و جل ومن مسائل عبد الملك الميموني
قال الزكاة أهون من الصدقة لأن الله قال فيها وابن السبيل وهو حين يأخذ الزكاة فيخرج من منزلة تلك الساعة هو ابن السبيل قال القاضي قوله حين يأخذ الزكاة يخرج من منزلة تلك الساعة هو ابن السبيل يدل علىأن ابن السبيل هوالمنشيء للسفر وعنه خلاف وأنه المختار انتهى الكلام
ولم يفسر قول أحمد الزكاة أهون من الصدقة وأراه قد خفي عليه معنى كلام أحمد ولم يرد أحمد ما فهم القاضي وقال الميموني قلت يعتق من زكاته قال نعم قلنا له فإن جنى جناية أو أحدث حدثا أليس يرجع عليه قال بلى قلنا له فميراثه له قال لا قلنا ولم قال إن ذا لله فإذا ورث منه شيئا جعله في مثله قلت يعقل عنه ويؤخذ بجريرته في جنايته فإذا مات ذهب ميراثه قال هو اراده وضيعه بنفسه
وسألته عن الحب يجمع قال مسألة فيها اختلاف قلت إذا كنا نذهب في الذهب والفضة إلى أن لا نجمعها لم لا تشبه الحبوب بها قال هذه يقع عليها اسم

طعام واسم حبوب قال ورأيت أبا عبد الله في الحبوب يحب جمعها ومذهبه في الذهب والفضة والبقر والغنم أن يزكى كل واحد منها على حدة ولا يجمع بعضها إلى بعض
وسألته عن الرجل من أهل الكتاب لي عليه اليمين أستحلفه قال نعم لا إلا أن من الناس من يقول استحلفه بالكنيسة ويغلط عليه بأيمانهم ومنهم من يقول يستحلفه بالله
قلت فإن استحلفه بالله أو بالكنيسة أليس ترى ذلك جائزا قال بلى وإذا رفع إلى الحاكم استحلفه بالكنيسة ويغلظ عليه أو بالله عز و جل
في الحاشية بخط القاضي قوله أو بالكنيسة يحتمل أن يريد به يستحلفه بالله في الكنيسة ولم يرد أن يحلفه بها ويحتمل أن يريد يستحلفه بالله ويضم إليه
وهدم الله الكنيسة قلت ما تقول في الصفي قال ذلك شيء للنبي قلت قال الله عز و جل لله وللرسول الآية أن جعلها رجل في صنف واحد اجزأ عنه قال لي ما علمت أن أحدا قال بذا يجعل في الأصناف كلها
وقال أرأيت إن كان عنده عشرة آلاف وعليه عشرة آلاف لا يحج ما تقول في حج هذا إذا حج قلت على القياس حجة فاسد على قول من قال ليس له أن يحج من هذا المال فقال لي ما يرى هذا إلا شنيع قلت هذا القياس غير صحيح لأنه وإن كان دينه بقدر ما بيده فهو لم يحج بمال حرام حتى تكون مسألة الحج بالمال الحرام وإنما حج بماله نفسه ولكنه أثم بتأخير قضاء الدين من هذا المال ولو أنه اكتسب في هذا المال ونما لكان نماؤه لم يختص به ولو تصدق منه لكان ثوابه له فلا يصح قياسها على ما لو سرق مالا لغيره وحج به
عدنا إلى المسائل قلت وتخرج صدقة قوم من بلد إلى بلد قال لا إلا أن يكون فيها فضل عنهم قلت كيف يكون عن فضل قال يعطيهم ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم لأن الذى كان يجىء المدينة إلى النبي بكر وعمر إنما من فضل عنهم
وقال لي أبو عبد الله إذا بيت فإصاب نسائهم فليس عليه كفارة وليس عليه شيء وإذا عمد فليس عليه أيضا لا دية ولا كفارة ولكن لا يقتل لا يدخل في نهي النبي

وقال ابو عبد الله إنما الجهر بالقراءة في الجماعة أرأيت إن صلى وحده عليه أن يجهر إنما الجهر في الجماعة إذا صلى
وسألوه عن الجرح يكون بالإنسان يخاف عليه كيف يمسح عليه قال ينزع الخرقة ثم يمسح على الجرح نفسه قلت هذا النص خلاف المشهور عند الأصحاب فإنهم يقولون إذا كان مكشوفا لم يمسح عليه حتى يستره فإن لم يكن مستورا له ونص أحمد صريح في أنه يكشف الخرقة ثم يباشر الجرح بالمسح وهذا يدل على أن مسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة وأنه خير من التيمم وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه وهو المحفوظ عن السلف من الصحابة والتابعين ولا ريب أنه بمقتضى القياس فإن مباشرة العضو بالمسح الذي هو بعض الغسل المأمور به أولى من مباشرة غير ذلك العضو بالتراب ولم أزل أستبعد هذا حتى رأيت نص أحمد هذا بخلافه ومعلوم أن المسح على الحائل إنما جاء لضرورة المشقة بكشفة فكيف يكون أولى من المسح على الجرح نفسه بغير حائل فالقياس والآثار تشهد بصحة هذا النص والله أعلم
وقد ذكرت في الكتاب الكبير الجامع بين السنن والآثار من قال بذلك من السلف وذكرت الآثار عنهم بذلك وكان شيخنا ابو العباس بن تيمية رحمة الله يذهب إلى هذا ويضعف القول بالتيمم بدل المسح
رجعنا إلى المسائل وقال إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر هذا لا تقبل صلاته أربعين يوما كيف أصلي خلف هذا لي أن ختار ليس هو والى المسلمين والصلاة خلف الولاة لا بد والصلاة خلف أئمة الأحياء لنا أن نختار قال ابو عبد الله لم ترث بنات عم من مواليه شيئا ومن مسائل الفضل بن زياد القطان
سمعت أحمد وسئل عن الرجل يختن نفسه فقال إذا قوى على ذلك
قلت من أقرأهم قال أحفظهم
سألت أحمد عن المتطوع جالسا هل يتربع قال إن كان يطيل القراءة تربع وإن كان يكثر الركوع والسجود لم يتربع
وسألت أحمد رضي الله عنه عن الرجل يصلي تطوعا فيصير بعض ذلك عن والديه فقال أما الطواف فقد سمعنا وأما الصلاة فما ادرى أحتاج أن انظر فيه

وسمعته يسأل عن القنوت قبل الركوع او بعد فقال كل حسن إلا أني أختار بعد الركوع وسألته إذا قنت الرجل في الوتر يكبر ثم يقنت فقال إذا قنت قبل الركوع ففرغن من القراءة كبر ثم قنت وإن قنت بعد الركوع فرفع رأسه من الركوع قال اللهم إنا نستعينك ونستهديك ولم يكبر وسألته عن قدر القيام في القنوت فقال كقنوت عمر وسمعته وسئل عن الإمام يقنت ويؤمن من خلفه قال ما احسنه إلا أنا نحن ندعوا جميعا
سألت أحمد قلت أختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح قال اجعله في التراويح قلت كيف أصنع قال إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام
وسألت أحمد عن إمام قوم إذا آخر ليلة من الشهر أقبل على الناس ووعظ وذكر وحمد الله واثنى عليه ودعا قال حسن قد كان عامة البصريين يفعلون هذا
أخبرنا أحمد ثنا عبد الرزاق انبأعقيل عن معقل بن وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله أن النبي عن النشرة فقال هي من الشيطان
كتبت إلى ابي عبد الله أسأله عن حديث ابن عباس إياكم والغلو // صحيح // ما معنى الغلو فأتاني الجواب يغلوا في كل شيء في الحب والبغض
صافحت أبا عبد الله كثيرا فصافحني وابتدأني بالمصافحة غير مرة ورأيته يصافح الناس كثيرا

أخبرنا أبو طالب عن أبى عبد الله قال قلت هؤلاء إذا قلنا لهم يهديكم الله يصلح بالكم قالوا إنما يقال هذا لليهود أليس بقرآن اهدنا الصراط المستقيم قلت أليس دعاء النبي اهدني فيمن هديت // حسن // قال بلى الفضل
قال أبو طالب سألته عن اليهود والنصارى من أمة محمد لا النبي يقول أمتى أمتى // رواه البخاري ومسلم // يقع على اليهودي والنصاري
وسألت أبا عبد الله عن الرجل يشترى الأضحية ثم يبدوا له أن يشترى خيرا منها قال إذا سماها فلا يبيعها إلا لمن يريد أن يضحى بها
وسألت عن الإزار تحت السرة اعجب إليك ام فوق السرة فقال تحت السرة
وسمعت يسأل عن معنى لا تراءى نارهما فقال لا ينزل من المشركين في موضع إذا أوقدت رأوا فيه نارك وإذا اوقدوا رأيت فيه نارهم ولكن تباعد عنهم
وسألته عن طواف الزيارة كم هو قال واحد وعشرون طوافا ثلاثة أسابيع لذلك أعجب إلينا قلت يريد احمد أن اكمل الطواف ثلاثة أسابيع سبعة للقدوم و سبعة للإفاضة وسبعة للوداع فأجاب السائل عن سؤاله وغيره وقد صرح بهذا في مواضع أخرى
وسمعته يقول لقوم قدموا من مكة يبارك الله لكم في مقدمكم وتقبل منكم
وسمعته وقد سئل عن المرأة تلبس الحلي وهي محرمة فقال لا بأس به وسمعته وقد سئل عن محرم أحرم من خرسان فلما صار ببغداد مات أوصى أن يحج عنه يحرم عنه من بغداد أو من المواقيت قال من المواقيت وسألته عن المحرم يستظل قال لا يستظل
قلت عليه دم فقال الدم عندي كثير وكتبت إليه أسأله عن رجل له قرابات محاويج لا يعرفون شرائع الإسلام ولا يتعلمونه أيضع زكاته فيهم أو في من يعرف شرائع من غير القرابات فأتى الجواب ينبغي له ان يعلمهم ويضعها فيهم ويعطيهم من غير الزكاة

وكتبت أسأله عن الحديث من أقر بالخراج وهو قادر على أن لا يقر به فعليه لعنة الله فأتى الجواب ما سمعت بهذا هو حديث منكر وقد روى عن ابن عمر أنه كان يكره الدخول في الخراج وإنما كان الخراج على عهد عمر
وسألته وسألته عن الرجل يكتب عن الرجل ولا يراه فقال كتبت عن علي بن هشام ولم اراه
نافع عن ابن عمر قال كان يبعث بها قبل الفطر باليومين والثلاثة إلى المجمع وكان عطاء يعطي عن أبوية صدقة الفطر حتى مات قيل لأبى عبد الله يعجبك هذا قال هذا تبرع ما أحسن هذا
سمعت ابا عبد الله يقول أكذب الناس القصاص والسؤال
وسمعت يرد على السائل إذا وقف ببابه أعاننا الله وإياك
كتبت إليه اسأله عن رجل يعمل الخوص قوته ليس يصيب منه أكثر من ذلك هل يقدم على التزويخ فأتانى الجواب يقدم على التزويجج فإن الله يأتي برزقها ويتزوج ويستقرض
وسألته عن رجل تزوج امرأة على ألف درهم فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل بها سألته الصداق فقال أبو عبد الله لها ذلك
قلت فإنه قال لها إنى قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة إنما صداقي دراهم فقال ابن عبد الله صدقت قلت كيف يصنع بهذا قال ترد عليه الثياب والمتاع وترجع المرأة عليه بصداقها
وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إن لبست من غزلك وعليه من غزلها يلقى ما عليه من غزلها ساعة وقعت اليمين قيل له فإن هو نسى وذكر بعد قال يلقيه عنه ساعة ذكر قيل له فإن مشى خطوات وهو ذاكر له يقول الساعة ألقيه أخشى أن يكون قد حنث
قلت هذا منصوص أحمد ههنا
وفي مسألة الحمل إذا قال إن حملت فأنت طالق فبانت حاملا طلقت وقال صاحب المحرر وعندي أنها لا تطلق إلا بحمل متجدد وقد أوافق ابو البركات على مسألة اللبس فقال إذا حلف لا يلبس ثوبا هو لابسه أو لا يسكن دارا هو ساكنها أولا يساكن فلانا وهو مساكنه فاستدام ذلك حنث وكذلك إذا حلف أن لا يتسرى

فوطىء أمة له قال يحنث ثم قال وإن حلف لا يتطيب وهو متطيب أولا يتطهر وهو متطهر أو لا يتزوج وهومتزوج فاستدام ذلك لم يحنث ثم قال وإن حلف لا يدخل دارا هو فيها فهل يحنث بالاستدامة إذا لم تكن له نية فعلى وجهين
وهذه المسألة تحتاج إلى فرق صحيح ويعسر أو يتعذر إبداؤه فأما إن اعتبرنا النية فالجميع سواء وإن تعذر اعتبار النية لم يظهر فرق البتة بين أن يحلف أن لا يتسرى أو أن يحلف أن لا يتزوج فيحنث بوطء أمته بخلاف التزوج فإن وطء الزوجة لا يقال له تزوج وهذا الفرق ليس بشيء فإن التزوج أيضا مأخوذ من ضم الزوج إلى زوجة ولكن عند الاطلاق لا يفهم من التسرى والتزوج إلا تجديد فراش أمته أو زوجه فإن كان استدامة فراش الأمة يعد تسريا فاستدامه فراش الزوجة يعد زواجا وبالجملة فلا يظهر لي في هذه المسائل فرق يعتمد عليه
عدنا وسئل عن امرأة أختلعت من زوجها في مرضه فمات وهي في العدة لا ترثه ليس هي مثل الطلاق ابتداء والخلع هو من قبلها حديثا
ابو طالب عن ابى عبد الله أنه سأله عن الأمة إذا فقدت زوجها تتربص سنتين علىالنصف من الحرة سمعت أحمد يقول في حديث أبي هريرة من حمل جنازة فليتوضأ فقال كأنه يقول لا يحملها حتى يتوضأ أو كما قال
وسألته عن قوم مات فيهم ميت وليس عندهم ماء فقال يتيمم قلت فإنهم يمحوه وصلوا عليه وأصابوا الماء قال لا أدري ما هذا لم أسمع في هذا بشيء
وكتبت إليه أسأله عن زائر القبر يقف قائما أو يجلس فأتى الجواب أرجوا أن لا يكون به باس ومن مسائل أحمد بن أحرم بن خزيمة بن عباد بن عبد الله ابن حسان بن عبد الله بن المغفل المزني الصحابي
سمعته وقال له رجل جمعنا الله تعالى وإياك في مستقر رحمته فقال لا تقل هكذا قلت اختلف السلف في هذه الدعوة وذكرها البخاري في كتاب الأدب المفرد له وحكى عن بعض السلف أنه كرهها وقال مستقر رحمته ذاته هذا معنى

كلامه وحجة من أجازها ولم يكرهها الرحمة هنا المراد الرحمة المخلوقة ومستقرها الجنة وكان شيخنا يميل إلى هذا القول انتهى
وسئل عن رجل استأجر اجيرا على أن يحتطب له على حمارين كل يوم ينقل عليهما وكان الأجير ينقل على الحمارين وعلى حمار رجل آخر في نوبة هذا أو يأخذ منه الأجر فقال إن كان يدخل عليه فيه ضررا رجع عليه بالقيمة أو قال كلاما هذا معناه
قلت وشبية بهذه المسألة إذ أخذ من رجل مالا مضاربة ثم ضارب لغيره وعلى الأول ضرر في ذلك فإنه يرد حصته من الربح في شركة الأول ووجه هذا أن منافعه صارت مستحقة للمستأجر والمضارب فإذا بذلها لغيره بعوض كان العوض لمستحقها
وساله رجل أن والدي توفي وترك عليه دينا أفاقضيه من زكاة مالي قال لا
وسئل عن رجل أسلم في طعامه إلى أجل مسمى فإذا حل الأجل يشترى منه عقارا أو دارا فقال نعم يشترى منه مالا يكال ولا يوزن
وسمعته سئل عن رجل حلف أن لا يلبس من غزل امرأته فخاط الخياط من غزلها فلم يجب فيه شيء
وسئل عن امرأة رميت فأقرت على نفسها ثم ولدت فبلغ زوجها فطلقها قال الولد للفراش حتى يلاعن
وسئل عن رجل أسلم من أهل حرب في دار الحرب ثم دخل دار الإسلام وليس له ولى في دار الإسلام فقتله رجل من المسلمين خطأأيلزم المسلم الدية مع الرقبة قال الذي أذهب إليه أنه ليس عليه دية وعليه رقبة
وسئل عمن طاف وراء المقام وقيل له روى عن عطاء أنه قال من لم يمكنه الطواف إلا خلف المقام جلس كأن عطاء كره الطواف خلف المقام فقال من روى هذا ليس هذا بشيء الذي يكره من هذا أكثر لتعبه وأعظم لأجره
قيل له طاف من وراء السقاية قال نعم هو اكثر لتعبه
قيل له تذهب إلى حديث عبد الله بن حكيم ! أن النبي قال لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب // رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والطيالسى والنسائي والبخاري والبيهقي والترمذي // قال نعم قيل له وقد رواه خالد الحذاء عمن سمع عبد الله بن

عكيم قال قد رواه شعبة عن الحكم عن ابن ابى ليلى عن عبد الله بن عكيم أصح من هذا وقد رواه عباد ورواه شعبة عن الحكم كأنه صححه من غير حديث خالد ومن مسائل الفضل بن زياد القطان
كتبت إلى أبى عبد الله أسأله عن حديث النعمان بن بشير من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه // رواه البخاري ومسلم وأبو داودوالنسائي وغيره // ما الشبهات فأتانى الجواب هي منزلة بين الحلال والحرام إذا استبرأ لدينه لم يقع فيها
أحمد رضي الله عنه حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن محمد يعنى ابن واسع أنه كان يكره أن يشترى بالدنانير إلا العتق وبالدراهم التي فيها كتاب الله أن يشترى بها أو يبيع
وقال أحمد سمعت من معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كان ناس من اصحاب رسول الله في البحر منهم طلحة بن عبد الله وسعيد بن زيد سمعت أبا عبد الله وقد سئل عن بيع الجزاف فقال إذا استوى علمهما فلا بأس يعنى إذا جهلا به فإذا علم أحدهما وجهل الآخر فلا
وسألته قلت القطن يبيعه فيرفع ظرفه العدل خمسة أمنان قلت نعم وربما زاد فيحسبه المشترى فرخص فيه ولم ينكره على طريق الصلح
قلت فإنا نبيع بيعا آخر نبيع القطن في الكساء فقال هذا أحب إلى من ذلك لأنه يكون بمنزلة التمر في جلالته وقواصره ما زال هذا يباع في الإسلام
قلت فإنهم يحملونا على أن نكشفه فقال هذا ضرورة ليس عليكم هذا قال القاضي إنما لم يشترط كشفه على الرواية التي أجاز بيع الجرب قبل حلها وقوله نبيعه بظرفه احب إلى من ان يحتسب بوزن الظرف لأنهم ربما اختلفوا في وزنه انتهى
قلت قول أحمد نبيع القطن في الكساء أحب إلي وقوله لأنه ربما يكون بمنزلة التمر

في جلاله وقواصره ما زال هذا يباع في الإسلام يؤخذ منه بيع المغيبات في الأرض كالجزر والقلقاس والسلجم ونحوها بل أولى وما زال هذا يباع في الإسلام ويتعذر عليهم بيع المزارع إلا هكذا وعلمهم بما في الأرض أتم من علم المشترى بما في الجرب والإعدال لأنهم يعرفونه بورقه ولا يكاد تخلو معرفتهم به بل ربما كان اختلاف ما في الجرب والإعدال أكثر من اختلاف المغيب في الأرض والعسر فيه أكثر لأنه بحسب دواعي البسر وما في الأرض لا صنع لهم فيه فالغالب تساويه وبالجملة فلم يزل ذلك يباع في الإسلام وهذه قاعدة من قواعد الشرع عظيمة النفع أن كل ما يعلم أنه لا غنى بالإمة عنه ولم يزل يقع في الإسلام ولم يعلم من النبي تغييره ولا إنكاره ولا من الصحابة فهو من الدين وهذا كإجارة الاقطاع وبيع المعاطاة وقرض الخبز والخمير ورد أكثر منه وأصغر وأكل الصيد من غير تفريز محل أنياب الكلب ولا غسله وصلاة المسلمين في جراحاتهم كما قال البخاري لم يزل المسلمون يصلون في جراحاتهم ومسحهم سيوفهم من غير غسل وصلاتهم وهم حاملوها ولو غسلت السيوف لفسدت ولا يعرف في الإسلام غسل السيوف ولا إلقاؤها وقت الصلاة وكذلك صلاة النساء في ثياب الرضاعة أمر مستمر في ألإسلام مع أن الصبيان لا يزال لعابهم يسيل على الأمهات وهم يتقيئون ولا تغسل افواههم وكذلك البيع والشراء بالسعر لم يزل واقعا في الإسلام حتى أن من أنكره لا يجد منه بدا فإنه يأخذ من اللحام والخباز وغيرهما كل يوم ما يحتاج إليه من غير أن يساومه على كل حاجة ثم يحاسبه في الشهر أو العام ويعطيه ثمن ذلك فما يأخذه كل يوم إنما يأخذه بالسعر الواقع من غير مساومة وكذلك الإجارة بالسعر في مثل دخول الحمام وغسل الغسال وطبخ الطباخ والخباز وغيرهم لم يزل الناس يفعلون ذلك من غير تقدير إجارة اكتفاء منهم بأجارة المثل وقد نص الله علىجواز النكاح من غير تسمية وحكم النبي المثل فإذا كان هذا في النكاح ففي سائر العقود من البيوع والإجارات أولى وأحرى
وقول القائل الصداق في النكاح دخيل غير مقصود ولا ركن كلام لا تحقيق وراءه بل هو عوض مقصود تنكح عليه المرأة وترد بالعيب وتطالب به وتمنع نفسها من التسليم قبل قبضه حيث يكون لها ذلك وهو أحق أن يوفى به من ثمن المبيع وعوض الإجارة فهو في هذا العقد أدخل من ثمن المبيع وعوض الإجارة فيهما ولأن منافع الإجارة والأعيان المباعة قد تستباح بغير عوض بل تباح بالبدل بخلاف منفعة البضع والمرأة لم تبذل بضعها إلا في مقابلة المهر وبضعها أعز عليها من

مالها فكيف يقال إن الصداق عارية في النكاح غير دخيل في العقد أنهم رأوا النكاح يصح بدون تسمية فدلت على أنه ليس ركنا في العقد فهذا هو الذي دعاهم إلى هذا القول
وجوب ان هذا النكاح لم ينعقد بدونه البتة وإنما انعقد عند الإطلاق بصداق المثل فوجب صداق المثل بنفس العقد فهذا هو الذي دعاهم إلى هذا القول حتى صار كالمسمى وجعل الشارع سكوتهم عنه بمنزلة الرضي به وتسميته فلم ينعقد النكاح بغير صداق وإنما بغير تسمية صداق وفرق بين الأمرين
والمقصود أن الشارع جوز أن يكون أعراض المبيعات والمنافع في الإجارات ومنفعة البضع منصرفة عند الإطلاق إلى عوض المثل وإن لم يسم عند العقد وليس هذا موضع تقرير هذه المسائل وإنما أشرنا إليها إشارة
قال وسألته عن الرجل يشترى الثوب بدينار ودرهم فقال لا بأس به قلت فإنه اشتراه بدينار غير درهم قال لا يجوز هذا
وسمعت أنه سئل عن المكحلة قال لا يشترى بها شيئا ولكن إذا كان لك على رجل دراهم فأعطاك مكحلة فخذ منه كأنك اخذت دون حقك ورأيته يشدد في الشريعة جدا
وسئل عن رجل كان ساكنا فقال له صاحب الدار تحول فقال الساكن قد دفنت في دارك شيئا فقال صاحب الدار ليس ذلك لك فقال ابو عبد الله ينبش كل واحد منهما ما دفن فكل من اصاب الوصف كان ذلك له أو نحو هذا
قلت هذا له ثلاثة اصول احدها وصف اللقطة فإنه يوجب او يسوغ على القول الآخر دفعها إلى الواصف الثانى الدعوى المؤيدة بالظاهر والعادة الثالث إن العلم المستفاد من وصف أحدهما له بصدقة أقوى من العلم المستفاد بالشاهد الواحد واليمين أو نكول الخصم وهذا ما لا سبيل للنفس إلى دفعه ومحال أن يحكم بالأضعف ويلغى حكم ما هو أقوى منه والذى منع منه الشرع أن المدعى لا يعطي بدعوى مجردة لا دليل معها شيئا فإذا تميزت بدليل لم يحكم له بدعوى مجردة ولهذا يحكم له بالشاهدين تارة وبالمرأة تارة وبالنكول تارة وبالقرائن الظاهرة وبالصفة وبالشبه وهذا كله أمر زائد على مجرد الدعوى فلم يحكم له بدعوى مجردة وأين يقع معاقد القمط ووجوه الآجر والجص من الصفة ههنا وفي اللقطة والله الموفق
قال أحمد إذا دعى أحدهما الدار أجمع وقال ألاخر لي نصفها فهي بينهما

نصفان وقد يقول بعض الناس هي بينهما ثلاثة أرباع لمدعى الجميع وللآخر الربع
قلت وجه هذا ان مدعى النصف قد اعترف أن النصف الآخر لا حق له فيه فلا منازع لخصمه فيه فينفرد به وخصمه ينازعه في هذا النصف المدعى وكلاهما يدعيه فهما فيه سواء
ووجه المنصوص وهو القياس أن ايديهما على الدار سواء فلكل واحد نصفها ومدعى الكل يدعي النصف الذي للآخر وهو ينكره فلو أعطى منه شيئا لأعطي بمجرد دعواه وهو باطل فإن خصمه إنما يقر له بالنصف فلأي شيء يعطي نصف ما بيد خصمه بمجرد الدعوى فهذا القول ضعيف جدا وقولهم إنه يقر لخصمه بالنصف فينفرد به وهما متداعيان للنصف الآخر فيقسم بينهما
فجوابه أن استحقاق خصمه للنصف لم يكن مستندا إلى إقراره له به بل النصف له سواء أقر له به خصمه أو نازعه فإقراره إنما زاد تأكيدا ويد كل منهما مثبتة لنصف المدعى وأحدهما يقول لصاحبه ليست يدك يد عدوان والآخر يقول لمدعى النصف يدك يد عدوان فلو قضينا له بشيء بيد خصمه لقضينا له بمجرد قوله ودعواه وهذا لا نص ولا قياس والله أعلم
وقال له رجل أكرى نفسي لرجل ألزم له الغرماء قال غير هذا أعجب إلى وسمعته يقول ما أقل بركة بيع العقار إذا بيع وقيل له ما تقول في رجل اكترى من رجل دارا فوجد فيها كناسة فقال صاحب الدار لم يكن هذا في دارى وقال الساكن بل قد كان في دارك فقال هو على صاحب الدار
سألت ابا عبد الله عن الصائغ يغسل الفضة بدردى الخمر قال هذا غش يغسل الفضة تكون سوداء فتبيض
أملى على أبو عبد الله إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله صحيحها من سقيمها ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله لم يكن قول بعضهم لبعض مخالفا فإن اختلف نظر في الكتاب فأي قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به أو بقول رسول الله به فاذا لم يأتي عن النبي ولا عن أحد من اصحاب النبي نظر في قول التابعين فأي قولهم كان أشبه بالكتاب والسنة أخذ به وترك ما احدث الناس بعدهم
سمعت أبا عبد الله وقد سئل عن الرجل يسأل عن الشي من المسائل فيرشد صاحب المسالة إلى الرجل يسأله قال له إذا كان رجلا متبعا أرشده إليه فلا بأس

وقال ابن ابى ذئب ما رأينا بعد أصلح في تدينه وأورع وأقوم بالحق من مالك عن السلاطين فدخل ابن ابى ذئب على أبي جعفر فلم يهمله أن قال له بالحق وكان يشبه ابن ابى ذئب بسعيد بن المسيب في زمانه قلت رجل يقرىء رجلا مائتي آية ويقرىء آخر مائة آية قال ينبغي له أن ينصف بين الناس
قلت إنه يأخذ على هذا مائتى آية لأنه يرجو أن يكون عاملا به ويأخذ على هذا أقل لأنه لم يكن يبلغ مبلغ هذا في العمل قال ما احسن هذا الإنصاف في كل شيء وسمعت ابا عبد الله وذكر عنده أبو الوليد فقال هو شيخ الإسلام
ابو عبد الله عن عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أبى خالد قال وذكر له أن السابقون قال قتادة هم الأولون في العرض يوم القيامة وهم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة اجعلهم أمتى قال تلك أمة أحمد قال إني أجد في الألواح أمة أنا جيلهم في صدورهم يقرأونها قال قتاده وكان من قبلكم إنما يقرأون كتبهم نظرا فإذا رفعوها لم يعوها ولم يحفظوها وأن الله أعطى هذه الأمة من الحفظ ما لم يعط الأمم قبلها وذكره إلى آخره وسألت أبا عبد الله عن الطعام في أرض العدو إلى متى يأكلون فقال إذا بلغوا الدرب ألقوا ما معهم
قال ابن هانىء سألت أبا عبدالله عن الرجل يأخذ عارضيه قال يأخذ من اللحية بما فضل عن القبضة قلت له فحديث النبي احفوا الشوارب واعفوا عن اللحي قال يأخذ من طولها ومن تحت حلقه ورأيت أبا عبد الله يأخذ من عارضيه من تحت حلقه قال ورأيت أبا عبد الله حاجبه بالمقراض قال وسألته عن خاتم الحديد فقال لا تلبسه وسئل عن جلود الثعالب قال ألبسه ولا تصل فيه وسئل عن السراويل أحب إليك أم المئرز فقال السراويل دث ولكنه أستر قال ابن هانىء خرج أبو عبد الله على قوم في المسجد فقاموا له فقال لا تقوموا لأحد فإنه مكروه قال وكنت مع أبي عبد الله في مسجد الجامع فصلينا ثم رجعنا فقعدنا واستراح وأنا معه فجاءرجل كانه محموم فقال ياأبا عبد الله إني كنت

شارب مسكر فتكلمت فيك بشىء فاجعلني في حل فقال أنت في حل إن لم تعد قلت يا أبا عبد الله لم قلت له لعله يعود قال ألم تر إلى ما قلت له إن لم يعد فقداشترطت عليه ثم قال ما أحسن الشرط إذا أراد أن يعود فلا يعود إن كان له دين قلت وهذا صريح في جواز تعليق الإبراء على الشرط وهو الصواب
وقال إسحاق بن هانىء قال رجل لأبي عبدالله أوصني فقال أعز أمر الله حيث كنت يعزك الله وقال لي يا إسحاق ما هو أهون الدنيا على الله عز و جل قال الحسن أهينوا الدنيا فوالله إني لأهنأ ما يكون حين تهان
وقيل له ما معنى الحديث لا يقم أحد لأحد // إسناده صحيح // فقال إذا كان على

جهة الدنيا مثل ما روى معاوية فلا يعجبني قيل له يكون الرجل حاجا فيأتيه الناس وفيهم المشايخ أيقوم لهم قال قد قام النبي لجعفر

في المعانقة احتج بحديث أبي ذر أن النبي عانقه وسألته عن الرجل يلقى الرجل أيعانقه قال نعم قد فعله أبو الدرداء ومحوت قدامه لوحا بثوبى فقال لا تملأ ثيابك سوادا امح اللوح برجلك
وجئته بكتاب من خراسان فإذا عنوانه لأبي عبد الله أبقاه الله فأنكره وقال إيش هذا قال ابن هانىء دفع إلى أبو عبدالله يوما في المسجد الجامع ثلاث قطع فيها قريب من دانقين أعطيها وأشار إلى رجل فجاء معي حتى وقف عليه فدفعها إليه وهو ينظر إلى فلما أن دخل المسجد وصلينا الفريضة إذا نحن بالسائل يقول والله ما دفع إلى اليوم شيء ولا وقع بيدي اليوم شر من حرماني الطريق قال لي أبو عبدالله ألم تر ذلك السائل ويمينه بالله عز و جل يروي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ان لو صدق السائل ما أفلح من رده
وقال لي أبو عبدالله يكذبون خير لنا لو صدقوا ما وسعنا حتى نواسيهم بما معنا وما رأيته تصدق في مسجد الجامع غير تلك المرة ففي هذا جواز الصدقة على سؤال المساجد فيها ووجوب المواساة عند الحاجة وجواز رواية الحديث الضعيف فقلنا باشتراط الصحة

فصل الإطناب في الإجابة
إذا سبح أحد في مسألة فإن كان السائل عن تحريمها أو كراهتها فهو تقرير لما سأله عنه لقول ابن منصور له يكره التحريش بين البهائم قال سبحان الله أي لعمري وإن سبح جوابا للسائل فإن كان قرينة ظاهرة في التحريم حمل عليه وإلا احتمل وجهي التحريم والكراهة وإن قال لا ينبغي فهو للتحريم وإن قال ينبغي ذلك فهل هو للوجوب أو الإستحباب على وجهين والصواب النظر إلى القرينة

قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد رضي الله عنه المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة قال إن طاف طوافين فهو أجود وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس
قلت كيف هذا قال أصحاب النبي لما رجعوا من منى لم يطوفوا بين الصفا والمروة وكذلك قال لي في رواية ابن عبد الله إلا أنه لم يزل يذكر الدليل وكذلك نقل عنه ابن مشيش وقال ابن منصور
قلت لأحمد إذا علم من الرجل الفجور أيخبر به الناس قال ربك يستر عليه إلا أن يكون داعية وزاد ابن منصور يخبر به عند الحاجة في تعديل أو تجريح أو تزويج
قلت يكره الخضاب بالسواد قال أي والله مكروه قال ابن منصور كما قال شديدا إلا أن يريد به قريبا لأهله ولا يغر به امراة
قلت يكره أن يقول الرجل للرجل فداك أبي وأمي قال يكره أن تقول جعلني الله فداك ولا بأس أن يقول فداك أبي وأمي قال ابن منصور كما قال
قال حرب باب من تزوج امرأة ولم يدخل بها فجاءت بولد قال أحمد في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها وإنها ولدت ولدا أنه لا يلزمه قال ابن منصور
قلت لأحمد في كم تعطي الدية قال لا أعرف فيه حديثا إلا إذا كانت العاقلة تقدر أن تحملها في سنة فلا أرى به بأسا ويعجبني ذلك قال ابن منصور في ثلاث سنين كل سنة ثلث لأنه وإن لم يكن الإسناد متصلا عن عمر فهو أقوى من غيره ومن مسائل ابن بدينا محمد بن الحسين تقديم الجمعة أوالجنازة
سمعت أبا عبد الله سئل نحضر الجمعة والجنازة ونخاف الفوت فبأيهما نبدأ قال نبدأ بالجنازة كذا فيه وهو غلط من الكاتب وإنما الصواب نبدأ بالجمعة عتق الأمة وتزوجها
حدثني أبو بكر الأشرم قال قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس أنه كره إذا أعتق الأمة أن يتزوجها قال نعم إذا أعتقها لوجه الله كره له أن يرجع في شيء منها فأما إن أعتقها ليس لوجه الله انما اعتقها ليكون عتقها صداقها فجائز

وروى بإسناده عن صهيب قال قال رسول الله من تزوج امرأة ونوى أن يذهب بصداقها لقي الله وهو زان ومن مسائل أبي علي الحسن بن ثوبان الشهادة قال قلت الرجل يقال له اشهد ان هذه فلانة قال إذا كانت ممن قد عرف اسمها ودعيت فذهبت وجاءت فليشهد وإن كان لا يعلم ما اسمها فلا يشهد
قلت ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل اشهد إذا كان عنده ثقة أن هذه فلانة فيشهد على شهادة ذلك الرجل قال إذا عرفت فاشهد
قلت رجلا زنى بامرأة أبيه تحرم عليه امرأته قال نعم ومعنى هذا القول أن يكون رجل تزوج امرأة وإبنة بنتها ثم وطىء الابن أم زوجته قلت رجل حفر بئرا قال إن كان ما أخذه به السلطان فلا يضمن وإن كان مما أراد بها النفع لداره أو ليحدث فيها الشيء ضمن وضمن الحفار معه إذا جاء به إلى الطريق وهو يعلم مثله لا يكون ملكا له محفر له شاركه في الضمان قلت فإن كان حفر نصفها في حده ونصفها في فنائه فوقع فيها رجل قال يضمن ولا يضمن الحفار قلت فإن أخذ الحفار قال إن علم أن هذا الذى حفر لم يكن له ضمن وإن قال جئت إلى شيء أظن أنه ملك لهذا فليس عليه شيء
قيل له فما ترى في رجل حفر بئرا قامة فجاء آخر فحفرها حتى وصل الماء فوقع فيها رجل لمن يلزم الضمان قال بينهما المرأة والمحرمة
قلت ما ترى في المرأة تحج أو تسافر في غير محرم قال أعوذ بالله
قلت ترى إن حجت من غير محرم يبطل قال أعوذ بالله تعالى إن حجها جائز لها ولكنها أتت غير ما أمرها النبى

الجد وولاء الأولاد
قلت ما تقول في رجل مملوك له أب حر وأولاد أحرار من أمرأة حرة مات العبد ولاء ولده لمن قال لموالي امة قلت إن بعضهم يزعم أن الجد يجر ولاءهم قال ليس هذا ذاك الذي يجر الجد ولاءهم إنما ذلك في رجل مملوك وله أب مملوك وأولاد أحرار مات الرجل المملوك والجد مملوك ثم إن الرجل عتق فهو يجر ولاءهم لأنه عتق بعد موت ابنه
قيل له ما ترى في رجل حفر في داره بئرا فجاء آخر فحفر في داره بئرا إلى الحائط الذي بينه وبينه فجرت هذه البئر بماء تلك البئر قال لا تسد هذه من إجل تلك هذه في ملك صاحبها ومن مسائل أبي بكر بن محمد بن صدقة
قال سمعت أبا عبد الله وقد سئل عن رجل قال بسم الله التحيات فقال لا تقل بسم التحيات ولكن لتقل التحيات لله
وسئل عن الرجل يشهد وهو ردىء اللفظ قال يكتبه هو عنده فقال فإن ودعت الشهادة أصلا أتم ثم قال إن كان يضر بأهل القرية ومثله يحتاج إليه فلا يفعل
وسئل عن مسجد إلى جنب رجل ومسجد آخر كان أبوه يؤذن فيه أترى أن أصلى في المسجد الذي إلى جنبي قال إن كان عهد جميعا فكلما بعد فهو خير
وسئل عن حديث أبي هريرة عن النبي قال لا إغرار في الصلاة ولا تسليم // صحيح // قال الإغرار عندنا أن يسلم منها ولا يكملها وأما التسليم فلا أدرى

قيل له حديث ابن عمر انه كان يحتجم ولا يتوضأقال لا يصح لأن عمر كان يتوضأ من الرعاف
وسئل عن الرجل يعطي اخاه أو أخته من الزكاة فقال نعم إذا كان لا يخاف مذمتهم وإن كان قد عودتهم فأعطهم
وسئل عن رجل توضأبأقل من مد واغتسل بأقل من صاع فقال ما سمعنا بأقل من مد النبي بالصاع وتوضأبالمد // رواه البخاري ومسلم والنسائى //
وسئل عن رجل يموت يقول وارثى فلان فقال له كيف هذا وارثك فلان وفلان اقرب إليك منه ببطن قال ليس ذاك مرادي فلان جده كان داعيا وينكر ذلك أهل

القرية والجيران وفي السامع المستفاض أن هذا الذي زعم أنه جده دعى وارث وأقرب إليه يقبل قوله قال لا يقبل قوله الولد للفراش
وسئل عن المجوسيه تكون تحت أخيها أو ابيها فيطلقها قال أو يموت عنها فيرفعان إلى الملسمين ألها مهر قال أحمد لم يسلما قال لا فليس لها مهر
وسئل عن الدرهم إذا رأيته مطروحا هل آخذه قال لا تأخذه فإن أخذه يعرفه سنة للخبر وسئل عن أحاديث وهب بن منبه عن جابر كيف هي قال أرجو ولم يكن إسماعيل يحدث بها ونحن ثمة وكتبت أنا عن إبراهيم بن عقيل بن معقل شيخا كبيرا حديثين منها ولم يكن إسماعيل يحدث وأرجوا وعقيل بن معقل احب إلي من عبد الصمد
وسئل عن رجل حلف بصدقه ما يمك فقال هذه يمين فقيل له ثلاثين حجة قال لا أفتي فيه بشيء
وسئل عن الرجل يعزي الرجل يصافحه قال ما أذكره ما سمعت
وسئل عن حديث النبي لا تأتو النساء طروقا قال نعم يؤذيهن قال بكتاب قال نعم والله لما بلغ المقابر خلع نعليه ورأيته لما حثى التراب على الميت انصرف ولم يجلس
قال أحمد في رواية المروزي من اشترى ما يكاله وكاله البائع فوجده المشترى زائدا فقد يتغابن الناس بالقليل فإن كان كثيرا رده إليه قيل له في القفيز قال هذا فاحش يرده قيل فكيحله ونحوه قال هذا قد يتغابن الناس بمثله
قال في رواية أحمد بن الحسين الترمذي العينة عندنا أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعة إلا بنسيئة فإن باع بنقد ونسيئة فلا بأس وقال في رواية صالح بن القاسم أكره للرجل أن لا يكون له عادة غير العينة لا يبيع بنقد وقال في رواية صالح في الذي يبيع الشيء على حد الضرورة كأنه يوكل به السلطان لأخذ خراج فيبيع فيودي لا يعجبني أن يشترى منه قال في رواية حنبل يكره بيع المضطر الذي يظلمه السلطان وكل بيع يكون على هذا المعنى فأحب أن يتوفاه لأنه يبيع ما يسوى كذا بكذا من الثمن الدون

وقال في رواية الميموني ولا بأس بالعربون وفي رواية الأشرم وقد قيل له نهى النبي العربان فقال ليس بشيء واحتج أحمد بما روى نافع عن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دارا بشجرة فإن رضي عمر وإلا له كذا وكذا قال الأشرم فقلت لأحمد فقد يقال هذا قال أي شيء اقول هذا عمر رضي الله عنه
وقال حرب قيل لأحمد ما تقول في رجل اشترى ثوبا وقال لآخر انقد عني وأنت شريكي وقال إن لم يرد منفعة ولم يكن قرض جر نفعا فلا بأس
قال حرب وسئل أحمد عن دار بين ثلاثة اشترى أحدهم ثلثها بمائة والآخر الثلث الأخر بمائتين والأخر بثلاث مائة ثم باعوها بغير تعيين مساومة قال الثمن بينهم بالسوية لأن أصل الدار بينهم اثلاثا
وسئل أحمد مرة أخرى عن ثوب بين رجلين قوم نصفه على أحدهما بعشرين ونصفه على احدهما بثلاثين فباعاه مساومة فقال قال ابن سيرين الثمن بينهما نصفين قال حرب وهو مذهب أحمد قيل لم قال إن لكل واحد منهما نصفه قلت وإن كان عبدا قال وإن كان عبدا وكل شيء بهذه المنزلة انتهى
قلت فإن باعوه مرابحة فالثمن بينهم على قدر رؤوس اموالهم لأن الربح تابع لرأس المال فإن كان الربح عشرة في مائة فقد قابل عشرة درهما فيقسم الثمن بينهم كما يقسم الربح
وقال صاحب المعني نص أحمد على انهما إذا باعاه مرابحة فالثمن بينهما نصفان وعنه رواية اخرى حكاها أبو بكر أنها على قدر رؤوس أموالهم قال حرب وسمعت أحمد يقول يأخذ الرجل من مال ولده ما شاء قلت وإن كان الأب غنيا قال نعم قيل فإن كان للإبن فرج شبه الأمة قال أما الفرج فلا وذهب إلى حديث النبي أنت ومالك لأبيك وحديث عائشة إن أولادكم من كسبكم // صحيح // والله أعلم

فصل فيمن عنده رهون يعرف صاحبها
قال أحمد في رواية أبي طالب فيمن عنده رهون لا يعرف صاحبها يبيعها ويتصدق بها ولا يأخذ ما على الرهن إذا باعه فإن جاء صاحبها غرمها
قال ابن عقيل ولا أعرف لقوله ولا يأخذ ما على الرهن وجها مع تجويز بيعها فإن كان المنع لأجل جهالة صاحبها فيجب أن يمنع البيع والصدقة بالثمن كما منع من اقتضاء الدين وإن لم يمنع من الصدقة والبيع فلا وجه لمنع اقتضاء الدين ونقل أبو الحارث في ذلك ويتصدق يبيعه بالفضل فإذا جاء صاحبها كان بالخيار بين الأخذ أو الثمن
قلت فقد اختلفت الرواية عنه في جواز أخذه حقه من تحت يده
قال ابن عقيل وأصل هاتين الروايتين جواز شراء الوكيل من نفسه وفيه رويتان كذلك أخذه من تحت يده يخرج عليهما وقد تضمن نصاه جواز البيع وإن لم يستأذن

الحاكم وتأولهما القاضي على ما إذا تعذر إذن الحاكم قال وأما إذا أمكن فلا يجوز له ذلك لانه لا ولاية له على مال الغائب لا بولاية عامة ولا خاصة ومجرد كون مال الغير في يده لا لا يوجب الولاية
قال قد نص أحمد في رواية أبي طالب إذا كان عنده رهن وصاحبه غائب وخاف فساده كالصوف ونحوه يأتى إلي السلطان ليأمره ببيعه ولا بيعه بغير إذن السلطان فهذا النص منه يقضي على ذلك الإطلاق
قلت والصواب تقرير النصين والفرق بين المسالتين ظاهر فإن في الثانية صاحب الرهن موجود ولكنه غائب فليس له أن يتصرف في مال الغائب بغير وكالة أو ولاية ولا يأمن شكايته ومطالبته إذا قدم وهذا بخلاف ما إذا جهل صاحب المال أو ليس من معرفته فإن المعنى الذي في حق الغائب الموجود مفقود في حق هذا والله أعلم ومن مسائل أحمد بن خالد البرائى
قال سألت ابا عبد الله فقلت إذا فاتتني أول صلاة الإمام فأدركت معه من آخر صلاته فما أعتد به أول صلاتي فقال تقرأفيما مضي يعني الحمد وسورة وفي العقود تقعد على ابتداء صلاتك
ومن خط القاضي أيضا نقل مهنا عن أحمد في أسير في ايدي الروم مكث ثلاث سنين يصوم شعبان وهو يرى أنه رمضان يعيد قيل له كيف قال شهرا على أثر شهر كما يعيد الصلوات
ونقل عبد الله عنه في الرجل يكبر تكبيرة الافتتاح قبل الإمام هذا ليس مع الإمام يعيد الصلاة إنما أمره بالإعادة ولم يجعله منفردا بالصلاة لأنه يرى الائتمام بمن ليس بإمام لأنه إذا كبر قبله فليس بإمام له ولم تصح صلاة الانفراد لأن النيه قد بطلت فإن صلى نفسان ينوي كل واحد منهما أنه يأتم بصاحبه لم تصح صلاتهما لأنه ائتم بغير إمام فإن صلى نفسان كل واحد منهما أنه نوى أته امام صاحبه لم تصح صلاتهما ايضا لأنه نوي الإمامة بمن لا ياتم به فهو كما لو نوى الائتمام بغير إمام
نقل الحسن بت علي بن الحسن سالت ابا عبد الله عن الرجل يكبر خلف الإمام يخافت أو يعلن به قال لا نعرف فيه شيئا إنما الحديث إذا كبر فكبروا
قال القاضي ظاهر كلامه التوقف عن جهر المأموم بذلك ويجب أن يكون السنة في

ذلك الإخفات في حقه كسائر الأذكار في حقه ولأن الإمام إنما يجهر ليعلم المأموم بدخوله في الصلاة وركوعه وإلا فالسنة الإخفات لسائر الأذكار غير القراءة انتهى
من خط القاضي أبي يعلى مما انتقاه من شرح مسائل الكوسج لأبى حفص البرمكي قال أبو حفص إذا ترك التشهد أن صلاته تجزئه ولا فرق عنده بين التشهد الأول والثاني ان تركهام عامدا أعاد الصلاة وإن تركهما ناسيا فصلاته جائزة وعليه سجود السهو
قال ومن الابدال عندنا ما يكون غير واجب وإن كان مبدله واجبا مثل النكاح واجب وجعل النبي منه الصيام // رواه البخارى ومسلم والنسائي وغيرهم // وهو غير واجب يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فبدأ بالسجود قيل ذلك في غير شريعتنا لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولأن الركوع يسمى سجودا والسجود ركوعا وبدليل حديث عائشة صلى النبي ركعتين في كل ركعة سجدتين يريد ركوعين // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // وفي حديث أبى هريرة من ادرك من العصر سجدة يريد ركعة // رواه البخاري والنسائي // وقال تعالى فخر راكعا وأناب يريد ساجدا
قال أحمد وإن انغمس في المياه لايجزئه حتى يتوضأقال أبو حفص إن كان اغتساله لغيره الجنابه لا يجزئه من وضئه وإن نوى الوضوء ليس عليه الترتيب وإذا خرج من الماء أخرجه رأسه قبل وجهه ولأن الغسل لا يقوم مقام المسح والمغمس في الماء غير ماسح بل غاسل فلا يجزئه وإن ربت الأعضاء في جوف الماء فإن مسح برأسه وغسل رجليه بعد أن خرج رأسه من الماء ويكون قد تمضمض واستنشق أولا الوضوء لنفسه لأن أبا داود روي عنه إذا علم رجلا الوضوء ونوى أجزأه لأن عثمان وعليا رضي الله عنهما جلسا يعلمان الناس وضوء رسول الله وكان لهما طهورا
عن أحمد ثلاث روايات في الجنب هل يحتاج إلى وضوء إحداهن يجزئه الغسل بلا وضوء الثانية يجزئه الغسل عن الوضوء إذا نواه الثالثة لا يجزئه حتى يتوضأ

قلت قد استشكل بعض الأصحاب الرواية الأولى وهي الصحيحة دليلا لأن حكم الحدث الأصغر قد اندرج في الأكبر وصار جزءا منه فلم ينفرد بحكم لا سيما وكل ما يجب غسله من الحدث الأصغر يجب غسله في الأكبر وزيادة فهذه الرواية هي الصحيحة وبهذه الطريق كان الصحيح أن العمرة ليست بفريضة لدخولها في الحج والنبي الطهر بإفاضة الماء على جميع الجسد ولم يشترط وضوءا وفعله النبي أكمل الغسل قال أبو حفص إن قيل ان النبي أفرد المضمضة والاستنشاق بالذكر عن الوجه فقال إن العبد إذا تمضمض واستنشق خرجت ذنوبه من فيه ومنخريه فإذا غسل وجهه // رواه مسلم // الحديث قيل لايمنع ذلك أن يكونا من الوجه من الوجه كما قال يطوفون بينها وبين حميم آن فلم يمنع تمييزه بين الحميم وبين جهنم أن يكون من جهنم ولأنه أفردهما لأنه خص الوجه بمعنى آخر هو خطايا النظر ولأنه يمكن فعلهما في الحال فجمع بينهما في الذكر ولا يمكن جمعهما مع الوجه في الإستعمال فأفردا بالذكر وإنما لم يجب غسل باطن العينين لأنه يورث العمى فسقط للمشقة وفيهما في الغسل روايتان
إحداهما لا يجب للمشقة والأخرى يجب لعدم التكرار واختلف أصحابنا في المبالغة في الاستنشاق فقال ابن أبى على هي غير واجبة لأنها تسقط في صوم التطوع وقال أبو اسحاق هي واجبة ولا يدل سقوطها في الصوم على سقوط فرضها في غيره لأن سفر التطوع يسقط الجمعة ولا تسقط في غير السفر وأجاب أبو حفص بأن الجمعة فيها بدل وليس من المبالغة بدل وأجاب ابو أسحاق بأنه قد يسقط الفرض بالتطوع ولا بدل كالسفر يسقط بعض الصلاة
قال إن قيل يلزم أن يجعل ما خلف الأذن من البياض من الرأس قيل يقول إنه منه قيل يلزم أن يجوز الاقتصار من التقصير من شعر الأذن قيل عندنا يلزم استيعاب الرأس بالأخذ من جميع شعره والمرأة تقصر من طرف شعرها أنملة لأن شعرها منسبل فهو يأتى على شعرها قيل يلزم أن يجوز الاقتصار بالمسح عليهما في الوضوء
قيل في المسح روايتان إحداهما استيعاب الجميع والأخرى البعض ولا يجوز الاقتصار على الأذنين إجماعا وقال صفة مسح المرأة أن تمسح من وسط رأسها إلى

مقدمة ثم من وسط رأسها إلى مؤخره على استواء الشعر وكذا الرجل إذا كان له شعر وقد روى عن النبي أنه مسح من مقدمة إلى مؤخره // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم //
يجزي في المذي النضح لأنه ليس بنجس لقوله ماء الفحل ولكل فحل ماء // صحيح // فلما كان ماء الفحل طاهرا وهو المنى وكان هذا مثله لأنهما ينشآن من الشهوة قال قوله اذا قام احدكم من منامه إشارة إلى نوم الليل لأن المنام المطلق إشارة إلى الليل ولأنه قال باتت يده والبيتوته لا تكون إلا بالليل كقوله تعالى أفأمن اهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون فخص البيات بالليل ثم ذكر النهار
قال أحمد بئس الدرهم الأبيض على غيرا وضوء وأرجو يحتمل أن يكون سهلا لحاجة الناس إلى المعاملة به وتقليبه
قال أحمد في الرجل يجامع أهله في السفر وليس معه ماء لا أكره له ذلك قد فعله بن عباس روي أنه تيمم وصلى بمتوخئين ثم التفت إليهم فقال إني اصبت من جارية رومية ثم تيممت وصليت بكم
واحتج للتيمم لا يجوز بغير تراب بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا قال فإن قيل النبي سمى المدينة طيبة وطابة // صحيح // وكانت سبخة قيل سماها طيبة لأنها طابت له وبه لا أن هذا الإسم استحقته الأرض
قال في الدم أكثر الروايات أن الفاحش ما يستفحشه الإنسان في نفسه وقد قال ههنا بالذراع والشبر ولا يدل ذلك على أن ما دونه ليس بفاحش لأنه قال في مسائل المروزي خمس بصاقات من دم وإنما لم يوقت في ذلك لأن التوقيت لم يأت عمن تقدم
روى عن ابن عمر أنه تيمم والماء منه على غلوة أو غلوتين ثم دخل المصر وعليه وقتأي غسل
روى وهب بن الأجدع عن علي أن النبي قال لا صلاة بعد العصر إلا أن

تكون الشمس بيضاء نقية // صحيح // قيل يحتمل أنه يعنى وقت العصر لأنه روي أنه نهى عن الصلاة بعد العصر أي فعل الصلاة قوله اسفروا بالفجر فإنه أعظم للجر // صحيح // فيه ضعف ويريد بذلك الإسفار في نفس الصلاة فيكون قد ابتدأهابعدها طلع الفجر وأسفر بها بتطويل القراءة

هوامش

أبو بكر قرأ بهم البقرة في الفجر وقال لو طلعت ما وجدتنا غافلين
قلت للناس في هذاالحديث أربع طرق
إحداها تضعيفه وهي طريقة ابى حفص وغيره
الثانية حمله على الإسفار بها ليالي الغيم والليالي المقمرة خشية الصلاة قبل الوقت
الثالثة أن الإسفار المأمور به هوالإسفار بها استدامة وتطويلا لا أبتداء وهذه أصح الطرق ولا يجوز حمل الحديث على غيرها إذ من المحال أن يكون تأخيرها إلى وقت افسفار أفضل وأعظم للأجر والنبي يواظب على خلافة هو وخلفاؤه الراشدون من بعده
وتفسير هذا الحديث يؤخذ من فعله وفعل خلفائه وأصحابه فإنهم كانوا يسفرون باستدامتها لابابتدائها وهو حقيقة اللفظ فإن قوله أسفروا بها الباء للمصاحبة اي اطيلوها إلي وقت الإسفار وفهم هذاالمعنى من اللفظ أقوى من فهم معنى آخر احتمالا مساويا لم يجز حمله على معنى المخالف لعمله وعمل خلفائه الراشدين والله أعلم

الطريقة الرابعة أن تأخيرها أفضل وحملوا الأسفار بها على تأخرها إلى وقت الإسفار
قال دليل الجمع للمطير روى عبد الرزاق عن معمر عن إيوب عن نافع قال كان اهل المدينة إذ جمعوا بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة صلى معهم ابن عمر وروى عن ابن الزبير مثله قال وروى عن أحمد الشفق الحمرة حضرا وسفرا وعنه البياض سفرا وحضرا
قال احتج من قال بطهارة الكلب بقوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء وإطلاق الماء يقتضي الطهرة
وقيل لا يمنع أن يقلب الله عينها إلى النجاسة كالعصير يتخمر والماء ينقل بولا سئل احمد عن جيران المسجد قال كل من سمع النداء
سئل يؤم الرجل أباه قال اى والله يؤم القوم أقرؤهم واحتج أبو حفص أن النبي قال ورأيتنى في جماعة من الأنبياء إلى أن ذكر إبراهيم قال فصليت بهم // رواه مسلم //
عن أحمد في النفخ قال اكرهه شديدا إلا أني لا اقول بقطع الصلاة وليس هو بكلام وعنه أن النفخ يقطع الصلاة وعلى الروايتن هو مكروه
صلاة الضحى قيل عثمان وما أحد يسبحها قيل وليس في ترك الصحابة ما يمنع من فعلها فقد فعلها وتركها وقتا وهذا إختيار أحمد ان لا يداوم عليها
قال إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وجب أن يقوم الإمام ولا يسبقوه ثم يقوموا وإذا لم يكن في المسجد أيضا قاموا فانتظروه قياما وقد روى أبو هريرة قال أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم فخرج علينا رسول الله إلى قوله ثم ذكر أنه لم يغتسل فقال بيده للناس مكانكم // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // وأما قوله لا تقوموا حتى تروني // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // فنقول إذا لم يكن في المسجد جاز ان يقوموا إذا قال قد قامت الصلاة ينتظرونه قياما لحديث ابى هريرة وإذا كان ي المسجد قاموا ولم يتقدموه لأنه قال حتى تروني اى قائما

اختار أحمد حديث عمر // رواه مسلم // في الاستفتاح وقد روى أبو سعيد عن النبي وليس بصحيح لأن رواية علي بن علي الرقاعي عن ابي المتوكل الباجي عن ابي سعيد وقد قال أحمد علي بن علي لا يعبأ به شيئا حديث البراء أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم لا يعود قال أحمد لم يعد من كلام وكيع قال لا يختلف المذهب في اللحن الذي هو مخالفة الأعراب لا يبطل الصلاة
واختلف قوله إذاختم آية رحمة بآية عذاب على روايتين إحداهما عليه الإعادة الثانية لا ووجهها ما روى قابوس بن ابي ظبيان ابى ظبيان عن ابن عباس قال صلى رسول الله فحطرت منه كلمة فسمعها المنافقون قال فأكثروا فقال إن له قلبين ألا تسمعون إلى قوله والآية في الصلاة
قال ابن عباس لا يؤم الغلام حتى يحتلم وإن قيل يلزم عليك إمامته إذا كان ابن عشر لأنه خوطب بالصلاة عندك قيل الخبر ألزم ذلك في النظر إن قيل أم عمرو بن سلمة وهو غلام قيل سمى غلاما وهو بالغ ورواية أنه كان له سبع سنين فيه رجل مجهول فهو غير صحيح
الكوسج قلت يؤم القوم وفيهم من يكره ذلك قال إذا كان رجلا او رجلين فلا حتى يكونوا جماعة ثلاثة فما فوقه
قال أبو حفص جعل الحكم للكثير في الكراهة لأن الحكم للأغلب
روى أنس صليت خلف النبي أنا ويتيم لنا وأم سليم خلفنا // رواه مسلم وأبو داود والنسائي // يحتمل أن يكون كان بالغا ويحتمل أم يكونا صبيين أما إذا كان أحدهما بالغا فعلى حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود وأحدهما غير بالغ فأقام غير بالغ فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ورفع إلى النبي // رواه مسلم وأبو داود والنسائي // الكوسج قلت إذا دخل والإمام راكع يركع قبل أن يصل إلى الصف قال إذا كان وحده وظن أنه يدرك فعل واحتج أبو حفص بحديث أبي بكرة

فإن قيل فقد نهاه قيل نهاه عن شدة السعى
قلت الإشارة في الصلاة قال قد أشار النبي اجلسوا إذا كان يفهمهم شيئا أمر صلاتهم
الصلاة لغير القبلة وهو لا يعلم ثم علم قال يستدير قلت يعيد ما صلى قال لا أبو حفص دليلة أهل قبا قوله فليصل إلي سترة وليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته
إن قيل فقد روي أنه خنق شيطانا وهو يصلي // رواه البخاري ومسلم // قيل يحتمل أن خنقه يمنه أو يسرة قال أحمد لا يعجبني أن ينقص وتره وعنه الجواز لحديث عثمان وابن عباس وأسامة رخصا فيه قلت إن رجلا قال يا رسول الله إنى أعمل العمل أسره فيطلع عليه فيعجبني قال لما أسر العمل فأظهر الله له الثناء الحسن فأعجبه فلم يعب ذلك أن الرجل يعجبه أن يقال فيه الخير لا بأس أن يعجب الإنسان ما قيل عنه من الخير إذا كان مقصده في عمله الله لأن النبي قال المؤمن تسره حسنة // صحيح //

وقوله إذا نسى أحدكم صلاة فليصلها إذا ذكرها لوقتها من الغد // رواه البخاري ومسلم وابو داود // محمول على النسخ بحديث عمران بن حصين سرنا مع رسول الله فذكره إلى قوله فصلى بنا رسول الله فقلنا يا رسول الله نقضيها لمقاتها من الغد قال لا أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم // رواه البخاري ومسلم وأبو داود //
قال ابن مسعود لا يقصر إلا حاج أو غاز يحمل على ما شاهده من الرسول لأن أسفاره لم تكن إلا في حج أو غزو واختلفت الرواية في صلاة النائم فروي عنه على جنب وعنه مستلقيا ورجلاه إلى القبلة
تجب الصلاة على الصبي عند تكامل العشر لا كما يقول مخالفنا عند تكامل الخمس عشرة
قلت رجل وضع يديه على فخديه في الركوع أو وضع إحدى يديه على ركبتيه ولم يضع الأخرى قال أحمد ارجو أن يجزئه قال أبو حفص معنى هذه المسألة إذا كان ذلك من علة اما من غير علة فلا لما روى عن سعد كنا نطبق ثم امرنا ان نضع الأيدي على الركب وابن مسعود لم يبلغه ذا وكان يطبق ولو ان رجلا لم يبلغه فعمل بالمنسوخ كابن مسعود لم تبطل صلاته ولزمه ذلك منذ وقت علم
إذا سها في صلاته عشرين مرة يكفيه سجدتان لحديث عمران بن حصين فإنه حصل منه سهو كثير واكتفى بسجدتين من ذلك انه جلس في الثالثة ساهيا وسلم ساهيا وسؤالهم له ساهيا ودخوله الحجرة ساهيا
إذا أدرك إحدى سجدتي السهو يقضي السجدة ثم يقوم فيقضي ما فاته إنما لم يجز تأخيرها إلى آخر صلاته بل يقضيها معه لقوله وما فاتكم فاقضوا // رواه البخاري ومسلم // وقد فاتته سجدة فيجب أن يسجدها لا زيادة عليها
رجلان نسى أحدهما الظهر امس والآخر اول أمس قال أحمد يجمعان جميعا من يوم واحد وأيام متفرقة

وعنه في رواية صالح انهما لا يجمعان من أيام متفرقة وجه رواية الكوسج أن صلاتهما يجمعهما اسم ظهر وليس بينهما اختلاف هذا قول أبي حفص وجه رواية صالح ما ذكره الشريف ابو جعفر من أن ظهر يوم واحد في حكم الجنس الواحد ومن يومين في حكم الجنسين بدليل أنه قد سقط ظهر أحدهما بما لا يسقط به ظهر الآخر وهو ظهر يوم الجمعة وبقية الأيام تسقط بظهر مثلها وهذا معدوم في اليوم الواحد وهذا فرق صحيح وقد ذكرناه بعينه إذا كان عليه كفارتان من جنسين أنه يفتقر إلى التعيين
قال في رجلين صلياجميعا ائتم كل واحد منهما بصاحبه يعيدان جميعا والدليل عليه أنه لم يصل واحد منهما معتقدا للأمامة قال ولو أن رجلا ائتم برجل ولم ينو ذلك الرجل أن يكون إمامه يجزى للإمام ويعيد هو دليله أن الإمامة لا تصح إلا بنية
فإن قيل عبد الله بن عباس ائتم النبي في صلاة الليل وكان قد ابتدأها لنفسه قيل النبي ليس كغيره وهو إمام كيف تصرفت أحواله إلا أن ينقل نفسه فيصير مأموما
قال إسحاق الكوسج قلت يكره لهؤلاء الخياطين الذين في المساجد قال لعمرى شديد دليله عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلين يتبايعان في المسجد فقال هذا سوق الآخره فاخرجا إلى سوق الدنيا
قضاء الركعتين بعد العصر خصوصا له النبي بدليل حديث ام سلمة يا رسول الله أنقضيها إذا فاتتنا قال لا

الفرق بين الأسلام يصح في الأرض المغصوبة دون الصلاة لأن الإسلام لا يفتقر إلى مكان بخلاف الصلاة
المسلم أذا أعتق عبده النصراني فهل عليه جزية على روايتين وجه سقوطها أن ذمته ذمة سيده
كراهته للمعتكف أن يعتكف في خيمة إلا أن يكون بردا لأن الخيمة تضيق المسجد والنبي اعتكف في زمان بارد في قبة وخيمة يدل عليه قوله إنى أسجد في صبيحتها في ماء وطين // رواه ملسم وأحمد // فعلم أن الزمان بارد لوجود المطر
في إتيان المستحاضة قال لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها وليس أنه أباح ذلك إذا طال ومنع ذلك إذا قصر ولكنه اراد أنه إذا طال علمت أيام حيضها من ايام استحاضتها يقينا وهذا لا تعلمه إذا قصر بذلك
وقوله في المرأة تشرب دواء يقطع الدم عنها قال إذا كان دواء يعرف فلا بأس قال أبو حفص معناه عندي إذا ابتليت بالاستحاضة الشديدة فهو مرض لا باس

بشرب الدواء أما الحيض فلا لأن الحيض كتبه الله على بنات آدم وإنما تلد إذا كان حيضها موجودا ولا جائز أن يتعرض لما يقطع الولد
في إتيان الحائض قال أحمد لو صح الحديث كنا نرى عليه الكفارة وقال أبو حفص إن لم يصح عن النبي فقد صح عن ابن عباس ومذهب احمد الحكم بقول الصحابي إذا لم يخالف قال واختياري ما قال الكوسج أنه مخير في الدينار أو النصف دينار
قوله في اكثر الحيض أكثر ما سمعنا سبعة عشر يوما يحتمل أن يكون ذكره لأنه قوله ويمكن أن يكون على طريق الحكاية والأشبه عندي أن يكون قوله لا يختلف أنه خمسة عشر يوما وإنما أخبر عن السبع عشرة أنه سمعه لا أنه يقلده
قوله في الطهر أنه على قدر ما يكون فليس عنده أن لأقلة حدا كما ليس لأكثره حد وكل شيء لأكثره حد ليس لأقلة حد فإن قيل ينبغي إن كان ليس لأقلة حد لو ادعت انقضاء عدتها في أربعة أيام تباح للأزواج قيل العدة ليس من هذا لأن قوله ثلاثة قروء يريد الإقراء الكاملة وأقل الكاملة أن تكون في شهر لحديث علي مع شريح
وقوله في الصبي لا يزوج لا يكون وليا حتى يحتلم وعنه ابن عشر يزوج ويتزوج آخر المنتقى من خط القاضي مما انتقاه من شرح مسائل الكوسج لأبي حفص قال ومبلغه ستة أجزاء فصل الرهن غلام أو ثوب أو دار
قال أحمد في رواية الحسن بن ثوبان إذا كان الرهن غلاما فاستعمله المرتهن أو ثوبا فلبسه وضع عنه قدر ذلك قال أصحابنا يعني أنه يضع من دين الرهن بقدر ما انتفع من الرهن
ونقله عنه أيضا إذا كان الرهن دارا فقال المرتهن أنا أسكنها بكرائها وهي وثيقة بحقي تنتقل فتصير دينا وتتحول عن الرهن وهذا نص منهم على أن الراهن إذا أجر العين المرهونة للمرتهن خرجت عن الرهن وبقي دينه بلا رهن هذا معنى قوله تنتقل فتصير دينا أي يبقى حقه في الذمة فقط ولا يتعلق برقبة الدار وتخرج الدار عن كونها رهنا

ونقل عنه بكر بن محمد إذا رهن جارية فسقت ولد المرتهن وضع عنه بقدر ذلك يعنى وضع عن الراهن من الدين بقدر أجرةلرضاع ولد المرتهن فصل تعليق الرهن بشرط
إذا قال الراهن للمرتهن إن جئت بحقك إلى كذا وإلا فالرهن لك بالدين الذي أخذته منك فقد فعله الإمام أحمد في حجته ومنع منه أصحابه وقالوا نص في رواية حرب على خلافه فقال باب الرهن يكتب شراء
قيل لأحمد المتبايعان بينهما رهن فيكتبان شراء فكرهه كراهة شديدة وقال أول شيء أنه يكذب هو رهن يكتب شراء فكرهه جدا
قال ابن عقيل ومعنى هذا أن المرتهن يكتب شراء لموافقة بينه وبين الراهن وإن لم يأته بالحق إلى وقت كذا يكون الرهن مبيعا فهو باطل من حيث تعليق البيع على الشرط وحرام من حيث أنه كذب واكل مال بالباطل
قلت وهذا لا يناقص فعله وهذا شيء وما فعله شيء فإن الراهن والمرتهن قد اتفقا على أنه رهن ثم كتبا أنه عقد تبايع في الحال وتواطئا على أنه رهن فهو شراء في الكتابة رهن في الباطن فأين هذا من قولهما ظاهرا وباطنا إن جئتك بحقك في محله وإلا فهو لك بحقك ألا ترى أن احمد قال هذا كذب ومعلوم أن العقد إذا وقع على جهة الشرط فليس بكذب وليس في الأدلة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع تعليق البيع بالشرط والحق جوازه فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وهذا لم يتضمن واحدا من الأمرين فالصواب جواز هذا العقد وهو اختيار شيخنا على عادته حمل ذلك وفعل إمامنا
قال أحمد في رواية ابي طالب إذا ضاع الرهن عند المرتهن لزمه قال ابن عقيل وهذه الرواية بظاهرها تعطي أن الرهن مضمون إلا أن شيخنا علي عادته حمل ذلك على التعدي لأجل نصوص أحمد على أن الرهن أمانة وعادته تأويل الرواية الشاذة لأجل الروايات الظاهرة وهذا عندي لا يجوز إلا بدلالة فأما صرف الكلام عن ظاهره بغير دلالة تدل فلا يجوز كما لا يجوز في كلام صاحب الشرع انتهى كلامه

فصل الاستمناء
إذا قدر الرجل على التزوج أو التسري حرم عليه الاستمناء بيده قال ابن عقيل وأصحابنا وشيخنا لم يذكروا سوى الكراهه لم يطلقوا التحريم قال وإن لم يقدر على زوجة ولا سرية ولا شهوة له تحمله على الزنا حرم عليهه الاستمناء لأنه استمتاع بنفسه والآية تمنع منه وإن كان متردد الحال بين الفتور والشهوة ولا زوجه له وله أمة ولا يتزوج به كره ولم يحرم وإن كان مغلوبا على شهوته يخاف العنت كالأسير والمسافر والفقير جاز له ذلك نص عليه أحمد رضي الله عنه وروي أن الصحابة كانوا يفعلونه في غزواتهم وأسفارهم
وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا يجوز لها اتخاذ الاكرنبج وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار والصحيح عندي أنه لا يباح لأن النبي إنما أرشد صاحب الشهوة إذا عجز عن الزواج إلى الصوم // رواه البخاري ومسلم وغيرهما // ولو كان هناك معنى غيره لذكره وإذا كان غائبا عنها لأن الفعل جائز ولا يحرم من توهمه وتخيل وإن كان غلاما أو أجنبية كره له ذلك لأنه إغراء لنفسه بالحرام وحث لها عليه
وإن قور بطيخة أو عجينا أو أديما أو نجشا في صنم إليه فأولج فيه فعلى ما قدمنا من التفصيل قلت وهو أسهل من استمنائه بيده وقد قال أحمد فيمن به شهوة الجماع غالبا لا يملك نفسه ويخاف أن تنشق أنثياه اطعم وهذا لفظ منا حكاه عنه في المغنى ثم قال أباح له الفطر لأنه يخاف على نفسه فهو كالمريض يخاف على نفسه من الهلاك لعطش ونحوه وأوجب الإطعام بدلا من الصيام وهذا محمول على من لا يرجو إمكان القضاء فإن رجا ذلك فلا فدية عليه والواجب انتظار القضاء وفعله إذا قدر عليه لقوله فمن كان منكم مريضا الآية وإنما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء فإن أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية التي كانت هي الواجب فلم تعد إلى الشغل بما برئت منه واحتمل أن يلزمه القضاء لأن الإطعام بدل إياس وقد تبينا ذهابه فأشبه المعتدة بالشهور لليأس إذا حاضت في أثنائها

وفي الفصول روى عن أحمد في رجل خاف ان تنشق مثانته من الشبق أو تنشق انثياه لحبس الماء في زمن رمضان يستخرج الماء ولم يذكر بأي شيء يستخرجه قال وعندي أنه يستخرجه بما لا يفسد صوم غيره كاستمنائه بيده أو ببدن زوجته أو أمته غير الصائمة فإن كان له أمه طفلة أو صغيرة استمنى بيدها وكذلك الكافرة ويجوز وطئها فيما دون الفرج فإن أراد الوطء في الفرج مع إمكان إخراج الماء بغيره فعندي أنه لا يجوز لأن الضرورة إذا رفعت حرام ما وراءها كالشبع مع الميتة بل ههنا آكد لأن باب الفروج آكد في الحظر من الأكل
قلت وظاهر كلام أحمد جواز الوطء لأنه أباح له الفطر والإطعام فلو اتفق مثل هذا في حال الحيض لم يجز له الوطء قولا واحدا فلو اتفق ذلك لمحرم أخرج ماءه ولم يجز له الوطء فصل
فإن كان شبق الصائم مستداما جميع الزمان سقط القضاء وعدل إلى الفدية كالشيخ والشيخة وإن كان يعتريه في زمن الصيف أو الشتاء قضي في الزمن الآخر ولا فدية هنا لأنه عذر غير مستدام فهو كالمريض ذكر ذلك في الفصول فائدة حكم القيام إلى الجنازة
وقوله في المقنع وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها يعنى الجنازة لم أر هذا في الكلام أحمد رضي الله عنه وقد قال وإن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس وقال الميموني في مسائله سمعته يقول إذا تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع كذا قال أبو هريرة وأبو سعيد وإذا رآها قام قال كان هذا أكثر في الخبر من عشرة من أصحاب رسول الله يروونه
ثم قال الميموني تسمية من يروي عن النبي أنه كان إذا رأى جنازة قام لها عثمان بن عفان سعيد بن زيد عامر بن ربيعة قيس بن سعد سهل بن حنيف

زيد بن ثابت اخو زيد بن ثابت أبو سعيد الخدري أبو هريرة أبو موسى الأشعرى ابن عباس حسن وحسين فهؤلاء اثنا عشر من الصحابة رضي الله عنهم ثم ساق الميموني احاديثهم كلها بإسناده وقال حرب في مسائلة قلت لأحمد يري الجنازة أيقوم لها فقال قد روى عن علي أن النبي قام ثم قعد وكان ابن عمر يقوم وسهل أبو عبد الله فيه
وقال أبو داود في مسائله سمعت أحمد بن حنبل سئل عن القيام إذا رأى الجنازة قال إن لم يقم أرجو وإن قام أرجو قيل القيام افضل عندك قال لا وقال في رواية إسحاق بن هانيء إذا رأى الجنازة فقام فلا بأس وإن لم يقم فلا بأس قال إسحاق بن هانيء وسئل يعنى أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن الرجل يموت فيوصي أن يدفن في داره قال يدفن في مقابر المسلمين وإن دفن في داره أضر بالورثة والمقابر مع المسلمين أعجب إلي وقال في رويته أكره أن يجعل على القبر ترابا من غيره تغسيل الميت
قال وسئل عن الحائض تغسل المرأة الميته قال لا يعجبني أن تغسل الحائض شيئا من الميت والجنابة أيسر من الحيض
قال وسئل عمن غسل الميت أعليه غسل أم وضوء قال يتوضأوقد اجزأه
قال وسألته هل على من غسل الميت غسل قال عليه الوضوء فقط واتبع احمد في ذلك آثار الصحابة فإنه صح عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة الأمر بالوضوء منه ولا يحفظ عن صحابي خلافهم وهو قول حذيفة وعلى ايضا
وقال الجوزجاني حدثنا يزيد بن هارون أنا مبارك بن فضالة عن بكر عن عبد الله المزنى عن علقمة بن عبد الله المزني قال غسل أباك يعنى أبا بكر بن عبد الله أربعة من أصحاب رسول الله ممن بايع نبي الله تحت الشجرة فما زادوا على أن شمروا أكمتهم وجعلوا قمصهم تحت حجرهم وتوضأوا ولم يغتسلوا وفي الموطأ مالك عن عبد الله بن أبى بكر ان أسماء بنت عميس امرأة أبى بكر غسلت أبا بكر الصديق حين توفى ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين والأنصار فقالت إني صائمة وإن هذا اليوم شديد البرد فهل علي من غسل قالوا لا قال إسماعيل بن سعيد قلت لأحمد بن حنبل ارأيت إن كان الميت كافرا قال عليه الغسل لحديث علي يعنى على غاسله الغسل وهو قول أبي ايوب قال الجوزجاني وأقول أن هذا وهم منهما وذلك أنه ليس في حديث على أنه غسل أبا طالب

فصل عمل الخير للأبوين
قال احمد في الرجل يعمل الخير ويجعل النصف لأبيه أو لأمه أرجو وقال الميت يصل إليه كل شيء من الخير لما روى عن النبي أنه قال إن من البر بعد البر أن تصلى لهما مع صلاتك وأن تصوم مع صومك وأن تتصدق لهما لهما مع صدقتك // رواه ابن أبى شيبة والخطيب // انتهى ولا يشترط تسمية المهدي إليه باسمه بل يكفي النية نص عليه في رواية ابنه عبد الله لا بأس أن يحج عن الرجل ولا يسميه فصل الطلاق ليس يمينا
قال إسحاق الكوسج قلت لأحمد رضي الله عنه قال الحسن في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى كان يلزمه فقال أحمد أما أنا فلا أقول فيه شيئا قلت لم قال الطلاق ليس هو يمين قلت وكذلك العتق قال نعم فصول
في أحكام الوطء في الدبر فمنهما أنه من الكبائر ومنها أنه يوجب القتل إذا كان من غلام نص عليه أحمد في إحدى الروايتين والثانية حده حد الزانى كقول مالك والشافعي فإن كان من زوجه أو امة أوجب التعزير وفي الكفارة وجهان احدهما عليه كفارة من وطىء حائضا اختاره ابن عقيل
والثاني لاكفاره فيه وهو قول أكثر الأصحاب ومنها أن للزوجة أن تفسخ النكاح به وذكره غير واحد من أصحابنا وإن كان من امرأة أجنبية فاختلف أصحابنا في حده فالذي قاله ابو البركات وأبو محمد وغيرهما حده حد الزانى وقال ابن عقيل في فصوله فإن كان الوطء في الدبر في حق اجنبية وجب الحد الذى أوجبناه في اللوط وعلى هذا فحده القتل بكل حال وإن كان في مملوكه فذهب بعض اصحابنا أنه يعتق عليه وأجراه مجرى المثلة الظاهرة وهو قول بعض السلف

قال النسائي في سننه الكبير الإباحة للحاكم أن يقول للمدعى عليه احلف قبل ان يسأله المدعى انبأ هناد بن السري عن ابي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان // رواه البخاري ومسلم // فقال ألأشعت في والله كان ذلك كان بينى وبين رجل من اليهود دار فجحدني فقدمته إلى رسول الله فقال رسول الله ألك بينه فقلت لا فقال لليهودي احلف فقلت والله إذا يحلف فيذهب حقي فأنزل الله إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا الاية قال النسائي لا نعلم أحدا تابع أبا معاوية على قوله فقال لليهودي احلف انتهى
ويسوغ للحاكم أن يقول له احلف إذا قصد به الزجر والتخويف أو كان يعلم أن المدعى قاصدا لتحليفه أو كان يعلم ان المدعى عليه برىء من الدعوى فإنه في قصده الصور الثلاث قد اعان على البر والتقوى وظهور الحق وأكثر أوضاع الحكام ورسومهم لا أصل لها في الشريعة والله المستعان فصل مسائل فقهية في مذهب احمد
إذا كانت داية ترضع ولد غيرها هل يجوز لها الإفطار كما لو كان ولدها قال ابن عقيل في فصوله جارية جاءت إلى الشيخ أبي نصر بن الصباغ وأنا حاضر فتحصل من الجواب أنها تستبيح الإفطار لأن أكثر ما فيه أنه نوع ضرر لأجل المشاق كإفطار المسافر في المضاربة يستبيح كالمسافر بمال نفسه وفارق العمل في الصنائع الشاقة لأنها إذا بلغ فيها الجهد إلى حد يبيح في حق نفسه إباحة في عمل غيره وإن لم تبلغ المشقة إلى حد إباحة الإفطار لم يبح في حقه ولا حق غيره
قال أحمد في رواية ابن ماهان لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى فتأوله القاضي قال يحتمل أنه أراد بالتسرى ههنا التزويج وسماه تسريا مجازا ويكون للسيد الرجوع فيما ملكه عبده وهذا نظير تأويل الشيخ ابى محمد النكاح بالتسرى في مسألة تزويج عبده بأمته

وقد قال أحمد في رواية جعفر بن محمد وحرب ليس للسيد أن يأخذ سرية العبد إذا أذن له في التسري فإن تسري بغير إذنه أخذها منه وإذا باع العبد وله سرية فهي لسيده ولا يفرق بينهما لانها بمنزلة المرأة انتهى كلامه
وهذا يرد قول الأصحاب إن التسري مبني على الملك وأنه إذا لم يملك لم يتسر ويرد قولهم إن للسيد انتزاع سريته منه ويرد قولهم إنه إذا باعه رجعت السرية إلى سيده ولا يطأها العبد
قال أحمد في رواية ابن هانىء وحرب ويعقوب بن لحيان إذا زوج عبده من أمته ثم أعتقها لا يجوز أن يجتمعا حتى يجدد النكاح فاستشكل معنى هذه الرواية فقال وعن أحمد إن عتقا معا انفسخ النكاح
ومعناه والله أعلم أنهإذا وهب لعبده سرية أو اشترى له سرية وأذن له في التسرى بها ثم أعتقها جميعا صارا حرين وخرجت من ملك العبد فلم يكن له إصابتها إلا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب لعبده السرية أو اشترى له سرية ثم أعتقها لا يقربها إلا بنكاح جديد واحتج على ذلك بما روى نافع عن ابن عمر أن عبدا له كان له سريتان فأعتقهما فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد
قلت وهذا تأويل بعيد جدا من لفظ أحمد فإن هؤلاء الثلاثة إنما رووا المسألة عنه بلفظ واحد وهو أنه زوج عبده أمته ثم قوله حتى يجدد النكاح مع قوله زوج صريح في أنه نكاح لا تسر وعنه في هذه المسألة ثلاث روايات هذه إحداهن والثانية لهما الخيار نص عليه في رواية الأثرم والثالثة أنهما على نكاحهما نص عليه في رواية محمد بن حبيب وحكاه أبو بكر في زاد المسافر ثلاث روايات منصوصات في مسألة التزويج وللبطلان وجه دقيق وهو أنه إنما زوجها بحكم ملكه لهما وقد زال ملكه بخلاف تزويجها بعبد غيره وبين المسألتين فرق ولهذا في وجوب المهر في هذه المسألة نزاع فقيل لا يجب بحال وقيل يجب ويسقط والمنصوص إنه يجب ويتبع به بعد العتق بخلاف تزويجها بعبد الغير والله أعلم
وقوله في المقنع وإن باعه السلعة برقمها أو بألف دينار ذهبا وفضة أو بما ينقطع به السعر أو بما باع به فلان أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح أما الرقم فقد نص علي صحة البيع به فقال حرب سألت أحمد عن بيع الرقم فلم ير به بأسا وأما البيع بالسعر فقد اختلفت الرواية عنه فيه فقال في ابن منصور في الرجل يأخذ من الرجل السلعة يقول أخذتها منك على سعر ما تبيع لم يجز ذلك

وحكى شيخنا عنه الجواز نصا وأما البيع بدينار مطلق وفي البلد نقود فقال في رواية الأثرم في رجل باع ثوبا بكذا وكذا درهما أو اكثرى دابه بكذا وكذا واختلفا في النقد فقال له نقد الناس بينهم قيل له نقد الناس بينهم مختلف قال له قال ابن عقيل فظاهر هذا جواز البيع بثمن مطلق مع كون النقود مختلفه وإنما يكون لهم أدناها
وقال الأثرم باب الرجل يأخذ من الرجل المتاع ولا يقاطعه على سعره سئل ابو عبد عبد الله عن الرجل ياخذ من البقال الأوقية من كذا والرطل من كذا ثم يحاسبه أيجوز بهأن يقول اكتب ثمنه علي ولا يعطيه على المكان قال أرجو أن يجوز لأنه ساعة أخذه إنما أخذه على معنى الشراء ليس على معنى السلف إنما يكره إذا كان على معنى السلف فإذا قاطعه بقيمته يوم أخذه قيل له فإن لم يدرك قيمته يوم أخذه قال يتحرى ذلك وسألته مرة أخرى فقلت رجل اخذ رطلا من كذا ومنا من كذا ولم يقاطعه على سعره ولم يعطه ثمنا أيجوز هذا قال ليس على معنى البيع أخذه قلت بلى قال فلا بأس ولكنه إذا حاسبه أعطاه على السعر يوم أخذه لا يوم حاسبه
قال أسحاق بن هانىء سألت ابا عبد الله عن رجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها قال لا يتزوجها حتى يعلم أنها قد تابت لأنه لايدري لعلها تعلق عليه ولدا من غيره قلت وما علمه أنها قد تابت قال يريدها على ما كان أرادها عليه فإن امتنعت فهي تائبة
قلت وهذا التفاوت مناحمد إلى القرائن ودلائل الحال وجواز إيهام غير الحق قولا وفعلا ليعلم به الحق وهذه اقتداء بنبي الله سليمان بن داود حيث قال في الحكومة بين المرأتين في الصبي أئتوني بالسكين أشقه بينكما ومن تراجم النسائي على حديثه هذا التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله افعل ليستبين به الحق وهذا الذي قاله أحمد اتبع فيه ابن عمر فإنه قال يريدها على نفسها فإن طاوعته لم تتب وإن أبت فقد تابت وأنكر الشيخ في المغنى هذا جدا وقال لاينبغي لمسلم أن يدعوا امرأة إلى الزنى ويطلبه منها ولأن طلبه ذلك إنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف يحل في مراودتها على الزنا ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن يعود إلى المعصية فلا يحل التعرض بمثل هذا ولأن التوبة من سائر الذنوب بالنسبة إلى سائر الأحكام وفي حق سائر الناس على غير هذا الوجه فكذا هذا

قول ابن عمر لأحمد أفقه فإن التوبة لما كانت شرطا في صحة النكاح لم يكن بد من تحقيقها ولا سبيل له إلى العلم بها إلا بذلك أو بأن يأمر غيره بمراودتها ولا ريب أن المفاسد المذكووه أقرب إلى الغير إذا لا غرض له في نكاحها بخلاف الخاطب فإن أرادته لنكاحها وعزمه عليه يمنعه من معاودة ما يعود على مقصوده بالإبطال فائدة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته
الذي وقع في صحيح البخاري وأكثر كتب الحديث وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته // رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي // ووقع في صحيح ابن خزيمة والنسائي بإسناد الصحيحين من رواية جابر وابعثه المقام المحمود // صحيح // ورواه ابن خزيمة عن موسى بن سهل الرملي وصدقه أبو حاتم الرازي وباقى الإسناد شرطهما ورواه النسائي عن عمر بن منصور عن علي بن عباس والصحيح ما في البخاري لوجوده
أحدها اتفاق أكثر الرواة عليه
الثاني موافقة موافقته للفظ القرآن
الثالث إن لفظ التنكير فيه مقصود به التعظيم لقوله كتاب أنزلناه إليك مبارك وقوله وهذا ذكر مبارك أنزلناه وقوله وهذا كتاب مصدق ونظائره
الرابع أن دخول اللام يعينه ويخصه بمقام معين وحذفها بقتضي إطلاقا وتعددا كما في قوله ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ومقاماته المحمودة في الموقف متعددة كما دلت عليه الأحاديث فكان في التنكير من الإطلاق والآشاعة ما ليس في التعريف
الخامس أن النبي كان يحافظ على ألفاظ القرآن تقديما وتأخيرا وتعريفا وتنكيرا كما يحافظ على معانيه وعنه ومنه قوله وقد بدأ بالصفا ابدأوا بما بدأ الله به // تقدم تخريجه // ومنه بداءته في الوضوء بالوجه ثم اليدين باتباعا للفظ القرآن ومنه قوله في حديث البراء

ابن عازب آمنت بكتابك الذي انزلت ونبيك الذي ارسلت // رواه البخاري ومسلم وغيرهما // موافقة لقوله يا أيها النبي إنا إرسالناك وعلى هذا فالذي وعدته إما بدل وإما خبر مبتدأ محذوف وإما مفعول فعل محذوف وإما صفة لكون مقاما محمودا قريبا من المعرفة لفظا ومعنى فتأمله
قال أحمد في رواية بن هانىء لا تجوز شهادة من أيسر ولم يحج وليس به زمانة ولا أمر يحبسه عنه
وقال لا يجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده إذا كانوا يجرون الشيء لأنفسهم وقال تجوز شهادة الغلام إذا كان ابن اثنى عشر سنة او عشر سنين واقام شهادته جازت شهادته
وقال ابن هانيء سمعت أبا عبد الله يقول لا يعجبني أن يعدل القاضي لأن الناس يتغيرون ولا يدري ما يحدث
وسئل عن الرجل يعدل الرجل فقال ما يقضي يعدله لأنه لا يدري ما يحدث والناس يتغيرون وسئل متى بعد الرجل فقال قال إبراهيم إذا لم تظهر منه ربية يعدل ولأصحابه فيما إذا سئل عن مسألة فأجاب فيها بحكاية قول من بعد الصحابة وجهان أحدهما ان يكون مذهبا له والثاني لا فائدة الفرق بين الشك والريب
الفرق بين الشك والريب من وجوه أحدها أنه يقال شك مريب لا يقال ريب مشكك الثاني أن يقال رابني أمر كذا ولا يقال شككني الثالث انه يقال رابه يريبه إذا أزعجه واقلقه ومنه قول النبي وقدمر بظني خافت في اصل شجرة لا يريبه أحد ولا يحسن هنا لا يشككه أحد الرابع أنه لا يقال للشاك في طلوع الشمس أو في غروبها أو دخول الشهر أو وقت الصلاة هو مرتاب في ذلك وأن كان شاكا فيه الخامس إن الريب ضد الطمأنينة واليقين فهو قلق واضطراب وانزعاج كما أن اليقين والطمأنينة ثبات واستقرار السادس

يقال رابني مجيئة وذهابه وفعله ولا يقال شككني فالشك سبب الريب فإنه يشك أولا فيوقعه شكه في الريب فالشك مبتداالريب كما ان العلم مبتدأ اليقين الاستنجاء
ومما انتقاه القاضي من شرح أبي حفص لمبسوط أبي بكر الخلال احمد في رواية أحمد بن الحسين يغسل يده ثلاثا ثم يستنجي ثم يغسل يده ثم يتوضأقال أبو حفص قد بينا عن أبي عبد الله غسل اليد في الطهارة في ثلاثة مواضع أحدها قبل الاستنجاء والثاني غسل اليد اليسرى بعد الاستنجاء والثالث عند ابتداء الوضوء الاستجمار
وقال في الرجل يستجمر ويعرق في سراويله إذا استجمر ثلاثة فلا بأس يحتمل أن يحمل على ظاهرها فيكون الموضع قد طهر بالاستجمار ولا يضر العرق ويحتمل أن يأول على أنه عرق غير موضع الحدث أو عرق فلم يصب ذلك الموضع سراويله وهذا القول أولى لأن الموضع عفى عنه تخفيفا فإذا نال الموضع رطوبة وجب إزالة الأثر كما تجب إزالة العين ونجس ما لاقاها كالعين
قلت اختلف أصحابنا في أثر الاستجمار هل هو نجس معفو عنه أو طاهر على وجهين وعلى ما اختاره أبو حفص تصير المسألة علي ثلاثة أوجه
وقوله الذي اختاره ضعيف جدا مذهبا ودليلا وعملا فإن الصحابة لم يكن أكثرهم يستنجي بالماء وإنما كانوا يستجمرون صيفا وشتاء والعادة جارية بالعرف في الإزار ولم يأمرهم النبي بغسله وهو يعلم موضعه ولا كانوا هم يفعلونه مع أنهم خير القرون وأتقاهم لله ولا أعلم أحدا من اصحابنا اختار ما اختاره أبو حفص وهو خلاف نص أحمد والله أعلم واختلف قوله إذا لم يجمع المستنجي بين الأحجار والماء أيهما أولى بالاستعمال فنقل الشالنجي أنه قال عمر كان لا يمس ذكره بالماء وروى أبو عبد الله عن أحب إسماعيل بن إمية عن نافع قال إن لم يكن مع الأحجار ماء فالأحجار أحب إلى والوجه فيه أن ابن عمر كان لا يمس ذكره بالماء وروى أبو عبد الله عن اسماعيل بن أمية عن نافع قال كان ابن عمر لا يغسل أثر المبال واستعمال الحجارة أتت في الأخبار
روى حرب الكرماني والحسن بن ثوبان تضعيف الأخبار في الاستنجاء بالماء وقال في حديث معاذ عن عائشة عن قتادة لم يرفعه ولأن المستجمر لا تلاقي يده النجاسة وعنه هما سواء وعنه الماء أفضل جاء في البول من التغليظ ما لم يأت في الكلب

الصلاة في السفينة
اختلف قوله إذا لم يقدروا ان يصلوا في السفينة قياما جماعة وأمكنهم الصلاة فرادى قياما فهل يصلون جماعة وعنه في رواية حرب يصلي كل إنسان على حدته
وقال في رواية الفضل بن زياد تصلى وحدك قائما ووجهه أن القيام آكد لأنه لو صلى قاعدا مع قدرته علىالقيام لم يجزئه ولو صلى منفردا مع قدرته على الجماعة أجزأ
والقول الآخر تخريجا على قوله إن الأمام إذا صلى جالسا يصلي من خلفه جلوسا فقد اجاز للمأموم الصلاة جالسا لأجل الجماعة
قال القاضي قلت أنا ولأنا اسقطنا القيام لعدم الستارة فكذا الجماعة صلاة العريان
واختلف قوله في صفه جلوس العريان في صلاته فعنه يجعل قيامه تربعا قال القاضي قلت أنا كالمريض والمننفل وعنه يتضامون لأنهم إذا تضاموا كان أستر لعوراتهم والمتربع يفضي بفرجه إلى السماء ولا يمكنه وضع يده على فرجه لئلا تنتقض طهارته
واختلف قوله إذا توارى بعضهم عن بعض فصلوا قياما فعنه لا بأس وعنه أنه قال يصلي العريان قاعدا يجعل قيامة متربعا فقد ذكر عريانا واحدا أن يصلى قاعدا وهذا أصح في مذهبه لأن ستر العورة آكد عنده من القيام لأن مذهبة في العراة يصلون جلوسا ولأن ستر العورة يراد للصلاة ألا ترى أنه لا يجوز للخالي أن يصلى مكشوف العورة ولا إذا كان جيبه واسعا ينظر إلى عورته ولحيته تحول بينه وبين النظر فائدة الصدقة فيما بلغ النصاب
حديث يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على بيتك إلى الخامس قال أنت ابصر // إسناده جيد // قيل لعله اشار إلى أنه قبل الخامس

في حكم الفقير فلما اخبره أن معه خامسا والدينار كان عندهم اثنا عشر درهما فقد ملك قيمة خمسين درهما من الذهب وزاد عليها ففوض الأمر إليه في الصدقة في الخامس دون ما قبله فهذا يؤيد حديث من سأل وله ما يغنيه قيل وما يعنيه قال خمسون درهما // صحيح // الحديث والله أعلم الاستدارة في المحمل
قال أبو حفص واختلف قوله في الاستدارة في المحمل فروى محمد بن الحكم عنه من صلى في محمل فإنه لا يجزئه إلا أن يستقبل القبلة لأنه يمكنه أن يدور وصاحب الراحلة والدابة لا يمكنه والحجة امر الله تعالى باستقبال القبلة حيث كان المصلى وذلك ممكن في المحمل كما في السفنة بخلاف الدابة تسقط لعدم الإمكان وروى عنه أبو طالب أنه قال الاستدارة في المحمل شديدة يصلي حيث كان وجهه لأن الاستدارة في المحمل شديدة على الجمل فجاز تركها كما جاز في الراحلة لأجل المشقة على الراكب السجود في المحمل
اختلف قوله في السجود في المحمل فروى عنه عبد الله ابنه أنه قال وأن

كان محملا فقدر أن يسجد في المحمل سجد وروى عنه الميموني إذا صلى على المحمل أحب إلى أن يسجد لأنه يمكنه وعن الفضل بن زياد يسجد في المحمل إذا أمكنه
ووجهه أنه تعالى امر بالسجود وإنما سقط عن المصلى على الراحلة لعدم الإمكان
وروى عنه جعفر بن محمد السجود على المرفقة إذا كان المحمل ربما اشتد على البعير ولكن يومىء ويجعل السجود اخفض من الركوع وكذا روى عنه ابو داود ووجهه المشقة على البعير
قلت الذي أوجب هذا أن الصحابة لم يكن سفرهم ولا حجهم في المحامل وإنما حدث في زمن الحجاج فالصلاة فيها دائرة الشبه بين الصلاة في السفينة والصلاة على الراحلة فمن راعى شبهها بالسفينة أوجب الاستقبال لأن المحمل بيت سائر في البر كما أن السفينه بيت سائر في البحر ومن راعى مشقة الاستدارة على المصلى والبعير أسقط الاستقبال وهو الأقيس والله أعلم مسألة التراويح
قال المروزي كان أبو عبد الله إذا سلم من المكتوبة ركع ركعتين قبل التراويح وجهه ما روى عن على رضي الله عنه كان رسول الله يصلي على أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر // ضعيف // ظاهره العموم في رمضان وغيره ولا يترك ذلك لأجل التراويح لأن كلا منهما مقصود
وروى احمد بن الحسين صليت مع أبى عبد الله في شهر رمضان التراويح فكان إذا صلى العتمة لا يصلى حتى يقوم إلى التراويح

قال الخلال لم يضبط هذا وإن كان قد ضبط ما رواه فوجهه أنه جعل التراويح أو الركعتين قبل ركعة الوتر موضع الركعتين بعد المكتوبة
قال حنبل كان أبو عبد الله يصلي معنا فإذا فرغنا من الترويحة جلس وجلسنا وربما تحدث ويسأل عن الشيء فيجيب ثم يقوم فيصلى ثم يدعو بعد الصلاة بدعوات ثم يوتر ثم ينصرف
وقال الفضل رأيت أحمد يقعد بين التراويح ويردد هذا الكلام لا إله إلا الله وحده لا شريك له أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وجلوس أبي عبد الله للاستراحة لأن القيام إنما سمي تراويح لما يتخلله من الاستراحة بعد كل ترويحة
واختلف قوله في تأخير التراويح إلى آخر الليل فعنه إن أخروا القيام إلى آخر الليل فلا بأس به كما قال عمر فإن الساعة التي تنامون عنا أفضل ولأنه يحصل قيام بعد رقدة وقال الله تعالى إن ناشئة الليل الآية
وروى عنه أبو داود لا يؤخر القيام إلى آخر الليل سنة المسلمين احب إلى وجهه فعل الصحابة ويحمل قول عمر على الترغيب في الصلاة آخر الليل ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل لا أنهم يؤخرونها ولهذا أمر عمر من يصلي بهم أول الليل
قال القاضي قلت ولأن في التأخير تعريضا بأن يفوت كثيرا من الناس هذه الصلاة لغلبة النوم القيام ليلة العيد
واختلف قوله في القيام ليلة العيد فروى عنه حنبل اما قيام ليلة الفطر فما يعجبني ما سمعنا أحدا فعل ذلك إلا عبد الرحمن وما أراه لأن رمضان قد مضى وهذه ليلة ليست منه ما أحب أن أفعله وما بلغنا من سلفنا أنهم فعلوه وكان أبو عبد الله يصلي ليلة الفطر المكتوبة ثم ينصرف ولم يصلها معه قط وكان يكرهه للجماعة
الفضل بن زياد شهدت أحمد ليلة الفطر وقد اختلف الناس في الهلال فصلى المكتوبة وركع اربع ركعات وجلس يستخبر خبر الهلال فبعث رسولا فقال اذهب نحو ابي إسحاق فاستخبر خبر الهلال فلم يزل جالسا ونحن معه حتى رجع الرسول فقال قد رؤي الهلال فانتقل أحمد ثم قام فدخل منزلة وعنه أبو طالب أنه قال في الجماعة يقومون ليلة العيد إلى الصباح يجمعون قال من فعل ذلك هو زيادة خير

كان عبد الرحمن بن الأسود يعتكف فيقوم ليلة العيد إلى الصباح من فعله فحسن ومن لم يفعله فليس عليه شيء انتهى
لما روى مالك بن دينار عن سالم عن ابن عمر كان يحيى ليلة العيد عبد الرحمن بن الأسود كان يصلي بقومه في شهر رمضان يقرأ بهم القران كل ليلة الوتر
قال أبو عبد الله في الرجل يصلي شهر رمضان يقوم فيوتر بهم وهو يريد يصلي بقوم آخرين يشتغل بينهم بشيء بأكل أو شرب أو يجلس رواه المروزي وذلك لأنه يكره أن يوصل بوتره صلاة فيشتغل بينهم بشيء ليكون فصلا بين وتره وبين الصلاة الثانية وهذا إذا كان يصلي بهم في موضعه أما في موضع آخر فذهابه فصل ولا يعيد الوتر ثانية لا وتران في ليلة // حسن //
وقال ابو عبد الله في الرجل يجيء والإمام يوتر في شهر رمضان المبارك فيلحق معه ركعة إن كان الإمام يفصل بينهم بسلام اجزأته الركعة التي لحق وإذا كان لا يسلم في الثنتين يقضي مثل ما صلى ثلاثا إذا فرغ قام يقضي ولا يقنت قوله ولا يقنت ويحتمل لأنه قد قنت مع الإمام فلا يقنت كما لو سجد للسهو معه لا يسجد آخر صلاته ويحتمل لأنه أدرك آخر صلاته فلا يقنت في أولها
محمد بن بحر رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان وقد جاء فضل بن زياد القطان فصلى بأبي عبد الله التراويح وكان حسن القراءة فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد فخرج ابو عبد الله فصعد درجة المسجد فنظر إلى الجمع فقال

ما هذا تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه يعني من إخلاء المساجد وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده
قال أحمد رضي الله عنه في الرجل يترك الوتر متعمدا هذا رجل سوء يترك سنة سنها رسول الله تعالى هذا ساقط العدالة إذا ترك الوتر متعمدا
روى هذا المسألة هارون بن عبد الله البزاز ونقل أبو طالب وصالح من ترك الوتر متعمدا هذا رجل سوء وذلك لقول الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امرة وقد أمر النبي واختلف قوله إذا اوتر بعد طلوع الفجر هل يوتر بواحدة أو بثلاث فعنه الميمونى قال إذا استيقظ وقد طلع الفجر ولم يكن تطوع ركع ركعتين ثم يوتر بواحدة لأن الركعتين من وتره
ونحوه الأثرم وابو داود ووجهه أن الوتر اسم الثلاث لأن النبي كان يوتر بها ولأنه وقت لفعل الوتر وكان وقتا للثلاث ونقل يوسف بن موسى يوتر بواحدة وذلك نقل أحمد بن الحسين في الرجل يفجأة الصبح ولم يكن صلى قبل العتمة ولا بعدها شيئا يوتر بواحدة ولا يصلي قبلها شيئا ووجهه قوله الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // فجعل ما قبلها من صلاة الليل وامره بالمبادرة بواحدة ولأن ما بعد طلوع الفجر لا يجوز فيه إلا ركعتا الفجر وإنما أجزنا الوتر لتأكده
واختلف قوله في اختياره الوتر فروى عنه أبو بكر بن حماد أنه قال اذهب إلى حديث أبي هريرة أوصاني خليلي بثلاث // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // الحديث وعنه الميموني لست أنام إلا على وتر
وعنه الفضل بن زياد قال آخره أفضل فإن خاف رجل أن ينام أوتر الليل قال أبو حفص وإنما يكون الوتر آخر الليل أفضل في غير شهر رمضان فأما في شهر رمضان فالوتر أول الليل تبع للإمام افضل لقول النبي صلى مع إمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة
قال أحمد إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة رواه أبو داود والفضل بن زياد ودليلة ابن مسعود كان يقنت في الوتر إذا فرغ من القراءة كبر ورفع يديه ثم قنت

قدر القيام في القنوت
أختلف قوله في قدر القيام في القنوت فعنه بقدر إذا السماء انشقت أو نحو ذلك وقد روى أبو داود وسمعت أحمد سئل عن قول إبراهيم القنوت قدر إذا السماء انشقت قال هذا قليل يعجبني أن يزيد
وعنه كقنوت عمر وعنه كيف شاء وجه
الأولى أنه وسط من القيام والثانية فعل عمر والثالثة أن طريقة الاستحباب فسقط التوقيت فيه نقل يوسف بن موسى عنه لا بأس أن يدعو الرجل في الوتر بحاجته وروى عنه علي بن أحمد الأنماطي أنه قال يصلي على النبي في دعاء القنوت
قل أحمد يدعو الإمام ويؤمن من خلفه وعنه أبو داود إذا لم يسمع صوت الإمام يدعوا أبو حفص لأن التأمين لما يسمعون قال النبي إذا أمن الإمام فأمنوا // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // وعنه إذا دعا وأمنو فجيد وإن دعا ودعوا فلا بأس كل موسع
وجهه ان المؤمن داع قال تعالى قد أجيبت دعوتكما وكان هارون مؤمنا قال يجهر الإمام بالقنوات ولم ير أن يخافت إذا قنت البتة لما روى أن النبي جهر بالقنوت بدليل أن اصحابة كانوا يؤمنون
وروى أبو عبد الله حدثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن جعفر عن أبي عثمان صليت خلف عمر بن الخطاب فقنت بعد الركوع ورفع يديه في قنوته ورفع صوته بالدعاء حتى سمع من وراء الحائط
وعن بي أنه جهر بالقنوت وعن معاذ القارىء أنه جهر المروزي كان ابو عبد الله في دعاء الوتر لم يكن يسمع دعاءه من يليه هذا يدل على أنه كان مأموما والمأموم لا يجهر
مهنا سئل أحمد عن الرجل يقنت في بيته أيعجبك يجهر بالدعاء في القنوت أو يسره قال يسره وذلك أن الإمام إنما يجهر ليؤمن المأموم
عبد الله قلت لأبي يمسح بهما وجهه قال أرجو أن لا يكون به بأس وكان الحسن إذا دعا مسح وجهه

وقال سئل ابي عن رفع الأيدي في القنوت ويمسح بهما وجهه قال لا بأس يمسح بهما وجهه وقال أبي عن رفع الأيدي في القنوت ويمسح بهما وجهه قال لا بأس يمسح بهما وجهه قال عبد الله ولم ار أبي يمسح بهما وجهه فقد سهل أبو عبد الله في ذلك وجعله بمنزلة مسح الوجه في غير الصلاة لأنه عمل قليل ومنسوب إلى الطاعة واختيار أبي عبد الله تركه قال حنبل قلت لأبي عبد الله ما احب إليك ما يتقرب به العبد من العمل إلى الله قال كثرة الصلاة والسجود وأقرب ما يكون العبد من الله إذا عضر وجهه له ساجدا
يعنى بهذا إذا سجد لله على التراب في هذا بيان أن الصلاة افضل اعمال الخير
وروى عنه المروزي أنه قال كل تسبيح في القرآن صلاة إلا موضع واحد قال وادبار النجوم ركعتين قبل الفجر وادبار السجود ركعتين بعد المغرب
قال ابو حفص والحجة في تفضيل الصلاة على سائر أعمال القرب قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها
وكان حذيفة إذا أحزنه أمر صلى وقال اعنى على نفسك بكثرة السجود // رواه مسلم والنسائي وغيرهما // وقال أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها // صحيح // وقال جعلت قرة عيني في الصلاة // صحيح // ولأنها تختص بجمع الهمة وحضور القلب والانقطاع عن كل شيء سواها بخلاف غيرها من الطاعات ولهذا كانت ثقيلة على النفس
نقل عنه محمد بن الحكم في الرجل يفوته ورده من الليل لايقرأ به في ركعتي الفجر كان النبي لكن يقرأإذا اصبح ارجو أن يحسب له بقيام الليل
اختلفت الرواية في الركعتين بعد الظهر فعنه الأثرم يصليهما في المسجد ووجهه حديث أم سلمة في الركعتين بعد العصر ظاهرة انهم شغلوه عن صلاة الركعتين في المسجد

الفضل بن زياد رأيت احمد لا يصلي بعد بعد المكتوبة شيئا في المسجد إلا مرة بعد الظهر كان يوما نادرا
ووجهه حديث عائشة كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين والله أعلم مسألة الجهر بالقراءة
أبو الصقر عنه لا باس أن يجهر الرجل بالقراءة بالليل ولا يجهر بالنهار في التطوع وقال في الرجل يصل بقوم صلاة الفريضة فمرت به آيات العذاب فقال أستجير بالله مضت صلاته ولا يعيد الصلاة وقال في الرجل يصلى ويأتي على ذكر النبي وهو في الصلاة قال إن كان تطوعا صلى عليه وإن كان الفريضة فلا صلاة الضحى
واختلف قوله في المداومة على صلاة الضحى فعنه قال ما احب أن أداوم عليها وقد صلاها رسول الله الفتح // رواه البخاري ومسلم والترمذي وابو داود // وقال ربما صليت وربما لم أصل ووجهه ما روى أبو هريرة قال ما صلى النبي الضحى قط إلا مرة قال الميموني قال أحمد ما سمعناه إلا من وكيع وإسناده جيد وروي عنه موسي بن هارون الخطاب قال مربي أحمد بن حنبل ومعه المروزي وأنا في المسجد قبل الزوال أصلى الضحى لأني كنت شغلت عنها فوقف علي فقال ما هذه الصلاة وليس هذا إلى وقت الظهر قال قلت يا أبا عبد الله هذه ركعات كنت أصليها ضحى فشغلت عنها إلى هذا الوقت قال لا تتركها ولو ذكرتها بعد العتمة ووجهه قوله احب العمل إلى الله أدومه وإن قل // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // صلاة التسبيح
قال في رواية مهنأ وعبد الله صلاة التسبيح لم يثبت عندي فيها حديث وقال في رواية ابى الحارث صلاة التسبيح حديث ليس لها أصل ما يعجبني أن يصليها

يصلي غيرها وقال علي بن سعيد ذكرت لأبي عبد الله حديث عبد الله بن مرة من رواية المستمر بن الريان فقال المستمر شيخ ثقة وكأنه أعجبه
أحمد بن الأثرم في الركعتين قبل المغرب قال أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي وعن الصحابة والتابعين فمن شاء صلى بين الأذان والإقامة
وعنه الفضل بن زياد ما فعلته قط إلا مرة فلم ار الناس عليه فتركتها وقال في رواية حنبل السنة أن يصلي الرجل الركعتين بعد المغرب في بيته كذا روي عن النبي
قال السائب بن يزيد لقد رأيت الناس في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعا حتى لا يبقى في المسجد احد كان لا يصلون بعد المغرب يعني حتى يصيروا إلى أهلهم فإن صلى الركعتين في المسجد هل يجزئه اختلف قوله روى عبد الله أنه قال بلغني عن رجل سماه أنه قال لو أن رجلا صلى الركعتين في المسجد بعد المغرب ما أجزأه وقال ما احسن ما قال هذا الرجل وما أجود ما أسرع
ووجهه أمر النبي بالصلاة في البيوت وقال له المروزي من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا قال ما اعرف هذا
قلت له يحكى عن ابى ثور أنه قال هو عاص قال لعله ذهب إلى قول النبي فاجعلوها في بيوتكم // رواه البخاري ومسلم // ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت وترك المسجد أجزأه فكذا السنة في المسجد
قلت ليس هذا وجههعند أحمد وانما وجهه أن السنن لا يشترط لها مكان معين ولا جماعة فتفعل في المسجد والبيت والله أعلم
قال في رواية الميموني والمروزي يستحب أن لا يكون قبل الركعتين بعد المغرب إلى أن تصلهما كلام وقال الحسن بن محمد رأيت احمد سلم الإمام من صلاة المغرب قام ولم يتكلم ولم يركع في المسجد وتكلم قبل أن يدخل الدار
وجه الكراهة قول مكحول قال رسول الله من صلى ركعتين بعد

المغرب يعنى قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين ولأنه يصل النفل بالفرض
وقال أحمد في رواية حرب ويعقوب وإبراهيم بن هانيء إن ترك ركعتي المغرب لا يعيدهما إنما هما تطوع
المروزي رايت أبا عبد الله يركع فيما بين المغرب والعشاء المروزي عنه في رجل يريد سفرا فيقصر يوما ثم يبدو له فيرجع فيتم وجاءه رسول الخليفة رده من بعض الطريق في الليل فأتم الصلاة فقيل له أليس نحن مسافرون قال أما الساعة فلا وكان نحوا من سبع فراسخ
محمد بن الحكم عنه في الرجل يخرج إلى بعض البلدان يتنزه أو إلى بلد يتلذذ فيه ليس يطلب فيه حجا ولا عمرة ولا تجارة ما يعجبني أن يقصر الصلاة والوجه فيه أن الأصل الإتمام فلا يجوز أن ينقص الفرض لطلب النزهة والله أعلم مسألة السفر وقصر الصلاة
إن لم يكن مع الملاح أهله وكان يسافر ويرجع إلى اهله قصر الصلاة قال في رواية حرب إن لم يتم المكاري في أهله ما يقضي رمضان يقضي في السفر وذلك أن هذه حال ضرورة والقضاء عليه فرض
اختلف قوله في المسافر يرد على أهله لا يريد المقام فروي عنه عبد الله لو أن مسافرا ورد على أهله أمسك عن الطعام وأتم الصلاة إلا أن يكون مارا وكذا نقل إسحاق الكوسج في رجل خرج مسافر فبدا في حاجة إلى بيته ليأخذها فأدركته الصلاة وهو مسافر ويقصر إذا لم يكن له اهل وهو أهون لأنه على نية السفر فوروده على أهله لم يخرجه عن حكم السفر
عنه صالح في رجل خرج مسافرا فبدا له فرجع في حاجة إلى بيته فأدركته الصلاة يتم لأن ابن عباس قال إذا قدمت على اهل أو ماشية فأتم
والوجه فيه حديث ابن عباس ولا يصح حمله على ما إذا نوى المقام لأنه إذا نوى

المقام في غير أهله لزمه الإتمام ولأنه لو أنشأالسفر من بلده يجز له القصر حتى يفارق منزله كذا بعد رجوعه لحاجة عنه المروزي ركعتا الفجر والمغرب لا يدعهما في السفر عنه صالح والكوسج إذا نوى المسافر المقام وهو في الصلاة يتم وإن قعد في الركعتين حتى يخرج بتسليم ووجهه أنه قد صار مقيما مسألة إقامة إحدى وعشرين صلاة الأثرم عنه إذا اجمع أن يقيم إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر فإذا عزم على أن يقيم اكثر من ذلك اتم واحتج بحديث جابر // رواه البخاري ومسلم // وابن عباس // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // قدم النبي رابعة وكذا نقل ابن الحكم
ونقل المروزي إذا عزم على مقام إحدى وعشرين فليتم لأن النبي صلى الغداة يوم التروية بمكة وكذلك نقل حرب إذا دخل إلى قرية نوى أن يقيم أربعة ايام وزيادة صلاة أتم
وكذا نقل ابن اصرم وصالح والكوسج إذا أزمع على إقامة ايام وزيادة صلاة يتم في أول يوم واحتج بحديث جابر قال أو حفص البرمكي هذه الرواية ليست مستقصاة والأدلة مستقصاة أنه لا يلزمه الإتمام بالعزيمة على إقامة اربعة ايام وزيادة صلاة حتى ينوى أكثر من ذلك فكيف يقول إذا ازمع على إقامة اربع وزيادة صلاة اتم
ويحتج بحديث جابر في هذا المقدار وقد كشف هذافي رواية الفضل بن عبد الصمد قيل له يا أبا عبد الله يحكون أنك تقول إذا أجمع على إقامة أكثر مناربعة وصلاة أتم فقال لا يفهمون النبي أجمع على أقامة أربع وصلاة فقصر
ونقل عنه أيوب بن إسحاق بن سافري أنه قال إن أزمع على إقامة خمسة ايام يتم وما دون ذلك يقصر قال ابو حفص ليس في هذا خلاف لذلك لأنه إذا أوجب الإتمام بإقامة اكثر من أربعة أيام وزيادة صلاة فبخمسة ايام اولى أن يوجب الإتمام وقوله ما دون ذلك يقصر يحتمل أن يكون اراد به الأربعة ايام وزيادة

صلاة لأنها دون الخمسة أيام ويحتمل ان يكون ذكره لليوم الخامس لأن الصلاتين بعد الأربعة ايام من اليوم الخامس لا أنه أراد إكمال اليوم الخامس
وقد بين ذلك في رواية طاهر بن محمد التميمي فقال إذا نوى أربعة ايام وأكثر من صلاة من اليوم الخامس أتمم فقد بين مراده من ذكر اليوم الخامس أنه بعضه لأنه اكثر من مقام النبي الذي قصر فيه الصلاة
قال القاضي وظاهر كلام ابي حفص هذا أن المسألة على رواية واحدة وأن مدة الإقامة ما زاد على أحدى وعشرين صلاة وتأول بقية الروايات واحتج في ذلك بحديث جابر أن النبي مكة صبح رابعة فصلى بها الغداة وخامسة وسادسة وسابعة أربعة أيام كوامل وزاد صلاة لأنه صلى الغداة يوم التروية بمكة بالأبطح وخرج يوم الخامس إلى منى فصلى الظهر بمنى وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها
ويجوز أن يحمل كلام أحمد على ظاهره فيكون في قدر الإقامة ثلاث روايات
إحداها ما زاد على إحدى وعشرين اختارها الخرقي وأبو حفص الثانية ما زاد على أربعة أيام ولو بصلاة لأنها مدة تزيد على الأربعة فكان بها مقيما دليلة إذا نوى زيارة على إحدى وعشرين الثالثة ما نقص عن خمسة أيام ولو بوقت صلاة لأنها مدة تنقص عن خمس أيام فكان في حكم السفر دليلة مدة إحدى وعشرين أو عشرين صلاة الكسوف
اختلف قوله في صلاة الكسوف بغير إذن الإمام فروي عنه يعقوب بن حسان لا بأس به
وقال المروزي قلت لأبي عبد الله بن مهدي عن حماد بن يزيد قال بلغ أيوب أن سليمان التيمي لما انكسفت الشمس صلى في مسجده فبلغ أيوب فأنكر عليه فقال إنما هذا للأئمة فقال أبو عبد الله إلى هذا نذهب في كسوف الشمس الأئمة يفعلون ذلك وعنه محمد بن الحكم يستحب العتاقة في صلاة الكسوف الاستسقاء
اختلف في خروج الناس للاستسقاء بغير إمام فعنه أحمد بن القاسم إن لم يخرج الإمام لا تخرجوا
وعنه الميموني إن أخرجهم الإمام خرجوا وإلا فيخرجون لانفسهم يستسقون لا بأس بذلك

فإن قلنا يخرجون بغير إمام فهل يصلون جماعة أو يستسقون وينصرفون فعنه الميموني يخرجون لأنفسهم يستسقون ما يعجبني يصلي بهم بعضهم وعنه حرب انه قال في أهل قرية ليس فيها وال خرجوا يستسقون يصلي بهم إمامهم جماعة قال ارجو أن لا يضيق هذا آخر ما وجدته من هذا المنتقي فائدة الجحد بعد الاعتراف
لا يكون الجحد إلا بعد الاعتراف بالقلب واللسان ومنه قوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ومنه ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون عقيب قوله فإنهم لا يكذبونك ومنه ما يجحد بآيا تنا إلا الظالمون وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون واعلى هذا لا يحسن استعمال الفقهاء لفظ الجحود في مطلق الإنكار في باب الدعاوى وغيرها لأن المنكر قد يكون محقا فلا يسمى جاحدا فائدة الأكل والحمد
قال إسحاق بن هانيء تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة لنا فجعلنا نتكلم وهو يأكل وجعل يمسح عند لقمة بيده بالمنديل وجعل يقول عند كل لقمة الحمد لله وبسم الله ثم قال لي أكل وحمد خير من اكل وصمت فائدة موقف النحاة من البعض والكل
منع كثير من النحاة أن يقال البعض والكل لأنهما اسمان لا يستعملان إلا مضافان ووقع في كلام الزجاج وغيره بدل البعض من الكل
وجوز أبو عبيدة أن يكون بمعنى الكل كما جوز ذلك في ألأكثر فالأول كقوله

يصبكم بعض الذي يعدكم والثاني كقوله وأكثرهم كاذبون ولا دليل له في ذلك لأن قوله بعض الذي يعدكم من خطاب التلطف والقول اللين وأما وأكثرهم كاذبون فلا يمتنع أن يكون فيهم من يصدق في كثير من أقواله
إذا عرف هذا فقالت طائ4فة البعض للجزء القليل والكثير والمساوى وفي هذا نظر إذ إطلاق لفظ بعض العشرة على التسعة مما يحتاج إلى نقل واستعمال والظاهر أنه قريب من البعض معنى كما هو قريب منه لفظا وليس في عرف اللغة والتخاطب إذا قال خذ بعض هذه الصبرة أن يأخذها كلها إلا حفنة منها ولا لمن يجيئك في أيام الشهر كلها إلا يوما واحدا هو يجيء في بعض ايام الشهر مسائل فقهية عن الإمام أحمد
قال أحمد في رواية حنبل حديث عائشة رضي الله عنها لا طلاق ولا عتاق في إغلاق // إسناده ضعيف والحديث محتمل التحسين لطرقه // يريد الغضب

وقال في رواية أبي داود حديث ركانه لا يثبت أنه طلق امراته البتة لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن ركانه طلق امرأته ثلاثا وأهل المدينة يسمون ثلاثا البتة
وقال في رواية أحمد بن أصرم أن أبا عبد الله سئل عن حديث ركانة في البتة فقال ليس بشيء وقال في رواية ابي الحارث في رجل غصب رجلا على امراته فأولدها ثم رجعت إلى زوجها وقد أولدها لا يلزم زوجها الأولاد وكيف يكون الولد للفراش في مثل هذا وقد علم أن هذه في منزل رجل أجنبي وقد اولدها في منزلة إنما يكون الولد للفراش إذا ادعاه الزوج وهذا لا يدعى فلا يلزمه
قال أحمد في رواية إسحاق بن منصور إذا زوج السيد عبده من أمته ثم باعها يكون بيعها طلاقها كقول ابن عباس ورواية أكثر أصحابه عنه لا يكون طلاقا
قال أحمد في رواية ابي طالب لا اعلم شيئا يدفع قول ابن عباس وابن عمر وأحد عشر من التابعين منهم عطاء ومجاهد وأهل السنة وأهل المدينة على تسرى العبد فمن احتج بهذه الآية والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وأي ملك للعبد فقد قال النبي من اشترى عبدا وله مال فالمال للسيد // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // جعل له مالا هذا يقوي التسري
وابن عباس وابن عمر اعلم بكتاب الله ممن احتج بهذه الاية لأنهم أصحاب رسول الله وانزل القرآن على رسول الله يعلمون فيما أنزل قالوا يتسري العبد
إذا ثبت هذا فقد قال في رواية إسحاق بن إبراهيم يتسرى العبد في ماله هو ما لم يأخذه سيده منه
وقال في رواية جعفر بن محمد وحرب ليس للسيد أن يأخذ سرية العبد إذا اذن له في التسري فإن تسري بغير إذنه أخذها منه وإذا باع العبد وله سرية هي لسيده ولا يفرق بينهما لأنها بمنزلة المرأة فقد فرق أحمد بين أن يتبع العبد فتكون السرية للسيد

ولا يفرق بينهما وبين العبد وعلل بأنها بمنزلة الزوجة وبين أن يبقى العبد على ملكه فليس له أخذ السرية منه إذا أذن له كما لو أذن له في التزويج ليس له أن يفرق بينه وبين امرأته وعلى كلا النصين مشكل وله فقه دقيق
وقال في رواية ابن منصور إذا تزوج الحرة على الأمة يكون طلاقا للأمة لحديث ابن عباس قال ابو بكر مسألة ابن منصور مفردة
وقال في رواية أبي الحارث إذا تزوج امرأة فشرط أن لا يبيت عندها إلا ليلة الجمعة فإن طالبته كان لها المقاسمة وإن أعطته مالا واشترطت عليه أن لا يتزوج عليها يرد عليها المال إذا تزوج ولو دفع إليها مالا على أن لا تتزوج بعد موته فتزوجت ترد المال إلى ورثته
وقال في رواية أحمد بن القاسم الأمة إذا كان زوجها حرا فعتقت فلا خيار لها لأن الحديث عندنا أن زوج بريرة كان عبدا فاجعل الرواية هكذا ولا ازيل النكاح إلا في الموضع الذي أزالته السنة وهذا ابن عباس وعائشة يقولون إنه عبد وعليه أهل المدينة وعلمهم وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو أصح ما يكون وليس يصح أن زوج بريرة كان حرا إلا عن الأسود وحده وأما غيره فيقول إنه عبد
وقال أحمد في رواية حنبل لا يكنى ولده بأبي القاسم لأنه يروى عن النبي أنه نهى عنه وقال في رواية علي بن سعيد وقد سأله عن الحديث تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي // رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد // هو أن يجمع ببن اسمه وكنيته أو يفرد أحدهما فقال آخر الحديث تسموا باسمى ولا نكنوا بكنيتى وهذا موافق لرواية حنبل وقال ابن منصور قلت لأحمد تكنى المرأة قال نعم عائشة كناها النبي أم عبد الله

وقال في روايته أيضا عمر كره يكنى بأبي عيسى وقال في رواية حنبل لا بأس أن يكنى الصبي قال النبي يا أبا عمير وكان صغيرا
وقال في رواية الأثرم وسئل عن الرجل يعرف بلقبه قال إذا لم يعرف إلا به قال أحمد الأعمش إنما يعرفة الناس هكذا فسهل في مثل هذا إذا كان قد شهر به
وقال ابن منصور قلت لأحمد رجل نذر أن يذبح نفسه قال يفدي نفسه إذا حنث يذبح كبشا
قال إسحاق كما قال وقال أيضا قلت لأحمد من مات ولم يحج فهو من جميع المال قال إذا كان له مال كثير واجب على الورثة أن ينفذوا ذاك وأما إذا كان مال قليل فإنما هو شيء ضيعه ليس هذا مثل الزكاة
وقال أيضا قلت له طواف المكي قبل المغرب قال أحمد لا يخرج من مكة حتى يودع البيت
وقال أحمد في رواية ابن منصور يكره أن يقول للرجل جعلني الله فداك ولا بأس أن يقول فداك أبي وأمي

وقال في رواية ابن منصور يكره الجلوس بين الشمس والظل أليس قد نهى عنه وقال إسحاق ابن راهوية قد صح الخبر فيه عن النبي ولكن لو ابتدأ وجلس فيه كان أهون وقال في رواية أبي طالب وسألته يكنى الرجل أهل الذمة فقال قد كنى النبي نجران وعمر قال يا ابا حسان لا بأس فيه
وقال في رواية يعقوب بن لحيان وسأله عن النورة والحجامة والأربعاء فكرهها قال وبلغني عن رجل أنه تنور واحتجم فأصابه المرض قلت كأنه تهاون قال نعم
وقال في رواية مهنا في الرجل تأتيه المرأة المسحوره فيطلق عنها السحر قال لا بأس

وحدثنا إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال سألت سعيد ابن المسيب عن المرأة تأتي الرجل فيطلق عنها السحر فقال لا بأس فقلت لأحمد أحدث بهذا عنك قال نعم
وقال في رواية المروزي حممت فكتب لي في الحمى بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل إشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين
وقال في رواية عبد الله يكتب للمراة إذا عسر عليها الولادة في جام أو شيء نظيف لا إلة إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ثم تسقي وينضح بما بقى دون سرتها
وقال في رواية الكوسج يكره التفل في الرقية ولا بأس بالنفخ وقال في رواية صالح الحقنة إذا كانت لضرورة فلا بأس وقال في المروزي الحقنة إن اضطر إليها فلا بأس قال المروزي ووصف لأبي عبد الله ففعل وقال إسحاق بن هانيء رايت أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي حتى يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول فإذا قاربت أمسك عن الصلاة حتى يؤذن فإذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا يفصل بينهما بالسلام فإذا صلى الفريضة انتظر في المسجد ثم يخرج منه فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع فيصلى فيها ركعتين ثم يجلس وربما صلى أربعاثم يجلس ثم يقوم فيصلى ركعتين ثم يجلس وربما صلى أربعا ثم يجلس ثم يقوم فيصلى ركعتين أخريين فتلك ست ركعات على حديث على رضي الله عنه فائدة

هل الوفاء باستيفاء الدين
ظن بعض الفقهاء أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين بسبب أن الغريم إذا قبض المال صار في ذمته للمدين مثله ثم يقع التقاضي منهما والذي أوجب لهم هذا إيجاب المماثلة بين الواجب ووافائه ليكون قد وفى الدين بالدين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا تكلف أنكره جمهور الفقهاء وقالوا بل نفس

المال الذي قبضه يحصل به الوفاء ولا حاجة إلى أن يقدروا في ذمة المستوفي دينا والدين في الذمة من جنس المطلق الكلي والعين من جنس العين الجزئي فإذا ثبت في ذمته دين مطلق كلي كان المقصود منه الأعيان الشخصية الجزئية فأي معين استوفاه حصل به مقصوده لمطابقتة للكل مطابقة الأفراد الجزئية فائدة مسائل فقهية
قال أحمد في رواية صالح في المضارب إذا خالف فاشترى غير ما أمر به صاحب المال فالربح لصاحب المال ولهذا أجرة مثله إلا أن يكون الربح محيطا بأجرة مثله فيذهب قال وكنت أذهب إلى الربح لصاحب المال ثم استحسنت
وقال في رواية الميموني استحسن أن يتمم لكل صلاة ولكن القياس أنه بمنزلة الماء حتى يحدث أو يجد الماء
وقال في رواية المروزي يجوز شراء أرض السواد ولا يجوز بيعها فقيل له كيف تشترى ممن لا يملك فقال القياس كما يقول ولكن هو استحسان واحتج بأن اصحاب النبي في شراء المصاحف وكرهوا بيعها وهذا يشبه ذاك
وقال في رواية بكر بن محمد فيمن غصب أرضا وزرعها الزرع لرب الأرض وعليه النفقة وليس هذا شيئا يوافق القياس استحسن أن يدفع إليه نفقته وقال في رواية ابي طالب أصحاب ابي حنيفة إذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا نستحسن هذا وندع القياس فيدعون الذين يزعمون أن الحق بالاستحسان قال وأنا أذهب إلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه فقال القاضي ظاهر هذا يقضي إبطال القول بالاستحسان وأنه لا يجوز قياس المنصوص عليه على المنصوص عليه وجعل المسألة على روايتين ونصر هو وأتباعه رواية القول بالاستحسان ونازعهم شيخنا في مراد أحمد من كلامه وقال مراده أنى استعمل النصوص كلها ولا أقيس على أحد النصين قياسا يعارض النص الآخر كما يفعل من ذكره حيث يقيسون على أحد النصين ثم يستثنون موضع الاستحسان إما لنص أو لغيره والقياس عندهم موجب العلة فينقضون العلة التى يدعون صحتها مع تساويها في محالها وهذا من أحمد بين أنه يوجب طرد العلة الصحيحة وأن انتقاضها مع تساويها في محالها يوجب فسادها ولهذا قال لا أقيس على أحد النصين قياسا ينقصه النص الاخر

وهذا مثل حديث أم سلمة عن النبي أراد أحدكم أن يضحى ودخل العشر فلا ياخذ من شعره ولا من بشرته شيئا // رواه مسلم والنسائي وغيرهما // مع حديث عائشة كنت أفتل قلائد هدي النبي ثم نبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // والناس في هذا على ثلاثة أقوال منهم من يسوى بين الهدى والأضحية في المنع ويقول إذا بعث الحلال هديا صار محرما ولا يحل حتى ينجر كما روى عن ابن عباس وغيره ومنهم من يسوى بينهما في الأذن ويقول بل المضحى لا يمنع عن شيء كما لا يمنع باعث الهدى فيقيسون على أحد النصين ما يعارض الآخر وفقهاء الحديث كيحيى بن سعيد واحمد بن حنبل وغيرهما عملوا بالنصين ولم يقيسوا أحدهما على الآخر وكذلك عند أحمد وغيره من فقهاء الحديث لما امر النبي يصلي الناس قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // ثم لما افتتحوا الصلاة قياما اتمها بهم قياما // رواه مسلم وأبو داود والنسائي // فعمل بالحديثين ولم يقس على أحدهم قياسا ينقص الآخر ويجعله منسوخا كما فعل غيره
قلت وكذلك فعل في حديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبل وترك الوضوء مما مست النار عمل بهما ولم يقس على إحدهما قياسا يبطل الآخر ويجعله منسوخا
وكذلك فعل في احاديث المستحاضة ونظائرها ثم القائلون بالإستحسان منهم من يقول هو ترك الحكم إلى حكم أولى منه ومنهم من يقول هو أولى القياسين
وقال القاضي الحجة التي نرجع إليها في الاستحسان هي الكتاب تارة والسنة تارة والإجماع تارة والإستدلال يترجح بعض الأصول على بعض فالاستحسان لأجل الكتاب كما في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر إذا لم يجد مسلما ومما قلنا فيه بالاستحسان السنة فيمن غصب ارضا وزرعها الزرع لرب الأرض وعلى صاحب الأرض النفقة لحديث رافع بن خديج والقياس أن يكون الزرع لزارعة ومما فيه قلنا بذلك الإجماع جواز سلم الدراهم والدنانير في الموزونات والقياس أن لا

يجوز ذلك لوجود الصفة المضمونة إلى الجنس وهي الوزن إلا أنهم استحسنوا فيه الإجماع انتهى
قال شيخنا ومن ذلك أن نفقة الصغير وأجرة مرضعته على ابيه دون أمة بالنص والإجماع
قلت إلا خلافا شاذا في مذهب أبي حنيفة وغيره بإيجابها على الأبوين كالجد والجدة
وكذلك يقولون إجارة الظئر ثابتة بالنص والإجماع على خلاف القياس والاستحسان يقول يرجع إلى تخصيص العلة بل هو نفسه كما قاله الحسن البصري والرازي وغيرهما والمشهور عن الشافعية منع تخصيصها وعن الحنفية القول بتخصيصها ولأصحاب أحمد قولان وحكيتا رويتان عن أحمد وحكى تخصيص العلة مذهب الأئمة الأربعة وهو الصواب والقاضي وابن عقيل يمنعون تخصيص العلة مع قولهم بالاستحسان وأبو الخطاب يختار تخصيص العلة مع قوله بالاستحسان
وفرق القاضي بين التخصيص والاستحسان بأن التخصيص منع العلة عملها في حكم خاص والاستحسان ترك قياس الأصول للنصوص أي مخالفة القياس لأجل النص كما في شهادة أهل الذمة وإجارة الظئر وإعطاء الزرع لمالك الأرض ونظائره كحمل العاقلة دية الخطأ فصول عظيمة النفع جدا
في إرشاد القرآن والسنة إلى طريق المناظرة وتصحيحها وبيان العلل المؤثرة والفروق المؤثرة وإرشارتها إلى إبطال الدور والتسلسل بأوجز لفظ وأبينه وذكر ما تضمناه من التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين والأجوبة عن المعارضات وإلغاء ما يجب إلغاؤه من المعاني التي لا تأثير لها واعتبار ما ينبغي اعتباره وإبداء تناقض المبطلين في دعاويهم وحججهم وأمثال ذلك وهذا من كنوز القرآن التي ضل عنها أكثر المتأخرين فوضعوهم لهم شريعة جدلية فيها حق وباطل ولو أعطوا القرآن حقه لرأوه وافيا بهذا المقصود كافيا فيه مغنيا عن غيره
والعالم عن الله من آتاه فهما في كتابه والنبي أول من بين العلل الشرعية والمآخذ والجمع والفرق والأوصاف المعتبرة والأوصاف الملغاة وبين الدور والتسلسل وقطعهما

فانظر إلى قوله سئل عن البعير يجرب فتجرب لأجله الإبل فقال من أعدى الأول // رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم // كيف اشتملت هذه الكلمة الوجيزة المختصرة البينة على إبطال الدور التسلسل وطالما تفيهين الفيلسوف وتشدق المتكلم وقرب ذلك بعد اللتيا والتي في عدة ورقات فقال من أوتى جوامع الكلم فمن أعدى الأول ففهم السامع مع هذا أن إعداء الأول إن كان من إعداء غيره له فإنه لم ينته إلى غاية فهو التسلسل في المورثات وهو باطل بصريح العقل وإن انتهى إلى غاية وقد استفادت الجرب من إعداء من جرب به له فهو الدور الممتنع
وتأمل قوله في قصة ابن اللتبية // أفلا جلس في بيت ابيه وأمه وقال هذا أهدى لي // رواه البخاري ومسلم وأبو داود كيف يجد تحت هذه الكلمة الشريفة أن الدوران يفيد العلية والأصولي ربما كد خاطره حتى قرر ذلك بعد الجهد فدلت هذه الكلمة النبوية على أن الهدية لما دارت مع العمل وجودا وعدما كان العمل سببها وعلتها لأنه لو جلس في بيت ابيه وأمه لانتفت الهدية وإنما وجدت بالعمل فهو علتها
وتأمل قوله اللقطة وقد سئل عن لقطة الغنم فقال إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب فلما سئل عن لقطة الإبل غضب وقال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجرة // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي // ففرق بين الحكمين باستغناء الإبل واستقلالها بنفسها دون أن يخاف عليها الهلكة في البرية واحتياج الغنم إلى راع وحافظ وإنه إن غاب عنها فهى عضرة للسباع بخلاف الإبل فهكذا تكون الفروق الموثرة في الأحكام لا الفروق المذهبية التي انما يفيد ضابط المذهب
وكذلك قوله في اللحم الذي تصدق به على بريرة هو عليها صدقة ولنا هدية // رواه البخاري ومسلم ومالك // ففرق في الذات الواحدة وجعل لها حكمين مختلفين باختلاف الجهتين إذ جهة الصدقة عليها غير جهة الهدية منها
وكذلك الرجلان اللذان عطسا عند النبي فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر

فلما سئل عن الفرق أجاب بأن هذا حمد الله والآخر لم يحمده // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي // فدل على أن تفريقه في الأحكام لافتراقها في العلل المؤثرة فيها
وتأمل قوله في الميتة إنما حرم منها أكلها // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // كيف تضمن التفرقة بين أكل اللحم واستعمال الجلد وبين أن النص إنما تناول تحريم الأكل وهذا تحته قاعدتان عظيمتان
إحداهما بيان أن التحليل والتحريم المضافان إلى الأعيان غير مجمل وأنه غير مراد به من كل عين ما هي مهيأة له وفي ذلك الرد على من زعم أن ذلك يتضمن لمضمر عام وعلى من زعم أنه مجمل والثانية قطع إلحاق استعمال الجلد بأكل اللحم وأنه لا يصح قياسة عليه فلو أن قائلا قال وإن دلت الآية على تحريم الأكل وحده فتحريم ملابسة الجلد قياسا عليه كان قياسه باطلا بالنص إذ لا يلزم من تحريم الملابسة الباطنية بالتعدي تحريم ملابسة الجلد ظاهرا بعد الدباغ
ففي هذا الحديث بيان المراد من الآية وبيان فساد إلحاق الجلد باللحم
وتأمل قوله للنعمان بن بشير وقد خص ابنه بالنحل أتحب أن يكونوا في البر سواء // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // كيف تجده متضمنا لبيان الوصف الداعي إلى شرع التسوية بين الأولاد وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فكما أنك تحب أن يستووا في برك وأن لا ينفرد أحدهم ببرك وتحرمه من الآخر فكيف ينبغي أن تفرد أحدهما بالعطية وتحرمها الآخر وتأمل قوله لعمر وقد استأذنه في قتل حاطب فقال وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم // رواه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي واحمد // كيف تجده متضمنا لحكم القاعدة التي اختلف فيها أرباب الجدل والأصوليون وهي أن التعليل بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضي فعلل النبي عصمة دمه شهود بدرا دون الأسلام العام فدل علي أن مقتضى قتله كان قد وجد وعارض سبب العصمة وهو الجس على رسول الله لكن عارض هذا المقتضي مانع منع من تأثيره وهو شهوده بدرا وقد سبق من الله مغفرته لمن شهدها

وعلى هذا فالحديث حجة لمن رأى قتل الجاسوس لأنه ليس ممن شهد بدرا وإنما امتنع قتل حاطب لشهوده بدرا ومن ذلك قوله لعمر سأله عن القبلة للصائم فقال ارأيت لو تمضمضت // صحيح // الحديث فتحت هذا إلغاء الأوصاف التي لا تأثير لها في الأحكام وتحته تشيبه الشيء بنظيره وبإلحاقه به وكما أن الممنوع منه الصائم إنما هو الشرب لا مقدمته وهو وضع الماء في الفم فكذلك الذي منع إنما هو الجماع لا مقدمته وهي القبلة فتضمن الحديث قاعدين عظمتين كما ترى
ومن ذلك قوله وقد سئل عن الحج عن الميت فقال للسائل أرأيت لو كان عليه دين أكنت قاضية قال نعم قال فدين الله أحق بالقضاء // شاذ او منكر فتضمن هذا الحديث بيان قياس الأولى وأن دين المخلوق إذا كان يقبل الوفاء مع شحه وضيقه فدين الواسع الكريم تعالى أحق بأن يقبل الوفاء ففي هذا أن الحكم إذا ثبت في محل الأمر وثم محل آخر أولى بذلك الحكم فهو أولى بثبوته فيه ومقصود الشارع في ذلك التنبيه على المعاني والأوصاف المقتضية لشرع الحكم والعلل المؤثرة وإلا فما الفائدة في ذكر ذلك والحكم ثابت بمجرد قوله
ومن ذلك أن النبي ألحق الولد في قصة وليدة زمعة بعبد ابن زمعة عملا بالفراش القائم وأمر سودة أن تحتجب منه // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // عملا بالشبه المعارض له فرتب على الوصفين حكميهما وجعله أخا من وجه دون وجه وهذا من ألطف مسالك الفقه ولا يهتدي إليه ألا خواص أهل العلم والفهم عن الله تعالى ورسوله
وتأمل قوله في التشهد وقد علمهم أن يقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم قال فإذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // كيف قرر بهذا عموم اسم الجمع المضاف وأغنانا عن طريق الأصوليين وتعسفها كذلك قوله تعالى وقد سئل عن زكاة الحمر فقال لم ينزل علي إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فسمى الآية جامعة أي

عامة شاملة باعتبار اسم الشرط فدل على أن أدوات الشرط العموم وهذا في مخاطبته ومحاورته أكثر من أن يذكر وإنما يجهله من كلامه من لم يحط به علما
وتأمل قوله للرجل الذي استفتاه عن امرأته وقد ولدت غلاما أسود
فأنكر ذلك فقال له النبي ألك إبل قال نعم قال فما لونها قال سود قال هل فيها من أورق قال نعم قال فأني له ذلك قال عسى أن يكون نزعه عرق قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق // رواه البخاري ومسلم // كيف تضمن إلغاء هذا الوصف الذي لا تأثير له في الحكم وهو مجرد اللون ومخالفة الولد للأبوين فيه وإن مثل هذا لا يوجب ريبة وأن نظيره في المخلوقات مشاهد بالحس والله تعالى خالق الإبل وخالق بنى آدم وهو الخلاق العليم فكما أن الجمل الأورق قد يتولد من بين أبوين أسودين فكذلك الولد الأسود قد يتولد من بين أبوين أبيضين وإن ما جوز به من سبب ذلك في الإبل هو بعينه قائم في بنى آدم
فهذا من أصح المناظرت والإرشاد إلى اعتبار ما يجب من الأوصاف وإلغاء ما يجب إلغاؤه منها وإن حكم الشيء حكم نظيره وإن العلل والمعاني حق شرعا وقدرا فصل أسرار المناظرة من القرآن الكريم
وإذا تأملت القرآن وتدبرته وأعرته فكرا وافيا اطلعت فيه من أسرار المناظرات وتقرير الحجج الصحيحة وإبطال الشبه الفاسدة وذكر النقض والفرق والمعارضة والمنع على ما يشفي ويكفي لمن بصره الله وأنعم عليه بفهم كتابه
فمن ذلك قوله تعالى وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون فهذه مناظرة جرت بين المؤمنين والمنافقين فقال لهم المؤمنون لا تفسدوا في الأرض فأجابهم المنافقون بقولهم إنما نحن مصلحون فكأن المناظرة انقطعت بين الفريقين ومنع المنافقون ما ادعى عليهم أهل الإيمان من كونهم مفسدين وأن ما نسبوهم إليه إنما هو صلاح لا فساد فحكم العزيز الحكيم بين الفريقين بأن سجل على المنافقين أربع إسجالات

أحدها تكذيبهم والثاني الإخبار بأنهم مفسدون والثالث حصر الفساد فيهم بقوله هم المفسدون والرابع وصفهم بغاية الجهل وهو أنه لا شعور لهم البتة بكونهم مفسدين وتأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع ثم نفى العلم في قولهم أنؤمن كما آمن السفهاء فقال ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون فنفى علمهم بسفههم وشعورهم بفسادهم وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسدا ولا شعور له بفساده البتة مع أن أثر فساده مشهور في الخارج مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه
وكذلك كونه سفيها والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يصلح معاشه ومعاده وإرادته بخلافه فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله كان من أشقى النوع الإنساني فنفي العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله ونفى الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحا والشر خيرا
وكذلك المناظرة الثانية معهم أيضا فإن المؤمنين قالوا لهم آمنوا كما آمن الناس فأجابهم المنافقون بقولهم أنؤمن كما آمن السفهاء وتقرير المناظرة من الجانبين أن المؤمنين دعوهم إلى الإيمان الصادر من العقلاء بالله ورسوله وأن العاقل يتعين عليه الدخول فيما دخل فيه العقلاء الناصحون لأنفسهم ولا سيما إذا قامت أدلته وصحت شواهده فأجابهم المنافقون بما مضمونه أنا إنما يجب علينا موافقة العقلاء وأما السفهاء الذي لا عقل لهم يميزون به بين النافع والضار فلا يجب علينا موافقتهم فرد الله تعالى عليهم وحكم للمؤمنين وأسجل على المنافقين بأربعة أنواع
احدها تسفيههم الثاني حصر السفه فيهم الثالث نفي العلم عنهم الرابع تكذيبهم فيما تضمنه جوابهم من دعواهم التنزيه من السفه
ومن ذلك قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم ! الذي خلقهم والذين من قبلكم لعلكم تتقون إلى قوله تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين فهذا استدلال في غاية الظهور ونهاية البيان على جميع مطالب أصول الدين من إثبات الصانع وصفات كماله من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وحكمته وأفعاله وحدوث العالم وإثبات نوعى توحيده

تعالى توحيد الربوبية المتضمن أنه وحده الرب الخالق الفاطر وتوحيد الإلهية المتضمن أنه وحده الإله المعبود المحبوب الذي لا تصلح العبادة والذل والخضوع والحب إلا له ثم قرر تعالى بعد ذلك إثبات نبوة رسوله محمد أبلغ تقرير وأحسنه واتمه وأبعده عن المعارض فثبت بذلك صدق رسوله في كل ما يقوله وقد أخبر عن المعاد والجنة والنارفثبت صحة ذلك ضرورة فقررت هذه الآيات هذه المطالب كلها على أحسن وجه فصدرها تعالى بقوله يا أيها الناس وهذا خطاب لجميع بني آدم يشتركون كلهم في تعلقه بهم
ثم قال اعبدوا ربكم فأمرهم بعبادة ربهم وفي ضمن هذه الكلمة البرهان القطعي على وجوب عبادته لأنه إذا كان ربنا الذي يربينا بنعمة وإحسانه وهو مالك ذواتنا ورقابنا وأنفسنا وكل ذرة من العبد فمملوكه له ملكا خالصا حقيقيا وقد رباه بإحسانه إليه وإنعامه عليه عبادته له وشكره إياه واجب عليه ولهذا قال اعبدوا ربكم ولم يقل إلهكم والرب هو السيد والمالك والمنعم والمربي والمصلح والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها فلا شيء أوجب في العقول والفطر من عبادة من هذا شأنه وحده لا شريك له
ثم قال الذي خلقكم فنبه بهذا أيضا على وجوب عبادته وحده وهو كونه أخرجهم من العدم إلى الوجود وأنشأهم واخترعهم وحده بلا شريك باعترافهم وإقرارهم كما قال في غير موضع من القرآن ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فإذا كان هو وحده الخالق فكيف لا يكون وحده المعبود وكيف يجعلون معه شريكا في العبادة وأنتم مقرون بأنه لا شريك له في الخلق وهذه طريقة القرآن يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية
ثم قال والذين من قبلكم فنبه بذلك على أنه وحده الخالق لكم ولآبائكم ومن تقدمكم وإنه لم يشركه أحد في خلق من قبلكم ولا في خلقكم وخلقه تعالى لهم متضمن لكمال قدرته وإرادته وعلمه وحكمته وحياته وذلك يستلزم لسائر صفات كماله ونعوت جلاله فتضمن ذلك إثبات صفاته وأفعاله ووحدانيته في صفاته فلا شبيه له فيها ولا في أفعاله فلا شريك له فيها
ثم ذكر المطلوب من خلقهم وهو أن يتقوه فيطيعونه ولا يعصونه ويذكرونه فلا ينسونه ويشكرونه ولا يكفرونه فهذه حقيقة تقواه
وقوله تعالى لعلكم تتقون قيل إنه تعليل للأمر وقيل تعليل للخلق وقيل المعنى اعبدوه لتتقوه بعبادته وقيل المعنى خلقكم لتتقوه وهو أظهر لوجوه

أحدها أن التقوى هي العبادة والشي لا يكون علة لنفسه الثاني أن نظيره قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الثالث أن الخلق أقرب في اللفظ إلى قوله لعلكم تتقون من الأمر
ولمن نصر الأول أن يقول لا يمتنع أن يكون قوله لعلكم تتقون تعليلا للأمر بالعبادة ونظيره قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون فهذا تعليل لكتب الصيام ولا يمتنع أن يكون تعليلا للأمرين معا وهذا هو الأليق بالآية والله أعلم
ثم قال تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فذكر تعالى دليلا آخر متضمنا للاستدلال بحكمته في مخلوقاته فالآول متضمن لأصل الخلق والإيجاد ويسمى دليل الاختراع والإنشاء والثاني متضمن للحكم المشهودة في خلقه ويسمى دليل العناية والحكمة وهو تعالى كثيرا ما يكرر هذين النوعين من الاستدلال في القرآن ونظيره قوله تعالى الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار فذكر خلق السموات والأرض ثم ذكر منافع المخلوقات وحكمها
ونظيره قوله تعالى أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا إلى آخر الآيات على أن في هذه الأيات من الأسرار والحكم بما بحسب عقول العالمين أن يفهموه ويدركوه ولعله أن يمر بك إن شاء الله التنبيه على رائحة يسيرة من ذلك
ونظير ذلك أيضا قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون وهذا كثير في القرآن لمن تأمله
وذكر سبحانه في سورة البقرة قرار العالم وهو الأرض وسقفه وهو السماء

وأصول منافع العباد وهو الماء الذي انزله من السماء فذكر المسكن والساكن وما يحتاج إليه من مصالحه ونبه تعالى بجعله للأرض فراشا على تمام حكمته في أن هيأها لاستقرار الحيوان عليها فجعلها فراشا ومهادا وبساطا وقرارا وجعل سقفها بناء محكما مستويا لا فطور فيه ولا تفاوت ولا عيب
ثم قال فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون فتأمل هذه النتيجة وشدة لزومها لتلك المقدمات قبلها وظفر العقل بها بأول وهلة وخلوصها من كل شبهة وريبة وقادح وإن كل متكلم ومستدل ومحاج إذا بالغ في تقرير ما يقرره وأطاله وأعرض القول فيه فغايته إن صح ما يذكره أن ينتهي إلي بعض ما في القرآن
فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من البرهان الشافي في التوحيد أي إذا كان الله وحده هو الذي فعل هذه الأفعال فكيف يجعلون له أندادا وقد علمتم أنه لا ند له يشاركه في فعله إعجاز القرآن في بلاغته
فلما قرر نوعي التوحيد انتقل إلى النبوة فقال وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين إن حصل لكم ريب في القرآن الكريم وصدق من جاء به وقلتم إنه مفتعل فأتوا بسورة واحدة تشبهه وهذا خطاب لأهل الأرض أجمعهم ومن المحال أن يأت واحد منهم بكلام يفتعله ويختلقه من تلقاء نفسه ثم يطالب أهل الأرض بجمعهم أن يعارضوه في أيسر جزء منه يكون مقداره ثلاث أيات من عدة ألوف ثم تعجز الخلائق كلهم عن ذلك حتى أن الذين راموا معارضته كان ما عارضوه من أقوى الأدلة على صدقه فإنهم أتوا بشيء يستحي العقلاء من سماعه ويحكمون بسماجته وقبح ركاكته وخسته فهو كمن أظهر طيبا لم يشم احد مثل ريحه قط وتحدى الخلائق ملوكهم وسوقتهم بأن يأتوا بذرة طيب مثله فاستحى العقلاء وعرفوا عجزهم وجاء الحمقاء بعذرة منتنة خبيثة وقالوا قد جئنا بمثل ما جئت به فهل يزيد هذا ما جاء به إلا قوة وبرهانا وعظمة وجلالة وأكد تعالى هذا التوبيخ والتقريع والتعجيز بأن قال وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين كما يقول المعجز لمن يدعى مقاومته اجهد علي بكل من تقدر عليه من أصحابك وأعوانك وأوليائك ولا تبق منهم أحدا حتى تستعين به فهذا لا يقدم عليه إلا أجهل العالم وأحمقه وأسخفه عقلا إن كان غير إن كان غير واثق بصحة ما يدعيه أو أكملهم وأفضلهم وأصدقهم وأوثقهم بما يقوله والنبي

يقرأ هذه الآية وأمثالها على أصناف الخلائق أميهم وكتابيهم وعربهم وعجمهم ويقول لن تستطيعوا ذلك ولن تفعلوه أبدا فيعدلون معه إلى الحرب والرضى بقتل ألأحباب فلو قدروا على الإتيان بسورة واحدة لم يعدلوا عنها إلى اختيار المحاربة وايتام الأولاد وقتل النفوس والإقرار بالعجز عن معارضته
وتقرير النبوة بهذه الآية وجوه متعددة هذا احدها وثانيها إقدامه هذا الأمر وإسجاله على الخلائق إسجالا عاما إلى يوم القيامة أنهم لن يفعلوا ذلك ابدا فهذا لا يقدم عليه ويخبر به إلا عن علم لا يخالجه شك مستند إلى وحي من الله تعالى وإلا فعلم البشر وقدرته يضعفان عن ذلك وثالثها النظر إلى نفس ما تحدى به وما اشتمل عليه من الأمور التي تعجز قوى البشر على الإتيان بمثله الذي فصاحته ونظمه وبلاغته فرد من أفراد إعجازه
وهذا الوجه يكون معجزة لمن سمعه وتأمله وفهمه وبالوجهين الأولين يكون معجزة لكل من بلغة خبره ولو لم يفهمه ولم يتأمله فتأمل هذا الموضع من إعجاز القرآن تعرف فيه قصور كثير من المتكلمين وتقصيرهم في بيان إعجازه وأنهم لن يوفوه عشر معشار حقه حتى قصر بعضهم الإعجاز على صرف الدواعي عن معارضته مع القدرة عليها وبعضهم قصر الإعجاز على مجرد فصاحته وبلاغته وبعضهم على مخالفة أسلوب نظمة لأساليب نظم الكلام وبعضهم على ما اشتمل عليه من الإخبار بالغيوب إلى غير ذلك من الأقوال القاصرة التي لا تشفي ولا تجدي وإعجازه فوق ذلك ووراء ذلك كله فإذا ثبتت النبوة بهذه الحجة القاطعة فقد وجب على الناس تصديق الرسول في خبره وطاعة أمره وقد أخبر عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وافعاله وعن المعاد والجنة والنار فثبت صحة ذلك يقينا فقال تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار الآية فاشتملت الآيات على تقرير مهمات أصول الدين من إثبات خالق العالم وصفاته ووحدانيته ورسالة رسوله والمعاد الأكبر
ومن ذلك قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها الآية وهذا جواب اعتراض اعترض به الكفار على القرآن وقالوا إن الرب أعظم من أن يذكر الذباب والعنكبوت ونحوها من الحيونات الخسيسة فلو كان ما جاء به محمد كلام الله لم يذكر فيه الحيونات الخسيسة فأجابهم الله تعالى بأن قال إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فإن ضرب الأمثال بالبعوضة فما فوقها إذا تضمن تحقيق الحق وإيضاحه وإبطال الباطل وإدحاضه كان من

أحسن الأشياء والحسن لا يستحيا منه فهذا جواب الاعتراض فكأن معترضا اعترض على هذا الجواب أو طلب حكمه ذلك فأخبر تعالى عما له في ضرب تلك الأمثال من الحكمة وهي إضلال من شاء وهداية من شاء ثم كأن سائلا سأل عن حكمة الإضلال لمن يضله بذلك فأخبر تعالى عن حكمته وعدله وأنه إنما يضل به الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فكانت أعمالهم هذه القبيحة التي ارتكبوها سببا لأن اضلهم وأعماهم عن الهدى
ومن ذلك قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون فهذا استدلال قاطع على أن الإيمان بالله تعالى أمر مستقر في الفطر والعقول وأنه لا عذر لأحد في الكفر به البتة فذكر تعالى أربعة أمور ثلاثة منها مشهودة في هذا العالم والرابع منتظر موعود به وعد الحق
الأول كونهم كانوا أمواتا لا أرواح فيهم بل نطفا وعلقا ومضغة مواتا لا حياة فيها الثاني أنه تعالى أحياهم بعد هذه الإماتة الثالث أنه تعالى يميتهم بعد هذه الحياة الرابع أنه يحييهم بعد هذه الإماتة فيرجعون إليه فما بال العاقل يشهد الثلاثة الأطوار الأول ويكذب بالرابع وهل الرابع إلا طور من أطوار التخليق فالذي أحياكم بعد أن كنتم مواتا ثم أماتكم بعد أن أحياكم ما الذي يعجزه عن إحببائكم بعد ما يميتكم وهل إنكاركم ذلك إلا كفر مجرد بالله تعالى فكيف يقع منكم بعد ما شاهدتموه ففي ضمن هذه الآية الاستدلال على وجود الخالق وصفاته وأفعاله على المعاد ومن ذلك قوله تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها يفسك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون
فهذه كالمناظرة من الملائكة والجواب عن سؤالهم كأنهم قالوا إن استخلفت في الأرض خليفة كان منه الفساد وسفك الدماء وحكمتك تقتضي أن لا تفعل ذلك وإن جعلت فيها فتجعل فيها من يسبح بحمدك ويقدس لك ونحن نفعل ذلك

فأجابهم تعالى عن هذا السؤال بأن له من الحكمة في جعل هذا الخليفة في الأرض ما لا تعلمه الملائكة وإن وراء ما زعمتم من الفساد مصالح وحكما لا تعلمونها أنتم وقد ذكرنا منها قريبا من أربعين حكمة في كتاب التحفة المكية فاستخرج تعالى من هذا الخليفة وذريته الأنبياء والرسل والأولياء والمؤمنين وعمر بهم الجنة وميز الخبيث من ذريته من الطيب فعمر بهم النار
وكان في ضمن ذلك من الحكم والمصالح ما لم يكن للملائكة تعلمة ثم إنه سبحانه أظهر فضل الخليفة عليهم بما خص به من العلم الذي لم تعلمه الملائكة وأمرهم بالسجود له تكريما له وتعظيما له وإظهار لفضله
وفي ضمن ذلك من الحكم ما لا يعلمه إلا الله
فمنها امتحانهم بالسجود لمن زعموا أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء فأسجدهم له وأظهر فضله عليهم لما أثنوا على أنفسهم وذموا الخليفة كما فعل سبحانه ذلك بموسى لما أخبر عن نفسه أنه أعلم أهل الأرض فامتحنه بالخضر وعجزه معه في تلك الوقائع الثلاث وهذه سنته تعالى في خليقته وهو الحكيم العليم
ومنها خبره لهذا الخليفة وابتداؤه له بالإكرام والإنعام لما علم مما يحصل له من الإنكسار والمصيبة والمحنة فابتدأه بالجبر والفضل ثم جاءت المحنة والبلية والذل وكانت عاقبتها إلى الخبر والفضل والإحسان فكانت المصيبة التي لحقته محفوفة بإنعامين إنعام قبلها وبعدها ولذريته المؤمنين نصيب مما لأبيهم فإن الله تعالى أنعم عليهم بالإيمان ابتداء وجعل العاقبة لهم فما أصابهم بين ذلك من الذنوب والمصائب فهي محفوفة بإنعام قبلها وإنعام بعدها فتبارك الله رب العالمين
ومنها استخراجه تعالى ما كان كامنا في نفس عدوه إبليس من الكبر والمعصية الذي ظهر عند أمره بالسجود فاستحق اللعنة والطرد والإبعاد على ما كان كامنا في نفسه عند إظهاره والله تعالى كان يعلم منه ولم يكن ليعاقبه ويلعنه على علمه فيها بل على وقوع معلومة فكان أمره بالسجود له مع الملائكة مظهرا للخبث والكفر الذي كان كامنا فيه ولم تكن الملائكة تعلمه فأظهر لهم سبحانه ما كان يعلمه وكان خافيا عنهم من أمره فكان في الأمر بالسجود له تكريما لخليفته الذي أخبرهم بجعله في الأرض وجبرا له وتأديبا للملائكة وإظهارا لما كان مستخفيا في نفس إبليس وكان ذلك سببا لتمييز الخبيث من الطيب وهذا من بعض حكمه تعالى في إسجادهم لآدم
ثم إنه سبحانه لم علم أدم ما علمه ثم امتحن الملائكة بعلمه فلم يعلموه فأنبأهم

به آدم وكان في طي ذلك جوابا لهم عن كون هذا الخليفة لا فائدة في جعله في الأرض فإنه يفسد فيها ويسفك الدماء فأراهم من فضله وعلمه خلاف ما كان في ظنهم فصل مناظرة إبليس في آدم
في ذكر مناظرة إبليس عدو الله في شأن آدم وإنائه من السجود له وبيان فسادها وقد كرر الله تعالى ذكرها في كتابه وأخبر فيها أن امتناع إبليس من السجود كان كبرا منه وكفرا ومجرد إباء وإنما ذكر الشبهة تعنتا وإلا فسبب معصيته الاستكبار والإباء والكفر وإلا فليس في أمره بالسجود لآدم ما يناقض الحكمة بوجه وأما شبهته الداحضة وهي أن أصله وعنصره النار وأصل آدم وعنصره التراب ورتب علي ذلك أنه خير من آدم ثم رتب على هاتين المقدمين أنه لا يحسن منه الخضوع لمن هو فوقه وخير منه فهي باطلة من وجوه عديدة
منها أن دعواه كونه خيرا من آدم دعوى كاذبة باطلة واستدلالة عليها بكونه مخلوقا من نار وآدم من طين استدلال باطل وليست النار خيرا من الطين والتراب بل التراب خير من النار وأفضل عنصرا من وجوه
أحدها أن النار طبعها الفساد وإتلاف ما تعلقت به بخلاف التراب
الثاني أن طبعها الخفة والحدة والطيش والتراب طبعه الرزانة والسكون والثبات
الثالث أن التراب يتكون فيه ومنه أرزاق الحيوان وأقواتهم ولباس العباد وزينتهم والآت معايشهم ومساكنهم والنار لا يتكون فيها شيء من ذلك
الرابع أن التراب ضروري للحيوان لا يستغني عنه البتة ولا عن ما يتكون فيه ومنه والنار يستغني عنها الحيوان البهيم مطلقا وقد يستغنى عنها الإنسان الأيام والشهور فلا تدعوه إليها الضرورة فأين انتفاع الحيوان كله بالتراب إلى انتفاع الإنسان بالنار في بعض الأحيان
الخامس أن التراب إذا وضع فيه القوت أخرجه أضعاف أضعاف ما وضع فيه فمن بركته يؤدي إليك ما تستودعه فيه مضاعفا ولو استودعته النار لخانتك وأكلته ولم تبق ولم نذر

السادس أن النار لا تقوم بنفسها بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به فيكون حاملا لها والتراب لا يفتقر إلى حامل فالتراب أكمل منها
السابع أن النار مفتقرة إلى التراب وليس بالتراب فقر إليها فإن المحمل الذي تقوم به النار لا يكون إلا مكونا من التراب أو فيه فهي الفقيرة إلى التراب وهو الغني عنها
الثامن أن المادة الإبليسية هي المارج من النار وهو ضعيف يتلاعب به الهوى فيميل معه كيفما مال ولهذا غلب الهوى على المخلوق منه فأسره وقهره ولما كانت المادة الآدمية التراب وهو قوي لا يذهب مع الهوى أينما ذهب وقهر هواه وأسره ورجع إلى ربه فاجتباه واصطفاه فكان الهوى الذي مع المادة الآدمية عارضا سريع الزوال فزال وكان الثبات والرزانة أصليا له فعاد إليه وكان إبليس بالعكس من ذلك فرجع كل من الأبوين إلى اصله وعنصر آدم إلي أصله الطيب الشريف واللعين إلى أصله الردىء
التاسع أن النار وإن حصل بها بعض المنفعة والمتاع فالشر فيها لا يصدها عنه إلا قسرها وحبسها ولو لا القاسر والحابس لها لأفسدت الحرث والنسل وأما التراب فالخير والبر والبركة كامن فيه كلما أثير وقلب ظهرت بركته وخيره وثمرته فأين احدهما من الآخر
العاشر أن الله تعالى اكثر ذكر الأرض في كتابه وأخبر عن منافعها وخلقها وأنه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا للأحياء والأموات ودعا عباده إلى التفكر فيها والنظر في آياتها وعجائب ما أودع فيها ولم يذكر النار إلا في معرض العقوبة والتخويف والعذاب إلا موضعا أو موضعين ذكرها فيه بأنها تذكرة ومتاع للمقوين تذكرة بنار الآخرة ومتاع لبعض أفراد الإنسان وهم المقوون النازلون بالأرض الخالية إذانزلها المسافر تمتع بالنار في منزلة فأين هذا من أوصاف الأرض في القرآن
الحادي عشر أن الله تعالى وصف الأرض بالبركة في غير موضع من كتابة خصوصا وأخبر أنه بارك فيها عموما فقال أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين فهذه بركة عامة وأما البركة الخاصة ببعضها فكقوله ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي

باركنا فيها للعالمين وقوله وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقوله ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وأما النار فلم يخبر أنه جعل فيها بركة أصلا بل المشهور أنها مذهبة للبركة ما حقه لها فأين المبارك في نفسه المبارك فيما وضع فيه إلى مزيل البركة وما حقها
الثاني عشر أن الله تعالى جعل الأرض محل بيوته التي يذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال عموما وبيته الحرام الذي جعله قياما للناس مباركا فيه وهدى للعالمين خصوصا ولو لم يكن في الأرض إلا بيته الحرام لكفاها ذلك شرفا وفضلا على النار
الثالث عشر أن الله تعالى أودع في الأرض من المنافع والمعادن والأنهار والعيون والثمرات والحبوب والأقوات وأصناف الحيوانات وأمتعتها والجبال والجنان والرياض والمراكب البهية والصور البهيجة ما لم يودع في النار شيئا منه فأي روضة وجدث في النار أو جنة أو معدن أو صورة أو عين فوارة أو نهر مطرد أو ثمرة لذيذة أو زوجة حسنة أو لباس وسترة
الرابع عشر أن غاية النار أنها وضعت خادمة لما في الأرض فالنار إنما محلها محل الخادم لهذه الأشياء المكمل لها فهي تابعة لها خادمة فقط إذا استغنت عنها طردتها وأبعدتها عن قربها وإذا احتاجت إليها استدعتها استدعاء المخدوم لخادمة ومن يقضي حوائجه
الخامس عشر أن اللعين لقصور نظره وضعف بصيرته رأى صورة الطين ترابا ممتزجا بماء فاحتقره ولم يعلم أن الطين مركب من أصلين الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي والتراب الذي جعله خزانة المنافع والنعم هذا وكم يجىء من الطين من المنافع وأنواع الأمتعة فلو تجاوز نظره صورة الطين إلى مادته ونهايته لرأى أنه خير من النار وأفضل وإذا استقريت الوجوه التي تدلك على أن التراب أفضل من النار وخير منها وجدتها كثيرة جدا وإنما أشرنا إليها إشارة ثم لو سلم بطريق الفرض الباطل أن النار خير من الطين لم يلزمه من ذلك أن يكون المخلوق منها خيرا من المخلوق من الطين فإن القادر على كل شيء يخلق من المادة المفضولة من هو خير ممن خلقه من المادة الفاضلة والاعتبار بكمال النهاية لا ينقص المادة فاللعين لم يتجاوز نظره محل المادة ولم يعبر منها إلى كمال الصورة ونهاية الخلقة فأين الماء المهين الذي هو نطفة

ومضغة واستقذار النفوس له إلى كمال الصورة الإنسانية التامة المحاسن خلقا وخلقا وقد خلق الله تعالى الملائكة من نور وآدم من تراب ومنه ذرية آدم من هو خير من الملائكة وإن كان النور أفضل من التراب فهذا وأمثاله مما يدلك على ضعف مناظرة اللعين وفساد نظره وإدراكه وأن الحكمة كانت توجب عليه خضوعه لآدم فعارض حكمه الله وأمره برايه الباطل ونظره الفاسد فقياسه باطل نصا وعقلا وكل من عارض نصوص الأنبياء بقياسه ورأيه فهو من خلفائه وأتباعه فنعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة من هذا البلاء الذي ما رمي العبد بشر منه ولأن يلقي الله بذنوب الخلائق كلها ما خلا الإشراك به أسلم له من أن يلقي الله وقد عارض نصوص أنبيائه برأيه ورأي بنى جنسه وهل طرد الله تعالى إبليس ولعنه وأحل عليه سخطه وغضبه إلا حيث عارض النص بالرأى والقياس ثم قدمه عليه والله يعلم أن شبه عدو الله مع كونها داحضة باطلة أقوى من كثير من شبه المعارضين لنصوص الأنبياء بآرائهم وعقولهم فالعالم يتدبر سر تكرير الله تعالى لهذه القصة مرة بعد مرة وليحذر أن يكون له نصيب من هذا الرأى والقياس وهو لا يشعر فقد اقسم عدو الله أنه ليغوين بنى آدم أجمعين إلا المخلصين منهم وصدق تعالى ظنه عليهم وأخبر أن المخلصين لا سبيل له عليهم والمخلصون هم الذين أخلصوا العبادة والمحبة والإجلال والطاعة لله والمتابعة والانقياد لنصوص الأنبياء فيجرد عبادة الله عن عبادة ما سواه ويجرد متابعة رسوله وترك ما خالفه لقوله دون متابعة غيره فليزن العاقل نفسه بهذا الميزان قبل أن يوزن يوم القدوم على الله والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى فصل المطالبة بتصحيح دعواهم
ومن ذلك قوله تعالى وقالوالن تمسسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون فهذا مطالبته لهم بتصحيح دعواهم وترديد لهذه المطالبة بين أمرين لا بد من واحد منهما وقد تعين بطلان أحدهما فلزم ثبوت الآخر
فإن قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة خبر عن غيب لا يعلم إلا بالوحي فإما أن يكون قولا على الله بلا علم فيكون كاذبا وإما أن يكون مستندا إلى وحي من الله وعهد عهده إلى المخبر وهذا منتف قطعا فتعين أن يكون خبرا كاذبا قائله كاذب على الله تعالى

فصل حجة على أهل الكتاب
ومن ذلك قوله تعالى وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أساري تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فهذه حجة من الله احتج بها على أهل الكتاب فإنه كان قد أخذ عليهم الميثاق أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا يجليه عن دياره وأن يفدي بعضهم بعضا من الأسر فهذه ثلاث عهود خالفوا منها عهدين وأخذوا بالثالث فقتل بعضهم بعضا وأخرجه من دياره ثم فادوا أسراهم لأن الله أمرهم بذلك فإن كنتم قد فاديتم الأساري لأن الله أمركم بفدائهم فلم قتلتم بعضكم بعضا وأخرجتموهم من ديارهم والله وقد نهاكم عن ذلك والأخذ ببعض الكتاب يوجب عليكم الأخذ بجميعه فكيف تكفرون ببعض الكتاب وتؤمنون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون فصل التشهي والتحكم الباطل
ومن ذلك قوله تعالى أفكلما جاءكم رسول بما تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون فهذا هو الذي تسميه النظار والفقهاء التشهي والتحكم فيقول أحدهم لصاحبه لا حجة لك على ما ادعيت سوى التشهي والتحكم الباطل فإن جاءك ما لا تشتهيه دفعته ورددته وإن كان القول موافقا لما تهواه وتشتهيه إما من تقليد من تعظمه أو موافقة ما تريده قبله وأجزته فترد ما خالف هواك وتقبل ما وافق هواك وهذا الاحتجاج والذي قبله مفحمان للخصم لا جواب له وعليهما البته فإن الأخذ ببعض الكتاب يوجب الأخذ بجميعه والتزام بعض شرائعه يوجب التزام جميعها ولا تجوز أن تكون الشرائع تابعة للشهوات إذ لو كان الشرع تابعا للهوى والشهوة لكان في الطباع ما يغني عنه وكانت شهوة كل أحد وهواه شرعا له ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن

فصل حجة على اليهود في تكذيبهم بمحمد
ومن ذلك قوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين فهذه حجة أخرى على اليهود في تكذيبهم بمحمد فإنهم كانوا يحاربون جيرانهم من العرب في الجاهلية ويستنصرون عليهم بالنبي قبل ظهوره فيفتح لهم وينصرون فلما ظهر النبي كفروا به وجحدوا نبوته فاستفتاحهم به وجحد نبوته مما لا يجتمعان فإن كان استفتاحهم به لأنه نبي كان جحد نبوته محالا وإن كان جحد نبوته كما يزعمون حقا كان استفتاحهم به باطلا فإن كان استفتاحهم به حقا فنبوته حق وإن كانت نبوته كما يقولون باطلا فاستفتاحهم به باطل وهذا مما لا جواب لأعدائه عنه البتة ويمكن تقريرها على صورة عديدة
منها أن يقال قد أقررتم قبل ظهوره باستفتاحكم به فتعين عليكم الإقرار بها بعد ظهوره
الثانية أن يقال كنتم تستفتحون به وذلك إقرار منكم بنبوته قبل ظهوره استناد إلى ما عندكم من العلم بظهوره فلما شاهدتموه وصار المعلوم معاينا بالرؤية فالتصديق به حينئذ يكون أولى فكفرتم به عند كمال المعرفة وآمنتم به حين كانت غيبا لم تكمل فآمنتم به على تقدير وجوده وكفرتم به عند تحقق وجوده فأي تناقض وعناد أبلغ من هذا
الثالثة أن يقال إيمانكم به لازم لاستفتاحكم به ووجود الملزوم بدون لازمه محال
الرابعة أن يقال استفتاحكم به هل كان عن دليل أولا عن دليل فلا بد أن يقولوا كان عن دليل وحينئذ يجب طرد الدليل والقول بموجبه حيث وجد فأما أن يقال بموجبه في موضع ويجحد موجبه في موضع أقوى منه فمن أبطل الباطل
الخامسة أن يقال إن كان الاستفتاح به تصديقا للنبي الذي أخبر بظهوره وقامت البراهين على صدقه فالإيمان به متعين تصديقا للنبي الأول أيضا وإن كان ترك الإيمان قبل ظهوره تكذيبا للنبي الأول فترك الإيمان به بعد ظهوره أشد تكذيبا فأنتم في كفركم به مكذبون للنبي الأول والثاني وهذا من أحسن الوجوه

السادسة أن يقال إن كان الاستفتاح به حقا لما ظهر على يد النبي المبشر به من المعجزات فالإيمان به عند ظهوره يكون أقوى لانضمام المعجزات التي ظهرت على يده وهي تستلزم لصدقه إلى المعجزات التي ظهرت على يد النبي المبشر به فقويت أدلة الصدق وتظافرت براهينه
السابع أن يقال أحد الأمرين لازم ولا بد إما خطأكم في استفتاحكم به وإما في كفركم وتكذيبكم به فإنهما لا يمكن اجتماعهما فأيهما كان خطأ كان الآخر صوابا لكن استفتاحكم به مستند إلى الإيمان بالنبي الأول فهو مستند إلى حق فتعين أن يكون كفرهم به هو الباطل ولا يمكن أن يقال إن التكذيب به هو الحق والاستفتاح به كان باطلا لأنه يستلزم تكذيب من أقررتم بصدقة ولا بد
الثامنة أن يقال التصديق به قبل ظهوره من لوازم التصديق بالنبي الأول والتكذيب به حينئذ كفر فالتصديق به بعد ظهوره كذلك وإن كان تكذيب به قبل ظهوره مستلزما للكفر بالنبي الأول فهو بعد ظهوره أشد استلزاما فلا يجتمع التكذيب به والإيمان بالنبي الأول أبدا لا قبل ظهوره ولا بعده أما قبل ظهوره فباعترافكم وإما بعد ظهوره فلأن دلالة صدقه حينئذ أظهر وأقوى كما تقدم بيانه
التاسعة أن يقال الاستفتاح به تصديق وإقرار بنبوته وتكذيبه جحد وكفر بها والإيمان والتصديق برسالة الرجل الواحد والتكذيب والجحد بها مستلزم للكفر ولا بد فإنه يستلزم أحد الأمرين إما التصديق بنبوة من ليس بنبي وإما جحد نبوة من هو نبي وأيهما كان فهو كفر وقد أقررتم على أنفسكم بالكفر ولا بد فلعنه الله على الكافرين
العاشرة تقرير الاستدلال بطريقة استسلاف المقدمات المؤاخذة بالاعتراف فيقال لهم ألستم كنتم تستفتحون به فيقولون بلى فيقال أليس الاستفتاح به إيمان به فلا بد من الاعتراف بذلك فيقال أفليس ظهور من كنتم تؤمنون به قبل وجوده موجبا عليكم الإيمان به فلا بد من الاعتراف أو العناد الصريح وليس لأعداء الله على هذا الوجوه اعتراض البتة سوى أن قالوا هذا كله حق ولكن ليس هذا الموجود بالذي كنا نستفتح به وهذا من أعظم البهت والعناد
وإن الصفات والعلامات التي فيه طابقت ما كانت عندهم مطابقة المعلوم لعلمه فإنكار أن يكون هو إنما يكون جحدا للحق وإنكارا له باللسان والقلب يعرفه ولهذا قال تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين

فأغني عن هذه الوجوه والتقريرات كلها قوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين والمادة الحق يمكن إبرازها في الصورة المتعددة وفي أي قالب أفرغت وصورة أبرزت ظهرت صحيحة وهذا شأن مواد براهين القرآن في أي صورة ابرزتها ظهرت في غاية الصحة والبيان والحمد لله المان بالهدى على عباده المؤمنين فصل الحجة في بعث نبينا
وتأمل قوله تعالى في هذه الآية ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم كيف تجد تحته برهانا عظيما على صدقه وهو مجىء الرسول الثاني بما يطابق ما جاء به الرسول الأول ويصدقه مع تباعد زمانها وشهادة أعدائه وإقرارهم له بأنه لم يتلقه من بشر ولهذا كانوا يمتحنونه بأشياء يعلمون أنه لا يخبر بها إلا بني أو من أخذ عنه وهم يعلمون أنه لم يأخذ عن أحد البتة ولو كان ذلك لوجد أعداؤه السبيل إلى الطعن عليه ولعارضوه بمثل ما جاء به إذ من الممكن أن لو كان ما جاء به مأخوذا عن بشر أن يأخذوهم عن ملك أو عن نظيره فيعارضوا ما جاء به
والمقصود أن مطابقة ما جاء به لما أخبر به الرسول الاول من غير مواطأة ولا تشاعر ولا تلقي منه ولا ممن أخذ عنه دليل قاطع على صدق الرسولين معا
ونظير هذا أن يشهد رجل بشهادة فيخبر فيها بما يقطع به أنه صادق في شهادته صدقا لا يتطرق إليه شبهة فيجيء آخر من بلاد أخرى لم يجتمع بالأول ولم يتواطأمعه فيخبر بنظير تلك الشهادة سواء مع القطع بأنه لم يجتمع به ولا تلقاها عن أحد اجتمع به فهذا يكفى في صدقه إذا تجرد الأخبار فكيف إذا اقترن بأدلة يقطع بها بأنه صادق أعظم من الأدلة التي اقترنت بخبر الأول فيكفي في العلم بصدق الثاني مطابقة خبره لخبر الأول فكيف إذا بشر به الأول فكيف إذا أقترن بالثاني من البراهين الدالة على صدقة نظير ما اقترن بالأول وأقوى منها والله أعلم فصل مناظرة بين الرسول واليهود
و من ذلك قوله تعالى وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله تعالى نؤمن بما أنزل علينا

علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين هذه حكاية مناظرة بين الرسول وبين اليهود لما قال لهم آمنوا بما أنزل الله تعالى فأجابوه بأن قالوا نؤمن بما أنزل علينا ! ومرادهم بهذا التخصيص أن نؤمن بالمنزل علينا دون غيره فظهرت عليهم الحجة بقولهم هذا من وجهين دل عليهما قوله تعالى ويكفرون بما وراءه وهو الحق إلى أخر الآية
قال إن كنتم قد آمنتم بما أنزل عليكم لأنه حق فقد وجب عليكم أن تؤمنوا بما جاء به محمد لأنه حق مصدق لما معكم وحكم الحق الإيمان به إين كان ومع من كان فلزمكم الإيمان بالحقين جميعا أوالكفر الصراح
وفي وقوله ويكفرون بما وراءه وهو الحق نكتة بديعة جدا وهي أنهم لما كفروا به وهو حق لم يكن إيمانهم بما انزل عليهم لأجل أنه حق فإذا لم يتبعوا الحق فيما أنزل عليهم ولا فيما جاء به محمد لأنهم لو آمنوا بالمنزل عليهم أنه حق لآمنوا بالحق الثاني وأعطوا الحق حقه من الإيمان ففي ضمن هذه الشهادة عليهم بأنهم لم يؤمنوا بالحق الأول ولا بالثاني وهكذا الحكم في كل من فرق الحق فآمن ببعضه وكفر ببعضه كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وكمن آمن ببعض الأنبياء وكفر ببعض لم ينفعه إيمانه بما كفر به حتى يؤمن بالجميع
ونظير هذا التفريق من يرد آيات الصفات وأخبارها ويقبل آيات الأوامر والنواهي فإن ذلك لا ينفعه لأنه آمن ببعض الرسالة وكفر ببعض فإن كانت الشبهة التي عرضت لمن كفر ببعض الأنبياء غير نافعة له فالشبهة التي عرضت لمن رد بعض ما جاء به النبي أولى أن لا تكون نافعة وإن كانت هذه عذرا له فشبهة من كذب بعض الأنبياء مثلها وكما أنه لا يكون مؤمنا حتى يؤمن بجميع الأنبياء ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بعضه ورد بجميعهم فكذلك لا يكون مؤمنا حتى يؤمن بجميع ما جاء به الرسول فإذا آمن ببعضه فهو كمن كفر به كله
فتأمل هذا الموضع واعتبر به الناس على أختلاف طوائفهم يتبين لك أن أكثر من يدعى الأيمان برىء من الأيمان ولا حول ولا قوة إلا بالله
الوجه الثاني من النقض قوله فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ووجه النقض أنكم إن زعمتم أنكم تؤمنون بما أنزل إليكم وبالأنبياء الذين بعثوا فيكم فلم قتلتموهم من قبل وفيم أنزل إليكم الإيمان بهم وتصديقهم فلا آمنتم

بما انزل إليكم ولا بما أنزل على محمد ثم كأنه توقع منهم الجواب بأنا لم نقتل من ثبتت نبوته ولم نكذب به فأجيبوا على تقدير هذا الجواب الباطل منهم بأن موسى قد جاءكم بالبينات وما لا ريب في صحة نبوته ثم عبدتم بعد غيبته عنكم وأشركتم بالله وكفرتم به وقد علمتم نبوة موسى وقيام البراهين على صدقة فقال ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون فهكذا تكون الحجج والبراهين ومناظرات الأنبياء لخصومهم
ومن ذلك قوله تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين كانوا يقولون نحن أحباء الله ولنا الدار الآخرة خالصة من دون الناس وإنما يعذب منا من عبد العجل مدة ثم يخرج من النار وذلك مدة عبادتهم له فأجابهم تبارك وتعالى عن قولهم إن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة بالمطالبة وتقسيم الأمر بين أن يكون لهم عند الله تعالى عهد عهده إليهم وبين أن يكونوا قد قالوه عليه ما لا يعلمون ولا سبيل لهم إلى ادعاء العهد فتعين الثاني وقد تقدم
ثم إجابهم عن دعواهم خلوص الآخرة لهم بقوله فتمنوا الموت إن كنتم صادقين لأن الحبيب لا يكره لقاء حبيبة والابن لايكره لقاء أبيه لا سيما إذا علم أن كرامته ومثوبته مختصة به بل احب شيء إليه لقاء حبيبه وأبيه فحيث لم يحب ذلك ولم يتمنه فهو كاذب في قوله مبطل في دعواه
ونظير هذا قوله في سورة المائدة ردا عليهم قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم يعني أن الأب لا يعذب ابنه والحبيب لا يعذب حبيبه
وههنا نكتة لطيفة جدا قل من ينتبه لها نحن نقررها بسؤال وجواب
فإن قيل معلوم أن الأب قد يؤدب ولده إذا أذنب والحبيب قد يهجر حبيبه إذا راى منه بعض ما يكره
قيل لو تأملت أيها السائل قوله قل فلم يعذبكم بذنوبكم لعلمت الفرق بين هذا التعذيب وبين الهجران والتأديب فإن التعذيب بالذنب ثمرة الغضب المنافي للمحبة فلو كانت المحبة قائمة كما زعموا لم يكن هناك ذنوب يستوجبون عليها العذاب من المسخ قردة وخنازير وتسلط أعدائهم عليهم يستبحونهم يستعبدونهم ويخربون متعبداتهم ويسبون ذراريهم فالمحب لا يفعل هذا بحبيبه ولا الأب بإبنه

ومعلوم أن الرحمن الرحيم لا يفعل هذا بأمه إلا بعد فرط إجرامها وعتوها على الله واستكبارها عن طاعته وعبادته وذلك ينافى كونهم أحبابه فلو أحبوه لما ارتكبوا من غضبه وسخطه ما أوجب لهم ذلك ولو احبهم لأدبهم ولم يعذبهم فالتأديب شيء والتعذيب شيء والتأديب يراد به التهذيب والرحمة والإصلاح والتعذيب للعقوبة والجزاء على القبائح فهذا لون وهذا لون وفي ضمن هذه المناظرة معجزة باهرة للنبي وهي أنه في مقام المناظرة مع الخصوم الذين هم أحرص الناس على عداوته وتكذيبه وهو يخبرهم خبرا جزما أنهم لن يتمنوا الموت أبدا ولو علموا من نفوسهم أنهم يتمونه لوجدوا طريقا إلى الرد عليه بل ذلوا وغلبوا وعلموا صحة قوله وإنما منعهم من تمنى الموت معرفته بما لهم عند الله تعالى من الخزي والعذاب الأليم بكفرهم بالأنبياء وقتلهم لهم وعداوتهم لرسول الله
فإن قيل فهلا أظهروا التمني وإن كانوا كاذبين فقالوا فنحن نتمناه
قيل وهذا أيضا معجزة أخرى وهي أن الله تعالى حبس عن تمنيه قلوبهم وألسنتهم فلم ترده قلوبهم ولم تنطق به ألسنتهم تصديقا لقوله ولن يتمنوه أبدا ومن ذلك قوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين هذه دعوى من كل واحد من الطائفتين أنه لن يدخل الجنة إلا من كان منهما فقالت اليهود لا يدخلها إلا من كان هودا وقالت النصارى لا يدخلها إلا من كان نصرانيا فاختصر الكلام أبلغ اختصار وأوجزه مع أمن اللبس ووضوح المعنى فطالبهم الله تعالى بالبرهان على صحة الدعوى فقال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وهذا هو المسمى سؤال المطالبة بالدليل فمن ادعى دعوى بلا دليل يقال له هات برهانك إن كنت صادقا فيما ادعيت ويحتج بهذه الآية من يقول بلزوم النافي الدليل كما يلزم المثبت وحكوا في ذلك ثلاث مذاهب ثالثها يلزمه في الشرعيات دون العقليات واستدلالهم بالآية لا يصح لأن الله تعالى لم يطالبهم بدليل النفي المجرد بل ادعوا دعوى مضمونها إثبات دخولهم الجنة وإن غيرهم لم يدخلها فطولبوا بالدليل الدال على هذه الدعوى المركبة من النفي والإثبات وصاحب هذه الدعوي يلزمه الدليل باتفاق الناس وإنما الخلاف في النفي المجرد
ولو استدل هؤلاء بقوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة لكان اقرب مع كونه متضمنا للنفي والإثبات لكن الدعوى فيه إنما توجهت إلى النفي ومقصود الكلام إنا لا نعذب بعد تلك الأيام فلم ينكر عليهم

اعترافهم بالتعذيب تلك ألأيام بل دعواهم انهم لا يعذبون بعدها وذلك نفي محض فلذلك قلنا إن الإستدلال بها أقرب من هذه الآية
وبعد فالتحقيق في مسألة النافي هل عليه دليل أن النفي نوعان
نوع مستلزم لإثبات ضد المنفي فهذا يلزم النافي فيه الدليل كمن نفي الإباحة فإنه يطالب بالدليل قطعا لأن نفيها يستلزم ثبوت ضد من أضدادها ولا بد من دليل وكذلك نفي التعذيب بالنار بعد ألأيام المعدودة يستلزم دخول الجنة والفوز بالنعيم ولا بد له من دليل
النوع الثاني نفي لا يستلزم ثبوتا كنفي صحة عقد من العقود أو شرط و عبادة في الشرعيات ونفي إمكان شيء ما من الأشياء في العقليات فالنافي إن نفي العلم به لم يلزمه دليل وإن نفى المعلوم نفسه وادعى أنه منتف في نفس الأمر فلا بد له من دليل
الحجة الأولى ومن ذلك قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه إلى قوله كن فيكون فرد عليهم سبحانه دعواهم له اتخاذ الولد ونزه نفسه عنه ثم ذكر أربع حجج على استحالة اتخاذه الولد أحدها كون ما في السموات والأرض ملكا له وهذا ينافي أن اتخاذ الولد فيهما ولد له لأن الولد بعض الوالد وشريه فلا يكون مخلوقا له مملوكا له لأن المخلوق مملوك مربوب عبد من العبيد والابن نظير الأب فكيف يكون عبده تعالى ومخلوقه ومملوكه بعضه ونظيره
فهذا من أبطل الباطل وأكد مضمون هذه الحجة بقوله كل له قانتون فهذا تقرير لعبوديتهم له وأنهم مملوكون مربوبون ليس فيهم شريك ولا نظير ولا ولد فإثبات الولد لله تعالى من أعظم الإشراك به فإن المشرك به جعل له شريكا من مخلوقاته مع أعترافه بأنه مملوك كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك فكانوا يجعلون من أشركوا به مملوكا له عبدا مخلوقا والنصارى جعلوا له شريكا هو نظير وجزء من اجزائه كما جعل بعض المشركين الملائكة بناته فقال تعالى وجعلوا له من عباده جزءا فإذا كان له ما في السموات والارض عبيد قانتون مربوبون مملوكون استحال أن يكون له منهم شريك وكل من اقر بأن الله تعالى ما في السموات وما في الأرض لزمه أن يقوله بالتوحيد ولا بد ولهذا يحتج سبحانه على المشركين بإقرارهم بذلك كقوله قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم يعملون سيقولون

لله قل افلا تذكرون وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيان لهذافي موضعه
الحجة الثانية قوله تعالى بديع السموات والأرض هذه من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه ولهذا قال في سورة الأنعام بديع السموات والأرض أني يكون له ولد اي من أين يكون لبديع السموات والأرض ولد ووجه تقرير هذه الحجة أن من اخترع هذه السموات والأرض مع عظمهما وآياتهما وفطرهما وابتدعهما فهو قادر على أختراع ما هو دونهما ولا نسبة له إليهما البتة فكيف يخرجون هذا الشخص بالعين عن قدرته وإبداعه ويجعلونه نظيرا وشريكا وجزءا مع أنه تعالى بديع العالم العلوي والسفلي وفاطره ومخترعه وبارئه فكيف يعجزه ان يوجد هذا الشخص من غير أب حتى يقولوا إنه ولده فإذا كان قد ابتدع العالم علوية وسفلية فما يعجزه ويمنعه عن إبداع هذا العبد وتكوينه وخلقه بالقدرة التي خلق بها العالم العلوي والسفلي فمن نسب الولد لله فما عرف الرب تعالى ولا آمن به ولا عبده فظهر أن هذه الحجة من أبلغ الحجج على استحالة نسبة الولد إليه وإن شئت أن تقرر الاستدلال بوجه آخر وهو أن يقال إذ كانت نسبة السموات والأرض وما فيهما إليه إنما هي بلإختراع والخلق والإبداع أنشأ ذلك وأبدعه من العدم إلى الوجود فكيف يصح نسبة شيء من ذلك إليه بالنبوة وقدرته على اختراع العالم وما فيه لم تزل ولم يحتج فيها إلى معاون ولا صاحب ولا شريك
وإن شئت أن تقررها بوجه آخر فتقول النسبة إليه بالنبوة تستلزم حاجته وفقره إلى محل الولادة وذلك ينافى غناه وانفراده بإبداع السموات والأرض وقد اشار تعالى إلى هذا المعنى بقول وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض فكمال قدرته وكمال غناه وكمال ربوبيته يجعل نسبة الولد إليه ونسبته إليه تقدح في كمال ربوبيته وكمال غناه وكمال قدرته
ولذلك كانت نسبة الولد إليه مسبة له تبارك وتعالى كما ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال يقول الله تعالى شتمنى عبدي ابن آدم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك أما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني

كما بدأنى وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وقال عمر بن خطاب رضي الله عنه في النصارى أذلوهم ولا
تظلموهم فلقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر قال تعالى وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداما لهم به من علم ولا لآبائهم الاية وأخبر تعالى تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وما ذاك إلا لتضمنه شتم الرب تبارك وتعالى والتنقص به ونسبة ما يمنع كمال ربوبيته وقدرته وغناه إليه
الحجة الثالثة قوله تعالى وإذا قضى امره فإنما يقول له كن فيكون وتقرير هذه الحجة أن من كانت قدرته تعالى كافية في إيجاد ما يريد إيجاده بمجرد أمره وقوله كن فأي حاجة به إلى ولد وهو لا يتكثر به من قلة ولا يتعزر به ولا يستعين به يعجز عن خلق ما يريد خلقه وإنما يحتاج إلى الولد من لا يخلق ولا إذا أراد شيئا قال له كن فيكون
وهذا المخلوق العاجز المحتاج الذي لا يقدر على تكوين ما اراد وقد ذكر تعالى حججا أخرى على استحالة نسبة الولد إليه فنذكرها في هذا الموضع
الحجة الرابعة كما علمه وعموم خلقه لكل شيء واستحالة نسبة الصاحبة إليه فقال تعالى في سورة الأنعام بديع السموات والأرض أني يكون ولد ولم تكن له صاحبة الاية فأما منافاه عموم خلقه لنسبه الولد إليه فظاهر فإنه لو كان له ولد لم يكن مخلوقا بل جزءا وهذا ينافي كونه خالق كل شيء وبهذا يعلم أن الفلاسفة الذين يقولون بتولد العقول والنفوس عنه بواسطة أو بغير واسطة شر من النصارى وأن من زعم أن العالم قديم فقد أخرجه عن كونه مخلوقا لله وقوله أخبث من قول النصارى لأن النصارى أخرجوا عن عموم خلقه شخصا واحدا أو شخصين ومن قال بقدم العالم فقد أخرج العالم العلوي والسفلي والملائكة عن كونه مخلوقا لله والنصارى لم يصل كفرهم إلى هذا الحد
وأما منافاة عدم المصاحبة للولد فظاهر أيضا لأن الولد إنما يتولد من اصلين فاعل ومحل قابل يتصلان اتصالا خاصا فينفصل من أحدهما جزء في الآخر يكون منه الولد فمن ليس له صاحبة كيف يكون له ولد ولذلك لما فهم عوام النصارى أن الابن يستلزم الصاحبة لم يستنكفوا من دعوى كون مريم إلاهة وأنها والدة الإله عيسى فيقول عوامهم يا والدة الإله اغفري لي ويصرح بعضهم بأنها زوجة الرب ولا ريب أن

القول بالإيلاد يستلزم ذلك أو إثبات إيلاد لا يعقل ولا يتوهم فخواص النصارى في حيرة وضلال وعوامهم لا يستنكفون أن يقولوا بالزوجة والإيلاد المعقول تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا والقوم في هذا المذهب الخبيث أضل خلق الله فهم كما وصفهم الله بأنهم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل
الحجة الخامسة وأما منافاة عموم علمه تعالى للولد فيحتاج إلى فهم خاص وتقريره أن يقال لو كان له ولد لعلمه لأنه بكل شيء عليم وهو تعالى لا يعلم له ولد فيستحيل أن يكون له ولد لا يعلمه وهذا استدلال بنفي علمه للشيء على نفيه في نفسه إذ لو كان لعلمه فحيث لم يعلمه فهو غير كائن
ونظير هذا قوله تعالى ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم الآية فهذا نفي لما ادعوه من الشفعاء بنفي علم الرب تعالى بهم المستلزم لنفي المعلوم ولا يمكن أعداء الله المكابرة وأن يقولوا قد علم الله وجود ذلك لأنه تعالى إنما يعلم وجود ما اوجده وكونه ويعلم أنه سيوجد مايريد إيجاده فهو يعلم نفسه وصفاته ويعلم مخلوقاته التي دخلت في الوجود وانقطعت والتي دخلت في الوجود وبقيت والتي لم توجد بعد
وأما شيء آخر غير مخلوق له ولا مربوب فالرب تعالى لا يعلمه لأنه مستحيل في نفسه فهو يعلمه مستحيلا لا يعلمه واقعا إذ لو علمه واقعا لكان العلم به عين الجهل وذلك من اعظم المحال فهذه حجج الرب تبارك وتعالى على بطلان ما نسبه إليه اعداؤه والمفترون عليه فوازن بينها وبين حجج المتكلمين الطويلة العريضة التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فإذا وازنت بينهما ظهرت لك المفاضلة إن كنت بصيرا ومن كان في هذه أعمى فهو في ألاخرة أعمى وأضل سبيلا فالحمد لله الذي أغنى عباده المؤمنين بكتابه وما أودعه من حججه وببيانه عن شقاشق المتكلمين وهذيانات المتهوكين فلقد عظمت نعمة الله تعالى على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره أو لم يكفهم أنا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون فصل التوحيد دين جميع الأنبياء
ومن ذلك قوله تعالى وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا

فأجيبوا عن هذه الدعوى بقوله فل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين وهذا الجواب مع اختصاره قد تضمن المنع والمعارضة
أما المنع مما تضمنه حرف بل من الإضراب أي ليس الأمر كما قالوا وأما المعارضة ففي قوله ملة إبراهيم حنيفا أي أتتبع أو يتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وفي ضمن هذه المعارضة إقامة الحجة على أنها أولى بالصواب مما دعوتم إليه من اليهودية والنصرانية لأنه وصف صاحب الملة بأنه حنيف غير مشرك ومن كانت ملته الحنيفية والتوحيد فهو اولى بأن يتبع ممن ملته اليهودية والنصرانية فإن الحنيفية والتوحيد هي دين جميع الأنبياء الذي لا يقبل الله من أحد دينا وسواه وهو الفطرة التي فطر عليها عباده فمن كان عليها فهو المهتدي لأن من كان يهوديا أو نصرانيا فإن الحنيفية تتضمن الإقبال على الله بالعبادة والإجلال والتظيم والمحبة والذل
والتوحيد يتضمن إفراده بهذا الإقبال دون غيره فيعبد وحده ويحب وحده ويطاع وحده ولا يجعل معه إلها آخر فمن أولى بالهداية صاحب هذه الملة أو ملة اليهودية والنصرانية ولا يبقى بعد هذا للخصوم إلا سؤال واحد
وهو أن يقولوا فنحن على ملته أيضا لم نخرج عنها وإبراهيم وبنوه كانوا هودا أو نصارى فاجيبوا عن هذا السؤال بأنهم كاذبون فيه وأن الله تعالى قد علم أنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا فقال تعالى أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى الاية وقرر تعالى هذا الجواب في سورة آل عمران بقوله ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا إلي قوله والله ولي المؤمنين
فإن قالوا فهب أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا فنحن على ملته وإن انتحلنا هذا الاسم فأجيبوا عن هذا بقوله تعالى قولوا آمنا بالله إلى قوله ونحن له مسلمون فهذه للمؤمنين
قال فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن أتوا من الإيمان بمثل ما أتيتم به فهم على ملة إبراهيم وهم مهتدون وإن لم يأتوا بإيمان مثل إيمانكم فليسوا من إبراهيم وملته في شيء وإنما هم في شقاق وعداوة فإن ملة إبراهيم الإيمان بالله وكتبه ورسله وأن لا يفرق بين احد منهم فيؤمن ببعضهم ويكفر ببعضهم فمن لم يأت بمثل هذا الإيمان فهو برىء من ملة إبراهيم مشاق لمن هو على ملته

وقوله تعالى قل أأنتم أعلم أم الله أي الله تعالى يعلم ما كان عليه إبراهيم والنبيون من الملل وأنهم لم يكونوا يهودا ولا نصارى فالله تعالى يعلم ذلك فلو كانوا يهودا أو نصارى والله تعالى لا يعلم ذلك لكنتم اعلم من الله بهم هذا مع أن عندكم شهادة وبينه من الله تعالى بما كان عليه إبراهيم وبأن هذا النبي على ملته ولكنكم كتمتم هذه الشهادة عن أتباعكم فلم تؤدوها إليهم مع تحققكم لها ولا أظلم ممن كتم شهادة استشهده الله بها فهي عنده من الله إلا أنه كتمها من الله فالمجرور متعلق بما تضمنه الظرف الذي هو عنده من الكون والحصول فصل تحويل القبلة
ومن ذلك قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم هذا سؤال من السفهاء أورده على المؤمنين ومضمونه أن القبلة الأولى إن كانت حقا فقد تركتم الحق وإن كانت باطلا فقد كنتم على باطل ولفظ الآية وإن لم يدل على هذا فالسفهاء المجادلون في القبلة قالوه
فأجاب الله تعالى عنه بجواب شاف بعد أن ذكر قبله مقدمات تقرره وتوضحه والسؤال من جهة الكفار أوردوه على صور متعددة ترجع إلى شيء واحد فقالوا ما تقدم وقالوا لو كان نبيا ما ترك قبلة الأنبياء قبله وقالوا لو كان نبيا ما كان يفعل اليوم شيئا وغدا خلافه
قال المشركون قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم
وقال أهل الكتاب ولو كان نبيا ما فارق قبله الأنبياء وكثر الكلام وعظمت المحنة على بعض الناس كما قال تعالى وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وتأمل حكمه العزيز الحكيم ولطفه وإرشاده في هذه القصة لما علم أن هذا التحويل أمر كبير كيف وطأه ومهده وذلله بقواعد قبله فذكر النسخ وأنه إذا نسخ شيئا أتى بمثله أو خير منه وأنه قادر على ذلك فلا يعجزه ثم قرر التسليم للرسول وأنه لا ينبغي أن يعترض عليه ويسأل تعنتا كما جرى لموسى مع قومه ثم ذكر البيت الحرام وتعظيمه وحرمته وذكر بانيه وأثنى عليه وأوجب اتباع ملته فقرر في النفوس بذلك توجهها إلى البيت بالتعظيم والإجلال والمحبة وإلى بانيه بالاتباع

والموالاة والموافقة وأخبر تعالى أنه جعل البيت مثابة للناس يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا فالقلوب عاكفة على محبته دائمة الاشتياق إليه متوجهة إليه حيث كانت ثم أخبر أنه أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهيره للطائفين والقائمين والمصلين وأضافه إليه بقوله أن طهرا بيتي وهذه الإضافة هي التي أسكنت في القلوب من محبته والشوق إليه ما أسكنت وهي التي أقبلت بأفئدة العالم إليه فلما استقرت هذه الأمور في قلوب أهل الإيمان وذكروا بها فكأنها نادتهم أن استقبلوه في الصلاة ولكن توقفت على ورود الأمر من رب البيت فلما برز مرسوم فول وجهك شطر المسجد الحرام تلقاه رسول الله والراسخون في الإيمان بالبشرى والقبول وكان عيدا عندهم لأن رسول الله كان كثيرا ما يقلب وجهه في السماء ينتظر أن يحول الله عن قبلة أهل الكتاب فولاه الله القبلة التي يرضاها وتلقى ذلك الكفار بالمعارضة وذكر الشبهات الداحضة وتلقاه الضعفاء من المؤمنين بالإغماض والمشقة فذكر تعالى أصناف الناس عند الأمر باستقبال الكعبة
وابتداء ذلك بالتسلية لرسوله وللمؤمنين عما يقول السفهاء من الناس فلا تعبأوا بقولهم فإنه قول سفية ثم قال قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فأخبر تعالى أن المشرق والمغرب له أنه رب ذلك فأيا ما تعبدله عبادة بأمره إلى أي جهة كانت فهم مطيعون له كما قال ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فلم يصل مستقبل الجهات بأمره إلا له تعالى فإذا كنتم تصلون إلى غير الكعبة بأمره ثم أمركم أن تصلوا إليها فما صليتم إلا له أولا وآخرا وكنتم على حق في الاستقبال الأول والآخر لأن كليهما كان بأمره ورضاه فانتقلتم من رضاه ثم نبه على فضل الجهة التي أمرهم بالاستقبال إليها ثانيا بأنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم كما هداكم للقبلة التي جعلها قبلتكم وشرعا لكم ورضيها ولكن أمركم باستقبال غيرها أولا لحكمة في ذلك وهو أن يعلم سبحانه من يتبع الرسول ويدور معه حيثما دار ويأتمر بأوامره كيف تصرفت وهو العالم بكل شيء ولكن شاء أن يعلم معلومه الغيبي عيانا مشاهدا فتميز بذلك الراسخ في الإيمان المسلم للرسول المنقاد له ممن يعبد الله تعالى على حرف فينقلب على عقبة بأدنى شبهة أسباب تشريع القبلة الأولى
من بعض حكمه في أن جعل القبلة الأولى غير الكعبة فلم يشرع ذلك سدى ولا عبثا ثم أخبر سبحانه أنه كما جعل لهم أوسط الجهات قبلة بتعبدهم فكذلك جعلهم أمة وسطا فاختار القبلة الوسط في الجهات للأمة الوسط في الأمم

ثم ذكر أن هذا التفضيل والاختصاص ليستشهدهم على الأمم فيقبل شهادتهم على الخلائق يوم القيامة ثم أجاب تعالى عما سأل عنه المؤمنون من صلاتهم إلىالقبلة الأولى وصلاة من مات من إخوانهم قبل التحويل فقال وما كان الله ليضيع إيمانكم وفيه قولان
أحدهما ما كان ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس بل يجازيكم عليها لأنها كانت بأمره ورضاه
والثاني ما كان ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم بأن الله شرعها ورضيها وأكثر السلف والخلف على القول الأول وهو مستلزم للقول الآخر الحكمة في نسخ الاستقبال لبيت المقدس
ثم ذكر منته على رسوله واطلاعه على حرصه على تحويله عن قبلته الأولى فقال قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب بأنهم يعلمون أنه الحق من ربهم ولم يذكر للضمير مفسرا غير ما في السياق وهو الأمر باستقبال المسجد الحرام وأن أهل الكتاب عندهم من علامات هذا النبي أن يستقبل بيت الله الذي بناه إبراهيم في صلاته ثم أخبر تعالى عن شدة كفر أهل الكتاب بأنهم لو أتاهم الرسول بكل آية ما تبعوا قبلته
ففي ذلك التسلية له وتركهم وقبلتهم ثم برأة من قبلتهم فقال وما أنت بتابع قبلتهم ثم ذكر اختلافهم في القبلة وأن كل طائفة منهم لا تتبع الطائفة الأخرى لأن القبلة من خواص الدين وأعلامه وشعائره الظاهرة فأهل كل دين لا يفارقون قبلتهم إلا أن يفارقوا دينهم فأخبر تعالى في هذه الجمل الثلاث بثلاث إخبارات تتضمن براءة كل طائفة من قبله الطائفة الأخرى وتتضمن الأخبار بأن اهل الكتاب لو رأوا كل آية تدل على صدق الرسول لما تبعوا قبلته عنادا وتقليدا لآبائهم وأنهم إن اشتركوا في خلاف القبلة الحق منهم مختلون مختلفون في باطلهم فلا تتبع طائفة قبلة الأخرى فهم متفقون على خلاف الحق في اختيار الباطل وفي هذه الآية أيضا ثبيت للرسول والمؤمنين على لزوم قبلتهم وأنه لا يشتغل بما يقوله أهل الكتاب ارجعوا إلى قبلتنا فنتبعكم على دينكم فإن هذا خداع ومكر منهم فإنهم لو رأوا كل آية تدل على صدقك ما تبعوا قبلتك لأن الكفر قد تمكن من قلوبهم فلا مطمع للحق فيها ولست أيضا بتابع قبلتهم فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم

وعودك إلى قبلتهم وكذلك هم ايضا مختلفون فيما بينهم فلا يتبع أحد منهم قلبة الآخر فهم مختلفون في القبلة ولستم أيها المؤمنون موافقين لأحد منهم في قبلته بل أكرمكم الله بقبلة غير قبلة هؤلاء المختلفين اختارها الله لكم ورضيها وأكد تعالى هذا المعنى بقوله ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين فهذا كله تثبيت وتحذير من موافقتهم في القبلة وبراءة من قبلتهم كما هم براء من قبلتك وكما بعضهم بريء من قبله بعض فأنتم أيها المؤمنون أولى بالبراءة من قبلتهم التي أكرمكم الله تعالى بالتحويل عنها ثم أكد ذلك بقوله الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ثم أخبر تعالى عن اختصاص كل أمة بقبلتهم فقال ولكل وجهة هو موليها وأصح القولين أن المعنى هو متوجه إليها أي موليها وجهه فالضمير راجع إلى كل
وقيل إلى الله اي الله موليها إياه وليس بشيء لأن الله لم يول القبلة الباطلة أبدا ولا امر النصارى باستقبال الشرق قط بل هم تولوا هذه القبلة من تلقاء أنفسهم وولوها وجوههم وقوله فاستبقوا الخيرات مشعر بصحة هذا القول أي إذا كان أهل الملل قد تولوا الجهات فاستقبوا أنتم الخيرات وبادروا إلى ما اختاره الله لكم ورضيه وولاكم إياه ولا تتوقفوا فيه إينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يجمعكم من الجهات المختلفة والأقطار المتباينة إلى موقف القيامة كما تجتمعون من سائر الجهات إلى جهة القبلة التي تؤمونها فهكذا تجتمعون من سائر أقطار الأرض إلى جهة الموقف الذي يؤمه الخلائق وهذا نظير قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات المرجع إلى الله تعالى
وأخبر أن مرجعهم إليه عند إخباره بتعدد شرائعهم ومنها هجم كما ذكر ذلك بعينه عند إخباره بتعدد وجهتهم وقبلتهم فقال ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا وتحت هذا سر بديع يفهمه من يفهمه وهو أنه عند الاختلاف في الطرائق والمذاهب والشرائع والقبل يكون أقربها إلى الحق ما كان أدل على الله وأوصل إليه لأن مرجع الجميع إليه يوم القيامة وحده وإن اختلفت أحوالهم وأزمنتهم وأمكنتهم فمرجعهم إلى رب واحد وإله واحد فهكذا ينبغي أن يكون مرد الجميع ورجوعهم كلهم إليه وحده في الدنيا فلا يعبدون غيره ولا يدينون بغير دينه إذ هو إلههم الحق في الدنيا والآخرة

فإذا كان أكثر الناس قد أبى ذلك إلا كفورا وذهابا في الطرق الباطلة وعبادة غيره وإن دانوا غير دينه فاستبقوا أنتم ايها المؤمنين للخيرات وبادروا إليها ولا تذهبوا مع الذين يسارعون في الباطل والكفر فتأمل هذا السر البديع في السورتين يوم الفصل والبعث
وفي قوله فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون سر آخر أيضا وهو أن هذا الاختلاف دليل على يوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق ويبين لهم حقيقة ما اختلفوا فيه فنفس الاختلاف دليل على يوم الفصل والبعث وقد أوضح ذلك قوله تعالى في سورة النحل واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فذكر تعالى حكمتين بالغتين في بعثة الأموات بعدما أماتهم
إحداهما أن يبين للناس الذي اختلفوا فيه وهذابيان عياني تشترك فيه الخلائق كلهم والذي حصل في الدنيا بيان إيماني اختص به بعضهم
الحكمة الثانية علم المبطل بأنه كان كاذبا وإن كان على باطل وأن نسبة أهل الحق إلى الباطل من افترائه وكذبه وبهتانه فيخزيه ذلك أعظم خزي فتأمل أسرار كلام الرب تعالى وما تضمنته آيات الكتاب المجيد من الحكمة البالغة الشاهدة بأنه كلام رب العالمين والشاهدة لرسوله بأنه الصادق المصدوق وهذا كله من مقتضى حكمته وحمده تعالى وهو معنى كونه خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق ولم يخلق ذلك باطلا بل خلقه خلقا صادرا عن الحق آيلا إلى الحق مشتملا على الحق فالحق سابق لخلقها مقارن له غاية له ولهذا أتى بالباء الدالة على هذا المعنى دون اللام المفيدة لمعنى الغاية وحدها فالباء مفيدة معنى اشتمال خلقها على الحق السابق والمقارن والغاية فالحق السابق صدور ذلك عن علمه وحكمته فمصدر خلقه تعالى وأمره عن كمال علمه وحكمته وبكمال هاتين الصفتين يكون المفعول الصادر عن الموصوف بهما حكمه كله ومصلحة وحقا ولهذا قال تعالى وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم فأخبر أن مصدر التلقي عن علم المتكلم وحكمته وما كان كذلك كان صدقا وعدلا وهدى وإرشادا وكذلك قالت الملائكة لامرأة إبراهيم حين قالت أألد وأنا عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم وهذا راجع إلى قوله وخلقه وهو خلق الولد لها على الكبر وأما

مقارنة الحق لهذه المخلوقات فهو ما اشتملت من الحكم والمصالح والمنافع والآيات الدالة للعباد على الله ووحدانيته وصفاته وصدق رسله وأن لقاءه حق لا ريب فيه ومن نظر في الموجودات ببصيرة قلبه رآها كالأشخاص الشاهدة الناطقة بذلك بل شهادتها أتم من شهادة الخبر المجرد لأنها شهادة حال لا يقبل كذبا فلا يتأمل العاقل المستبصر مخلوقا حق تأمله إلا وجده دالا على فاطره وبارئه وعلى وحدانيته وعلى كمال صفاته وأسمائه وعلى صدق رسله وعلى أن لقاءه حق لا ريب فيه وهذه طريقة القرآن في إرشاده الخلق إلى الاستدلال باصناف المخلوقات وأحوالها على إثبات الصانع وعلى التوحيد والمعاد والنبوات فمرة يخبر أنه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا ومرة يخبر أنه خلقهم بالحق ومرة يخبرهم وينبههم على وجوه الاعتبار والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسله حتى يبين لهم أن الرسل إنما جاؤوهم بما يشاهدون أدلة صدقة وبما لو تأملوه لرأوه مركوزا في فطرهم مستقرا في عقولهم وأن ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما أخبرت به رسله عنه من أسمائه وصفاته وتوحيده ولقائه ووجود ملائكته وهذا باب عظيم من أبواب الإيمان إنما يفتحه الله على من سبقت له منه سابقة السعادة وهذا أشرف علم يناله العبد في هذه الدار
وقد بينت في موضع آخر أن كل حركة تشاهد علىاختلاف أنواعها فهي دالة على التوحيد والنبوات والمعاد بطريق سهلة واضحة برهانية وكذلك ذكرت في رسالة إلى بعض الأصحاب بدليل واضح أن الروح مركوز في أصل فطرتها وخلقتها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الإنسان لو استقصى التفتيش لوجد ذلك مركوزا في نفس روحه وذاته وفطرته فلو تأمل العاقل الروح وحركتها فقط لاستخرج منها الإيمان بالله تعالى وصفاته والشهادة بأنه لا إله إلا هو والإيمان برسله وملائكته ولقائه وإنما يصدق بهذا من أشرقت شمس الهداية على افق قلبه وانجابت عنه سحائب غيبه وانكشف عن قلبه حجاب إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون فهنالك يبدو له سر طال عنه اكتتامه ويلوح له صباح هو ليلة وظلامه فقف الآن عند كل كلمة من قوله تعالى إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ثم تأمل وجه كونها آية وعلى ماذا جعلت آية أعلى مطلوب واحد أم مطالب متعددة وكذلك سائر ما في القرآن الكريم من هذا النمط كآخر سورة آل عمران وقوله في سورة الروم ومن آياته إلى

آخرها وقوله في سورة النمل قل هو الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى إلى آخر الآيات وأضعاف ذلك في القرآن الكريم وكقوله في سورة الذاريات وفي الأرض أيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون فهذا كله من الحق الذي خلقه به السموات والأرض وما بينهوما وهو حق لوجود هذه المخلوقات مسطور في صفحاتها يقرؤه كل موفق كاتب وغير كاتب كما قيل
تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملأ الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل لم يخلق الله العالم عبثا
وأما الحق الذي هو غاية خلقها فهو غاية تراد من العباد وغاية تراد بهم فالتي تراد منهم أن يعرفوا الله تعالىوصفات كماله عز و جل وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم قال تعالى الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده
وقال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فهذه الغاية هي المرادة من العباد وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده وأما الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب قال تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى قال تعالى إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى وقال تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين قال تعالى إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون فتأمل الآن

كيف أشتمل خلق السموات والأرض وما بينهما على الحق أولا وآخرا ووسطا وأنها خلقت بالحق وللحق وشاهدة بالحق وقد أنكر تعالى على من زعم خلاف ذلك فقال أفحسبتم خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ثم نزه نفسه عن هذا الحسبان المضاد لحكمته وعلمه وحمده فقال فتعالى الله الملك الحق وتأمل ما في هذين الإسمين وهما الملك الحق من إبطال هذا الحسبان الذي ظنه أعداؤه إذ هو مناف لكمال ملكه ولكونه الحق إذ الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي فيتصرف في خلقه بقوله وأمره وهذا هو الفرق بين الملك والمالك إذ المالك هو المتصرف بفعله والملك هو المتصرف بفعله وأمره والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره فمن ظن أنه خلق خلقه عبثا لم يأمرهم ولم ينههم فقد طعن في ملكه ولم يقدره حق قدره كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء فمن جحد شرع الله وأمره ونهيه وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره وكذلك كونه تعالى إله الخلق يقتضي كمال ذاته وصفاته وأسمائه ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها فكما أن ذاته الحق فقوله الحق ووعده الحق وأمره الحق وأفعاله كلها حق وجزاؤه المستلزم لشرعه ودينه ولليوم الآخر حق فمن أنكر شيئا من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من كل وجه وبكل اعتبار فكونه حقا يستلزم شرعه ودينه وثوابه وعقابه فكيف يظن بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثا وأن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم كما قال تعالى أيحسب الإنسان أن يترك سدى قال الشافعي رحمه الله مهملا لا يؤمر ولا ينهى وقال غيره لا يجزي بالخير والشر ولا يثاب ولا يعاقب والقولان متلازمان فالشافعي ذكر سبب الجزاء والثواب والعقاب وهو الأمر والنهي والآخر ذكر غاية الأمر والنهي ذكر سبب الجزاء والثواب والعقاب ثم تأمل قوله تعالى بعد ذلك ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقه فخلق فسوى فمن لم يتركه وهو نطفة سدى بل قلب النطفة وصرفها حتى صارت أكمل مما هي وهي العلقة ثم قلب العلقة حتى صارت أكمل مما هي حتى خلقها فسوى خلقها فدبرها بتصريفه وحكمته في أطوار كمالاتها حتى انتهى كمالها بشرا سويا فكيف يتركه سدى لا يسوقه إلى غاية كماله الذي خلق له فإذا تأمل العاقل البصير أحوال النطفة من مبدئها إلى منتهاها دلته علىالمعاد والنبوات كما تدله على إثبات الصانع وتوحيده وصفات كماله فكما تدل أحوال النطفة من مبدئها إلى غايتها على كمال قدرة فاطر

الإنسان وبارئه فكذلك تدل على كمال حكمته وعلمه وملكه وأنه الملك الحق المتعالى عن أن يخلقها عبثا ويتركها سدى بعد كمال خلقها وتأمل كيف لما زعم أعداؤه الكافرون أنه لم يأمرهم ولم ينههم على ألسنة رسله وأنه لا يبعثهم للثواب والعقاب كيف كان هذا الزعم منهم قولا بأن خلق السموات والأرض باطل فقال تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فلما ظن أعداؤه أنه لم يرسل إليهم رسولا ولم يجعل لهم أجلا للقائه كان ذلك ظنا منهم أنه خلق خلقه باطلا ولهذا أثنى تعالى على عباده المتفكرين في مخلوقاته بأن أوصلهم فكرهم فيها إلى شهادتهم بأنه تعالى لم يخلقها باطلا وأنهم لما علموا ذلك وشهدوا به علموا أن خلقها يستلزم أمره ونهيه وثوابه وعقابه فذكروا في دعائهم هذين الأمرين فقالوا ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار فلما علموا أن خلق السموات والأرض يستلزم الثواب والعقاب تعوذوا بالله من عقابه ثم ذكروا الإيمان الذي أوقعهم عليه فكرهم في خلق السموات والأرض فقالوا ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا فكانت ثمرة فكرهم في خلق السموات والأرض الإقرار به تعالى وبوحدانيته وبدينه وبرسله وبثوابه وعقابه فتوسلوا إليه بإيمانهم الذي هو من أعظم فضله عليهم إلى مغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم وإدخالهم مع الإبرار إلى جنته التي وعدهموها وذلك تمام نعمته عليهم فتوسلوا بإنعامه عليهم أولا إلى إنعامه عليهم آخرا وتلك وسيلة بطاعته إلى كرامته وهو إحدى الوسائل إليه وهي الوسيلة التي أمرهم بها في قوله يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وأخبر عن خاصة عبادهم أنهم يبتغون الوسيلة إليه إذ يقول تعالى أولئك الذين يدعون إلى ربهم الوسيلة ايهم أقرب على أن في هاتين الآيتين أسرارا بديعة ذكرتها في كتاب التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية فأثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السموات والأرض أنه لم يخلقها باطلا وأثمر لهم الإيمان بالله ورسوله ودينه وشرعه وثوابه وعقابه والتوسل إليه بطاعته والإيمان به وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل قطرة من بحر لا ساحل له فلا تستطله فإنه كنز من كنوز العلم لا يلائم كل نفس ولا يقبله كل محروم والله يختص برحمته من يشاء و
لنرجع إلى ما كنا بصدده من الكلام في ذكر محاجه أهل الباطل للمسلمين في القبلة

ونصر الله لهم بالحجة عليهم وقد رأيت لأبي القاسم السهيلي في الكلام على هذه الايات فصلا اذكره بلفظه قال في قول النبي للبراء بن معرور قد كنت على قبلة لو صبرت عليها // إسناده جيد // يعنى لما صلى إلى الكعبة المشرفة قبل الأمر بالتوجه إليها ولم يأمره بالإعادة لأنه كان متأولا
قلت ونظير هذا أنه لم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة لما ربط الخيطين في رجليه وأكل حتى يتبينا له لأجل التأويل
ونظيره أنه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب فقال يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهر والشهرين لا أصلي يعني في البادية فقال أين أنت عن التيمم
ونظيره أيضا أنه لم بأمر المستحاضة بالإعادة وقد قالت إني أستحاض حيضة شديدة وقد منعني الصوم والصلاة فأمرها أن تجلس أيام الحيض ثم تصلي // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // ولم يأمرها بإعادة ما تركت
ونظيره أيضا أنه لم يأمر المسىء في صلاته // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة وإنما بالإعادة في الوقت لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه بخلاف ما تقدم له
ونظيره أيضا أنه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم بالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهما //
ونظيره ايضا أنه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها // رواه مسلم والنسائي وغيرهما //

ونظيره أيضا أنه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة // رواه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم // ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين ثبوت الأحكام في حق العبد
وقاعدة هذه الباب أن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو وبلوغها إليه فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه وهو كذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه وهذا مجمع عليه في الحدود أنها لا تقاوم إلا على من بلغه تحريم أسبابها وما ذكرناه من النظائر يدل على ثبوت ذلك في العبادات والحدود
ويدل عليه أيضا في المعاملات قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإمرهم تعالى أن يتركوا ما بقي من الربا وهو ما لم يقبض ولم يأمرهم برد المقبوض لأنهم قبضوه قبل التحريم فأقرهم عليه بل أهل قبا صلوا إلي القبلة المنسوخة بعد بطلانها ولم يعيدوا ما صلوا بل استداروا في صلاتهم واتموها لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم وفي هذا الأصل ثلاثة أقوال للفقهاء وهي لأصحاب أحمد
هذا أحدها وهو أصحها وهو اختيار شيخنا رضي الله عنه
الثاني أن الخطاب إذا بلغ طائفة ترتب في حق غيرهم ولزمهم كما لزم من بلغه وهذا اختيار كثير من اصحاب الشافعي وغيرهم
الثالث الفرق بين الخطاب الابتدائي والخطاب الناسخ فالخطاب الابتدائي يعم ثبوته من بلغه وغيره والخطاب الناسخ لا يترتب في حق المخاطب إلا بعد بلوغه والفرق بين الخطابين أنه في الناسخ مستصحب لحكم مشروع مأمور به بخلاف الخطاب الابتدائي ذكره القاضي أبو يعلي في بعض كتبه ونصوص القرآن والسنة تشهد للقول الأول وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة وإنما أشرنا إليها إشارة
قال أبو القاسم وفي الحديث دليل على أن النبي كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس وهو قول ابن عباس يعني قوله للبراء لقد كنت على قبلة وقالت طائفة ما صلى إلى بيت المقدس إلا منذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا فعلى هذا يكون في القبلة نسخان نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد

بين حديث ابن عباس منشأالخلاف في هذه المسألة فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فلما كان يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة ولذلك والله أعلم قال الله تعالى في الاية الناسخة ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام اي من اي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها فاستقبل الكعبة كنت متسدبرا بيت المقدس أو لم تكن لأنه كان بمكة يتحرى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه
قال تدبر قوله ومن حيث خرجت فول وجهك وقال لأمته وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ولم يقل حيث ما خرجتم وذلك لأنه كان إمام المسلمين فكان يخرج إليهم في كل صلاة ليصلي بهم وكان ذلك واجبا عليه إذ كان الإمام المقتدي به فأفاد ذكر الخروج في خاصته هذا المعنى ولم يكن حكم غيره هكذا يقتضي الخروج ولا سيما النساء ومن لا جماعة عليه
قلت ويظهر في هذا معنى آخر وهو أن قوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره خطاب عام له ولأمته يقتضي أمرهم بالتوجه إلى المسجد الحرام في أي موضع كانوا من الأرض
وقوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام خطاب بصيغة الإفراد والمراد هو الأمة كقوله يا أيها النبي اتق الله ونظائره وهو يفيد الأمر باستقبالها من اي جهة ومكان خرج منه
وقوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره يفيد الأمر باستقبالها في أي موضع استقر فيه وهو تعالى لم يقيد الخروج بغاية بل اطلق غايته كما عم مبدأة فمن حيث خرج إلى أي مخرج كان من صلاة أو غزو أو حج أو غير ذلك فهو مأمور باستقبال المسجد الحرام هو والأمة وفي أي بقعة كانوا من الأرض فهو مأمور هو والأمة باستقباله فتناولت الآيتان أحوال الأمة كلها في مبدأ تنقلهم من حيث خرجوا وفي غايته إلى حيث انتهوا وفي حال اسقرارهم حيث ما كانوا فأفاد ذلك عموم الأمر بالاستقبال في الأحوال الثلاث التي لا ينفك منها العبد فتأمل هذا المعنى ووازن بينه وبين ما ابداه أبو القاسم يتبين لك الرجحان والله أعلم بما أراد من كلامه وإنما هو كد أفهام أمثالنا من القاصرين فقوله من حيث خرجت يتناول مبدأ الخروج وغايته له وللأمة وكان أولى بهذاالخطاب لأن مبدأ التوجه كان على يديه وكان شديد الحرص على التحويل

وقوله وحيثما كنتم يتناول أماكن الكون كلها له وللأمة وكانوا أولى بهذا الخطاب لتعدد أماكن أكوانهم وكثرتها بحسب كثرتهم واختلاف بلادهم وأقطارهم واستدارتها حول الكعبة شرقا وغربا ويمنا وعراقا فكان الأحسن في حقهم أن يقال لهم وحيث ما كنتم أي من أقطار الأرض في شرقها وغربها وسائر جهاتها ولا ريب أنهم أدخل في هذا الخطاب منه فتأمل هذه النكت البديعة فلعلك لا تظفر بها في موضع غير هذا والله أعلم
قال ابو القاسم وكرر الباري تعالى الأمر بالتوجه إلي بيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة اصناف من الناس اليهود لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له لأنه كان أول نسخ نزل وكفار قريش قالوا ندم محمد على فراق ديننا فسيرجع ! إليه كما رجع إلى قبلتنا وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل وقد فارق قبله إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم
على الاستثناء المنقطع أي لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون وقال الحق من ربك فلا تكونن من المتمرين أي من الذين شكوا وامتروا
ومعنى الحق من ربك أي الذي أمرتك به من التوجه إلى بيت الحرام هوالحق الذي كان عليه الأنبياء قبلك فلا تمتر في ذلك فقال وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وقال وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون أي يكتمون ما علموا أن الكعبة هي قبلة الأنبياء ثم ساق من طريق أبي داود في كتاب الناسخ والمنسوخ
قال حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيليا كما يعظمها أهل بيته قال فسرت معه وهو ولي عهد قال ومعه خالد بن يزيد بن معاوية فقال سليمان وهو جالس فيه والله إن في هذه القبلة التي صلى إليها المسلمون والنصارى لعجبا كذا رأيته
والصواب اليهود قال خالد بن يزيد أما والله إني لأقرأ الكتاب الذي انزله الله علي محمد فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزله الله عليهم ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة فلما غضب الله عز و جل على بني إسرائيل رفعه فكانت صلاتهم إلى الصخرة عن مشاورة منهم

وروى أبو داود أيضا أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة فقال أبو العالية إن موسى كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام فكانت الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه وقال اليهودي بيني وبينك مسجد صالح النبي أبو العالية فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة انتهى
قلت وقد تضمن هذا الفصل فائدة جليلة وهي أن استقبال أهل الكتاب لقبلتهم لم يكن من جهة الوحي والتوقيف من الله بل كان عن مشورة منهم واجتهاد أما النصارى فلا ريب أن الله لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال المشرق أبدا وهم مقرون بذلك ومقرون أن قبله المسيح كانت قبلة بني إسرائيل وهي الصخرة وإنما وضع لهم شيوخهم وأسلافهم هذه القبلة وهم يعتذرون عنهم بأن المسيح فوض إليهم التحليل والتحريم وشرع الأحكام وأن ما حللوه وحرموه فقد حلله هو وحرمه في السماء فهم مع اليهود متفقون على أن الله لم يشرع استقبال المشرق على لسان رسوله أبدا والمسلمون شاهدون عليهم بذلك وأما قبلة اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة البتة وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة
وأما السامرة فإنهم يصلون إلى طور لهم بأرض الشام ويعظمونه ويحجون إليه ورأيته أنا وهو في بلد نابلس وناظرت فضلاءهم في استقباله وقلت هو قبلة باطلة مبتدعة فقال مشار إليه في دينهم هذه هي القبلة الصحيحة واليهود أخطأوها لأن الله تعالى أمر في التوراة باستقباله عينا ثم ذكر نصا يزعمه من التوراة في استقباله فقلت له هذا خطأقطعا على التوراة لأنها إنما أنزلت على بني إسرائيل فهم المخاطبون بها وأنتم فرع عليهم فيها وإنما تلقيتموها عنهم وهذا النص ليس في التوراة التي بأيديهم وأنا رأيتها وليس هذا فيها فقال لي صدقت إنما هو في توراتنا خاصة قلت له فمن المحال أن يكون أصحاب التوراة المخاطبون بها وهم الذين تلقوها عن الكليم وهم متفرقون في أقطار الأرض قد كتموا هذا النص وأزالوه وبدلوا القبلة التي أمروا بها وحفظتموها أنتم وحفظتم النص بها فلم يرجع إلى الجواب
قلت وهذا كله مما يقوى أن يكون الضمير في قوله تعالى ولكل وجهة هو موليها راجعا إلى كل أي هو موليها وجهه ليس المراد أن الله موليه إياها لوجوه هذا أحدها
الثاني أنه لم يتقدم لاسمه تعالى ذكر يعود الضمير عليه في الأية وإن كان

مذكورا فيما قبلها ففي إعادة الضمير إليه تعالى دون كل رد الضمير إلى غير من هو أولى به ومنعه من القريب منه اللاحق به
الثالث أنه لو عاد الضمير عليه تعالى لقال هو موليه إياها هذا وجه الكلام كما قال تعالى نوله ما تولى فوجه الكلام أن يقال ولاه القبلة لا يقال ولى القبلة إياه فتأمله
وقول أبي القاسم أنه تعالى كرر ذكر الأمر باستقبالها ثلاثا ردا على الطوائف الثلاث ليس بالبين ولا في اللفظ إشعار بذلك والذي يظهر فيه إنه أمر به في كل سياق لمعنى يقتضيه فذكره أول مرة ابتداء للحكم ونسخا للاستقبال الأول فقال قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ثم ذكر أن أهل الكتاب يعلمون أن هذا هو الحق من ربهم حيث يجدونه في كتبهم كذلك ثم أخبر عن عبادتهم وكفرهم وأنه لو أتاهم بكل آية ما تبعوا قبلته ولا هو أيضا بتابع قبلتهم ولا بعضهم بتابع قبلة بعض ثم حذره من اتباع أهوائهم ثم كرر معرفة أهل الكتاب به كمعرفتهم بأبنائهم وأنهم ليكتمون الحق عن علم ثم أخبر أن هذا هو الحق من ربه فلا يلحقه فيه امتراء ثم اخبر أن لكل من الأمم وجهة هو مستقبلها وموليها وجهة فاستبقوا أنتم أيها المؤمنون الخيرات ثم اعاد الأمر باستقبالها من حيث خرج في ضمن هذا السياق الزائد على مجرد النسخ ثم اعاد الأمر به غير مكرر له تكررا محضا بل في ضمنه أمرهم باستقبالها حيثما كانوا كما أمرهم باستقبالها أولا حيثما كانوا عند النسخ وابتداء شرع لحكم فأمرهم باستقبالها حيثما كانوا عند شرع الحكم وابتدائه وبعد المحاجة والمخاصمة والحكم لهم وبيان عنادهم ومخالفتهم مع علمهم فذكر الأمر بذلك في كل موطن لاقتضاء السياق له فتامله والله أعلم
وقوله إن الاستثناء في قوله إلا الذين ظلموا منهم منقطع قد قاله أكثر الناس ووجهة أن الظالم لا حجة له فاستثناؤه مما ذكر قبله منقطع وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ليس الاستثناء بمنقطع بل هو متصل على بابه وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة ههنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق والحجة في كتاب الله يراد بها نوعان
أحدهما الحجة الحق الصحيحة كقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وقوله قل فلله الحجة البالغة

ويراد بها مطلق الاحتجاج بحق أو بباطل كقوله فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله وقوله وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا ان قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين وقوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه وقوله والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وإذا كانت الحجة إسما لما يحتج به من الحق أو باطل صح استثناء حجة الظالمين من قوله لئلا يكون للناس عليكم حجة وهذا في غاية التحقيق والمعنى أن الظالمين يحتجون عليك بالحجة الباطلة الداحضة فلا تخشوهم واخشوني
ومن ذلك قوله تعالى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنهم بهم فحكم الله بينهم بقوله أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون وفي موضع آخر أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير وفي موضع آخر قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم فأخبر عن بطلان هذه الحجة وأنها لا تنجني من عذاب الله تعالى لأنها تقليد من ليس عنده علم ولا هدى من الله والمعنى ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يقلدونهم ولو كانوا لا علم عندهم ولا هدى يقلدونهم أيضا وهذا شأن من لا غرض له في الهدى ولا في اتباع الحق إن غرضه بالتقليد إلا دفع الحق والحجة إذا لزمته لأنه لو كان مقصوده الحق لاتبعه إذا ظهر له وقد جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم فلو كنتم ممن يتبع الحق لأتبعتم ما جئتكم به فأنتم لم تقلدوا الآباء لكونهم على حق فقد جئتكم أهدى مما وجدتموهم عليه وإنما جعلتم تقليدهم جنة لكم تدفعون بها الحق الذي جئتكم به فائدة اندراج الدليل تحت قضية كلية
ليس من شرط الدليل اندراجه تحت قضية كلية تكن بها جزءا من قياس شمولي ولا استلزامه نظيرا يكون به قياس تمثيل بل يجوز كونه معينا مستلزما لثبوت معين وإنما شرطه اللزوم فيما كان بينهما تلازم شرعا أو عقلا أو عادة استدل فيه بثبوت الملزوم على

ثبوت لازمه وبنفي اللازم على نفي ملزومه فكل ملزوم دليل على لازمه والعلم بدلالته متوقف على العلم به وعلى العلم بلزومه ولهذا كانت أدلة التوحيد والمعاد والنبوات التي في القرآن آيات ودلالات معينات مستلزمة لمدلولها بنفسها من غير احتياج إلى اندراجها تحت قضية كلية فالمخلوقات جميعها وما تضمنته من التخصيصات والحكم والغايات مستلزمة لخالق سبحانه عينا بخلاف ما يزعم كثير من النظار أنه دليل لقولهم كل ممكن مفتقر إلى واجب وكل محدث مفتقر إلى محدث فإن هذه القضية الكلية بعد تعبهم في تقريرها ودفع ما يعارضها لا يدل على مطلوب معين وخالق معين إنما يدل على واجب ومحدث ما وأما آياته سبحانه وأدلة توحيده وما اخبر به من المعاد وما نصته من الأدلة لصدق رسله فلا يفتقر في كونها آيات إلى قياس شمولي ولا تمثيلي وهي مستلزمة لمدلولها عينا والعلم بها مستلزم للعلم بالمدلول لا يختلف عنه فانتقال الذهن منها إلى المدلول انتقال بين في غاية البيان وهو كانتقال الذهن من رؤية الدخان إلى أن تحته نارا ومن رؤية الجسم المتحرك قسرا إلى ان له محركا ومن رؤية شعاع الشمس إلى العلم بطلوعها ونظائر ذلك فالعلم بمفردات هذه القضايا الكلية أسبق إلى الذهن والحركة من القضية الكلية بل لا تتوقف دلالتها على القضية الكلية البته وعلم العقل بمدلول الآية المعينة الحسية كعلم الحس بتلك الآية لا فرق في العلم بينهما إلا أن الآية تدرك بالحس ومدلولها بالعقل فعلم العقل بثبوت التوحيد والمعاد والنبوات وجزمه بها كجزم الحس بما يشاهده من آياتها المشهودة فائدة الفعل بالنسبة إلى التكليف
الفعل بالنسبة إلى التكليف نوعان أحدهما اتفق الناس على جوازه ووقوعه واختلفوا في نسبة إطلاق القول عليه بأنه لا يطاق والثاني اتفق الناس على أنه لا يطاق وتنازعوا في جواز الأمر به ولم يتنازعوا في عدم وقوعه ولم يثبت بحمد الله تعالى أمر اتفق المسلمون على أنه لا يطاق وقالوا إنه يكلف به العبد ولا اتفق المسلمون على فعل كلف به العبد وأطلقوا القول عليه بأنه لا يطاق وللمسالة ثلاثة مآخذ
أحدها أن الاستطاعة مع الفعل أو قبله والصواب أنها نوعان نوع قبله وهي المصححة للتكليف التي هي شرط فيه ونوع مقارن له فليست شرطا في التكليف

المأخذ الثاني إن تعلق علم الله سبحانه بعدم وقوع الفعل هل يخرجه عن كونه مقدورا للعبد فمن أخرجه عن كونه مقدورا قال الأمر به أمر بما لا يطاق ومن لم يخرجه عن كونه مقدورا لم يطلق عليه ذلك والصواب أنه لا يخرجه عن كونه مقدروا القدرة المصححة التي هي مناط التكليف وشرط فيه وإن أخرجه عن كونه مقدورا القدرة الموجبة للفعل المقارنة له
المأخذ الثالث أن ما تعلق علم الله بأنه لا يكون من أفعال المكلفين نوعان أحدهما أن يتعلق بأنه لا يكون لعدم القدرة عليه فهذا لا يكون ممكنا مقدورا ولا مكلفا به والثاني ما تعلق بأنه لا يكون لعدم إرادة العبد له فهذا لا يخرج بهذا العلم عن الإمكان ولا عن جواز الأمر به ووقوعه
المأخذ الرابع وهو من ادقها وأغمضها وهو أن علم الله أنه لا يكون لعدم مشيئته له ولو شاء للعبد لفعله هل يخرجه عدم مشيئة الرب تعالى له عن كونه مقدورا ويجعل الأمر به أمرا بما لا يطاق والصواب أن عدم مشيئة الرب له لا يخرجه عن كونه ممكنا في نفسه كما أن عدم مشيئته لما هو قادر عليه من أفعاله لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإنما يخرج الفعل عن الإمكان إذا كان بحيث لو أراده الفاعل لم يمكنه فعله وأما امتناعه لعدم مشيئته فلا يخرجه عن كونه مقدورا ويجعله محالا
فإن قيل هو موقوف على مشيئة الله وهي غير مقدورة للعبد والموقوف على غير المقدور غير مقدور
قيل إنما يكون غير مقدور إذا كان بحيث لو أراده العبد لم يقدر عليه فيكون عدم وقوعه لعدم قدرة العبد عليه فأما إذا كان عدم وقوعه لعدم مشيئته له فهذا لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإن كانت مشيئته موقوفة على مشيئة الرب تعالى كما أن عدم وقوع الفعل من الله لعدم مشيئته له لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإن كانت مشيئته تعالى موقوفة على غيرها من صفاته كعلمه وحكمته فالنزاع في هذا الأصل يتنوع إلى النظر إلى المأمور به وإلى النظر إلى جواز الأمر به ووقوعه
ومن جعل القسمين واحدا وادعى جواز الأمر به مطلقا لوقوع بعض الأقسام التي يظنها مما لا يطاق وقاس عليها النوع الذي اتفق الناس على أنه لا يطاق وأن وقوع ذلك النوع يستلزم لوقوع القسم المتفق على أنه لا يطاق أو على جوازه فقد أخطأ خطأ بينا فإن من قاس الصحيح المتمكن من الفعل القادر عليه الذي لو أراده لفعله على العاجز عن الفعل إما لاستحالته في نفسه أو لعجزه عنه لجامع ما يشتركان فيه من كون

الاستطاعة مع الفعل ومن تعلق علم الرب تعالى بعدم وقوع الفعل منهما فقد جمع بين ما علم الفرق بينهما عقلا وشرعا وحسا وهذا منافسد القياس وأبطله والعبد مأمور من جهة الرب تعالى ومنهى
وعند هؤلاء أن أوامره تكليف لما يطاق فهي غير مقدورة للعبد وهو مجبور على ما فعله من نواهيه فتركها غير مقدور له فلا هو قادر على فعل ما أمر به ولا على ترك ما ارتكبه مما نهى عنه بل هو مجبر في باب النواهي مكلف بما لا يطيقه في باب الأوامر وبإزاء هؤلاء القدرية الذين يقولون إن فعل العبد لا يتوقف على مشيئة الله ولا هو مقدور له سبحانه وأنه يفعله بدون مشيئة الله لفعله وتركه بدون مشيئة الله لتركه فهو الذي جعل نفسه مؤمنا وكافرا وبرا وفاجرا ومطيعا وعاصيا والله لم يجعله كذلك ولا شاء منه أفعاله ولا خلقها ولا يوصف بالقدرة عليها
وقول هؤلاء شر من قول أولئك من وجه وقول أولئك شر من قول هؤلاء من وجه وكلاهما ناكب عن الحق حائد عن الصراط المستقيم فائدة

الكلام على لفظ مدائن
قوله تعالى وابعث في المدائن حاشرين هي جمع مدينة وفيها قولان
أحدهما أنها فعيله واشتقاقها من مدن وعلى هذا فتهمز لأنها فعائل كعقائل وظرائف وابه
الثاني أنها مفعلة واشتقاقها من دان يدين وأصلها مديونة مفعولة من دان أي مملوكة مذللة لملكها منقادة له وفعل بها ما فعل بمبيوع حتى صار مبيعا فعند الخليل أنك ألقيت ضمه الياء على الباء فسكنت الياء التي هي عين الفعل وبعدها واو مفعول وهي ساكنة فاجتمع ساكنان فحذفت واو مفعول لأنها زائدة فهي أولى بالحذف من العين
قال أبو الحسن الأخفش المحذوف عين الفعل والباقية هي واو مفعول وإنما صارت ياء لأنهم لما ألقوا ضمة الياء على الباء انضمت الباء وبعدها ياء ساكنة فأبدلت الضمة كسرة للياء التي بعدها ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنه مع الواو واو مفعول بعد

أن ألزمت الفاء الكسرة التي حدثت لأجل الياء فصادفت واو مفعول ساكنة فقلبتها ياء ورجح قول الخليل بأنهم قالوا ماء مشيب وارض مميت عليها إي ممات عليها وغار منيل وهو الذي ينال ما فيه من النوال
وأصل هذه الكلمات مشيوب ومميوت ومنيول فحذفوا واو مفعول وبقوا عين الفعل ولا يجوز أن تكون المحذوفة اللام وواو مفعول هي الباقية المنقلبة ياء لأن واو مفعول إنما تقلب ياء إذا اعتلت لام الفعل كمرمى ومقضي مقضي عليه وإلا فإذا كانت لام الفعل صحيحة بقيت واو مفعول على حالها كمضروب ومقتول ورجح قول الأخفش بأن واو مفعول جاءت لمعنى فحذفها مخل بما جاءت لإجله ألا ترى أنهم يقولون مررت بقاض يحذفون الياء الأصلية ويبقون التنوين لأنه جاء لمعنى
ورجح أيضا بأن العين قد أعلت في قال وباع وقيل وبيع ومبيع ومقول فلما اعتلت بالإسكان والقلب اعتلت بالحذف وواو مفعول لم ينقلب من شيء ولم يعتل في الفعل فكان إبقاؤها وحذف المعتل أوجب وايضا فإن العين في مقول ومبيع حذفت في قولهم قل وبع فلما حذفت ههنا كانت أولى بالحذف في مقول ومبيع ولمن نصر قول الخليل أن يقول الساكنان إذا التقيا في كلمة واحدة حرك الثاني منهما فكذلك إذا حذف أحد الساكنين من كلمة يحذف الآخر منهما
ولمن نصر قول الأخفش أن يقول هذا الدليل نقلبه عليكم فنقول إذا التقى الساكنان في كلمة واحدة حذف أولهما كخف وقل وبع وقياس الحذف على الحذف أقرب من قياس الحذف على الحركة وأيضا فكما اعتلت العين بالقلب مع ألف فاعل كقائم وقائل اعتلت بالحذف مع واو مفعول
قالت الخليلية الميم في أول مفعول دالة على أنه اسم مفعول فتبقى الواو زائدة محضة فتكون أولى بالحذف من الحرف الأصلي قالت الأخفشية الميم لا تستقل بالدلالة على المفعولية فإن مبيعا يشبه مسيرا أو مقيلا من المصادر ولا يتميزان إلا بواو مفعول فلا سبيل إلى حذفها فصار في المدينة ثلاثة أقوال
أحدها أنها فعلية من مدن والثاني مفعولة وعينها محذوفة والثالث مفعلة وواو المفعول محذوفة فإن كانت المدائن فعائل تعين همزها كصحائف لأن المدة وقعت بعد ألف الجمع وإن كانت فهي مفعلة كمعيشة فلا تهمز لأنها ليست بمدة
فإن قلت فما تقول في قراءة من قرأ معائش بالهمز وهي جمع معيشة وياؤها ليست زائدة بل أصلها الحركة إما مفعلة وإما مفعلة وكذلك ما تقول في همزهم مصائب وهي جمع مصيبة

قلت أما معائش فكدرت عيش اهل التصريف حتى قال فيها أبو عثمان في تصريفه و أما قراءة اهل المدينة معائش بالهمز فهي خطأفلا يلتفت إليها فإنما أخذت عن نافع بن أبى نعيم ولم يكن يدري ما العربية وله أحرف يقرؤها لحنا نحوا من هذا وأما مصائب فلقد أصيبوا منها بمصائب
قال المازني وقد قالت العرب مصائب فهمزوا وهو من الغلط قالوا حلاب السويق وكأنهم توهموا أن مصيبة فعيلة فهمزوها حتى جمعوها كما همزوا شقائق وإنما مصيبة مفعلة من أصاب يصيب فأصلها مصوبة فألقوا حركة الواو علىالصاد فانكسرت الصاد وبعدها واو ساكنة فأبدلت ياء
وأكثر العرب يقول مصاوب فيجيء بها على القياس وما ينبغي فيقال ومن المصائب تخطئه العرب وأهل المدينة ونحن إنما نجهد أنفسنا في استخراج المقاييس لنوافقهم فيما تكلموا به فإذا كان ما ثبت عنهم خطأ ولحنا وخالفناهم فيه لم نكن تابعين لهم ولا قاصدين لنهج كلامهم ولا ريب أن المهموز في هذا الجمع هو ما كانت حروف العلة في واحدة مدة زائدة كصحيفة ورسالة وعجوز فإذا همزوا ما كان حرف العلة فيه اصليا في بعض المواضع تشبيها له بما هو فيه بمدة زائدة فأي خطأ يلزمهم وأي غلط يسجل به عليهم وطالما يخرجون الشيء من كلامهم عن أصله لغرض ما من تشبيه أو تخفيف أو تنبيه على أنه كان ينبغي أن يكون كذا ولأغراض عديدة أفتراهم لما صححوا استحوذ فصححوا ما حقه الإعلال كانوا مخطئين
وكذلك لما صححوا استنوق فهلا قلتم إن القوم لما القوا الهمزة بعد ألف مفاعل فيها حرف العلة مدة في واحدة لم يستنكروها في معايش ومصايب لأن الموضع موضع همز فليست الهمزة بشديدة الغربة في هذا الموضع ويا للعجب كم في اللغة من قلب وإبدال وحذف غير مقيس بل هو مسموع سماعا مجردا ولو تكلم بغيره لكان غلطا وخطأوإن كان مقتضى القياس
وقد ذكر ابن جني من الأمثلة التي زعم أنها وقعت غلطا في كلامهم ثم قال وإنما يجوز مثل هذا لغلط عليهم لما يستهويهم من الشبه لأنهم ليست لهم قياسات يعتصمون بها وإنما يخلدون إلى بدائعهم وأين هذا من كلام الإمام المقدم سيبويه حيث يقول وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها وهذا من النحاة شبيه من رد الجهمية نصوص الصفات لمخالفتها أقيستهم ومن رد أحاديث الأحكام عند مخالفتها الرأي والمقصود بالأقيسة والاستنباطات فهم المنقول لا تخطئته والله الموف

فائدة الكلام على لفظ استطاع
استطاع استفعل من طاع يطوع ولم ينطق به وإنما نطقوا بالرباعي منه فيقال أطاعة وقالوا طوع له أي حسنة وزينة وكأنه جعل نفسه مطيعة لداعية فالهمزة من أطاعه همزة التعدية والنقل من اللزوم إلىالتعدي والتضعيف في طوع لكونه في معنى حسن وزين
وأما السين والتاء في استطاع فإما أن تكون للوجود أي وجدته طوعا لي كاستجدته أي وجدته جيدا واستصوبت كلامه أي وجدته صوابا واستعظمته أي وجدته عظيما
وأما أن تكون للطلب أي طلبت أن يطيعني إذا امرته ولا يستعصي علي بل يكون طوع قدرتي وقد يأتي هذا البناء بمعنى فعل كقر واستقر ومر واستمر وقد يأتي بمعنى الصيرورة كاستنوق البعير واستحجر الطين وبابهما الفعل اللازم وقد يأتي موافق تفعل كتعظم واستعظم
وأما استعتبت فهو للطلب أي طلب الاعتاب فهو لطلب مصدر الرباعي الذي هو أعتب أي ازال عتبه لا لطلب الثلاثي الذي هو العتب فقوله تعالى وإن يستعبوا فما هم من المعتبين أي إن يطلبوا إعتابنا وإزالة عتبنا عليهم ويقال عتب عليه إذا أعرض عنه وغضب عليه ثم يقال استعتب السيد عبده أي طلب منه أن يزيل عتب نفسه عنه بعوده إلى رضاه فأعتبته عبده اي أزال عتبه بطاعته ويقال استعتب العبد سيده أي طلب منه أن يزيل غضبه وعتبه عنه فأتبعه سيده أي فأزال عتب نفسه عنه وعلى هذا فقوله تعالى وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أي وإن يطلبوا إعتابنا وهو إزالة عتبنا عنهم فما هم من المزال عتبهم لأن الآخرة لا تقال فيها عثراتهم ولا يقبل فيها توبتهم
وقوله لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون أي لا يطلب منهم إعتابنا وإعتبابه تعالى إزالة عتبة بالتوبة والعمل الصالح فلا يطلب منهم يوم القيامة أن يعتبوا ربهم فيزيلوا عتبه بطاعته واتباع رسله
وكذلك قوله فيؤمئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون وقول النبي في دعاء الطائف لك العتبي // إسناده حسن إن شاء الله // هو اسم من الإعتاب لا من العتب أي انت المطلوب إعتابه ولك علي أن أعتبك وأرضيك بطاعتك

فافعل ما ترضى به عني وما يزول به عتبك علي فالعتب منه على عبده والعتبي والإعتاب له من عبده فههنا أربعة أمور
الأول العتب وهو من الله تعالى فإن العبد لا يعتب على ربه فإنه المحسن العادل فلا يتصور أن يعتب عليه عبده إلا والعبد ظالم ومن ظن من المفسرين خلاف ذلك غلط أقبح غلط
الثاني الإعتاب وهو من الله ومن العبد باعتبارين فإعتاب الله عبده إزالة عتب نفسه عن عبده وإعتاب العبد ربه إزالة عتب الله عليه والعبد لا قدرة له على ذلك إلا بتعاطي الأسباب التي يزول بها عتب الله تعالى عليه
الثالث استعتاب وهو من الله إيضا ومن العبد بالاعتبارين فالله تعالى يستعتب عباده أي يطلب منهم أن يعتبوه ويزيلوا عتبة عليهم ومنه قول ابن مسعود وقد وقعت الزلزلة بالكوفة إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه والعبد يستعتب ربه أي يطلب منه إزالة عتبه
الرابع العتبي وهي اسم الإعتاب فاشدد يديك بهذا الفضل الذي يعصمك من تخبيط كثير من المفسدين لهذه المواضع
ومنه قول النبي لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل له // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // فأما محسن فلعله أن يزداد وإما مسيء فلعله أن يستعتب أي يطلب من ربه إعتابه إياه بتوفيقه للتوبة وقبولها منه فيزول عتبة عليه
والاستعتاب نظير الاسترضاء وهو طلب الرضى وفي الأثر أن العبد ليسترضى ربه فيرضى عنه وإن الله ليسترضي فيرضى

لكن الاسترضاء فوق الاستعتاب فإنه طلب رضوان الله تعالى والاستعتاب طلب إزالة غضبه وعتبه وهما متلازمان
رجعنا إلى استطاع وفيها خمس لغات هذه إحداها
الثانية اسطاع بحذف تاء استفعال تخفيفا ومنه قوله تعالى فما اسطاعوا أن يظهروه
الثالثة اصطاع بالصاد وفيه أمران أحدهما حذف التاء والثاني إبدل السين صادا لأجل مجاورتها الطاء
الرابعة اسطاع بإدغام التاء في الطاء وهو إدغام على خلاف القياس لأن فيه التقاء الساكنين على غير حدهما
الخامسة اسطاع بقتح الهمزة وقطعها وهي أشكلها فقال سيبويه السين عوض عن ذهاب حركة العي لأن أصله أطوع فنقلت فتحه الواو إلى الطاء ثم أعل بقلب واوه ألفا لتحركها أصلا وانتفاح ماقبلها لفظا فزيدت السين عوضا من ذهاب حركة السين
وتعقب المبرد هذا على سيبويه وقال إنما يعوض من الشيء إذا فقد وذهب فأما إذا كان موجودا في اللفظ فلا وحركة العين منقولة إلى الفاء فلم تعدم
وأجيب عن هذا بأن العين لما سكنت وهنت وتهيأت للحذف عند سكون اللام نحو لم يطع وأطعت فلو بقيت حركتها فيها لما تطرق إليها الحذف بل كنت تقول لم يطوع وأطوعت فزيدت السين ليكون عوضا من هذا الإعلال المتضمن لثلاثة أمور نقل حركة المتحرك ووهنه بالسكون وتعريضه للحذف عند سكون ما بعده فجبروا هذا الإعلال هذا بزيادة السين في أوله سواء قولهم اهراق فإن أصله أراق فقلبت عينه ألفا بعد تسكينها فصارت عرضة للحذف كقولك لم يرق وارقت فأعل بالنقل والقلب والحذف فعرضت الهاء في أوله جبرا لإعلاله وأما أراق فعلى الأصل وأما هراق فعلى إبدال الهمزة هاء لمجاورتها في المخرج
ونظيره أيضا قولهم اهراح في أراح يريح هذا قول البصريين وقال الفراء أصله استطاع ثم حذفوا التاء فعرضوا منها فتح الهمزة وقطعها وهذا الذي قاله اقل عملا وأبعد من التكلف
ورد عليه بأنهم قالوا اسطاع بكسر الهمزة ووصلها مع حذف التاء فلو كان حذف

التاء يوجب الفتح والقطع لما عدلوا عنه وهذا ظلم للفراء فإنه لم يدع لزوم ذلك وإنما ذكر ان هذا الحذف مسوغ للفتح والقطع ويقال ولو كان ما ذكرتم من الإعلال مسوغ لزيادة السين والهاء طراد في أقام وأنام وأجاد وأقال وما لا يحصى وليس نقضكم عليه بأقل من نقوضه فعلم أن هذه مسوغات لا موجبات فائدة ألفاظ التخلف العقلي
يقال مجنون ومغبون ومهروع مخفوع ومعتوه وممتوه وممته وممسوس وبه لمص ومصاب في عقله فهذه عشرة ألفاظ وأما مخروع فصحفها العامة من مهروع فائدة دلالة الاقتران
دلالة الاقتران تظهر قوتها في موطن وضعفها في موطن وتساوى الأمرين في موطن فإذا جمع المقترنين لفظ اشتركا في إطلاقه وافتراقا في تفصيله قويت الدلالة كقوله الفطرة خمس // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهما // وفي مسلم عشر من الفطرة // رواه النسائي مسلم وغيرهما // ثم فصلها فإذا جعلت الفطرة بمعنى السنة والسنة هي المقابلة للواجب ضعف الاستدلال بالحديث على وجوب الختان
لكن تلك المقدمتان ممنوعتان فليست الفطرة بمرادفة للسنة ولا السنة في لفظ النبي هي المقابلة للواجب بل ذلك إصطلاح وضعي لا يحمل عليه كلام الشارع
ومن ذلك قوله على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة ويستاك ويمس

من طيب بيته // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // فقد اشترك الثلاثة في اطلاق لفظ الحق عليه إذا كان حقا مستحبا في اثنين منها كان في الثالث مستحبا وأبين من هذا قوله وبالغ في الاستنشاق // صحيح // فإن اللفظ تضمن الاستنشاق والمبالغة فإذا كان أحدها مستحبا فالآخر كذلك
ولقائل أن يقول اشتراك المستحب والمفروض في لفظ عام لا يقتضي تساويها لا لغة ولا عرفا فإنهما إذا اشتركا في شيء لم يمتنع افتراقهما في شيء فإن المختلفات تشترك في لازم واحد فيشتركان في أمر عام ويفترقان بخواصهما فالاقتران كما لا يثبت لأحدهما خاصية لا ينفيها عنه فتأمله وإنما يثبت لهما الاشتراك في أمر عام فقط وأما الموضع الذي يظهر ضعف دلالة الاقتران فيه فعند تعدد الجمل واستقلال كل واحدة منهما بنفسها كقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة // صحيح // وقوله لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده // رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود // فالتعرض لدلالة الاقتران ههنا في غاية الضغف والفساد فإن كل جملة مفيدة لمعناها وحكمها وسببها وغايتها منفردة به عن الجملة الأخرى واشتراكهما في مجرد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراءه وإنما يشترك حرف العطف في المعنى إذا عطف مفردا على مفرد فإنه يشترك بينهما في العامل كقام زيد وعمرو وأما نحو اقتل زيدا وأكرم بكرا فلا اشتراك في معنى وأبعد من ذلك ظن من ظن أن تقييد الجملة السابقة بظرف أو حال أو مجرور يستلزم تقييد الثانية وهذا دعوى مجردة بل فاسدة قطعا
ومن تأمل تراكيب الكلام العربي جزم ببطلانها
وأما موطن التساوى فحيث كان العطف ظاهرا في التسوية وقصد المتكلم ظاهرا في الفرق فيتعارض ظاهر اللفظ وظاهر القصد فإن غلب ظهور أحدهما اعتبر وإلا طلب الترجيح والله أعلم

فائدة الفعل الناقص
رضي لامه واو من الرضوان وانقلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها وقالوا في الماضي المسند إلى اثنين رضيا بالياء وجاءوا إلى المضارع فقالوا يرضيان بالياء والقياس يرضوان إذ لا موجب لقلب الواو ياء ولكن حملوا يرضيان على رضيا كما حملوا أعطيا على يعطيان ولم يقولوا اعطوا وذلك ليجري الباب على سنن واحد ولا يختلف عليهم فائدة اللفيف المقرون
إنما امتنعوا من النطق بأفعال ويله وويحه وويسه وويبه لأنه لفيف مقرون فلو وضعوا له فعلا لوقعت الواو بعد حرف المضارعة وذلك يوجب إعلالها بالحذف ك يعد ويزن ويثق ووقعت العين وهي حرفة علة أيضا ثالثة وذلك يوجب نقل حركتها إلى الساكن قبلها وإعلالها بالإسكان ك يبيع ويحيد فيتوالى عليهم إعلالات في كلمة واحدة وهم لا يسمحون بذلك فرفضوا الفعل رأسا فائدة انتصاب جزاء في الآية
قوله تعالى لإبليس اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا أعاد الضمير بلفظ الخطاب وإن كان من تبعك يقتضي الغيبة لأنه اجتمع مخاطب وغائب فغلب المخاطب وجعل الغائب تبعا له كما كان تبعا له في المعصية والعقوبة فحسن أن يجعل تبعا له في اللفظ وهذا من حسن ارتباط اللفظ بالمعنى واتصاله به وانتصب جزاء موفورا عند ابن مالك على المصدر وعامله عنده المصدر الأول
قال والمصدر يعمل في المصدر تقول عجبت من قيامك قياما ويعمل فيه الفعل نحو قيام قياما واسم الفاعل كقوله
فأصبحت لا أقرب الغانيا ... ت مزدجرا عن هواها ازدجارا

واسم المفعول هو مطلوب طلبا وبعد ففي نصب جزاء قولان آخران
احدهما أنه منصوب بما في معنى فإن جهنم جزاؤكم من الفعل فإنه متضمن لتجازون وهو الناصب جزاء
الثاني أنه حال وساغ وقوع المصدر حالا ههنا لأنه موصوف
ذكر الزمخشري هذين القولين وهذا كما تقول خذ عطاءك عطاء موفورا
والذي يظهر في الآية أن جزاء ليس بمصدر وإنما هو اسم للحظ والنصيب فليس مصدر جزيته جزاء بل هو كالعطاء والنصيب ولهذا وصفه بأنه موفورا اي تام لا نقص فيه وعلى هذا فنصبه على الاختصاص وهو يشبه نصب الصفات المقطوعة وهذا كما قال الزمخشري وغيره في قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب إلى قوله نصيبا مفروضا قال نصبه على الاختصاص أي أعني نصيبا مفروضا ويجوز أن ينتصب انتصاب المصادر المؤكدة كقوله تعالى فريضة من الله فائدة التذكير في لفظ المسك
المسك مذكر بدليل قولهم أذفر وقد ظن بعضهم تأنيثه محتجا بقوله
مرت بنا ما بين أترابها ... والمسك من أردانها ناقحة
ولا يثبت التأنيث بمثل ذلك لأنه خبر عن مضاف محذوف أي رائحة المسك وهذا يجوز عند أمن اللبس فائدة الصفة المتقدمة
من كليات النحو كل صفة نكرة قدمت عليها انقلبت حالا لا ستحالة كونها صفة تابعة مع تقدمها فجعلت حالا ففارقها لفظ الصفة لا معناها فإن الحال صفة في المعنى
وكل صفة علم قدمت عليه انقلب الموصوف عطف بيان نحو مررت بالكريم زيد وكذلك غير العلم كقولك مررت بالكريم أخيك لأن الثاني تابع له مبين له وكل

تابع صلح للبدلية وعطف البيان نظرت فيه فإن تضمن زيادة بيان فجعله عطفا أولى من جعله بدلا وإن لم يتضمن ذلك فجعله بدلا أولى مثال الأول قوله تعالى أو كفارة طعام مساكين وقوله ومن شجرة مباركة زيتونة وقوله إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا فائدة أفعال الماضي والمضارع والأمر
الأفعال ثلاثة ماض ومضارع وأمر
فالأمر لا يكون إلا للاستقبال ولذلك فلا يقترن به ما يجعله لغيره وأما وروده لمن هو ملتبس بالفعل فلا يكون المطلوب منه إلا أمرا متجددا وهو إما الاستدامة وإما تكميل المأمور به نحو يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله
وأما الماضي فيصرف إلى الاستقبال بعد أدوات الشرط وفي الوعد والإنشاء ونحوه لا في الخبر كقوله تعالى إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وإن كان قمصيه قد من دبر فكذبت وكقوله إن كنت قلته فقد علمته وكقوله النبي لعائشة إن كنت ألمت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه // رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم // ونظائره كثيرة جدا
ولا يخفي فساد تأويل ذلك بأن المعنى إن ثبت في المستقبل وقوع ذلك في الماضي أفترى المسيح يقول لربه إن ثبت في المستقبل أني قلته في الماضي فقد علمته وهل هذا إلا فاسد في الكلام ممتنع من العاقل إطلاقه وكذلك قول النبي لعائشة إنما أراد إن كان وجد فيما مضى ذنب فتداركيه بالتوبة التغيير في لفظ الفعل وصرفه إلى معنى آخر
وأما ما يصير به الماضي مستقبلا فكقولك إن قمت أكرمتك وإن زرتني أحسنت إليك فهذا ماضي اللفظ مستقبل المعنى وللنحاة ههنا مسلكان
أحدهما أن التغيير وقع في لفظ الفعل وكان الموضع للمستقبل فغير إلى لفظ الماضي والأداة هي التي تصرفت في تغييره وهذا اختيار أبي العباس المبرد

والثاني أن التغيير إنما هو في المعنى والأداة وردت على فعل ماض فغيرت معناه إلى الاستقبال وهذا هو الصواب لأن الأدوات المغيرة للكلم إنما تغيره معانيها دون ألفاظها كالاستفهام المغير لمعنى ما بعده من الخبر إلى الطلب وكالتمنى والترجي والطلب والنفي ونظائره ويتصرف إلى الحال بقرينة الإنشاء كتزوجت وبعتك وطلقتك على أحد القولين في هذه الصيغ ومن جعلها أخبارا عما قام بالنفس فهي ماضية على بابها
والتحقيق أنها إنشاء للخارج إخبار عما في النفس فجهة الخبر فيها لا ينافى جهة الإنشاء وينصرف إلى الاستقبال بقرينة الطلب والدعاء كقولك غفر الله لك وأدخلك الجنة وأعاذك من النار ونحو عزمت عليك إلا فعلت ويتصرف إليه أيضا بالوعد عند بعضهم مستشهدا بقوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر وأشرقت الأرض بنور ربها و اتى أمر الله ونحوه وفيه نظر ظاهر للمتأمل وينصرف أيضا إلى الاستقبال بعطفه على ما علم استقباله كقوله تعالى يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وينصرف إلى الاستقبال أيضا بالنفي ب لا وإن بعد القسم كقوله تعالى ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده وكقول الشاعر
ردوا فوالله لا زدناكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزال احتمال الفعل الماضي والاستقبال
ويحتمل المضي والاستقبال بعد همزة التسوية نحو سواء على أقمت أم قعدت والصواب أن المراد هنا المصدر المدلول بالفعل وهو أعم من الحال والاستقبال فلم يجيء الاحتمال من جهة الهمزة بل من جهة القصد إلى المصدر
فإن قلت فلو اقترن الفعل الواقع بعد أم بلم فهل يصلح الماضي للحال والاستقبال أم يتعين الماضي
قلت ذهب صاحب التسهيل إلى تعيين المضي واحتج بقوله تعالى سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون والصواب أنه لا يتعين المضي فإن المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه فلا فرق بين ذلك وبين أن يقال سواء عليهم أأنذرت أم تركت الإنذار
وكذلك لو كان بعد أم جملة إسمية لم يتعين المضي في الفعل كقوله تعالى

سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون وإذا وقع الماضي بعد حرف التحضيض صلح أيضا للماضي والمستقبل كقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم والصواب أن الماضي ههنا باق على وضعه لم يتغير عنه كقوله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ويقول هلا اتقيت الله تعالى فيما أتيت والآية إنما نزلت في غزوة تبوك في سياق ذم المتخلفين عن رسول الله فأخبر تعالى أن المؤمنين لم يكونوا لينفروا كافة ثم وبخهم توبيخا متضمنا للحض على أن ينفر بعضهم ويقعد بعضهم
وأصح القولين أنه ينفر منهم طائفة في السرايا والبعوث وتقعد طائفة تتفقه في الدين فتنذر القاعدة الطائفة النافرة إذا رجعت إليهم وتخبرهم بما نزل بعدهم من الحلال والحرام والأحكام لوجوه
أحدها أن الآية هي في سياق النفير في الجهاد وتوبيخ القاعدين عنه
الثاني أن النفير إنما يكون في الغزو ولا يقال لمن سافر في طلب العلم أنه نفر ولا استنفر ولا يقال للسفر فيه نفير
الثالث أن الآية تكون قد اشتملت على بيان حكم النافرين والقاعدين وعلى بيان اشتراكهم في الجهاد والعلم فالنافرون أهل الجهاد والقاعدون أهل التفقه والدين إنما يتم بالجهاد والعلم فإذا اشتغلت طائفة بالجهاد وطائفة بالتفقه في الدين ثم يعلم أهل الفقه للمجاهدين إذا رجعوا إليهم حصلت المصلحة بالعلم والجهاد وهذا الأليق بالآية والأكمل لمعناها وأما إذا جعل النفير فيها نفيرا لطلب العلم لم يكن فيها تعرض للجهاد مع إخراج النفير عن موضعه
والذي أوجب لهم دعوى أن النفير في طلب العلم أنهم رأوا الضمير إنما يعود على المذكور القريب فالمنذرون هم النافرون وهم المتفقهون
وجواب هذا الضمير إنما يرجع إلىالأقرب عند سلامته من معارض يقتضي الأبعد وقد بينا أن السياق يقتضي أن القاعد هو المتفقة المنذر للنافر الراجع
والمقصود أن نفر في الآية ماض وإنما يفهم منه الاستقبال لأن التحضيض يؤذن به والتحقيق في هذا الموضع أن لفظه لولا وهلا إن تجرد للتوبيخ لم يتغير الماضي عن وضعه وإن تجرد للتحضيض تغير إلى الاستقبال وإن كان توبيخا مشربا معنى التحضيض صلح للأمرين وإن وقع بعد كلما جاز أن يراد به المضي كقوله

تعالى كلما جاء أمة رسولها كذبوه وإن يراد به الاستقبال كقوله كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وقد ظن صاحب التسهيل أنه إذا وقع صلة للموصول جاز أن يراد به الاستقبال محتجا بقوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم وهذا وهم منه رحمة الله والفعل ماضي لفظا ومعنى والمراد إلا الذين تقدمت توبتهم القدرة عليهم فخلوا سبيلهم والاستقبال الذي لحظه رحمه الله إنما هو لما تضمنه الكلام من معنى الشرط ففيه معنى من تاب قبل أن تقدروا عليه فخلوا سبيله فلم يجيء هذا من قبل الصلة ولو تجردت الصلة عن معنى الشرط لم يكن الفعل إلا ماضيا وضعا ومعنى كقوله تعالى الذين قال لهم الناس
وأما قوله تعالى نضر الله امرءا سمع مقالتي // صحيح // فقال صاحب التسهيل إن الاستقبال في سمع جاء من كونه وقع صفة لنكرة عامة وهذا وهم أيضا فإن ذلك لا يوجب استقبالا بحال تقول كم من مال أنفقته وكم رجل لقيته وكم نعمة كفرها أبو جهل وكم مشهد شهده علي مع رسول الله جاء الاستقبال من جهة ما تضمنه الكلام من الشرط فهو في قوة من سمع مقالتي فوعاها نضره الله فتأمله وكذلك إذا وقع مضافا إليه حيث صلح للاستقبال إذا تضمنت معنى الشرط كقوله تعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فلم يأت الاستقبال ههنا من قبل حيث كما ظنه وإنما جاء من قبل ما تضمنه الكلام من الشرط ولهذا لو تجرد من الشرط لم يكن إلا للمضي كقولك اذهب حيث ذهب فلان وأما قول الشاعر

وإني لآتيكم بذكر ما مضى ... من الأمر واستحباب ما كان في غد
فلم تكن كان ههنا مستقبلة المعنى لكونها في صلة الموصول بدليل وقوعها للمضي في قوله ما مضى من الأمر وإنما جاء الاستقبال من جهة الظرف الذي جعل وقتا للفعل فصل نفي المضارع بلا
وإذا نفي المضارع ب لا فهل يختص في الاستقبال أو يصلح له وللحال مذهبان للنحاة مذهب الأخفش صلاحيته لهما ووافقه بن مالك وزعم أنه لازم لسيبويه محتجا بإجماعهم على صحة قام القوم لا يكون زيد فهو بمعنى إلا زيدا
ومن ذلك قولهم أتحبه أم لا تحبه وأتظن ذلك أم لا تظنه لا ريب أنه بمعنى الحال وقولهم ما لك لا تقبل وأراك لا تبالي قال تعالى وما لنا لا نؤمن بالله و ومالكم لا ترجون لله وقارا ما لي لا ارى الهدهد و ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون وزعم الزمخشري أنه يتخلص بها للاستقبال اخذا من قول سيبويه وإذا قال هو يفعل ولم يكن الفعل واقعا فإن نفيه لا يفعل وهذا ليس صريحا في اختصاصه بالمستقبل فإن لا تنفى الحال والاستقبال وهو لم يقل لا تنفى الحال وإنما أراد سيبويه أن يفرق بين نفي الفعل ب ما ونفيه ب لا في أكثر الأمر فقال وإذا قال هو يفعل اي هو في حال فعل كان نفيه ما يفعل وإذا قال هو يفعل ولم يكن الفعل واقعا فإن نفيه لا يفعل ومعلوم أن ما لا يخلص الفعل المنفي بها للحال وسيبويه قد جعلها في فعل الحال ك لا في فعل الاستقبال
فعلم أنه إنما اراد الأكثر من استعمال الحرفين
وتأمل كيف جاء نفي المضارع وهو مرفوع بما ولا وهما لا يزيلان رفعه لتشاكل المنفي بالمثبت ويقابل مرفوع بمرفوع والمشاكلة مهمة في كلامهم حتى يغيروا بها بعض الألفاظ كقولهم أخذه ما قدم وما حدث والغدايا والعشايا ونظائره
وترجع الحال بدخول لام الابتداء عليه نحو إني لأحبك وأما قوله تعالى حكاية عن يعقوب إني ليحزنني أن تذهبوا به ذهابهم مستقبل وهو فاعل الحزن ويمتنع أن يكون الفاعل مستقبلا والفعل حالا

فزعم صاحب التسهيل أن هذا دليل على أن اللام لا تخلص للحالية واحتج ايضا بقوله إن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة ولقائل ان يقول التخلص إنما يكون باللام المجردة وأما إذا اقترن بالفعل قرينة تخلصه للاستقبال لم تكن اللام للحال وهذا كسوف كما في قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى فلولا هذه القرائن لتخلص للحال وهذا كان مع لم كقوله تعالى وإن لم ينتهوا فإن منعت اقتضاء لم للمضي واما الآن وآنفا والساعة فمخلصة للحال خلافا لبعضهم
واحتج بقوله تعالى فالآن باشروهن والأمر إنما يكون للمستقبل وقد عمل في الآن وأجيب عن ذلك بأن الآن هنا هو الزمن المتصل أوله بالحال مستمرا في الاستقبال فعبر عنه بالآن اعتبارا بأوله كقوله تعالى فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا والصواب أن الآن في الآية ظرف للأمر والإباحة لا لفعل المأمور به والمعنى فالآن أبحث لكم مباشرتهن لا أن المعنى فالآن مدة وقوع المباشرة منكم وترجع الحالية بنفيه ب ما وليس وإن كقوله وما ادري ما يفعل بي ولا بكم وكقوله وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون مثال نفيه ب ليس قول الشاعر
ولست وبيت الله أرضي بمثلها ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
وأما قوله
فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام بدل
فإنما جاء للاستقبال من تقسيم النفي إلى ماض وحال ومستقبل
وقال ابن مالك لا يخلصه النفي بذلك للاستقبال واحتج بهذا البيت وبقوله
والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شح وإشفاق وتأميل
وبقول أبى ذؤيب
أودى بني وأودعوني حسرة ... عند الرقاد وعبرة ما تقلع
وبقول النابغة الذبياني يمدح النبي
له نافلات ما يغب نوالها ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا
وبقوله تعالى قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي والتحقيق في ذلك ان هذه الأدوات تنفي الفعل المبتدىء

من الحال مستمر النفي في الاستقبال فلا تنفيه في الحال نفيا منقطعا عن التعرض للمستقبل ولا تنفيه في المستقبل مع جواز التلبس به في الحال فتأمله
وتتخلص للاستقبال بعشرة أشياء
حرف تسويف أو مصاحبة ناصب أو أداة ترج أو إشفاق كلعل أو مجازاة أو نوني التوكيد أو لو المصدرية كقوله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون ومثال الإشفاق قول الشاعر
فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حمق لئيم فائدة إعراب وبناء وراء وراء
قوله في الحديث الصحيح إنما كنت خليلا من وراء وراء // رواه البخاري ومسلم // يجوز فيه وجهان
الأول فتحهما معا وهو الأشهر والأفصح وهما مبنيان على الفتح للتركيب المتضمن للحرف كقولهم هو جاري بيت بيت والمعنى بيته إلى بيتي ومنه قولهم همزة بين بين وفلان يأتيك صباح مساء ويوم يوم وتركوا البلاد حيث بيث وحاث بات ووقعوا في حيص بيض بيض وأصل هذا كله خمسة عشر وبابه فإن أصله قبل التركيب العطف فركب وبني لتضمنه معنى حرف العطف ولا كذلك بعلبك وبابه لأن الإسمين في خمسة عشر مقصود دلالتهما قبل التركيب بخلاف بعلبك
الوجه الثاني بناء وراء وراء على الضم كالظروف المقطوعه عن الإضافة ورجح هذا بعض المتأخرين محتجا بما أنشده الجوهري في صحاحه بالضم
إذا أنا لمن اومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء
هكذا أنشده بالضم وعلى هذا فوراء الأولى بنيت كبناء قبل وبعد إذا قطعنا وفي الثانية أربعة أوجه
الأول أن يكون بناؤها كذلك أيضا على تقدير من فيها أي من وراء من وراء حذفت من اكتفاء بالأولى

الثاني أن تكون تأكيدا لفظيا للأولى وتبعتها في حركة البناء لقوتها ولأن لها أصلا في الإعراب وبناؤها عارض فهي كحركة المنادي المفرد كقولك يا زيد زيد
الثالث أن يكون بدلا منها
الرابع أن يكون عطف بيان كقوله
إني واسطار سطرا ... لقائل يا نصر نصر نصرا
وهذان الوجهان عند التحقيق لا شيء لأن الشيء لا يبدل بنفسه إلا باختلاف ما في تعريف وتنكير أو إظهار أو إضمار ومع الاتحاد من كل وجه لا يبدل أحدهما من الآخر لخلو هذا الإبدال عن الفائدة وكذلك عطف البيان فإن الشيء لا يتبين بنفسه ولا يفهم حقيقة عطف البيان بين لفظين متساويين من جميع الوجوه وعلىالوجه الأول وهو فتحهما ففيهما وجهان
أحدهما البناء كما تقدم تقريره والثاني الإعراب وتكون فتحة وراء فتحة إعراب ولكنه غير منصرف وتقريره أن وراء لما لم يقصد بها قصد مضاف بعينه صارت كأنها اسم مستقل بنفسه وهو علم جنسي لمطلق الخلفية والكلمة مؤنثة فاجتمع فيها التأنيث والعلمية فمنعت الصرف
وعلى هذا ففي وراء الثانية الأوجه الأربعة التي تقدمت في المضمومة ويدل على صحة ما ذكرنا ما وقع في بعض روايات الحديث من وراء من وراء بتكرار من في الموضعين وفتح وراء وهذا ينفي التركيب فيتعين به الإعراب ومنع الصرف والدليل على تأنيث الكلمة أن الجوهري نص في كتابه على تأنيثها فقال وهي مؤنثة لأنهم قالوا في تصغيرها وريئة قلت ولكن ليس تأنيثها بالهمزة الممدودة بل تأنيثها معنوى لا علامة له لكن ما تأنيثه بالهمزة إذا صغر لم تقع الهمزة في حشوة كحمراء فلما قالوا وريئة علم أن همزتها ليست للتأنيث بل تأنيثها كتأنيث قوس وإذن ونحوهما وقد حكيت في هاتين الكلمتين أربعة أوجه أخرى
أحدها من وراء وراء بكسر الهمزة فيهما وهي كسرة بناء
الثانية من وراء وراء بفتح الأولى وضم الثانية ووجه إضافة الأولى إلى الثانية فأعربت الأولى وبنيت الثانية على الضم قالوا فتكون الأولى ظرفا منصوبا والثانية غاية مقطوعة قلت وتصحيح هذا يستلزم أن يكون وراء صفة لمحذوف ليصح تقدير الظرفية فيه فيكون تقديره من مكان وراء وإلا فمع مباشرة من لا ينتصب ظرفا

الثالثة من وراء وراء بالنصب فيهما علىالظرفية ووجهة ما اشرنا إليه من تقدير موصوف محذوف أي من مكان وراء وراء
الرابعة من وراء وراء بكسر الأولى وفتح الثانية فتجر الأولى بإضافتها وتعرب الثانية إعراب غير المنصرف كقولك من أحجر عثمان وموضوع هذه الكلمة كخلف وضد أمام
وذهب بعض المفسرين واللغوين إلى أنها قد تأتي بمعني أمام فتكون مشتركة بينهما واحتج بأمرين
الأول قوله تعالى ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد وجهنم إنما هي أمام الكافر وكذلك قوله ومن ورائه عذاب غليظ وإنما العذاب الغليظ أمامه وفيما يستقبله
الثاني قوله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان ورائهم ملك أي أمامهم بدليل قراءة عبد الله بن عباس وكان إمامهم ملك وهذا المذهب ضعيف ووراء لا يكون أماماكما لا يكون أمام وراء إلا بالنسبة إلى شيئين فيكون أمام الشيء وراء لغيره ووراء الشي أماما لغيره فهذا الذي يعقل فيها وأما أن يكون وراء زيد بمعنى أمامه فكلا
وأما ما استدلوا به فلا حجة فيه فأما قوله تعالى من ورائه جهنم فالمعنى أنه ملاق جهنم بعد موته فهي من بعده أي بعد مفارقته الدنيا فهي لما كانتبعد حياته كانت وراءه لأن وراء كبعد فكما لا يكون بعد قبل فلا يكون وراء أمام وأنت لو قلت جهنم بعد موت الكافر لم يكن فيها معنى قبل بوجه فوراء ههنا زمان لا مكان فتأمله رحمك الله تعالى فهي خلف زمان حياته وبعده وهي أمامه ومستقبلته فكونها خلفا وأماما باعتبارين وإنما وقع الاشتباه لأن بعدية الزمان إنما يكون فيما يستقبل أمامك كقولك بعد غد وورائية المكان فيما تخلف وراء ظهرك فمن ورائه جهنم ورائية زمان لا مكان
وهي إنما تكون في المستقبل الذي هو أمامك فلما كان معنى الأمام لازم لها ظن من ظن أنها مشتركة ولا اشتراك فيها وكذلك قوله ومن ورائه عذاب غليظ وكذلك من ورائهم جهنم
وأما قوله وكان وراءهم ملك فإن صحت قراءة وكان أمامهم ملك فلها معنى لا يناقض القراءة العامة وهو أن الملك كان خلف ظهورهم وكان مرجعهم عليه فهو

وراءهم في ذهابهم وأمامهم في مرجعهم فالقراءتان بالاعتبارين والله سبحانه وتعالى أعلم فائدة البدل في نية تكرار العامل
قولهم البدل في نية تكرار العامل إن أريد به أن العامل فيه غير العامل في متبوعه فلا بد من إعادته إما ظاهرا وأما مقدرا كما هو مذهب ابن خروف وغيره فضعيف جدا وهو مخالف لمذهب سيبويه فإن الذي دل عليه كلامه أن العامل فيهما هو الأول ويتعين هذا لأن من المبدلات ما يبدل من مجرور ومجزوم ولا يعاد عامله فلو كان العامل مقدرا لزم اطراد إضمار الجار في الجازم في الإبدال من المجرور والمجزوم وهو ممتنع
والذي أوجب لهم ما ادعوه أمران
أحدهما أنهم رأوا البدل كثيرا ما يعاد معه العامل كقوله تعالى قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ولم يروه معادا مع غيره من التوابع إلا نادرا
الثاني أن البدل هو المقصود بالذكر والأول في نية الإطراح فلما كان هو المقصود كانت مباشرته بالعامل أولى بخلاف بقية التوابع فإن المقصود في النعت وعطف البيان والتأكيد هو الأول والثاني توضيح وتبيين
وأما عطف النسق وإن قصد فيه التابع والمتبوع فالمعطوف فيه ثان تابع لمقصود فاكتفى فيه بالعامل الأول ولا حجة في شيء من ذلك أما الأول فمجيء البدل خاليا من تكرار العامل أكثر من اقترانه بإعادة العامل وإنما أعيدت اللامم في الآية لمزيد البيان والاختصاص وأن القول من المستكبرين إنما كان للمؤمنين المستضعفين خاصة
ونظير إعادة اللام ههنا إعادتها في قوله تعالى تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وإذا كانوا يزيدون اللام في قولهم لا أبا لك مع شدة ارتباط المضاف بالمضاف إليه لقصد الاختصاص والتببين فالإتيان بها في مثل هذه الآية أولى واقوى ولهذا لم يعد في قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وفي قوله لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة

وفي قوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ولا في قوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي الاية ولا في قوله ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب ولا في وقوله إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا فنظائره اكثر من ان تذكر
وأما استدلالهم بأن المبدل منه في نية الطرح والمقصود مباشرة العامل للمبدل فغير صحيح فإن الأول مقصود أيضا ولكن ذكر توطئة للمبدل منه ولم يقصد طرحه ويدل عليه قول الشاعر
إن السيوف عدوها وروحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعصب
فجعل الخبر للسيوف وألغى البدل وجعله كالمطروح إذ لو لم يلغه لقال تركا وإنما يكون الأول في نية الطرح في نوعين من البدل وهما بدل الغلط والأكثر فيهما أن يقعا بعد بل والله أعلم فائدة البدل والمبدل البدل والمبدل إما أن يتحدا في المفهوم أولا فإن اتحدا فهو المسمى بدل الكل من الكل وأحسن من هذه التسمية أن يقال بدل العين من العين وبعضهم يقول بدل الموافق من الموافق لأن هذا البدل يجرى فيما لا يقبل التبعيض والكل كقوله تعالى إلى صراط العزيز الحميد وقوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ونحوه وإن لم يتحدا في المفهوم فإما ان يكون الثاني جزءا من الأول أولا فإن كان جزءا منه فهو بدل البعض من الكل وإن لم يكن جزءه فإما أن يصح الاستغناء بالأول عن الثاني أولا فإن صح فهو بدل الاشتمال بملابس إما وصف أو فعل أو طرف أو مجاور أو مقصود من العين أو يكون مظروفا للأول
فالأول كقولك أعجبني زيد حسنه والثاني كقولك أعجبني زيد صلاته والثالث أعجبني زيد داره والرابع أعجبني زيد ثيابه والخامس دعي زيد للطعام أكله والسادس يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه وهل الأول مشتمل علي الثاني أو الثاني علي الأول أو العامل مشتمل عليهما ثلاثة أقوال لا

طائل تحتها وكلها صحيحة لأن الملابسة حاصلة بين الأول والثاني وهي المرادة من الاشتمال وأما اشتمال العامل عليهما وإن عم سائر أقسام البدل فسمى هذا النوع به لأن كل واحد من الأنواع اختص باسمه فأعطى الإسم العام لهذا النوع من البدل
وإن لم يصح الاستغناء بالأول فإما أن يكون المتكلم قد قصده ثم أراد إطراحه أو لم يقصده فإن كان قصده فهو بدل البدا وإن لم يقصده فهو بدل الغلط
فمثال الأول أن تقول أعط السائل رغيفا ثم ترق عليه فتقول دينارا ومثال الثاني أن تقول أكلت لحما ثم تذكر فتقول خبزا فائدة إبدال الجملة من الجملة والمفرد
قد تبدل الجملة من الجملة كبدل الفعل من الفعل والجملة من المفرد كقولك عرفت زيدا ابو من هو قال ابن جني ومنه قول الشاعر
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يتلقيان
قال فكيف يلتقيان بدل من حاجة كأنه قال إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقاؤهما ويبدل المفرد من المفرد
وأما بدل المفرد من الجملة فلا يتصور إلا أن تكون الجملة في تأويل المفرد فيصح إبدال المفرد من معناها لا من لفظها كقولك أزورك يوم يعافيك الله تعالى يوم السرور فائدة بدل النكرة من المعرفة
لا يشترط في بدل النكرة من المعرفة اتحاد اللفظين وشرطه الكوفيون محتجين لقوله تعالى بالناصية ناصية واحتج البصريون بقول الشاعر
فلا وأبيك خير منك إني ... ليؤذيني التحمحم والصهيل فائدة اشتراك المصدر واسم الفاعل في عمل الفعل
يشترك المصدر واسم الفاعل في عملهما عمل الفعل ويفترقان في عشرة أحكام

الأول أن اسم الفاعل يتحمل ضميرا مستترا نحو هذا ضارب زيد والمصدر لا يتحمله فإذا قلت يعجبني أكل الخبز لم يكن في أكل ضمير فقيل لأنه ليس بمشتق والضمير إنمايحمله المشتقات
الثاني أن المصدر يعمل بمعنى المضي والحال والاستقبال لأنه أصل الفعل واسم الفاعل يختص عمله بما إذا كان في معنى الحال والاستقبال لأنه يتحمله لشبهه بالفعل المضارع الذي لا يكون إلا لأحدهما
الثالث أن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول كما يسلط الفعل عليهما واسم الفاعل لا يضاف إلى الفاعل لاستحالة إضافته إلى نفسه
الرابع أن اسم الفاعل يعمل فيما قبله والمصدر لا يعمل فيما قبله وسر الفرق أن المصدر في تقدير أن والفعل فمعموله من صلته فلا يتقدم عليه بخلاف اسم الفاعل
الخامس أن إضافة اسم الفاعل لا يفيد التعريف إلا إذا كان بمعنى المضي وإضافة المصدر تفيد التعريف مطلقا
السادس أن الألف واللام إذا دخلت على أسم الفاعل كانت موصولة وإذا دخلت على المصدر لم تكن موصولة ومن الفرق عود الضمير عليها من اسم الفاعل دون المصدر
السابع أن المصدر ينعقد منه ومن معموله كلام تام لا يفتقر إلي شيء قبله نحو ضربا زيدا واسم الفاعل لا ينعقد منه ومن معمولة كلام تام حتى يعتمد على شيء قبله نحو هذا ضارب زيدا وجاءني مكرم عمرا
الثامن أن جهة عمل المصدر كونه أصلا للفعل وجهة عمل أسم الفاعل كونه فرعا على الفعل
التاسع أن إضافة المصدر لا يمنع من نصبه مفعوله وإضافة أسم الفاعل تمنع من نصبه مفعوله إلا أن يتعدي فعله إلى اكثر من واحد فينتصب حينئذ ما عدا المفعول الأول
العاشر أن الألف واللام إذا دخلت على المصدر أذهبت عمله فلم أنكل عن الضرب مسمعا شاذ نادر وإذا دخلت على اسم الفاعل قوت عمله ولهذا لا يعمل بمعنى المضي فإن اقترنت به الألف واللام عمل تقول هذا الضارب زيدا أمس وسر الفرق أن الألف واللام فيه موصولة تقوى جانب الفعلية فيه بخلافها في المصدر

فائدة إما ليست من حروف العطف
إما لا تكون من حروف العطف لأربعة أوجه
أحدها أنك تقول ضربت إما زيدا وإما عمرا فتذكره قبل معمول الفعل فلو كانت إما من حروف العطف لكنت قد عطفت معمول الفعل عليه وهو ممتنع فلما وقعت إما بين الفعل ومعموله علم أنها ليست بعاطفة
الثاني أنك 4تقول جاءني إما زيد وإما عمروا فتقع إما بين الفعل والفاعل ومعلوم أن الفاعل كالجزء من الفعل فلا يصح الفصل بينهما بالعاطف
الثالث أن تقول وإما عمرو فتدخل الواو عليه ولو كانت حرف عطف لم يدخل عليها حرف عطف آخر كما لا تقول ضربت زيدا أو عمرا
الرابع أن العطف لا بد أن يكون عطف جملة على جملة أو مفرد على مفرد وإذا قلت ضربت إما زيدا وإما عمرا فإما الأولى لم تعطف زيدا علىمفرد ولا يصح عطفه على الجملة بوجه فالصواب أن حروف العطف تسعة لا عشرة فائدة

الكلام على جاءني زيد بل عمرو
إذا قلت جاءني زيد بل عمرو فله معنيان
أحدهما أنك نفيت المجيء عن زيد وأثبته لعمرو وعلى هذا فيكون إضراب نفي والثاني أنك أثبت لعمرو المجيء كما أثبته لزيد وأتيت ب بل لنفي الاقتصار على الأول لا لنفي الإسناد إليه بل لنفي الاقتصار على الإسناد إليه ويسمى إضراب اقتصار وهذا اكثر استعمالا في القرآن وغيره كقوله تعالى أضعاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر مشاعر وكقوله بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ونظائره ويسمى هذا إضرابا وخروجا من قصة إلى قصة وإذا قلت ما جاءني زيد بل عمرو فله معنيان
أحدهما أنك نفيت المجيء عن زيد وأثبته لعمرو وهذا قول الأكثرين والثاني أنك نفيت المجيء عنهما معا فنسبت إلى الثاني حكم الأول وأنت حكمت على الأول بالنفي ثم نسبت هذا الحكم إلى الثاني والتحقيق في أمر هذا الحرف أنه يذكر لتقرير

ما بعده نفيا كان أو إثباتا فالنظر فيه في أمرين فيما قبله فيما بعده ولما لم يفصل كثير من النحاة بين هذين النظرين وقع في كلامهم تخليط كثير في معناه فنقول أما حكم ما بعده فالتقرير والتحقيق وهو شبيه بمصحوب قد وتجريد العناية بالكلام إلي ما بعده أهم عندهم من الاغتناء بما قبله فقوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا المقصود تقرير هذه الجملة لا الإضراب عن قوله قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وكذلك قوله كلا بل لا تكرمون اليتيم المقصود تقرير هذا النفي وتحقيقه لا الإضراب عن قوله وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما وكذلك إذا وقعت بين جملتين متضادتين أفادت تقرير كل واحدة منهما كقوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم فالمقصود تقرير الطلب والخبر وكذلك قول لا تضرب زيدا بل اضرب عمرا وكذلك ما قام زيد بل قام عمرو فهي في ذلك كله لتقرير جملتين وكذلك قوله تعالى أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون المعنى أنكم إذا نزل بكم هذا الأمر العظيم لا تدعون غير الله بل تدعونه وحده فهو تقرير لترك دعائهم الهتهم ولدعائهم الإله الحق وحده فيدخل في مثل ذلك على مقرر بعد مقرر والأول تارة يكون تقريره توطئة للثاني كقوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم اضل وتارة لا يكون توطئة كقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الإرض أو كلم به الموتى بل الله الأمر جميعا وتارة يدخل على كلام مقرر بعد كلام مردود كقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون وفي مثل هذا يظهر معنى الإضراب وليس المراد بهم إضراب عن الذكر بل الإضراب عن المذكور ونفيه وإبطاله وتارة يأتي لتقرير كلام بعد كلام قد رجع عنه المتكلم إما لغلط أو لظهور رأى أو لعروض نسيان وذلك كله إما في الإخبار وإما في المخبر به
فمثال الأول أن تقول أنت عبدي بل سيدي ومثال الثاني لاح برق بل ضوء نار ومثال الثالث خذ هذا بل هذا ومثال الرابع شربت عسلا بل لبنا وتأتي مع التكرار لقصد ما بعدها بالإولوية والذكر دون نفي ما قبلها كقوله تعالى بل قالوا اضعاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فهم لم يقصدوا إبطال ما قبل كل واحدة بل قصدوا أولوية المتأخر بالقصد إليه والاعتماد عليه مع ثبوت ما قبله وكذلك قوله تعالى وما يشعرون أيان يبعثون بل إدارك علمهم في الأخرة بل

هم في شك منها بل هم منها عمون فليس القصد نفي إدراك علمهم في الأخرة ولا نفي شكهم فيها فتأمله ومن مواردها مجيئها بعد قسم لم يذكر جوابه فيتضمن تحقيق ما بعدها وتقريره ويتضمن ذلك مع القسم تحقيق ما قصده بالقسم وتقريره فائدة احتمال اللفظ للمعني ودلالته عليه احتمال اللفظ للمعنى شيء ودلالته عليه شيء فالمطلق بالنسبة إلى المقيدات محتمل غير دال والعام بالنسبة إلى الأفراد دال فائدة حمل اللفظ على المعنى حمل اللفظ على المعنى يراد به صلاحيته له تارة ووضعه له تارة فإن أريد بالحمل الإخبار بالوضع طولب مدعيه بالنقل وأن أريد صلاحيته لم يكف ذلك في حمله عليه لأنه لا يلزم من الصلاحية له أن يكون مرادا به ذلك المعنى هذا إن أريد بالحمل الإخبار عن مراد المتكلم وإن أريد به إنشاء معنى يدعيه صاحب الحمل ثم يحمل عليه الكلام فإن ذلك يكون وضعا جديدا فليتأمل هذا من قولهم يحمل اللفظ على كذا وكذا فكثير من النظار أطلق ذلك ولا يحصل معناها فائدة تجرد اللفظ عن جميع القرائن الدالة على مراد المتكلم
تجرد اللفظ عن جميع القرائن الدالة على مراد المتكلم ممتنع في الخارج وإنما يقدره الذهن ويفرضه وإلا فلا يمكن استعماله إلا مقيدا بالمسند والمسند إليه
ومتعلقاتهما وأخواتهما الدالة على مراد المتكلم فإن كان كل مقيد مجازا استحال أن يكون في الخارج لفظ حقيقة وإن كان بعض المقيدات مجازا وبعضها حقيقة فلا بد من ضابط للقيود التي تجعل اللفظ مجازا والقيود التي لا تخرجه عن حقيقته ولن يجد مدعو المجاز إلى ضابط مستقيم سبيلا البتة فمن كان لديه شيء فليذكره

فائدة منع الدالة ومنع المدلول
منع الدلالة شيء ومنع عليه شيء فالثاني مستلزم للأول من غير عكس فمن منع الدلالة مع تسليم للمدلول عليه فانتقل عنه منازعة إلى دليل آخر كان انقطاعا وإن منع المدلول فانتقل عنه المنازع إلى دليل آخر لم يكن انقطاعا كما إذا طعن الخصم في شهود المدعي فاقام بينه أخرى غير مطعون فيها فله ذلك فينبغي التفطن في المناظرة لذلك فائدة صرف اللفظ عن ظاهره إلى مجازه
من ادعى صرف لفظ عن ظاهره إلى مجازه لم يتم له ذلك إلا بعد إربع مقامات أحدها بيان امتناع إرادة الحقيقة الثاني بيان صلاحية اللفظ لذلك المعنى الذي عينه وإلا كان مفتريا على اللغة الثالث بيان تعيين ذلك المجمل إن كان له عدة مجازات الرابع الجواز عن الدليل الموجب لإرادة الحقيقة فما لم يقم بهذه الأمور الأربعة كانت دعواه صرف اللفظ عن ظاهره ولم يعين له مجملا لزمه أمران أحدهما بيان الدليل الدال على امتناع إرادة الظاهر والثاني جوابه عن المعارض صرف اللفظ عن حقيقتة إلى مجازه
مدعى صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه يتضمن دعواه الإخبار عن مراد المتكلم ومراد الواضع
أما المتكلم فكونه أراد ذلك المعنى الذي عينه الصارف وأما الواضع فكونه وضع اللفظ المذكور دالا على هذا المعنى فإن لم تكن دعواه مطابقة كان كاذبا على المتكلم بخلاف مدعي الحقيقة فإنه إذا تضمنت دعواه إرادة المتكلم للحقيقة وإرادة الواضع كان صادقا أما صدقة على الواضع فظاهر وأما صدقة على المتكلم معرفة مراد المتكلم إنما يحصل بإعادته من كلامه وأنه إنما يخاطب غيره للتفهيم والبيان فمتى عرف ذلك من عادته وخاطبنا لما هو المفهوم من ذلك الخطاب علمنا أنه مراده منه وهذا بحمد بين لاخفاء فيه

فائدة دلالة اللفظ
دلالة اللفظ على مدعى المستدل شيء ودلالته على بطلان قول منازعه شيء آخر وهما ملازمان إن كان القولان متقابلين تقابل التناقض فللمستدل حينئذ تصحيح قوله بأي الطريقين شاء وإن تقابلا تقابل النضاد لم يلزم من إقامته الدليل على بطلان مذهب منازعه صحة مذهبه هو بجواز بطلان المذهبين وكون الحق في ثالث وإن أقام دليلا على صحة قوله لزم منه بطلان قول منازعه لاستحالة جمع الضدين فائدة الاستدلال والدلالة
الاستدلال شيء والدلالة شيء آخر فلا يلزم من الغلط في أحدهما الغلط في الآخر فقد يغلط في الاستدلال والدلالة صحيحة كما يستدل بنص منسوخ أو مخصوص على حكم فهو دال عليه تناولا والغلط في الاستدلال لا في الدلالة وعكسه كما إذا استدللنا بالحيضة الظاهرة على براءة الرحم فحكمنا بحلها للزوج ثم بانت حاملا فالغلط هنا وقع في الدلالة نفسها لا في الاستدلال فتأمل هذه الفروق فائدة تسليم موجب الدليل
تسليم موجب الدليل لا يستلزم تسليم المدعى إلا بشرطين
أحدهما أن يكون موجبه هو المدعى بعينه أو ملزوم المدعى الثاني أن لا يقوم دليل راجح أو مساو على نقيض المدعى ومع وجود هذا المعارض لا يكون تسليم موجب الدليل الذي قد عورض تسليما للمدعى إذ غايته أن يعترف له منازعه بدلالة دليله على المدعى وليس في ذلك تعرض للجواب عن المعارض ولا يتم مدعاه إلا بأمرين جميعا فائدة ما يذكره المجتهد باللغة وما يعين له مجملا
ما يذكره المجتهد العالم بالله من موضوع اللفظ لغة شيء وما يعين له مجملا خاصا في بعض موارده من جملة محامله شيء

فالأول حكم قوله فيه حكم قول أئمة اللغة فيقيد بشرطه والثاني حكم قوله فيه حكم ما يفتى به فيطلب له الدليل مثاله قوله الباء في فامسحوا بوجوهكم للتبعيض فهذا حمل منه للباء على التبعيض في هذا المورد وليس هو كقوله ابن السبيل هوالمسافر الذي انقطع عن أهله ووطنه ونظائره ذلك فهذا نقل محض اللغه والأول استنباط وحمل ومن لم يفرق بين الأمرين غلط في نظره وغالط في مناظرته والله أعلم فائدة قوله بمثل ما آمنتم به
وقوله تعالى بمثل ما آمنتم به وليس له مثل والجواب من أوجه
الأول أن المراد به التبكيت والمعنى حصلوا دينا آخر مثله وهو لا يمكن الثاني أن المثل صلة الثالث أنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف ولا تحريف فإن آمنوا بالتوراة من غير تصحيف ولا تحريف فقد اهتدوا الرابع أن المراد أن آمنوا بمثل ما صرتم به مؤمنين روى ابن جرير أن ابن عباس قال قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم به قال عبد الجبار ولا يجوز ترك القراءة المتواترة فائدة تأنيث عدد الأمثال
قوله تعالى فله عشر أمثالها أنث عدد الأمثال لتأويلها بحسنات ومثله قراءة أبي العالية لا ينفع نفسا إيمانها بالتاء والفعل مسند إلى الإيمان لكنه طاعة وإثابة في المعنى فائدة أقسام الجهل
الجهل قسمان بسيط وهو عبارة عن عدم المعرفة مع عدم تلبس بضد ومركب وهو جهل أرباب الاعتقادات الباطلة والقسم الأول هو الذي يطلب صاحبه العلم أما صاحب الجهل المركب فلا يطلبه

فائدة لغتان في الأجداث
الأجداث القبور وفيها لغتان بالثاء والفاء أهل العالية تقوله بالثاء وأهل السافلة بالفاء فائدة فوائد النوم
في النوم فائدتان إحداهما انعكاس الحرارة إلى البطن فينهضم الطعام الثانية استراحة الأعضاء التي قد كلت بالأعمال فائدة صلاة القاعد والقائم والنائم
في صحيح البخاري ما انفرد به من رواية عمران بن حصين أنه سأل النبي عن صلاة الرجل قاعدا قال إن صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد // رواه البخاري والنسائي وغيرهما // قلت اختلف العلماء هل قوله من صلى قاعدا في الفرض أو النفل فقالت طائفة هذا في الفرض وهو قول كثير من المحدثين واختيار شيخنا فورد على هذا أن من صلى الفرض قاعدا مع قدرته على القيام فصلاته باطلة وإن كان مع عجزه فأجر القاعد مساو لأجر القائم لقوله إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما // رواه البخاري وأحمد // فقال لي شيخنا وضع صلاة القاعد على النصف مطلقا وإنما كمل الأجر بالنية للعجز قلت ويرد على كون هذا في الفرض قوله إن صلى قائما فهو أفضل وهذا لا يكون في الفرض مع القدرة لأن صلاته قائما لا مساواة بينها وبين صلاته قاعدا لأن صلاته قاعدا والحالة هذه باطلة فهذه قرينة تدل على أن ذلك في النفل كما قاله طائفة أخرى لكن يرد عليه أيضا قوله ومن صلى نائما فإنه يدل على جواز التطوع

للمضطجع وهو خلاف قول الأئمة الأربعة مع كونه وجها في مذهب أحمد والشافعي
وقال الخطابي تأولت الحديث في شرح البخاري علي النافلة إلا ان قوله من صلى نائما يبطل هذا التأويل لعدم جواز التطوع نائما
وقال في شرح أبي داود أنا الآن أتأوله على الفرض وأحمله على من كان القيام مشقا عليه فإذا صلى قاعدا مع إمكان القيام ومشقته فله نصف أجر القائم
وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لا يجوز التنفل مضطجعا قلت في الترمذي جوازه عن الحسن البصري وروى الترمذي بإسناده عن الحسن قال إن شاء صلى صلاة التطوع وجالسا قائما ومضطجعا والله أعلم فائدة معنى من في قوله كل من عليها فان
قوله تعالى كل من عليها فان ولم يقل فيها لأن عند الفناء ليس الحال حال القرار والتمكين فائدة فضل عرفة على عاشوراء
إن قيل لم كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين قيل فيه وجهان عاشور
الثاني أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات
أحدهما أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف المصطفى والله أعلم منتخب من الفوائد المنتقية من الرقوم الشرقية فائدة معنى السبت
من كتاب المجمل لابن فارس السبت من الأيام والجمع أسبت وسبوت

والسبت الدهر والسبت الراحة والسبت السير السهل والسبت حلق الرأس والسبت الحيرة والمسبت المتحير والسبت ضرب العنق والسبت الغلام العارم قال يصبح سهلان ويمسى مسبتا والسبت جلود مدبوغة بقرظ فائدة جديد الموت
روي أنا لما حضرت الحطيئة الوفاة قال لكل جديد لذة غير انني وجدت جديد الموت غير لذيذ فائدة لغات إبراهيم
في إبراهيم ست لغات أحدها إبراهيم وهي اللغة الفاشية والثانية إبراهم والثالثة إبراهم والرابعة إبراهيم والخامسة إبراهام والسادسة أبرهم
قال عبد المطلب
عذت بما عاذ به إبراهم ... مستقبل الكعبة وهو قائم
وقال أيضا
نحسن آل الله في كعبة ... لم يزل ذاك على عهد إبراهم فائدة معاني المولى
قال ابن الأثير في النهاية وقد تكرر ذكر الموالي في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو
الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه
قال في النهاية أيضا القنوت في الحديث ويرد بمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والسكوت

فائدة العلوم التابعة والمتقدمة
العلوم التابعة هي الانفعالية والمتقدمة هي الفعلية وعلوم الله تعالى فعليه والانفعالي عليه محال قال الشيخ قلت العلم الفعلي هو الذي يتبعه الفعل كمن يعلم مصلحة فيفعلها والعلم الانفعالي هو الذي ينشأ عن الأسباب كما إذا أمر زيد بين يديك فحصل لك العلم بمروره وقد يكون علما خاليا عن القسمين كعلمنا بوجود السماء فائدة القبلة والبوس
القبلة عربية والبوس فارسي فائدة
الأشياء والعقل
قال الراغب الأشياء ثلاثة أقسام واجب والعقل يقتضيه وممتنع والعقل ينفيه وجائز والعقل يتوقف فيه فائدة معنى سبحانك اللهم وبحمدك
قال المارزي المعنى في قول الإنسان سبحانك اللهم وبحمدك أي بحمدك سبحانك فائدة حقائق لا تتعلق إلا بمعدوم
عشر حقائق لا تتعلق إلا بمعدوم الشرط وجزاؤه والأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمنى والإباحة

فائدة الربا بين المسلم والحربي
قال في المحرر الربا محرم إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما ولم يذكر هذه المسألة في المغنى وذكر تحريم الربا مطلقا
وقال أبو حنيفة لا يحرم الربا في دار الحرب قال الشيخ قلت رأيت في تحريم الربا بين المسلم والحربي الذي لا أمان بينهما روايتين منصوصتين فائدة إطلاق من علي غير العاقل
قال تعالى فمنهم من يمشي على بطنه وكذا على أربع يدل على استعمال من فيمن لا يعقل وفيه وجهان
أحدهما أن صدر الآية قوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء فاجتمع جميع الدواب ومنهم العالمون كالإنس وغير العالمين كالبهائم والقاعدة إذا اجتمع من يعقل وغيره غلب من يعقل فلما وقع التفصيل وقع تفصيلا للعقلاء فقط
الوجه الثاني أنه قابل من يمشي في قوله ومنهم من يمشي على رجلين فعدل عن الأصل للمقابلة المطلوبة
وقيل ما للعالمين أيضا كقوله لا أعبد ما تعبدون وأجيب بأن ما هنا مصدرية تقديره ولا أنتم عابدون عبادتي ولا أنا عابد عبادتكم فما عبر بها إلا عمن لا يعقل وكذلك اجابوا عن قوله ونفس وما سواها غير أنه أشكل عليهم الضمير في قوله تعالى فألهمها فجورها وتقواها وما المصدرية حرف لا تعود عليها الضمائر والتزم بعضهم عود الضمير عليها أعنى المصدرية وهو ضعيف
ومما أول قوله تعالى وما خلق الذكر والانثى ومما عسر تأويله قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء والنساء يعقلن قال الشيخ قلت ذكر أبو البقاء وغيره أنه إنما قيل ونفس وما سواها لأن من لم يعقل ولا يوصف الله تعالى بهذا الإطلاق وإنما يوصف بالعلم فأتي ب ما الدالة على مسمى شيء سواها

وأما قوله ما طاب لكم فهي لصفات من يعقل والصفات لا تعقل فهي على أصلها
وأما قوله تعالى لما خلقت بيدي فقال جماعة من النحاة يعبر بها عن نوع من يعقل كقوله لما خلقت بيدي ولا يعبر بها عن شخص من يعقل فلا يقال جاءنى ما عندك قال الشيخ قلت وهذا ضعيف لأن آدم شخص لا نوع وإنما أتى بما في حقه ليكون اللائمة إلى ترك السجود بمجرد مخالفة الأمر من غير تعلق بغيرها

مسألة الشتم بقول يا مخنث
إذا قال يا مخنث فليس فيه حد نص عليه قال الشيخ قلت لأن مدلول هذا ليس صريحا في عمل الفاحشة بل في زيادة التشبه بالنساء ومنه الحديث كان يدخل عليهن مخنث فائدة الشفاعة خاصة بمحمد
قال أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال سمعت بعض شيوخنا يقول إنما امتنع سائر الأنبياء من الشفاعة لأنهم عوتبوا قبل الغفران فأحجمهم عن الهجوم عليه ونبينا عليه السلام غفر له قبل العتاب فائدة أقسام الحلولات
الحلولات ثلاثة أقسام حلول الإحاطة كحلول الماء في الكوز وحلول السريان كحلول السواد في الجوهر وحلول الغاية والظرفية كحلول النقطة في الخط
قال الشيخ قلت حلول الروح في البدن قد يشبه حلول الإحاطة بمعنى أن البدن محيط بالروح لأنه ليس بحلول السريان ولا بحلول الغاية فإن لم يكن من حلول الماء في الظرف فهو نوع آخر من الحلول

فائدة الشرب في رمضان
إذا شرب في رمضان زيد الحد عشرين تعزيزا كما فعله علي بالنجاشي نص عليه وقال أبو بكر يجلد خمسين أربعين للشرب وعشرة لرمضان
فائدة التعزية بالعباس لما توفى العباس أحجم الناس عن تعزية ولده عبد
الله إجلالا له وتعظيما حتى قدم رجل من البادية فأنشده
إصبر نكن بك صابرين وإنما ... صبر الرعية عند الصبر الراس
خير من العباس صبرك بعده ... والله خير منك للعباس
قال فسرى عنه وأقبل الناس على تعزيته فائدة الفرق بين يفترقان ويتفرقان
قال أبو عمر غلام شعبة سأل أبو موسى أبا العباس يعنى ثعلبا هل بين يتفرقان ويفترقان خلاف قال نعم أخبرنا ابن الأعرابي عن المفضل قال يقال افترقا بالكلام وتفرقا بالإجسام فائدة اصحاب الرسول
في الحديث أصحابي كالنجوم فهذا // موضوع // عام وفي الصحيح لا تسبوا أصحابي // رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي // وهو عموم أيضا وفي المأثور إن الله اختارني واختار لي

أصحابا // صحيح // وهو عام أيضا وفي سند الترمذي وصححه عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي // صحيح // فخص الأربعة وروى الشافعي وغيره اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر // صحيح // فهذا خصوص من خصوص وفي الصحيح أنه قال للمرأة فإن لم تجديني فأتي أبا بكر // رواه البخاري ومسلم // وهذا خاص من خاص من خاص في الدرجة الثالثة

فائدة عزيز الوجود المعتزلة على خلق القرآن الكريم
احتج المعتزلة على مخلوقية القرآن بقوله تعالى خالق كل شيء ونحو ذلك من الآيات فإجاب الأكثرون بأنه عام مخصوص يخص محل النزاع كسائر الصفات من العلم ونحوه
قال ابن عقيل في ألإرشاد ووقع لي أن القرآن لا يتناوله هذا الإخبار ولا يصلح

لتناوله قال لأن به حصل عقد ألإعلام بكونه خالقا لكل شيء وما حصل به عقد الإعلام والإخبار لم يكن داخلا تحت الخبر قال ولو أن شخصا قال لا أتكلم اليوم كلاما إلا كان كذبا لم يدخل إخباره بذلك تحت ما اخبر به
قلت ثم تدبرت هذا فوجدته مذكورا في قوله تعالى في قصة مريم فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا وإنما أمرت بذلك لئلا تسأل عن ولدها فقولها فلن أكلم اليوم إنسيا به حصل إخبار بأنها لاتكلم الإنس ولم يكن ما أخبرت به داخلا تحت الخبر وإلا كان قولها هذا مخالفا لنذرها
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5