الكتاب : بداية المجتهد و نهاية المقتصد
المؤلف : أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي

فلزمه أجرة المثل أصله التعدي على سائر المنافع وأما مالك فكأنه لما حبس الدابة عن أسواقها رأى أنه قد تعدى عليها فيها نفسها فشبهه بالغاصب وفيه ضعف وأما مذهب أبي حنيفة فبعيد جدا عما تقتضيه الأصول الشرعية والأقرب إلى الأصول.
في هذه المسألة هو قول الشافعي.
وعند مالك أن عثار الدابة لو كانت عثور تعد من صاحب الدابة يضمن بها الحمل وكذلك إن كانت الحبال رثة ومسائل هذا الباب كثيرة.
وأما الذين اختلفوا في ضمانهم من غير تعد إلا من جهة المصلحة فهم الصناع ولا خلاف عندهم أن الأجير ليس بضامن لما هلك عنده مما استؤجر عليه إلا أن يتعدى ما عدا حامل الطعام والطحان فإن مالكا ضمنه ما هلك عنده إلا أن تقوم له بينة على هلاكه من غير سببه.
وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم فإنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف يضمنون ما هلك عندهم وقال أبو حنيفة لا يضمن من عمل بغير أجر ولا الخاص ويضمن المشترك ومن عمل بأجر.
وللشافعي قولان في المشترك.
والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر وقيل هو الذي لم ينتصب للناس وهو مذهب مالك في الخاص وهو عنده غير ضامن وتحصيل مذهب مالك على هذا أن الصانع المشترك يضمن وسواء عمل بأجر أو بغير أجر وبتضمين الصناع قال علي وعمر وإن كان قد اختلف عن علي في ذلك.
وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن ضمنه فلا دليل له إلا النظر إلى المصلحة وسد الذريعة.
وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا بأجر فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع وإذا قبضها بأجر فالمنفعة لكليهما فغلبت منفعة القابض أصله القرض والعارية عند الشافعي وكذلك أيضا من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة والأجير عند مالك كما قلنا لا يضمن إلا أنه استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه وكذلك الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتعدي وصاحب الحمام لا يضمن عنده هذا هو المشهور عنه وقد قيل يضمن.
وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على هلاكه عندهم من غير تعد منهم ولا تفريط وهو شذوذ ولا خلاف أن

الصناع لا يضمنون ما لم يقبضوا في منازلهم.
واختلف أصحاب مالك إذا قامت البينة على هلاك المصنوع وسقط الضمان عنهم هل تجب لهم الأجرة أم لا إذا كان هلاكه بعد إتمام الصنعة أو بعد تمام بعضها فقال ابن القاسم لا أجرة لهم وقال ابن المواز لهم الأجرة ووجه ما قال ابن المواز أن المصيبة إذا نزلت بالمستأجر فوجب أن لا يمضي عمل الصانع باطلا ووجه ما قال ابن القاسم أن الأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل فأشبه ذلك إذا هلك بتفريط من الأجير وقول ابن المواز أقيس وقول ابن القاسم أكثر نظرا إلى المصلحة لأنه رأى أن يشتركوا في المصيبة.
ومن هذا الباب اختلافهم في ضمان صاحب السفينة فقال مالك لا ضمان عليه وقال أبو حنيفة عليه الضمان إلا من الموج وأصل مذهب مالك أن الصناع يضمنون كل ما أتى على أيديهم من حرق أو كسر في المصنوع أو قطع إذا عمله في حانوته وإن كان صاحبه قاعدا معه إلا فيما كان فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب الجوهر ونقش.
الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والطبيب يموت العليل من معالجته وكذلك البيطار إلا أن يعلم أنه تعدى فيضمن حينئذ.
وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية على العاقلة فيما فوق الثلث وفي ماله فيما دون الثلث وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية قيل في ماله وقيل على العاقلة.
الفصل الثالث في معرفة حكم الاختلاف
وهو النظر في الاختلاف وفي هذا الباب أيضا مسائل فمنها أنهم اختلفوا إذا اختلف الصانع ورب المصنوع في صفة الصنعة فقال أبو حنيفة القول قول رب المصنوع وقال مالك وابن أبي ليلى القول قول الصانع.
وسبب الخلاف:
من المدعي منهما على صاحبه ومن المدعى عليه ومنها إذا ادعى الصناع رد ما استصنعوا فيه وأنكر ذلك الدافع فالقول عند مالك قول الدافع وعلى الصناع البينة لأنهم كانوا ضامنين لما في أيديهم وقال ابن الماجشون القول قول الصناع إن كان ما دفع إليهم دفع بغير بينة وإن كان دفع إليهم ببينة فلا يبرؤون إلا ببينة.
وإذا اختلف الصانع ورب المتاع

في دفع الأجرة فالمشهور في المذهب أن القول قول الصانع مع يمينه إن قام بحدثان ذلك وإن تطاول فالقول قول رب المصنوع وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري وقيل بل القول قول الصانع وقول المكري وإن طال وهو الأصل.
وإذا اختلف المكري والمكتري أو الأجير والمستأجر في مدة الزمان الذي وقع فيه استيفاء المنفعة إذا اتفقا على أن المنفعة لم تستوف في جميع الزمان المضروب في ذلك فالمشهور في المذهب أن القول قول المكتري والمستأجر لأنه الغارم والأصول على أن القول قول الغارم وقال ابن الماجشون القول قول المكترى له والمستأجر إذا كانت العين مستوفاة منها المنافع في قبضهما مثل الدار وما أشبه ذلك.
وأما ما لم يكن في قبضه مثل الأجير فالقول قول الأجير.
ومن مسائل المذهب المشهورة في هذا الباب اختلاف المتكاريين في الدواب وفي الرواحل وذلك أن اختلافهما لا يخلو أن يكون في قدر المسافة أو نوعها.
أو قدر الكراء أو نوعه فإن كان اختلافهما في نوع المسافة أو في نوع الكراء فالتحالف والتفاسخ كاختلاف المتبايعين في نوع الثمن قال ابن القاسم انعقد أو لم ينعقد وقال غيره القول قول رب الدابة إذا انعقد وكان يشبه ما قال.
وإن كان اختلافهما في قدر المسافة فإن كان قبل الركوب أو بعد ركوب يسير فالتحالف والتفاسخ وإن كان بعد ركوب كثير أو بلوغ المسافة التي يدعيها رب الدابة فالقول قول رب الدابة في المسافة إن انتقد وكان يشبه ما قال وإن لم ينتقد وأشبه قوله تحالفا ويفسخ الكراء على أعظم المسافتين فما جعل منه للمسافة التي ادعاها رب الدابة أعطيه.
وكذلك إن انتقد ولم يشبه قوله وإن اختلفا في الثمن واتفقا على المسافة فالقول قول المكتري نقد أو لم
ينقد لأنه مدعى عليه.
وإن اختلفا في الأمرين جميعا في المسافة والثمن مثل أن يقول رب الدابة بقرطبة اكتريت منك إلى قرمونة بدينارين ويقول المكتري بل بدينار إلى إشبيلية فإن كان أيضا قبل الركوب أو بعد ركوب لا ضرر عليهما في الرجوع تحالفا وتفاسخا وإن كان بعد سير كثير أو بلوغ المسافة التي يدعيها رب الدابة فإن كان لم ينقد المكتري شيئا كان القول قول رب الدابة في المسافة والقول قول المكتري في الثمن ويغرم من الثمن ما يجب له من قرطبة إلى قرمونة على أنه لو كان الكراء به إلى إشبيلية وذلك أنه أشبه قول المكتري وإن لم يشبه ما قال وأشبه رب الدابة غرم دينارين

وإن كان المكتري نقد الثمن الذي يدعي أنه للمسافة الكبرى وأشبه قول رب الدابة كان القول قول رب الدابة في المسافة ويبقى له ذلك الثمن الذي قبضه لا يرجع عليه بشيء منه إذ هو مدعى عليه في بعضه وهو يقول بل هو لي وزيادة فيقبل قوله فيه لأنه قبضه ولا يقبل قوله في الزيادة ويسقط عنه ما لم يقرب به من المسافة أشبه ما قال أو لم يشبه إلا أنه إذا لم يشبه قسم الكراء الذي أقر به المكتري على المسافة كلها فيأخذ رب الدابة من ذلك ما ناب المسافة التي ادعاها.
وهذا القدر كاف في هذا الباب.

كتاب الجعل
والجعل هو الإجارة على منفعة مظنون حصولها مثل مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على الحذاق والناشد على وجود العبد الآبق.
وقد اختلف العلماء في منعه وجوازه فقال مالك يجوز ذلك في اليسير بشرطين أحدهما أن لا يضرب لذلك أجلا.
والثاني أن يكون الثمن معلوما وقال أبو حنيفة لا يجوز وللشافعي قولان.
وعمدة من أجازه قوله تعالى :{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} وإجماع الجمهور على جوازه في الإباق والسؤال وما جاء في الأثر من أخذ الثمن على الرقية بأم القرآن.
وقد تقدم ذلك.
وعمدة من منعه الغرر الذي فيه قياسا على سائر الإجارات ولا خلاف في مذهب مالك أن الجعل لا يستحق شيء منه إلا بتمام العمل وأنه ليس بعقد لازم.
واختلف مالك وأصحابه في هذا الباب في كراء السفينة هل هو جعل أو إجارة فقول مالك ليس لصاحبها كراء إلا بعد البلوغ وهو قول ابن القاسم ذهابا إلى أن حكمها حكم الجعل.
وقال ابن نافع من أصحابه له قدر ما بلغ من المسافة فأجرى حكمه مجرى الكراء
وقال أصبغ إن لجج فهو جعل وإن لم يلجج فهو إجارة له بحسب الموضع الذي وصل إليه.
والنظر في هذا الباب في جوازه ومحله وشروطه وأحكامه.
ومحله هو ما كان من الأفعال لا ينتفع الجاعل بجزء منه لأنه إذا انتفع الجاعل بجزء مما عمل الملتزم للجعل

ولم يأت بالمنفعة التي انعقد الجعل عليها وقلنا على حكم الجعل إنه.إذا لم يأت بالمنفعة التي انعقد الجعل عليها لم يكن له شيء فقد انتفع الجاعل بعمل المجعول من غير أن يعوضه من عمله بأجر وذلك ظلم ولذلك يختلف الفقهاء في كثير من المسائل هل هو جعل أو إجارة مثل مسألة السفينة المتقدمة هل هي مما يجوز فيها الجعل أو لا يجوز مثل اختلافهم في المجاعلة على حفر الآبار وقالوا في المغارسة إنها تشبه الجعل من جهة والبيع من جهة وهي عند مالك أن يعطي الرجل أرضه لرجل على أن يغرس فيه عددا من الثمار معلوما فإذا استحق الثمر كان للغارس جزء الأرض متفق عليه.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما)
كتاب القراضولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام.
وأجمعوا على أن صفته أن يعطي الرجل الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من ربح المال أي جزء كان مما يتفقان عليه ثلثا أو ربعا أو نصفا وأن هذا مستثنى من الإجارة المجهولة وأن الرخصة في ذلك إنما هي لموضع الرفق بالناس وأنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد وإن كان اختلفوا فيما هو تعد مما ليس بتعد.
وكذلك أجمعوا بالجملة على أنه لا يقترن به شرط يزيد في مجهلة الربح أو في الغرر الذي فيه وإن كان اختلفوا فيما يقتضي ذلك من الشروط مما لا يقتضي.
وكذلك اتفقوا على أنه يجوز بالدنانير والدراهم واختلفوا في غير ذلك.
وبالجملة فالنظر فيه في صفته وفي محله وفي شروطه وفي أحكامه ونحن نذكر في باب باب من هذه الثلاثة الأبواب مشهورات مسائله.
الباب الأول في محله أما صفته فقد تقدمت وأنهم أجمعوا عليها وأما محله فإنهم أجمعوا على أنه جائز بالدنانير والدراهم واختلفوا في العروض فجمهور فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز القراض بالعروض وجوزه ابن أبي ليلى وحجة الجمهور أن

رأس المال إذا كان عروضا كان غررا لأنه يقبض العرض وهو يساوي قيمة ما ويرده وهو يساوي قيمة غيرها فيكون رأس المال والربح مجهولا.
وأما إن كان رأس المال ما به يباع العروض فإن مالكا منعه والشافعي أيضا وأجازه أبو حنيفة.
وعمدة مالك أنه قارضه على ما بيعت به السلعة وعلى بيع السلعة نفسها فكأنه قراض ومنفعة مع أن ما يبيع به السلعة مجهول فكأنه إنما قارضه على رأس مال مجهول.
ويشبه أن يكون أيضا إنما منع المقارضة
على قيم العروض لمكان ما يتكلف المقارض في ذلك من البيع وحينئذ ينض رأس مال القراض وكذلك إن أعطاه العرض بالثمن الذي اشتراه به ولكنه أقرب الوجوه إلى الجواز ولعل هذا هو الذي جوزه ابن أبي ليلى بل هو الظاهر من قولهم فإنهم حكوا عنه أنه يجوز أن يعطى الرجل ثوبا يبيعه فما كان فيه من ربح فهو بينهما وهذا إنما هو على أن يجعلا أصل المال الثمن الذي اشترى به الثوب ويشبه أيضا إن جعل رأس المال الثمن أن يتهم المقارض في تصديقه رب المال بخرصه على أخذ القراض منه.
واختلف قول مالك في القراض بالنقد من الذهب والفضة فروى عنه أشهب منع ذلك وروى ابن القاسم جوازه ومنه في المصوغ وبالمنع في ذلك قال الشافعي والكوفي فمن منع القراض بالنقد شبهها بالعروض ومن أجازه شبهها بالدراهم والدنانير لقلة اختلاف أسواقها.
واختلف أيضا أصحاب مالك في القراض بالفلوس فمنعه ابن القاسم وأجازه أشهب وبه قال محمد بن الحسن وجمهور العلماء مالك والشافعي وأبو حنيفة على أنه إذا كان لرجل على رجل دين لم يجز أن يعطيه له قراضا قبل أن يقبضه أما العلة عند مالك فمخافة أن يكون أعسر بماله فهو يريد أن يؤخره عنه على أن يزيد فيه فيكون الربا المنهي عنه وأما العلة عند الشافعي وأبي حنيفة فإن ما في الذمة لا يتحول ويعود أمانة.
واختلفوا فيمن أمر رجلا أن يقبض دينا له على رجل آخر ويعمل فيه على جهة القراض فلم يجز ذلك مالك وأصحابه لأنه رأى أنه ازداد على العامل كلفة وهو ما كلفه من قبضه وهذا على أصله أن من اشترط منفعة زائدة في القراض أنه فاسد وأجاز ذلك الشافعي والكوفي قالوا لأنه وكله على القبض لا أنه جعل القبض شرطا في المصارفة فهذا هو القول في محله.
وأما صفته فهي الصفة التي قدمناها.

الباب الثاني في مسائل الشروط
وجملة ما لا يجوز من الشروط عند الجميع هي ما أدى عندهم إلى غرر أو إلى مجهلة زائدة.
ولا خلاف بين العلماء أنه إذا اشترط أحدهما لنفسه من الربح شيئا زائدا غير ما انعقد عليه القراض أن ذلك لا يجوز لأنه يصير ذلك الذي انعقد عليه القراض مجهولا وهذا هو الأصل عند مالك في أن لا يكون مع القراض بيع ولا كراء ولا سلف ولا عمل ولا مرفق يشترطه أحدهما لصاحبه مع نفسه فهذه جملة ما اتفقوا عليه وإن كانوا قد اختلفوا في التفصيل فمن ذلك اختلافهم إذا شرط العامل الربح كله له فقال مالك يجوز وقال الشافعي لا يجوز وقال أبو حنيفة هو قرض لا قراض فمالك رأى أنه إحسان من رب المال وتطوع إذ كان يجوز له أن يأخذ منه الجزء القليل من المال الكثير والشافعي رأى أنه غرر لأنه إن كان خسران فعلى رب المال وبهذا يفارق القرض وإن كان ربح فليس لرب المال فيه شيء.
ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل فقال مالك لا يجوز القراض وهو فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه القراض جائز والشرط باطل.
وعمدة مالك أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد وأما أبو حنيفة فشبهه بالشرط الفاسد في البيع على رأيه أن البيع جائز والشرط باطل اعتمادا على حديث بريرة المتقدم.
واختلفوا في المقارض.
يشترط رب المال عليه خصوص التصرف مثل أن يشترط عليه تعيين جنس ما من السلع أو تعيين جنس ما من البيع أو تعيين موضع ما للتجارة أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم فقال مالك والشافعي في اشتراط جنس من السلع لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف وقتا ما من أوقات السنة وقال أبو حنيفة يلزمه ما اشترط عليه وإن تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن.
فمالك والشافعي رأيا أن هذا الاشتراط من باب التضييق على المقارض فيعظم الغرر بذلك و أبو حنيفة استخف الغرر الموجود في ذلك كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في ذلك بإجماع.
ولا يجوز القراض المؤجل عند الجمهور وأجازه أبو حنيفة إلا أن يتفاسخا.
فمن لم يجزه

رأى أن في ذلك تضييفا على العامل يدخل عليه مزيد غرر لأنه ربما بارت عنده سلع فيضطر عند بلوغ الأجل إلى بيعها فيلحقه في ذلك ضرر ومن أجاز الأجل شبه القراض بالإجارة.
ومن هذا الباب اختلافهم في جواز اشتراط رب المال زكاة الربح على العامل في حصته من الربح فقال مالك في الموطأ لا يجوز ورواه عنه أشهب وقال ابن القاسم ذلك جائز ورواه عن مالك وبقول مالك قال الشافعي وحجة من لم يجزه أنه تعوض حصة العامل ورب المال مجهولة لأنه لا يدري كم يكون المال في حين وجوب الزكاة فيه وتشبيها باشتراط زكاة أصل المال عليه أعني على العامل فإنه لا يجوز باتفاق.
وحجة ابن القاسم أنه يرجع إلى جزء معلوم النسبة وإن لم يكن معلوم القدر لأن الزكاة معلومة النسبة من المال المزكى فكأنه اشترط عليه في الربح الثلث إلا ربع العشر أو النصف إلا ربع العشر أو الربع إلا ربع العشر وذلك جائز وليس مثل اشتراطه زكاة رأس المال لأن ذلك معلوم القدر غير معلوم النسبة فكان ممكنا أن يحيط بالربح فيبقى عمل المقارض باطلا وهل يجوز أن يشترط ذلك المقارض على رب المال في المذهب فيه قولان قيل بالفرق بين العامل ورب المال وقيل يجوز أن يشترطه العامل على رب المال ولا يجوز أن يشترطه رب المال على العامل وقيل عكس هذا.
واختلفوا في اشتراط العامل على رب المال غلاما بعينه على أن يكون للغلام نصيب من المال فأجازه مالك والشافعي وأبو حنيفة.
وقال أشهب من أصحاب مالك لا يجوز ذلك فمن أجاز ذلك شبهه بالرجل يقارض الرجلين ومن لم يجز ذلك رأى أنها زيادة ازدادها العامل على رب المال.
فأما إن اشترط العامل غلامه فقال الثوري لا يجوز وللغلام فيما عمل أجرة المثل وذلك أن حظ العامل يكون عنده مجهولا.
القول في أحكام القراض
والأحكام منها ما هي أحكام القراض الصحيح ومنها ما هي أحكام القراض الفاسد وأحكام القراض الصحيح منها ما هي من موجبات العقد أعني أنها تابعة لموجب العقد.
ومختلف فيها هل هي تابعة أوغير تابعة ومنها أحكام طوارئ تطرأ على العقد مما لم يكن موجبه من نفس العقد مثل التعدي

والاختلاف وغير ذلك.
ونحن نذكر من هذه الأوصاف ما اشتهر عند فقهاء الأمصار.
ونبدأ من ذلك بموجبات العقد فنقول إنه أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض وإن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض.
واختلفوا إذا شرع العامل فقال مالك هو لازم وهو عقد يورث فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كانوا في القراض مثل أبيهم وإن لم يكونوا أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين وقال الشافعي وأبو حنيفة لكل واحد منهم الفسخ إذا شاء وليس هو عقد يورث.
فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر ورآه من العقود المورثة.
والفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل.
ولا خلاف بينهم أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح بعد أن ينض جميع رأس المال وأنه إن خسر ثم اتجر ثم ربح جبر الخسران من الربح.
واختلفوا في الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا فيهلك بعضه قبل أن يعمل فيه ثم يعمل فيه فيربح فيريد المقارض أن يجعل رأس المال بقية المال بعد الذي هلك هل له ذلك أم لا فقال مالك وجمهور العلماء إن صدقه رب المال أو دفع رجل مالا قراضا لرجل فهلك منه جزء قبل أن يعمل فأخبره بذلك فصدقه ثم قال له يكون الباقي عندك قراضا على الشرط المتقدم لم يجز حتى يفاصله ويقبض منه رأس ماله وينقطع القراض الأول.
وقال ابن حبيب من أصحاب مالك إنه يلزمه في ذلك القول ويكون الباقي قراضا وهذه المسألة هي من أحكام الطوارئ ولكن ذكرناها هنا لتعلقها بوقت وجوب القسمة وهي من أحكام العقد واختلفوا هل للعامل نفقته من المال المقارض عليه أم لا على ثلاثة أقوال فقال الشافعي في أشهر أقواله لا نفقة له أصلا إلا أن يأذن له رب المال وقال قوم له نفقته وبه قال إبراهيم النخعي والحسن وهو أحد ما روي عن الشافعي وقال آخرون له النفقة في السفر من طعامه وكسوته وليس له شيء في الحضر وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وجمهور العلماء إلا أن مالكا قال إذا كان المال يحمل ذلك وقال الثوري ينفق ذاهبا ولا ينفق راجعا.
وقال الليث يتغدى في المصر ولا يتعشى وروي عن الشافعي أن له نفقته في المرض والمشهور عنه مثل قول الجمهور أن لا نفقة له

في المرض. وحجة من لم يجزه أن ذلك زيادة منفعة في القراض فلم يجز.
أصله المنافع.
وحجة من أجازه أن عليه العمل في الصدر الأول ومن أجازه في الحضر شبهه بالسفر.
وأجمع علماء الأمصار على أنه لا يجوز للعامل أن يأخذ نصيبه من الربح إلا بحضرة رب المال وأن حضور رب المال شرط في قسمة المال وأخذ العامل حصته وأنه ليس يكفي في ذلك أن يقسمه بحضور بينة ولا غيرها.
القول في أحكام الطوارئ
واختلفوا إذا أخذ المقارض حصته من غير حضور رب المال ثم ضاع المال أو بعضه فقال مالك إن أذن له رب المال في ذلك فالعامل مصدق فيما ادعاه من الضياع وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري ما أخذ العامل يرده ويجبر به رأس المال ثم يقتسمان فضلا إن كان هنالك.
واختلفوا إذا هلك مال القراض بعد أن اشترى العامل به سلعة ما وقبل أن ينقده البائع.
فقال مالك البيع لازم للعامل ورب المال مخير إن شاء دفع قيمة السلعة مرة ثانية ثم تكون بينهما على ما شرطا من المقارضة وإن شاء تبرأ عنها وقال أبو حنيفة بل يلزم ذلك الشراء رب المال شبهه بالوكيل إلا أنه قال يكون رأس المال في ذلك القراض الثمنين ولا يقتسمان الربح إلا بعد حصوله عينا أعني ثمن تلك السلعة التي تلفت أولا والثمن الثاني الذي لزمه بعد ذلك.
واختلفوا في بيع العامل من رب المال بعض سلع القراض فكره ذلك مالك وأجازه أبو حنيفة على الإطلاق وأجازه الشافعي بشرط أن يكونا قد تبايعا بما لا يتغابن الناس بمثله.
ووجهه ما كره من ذلك مالك أن يكون يرخص له في السلعة من أجل ما قارضه فكأن رب المال أخذ من العامل منفعة سوى الربح الذي اشترط عليه.
ولا أعرف خلافا بين فقهاء الأمصار أنه إن تكارى العامل على السلع إلى بلد فاستغرق الكراء قيم السلع وفضل عليه فضلة أنها على العامل لا على رب المال لأن رب المال إنما دفع ماله إليه ليتجر به فما كان من خسران في المال فعليه وكذلك ما زاد على المال واستغرقه.
واختلفوا في العامل يستدين مالا فيتجر به مع مال القراض فقال مالك: ذلك

لا يجوز وقال الشافعي وأبو حنيفة ذلك جائز ويكون الربح بينهما على شرطهما وحجة مالك أنه كما لا يجوز أن يستدين على المقارضة كذلك لا يجوز أن يأخذ دينا فيها.
واختلفوا هل للعامل أن يبيع بالدين إذا لم يأمره به رب المال فقال مالك ليس له ذلك فإن فعل ضمن وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة له ذلك.
والجميع متفقون على أن العامل إنما يجب له أن يتصرف في عقد القراض ما يتصرف فيه الناس غالبا في أكثر الأحوال فمن رأى أن التصرف بالدين خارج عما يتصرف فيه الناس في الأغلب لم يجزه ومن رأى أنه مما يتصرف فيه الناس أجازه.
واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث في العامل يخلط ماله بمال القراض من غير إذن رب المال فقال هؤلاء كلهم ما عدا مالكا هو تعد ويضمن وقال مالك ليس بتعد.
ولم يختلف هؤلاء المشاهير من فقهاء الأمصار أنه إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر أنه ضامن إن كان خسران وإن كان ربح فذلك على شرطه ثم يكون للذي عمل شرطه على الذي دفع إليه فيوفيه حظه مما بقي من المال وقال المزني عن الشافعي ليس له إلا أجرة مثله لأنه عمل على فساد.
القول في حكم القراض الفاسد
واتفقوا على أن حكم القراض الفاسد فسخه ورد المال إلى صاحبه ما لم يفت بالعمل.
واختلفوا إذا فات بالعمل ما يكون للعامل فيه في واجب عمله على أقوال أحدها أنه يرد جميعه إلى قراض مثله وهي رواية ابن الماجشون عن مالك وهو قوله وقول أشهب.
والثاني أنه يرد جميعه إلى إجارة مثله وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وعبد العزيز بن أبي سلمة من أصحاب مالك وحكى عبد الوهاب أنها رواية عن مالك.
والثالث أنه يرد إلى قراض مثله ما لم يكن أكثر مما سماه وإنما له الأقل مما سمى أو من قراض مثله إن كان رب المال هو مشترط الشرط على المقارض أو الأكثر من قراض مثله أو من الجزء الذي سمي له إن كان المقارض هو مشترط الشرط الذي يقتضي الزيادة التي من قبلها فسد القراض وهذا القول يتخرج رواية عن مالك.
والرابع أنه يرد إلى

قراض مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه في المال مما ليس ينفرد أحدهما بها عن صاحبه وإلى إجارة مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين خالصة لمشترطها مما ليست في المال وفي كل قراض فاسد من قبل الغرر والجهل وهو قول مطرف وابن نافع وابن عبد الحكم وأصبغ واختاره ابن حبيب.
وأما ابن القاسم فاختلف قوله في القراضات الفاسدة فبعضها وهو الأكثر قال إن فيها أجرة المثل وفي بعضها قال فيها قراض المثل.
فاختلف الناس في تأويل قوله فمنهم من حمل اختلاف قوله فيها على الفرق الذي ذهب إليه ابن عبد الحكم ومطرف وهو اختيار ابن حبيب واختيار جدي رحمة الله عليه.
ومنهم من لم يعلل قوله وقال إن مذهبه أن كل قراض فاسد ففيه أجرة المثل إلا تلك التي نص فيها قراض المثل وهي سبعة القراض بالعروض والقراض بالضمان والقراض إلى أجل والقراض المبهم وإذا قال له اعمل على أن لك في المال شركاء وإذا اختلف المتقارضان وأتيا بما لا يشبه فحلفا على دعواهما وإذا دفع إليه المال على أن لا يشتري به إلا بالدين فاشترى بالنقد أو على أن لا يشتري إلا سلعة كذا وكذا والسلعة غير موجودة فاشترى غير ما أمر به.
وهذه المسائل يجب أن ترد إلى علة واحدة وإلا فهو اختلاف من قول ابن القاسم وحكى عبد الوهاب عن ابن القاسم أنه فصل فقال إن كان الفساد من جهة العقد رد إلى قراض المثل وإن كان من جهة زيادة ازدادها أحدهما على الآخر رد إلى أجرة المثل والأشبه أن يكون الأمر في هذا بالعكس.
والفرق بين الأجرة وقراض المثل أن الأجرة تتعلق بذمة رب المال سواء أكان في المال ربح أو لم يكن وقراض المثل هو على سنة القراض إن كان فيه ربح كان للعامل منه وإلا فلا شيء له.
القول في اختلاف المتقارضين
واختلف الفقهاء إذا اختلف العامل ورب المال في تسمية الجزء الذي تقارضا عليه فقال مالك القول قول العامل لأنه عنده مؤتمن وكذلك الأمر عنده في جميع دعاويه إذا أتى بما يشبه وقال الليث يحمل على قراض مثله وبه قال مالك إذا أتى بما لا يشبه وقال أبو حنيفة وأصحابه القول قول

رب المال وبه قال الثوري وقال الشافعي يتحالفان ويتفاسخان ويكون له أجرة مثله.
وسبب اختلاف مالك وأبي حنيفة اختلافهم في سبب ورود النص بوجوب اليمين على المدعى عليه هل ذلك لأنه مدعى عليه أو لأنه في الأغلب أقوى شبهة فمن قال لأنه مدعى عليه قال القول قول رب المال ومن قال لأنه أقواهما شبهة في الأغلب قال القول قول العامل لأنه عنده مؤتمن وأما الشافعي فقاس اختلافهما على اختلاف المتبايعين في ثمن السلعة.
وهذا كاف في هذا الباب.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب المساقاةالقول في المساقاة
أما أولا ففي جوازها.
والثاني في معرفة الفساد والصحة فيها.
والثالث في أحكامها.
القول في جواز المساقاة
فأما جوازها فعليه جمهور العلماء مالك والشافعي والثوري وأبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وأحمد وداود وهي عندهم مستثناة بالسنة من بيع ما لم يخلق ومن الإجارة المجهولة قال أبو حنيفة لا تجوز المساقاة أصلا.
وعمدة الجمهور في إجازتها حديث ابن عمر الثابت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها" خرجه البخاري ومسلم وفي بعض رواياته أنه صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة وما رواه مالك أيضا من مرسل سعيد بن المسيب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر: "أقركم على ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم " قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول :"إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي" وكذلك مرسله أيضا عن سليمان بن يسار في معناه.
وأما أبو حنيفة ومن قال بقوله فعمدتهم مخالفة هذا الأثر للأصول مع أنه حكم مع اليهود واليهود يحتمل أن يكون أقرهم على أنهم عبيد ويحتمل أن يكون أقرهم على أنهم ذمة إلا أنا إذا أنزلنا أنهم ذمة كان مخالفا للأصول لأنه بيع ما لم يخلق وأيضا فإنه من المزابنة وهو بيع التمر بالتمر متفاضلا لأن القسمة بالخرص بيع الخرص واستدلوا على مخالفته للأصول بما روي في حديث عبد الله بن رواحة أنه كان يقول لهم عند الخرص "إن شئتم فلكم وتضمنون نصيب المسلمين وإن شئتم فلي وأضمن نصيبكم" وهذا حرام بإجماع.
وربما قالوا أن النهي الوارد عن المخابرة هو ما كان من هذا الفعل بخيبر.
والجمهور يرون أن المخابرة هي كراء الأرض ببعض ما يخرج منها قالوا ومما يدل على نسخ هذا الحديث أو أنه خاص.
باليهود ما ورد من حديث رافع وغيره من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها لأن المساقاة تقتضي جواز ذلك وهو خاص أيضا في بعض روايات أحاديث المساقاة ولهذا المعنى لم يقل بهذه الزيادة مالك ولا الشافعي أعني بما جاء من "أنه صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة" وهي زيادة صحيحة وقال بها أهل الظاهر.
القول في صحة المساقاة
والنظر في الصحة راجع إلى النظر في أركانها وفي وقتها وفي شروطها المشترطة في أركانها.
وأركانها أربعة المحل المخصوص بها والجزء الذي تنعقد عليه.
وصفة العمل الذي تنعقد عليه.
والمدة التي تجوز فيها وتنعقد عليها.
(الركن الأول في محل المساقاة ) واختلفوا في محل المساقاة فقال داود لا تكون المساقاة إلا في النخيل فقط وقال الشافعي في النخل والكرم فقط وقال مالك تجوز في كل أصل ثابت كالرمان والتين والزيتون وما أشبه ذلك من غير ضرورة وتكون في الأصول غير الثابتة كالمقاثئ والبطيخ مع عجز صاحبها عنها وكذلك الزرع ولا تجوز في شيء من البقول عند الجميع إلا ابن دينار فإنه أجازها فيه إذا نبتت قبل أن تستغل.
فعمدة من قصره على

النخل أنها رخصة فوجب أن لا يتعدى بها محلها الذي جاءت فيه السنة.
وأما مالك فرأى أنها رخصة ينقدح فيها سبب عام فوجب تعدية ذلك إلى الغير.
وقد يقاس على الرخص عند قوم إذا فهم أعم من الأشياء التي علقت الرخص بالنص بها وقوم منعوا القياس على الرخص وأما داود فهو يمنع القياس على الجملة فالمساقاة على أصوله مطردة وأما الشافعي فإنما أجازها في الكرم من قبل أن الحكم في المساقاة هو بالخرص وقد جاء في حديث عتاب بن أسيد الحكم بالخرص في النخل والكرم وإن كان ذلك في الزكاة فكأنه قاس المساقاة في ذلك على الزكاة والحديث الذي ورد عن عتاب بن أسيد هو "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب وتؤدى زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة النخل تمرا" ودفع داود حديث عتاب بن أسيد لأنه مرسل ولأنه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وليس بالقوي.
واختلفوا إذا كان مع النخل أرض بيضاء أو مع الثمار هل يجوز أن تساقى الأرض مع النخل بجزء من النخل أو بجزء من النخل وبجزء مما يخرج من الأرض فذهب إلى جواز ذلك طائفة وبه قال صاحبا أبي حنيفة والليث وأحمد والثوري وابن أبي ليلى وجماعة وقال الشافعي وأهل الظاهر لا تجوز المساقاة إلا في الثمر فقط وأما مالك فقال إذا كانت الأرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك فلا بأس بدخولها في المساقاة اشترط جزءا خارجا منها أو لم يشترطه وحد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فما دونه أعني أن يكون مقدار كراء الأرض الثلث من الثمر فما دونه ولم يجز أن يشترط رب الأرض أن يزرع البياض لنفسه لأنها زيادة ازدادها.
عليه وقال الشافعي ذلك جائز.
وحجة من أجاز المساقاة عليهما جميعا أعني على الأرض بجزء مما يخرج منها حديث ابن عمر المتقدم وحجة من لم يجز ذلك ما روي من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها في حديث رافع بن خديج وقد تقدم

ذلك وقال أحمد بن حنبل أحاديث رافع مضطربة الألفاظ وحديث ابن عمر أصح.
وأما تحديد مالك ذلك بالثلث فضعيف وهو استحسان مبني على غير الأصول لأن الأصول تقتضي أنه لا يفرق بين الجائز من غير الجائز بالقليل والكثير من الجنس الواحد.
ومنها اختلافهم في المساقاة في البقل فأجازها مالك والشافعي وأصحابه ومحمد بن الحسن وقال الليث لا تجوز المساقاة في البقل وإنما أجازها الجمهور لأن العامل وإن كان ليس عليه فيها سقي فيبقى عليه أعمال أخر مثل الإبار وغير ذلك وأما الليث فيرى السقي بالماء هو الفعل الذي تنعقد عليه المساقاة ولمكانه وردت الرخصة فيها.
(الركن الثاني) وأما الركن الذي هو العمل فإن العلماء بالجملة أجمعوا على أن الذي يجب على العامل هو السقي والإبار.
واختلفوا في الجذاذ على من هو وفي سد الحظار وتنقية العين والسانية.
أما مالك فقال في الموطأ السنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطه سد الحظار وخم العين وشرب الشراب وإبار النخل وقطع الجريد وجذ الثمر هذا وأشباهه هو على العامل وهذا الكلام يحتمل أن يفهم منه دخول هذه في المساقاة بالشرط ويمكن أن يفهم منه دخولها فيها بنفس العقد.
وقال الشافعي ليس عليه سد الحظار لأنه ليس من جنس ما يؤثر في زيادة الثمرة مثل الإبار والسقي.
وقال محمد بن الحسن ليس عليه تنقية السواني والأنهار.
وأما الجذاذ فقال مالك والشافعي هو على العامل إلا أن مالكا قال إن اشترطه العامل على رب المال جاز وقال الشافعي لا يجوز شرطه وتنفسخ المساقاة إن وقع وقال محمد بن الحسن الجذاذ بينهما نصفان وقال المحصلون من أصحاب مالك إن العمل في الحائط على وجهين عمل ليس تأثير في إصلاح الثمرة وعمل له تأثير في إصلاحها والذي له تأثير في إصلاحها منه ما يتأبد ويبقى بعد الثمر ومنه ما لا يبقى بعد الثمر.
فأما الذي ليس له تأثير في إصلاح الثمر فلا يدخل في المساقاة لا بنفس العقد ولا بالشرط إلا الشيء اليسير منه.
وأما ما له تأثير في إصلاح الثمر ويبقى بعد الثمر فيدخل عنده بالشرط في المساقاة لا بنفس العقد مثل إنشاء حفر بئر أو إنشاء ظفيرة للماء أو إنشاء غرس أو إنشاء بيت يجنى فيه الثمر.
وأما ما له تأثير في إصلاح الثمر ولا يتأبد فهو لازم بنفس

العقد وذلك مثل الحفر والسقي وزبر الكرم وتقليم الشجر والتذكير والجذاذ وما أشبه ذلك وأجمعوا على أن ما كان في الحائط من الدواب والعبيد أنه ليس من حق العامل.
واختلفوا في شرط العامل ذلك على المساقي فقال مالك يجوز ذلك فيما كان منها في الحائط قبل المساقاة.
وأما إن اشترط فيها ما لم يكن في الحائط فلا يجوز وقال الشافعي لا بأس بذلك وإن لم يكن في الحائط وبه قال ابن نافع من أصحاب مالك وقال محمد بن الحسن لا يجوز أن يشترطه العامل على رب المال ولو اشترطه رب المال على العامل جاز ذلك.
ووجه كراهيته ذلك ما يلحق في ذلك من الجهل بنصيب رب المال ومن أجازه رأى أن ذلك تافه ويسير ولتردد الحكم بين هذين الأصلين استحسن مالك ذلك في الرقيق الذي يكون في الحائط في وقت المساقاة ومنعه في غيرهم لأن اشتراط المنفعة في ذلك أظهر وإنما فرق محمد بن الحسن لأن اشتراطهما على العامل هو من جنس ما وجب عليه من المساقاة وهو العمل بيده.
واتفق القائلون بالمساقاة على أنه إن كانت النفقة كلها على رب الحائط وليس على العامل إلا ما يعمل بيده أن ذلك لا يجوز لأنها إجارة بما لم يخلق فهذه هي صفات هذا الركن والشروط الجائزة فيه من غير الجائزة.
(الركن الثالث) وأجمعوا على أن المساقاة تجوز بكل ما اتفقا عليه من أجزاء الثمر فأجاز مالك أن تكون الثمرة كلها للعامل كما فعل في القراض وقد قيل إن ذلك منحة لا مساقاة وقيل لا يجوز.
واتفقوا على أنه لا يجوز فيها اشتراط منفعة زائدة مثل أن يشترط أحدهما على صاحبه زيادة دارهم أو دنانير ولا شيئا من الأشياء الخارجة عن المساقاة إلا الشيء اليسير عند مالك مثل سد الحظار وإصلاح الظفيرة وهي مجتمع الماء ولا يجوز عند مالك أن يساقي على حائطين أحدهما على جزء والآخر على جزء آخر واحتج بفعله عليه الصلاة والسلام في خيبر وذلك أنه ساقى على حوائط مختلفة بجزء واحد وفيه خلاف.
وأكثر العلماء على أن القسمة بين العامل والمساقي في الثمر لا تكون إلا بالكيل وكذلك في الشركة وأنها لا تجوز بالخرص وأجاز قوم قسمتها بالخرص.
واختلف في ذلك أصحاب مالك واختلفت الرواية عنه فقيل يجوز وقيل لا يجوز من الثمار في الربوية ويجوز في غير ذلك وقيل يجوز بإطلاق إذا

اختلفت حاجة الشريكين.
وحجة الجمهور أن ذلك يدخله الفساد من جهة المزابنة ويدخله بيع الرطب بالتمر وبيع الطعام بالطعام نسيئة.
وحجة من أجاز قسمتها بالخرص تشبيهها بالعرية وبالخرص في الزكاة وفيه ضعف.
وأقوى ما اعتمدوا عليه في ذلك ما جاء من الخرص في مساقاة خيبر من مرسل سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار.
(الركن الرابع ) وأما اشتراط الوقت في المساقاة فهو صنفان وقت هو مشترط في جواز المساقاة ووقت هو شرط في صحة العقد وهو المحدد لمدتها.
فأما الوقت المشترط في جواز عقدها فإنهم اتفقوا على أنها تجوز قبل بدو الصلاح.
واختلفوا في جواز ذلك بعد بدو الصلاح.
فذهب الجمهور من القائلين بالمساقاة على أنه لا يجوز بعد بدو الصلاح.
وقال سحنون من أصحاب مالك لا بأس بذلك.
واختلف قول الشافعي في ذلك فمرة قال لا يجوز ومرة قال يجوز وقد قيل عنه إنها لا تجوز إذا خلق الثمر.
وعمدة الجمهور أن مساقاة ما بدا صلاحه من الثمر ليس فيه عمل ولا ضرورة داعية إلى المساقاة إذ كان يجوز بيعه في ذلك الوقت.
قالوا وإنما هي إجارة إن وقعت.
وحجة من أجازها أنه إذا جازت قبل أن يخلق الثمر فهي بعد بدو الصلاح أجوز ومن هنا لم تجز عندهم مساقاة البقول لأنه يجوز بيعها أعني عند الجمهور.
وأما الوقت الذي هو شرط في مدة المساقاة فإن الجمهور على أنه لا يجوز أن يكون مجهولا أعني مدة غير مؤقتة وأجاز طائفة أن يكون إلى مدة غير مؤقتة منهم أهل الظاهر.
وعمدة الجمهور ما يدخل في ذلك من الغرر قياسا على الإجارة وعمدة أهل الظاهر ما وقع في مرسل مالك من قوله صلى الله عليه وسلم: "أقركم ما أقركم الله" وكره مالك المساقاة فيما طال من السنين وانقضاء السنين فيها هو بالجذ لا بالأهلة.
وأما هل اللفظ شرط في هذا العقد فاختلفوا في ذلك فذهب ابن القاسم إلى أن من شرط صحتها أن لا تنعقد إلا بلفظ المساقاة وأنه ليس تنعقد بلفظ الإجارة وبه قال الشافعي وقال غيرهم تنعقد بلفظ الإجارة وهو قياس قول سحنون.

القول في أحكام الصحة
والمساقاة عند مالك من العقود اللازمة باللفظ لا بالعمل بخلاف القراض عنده الذي ينعقد بالعمل لا باللفظ وهو عند مالك عقد موروث ولورثة المساقي أن يأتوا بأمين يعمل إن لم يكونوا أمناء وعليه العمل إن أبى الورثة من تركته وقال الشافعي إذا لم يكن له تركة سلم إلى الورثة رب المال أجرة ما عمل وفسد العقد وإن كانت له تركة لزمته المساقاة.
وقال الشافعي تنفسخ المساقاة بالعجز ولم يفصل.
وقال مالك إذا عجز وقد حل بيع الثمر لم يكن له أن يساقي غيره ووجب عليه أن يستأجر من يعمل وإن يكن له شيء استؤجر من حظه من الثمر وإذا كان العامل لصا أو ظالما لم ينفسخ العقد بذلك عند مالك.
وحكي عن الشافعي أنه قال يلزمه أن يقيم غيره للعمل وقال الشافعي إذا هرب العامل قبل تمام العمل استأجر القاضي عليه من يعمل عمله.
ويجوز عند مالك أن يشترط كل واحد منهما على صاحبه الزكاة بخلاف القراض ونصابهما عنده نصاب الرجل الواحد بخلاف قوله في الشركاء.
وإذا اختلف رب المال والعامل في مقدار ما وقعت عليه المساقاة من الثمر فقال مالك القول قول العامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه وقال الشافعي يتحالفان ويتفاسخان وتكون للعامل الأجرة شبههه بالبيع وأوجب مالك اليمين في حق العامل لأنه مؤتمن ومن أصله أن اليمين تجب على أقوى المتداعيين شبهة.
وفروع هذا الباب كثيرة لكن التي اشتهر الخلاف فيها بين الفقهاء هي هذه التي ذكرناها.
أحكام المساقاة الفاسدة
واتفقوا على أن المساقاة إذا وقعت على غير الوجه الذي جوزها الشرع أنها تنفسخ ما لم تفت بالعمل.
واختلفوا إذا فاتت بالعمل ماذا يجب فيها فقيل إنها ترد إلى إجارة المثل في كل نوع من أنواع الفساد وهو قياس قول الشافعي وقياس إحدى الروايتين عن مالك وقيل إنها ترد إلى مساقاة المثل بإطلاق وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك وأما ابن القاسم فقال في بعضها

ترد إلى مساقاة مثلها وفي بعضها إلى إجارة المثل.
واختلف التأويل عنه في ذلك فقيل في مذهبه إنها ترد إلى إجارة المثل إلا في أربع مسائل فإنها ترد إلى مساقاة مثلها إحداها المساقاة في حائط فيه تمر قد أطعم.
والثانية إذا اشترط المساقي على رب المال أن يعمل معه.
والثالثة المساقاة مع البيع في صفقة واحدة.
والرابعة إذا ساقاه في حائط سنة على الثلث وسنة على النصف.
وقيل إن الأصل عنده في ذلك أن المساقاة إذا لحقها الفساد من قبل ما دخلها من الإجارة الفاسدة أو من بيع الثمر من قبل أن يبدو صلاحه وذلك مما يشترطه أحدهما على صاحبه من زيادة رد فيها إلى أجرة المثل مثل أن يساقيه على أن يزيد أحدهما صاحبه دنانير أو دراهم وذلك أن هذه الزيادة إن كانت من رب الحائط كانت إجارة فاسدة وإن كانت من العامل كانت بيع الثمر قبل أن يخلق.
وأما فساده من قبل الغرر مثل المساقاة على حوائط مختلفة فيرد إلى مساقاة المثل وهذا كله استحسان جار على غير قياس.
وفي المسألة قول رابع وهو أنه يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان للمساقي أو أقل إن كان الشرط للمساقى وهذا كاف بحسب غرضنا.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب الشركةوالنظر في الشركة في أنواعها وفي أركانها الموجبة للصحة في الأحكام ونحن نذكر من هذه الأبواب ما اتفقوا عليه وما اشتهر الخلاف فيه بينهم على ما قصدناه في هذا الكتاب.
والشركة بالجملة عند فقهاء الأمصار على أربعة أنواع شركة العنان وشركة الأبدان وشركة المفاوضة.
وشركة الوجوه.
واحدة منها متفق عليها وهي شركة العنان وإن كان بعضهم لم يعرف هذا اللفظ وإن كانوا اختلفوا في بعض شروطها على ما سيأتي بعد.
والثلاثة مختلف فيها ومختلف في بعض شروطها عند من اتفق منهم عليها.
القول في شركة العنان
وأركان هذه الشركة ثلاثة الأول محلها من الأموال.
والثاني في معرفة

قدر الربح من قدر المال المشترك فيه.
الثالث في معرفة قدر المال من الشريكين من قدر المال.
(الركن الأول ) فأما محل الشركة فمنه ما اتفقوا عليه ومنه ما اختلفوا فيه فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين أعني الدنانير والدراهم وإن كانت في الحقيقة بيعا لا تقع فيه مناجزة ومن شرط البيع في الذهب وفي الدارهم المناجزة لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة وكذلك اتفقوا فيما أعلم على الشركة بالعرضين يكونان بصفة واحدة واختلفوا في الشركة بالعرضين المختلفين وبالعيون المختلفة مثل الشركة بالدنانير من أحدهما والدراهم من الآخر وبالطعام الربوي إذا كان صنفا واحدا فههنا ثلاث مسائل (المسألة الأولى ) فأما إذا اشتركا في صنفين من العروض أو في عروض ودراهم أو دنانير فأجاز ذلك ابن القاسم وهو مذهب مالك وقد قيل عنه إنه كره ذلك.
وسبب الكراهية اجتماع الشركة فيها والبيع وذلك أن يكون العرضان مختلفين كأن كل واحد منهما باع جزءا من عرضه بجزء من العرض الآخر ومالك يعتبر في العروض إذا وقعت فيها الشركة القيم والشافعي يقول لا تنعقد الشركة إلا على أثمان العروض وحكى أبو حامد أن ظاهر مذهب الشافعي يشير إلى أن الشركة مثل القراض لا تجوز إلا بالدراهم والدنانير قال والقياس أن الإشاعة فيها تقوم مقام الخلط.
(المسألة الثانية) وأما إن كان الصنفان مما لا يجوز فيهما النساء مثل الشركة بالدنانير من عند أحدهما والدراهم من عند الآخر أو بالطعامين المختلفين فاختلف في ذلك قول مالك فأجازه مرة ومنعه مرة وذلك لما يدخل الشركة بالدراهم من عند أحدهما والدنانير من عند الآخر من الشركة والصرف معا وعدم التناجز ولما يدخل الطعامين المختلفين من الشركة وعدم التناجز وبالمنع قال ابن القاسم ومن لم يعتبر هذه العلل أجازها.
(المسألة الثالثة) وأما الشركة بالطعام من صنف واحد فأجازها ابن القاسم قياسا على إجماعهم على جوازها في الصنف الواحد من الذهب أو الفضة ومنعها مالك في أحد قوليه وهو المشهور بعدم المناجزة الذي يدخل فيه إذ

رأى أن الأصل هو أن لا يقاس على موضع الرخصة بالإجماع وقد قيل إن وجه كراهية مالك لذلك أن الشركة تفتقر إلى الاستواء في القيمة والبيع يفتقر إلى الاستواء في الكيل فافتقرت الشركة بالطعامين من صنف واحد إلى استواء القيمة والكيل وذلك لا يكاد يوجد فكره مالك ذلك فهذا هو اختلافهم في جنس محل الشركة.
واختلفوا هل من شرط مال الشركة أن يختلطا إما حسا وإما حكما.
مثل أن يكونا في صندوق واحد وأيديهما مطلقة عليهما وقال الشافعي لا تصح الشركة حتى يخلطا ماليهما خلطا لا يتميز به مال أحدهما من مال الآخر وقال أبو حنيفة تصح الشركة وإن كان مال كل واحد منهما بيده.
فأبو حنيفة اكتفى في انعقاد الشركة بالقول ومالك اشترط إلى ذلك اشتراك التصرف في المال والشافعي اشترط إلى هذين الاختلاط والفقه أن بالاختلاط يكون عمل الشريكين أفضل وأتم لأن النصح يوجد منه لشريكه كما يوجد لنفسه فهذا هو القول في هذا الركن وفي شروطه.
(فأما الركن الثاني) وهو وجه اقتسامها الربح فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان الربح تابعا لرؤوس الأموال أعني إن كان أصل مال الشركة متساويين كان الربح بينهما نصفين.
واختلفوا هل يجوز أن يختلف رؤوس أموالهما ويستويان في الربح فقال مالك والشافعي ذلك لا يجوز وقال أهل العراق يجوز ذلك.
وعمدة من منع ذلك أن تشبيه الربح بالخسران فكما أنه لو اشترط أحدهما جزءا من الخسران لم يجز كذلك إذا اشترط جزءا من الربح خارجا عن ماله وربما شبهوا الربح بمنفعة العقار الذي بين الشريكين أعني أن المنفعة بينهما تكون على نسبة أصل الشركة.
وعمدة أهل العراق تشبيه الشركة بالقراض وذلك أنه لما جاز في القراض أن يكون للعامل من الربح ما اصطلحا عليه والعامل ليس يجعل مقابله إلا عملا فقط كان في الشركة أحرى أن يجعل للعمل جزء من المال إذا كانت الشركة مالا من كل واحد منهما وعملا فيكون ذلك الجزء من الربح مقابلا لفضل عمله على عمل صاحبه فإن الناس يتفاوتون في العمل كما يتفاوتون في غير ذلك.
(وأما الركن الثالث) الذي هو العمل فإنه تابع كما قلنا عند مالك للمال

فلا يعتبر بنفسه وهو عند أبي حنيفة يعتبر مع المال وأظن أن من العلماء من لا يجيز الشركة إلا أن يكون مالاهما متساويين التفاتا إلى العمل.
فإنهم يرون أن العمل في الغالب مستو فإذا لم يكن المال بينهما على التساوي كان هنالك غبن على أحدهما في العمل ولهذا قال ابن المنذر أجمع العلماء على جواز الشركة التي يخرج فيها كل واحد من الشريكين مالا مثل مال صاحبه من نوعه أعني دراهم أو دنانير ثم يخلطانهما حتى يصيرا مالا واحدا لا يتميز
على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من أنواع التجارة وعلى أن ما كان من فضل فهو بينهما بنصفين وما كان من خسارة فهو كذلك وذلك إذا باع كل واحد منهما بحضرة صاحبه واشتراطه هذا الشرط يدل على أن فيه خلافا والمشهور عند الجمهور أنه ليس من شرط الشركاء أن يبيع كل واحد منهما بحضرة صاحبه.
القول في شركة المفاوضة
واختلفا في شركة المفاوضة فاتفق مالك وأبو حنيفة بالجملة على جوازها وإن كان اختلفوا في بعض شروطها وقال الشافعي لا تجوز.
ومعنى شركة المفاوضة أن يفوض كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في ماله مع غيبته وحضوره وذلك واقع عندهم في جميع أنواع الممتلكات.
وعمدة الشافعي أن اسم الشركة إنما ينطلق على اختلاط الأموال فإن الأرباح فروع ولا يجوز أن تكون الفروع مشتركة إلا باشتراك أصولها وأما إذا اشترط كل واحد منهما ربحا لصاحبه في ملك نفسه فذلك من الغرر ومما لا يجوز وهذه صفة شركة.
المفاوضة.
وأما مالك فيرى أن كل واحد منهما قد باع جزءا من ماله بجزء من مال شريكه ثم وكل واحد منهما صاحبه على النظر في الجزء الذي بقي في يده.
والشافعي يرى أن الشركة ليست هي بيعا ووكالة.
وأما أبو حنيفة فهو ههنا على أصله في أنه لا يراعى في شركة العنان إلا النقد فقط.
وأما ما يختلف فيه مالك وأبو حنيفة من شروط هذه الشركة فإن أبا حنيفة يرى أن من شرط المفاوضة التساوي في رؤوس الأموال وقال مالك ليس من شرطها ذلك تشبيها بشركة العنان وقال أبو حنيفة لا يكون لأحدهما شيء

إلا أن يدخل في الشركة وعمدتهم أن اسم المفاوضة يقتضي هذين الأمرين أعني تساوي المالين وتعميم ملكهما.
القول في شركة الأبدان
وشركة الأبدان بالجملة عند أبي حنيفة والمالكية جائزة ومنع منها الشافعي.
وعمدة الشافعية أن الشركة إنما تختص بالأموال لا بالأعمال لأن ذلك لا ينضبط فهو غرر عندهم إذ كان عمل كل واحد منهما مجهولا عند صاحبه.
وعمدة المالكية اشتراك الغانمين في الغنيمة وهم إنما استحقوا ذلك بالعمل.
وما روي من أن ابن مسعود شارك سعدا يوم بدر فأصاب سعد فرسين ولم يصب ابن مسعود شيئا فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهما.
وأيضا فإن المضاربة إنما تنعقد على العمل فجاز أن تنعقد عليه الشركة وللشافعي أن المفاوضة خارجة عن الأصول فلا يقاس عليها وكذلك يشبه أن يكون حكم الغنيمة خارجا عن الشركة ومن شرطها عند مالك اتفاق الصنعتين والمكان وقال أبو حنيفة تجوز مع اختلاف الصنعتين فيشترك عنده الدباغ والقصار ولا يشتركان عند مالك.
وعمدة مالك زيادة الغرر الذي يكون عند اختلاف الصنعتين أو اختلاف المكان.
وعمدة أبي حنيفة جواز الشركة على العمل.
القول في شركة الوجوه
وشركة الوجوه عند مالك والشافعي باطلة وقال أبو حنيفة جائزة وهذه الشركة هي الشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال.
وعمدة مالك والشافعي أن الشركة إنما تتعلق على المال أو على العمل وكلاهما معدومان في هذه المسألة مع ما في ذلك من الغرر لأن كل واحد منهما عاوض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل مخصوص وأبو حنيفة يعتمد أنه عمل من الأعمال فجاز أن تنعقد عليه الشركة.
القول في أحكام الشركة الصحيحة
وهي من العقود الجائزة لا من العقود اللازمة أي لأحد الشريكين أن

ينفصل من الشركة متى شاء وهي عقد غير موروث ونفقتهما وكسوتهما من مال الشركة إذا تقاربا في العيال ولم يخرجا عن نفقة مثلهما ويجوز لأحد الشريكين أن يبضع وأن يقارض وأن يودع إذا دعت إلى ذلك ضرورة ولا يجوز له أن يهب شيئا من مال الشركة ولا أن يتصرف فيه إلا تصرفا
يرى أنه نظر لهما.
وأما من قصر في شيء أو تعدى فهو ضامن مثل أن يدفع مالا من التجارة فلا يشهد وينكره القابض فإنه يضمن لأنه قصر إذ لم يشهد وله أن يقبل الشيء المعيب في الشراء وإقرار أحد الشريكين في مال لمن يتهم عليه لا يجوز وتجوز إقالته وتوليته ولا يضمن أحد الشريكين ما ذهب من مال التجارة باتفاق ولا يجوز للشريك المفاوض أن يقارض غيره إلا بإذن شريكه ويتنزل كل واحد منهما منزلة صاحبه فيما له وفيما عليه في مال التجارة وفروع هذا الباب كثيرة.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب الشفعةوالنظر في الشفعة أولا في قسمين القسم الأول في تصحيح هذا الحكم وفي أركانه.
القسم الثاني في أحكامه.
(القسم الأول) فأما وجوب الحكم بالشفعة فالمسلمون متفقون عليه لما ورد في ذلك من الأحاديث الثابتة إلا ما يتأمل على من يرى لا بيع الشقص المشاع وأركانها أربعة الشافع والمشفوع عليه والمشفوع فيه وصفة الأخذ بالشفعة.
(الركن الأول) وهو الشافع ذهب مالك والشافعي وأهل المدينة إلى أن لا شفعة إلا للشريك ما لم يقاسم وقال أهل العراق الشفعة مرتبة فأولى الناس بالشفعة الشريك الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة ثم الجار الملاصق وقال أهل المدينة لا شفعة للجار ولا للشريك المقاسم.
وعمدة أهل المدينة مرسل مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة".

وحديث جابر أيضا "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" خرجه مسلم والترمذي وأبو داود وكان أحمد بن حنبل يقول حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أصح ما روي في الشفعة.
وكان ابن معين يقول مرسل مالك أحب إلي إذ كان مالك إنما رواه عن ابن شهاب موقوفا وقد جعل قوم هذا الاختلاف على ابن شهاب في إسناده توهينا له وقد روي عن مالك في غير الموطأ عن ابن شهاب عن أبي هريرة ووجه استدلالهم من هذا الأثر ما ذكر فيه من أنه إذا وقعت الحدود فلا شفعة وذلك أنه إذا كانت الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم فهي أحرى أن لا تكون واجبة للجار وأيضا فإن الشريك المقاسم هو جار إذا قاسم.
وعمدة أهل العراق حديث أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجار أحق بصقبه" وهو حديث متفق عليه وخرج الترمذي وأبو داود عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " جار الدار أحق بدار الجار" وصححه الترمذي ومن طريق المعنى لهم
أيضا أنه لما كانت الشفعة إنما المقصود منها دفع الضرر الداخل من الشركة وكان هذا المعنى موجودا في الجار وجب أن يلحق به ولأهل المدينة أن يقولوا وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار.
وبالجملة فعمدة المالكية أن الأصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا برضاه وأن من اشترى شيئا فلا يخرج من يده إلا برضاه حتى يدل الدليل على التخصيص وقد تعارضت الآثار في هذا الباب فوجب أن يرجح ما شهدت له الأصول ولكلا القولين سلف متقدم لأهل العراق من التابعين ولأهل المدينة من الصحابة.
(الركن الثاني) وهو المشفوع فيه اتفق المسلمون على أن الشفعة واجبة في الدور والعقار والأرضين كلها واختلفوا فيما سوى ذلك فتحصيل مذهب مالك أنها في ثلاثة أنواع أحدها مقصود وهو العقار من الدور والحوانيت والبساتين.
والثاني ما يتعلق بالعقار مما هو ثابت لا ينقل ولا يحول وذلك كالبئر ومحال النخل ما دام الأصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه وهو أن يكون الأصل الذي هو الأرض مشاعا بينه وبين شريكه غير مقسوم.
والثالث ما تعلق بهذه كالثمار وفيها عنه خلاف وكذلك كراء

الأرض للزرع وكتابة المكاتب.
واختلف عنه في الشفعة في الحمام والرحا وأما ما عدا هذا من العروض والحيوان فلا شفعة فيها عنده وكذلك لا شفعة عنده في الطريق ولا في عرصة الدار.
واختلف عنه في أكرية الدور وفي المساقاة وفي الدين هل يكون الذي عليه الدين أحق به وكذلك الذي عليه الكتابة وبه قال عمر بن عبد العزيز.
وروي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين" وبه قال أشهب من أصحاب مالك وقال ابن القاسم لا شفعة في الدين.
ولم يختلفا في إيجابها في الكتابة لحرمة العتق.
وفقهاء الأمصار على أن شفعة إلا في العقار فقط.
وحكي عن قوم أن الشفعة في البئر وفي كل شيء ما عدا المكيل والموزون ولم يجز أبو حنيفة الشفعة في البئر والفحل وأجازها في العرصة والطريق ووافق الشافعي مالكا في العرصة وفي الطريق وفي البئر وخالفاه جميعا في الثمار.
وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار ما ورد في الحديث الثابت من قوله عليه الصلاة والسلام "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" فكأنه قال الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم وهذا استدلال بدليل الخطاب وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الأمصار مع اختلافهم في صحة الاستدلال به.
وأما عمدة من أجازها في كل شيء فما خرجه الترمذي عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الشريك شفيع والشفعة في كل شيء" ولأن معنى ضرر الشركة والجوار موجود في كل شيء وإن كان في العقار أظهر ولما لحظ هذا مالك أجرى ما يتبع العقار مجرى العقار.
واستدل أبو حنيفة على منع الشفعة في البئر بما روي " لا شفعة في بئر" ومالك حمل هذا الأثر على آبار الصحارى التي تعمل في الأرض الموات لا التي تكون في أرض متملكة.
(الركن الثالث) وأما المشفوع عليه فإنهم اتفقوا على أنه من انتقل إليه الملك بشراء من شريك غير مقاسم أو من جار عند من يرى الشفعة للجار.
واختلفوا فيمن انتقل إليه الملك بغير شراء فالمشهور عند مالك أن الشفعة إنما تجب إذا كان انتقال الملك بعوض كالبيع والصلح والمهر وأرش الجنايات وغير ذلك وبه قال الشافعي وعنه رواية ثانية أنها تجب بكل ملك انتقل

بعوض أو بغير عوض كالهبة لغير الثواب والصدقة ما عدا الميراث فإنه لا شفعة عند الجميع فيه باتفاق.
وأما الحنفية فالشفعة عندهم في المبيع فقط وعمدة الحنفية ظاهر الأحاديث وذلك أن مفهومها يقتضي أنها في المبيعات بل ذلك نص فيها لا في بعضها فلا بيع حتى يستأذن شريكه.
وأما المالكية فرأت أن كل ما انتقل بعوض فهو في معنى البيع ووجه الرواية الثانية أنها اعتبرت الضرر فقط.
وأما الهبة للثواب فلا شفعة فيها عند أبي حنيفة ولا الشافعي أما أبو حنيفة فلأن الشفعة عنده في المبيع وأما الشافعي فلأن هبة الثواب عنده باطلة وأما مالك فلا خلاف عنده وعند أصحابه في أن الشفعة فيها واجبة.
واتفق العلماء على أن المبيع الذي بالخيار أنه إذا كان الخيار فيه للبائع أن الشفعة لا تجب حتى يجب البيع.
واختلفوا إذا كان الخيار للمشتري فقال الشافعي والكوفيون الشفعة واجبة عليه لأن البائع قد صرم الشقص عن ملكه وأبانه منه وقيل إن الشفعة غير واجبة عليه لأنه غير ضامن وبه قال جماعة من أصحاب مالك.
واختلف في الشفعة في المساقاة وهي تبديل أرض بأرض فعن مالك في ذلك ثلاث روايات الجواز والمنع والثالث أن تكون المناقلة بين الأشراك أو الأجانب فلم يرها في الأشراك ورآها في الأجانب.
(الركن الرابع) في الأخذ بالشفعة والنظر في هذا الركن بماذا يأخذ الشفيع وكم يأخذ ومتى يأخذ فإنهم اتفقوا على أنه يأخذ في البيع بالثمن إن كان حالا واختلفوا إذا كان البيع إلى أجل هل يأخذه الشفيع بالثمن إلى ذلك الأجل أو يأخذ المبيع بالثمن حالا وهو مخير فقال مالك يأخذه بذلك الأجل إذا كان مليا أو يأتي بضامن مليء وقال الشافعي الشفيع مخير فإن عجل تعجلت الشفعة وإلا تتأخر إلى وقت الأجل وهو نحو قول الكوفيين وقال الثوري لا يأخذها إلا بالنقد لأنها قد دخلت في ضمان الأول قال ومنا من يقول تبقى في يد الذي باعها فإن بلغ الأجل أخذها الشفيع.
والذين رأوا الشفعة في سائر المعاوضات مما ليس ببيع فالمعلوم عنهم أنه يأخذ الشفعة بقيمة الشقص إن كان العوض مما ليس يتقدر مثل أن يكون معطى في خلع.
وأما أن يكون معطى في شيء

يتقدر ولم يكن دنانير ولا دراهم ولا بالجملة مكيلا ولا موزونا فإنه يأخذه بقيمة ذلك الشيء الذي دفع الشقص فيه وإن كان ذلك الشيء محدود القدر بالشرع أخذ ذلك الشقص بذلك القدر مثل أن يدفع الشقص في موضحة وجبت عليه أو منقلة فإنه يأخذه بدية الموضحة أو المنقلة.
وأما كم يأخذ.
فإن الشفيع لا يخلو أن يكون واحدا أو أكثر والمشفوع عليه أيضا لا يخلو أن يكون واحدا أو أكثر فأما أن الشفيع واحد والمشفوع عليه واحد فلا خلاف في أن الواجب على الشفيع أن يأخذ الكل أو يدع وأما إذا كان المشفوع عليه واحدا والشفعاء أكثر من واحد فإنهم اختلفوا من ذلك في موضعين أحدهما في كيفية قسمة المشفوع فيه بينهم.
والثاني إذا اختلفت أسباب شركتهم هل يحجب بعضهم بعضا عن الشفعة أم لا مثل أن يكون بعضهم شركاء في المال الذي ورثوه لأنهم أهل سهم واحد وبعضهم لأنهم عصبة.
(فأما المسألة الأولى) وهي كيفية توزيع المشفوع فيه فإن مالكا والشافعي وجمهور أهل المدينة يقولون إن المشفوع فيه يقتسمونه بينهم على قدر حصصهم فمن كان نصيبه من أصل المال الثلث مثلا أخذ من الشقص بثلث الثمن ومن كان نصيبه الربع أخذ الربع.
وقال الكوفيون هي على عدد الرؤوس على السواء وسواء في ذلك الشريك ذو وذو الحظ الأصغر.
وعمدة المدنيين أن الشفعة حق يستفاد وجوبه بالملك المتقدم فوجب أن يتوزع على مقدار الأصل أصله الأكرية في المستأجرات المشتركة والربح في شركة الأموال وأيضا فإن الشفعة إنما هي لإزالة الضرر والضرر داخل على كل واحد منهم على غير استواء لأنه إنما يدخل على كل واحد منهم بحسب حصته فوجب أن يكون استحقاقهم لدفعه على تلك النسبة.
وعمدة الحنفية أن وجوب الشفعة إنما يلزم بنفس الملك فيستوفي ذلك أهل الحظوظ المختلفة لاستوائهم في نفس الملك وربما شبهوا ذلك بالشركاء في العبد يعتق بعضهم نصيبه أنه يقوم على المعتقين على السوية أعني حظ من لم يعتق.
(وأما المسألة الثانية) فإن الفقهاء اختلفوا في دخول الأشراك الذين هم عصبة في الشفعة مع الأشراك الذين شركتهم من قبل السهم الواحد فقال مالك: أهل

السهم الواحد أحق بالشفعة إذا باع أحدهم من الأشراك معهم في المال من قبل التعصيب وأنه لا يدخل ذو العصبة في الشفعة على أهل السهام المقدرة ويدخل ذوو السهام على ذوي التعصيب مثل أن يموت ميت فيترك عقارا ترثه عنه بنتان وابنا عم ثم تبيع البنت الواحدة حظها فإن البنت الثانية عند مالك هي التي تشفع في ذلك الحظ الذي باعته أختها فقط دون ابني العم وإن باع أحد ابني العم نصيبه يشفع فيه البنات وابن العم الثاني وبهذا القول قال ابن القاسم.
وقال أهل الكوفة لا يدخل ذوو السهام على العصبات ولا العصبات على ذوي السهام ويتشافع أهل السهم الواحد فيما بينهم خاصة وبه قال أشهب.
وقال الشافعي في أحد قوليه يدخل ذوو السهام على العصبات والعصبات على ذوي السهام وهو الذي اختاره المزني وبه قال المغيرة من أصحاب مالك.
وعمدة مذهب الشافعي عموم قضائه صلى الله عليه وسلم بالشفعة بين الشركاء ولم يفصل ذوي السهم من عصبة.
ومن خصص ذوي السهام من العصبات فلأنه رأى الشركة مختلفة الأسباب أعني
بين ذوي السهام وبين العصبات فشبه الشركات المختلفة الأسباب بالشركات المختلفة من قبل محالها الذي هو المال بالقسمة بالأموال.
ومن أدخل ذوي السهام على العصبة ولم يدخل العصبة على ذوي السهام فهو استحسان على غير قياس ووجه الاستحسان أنه رأى أن ذوي السهام أقعد من العصبة.
وأما إذا كان المشفوع عليهما اثنين فأكثر فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني فقال ابن القاسم إما أن يأخذ الكل أو يدع وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي له أن يشفع على أيهما أحب وبه قال أشهب فأما إذا باع رجلان شقصا من رجل فأراد الشفيع أن يشفع على أحدهما دون الثاني فإن أبا حنيفة منع ذلك وجوزه الشافعي.
وأما إذا كان الشافعون أكثر من واحد أعني الأشراك فأراد بعضهم أن يشفع ويسلم له الباقي في البيوع فالجمهور على أن للمشتري أن يقول للشريك إما أن تشفع في الجميع أو تترك وأنه ليس له أن يشفع بحسب حظه إلا أن يوافقه المشتري على ذلك وأنه ليس له أن يبعض الشفعة على المشتري إن لم يرض بتبعيضها.
وقال أصبغ من أصحاب مالك إن كان ترك بعضهم الأخذ بالشفعة رفقا بالمشتري لم يكن للشفيع إلا أن يأخذ حصته

فقط ولا خلاف في مذهب مالك أنه إذا كان بعض الشفعاء غائبا وبعضهم حاضرا فأراد الحاضر أن يأخذ حصته فقط أنه ليس له ذلك إلا أن يأخذ الكل أو يدع فإذا قدم الغائب فإن شاء أخذ وإن شاء ترك.
واتفقوا على أن من شرط الأخذ بالشفعة أن تكون الشركة متقدمة على البيع.
واختلفوا هل من شرطها أن تكون موجودة في حال البيع وأن تكون ثابتة قبل البيع (فأما المسألة الأولى) وهي إذا لم يكن شريكا في حال البيع وذلك يتصور بأن يكون يتراخى عن الأخذ بالشفعة بسبب من الأسباب التي لا يقطع له الأخذ بالشفعة حتى يبيع الحظ الذي كان به شريكا فروى أشهب أن قول مالك اختلف في ذلك فمرة قال له الأخذ بالشفعة ومرة قال ليس له ذلك واختار أشهب أنه لا شفعة له وهو قياس قول الشافعي والكوفيين لأن المقصود بالشفعة إنما هو إزالة الضرر من جهة الشركة وهذا ليس بشريك.
وقال ابن القاسم له الشفعة إذا كان قيامه في أثره لأنه يرى أن الحق الذي وجب له لم يرتفع ببيعه حظه.
(وأما المسألة الثانية) فصورتها أن يستحق إنسان شقصا في أرض قد بيع منها قبل وقت الاستحقاق شقص ما هل له أن يأخذ بالشفعة أم لا فقال قوم له ذلك لأنه وجبت له الشفعة بتقدم شركته قبل البيع ولا فرق في ذلك كانت يده عليه أو لم تكن وقال قوم لا تجب له الشفعة لأنه إنما ثبت له مال الشركة يوم الاستحقاق قالوا ألا ترى أنه لا يأخذ الغلة من المشتري فأما مالك فقال إن طال الزمان فلا شفعة وإن لم يطل ففيه الشفعة وهو استحسان.
وأما متى يأخذ وهل له الشفعة فإن الذي له الشفعة رجلان حاضر أو غائب.
فأما الغائب فأجمع العلماء على أن الغائب على شفعته ما لم يعلم ببيع شريكه.
واختلفوا إذا علم وهو غائب فقال قوم تسقط شفعته وقال قوم لا تسقط وهو مذهب مالك والحجة له ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه قال "الجار أحق بصقبه" أو قال "بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا" وأيضا فإن الغائب في الأكثر معوق عن الأخذ بالشفعة فوجب عذره.
وعمدة الفريق الثاني أن سكوته مع العلم قرينة تدل على رضاه بإسقاطها.
وأما الحاضر فإن الفقهاء اختلفوا

في وقت وجوب الشفعة له فقال الشافعي وأبو حنيفة هي واجبة له على الفور بشرط العلم وإمكان الطلب فإن علم وأمكن الطلب ولم يطلب بطلت شفعته إلا أن أبا حنيفة قال إن أشهد بالأخذ لم تبطل وإن تراخى.
وأما مالك فليست عنده على الفور بل وقت وجوبها متسع.
واختلف قوله في هذا الوقت هل هو محدود أم لا فمرة قال هو غير محدود وأنها لا تنقطع أبدا إلا أن يحدث المبتاع بناء أو تغييرا كثيرا بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت ومرة حدد هذا الوقت فروي عنه السنة وهو الأشهر وقيل أكثر من سنة وقد قيل عنه أن الخمسة أعوام لا تنقطع فيها الشفعة.
واحتج الشافعي بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال :" الشفعة كحل العقال" وقد روي الشافعي أن أمدها ثلاثة أيام.
وأما من لم يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت لا يبطل حق امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه وكان هذا أشبه بأصول الشافعي لأن عنده أنه ليس يجب أن ينسب إلى ساكت قول قائل وإن اقترنت به أحوال تدل على رضاه ولكنه فيما أحسب اعتمد الأثر.
فهدا هو القول في أركان الشفعة وشروطها المصححة لها وبقي القول في الأحكام.
القسم الثاني القول في أحكام الشفعة
وهذه الأحكام كثيرة ولكن نذكر منها ما اشتهر فيه الخلاف بين فقهاء الأمصار فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع وذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال وقد تقدم.
سبب الخلاف في هذه المسائل في مسألة الرد بالعيب.
ومنها اختلافهم في عهدة الشفيع هل هي على المشتري أو على البائع فقال مالك والشافعي هي على المشتري وقال ابن أبي ليلى هي على البائع وعمدة مالك أن الشفعة إنما وجبت للشريك بعد حصول ملك المشتري وصحته فوجب أن تكون عليه العهدة.
وعمدة الفريق الآخر أن الشفعة إنما وجبت للشريك بنفس البيع فطروها على البيع فسخ له وعقد لها.
وأجمعوا على أن الإقالة لا تبطل الشفعة من رأى أنها بيع ومن رأى أنها

فسخ أعني الإقالة واختلف أصحاب مالك على من عهدة الشفيع في الإقالة فقال ابن القاسم على المشتري وقال أشهب هو مخير.
ومنها اختلافهم إذا أحدث المشتري بناء أو غرسا أو ما يشبه في الشقص قبل قيام الشفيع ثم قام الشفيع
بطلب شفعته فقال مالك لا شفعة إلا أن يعطي المشتري قيمة ما بنى وما غرس وقال الشافعي وأبو حنيفة هو متعد وللشفيع أن يعطيه قيمة بنائه مقلوعا أو يأخذه بنقضه.
والسبب في اختلافهم:
تردد تصرف المشفوع عليه العالم بوجوب الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب وتصرف المشتري الذي يطرأ عليه الاستحقاق وقد بني في الأرض وغرس وذلك أنه وسط بينهما فمن غلب عليه شبه الاستحقاق لم يكن له أن يأخذ القيمة ومن غلب عليه شبه التعدي قال له أن يأخذه بنقضه أو يعطيه قيمته منقوضا.
ومنها اختلافهم إذا اختلف المشتري والشفيع في مبلغ الثمن فقال المشتري اشتريت الشقص بكذا وقال الشفيع بل اشتريته بأقل ولم يكن لواحد منهما بينة فقال جمهور الفقهاء القول قول المشتري لأن الشفيع مدع والمشفوع عليه مدعى عليه.
وخالف في ذلك بعض التابعين فقالوا القول قول الشفيع لأن المشتري قد أقر له بوجوب الشفعة وادعى عليه مقدارا من الثمن لم يعترف له به.
وأما أصحاب مالك فاختلفوا في هذه المسألة فقال ابن القاسم القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه باليمين فإن أتى بما لا يشبه فالقول قول الشفيع.
وقال أشهب إذا أتى بما يشبه فالقول قول المشتري بلا يمين وفيما لا يشبه باليمين.
وحكي عن مالك أنه قال إذا كان المشتري ذا سلطان يعلم بالعادة أنه يزيد في الثمن قبل قول المشتري بغير يمين وقيل إذا أتى المشتري بما لا يشبه رد الشفيع إلى القيمة وكذلك فيما أحسب إذا أتى كل واحد منهما بما لا يشبه واختلفوا إذا أتى كل واحد ببينة وتساوت العدالة فقال ابن القاسم يسقطان معا ويرجع إلى الأصل من أن القول قول المشتري مع يمينه.
وقال أشهب البينة بينة المشتري لأنها زادت علما.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب القسمةوالأصل في هذا الكتاب قوله تعالى :{ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} وقوله {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام".
والنظر في هذا الكتاب في القاسم والمقسوم عليه والقسمة والنظر في القسمة في أبواب.
الباب الأول في أنواع القسمة الثاني في تعيين محل نوع نوع من أنواعها أعني ما يقبل القسمة وما لا يقبلها وصفة القسمة فيها وشروطها أعني فيما يقبل القسمة الثالث في معرفة أحكامها.
الباب الأول في أنواع القسمة
والنظر في القسمة ينقسم أولا إلى قسمين قسمة رقاب الأموال.
والثاني منافع الرقاب.
(القسم الأول من هذا الباب) فأما قسمة الرقاب التي لا تكال ولا توزن فتنقسم بالجملة إلى ثلاثة أقسام قسمة قرعة بعد تقويم وتعديل.
وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل.
وقسمة مراضاة بغير تقويم ولا تعديل.
وأما ما يكال أو يوزن فبالكيل والوزن.
(القسم الثاني) وأما الرقاب فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام ما لا ينقل ولا يحول وهي الرباع والأصول.
ما ينقل ويحول وهذان قسمان إما غير مكيل ولا موزون وهو الحيوان والعروض وإما مكيل أو موزون.
ففي هذا الباب ثلاثة فصول الأول في الرباع.
والثاني في العروض.
والثالث في المكيل والموزون.
الفصل الأول في الرباع
فأما الرباع والأصول فيجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت

بالقيمة اتفق أهل العلم على ذلك اتفاقا مجملا وإن كانوا اختلفوا في محل ذلك وشروطه والقسمة لا تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة فإذا كانت في محل واحد فلا خلاف في جوازها إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة ولم تنقص منفعة الأجزاء بالانقسام ويجيز الشركاء على ذلك.
وأما إذا انقسمت إلى ما لا منفعة فيه فاختلف في ذلك مالك وأصحابه فقال مالك إنها تنقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ولو لم يصر لواحد منهم إلا ما لا منفعة فيه مثل قدر القدم وبه قال ابن كنانة من أصحابه فقط وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
وعمدتهم في ذلك قوله تعالى :{ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} وقال ابن القاسم لا يقسم إلا أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة داخلة عليه في الانتفاع من قبل القسمة وإن كان لا يراعى في ذلك نقصان الثمن.
وقال ابن الماجشون يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به وإن كان من غير جنس المنفعة التي كانت في الاشتراك أو كانت أقل.
وقال مطرف من أصحابه إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم وإن صار في حظ بعضهم ما ينتفع به وفي حظ بعضهم ما لا ينتفع به قسم وجبروا على ذلك سواء دعا إلى ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثير وقيل يجبر إن دعا صاحب النصيب القليل ولا يجبر إن دعا صاحب النصيب الكثير وقيل بعكس هذا وهو ضعيف.
واختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام.
فقال مالك يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكين وبه قال أشهب وقال ابن القاسم لا يقسم وهو قول الشافعي.
فعمدة من منع القسمة قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار" وعمدة من رأى القسمة قوله تعالى :{مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} ومن الحجة لمن لم ير القسمة حديث جابر عن أبيه " لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم".
والتعضية التفرقة يقول لا قسمة بينهم.
وأما إذا كان الرباع أكثر من واحد فإنها لا تخلو أيضا أن تكون من نوع واحد أو مختلفة الأنواع فإذا كانت متفقة الأنواع فإن فقهاء الأمصار في ذلك مختلفون فقال مالك إذا كانت متفقة الأنواع قسمت بالتقويم والتعديل والسهمة وقال أبو حنيفة والشافعي بل يقسم كل عقار على حدته

فعمدة مالك أنه أقل للضرر الداخل على الشركاء من القسمة.
وعمدة الفريق الثاني أن كل عقار تعينه بنفسه لأنه تتعلق به الشفعة.
واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت الأنواع المتفقة في النفاق وإن تباعدت مواضعها على ثلاثة أقوال وأما إذا كانت الرباع مختلفة مثل أن يكون منها دور ومنها حوائط ومنها أرض فلا خلاف أنه لا يجمع في القسمة بالسهمة.
ومن شرط قسمة الحوائط المثمرة أن لا تقسم مع الثمرة إذا بدأ صلاحها باتفاق في المذهب لأنه يكون بيع الطعام بالطعام على رؤوس الثمر وذلك مزابنة.
وأما قسمتها قبل بدو الصلاح ففيه اختلاف بين أصحاب مالك أما ابن القاسم فلا يجيز ذلك قبل الإبار بحال من الأحوال ويعتل لذلك لأنه يؤدي إلى بيع طعام بطعام متفاضلا ولذلك زعم أنه لم يجز مالك شراء الثمر الذي لم يطب بالطعام لا نسيئه ولا نقدا وأما إن كان بعد الإبار فإنه لا يجوز عنده إلا بشرط أن يشترط أحدهما على الآخر أن ما وقع من الثمر في نصيبه فهو داخل في القسمة وما لم يدخل في نصيبه فهم فيه على الشركة.
والعلة في ذلك عنده أنه يجوز اشتراط المشتري الثمر بعد الإبار ولا يجوز قبل الإبار فكأن أحدهما اشترى حظ صاحبه من جميع الثمرات التي وقعت له في القسمة بحظه من الثمرات التي وقعت لشريكه واشترط الثمر.
وصفة القسم بالقرعة أن تقسم الفريضة وتحقق وتضرب إن كان في سهامهم كسر إلى أن تصح السهام ثم يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساتها ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة فربما عدل جزء من موضع ثلاثة أجزاء من موضع آخر على قيم الأرضين ومواضعها فإذا قسمت على هذه الصفات وعدلت كتبت في بطائق أسماء الأشراك وأسماء الجهات فمن خرج اسمه في جهة أخذ منها وقيل يرمى بالأسماء في الجهات فمن خرج اسمه في جهة أخذ منها فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حتى يتم حظه فهذه هي حال قرعة السهم في الرقاب.
والسهمة إنما جعلها الفقهاء في القسمة تطيبا لنفوس المتقاسمين وهي قوما في الشرع في مواضع منها قوله تعالى :{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} وقوله { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ومن ذلك الأثر الثابت الذي جاء فيه "أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه

وسلم بينهم فأعتق ثلث ذلك الرقيق".
وأما القسمة بالتراضي سواء أكانت بعد تعديل وتقويم أو بغير تقويم وتعديل فتجوز في الرقاب المتفقة والمختلفة لأنه بيع من البيوع وإنما يحرم فيها ما يحرم في البيوع.
الفصل الثاني في العروض
وأما الحيوان والعروض فاتفق الفقهاء على أنه لا يجوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل في
ذلك.
واختلفوا إذا تشاح الشريكان في العين الواحدة منهما ولم يتراضيا بالانتفاع بها على الشياع وأراد أحدهما أن يبيع صاحبه معه فقال مالك وأصحابه يجبر على ذلك فإن أراد أحدهما أن يأخذه بالقيمة التي أعطي فيها أخذه وقال أهل الظاهر لا يجبر لأن الأصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع.
وحجة مالك أن في ترك الإجبار ضررا وهذا من باب القياس المرسل وقد قلنا في غير ما موضع إنه ليس يقول به أحد من فقهاء الأمصار إلا مالك ولكنه كالضروري في بعض الأشياء.
وأما إذا كانت العروض أكثر من جنس واحد فاتفق العلماء على قسمتها على التراضي واختلفوا في قسمتها بالتعديل والسهمة فأجازها مالك وأصحابه في الصنف الواحد ومنع من ذلك عبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون.
واختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من التي لا تجوز فاعتبره أشهب بما لا يجوز تسليم بعضه في بعض.
وأما ابن القاسم فاضطرب فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما لا يجوز تسليم بعضه في بعض فجعل القسمة أخف من السلم ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم وقد قيل إن مذهبه أن القسمة في ذلك أخف وأن مسائله التي يظن من قبلها أن القسمة عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاني.
وذهب ابن حبيب إلى أنه يجمع في القسمة ما تقارب من الصنفين مثل الخز والحرير والقطن والكتان.
وأجاز أشهب جمع صنفين في القسمة بالسهمة مع التراضي وذلك ضعيف لأن الغرر لا يجوز بالتراضي.

الفصل الثالث في معرفة أحكامها
فأما المكيل والموزون فلا تجوز في القرعة باتفاق إلا ما حكى اللخمي والمكيل أيضا لا يخلو أن يكون صبرة واحدة أو صبرتين فزائدا فإن كان صنفا واحد فلا يخلو أن تكون قسمته على الاعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا إلى ذلك أحد الشريكين ولا خلاف في جواز قسمته على التراضي على التفضيل البين كان ذلك من الربوي أو من غير الربوي أعني الذي لا يجوز فيه التفاضل ويجوز ذلك بالكيل المعلوم والمجهول ولا يجوز قسمته جزافا بغير كيل ولا وزن.
وأما إن كانت قسمته تحريا فقيل لا يجوز في المكيل ويجوز في الموزون ويدخل في ذلك من الخلاف ما يدخل في جواز بيعه تحريا وأما إن لم يكن ذلك من صبرة واحدة وكانا صنفين فإن كان ذلك مما لا يجوز فيه التفاضل فلا تجوز قسمتها على جهة الجمع إلا بالكيل المعلوم فيما يكال وبالوزن بالصنجة المعروفة فيما يوزن لأنه إذا كان بمكيال مجهول لم يدر كم يحصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا مختلفين من الكيل المعلوم وهذا كله على مذهب مالك لأن أصل مذهبه أنه يحرم التفاضل في الصنفين إذا تقاربت منافعهما مثل القمح والشعير وأما إن كان مما يجوز فيه التفاضل فيجوز قسمته على الاعتدال والتفاضل البين المعروف بالمكيال المعروف أو
الصنجة المعروفة أعني على جهة الجمع وإن كانا صنفين وهذا الجواز كله في المذهب على جهة الرضا.
وأما في واجب الحكم فلا تنقسم كل صبرة إلا على حدة وإذا قسمت كل صبرة على حدة جازت قسمتها بالمكيال المعلوم والمجهول فهذا كله هو حكم القسمة التي تكون في الرقاب.
القول في القسم الثاني وهو قسمة المنافع
فأما قسمة المنافع فإنها لا تجوز بالسهمة على مذهب ابن القاسم ولا يجبر عليها من أباها ولا تكون القرعة على قسمة المنافع.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع وقسمة المنافع هي عند الجميع بالمهايأة وذلك إما بالأزمان وإما بالأعيان.
أما قسمة المنافع بالأزمان فهو أن ينتفع

كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة انتفاع صاحبه.
وأما قسم الأعيان بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له مدة محدودة والرقاب باقية على أصل الشركة.
وفي المذهب في قسمة المنافع بالزمان اختلاف في تحديد المدة التي تجوز فيها القسمة لبعض المنافع دون بعض للاغتلال أو الانتفاع مثل استخدام العبد وركوب الدابة وزراعة الأرض وذلك أيضا فيما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول.
فأما فيما ينقل ويحول فلا يجوز عند مالك وأصحابه في المدة الكثيرة ويجوز في المدة اليسيرة وذلك في الاغتلال والانتفاع.
وأما فيما لا ينقل ولا يحول فيجوز في المدة البعيدة والأجل البعيد وذلك في الاغتلال والانتفاع.
واختلفوا في المدة اليسيرة فيما ينقل ويحول في الاغتلال فقيل اليوم الواحد ونحوه وقيل لا يجوز ذلك في الدابة والعبد.
وأما الاستخدام فقيل يجوز في مثل الخمسة الأيام وقيل في الشهر وأكثر من الشهر قليلا.
وأما التهايؤ في الأعيان بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان وهذا دارا تلك المدة بعينها فقيل يجوز في سكني الدار وزراعة الأرضين ولا يجوز ذلك في الغلة والكراء إلا في الزمان اليسير وقيل يجوز على قياس التهايؤ بالأزمان وكذلك القول في استخدام العبد والدواب يجري القول فيه على الاختلاف في قسمتها بالزمان.
فهذا هو القول في أنواع القسمة في الرقاب وفي المنافع وفي الشروط المصححة والمفسدة.
وبقي من هذا الكتاب القول في الأحكام.
القول في الأحكام
والقسمة من العقود اللازمة لا يجوز للمتقاسمين نقضها ولا الرجوع فيها إلا بالطوارئ عليها.
والطوارئ ثلاثة غبن أو وجود عيب أو استحقاق.
فأما الغبن فلا يوجب الفسخ إلا في قسمة القرعة باتفاق في المذهب إلا على قياس من يرى له تأثيرا في البيع فيلزم على مذهبه أن يؤثر في القسمة.
وأما الرد بالعيب فإنه لا يخلو على مذهب ابن القاسم أن يجد العيب في جل نصيبه أو في أقله فإن وجده في جل نصيبه فإنه لا يخلو أن يكون النصيب الذي حصل لشريكه قد فات أو لم يفت فإن كان قد فات رد الواجد للعيب نصيبه على الشركة وأخذ من شريكه نصف قيمة نصيبه يوم قبضه وإن كان

لم يفت انفسخت القسمة وعادت الشركة إلى أصلها وإن كان العيب في أقل ذلك رد ذلك الأقل على أصل الشركة فقط سواء فات نصيب صاحبه أو لم يفت ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ولا يرجع في شيء مما في يده وإن كان قائما بالعيب.
وقال أشهب والذي يفيت الرد قد تقدم في كتاب البيوع.
وقال عبد العزيز بن الماجشون وجود العيب يفسخ القسمة التي بالقرعة ولا يفسخ التي بالتراضي لأن التي بالتراضي هي بيع.
وأما التي بالقرعة فهي تمييز حق وإذا فسخت بالغبن وجب أن تفسخ بالرد بالعيب.
وحكم الاستحقاق عند ابن القاسم حكم وجود العيب إن كان المستحق كثيرا وحظ الشريك لم يفت رجع معه شريكا فيما في يديه وإن كان قد فات رجع عليه بنصف قيمة ما في يديه وإن كان يسيرا رجع عليه بنصف قيمة ذلك الشيء.
وقال محمد إذا استحق ما في يد أحدهما بطلت القسمة في قسمة القرعة لأنه قد تبين أن القسمة لم تقع على عدل كقول ابن الماجشون في العيب.
وأما إذا طرأ على المال حق فيه مثل طوارئ الدين على التركة بعد القسمة أو طرو الوصية أو طرو وارث فإن أصحاب مالك اختلفوا في ذلك.
فأما إن طرأ الدين قيل في المشهور في المذهب وهو قول ابن القاسم إن القسمة تنتقض إلا أن يتفق الورثة على أن يعطوا الدين من عندهم وسواء أكانت حظوظهم باقية بأيديهم أو لم تكن هلكت بأمر من السماء أو لم تهلك.
وقد قيل أيضا إن القسمة إنما تنتقض بيد من بقي في يده حظه ولم تهلك بأمر من السماء وأما من هلك حظه بأمر من السماء فلا يرجع عليه بشيء من الدين ولا يرجع هو على الورثة بما بقي بأيديهم بعد أداء الدين وقيل بل تنتقض القسمة ولا بد لحق الله تعالى لقوله:{ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقيل بل تنتقض إلا في حق من أعطي منه ما ينوي به من الدين وهكذا الحكم في طرو الموصى له على الورثة.
وأما طرو الوارث على الشركة بعد القسمة وقبل أن يفوت حظ كل واحد منهم فلا تنتقض القسمة وأخذ من كل واحد حظه إن كان ذلك مكيلا أو موزونا وإن كان حيوانا أو عروضا انتقضت القسمة.
وهل يضمن كل واحد منهم ما تلف في يده بغير سبب منه فقيل يضمن وقيل لا يضمن.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب الرهونوالأصل في هذا الكتاب قوله تعالى :{وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} والنظر في هذا الكتاب في الأركان وفي الشروط وفي الأحكام والأركان هي النظر في الراهن والمرهون والمرتهن والشيء الذي فيه الرهن وصفة عقد الرهن.
(الركن الأول) فأما الراهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا ودعت إليه الضرورة عند مالك.
وقال الشافعي يرهن لمصلحة ظاهرة ويرهن المكاتب والمأذون عند مالك.
قال سحنون فإن ارتهن في مال أسلفه لم يجز وبه قال الشافعي.
واتفق مالك والشافعي على أن المفلس لا يجوز رهنه وقال أبو حنيفة يجوز واختلف قول مالك في الذي أحاط الدين بماله هل يجوز رهنه أعني هل يلزم أم لا يلزم فالمشهور عنه أنه يجوز أعني قبل أن يفلس.
والخلاف آيل إلى هل المفلس محجور عليه أم لا وكل من صح أن يكون راهنا صح أن يكون مرتهنا.
(الركن الثاني) وهو الرهن قالت الشافعية يصح بثلاثة شروط الأول أن يكون عينا فإنه لا يجوز أن يرهن الدين.
الثاني أن لا يمتنع إثبات يد الراهن على المرتهن عليه كالمصحف ومالك يجيز رهن المصحف ولا يقرأ فيه المرتهن والخلاف مبني على البيع.
الثالث أن تكون العين قابلة للبيع عند حلول الأجل ويجوز عند مالك أن يرتهن ما لا يحل بيعه في وقت الارتهان كالزرع والثمر لم يبد صلاحه ولا يباع عنده في أداء الدين إلا إذا بدا صلاحه وإن حل أجل الدين وعن الشافعي قولان في رهن الثمر الذي لم يبد صلاحه ويباع عنده عند حلول الدين على شرط القطع قال أبو حامد
والأصح جوازه ويجوز عند مالك رهن ما لم يتعين كالدنانير والدراهم إذا طبع عليها وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن لا عند مالك ولا عند الشافعي

بل قد يجوز عندهما أن يكون مستعارا.
واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره في يد المرتهن من قبل الراهن.
واختلفوا إذا كان قبض المرتهن له بغصب ثم أقره المغصوب منه في يده رهنا فقال مالك يصح أن ينقل الشيء المغصوب من ضمان الغصب إلى ضمان الرهن فيجعل المغصوب منه الشيء المغصوب رهنا في يد الغاصب قبل قبضه منه وقال الشافعي لا يجوز بل يبقى على ضمان الغصب إلا أن يقبضه.
واختلفوا في رهن المشاع فمنعه أبو حنيفة وأجازه مالك والشافعي والسبب في الخلاف هل تمكن حيازة المشاع أم لا تمكن الركن الثالث وهو الشيء المرهون فيه وأصل مذهب مالك في هذا أنه يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البيوعات إلا الصرف ورأس المال في السلم المتعلق بالذمة وذلك لأن الصرف من شرطه التقابض.
فلا يجوز فيه عقدة الرهن وكذلك رأس مال السلم وإن كان عنده دون الصرف في هذا المعنى.
وقال قوم من أهل الظاهر لا يجوز أخذ الرهن إلا في السلم خاصة أعني في المسلم فيه وهؤلاء ذهبوا إلى ذلك لكون آية الرهن واردة في الدين في المبيعات وهو السلم عندهم فكأنهم جعلوا هذا شرطا من شروط صحة الرهن لأنه قال في أول آية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} ثم قال {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } فعلى مذهب مالك يجوز أخذ الرهن في السلم وفي القرض وفي الغصب وفي قيم المتلفات وفي أروش الجنايات في الأموال وفي جراح العمد الذي لا قود فيه كالمأمومة والجائفة.
وأما قتل العمد والجراح التي
يقاد منها فيتخرج في جواز أخذ الرهن في الدية فيها إذا عفا الولي قولان أحدهما أن ذلك يجوز وذلك على القول بأن الولي مخير في العمد بين الدية والقود.
والقول الثاني أما ذلك لا يجوز وذلك أيضا مبني على أن ليس للولي إلا القود فقط إذا أبى الجاني من إعطاء الدية.
ويجوز في قتل الخطأ أخذ الرهن ممن يتعين من العاقلة وذلك بعد الحلول ويجوز في العارية التي تضمن ولا يجوز فيما لا يضمن ويجوز أخذه في الإجارات

ويجوز في الجعل بعد العمل ولا يجوز قبله ويجوز الرهن في المهر ولا يجوز في الحدود ولا في القصاص ولا في الكتابة وبالجملة فيما لا تصح فيه الكفالة.
وقالت الشافعية المرهون فيه له شرائط ثلاث أحدها أن يكون دينا فإنه لا يرهن في عين.
والثاني أن يكون واجبا فإنه لا يرهن قبل الوجوب مثل أن يسترهنه بما يستقرضه ويجوز ذلك عند مالك.
والثالث أن لا يكون لزمه متوقعا أن يجب وأن لا يجب كالرهن في الكتابة وهذا المذهب قريب من مذهب مالك.
القول في الشروط
وأما شروط الرهن فالشروط المنطوق بها في الشرع ضربان شروط صحة وشروط فساد.
فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن أعني في كونه رهنا فشرطان أحدهما متفق عليه بالجملة ومختلف في الجهة التي هو بها شرط وهو القبض.
والثاني مختلف في اشتراطه.
فأما القبض فاتفقوا بالجملة على أنه شرط في الرهن لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} واختلفوا هل هو شرط تمام أو شرط صحة وفائدة الفرق أن من قال شرط صحة قال ما لم يقع القبض لم يلزم الرهن الراهن ومن قال شرط تمام قال يلزم العقد ويجبر الراهن على الإقباض إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة حتى يفلس الراهن أو يمرض أو يموت فذهب مالك إلى أنه من شروط التمام وذهب أبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر إلى أنه من شروط الصحة.
وعمدة مالك قياس الرهن على سائر العقود اللازمة بالقول.
وعمدة الغير قوله تعالى :{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وقال بعض أهل الظاهر لا يجوز الرهن إلا أن لا يكون هنالك كاتب لقوله تعالى:ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ولا يجوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل وعند مالك أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية أو وديعة أو غير ذلك فقد خرج من اللزوم.
وقال الشافعي ليس استدامة القبض من شرط الصحة فمالك عمم الشرط على ظاهره فألزم من قوله تعالى :{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وجود القبض واستدامته.
والشافعي يقول إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد فلا يحل ذلك

إعارته ولا غير ذلك من التصرف فيه كالحال في البيع وقد كان الأولى بمن يشترط القبض في صحة العقد أن يشترط الاستدامة ومن لم يشترطه في الصحة أن لا يشترط الاستدامة.
واتفقوا على جوازه في السفر.
واختلفوا في الحضر فذهب الجمهور إلى جوازه.
وقال أهل الظاهر و مجاهد لا يجوز في الحضر لظاهر قوله تعالى :{ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} الآية.
وتمسك الجمهور بما ورد من "أنه صلى الله عليه وسلم رهن في الحضر" والقول في استنباط منع الرهن في الحضر من الآية هو من باب دليل الخطاب.
وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء بحقه عند أجله وإلا فالرهن له فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ وأنه معنى قوله عليه الصلاة والسلام "لا يغلق الرهن".
القول في الجزء الثالث من هذا الكتاب
وهو القول في الأحكام وهذا الجزء ينقسم إلى معرفة ما للراهن من الحقوق في الرهن وما عليه وإلى معرفة ما للمرتهن في الرهن وما عليه وإلى معرفة اختلافهما في ذلك وذلك إما من نفس العقد وإما لأمور طارئة على الرهن ونحن نذكر من ذلك ما اشتهر الخلاف فيه بين فقهاء الأمصار والاتفاق.
أما حق المرتهن في الرهن فهو أن يمسكه حتى يؤدي الراهن ما عليه فإن لم يأت به عند الأجل كان له أن يرفعه إلى السلطان فيبيع عليه الرهن وينصفه منه إن لم يجبه الراهن إلى البيع وكذلك إن كان غائبا.
وإن وكل الراهن المرتهن على بيع الرهن عند حلول الأجل جاز وكرهه مالك إلا أن يرفع الأمر إلى السلطان.
والرهن عند الجمهور يتعلق بجملة الحق المرهون فيه وببعضه أعني أنه إذا رهنه في عدد ما فأدى منه بعضه فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن حتى يستوفي حقه وقال قوم بل يبقى من الرهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحق وحجة الجمهور أنه محبوس بحق فوجب أن يكون محبوسا بكل جزء منه أصله حبس التركة على الورثة حتى يؤدوا الدين الذي على الميت وحجة الفريق الثاني أن جميعه محبوس بجميعه فوجب أن يكون أبعاضه محبوسة بأبعاضه أصله الكفالة.

ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختلافهم في نماء الرهن المنفصل مثل الثمرة في الشجر المرهون ومثل الغلة ومثل الولد هل يدخل في الرهن أم لا فذهب قوم إلى أن نماء الرهن المنفصل لا يدخل شيء منه في الرهن أعني الذي يحدث منه في يد المرتهن وممن قال بهذا القول الشافعي وذهب آخرون إلى أن جميع ذلك يدخل في الرهن وممن قال بهذا القول أبو حنيفة والثوري وفرق مالك فقال ما كان من نماء الرهن المنفصل على خلقته وصورته فإنه داخل في الرهن كولد الجارية مع الجارية وأما ما لم يكن على خلقته فإنه لا يدخل في الرهن كان متولدا عنه كثمر النخل أو غير متولد ككراء الدار وخراج الغلام.
وعمدة من رأى أن نماء الرهن وغلته للراهن قوله عليه الصلاة والسلام "الرهن محلوب ومركوب" قالوا ووجه الدليل من ذلك أنه لم يرد بقوله مركوب ومحلوب أي يركبه الراهن ويحلبه لأنه كان يكون غير مقبوض وذلك مناقض لكونه رهنا فإن الرهن من شرطه القبض قالوا ولا يصح أيضا أن يكون معناه أن المرتهن يحلبه ويركبه فلم يبق إلا
أن يكون المعنى في ذلك أن أجرة ظهره لربه ونفقته عليه.
واستدلوا أيضا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام " الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه" قالوا ولأنه نماء زائد على ما رضيه رهنا فوجب أن لا يكون له إلا بشرط زائد.
وعمدة أبي حنيفة أن الفروع تابعة للأصول فوجب لها حكم الأصل ولذلك حكم الولد تابع لحكم أمه في التدبير والكتابة وأما مالك فاحتج بأن الولد حكمه حكم أمه في البيع أي هو تابع لها وفرق بين الثمر والولد في ذلك بالسنة المفرقة في ذلك وذلك أن الثمر لا يتبع بيع الأصل إلا بالشرط وولد الجارية يتبع بغير شرط.
والجمهور على أن ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن وقال قوم إذا كان الرهن حيوانا فللمرتهن أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه وهو قول أحمد وإسحاق واحتجوا بما وراء أبو هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" الرهن محلوب ومركوب".
ومن هذا الباب اختلافهم في الرهن يهلك عند المرتهن ممن ضمانه فقال قوم الرهن أمانة وهو من الراهن والقول قول المرتهن مع يمينه أنه ما فرط فيه وما جنى عليه وممن قال بهذا القول الشافعي وأحمد وأبو ثور وجمهور أهل الحديث وقال

قوم الرهن من المرتهن ومصيبته منه وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وجمهور الكوفيين.
والذين قالوا بالضمان انقسموا قسمين فمنهم من رأى أن الرهن مضمون بالأقل من قيمته أو قيمة الدين وبه قال أبو حنيفة وسفيان وجماعة.
ومنهم من قال هو مضمون بقيمته قلت أو كثرت.
وأنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه أخذه من المرتهن وبه قال علي بن أبي طالب وعطاء وإسحاق.
وفرق قوم بين ما لا يغاب عليه مثل الحيوان والعقار مما لا يخفى هلاكه وبين ما يغاب عليه من العروض فقالوا هو ضامن فيما يغاب عليه ومؤتمن فيما لا يغاب عليه.
وممن قال بهذا القول مالك والأوزاعي وعثمان البتي إلا أن مالكا يقول إذا شهد الشهود بهلاك ما يغاب عليه من غير تضييع ولا تفريط.
فإنه لا يضمن وقال الأوزاعي وعثمان البتي بل يضمن على كل حال قامت بينة أو لم تقم ويقول مالك قال ابن القاسم.
ويقول عثمان والأوزاعي قال أشهب.
وعمدة من جعله أمانة غير مضمون حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يغلق الرهن وهو ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه" أي له غلته وخراجه.
وعليه افتكاكه ومصيبته منه.
قالوا وقد رضي الراهن أمانته فأشبه المودع عنده.
وقال المزني من أصحاب الشافعي محتجا له قد قال مالك ومن تابعه إن الحيوان وما ظهر هلاكه أمانة فوجب أن يكون كله كذلك.
وقد قال أبو حنيفة إن ما زاد من قيمة الرهن على قيمة الدين فهو أمانة فوجب أن يكون كله أمانة ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام عند مالك ومن قال بقوله "وعليه غرمه" أي نفقته.
قالوا ومعنى ذلك قوله عليه الصلاة والسلام "الرهن مركوب ومحلوب" أي أجرة ظهره لربه.
ونفقته عليه.
وأما أبو حنيفة وأصحابه
فتأولوا قوله عليه الصلاة والسلام "له غنمه وعليه غرمه " أن غنمه ما فضل منه على الدين.
وغرمه ما نقص.
وعمدة من رأى أنه مضمون من المرتهن أنه عين تعلق بها حق الاستيفاء ابتداء فوجب أن تسقط بتلفه أصله تلف المبيع عند البائع إذا أمسكه حتى يستوفي الثمن وهذا متفق عليه من الجمهور وإن كان عند مالك كالرهن وربما احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا ارتهن فرسا من رجل فنفق في يده فقال عليه الصلاة والسلام"للمرتهن: ذهب حقك".
وأما تفريق مالك بين ما يغاب

عليه وبين ما لا يغاب عليه فهو استحسان ومعنى ذلك أن التهمة تلحق فيما يغاب عليه ولا تلحق فيما لا يغاب عليه.
وقد اختلفوا في معنى الاستحسان الذي يذهب إليه مالك كثيرا فضعفه قوم وقالوا إنه مثل استحسان أبي حنيفة وحددوا الاستحسان بأنه قول بغير دليل.
ومعنى الاستحسان عند مالك هو جمع بين الأدلة المتعارضة وإذا كان ذلك كذلك فليس هو قول بغير دليل.
والجمهور على أنه لا يجوز للراهن بيع الرهن ولا هبته.
وأنه إن باعه فللمرتهن الإجازة أو الفسخ.
قال مالك وإن زعم أن إجازته ليتعجل حقه حلف على ذلك وكان له.
وقال قوم يجوز بيعه.
وإذا كان الرهن غلاما أو أمة فأعتقها الراهن فعند مالك أنه إن كان الراهن موسرا جاز عتقه وعجل للمرتهن حقه وإن كان معسرا بيعت وقضى الحق من ثمنها.
وعند الشافعي ثلاثة أقوال الرد والإجازة والثالث مثل قول مالك.
وأما اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الحق الذي وجب به الرهن فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك فقال مالك القول قول المرتهن فيما ذكره من قدر الحق ما لم تكن قيمة الرهن أقل من ذلك فما زاد على قيمة الرهن فالقول قول الراهن.
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجمهور فقهاء الأمصار القول في قدر الحق قول الراهن.
وعمدة الجمهور أن الراهن مدعى عليه والمرتهن مدع فوجب أن تكون اليمين على الراهن على ظاهر السنة المشهورة.
وعمدة مالك ههنا أن المرتهن وإن كان مدعيا فله ههنا شبهة بنقل اليمين إلى حيزه وهو كون الرهن شاهدا له ومن أصوله أن يحلف أقوى المتداعيين شبهة وهذا لا يلزم عند الجمهور لأنه قد يرهن الراهن الشيء وقيمته أكثر من المرهون فيه.
وأما إذا تلف الرهن واختلفوا في صفته فالقول ههنا عند مالك قول المرتهن لأنه مدعى عليه وهو مقر ببعض ما ادعي عليه وهذا على أصوله فإن المرتهن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه.
وأما على أصول الشافعي فلا يتصور على المرتهن يمين إلا أن يناكره الراهن في إتلافه.
وأما عند أبي حنيفة فالقول قول المرتهن في قيمة الرهن وليس يحتاج إلى صفة لأن عند مالك يحلف على الصفة وتقويم تلك الصفة.
وإذا اختلفوا في الأمرين جميعا أعني في صفة الرهن وفي مقدار الرهن كان القول قول المرتهن في صفة

الرهن وفي الحق ما كانت قيمته الصفة التي حلف عليها شاهدة له وفيه ضعف.
وهل يشهد الحق لقيمة الرهن إذا اتفقا في الحق واختلفا في قيمة الرهن في المذهب فيه قولان والأقيس الشهادة لأنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون.
وفروع هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية في غرضنا.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الحجروالنظر في هذا الكتاب في ثلاثة أبواب الباب الأول في أصناف المحجورين.
(الثاني متى يخرجون من الحجر ومتى يحجر عليهم وبأي شروط يخرجون).
الثالث في معرفة أحكام أفعالهم في الرد والإجازة.
الباب الأول في أصناف المحجورين
أجمع العلماء على وجوب الحجر على الأيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الآية.
واختلفوا في الحجر على العقلاء الكبار إذا ظهر منهم تبذير لأموالهم فذهب مالك والشافعي وأهل المدينة وكثير من أهل العراق إلى جواز ابتداء الحجر عليهم بحكم الحاكم وذلك إذا ثبت عنده سفههم وأعذر إليهم فلم يكن عندهم مدفع وهو رأي ابن عباس وابن الزبير.
وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل العراق إلى أنه لا يبتدأ الحجر على الكبار وهو قول إبراهيم وابن سيرين وهؤلاء انقسموا قسمين فمنهم من قال الحجر لا يجوز عليهم بعد البلوغ بحال وإن ظهر منهم التبذير.
ومنهم من قال إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم وإن ظهر منهم رشد بعد البلوغ ثم ظهر منهم سفه فهؤلاء لا يبدأ بالحجر عليهم.
وأبو حنيفة يحد في ارتفاع الحجر وإن ظهر سفهه خمسة وعشرين عاما.
وعمدة من أوجب على الكبار ابتداء الحجر أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا فوجب أن يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى وإن لم يكن صغيرا قالوا ولذلك اشترط في رفع الحجر عنهم

مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد قال الله تعالى :{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فدل هذا على أن السبب المقتضي للحجر هو السفه.
وعمدة الحنفية حديث حبان بن منقذ "إذ ذكر فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع
فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا" ولم يحجر عليه وربما قالوا الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال بدليل تأثيره في إسقاط التكليف وإنما اعتبر الصغر لأنه الذي يوجد فيه السفه غالبا كما يوجد فيه نقص العقل غالبا ولذلك جعل البلوغ علامة وجوب التكليف وعلامة الرشد إذا كانا يوجدان فيه غالبا أعني العقل والرشد وكما لم يعتبر النادر في التكليف أعني أن يكون قبل البلوغ عاقلا فيكلف كذلك لم يعتبر النادر في السفه وهو أن يكون بعد البلوغ سفيها فيحجر عليه كما لم يعتبر كونه قبل البلوغ رشيدا.
قالوا وقوله تعالى :{ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} الآية ليس فيها أكثر من
منعهم من أموالهم وذلك لا يوجب فسخ بيوعها وإبطالها.
والمحجورون عند مالك ستة الصغير والسفيه والعبد والمفلس والمريض والزوجة.
وسيأتي ذكر كل واحد منهم في بابه.
الباب الثاني
متى يخرجون من الحجر ومتى يحجر عليهم وبأي شروط يخرجون والنظر في هذا الباب في موضعين في وقت خروج الصغار من الحجر ووقت خروج السفهاء.
فنقول إن الصغار بالجملة صنفان ذكور وإناث وكل واحد من هؤلاء إما ذو أب وإما ذو وصي وإما مهمل وهم الذين يبلغون ولا وصي لهم ولا أب.
فأما الذكور الصغار ذوو الآباء فاتفقوا على أنهم لا يخرجون من الحجر إلا ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم وإن كانوا قد اختلفوا في الرشد ما هو وذلك لقوله تعالى :{ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} واختلفوا في الإناث فذهب الجمهور إلى أن حكمهن في ذلك حكم الذكور أعني بلوغ المحيض وإيناس الرشد وقال مالك هي في ولاية أبيها في المشهور

عنه حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويؤنس رشدها.
وروي عنه مثل قول الجمهور ولأصحاب مالك في هذا أقوال غير هذه قيل إنها في ولاية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها وقيل حتى يمر بها عامان وقيل حتى تمر بها سبعة أعوام.
وحجة مالك أن إيناس الرشد لا يتصور من المرأة إلا بعد اختبار الرجال.
وأما أقاويل أصحابه فضعيفة مخالفة للنص والقياس أما مخالفتها للنص فإنهم لم يشترطوا الرشد وأما مخالفتها للقياس فلأن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه المدة المحدودة وإذا قلنا على قول مالك لا على قول الجمهور إن الاعتبار في الذكور ذوي الآباء البلوغ وإيناس الرشد فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده وكان مجهول الحال فقيل عنه إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده وهو المشهور وقيل عنه إنه محمول على الرشد حتى يتبين سفهه.
فأما ذوو الأوصياء فلا يخرجون من الولاية في المشهور عن مالك إلا بإطلاق وصية له من الحجر أي يقول فيه إنه رشيد إن كان مقدما من قبل الأب بلا خلاف أو بإذن القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غير الأب على اختلاف في ذلك.
وقد قيل في وصي الأب إنه لا يقبل قوله في أنه رشيد إلا حتى يعلم رشده وقد قيل إن حاله مع الوصي كحاله مع الأب يخرجه من الحجر إذا آنس منه الرشد وإن لم يخرجه وصيه بالإشهاد وأن المجهول الحال في هذا حكمه حكم المجهول الحال ذي الأب.
وأما ابن القاسم فمذهبه أن الولاية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد ولا سقوطها إذا علم السفه.
وهي رواية عن مالك وذلك من قوله في اليتيم لا في البكر والفرق بين المذهبين أن من يعتبر الولاية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده حتى يخرج من الولاية وهو قول
ضعيف فإن المؤثر هو الرشد لا حكم الحاكم.
وأما اختلافهم في الرشد ما هو فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصلاحه فقط والشافعي يشترط مع هذا صلاح الدين.
وسبب اختلافهم:
هل ينطلق اسم الرشد على غير صالح الدين.
وحال البكر مع الوصي كحال الذكر لا تخرج من الولاية إلا بالإخراج ما لم تعنس على اختلاف في ذلك.
وقيل حالها مع الوصي كحالها مع الأب وهو قول ابن الماجشون.
ولم يختلف قولهم وإنه لا يعتبر فيها الرشد كاختلافهم في اليتيم.
وأما المهمل من

الذكور فإن المشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ الحلم كان سفيها متصل السفه أو غير متصل السفه معلنا به أو غير معلن.
وأما ابن القاسم فيعتبر نفس فعله إذا وقع فإن كان رشدا جاز وإلا رده.
فأما اليتيمة التي لا أب لها ولا وصي فإن فيها في المذهب قولين أحدهما أن أفعالها جائزة إذا بلغت المحيض.
والثاني أن أفعالها مردودة ما لم تعنس وهو المشهور.
الباب الثالث في معرفة أحكام أفعالهم في الرد والإجازة
والنظر في هذا الباب في شيئين أحدهما ما يجوز لصنف صنف من المحجورين من الأفعال وإذا فعلوا فكيف حكم أفعالهم في الرد والإجازة وكذلك أفعال المهملين الذين بلغوا الحلم أب ولا وصي وهؤلاء كما قلنا إما صغار وإما كبار متصلو الحجر من الصغر وإما مبتدأ حجرهم.
فأما الصغار الذين لم يبلغوا الحلم من الرجال ولا المحيض من النساء فلا خلاف في المذهب في أنه لا يجوز له في ماله معروف من هبة ولا صدقة ولا عطية ولا عتق وإن أذن له الأب في ذلك أو الوصي فإن أخرج من يده شيئا بغير عوض كان موقوفا على نظر وليه إن كان له ولي فإن رآه رشدا أجازه وإلا أبطله وإن لم يكن له ولي قدم له ولي ينظر في ذلك وإن عمل في ذلك حتى يلي أمره كان النظر إليه في الإجازة أو الرد.
واختلف إذا كان فعله سدادا ونظرا فيما كان يلزم الولي أن يفعله هل له أن ينقضه إذا آل الأمر إلى خلاف بحوالة الأسواق أو نماء فيما باعه أو نقصان فيما ابتاعه فالمشهور أن ذلك له وقيل إن ذلك ليس له ويلزم الصغير ما أفسد في ماله مما لم يؤتمن عليه.
واختلف فيما أفسد وكسر مما اؤتمن عليه ولا يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته في صغره وحنث به في صغره.
واختلف فيما حنث فيه في كبره وحلف به في صغره فالمشهور أنه لا يلزمه.
وقال ابن كنانة يلزمه ولا يلزمه فيما ادعي عليه يمين.
واختلف إذا كان له شاهد واحد هل يحلف معه فالمشهور أنه لا يحلف وروي عن مالك والليث أنه يحلف.
وحال البكر ذات الأب والوصي كالذكر ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها.
فأما السفيه البالغ فجمهور العلماء على أن المحجور إذا طلق زوجته أو خالعها

مضى طلاقه وخلعه إلا ابن أبي ليلى وأبا يوسف وخالف ابن أبي ليلى في العتق فقال إنه ينفذ وقال الجمهور إنه لا ينفذ.
أما وصيته فلا أعلم خلافا في نفوذها.
ولا تلزمه هبة ولا صدقة ولا عطية ولا عتق ولا شيء من المعروف إلا أن يعتق أم ولده فيلزمه عتقها وهذا كله في المذهب وهل يتبعها مالها فيه خلاف قيل يتبع وقيل لا يتبع وقيل بالفرق بين القليل والكثير.
وأما ما يفعله بعوض فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ولي فإن لم يكن له ولي قدم له ولي.
فإن رد بيعه الولي وكان قد أتلف الثمن لم يتبع من ذلك بشيء وكذلك إن أتلف عين المبيع.
وأما أحكام أفعال المحجورين أو المهملين على مذهب مالك فإنها تنقسم إلى أربعة أحوال فمنهم من تكون أفعاله كلها مردودة وإن كان فيها ما هو رشد.
ومنهم ضد هذا وهو أن تكون أفعاله كلها محمولة على الرشد وإن ظهر فيها ما هو سفه.
ومنهم من تكون أفعاله كلها محمولة على السفه ما لم يتبين رشده وعكس هذا أيضا أن تكون أفعاله كلها محمولة الرشد حتى يتبين سفهه.
فأما الذي يحكم له بالسفه وإن ظهر رشده فهو الصغير الذي لم يبلغ والبكر ذات الأب والوصي ما لم تعنس على مذهب من يعتبر التعنيس.
واختلف في حده اختلافا كثيرا من دون الثلاثين إلى الستين والذي يحكم له بحكم الرشد وإن علم سفهه فمنها السفيه إذا لم تثبت عليه ولاية من قبل أبيه ولا من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك خلافا لابن القاسم الذي يعتبر نفس الرشد لا نفس الولاية والبكر اليتيمة المهملة على مذهب سحنون.
وأما الذي يحكم عليه بالسفه بحكم ما لم يظهر رشده فالابن بعد بلوغه في حياة أبيه على المشهور في المذهب وحال البكر ذات الأب التي لا وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر رشدها وما لم تبلغ الحد المعتبر في ذلك من السنين عند من يعتبر ذلك وكذلك اليتيمة التي لا وصي لها على مذهب من يرى أن أفعالها مردودة.
وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه فمنها حال البكر المعنس عند من يعتبر التعنيس أو التي دخل بها زوجها ومضى لدخوله الحد المعتبر من السنين عند من يعتبر الحد وكذلك حال الابن ذي الأب إذا بلغ وجهلت حاله على إحدى

الروايتين والابنة البكر بعد بلوغها على الرواية التي لا تعتبر فيها دخولها مع زوجها.
فهذه هي جمل ما في هذا الكتاب والفروع كثيرة.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما).
كتاب التفليسوالنظر في هذا الكتاب فيما هو الفلس وفي أحكام المفلس فنقول إن الإفلاس في الشرع يطلق على معنيين أحدهما أن يستغرق الدين مال المدين فلا يكون في ماله وفاء بديونه.
والثاني أن لا يكون له مال معلوم أصلا وفي كلا الفلسين قد اختلف العلماء في أحكامهما.
فأما الحالة الأولى وهي إذا ظهر عند الحاكم من فلسه ما ذكرنا فاختلف العلماء في ذلك هل للحاكم
أن يحجر عليه التصرف في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه على الغرماء على نسبة ديونهم أم ليس له ذلك بل يحبس حتى يدفع إليهم جميع ماله على أي نسبة اتفقت أو لمن اتفق منهم وهذا الخلاف بعينه يتصور فيمن كان له مال يفي بدينه فأبى أن ينصف غرماءه هل يبيع عليه الحاكم فيقسمه عليهم أم يحسبه حتى يعطيهم بيده ما عليه فالجمهور يقولون يبيع الحاكم ماله عليه فينصف منه غرماءه أو غريمه إن كان مليا أو يحكم عليه بالإفلاس إن لم يف ماله بديونه ويحجر عليه التصرف فيه وبه قال مالك والشافعي بالقول الآخر قال أبو حنيفة وجماعة من أهل العراق.
وحجة مالك والشافعي حديث معاذ بن جبل "أنه كثر دينه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد غرماءه على أن جعله لهم من ماله" وحديث أبي سعيد الخدري "أن رجلا أصيب على عهد رسول الله في ثمر ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا بذلك" وحديث عمر في القضاء على الرجل المفلس في حبسه وقوله فيه أما بعد فإن الأسيفع "أسيفع جهينة" رضي من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج وأنه أدان معرضا فأصبح قدرين عليه فمن كان له عليه دين فليأتنا.
وأيضا من طريق المعنى فإنه إذا كان المريض

محجورا عليه لمكان ورثته فأحرى أن يكون المدين محجورا عليه لمكان الغرماء وهذا القول هو الأظهر لأنه أعدل.
والله أعلم.
وأما حجج الفريق الثاني الذين قالوا بالحبس حتى يعطي ما عليه أو يموت محبوسا فيبيع القاضي حينئذ ماله ويقسمه على الغرماء فمنها حديث جابر بن عبد الله حين استشهد أبوه بأحد وعليه دين فلما طالبه الغرماء قال جابر "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فسألهم أن يقبلوا مني حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطي قال ولكن سأغدو عليك قال فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل فدعا في ثمرها بالبركة قال فجذذتها فقضيت منها حقوقهم وبقي من ثمرها بقية" بما روي أيضا أنه مات أسيد بن الخضير وعليه عشرة آلاف درهم فدعا عمر بن الخطاب غرماءه فقبلهم أرضه وأربع سنين مما لهم عليه.
قالوا فهذه الآثار كلها ليس فيها أنه بيع أصل في دين.
قالوا ويدل على حبسه قوله صلى الله عليه وسلم "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته قالوا والعقوبة" هي حبسه.
وربما شبهوا استحقاق أصول العقار عليه باستحقاق إجازته وإذا قلنا إن المفلس محجور عليه فالنظر في ماذا يحجر عليه وبأي ديون تكون المحاصة في ماله وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة وكيف تكون.
فأما المفلس فله حالان حال في وقت الفلس قبل الحجر عليه وحال بعد الحجر.
فأما قبل الحجر فلا يجوز له إتلاف شيء من ماله عند مالك بغير عوض إذا كان مما لا يلزمه ومما لا تجري العادة بفعله وإنما اشترط إذا كان مما لا يلزمه لأن له أن يفعل ما يلزم بالشرع وإن لم يكن
بعوض كنفقته على الآباء المعسرين أو الأبناء وإنما قيل مما لم تجر العادة بفعله لأن له إتلاف اليسير من ماله بغير عوض كالأضحية والنفقة في العيد والصدقة اليسيرة وكذلك تراعى العادة في إنفاقه في عوض كالتزوج والنفقة على الزوجة ويجوز بيعه وابتياعه ما لم تكن فيه محاباة وكذلك يجوز إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه.
واختلف قول مالك في قضاء بعض غرمائه دون بعض وفي رهنه.
وأما جمهور من قال بالحجر على المفلس فقالوا هو قبل الحكم كسائر الناس وإنما ذهب الجمهور لهذا لأن الأصل هو جواز الأفعال حتى يقع الحجر ومالك كأنه اعتبر المعنى

نفسه وهو إحاطة الدين بماله لكن لم يعتبره في كل حال لأنه يجوز بيعه وشراؤه إذا لم يكن فيه محاباة ولا يجوزه للمحجور عليه.
وأما حاله بعد التفليس فلا يجوز له فيها عند مالك بيع ولا شراء ولا أخذ ولا عطاء لا يجوز إقراره بدين في ذمته لقريب ولا بعيد.
قيل إلا أن يكون لواحد منهم بينة وقيل يجوز لمن يعلم منه إليه تقاض.
واختلف في إقراره بمال معين مثل القراض والوديعة على ثلاثة أقوال في المذهب بالجواز والمنع.
والثالث بالفرق بين أن يكون على أصل القراض أو الوديعة ببينة أو لا تكون فقيل إن كانت صدق وإن لم تكن لم يصدق.
واختلفوا من هذا الباب في ديون المفلس المؤجلة هل تحل بالتفليس أم لا فذهب مالك إلى أن التفليس في ذلك كالموت وذهب غيره إلى خلاف ذلك.
وجمهور العلماء على أن الديون تحل بالموت وقال ابن شهاب مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات.
وحجتهم أن الله تبارك وتعالى لم يبح التوارث إلا بعد قضاء الدين فالورثة في ذلك بين أحد أمرين إما أن لا يريدوا أن يؤخروا حقوقهم في المواريث إلى محل أجل الدين فيلزم أن يجعل الدين حالا وإما أن يرضوا بتأخير ميراثهم حتى تحل الديون فتكون الديون حينئذ مضمونة في التركة خاصة لا في ذممهم بخلاف ما كان عليه الدين قبل الموت لأنه كان في ذمة الميت وذلك يحسن في حق ذي الدين.
ولذلك رأى بعضهم أنه إن رضي الغرماء بتحمله في ذممهم أبقيت الديون إلى أجلها وممن قال بهذا القول ابن سيرين واختاره أبو عبيد من فقهاء الأمصار لكن لا يشبه الفلس في هذا المعنى الموت كل الشبه وإن كانت كلا الذمتين قد خربت فإن ذمة المفلس يرجى المال لها بخلاف ذمة الميت.
وأما النظر فيما يرجع به أصحاب الديون من مال المفلس فإن ذلك يرجع إلى الجنس والقدر.
أما ما كان قد ذهب عين العوض الذي استوجب من قبله الغريم على المفلس فإن دينه في ذمة المفلس.
وأما إذا كان عين العوض باقيا بعينه لم يفت إلا أنه لم يقبض ثمنه فاختلف في ذلك فقهاء الأمصار على أربعة أقوال الأول أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إلا أن يتركها ويختار المحاصة وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور.
القول الثاني ينظر إلى قيمة السلعة يوم الحكم

بالتفليس فإن كانت أقل من الثمن خير صاحب السلعة بين أن يأخذها أو يحاص الغرماء وإن كانت أكثر أو مساوية للثمن أخذها بعينها وبه قال مالك وأصحابه.
والقول الثالث تقوم السلعة بين التفليس فإن كانت قيمتها مساوية للثمن أو أقل منه قضي له بها أعني للبائع وإن كانت أكثر دفع إليه مقدار ثمنه ويتحاصون في الباقي وبهذا القول قال جماعة من أهل الأثر.
والقول الرابع أنه أسوة الغرماء فيها على كل حال وهو قول أبي حنيفة وأهل الكوفة والأصل في هذه المسألة ما ثبت من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره" وهذا الحديث خرجه مالك والبخاري ومسلم وألفاظهم متقاربة وهذا اللفظ لمالك فمن هؤلاء من حمله على عمومه وهو الفريق الأول ومنهم من خصصه بالقياس وقالوا إن معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون سلعته باقية وأكثر ما في ذلك أن يأخذ الثمن الذي باعها به فإما أن يعطى في هذه الحال الذي اشترك فيها مع الغرماء أكثر من ثمنها فذلك مخالف لأصول الشرع وبخاصة إذا كان للغرماء أخذها بالثمن كما قال مالك.
وأما أهل الكوفة فردوا هذا الحديث بجملته لمخالفته للأصول المتواترة على طريقتهم في رد خبر الواحد إذا خالف الأصول المتواترة لكون خبر الواحد مظنونا والأصول يقينية مقطوع بها كما قال عمر في حديث فاطمة بنت قيس ما كنا لندع كتاب الله وسنة نبينا لحديث امرأة.
ورواه عن علي أنه قضى بالسلعة للمفلس وهو رأي ابن سيرين وإبراهيم من التابعين.
وربما احتجوا بأن حديث أبي هريرة مختلف فيه وذلك أن الزهري روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أيما رجل مات أو أفلس فوجد بعض غرمائه ماله بعينه فهو أسوة الغرماء" وهذا الحديث أولى لأنه موافق للأصول الثابتة.
قالوا وللجمع بين الحديثين وجه وهو حمل ذلك الحديث على الوديعة والعارية.
إلا أن الجمهور دفعوا هذا التأويل بما ورد في لفظ حديث أبي هريرة في بعض الروايات من ذكر البيع.
وهذا كله عند الجميع بعد قبض المشتري السلعة فأما قبل القبض فالعلماء متفقون أهل الحجاز وأهل العراق أن صاحب السلعة أحق بها لأنها في ضمانه واختلف

القائلون بهذا الحديث إذا قبض البائع بعض الثمن فقال مالك إن شاء أن يرد ما قبض ويأخذ السلعة كلها وإن شاء حاص الغرماء فيما بقي من سلعته وقال الشافعي بل يأخذ ما بقي من سلعته بما بقي من الثمن وقالت جماعة من أهل العلم داود وإسحاق وأحمد إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء.
وحجتهم ما روى مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء" وهو حديث وإن أرسله مالك فقد أسنده عبد الرزاق وقد روي من طريق الزهري عن أبي هريرة فيه زيادة بيان.
وهو قوله فيه "فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهوأسوة الغرماء" ذكره أبو عبيد في كتابه في الفقه وخرجه.
وحجة الشافعي أن كل السلعة أو بعضها في الحكم واحد ولم يختلفوا أنه إذا فوت المشتري بعضها أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته إلا عطاء فإنه قال إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء.
واختلف الشافعي ومالك في الموت هل حكمه حكم الفلس أم لا فقال مالك هو في الموت أسوة الغرماء بخلاف الفلس وقال الشافعي الأمر في ذلك واحد.
وعمدة مالك ما رواه عن ابن شهاب عن أبي بكر وهو نص في ذلك وأيضا من جهة النظر إن فرقا بين الذمة في الفلس والموت وذلك أن الفلس ممكن أن تثرى حاله فيتبعه غرماؤه بما بقي عليه وذلك غير متصور في الموت.
وأما الشافعي فعمدته ما رواه ابن أبي ذئب بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق به" فسوى في هذه الرواية بين الموت والفلس.
وقال وحديث ابن أبي ذئب أولى من حديث ابن شهاب لأن حديث ابن شهاب مرسل وهذا مسند ومن طريق المعنى فهو مال لا تصرف فيه لمالكه إلا بعد أداء ما عليه فأشبه مال المفلس وقياس مالك أقوى من قياس الشافعي وترجيح حديثه على حديث ابن أبي ذئب من جهة أن موافقة القياس له أقوى وذلك أن ما وافق من الأحاديث

المتعارضة قياس المعنى فهو أقوى مما وافقه قياس الشبه أعني أن القياس الموافق لحديث الشافعي هو قياس شبه والموافق لحديث مالك قياس معنى ومرسل مالك خرجه عبد الرزاق.
فسبب الخلاف تعارض الآثار في هذا المعنى والمقاييس وأيضا فإن الأصل يشهد لقول مالك في الموت أعني من باع شيئا فليس يرجع إليه فمالك رحمه الله أقوى في هذه المسألة والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي من المسند المرسل عنده لا يجب العمل به.
واختلف مالك والشافعي فيمن وجد سلعته بعينها عند المفلس وقد أحدث زيادة مثل أن تكون أرضا يغرسها أو عرصة يبنيها فقال مالك العمل الزائد فيها هو فوت ويرجع صاحب السلعة شريك الغرماء.
وقال الشافعي بل يخير البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها أو أن يأخذ أصل السلعة ويحاص الغرماء في الزيادة وما يكون فوتا مما لا يكون فوتا في مذهب مالك منصوص في كتبه المشهورة.
وتحصيل مذهب مالك فيما يكون الغريم به أحق من سائر الغرماء في الموت والفلس أو في الفلس دون الموت أن الأشياء المبيعة بالدين تنقسم في التفليس ثلاثة أقسام عرض يتعين وعين اختلف فيه هل يتعين فيه أم لا وعمل لا يتعين.
فأما العرض فإن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري فهو أحق به في الموت والفلس وهذا ما لا خلاف فيه.
وإن كان قد دفعه إلى المشتري ثم أفلس وهو قائم بيده فهو أحق به من الغرماء في الفلس دون الموت.
ولهم عنده أن يأخذوا سلعته بالثمن.
وقال الشافعي ليس لهم.
وقال أشهب لا يأخذونها إلا بزيادة
يحطونها عن المفلس وقال ابن الماجشون إن شاءوا كان الثمن من أموالهم أو من مال الغريم وقال ابن كنانة بل يكون من أموالهم وأما العين فهو أحق بها في الموت أيضا والفلس ما كان بيده.
واختلف إذا دفعه إلى بائعه فيه ففلس أو مات وهو قائم بيده يعرف بعينه فقيل إنه أحق به كالعروض في الفلس دون الموت وهو قول ابن القاسم وقيل إنه لا سبيل له عليه وهو أسوة الغرماء وهو قول أشهب والقولان جاريان على الاختلاف في تعيين العين وأما إن لم يعرف بعينه فهو أسوة الغرماء في الموت والفلس.
وأما العمل الذي لا يتعين فإن أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل الأجير كان الأجير أحق بما عمله

في الموت والفلس جميعا كالسلعة إذا كانت بيد البائع في وقت الفلس وإن كان فلسه بعد أن استوفى عمل الأجير فالأجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه عليها في الفلس والموت جميعا على أظهر الأقوال إلا أن تكون بيده السلعة التي استؤجر على عملها فيكون أحق بذلك في الموت والفلس جميعا لأنه كالرهن بيده فإن أسلمه كان أسوة الغرماء بعمله إلا أن يكون له فيه شيء أخرجه فيكون أحق به في الفلس دون الموت وكذلك الأمر عنده في فلس مكتري الدواب إن استكرى أحق بما عليه من المتاع في الموت والفلس جميعا وكذلك وهذا كله شبهه مالك بالرهن.
وبالجملة فلا خلاف في مذهبه أن البائع أحق بما في يديه في الموت والفلس وأحق بسلعته القائمة الخارجة عن يده في الفلس دون الموت.
وأنه أسوة الغرماء في سلعته إذا فاتت وعندما يشبه حال الأجير عند أصحاب مالك.
وبالجملة البائع منفعة بالبائع الرقبة.
فمرة يشبهون المنفعة التي عمل بالسلعة التي لم يقبضها المشتري فيقولون هو أحق بها في الموت والفلس ومرة يشبهونه بالتي خرجت من يده ولم يمت فيقولون هو أحق بها في الفلس دون الموت.
ومرة يشبهون ذلك بالموت الذي فاتت فيه فيقولون هو أسوة الغرماء.
ومثال ذلك اختلافهم فيمن استؤجر على سقي حائط فسقاه حتى أثمر الحائط ثم أفلس المستأجر فإنهم قالوا فيه الثلاثة الأقوال.
وتشبيه بيع المنافع في هذا الباب ببيع الرقاب هو شيء فيما أحسب انفرد به مالك دون فقهاء الأمصار وهو ضعيف لأن قياس الشبه المأخوذ من الموضع المفارق للأصول يضعف ولذلك ضعف عند قوم القياس على موضع الرخص ولكن انقدح هنالك قياس علة فهو أقوى ولعل المالكية تدعي وجود هذا المعنى في القياس ولكن هذا كله ليس يليق بهذا المختصر.
ومن هذا الباب اختلافهم في العبد المفلس المأذون له في التجارة هل يتبع بالدين في رقبته أم لا فذهب مالك وأهل الحجاز إلى أنه إنما يتبع بما في يده لا في رقبته ثم إن أعتق أتبع بما بقي عليه.
ورأى قوم أنه يباع.
ورأى قوم أن الغرماء يخيرون بين بيعه وبين أن يسعى فيما بقي عليه من الدين وبه قال شريح.
وقالت طائفة بل يلزم سيده ما عليه وإن لم يشترطه.
فالذين لم يروا

بيع رقبته قالوا إنما عامل الناس على ما في يده فأشبه الحر والذين رأوا بيعه.
شبهوا ذلك بالجنايات التي يجني وأما الذين رأوا الرجوع على السيد بما عليه من الدين فإنهم شبهوا ماله بمال السيد إذ كان له انتزاعه.
فسبب الخلاف هو تعارض أقيسة الشبه في هذه المسألة ومن هذا المعنى إذا أفلس العبد والمولى معا بأيهما يبدأ هل بدين العبد أم بدين المولى فالجمهور يقولون بدين العبد لأن الذين داينوا العبد إنما فعلوا ذلك ثقة بما رأوا عند العبد من المال والذين داينوا المولى لم يعتدوا بمال العبد ومن رأى البدء بالمولى قال لأن مال العبد هو في الحقيقة للمولى.
فسبب الخلاف تردد مال العبد بين أن يكون حكمه حكم مال الأجنبي أو حكم مال السيد.
وأما قدر ما يترك للمفلس من ماله فقيل في المذهب يترك له ما يعيش به هو وأهله وولده الصغار الأيام وقال في الواضحة والعتبية الشهر ونحوه ويترك له كسوة مثله وتوقف مالك في كسوة زوجته لكونها هل تجب لها بعوض مقبوض وهو الانتفاع بها أو بغير عوض وقال سحنون لا يترك له كسوة زوجته وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يترك له إلا ما يواريه وبه قال ابن كنانة.
واختلفوا في بيع كتب العلم عليه على قولين وهذا مبني على كراهية بيع كتب الفقه أو لا كراهية ذلك.
وأما معرفة الديون التي يحاص بها من الديون التي لا يحاص بها على مذهب مالك فإنها تنقسم أولا إلى قسمين أحدهما أن تكون واجبة عن عوض.
والثاني أن تكون واجبة من غير عوض.
فأما الواجبة عن عوض فإنها تنقسم إلى عوض مقبوض وإلى عوض غير مقبوض فأما ما كانت عن عوض مقبوض وسواء كانت مالا أو أرش جناية فلا خلاف في المذهب أن محاصة الغرماء بها واجبة.
وأما ما كان عن عوض غير مقبوض فإن ذلك ينقسم خمسة أقسام أحدها أن لا يمكنه دفع العوض بحال كنفقة الزوجات لما يأتي من المدة والثاني أن لا يمكنه دفع العوض ولكن يمكنه دفع ما يستوفي فيه مثل أن يكتري الرجل الدار بالنقد أو يكون العرف فيه النقد ففلس المكتري قبل أن يسكن أو بعد ما سكن بعض السكنى وقبل أن يدفع الكراء
والثالث أن يكون دفع العوض يمكنه ويلزمه

كرأس مال السلم إذا أفلس المسلم إليه قبل دفع رأس المال.
والرابع أن يمكنه دفع العوض ولا يلزمه مثل السلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل أن يدفعها إليه البائع.
والخامس أن لا يكون إليه تعجيل دفع العوض مثل أن يسلم الرجل إلى رجل دنانير في عروض إلى أجل فيفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال وقبل أن يحل أجل السلم.
فأما الذي لا يمكنه دفع العوض بحال فلا محاصة في ذلك إلا في مهور الزوجات إذا أفلس الزوج قبل الدخول.
وأما الذي لا يمكنه دفع العوض ويمكنه دفع ما يستوفي منه مثل المكتري يفلس قبل دفع الكراء فقيل للمكري المحاصة بجميع الثمن وإسلام الدار للغرماء وقيل ليس له إلا المحاصة بما سكن ويأخذ داره وإن كان لم يسكن فليس له إلا أخذ داره.
وأما ما يمكنه دفع العوض ويلزمه وهو إذا كان العوض عينا فقيل
يحاص به الغرماء في الواجب له بالعوض ويدفعه وقيل هو أحق به وعلى هذا لا يلزمه دفع العوض.
وأما ما يمكنه دفع العوض ولا يلزمه فهو بالخيار بين المحاصة والإمساك وذلك هو إذا كان العوض عينا.
وأما إذا لم يكن إليه تعجيل العوض مثل أن يفلس المسلم قبل أن يدفع رأس المال وقبل أن يحل أجل السلم فإن رضي المسلم إليه أن يعجل العروض ويحاصص الغرماء برأس مال السلم فذلك جائز إن رضي بذلك الغرماء فإن أبى ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد للغريم من مال وفي العروض التي عليه إذا حلت لأنها من مال المفلس وإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ويتحاصوا فيها كان ذلك لهم.
وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فإن ما كان واجب بالشرع بل بالالتزام كالهبات والصدقات فلا محاصة فيها.
وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة الآباء والأبناء ففيها قولان أحدهما أن المحاصة لا تجب بها وهو قول ابن القاسم والثاني أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان وهو قول أشهب.
وأما النظر الخامس وهو معرفة وجه التحاص فإن الحكم في ذلك أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء وسواء أكان مال الغرماء من جنس واحد أو من أجناس مختلفة إذ كان لا يقتضي في الديون إلا ما هو من جنس الدين إلا أن يتفقوا من ذلك على شيء يجوز.
واختلفوا من هذا الباب في فرع طارئ وهو إذا

هلك مال المحجور عليه بعد الحجر وقبل قبض الغرماء ممن مصيبته فقال أشهب مصيبته من المفلس وقال ابن الماجشون مصيبته من الغرماء إذا وقفه السلطان.
وقال ابن القاسم ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم لأنه إنما يباع على ملكه وما لا يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغرماء مثل أن يكون المال عينا والدين عينا وكلهم روى قوله عن مالك وفرق أصبغ بين الموت والفلس فقال المصيبة في الموت من الغرماء وفي الفلس من المفلس.
فهذا هو القول في أصول أحكام المفلس الذي له من المال ما لا يفي بديونه.
وأما المفلس الذي لا مال له أصلا فإن فقهاء الأمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط الدين إلى وقت ميسرته إلا ما حكي عن عمر بن عبد العزيز أن لهم أن يؤاجروه وقال به أحمد من فقهاء الأمصار وكلهم مجمعون على أن المدين إذا ادعى الفلس ولم يعلم صدقه أنه يحبس حتى يتبين صدقه أو يقر له بذلك صاحب الدين فإذا كان ذلك خلي سبيله.
وحكي عن أبي حنيفة أن لغرمائه أن يدوروا معه حيث دار وإنما صار الكل إلى القول بالحبس في الديون وإن كان لم يأت في ذلك أثر صحيح لأن ذلك أمر ضروري في استيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض وهذا دليل على القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة وهو الذي يسمى بالقياس المرسل.
وقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام "حبس رجلا في تهمة" خرجه فيما أحسب أبو داود.
والمحجورون عند مالك السفهاء والمفلسون والعبيد والمرضى والزوجة فيما فوق الثلث لأنه يرى أن للزوج حقا في المال وخالفه في ذلك الأكثر.
وهذا القدر كاف بحسب غرضنا في هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وتسليما
كتاب الصلحوالأصل في هذا الكتاب قوله تعالى :{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام مرفوعا وموقوفا على عمر "إمضاء الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " واتفق المسلمون على جوازه على الإقرار واختلفوا في جوازه على الإنكار فقال

مالك وأبو حنيفة يجوز على الإنكار وقال الشافعي لا يجوز على الإنكار لأنه من أكل المال بالباطل عوض.
والمالكية تقول فيه عوض وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه ولا خلاف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على الإقرار يراعى في صحته ما يراعى في البيوع فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع ويصح بصحته وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد الإقرار بدنانير نسيئة وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا والغرر.
وأما الصلح على الإنكار فالمشهور فيه عن مالك وأصحابه أنه يراعى فيه من الصحة ما يراعى في البيوع مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر ثم يصالحه عليها بدنانير مؤجلة فهذا لا يجوز عند مالك وأصحابه وقال أصبغ هو جائز لأن المكروه فيه من الطرف الواحد وهو من جهة الطالب لأنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له.
وأما الدافع فيقول هي هبة مني.
وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين مثل أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل فهذا عندهم هو مكروه.
أما كراهيته فمخافة أن يكون كل واحد منهما صادقا
فيكون كل واحد منهما قد أنظر صاحبه لإنظار الآخر إياه فيدخله أسلفني وأسلفك.
وأما وجه جوازه فلأن كل واحد منهما إنما يقول ما فعلت إنما هو تبرع مني وما كان يجب علي شيء وهذا النحو من البيوع قيل إنه يجوز إذا وقع وقال ابن الماجشون يفسخ إذا وقع عليه أثر عقده فإن طال مضى فالصلح الذي يقع فيه مما لا يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثلاثة أقسام صلح يفسخ باتفاق وصلح يفسخ باختلاف وصلح لا يفسخ باتفاق إن طال وإن لم يطل فيه اختلاف.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما)
كتاب الكفالةواختلف العلماء في نوعها وفي وقتها وفي الحكم اللازم عنها وفي شروطها وفي صفة لزومها وفي محلها ولها أسماء كفالة وحمالة وضمانة وزعامة فأما أنواعها فنوعان حمالة بالنفس وحمالة بالمال.
أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع عليها من الصدر الأول ومن فقهاء الأمصار.
وحكي عن قوم أنها ليست لازمة تشبيها بالعدة وهو شاذ.
والسنة التي صار إليها الجمهور في ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام" الزعيم غارم".
وأما الحمالة بالنفس وهي التي تعرف بضمان الوجه فجمهور فقهاء الأمصار على جواز وقوعها شرعا إذا كانت بسبب المال.
وحكي عن الشافعي في الجديد أنها لا تجوز وبه قال داود وحجتهما قوله تعالى:{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} ولأنهاكفالة بنفس فأشبهت الكفالة في الحدود.
وحجة من أجازها عموم قوله عليه الصلاة والسلام الزعيم غارم وتعلقوا بأن في ذلك مصلحة وأنه مروي عن الصدر الأول.
وأما الحكم اللازم عنها فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا مات لم يلزم الكفيل بالوجه شيء وحكي عن بعضهم لزوم ذلك.
وفرق ابن القاسم بين أن يموت الرجل حاضرا أو غائبا فقال إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء وإن مات غائبا نظر فإن كانت المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في الأجل المضروب له في إحضاره وذلك في نحو اليومين إلى الثلاثة ففرط غرم وإلا لم يغرم.
واختلفوا إذا غاب المتحمل عنه ما حكم الحميل بالوجه على ثلاثة أقوال القول الأول أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم وهو قول مالك وأصحابه وأهل المدينة.
والقول الثاني إنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به أو يعلم موته وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق.
والقول الثالث أنه ليس عليه إلا أن يأتي به إذا علم موضعه ومعنى ذلك أن لا يكلف إحضاره إلا مع العلم بالقدرة على إحضاره فإن ادعى الطالب معرفة موضعه على الحميل وأنكر الحميل

كلف الطالب بيان ذلك.
قالوا ولا يحبس الحميل إلا إذا كان المحتمل عنه معلوم الموضع فيكلف حينئذ إحضاره وهذا القول حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في الفقه عن جماعة من الناس واختاره.
وعمدة مالك أن المتحمل بالوجه غارم لصاحب الحق فوجب عليه الغرم إذا غاب وربما احتج لهم بما روي عن ابن عباس "أن رجلا سأل غريمه أن يؤدي إليه ماله أو يعطيه حميلا فلم يقدر حتى حاكمه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فتحمل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أدى المال إليه" قالوا فهذا غرم في الحمالة المطلقة.
وأما أهل العراق فقالوا إنما يجب عليه إحضار ما تحمل به وهو النفس فليس يجب أن يعدى ذلك إلى المال إلا لو شرطه على نفسه وقد قال عليه الصلاة والسلام" المؤمنون عند شروطهم" فإنما عليه أن يحضره أو يحبس فيه كذلك الأمر في ضمان الوجه.
وعمدة الفريق الثالث أنه إنما يلزمه إحضاره إذا كان إحضاره له مما يمكن وحينئذ يحبس إذا لم يحضره وأما إذا علم أن إحضاره له غير ممكن فليس يجب عليه إحضاره كما أنه إذا مات ليس عليه إحضاره.
قالوا ومن ضمن الوجه فأغرم المال فهو أحرى أن يكون مغرورا من أن يكون غارا.
فأما إذا اشترط الوجه دون المال وصرح بالشرط فقد قال مالك إن المال لا يلزمه ولا خلاف في هذا فيما أحسب لأنه كان يكون قد ألزم ضد ما اشترط فهذا
هو حكم ضمان الوجه.
وأما حكم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على أنه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضامن غارم.
واختلفوا إذا حضر الضامن والمضمون وكلاهما موسر.
فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما و الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق للطالب أن يؤاخذ من شاء من الكفيل أو المكفول.
وقال مالك في أحد قوليه ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه.
وله قول آخر مثل قول الجمهور.
وقال أبو ثور الحمالة والكفالة واحدة ومن ضمن عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون ولا يجوز أن يكون مال واحد على اثنين وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة.
ومن الحجة لما رأى أن الطالب يجوز له مطالبة الضامن كان المضمون عنه غائبا أو حاضرا غنيا

أو عديما حديث قبيصة بن المخارقي قال :" تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عنها فقال نخرجها عنك من إبل الصدقة يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث وذكر رجلا تحمل حمالة رجل حتى يؤديها ".
ووجه الدليل من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح المسألة للمتحمل دون اعتبار حال المتحمل عنه.
وأما محل الكفالة فهي الأموال عند جمهور أهل العلم لقوله عليه الصلاة والسلام "الزعيم غارم" أعني كفالة المال وكفالة الوجه وسواء تعلقت الأموال من قبل أموال أو من قبل حدود مثل المال الواجب في قتل الخطأ أو الصلح في قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق بها قطع وهي ما دون النصاب أو من غير ذلك.
وروي عن أبي حنيفة إجازة الكفالة في الحدود والقصاص أو في القصاص دون الحدود وهو قول عثمان البتي أعني كفالة النفس.
وأما وقت وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته بالكفيل فأجمع العلماء على أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة.
وأما وقت وجوب الكفالة بالوجه فاختلفوا هل تلزم قبل إثبات الحق أم لا فقال قوم إنها لا تلزم قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه وهو قول شريح القاضي والشعبي وبه قال سحنون من أصحاب مالك.
وقال قوم بل يجب أخذ الكفيل بالوجه على إثبات الحق وهؤلاء اختلفوا متى يلزم ذلك وإلى كم من المدة يلزم فقال قوم إن أتى بشبهة قوية مثل شاهد واحد لزمه أن يعطي ضامنا بوجهه حتى يلوح حقه وإلا لم يلزمه الكفيل إلا أن يذكر بينة حاضرة في المصر فيعطيه حميلا من الخمسة الأيام إلى الجمعة وهو قول ابن القاسم من أصحاب مالك وقال أهل العراق لا يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إلا أن يدعي بينة حاضرة في المصر نحو قول ابن القاسم وإلا أنهم حدوا ذلك بالثلاثة الأيام يقولون إنه إن أتى بشبهة لزمه أن يعطيه حميلا حتى يثبت دعواه أو تبطل وقد أنكروا الفرق في ذلك والفرق بين الذي يدعي البينة الحاضرة والغائبة وقالوا لا يؤخذ حميل على أحد إلا ببينة وذلك إلى بيان صدق دعواه أو إبطالها.
وسبب هذا الاختلاف:
تعارض وجه العدل بين الخصمين في ذلك فإنه إذا لم يؤخذ عليه ضامن بمجرد الدعوى لم يؤمن أن يغيب بوجهه فيعنت طالبه وإذا أخذ عليه لم يؤمن أن تكون

الدعوى باطلة فيعنت المطلوب ولهذا فرق من فرق بين دعوى البينة الحاضرة والغائبة.
وروي عن عراك بن مالك قال: " أقبل نفر من الأعراب معهم ظهر فصحبهم رجلان فباتا معهم فأصبح القوم وقد فقدوا كذا وكذا من إبلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الرجلين اذهب واطلب وحبس الآخر فجاء بما ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الرجلين استغفر لي فقال غفر الله لك قال وأنت فغفر الله لك وقتلك في سبيله" خرج هذا الحديث أبو عبيد في كتابه في الفقه قال وحمله بعض العلماء على أن ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسا قال ولا يعجبني ذلك لأنه لا يجب الحبس بمجرد الدعوى وإنما هو عندي من باب الكفالة بالحق الذي لم يجب إذ كانت هنالك شبهة لمكان صحبتهما لهم.
فأما أصناف المضمونين فليس يلحق من قبل ذلك اختلاف مشهور لاختلافهم في ضمان الميت إذا كان عليه دين ولم يترك وفاء بدينه فأجازه مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز.
واستدل أبو حنيفة من قبل أن الضمان لا يتعلق بمعدوم قطعا وليس كذلك المفلس.
واستدل من رأى أن الضمان يلزمه بما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في صدر الإسلام لا يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه والجمهور يصح عندهم كفالة المحبوس والغائب ولا يصح عند أبي حنيفة.
وأما شروط الكفالة فإن أبا حنيفة والشافعي يشترطان في وجوب رجوع الضامن على المضمون بما أدى عنه أن يكون الضمان بإذنه ومالك لا يشترط ذلك ولا تجوز عند الشافعي كفالة المجهول ولا الحق الذي لم يجب بعد وكل ذلك لازم وجائز عند مالك وأصحابه.
وأما ما تجوز فيه الحمالة بالمال مما لا تجوز فإنها لا تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إلا الكتابة وما لا يجوز فيه التأخير وما يستحق شيئا فشيئا مثل النفقات على الأزواج وما شاكلها.

(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما )
كتاب الحوالةوالحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدين بالدين لقوله عليه الصلاة والسلام "مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل".
والنظر في شروطها وفي حكمها فمن الشروط اختلافهم في اعتبار رضا المحال والمحال عليه فمن الناس من اعتبر رضا المحال ولم يعتبر رضا المحال عليه وهو مالك ومن الناس من اعتبر رضاهما معا ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال واعتبر رضا المحال عليه وهو نقيض مذهب مالك وبه قال داود فمن رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين ومن أنزل المحال عليه من المحال منزلته من المحيل لم يعتبر رضاه معه كما لا يعتبره مع المحيل إذا طلب منه حقه ولم يحل عليه أحدا.
وأما داود فحجته ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام "إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع" والأمر على الوجوب وبقي المحال عليه على الأصل وهو اشتراط اعتبار رضاه.
ومن الشروط
التي اتفق عليها في الجملة كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا إلا أن منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ومنعها في الطعام والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من باب بيع الطعام قبل أن يستوفي لأنه باع الطعام الذي كان له على غريمه بالطعام الذي كان عليه وذلك قبل أن يستوفيه من غريمه وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كلاهما من قرض إذا كان دين المحال حالا.
وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه لا يجوز إلا أن يكون الدينان حالين وعند ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حالا ولم يفرق بين ذلك الشافعي لأنه كالبيع في ضمان المستقرض وإنما رخص مالك في القرض لأنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن يستوفى.
وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهها بالدراهم وجعلها خارجة عن الأصول كخروج الحوالة بالدراهم.
والمسألة مبنية على أن ما شذ عن الأصول

هل يقاس عليه أم لا والمسألة مشهورة في أصول الفقه وللحوالة عند مالك ثلاثة شروط أحدها أن يكون دين المحال حالا لأنه إن لم يكن حالا كان دينا بدين.
والثاني أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة لأنه إذا اختلفا في أحدهما كان بيعا ولم يكن حوالة فخرج من باب الرخصة إلى باب البيع وإذا خرج إلى باب البيع دخله الدين بالدين.
والشرط الثالث أن لا يكون الدين طعاما من سلم أو أحدهما ولم يحل الدين المستحال به على مذهب ابن القاسم وإذا كان الطعامان جميعا من سلم فلا تجوز الحوالة بأحدهما على الآخر حلت الآجال أو لم تحل أو حل أحدهما ولم يحل الآخر لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفي كما قلنا لكن أشهب يقول إن استوت رؤوس أموالهما جازت الحوالة وكانت تولية وابن القاسم لا يقول ذلك كالحال إذا اختلفت ويتنزل المحال في الدين الذي أحيل عليه منزلة من أحاله ومنزلته في الدين الذي أحاله به وذلك فيما يريد أن يأخذ بدله منه أو يبيعه له من غيره أعني أنه لا يجوز له من ذلك إلا ما يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله عليه ومثال ذلك إن احتال بطعام كان له من قرض في طعام من سلم أو بطعام من سلم في طعام من قرض لم يجز له أن يبيعه من غيره قبل قبضه منه لأنه إن كان احتال بطعام كان من قرض في طعام من سلم نزل منزلة المحيل في أنه لا يجوز له بيع ما على غريمه قبل أن يستوفيه لكونه طعاما من بيع وإن كان احتال بطعام من سلم في طعام من قرض نزل من المحتال عليه منزلته مع من أحاله أعني أنه ما كان يجوز له أن يبيع الطعام الذي كان على غريمه المحيل له قبل أن يستوفيه كذلك لا يجوز أن يبيع الطعام الذي أحيل عليه وإن كان من قرض وهذا كله مذهب مالك وأدلة هذه الفروق ضعيفة.
وأما أحكامها فإن جمهور العلماء على أن الحوالة ضد الحمالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء قال مالك وأصحابه إلا أن يكون المحيل غره فأحاله على عديم وقال أبو حنيفة.
يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينة وبه قال شريح وعثمان البتي وجماعة.
وسبب اختلافهم:
مشابهة الحوالة للحمالة.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوكالةوفيها ثلاث أبواب الباب الأول في أركانها وهي النظر فيما فيه التوكيل وفي الموكل.
والثاني في أحكام الوكالة.
والثالث في مخالفة الموكل للوكيل.
الباب الأول في أركانها
وهي النظر فيما فيه التوكيل وفي الموكِّل وفي الموكَّل (الركن الأول) في الموكل.
واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين لأمور أنفسهم.
واختلفوا في وكالة الحاضر الذكر الصحيح.
فقال مالك تجوز وكالة الحاضر الصحيح الذكر وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة لا تجوز وكالة الصحيح الحاضر ولا المرأة إلا أن تكون برزة.
فمن رأى أن الأصل لا ينوب فعل الغير عن فعل الغير إلا ما دعت إليه الضرورة وانعقد الإجماع عليه قال لا تجوز نيابة من اختلف في نيابته.
ومن رأى أن الأصل هو الجواز قال الوكالة في كل شيء جائزة إلا فيما أجمع على أنه لا تصح فيه من العبادات وما جرى مجراها.
(الركن الثاني) في الوكيل.
وشرط الوكيل أن لا يكون ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه فلا يصح توكيل الصبي ولا المجنون ولا المرأة عند مالك والشافعي على عقد النكاح.
أما عند الشافعي فلا بمباشرة ولا بواسطة أي بأن توكل هي من يلي عقد النكاح.
ويجوز عند مالك بالواسطة الذكر.
(الركن الثالث) فيما فيه التوكيل.
وشرط محل التوكيل أن يكون قابلا للنيابة مثل البيع والحوالة والضمان وسائر العقود والفسوخ والشركة والوكالة والمصارفة والمجاعلة والمساقاة والطلاق والنكاح والخلع والصلح ولا تجوز في العبادات البدنية وتجوز في المالية كالصدقة والزكاة والحج وتجوز عند

مالك في الخصومة على الإقرار والإنكار وقال الشافعي في أحد قوليه لا تجوز على الإقرار وشبه ذلك بالشهادة والأيمان وتجوز الوكالة على استيفاء العقوبات عند مالك وعند الشافعي مع الحضور قولان.
والذين قالوا إن الوكالة تجوز على الإقرار اختلفوا في مطلق الوكالة على الخصومة هل يتضمن الإقرار أم لا فقال مالك لا يتضمن.
وقال أبو حنيفة يتضمن.
(الركن الرابع) وأما الوكالة فهي عقد يلزم بالإيجاب والقبول كسائر العقود وليست هي من العقود اللازمة بل الجائزة على ما نقوله في أحكام هذا العقد.
وهي ضربان عند مالك عامة وخاصة فالعامة هي التي تقع عنده بالتوكيل العام الذي لا يسمى فيه شيء دون شيء.
وذلك أنه إن سمى عنده لم ينتفع بالتعميم والتفويض وقال الشافعي لا تجوز الوكالة بالتعميم وهي غرر وإنما يجوز منها ما سمي وحدد ونص عليه وهو الأقيس إذ كان الأصل فيها المنع إلا ما وقع عليه الإجماع.
الباب الثاني في الأحكام
وأما الأحكام فمنها أحكام العقد ومنها أحكام فعل الوكيل.
فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير لازم للوكيل أن يدع الوكالة متى شاء عند الجميع لكن أبو حنيفة يشترط في ذلك حضور الموكل وللموكل أن يعزله متى شاء قالوا إلا أن تكون وكالة في خصومة.
وقال أصبغ له ذلك ما لم يشرف على تمام الحكم وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي لا يجوز أن يعزله الموكل وليس من شروط انعقاد هذا العقد حضور الخصم عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة ذلك من شروطه.
وكذلك ليس من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره عند مالك.
وقال الشافعي من شرطه.
واختلف أصحاب مالك هل تنفسخ الوكالة بموت الموكل على قولين.
فإذا قلنا تنفسخ بالموت كما تنفسخ بالعزل فمتى يكون الوكيل معزولا والوكالة منفسخة في حق من عامله في المذهب فيه ثلاثة أقوال الأول أنها تنفسخ في حق الجميع بالموت والعزل.
والثاني أنها تنفسخ في حق كل واحد منهم بالعلم.
فمن علم انفسخت في حقه ومن لم يعلم لم تنفسخ في حقه.
والثالث أنها تنفسخ في حق من عامل الوكيل

بعلم الوكيل وإن لم يعلم هو ولا تنفسخ في حق الوكيل بعلم الذي عامله إذا لم يعلم الوكيل ولكن من دفع إليه شيئا بعد العلم بعزله ضمنه لأنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل.
وأما أحكام الوكيل ففيها مسائل مشهورة أحدها إذا وكل على بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه فقال مالك يجوز.
وقد قيل عنه لا يجوز وقال الشافعي لا يجوز وكذلك عند مالك الأب والوصي ومنها إذا وكله في البيع وكالة مطلقة لم يجز له عند مالك أن يبيع إلا بثمن مثله نقدا بنقد البلد ولا يجوز إن باع نسيئة أو بغير نقد البلد أو بغير ثمن المثل وكذلك الأمر عنده في الشراء وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء لمعين فقال يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل وأن يبيع نسيئة ولم يجز إذا وكله في شراء عبد بعينه أن يشتريه إلا بثمن المثل نقدا ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين الوكالة على شراء شيء بعينه لأن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع الشيء بأقل من ثمن مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله كذلك حكم الوكيل إذ قد أنزله منزلته وقول الجمهور أبين وكل ما يعتدي فيه الوكيل ضمن عند من يرى أنه تعدى وإذا اشترى الوكيل شيئا وأعلم أن الشراء للموكل فالملك ينتقل إلى الموكل وقال أبو حنيفة إلى الوكيل أولا ثم إلى الموكل.
وإذا دفع الوكيل دينا عن الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن الوكيل.
الباب الثالث مخالفة الموكل للوكيل
وأما اختلاف الوكيل مع الموكل فقد يكون في ضياع المال الذي استقر عند الوكيل وقد يكون في دفعه إلى الموكل وقد يكون في مقدار الثمن الذي باع به أو اشترى إذا أمره بثمن محدود وقد يكون في المثمون وقد يكون في تعيين من أمره بالدفع إليه وقد يكون في دعوى التعدي.
فإذا اختلفا في ضياع المال فقال الوكيل ضاع مني وقال الموكل لم يضع فالقول قول الوكيل إن كان لم يقبضه ببينة فإن كان المال قد قبضه الوكيل من غريم الموكل ولم يشهد الغريم على الدفع لم يبرأ الغريم بإقرار الوكيل عند مالك وغرم

ثانية وهل يرجع الغريم على الوكيل فيه خلاف وإن كان قد قبضه ببينة برئ ولم يلزم الوكيل شيء.
وأما إذا اختلفا في الدفع فقال الوكيل دفعته إليك وقال الموكل لا فقيل القول قول الوكيل.
وقيل القول قول الموكل.
وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول الوكيل.
وأما اختلافهم في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء فقال ابن القاسم إن لم تفت السلعة فالقول قول المشتري وإن فاتت فالقول قول الوكيل وقيل يتحالفان وينفسخ البيع ويتراجعان وإن فاتت بالقيمة.
وإن كان اختلافهم في مقدار الثمن الذي أمره به في البيع فعند ابن القاسم أن القول فيه قول الموكل لأنه جعل دفع الثمن بمنزلة فوات السلعة في الشراء.
وأما إذا اختلفا فيمن أمره بالدفع ففي المذهب فيه قولان المشهور أن القول قول المأمور وقيل القول قول الآمر.
وأما إذا فعل الوكيل فعلا هو تعد وزعم أن الموكل أمره فالمشهور أن القول قول الموكل وقد قيل إن القول قول الوكيل إنه قد أمره لأنه قد ائتمنه على الفعل.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب اللقطةوالنظر في اللقطة في جملتين الجملة الأولى في أركانها.
والثانية في أحكامها.
ا(لجملة الأولى) في أركانها والأركان ثلاثة الالتقاط والملتقط واللقطة.
فأما الالتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك فقال أبو حنيفة الأفضل الالتقاط لأنه من الواجب على المسلم أن يحفظ مال أخيه المسلم.
وبه قال الشافعي وقال مالك وجماعة بكراهية الالتقاط وروي عن ابن عمر وابن عباس وبه قال أحمد وذلك لأمرين أحدهما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ضالة المؤمن حرق النار" ولما يخاف أيضا من التقصير في القيام بما يجب لها من التعريف وترك التعدي عليها وتأول الذين رأوا الالتقاط أول الحديث وقالوا أراد بذلك الانتفاع بها لا أخذها للتعريف وقال قوم بل لقطها واجب.
وقد قيل إن هذا الاختلاف إذا كانت اللقطة

بين قوم مأمونين والإمام عادل.
قالوا وإن كانت اللقطة بين قوم غير مأمونين والإمام عادل فواجب التقاطها.
وإن كانت بين قوم مأمونين والإمام جائر فالأفضل أن لا يلتقطها.
وإن كانت بين قوم غير مأمونين والإمام غير عادل فهو مخير بحسب ما يغلب على ظنه من سلامتها أكثر من أحد الطرفين وهذا كله ما عدا لقطة الحاج فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك ولقطة مكة أيضا لا يجوز التقاطها إلا لمنشد لورود النص في ذلك والمروي في ذلك لفظان أحدهما أنه لا ترفع لقطتها إلا لمنشد.
والثاني لا يرفع لقتطها إلا منشد فالمعنى الواحد أنها لا ترفع إلا لمن ينشدها والمعنى الثاني لا يلتقطها إلا من ينشدها ليعرف الناس.
وقال مالك تعرف هاتان اللقطتان أبدا.
فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ لأنها ولاية واختلف عن الشافعي في جواز التقاط الكافر.
قال أبو حامد والأصح جواز ذلك في دار الإسلام.
قال وفي أهلية العبد والفاسق له قولان فوجه المنع عدم أهلية الولاية ووجه الجواز عموم أحاديث اللقطة.
وأما اللقطة بالجملة فإنها كل مال لمسلم معرض للضياع كان ذلك في عامر الأرض أو غامرها والجماد والحيوان في ذلك سواء إلا الإبل باتفاق.
والأصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد الجهني.
وهو متفق على صحته أنه قال "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة.
فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال فضالة الغنم يا رسول الله قال هي لك أو لأخيك أو للذئب.
قال فضالة الإبل.
قال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها وترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها" وهذا الحديث يتضمن معرفة ما يلتقط مما لا يلتقط.
ومعرفة حكم ما يلتقط كيف يكون في العام وبعده وبماذا يستحقها مدعيها.
فأما الإبل فاتفقوا على أنها لا تلتقط.
واتفقوا على الغنم أنها تلتقط.
وترددوا في البقر.
والنص عن الشافعي أنها كالإبل.
وعن مالك أنها كالغنم.
وعنه خلاف.
(الجملة الثانية) وأما حكم التعريف فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له بال سنة ما لم تكن من الغنم.
واختلفوا في حكمها بعد السنة.
فاتفق

فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان فقيرا أو يتصدق بها إن كان غنيا.
فإن جاء صاحبها كان مخيرا بين أن يجيز الصدقة فينزل على ثوابها أو يضمنه إياها.
واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول فقال مالك والشافعي له ذلك وقال أبو حنيفة ليس له أن يأكلها أو يتصدق بها وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمرو ابن مسعود وابن عمر وعائشة.
وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر.
واستدل مالك والشافعي بقوله
عليه الصلاة والسلام "فشأنك بها" ولم يفرق بين غني وفقير.
ومن الحجة لهما ما رواه البخاري والترمذي عن سويد بن غفلة قال "لقيت أويس بن كعب فقال وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثا فقال احفظ وعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها" وخرج الترمذي وأبو داود "فاستنفقها".
فسبب الخلاف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة لأصل الشرع وهو أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فمن غلب هذا الأصل على ظاهر الحديث وهو قوله بعد التعريف "فشأنك بها" قال لا يجوز فيها تصرف إلا بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم يجز صاحب اللقطة الصدقة ومن غلب ظاهر الحديث على هذا الأصل ورأى أنه مستثنى منه قال تحل له بعد العام وهي مال من ماله لا يضمنها إن جاء صاحبها ومن توسط قال يتصرف بعد العام فيها وإن كانت عينا على جهة الضمان.
وأما حكم دفع اللقطة لمن ادعاها فاتفقوا على أنها لا تدفع إليه إذا لم يعرف العفاص ولا الوكاء واختلفوا إذا عرف ذلك هل يحتاج مع ذلك إلى بينة أم لا فقال مالك يستحق بالعلامة ولا يحتاج إلى بينة وقال أبو حنيفة والشافعي لا يستحق إلا ببينة.
وسبب الخلاف:
معارضة الأصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا الحديث فمن غلب الأصل قال لا بد من البينة ومن غلب ظاهر الحديث قال لا يحتاج إلى بينة. وإنما اشترط

الشهادة في ذلك الشافعي وأبو حنيفة لأن قوله عليه الصلاة والسلام "اعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" يحتمل أن يكون إنما أمره بمعرفة العفاص والوكاء لئلا تختلط عنده بغيرها ويحتمل أن يكون أمره بذلك ليدفعها لصاحبها بالعفاص والوكاء فلما وقع الاحتمال وجب الرجوع إلى الأصل فإن الأصول لا تعارض بالاحتمالات المخالفة لها إلا أن تصبح الزيادة التي نذكرها بعد وعند مالك وأصحابه أن على صاحب اللقطة أن يصف مع العفاص والوكاء صفة الدنانير والعدد قالوا وذلك موجود في بعض روايات الحديث ولفظه فإن جاء صاحبها ووصف عفاصها ووكاءها وعددها فادفعها إليه قالوا ولكن لايضره الجهل بالعدد إذا عرف العفاص والوكاء.
وكذلك إن زاد فيه.
واختلفوا إن نقص من العدد على قولين.
وكذلك اختلفوا إذا جهل الصفة وجاء بالعفاص والوكاء.
وأما إذا غلط فيها فلا شيء له.
وأما إذا عرف إحدى العلامتين اللتين وقع النص عليهما وجهل الأخرى فقيل إنه لا شيء له إلا بمعرفتهما جميعا وقيل يدفع إليه بعد الاستبراء.
وقيل إن ادعى الجهالة استبرئ وإن غلط لم تدفع إليه.
واختلف المذهب إذا أتى بالعلامة المستحقة هل يدفع إليه بيمين أو بغير يمين فقال ابن القاسم بغير يمين.
وقال أشهب بيمين.
وأما ضالة الغنم.
فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر البعيد من العمران أن يأكلها لقوله عليه الصلاة والسلام في الشاة: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" واختلفوا هل يضمن قيمتها لصاحبها أم لا فقال جمهور العلماء إنه يضمن قيمتها وقال مالك في أشهر الأقاويل عنه إنه لا يضمن.
وسبب الخلاف:
معارضة الظاهر كما قلنا للأصل المعلوم من الشريعة إلا أن مالكا هنا غلب الظاهر فجرى على حكم الظاهر ولم يجز كذلك التصرف فيما وجب تعريفه بعد العام لقوة اللفظ ههنا.
وعنه رواية أخرى أنه يضمن.
وكذلك كل طعام لا يبقى إذا خشي عليه التلف إن تركه.
وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه في ذلك أنها على ثلاثة أقسام قسم يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن تركه كالعين والعروض وقسم لا يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف إن ترك كالشاة في القفر والطعام الذي يسرع إليه الفساد.
وقسم لا يخشى عليه التلف.

فأما القسم الأول وهو ما يبقى في يد ملتقطه ويخشى عليه التلف.
فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها أن يكون يسيرا لا بال له ولا قدر لقيمته ويعلم أن صاحبه لا يطلبه لتفاهته فهذا لا يعرف عنده وهو لمن وجده.
والأصل في ذلك ما روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال: "لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها" ولم يذكر فيها تعريفا وهذا مثل العصا والسوط وإن كان أشهب قد استحسن تعريف ذلك.
والثاني أن يكون يسيرا إلا أن له قدرا ومنفعة فهذا لا اختلاف في المذهب في تعريفه.
واختلفوا في قدر ما يعرف فقيل سنة وقيل أياما.
وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر.
فهذا لا اختلاف في وجوب تعريفه حولا.
وأما القسم الثاني وهو ما لا يبقى بيد ملتقطه ويخشى عليه التلف فإن هذا يأكله كان غنيا كان أو فقيرا وهل يضمن فيه روايتان كما قلنا الأشهر أن لا ضمان عليه واختلفوا إن وجد ما يسرع إليه الفساد في الحاضرة فقيل لا ضمان عليه وقيل عليه الضمان وقيل بالفرق بين أن يتصدق به فلا يضمن أو يأكله فيضمن.
وأما القسم الثالث فهو كالإبل أعني أن الاختيار عنده فيه الترك للنص الوارد في ذلك فإن أخذها وجب تعريفها والاختيار تركها وقيل في المذهب هو عام في جميع الأزمنة وقيل إنما هو في زمان العدل وأن الفضل في زمان غير العدل التقاطها وأما ضمانها في الذي تعرف فيه فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غير ضامن واختلفوا إذا لم يشهد فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لا ضمان عليه إن لم يضيع وإن لم يشهد وقال أبو حنيفة وزفر يضمنها إن هلكت ولم يشهد.
واستدل مالك والشافعي بأن اللقطة وديعة فلا ينقلها ترك الإشهاد من الأمانة إلى الضمان قالوا وهي وديعة بما جاء من حديث سليمان بن بلال وغيره أنه قال إن جاء صاحبها وإلا فلتكن وديعة عندك.
واستدل أبو حنيفة وزفر بحديث مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من التقط لقطة فليشهد ذوي عدل عليها ولا يكتم ولا يعنت فإن جاء صاحبها فهو أحق بها. وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء".
وتحصيل المذهب في ذلك أن واجد اللقطة

عند مالك لا يخلو التقاطه لها من ثلاثة أوجه أحدها أن يأخذها على جهة الاغتيال لها.
والثاني أن يأخذها على جهة الالتقاط.
والثالث أن يأخذها لا على جهة الالتقاط ولا على جهة الاغتيال فإن أخذها على جهة الالتقاط فهي أمانة عنده عليه حفظها وتعريفها فإن ردها بعد أن التقطها فقال ابن القاسم يضمن وقال أشهب لا يضمن إذا ردها في موضعها فإن ردها في غير موضعها ضمن كالوديعة والقول قوله في تلفها دون يمين إلا أن يتهم.
وأما إذا قبضها مغتالا لها فهو ضامن لها ولكن لا يعرف هذا الوجه إلا من قبله.
وأما الوجه الثالث فهو مثل أن يجد ثوبا فيأخذه وهو يظنه لقوم بين يديه ليسألهم عنه فهذا إن لم يعرفوه ولا ادعوه كان له أن يرده حيث وجده ولا ضمان عليه باتفاق عند أصحاب مالك.
وتتعلق بهذا الباب مسألة اختلف العلماء فيها وهو العبد يستهلك اللقطة فقال مالك إنها في رقبته إما إن يسلمه سيده فيها وإما أن يفديه بقيمتها هذا إذا كان استهلاكه قبل الحول فإن استهلكها بعد الحول كانت دينا عليه ولم تكن في رقبته وقال الشافعي إن علم بذلك السيد فهو الضامن وإن لم يعلم بها السيد كانت في رقبة العبد.
واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة على صاحبها أم لا فقال الجمهور ملتقط اللقطة متطوع بحفظها فلا يرجع بشيء من ذلك على صاحب اللقطة.
وقال الكوفيون لا يرجع بما أنفق إلا أن تكون النفقة عن إذن الحاكم وهذه المسألة هي من أحكام الالتقاط وهذا القدر كاف بحسب غرضنا في هذا الباب.
باب في اللقيط
والنظر في أحكام الالتقاط وفي الملتقط واللقيط وفي أحكامه وقال الشافعي كل شيء ضائع لا كافل له فالتقاطه من فروض الكفايات وفي وجوب الإشهاد عليه خيفة الاسترقاق خلاف.
والخلاف فيه مبني على الاختلاف في الإشهاد على اللقطة.
واللقيط هو الصبي الصغير غير البالغ وإن كان مميزا ففيه في مذهب الشافعي تردد والملتقط هو كل حر عدل رشيد وليس العبد والمكاتب بملتقط والكافر يلتقط الكافر دون المسلم لأنه لا ولاية

له عليه ويلتقط المسلم الكافر وينزع من يد الفاسق والمبذر وليس من شرط الملتقط الغنى ولا تلزم نفقة الملتقط على من التقطه وإن أنفق لم يرجع عليه بشيء.
وأما أحكامه فإنه يحكم له بحكم الإسلام إن التقطه في دار المسلمين ويحكم للطفل بالإسلام بحكم أبيه عند مالك وعند الشافعي بحكم من أسلم منهما وبه قال ابن وهب من أصحاب مالك.
وقد اختلف في اللقيط فقيل إنه عبد لمن التقطه وقيل إنه حر وولاؤه لمن التقطه وقيل إنه حر وولاؤه للمسلمين وهو مذهب مالك والذي تشهد له الأصول إلا أن يثبت في ذلك أثر تخصص به الأصول مثل قوله عليه الصلاة والسلام "ترث المرأة ثلاثة لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه".

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوديعةوجل المسائل المشهورة بين فقهاء الأمصار في هذا الكتاب هي في أحكام الوديعة فمنها أنهم اتفقوا على أنها أمانة لا مضمونة إلا ما حكي عن عمر بن الخطاب.
قال المالكيون والدليل على أنها أمانة أن الله أمر برد الأمانات ولم يأمر بالإشهاد فوجب أن يصدق المستودع في دعواه رد الوديعة مع يمينه إن كذبه المودع قالوا إلا أن يدفعها إليه ببينة فإنه لا يكون القول قوله قالوا لأنه إذا دفعها إليه ببينة فكأنه ائتمنه على حفظها ولم يأتمنه على ردها فيصدق في تلفها ولا يصدق على ردها هذا هو المشهور عن مالك وأصحابه وقد قيل عن ابن القاسم إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وهو القياس لأنه فرق بين التلف ودعوى الرد ويبعد أن تنتقض الأمانة وهذا فيمن دفع الأمانة إلى اليد التي دفعتها إليه.
وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه فعليه ما على ولي اليتيم من الإشهاد عند مالك وإلا ضمن يريد قول الله عز وجل { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} فإن أنكر القابض القبض فلا يصدق المستودع في الدفع عند مالك وأصحابه إلا ببينة وقد قيل إنه يتخرج من المذهب أنه يصدق في ذلك وسواء عند مالك أمر صاحب الوديعة بدفعها إلى الذي دفعها

أو لم يأمر وقال أبو حنيفة إن كان ادعى دفعها إلى من أمره بدفعها فالقول قول المستودع مع يمينه فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة أعني إذا كان غير المودع وادع التلف فلا يخلو أن يكون المستودع دفعها إلى أمانة وهو وكيل المستودع أو إلى ذمة فإن كان القابض أمينا فاختلف في ذلك قول ابن القاسم فقال مره يبرأ الدافع بتصديق القابض وتكون المصيبة من الآمر الوكيل بالقبض ومرة قال لا يبرأ الدافع إلا بإقامة البينة على الدفع أو يأتي القابض بالمال.
وأما إن دفع إلى ذمة مثل أن يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إلي سلفا أو تسلفا في سلعة أو ما أشبه ذلك فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع في المذهب من غير خلاف وإن كانت الذمة خربة فقولان.
والسبب في هذا الاختلاف كله أن الأمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول قوله مع يمينه فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه أعني الوكيل بأمانة المودع عنده قال يكون القول قوله في دعواه التلف كدعوى المستودع عنده ومن رأى أن تلك الأمانة أضعف قال لا يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى التلف ومن رأى المأمور بمنزله الآمر قال القول قول الدافع للمأمور كما كان القول قوله مع الآمر وهو مذهب أبي حنيفة ومن رأى أنه أضعف منه قال الدافع ضامن إلا أن يحضر القابض المال وإذا أودعها بشرط الضمان فالجمهور على أنه لا يضمن وقال الغير يضمن.
وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه لا ضمان على صاحب الوديعة إلا أن يتعدى ويختلفون
في أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد فمن مسائلهم المشهورة في هذا الباب إذا أنفق الوديعة ثم رد مثلها أو أخرجها لنفقته ثم ردها فقال مالك يسقط عنه الضمان بحالة مثل إذا ردها وقال أبو حنيفة إن ردها بعينها قبل أن ينفقها لم يضمن وإن رد مثلها ضمن وقال عبد الملك والشافعي يضمن في الوجهين جميعا فمن غلظ الأمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد مثلها.
ومنها اختلافهم في السفر بها فقال مالك ليس له أن يسافر بها إلا أن تعطى له في سفر وقال أبو حنيفة له أن يسافر بها إذا كان الطريق آمنا ولم ينهه صاحب الوديعة.
ومنها أنه ليس للمودع عنده أن يودع الوديعة غيره من غير عذر فإن فعل ضمن وقال

أبو حنيفة إن أودعها عند من تلزمه نفقته لم يضمن لأنه شبهه بأهل بيته وعند مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم وهم تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة ومن أشبههم.
وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ أموالهم فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه وما كان غير بين أنه حفظ اختلف فيه مثل اختلافهم في المذهب فيمن جعل وديعة في جيبه فذهبت والأشهر أنه يضمن وعند ابن وهب أن من أودع وديعة في المسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه لا ضمان عليه.
ويختلف في المذهب في ضمانها بالنسيان مثل أن ينساها في موضع أو ينسى من دفعها إليه أو يدعيها رجلان فقيل يحلفان وتقسم بينهما وقيل إنه يضمن لكل واحد منهما.
وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ولا ضمان عليه قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر.
واختلف في ذلك أصحاب الشافعي فمنهم من يقول إن أودعها لغير الحاكم ضمن وقبول الوديعة عند مالك لا يجب في حال ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا لم يجد المودع من يودعها عنده ولا أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة فعلى ربها.
واختلفوا من هذا الباب في فرع مشهور وهو فيمن أودع مالا فتعدى فيه واتجر به فربح فيه هل ذلك الربح حلال له أم لا فقال مالك والليث وأبو يوسف وجماعة إذا رد المال طاب له الربح وإن كان غاصبا للمال فضلا عن أن يكون مستودعا عنده.
وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن يؤدي الأصل ويتصدق بالربح وقال قوم لرب الوديعة الأصل والربح.
وقال قوم هو مخير بين الأصل والربح وقال قوم البيع الواقع في تلك التجارة فاسد وهؤلاء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح إذا مات.
فمن اعتبر التصرف قال الربح للمتصرف ومن اعتبر الأصل قال الربح لصاحب المال.
ولذلك لما أمر عمر رضي الله عنه ابنيه عبد الله وعبيد الله أن يصرفا المال الذي أسلفهما أبو موسى الأشعري من بيت المال فاتجرا فيه فربحا قيل له لو جعلته قراضا فأجاب إلى ذلك لأنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب المال جزء وأن ذلك عدل.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب العاريةوالنظر في العارية في أركانها وأحكامها وأركانها خمسة الإعارة والمعير والمستعير والمعار والصيغة أما الإعارة فهي فعل خير ومندوب إليه وقد شدد فيها قوم من السلف الأول روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود أنهما قالا في قوله تعالى :{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك وأما المعير فلا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما لمنفعتها والأظهر أنها لا تصلح من المستعير أعني أن يعيرها.
وأما العارية فتكون في الدور والأرضين والحيوان وجميع ما يعرف بعينه إذا كانت منفعته مباحة الاستعمال ولذلك لا تجوز إباحة الجواري للاستمتاع ويكره للاستخدام إلا أن تكون ذات محرم.
وأما صيغة الإعارة فهي كل لفظ يدل على الإذن وهي عقد جائز عند الشافعي وأبي حنيفة أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء وقال مالك في المشهور ليس له استرجاعها قبل الانتفاع وإن شرط مدة لزمته تلك المدة وإن لم يشترط مدة لزمته من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية.
وسبب الخلاف:
ما يوجد فيها من شبه العقود اللازمة وغير اللازمة.
وأما الأحكام فكثيرة وأشهرها هل هي مضمونة أو أمانة فمنهم من قال إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها وهو قول أشهب والشافعي وأحد قولي مالك ومنهم من قال نقيض هذا وهو أنها ليست مضمونة أصلا وهو قول أبي حنيفة ومنهم من قال يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة ولا يضمن فيما لا يغاب عليه ولا فيما قامت البينة على تلفه وهو مذهب مالك المشهور وابن القاسم وأكثر أصحابه.
وسبب الخلاف:
تعارض الآثار في ذلك وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال عليه الصلاة والسلام لصفوان بن أمية "بل عارية مضمونة مؤداة " وفي بعضها "بل عارية مؤداة" وروي عنه أنه قال :" ليس على المستعير ضمان" فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه ومن أخذ بحديث صفوان

بن أمية ألزمه الضمان ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه فحمل هذا الضمان على ما يغاب عليه والحديث الآخر على ما لا يغاب عليه إلا أن الحديث الذي فيه "ليس على المستعير ضمان" غير مشهور وحديث صفوان صحيح ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة ومن فرق قال الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع والعارية لمنفعة القابض.
واتفقوا في الإجارة على أنها غير مضمونة أعني الشافعي وأبا حنيفة ومالكا ويلزم الشافعي إذا سلم أنه لا ضمان عليه في الإجارة أن لا يكون ضمان في العارية إن سلم أن سبب الضمان هو الانتفاع لأنه إذا لم يضمن حيث قبض لمنفعتهما فأحرى أن لا يضمن حيث قبض لمنفعته إذا
كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان.
واختلفوا إذا شرط الضمان فقال قوم يضمن وقال قوم لا يضمن والشرط باطل ويجيء على قول مالك إذا اشترط الضمان في الموضع الذي لا يجب فيه عليه الضمان أن يلزم إجارة المثل في استعماله العارية لأن الشرط يخرج العارية عن حكم العارية إلى باب الإجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعير إلا بأن يخرجها في ضمانه فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم.
واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس المستعير و بنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها فقال مالك المالك بالخيار وإن شاء أخذ المستعير بقلع غراسته وبنائه وإن شاء أعطاه قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع وسواء عند مالك انقضت المدة المحدودة بالشرط أو بالعرف أو العادة وقال الشافعي إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع بل يخير المعير بأن يبقيه بأجر يعطاه أو ينقض بأرش أو يتملك ببدل فأيها أراد المعير أجبر عليه المستعير فإن أبى كلف تفريغ الملك.
وفي جواز بيعه للنقض عنده خلاف لأنه معرض للنقض فرأى الشافعي أن أخذه المستعير بالقلع دون أرش هو ظلم ورأى مالك أن عليه إخلاء المحل وأن العرف في ذلك يتنزل منزلة الشروط وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعمالا ينقصها عن استعمال المأذون فيه ضمن ما نقصها بالاستعمال.
واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه

خشبة لمنفعته ولا تضر صاحب الجدار وبالجملة في كل ما ينتفع به المستعير ولا ضرر على المعير فيه فقال مالك وأبو حنيفة لا يقضى عليه به إذ العارية لا يقضى بها وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وجماعة أهل الحديث يقضى بذلك.
وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره" ثم يقول أبو هريرة ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم.
واحتجوا أيضا بما رواه مالك عن عمر بن الخطاب أن الضحاك بن قيس ساق خليجا له من العريض فأرادوا أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك أنت تمنعني وهو لك منفعة تسقي منه أولا وآخرا ولا يضرك فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا عمر محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله قال محمد لا فقال عمر لا تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك فقال محمد لا فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك.
وكذلك حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال كان في حائط جدي ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد أن يحوله إلى ناحية من الحائط فمنعه صاحب الحائط فكلم عمر بن الخطاب فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله.
وقد عذل الشافعي مالكا لإدخاله هذه الأحاديث في موطئه وتركه الأخذ بها.
وعمدة مالك وأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" وعند الغير أن عموم هذا مخصص بهذه الأحاديث وبخاصة حديث أبي هريرة.
وعند مالك أنها محمولة على الندب وأنه إذا أمكن أن تكون مختصة وأن تكون على الندب فحملها على الندب أولى لأن بناء العام على الخاص إنما يجب إذا لم يمكن بينهما جمع ووقع التعارض.
وروى أصبغ عن ابن القاسم أنه لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد بن مسلمة في الخليج.
ويؤخذ بقضائه لعبد الرحمن بن عوف في تحويل الربيع وذلك أنه رأى أن تحويل الربيع أيسر من أن يمر عليه بطريق لم يكن قبل.
وهذا القدر كاف بحسب غرضنا.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الغصبوفيه بابان الأول في الضمان وفيه ثلاثة أركان الأول الموجب للضمان.
والثاني ما فيه الضمان.
والثالث الواجب.
وأما الباب الثاني فهو في الطوارئ على المغصوب.
الباب الأول في الضمان
(الركن الأول) وأما الموجب للضمان فهو إما المباشرة لأخذ المال المغصوب أو لإتلافه وإما المباشرة للسبب المتلف وإما إثبات اليد عليه.
واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب آخر هل يحصل به ضمان أم لا وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطير بعد الفتح.
فقال مالك يضمنه هاجه على الطيران أو لم يهجه وقال أبو حنيفة لا يضمن على حال وفرق الشافعي بين أن يهيجه على الطيران أو لا يهيجه فقال يضمن إن هاجه ولا يضمن إن لم يهجه.
ومن هذا من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك فمالك والشافعي يقولان إن حفره بحيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإلا لم يضمن ويجيء على أصل أبي حنيفة أنه لا يضمن في مسألة الطائر وهل يشترط في المباشرة العمد أو لا يشترط فالأشهر أن الأموال تضمن عمدا وخطأ وإن كانوا قد اختلفوا في مسائل جزئية من هذا الباب وهل يشترط فيه أن يكون مختارا فالمعلوم عند الشافعي أنه يشترط أن يكون مختارا ولذلك رأى على المكره الضمان أعني المكره على الإتلاف.
(الركن الثاني) وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء أو سلطت اليد عليه وتملك وذلك فيما ينقل ويحول باتفاق واختلفوا فيما لا ينقل ولا يحول مثل العقار فقال الجمهور إنها تضمن بالغصب.
أعني أنها إن انهدمت الدار ضمن قيمتها وقال

أبو حنيفة لا يضمن. وسبب اختلافهم: هل كون يد الغاصب على العقار مثل كون يده على ما ينقل ويحول فمن جعل حكم ذلك واحدا قال بالضمان ومن لم يجعل حكم ذلك واحدا قال لا ضمان
الركن الثالث وهو الواجب في الغصب والواجب على الغاصب إن كان المال قائما عنده
بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يرده بعينه وهذا لا خلاف فيه فإذا ذهبت عينه فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان مكيلا أو موزونا أن على الغاصب المثل أعني مثل ما استهلك صفة ووزنا.
واختلفوا في العروض فقال مالك لا يقضى في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود الواجب في ذلك المثل ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل.
وعمدة مالك حديث أبي هريرة المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم "من أعتق شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل" الحديث ووجه الدليل منه أنه لم يلزمه المثل وألزمه القيمة.
وعمدة الطائفة الثانية قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ولأن منفعة الشيء قد تكون هي المقصودة عند المتعدى عليه ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل فيها جميع الطعام وهو يقول غارت أمكم كلوا كلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم القصعة حتى فرغوا فدفع الصحفة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته" وفي حديث آخر "أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الإناء وأنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كفارة ما صنعت قال إناء مثل إناء وطعام مثل طعام".
الباب الثاني في الطوارئ
والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان وهذان إما من قبل المخلوق وإما من قبل الخالق.
فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء فإنه

ليس له إلا أن يأخذه ناقصا أو يضمنه قيمته يوم الغصب وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب.
وأما إن كان النقص بجناية الغاصب فالمغصوب مخير في المذهب بين أن يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم.
وعند سحنون ما نقصته الجناية يوم الغصب وذهب أشهب إلى أنه مخير بين أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا ولا شيء له في الجناية كالذي يصاب بأمر من السماء وإليه ذهب ابن المواز.
والسبب في هذا الاختلاف أن من جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان كأنه حدث في ملك صحيح فأوجب له الغلة ولم يوجب عليه في النقصان شيئا سواء أكان من سببه أو من عند الله وهو قياس قول أبي حنيفة.
وبالجملة فقياس قول من يضمنه قيمته يوم الغصب فقط ومن جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت يده عليه آخذة بأرفع القيم وأوجب عليه رد الغلة وضمان النقصان سواء أكان من فعله أو من عند الله وهو قول الشافعي أو قياس قوله.
ومن فرق بين الجناية التي تكون من الغاصب وبين الجناية التي تكون.
بأمر من السماء وهو مشهور مذهب مالك وابن القاسم فعمدته قياس الشبه لأنه رأى أن جناية الغاصب على الشيء الذي غصبه هو غصب ثان متكرر منه كما لو جنى عليه وهو في ملك صاحبه فهذا هو نكتة الاختلاف في هذا الباب فقف عليه.
وأما إن كانت الجناية عند الغاصب فعل الغاصب فالمغصوب مخير بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ويتبع الغاصب الجاني وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم الجنايات فهذا حكم الجنايات على العين في يد الغاصب.
وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين جناية تبطل يسيرا من المنفعة والمقصود من الشيء باق فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية فيعطى ما بين القيمتين.
وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود فإن صاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته وإن شاء أخذ قيمة الجناية وقال الشافعي وأبو حنيفة ليس له إلا قيمة الجناية.
وسبب الاختلاف الالتفات إلى الحمل

على الغاصب وتشبيه إتلاف أكثر المنفعة بإتلاف العين.
وأما النماء فإنه على قسمين أحدهما أن يكون بفعل الله كالصغير يكبر والمهزول يسمن والعيب يذهب.
والثاني أن يكون مما أحدثه الغاصب.
فأما الأول فإنه ليس بفوت.
وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشيء المغصوب فإنه ينقسم فيما رواه ابن القاسم عن مالك إلى قسمين أحدهما أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش في البناء وما أشبه ذلك.
والثاني أن لا يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت.
فأما الوجه الأول وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة فإنه ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون ذلك الشيء مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه ذلك.
والثاني أن لا يقدر على إعادته كالثوب يصبغه والسويق يلته.
فأما الوجه الأول فالمغصوب منه مخير بين أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حالها وإزالة ما له فيها مما جعله من نقض أو غيره وبين أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع وهذا إذا كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بغيره وإنما يستأجر عليه وقيل إنه لا يحط من ذلك أجر القلع هذا إن كانت له قيمة وأما إن لم تكن له قيمة لم يكن للغاصب على المغصوب فيه شيء لأن من حق المغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته فإن لم يطالبه بذلك لم يكن له مقال.
وأما الوجه الثاني فهو فيه مخير بين أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبه ويأخذ ثوبه وبين أن يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه إلا في السويق الذي يلته في السمن وما أشبه ذلك من الطعام فلا يخير فيه لما يدخله من الربا ويكون ذلك فوتا يلزم الغاصب فيه المثل أو القيمة فيما لا مثل له.
وأما الوجه الثاني من التقسيم الأول وهو أن لا يكون أحدث الغاصب فيما أحدثه في الشيء المغصوب سوى العمل فإن ذلك أيضا ينقسم
قسمين أحدهما أن يكون ذلك يسيرا لا ينتقل به الشيء عن اسمه بمنزلة الخياطة في الثوب أو الرفولة.
والثاني أن يكون العمل كثيرا ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه كالخشبة يعمل منها تابوتا والقمح يطحنه والغزل ينسجه والفضة يصوغها حليا أو دراهم.
فأما الوجه الأول فلا حق فيه للغاصب ويأخذ المغصوب منه الشيء المغصوب معمولا.

وأما الوجه الثاني فهو فوت يلزم الغاصب قيمة الشيء المغصوب يوم غصبه أو مثله فيما له مثل هذا تفصيل مذهب ابن القاسم في هذا المعنى وأشهب يجعل ذلك كله للمغصوب أصله مسألة البنيان فيقول إنه لا حق للغاصب فيما لا يقدر على أخذه من الصبغ والرفولة والنسج والدباغ والطحين.
وقد روي عن ابن عباس أن الصبغ تفويت يلزم الغاصب فيه القيمة يوم الغصب وقد قيل إنهما يكونان شريكين هذا بقيمة الصبغ وهذا بقيمة الثوب إن أبى رب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ وإن أبى الغاصب أن يدفع قيمة الثوب وهذا القول أنكره ابن القاسم في المدونة في كتاب اللقطة وقال إن الشركة لا تكون إلا فيما كان بوجه شبهة جلية.
وقول الشافعي في الصبغ مثل قول ابن القاسم إلا أنه يجيز الشركة بينهما ويقول إنه يؤمر الغاصب بقلب الصبغ إن أمكنه وإن نقص الثوب ويضمن للمغصوب مقدار النقصان وأصول الشرع تقتضي أن لا يستحل مال الغاصب من أجل غصبه.
وسواء أكان منفعة أو عينا إلا أن يحتج محتج بقوله عليه الصلاة والسلام "ليس لعرق ظالم حق" لكن هذا مجمل ومفهومه الأول أنه ليس له منفعة متولدة بين ماله وبين الشيء الذي غصبه أعني ماله المتعلق بالمغصوب فهذا هو حكم الواجب في عين المغصوب تغير أو لم يتغير.
وأما حكم غلته فاختلف في ذلك في المذهب على قولين أحدهما أن حكم الغلة حكم الشيء المغصوب.
والثاني أن حكمها بخلاف الشيء المغصوب فمن ذهب إلى أن حكمها حكم الشيء المغصوب وبه قال أشهب من أصحاب مالك يقول إنما تلزمه الغلة يوم قبضها أو أكثر مما انتهت إليه قيمتها على قول من يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها لا قيمة الشيء المغصوب يوم الغصب.
وأما الذين ذهبوا إلى أن حكم الغلة بخلاف حكم الشيء المغصوب فاختلفوا في حكمها اختلافا كثيرا بعد اتفاقهم على أنها إن تلفت ببينة أنه لا ضمان على الغاصب وإنه إن ادعى تلفها لم يصدق وأن كان مما لا يغاب عليه.
وتحصيل مذهب هؤلاء في حكم الغلة هو أن الغلال تنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها غلة متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد وغلة متولدة عن الشيء لا على صورته وهو مثل الثمر ولبن الماشية وجبنها وصوفها وغلال غير متولدة بل هي منافع وهي الأكرية والخراجات وما أشبه ذلك.

فأما ما كان على خلقته وصورته فلا خلاف أعلمه أن الغاصب يرده كالولد مع الأم المغصوبة وإن كان ولد الغاصب.
وإنما اختلفوا في ذلك إذا ماتت الأم فقال مالك هو مخير بين الولد وقيمة الأم وقال الشافعي بل يرد الولد وقيمة الأم وهو القياس.
وأما إن كان متولدا على غير خلقة الأصل وصورته ففيه قولان أحدهما أن للغاصب ذلك المتولد.
والثاني أنه يلزمه رده مع الشيء المغصوب إن كان قائما أو قيمتها إن ادعى تلفها ولم يعرف ذلك إلا من قوله فإن تلف الشيء المغصوب كان مخيرا بين أن يضمنه بقيمته ولا شيء له في الغلة وبين أن يأخذه بالغلة ولا شيء له من القيمة.
وأما ما كان غير متولد فاختلفوا فيه على خمسة أقوال أحدها أنه لا يلزمه رده جملة من غير تفصيل.
والثاني أنه يلزمه رده من غير تفصيل أيضا.
والثالث أنه يلزمه الرد إن أكرى ولا يلزمه الرد إن انتفع أو عطل.
والرابع يلزمه إن أكرى أو انتفع ولا يلزمه إن عطل.
والخامس الفرق بين الحيوان والأصول أعني أنه يرد قيمة منافع الأصول ولا يرد قيمة منافع الحيوان وهذا كله فيما اغتل من العين المغصوبة مع عينها وقيامها.
وأما ما اغتل منها بتصريفها وتحويل عينها كالدنانير فيغتصبها فيتجر بها فيربح فالغلة له قولا واحدا في المذهب وقال قوم الربح للمغصوب وهذا أيضا إذا قصد غصب الأصل.
وأما إذا قصد غصب الغلة دون الأصل فهو ضامن للغلة بإطلاق ولا خلاف في ذلك سواء عطل أو انتفع أو أكرى كان مما يزال به أو بما لا يزال به.
وقال أبو حنيفة إنه من تعدى على دابة رجل فركبها أو حمل عليها فلا كراء عليه في ركوبه إياها ولا في حمله لأنه ضامن لها إن تلفت في تعديه وهذا قوله في كل ما ينقل ويحول فإنه لما رأى أنه قد ضمنه بالتعدي وصار في ذمته جازت له المنفعة كما تقول المالكية فيما اتجر به من المال المغصوب وإن كان الفرق بينهما أن الذي اتجر به تحولت عينه وهذا لم تتحول عينه.
وسبب اختلافهم:
في هل يرد الغاصب الغلة أو لا يردها اختلافهم في تعميم قوله عليه الصلاة والسلام "الخراج بالضمان " وقوله عليه الصلاة والسلام "ليس لعرق ظالم حق" وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام هذا خرج على سبب وهو في غلام قيم فيه بعيب فأراد الذي صرف عليه أن يرد المشتري غلته وإذا خرج العام

على سبب هل يقصر على سببه أم يحمل على عمومه فيه خلاف بين فقهاء الأمصار مشهور فمن قصر ههنا هذا الحكم على سببه قال إنما تجب الغلة من قبل الضمان فيما صار إلى الإنسان بشبهة مثل أن يشتري شيئا فيستغله فيستحق منه.
وأما ما صار إليه بغير وجه شبهة فلا تجوز له الغلة لأنه ظالم وليس لعرق ظالم حق فعمم هذا الحديث في الأصل والغلة أعني عموم هذا الحديث وخصص الثاني.
وأما من عكس الأمر فعمم قوله عليه الصلاة والسلام "الخراج بالضمان" على أكثر من السبب الذي خرج عليه وخصص قوله عليه الصلاة والسلام "ليس لعرق ظالم حق" بأن جعل ذلك في الرقبة دون الغلة قال لا يرد الغلة الغاصب.
وأما من المعنى كما تقدم من قولنا فالقياس أن تجري المنافع والأعيان المتولدة مجرى واحدا وأن يعتبر التضمن أو لا يعتبر.
وأما سائر الأقاويل التي بين هذين فهي استحسان.
وأجمع العلماء على أن من اغترس نخلا أو ثمرا بالجملة ونباتا في غير أرضه أنه يؤمر.
بالقلع لما ثبت من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق" والعرق الظالم عندهم هو ما اغترس في أرض الغير.
وروى أبو داود في هذا الحديث زيادة قال عروة ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث "أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها" قال فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم حتى أخرجت منها.
إلا ما روي في المشهور عن مالك "أن من زرع زرعا في أرض غيره وفات أوان زراعته لم يكن لصاحب الأرض أن يقلع زرعه وكان على الزارع كراء الأرض".
وقد روي عنه ما يشبه قياس قول الجمهور وعلى قوله إن كل ما لا ينتفع الغاصب به إذا قلعه وأزاله أنه للمغصوب يكون الزرع على هذا للزارع.
وفرق قوم بين الزرع والثمار فقالوا الزارع في أرض غيره له نفقته وزريعته وهو قول كثير من أهل المدينة وبه قال أبو عبيد.
وروي عن رافع بن خديج أنه قال عليه الصلاة والسلام :" من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شيء".

واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال أحدها أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن لما أفسدته.
والثاني أنه لا ضمان عليه.
والثالث أن الضمان على أرباب البهائم بالليل ولا ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار.
والرابع وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت وممن قال يضمن بالليل ولا يضمن بالنهار مالك والشافعي وبأن لا ضمان عليهم أصلا قال أبو حنيفة وأصحابه وبالضمان بإطلاق قال الليث إلا أن الليث قال لا يضمن أكثر من قيمة الماشية والقول الرابع مروي عن عمر رضي الله عنه.
فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان أحدهما قوله تعالى:{ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} والنفش عند أهل اللغة لا يكون إلا بالليل وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا والثاني مرسله عن ابن شهاب "أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها" أي مضمون
وعمدة أبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام : " العجماء جرحها جبار" وقال الطحاوي وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن والمالكية تقول من شرط قولنا أن تكون الغنم في المسرح وأما إذا كانت في أرض مزرعة لا مسرح فيها فهم يضمنون ليلا ونهارا.
وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليلا ونهارا شهادة الأصول له وذلك أنه تعد من المرسل والأصول على أن على المعتدي الضمان ووجه من فرق بين المنفلت وغير المنفلت بين فإن المنفلت لا يملك
فسبب الخلاف في هذا الباب معارضة الأصل للسمع ومعارضة السماع بعضه لبعض أعني أن الأصل يعارض "جرح العجماء جبار" ويعارض أيضا التفرقة التي في حديث البراء وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله "جرح العجماء جبار".
ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختلافهم في حكم ما يصاب من أعضاء الحيوان فروي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في عين الدابة بربع

ثمنها وكتب إلى شريح فأمره بذلك وبه قال الكوفيون وقضى به عمر بن عبد العزيز وقال الشافعي ومالك يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص في ثمنها قياسا على التعدي في الأموال والكوفيون اعتمدوا في ذلك على قول عمر رضي الله عنه وقالوا إذا قال الصاحب قولا ولا مخالف له من الصحابة وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به لأنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف.
فسبب الخلاف إذن معارضة القياس لقول الصاحب.
ومن هذا الباب اختلافهم في الجمل الصؤول وما أشبهه يخاف الرجل على نفسه فيقتله هل يجب عليه غرمه أم لا فقال مالك والشافعي لا غرم عليه إذا بان أنه خافه على نفسه وقال أبو حنيفة والثوري يضمن قيمته على كل حال.
وعمدة من لم ير الضمان القياس على من قصد رجلا فأراد قتله فدافع المقصود عن نفسه فقتل في المدافعة القاصد المتعدي أنه ليس عليه قود وإذا كان ذلك في النفس كان في المال أحرى لأن النفس أعظم حرمة من المال وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد الحرمي إذا صال وتمسك به حذاق أصحاب الشافعي.
وعمدة أبي حنيفة أن الأموال تضمن بالضرورة إليها أصله المضطر إلى طعام الغير ولا حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس.
ومن هذا الباب اختلافهم في المكرهة على الزنا هل على مكرهها مع الحد صداق أم لا فقال مالك والشافعي والليث عليه الصداق والحد جميعا وقال أبو حنيفة والثوري عليه الحد ولا صداق عليه وهو قول ابن شبرمة.
وعمدة مالك أنه وجب عليه حقان حق الله وحق للآدمي فلم يسقط أحدهما الآخر أصله السرقة التي يجب بها عندهم غرم المال والقطع.
وأما من لم يوجب الصداق فتعلق في ذلك بمعنيين أحدهما أنه إذا اجتمع حقان حق لله وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق الله وهذا على رأي الكوفيين في أنه لا يجمع على السارق غرم وقطع.
والمعنى الثاني أن الصداق ليس مقابل البضع وإنما هو عبادة إذ كان النكاح شرعيا وإذا كان ذلك كذلك فلا صداق في النكاح الذي على غير الشرع.
ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة الأسطوانة فقال مالك والشافعي يحكم على الغاصب بالهدم ويأخذ المغصوب منه أسطوانته وقال أبو حنيفة تفوت

بالقيمة كقول مالك فيمن غير المغصوب بصناعة لها قيمة كثيرة وعند الشافعي لا يفوت المغصوب بشيء من الزيادة وهنا انقضى هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الاستحقاقوجل النظر في هذا الكتاب هو في أحكام الاستحقاق وتحصيل أصول أحكام هذا الكتاب أن الشيء المستحق من يد إنسان بما تثبت به الأشياء في الشرع لمستحقها إذا صار إلى ذلك الإنسان الذي استحق من يده الشيء المستحق بشراء أنه لا يخلو من أن يستحق من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله ثم إذا استحق منه كله أو جله فلا يخلو أن يكون قد تغير عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون لم يتغير ثم لا يخلو أيضا أن يكون المستحق منه قد اشتراه بثمن أو مثمون.
فأما إن كان استحق منه أقله فإنه إنما يرجع عند مالك على الذي اشتراه منه بقيمة ما استحق من يده وليس له أن يرجع بالجميع.
وأما إن كان استحق كله أو جله فإن كان لم يتغير أخذه المستحق ورجع المستحق من يده على الذي اشتراه منه بثمن ما اشتراه منه وإن كان اشتراه بثمن وإن كان اشتراه بالمثمون رجع بالمثمون بعينه إن كان لم يتغير فإن تغير تغيرا يوجب اختلاف قيمته رجع بقيمته يوم الشراء وإن كان المال المستحق قد بيع فإن للمستحق أن يمضي البيع ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه فهذا حكم المستحق والمستحق من يده ما لم يتغير الشيء المستحق فإن تغير الشيء المستحق فلا يخلو أن يتغير بزيادة أو نقصان فأما إن كان تغير بزيادة فلا يخلو أن يتغير بزيادة من قبل الذي استحق من يده الشيء أو بزيادة من ذات الشيء فأما الزيادة من ذات الشيء فيأخذها المستحق مثل أن تسمن الجارية أو يكبر الغلام.
وأما الزيادة من قبل المستحق منه فمثل أن يشتري الدار فبنى فيها فتستحق من يده فإنه مخير بين أن يدفع قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه وبين أن يدفع إليه المستحق من يده قيمة ما استحق أو يكونا شريكين هذا بقدر قيمة ما استحق من يده وهذا بقدر قيمة ما بنى أو غرس وهو قضاء عمر بن الخطاب.
وأما إن كانت الزيادة ولادة

من قبل المستحق منه مثل أن يشتري أمة فيولدها ثم تستحق منه أو يزوجها على أنها حرة فتخرج أمة فإنهم اتفقوا على أن المستحق ليس له أن يأخذ أعيان الولد واختلفوا في أخذ قيمتهم.
وأما الأم فقيل يأخذها بعينها وقيل يأخذ قيمتها وأما إن كان الولد بنكاح فاستحقت بعبودية فلا خلاف أن لسيدها أن يأخذها ويرجع الزوج بالصداق على من غره وإذا ألزمناه قيمة الولد لم يرجع بذلك على من غره لأن الغرر لم يتعلق بالولد.
وأما غلة الشيء المستحق فإنه إذا كان ضامنا بشبهة ملك فلا خلاف أن الغلة للمستحق منه وأعني بالضمان أنها تكون من خسارته إذا هلكت عنده.
وأما إذا كان غير ضامن مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض ما في يده فإنه يرد الغلة.
وأما إن كان غير ضامن إلا أنه ادعى في ذلك ثمنا مثل العبد يستحق بحرية فإنه وإن هلك عنده يرجع بالثمن ففيه قولان إنه لا يضمن إذا لم يجد على من يرجع ويضمن إذا وجد على من يرجع.
وأما من أي وقت تصح
الغلة للمستحق فقيل يوم الحكم وقيل من يوم ثبوت الحق وقيل من يوم توقيفه.
وإذا قلنا إن الغلة تجب للمستحق في أحد هذه الأوقات الثلاثة فإذا كانت أصولا فيها ثمرة فأدرك هذا الوقت الثمر ولم يقطف بعده فقيل إنها للمستحق ما لم تقطف وقيل ما لم تيبس وقيل ما لم يطب ويرجع عليه بما سقى وعالج المستحق من يديه وهذا إن كان اشترى الأصول قبل الإبار.
وأما إن اشتراها بعد الإبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعلاج وقال أشهب هي للمستحق ما لم تجذ.
والأرض إذا استحقت فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع الاستحقاق في إبان زريعة الأرض.
وأما إذا خرج الإبان فقد وجب كراء الأرض للمستحق منه.
وأما إن كان بغير نقصان فإن كان من غير سبب المستحق من يديه فلا شيء على المستحق من يديه.
وأما إن كان أخذ له ثمنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها ثم يستحقها من يده رجل آخر فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض
قال القاضي ولم أجد في هذا الباب خلافا يعتمد عليه فيما نقلته فيه من مذهب مالك وأصحابه وهي أصولهم في هذا الباب ولكن يجيء على أصول الغير أنه إذا كان المستحق مشترى بعرض،

وكان العرض قد ذهب أن يرجع المستحق من يده بعرض مثله لا بقيمته وهم الذين يرون في جميع المتلفات المثل وكذلك يجيء على أصول الغير أن يرجع على المشتري إذا استحق منه قليل أو كثير لأنه لم يدخل على الباقي ولا انعقد عليه بيع ولا وقع به تراض.
كمل كتاب الاستحقاق بحمد الله.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الهباتوالنظر في الهبة في أركانها وفي شروطها وفي أنواعها وفي أحكامها.
ونحن إنما نذكر من هذه الأجناس ما فيها من المسائل المشهورة.
فنقول أما الأركان فهي ثلاثة الواهب والموهوب له والهبة.
أما الواهب فإنهم اتفقوا على أنه تجوز هبته إذا كان مالكا للموهوب صحيح الملك وذلك إذا كان في حال الصحة وحال إطلاق اليد واختلفوا في حال المرض وفي حال السفه والفلس.
وأما المريض فقال الجمهور إنها في ثلثه تشبيها بالوصية أعني الهبة التامة بشروطها وقالت طائفة من السلف وجماعة أهل الظاهر إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه أن الهبة صحيحة.
وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصين عن النبي عليه الصلاة والسلام "في الذي أعتق ستة أعبد عند موته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق ثلثهم وأرق الباقي" وعمدة أهل الظاهر استصحاب الحال أعني حال الإجماع وذلك أنهم لما اتفقوا على جواز هبته في الصحة وجب استصحاب حكم الإجماع في المرض إلا أن يدل الدليل من كتاب أو سنة بينة والحديث عندهم محمول على الوصية والأمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي
الأمراض المخوفة وكذلك عند مالك الحالات المخوفة مثل الكون بين الصفين وقرب الحامل من الوضع وراكب البحر المرتج وفيه اختلاف.
وأما الأمراض المزمنة فليس عندهم فيها تحجير وقد تقدم هذا في كتاب الحجر.
وأما السفهاء والمفلسون فلا خلاف عند من يقول بالحجر عليهم أن هبتهم غير ماضية.
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه.
واتفقوا على أن للإنسان أن يهب جميع ماله للأجنبي.
واختلفوا في تفضيل الرجل بعض

ولده على بعض في الهبة أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون بعض فقال جمهور فقهاء الأمصار بكراهية ذلك له ولكن إذا وقع عندهم جاز وقال أهل الظاهر لا يجوز التفضيل فضلا عن أن يهب بعضهم جميع ماله وقال مالك يجوز التفضيل ولا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض.
ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشير وهو حديث متفق على صحته وإن كان قد اختلف في ألفاظه والحديث أنه قال "إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجعه".
واتفق مالك والبخاري ومسلم على هذا اللفظ قالوا والارتجاع يقتضي بطلان الهبة.
وفي بعض ألفاظ روايات هذا الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام "هذا جور".
وعمدة الجمهور أن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله للأجانب دون أولاده فإذا كان ذلك للأجنبي فهو للولد أحرى.
واحتجوا بحديث أبي بكر المشهور أنه كان نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا من مال الغابة فلما حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز علي فقرا بعدي منك وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث.
قالوا وذلك الحديث المراد به الندب والدليل على ذلك أن في بعض رواياته " ألست تريد أن يكونوا لك في البر واللطف سواء قال نعم قال فأشهد على هذا غيري".
وأما مالك فإنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل جميع ماله لواحد من ولده هو أحرى أن يحمل على الوجوب فأوجب عنده مفهوم هذا الحديث النهي عن أن يخص الرجل بعض أولاده بجميع ماله.
فسبب الخلاف في هذه المسألة معارضة القياس للفظ النهي الوارد وذلك أن النهي يقتضي عند الأكثر بصيغته التحريم كما يقتضي الأمر الوجوب فمن ذهب إلى الجمع بين السماع والقياس حمل الحديث على الندب أو خصصه في بعض الصور كما فعل مالك ولا خلاف عند القائلين بالقياس أنه يجوز تخصيص عموم السنة بالقياس وكذلك العدول بها عن ظاهرها أعني أن

يعدل بلفظ النهي عن مفهوم الحظر إلى مفهوم الكراهية.
وأما أهل الظاهر فلما لم يجز عندهم القياس في الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا بتحريم التفضيل في الهبة.
واختلفوا من هذا الباب في جواز هبة المشاع غيرالمقسوم فقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور تصح وقال أبو حنيفة لا تصح.
وعمدة الجماعة أن القبض فيها يصح كالقبض في البيع.
وعمدة أبي حنيفة أن القبض فيها لا يصح إلا مفردة كالرهن ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر وقال الشافعي ما جاز بيعه جازت هبته كالدين وما لم يجز بيعه لم تجز هبته وكل ما لا يصح قبضه عند الشافعية لا تصح هبته كالدين والرهن وأما الهبة فلا بد من الإيجاب فيها والقبول عند الجميع.
ومن شرط الموهوب له أن يكون ممن يصح قبوله وقبضه.
وأما الشروط فأشهرها القبض أعني أن العلماء اختلفوا هل القبض شرط في صحة العقد أم لا فاتفق الثوري والشافعي وأبو حنيفة أن من شرط صحة الهبة القبض وأنه إذا لم يقبض لم يلزم الواهب وقال مالك ينعقد بالقبول ويجبر على القبض كالبيع سواء فإن تأنى الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة وله إذا باع تفصيل إن علم فتوانى لم يكن له إلا الثمن وإن قام في الفور كان له الموهوب.
فمالك القبض عنده في الهبة من شروط التمام لا من شروط الصحة وهو عند الشافعي وأبي حنيفة من شروط الصحة.
وقال أحمد وأبو ثور تصح الهبة بالعقد وليس القبض من شروطها أصلا لا من شرط تمام ولا من شرط صحة وهو قول أهل الظاهر.
وقد روي عن أحمد بن حنبل أن القبض من شروطها في المكيل والموزون.
فعمدة من لم يشترط القبض في الهبة تشبيهها بالبيع وأن الأصل في العقود أن لا قبض مشترط في صحتها حتى يقوم الدليل على اشتراط القبض.
وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أبي بكر رضي الله عنه في حديث هبته لعائشة المتقدم.
وهو نص في اشتراط القبض في صحة الهبة.
وما روى مالك عن عمر أيضا أنه قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم قال مالي بيدي لم أعطه أحدا وإن مات قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه فمن نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها للمنحول

له وأبقاها حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة وهو قول علي قالوا وهو إجماع من الصحابة لأنه لم ينقل عنهم في ذلك خلاف.
وأما مالك فاعتمد الأمرين جميعا أعني القياس وما روي عن الصحابة وجمع بينهما فمن حيث هي عقد من العقود لم يكن عنده شرطا من شروط صحتها القبض ومن حيث شرطت الصحابة فيه القبض لسد الذريعة التي ذكرها عمر جعل القبض فيها من شرط التمام ومن حق الموهوب له وأنه إن تراخى حتى يفوت القبض بمرض أو إفلاس على الواهب سقط حقه.
وجمهور فقهاء الأمصار على أن الأب يحوز لابنه الصغير الذي في ولاية نظره وللكبير السفيه الذي ما وهبه كما يجوز لهما ما وهبه غيره لهما وأنه يكفي في الحيازة له إشهاده بالهبة والإعلان بذلك وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة وفيما لا يتعين.
والأصل في ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب.
عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قال من نحل ابنا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي حيازة وإن وليها.
وقال مالك وأصحابه لا بد من الحيازة في المسكون والملبوس فإن كانت دارا سكن فيها خرج منها وكذلك الملبوس إن لبسه بطلت الهبة وقالوا في سائر العروض بمثل قول الفقهاء أعني أنه يكفي في ذلك إعلانه وإشهاده.
وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك فروي عنه أنه لا يجوز إلا أن يخرجه الأب عن يده إلى يد غيره وروي عنه أنه يجوز إذا جعلها في ظرف أو إناء وختم عليها بخاتم وأشهد على ذلك الشهود.
ولا خلاف بين أصحاب مالك أن الوصي يقوم في ذلك مقام الأب.
واختلفوا في الأم فقال ابن القاسم لا تقوم مقام الأب ورواه عن مالك وقال غيره من أصحابه تقوم وبه قال أبوحنيفة وقال الشافعي الجد بمنزلة الأب والجدة عند ابن وهب أم الأم تقوم مقام الأم والأم عنده تقوم مقام الأب.
القول في أنواع الهبات
والهبة منها ما هي هبة عين ومنها ما هي هبة منفعة.
وهبة العين منها ما يقصد بها الثواب ومنها ما لا يقصد بها الثواب.
والتي يقصد بها الثواب منها ما يقصد

بها وجه الله ومنها ما يقصد به وجه المخلوق.
فأما الهبة لغير الثواب فلا خلاف في جوازها وإنما اختلفوا في أحكامها.
وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها فأجازها مالك وأبو حنيفة ومنعها الشافعي وبه قال داود وأبو ثور.
وسبب الخلاف:
هل هي بيع مجهول الثمن أو ليس بيعا مجهول الثمن فمن رآه بيعا مجهول الثمن قال هو من بيوع الغرر التي لا تجوز ومن لم ير أنها بيع مجهول قال يجوز.
وكأن مالكا جعل العرف فيها بمنزلة الشرط وهو ثواب مثلها ولذلك اختلف القول عندهم إذا لم يرضى الواهب بالثواب ما الحكم فقيل تلزمه الهبة إذا أعطاه الموهوب القيمة وقيل لا تلزمه إلا أن يرضيه وهو قول عمر على ما سيأتي بعد فإذا اشترط فيه الرضا فليس هنالك بيع انعقد والأول هو المشهور عن مالك.
وأما إذا ألزم القيمة فهنالك بيع انعقد وإنما يحمل مالك الهبة على الثواب إذا اختلفوا في ذلك وخصوصا إذا دلت قرينة الحال على ذلك مثل أن يهب الفقير للغني أو لمن يرى أنه إنما قصد بذلك الثواب.
وأما هبات المنافع فمنها ما هي مؤجلة وهذه تسمى عارية ومنحة وما أشبه ذلك ومنها ما يشترط فيها ما بقيت حياة الموهوب له هذه تسمى العمرى مثل أن يهب رجل رجلا سكنى دار حياته وهذه اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال أحدها أنها هبة مبتوتة أي أنها هبة للرقبة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وجماعة.
والقول الثاني أنه ليس للمعمر فيها إلا المنفعة فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو إلى ورثته وبه قال مالك وأصحابه وعنده أنه إن ذكر العقب عادت إذ انقطع العقب إلى المعمر أو إلى ورثته.
والقول الثالث أنه إذا قال هي عمرى لك ولعقبك كانت الرقبة ملكا
للمعمر فإذا لم يذكر العقب عادت الرقبة بعد موت المعمر للمعمر أو لورثته وبه قال داود وأبو ثور.
وسبب الخلاف:
في هذا الباب اختلاف الآثار ومعارضة الشرط والعمل للأثر.
أما الأثر ففي ذلك حديثان أحدهما متفق على صحته وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا" لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث.
والحديث الثاني حديث أبي الزبير عن جابر

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار أمسكوا عليكم أموالكم ولا تعمروها فمن أعمر شيئا حياته فهو له حياته ومماته" وقد روي عن جابر بلفظ آخر "لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو لورثته" فحديث أبي الزبير عن جابر مخالف لشرط المعمر.
وحديث مالك عنه مخالف أيضا لشرط المعمر إلا أنه يخيل أنه أقل في المخالفة وذلك أن ذكر العقب يوهم تبتيت العطية فمن غلب الحديث على الشرط قال بحديث أبي الزبير عن جابر وحديث مالك عن جابر ومن غلب الشرط قال بقول مالك وأما من قال إن العمرى تعود إلى المعمر إن لم يذكر العقب ولا تعود إن ذكر فإنه أخذ بظاهر الحديث.
وأما حديث أبي الزبير عن جابر فمختلف فيه أعني رواية أبي الزبير عن جابر.
وأما إذا أتى بلفظ الإسكان فقال أسكنتك هذه الدار حياتك فالجمهور على أن الإسكان عندهم أو الإخدام بخلاف العمرى وإن لفظ بالعقب فسوى مالك بين التعمير والإسكان.
وكان الحسن وعطاء وقتادة يسوون بين السكنى والتعمير في أنها لا تنصرف إلى المسكن أبدا على قول الجمهور في العمرى.
والحق أن الإسكان والتعمير معنى مفهوم منهما واحد وأنه يجب أن يكون الحكم إذا صرح بالعقب مخالفا له إذا لم يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل الظاهر.
القول في الأحكام
ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب جواز الاعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها فذهب مالك وجمهور علماء المدينة أن للأب أن يعتصر ما وهبه لابنه ما لم يتزوج الابن أو لم يستحدث دينا أو بالجملة ما لم يترتب عليه حق للغير وأن للأم أيضا أن تعتصر ما وهبت إن كان الأب حيا وقد روي عن مالك أنها لا تعتصر وقال أحمد وأهل الظاهر لا يجوز لأحد أن يعتصر ما وهبه وقال أبو حنيفة يجوز لكل أحد أن يعتصر ما وهبه إلا ما وهب لذي رحم محرمة عليه.
وأجمعوا على أن الهبة التي يراد بها الصدقة أي وجه الله أنه لا يجوز لأحد الرجوع فيها.
وسبب الخلاف:
في هذا الباب تعارض

الآثار فمن لم ير الاعتصار أصلا احتج بعموم الحديث الثابت وهو قوله عليه الصلاة والسلام ك"العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" ومن استثنى الأبوين احتج بحديث طاوس أنه قال عليه الصلاة والسلام "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد" وقاس الأم على الوالد وقال الشافعي لو اتصل حديث طاوس لقلت به وقال غيره قد اتصل من طريق حسين المعلم وهو ثقة.
وأما من أجاز الاعتصار إلا لذوي الرحم المحرمة فاحتج بما رواه مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال من وهب هبة لصلة رحم أو على جهة صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب بها فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها قالوا وأيضا فإن الأصل أن من وهب شيئا من غير عوض أنه لا يقضى عليه به كما لو وعد إلا ما اتفقوا عليه من الهبة على وجه الصدقة.
وجمهور العلماء على أن من تصدق على ابنه فمات الابن بعد أن حازها فإنه يرثها وفي مرسلات مالك أن رجلا أنصاريا من الخزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث ابنهما المال وهو نخل فسأل عن ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال:" قد أجرت في صدقتك وخذها بميراثك" وخرج أبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :" كنت قد تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة فقال صلى الله عليه وسلم وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث" وقال أهل الظاهر لا يجوز الاعتصار لأحد لعموم قوله عليه الصلاة والسلام لعمر "لا تشتره في الفرس الذي تصدق به فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" والحديث متفق على صحته.
قال القاضي والرجوع في الهبة ليس من محاسن الأخلاق والشارع عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليتمم محاسن الأخلاق وهذا القدر كاف في هذا الباب.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوصاياوالنظر فيها ينقسم أولا قسمين القسم الأول النظر في الأركان.
والثاني في الأحكام.
ونحن فإنما نتكلم من هذه فيما وقع فيها من المسائل المشهورة.
القول في الأركان
والأركان أربعة الموصي والموصى له والموصى به والوصية.
أما الموصي فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح الملك ويصح عند مالك وصية السفيه والصبي الذي يعقل القرب وقال أبو حنيفة لا تجوز وصية الصبي الذي لم يبلغ وعن الشافعي القولان.
وكذلك وصية الكافر تصح عندهم إذا لم يوص بمحرم.
وأما الموصى له فإنهم اتفقوا على أن الوصية لا تجوز لوارث لقوله عليه الصلاة والسلام "لا وصية لوارث" واختلفوا هل تجوز لغير القرابة فقال جمهور العلماء إنها تجوز لغير الأقربين مع الكراهية وقال الحسن وطاوس ترد الوصية على القرابة وبه قال إسحاق.
وحجة هؤلاء ظاهر قوله تعالى :{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} والألف واللام تقتضي الحصر.
واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين المشهور وهو "أن رجلا أعتق.ستة أعبد له في مرضه عند موته لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة" والعبيد غير القرابة وأجمعوا كما قلنا أنها لا تجوز لوارث إذا لم يجزها الورثة.
واختلفوا كما قلنا إذا أجازتها الورثة فقال الجمهور تجوز وقال أهل الظاهر والمزني لا تجوز.
وسبب الخلاف:
هل المنع لعلة الورثة أو عبادة فمن قال عبادة قال لا تجوز وإن أجازها الورثة ومن قال بالمنع لحق الورثة أجازها إذا أجازها الورثة وتردد هذا الخلاف راجع إلى تردد المفهوم من قوله عليه الصلاة والسلام "لا وصية لوارث" هل هو معقول المعنى أم ليس بمعقول واختلفوا في الوصية للميت فقال قوم تبطل بموت الموصى له وهم الجمهور وقال قوم لا تبطل وفي الوصية للقائل

خطأ وعمدا في هذا الباب فرع مشهور وهو إذا أذن الورثة للميت هل لهم أن يرجعوا في ذلك بعد موته فقيل لهم وقيل ليس لهم وقيل بالفرق بين أن يكون الورثة في عيال الميت أو لا يكونوا أعني أنهم إن كانوا في عياله كان لهم الرجوع والثلاثة الأقوال في المذهب.
القول في الموصى به والنظر في جنسه وقدره
أما جنسه فإنهم اتفقوا على جواز الوصية في الرقاب واختلفوا في المنافع فقال جمهور فقهاء الأمصار ذلك جائز وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر الوصية بالمنافع باطلة.
وعمدة الجمهور أن المنافع في معنى الأموال وعمدة الطائفة الثانية أن المنافع منتقلة إلى ملك الوارث لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره وإلى هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد البر.
وأما القدر فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز الوصية في أكثر من الثلث لمن ترك ورثة.
واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها هل هو الثلث أو دونه وإنما صار الجميع إلى أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه عاد سعد بن أبي وقاص قال له يا رسول الله قد بلغ مني الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثي إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فقال له سعد فالشطر قال لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" فصار الناس لمكان هذا الحديث إلى أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث.
واختلفوا في المستحب من ذلك فذهب قوم إلى أنه ما دون الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث "والثلث كثير" وقال بهذا كثير من السلف.
قال قتادة أوصى أبو بكر بالخمس وأوصى عمر بالربع والخمس أحب إلي.
وأما من ذهب إلى أن المستحب هو الثلث فإنهم اعتمدوا على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم

زيادة في أعمالكم" وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث.
وثبت عن ابن عباس أنه قال لو غض الناس في الوصية من
الثلث إلى الربع لكان أحب إلي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الثلث والثلث كثير".
وأما اختلافهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن لا وارث له فإن مالكا لا يجيز ذلك والأوزاعي واختلف فيه قول أحمد وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق وهو قول ابن مسعود.
وسبب الخلاف:
هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع أم ليس بخاص وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" فمن جعل هذا السبب خاصا وجب أن يرتفع الحكم بارتفاع هذه العلة ومن جعل الحكم عبادة وإن كان قد علل بعلة أو جعل جميع المسلمين في هذا المعنى بمنزلة الورثة قال لا تجوز الوصية بإطلاق بأكثر من الثلث.
القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية
والوصية بالجملة هي هبة الرجل ما له لشخص آخر أو لأشخاص بعد موته أو عتق غلامه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به وهذا العقد هو من العقود الجائزة باتفاق أعني أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به إلا المدبر فإنهم اختلفوا فيه على ما سيأتي في كتاب التدبير وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي.
واختلفوا في قبول الموصى له هل هو شرط في صحتها أم لا فقال مالك قبول الموصى له إياها شرط في صحة الوصية وروي عن الشافعي أنه ليس القبول شرطا في صحتها ومالك شبهها بالهبة.
القول في الأحكام
وهذه الأحكام منها لفظية ومنها حسابية ومنها حكمية فمن مسائلهم المشهورة الحكمية اختلافهم في حكم من أوصى بثلث ماله لرجل وعين ما أوصى له به في ماله مما هو الثلث فقال الورثة ذلك الذي عين أكثر من الثلث فقال مالك الورثة مخيرون بين أن يعطوه ذلك الذي عينه الموصي أو يعطوه

الثلث من جميع مال الميت وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود.
وعمدتهم أن الوصية قد وجبت للموصى له بموت الموصي وقبوله إياها باتفاق فكيف ينقل عن ملكه ما وجب له بغير طيب نفس منه وتغير الوصية وعمدة مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد البر في هذه المسألة وذلك أنه قال إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا فإن ثبت ذلك أخذ منه الموصى له قدر الثلث من ذلك الشيء الموصى به وكان شريكا للورثة وإن كان الثلث فأقل جبروا على إخراجه وإذا لم يختلفوا في أن ذلك الشيء الموصى به هو فوق الثلث فعند مالك أن الورثة مخيرون بين أن يدفعوا إليه ما أوصي له به أو يفرجوا له عن جميع ثلث مال الميت إما في ذلك الشيء بعينه وإما في جميع المال على اختلاف الرواية عن مالك في ذلك وقال أبو حنيفة والشافعي له ثلث تلك العين ويكون بباقيه شريكا للورثة في جميع.
ما ترك الميت حتى يستوفي تمام الثلث.
وسبب الخلاف:
أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه فهل الأعدل في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن يخرج عنهم من ماله أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا وهذا هو الأولى إذا قلنا إن التعدي هو التعيين لكونه أكثر من الثلث أعني أن الواجب أن يسقط التعيين.
وأما أن يكلف الورثة أن يمضوا التعيين أو يتخلوا عن جميع الثلث فهو حمل عليهم.
ومن هذا الباب اختلافهم فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها وإذا أوصى بها فهل هي من الثلث أو من رأس المال فقال مالك إذا لم يوص بها لم يلزم الورثة إخراجها.
وقال الشافعي يلزم الورثة إخراجها من رأس المال وإذا وصى بها فعند مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث وهي عند الشافعي في الوجهين من رأس المال شبهها بالدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "فدين الله أحق أن يقضى" وكذلك الكفارات الواجبة والحج الواجب عنده ومالك يجعلها من جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد الموت ولا خلاف أنه لو أخرجها في الحياة أنها من رأس المال ولو كان في السياق وكأن مالكا اتهمه هنا على الورثة أعني في توصيته بإخراجها قال ولو أجيز هذا لجاز

للإنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره حتى إذا دنا من الموت وصى بها فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها وقال أبو حنيفة هي وسائر الوصايا سواء يريد في المحاصة.
واتفق مالك وجميع أصحابه على أن الوصايا التي يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أنها تتحاص في الثلث وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم الأهم.
واختلفوا في الترتيب على ما هو مسطور في كتبهم ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلثيه ورد الورثة الزائد فعند مالك والشافعي أنهما يقتسمان الثلث بينهما أخماسا وقال أبو حنيفة بل يقتسمان الثلث بالسوية.
وسبب الخلاف:
هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط الاعتبار به في القسمة كما يسقط في نفسه بإسقاط الورثة فمن قال يبطل في نفسه ولا يبطل الاعتبار به في القسمة إذ كان مشاعا قال يقتسمون المال أخماسا ومن قال يبطل الاعتبار به كما لو كان معينا قال يقتسمون الباقي على السواء.
ومن مسائلهم اللفظية في هذا الباب إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ومال لا يعلم به فعند مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما لم يعلم وعند الشافعي تكون في المالين.
وسبب الخلاف:
هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم أو ما علم فقط والمشهور عن مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي يعلم.
وفي هذا الباب فروع كثيرة وكلها راجعة إلى هذه الثلاثة الأجناس ولا خلاف بينهم أن للرجل أن يوصي بعد موته بأولاده وأن هذه خلافة جزئية كالخلافة العظمى الكلية التي للإمام أن يوصي بها.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الفرائضوالنظر في هذا الكتاب. فيمن يرث وفيمن لا يرث ومن يرث هل يرث دائما أو مع وارث دون وارث وإذا ورث مع غيره فكم يرث وكذلك إذا ورث وحده كم يرث وإذا ورث مع وارث فهل يختلف ذلك بحسب وارث وارث أو لا يختلف.
والتعليم في هذا يمكن على وجوه كثيرة قد سلك أكثرها أهل الفرائض والسبيل الحاضرة في ذلك بأن يذكر حكم

جنس جنس من أجناس الورثة إذا انفرد ذلك الجنس وحكمه مع سائر الأجناس الباقية مثال ذلك أن ينظر إلى الولد إذا انفرد كم ميراثه ثم ينظر حاله مع سائر الأجناس الباقية من الوارثين.
فأما الأجناس الوارثة فهي ثلاثة ذو نسب وأصهار وموالي فأما ذو النسب فمنها متفق عليها ومنها مختلف فيها.
فأما المتفق عليها فهي الفروع أعني الأولاد والأصول أعني الآباء والأجداد ذكورا كانوا أو إناثا وكذلك الفروع المشاركة للميت في الأصل الأدنى أعني الإخوة ذكورا أو إناثا أو المشاركة الأدنى أو الأبعد في أصل واحد وهم الأعمام وبنو الأعمام وذلك الذكور من هؤلاء خاصة فقط وهؤلاء إذا فصلوا كانوا من الرجال عشرة ومن النساء سبعة أما الرجال فالابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أبو الأب وإن علا والأخ من أي جهة كان أعني للأم والأب أو لأحدهما وابن الأخ وإن سفل والعم وابن العم وإن سفل والزوج ومولى النعمة.
وأما النساء فالابنة وابنة الابن وإن سفلت والأم والجدة وإن علت والأخت والزوجة والمولاة.
وأما المختلف فيهم فهم ذوو الأرحام وهم من لا فرض لهم في كتاب الله ولا هم عصبة وهم بالجملة بنو البنات وبنات الإخوة وبنو الأخوات وبنات الأعمام والعم أخو الأب للأم فقط وبنو الإخوة للأم والعمات والخالات والأخوال.
فذهب مالك والشافعي وأكثر فقهاء الأمصار وزيد بن ثابت من الصحابة إلى أنه لا ميراث لهم وذهب سائر الصحابة وفقهاء العراق والكوفة والبصرة وجماعة العلماء من سائر الآفاق إلى توريثهم.
والذين قالوا بتوريثهم اختلفوا في صفة توريثهم فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى توريثهم على ترتيب العصبات.
وذهب سائر من ورثهم إلى التنزيل وهو أن ينزل كل من أدلى بذي سهم أو عصبة بمنزلة السبب الذي أدلى به.
وعمدة مالك ومن قال بقوله أن الفرائض لما كانت لا مجال للقياس فيها كان الأصل أن لا يثبت فيها شيء إلا بكتاب أو سنة ثابتة أو ذلك معدوم في هذه المسألة.
وأما الفرقة الثانية فزعموا أن دليلهم على ذلك من الكتاب والسنة والقياس.
أما الكتاب فقوله تعالى :{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وقوله تعالى :{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} واسم القرابة ينطلق على ذوي الأرحام ويرى

المخالف أن هذه مخصوصة بآيات المواريث.
وأما السنة فاحتجوا بما خرجه الترمذي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى
أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له".
وأما من طريق المعنى فإن القدماء من أصحاب أبي حنيفة قالوا إن ذوي الأرحام أولى من المسلمين لأنهم قد اجتمع لهم سببان القرابة والإسلام فأشبهوا تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب أعني أن من اجتمع له سببان أولى ممن له سبب واحد.
وأما أبو زيد ومتأخرو أصحابه فشبهوا الإرث بالولاية وقالوا لما كانت ولاية التجهيز والصلاة والدفن للميت عند فقد أصحاب الفروض والعصبات لذوي الأرحام وجب أن يكون لهم ولاية الإرث وللفريق الأول اعتراضات في هذه المقاييس فيها ضعف.
وإذ قد تقرر هذا فلنشرع في ذكر جنس جنس من أجناس الوارثين ونذكر من ذلك ما يجري مجرى الأصول من المسائل المشهورة المتفق عليها والمختلف فيها.
ميراث الصلب وأجمع المسلمون على أن ميراث الولد من والدهم ووالدتهم إن كانوا ذكورا وإناثا معا هو أن للذكر منهم مثل حظ الأنثيين وأن الابن الواحد إذا انفرد فله جميع المال وأن البنات إذا انفردن فكانت واحدة أن لها النصف وإن كن ثلاثا فما فوق فلهن الثلثان.
واختلفوا في الاثنتين فذهب الجمهور إلى أن لهما الثلثين وروي عن ابن عباس أنه قال للبنتين النصف.
والسبب في اختلافهم:
تردد المفهوم في قوله تعالى :{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } هل حكم الاثنتين المسكوت عنه يلحق بحكم الثلاثة أو بحكم الواحدة والأظهر من باب دليل الخطاب أنهما لاحقان بحكم الواحدة وقد قيل إن المشهور عن ابن عباس مثل قول الجمهور.
وقد روي عن ابن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حاتم بن عبد الله وعن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين" قال فيما أحسب أبو عمر بن عبد البر وعبد الله بن عقيل قد قبل جماعة من أهل العلم حديثه وخالفهم آخرون.
وسبب الاتفاق في هذه الجملة قوله تعالى :{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} إلى قوله {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وأجمعوا من هذا الباب على أن بني البنين يقومون مقام البنين عند فقد

البنين يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون إلا شيء روي عن مجاهد أنه قال ولد الابن لا يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كما يحجب الولد نفسه ولا الزوجة من الربع إلى الثمن ولا الأم من الثلث إلى السدس.
وأجمعوا على أنه ليس لبنات الابن ميراث مع بنات الصلب إذا استكمل بنات المتوفى الثلثين.
واختلفوا إذا كان مع بنات الابن ذكر ابن ابن في مرتبتهن أو أبعد منهن فقال جمهور فقهاء الأمصار إنه يعصب بنات الابن فيما فضل عن بنات الصلب فيقسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال علي رضي الله عنه وزيد بن ثابت من الصحابة وذهب أبو ثور وداود أنه إذا استكمل البنات الثلثين أن الباقي لابن الابن دون بنات الابن كن في مرتبة واحدة مع الذكر أو فوقه أو دونه.
وكان ابن مسعود يقول في هذه للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن يكون
الحاصل للنساء أكثر من السدس فلا تعطى إلا السدس.
وعمدة الجمهور عموم قوله تعالى :{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وأن ولد الولد ولد من طريق المعنى وأيضا لما كان ابن الابن يعصب من في درجته في جملة المال فواجب أن يعصب في الفاضل من المال.
وعمدة داود وأبي ثور حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله عز وجل فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر" ومن طريق المعنى أيضا أن بنت الابن لما لم ترث مفردة من الفاضل عن الثلثين كان أحرى أن لا ترث مع غيرها.
وسبب اختلافهم:
تعارض القياس والنظر في الترجيح وأما قول ابن مسعود فمبني على أصله في أن بنات الابن لما كن لا يرثن مع عدم الابن أكثر من السدس لم يجب لهن مع الغير أكثر مما وجب لهن مع الانفراد وهي حجة قريبة من حجة داود والجمهور على أن ذكر ولد الابن يعصبهن كان في درجتهن أو أطرف منهن.
وشذ بعض المتأخرين فقال لا يعصبهن إلا إذا كان في مرتبتهن وجمهور العلماء على أنه إذا ترك المتوفى بنتا لصلب وبنت ابن أو بنات ابن ليس معهن ذكر أن لبنات الابن السدس تكملة الثلثين وخالفت الشيعة في ذلك فقالت لا ترث بنت الابن مع البنت شيئا كالحال في ابن الابن مع

الابن فالاختلاف في بنات الابن في موضعين مع بني الابن ومع البنات فيما دون الثلثين وفوق النصف.
فالمتحصل فيهن إذا كن مع بني الابن أنه قيل يرثن وقيل لا يرثن وإذا قيل يرثن فقيل يرثن تعصيبا مطلقا وقيل يرثن تعصيبا إلا أن يكون أكثر من السدس وإذا قيل يرثن فقيل أيضا إذا كان ابن الابن في درجتهن وقيل كيفما كان والمتحصل في وراثتهن مع عدم ابن الابن فيما فضل عن النصف إلى تكلمة الثلثين قيل يرثن وقيل لا يرثن.
ميراث الزوجات وأجمع العلماء على أن ميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدا ولا ولد ابن النصف ذكرا كان الولد أو أنثى إلا ما ذكرنا عن مجاهد وأنها إن تركت ولدا فله الربع وأن ميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك الزوج ولدا ولا ولد ابن الربع فإن ترك ولدا أو ولد ابن فالثمن وأنه ليس يحجبهن أحد عن الميراث ولا ينقصهن إلا الولد وهذا لورود النص في قوله تعالى :{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } الآية.
ميراث الأب والأم وأجمع العلماء على أن الأب إذا انفرد كان له جميع المال وأنه إذا انفرد الأبوان كان للأم الثلث وللأب الباقي لقوله تعالى :{ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} وأجمعوا على أن فرض الأبوين من ميراث ابنهما إذا كان للابن ولد أو ولد ابن السدسان أعني أن لكل واحد منهما السدس لقوله تعالى :{ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } والجمهور على أن الولد هو الذكر دون الأنثى وخالفهم في ذلك من شذ وأجمعوا على أن الأب لا ينقص مع ذوي الفرائض من السدس وله ما زاد وأجمعوا من هذا الباب على أن الأم يحجبها الإخوة من الثلث إلى السدس لقوله تعالى :{ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ}.
واختلفوا في أقل ما يحجب الأم من الثلث إلى السدس من الإخوة فذهب علي رضي الله عنه وابن مسعود إلى أن الإخوة الحاجبين هما اثنان فصاعدا وبه قال مالك وذهب ابن عباس إلى أنهم ثلاثة فصاعدا وأن الاثنين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس والخلاف آيل إلى أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع فمن

قال أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع ثلاثة قال الإخوة الحاجبون ثلاثة فما فوق ومن قال أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان قال الإخوة الحاجبون هما اثنان أعني في قوله تعالى :{ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } ولا خلاف أن الذكر والأنثى يدخلان تحت اسم الإخوة في الآية وذلك عند الجمهور.
وقال بعض المتأخرين لا أنقل الأم من الثلث إلى السدس بالأخوات المنفردات لأنه زعم أنه ليس ينطلق عليهن اسم الإخوة إلا أن يكون معهن أخ لموضع تغليب المذكر على المؤنث إذ اسم الإخوة هو جمع أخ والأخ مذكر.
واختلفوا من هذا الباب فيمن يرث السدس الذي تحجب عنه الأم بالإخوة وذلك إذا ترك المتوفى أبوين وإخوة فقال الجمهور ذلك السدس للأب مع الأربعة الأسداس.
وروي عن ابن عباس أن ذلك السدس للإخوة الذين حجبوا وللأب الثلثان لأنه ليس في الأصول من يحجب ولا يأخذ ما حجب إلا الإخوة مع الآباء وضعف قوم الإسناد بذلك عن ابن عباس وقول ابن عباس هو القياس.
واختلفوا من هذا الباب في التي تعرف بالغراوين وهي فيمن ترك زوجة وأبوين أو زوجا وأبوين فقال الجمهور في الأولى للزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي وهو الربع من رأس المال وللأب ما بقي وهو النصف وقالوا في الثانية للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال وللأب ما بقي وهو السدسان وهو قول زيد والمشهور من قول علي رضي الله عنه.
وقال ابن عباس في الأولى للزوجة الربع من رأس المال وللأم الثلث منه أيضا لأنها ذات فرض وللأب ما بقي لأنه عاصب وقال أيضا في الثانية للزوج النصف وللأم الثلث لأنها ذات فرض مسمى وللأب ما بقي وبه قال شريح القاضي وداود وابن سيرين وجماعة.
وعمدة الجمهور أن الأب والأم لما كانا إذا انفردا بالمال كان للأم الثلث وللأب الباقي وجب أن يكون الحال كذلك فيما بقي من المال كأنهم رأوا أن يكون ميراث الأم أكثر من ميراث الأب خروجا عن الأصول.
وعمدة الفريق الآخر أن الأم ذات فرض مسمى والأب عاصب والعاصب ليس له فرض محدود مع ذي الفروض بل يقل ويكثر وما عليه الجمهور من طريق

التعليل أظهر وما عليه الفريق الثاني مع عدم التعليل أظهر وأعني بالتعليل ههنا أن يكون أحق سببي الإنسان أولى بالإيثار أعني الأب من الأم.
ميراث الإخوة للأم وأجمع العلماء على أن الإخوة للأم إذا انفرد الواحد منهم أن له السدس ذكرا كان أو أنثى وأنهم إن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث على السوية للذكر منهم مثل حظ الأنثى سواء.
وأجمعوا على أنهم لا يرثون مع أربعة وهم الأب والجد أب الأب وإن علا والبنون ذكرانهم وإناثهم وبنو البنين وإن سفلوا ذكرانهم وإناثهم وهذا كله لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} الآية وذلك أن الإجماع انعقد على أن المقصود بهذه الآية هم الإخوة للأم فقط وقد قرئ { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ من أمه} وكذلك أجمعوا فيما أحسب ههنا على أن الكلالة هي فقد الأصناف الأربعة التي ذكرنا من النسب أعني الآباء والأجداد والبنين وبني البنين.
ميراث الإخوة للأب والأم أو للأب وأجمع العلماء على أن الإخوة للأب والأم أو للأب فقط يرثون في الكلالة أيضا.
أما الأخت إذا انفردت فإن لها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان كالحال في البنات وأنهم إن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين كحال البنين مع البنات وهذا لقوله تعالى :{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} إلا أنهم اختلفوا في معنى الكلالة ههنا في أشياء واتفقوا منها في أشياء يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك أنهم أجمعوا من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم ذكرانا أو إناثا أنهم لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ولا مع ولد الولد ولا مع الأب شيئا.
واختلفوا فيما سوى ذلك فمنها أنهم اختلفوا في ميراث الإخوة للأب والأم مع البنت أو البنات فذهب الجمهور إلى أنهن عصبة يعطون ما فضل عن البنات وذهب داود بن علي الظاهري وطائفة إلى لا ترث مع البنت شيئا.
وعمدة الجمهور في هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ابنة وابنة ابن وأخت "أن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت".

وأيضا من جهة النظر لما أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات فكذلك الأخوات.
وعمدة الفريق الآخر ظاهر قوله تعالى :{ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ } فلم يجعل للأخت شيئا إلا مع عدم الولد والجمهور حملوا اسم الولد ههنا على الذكور دون الإناث.
وأجمع العلماء من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث قياسا على بني الأبناء مع بني الصلب.
قال أبو عمر وقد روي ذلك في حديث حسن من رواية الآحاد العدول عن علي رضي الله عنه قال "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات" وأجمع العلماء على أن الأخوات للأب والأم إذا استكملن الثلثين فإنه ليس للأخوات للأب معهن شيء كالحال في بنات الابن مع بنات
الصلب وأنه إن كانت الأخت للأب والأم واحدة فللأخوات للأب ما كن بقية الثلثين وهو السدس.
واختلفوا إذا كان مع الأخوات للأب ذكر فقال الجمهور يعصبهن ويقتسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب واشترط مالك أن يكون في درجتهن وقال ابن مسعود إذا استكمل الأخوات الشقائق الثلثين فالباقي للذكور من الإخوة للأب دون الإناث وبه قال أبو ثور وخالفه داود في هذه المسألة مع موافقته له في مسألة بنات الصلب وبني البنين فإن لم يستكملن الثلثين فللذكر عنده من بني الأب مثل حظ الأنثيين إلا أن يكون الحاصل للنساء أكثر من السدس كالحال في بنت الصلب مع بني الابن.
وأدلة الفريقين في هذه المسألة هي تلك الأدلة بأعيانها.
وأجمعوا على أن الإخوة للأب يقومون مقام الإخوة للأب والأم عند فقدهم كالحال في بني البنين مع البنين وأنه إذا كان معهن ذكر عصبهن بأن يبدأ بمن له فرض مسمى ثم يرثون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين كالحال في البنين إلا في موضع واحد وهي الفريضة التي تعرف بالمشتركة فإن العلماء اختلفوا فيها وهي امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها فكان عمر وعثمان وزيد بن ثابت يعطون للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة للأم الثلث فيستغرقون المال فيبقى الإخوة للأب والأم بلا شيء فكانوا يشركون الإخوة للأب والأم

في الثلث مع الإخوة للأم يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وبالتشريك قال من فقهاء الأمصار مالك والشافعي والثوري.
وكان علي رضي الله عنه وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري لا يشركون إخوة الأب والأم في الثلث مع إخوة الأم في هذه الفريضة ولا يوجبون لهم شيئا فيها وقال به جماعة من فقهاء الأمصار أبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد وأبو ثور وداود وجماعة.
وحجة الفريق الأول أن الإخوة للأب والأم يشاركون الإخوة للأم في السبب الذي به يستوجبون الإرث وهي الأم فوجب أن لا ينفردوا به دونهم لأنه إذا اشتركوا في السبب الذي به يورثون وجب أن يشتركوا في الميراث.
وحجة الفريق الثاني أن الإخوة الشقائق عصبة فلا شيء لهم إذا أحاطت فرائض ذوي السهام بالميراث.
وعمدتهم باتفاق الجميع على أن من ترك زوجا وأما وأخا واحدا لأم وإخوة شقائق عشرة أو أكثر أن الأخ للأم يستحق ههنا السدس كاملا والسدس الباقي بين الباقين مع أنهم مشاركون له في الأم.
فسبب الاختلاف في أكثر مسائل الفرائض هو تعارض المقاييس واشتراك الألفاظ فيما فيه نص.
ميراث الجد وأجمع العلماء على أن الأب يحجب الجد وأنه يقوم مقام الأب عند عدم الأب مع البنين وأنه عاصب مع ذوي الفرائض واختلفوا هل يقوم مقام الأب في حجب الإخوة الشقائق أو حجب الإخوة للأب فذهب ابن عباس وأبو بكر رضي الله عنهما وجماعة إلى أنه يحجبهم وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور والمزني وابن سريج من أصحاب الشافعي وداود.
وجماعة واتفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن مسعود على توريث الإخوة مع الجد إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك على ما أقوله بعد.
وعمدة من جعل الجد بمنزلة الأب اتفاقهما في المعنى أعني من قبل أن كليهما أب للميت ومن اتفاقهما في كثير من الأحكام التي أجمعوا على اتفاقهما فيها حتى إنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال أما يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا.
وقد أجمعوا على أنه مثله في أحكام أخرى سوى الفروض منها أن شهادته لحفيده كشهادة الأب وأن الجد يعتق على حفيده كما يعتق الأب على الابن وأنه لا يقتص له من

جد كما لا يقتص له من أب.
وعمدة من ورث الأخ مع الجد أن الأخ أقرب إلى الميت من الجد لأن الجد أبو أبي الميت والأخ ابن أبي الميت والابن أقرب من الأب وأيضا فما أجمعوا عليه من أن ابن الأخ يقدم على العم وهو يدلي بالأب والعم يدلي بالجد.
فسبب الخلاف تعارض القياس في هذا الباب.
فإن قيل فأي القياسين أرجح بحسب النظر الشرعي قلنا قياس من ساوى بين الأب يروي فإن الجد أب في المرتبة الثانية أو الثالثة كما أن ابن الابن ابن في المرتبة الثانية أو الثالثة.
وإذا لم يحجب الابن الجد وهو يحجب الإخوة فالجد يجب أن يحجب من يحجب الابن والأخ ليس بأصل للميت ولا فرع وإنما هو مشارك له في الأصل والأصل أحق بالشيء من المشارك له في الأصل والجد ليس هو أصلا للميت من قبل الأب بل هو أصل أصله والأخ يرث من قبل أنه فرع لأصل الميت فالذي هو أصل لأصله أولى من الذي هو فرع لأصله ولذلك لا معنى لقول من قال إن الأخ يدلي بالبنوة والجد يدلي بالأبوة فإن الأخ ليس ابنا للميت وإنما هو ابن أبيه والجد أبو الميت والبنوة إنما هي أقوى في الميراث من الأبوة في الشخص الواحد بعينه أعني الموروث.
وأما البنوة التي تكون لأب موروث فليس يلزم أن تكون في حق الموروث أقوى من الأبوة التي تكون لأب الموروث لأن الأبوة التي لأب الموروث هي أبوة ما للموروث أعني بعيدة وليس البنوة التي لأب الموروث بنوة ما للموروث لا قريبة ولا بعيدة فمن قال الأخ أحق من الجد لأن الأخ يدلي بالشيء الذي من قبله كان الميراث بالبنوة وهو الأب والجد يدلي بالأبوة هو قول غالط مخيل لأن الجد أب ما وليس الأخ ابنا ما.
وبالجملة الأخ لاحق من لواحق الميت وكأنه أمر عارض والجد سبب من أسبابه والسبب أملك للشيء من لاحقه.
واختلف الذين ورثوا الجد مع الإخوة في كيفية ذلك.
فتحصيل مذهب زيد في ذلك أنه لا يخلو أن يكون معه سوى الإخوة ذو فرض مسمى أو لا يكون فإن لم يكن معه ذو فرض مسمى أعطي الأفضل له من اثنين إما ثلث المال وإما أن يكون كواحد من الإخوة الذكور وسواء أكان الإخوة ذكرانا أو إناثا أو الأمرين جميعا فهو مع الأخ الواحد يقاسمه المال وكذلك مع الاثنين ومع الثلاثة والأربعة

يأخذ الثلث و هو مع الأخت الواحدة إلى الأربع يقاسمهن للذكر مثل حظ الأنثيين ومع الخمس أخوات له الثلث لأنه أفضل له من المقاسمة فهذه هي حاله مع الإخوة فقط دون غيرهم.
وأما إن كان معهم ذو فرض مسمى فإنه يبدأ بأهل الفروض فيأخذون فروضهم فما بقي أعطي الأفضل له من ثلاث إما ثلث ما بقي بعد حظوظ ذوي الفرائض وإما أن يكون بمنزلة ذكر من الإخوة وإما أن يعطى السدس من رأس المال لا ينقص منه ثم ما بقي يكون للإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين في الأكدرية على ما سنذكر مذهبه فيها مع سائر مذاهب العلماء.
وأما علي رضي الله عنه فكان يعطي الجد الأحظى له من السدس أو المقاسمة وسواء أكان مع الجد والإخوة غيرهم من ذوي الفرائض أو لم يكن وإنما لم ينقصه من السدس شيئا لأنهم لما أجمعوا أن الأبناء لا ينقصونه منه شيئا كان أحرى أن لا ينقصه الأخوة.
وعمدة قول زيد أنه لما كان يحجب الإخوة للأم فلم يحجب عما يجب لهم وهو الثلث وبقول زيد قال مالك والشافعي والثوري وجماعة وبقول علي رضي الله عنه قال أبو حنيفة.
وأما الفريضة التي تعرف بالأكدرية وهي امرأة توفيت وتركت زوجا وأما وأختا شقيقة وجدا فإن العلماء اختلفوا فيها فكان عمر رضي الله عنه وابن مسعود يعطيان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت النصف وللجد السدس وذلك على جهة العول.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد يقولان للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس فريضة إلا أن زيدا يجمع سهم الأخت والجد فيقسم ذلك بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وزعم بعضهم أن هذا ليس من قول زيد وضعف الجميع التشريك الذي قال به زيد في هذه الفريضة وبقول زيد قال مالك وقيل إنما سميت الأكدرية لتكدر قول زيد فيها وهذا كله على مذهب من يرى العول وبالعول قال جمهور الصحابة وفقهاء الأمصار إلا ابن عباس فإنه روي عنه أنه قال أعال الفرائض عمر بن الخطاب وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة قيل له وأيها قدم الله وأيها أخر الله قال كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن موجبها إلا إلى فريضة أخرى فهي ما قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله

فالأول مثل الزوجة والأم والمتأخر مثل الأخوات والبنات قال فإذا اجتمع الصنفان بدئ من قدم الله فإن بقي شيء فلمن أخر الله وإلا فلا شيء له قيل له فهلا قلت هذا القول لعمر قال هبته.
وذهب زيد إلى أنه إذا كان مع الجد والإخوة الشقائق إخوة لأب أن الإخوة الشقائق يعادون الجد بالإخوة للأب فيمنعونه بهم كثرة الميراث ولا يرثون مع الإخوة الشقائق شيئا إلا أن يكون الشقائق أختا واحدة فإنها تعاد الجد بإخوتها للأب ما بينهما وبين أن تستكمل فريضتها وهي النصف وإن كان فيما يحاز لها ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله
فهو لإخوتها لأبيها للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء على النصف فلا ميراث لهم فأما علي رضي الله عنه فكان لا يلتفت هنا للإخوة للأب للإجماع على أن الإخوة الشقائق يحجبونهم ولأن هذا الفعل أيضا مخالف للأصول أعني أن يحتسب بمن لا يرث.
واختلف الصحابة رضي الله عنهم من هذا الباب في الفريضة التي تدعى الخرقاء وهي أم وأخت وجد على خمسة أقوال.
فذهب أبو بكر رضي الله عنه وابن عباس إلى أن للأم الثلث والباقي للجد وحجبوا به الأخت وهذا على رأيهم في إقامة الجد مقام الأب.
وذهب علي رضي الله عنه إلى أن للأم الثلث وللأخت النصف وما بقي للجد.
وذهب عثمان إلى أن للأم الثلث وللأخت الثلث وللجد الثلث.
وذهب ابن مسعود إلى أن للأخت النصف وللجد الثلث وللأم السدس وكان يقول معاذ الله أن أفضل أما على جد.
وذهب زيد إلى أن للأم الثلث وما بقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
ميراث الجدات وأجمعوا على أن للجدة أم الأم السدس مع عدم الأم وأن للجدة أيضا أم الأب عند فقد الأب السدس فإن اجتمعا كان السدس بينهما.
واختلفوا فيما سوى ذلك فذهب زيد وأهل المدينة إلى أن الجدة أم الأم يفرض لها السدس فريضة فإذا اجتمعت الجدتان كان السدس بينهما إذا كان قعددهما سواء أو كانت أم الأب أقعد فإن كانت أم الأم أقعد أي أقرب إلى الميت كان لها السدس ولم يكن للجدة أم الأب شيء وقد روي عنه

أيهما أقعد كان لها السدس وبه قال علي رضي الله عنه ومن فقهاء الأمصار أبو حنيفة والثوري وأبو ثور وهؤلاء ليس يورثون إلا هاتين الجدتين المجتمع على توريثهما وكان الأوزاعي وأحمد يورثان ثلاث جدات واحدة من قبل الأم واثنتان من قبل الأب أم الأب وأم أبي الأب أعني الجد وكان ابن مسعود يورث أربع جدات أم الأم وأم الأب وأم أبي الأب أعني الجد وأم أبي الأم أعني الجد وبه قال الحسن وابن سيرين.
وكان ابن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن تحجبها بنتها أو بنت بنتها.
وقد روي أنه كان يسقط القصوى بالدنيا إذا كانتا من جهة واحدة.
وروي عن ابن عباس أن الجدة كالأم إذا لم تكن أم وهو شاذ عند الجمهور ولكن له حظ من القياس.
فعمدة زيد وأهل المدينة والشافعي ومن قال بمذهب زيد ما رواه مالك أنه قال "جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال أبو بكر مالك في كتاب الله عز وجل شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فقال له المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقال محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه أبو بكر لها ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها ما لك في كتاب الله عز وجل شيء وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض ولكنه ذلكالسدس فإن اجتمعتما فيه فهو لكما وأيتكما انفردت به فهو لها.
وروى مالك أيضا أنه أتت الجدتان إلى أبي بكر فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل أبو بكر السدس بينهما قالوا فواجب أن لا يتعدى في هذا هذه السنة وإجماع الصحابة.
وأما عمدة من ورث الثلاث جدات فحديث ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم "أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات اثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم" وأما ابن مسعود فعمدته القياس في تشبيهها بالجدة للأب لكن الحديث يعارضه.
واختلفوا هل يحجب الجدة للأب ابنها وهو الأب فذهب زيد إلى أنه

يحجب وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وقال آخرون ترث الجدة مع ابنها وهو مروي عن عمر وابن مسعود وجماعة من الصحابة وبه قال شريح وعطاء وابن سيرين وأحمد وهو قول الفقهاء المصريين.
وعمدة من حجب الجدة بابنها أن الجد لما كان محجوبا بالأب وجب أن تكون الجدة أولى بذلك وأيضا فلما كانت أم الأم لا ترث بإجماع مع الأم شيئا كان كذلك أم الأب مع الأب.
وعمدة الفريق الثاني ما روى الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال أول جدة أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا جدة مع ابنها وابنها حي قالوا ومن طريق النظر لما كانت الأم وأم الأم لا يحجبن بالذكور كان كذلك حكم جميع الجدات وينبغي أن يعلم أن مالكا لا يخالف زيدا إلا في فريضة واحدة وهي امرأة هلكت وتركت زوجا وأما وإخوة لأم وإخوة لأب وأم وجدا فقال مالك للزوج النصف وللأم السدس وللجد ما بقي وهو الثلث وليس للإخوة الشقائق شيء وقال زيد للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وما بقي للإخوة الشقائق فخالف مالك في هذه المسألة أصله من أن الجد لا يحجب الإخوة الشقائق ولا الأخوات للأب.
وحجته أنه لما حجب الإخوة للأم عن الثلث الذي كانوا يستحقونه دون الشقائق كان هو أولى به.
وأما زيد فعلى أصله في أنه لا يحجبهم.
باب في الحجب
وأجمع العلماء على أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب وأن الأخ للأب يحجب بني الأخ الشقيق وأن بني الأخ الشقيق يحجبون أبناء الأخ للأب وبنو الأخ للأب أولى من بني ابن الأخ للأب والأم وبنو الأخ للأب أولى من العم أخي الأب وابن العم أخي الأب الشقيق أولى من ابن العم أخي الأب للأب وكل واحد من هؤلاء يحجبون بنيهم ومن حجب منهم صنفا فهو يحجب من يحجبه ذلك الصنف.
وبالجملة أما الإخوة فالأقرب منهم يحجب الأبعد فإذا استووا حجب منهم من أدلى بسببين أم وأب من أدلى بسبب واحد وهو الأب فقط وكذلك الأعمام الأقرب منهم يحجب الأبعد فإن

استووا حجب منهم من يدلي منهم إلى الميت بسببين من يدلي بسبب واحد أعني أنه يحجب العم أخو الأب لأب وابن العم الذي هو أخو الأب لأب فقط.
وأجمعوا على أن الإخوة الشقائق والإخوة للأب يحجبون الأعمام لأن الإخوة بنو أب
المتوفى والأعمام بنو جده والأبناء يحجبون بنيهم والآباء أجدادهم والبنون وبنوهم يحجبون الإخوة والجد يحجب من فوقه من الأجداد بإجماع والأب يحجب الإخوة ويحجب من تحجبه الإخوة والجد يحجب الأعمام بإجماع والإخوة للأم ويحجب بنو الإخوة الشقائق بني الإخوة للأب.
والبنات وبنات البنين يحجبن الإخوة للأم.
واختلف العلماء فيمن ترك ابني عم أحدهما أخ للأم فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري للأخ للأم السدس من جهة ما هو أخ لأم وهو في باقي المال مع ابن العم الآخر عصبة يقتسمونه بينهم على السواء وهو قول علي رضي الله عنه وزيد وابن عباس وقال قوم المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم يأخذ سدسه بالأخوة وبقيته بالتعصيب لأنه قد أدلى بسببين.
وممن قال بهذا القول من الصحابة ابن مسعود ومن الفقهاء داود وأبو ثور والطبري وهو قول الحسن وعطاء.
واختلف العلماء في رد ما بقي من مال الورثة على ذوي الفرائض إذا بقيت من المال فضلة لم تستوفها الفرائض ولم يكن هناك من يعصب فكان زيد لا يقول بالرد ويجعل الفاضل في بيت المال وبه قال مالك والشافعي وقال جل الصحابة بالرد على ذوي الفروض ما عدا الزوج والزوجة وإن كانوا اختلفوا في كيفية ذلك وبه قال فقهاء العراق من الكوفيين والبصريين.
وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن الرد يكون لهم بقدر سهامهم فمن كان له نصف أخذ النصف مما بقي وهكذا في جزء جزء.
وعمدتهم أن قرابة الدين والنسب أولى من قرابة الدين فقط أي أن هؤلاء اجتمع لهم سببان وللمسلمين سبب واحد.
وهنا مسائل مشهورة الخلاف بين أهل العلم فيها تعلق بأسباب المواريث يجب أن نذكرها هنا فمنها أنه أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم لقوله تعالى :{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا}ً ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" واختلفوا في ميراث المسلم الكافر وفي ميراث المسلم المرتد فذهب جمهور

العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا يرث المسلم الكافر بهذا الأثر الثابت وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة و سعيد بن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة إلى أن المسلم يرث الكافر وشبهوا ذلك بنسائهم فقالوا كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لنا أن ننكحهم نساءنا كذلك الإرث ورووا في ذلك حديثا مسندا قال أبو عمر وليس بالقوي عند الجمهور وشبهوه أيضا بالقصاص في الدماء التي لا تتكافأ.
وأما مال المرتد إذا قتل أو مات فقال جمهور فقهاء الحجاز هو لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته وبه قال مالك والشافعي وهو قول زيد من الصحابة.
وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين يرثه ورثته من المسلمين وهو قول ابن مسعود من الصحابة وعلي رضي الله عنهما.
وعمدة الفريق الأول عموم الحديث وعمدة الحنفية تخصيص العموم بالقياس وقياسهم في ذلك هو أن قرابته أولى من المسلمين لأنهم يدلون بسببين بالإسلام والقرابة والمسلمون بسبب واحد وهو
الإسلام وربما أكدوا بما يبقى لماله حكم الإسلام بدليل أنه لا يؤخذ في الحال حتى يموت فكانت حياته معتبرة في بقاء ماله على ملكه وذلك لا يكون إلا بأن يكون لماله حرمة إسلامية ولذلك لم يجز أن يقر على الارتداد بخلاف الكافر وقال الشافعي وغيره يؤخذ بقضاء الصلاة إذا تاب من الردة في أيام الردة والطائفة الأخرى تقول يوقف ماله لأن له حرمة إسلامية وإنما وقف رجاء أن يعود إلى الإسلام وأن استيجاب المسلمين لماله ليس على طريق الإرث.
وشذت طائفة فقالت ماله للمسلمين عندما يرتد وأظن أن أشهب ممن يقول بذلك.
وأجمعوا على توريث أهل الملة الواحدة بعضهم بعضا.
واختلفوا في توريث الملل المختلفة فذهب مالك وجماعة إلى أن أهل الملل المختلفة لا يتوارثون كاليهود والنصارى وبه قال أحمد وجماعة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور والثوري وداود وغيرهم الكفار كلهم يتوارثون وكان شريح وابن أبي ليلى وجماعة يجعلون الملل التي لا تتوارث ثلاثا النصارى واليهود والصابئين ملة والمجوس ومن لا كتاب له ملة والإسلام ملة.
وقد روي عن ابن أبي ليلى مثل قول مالك.
وعمدة مالك ومن قال بقوله ما روى الثقات عن عمرو بن شعيب

عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يتوارث أهل ملتين" وعمدة الشافعية والحنفية قوله عليه الصلاة والسلام "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وذلك أن المفهوم من هذا بدليل الخطاب أن المسلم يرث المسلم والكافر يرث الكافر.
والقول بدليل الخطاب فيه ضعف وخاصة هنا.
واختلفوا في توريث الحملاء والحملاء هم الذين يتحملون بأولادهم من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وهم يدعون الولادة الموجبة للنسب وذلك على ثلاثة أقوال قول إنهم يتوارثون بما يدعون من النسب وهو قول جماعة من التابعين وإليه ذهب إسحاق.
وقول إنهم لا يتوارثون إلا ببينة تشهد على أنسابهم وبه قال شريح والحسن وجماعة.
وقول إنهم لا يتوارثون أصلا وروي عن عمر الثلاثة الأقوال إلا أن الأشهر عنه أنه كان لا يورث إلا من ولد في بلاد العرب وهو قول عثمان وعمر بن عبد العزيز.
وأما مالك وأصحابه فاختلف في ذلك قولهم فمنهم من رأى أن لا يورثون إلا ببينة وهو قول ابن القاسم ومنهم من رأى أن لا يورثون أصلا ولا بالبينة العادلة وممن قال بهذا القول من أصحاب مالك عبد الملك ابن الماجشون وروى ابن القاسم عن مالك في أهل حصن نزلوا على حكم الإسلام فشهد بعضهم لبعض أنهم يتوارثون وهذا يتخرج منه أنهم يتوارثون بلا بينة.
لأن مالكا لا يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض قال فأما إن سبوا فلا يقبل قولهم في ذلك.
وبنحو هذا التفصيل قال الكوفيون والشافعي وأحمد وأبو ثور وذلك أنهم قالوا إن خرجوا إلى بلاد الإسلام وليس لأحد عليهم يد قبلت دعواهم في أنسابهم وأما إن أدركهم السبي والرق فلا يقبل قولهم إلا ببينة.
ففي المسألة أربعة أقوال اثنان طرفان واثنان مفرقان.
وجمهور
العلماء من فقهاء الأمصار ومن الصحابة علي وزيد وعمر أن من لا يرث لا يحجب مثل الكافر والمملوك والقاتل عمدا وكان ابن مسعود يحجب بهؤلاء الثلاثة دون أن يورثهم أعني بأهل الكتاب وبالعبيد وبالقاتلين عمدا وبه قال داود وأبو ثور.
وعمدة الجمهور أن الحجب في معنى الإرث وأنهما متلازمان.
وحجة الطائفة الثانية أن الحجب لا يرتفع إلا بالموت.
واختلف العلماء في الذين يفقدون في حرب أو غرق أو هدم ولا يدرى من

مات منهم قبل صاحبه كيف يتوارثون إذا كانوا أهل ميراث فذهب مالك وأهل المدينة إلى أنهم لا يورث بعضهم من بعض وأن ميراثهم جميعا لمن بقي من قرابتهم الوارثين أو لبيت المال إن لم تكن لهم قرابة ترث وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فيما حكى عنه الطحاوي.
وذهب علي وعمر رضي الله عنهما وأهل الكوفة وأبو حنيفة فيما ذكر غير الطحاوي عنه وجمهور البصريين إلى أنهم يتوارثون وصفة توريثهم عندهم أنهم يورثون كل واحد من صاحبه في أصل ماله دون ما ورث بعضهم من بعض أعني أنه لا يضم إلى مال المورث ما ورث من غيره فيتوارثون الكل على أنه مال واحد كالحال في الذين يعلم تقدم موت بعضهم على بعض مثال ذلك زوج وزوجته توفيا في حرب أو غرق أو هدم ولكل واحد منهما ألف درهم فيورث الزوج من المرأة خمسمائة درهم وتورث المرأة من الألف التي كانت بيد الزوج دون الخمسمائة التي ورث منها ربعها وذلك مائتان وخمسون.
ومن مسائل هذا الباب اختلاف العلماء في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا فذهب أهل المدينة و زيد بن ثابت إلى أن ولد الملاعنة يورث كما يورث غير ولد الملاعنة وأنه ليس لأمه إلا الثلث والباقي لبيت المال إلا أن يكون له إخوة لأم فيكون لهم الثلث أو تكون أمه مولاة فيكون باقي المال لمواليها وإلا فالباقى لبيت مال المسلمين وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة على مذهبه يجعل ذوي الأرحام أولى من جماعة المسلمين.
وأيضا على قياس من يقول بالرد يرد على الأم بقية المال وذهب علي وعمر وابن مسعود إلى أن عصبته عصبة أمه أعني الذين يرثونها.
وروي عن علي وابن مسعود أنهم كانوا لا يجعلون عصبته عصبة أمه إلا مع فقد الأم وكانوا ينزلون الأم بمنزلة الأب وبه قال الحسن وابن سيرين والثوري وابن حنبل وجماعة.
وعمدة الفريق الأول عموم قوله تعالى :{ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} فقالوا هذه أم وكل أم لها الثلث فهذه لها الثلث.
وعمدة الفريق الثاني ما روي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألحق ولد الملاعنة بأمه وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثته" وحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال :" المرأة تحوز ثلاثة أموال عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه" وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك خرج جميع ذلك أبو داود وغيره.
قال القاضي هذه الآثار المصير إليها واجب.
لأنها قد خصصت عموم الكتاب.
والجمهور على أن السنة يخصص بها الكتاب ولعل الفريق الأول لم تبلغهم هذه الأحاديث أو لم تصح عندهم وهذا القول مروي عن ابن عباس وعثمان وهو مشهور في الصدر الأول واشتهاره في الصحابة دليل على صحة هذه الآثار فإن هذا ليس يستنبط بالقياس.
والله أعلم.
ومن مسائل ثبوت النسب الموجب للميراث اختلافهم فيمن ترك ابنين وأقر أحدهم بأخ ثالث وأنكر الثاني فقال مالك وأبو حنيفة يجب عليه أن يعطيه حقه من الميراث يعنون المقر ولا يثبت بقوله نسبه وقال الشافعي لا يثبت النسب ولا يجب على المقر أن يعطيه من الميراث شيئا.
واختلف مالك وأبو حنيفة في القدر الذي يجب على الأخ المقر فقال مالك يجب عليه ما كان يجب عليه لو أقر الأخ الثاني وثبت النسب.
وقال أبو حنيفة يجب عليه أن يعطيه نصف ما بيده وكذلك الحكم عند مالك وأبي حنيفة فيمن ترك ابنا واحدا فأقر بأخ له آخر أعني أنه لا يثبت النسب ويجب الميراث وأما الشافعي فعنه في هذه المسألة قولان أحدهما أنه لا يثبت النسب ولا يجب الميراث.
والثاني يثبت النسب ويجب الميراث وهو الذي عليه تناظر الشافعية في المسائل الطبلولية ويجعلها مسألة عامة وهو أن كل من يحوز المال يثبت النسب بإقراره وإن كان واحدا أخا أو غير ذلك.
وعمدة الشافعية في المسألة الأولى وفي أحد قوليه في هذه المسألة أعني القول الغير المشهور أن النسب لا يثبت إلا بشاهدي عدل وحيث لا يثبت فلا ميراث لأن النسب أصل والميراث فرع وإذا لم يوجد الأصل لم يوجد الفرع.
وعمدة مالك وأبي حنيفة أن ثبوت النسب هو حق متعد إلى الأخ المنكر فلا يثبت عليه إلا بشاهدين عدلين وأما حظه من الميراث الذي بيد المقر فإقراره فيه عامل لأنه حق أقر به على نفسه.
والحق أن القضاء عليه لا يصح من الحاكم إلا بعد ثبوت النسب وأنه لا يجوز له بين الله تعالى وبين نفسه أن يمنع من يعرف أنه شريكه في الميراث حظه منه.وأما

عمدة الشافعية في إثباتهم النسب بإقرار الواحد الذي يجوز له الميراث فالسماع والقياس.
أما السماع فحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة المتفق على صحته قالت " كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن أخي قد كان عهد إلي فيه فقام إليه عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه فقام إليه عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص قالت فما رآها حتى لقي الله عز وجل فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة بأخيه وأثبت نسبه بإقراره إذ لم يكن هنالك وارث منازع له".
وأما أكثر الفقهاء فقد أشكل عليهم معنى هذا الحديث لخروجه عندهم عن الأصل المجمع عليه في إثبات النسب ولهم في ذلك تأويلات وذلك أن ظاهر هذا الحديث أنه أثبت نسبه بإقرار أخيه به والأصل أن لا يثبت نسب إلا بشاهدي عدل ولذلك تأول الناس في ذلك تأويلات فقالت طائفة إنه إنما أثبت نسبه عليه الصلاة والسلام بقول أخيه لأنه يمكن أن يكون قد علم أن تلك الأمة كان يطؤها زمعة بن قيس وأنها كانت فراشا له قالوا ومما يؤكد ذلك أنه كان صهره وسودة بنت زمعة كانت زوجته عليه الصلاة والسلام فيمكن أن لا يخفى عليه أمرها وهذا على القول بأن للقاضي أن يقضي بعلمه ولا يليق هذا التأويل بمذهب مالك لأنه لا يقضي القاضي عنده بعلمه ويليق بمذهب الشافعي على قوله الآخر أعني الذي لا يثبت فيه النسب.
والذين قالوا بهذا التأويل قالوا إنما أمر سودة بالحجبة احتياطا لشبهة الشبه لا أن ذلك كان واجبا وقال لمكان هذا بعض الشافعية إن للزوج أن يحجب الأخت عن أخيها وقالت طائفة أمره بالاحتجاب لسودة دليل على أنه لم يلحق نسبه بقول عتبة ولا بعلمه بالفراش.
وافترق هؤلاء في تأويل قوله

عليه الصلاة والسلام "هو لك" فقال طائفة إنما أراد هو عبدك إذ كان ابن أمة أبيك ظاهر لتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه في ذلك بقوله "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وقال الطحاوي إنما أراد بقوله عليه الصلاة والسلام "هو لك ياعبد بن زمعة" أي يدك عليه بمنزلة ما هو يد اللاقط على اللقطة وهذه التأويلات تضعف لتعليله عليه الصلاة والسلام حكمه بأن قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
وأما المعنى الذي يعتمده الشافعية في هذا المذهب فهو أن إقرار من يحوز الميراث هو إقرار خلافه أي إقرار من حاز خلافة الميت وعند الغير أنه إقرار شهادة لا إقرار خلافة يريد أن الإقرار الذي كان للميت انتقل إلى هذا الذي حاز ميراثه.
واتفق الجمهور على أن أولاد الزنا لا يلحقون بآبائهم إلا في الجاهلية على ما روي عن عمر بن الخطاب على اختلاف في ذلك بين الصحابة وشذ قوم فقالوا يلتحق ولد الزنا في الإسلام أعني الذي كان عن زنا في الإسلام.
واتفقوا على أن الولد لا يلحق بالفراش في أقل من ستة أشهر إما من وقت العقد وإما من وقت الدخول وأنه يلحق من وقت الدخول إلى قصر زمان الحمل أو إن كان قد فارقها واعتزلها.
واختلفوا في أطول زمان الحمل الذي يلحق به الوالد الولد فقال مالك خمس سنين وقال بعض أصحابه سبع وقال الشافعي أربع سنين وقال الكوفيون سنتان.
وقال محمد بن الحكم سنة وقال داود ستة أشهر.
وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة.
ويقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد والحكم إنما يجب أن يكون بالمعتاد لا بالنادر ولعله أن يكون مستحيلا.
وذهب مالك والشافعي إلى أن من تزوج
امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها بعد الوقت وأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد لا من وقت الدخول أنه لا يلحق به إلا إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من ذلك من وقت الدخول.
وقال أبو حنيفة هي فراش له ويلحقه الولد.
وعمدة مالك أنها ليست بفراش إلا بإمكان الوطء وهو مع الدخول.
وعمدة أبي حنيفة عموم قوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش وكأنه يرى أن هذا تعبد بمنزلة تغليب الوطء الحلال على الوطء الحرام في إلحاق الولد بالوطء الحلال.
واختلفوا من هذا الباب في إثبات النسب بالقافة وذلك

عندما يطأ رجلان في طهر واحد بملك يمين أو بنكاح ويتصور أيضا الحكم بالقافة في اللقيط الذي يدعيه رجلان أو ثلاثة.
والقافة عند العرب هم قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه أشخاص الناس فقال بالقافة من فقهاء الأمصار مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والأوزاعي وأبى الحكم بالقافة وأكثر أهل العراق والحكم عند هؤلاء أنه إذا ادعى رجلان ولدا كان الولد بينهما وذلك إذا لم يكن لأحدهما فراش مثل أن يكون لقيطا أو كانت المرأة الواحدة لكل واحد منهما فراشا مثل الأمة أو الحرة يطؤها رجلان في طهر واحد وعند الجمهور من القائلين بهذا القول إنه يجوز أن يكون عندهم للابن الواحد أبوان فقط وقال محمد صاحب أبي حنيفة يجوز أن يكون ابنا لثلاثة إن ادعوه وهذا كله تخليط وإبطال للمعقول والمنقول.
وعمدة استدلال من قال بالقافة ما رواه مالك عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم أي بمن ادعاهم في الإسلام فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة فدعا قائفا فنظر إليه فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه عمر بالدرة ثم دعا المرأة فقال أخبريني بخبرك فقالت كان هذا لأحد الرجلين يأتي في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن ونظن أنه قد استمر بها حمل ثم انصرف عنها فأهريقت عليه دما ثم خلف هذا عليها تعني الآخر.
فلا أدري أيهما هو فكبر القائف فقال عمر للغلام وال أيهما شئت.
قالوا فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة من غير إنكار من واحد منهم هو كالإجماع.
وهذا الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالاشتراك أن يؤخر الصبي حتى يبلغ ويقال له وال أيهما شئت ولا يلحق واحد باثنين وبه قال الشافعي وقال أبو ثور يكون ابنا لهما إذا زعم القائف أنهما اشتركا فيه وعند مالك أنه ليس يكون ابنا للاثنين لقوله تعالى:ر { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} واحتج القائلون بالقافة أيضا بحديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تسمعي ما قال محرز المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض" قالوا وهذا مروي عن

ابن عباس وعن أنس بن مالك ولا مخالف لهم من الصحابة.
وأما الكوفيون فقالوا الأصل أن لا يحكم لأحد المتنازعين في الولد إلا أن يكون هنالك فراش.
لقوله عليه الصلاة والسلام "الولد للفراش" فإذا عدم الفراش أو اشتركا للفراش كان ذلك بينهما وكأنهم رأوا ذلك بنوة شرعية لا طبيعية فإنه ليس يلزم من قال إنه لا يمكن أن يكون ابن واحد عن أبوين بالعقل أن لا يجوز وقوع ذلك في الشرع وروي مثل قولهم عن عمر ورواه عبد الرازق عن علي وقال الشافعي لا يقبل في القافة إلا رجلان.
وعن مالك في ذلك روايتان إحداهما مثل قول الشافعي والثانية أنه يقبل قول قائف واحد.
والقافة في المشهور عن مالك إنما يقضى بها في ملك اليمين فقط لا في النكاح وروى ابن وهب عنه مثل قول الشافعي وقال أبو عمر بن عبد البر في هذا حديث حسن مسند أخذ به جماعة من أهل الحديث وأهل الظاهر رواه الثوري عن صالح بن حي عن الشعبي عن زيد بن أرقم قال "كان علي باليمن فأتي بامرأة وطئها ثلاثة أناس في طهر واحد فسأل كل واحد منهم أن يقر لصاحبه بالولد فأبى فأقرع بينهم وقضى بالولد للذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه وضحك حتى بدت نواجذه" وفي هذا القول إنفاذ الحكم بالقافة وإلحاق الولد بالقرعة.
واختلفوا في ميراث القاتل على أربعة أقوال فقال قوم لا يرث القاتل أصلا من قتله.
وقال آخرون يرث القاتل وهم الأقل.
وفرق قوم بين الخطأ والعمد فقالوا لا يرث في العمد شيئا ويرث في الخطأ إلا من الدية وهو قول مالك وأصحابه.
وفرق قوم بين أن يكون في العمد قتل بأمر واجب أو بغير واجب مثل أن يكون من له إقامة الحدود وبالجملة بين أن يكون ممن يتهم أو لا يتهم.
وسبب الخلاف:
معارضة أصل الشرع في هذا المعنى للنظر المصلحي وذلك أن النظر المصلحي يقتضي أن لا يرث لئلا يتذرع الناس من المواريث إلى القتل واتباع الظاهر والتعبد يوجب أن لا يلتفت إلى ذلك فإنه لو كان ذلك مما قصد لالتفت إليه الشارع {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} كما تقول الظاهرية.
واختلفوا في الوارث الذي ليس بمسلم يسلم بعد موت مورثه المسلم وقبل قسم الميراث كذلك إن كان مورثه على غير دين الإسلام فقال الجمهور

إنما يعتبر في ذلك وقت الموت فإن كان اليوم الذي مات فيه المسلم وارثه ليس بمسلم لم يرثه أصلا سواء قبل قسم الميراث أو بعده وكذلك إن كان مورثه على غير دين الإسلام وكان الوارث يوم مات غير مسلم ورثه ضرورة سواء أكان إسلامه قبل القسم أو بعده.
وقالت طائفة منهم الحسن وقتادة وجماعة المعتبر في ذلك يوم القسم وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.
وعمدة كلا الفريقين قوله صلى الله عليه وسلم "أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية و أيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على ما قسم الإسلام" فمن اعتبر وقت القسمة حكم للمقسوم في ذلك الوقت بحكم الإسلام ومن اعتبر وجوب القسمة حكم في وقت الموت للمقسوم بحكم الإسلام.
وروي من حديث عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه وكذلك الحكم عندهم فيمن أعتق من الورثة بعد الموت وقبل القسمة.
فهذه هي المسائل المشهورة التي تتعلق بهذا الكتاب.
قال القاضي ولما كان الميراث إنما يكون بأحد إما بنسب أو صهر أو ولاء وكان قد قيل في الذي يكون بالنسب والصهر فيجب أن نذكر ههنا الولاء.
ولمن يجب فيه ممن لا يجب وما أحكامه.
باب في الولاء
فأما من يجب له الولاء ففيه مسائل مشهورة تجري مجرى الأصول لهذا الباب.
(المسألة الأولى) أجمع العلماء على أن من أعتق عبده عن نفسه فإن ولاءه له وأنه يرثه إذا لم يكن له وارث وأنه عصبة له إذا كان هنالك ورثة لا يحيطون بالمال.
فأما كون الولاء للمعتق عن نفسه فلما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة "إنما الولاء لمن أعتق" واختلفوا إذا أعتق عبدا عن غيره فقال مالك الولاء للمعتق عنه لا الذي باشر العتق

وقال أبو حنيفة والشافعي إن أعتقه عن علم المعتق عنه فالولاء للمعتق عنه وإن أعتقه عن غير علمه فالولاء للمباشر للعتق.
وعمدة الحنفية والشافعية ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام "الولاء لمن أعتق" وقوله عليه الصلاة والسلام "الولاء لحمة كلحمة النسب" قالوا فلما لم يجز أن يلتحق نسب بالحر بغير إذنه فكذلك الولاء ومن طريق المعنى فلأن عتقه حرية وقعت في ملك المعتق فوجب أن يكون الولاء له أصله إذا أعتقه من نفسه.
وعمدة مالك أنه إذا أعتقه عنه فقد ملكه إياه فأشبه الوكيل ولذلك اتفقوا على أنه إذا أذن له المعتق عنه كان ولاؤه له لا للمباشر وعند مالك أنه من قال لعبده أنت حر لوجه الله وللمسلمين أن الولاء يكون للمسلمين وعندهم يكون للمعتق.
(المسألة الثانية) اختلف العلماء فيمن أسلم على يديه رجل هل يكون ولاؤه له فقال مالك والشافعي والثوري وداود وجماعة لا ولاء له وقال أبو حنيفة وأصحابه له ولاؤه إذا والاه وذلك أن مذهبهم أن للرجل أن يوالي رجلا آخر فيرثه ويعقل عنه وأن له أن ينصرف من ولاؤه إلى ولاء غيره ما لم يعقل عنه وقال غيره بنفس الإسلام على يديه يكون له ولاؤه.
فعمدة الطائفة الأولى قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الولاء لمن أعتق" وإنما هذه هي التي يسمونها الحاصرة وكذلك الألف واللام هي عندهم للحصر ومعنى الحصر هو أن يكون الحكم خاصا بالمحكوم عليه لا يشاركه فيه غيره أعني أن لا يكون ولاء بحسب مفهوم هذا القول إلا للمعتق فقط المباشر.
وعمدة الحنفية في إثبات الولاء بالموالاة قوله تعالى :{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} وقوله تعالى :{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} وحجة من قال الولاء يكون بنفس الإسلام فقط حديث تميم الداري قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشرك يسلم على يد مسلم فقال هو أحق الناس وأولاهم بحياته ومماته" وقضى به عمر بن عبد العزيز.
وعمدة الفريق الأول أن قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} منسوخة.
بآية المواريث وأن ذلك كان في صدر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7