كتاب : الكافي في فقه أهل المدينة المالكي
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي

كنت تباركت قبلت ورضيت فازدد عنى رضى وإلا فمن الآن قبل انثنائي عن بيتك غير متبدل بك ولا راغب عنك اللهم قني شر نفسي وكل ما ينقص أجري أو يحبط عملي واجمع لي خيري الدنيا والآخرة وأطولي البعد وسهل لي الحزن واقدمني سالما إلى أهلي سالمين يا أرحم الراحمين ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف

باب المواقيت في الحج وحكمها
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة فهي ميقات أهلها وميقات كل من مر بها مريدا للحج قاصدا إلى البيت.
ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة إذا سلكوا طريق الساحل وإلا فذو الحليفة إن مروا بها.
ولأهل اليمن يلملم. ولأهل نجد قرنا ووقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذلك فميقات أهل العراق وبلاد فارس وما وراءها من بلاد خراسان كلها ذات عرق وان أحرموا من العقيق فحسن ومن أهل من الجحفة فالوادى كله مهل له ويستحب أن يحرم من أوله

والمواقيت لأهلها وكل من مر بها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة ومن كان منزله دون الميقات إلى مكة أهل من منزله ولا يحب مالك لأحد أن يحرم قبل ميقاته فإن فعل لزمه وكره ذلك له وغيره من أهل العلم بالمدينة وغيرها لا يكرهه والمكي يحرم بحجه من مكة ويحرم لعمرته من أى الحل شاء ومن سلك على عير طريق المواقيت برا أو بحرا أحرم من حذوها ومن كان من غير أهل الشام أو مصر أو المغرب فمر بذي الحليفة مريدا لحج أو عمرة فإن تعداه إلى الجحفة أو غيرها فعليه دم وليس ذلك على من كانت الجحفة ميقاته والاختيار لأهل الشام والمغرب إذا مروا بذي الحليفة مريدين لحج أو عمرة أن يحرموا منها فإن أخروا إحرامهم إلى الجحفة فلا شيء عليهم وليس لمن أراد حجا أو عمرة أو غيره أن يجاوز الميقات إلا محرما ومن جاوز الميقات لحاجة له دون مكة ولا يريد دخول مكة ولا يذكر حجا ولا عمرة ثم بدا له وعزم على الإحرام بحج أو عمرة أحرم من مكانه ولا رجوع عليه قريبا كان أو بعيدا ولا شيء عليه ولو جاوز الميقات يريد دخول مكة حلالا ثم أحرم فعليه دم وقيل لا دم عليه وكلاهما قول مالك ومن جاوز الميقات مريدا للحج أو العمرة رجع إلى ميقاته فأحرم منه فإن أحرم بعده فعليه دم وسواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله ولا يرجع من وصفنا حاله إلى ميقاته بعد إحرامه مراهقا كان أو غيره لأنه قد لزمه الدم ولا وجه لرجوعه وإنما يرجع عند مالك مريدا للحج أو العمرة إلى ميقاته ما لم يحرم فإن أحرم لم

يرجع وعليه دم وكذلك عنده من شارف مكة غير محرم لم يرجع أيضا وأحرم من مكانه وأتى بالدم ومن لم يشارف مكة ولكنه خاف فوات الحج إن رجع إلى الميقات أحرم من موضعه ذلك وكان عليه دم لمجاوزته الميقات مريدا للحج أو العمرة حلالا والدم في هذا الباب كله لا ينوب عنه طعام وإنما فيه الهدي أو الصيام كالمتمتع سواء عند مالك ومن أردف الحج على العمرة بعد أن جاوز الميقات غير مريد لحج ولا عمرة فلا شيء عليه غير دم القران ومن كان منزله خلف الميقات دون مكة فأخر الإحرام عن منزله فهو بمنزلة من أخر الإحرام عن ميقاته في سائر ما ذكرنا من أحكامه ولا يجوز لغير مكي أن يدخل مكة حلالا وأقل ما عليه في دخولها عمرة إلا أن يكون من أهل القرى المجاورة لها المترددين بالحطب والفواكه إليها كأهل جدة وعسفان وقديد ومر الظهران فلا بأس بدخول هؤلاء بغير إحرام وكذلك من خرج من مكة ورجع إليها من قريب لحاجة والغسل عند الميقات للاحرام سنة مسنونة ويغتسل كل محرم لذلك حتى الحائض والنفساء

باب الإفراد والتمتع والقران
الإحرام بالحج على ثلاثة أوجه كلها مباح جائز وهي إفراد الحج والتمتع بالعمرة إلى الحج
والقران وهو جمع

العمرة والحج معا وإحرام رابع وهو إفراد العمرة في غير أشهر الحج لمن يريد في عامه حجا
فأما إفراد الحج فهو أن يهل الإنسان بالحج خالصا من موضعه أو من ميقات بلده ثم يمضي في عمل حجه حتى يتمه على حسب ما ذكرنا في باب العمل في الحج وهو الأفضل عند مالك وهو أفضل عنده من القران ومن التمتع.
والتمتع هو: أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج أو يتحلل من عمرته في أشهر الحج وإن كان قد أحرم بها في غيرها ثم بحج من عامه ذلك الرجوع إلى بلده فإذا فعل ذلك كان متمتعا ووجب عليه ما استيسر من الهدي هذا إن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وهم عند مالك أهل مكة وأهل ذي طوى لأنها من مكة ومن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع فلا هدي عليه ولا صيام وكذلك كل من كان من سائر الآفاق وكانت عمرته في غير أشهر الحج لا شيء عليه أيضا وكل من رجع إلى بلده بعد عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامه فلا شيء عليه لأنه جاء بالعمرة في سفر وبالحج في سفر ثان والهدي إنما وجب والله أعلم على غير المكي إذا اعتمر وحج من عامه ولم ينصرف إلى بلده لإسقاطه أحد السفرين إلى البيت من بلده فإن رجع إلى غير بلده ثم حج من عامه كان متمتعا وعليه ما استيسر من الهدي إلا أن يكون الأفق الذي انصرف إليه في البعد مثل أفقه أو نحوه فإن كان كذلك فلا شيء عليه ويستحب للمتمتع هدي بدنة أو بقرة وتجزئ شاة فإن لم يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج بعد إحرامه به آخرها يوم عرفة ولا يجزئه أن يصوم بعد

إحرامه بالعمرة وهو يريد التمتع حتى يحرم بالحج وإنما يصوم ما بين إحرامه بالحج إلى يوم عرفة فإن يفعل صام أيام التشريق عند مالك وجماعة من أهل المدينة ومنهم من لا يجيز له صيام أيام التشريق لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام منى والاختيار له عند مالك تقديم الصيام في أول الإحرام بالحج فإن لم يصم أيام التشريق صام بعد ذلك ثلاثة وسبعة موصولة إن شاء أو غير موصولة ومعنى قوله عز وجل: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} يعنى من منى عند مالك أقام بمكة أولا ويصوم الثلاثة أيام في الحج المتمتع والقارن والمفسد لحجه والذي يفوته فيقضيه والناسي لحلق رأسه من العمرة كل هؤلاء يصوم إذا لم يجد الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وكذلك من تعدى الميقات عند مالك.
وأما من وطئ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة أو ترك المبيت في المزدلفة أو ترك رمي جمرة أو عجز عن بعض المشي إلى مكة فكل هؤلاء إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة وسبعة بعدها حيث شاء في الحج وغير الحج بمكة وغيرها ولا إطعام في شيء من هذه الدماء وإنما هو هدي أو صيام وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند أصحابه.
ومن خرج من بلده يريد المقام بمكة فدخلها في أشهر الحج بعمرة ثم أقام بها حتى حج فعليه دم المتعة في ذلك العام ثم لا دم عليه بعد ما دام ساكنا بمكة ومن خرج عن مكة من أهلها فسكن غيرها ثم قدمها معتمرا وحج من عامه فعليه دم المتعة ومن كان له بمكة أهل وبغيرها مالك وقال: هو من مشكلات الأمور واستحب له أن يأتي بدم المتعة إن تمتع

بالعمرة إلى الحج وإذا مات المتمتع قبل أن يرمي جمرة العقبة فليس عليه دم المتعة عند مالك.
وقال أشهب: ذلك عليه واجب وهو القياس عندي على أصلهم في سياقه هديه معه وتقديمه صيامه في أول إحرامه.
والقران أن يحرم بعمرة وحجة معا يجمعهما باحرام واحد يقول: "لبيك اللهم لبيك بعمرة وحجة معا" ذلك نية فإن أحرم بعمرة ثم أردفها بحج قبل أن يبتدئ الطواف بالبيت كان قارنا وكذلك لو أردف الحج على العمرة ما لم يركع ركعتي الطواف، كل ذلك قول مالك وأصحابه.
وعلى القارن هدي ويستحب له أن يهدي بدنة أو بقرة وتجزئه شاة وهو في ذلك كالمتمتع ولا يصح الإحرام بحجتين ولا بعمرتين معا ولا يجوز إدخال حج على حج ولا عمرة على عمرة على حج وإذا طاف المعتمر شوطا واحدا لعمرته ثم أحرم بالحج صار قارنا وسقط عنه باقي عمرته ولزمه دم القران وكذلك من أحرم بالحج في أشواط طوافه أو بعد فراغه منه قبل ركوعه.
وقال أشهب: إذا طاف لعمرته شوطا واحدا لم يلزمه الإحرام به ولم يكن قارنا ومضى على عمرته حتى يتمها ثم يحرم بالحج إن شاء.
فإن فرغ من طوافه وركوعه ثم أحرم بالحج قبل سعيه ففيه قولان:
أحدهما: أنه قارن مبطل لعمرته يلزمه دم القران.
والآخر: أنه يتمادى في عمرته ولا شيء عليه إلا أن يشاء أن يحرم بالحج بعد ذلك.
ولو أحرم بالحج بعد طوافه وسعيه قبل حلاقه أو تقصيره لزمه الإحرام به ولم يكن قارنا وكان متمتعا إن كانت عمرته في أشهر الحج وعليه دمان دم لتمتعه ودم لتأخير حلاقه وكلاهما هدي فإن لم يجد ما

استيسر منه صام كما ذكرنا وينوب الطعام والصيام لمن لم يجد الهدي عن جزاء الصيد وكفارة الأذى دون سائر الدماء ولا مدخل للإطعام في غيرهما وهدي المتمتع والقران على الترتيب وأما كفارة الصيد ونسك الأذى فكلاهما على التخيير ومن أحرم بعمرة وساق هديا تطوع به ثم أدخل الحج على العمرة فصار قارنا أجزأه هدي عمرته عن هدي قرانه وقد قيل فيه: لا يجزئه وعليه هدي القران وكلاهما قول مالك.
وإذا حاضت المرأه قبل أن تطوف بالبيت وقد كانت أحرمت بعمرة ولم تكن حجت فريضتها وأرادت العام قضاء حجتها أحرمت بالحج وأدخلته على العمرة وصارت قارنة وعملت أعمال الحج كلها من الوقوف والرمي ثم تنتظر حتى تطهر وتطوف وتسعى فإذا فرغت من حجتها اعتمرت عمرة مستأنفة وإن اقتصرت على قرانها أجزأها عن حجتها وعمرتها.
ويجزي القارن أن يطوف لحجته وعمرته طوافا واحدا وسعيا واحدا كالمفرد سواء.
وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال: ومن قرن فأخر طوافه حتى صدر فذلك يجزئه لعمرته وحجته وإفاضته ووداعه إذا كان ذلك عند خروجه وإن قتل القارن صيدا لم يكن عله الإجزاء واحد وفيما يفادى منه فدية واحدة.
ولا يحل القارن للحج مع العمرة حتى يحل منهما جميعا مع الناس يوم النحر ومن قرن من أهل مكة كمن تمتع منهم ولا هدي عليه وأكثر أصحاب مالك لا يرون على المكي إذا قرن دما ويروونه عن مالك ومنهم من يرى ذلك عليه وكان مالك يقول: لا أحب للمكي أن يقرن قال: وما

سمعت أن مكيا قرن .
وقال غيره: المكي وغير المكي في القران سواء ولا يحرم المكي إذا قرن إلا من الحل فإن لم يكن قارنا أحرم من مكة ولو أحرم من خارج الحرم لم يضره لأنه زاد.
وقد قيل: لا بأس أن يحرم القارن المكي من مكة والقول الأول رواية ابن القاسم واختياره لأن العمرة لا يحرم بها إلا من الحل

باب مال لا جناح على المحرم في فعله
لا بأس على المحرم بقتل كل ما عدا على الناس في الأغلب مثل الأسد والذئب والنمر والفهد وكذلك لا بأس عليه بقتل الحيات والعقارب والفارة والغراب والحدأة إلا أن مالكا قال: لا يقتل الغراب ولا الحدأة إلا أن يضراه ويقتل الفارة والعقرب والحية وإن لم تضره ولا بأس أن يحتجم المحرم إذا لم يحلق مواضع محاجمه وله أن يفقأ دمله وينكأ جرحه ويعصر بثره ويقطع عرقه إن احتاج إلى ذلك كله.
وقد قيل: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة ولا بأس أن يأخذ من شارب الحلال وأظفاره وأما أن يحلق شعر حلال أو محرم فلا لما يخاف عليه من قتل الدواب.
ومن أيقن من المحرمين أنه سلم عند حلق رأس الحلال من قتل الدواب فلا شيء عليه ولا بأس أن يلقي دواب الأرض عن نفسه مثل البرغوث وشبهه من القراد

والحمنان والحلم ولا يلقي شيئا من ذلك عن بعيره فإن فعل أطعم شيئا ولا يلقي القملة وشبهها من دواب جسده عن نفسه.
وصيد البحر حلال للمحرم والطافي منه وغير الطافي سواء ولا بأس أن يدهن المحرم باطن كفيه وقدميه بالزيت والسمن ولو دهن بذلك رأسه أو باطن ساقيه افتدى عند مالك ولا بأس أن يغتسل لمحرم تبردا كما يغتسل جنبا إلا أنه لا يغمس في الماء رأسه هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك وأجاز ابن وهب وأشهب ذلك وعلى جواز الانغماس أكثر العلماء وإن دخل المحرم الحمام للتداوي به دون التنظيف فيه فلا بأس عليه ولا يدخل المحرم الحمام لينقي درنه فإن فعل افتدى عند مالك.
وقال عنه ابن عبد الحكم: إن خاف أن يكون قتل شيئا من الدواب أحب إلى أن يفتدي والوجه عند مالك في غسل المحرم رأسه أن يصب عليه ويحرك شعره بيديه وما تساقط من شعر لحيته ورأسه في وضوئه أو غسله فلا شيء عليه في ذلك وكذلك ما انحلق من شعر ساقيه في ركوبه ولا بأس أن يستظل المحرم بظل الفساطيط والبيوت وشبهها وجائز أن يحمل على رأسه متاعا إذا اضطر إليه ولا يستظل على المحمل فإن فعل فقد اختلف قول مالك في ذلك وأصحه عنه أن الفدية عليه استحبابا غير واجبة

باب جملة ما على المحرم اجتنابه مما لا يفسد حجته والحكم في ذلك
لا يتطيب المحرم ولا يأكل شيئا فيه طيب إلا أن لا يوجد للطيب طعم ولا رائحة ولا يلبس ثوبا مسه طيب زعفران أو غيره حتى يذهب لون الطيب وريحه منه وأفضل ما يلبسه المحرم من الثياب البيض ولا يكتحل بكحل فيه طيب ولا يلبس المحرم قميصا ولا مخيطا ولا عمامة ولا سراويل ولا خفين إلا أن يعدم النعلين فيقطع حينئذ الخفين أسفل من الكعبين ويلبسهما وإن وجد النعلين غاليين جدا جاز له لباس الخفين المقطوعين ولا بأس أن يأتزر كما له أن يرتدي إلا أنه يكره له أن يستثفر بالمؤتزر عند الركوب والنزول فإن فعل فلا شيء عليه ولا يشد فوق مئزره تكة ولا خيطا ولا بأس بلبسه المهماز والمنطقة لحفظه نفقته فإن نفدت نفقته ألقاها وإلا افتدى ان أمسكها وإحرام الرجل في رأسه ووجهه فإن نفدت نفقته ألقاها وإلا افتدى ان أمسكها وإحرام الرجل في رأسه ووجهه والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب غير القفازين والبرقع والنقاب ولا تغطي وجهها وإحرامها في وجهها وكفيها ولا بأس بسدل ثوبها على وجهها لتستره من غيرها ولتسدله من فوق رأسها ولا ترفعه من تحت ذقنها ولا تشده على رأسها بإبرة ولا غيرها ولا يحلق المحرم رأسه ولا رأس غيره من محرم أو حلال ولا يقتل دواب جسده ولا يطرحها عن نفسه فإن طرح قملة عن ثوبه أو جسده أطعم قبضة من طعام ولا يطلي ولا يقلم أظفاره فإن فعل شيئا مما ذكر في هذا الباب افتدى ولا يدخل المحرم

الحمام قاصدا إلى إلقاء درنه فإن فعل ذلك فعليه الفدية وكل ما فيه معنى الرفاهية وإزالة الشعث وإنقاء الدرن فهو من إلقاء التفث وحكمه حكم لباس الثياب وحلق الشعر وتقليم الأظفار واستعمال الطيب فإن فعل ذلك كله أو شيئا منه ناسيا أو جاهلا أو مضطرا في فور واحد فعليه في جميعه فدية واحدة وإن فرقه في مواطن كثيرة فعليه لكل شيء فدية إلا أن يكون في مرض واحد فكرر استعمال ما يحتاج إليه من ذلك فإن كان كذلك ففدية واحدة ولا ينبغي لأحد أن يأتي شيئا مما أمرنا باجتنابه من غير ضرورة ليسارة الفدية عليه وإنما الرخصة في ذلك للضرورة والفدية أن يطعم ستة مساكين مدين من حنطة لكل مسكين أو يصوم ثلاثة أيام أو ينسك بشاة وهو مخير في ذلك كله إن شاء فعل حيث شاء والاختيار أن يأتي بالفدية حيبث وجبت عليه وسواء فعل شيئا مما ذكرنا في هذا الباب ناسيا أو عامدا عند مالك وان أطعم شعيرا أو ذرة مقدار المدين من الحنطة فأطعم ذلك مسكينا والنسيكة ما تكون ضحية قال مالك ولا يجب في الفدية جذع وينوب الإطعام والصيام في فدية الإذى وجزاء الصيد دون سائر الدماء والتخيير فيهما دون ما سواهما ومن افتدى قبل أن يجب عليه لم يجزه ومن اكتحل بكحل لا طيب فيه لضرورة فلا شيء عليه وإن كان لغير ضرورة فعليه الفدية وقال عبد الملك ليس فيه فدية ومن نتف شعرة أو شعرتين لم يكن عليه شيء ولو أطعم شيئا ولو قبضة من طعام كان حسنا وكل شيء خفيف من هذا الباب ففيه صدقة وليس فيه دم ولو قلم ظفرا واحدا

أو بعض ظفر أطعم مسكينا واحدا وليس للمحرم أن ينكح ولا ينكح غيره ولا يخطب لنفسه ولا لغيره والمرأة والرجل في ذلك سواء وللمحرم أن يراجع امرأته ولو كانت محرمه.

باب ما ينهى عنه المحرم من الصيد
ليس للمحرم قتل شيء من الصيد ولا ذبحه ولا أكل شيء منه إذا صاده أو صيد من أجله إلا أن الجزاء على من أكل صيدا صيد من أجله استحباب وهو على كل من قتل الصيد أكله أو لم يأكله إيجاب وكذلك لو أكل ما صاده المحرم ففيه الجزاء وهو مع ذلك ميتة عند مالك ولا يحل له الصيد حتى يطوف طواف الإفاضة وإن كان معتمرا فحتى يتم سعيه وإن صاد قبل ذلك فعليه الجزاء ولا يجوز له شراء صيد ولا ملكه ولا حبسه في يده ومن أحرم وعنده صيد لم يزل ملكه عنه ولم يجز له ذبحه حتى يحل من إحرامه ولا يمسكه بعد إحرامه في يده ولا يصحبه في رفقته فإن أمسكه في يده فعليه إرساله فإن لم يرسله حتى مات في يده فعليه جزاؤه فإن أمسكه في يده فعليه إرساله فإن فإن أرسله فلا شيء عليه.
ومن اشترى طائرا وهو محرم فقصه فإنه يرسله في موضع يكبر فيه ريشه فإن فعل لم يكن عليه شيء وإن لم يخرج ريشه ولم يكبر جزاه.
ولو نازع محرم حلالا صيدا في يده ليرسله فمات فعلى الممسك منهما جزاؤه ولو كانا محرمين كان على كل واحد منهما جزاء

كامل ومن حفر بئرا للسبع فوقع فيه صيد وتلف فعليه جزاؤه ولو كانت البئر لغير ذلك في فنائه أو غير فنائه لم يكن عليه شيء.
ولو نشب صيد في أطناب فسطاط محرم فعطب لم يكن عليه شيء عند مالك وقال ابن القاسم يجزيه.
ومن رآه الصيد ففزع منه فعطب فلا جزاء عليه وقال ابن القاسم عليه جزاؤه .
ومن أفزع الصيد فعليه عندهما جزاؤه إن مات ومن لم يأمر باصطياد صيد ولا صيد من أجله جاز له أكله ولم يكن عليه شيء ، وسواء عند مالك ما يؤكل لحمه من الصيد وما لا يؤكل كل ذلك لا يجوز للمحرم قتله.
وكل من ساعد قاتل الصيد في الحرم او في الإحرام فعليه الجزاء.
وإذا اضطر المحرم وخشي ذهاب نفسه من الجوع أكل الميتة ولم يصطد. وما صاده المحرم وذبحه من الصيد فهو ميتة لا يأكله عند مالك حلال ولا محرم ولا يكره ما صاده الحلال للمحرم إلا ما كان من ذلك بعد إحرامه وأما ما صاده قبل الإحرام فلا بأس به.
ولو دل محرم حلالا على صيد أو ناوله رمحا أو سيفا فقتل به الصيد فقد أثم ولا جزاء عليه وقتل المحرم الصيد خطأ أو عمدا سواء في وجوب الجزاء وإذا قتل حلال وحرام صيدا فعلى الحرام جزاء كامل إلا أن يكون في الحرم فيكون على كل واحد منهما جزاء كامل.
ومن كان في الحل ورمى صيدا في الحرم أو كان في الحرم ورمى صيدا في الحل فعليه جزاؤه ولا يؤكل ولو أرسل كلبه في الحرم على صيد فصاده في الحل لم يؤكل وعليه جزاؤه ولو أرسلت كلبه في الحل على صيد فقتله الكلب في الحرم فلا جزاء عليه إلا أن

يكون أرسله بقرب الحرم ولا يؤكل عند مالك في الوجهين جميعا.
ومن قتل صيدا ثم أكله فليس عليه إلا جزاء واحد والجزاء عندنا كفارة لا فدية وإذا قتل قوم محرمون أو محلون في الحرم صيدا واحدا فعلى كل واحد منهم الجزاء والحلال فيما يصيده في الحرم كالمحرم في الحل والحرم وحرمة الحرم والإحرام إذا اجتمعا لم يجب بهما إلا جزاء واحد والقارن والمفرد في ذلك سواء وما كان للمحرم قتله من الصيد فجائز للحلال قتله في الحرم ولا يذبح المحرم شيئا من الطير المستأنس إذا كان اصله مستوحشا ولا حمام الأبراج وأما الدجاج والأوز فمثل البقر والغنم.
ولا يجوز لحلال ولا لحرام قطع شيء من شجر الحرم المباح ولا كسره ولا أن يحش في الحرم ولا بأس بقطع كل ما غرسه الآدميون من النخل والشجر وقد رخص في الرعي في الحرم وفي الهش من شجره الغنم ولا كفارة على من قطع شيئا من شجر الحرم عند مالك.
وكره مالك للمحرم قتل الضبع والثعلب والهر ورأى على من قتل شيئا منهما الجزاء والطير المستوحش كله: سباعه وغير سباعه يجزيها المحمرم إذا قتل شيئا منها إلا الحدأه والغراب وكره له قتل الخنزير والقرد والوزغ فإن خاف شيئا من ذلك على نفسه أو ماله جاز له قتله.
وفرق مالك بين فراخ الغربان وصغار الحيات والفار فأجاز قتل الصغير من الفأر والحية والعقرب وكره قتل فراخ الغربان لأنها تضر في صغرها.
وقد قال في الحية الصغيرة: لا يقتلها المحرم قال: ولا يقتل المحرم من دواب الأرض إلا ما يخافه على نفسه ولا يقرد المحرم دابته ولا

بعيره عند مالك أخذ فيه بقول ابن عمر وخالفه غيره فأجازوه إتباعا لعمر ويجوز عند مالك للمحرم طرح العلق عن الدابة والبعير وعن نفسه ولا يجوز عنده قتل الزنبور ولا البق ولا الذباب ومن قتل شيئا من ذلك أطعم ما تيسر ومن قتل جرادة فعليه حفنة من طعام وفي الكثير منه قيمته من الطعام وغير مالك لا يكره للمحرم قتل شيء من الحيوان المستوحش ولا سائر دواب الأرض وهوامها إلا ما كان صيدا يؤكل

باب الحكم في جزاء الصيد
ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه وما يجزي من الصيد شيئان دواب وطير فيجزي ما كان من الدواب بنظيره من الغنم ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش وبقر الوحش بقرة وفي الظبي شاة وأقل ما يجزأ من الجزاء عند مالك ما استيسر من الهدي وكان ضحية وذلك الجذع من الضأن والثني مما سواه وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه إطعام أو صيام وفي صغار الصيد عند مالك مثل ما في كباره ولا يفدي شيء عنده بعناق ولا بجفرة.
قال مالك: وذلك مثل الدية الصغير والكبير فيها سواء وقوله هذا عندي خلاف اصله لأن الجزاء عنده كفارة لا دية ولذلك يوجب على الجماعة إذا اشتركوا في قتل صيد جزاء كاملا على كل واحد منهم وهذا مجرى الكفارة على الصغير والكبير لا مجرى الدية وفي الضب عنده واليربوع قيمتهما طعاما ومن أهل المدينة من يخالفه

في صغار الصيد وفي اعتبار الجذع والثني ويقول بقول عمر في الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي الحمام كله قيمته إلا حمام مكة خاصة فإن في الحمامة منه شاة اتباعا للسلف في ذلك والدبس والغمري كله حمام.
وحكى ابن عبد الحكم عن مالك ان في حمام مكة وفراخها: شاة، قال: وكذلك حمام الحرم قال: وفي حمام الحل حكومة قال: ومن أحرم من مكة فأغلق باب بيته على حمام فمات فعليه في كل فرخ شاة وفي بيض النعامة عشر ثمن الدية عند مالك وفي بيص الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة وأكثر العلماء يرون في بيض كل طائر القيمة ومن قتل صيدا بعد صيد فعليه كل مرة جزاؤه ومن صاد صيدا فقطع يده أو رجله أو شيئا من أعضائه وسلمت نفسه وصح ولحق بالصيد فلا شيء عليه وقد قيل عليه من الجزاء بقدر ما نقصه والأول قول مالك.
ولو ذهب فلم يدر ما فعل فعليه جزاؤه ولو زمن الصيد ولم يلحق بالصيد أو تركه تخوفا فعليه جزاؤه جزاء كاملا وكفارة الصيد على التخيير لا على الترتيب يحكم بها على قاتله حكمان ذوا عدل يخيران المحكوم عليه فإن اختار الهدي أو الإطعام أو الصيام حكما عليه بمثل ما يختار موسرا كان أو معسرا فإن لم يحكم عليه حكمان فهو بالخيار أيضا فإن اختار الهدي حكما عليه بما مضى من السنة في ذلك لا يعدلان عنها وإن اختار الحكم بالطعام حكما عليه بقيمة الصيد طعاما بسعر موضعه الذي أصيب فيه فإن لم يكن فأقرب المدن إليه فيطعم كل مسكين بمد النبي عليه السلام وإن اختار الصيام

حكما عليه أن يصوم مكان كل مد يوما بالغا ما بلغ من الأيام ولا ينظر في ذلك إلا شهرين ولا إلى أكثر ويقوم الصيد حيث أصيب طعاما ولا يقوم المثل من النعم فإن قوم الصيد دراهم ثم قومت الدراهم طعاما جاز والأول أصوب عند مالك والتقويم إلى الحكمين والإطعام في الموضع الذي أصاب فيه الصيد حرما كان أو غير حرم فإن لم يكن ثم طعام ففي أقرب المواضع إليه مما يوجد فيه الطعام هذا هو المختار إلا يذبح الجزاء ولا يطعم عنه إلا حيث وجبت الجزاء وأما الصيام فجائز بكل مكان ولو أطعم في كل مكان أجزأ عند مالك ويطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما ويستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض ولو اجتزأ بحكومة الصحابة فيما حكموا به من جزاء الصيد كان حسنا.
وقد روي عن مالك أنه ما عدا حمام مكة وحمار الوحش والظبي والنعامة لا بد فيه من الحكومة ويجتزئ في هذه الأربع بحكومة من مضى من السلف رحمهم الله.

باب ذكر ما يفسد الحج والعمرة والحكم في ذلك
قال الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} الآية .
قال مالك: الرفث إصابة النساء،

فحرام على المحرم وطء النساء ومن أحرم بحج أو عمرة فليس له أن يطأ امرأته ولا يتلذذ منها بشيء وإن لم تكن محرمة والذي يفسد إحرامه عند مالك إنزال الماء الدافق ما لم يكن احتلاما وكذلك مغيب الحشفة وكذلك عند مالك من قبل أو باشر أو أدام النظر فأنزل ومن نظر نظرة فأنزل لم يكن عليه غير الهدي ومن قبل أو باشر ولم ينزل فعليه دم وتجزئ شاة وقد قيل لا يفسد الحج إلا ما يوجب المهر والحد والأول قول مالك وفساد الحج يكون بما ذكرنا من الوطء والإنزال قبل الوقوف بعرفة عند جماعة أهل العلم بالمدينة وغيرها وكذلك عند مالك من وطئ بعد عرفة قبل رمي جمرة العقبة ناسيا أو عامدا إلا أن يكون أفاض قبل ذلك فإن كان قد طاف للإفاضة قبل رمي جمرة العقبة ثم وطيء كان عليه هدى وحجة تامه وإنما يفسد حج الواطيء قبل الرمي والإفاضة عند مالك إذا كان ذلك منه يوم النحر في أوله أو آخره.
وأما إذا كان وطؤه بعد يوم النحر فحجه تام وعليه العمرة والحج إن لم يكن طاف للإفاضة ولا رمى وإن كان قد طاف ولم يرم كان عليه الهدي خاصة وهذا كله تحصيل مذهب مالك وعليه أكثر أصحابه ومنهم من قال: إنه إن وطئ يوم النحر قبل الرمي فسد حجه وسواء كان قد أفاض قبل ذلك أو لم يفض وهذا قول ابن وهب وأشهب والأول أصوب.
وقال إسماعيل بن إسحاق: قول مالك فيمن وطئ قبل الإفاضة بعد رمي الجمرة أن عليه العمرة والهدي قول مستحسن على ما روي عن ابن عباس وعكرمة وفسره عبد الملك: ليكون طوافه بالبيت في إحرام صحيح
وأما القياس في ذلك: فما روي عن عمر بن

الخطاب وعن غير واحد من التابعين فيمن وقع على امرأته وهو حاج قبل أن يطوف بالبيت أن عليه الحج من قابل لأن الطواف بالبيت واجب لا يجوز أن يتركه بوجه من الوجوه قال الله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} إلى قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فكان هذا الطواف واجبا وهو طواف الإفاضة قال: فلما كان هذا الطواف واجبا في كتاب الله ثم غشي الحاج قبل أن يفعله كان مفسدا لحجه ولا يجب في القياس أن يكون الطواف الصحيح للعمرة يقوم مقام الطواف الذي كان واجبا للحج ولكنه ضرب من الاستحسان وقول مالك إنه أحسن ما سمع بذلك عليه هذا كله كلام إسماعيل في مختصره المبسوط له.
وقد قال ابن نافع عن مالك: الطواف الواجب هو طواف الإفاضة وإليه يرجع من لم يطفه من بلده ولو كان من الأندلس حتى يطوفه ومن أفسد حجه بشيء مما ذكر فقد انتقض إحرامه وفسد حجه وعليه أن يمضي في حجته حتى يكملها ويحل منها بما يحل به من لم يفسد حجه سواء ثم عليه بدلها بحجة أخرى من قابل والهدي وسواء كان حجه فرضا أو تطوعا ولا يجوز له المقام على إحرامه إلى قابل ليقضي به حجه فإن أقام إلى قابل على إحرامه فحج به كان حجه فاسدا وعليه قضاؤه ولا يجوز له أن يجدد في حجه الفاسد إحراما ويقضي به ما أفسد وهو على الحج الفاسد حتى يتمه ثم يقضيه من قابل ويهدي ولا شيء عليه من قضاء الإحرام الذي جدده جاهلا لقضاء ما أفسده

في عامه فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وكل من وجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لعدم قدرته عل الهدي لم يكن عليه أن يطعم وإنما هو هدي أو صيام ويهل المفسد لحجه من حيث كان أهل لحجته التي أفسدها يعني من ميقاتها وإن كان مما هو أبعد من الميقات لم يكن عليه عند مالك أن يحرم إلا من الميقات وكذلك العمرة إذا أفسدها بالوطء كان عليه بدلها من حيث أحرم بها وهدي ويفترقان في حج قابل من حيث أحرما وكذلك العمرة ومن أفسد حجه قارنا قضاه قارنا وإن أفسده مفردا قضاه مفردا ولا يقضي إفرادا عن قران وكذلك لا يقضي قرانا عن إفراد عند مالك وقال عبد الملك يجزئه ولا يفرق القارن حجه فيتمتع في قضاء ما أفسد قارنا وعلى القارن إذا أفسد حجه هدي الفساد وهدي لقرانه لحجة القضاء يسوقهما جميعا حين يحرم لحجة القضاء ولو قدم هدي الفساد كره له مالك ذلك وأجزأه وإذا أفسد القارن حجه ولم يجد هديا صام ستة أيام في الحج وأربعة عشر إذا رجع ويفرق بين الستة بالفطر إن شاء.
ومن وطئ عند مالك قبل تمام السبعة الأشواط من طواف الإفاضة ناسيا لشوط أو شوطين وقد كان رمى الجمرة فهو بمنزلة من لم يطف وعليه عنده العمرة والهدي ولو وطئ بعد تمام الطواف قبل أن يركع الركعتين أعاد الإفاضة فطاف وركع ثم اعتمر وأهدى فإن كان قد رجع إلى أهله ركع ركعتين حيث كان وأهدى وإن جامع المعتمر قبل تمام الطواف والسعي فقد أفسد عمرته وإن جامع بعد تمام السعي وقبل الحلاق فعليه دم وعمرته

تامة ومن أفسد عمرته مضى فيها حتى يتمها ثم يبدلها وأهدى هديا وإذا ذكر المعتمر بعد تمام عمرته أنه طاف على غير طهارة في أكثر ظنه تطهر وطاف وسعى وأمر الموسى على رأسه وأهدى ولو وطئ أهله ثم ذكر أن طوافه وسعيه لعمرته كان جنبا أو على غير وضوء كان عليه بدل عمرته والهدي.
ومن وطئ مرارا وهو محرم فليس عليه إلا هدي واحد وإن اكره امرأته على الوطء وهي محرمة كان عليه أن يحجها ويهدي عنها كما يهدي عن نفسه.
وإن طاوعته فعليها أن تحج وتهدي ومن أفسد بالوطء حجه ثم قضاه فأفسد بالوطء حجة القضاء أيضا كان عليه قضاؤها ووجب عليه حجتان، قاله مالك وابن القاسم وهو تحصيل المذهب.
وقال ابن وهب: عليه حجة واحدة وهديان .
وقال عبد الملك: ليس عليه إلا حجة واحدة قضاء تجزأ منهما جميعا كأنهما جميعا واحدا أفسده مرتين قال: وإنما الثاني من الهدي هو الأول لأنه أراده فلم يتم له فبقي عليه كما هو ذكره ابن المواز عن عبد الملك

باب فيمن فاته الحج بحصر مرض أو عدو أو خطأ في عدة أيام العشر
من أحصره المرض فإنه لا يحله إلا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلاق ولو أقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوات الحج عمل عمل العمرة وقطع التلبية عند دخوله الحرم،

وكذلك الذي فاته الحج سواء بأي وجه فاته وعليهما جميعا حج قابل والهدي للفوات يسوق هديه مع حجة القضاء ولا يجزئ واحد منهما الهدي الذي ساقه معه حين أحصر بالمرض لو فاته الحج فإن لم يجد الهدي الذي ساقه معه حين أحصر بالمرض لو فاته الحج فإن لم يجد الهدي صام صوم المتمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة ولا ينبغس لمن فاته الحج لمرض أو عذر أو غير ذلك أن يعجل الهدي في عمرته التي يحل بها ولكن يؤخره إلى حجة القضاء إن كان ممن يرى على المحصر بعدو هديا فقد رآه بعض أصحاب مالك وجماعة من العلماء وإن عجله كرهه له مالك وأجزأ عنه ومن أصحابه من قال: لا يجزئه ووجه قوله ضعيف وقول مالك أصح.
وأما من أحصر بعدو غالب من فتنة أو غيرها فلهم قتال العدو ولهم تركه والتربص فإن كشف الله ذلك عنهم ورجوا إدراك حجهم نهضوا وإن يئسوا من زوال العدو نحر منهم من كان معه هدي وحلق كل واحد منهم وحل وسواء كان ذلك في الحل أو الحرم ولا هدي على واحد منهم ولا قضاء بحج ولا عمرة إلا أن يكون ضرورة لم يكن حج فيكون عليه الحج على حسب وجوبه عليه وكذلك العمرة عند من أوجبها فرضا ومن أهل المدينة من يقول إن الهدي على المحصر بعدو واجب ولا يحل إلا بهدي أو شرك في دم أقله سبع بدنة أو بقرة ثم يحلق.
وأما مالك فلا هدي عنده على من حصره العدو إلا أن يكون ساقه فينحره والحلاق سنة ونسك يجب على الحاج المقيم على حجه وعلى من فاته الحج وعلى من أحصر في الحج وأقام على حجه إلى القابل فإنه بحج ولا هدي عليه وليس ذلك كمن فسد حجه

لأنه لا يقام على حج فاسد وكل من فاته الحج تحلل بعمل عمرة وعليه الحج من قابل والهدي فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
والاحصار بمكة وغيرها سواء لمن صد عن البيت بعد أن أحرم وفوات الحج بفوت عرفة فمن وقف بعرفة على سنة الوقوف بها من بعد صلاة الظهر إلى طلوع الفجر أو أدرك الوقوف بها ليلا ولو أقل ساعة قبل طلوع الفجر فلم يفته الحج ومن لم يدرك شيئا من ذلك فقد فاته الحج وليس عليه عمل ما بقي من مناسك الحج وهو عند مالك بالخيار إن شاء أقام على إحرامه إلى قابل فأتم حجه وأجزأه ولا شيء عليه وإن شاء تحلل بعمرة ثم قضى قابلا وأهدى والاختيار أن يتحلل ولا يقيم على إحرامه إلى قابل وقد استحب مالك لمن أقام على إحرامه إلى قابل أن يهل أيضا احتياطا وإن أقام على إحرامه ولم يتحلل منه حتى دخلت شهور الحج من قابل لم يجز له التحلل ولزمه المقام حتى يحج.
ومن قدم مكة فطاف وسعى عند قدومه ثم مرض ففاته الوقوف بعرفة لم يجزه الطواف الأول وسعيه عن طواف تحلله وليطف وليسع مرة أخرى لتحلله وإذا أخطأت الجماعة هلال ذي الحجة فوقفوا قبل عرفة بيوم أو وقفوا يوم النحر أجزأهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون" أي باجتهادكم.
وروي عن ابن عباس والحسن البصري في قول

الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، قالا هذا في تقديم الأهلة وتأخيرها في الفطر والأضحى والصوم

باب الهدي
تقلد الهدي وتشعر وكذلك البقر إن كان لها أسنمة وإلا قلدت ولم تشعر والغنم لا تقلد ولا تشعر فمن كان من أهل المدينة وساق هديا قلده وأشعره بذي الحليفة وكذلك سائر أهل الآفاق يقلدون ويشعرون حيث يحرمون والتقليد أن يجعل في عنقها حبل فيه نعل أو نعلان والأشعار الشق يشق في سنامها الأيسر عند مالك وعند غيره في الأيمن وكلاهما حسن، وقد روي عن مالك في الأيمن والأول أشهر عنه.
وإذا قلد الهدي أو أشعره فقد وجب ولا يجوز بيعه ولا هبته وإن مات موهبه ولم يورث عنه ونفد لوجهه ولا يجوز في الهدايا والضحايا إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه.
والدم في الحج على وجهين: دم هدي ودم نسك ،
فالهدي: ما كان جزاء صيد أو دم متعة أو قران وما وجب لتجاوز الميقات أو ترك رمي الجمار والمبيت بمنى والمزدلفة وما أشبه ذلك من نقصان مناسك الحج.
وأما دم النسك: فهو ما كان في تخير الفدية في الأذى مما يوجبه إلغاء التفث وطلب رفاهة النفس على ما قدمنا ذكره في باب ما يجتنبه المحرم.

والهدي هديان: واجب وتطوع ويؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه إلا أربعة أشياء:
1-جزاء الصيد 2- وفدية الأذى 3- ونذر المساكين 4- وهدي التطوع إذا عطب قبل محله.
وأما الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل منه صاحبه إن شاء لأن عليه بدله ولا بدل عليه في غير الواجب ان عطب قبل محله إلا أن يأكل منه ومن أكل من هدي لا يجوز الأكل منه ففيه قولان:
أحدهما: أنه يبدل الهدي كله ،
والآخر: أنه لا يبدل إلا مقدار ما أكله منه والأول أشهر عن مالك والآخر اختيار عبد الملك بن عبد العزيز وهو قول الشافعي.
وقد روي عن مالك أنه أكل من نذر المساكين شيئا لم يكن عليه إلا مقدار ما أكل وان أكل من جزاء الصيد أو من فدية الأذى جزاه كله وأتى بفديته كاملة والهدي على من قرن أو تمتع أو فسد حجه أو ترك الرمي أو نحو ذلك بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة فإن لم يجد فصيام دون إطعام ولو أهدى شاة كره له مالك ذلك واجزأه وإذا حدث بالهدي عيب بعد التقليد أجزأ وقد قيل لا يجزأ والأول تحصيل مذهب مالك فإن قلده وبه عيب لا يجزئ مثله ولم يكن علم به رجع بأرشه على بائعه واستعان به في ثمن غيره وان كان الهدي تطوعا فقيل يصنع بالأرش ما شاء وقيل إنه يصرفه في هدي مثله ان بلغه وإلا تصدق به.
والسنة أن ينحر الهدي التطوع إذا عطب قبل محله ثم يضع قلادته في دمه ويخلي بين الناس وبينه يأكلونه ولا يأكل منه صاحبه ولا يطعم ولا يتصدق فإن أكل أو أطعم أو تصدق فالأشهر عن مالك أنه

إن أكل منه شيئا ضمنه كله ولا ينحر هدي التطوع قبل يوم النحر فإن فعل لم يجزه عند مالك ومن ساق هديا واجبا فضل قبل الوقوف بعرفة ثم وجده بمنى ففيه عن مالك روايتان احداهما ينحره بمنى ثم يبدله بهدي آخر ينحره بمكة بعد خروجه أيام منى والآخر أنه يؤخره وينحره بمكة ويجزئه عن واحد وهذا أولى ومن ضل هديه ولم يجد غيره أخر الصيام إلى منى ثم صام ولو وجد من يسلفه كان حسنا أن يستلف منه وأن أخر الصيام حتى رجع إلى بلده فقدر على الهدي أهدى ولم يصم ولا تركب البدنة إلا من ضرورة وولا يشرب من لبنها إلا كذلك بعد ري فصيلها ولا يشترك القوم في الهدايا ولا الضحايا وقد روي عن مالك أنه يشترك في هدي المعتمرين وفي التطوع دون الواجب وعند غير مالك يشترك السبعة في البدنة والبقرة في الهدي والتطوع وفي الواجب ولا ينحر الهدي إلا بمنى ومكة ولا ينحر منه بمنى إلا ما وقف بعرفة وإن فاته أن يقف بعرفة ساقه من الحل فينحره بمكة بعد خروجه من منى وأن نحره بمكة في أيام منى اجزأه وإذا أخطأ رجلان حاجان هديهما فذبح كل واحد منهما هدي صحابه عن نفسه وكانا قد أوقفاهما بعرفة اجزأهما ولم يكن عليهما شيء ولو كانا معتمرين ضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح ولم يجز عن واحد منهما واستأنفا الهدي وليس وقف الباعة وقفا ولا بد أن يقفه هو بنفسه أو يأمر من يقفه فإن وقف بأمره فسواء البائع في ذلك حينئذ وغيره وينحر البدن قياما مقيدة ولا يعقلها إلا أن تصعب ولا تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى

عليها وتنحر باركه أفضل من أن تعرقب وتضجع البقر والغنم ولا ينحر أحد قبل الفجر يوم النحر فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى وليس عليهم انتظار نحر إمامهم والمنحر منى لكل حاج ومكة لكل معتمر ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنى لم يخرج واحد منهما إن شاء الله

باب ما لا يجبر بالدم دون الاتيان به
قد تقدم في أول كتاب الحج بتعيين فرائضه وهي أربع أولها الإحرام ثم الوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فمن لم ينو حجا ولا عمرة ولا أحرم بواحد منهما بنيته له وقصد إليه فلا حج له ومن لم يقف بعرفة أقل وقت ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر من يوم النحر فلا حج له ومن لم يطف طواف الإفاضة رجع إليه من بلاده قال مالك في موطئه من نسي طواف الإفاضة حتى يخرج من مكة ويرجع إلى بلده كان عليه أن يرجع فيفيض وإن كان أصاب النساء رجع فأفاض ثم اعتمر وأهدى ولم يذكر مالك طوافه قبل ولا بعد ولا راعى شيئا من ذلك وهذا مذهب أهل المدينة من أصحابه وغيرهم.
أما أهل مصر والمغرب فجملة مذهب مالك عندهم في ذلك أن الطواف في حين دخول مكة وطواف الإفاضة كلاهما عنده واجب وكلاهما ينوب عن الآخر مع الهدي لمن نسي ذلك ولم يأت به حتى رجع إلى بلاده والتطوع

أيضا في ذلك ينوب عنده عن الواجب وطواف الصدر أيضا كذلك على ما بينا عنه في صدر هذا الكتاب فمن لم يطف لدخوله مكة ناسيا أو تاركا أو طافه ولم يكمله سبعا أو طافه منكوسا أو على غير طهارة أو أحدث فيه فتوضأ وبنى ولم يستأنف أو طافه بغير نية لما قصده من حج أو عمرة أو لم يدخل الحجر في طوافه أو لم يكمله من الحجر إله لم يجزه في ذلك كله طوافه وان في حكم من لم يطف ولزمه الرجوع إليه قريبا كان أو بعيدا إلا أن يكون طاف بعده للإفاضة وسعى أو طاف تطوعا وسعى فإن كان طاف تطوعا ثم أبعد ولبس الثياب ووطئ النساء كان عليه دم وكان له طوافه تطوعا عما وجب عليه وكذلك لو عرض له مثل ذلك في طواف الإفاضة عاد إليه ولو من بلده لأنه فرض واجب فطافه إلا أن يكون طاف بعده تطوعا أو للوداع فيجزئه عند مالك من العودة وعليه دم ومن أخر طوافه الموصول بالسعي قارنا كان و مفردا ثم طاف للإفاضة وصدر فلم يودع البيت اجزأه طواف الإفاضة عن ذلك كله إن كان معه سعي ولم يختلف قول مالك في وجوب الدم على من ترك طواف القدوم عامدا لأنه عنده من مسنونات الحج المؤكدات واختلف قوله إذا تركه أو ترك شيئا من سنن الحج معذورا فقال مرة عليه دم وقال مرة لا دم عليه وأما طواف الوداع فهو عنده مستحب لا يجب على تاركه شيء لأنه لما كان عمله بعد استباحة وطء النساء والعبيد أشبه التطوع الذي لا شيء على تاركه وقد تقدم اختلاف لفظ ما في المدونة وما ذكره أبو الفرج وما رواه ابن عبد الحكم في مراعاة

الطواف التطوع أو غيره قبل الإفاضة أو بعدها في أول باب من هذا الكتاب وقال ابن القاسم لو طاف بغير نية وسعى كان عليه أن يعود فيطوف بنية ويسعى فإن لم يفعل حتى رجع إلى بلاده أو تباعد اجزأه ذلك وكان عليه الهدي وهذا ما قدمت لك من أصلهم في عمل الحج أنه يجزأ فيه عندهم التطوع عن الواجب إلا في الإحرام خاصة.
ومن ترك من طوافه أو سعيه شوطا واحدا أو أكثر لم يجزه وكان عليه أن يأتي به بانيا أن كان قريبا أو مستأنفا أن تباعد فإن لم يذكره حتى رجع إلى بلاده عاد على بقية إحرامه فطاف وسعى وأهدى لتأخيره ذلك العمل عن وقته فإن وطئ أهله اعتمر وأهدى وكل من سعى بأثر طواف لم يتم سبعا أو بأثر طواف على غير طهارة كان كمن لم يسع لأن من شرط السعي عند مالك وأصحابه أن يكون بأثر طواف مجزئ متصل به وعلى هذا الذي وصفنا حاله الرجوع من بلده حتى يأتي الطواف والسعى فإن كان لم يطف للإفاضة كان حراما من النساء والطيب والصيد وكان عليه مع ذلك دم وقد خفف مالك مرة عنه الدم في ذلك وجعله كالمراهق.
وقد روي عن مالك فيمن طاف للإفاضة من غير سعي من غير سعي ولم يكن طاف معي ولا سعى قبل ذلك حتى خرج من مكة ان عليه عمرة وهديا ويجزئه من ذلك كله ومن ترك من السعي ذراعا لم يجزه حتى يسعى فيتم ما بين الصفا والمروة فإن صار إلى بلده وكان معتمرا كان حراما من كل شيء وان كان حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء والطيب والصيد عند مالك ثم يرجع فيبتدئ طوافه وسعيه.
ومن طاف

لعمرته على غير وضوء فهو كمن لم يطف وعليه أن يرجع من بلده حراما حتى يطوف ويسعى ويهدي لتأخيره السعي عن زمانه وليس الهدي واجبا عليه.
ولو طاف المتمتع أو المكي قبل خروجه إلى منى وسعى كان عليه أن يطوف للإفاضة ويسعى بعد انصرافه من منى فإن طاف ولم يسع حتى أتى بلده أجزأه السعي الأول وعليه هدي ومن لم يسع بين الصفا والمروة حتى رمى الجمرة فقد حل له من الثياب وغيرها ما حل للذي طاف وسعى

باب الإجارة على الحج والعمرة والوصية بذلك
الإجارة على الحج جائزة عن الميت إذا أوصى بها فإن كان الموصي لم يحج عن نفسه لم يجز أن يستأجر عنه صبي ولا عبد ويجوز ذلك في التطوع ومن تطوع بالحج أو العمرة عن غيره بعد أن حج عن نفسه فحسن إذا كان عن الميت وإذا أوصى أن يحج عنه وارثه فذلك جائز وله إجارة مثله وما زاد على ذلك فهو وصية إن أجازه الورثة جاز والا رجع ميراثا.
ويكره أن يتطوع بالحج قبل أن يؤدي فرضه وأن يؤاجر نفسه في ذلك فإن فعل شيئا من ذلك نفذ عند مالك وإذا أوصى بوصايا فأخذ الوصي الثلث وقاسم الورثة ثم دفع المال إلى من يحج فتلف المال أو تلف في يد الموصي فلا تبعة على الورثة.
والإجارة عند مالك في الحج على وجهين: إجارة مضمونة

وإجارة على البلاغ فالمضمونة تكون على حجة موصوفة من مكان معلوم بأجرة معلومة فيكون له الفضل من نفقته وعليه النقص وان مات قبل الفراغ من الحج كان له من الأجرة بحساب ما عمل وأخذ الباقي منه أو من ماله وأجرة البلاغ أن يدفع رجل إلى رجل آخر مالا ينفقه في الحج عن الميت فإن فضل شيء رده على من استأجره وان عجز المال عن نفقته وجب على مستأجره تمام نفقته وكذلك لو ضاع المال بعد الاحرام لزم من استأجره نفقته ولو ضاع قبل أن يحرم رجع ولم ينفذ لوجهه وهذا الوجه أكثر أهل العلم لا يجيزونه ومن أوصى أن يحج عنه رجل بعينه فأبى ذلك الرجل دفعت الحجة إلى غيره إن كان الموصى له لم يحج عن نفسه وان كان قد حج عن نفسه بطلت الوصية ورجع المال ميراثا.
ومن أوصى أن يحج عنه بمال معلوم فوجد من يحج عنه بأقل رد الباقي على ورثته إلا أن يوصى بذلك لرجل بعينه فيكون المال كله له ومن استأجر على أن يحج مفردا فحج قارنا فأكثر أصحاب مالك على أنه يجزئ عن الموصي وعلى المستأجر الدم.
وقال ابن القاسم لا يجزئ وعليه الإعادة ولو تمتع جاز على قول مالك وعلى قياس قول ابن القاسم لا يجزئه والصواب عندي أنه يجزئه وعليه الدم وليس للمستأجر في الحج أن يستأجر غيره إلا أن يجعل ذلك إليه أو يؤذن له فيه ولو استؤجر على الحج في عام بعينه فعاقه عائق وحج في العام الذي يليه أجزأه ويجوز الاستيجار على العمر كما يجوز على الحج

باب رمي الجمار
قد تقدم في باب العمل في الحج ذكر وقت رمي جمرة العقبة انه من طلوع الشمس إلى زوالها فمن نسي رمي جمرة لعقبة يومن الننحر حتى امسى فيستحب له الهدي وليس بواجب عليه ومن نسيها يوم النحر ورماها أيام التشريق نحر بدنه ومن نسي حصاة واحدة من جمرة حتى مضت أيام الرمي.
كان عليه شاة فإن نسي الجمرة كلها كان عليه بقرة أو بدنة ووقت الرمي في أيام منى من زوال الشمس إلى غروبها ومن نسي رمي يوم من أيام منى أو أخره إلى الليل رمى ليلا ولا شيء عليه هذا قوله في موطئه.
وقد روي عنه أن عليه دما وليس بشيء لأنه لم يختلف قوله أنه لو رماه من الغد لم يكن عليه شيء ومن ترك الرمي يوما ورمى يوما بعده ثم ذكر ذلك اليوم الثالث بعد رميه رمى لليوم الذي ترك الرمي فيه ثم يعيد رمي يومه ولا يعيد اليوم الأوسط ويرمي عن الصبي والمريض اللذين لا يطيقان الرمي ويستحب للذي يرمي عنهما أن لا يرمي عن أحدهما حتى يرمي عن نفسه ولا يجوز أن يكون رميه عنه وعن غيره واحدا ولو فعل لم يجزه عن نفسه ولا عن غيره.
وينبغي للمريض أن يتحرى وقت الرمي فيكبر وإذا صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه وعليه مع ذلك دم عند مالك ومن ترك الرمي في يوم من أيام منى حتى انقضت فعليه دم وتجزئه شاة ولو ترك الرمي في الأيام الثلاثة كلها فعليه بدنة أو بقرة في الاختيار وتجزئه شاة ويجوز

لرعاء الإبل إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن يخرجوا عن منى لرعيهم ويقيمون فيه يوما وليلة ثم يأتون في الثالث من يوم النحر وهو النفر الأول فيرمون لليوم الذي مضى ولليوم الذي هم فيه ويتعجلون إن شاءوا أو يقيموا فإن اقاموا رموا في اليوم الرابع من يوم النحر ولأهل الآفاق أن يتعجلوا في اليوم الثالث من يوم النحر.
وهو الثاني من أيام التشريق يرمون بعد الزوال وينفرون نهارا ولا ينفرون ليلا ويكره لأهل مكة التعجيل في النفر الأول وكذلك الاختيار لامام الحاج ان يقيم إلى النفر الثاني ويكره له أن يكون نفره قبل ذلك

باب الحج بالصبيان
لا يجب على من لم يبلغ من الرجال والنساء الحج وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج بالصبيان الصغار وقد بينا في كتاب التمهيد من معاني الحج بالصبيان ما في كفاية وبيان فجائز أن يحج بالصبيان الصغار ذكورهم وإناثهم المراضع منهم وغير المرضع إلا أن المرضع ونحوه لا يجرد للاحرام ويجرد غيرهم من المتحركين بأنفسهم يجردون من الميقات وينوي أولياؤهم بذلك الإحرام ويجتنبون ما يجتنب الكبار ولا بأس أن يؤخر إحرام الصبي عن الميقات إلى الحرم أو إلى قربه.
وان تكلم الصبي لبى عن نفسه وان لم يتكلم لم

يلب عنه وان احتاج إلى دواء فيه طيب أو احتاج إلى إماطة أذى فعله به وليه وفدى عنه.
واختلف قول مالك وأصحابه في جزاء الصيد يقتله الصبي:
فقال بعضهم: هو كجنايته يكون في ماله.
وقال بعضهم: هو في مال الولي. وهو الأشهر عن مالك.
ويطاف بالصبي ويسعى ويرمى عنه ان لم يستطع فعل ذلك بنفسه ولا يركع عنه وان قدر ركع عن نفسه ولا يطوف به إلا من طاف لنفسه وجائز أن يسعى عنه من لم يسع لنفسه ومن سعى بالصبي ينوي به السعي عن نفسه وعن الصبي أجزأهما ذلك عند مالك ويكره له أن يطوف به ينوي الطواف عنه وعن نفسه فإن فعل أعاد الطواف عن نفسه استحبابا ويجزئ عن الصبي.
وقد قيل إنه يعيد عن نفسه إيجابا وعن الصبي استحبابا والأول تحصيل المذهب والقول عندهم في الرمي عنه وعن نفسه كالقول في الطواف عنه وعن نفسه وإذا حج الولي بالصغير فما زاد على نفقته في الحضر فمن مال وليه إذا لم يخف عليه ضيعة في الحضر فإن خاف ذلك عليه فالنفقة كلها من مال الصبي وإذا بلغ الصبي في حجته مضى عليها حتى يتمها ولا تجزئه عن فرضه

باب في حج العبد وذوات الزوج
إن استأذن العبد سيده في الحج فحسن أن يأذن له فإن لم يفعل فليس ذلك عليه.
قال مالك: فإن حج معه فلا نرى أن

يمنعه ولا يحج العبد إلا بإذن السيد فإن أذن له فأحرم بالحج لم يكن له منعه وإن أحرم بغير اذن سيده فالسيد بالخيار في فسخ إحرامه أو تركه فإن فسخه فعليه القضاء إذا عتق ولو أذن له سيده في القضاء وهو رقيق اجزأه ولو عتق فحج به ينوي القضاء والفريضة أجزأه عن القضاء ولم يجزه عن الفريضة وحكم العبد إذا عتق بعد حجه أو بعد إحرامه بالحج كحكم الصبي يبلغ بعد حجه أو في حجه ولا يجزئه حجه ذلك عن حجة الإسلام.
وإذا أعتق العبد ليلة عرفة ولم يكن أحرم فأحرم ووقف بعرفة أجزأه عن فرضه فإن كان أحرم بالحج قبل ذلك تمادى في حجه وليس له رفض احرامه وتجديد احرام آخر للوقوف بعرفة وعليه التمادي في حجة حتى يتمه ولا يجزئه عن حجة الإسلام وكذلك الصبي يبلغ ليلة عرفة ولم يكن أحرم سواء في ذلك وليس على السيد جزاء ما قتل عبده المحرم من الصيد.
ولو نذر العبد حجا ثم عتق لزمه ما اعتقده من النذر في حال الرق ومن بلغ من الصبيان أو عتق من العبيد بعد ليلة النحر فلا خلاف بين العلماء أنه يتمادى في حجه فيتمه ولا يجزئه من حجة الإسلام وإذا أسلم الكافر وأدرك الوقوف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام وإذا تطوعت المرأة بالحج بغير اذن زوجها فحللها بعد إحرامها فعليها القضاء.
وقال سحنون: لا قضاء على المرأة إذا طلقت ولا على العبد إذا عتق فيما حللا منه ومن أكره امرأته على الوطء وفسد حجها ثم فارقها وتزوجت لم يكن لزوجها منعها من أداء ما وجب عليها ومؤونتها على المطلق لها لأنه لما أكرهها كان عليه أن

يحجها ومن أذن لامرأته في الحج ثم أكرهها على الوطء كان عليه أن يحجها ومن أذن لجاريته في الحج فأحرمت ثم باعها لم يكن للمشترى أن يحللها ولا أن يمنعها من المضي في إحرامها وذلك عيب إن شاء رضي المشتري به وإن شاء رده

باب جامع الحج
جائز عند مالك الطواف تطوعا وواجبا بعد العصر وبعد الصبح إلا أنه لا يكون إلا أسبوعا واحدا لأنه لا يلزم الطائف أن يصلي بأثر كل أسبوع ركعتين ولا تطوع عنده في هذين الوقتين وجائز أن يركع الركعتين إذا غربت الشمس قبل صلاة المغرب وجائز أيضا أن يؤخرهما حتى يصلي المغرب ثم يركعهما بعدها قبل أن يتنفل وتقديم المغرب على الركوع أولى وأحب إلينا ويكره مالك وأكثر الفقهاء أن أن يطوف المرء أسابيع ثم يجمع ركوعها ومن أفاض في يوم جمعة فليرجع إلى منى ويدع الجمعة وإذا لم تطف المرأة للإفاضة لحيض أو نفاس حبس عليها كريما أقصى ما يحبس الدم النساء في الحيض والنفاس ولا حجة للكرى بأن يقول لم أعلم أنها حامل.
وقال ابن المواز: كيف يحبس عليها الكرى وحده يعرض ليقطع به في الطريق ويقصر الصلاة بعرفة عند مالك كل من شهدها من أهل مكة ومنى وسائر الآفاق إلا أهل عرفة وكذلك أهل متى لا يقصرون بمنى ويقصرون في غيرها من المشاهد كلها وكذلك

أهل المزدلفة لا يقصرون بها ويقصرون بعرفة ومنى ويقصر أهل مكة بعرفة ومنى ويتمون بمكة هذا قول مالك وأصحابه وأما سائر أهل العلم فيقولون لا يقصر في شيء من تلك المشاهد إلا مسافر بينه وبين بلده مسافة يقصر في مثلها إذا كان سفره متصلا لم تنقضه إقامة.
ويستحب المقام بالمحصب عند الصدر من منى قبل دخوله مكة ويصلي به الأوقات إلى العشاء الأخيرة ثم يدخل مكة ليلا ومن ترك ذلك فلا شيء عليه ويستحب النزول بالمعرس لمن قفل إلى المدينة والصلاة فيه ولو قدمه في غير وقت صلاة انتظر به الصلاة إلا أن يخاف فوت رفقته فان كان ذلك جاز له أن ينفر قبل أن يصلي ومن صدر من منى فطاف للإفاضة ونفر أجزأه ذلك عن إفاضته ووداعه ودخول البيت كلما قدر عليه حسن والصلاة فيه نافلة حسن ولا يدخله أحد بنعليه والمعتمر إذا انصرف بأثر سعيه وطوافه لم يكن عليه وداع.
ويستحب لمن بات بمكة بعد أن ودع أن يعيد الوداع حين خروجه.
ومن نسي طواف الإفاضة وقد ودع أجزأه وداعه عن إفاضته إذا بعد وإذا ارتد الرجل بعد أن حج ثم تاب عن ردته فعليه حجة أخرى وأجاز مالك حج الأغلف ولا بأس بأخذ إذخر الحرم والسناء للحلال والحرام وما جاز للحلال أن يفعله في شجر الحرم جاز للمحرم

باب خطب الحج
خطب الحج عند مالك وأصحابه ثلاث خطب كلها مسنونة،

أولها: قبل يوم التروية بيوم وهو اليوم السابع من ذي الحجة يخطب فيه الإمام بمكة خطبة واحدة بعد الظهر ويعلمهم فيها المناسك.
والثانية: يوم عرفة قبل الصلاة إذا سكت المؤذن من الأذان بين يدي الإمام كما يفعل في الجمعة وهي خطبتان يفصل بينهما بجلوس وإن شاء أذن المؤذن حين يجلس الإمام من الخطبة الأولى فيها.
والثالثة: بمنى يوم ثاني النحر وهو يوم القر يخطب بعد الظهر خطبة واحدة يعلمهم فيها بأن النفر الأول في اليوم الثاني من ذلك اليوم ولا خطبة عند مالك وأصحابه يوم النحر وعليه أكثر الناس.
وروي عن سعيد بن المسيب في خطبة الحج مثل قول مالك وكان الزهري يقول: الخطبة الثالثة إنما كانت يوم النحر فأخرها الأمراء للشغل

باب العمرة
العمرة عند مالك وأصحابه غير مفترضة وهي عنده واجبة وجوب سنة لا يجوز لأحد قدر عليها تركها وهي أوكد من الوتر ومن أهل المدينة جماعة يرونها مفترضة كالحج وهو قول ابن عمر وابن عباس وجائز عملها قبل الحج ومعه وبعده في أشهر الحج وفي غيرها.
ومن كان حاجا مفردا لم يعتمر حتى يفرغ من حجه ولا يعتمر أحد من الحاج حتى تغرب الشمس من آخر أيام التشريق ولا بأس أن يهل أهل الآفاق في أيام التشريق بالعمرة وأما الحج فلا،

فإن رمى في آخر أيام التشريق وأحرم بعمرة بعد رميه وقبل غروب الشمس لزمه الإحرام لها ومضى فيها حتى يتمهى فإن اتمها قبل غروب الشمس لم تجزه فإن أحرم بها قبل رميه لم يلزمه عملها ولا قضاؤها عند مالك وكره مالك العمرة في السنة والواحدة مرارا وأجازها جماعة من علماء أهل المدينة وغيرهم وجائز عند مالك أن يعتمر في ذي الحجة وأخرى في المحرم وان قرب ما بينهما والعمرة من الميقات أفضل منها من الجعرانة والتنعيم ولا يجوز لمكي أن يحرم بعمرة حتى يخرج إلى الحل وعمل العمرة بعد الإحرام بها أن يلبي قاصدا إلى البيت فإذا أخذ في الطواف قطع التلبية وإن شاء قطعها إذا رأى البيت وإن شاء إذا دخل المسجد هذا كله لمن أحرم من التنعيم وأما من أحرم من الميقات أو الجعرانة فقد بينا وجوه ذلك فيما مضى من هذا الكتاب فإذا طاف سبعا وسعا سبعا على سنة الطواف والسعي على حسب ما قدمنا ذكره في الحج حلق رأسه وتمت عمرته وان قصر من شعره اجزأ ذلك عنه والحلاق أفضل وقد مضى من أحكام العمرة في باب وجوب الحج وباب التمتع ما فيه كفاية

كتاب الضحايا
باب وجوب الأضحية وعلى من تجب وما يجب فيها

كتاب الضحايا
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
باب وجوب الأضحية وعلى من تجب وما يجب فيها
الأضحية عند مالك سنة تجب على كل من وجد سعة من الرجال والنساء الأحرار وهي من السنة المؤكدة التي يحمل الناس عليها ولا يسامحون في تركها كصلاة العيدين وشبهها وأهل الحاضرة والبادية والمقيم والمسافر في ذلك سواء إلا الحاج بمنى فإنهم لا ضحية عليهم وسنتهم الهدي.
وقال مالك: الصدقة بثمن الضحية بمنى أحب إلي ويضحى عن اليتيم طفلا كان أو بالغا كما تخرج عنه زكاة الفطر ولا يضحى عن العبد ولا عليه أن يضحي عن نفسه ولا بأس أن يضحي الرجل عن أم ولده والضحية عند مالك مخالفة للهدي لأن الهدي يجب بالقول وبالتقليد وبالاشعار ولا تجب الضحية

عنده إلا بالذبح خاصة إلا أن يوجبها بالقول قبل ذلك ومن مات يوم النحر قبل أن يضحي كانت ضحيته موروثة عنه كسائر ماله بخلاف الهدي ولو مات بعد ذبحها لم يرثها عنه ورثته وصنعوا بها من الأكل والصدقة ما كان له أن يصنع فيها ولا يقتسمون لحمها على سبيل الميراث وما أصاب الضحية قبل ذبحها من العيوب كان على صاحبها بدلها بخلاف الهدي أيضا ومن وجد بضحيته عيبا ردها واشترى بثمنها مثلها ولا يشتري بأقل من ذلك الثمن ولا بأس أن يبيع الرجل أضحيته ويشتري أفضل منها بأكثر من ثمنها ولا ينبغي أن ينقص منها شيئا هذا إذا لم يوجبها ومن أخرج ثمنا لأضحية وأوجبه لذلك فيستحب له أن لا يرد شيئا منه إلى ماله وان اخرجه بغير إيجاب وفضل منه فضل صنع به ما شاء ومن اشترى ضحية عجفاء فسمنت قبل الذبح اجزأت عنه ولو اشتراها سمينة فحدث بها عيب مفسد قبل أن يذبحها ولو بعد أن أضجعها للذبح لم تجز عنه وكان عليه بدلها أن قدر عليها وما عرض لها بعد تمام ذكاتها لم يضرها ومن ضاعت أضحيته فأبدلها ثم وجدها في أيام الذبح او بعدها فليس عليه ذبحها فإن ضاعت ولم يبدلها ووجدها في أيام الذبح ذبحها وان وجدها بعد ذلك فليس عليه ذبحها وهي ماله يصنع بها ما شاء.
ولا بأس أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالشاة الواحدة وكذلك البقرة والبدنة وسواء كانوا عند مالك سبعة أو أكثر إذا كان هو منفردا بها ويشركهم في أجرها ولا يجوز عنده أن يشترك اثنان فما فوقهما في ضحية واحدة ولا في هدي واحد،

على أن يخرجوا الثمن من قبل أنفسهم ويقسموا اللحم على قدر ذلك وهذا الوجه الذي كرهه مالك أجازه أكثر العلماء من أهل المدينة وغيرهم إذا كانوا سبعة فما دونهم واشتركوا في بدنة أو بقرة وإن كانوا أكثر من سبعة لم يجز عن واحد منهم والشاة لا تجزي عندهم إلا عن واحد وإذا اشترى جماعة ضحايا فاختلطت فذبح كل واحد منهم أضحية جاز لهم أن يصطلحوا عليها ويقسموها ويضحي كل واحد منهم بالشاة التي تصير إليه وإن اختلطت فذبح كل واحد منهم ضحية غيره عن نفسه لم يجز ذلك عند مالك عن واحد منهم ويضمن كل واحد منهم ضحية صاحبه بقيمتها وكان على كل واحد منهم أن يضحى إن علم ذلك في أيام النحر

باب سن الأضحية وأي الضحايا أفضل وما يتقى فيها من العيوب
السن التي تجزأ في الضحايا الجذع من الضأن فما فوقه والثني فما فوقه من المعز والإبل والبقر والجذع من الضأن ابن عشرة أشهر إلى سنة ونحوها وأقل سن الجذع من الضأن ستة أشهر وما زاد عليها إلى العشر أبعد من الإشكال والثني من الضأن والمعز ما قد أثنى وهو ابن سنتين أو دخل في سنتين أو نحوها وكذلك البقر.
وقيل: إذا دخل في السنة الثالثة فهو الثني من البقر ، وقيل: إذا دخل في الرابعة، والثني من الإبل ما قد

ألقى ثنيته أيضا وهو ابن خمس سنين.وقيل: ست سنين.
وأفضل الضحايا عند مالك: فحول الضأن ثم خصيانها ثم إناثها ثم فحول المعز ثم خصيانها ثم إناثها ثم البقر والإبل وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم المعز ثم الضان.
قال مالك: الإبل في الهدايا أفضل ما تقرب به. وعند غير مالك، الهدايا والضحايا في ذلك سواء الإبل مقدمة في الفضل عندهم ثم البقر ثم الضأن ثم المعز والعفراء أفضل من السوداء إذا ساوتها في الثمن والسمن ولا خلاف أن الثني من الضأن أفضل من الجذع ويتقي في الضحايا من العيوب العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها وهي التي لا تلحق الغنم والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى وهي التي لا شحم لها ولا مخ في عظامها لهزالها والعيب اليسير في العين لا بأس به.
وجائز أن يضحى بالصغيرة الأذنين فإن كانت مخلوقة بغير أذنين لم تجز ولا بأس بالشق اليسير في الأذن وكذلك القطع اليسير كالميسم وشبهه والشق أهون من القطع فإن كان أكثر الأذن مقطوعا لم يجز والنصف عند أصحابه كثير ولا يحفظون عن مالك فيه حدا ويجيء على أصله أن ما زاد على ثلثه كثير ويخرج أيضا على أصله أن الثلث كثير وان حكم الثلث حكم ما فوقه.
ولا بأس عنده بالمثقوبة الأذن إذا كان ثقبا يسيرا وكذلك القطع والجدع إذا كان يسيرا ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن يضحى بالشرقاء ولا بالخرقاء ولا بأعضب القرن" والشرقاء المشقوقة

الأذن كلها باثنين أو أكثر والخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير وفي الحديث النهي عن أن يضحى بالمقابلة والمدابرة وتلك نحو الشرقاء والخرقاء.
وقد قيل: المقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شيء ثم يترك معلقا لا يبين كأنها زنمة والمدابرة أن يصنع مثل ذلك يموخرة الأذن من الشاة والأعضب القرن إذا ذهب نصفه ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهيماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها لأنه عيب غير خفيف والنقصان كله مكروه إلا أنه لا بأس بالخصي الأجم وكره مالك المكسورة القرن إذا كان يدمى فإن لم يدم فهي مثل الجلحاء ولا بأس بها وأما الأبتر فإن كان مستأصل الذنب لم يجز أن يضحى به وإن كان القطع يسيرا كالطرف وشبهه فلا بأس به وإن قطع منه ثلثه أو أكثر لم يجز.
وقد قيل يجوز ما لم يكن لا ذنب له ولا تجوز الجرباء إذا كان لها مرضا لأنه يضر بلحمها ولا بأس بالبدنة المدبورة إذا كان خفيفا وإن كان دبرا بينا لم يجز.
ولا بأس أن يضحى بالشاة الثولاء إذا كانت سمينة والشاة الحمرة وهي التي بشمت من الأكل كالفرس إذا سنق من الشعير لا يجوز أن يصحى بها لأنه بين مرضها.
ومن وجد عيبا بضحيته بعد ذبحها كان عند البائع بها فإن كان عيبا يجوز معها أخذ أرشه وانتفع به وأجراه مجرى ضحيته ويستحب له أن يتصدق

به فإن كان عيبا لا يجزئ معه صنع به ما شاء وأبدلها إن كان في أيام النحر

باب وقت ذبح الضحايا
أيام الذبح يوم النحر ويومان بعده وهي الأيام المعلومات وأولها أفضلها للذبائح فيه ضحيته ثم الثاني ثم الثالث ولا يضحى في اليوم الرابع عن مالك وأكثر أهل المدينة.
وقد روي عن بعضهم إجازة ذلك ولا يضحى بليل عند مالك وأصحابه فإن فعل لم تجزه عندهم ومن ذبح يوم النحر قبل الصلات لم تجزه.
وكذلك عند مالك إن ذبح بعد الصلاة قبل الإمام لم يجزه أيضا إلا أن يكون الإمام لم يذبح فيجزئه إن تحرى مقدرا ذبح الإمام ثم يذبح وإذا انصرفوا من المصلى جاز الذبح فيما قرب وبعد وأهل البوادي يتحرون أقرب القرى والمدن إليهم فيذبحون بعد ذبح الإمام الذي يليهم فإن تحروا فذبحوا قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة فقد نجوا ولو كان ذلك قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة أجزأهم وقد قيل عن مالك لا يجزئهم والأول تحصيل مذهبه

باب العمل في الضحايا
الأفضل في ذبح الضحية أن يباشر بالرجل ذبح ضحيته بيده ولا يأمر بذلك غيره فإن لم يفعل فلا حرج إذا ذبح له غيره بأمره وإذا كان له من يقوم بأمره كالابن والوكيل وذبح له بغير إذنه جاز.
ولو ذبح رجل ضحيته بغير إذنه ضمنها وغرم قيمتها ويبتاع بالقيمة ربها غيرها بدلا منها ولو غصبها رجل فذبحها عن نفسه ضمن قيمتها ولم تجز عنه ويستحب له إذا ولدت الضحية أن يذبح ولدها معها وليس ذلك بواجب عند مالك ولا يذبح الضحية ولا النسك كله إلا مسلم فإن ذبحها غير مسلم لم تجز.
وقد قيل: تجزأ مع الكراهة وهو قول أشهب والأول تحصيل المذهب وبه أقول.
ويأكل الرجل من أضحيته ويطعم الفقراء والأغنياء إن شاء نيا ومطبوخا ولا يطعم منها إلا مسلما وليس لما يطعم منها ويتصدق به ولا لما يأكل حد عند مالك وقد بينا في كتاب التمهيد هذا المعنى عند قوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا وتصدقوا وادخروا".
ولا بأس بالانتفاع بجلود الضحايا ولا يباع شيء منها ولا يبادل لحمها بغيره ولا يعطى في دباغ جلدها شيء منها ولا يعطى الجازر شيئا من لحمها على ذبحها وسلخها فان باع الجلد تصدق بثمنه وينبغي أن يعلم الرأس بعلامة لئلا يختلط في الفرن فان اختلطا فليحلل كل واحد منهما صاحبه مما صار من فضل ذلك إليه

ولا ضمان عله ولا بأس بشرب لبن الضحية ما لم يضر بها بعد ري ولدها ويستحب له أن لا يجز صوفها حتى يذبحها.

باب العقيقة
العقيقة سنة مرغوب فيها، ومعناها: الذبح عن المولود يوم سابعه ما يجوز ضحية من الأزواج الثمانية ولا تكون من الوحش ولا من الطير.
وقد قيل عن مالك: إنها لا تكون إلا من الغنم دون الإبل والبقر ويتصدق بلحمها ويؤكل منها كحكم الضحايا.
واختلف عن مالك أيهما أوكد في السنة الضحية أو العقيقة؟ :
فروي عنه الضحية، وروي عنه العقيقة أوكد، وكلاهما عندي سواء لأنها من شرائع الإسلام فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بهما وأقرهما.
وروى عنه معن بن عيسى فيمن كان سابع ابنه يوم النحر أنه أحب إليه أن يعق عنه ويترك الضحية وكان مالك لا يعتد باليوم الذي يولد فيه المولود في أيام أسبوعه إلا أن يولد قبل الفجر وإلا ألغى ذلك اليوم وكان يستحب أن يسمي الصبي يوم السابع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى".
وقد أوضحنا معاني هذا الباب في كتاب التمهيد والحمد لله ولا عقيقة بعد يوم السابع وهو

الأشهر عن مالك.
وقد روي أنه يعق عنه في سابع ثان إذا عاق عن الأول عائق ويعق عن الغلام وعن الجارية بشاة شاة عن كل واحد منهما هما عند مالك في ذلك سواء ولو عق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة كان حسنا وسواء كانت الشاة ذكرا أو أنثى وحلق رأس المولود والصدقة بوزن شعره فضة أو ذهبا لمن لا يقدر على العقيقة حسن وليس بواجب ولا سنة وتذبح العقيقية في صدر النهار ومن ذبحها ليلا كان كمن ذبح ضحيتة ليلا عند ابن القاسم وغيره يكره ذلك ويجيزه ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحية ويوكل منها ويطعم ولا بأس بكسر عظمها ولا يلطخ الصبي بشيء من دمها والحكم فيها أن يهدى إلى الجيران منها نيا ومطبوخا وهذا أفضل من الني ولا يطعم منها ولا من الضحايا كافر ولو دعا الناس إليها من غير مباهاة لم يكن بذلك بأس

كتاب الذبائح
باب الذكاة وحكمها

كتاب الذبائح
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى اله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
باب الذكاة وحكمها
كل مقدور عليه يجوز ذبحه صنفان أحدهما حكمه الذبح والآخر حكمه النحر والذبح أن يقطع الحلقوم والودجان ولا يراعي مالك قطع المرئ وإن قطع الودجين وأكثر الحلقوم أجزأ عند أكثر أصحاب مالك ومن لم يجز على ذلك ورفع يده قبل تمام بلوغ الذكاة ثم رجع في الفور فأكمل الذكاة أجزأه وقيل لا يجزئه والأول أصح لأنه جرحها ثم ذكاها بعد وحياتها مستجمعة فيها.
وينبغي أن تكون القلصمة إلى الرأس فإن لم تكن فلا بأس والنحر والطعن في اللبة ولو ذبح ما السنة في ذكاته النحر أو نحر ما السنة في ذكاته الذبح من غير ضرورة لم يؤكل كراهية لا تحريما فإن كان من ضرورة فلا بأس به وقال عبد العزيز بن أبي سلمة وجماعة من أهل المدينة وغيرهم

إن ذلك جائز من غير ضرورة ولا بأس أن تنحر البقر وأن تذبح من ضرورة وغير ضرورة والاختيار الذبح وأما الغنم فلا تنحر إلا على ما ذكرنا.
وكذلك الإبل لا تذبح إلا على ما وصفنا.
ومن نسي أن يسمي على الذبيحة لم يضره ذلك ولا بأس بأكلها وإن ترك التسمية عامدا لم تؤكل عند مالك ومن أهل المدينة وغيرهم من قال: لا يضر المسلم ترك التسمية عامدا ولا ناسيا لأنه ذبح بملته ودينه، ألا ترى أن المجوسي لو سمى لم ينفع ذلك شيئا !.
ومن ذبح حيوانا من قفاه لم يؤكل وذكاة الذبيحة ذكاة لجنينها إذا لم يدرك حيا وكان قد نبت شعره وتم خلقه فإن لم يتم خلقه ولم ينبت شعره لم يؤكل إلا أن يدرك حيا فيذكى ومن استوحش من الإنسي لم يجز في ذكاته إلا ما يجوز في ذكاة الإنسي وكذلك المتردي في البئر لا تكون الذكاة فيه إلا فيمن بين الحلق واللبة على سنة الذكاة.
وقد خالف في هاتين المسألتين بعض أهل المدينة وغيرهم والصحيح في ذلك ما ذهب إليه مالك.
وأما المتردية والنطيحة والموقودة وأكيلة السبع فإن كل واحدة من هذه إذا ذكيت وعينها تطرف ونفسها تجري وقد حركت يدا أو ذنبا أو رجلا وحياتها مجتمعة جازت فيه الذكاة وذلك ما لم تنتقض بينتها مثل أن تنخع فيظهر نخاعها أو تنتشر أحشاؤها أو يقطع صلبها أو موضع الذكاة منها السبع وفي هذه المسألة خلاف كبير لأصحابنا وغيرهم، وهذا هو الصحيح في ذلك عن مالك ومن يرضى قوله من أهل العلم في ذلك ولم يختلف العلماء في المريضة يبلغ منها المرض مبلغا لا يرجى معه لها بقاء أنها تؤكل إذا ذكيت وفيها حياة،

قال ابن القاسم عن مالك: إذا ذكيت المريضة ونفسها تجر وإن كما لا يرجى أن تعيش فلا بأس بها.
وذكر ابن وهب في موطئه قال: قال مالك في شاة تردت فكسرت وأدركها صاحبها وهي تتحرك فذبحها فسال الدم ولم تتحرك قال: أرى إن كان صاحبها ذبحها ونفسه تجر وهي تطرف أن يأكلها.
ويستحب للمسلم أن يستقبل بذبيحته القبلة ومن ذبح إلى غير القبلة فلا شيء عليه.

باب ما يجوز أن يذبح به
كل شيء يذبح مما له حد يمر في اللحوم مرور الحديد وينهر الدم جاز أكل ما ذبح به إلا الظفر والسن فإن ذلك خنق والمعنى في ذلك إذا لم يكونا منزوعين فإذا كان ذلك لم تقع بهما ذكاة.
واختلف في العظم فقيل: لا تقع به ذكاة على حال لنهي الوارد في ذلك عن النبي عليه السلام.
وقيل: إنه مكروه ويجوز على كراهيته.
وقيل: لا بأس أن يذكي بالعظم إن كان يفري

باب من تجوز ذبيحته
لا تجوز ذبيحة غير المسلمين وأهل الكتاب ولا تؤكل ذبيحة المربد وان تهود أو تنصر والمجوس وأهل الأوثان وسائر

كتاب الصيد
باب ما يجوز أن يصطاد به من الجوارح المكلبة والسلاح القاطعة ومن يجوز صيده

كتاب الصيد
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
باب ما يجوز أن يصطاد به من الجوارح المكلبة والسلاح القاطعة ومن يجوز صيده
الجوارح التي يجوز أن يصاد بها الكلب والفهد والباز والشوذنيق والرخم والعقاب والشاهين وسائر الصقور ومن أشبهها من سباع الطير ولا يجوز صيد جارحة ليس معلما ولا صيد معلم شركة غير معلم إلا أن تدرك ذكاته ولا يضر أكل المعلم من الصيد عند مالك وأكثر أهل المدينة وجائز عندهم أكل ما أكل منه الكلب المعلم من الصيد ولو لم تبق إلا بضعة واحدة وتعليمه عندهم أن يشلى فيشتلي ويزجر فينزجر ويرسل فيسترسل ويطيع إذا نبه ويسارع إذا صيح عليه ويتكرر منه ذلك كله حتى يعلم منه أنه

قد فهم وتعلم فهذا حد التعليم لا ماسواه وليس بأن لا يأكل والباز في ذلك والكلب سواء ومن اصطاد المعلم بغير إرسال فلا يؤكل إلا إن يدرك ذكاته وكل ما صاد به الإنسان من جميع السلاح والسيوف والسهام والرماح وكل ما له حد من الحديد وغيره إذا كان قاطعا نافذا للمقاتل فالذكاة واقعة به أين ما ضرب الصيد منه إذا أصاب له مقتلا وسمى الله عليه في حين رميه إياه وكل ما مات بقتل السهم وسائر السلاح جائز أكله لأن الضرب بالسلاح وإرسال السهم الذي ينفذ المقاتل كمباشرة الذابح للذبح وهذا كله في الممتنع المستوحش غير المقدور عليه.
فأما المقدور عليه المتمكن به فقد مضى حكمه في الذبائح ولا يؤكل من صيد الحبالة والفخ والشرك والبندقية إلا ما أدركت ذكاته والحجر كالبندقية إذا رض ودق فإن كان له حد فجرح بحده وقتل جاز أكل ما قتل.
وكذلك ما أصاب المعراض بعرضه لم يجز أكله إلا أن تدرك ذكاته ومن نسي التسمية على الإرسال فهو كمن نسيها على الذبح وكذلك من تعمد كمتعمده على الذبيحة وقد مضى ذكره في الذبائح ومن جاز أكل ذبيحته جاز أكل صيده بجارحه وسلاحه ولا يؤكل من صيد من لا تؤكل ذبيحته إلا ما أدركت ذكاته.

باب جامع في الصيد
من رمى صيدا فوقع في الماء أو تردى من جبل أو رماه

في الهواء فوقع في الأرض فإن كان قد أصاب مقاتله وأنفذها قبل أن يقع إلى الأرض أو قبل أن يتردى أو يقع في الماء فقد تمت ذكاته لأن ما بلغ منه مبلغ الذبح لم يضره ما ناله بعد وإن كان لم ينفذ مقاتله فلا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته ومن شك فيه من ذلك لم يؤكل وما ضرب من الصيد فقطع بنصفين أو بأن رأسه أكل جميعه وأكل الرأس والبدن وإن قطع يده أو رجله ومات من ذلك أكل كله حاشا يده أو رجله.
وقد روي عن مالك وغيره من أهل المدينة أنه يؤكل جميعه قليلة وكثيرة لأن الضربة البينة الاصطياد ذكاة له وما قطع من حي فهو ميتة إذا عاش ذلك الحي أو لم يكن صيدا.
وكره مالك أكل صيد أهل الكتاب ولم يحرمه لقول الله عز وجل: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} ، يعنى أهل الإيمان وهو عند جمهور أهل العلم مثل ذبائحهم.
ولا بأس بالاصطياد بكلب المجوس ومن أرسل كلبه فغاب عنه أو أرسل سهمه ولم يره ثم وجد الكلب أو السهم قد أنفذ مقاتل الصيد فلا بأس بأكله ما لم يبت خوفا من أن يكون أعان عليه بعض دواب الأرض.
وقد قيل: إن غاب عنه طويلا فلا يأكله سواء بات عنه أو لم يبت وهذا قول من قال: كل ما أصميت ودع ما أنميت.
وقد قيل: يأكله وإن بات عنه إذا أصاب سهمه أو كلبه قد أنفذ مقاتله وهذا هو المعمول به في تحصيل المذهب.
ولو أرسل كلبه على صيد فأخذ منها واحدا وقتله جاز أكله وإذا عدل الكلب في إرساله

عن الصيد إلى جيفه رآها ثم اندفع بعد ذلك من قبل نفسه دون ان يشليه مرسله لم يجز أكل ما قتل إذا كان بعد حين وإذا كان عدوله يسيرا كضرب من طلبه للصيد لم يضره وإذا انفلت الكلب في طلب الصيد فأشلاه صاحبه بعد ذلك أو زجره فلا يأكل ما صاده.
وقد قيل: إذا أشلاه بعد حروجه فانشلى وسمى عليه جاز أكل صيده والأول قول مالك ومن رأى شيئا يظنه خنزيرا أو سبعا فرمي على أنه خنزير فقتله فإذا هو صيد لم يؤكل ومن أخذ من أفواه الكلاب حيا من الصيد قد عقرته الكلاب فلم تدرك ذكاته من غير تقصير حتى مات فإنه يؤكل إلا أن يفرط في ذكاته فإنه لا يؤكل وما صيد بالسهم المسموم لم يؤكل إلا أن يكون السهم بذاته قتله وأنفذ مقاتله فإن أنفذ مقاتله السهم قبل أن يسري السم فيه جاز أكله إلا أنه يكره أكله خوفا من داء السم فإن أشكل أمره وجب الكف عنه ولا يؤكل إلا أن يصح أن السهم قتله دون السم وما لم تنب فيه الكلاب وتجرحه لم يؤكل وقد قيل يؤكل إذا مات من صدمة الكلب وإن لم ينب فيه ولم يجرحه وهو قول أشهب.
وقد روي عن مالك ذلك وإذا ند البعير فلم يقدر على أخذه أو نحره أو ذبحه بين الحلق واللبة فيذكي لم يؤكل عند مالك وأصحابه وعند سائر أهل العلم إذا استوحش المستأنس وند وامتنع جاز قتله بما يجوز به قتل الصيد وإذا أرسل رجلان كلبين فاشتركا في قتل صيد كان بينهما وإذا نفذ أحدهما مقاتله قبل إدراك الآخر له فهو للأول الذي قتله دون الثاني.
ولو أخذ رجل صيدا ثم افلت منه

فصاده غيره فهو للأول إلا أن يلحق بالوحش ويمنتع فيكون لمن صاده ثانية ومن وقع في الفخ والحبالة فلربها فإن الجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له اخذها فربها فيه شريكه ومن وقع في الجيح المنصوب في الجبل من ذناب النحل فهو كالحبالة والفخ وحمام الأبرجة ترد على أهلها ان أستطيع على ذلك وكذلك نحل الجياح وقد روي عنه وقاله بعض أصحابه وليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يرده وإن وقعت سمكة في سفينة فهي لآخذها دون رب السفينة وليس لصاحب البركة والغدير أن يمنع من صيد سمكها إلا أن يكون قد حظر عليها ولو ألجأت الكلاب صيدا فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد ومرسل الكلاب دون صاحب البيت وإن دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب له فهو لرب البيت.

كتاب الأطعمة
باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه
باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه
لا يحل أكل الحمار الأهلي ولا تعمل الذكاة فيه للحمه ولا لجلده ولا بد لمن أراد تطهير جلده من دباغه ولا يؤكل عند مالك الحمار الوحشي إذا استأنس وعمل عليه وركب لأنه قد صار أهليا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية وهو عند مالك على اصله لا بأس بأكله وكما يؤكل الإنسي لو توحش فكذلك لايمتنع من أكل الوحشي إذا تأنس ولا تؤكل الخيل عند مالك كراهية لا تحريما ولا يجوز أكل البغال كما لا يجوز أكل الحمر ولا يؤكل الفيل ولا الفأر ولا الوزغ ولا يجوز أكل ذي ناب من السباع وكل

ما افترس وأكل اللحم فهو سبع هذا هو المشهور عن مالك وقد روي عنه أنه لا بأس بأكل الثعلب والوبر ولم يجعلهما مثل الأسد والذئب والفهد والنمر والضبع ولا يجوز أكل الهر وحشيا ولا إنسيا وجائز أكل الأرنب ولا بأس عند مالك بأكل الطير كله سباعها وغير سباعها ما كان منها يأكل الجيف وما لم يأكلا ذا مخلب كان او غير ذي مخلب ولا بأس بأكل الضب واليربوع والورل وجائز عند مالك اكل الحيات إذا ذكيت وكذلك الأفاعي والعظاية والقنفذ والضفدع ومن نعلماء المدينة جماعة لا يجيزون أكل سباع الطير ولا ما أكل الجيف منها ولا الجلالة من الدواب وغيرها ولا أكل شيء من خشاش الأرض وهوامها مثل الحيات والأوزاغ والفار وما أشبهه وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هولاء أكله ولا تعمل الذكاة عندهم فيه وهو قول أشهب وعروة وجماعة من المدنيين وغيرهم ولا بأس بأكل ميت الحيتان طافيا أو راسبا وصيد البحر كله حلال إلا أن مالكا يكره خنزير الماء لا سمه وكذلك كلب الماء عنده ولا بأس بأكل السرطان والسلحفاة والضفدع ولا يضر صيد المجوس للحيتان لأنها لا يحتاج إلى ذكاتها ولا يؤكل عند مالك من الجراد ما مات حتف أنفه وإنما يؤكل منه عنده ما حصل موته بفعل آدمي أو معالجته كقطعه أو طرحه في النار ونحو ذلك وغير مالك يجيز أكل الجراد كيف ما مات وحكمه عندهم حكم الحيتان.

باب ما يحل من طعام أهل الكتاب وغيرهم من أهل الكفر
الذي يحل لنا من طعام أهل الكتاب ذبائحهم وما لا يحرم علينا من سائر طعامهم غير الذبائح مما يحتاج إلى زكاة وقد كان مالك يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم وكره أن تكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون وهذا منه رحمه الله تنزه وكذلك ينبغي أن يتنزه عن ذبائح اليهودي والنصراني مع وجود ذبائح المسلمين ألا ترى أنه لا يجوز لكتابي أن يذبح نسكا لمسلم والأصل أن ذبائح أهل الكتاب حلال وذلك ما لا يختلف فيه لقول الله تبارك وتعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وتأويله عند أهل العلم ذبائحهم.
وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب وكره مالك شحوم اليهود واكل ما نحروا من الإبل وسائر كل ذي ظفر واكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا ولا بأس بأكل طعام عبدة الأوثان المشركين والمجوس وسائر من لا كتاب له من الكفار ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إلا الجبن لما فيه من أبقحة الميتة وإذا كان أب الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إن كان أحد أبويه ممن لا تجوز ذبيحته وكره مالك ما صنعه الكفار لأعيادهم من الطعام وخشي أن يكون مما أهل

لغير الله به ولا بأس بالشرب في آنية الكفار كلهم إذا غسلت ونظفت ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير.
وأجاز مالك وجماعة من أهل العلم سعة الانتفاع بشعر الخنزير في الخرز وغيره وأجمع المسلمون على تحريم لحمه وشحمه وكل شيء منه ما عدا الانتفاع بشعر أنثاه وذكره

باب حكم الميتة
أكل كل ميتة من حيوان البر حرام إلا عند الاضطرار إليها لخوف ذهاب النفس وجائز عند مالك للمضطر أن يشبع من الميتة ويتزود منها لحاجة إليها حتى يجد الذكي او غيره من الطعام الحلال فيحرم عليه ما بيده منها وغيره لا يجيز له منها إلا ما يحبس رمقه ويرد نفسه لأنه من كان في حاله تلك لم تحل له أولا ومن كان في سفر معصية واضطر إلى الميتة لم يأكلها حتى يفارق المعصية وقد قيل يأكلها إذا خشي ذهاب نفسه.
والميتة عند مالك أحل للمضطر المحرم من قتل الصيد في الحرم أو في الإحرام وأكله إلا أن تكون الميتة متغيرة الرائحة يخاف على نفسه منها فيصطاد حينئذ في الحرم ويأكل ما يمسك به نفسه على حكم الميتة عنده على ما قدمنا ذكره عنه ومن وجد ميتة ومالا لغيره لم يحل له أكل الميتة إلا أن يخشى أن تقطع يده فإن لم يخف ذلك اكل من مال غيره وضمنه إذا أيسر وقد قيل لا ضمان عليه فيما اضطر إليه والصواب وجوب الضمان عليه كما لو اضطر إلى لقطة عنده فأكلها قبل مرور الحول

وما كان مثلها ضمنها ولا يشرب المضطر خمرا ولا يتعالج أحد بالخمر ولا بشيء من النجاسات كلها وإذا اختنق الإنسان أو كانت في حلقه غصة ولم يجد ماء ولا مائعا حلالا فجائز له شرب الخمر ليدفع بها تلك الغصة وهذه مسألة أبي الفرج القاضي من روايته وهي محفوظة له ولا تؤكل بيضة أخرجت من دجاجة ميتة وكذلك لبن الميتة لأنه في ظروف نجس لأنه يموت بموت الشاة.
وإذا سلق بيض فوجد في بعضها فرخ لم يؤكل منه شيء لأنه نجس كله وإذا وجد في البيضة دم حرم أكلها وإذا وقعت ميتة أو شيء من النجاسات في طعام أو شراب أو مات فيه حيوان له دم فإن كان الطعام أو الشراب جامدا طرحت الميتة والنجاسات وما حولها وانتفع بباقيه وإن كان ذائبا أريق كله وإن كان زيتا فلا بأس باستعماله في الصابون للغسل ولا بأس بالاستصباح به في غير المساجد ولا يجوز أكله ولا بيعه ولا تطهر الأدهان النجسة بغسلها وهذا تحصيل مذهب مالك وطائفة من المدنيين ومنهم من أجاز غسل البان النجس والزيت النجس وليس لقائل ذلك سلف وجائز أن يعلف الدواب نجس الطعم إذا كانت منها مما لا يؤكل لحمه ولا بأس بالانتفاع بشعر الميت وصوفها ولا يجوز الانتفاع بريشها ولا عصبها ولا عظمها ومن أهل المدينة من يجيز الانتفاع بمداس العاج وأمشاطه منهم عروة وابن شهاب وتحصيل مذهب مالك كراهية ذلك وجلود الميتة نجسة وهي بعد الدباغ طاهرة إلا أن مالكا يجعل طهارتها مخصوصة بالانتفاع بها واستعمالها في اليابسات وفي الماء وحده دون سائر المائعات وكان

يكره في خاصة نفسه استعمالها في الماء ولم يضيق ذلك على غيره ولا يجوز عنده بيعها ولا الصلاة عليها وأما غيره من أهل المدينة فإنه يذهب في طهارة جلود الميتة إذا دبغت إلى أنها طاهرة كاملة في كل شيء من البيع واستعمالها في الماء وغيره وعلى هذا أكثر أهل العلم وإليه ذهب عبد الله بن وهب لعموم قول النبي عليه السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر وما يؤكل لحمه ما لا يؤكل سواء في طهارة جلده بالدباغ عند مالك وأكثر أصحابه.

كتاب الأشربة
كتاب الأشربة

كتاب الأشربة
الخمر شراب العنب المسكر وكل شراب أسكر كثيره أو قليله فهو خمر وكثيره وقليله حرام من جميع الأشربة وهو قول جماعة من أهل الحجاز والشام وما خالف هذا القول باطل بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله وقد سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وقال عليه السلام: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وقال: "ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام" .
والذي يحل من الأشربة ما لا يسكر كثيره من عصير العنب وغيره ولا بأس بشرب العصير ما لم يغل ولا بأس به إذا طبخ طبخا لا يسكر بعده الكثير منه ولا ينبغي أن ينقص

طبخه من ذهاب الثلثين.
وكل شراب لا يسكر منه فهو مباح ما لم تكن عليه معاقرة فإن كانت هناك معاقرة لم يجز والمعاقرة عند جماعة من أهل العلم مكروهة كراهية شديدة على الشراب المباح وعلى غير المباح حرام ولا يخلل أحد خمرا فإن خللها فبئس ما فعل وليستغفر الله وليأكلها إن شاء وقد قيل لا يأكلها إلا أن تعود خلا بغير صنيع آدمي وهو الأشهر عن مالك وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه أقول.
وقد قيل: إنها حرام إذا خللها الآدمي إلا أن يكون نصرانيا ولا يجمع التمر والزبيب بنبيذ ولا يخلط نبيذ تمر ونبيذ زبيب والخليطان من جميع الأشربة التي يصنعها الناس لا يجوز شربها إلا أنه لا يحد شاربها إذا لم يسكر الكثير منها.
وسيأتي ذكر حد الخمر في كتاب الحدود إن شاء الله.
والنهى عن الخليطين لم يجئ مجئ تحريم المسكر فلهذا صار شرب الخليطين مكروها من غير تحريم.
وصفة الخليطين أن يجمع بين نوعين يحتمل كل واحد منهما ان ينبذ عل حدته وذلك انه إذا جمع بينهما أسرعت الشدة إلى ذلك الشراب والنهي عن ذلك كالنهي عن الانتباذ في الأوعية الضاربة.
وقد كره مالك أن يخلط من الأنبذة ما قد نبذ مفترقا كنبيذ تمر ونبيذ زبيب يجعلان في إناء واحد ثم يشربان معا وكان يكره إذا خلطا للخل أيضا وكل صنفين من التمر والزبيب إذا خلطا في الانتباذ فهما خليطان كالزبيب الاحمر والأسود والتمر الصيحاني والعجوة والبسر المطرق ولا بأس بشرب البتع إذا لم يسكر كثيرة.
وقد قيل فيه: إنه من الخليطين والأول قول مالك وكره مالك الانتباذ

في الدباء والمزفت دون غيرهما من الأوعية وغيره من العلماء يخالفه فيجيز الانتباذ في كل وعاء لمن شربه حلوا حلالا.
ولا يحل لمسلم أن يملك خمرا ولا شرابا مسكرا ويراق عليه وتكسر ظروفها عنده أدبا له ويعاقب بقدر ما يعلم منه إلا أن يشربها فيضرب الحد تاما ثمانين جلدة ومن أسلم وعنده خمر أريقت عليه ولم يعاقب إلا أن يتقدم في ذلك إليه ولا يحل لمسلم أن يؤاجر نفسه أو دابته في شيء من عمل الخمر فإن فعل تصدق بذلك وليستغفر الله

باب مختصر القول في المكاسب
من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغاء والسحت والرشاوي وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الرمز واللعب والباطل كله ومن كسب الحرام المجتمع عليه أيضا الغصب والسرقة وكل ما لا تطيب به نفس مالكه من مال مسلم أو ذمي وهو ما يستباح الناس قتله وينبغي للمسلم أن يجتنب الشبهات فإن فعل ذلك فقد استبرأ لدينه ولا يقطع بتحريم شيء من الشبهات إلا بما بان تحريمه وارتفعت الشبهة فيه والورع عنه مع ذلك أفضل وأقرب للتقوى ولو بايع رجل رجلا ممن يتهم بمال حرام لم يفسخ بيعه إلا ان يكون البيع وقع على شيء بعينه يعرف أنه حرام فإن كان ذلك فسخ البيع فيه، ولا بأس بأكل

طعام من ماله حلال وحرام وإذا كان الأغلب منه الحرام وجب اجتنابه في الورع ولا يقطع أنه حرام إلا أن يعرف شيء بعينه حراما وكسب الحجام ليس بحرام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه على ذلك ولا يعطيه حراما واختلاف الآثار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن فيه بعض الدناءة.

كتاب الأيمان والنذور
باب القول في الأيمان بالله عز وجل

كتاب الأيمان والنذور
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
باب القول في الأيمان بالله عز وجل
الأيمان بالله عند مالك رحمه الله ثلاثة: اثنان لا كفارة فيهما، وهما: اللغو والغموس.
فأما اللغو: فهو أن يحلف الرجل على الماضي أو الحاضر في الشيء يرى أنه صادق فيه ثم ينكشف له بخلاف ذلك أن يحلف على رجل يراه بعيدا أنه فلان ثم تبين أنه غيره أو يحلف على طائر أنه غراب ثم تبين له خلاف ما علم منه.
وقد ذكر في موطئه عن عائشة ما يدل على أن اللغو كل ما لا يعتقده الإنسان ولا يقصد به عقد اليمين نحو: قول الرجل في درج كلامه لا والله وبلى والله غير معتقد لليمين وقد قال بكلا الوجهين من أهل العلم جماعة من أهل المدينة وغيرها من السلف وأئمة الفتيا بأمصار المسلمين وقد

ذكرناهم في كتاب الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار ولا لغو في عتق ولا طلاق وإنما اللغو في اليمين بالله عز وجل خاصة.
وأما الغموس فهو: أن يعتمد الحالف الحلف على الماضي بما يعلم أنه فيه كاذب فيقول والله لقد كان كذا أو لقد فعلت كذا وهو يعلم أنه لم يكن ولم يفعله فعلى هذا الاستغفار والتوبة ولا تلزمه كفارة.
واليمين الثالثة: التي فيها الكفارة هي اليمين المعقودة فيما يستقبل كقول الرجل: والله لا فعلت أو والله لأفعلن وفيها الاستثناء والكفارة ومن حلف بالله أو باسم من أسماء الله مثل أن يقول: لا والرحمن الرحيم أو لا والغفور الشكور أو لا والسميع البصير ونحو هذا من أسمائه تبارك وتعالى أو يحلف بصفة من صفاته، نحو قول الحالف: وعزة الله أو قدرة الله أو وعظمة الله أو جلاله وما أشبه نذلك من صفاته، نحو: علم الله وكلامه أو بالقرآن عل اختلاف من قوله في الحلف بالقرآن فحنث في شيء من ذلك فعليه كفارة يمين.
وكذلك أن قال: بحق الله أو بعهده أو بميثاقه أو كفالته إذا أراد بذلك اليمين فهي عند مالك تجري مجرى الصفات ومن قال والله والله أو والله الرحمن الرحيم أو كيف كرر اليمين فهي ييمين واحدة إلا أن يكون أراد استئناف يمين بكل كلمة منها.
ومن حلف على شيء واحد يمينا واحدة مرارا ثم حنث لم يكن عليه إلا كفارة واحدة وان حلف على شيء واحد بإيمان مختلفة مثل أن يحلف بالعتق والطلاق وبالله العظيم ثم يحنث لزمه كل ما حلف به ومن حلف على أشياء مختلفة يمينا واحدة ثم فعل شيئا منها حنث في يمينه ولزمته الكفارة ثم لا شيء عليه فيما

فعله بعد ذلك منها وقد قيل إنه لا يحنث حتى يفعل جميع ما حلف عليه.
ومن قال: على عهود الله أو مواثيق الله أو كفارات الله فعليه ثلاثة أيمان عند مالك واليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ولا كفارة فيها وتصريح اليمين أن يقول الحالف بالله أو تالله أو والله وان قال: أقسم بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله أو أحلف بالله أو أقسمت بالله أو شهدت أو عزمت أو حلفت في ذلك كله بالله فلا خلاف أنها يمين.
وكذلك عند مالك وأصحابه إن قال أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف ولم يقل بالله إذا أراد بالله وإن لم يرد بالله فليس بيمين وقد ضعف مالك أعزم بالله وكأنه لم يره يمينا إلا أن يكون أراد اليمين لأنه قد لا يكون على وجه الاستعانة وهذا أصح لأنه قول الرجل استعين بالله وأحول بالله ونحو هذا وهذا ما لا يعده أحد يمينا.
ومن قال: أقسمت عليك لتفعلن كذا فإن كان أراد مسألته فل شيء عليه وإن أراد عقد اليمين على نفسه حنث ان لم يفعل الذي أقسم عليه.
ومن حلف بملة من الملل ثم حنث فلا شيء عليه ومن قال: كفرت بالله أو هو يهودي أو نصراني إن كلمت فلانا أو فعلت كذا فلا يمين عليه في شيء من ذلك وليستغفر الله ومن حلف بالله أو بصفة من صفات الله أو باسم من أسماء الله وقال: إن شاء الله فقد استثنى ولا شيء عليه ومن استثنى بعقب يمينه أسقط الاستثناء حكم يمينه وصار كمن لم يحلف ومن قطع يمينه ثم استثنى بعد قطعه لم ينفعه استثناؤه إذا كان مختارا لقطعها وان انقطع عليه ذلك بسعال أو عطاس أو تثاؤب أو شبه ذلك ثم وصل يمينه واستثنى عقبها صح استثناؤه ولا

يكون الاستثناء إلا لفظا ولا يصح الاستثناء بمشيئة الله عز وجل إلا في اليمين بالله وحدها دون عتق أو طلاق أو مشي إلى مكة دون سائر الإيمان كلها غير اليمين بالله وحده عند مالك وأصحابه ومن حلف لطالبه في حق له عليه واستثنى في نفسه أو حرك به لسانه وشفتيه أو تكلم به لم ينفعه استثناؤه ذلك لأن النية عند مالك نية المحلوف له لأن اليمين حق له وإنما تقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم لا على اختيار الحالف لأنها مستوفاة منه هذا تحصيل مذهب مالك وقوله واختلف أصحابه المتأخرون فقال بعضهم يصح استثناؤه بتخصيص ما حلف عليه ولكنه ظالم للمحلوف له وإنما صح استثناؤه لأن الإيمان تعتبر بالنيات وقال بعضهم لا يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه فيكون متكلما لأن الاستثناء من الكلام لا يقع بالكلام دون غيره

باب جامع في الإيمان
من حلف على أمر ليفعلنه وعلق على ذلك بصفة لم يحنث إلا بوجود الصفة ويحنث عند مالك وأصحابه بأقل ما يقع عليه اسم تلك الصفة ولا يبر عندهم إلا بتمام ما حلف عليه هذا هو المشهور عن مالك وهو تحصيل مذهبه عند عامة أصحابه.
وقد قال بعض أصحابه ورواه عنه أنه: يبر بوجود اسم الصفة ومن أكره على فعل شيء قد كان حلف ألا يفعله فلا كفارة عليه فإن فعله ساهيا فعليه الكفارة ومن حلف فقال:

الحلال علي حرام وحاشى امرأته بقلبه لم يلزمه شيء إلا أن يحلف لغريم له فإن حلف بذلك لغريم له ففيها لمالك قولان أحدهما أنه لا تنفعه محاشاة امرأته بقلبه وتحرم عليه، والآخر أن ذلك ينفعه ولا يدخل ذلك في امرأته إن حاشاها بقلبه كما لو كانت يمينه لغير غريمه ومن حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أمة له أو شيئا مما أحل الله له فليس بشيء ولا كفارة عليه في شيء من ذلك إلا انه إن نوى بتحريم الأمة عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها إلا بنكاح جديد بعد عتقها ولو قال لزوجته: إنها حرام لزمه ذلك وطلقت منه بثلاث ولا ينوي عند مالك ومن شك فلم يدر أحنث في يمين بالله أن لا فيحتاط له ويؤمر بكفارة يمين عند مالك وليس ذلك بواجب عليه ومن حلف ألا يكلم رجلا فسلم عليه عامدا أو ساهيا أو سلم على جماعة هو فيهم فقد حنث في ذلك كله عند مالك وإن أرسل رسولا أو سلم عليه في الصلاة لن يحنث ومن قال: فأنا محرم بعمرة إن كلمت فلانا فكلمة لزمه الإحرام بالعمرة في حين كلامه ولم يكن له تأخيره.
ولو قال: إن كلمت فلانا أنا محرم بحجة ثم كلمه لزمه الحج وجاز له تأخير الإحرام إلى شهور الحج ان كان كلمه قبل ذلك ولا فرق بين قوله: أنا محرم أو أنا أحرم عند ابن القاسم.
ومن حلف ألا يأكل شيئين فأكل أحدهما حنث عند مالك إلا أن يكون نوى الجمع بينهما ومن حلف على شيء واحد ألا يفعله ففعل بعضه حنث في المشهور عن مالك وذكر ابن الجلاب المالكي قوله ويخرج فيه على مذهبه أيضا قول آخر إنه لا يحنث حتى يفعل ذلك كله

وهو قول ابن كنانة ومن حلف ألا يلبس ثوبا هو عليه فإن نزعه مكانه لم يحنث وان استدام لبسه حنث إلا أن تكون له نية في مدة وكذلك لو حلف ألا يركب دابة هو عليها أن لم ينزل مكانه حنث كالثوب سواء.
ومن حلف ألا يأكل من رطب نخلة فأكل من تمرها حنث في يمينه وقال أشهب لا يحنث ولو حلف ألا يأكل من تمرها فأكل من رطبها أو طلعها أو بسرها أو بلحها لم يحنث عندهم ومن حلف ألا يدخل بيتا فدخل بعض بيوت الشعر حنث إلا أن يكون له نية ولو دخل المسجد لم يحنث ومن حلف ألا يأكل بيضا لم يحنث بأكل بيض الحيتان.
وقد قيل: إنه يحنث والأول أثبت إلا أن يكون له نية وكذلك أن حلف ألا يأكل رؤوسا لم يحنث بأكل رؤوس الحيان إلا أن ينوي ذلك ويحنث عند مالك بأكل رؤوس الطير.
وقال أشهب: لا يحنث إلا بأكل ما يعمد من الرؤوس إن لم تكن له نية ومن حلف ألا يأكل حنطة فطحنت وأكلها حنث وان زرعت وأكل من زرعها لم يحنث ومن حلف ألا يأكل لحما فأكل سمكا حنث.
وقال أشهب: لا يحنث إلا بأكل لحوم الأنعام ومن حلف ألا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث عند مالك ومن حلف ألا يأكل لحما فأكل شحما حنث عنده ومن حلف ألا يأكل خلا لم يحنث بأكل مرق فيه خل إلا أن يريد شيئا دخله خل ومن حلف ألا يأكل لبنا أو سمنا فشربه حنث وكذلك إن حلف ألا يشربه فأكل حنث ومن حلف ألا يأكل زبدا فأكل سمنا لم يحنث .
واختلف أصحاب مالك فيمن حلف ألا يأكل شيئا ما

حنث عليه.
والأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف فإن لم تكن له نية نظر إلى بساط قصته ومن أثاره على الحلف ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته ومن جاء مستفتيا في غير حكومة نوى ودين ولزمه ما نواه وقصده فأفهم هذا المعنى فهو أصل هذا الباب ومن لم يكن ليمينه بساط ولا نية فإنه يحنث بكل ما وقع عليه ذلك الاسم المحلوف عليه فقف على ذلك نصب الحكم إن شاء الله.
ومن حلف بصدقة شيء من ماله وعينه مثل قوله: داري أو ثوبي هذا صدقة على المساكين ثم حنث أو حلف فقال داري صدقة عليك أو على فلان ثم حنث في يمينه لم يقض عليه في شيء من ذلك ولكنه يؤمر ويفتي به وكذلك لو قال: داري صدقة على المساكين تطوع بذلك من غير يمين لم يجبر أيضا على إخراجها عن ملكه إلى المساكين كما لو حنث فيها بيمين ولكنه يندب إلى ذلك وإنما يجبر من تصدق بشيء من ماله على إنسان بعينه في غير حنث إذا أبى من إنفاذه جبر عليه وقضى به إذا كان لإنسان بعينه وطلبه وكان في غير يمين حنث وهذا كله قول مالك وابن وهب وابن القاسم وأشهب

باب القول في كفارة الأيمان
من حلف بالله عز وجل على شيء وحنث في يمينه فعليه الكفارة وهو فيها بالخيار وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة ليس فيها شرك لغيره ولا عتاقة بعضها ولا عتق إلى أجل ولا كتابة ولا تدبير ولا تكون أم ولد ولا ممن يعتق عليه إذا ملكه ولا يكون بها من الهرم والزمانة ما يضر بها في الاكتساب ضررا بينا وان شاء أطعم عشرة مساكين من أجود ما يقتاته هو وأهله من الطعام لكل مسكين مد بمد النبي عليه السلام بالمدينة وغيرها وسطا من الشبع وذلك رطلان من الخبز وشئ من الإدام كالزيت وشبهه دون اللحم وان أعطى مدا ونصفا أو مدا وثلثا بمد النبي عليه السلام لكل مسكين كان أحب إلي والمد يجزئه ولا يجزئه إن كان يطعم مسكينا واحدا عشرة أمداد في اليوم ولا في أيام عدة ولا يجزئه إن أطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة ولا بد من جنس واحد في الكفارة.
وقد روي عن مالك جواز ذلك والأول تحصيل مذهبه وهو الأشهر عنه وإن شاء كسا عشرة مساكين ثوبا ان كانوا رجالا فقميصا قميصا أو جبة جبة وان كانوا نساء فقميص وخمار.
والأصل في ذلك ما تجوز به الصلاة ولا تجوز في ذلك القيمة فإن لم يجد شيئا من ذلك كله صام ثلاثة أيام متتابعات فإن فرقها أجزأت عنه ويلزم التبييت لكل يوم منها والعبد لا تجزئه الكفارة بالعتق وان أذن له مولاة لأن الولاء للسيد وان كسا أو أطعم بإذنه قال مالك: رجوت أن يجزئه وليس بالبين والصوم له أحب إلي وصومه

في كل كفارة كالحر وعند غير مالك لا يجزئ العبد إلا الصوم ولو كفر عن الحانث رجل بغير أمره أجزأ عنه عند مالك وأصحابه وأحب إلي أن لا يكفر إلا بأمره ولا يعطى من الكفارة إلا حر مسلم فقير أو مسكين ممن لا يجبر على النفقة عليه فإن أطعم كافرا أو غنيا أو عبدا ثم تبين له لم يجزه وان كفر الحالف بالله قبل أن يحنث في يمينه أجزأ ذلك.
وقد قيل: إنه لا يجزئه والأول تحصيل مذهب مالك.
وقد قيل أيضا: لا يجزئه في الصوم لأن عمل البدن لا يقدم قبل وقته ويجزئه في غير ذلك تقديم الكفارة والكفارة بعد الحنث أحب إلى في كل شيء ومن حنث وهو موسر فلم يكفر حتى أعسر أو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر أو حنث وهو عبد فلم يكفر حتى أعتق فالمراعاة في ذلك كله وقت تكفيره لا وقت حنثه.

باب النذور
لا كفارة للنذر المسمى إلا بالوفاء .
والنذر نذران: نذر في طاعة الله يجب الوفاء به، ونذر في معصية الله فلا يجب فيه وفاء ولا كفارة .
ونذر الطاعة يكون مطلقا ويكون معلقا بشرط وصفة.
فالمطلق : مثل قوله: لله علي أن أحج أو أصلي أو أصوم أو أعتق أو أتصدق ونحو ذلك من أفعال البر، فذلك لازم له الإتيان به.
والمعلق: بشرط يلزم بوجود الشرط والصفة ،

وذلك نحو قوله: إن نجاني الله من كذا فعلي كذا لشيء يذكره من القربان إلى الله وطاعاته وكذلك قوله: إن بلغني الله وكذا أو جمعني بكذا فعلي من الطاعات كذافيلزمه ذلك إن قدر عليه وإن عجز عنه انتظر المقدرة عليه.
وأما المعصية: فنحو أن يقول: لله علي أن أزني أو أسرق أو أشرب خمرا أو أقتل فلانا المسلم بغير حق أو نحو هذا من المعاصي صغائرها أو كبائرها فمن قال ذلك لم يجز له فعل شيء منه ولم يلزمه شيء في ترك ذلك من الكفارة ولا غيرها ولا نذر لأحد فيما لا يملكه إلا أن يقول لله على إن ملكت فلانا لعبد غيره ان اعتقه ولله علي إن شفاني اله أو شفى جسمي أو ردني من سفري وملكت فلانا أن أعتقه ونحو هذا فإن هذا يلزمه وليس هذا عند مالك من باب النذر فيما لا يملك ابن آدم ومن نذر طاعة بشرط فعل معصية لم تلزمه الطاعة ولم يجز له فعل المعصية مثال ذلك أن يقول: إن شربت خمرا فعلي صدقة بكذا فلا يجوز له شرب الخمر ولا تلزمه الصدقة فإن شرب الخمر حد ولزمته الصدقة ولو نذر طاعة بشرط عدم معصية لزمه الطاعة ولم يجز له فعل المعصية فإن فعل المعصية سقط عنه ما علقه بها من الطاعة مثال ذلك: أن يقول لله علي صدقة درهم أو دينار أن لم أشرب اليوم خمرا فتلزمه الصدقة والكف عن الخمر فإن شرب الخمر سقطت عنه الصدقة ولزم الإثم والحد ولو جعل على نفسه فعل طاعة بشرط فعل طاعة أخرى كان مخيرا في فعل الأولى فتلزمه الثانية أو في ترك الأولى فلا تلزمه الأخرى مثال ذلك قوله ان حججت العام فعلي صدقة بكذا وكذا فإن

حج لزمته الصدقة وان لم يحج لم يلزمه شيء ولو قال ان لم يحج العام فعلي صدقة بكذا كان بالخيار أيضا إن شاء حج ولو تلزمه الصدقة وإن شاء ترك الحج ولزمته الصدقة ومن لم يجعل لنذره مخرجا لزمته كفارة يمين والنذر في الرضى والغضب سواء ولا استثناء في النذر واليمين بالمشي إلى مكة عند مالك ولا كفارة إلا الوفاء بالمشي ان قدر عليه والمشي إلى مكة لا يكون إلا في حج أو عمرة على حسب ما نوى الحالف في الحال فإن لم ينو شيئا أجزأته العمرة فإن أحرم بعمرة مشى حتى يفرع من السعي بين الصفا والمروة بعد الطواف بالبيت وان أحرم بحج مشى حتى يفيض بعد رمي الجمرة ولا لغو في اليمين بالمشي إلى مكة والهزل في ذلك عند مالك جد كالنكاح والطلاق والعتق ومن حنث بالمشي إلى مكة فعليه المشي من البلد الذي حلف فيه لا من حيث حنث لإن مشى من حيث حنث أهدى ومن قال: علي المشي إلى بيت الله فهو للكعبة إلا أن ينوي مسجدا من المساجد ومن حلف بثلاثين حجة أو أكثر فحنث حج في كل عام وأتى بكل ما يقدر عليه في ذلك من سائر عمره ولا شيء عليه غير ذلك ومن حلف بالمشي إلى مكة وحضرته الوفاة فأوصى ان يمشي عنه لم يمش عنه لأنه لا يمشي أحد عن أحد وليهد هديا من ثلثه وأكثر أهل العلم بالمدينة وغيرها يفرقون بين النذر واليمين بالمشي إلى مكة فيوجبون بالنذر الوفاء ولا خلاف في ذلك بين العلماء ويوجبون في اليمين بالمشي إلى مكة فيوجبون بالنذر الوفاء ولا خلاف في ذلك بين العلماء ويوجبون في اليمين بالمشي إلى مكة كفارة مثل كفارة اليمين بالله عز وجل هذا قول

جماعة من الصحابة والتابعين وجمهور فقهاء المسلمين وقد افتى به ابن القاسم ابنه عبد الصمد وذكر له انه قول الليث بن سعد والمشهور عن ابن القاسم أنه لا كفارة عليه عنده في المشي إلى مكة إلا المشي لمن قدر عليه وهو قول مالك.
ومن نذر حجا أو عمرة فعليه الوفاء به وان كان عليه حجة الإسلام بدأ بها ثم بالنذور وان بدأ بالنذر أجزأه والاختيار أن يبدأ بفرضه فإن نذر أن يحج ماشيا مشى من حين يحرم إلى أن يطوف ويسعى إلا أن يكون نوى المشي في الحج والعمرة من موضعه فيكون على ما نوى ويركب في رميه الجمار أيام منى وان أخر طواف الإفاضة لم يركب في رميه للجمار وليركب في حوائجه بمنى كنا كان له في سائر البلدان والمناهل والحاجة يرجع إليها في طريقه ومن نذر أن يحج في عام بعينه ففاته فعليه قضاؤه وقد قيل لا قضاء عليه إذا كان في عام بعينه إلا أن يتركه عامدا قادرا ومن نذر المشي إلى الكعبة وهو ضرورة مشى في عمرة ثم أهل بالحج من مكة فيقضي نذره وفرضه متمتعا ان كانت عمرته في أشهر الحج ولو مشى في نذره ونوى بذلك قضاء فرضه ففيها لمالك وأصحابه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن مشيه لنذره وعليه أداء فرضه.
والآخر: أنه يجزئه لفرضه وعليه قضاء نذره قاله المغيرة وعبد الملك.
والثالث: انه لا يجزئه عن واحد منهما.
ومن نذر أو حنث في يمين بالمشي إلى غير مكة مثل مصر أو الكوفة أو صنعاء أو عدن فلا شيء عليه ومن قال علي المشي إلى الكعبة أو إلى بيت الله يريد الكعبة أو إلى مكة أو المسجد الحرام أو زمزم أو الحجر أو الركن أو المقام لزمه

الحج أو العمرة.
وقد قيل: في زمزم الركن المقام والحجر أنه لا يلزمه والأول أصوب. ومن قال: علي المشي إلى منى أو عرفة أو الحرم لم يلزمه شيء.
وقد قيل: بل يزمه الحج أو العمرة إلا أن يريد تلك المواضع بأعيانها.
وقد قيل: فيمن نذر المشي إلى الحرم أو إلى شيء من مشاعر الحرم لزمه ولا يلزمه المشي إذا ذكر غير مشاعر الحرم.
ولو قال: علي الذهاب أو الإنطلاق أو المضي إلى مكة أو على إتيان مكة ففيها قولان:
أحدهما: أنه لا يلزمه شيء.
والآخر: أنه يلزمه الحج أو العمرة ومن نذر أن يمشي إلى مسجد من المساجد غير المسجد الحرام وحنث باليمين بذلك لم يلزمه المشي إليه فإن كان قريبا وأراد الصلاة فيه أتاه فصلى فيه وان كان بعيدا لا ينال إلا براحلة وزاد لم يعمل إليه مطيا ولا راحلة ولا زادا وصلى في موضعه ولا شيء عليه إلا أن يكون نذر المشي إليه وجاز له أعمال المطي دون المشي هذا كله قول مالك وأصحابه.
وقد روي عن مالك فيمن نذر الصلاة في موضع مرغوب فيه مثل الثغور وسواحل الرباط فإنه يركب إليه حتى يفعل فيه ما أوجب على نفسه ومن مشى في حج او عمرة ثم عجز عن المشي في أضعاف ذلك ركب عن عجزه ثم مشى إذا قدر فإن كان ما ركبه كثيرا أعاد الحج والعمرة وقضى ما ركبه ويمشي فيه ويركب فيما مشى حتى يتصل مشيه وان كان ما ركبه يسيرا فعليه الهدي وليس عليه عوده.
ومن نذر أن يمشي إلى مكة حافيا أو حبوا أو زحفا مشى على قديمه متنعلا وأهدى وان نذر المشي وهو كبير عاجز أو مريض مرضا لا يرجى برؤه

ركب في نذره وأتى بالهدي بدلا من مشيه.
وفي الموطأ قال مالك: إذا عجز عن المشي مشى وفي المدونة أنه يجزئه إذا يئس من المشي وأهدى، وفي الموطأ عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وأبي سلمة أنه إن عجز ركب ولم يكن عليه شيء وعن عطاء أنه عليه الهدي لا غير وروي عن مالك مثل ذلك وهو قول ابن وهب وأصبغ ومن نذر هديا بعينه أو بغير عنيه لن يذبحه إلا بمكة أو بمنى ومن نذر نحر بدنة بغير مكة أو بمنى ومن نذر نحر بدنة بغير مكة فإن كان أراد التعظيم لذلك البلد فليس بشيء ولا يلزمه شيء وأن لم يرد ذلك ففيها لمالك قولان:
أحدهما: أنه ينحرها في الموضع الذي ذكر ويطعمها مساكين ذلك الموضع.
والآخر: أنه ينحرها في مكانه ولا يسوقها إلى غيره لا تساق البدن إلا إلى مكة أو منى.
ومن نذر بدنة لم يجزه إلا ثني من الإبل أو ثنية فإن لم يجدها ففيها لمالك قولان:
أحدهما: أنه ينحر بقرة بإن لم يجد فسبع من الغنم جذاع من الضأن أو ثنيان من المعز فإن لم يجد فقد قيل: لا صيام عليه وقيل: عليه الصيام.
واختلف أصحابه فيما يصام على قولين:
أحدهما: عشرة أيام.
والآخر: سبعون يوما. والقول الآخر أن عليه بدنة واجبة في ذمته لا يجزئه الإتيان بغيرها مع القدرة عليها ولا مع العجز عنها ومن قال على هدي فله نيته فإن لم يكن نوى شيئا فبدنة فإن لم يجد فيقره فإن لم يستطع وقصرت نفقته أجزأته شاة وقد قيل: فيمن نذر هديا أنه يجزئه شاة إلا أن ينوي بقرة أو بدنة ومن نذر صيام غد أو يوم بعينه فمرض لم يكن عليه قضاؤه فإن تركه لغير عذر كان عليه قضاؤه وكذلك من نذر صيام شهر بعينه فلم

يصمه فعليه قضاؤه وان مرض سقط عنه وكذلك الحائض لا تقضي أيامها منه ومن نذر صوم شهر بعينه صام ما بين الهلالين بغير عدد وان صام بغير الأهلة صام ثلاثين يوما ومن نذر صوما بغير عدد فأقل ما يجزئه صوم يوم ومن نذر صلاة فعليه الوفاء بها وان لم يسم عددا ولا نواة فأقل ما يجزئة ركعتان صوم يوم ومن ومن نذر صيام يوم الفطر أو يوم الأضحى لم يجز له صيامها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولزمه الفطر ولا قضاء عليه لأنه لا نذر في معصية وكذلك من نذر صيام أيام التشريق أفطرها ولا قضاء عليه أيضا وقد روي عن مالك أنه عليه القضاء عنهما وليس ذلك بصحيح ومذهب مالك في اليوم الثالث من أيام التشريق أنه يصومه من نذره وقد مضى القول في صيام النذر في كتاب الصيام.
ومن نذر أن يتصدق بماله كله لزمه إخراج ثلثه لا غير وكذلك عند مالك لو حلف بصدقة ماله فحنث لم يلزمه إلا إخراج ثلثه وقال ربيعة وابن أبي سلمة: يجزئه أن يتصدق بربع عشر ماله وقال ابن وهب: إن كان الحالف بذلك موسرا فيجزئه ثلث ماله كما قال مالك: وان كان وسطا فيطهر ماله بالزكاة كما قال ربيعة: وان كان مقلا فتجزئه كفارة يمين.
وقال ابن عمر في من حنث في اليمين بصدقة ماله أنه يتصدق به كله.
وقالت عائشة في جماعة من الصحابة والتابعين تجزئه كفارة يمين ولو نذر أن يتصدق بكل مال يكسبه أبدا فلا شيء عليه إلا أن يضرب لذلك أجلا يبلغه عمره في الأغلب فيلزمه حينئذ أن يتصدق بثلث كسبه ومن نذر ان يتصدق بشيء بعينه من ماله لزمه الصدقة

به ان كانت ثلث ماله أو أقل وان كان أكثر ففيها قولان لمالك وأصحابه أحدهما يتصدق به كله وهو الأشهر عنه والآخر إنما يلزمه ثلثه لا غير ومن نذر هدي رجل حر أهدى عنه وقد قيل إنه لا شيء عليه وقيل إنه يحج به معه ان طاوعه على المسير معه وإلا فلا شيء عليه ولو نذر عبد غيره لم يلزمه شيء ولو نذر عبد نفسه باعه وأخرج ثمنه في هدي وكذلك إذا نذر هدي ما لا يهدي مثله باعه اشترى هديا بثمنه وقد قيل فيمن نذر هدي مسلم أو ذمي حرا أو عبدا أنه لا يلزمه شيء لأنها معصية وقد بينا ذلك في كتاب التمهيد

كتاب الجهاد
باب واجب الجهاد ونافلته

كتاب الجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
باب واجب الجهاد ونافلته
الغزو غزوان: غزو فرض، وغزو نافلة .
والغرض في الجهاد ينقسم أيضا قسمين:
أحدهما: فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار وذلك ان يحل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار ان ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا وشبابا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر وان عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم ان يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج اليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى

إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه.
والقسم الثاني: من واجب الجهاد فرض أيضا على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو وكل سنة مرة يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم ويكف أذام ويطهر دين الله عليهم ويقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية فان أعطوها قبلها منهم وان أبوا قاتلهم وفرض على الناس بأموالهم وأنفسهم الخروج المذكور حتى يعلم ان في الخارجين من فيه كفاية بالعدو وقيام به فإذا كان ذلك سقط الفرض عن الباقين وكان الفضل للقائمين على القاعدين أجرا عظيما وليس عليهم ان ينفروا كافة.
وأما النافلة من الجهاد فإخراج طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات العزة وعند إمكان الفرصة والأرصاد لهم بالرباط في مواضع الخوف وسأل العمري العابد وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله عز وجل وحكم بغيرها فقال مالك الأمر في ذلك إلى الكثرة والقلة وقال أبو عمر جواب مالك هذا وان كان في جهاد غير المشركين فإنه يشمل المشركين ويجمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأنه يقول من علم أنه إذا بارز العدو قتلوه ولم ينل منهم شيئا جاز له الإنصراف عنهم إلى فئة من المسلمين ولم يجز له إباحة دمه لمن لا يقوى عليه ويمكنه ولا ينفع المسلمين بما يحاوله وقول مالك هذا يشبه عندي ما رواه سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس

قال من فر من رجلين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر يعنى في القتال قال سفيان فحدثت به ابن شبرمة فقال هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال ابن وهب سمعت مالكا يسأل عن القوم يلقون العدو أو يكونون في محرس يحرسون فيأتيهم العدو وهو يسير يقاتلون أو ينصرفون فيؤذنون أصحابهم قال ان كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم والا انصرفوا إلى أصحابهم فأذنوهم.

باب من له التخلف عن غزو العدو
وكل من كان مريضا به علة لا يستطيع النهوض معها أو كان أعمى أو أعرج فكل هؤلاء يسعهم العذر في التخلف عن الغزو ولا حرج عليهم وان كانوا موسرين وكذلك القوي الصحيح الجسم إذا كان لا يجد ما ينفق في سفره ومن يترك لعياله ولا يجب على احد من هؤلاء الخروج إلى الجهاد ولو كان ممن يستطيع الخروج وعليه دين لا يجد له وفاء أو له أبوان مسلمان يكرهان أو يكره أحدهما خروجه لم يكن له أن يخرج ولا يجوز له أن يخرج إلا بإذنهما ولا ينبغي للامام أن يدع أحدا يخرج معه من الضعفاء ولا من المرضى إذا كان يخاف عجزه أو إنقطاعه عن السير مع الجيش وليس الاستكثار إلا من الأصحاء الأقوياء ومن فيه غناء لا من الضعفاء ولا يجوز للامام أن يترك أحدا يخاف منه المسلمون بأن يكون عينا عليهم أو دالا على شيء من عوراتهم ولا ينبغي له أن يستعين

بمشرك ولا يخرج من الدواب مالا ينتفع به وما لا يحتاج إليه

باب الجعالة على الغزو
وقال مالك في الجعائل في البعوث وهو: أن يجعل القاعد للخارج مضى الناس على ذلك ولا بأس به إذا كانوا من أهل ديوان واحد لأن عليهم سد الثغور وكرهه إذا لم يكونوا من ديوان واحد.
ومعنى قول مالك هذا أن يقول الرجل لصاحبه من ديوانه خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك كذا وكذا ونحو هذا وكره مالك أن يؤجر الرجل نفسه أو فرسه في سبيل الله وكره أن يعطيه الوالي الجعالة على أن يتقدم إلى الحصن فيقاتل ولا يكره لأهل العطايا نفسه ما أخذ على هذا الوجه وكرهت طائفة من أهل المدينة وغيرهم الجعائل فلا يجوز عندهم ان يغزو واحد بجعل يأخذه من قاعد متخلف لأن الغازي مستحق سهما من الغنيمة دون الذي أعطاه فكيف يجب له جعل فيما يفعله بنفسه ودينه ودنياه.
والجهاد فرض ومن فعله فإنما أدى فرضه وإذا جاءت الضرورة جازت المعاونة لا على وجه الاستئجار ولا على أخذ بدل من الغزو فمن أخذ جعلا رده وأسهم له ويجوز أخذ الجعل من السلطان لأنه شيء من حق الغازي يأخذه ولا بأس أن يستأجر الغازي يغزو معه ولا حرج على من آجر نفسه منه

باب من يقاتل من أهل الكفر حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية والحكم في قتالهم
يقاتل جميع أهل الكفر من أهل الكتاب وغيرهم من القبط والبرك والحبشة والفزاريه والصقالبة والبربر والمجوس وسائر الكفار من العرب والعجم يقاتلون حتى يسلموا أويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
ويسترق الغرب الكفار أن سبوا كالعجم وقيل: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس لا غير من بين سائر أهل الكفر ولا يقبل من غير هؤلاء إلا الإسلام أو القتل قاله جماعة من أهل المدينة وأهل الحجاز والعراق وإليه ذهب ابن وهب وهو قول الشافعي وكل من بلغته دعوة الإسلام من الكفار لم يحتج إلى أن يدعى وكل من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وكان مالك يستحب إلا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى الإسلام بلغتهم الدعوة أولم تبلغهم إلا أن يعجلوا عن ذلك فيقاتلوا.
ولا يجوز تبييت من لم تبلغه الدعوة وأما الروم فلا بأس بتبييتهم لبلوغ دعوة الإسلام إليهم وقرب دارهم وكل من أبى من الدخول في الإسلام أو أبى إعطاء الجزية قوتل فيقتل الرجال المقاتلة وغير المقاتلة إذا كانوا بالغين ولا يقتل النساء ولا الصبيان ولا العجائز ولا الشيوخ الزمنى ولا المجانين ويسبون فإن كان الشيخ ذا رأي ومكر ومكيده يؤلب بذلك على المسلمين جاز قتله وإلا فلا ولا يقتل أهل الصوامع والديارات ولا يؤخذ من أموالهم إلا ما فضل عن كفايتهم وإن نصب المنجنيق على

أهل الحرب توقى قتل الأسير المسلم فيهم وإن أصاب في الغارة والتبييت شيخا من الكفار أو طفلا أو إمرأة لم يكن عليه شيء من ديته ولا غيرها وإن أصاب مؤمنا أسيرا وهو لا يعلم كفر بعتق رقبة مؤمنة ولا بأس بقطع شجر أهل الحرب وتحريق ديارهم والغارة عليهم.
ولا يقتل شيء من البهائم إلا ليؤكل واختلف في عقر مواشيهم والاختيار ما ذكرت لك، وقد قال مالك: إنه ما لا يقدر على النفور به من مواشيهم ودوابهم ذبحت الماشية وعرقبت الدواب وأحرق المتاع ففي ذلك نكاية لهم وضعف وليس للمسلمين أن يفروا من ضعفهم فأقل فإن فروا من أكثر من ضعفهم وسعهم ذلك والفرار على كل حال عار لمن يقوى على المدافعة.

باب حكم الأسارى والسبي
للإمام قتل الأسير العاقل وله أن يمن عليه فيترك قتله وله ان يفادي به إن كان في ذلك نصر للمسلمين وإلا لم يكن ذلك له.
ومن استحياه بالمن عليه لم يجز له بعد ذلك قتله فإن أشكل عليه البالغ من الأسارى نظر إلى ما تحت إزاره فإن وجده قد أنبت فحكمه حكم المقاتلة يقتل أو يسترق وإن لم ينبت فحكمه حكم الذرية والعيال لا يجوز قتله للنهي عن قتال النساء والصبيان ومن أسلم منهم بعد الأسارى وآمن فلا سبيل إلى قتله وهو رقيق ومن سبي من غير البالغين فحكمه حكم أبويه وهو على

دينهما أبدا حتى يعبر عنه لسانه بالإسلام ويتلقنه تعليما وسواء كان معه أبواه او لم يكونا فإن أسلم أحد أبويه فهو على دين أبيه وعند غيره على دين المسلم منهما وقد قيل إن كان مع الصبي أبواه أو أحدهما فهو على دينهما وإن لم يكن معه أحد أبويه فهو مسلم على دين سيده.
وروى أهل المدينة عن مالك: أن الصغير على دين سيده المسلم من يوم يشتريه ولا يعتبرون ما اعتبره ابن القاسم في روايته من تلقينه الإسلام وقد أوضحنا هذه المسألة في كتاب التمهيد وكتاب الاستذكار.
وإذا سبيت المرأة ولها زوج أبطل السباء الزوجية وحل وطؤها للذي انفرد بها في سهمه بملك يمينه إذا استبرأها وهذا إذا لم يكن زوجها في القسم والسباء فإن سبيا معا ووقعا معا في الغنيمة فقد اختلف في ذلك عند مالك وأصحابه على قولين:
أحدهما إن الزوجين إذا سبيا معا فهما كالذميين لا يفرق السباء بينهما
والآخر أن السباء قد قطع العصمة بينهما منفردين سبيا أو معا وهذا أوضح وأولى بالصواب إن شاء الله وقد بينا ذلك في كتاب التمهيد ولو كان معهما ولد صغير لم يفرق بينه وبينهما في البيع ولا في القسم حتى يثغر أو يبلغ ثماني سنين وكان ممن يعرف القيام من نفسه بما يقوم به مثله ولا يكون معتوها ولا سقيما

باب الأمان والمهادنة
وأمان كل مسلم حضر العسكر جائز لكل كافر وسواء

كان المسلم حرا أو عبدا أو امرأة إذا كان بالغا عاقلا جاز أمانه وقد قيل: أمان المرأة غير جائز إلا أن يجيزه الإمام وهذا مما انفرد به عبد الملك والأول قول مالك وجمهور أهل العلم وقد أوضحنا وجهه في كتاب التمهيد ولا يجوز أمان غير المسلم.
ومن قتل كافرا بعد الأمان لزمته ديته إن كان القاتل مسلما وإن كان كافرا قتل به إذا تعمد قتله.
ومن طلب من الحربيين الأمان على أن يكون ذميا يؤدي الجزية قبل ذلك منه وكل رسول طلب الأمان أعطيه وكذلك كل مستجير جاء ليسمع كلام الله أمن حتى يعلم ما عنده ويرد إلى مأمنه وإذا اضطر الإمام إلى مهادنة الكفار الحربيين هادنهم إذا رأى ذلك نظرا مثل أن يحاصر حصنا فيكون الأغلب عليه الامتناع منه وتعذر أخذه ولم يطق الإقامة عليه وسألوا أن يعطوه شيئا وينصرف عنهم فذلك جائز لأنه قد نال به من عدوه نيلا لا يطمع في أكثر منه وإذا كان على غير هذا فلا يقبل منه إلا الجزية عن يد صاغرا فيكونون ذمة أو القتال وأما مع ظهور حالهم وعز سلطانهم فلا يجوز إلا مع العجز عنهم وإذا خاف الإمام إن اشتغل بقتال ناحية أن يغلب على أخرى جاز له مهادنتها والله أعلم ويستحب ألا تكون مدة المهادنة أكثر من أربعة أشهر إلا مع العجز

باب مقام المسلم في دار الكفر وفدائه من أيدي العدو
لا يحل لمسلم أن يقيم في دار الكفر وهو قادر على الخروج عنها ولا ينبغي له ان ينكح حربية ويقيم بدار يجري عليه فيها حكم الكفر ولا بأس بإقامة العسكر في دار الحرب محاربا لهم ما شاء ولا بأس ببقائه الشتوة وأكثر عندهم إذا أمن ورجا الظهور عليهم ولو أطلق الأسير واستحلف على إن لا يخرج من بلادهم كان عليه الخروج فرضا إذا قدر ويكفر يمينه إذا لم يكن أكره عليها فإن أكره عليها فلا كفارة عليه وإذا أعطى الأسير الكفار عهدا أن يرجع إليهم فلا يفعل وقد اختلف في هذه المسألة والتي قبلها عن مالك وأصحابه والصحيح من ذلك عندنا ما ذكرنا وهو اختيار المدنيين من أصحاب مالك وروي أيضا عنه ولو أسلم حربي ببلاد الحرب فقتله مسلم خطأ قبل أن يخرج وهو لا يعلمه مسلما فقد قيل عليه الدية والكفارة وقيل عليه الكفارة لا غير تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين.
ولو تعمد قتله وهو لا يعلمه مسلما كانت عليه الدية والكفارة ولو تعمد قتله وهو يعلمه مسلما قتل به وإذا جنى أسير مسلم على مثله من أسرى المسلمين من يوجب حدا أو قصاصا لم يسقط ذلك عنه دار الحرب ولو قتل مسلم مسلما عند التحام الحرب وقال ظننته من العدو وحلف على ذلك كانت عليه الدية والكفارة ومن دخل دار الحرب في تجارة او غير تجارة ففدى أسيرا من المسلمين من يد العدو بمال على أن يرجع به عليه كان له أن يأخذ ذلك من ماله إن كان

موسرا ويتبعه به دينا إن كان معسرا وسواء كان ذلك بإذنه أو بغير إذنه عند مالك وغيره لا يوجب عليه من ذلك إلا ما أذن فيه وما لم يأذن فيه جعل فاعله متطوعا به ولو وهب له عبد أو حر فلم يكافئ على واحد منهما لم يكن له الرجوع على الحر ولا على سيد العبد بشيء فإن كافأ عليهما أو على أحدهما بشيء رجع به على الحر وكان سيد العبد مخيرا بين دفع المكافأة إليه أو إسلامه فيها وإذا أسلم رهن من المشركين في أيدي المسلمين وكان ارتهانهم على أن يردوا إليهم فعليهم ردهم إليهم وغير مالك يأبى من ذلك وهو الصواب إن شاء الله.
وقد روي ذلك عن مالك أيضا وروى أهل المدينة عنه أن كل أسير مسلم يخرج به إلينا حربي بأمان أنه يؤخذ من يده بقيمته أحب أو كره ولا يترك يرجع به إن أعطى قيمته ولا يحل لجماعة المسلمين تركه ليرد إلى أرض الكفر وعليهم واجبا فداؤه.
وقال مالك وابن القاسم: في الزوجين يفدي أحدهما صاحبه لا يتراجعان إلا أن يكونا لم يعرف أحدهما صاحبه في حين الفداء ، وكذلك العمات والخالات وذوو المحارم إلا أن يكون ممن يعتق عليه فلا يرجع عليه بشيء علم أو لم يعلم وإنما لم يرجع الزوجان ومن لا يعتق عليه لأنه حمل أمره في ذلك على التبرع والتطوع والله أعلم.

باب في أكل الطعام وأخذ المباحات في دار الحرب
لا بأس بأكل الطعام كله وذبح الماشية للأكل بدار الحرب

لمن احتاج إلى ذلك ولا ينبغي أن يأخذ أحد منه شيئا إلا عند الحاجة إليه وله أن يعلف دوابه ما أحب ويأكل ما شاء وليس في شيء من الطعام كله والإدام والعلف غلول ما داموا في دار الحرب لأنه مما أباحه الله عز وجل من الغنيمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل الآحاد العدول ونقل الكافة فجائز أخذ ذلك بإذن الإمام وبغير إذنه وكذلك كل ما يحتاجون إليه من الكراع والسلاح ما دامت الحرب قائمة.
ومن أخذ من ذلك شيئا ثم استغنى عنه رده في المغانم ، وقد قال مالك: يتصدق بالكثير من ذلك ويأكل اليسير وقيل: يأكله قليلا كان أو كثيرا والأول أصح ولا يجوز له بيعه فإن باعه فلا بد من وضع ثمنه في المغنم ولا يحل أخذ ثمنه وهو غلول وكل ما كان مباحا في بلاد العدو ولا يملكه أحد منهم مثل الصيد والصخر الحسن والشجر من موضع لا ملك عليه موات فأخذ ذلك كله جائز لا حرج فيه على من أخذ شيئا منه وهو أصح ما قيل في ذلك والله أعلم.

باب الغلول
ليس لأحد من المسلمين أخذ شيء من المغنم غير الطعام على ما وصفنا إلا ما يصيبه في المغنم أو ما نفل من السلب وما عدا ذلك فهو غلول حرام نار وعار وشنار يأتي به يوم القيامة ومن غل شيئا من المغنم كان عليه رده فإن استهلكه غرم قيمته ولا

تحرق رحال الغال ولا متاعه ولا قطع عليه ومن سرق من الغنيمة شيئا بعد إحرازها فعليه القطع عند مالك وقال عبد الملك يعتبر ذلك فإن كان فيه زائد على سهمه قدر ربع دينار قطع وإلا فلا قطع عليه وقال غيرهما لا قطع عليه لأنه شريك في مشاع خان فيه ولا قطع على خائن ومن أصاب جارية من المغنم كان عليه صداق مثلها يجعله في المغنم واختلف في وجوب الحد عليه فأوجبه مالك وأسقطه عبد الملك وغيره لما فيه من الشركة.
ومن غل شيئا ثم تاب بعد افتراق العسكر تصدق به على الفقراء المسلمين ولا يجوز لأحد أن ينتفع بدابة من المغنم ولا سلاح ولا قوت إلا من ضرورة إليه المدة اللطيفة وهذا أصح عندي عن مالك رواه علي بن زياد وعبد الله بن وهب وما خالف ذلك فلا وجه له لأن الله قد قسم الغنيمة على ما ذكر في كتابه وحرم غلول شيء منها فلا يحل منها إلا ما اتفق عليه فيكون مستثنى بالدليل وقد أوضحنا هذا في كتاب التمهيد

باب ما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم غنمه المسلمون
ما أخذ الحربيون وحازوه من أموال المسلمين بغلبة أو بغير غلبة كالأسير المسلم يخلف في أيديهم مالا ونحو ذلك مما يحصل بأيديهم من أموال المسلمين ثم غنمه عسكر المسلمين فمن وجد شيئا من ماله وعلم ذلك لم يجعل في الغنيمة وكان صاحبه إن

أدركه قبل القسم أحق به يأخذه بغير شيء وإن كان صاحبه غائبا وقف له إذا عرف بعينه وعرف صاحبه وما لم يعرف ربه بعينه وقسم ثم جاء ربه فأقام البينة فيه أخذه بالقيمة إن شاء الله.
وحكم أموال أهل الذمة في هذا الباب كحكم أموال المسلمين سواء وإذا وقعت أم ولد رجل في المقاسم جبر على فدائها فإن لم يقدر فداها الإمام من الخمس ولا يجوز للذي صارت في قسمه أن يستحل فرجها وعليه أن يتبع سيدها بقيمتها أبدا دينا إن كان معسرا ومن ابتاع أم ولد رجل من العدو أخذها سيدها مما ابتاعها وإن كان أضعاف ثمنها.
وقال المغيرة وعبد الملك: يأخذها بالأقل من قيمتها أو ما فداها به وما فات من العبيد في القسم بعتق أو أمة بولادة فلا سبيل إلى رده في الرق.
وقد قيل: إن صاحبه يأخذه بالقيمة وينقض العتق وكذلك لو باعه أو رهنه نقض البيع والهبة والأول تحصيل المذهب وعليه عامة أصحاب مالك وإذا سبيت الحرة المسلمة او الحرة الذمية أو الأمة المسلمة فولدت كل واحدة منهن بأرض العدو ثم غنمن بأولادهن فالحرة وولدها أحرار بمنزلتها والأمة وولدها يردان رقا لسيدهم والذمية مردودة إلى ذمتها وكذلك صغار ولدها وأما من بلغ الحلم منهم وأطاق القتال فهو فيء ، روى هذا كله رواه مطرف عن مالك وقاله ابن وهب وقاله ابن القاسم إلا في الكبار من ولد الحرة فإنهم عنده كالكبار من ولد الأمة وقال عبد الملك: صغار ولد جميعهن وكبارهم فيء لأهل الإسلام.
ومن أسلم من أهل الحرب ثم غزا مع المسلمين فغنموا أهله وولده فأراهم فيئا لأهل الإسلام.

باب قسم الغنائم ومن يسهم له
إذا أحرز الموجفون وهم أهل العسكر أو السرية غنيمة عزل منها الخمس من قليلها وكثيرها عينها وعرضها وأسلابها ولا ينفل أحد شيئا منها وإنما النفل من الخمس بعد أن يبرد القتال فإذا أخرج خمس الغنيمة قسم أربعة أخماسها على الموجفين ممن حضر القتال وسواء قاتل أو لم يقاتل إذا كان عونا أو مدادا وكان حرا مسلما ولا حظ لكافر في شيء من الغنيمة شهدها أو لم يشهدها إلا من الفيء ولا يسهم لبعد ولا لامرأة فإن حضرا الوقعة ورأى الإمام أن يرضخ لهما بشيء من الغنيمة فلا بأس بذلك ولو كان الصبي الحر ممن يطيق القتال أسهم له والتاجر والأجير إن قاتلا أسهم لهما ومن اشتغل من الصبيان بعمل يده وصنعته عن القتال لم يسهم له ومن مات قبل القتال فلا سهم له وسواء مات بأرض العدو أو قبل دخولها فإن حضر القتال مكثرا أو مقاتلا ثم مات قبل حصول الغنيمة فلورثته سهمه والقسمة للفارس ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان وللراجل سهم ومن غزا بأفراس لم يسهم منها إلا لواحد ولا يسهم لشئ من الآلات غير الفرس إتباعا للأثر ومن شهد الحرب فارسا أسهم له سهم الفارس ولا يراعى عند أهل المدينة الدخول: إنما يراعى اللقاء فمن دخل فارسا وقاتل راجلا أسهم له سهم راجل والهجن والبراذين إذا قاربت العتاق في الخفة والسرعة بمنزلة الخيل ولا يسهم لبغل ولا لحمار ومن مات بعد إحراز الغنيمة قبل القسم أو

مات فرسه أسهم له ولفرسه وتقسم الغنائم في دار الحرب وهم أولى برخصها وهو الشأن في قسمتها.
ومن دفع فرسه إلى غيره بأجرة أو بغير أجرة فغذى عليه الذي دفع إليه وقاتل فسهما الفرس له دون ربه وإن دفعه له بسهم من سهامه فهي أجرة مجهولة وله أجر مثله وإن كانت أجرة معلومة جازت.
وأيما سرية خرجت من عسكر فغنمت ردت على العسكر ولو خرجت من بلد فغنمت لم ترد على أهل ذلك البلد شيئا ولو قطعت الريح مراكب المسلمين فغنم بعضها وضل عنه أصحابه اشتركوا في الغنيمة عند مالك.

باب النفل
لا نفل إلا من الخمس وجائز النفل في أول مفتح وآخره على الاجتهاد والنفل العطية يعطيها الإمام من رآه بغناء يرجوه فيه ولا نفل عند مالك إلا السلب للقاتل وما جرى مجراه ومحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عنده من قتل قتيلا فله سلبه" على أنه كان ذلك القول منه بعد أن برد القتال وليس عنده للقاتل سلب قتيله إلا أن ينادي بذلك الإمام وليس ذلك على الإمام بواجب وإنما ذلك منه على وجه الاجتهاد إن رأى لذلك وجها هذا كله قول مالك وأصحابه.
قال مالك ولم

يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين" قال: ولا بلغني ذلك عن الخليفتين بعده ، وقال: ولو كان النفل قبل القتال لكان قتالا على الدنيا قال: ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا بعد أن برد القتال" ومن أهل المدينة وغيرها من الحجازيين من يرى النفل جائزا بعد الغنيمة وقبلها في البدءة والرجعة على وجه الاجتهاد.
والنفل عند هؤلاء على وجهين:
أحدهما: السلب للقاتل وجائز عندهم أن ينادي بذلك الإمام قبل القتال لما فيه من التحريض وكذلك ما يعطيه الإمام من غير السلب نفلا عند الحرب لمن يرى منه بلاء حسنا ونحو ذلك.
والثاني: ما ينادي به الإمام في بداية من فعل كذا وكذا فله ربع ما يحصل عنده أو ثلثه بعد الخمس تحريضا على القتال وهذا عند مالك باطل لأنه لا نفل عنده إلا من الخمس وقد أوضحنا هذا الباب في كتاب التمهيد

باب الفيء وقسمته وقسمة الخمس
الفيء كل ما أخذ من كافر على الوجوه كلها بغير إيجاف خيل ولا ركاب ولا قتال ومنه جزية الجماجم وخراج الأرضين كلها ما كان منها صلحا أو عنوة وما أخذ على المهادنة وما طرحته الريح من مراكب العدو وكل ما حصل بأيدي المسلمين من أموال الكفار بغير قتال من تجار أهل الذمة وغيرهم

والعمل في قسمة الفيء وقسمة خمس الغنيمة سواء والأمر عند مالك فيهما إلى الإمام فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلين فعل وإن رأى قسمتهما أو أحدها قسمه كله بين الناس ويساوي فيه بين عربيهم ومولاهم ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا ويعطى ذوو القربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء مسهمهم على ما يراه الإمام وليس لهم جزء معلوم واختلف العلماء في إعطاء الفيء من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر الناس على إعطائه لأنه حق لهم وقال مالك: لا يعطى منه غير فقرائهم لانه جعل لهم عوضا من الصدقة.
وذوو القربى بنو هاشم آل العباس وآل علي وآل عقيل وسائر بني هاشم لا يشركهم غيرهم فيه ويقسم كل مال في البلد الذي جبى فيه ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبى فيه حتى يفنوا ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم إلا أن ينزل بغير البلد الذي جبى فيه خرجت هي فيه فاقة شديدة فينقل ذلك إلى أهل الفاقة حيث كانوا كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أعوام الرماد وكانت خمسة أعوام أو ستة وقد قيل: عامان ، وقيل: عام فيه اشتد الطاعون مع الجوع.
وإذا لم يكن ما وصفنا ورأى الإمام إيقاف الفيء أوقفه لنوائب المسلمين ويعطي منه المنفوس ويبدأ بمن أبوه فقير والفيء حلال للأغنياء ويساوي بين الناس فيه إلا أنه يؤثر أهل الحاجة والفاقة والتفضيل فيه إنما يكون على قدر الحاجة ويعطي منه أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر اجتهاد الإمام وجائز أن يعطي منه الغرماء ما يؤدون به ديونهم ويعطي منه الجائزة والصلة لمن كان لذلك أهلا ويرزق منه القضاة والحكام ومن فيه منفعة للمسلمين وأولاهم

بتوفير الحظ منه أعظمهم نفعا ومن أخذ من الفيء شيئا في الديوان كان عليه أن يغزو إذا أغزى

باب الجزية وعشور أهل الذمة
لا تؤخذ الجزية إلا من كافر حر بالغ ذكر قوي على الاكتساب ولا جزية على النساء ولا على الصبيان ولا على المجانين المغلوبين على عقولهم ولا على الرهبان أهل الصوامع ولا على شيخ فان ولا على فقير.
ولا يكلف الأغنياء الأداء عن الفقراء وتقبل الجزية عند مالك من كل كافر كتابي ومجوسي ووثني وغيرهم من أصناف أهل الكفر عربا وعجما إلا المرتدين فإنه لا تقبل منهم جزية لأنهم لا يقرون على ردتهم وإذا انتقل الكافر من ملة إلى أخرى من الكفار أقر عليها واخذت منه الجزية ومقدار الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق لا يزاد على ذلك ولا ينقص إلا لمن يقوى على شيء.
وقد قيل: إنه يزاد على هذا المقدار على أغنيائهم ويؤخذ من فقرائهم بقدر ما يحتملون ولو درهم وإلى هذا رجع مالك.
ومن بلغ منهم أخذت الجزية عند بلوغه ولا ينتظر به الحول من يوم بلغ ومن أسلم سقطت عنه الجزية لما مضى ولو أسلم قبل تمام الحول بيوم أو بعده عند مالك.
ومن غاب منهم واختفى ثم قدر عليه أخذ منه لما مضى ولا زكاة على ذمي في شيء مما يملك غير جزية رأسه وسواء كان عند مالك تغليبا

أو غيره إلا أن يتجروا في بلاد غير بلادهم التي اقروا فيها وصالحوا عليها فإن خرجوا تجارا عن بلادهم إلى غيرها أخذ منهم العشر فيما تجروا مما قل أو كثر كل سفرة وصرفه إذا باعوا ومضى ثمن ذلك بأيديهم يؤخذ عشر الثمن ما اختلفوا ولو في الشهر مرارا إلا في حملهم الطعام الحنطة والزيت خاصة إلى مكة والمدينة خاصة فإنه يؤخذ منهم من ذلك نصف العشر، ومن كسدت سلعته ولم يبيعها لم يعرض له ورد متاعه إن شاء وإن حملوا مالا فاشتروا به أخذ منهم عشر قيمة المتاع.
وقد قيل: عشر الثمن ، ولو باعوا ثم اشتروا في مكان واحد لم يؤخذ منهم إلا عشر واحد وكذلك لو اشتروا ثم باعوا في موضع واحد ، ولو باعوا في بلد ثم حملوا الثمن إلى بلد آخر فاشتروا به أخذ منهم عشران ، عشر في البيع وعشر في الشراء ، وإذا أكرى الذمي إبله أو دوابه من بلده إلى بلد غيره أخذ منه عشر كرائه في البلد الذي أكرى إليه قال مالك: وقال ابن القاسم: لا يؤخذ منه شيء فيما أكرى إذا أكرى من بلده إلى غير بلده فإن أكرى راجعا إلى بلده أخذ منه وقال أشهب لا شيء عليه في ذلك كله وعبيد أهل الذمة إذا تجروا بمنزلة أحرارهم سواء وتجار أهل الحرب إذا دخلوا إلينا بأمان مطلق للتجارة كتجار أهل الذمة في أخذ العشر منهم إلا أن يشترط عليهم في حين دخولهم أكثر من ذلك فيؤخذ منهم ومن أهل المدينة من لا يرى أن يؤخذ من أهل الذمة العشر في تجاراتهم إلا مرة في الحول مثل ما يؤخذ من المسلمين وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وجماعة من أئمة المذاهب والأول قول مالك وأصحابه.

باب حكم أهل الحرب إذا دخلوا إلينا بأمان
من خرج من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام يطلب الأمان أعطيه وكذلك لو وجد فأخبر أنه جاء يطلب الأمان قبل منه فإن خرج أهل الحرب إليها على صلح بشيء قد رآه الإمام مجتهدا فيه فليس يتعرضون في غيره وإلا فسبيلهم فيما قدموا به سبيل تجار أهل الذمة إذا تجروا من بلد إلى بلد في أخذ العشر منهم بعد بيعهم لما قدموا به من تجارتهم ونض ثمن ذلك بأيديهم ولا يعرض لهم في بيع الخنزير والخمر من أهل الذمة ويؤخذ منهم عشر ثمن ذلك كله ولا يعرض لهم في شيء سوى العشر المذكور ويمنعون من شراء كل شيء فيه قوة لهم على المسلمين من السلاح والخيل والسروج والنفط والحديد الذي يعمل منه السلاح وكل ما كان عدة من عدد الحرب ويمنعون من شراء ذكور مماليك أهل الذمة دون إمائهم وأما الخمر والخنزير فال يمنعون من شرائها فإن فصل منهم أحد راجعا عن بلاد الإسلام فردته ريح أو سائر ما يغلبه على رجوعه فهو على أمانه ولا يزال مؤمنا حتى يرجع إلى بلاده وكذلك لو ألقته الريح إلى غير ذلك البلد من المسلمين كان على أمانه هذا هو تحصيل مذهب مالك.
وقد قال بعض أصحابه: إنه ليس له أمان إن وقع بغير البلد الذي كان به والأول أصح ومن خرج إلينا من أهل الحرب مستأمنا فلا أمان له على شيء مما تركه بدار الحرب من أهل وولد ومال ، وفي الحربي يخرج مسلما ويتخلف ولده وماله بدار الحرب ثم يغزو مع المسلمين فيغنمون ماله وولده اختلاف والذي اختاره من ذلك

أن ولده الصغار مسلمون بإسلامه ولا سبيل إليهم إن غلب على داره وكذلك ما كان من ماله وديعة عند مسلم أو ذمي وما عدا ذلك فهو فيء وقد روي أيضا ذلك عن مالك وروي عنه أنه أولى بماله كله قبل القسم بغير ثمن وبعد القسم بالثمن.
وكلا الروايتين أصح من رواية ابن القاسم عند أهل العلم ورواية ابن القاسم أن ماله وولده فيء للمسلمين ولو خرج حربي مستأمنا ثم أسلم أحرز صغار ولده دون ماله وتحصيل مذهب مالك أن ماله وولده فيء والأول أولى وبالله التوفيق.
وروى مطرف وعبد الملك جميعا عن مالك إذا جاء مستأمن بمسلم يطلب به علجا أو ثمنا لم ينبغ أن يترك يرجع به إليهم قال مالك ويجبر السلطان من هو في يديه على أخذه منه بقيمته ويمنع في ذلك من الزيادة قال عبد الملك الزيادة الكثيرة يمنع منها ويزاد يسيرا وينزع من الذي هو في يده لكل من أراده بفداء مثله.

فتوح الأرضين
أرض العنوة موقوفة لمنافع المسلمين يجري خراجها وغلتها مجرى الفيء توقف لنوائب المسلمين ويقرأ هل العنوة في قراهم ويضرب عليهم الخراج على قدر احتمالهم في الأرضين دون الدور وركاب الأرضين للمسلمين لا يملكها أحد أبدا وهي فيء لجماعة المسلمين وإذا مات من أهل العنوة أحد أو انتقل

عن موضعه دفعت الأرض التي كانت بيده إلى غيره ولم يرثها عنه أحد من ورثته وليس لأهل العنوة إحداث كنيسة وهم بمنزلة أهل الذمة وليس لأهل الذمة إحداث كنيسة وقد قيل إنهم إذا كانوا ساكنين في موضع لهم فيه مع المسلمين كنيسة فينتقلون معا متعاونين فإنهم يكونون على ما كانوا عليه ولا يمنعون إذا أقروا وسكنوا من كنيسة واحدة إلا أن يشترط ذلك عليهم وأما أرض الصلح فهي لأربابها الذين صولحوا عليها وحسبهم وما صولحوا عليه مع جزية الرؤوس. ومن مات منهم ورثة ورثته.
ومن اسلم منهم سقط الخراج عن أرضه كسقوط جزية رأسه وأرضه له وعليه فيها بعد ذلك ما على المسلمين في أرضهم.

باب في نقض أهل الذمة ومن له عهد العهد
لو عاهد الإمام أهل بلد أو حصن ثم نقضوا عهدهم وامتنعوا من أداء ما يلزمهم من الجزية وغيرها وامتنعوا من حكم الإسلام من غير أن يظلموا وكان الإمام غير جائز عليهم وجب على المسلمين غزوهم وقتالهمم مع إمامهم فإن قاتلوا وغلبوا حكم فيهم بالحكم في دار الحرب سواء.
وقد قيل هم ونساؤهم وذريتهم فيء ولا خمس فيهم ولو خرجوا متلصصين قاطعين للطريق بمنزله المحاربين من المسلمين إذا لم يمنعوا الجزية ولو

خرجوا متظلمين نظر في أمرهم وردوا إلى الذمة وأنصفوا من ظالمهم ولا يسترق منهم أحد وهو أحرار فإن نقض بعضهم دون بعض فمن لم ينقض منهم فهو على عهده ولا يؤخذ بنقص غيره وتعرف إقامتهم على العهد بإنكارهم على الناقضين ومن لد في أداء جزية أدب على تلدده وأخذت منه صاغرا

باب السيرة في أهل الذمة
إذا أدى أهل الجزية جزيتهم التي ضربت عليهم أو صولحوا عليها خلى بينهم وبين أموالهم كلها وبين كرومهم وعصيرها ما ستروا خمرهم ولم يعلنوا بيعها من مسلم ومنعوا من إظهار الخمر والخنزير في أسواق المسلمين ولم يمنعوا من ذلك إذا ستروه عنا في بيوتهم ولم يعرض لهم في أحكامهم ولا تجارتهم فيما بينهم بالربا وإن تحاكموا فالحكم مخير إن شاء حكم بينهم بما أنزل الله وإن شاء أعرض عنهم.
وعلى الإمام أن يقاتل عنهم عدوهم ويستعين بهم في قتالهم ولا حظ لهم في الفيء وما صلحوا عليه في الكنائس لم يزيدوا عليها ولم يمنعوا من صلاح ما وهن منها ولا سبيل لهم إلى أحداث غيرها ويؤخذون من اللباس والهيئة بما يبينون به من المسلمين ويمنعون من التشبه بأهل الإسلام وإن تظالموا بينهم زجرهم الحاكم وقمعهم وأخذ لضعيفهم من قويهم ولمظلومهم من ظالمهم ولا يدعهم يظلم بعضهم بعضا فهو ما يجب عليه من الوفاء لهم بعهدهم ولا

بأس باشتراء أولاد العدو منهم إذا لم تكن لهم ذمة ولا يجوز ذلك في اهل الذمة.

باب الحكم في أهل الردة
ومن ارتد عن الإسلام استتيب ثلاثا بعد أخذه فإن تاب وإلا قتل وقتله أن تضرب عنقه.
والرجال والنساء في ذلك سواء ولو كانوا جماعة ارتدوا وامتنعوا قوتلوا وإن أخذوا قتلوا فإن أخذوا وقد قتلوا الأنفس وأخذوا الأموال طولبوا بذلك كله وإن ارادوا أن يقروا على أن يؤدوا الجزية لم يقبل ذلك منهم ولا يقبل منهم الإسلام أو القتل ومن قتل منهم أو مات على ردته لم يرثه ورثته وكان ماله فيئا لجماعة المسلمين ويجبر اولادهم الصغار على الإسلام ولا يسترقون وإن أبوا قتلوا إذا بلغوا وهو أصح ما قيل في ذلك عندنا والله اعلم.
وإذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا بطل نكاحهما قبل الدخول او بعده ولا يكون موقوفا على اجتماع إسلامهما في العدة وفرقة المرتد لامراته فسخ بغير طلاق عند أكثر المدنيين وهو تحصيل مذهب مالك عند البغداديين من المالكيين وروى ابن القاسم عن مالك أنها تطليقة بائنة وإليه مال أهل المغرب من أصحابه.

باب قتال أهل البغي من الخوارج وغيرهم
ولو خرجت على الإمام باغية لا حجة لها قاتلهم الإمام العادل بالمسلمين كافة أو بمن فيه كفاية ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة فإن أبوا عن الرجوع والصلح قوتلوا ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع منهزمهم ولا يذفف على جريحهم ولا تسبى ذراريهم ولا أموالهم.
وإذا قتل الباغي العادل أو العادل الباغي من هو وليه لم يتوارثا ولا يرث قاتل عمدا على حال.
وقد قيل: إن العادل يرث الباغي قياسا على القصاص وما استهلكه البغاة الخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به وما كان قائما ردوه بعينه هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له ولو تغلبوا على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام لم تنقض عليهم الصدقات ولا الحدود ولا ينقض من احكامهم إلا ما كان خلافا لكتاب أو السنة أو الإجماع كما ينقض من أحكام اهل العدل والسنة.

باب قتال اللصوص وقطاع الطريق
إذا أخاف قوم السبيل وقطعوا الطريق وجب على الإمام قتالهم من غير ان يدعوهم ووجب على المسلمين التعاون على قتالهم وعلى كفهم عن أذى المسلمين فإن انهزموا لم يتبع منهم

مدبر إلا أن يكون قتل أو أخذ مالا فإن كان ذلك أتبع ليؤخذ ويقام عليه ما وجب بجنايته ولا يذفف منهم على جريح إلا أن يكون قد قتل فإن أخذوا ووجد في أيديهم مال لأحد بعينه رد إليه وما أتلفوه من مال لأحد غرموه ولا دية لمن قتلوا إذا قدر عليهم قبل التوبة والإمام مخير فيهم إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفيهم من الأرض بالطلب لهم أبدا حتى يقيم الحدود عليهم وقد قيل ينفيهم من الأرض بالسجن وهو الأشهر عن مالك وليس الإمام مخيرا أن يحكم فيهم بهواه وإنما هو مخير في العقوبات المذكورات على قدر جرمهم وما جنوه وليس له ان يعفو عن القاتل منهم ولا بد من قتله مصلوبا أو غير مصلوب وكذلك ليس له أن يعفو عن واحد منهم فيخلي سبيله ولا ذلك لأحد سوى الإمام من أولياء من قتلوه وأما الذي قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل فإن شاء الإمام قطع يده ورجله من خلاف وإن شاء قتله وكذلك الذي أخاف الطريق وإن لم يأخذ المال ولم يقتل جائز للإمام أن يقتله على ما ذكرنا بسعيه في الأرض فسادا وجائز له أن يعاقبه بما يرى أنه يردعه ويكون تشريدا لغيره وأما الذي قد قتل في إخافة السبيل فلا بد من قتله على ما ذكرنا والمباشر من المحاربين للجنايات والذي يكون عونا لهم سواء في العقوبة يجتهد في ذلك الإمام على ما نص الله في كتابه من العقوبات فيهم خزيا لهم في الدنيا فإن تابوا أو جاءوا تائبين من قبل أن يقدر عليهم لم يكن للإمام عليهم سبيل وكان عليهم ما أتلفوه من مال أو دم لأولياء ذلك ويجوز لهم العفو عن ذلك والهبة

كسائر الجناة من غير المحاربين واختلف في شهادة المسلوبين على قطاع الطريق بعضهم البعض إذا كانوا عدولا فأجازها أكثر أصحابنا وأباها غيرهم وقد ذكرنا ذلك في الشهادات ويناشد اللص بالله عز وجل فإن كف ترك وإن أبى قوتل فإن أتت المقاتلة عليه فشر قتيل ودمه هدر ولا شيء على قاتله ومن قتل على ماله فشهيد وقد زدنا هذا الباب بيانا في كتاب المرتدين والمحاربين والحمد لله رب العالمين.

كتاب السبق والرمي
كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي
بسم لله الرحمن الرحيم
لا يجوز السبق إلا في ثلاث: في خف وهو البعير وحافر وهو الفرس ونصل وهو السهم وقد قال مالك: لا سبق إلا في الخيل والرمي لأنه قوة على أهل الحرب.
قال: وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي وظاهر الحديث يسوي بين السبق على المجب والسبق على الخيل ولا يجوز السبق في الرمي إلا بغاية معلومة ورشق معلوم ونوع معلوم من الإصابة مشترطة خسقا أو إصابة بغير خسق ولا يجوز في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي والرجل غير الوالي من ماله متطوعا فيجعل للسابق شيئا معلوما فمن سبق أخذه وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه فإن سبقه صاحبه أخذه وإن سبق هو صاحبه أحرز له ولا يرجعه إلى ماله.
وقال مالك: من سبق سبقا على أنه إن نضل لم يعطهم شيئا، وإن لم

ينضل أعطى السبق فلا يعجبني ذلك وقد قال لا بأس به.
والسبق الثالث اختلف فيه أصحابنا وهو: أن يخرج كل واحد شيئا مثل ما يخرج صاحبه فأيهما سبق أحرز سبق صاحبه وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا يأمنان أن يسبقهما فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعا وأخذهما وحده ولم يشركهما في شيء منهما وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه ولا شيء للمحلل فيه ولا شيء عليه وإن سبق اثنان منهما الثالث كانا من لم يسبق واحد منهما وأيهما سبق صاحبه فله السبق على ماوصفنا.
وقد قال: لا يؤخذ بقول سعيد بن المسيب في المحلل ولا يجب المحلل في الخيل.
ثم قال: ولا يجوز إلا بالمحلل وهو الأجود من قوله وهو قول سعيد بن المسيب وجمهور أهل العلم ولا يجوز أن يشترط عليه أن يطعمها أصحابه عند أكثر أهل العلم وقد اختلف في ذلك قول مالك، وقد قال: إذا كان سبقا لا يرجمع فلا بأس به ويستحب أصحاب مالك لمن أحرز الأسباق أن يجعلها طعمة في الوجه الذي أخرجها له ويبتاع بها طعاما يأكله المجتمعون للسباق ولا يجوز التسابق حتى يكون الأمر واحدا معلوما والسبيق في الرمي كالسبق في الخيل والإبل سواء فيما يجوز.
ويكره ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم ولو ركبها أربابها كان أولى.وبالله التوفيق.

المجلد الثاني
كتاب النكاح

باب السنة في عقد النكاح والوكالة فيه والحكم في خطبة الرجل على خطبة أخيه
كتاب النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى اله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
باب السنة في عقد النكاح والوكالة فيه والحكم في خطبة الرجل على خطبة أخيه
ليس التزويج بواجب إلا على من تاقت نفسه إليه واشتدت غربته وقدر عليه وأمر الله عز وجل بالنكاح معناه عند جمهور العلماء الإباحة والندب والإرشاد لا الإيجاب ومن أراد نكاح امرأة فليس له عند مالك أن ينظر إليها ولا يتأمل محاسنها وقد روي عنه أنه ينظر إليها وعليها ثيابها ومن أباح من العلماء النظر إليها عند خطبتها فإنه يبيح أن ينظر منها إلى وجهها وكفيها لأن ذلك ليس عليها ستره في صلاتها وينعقد النكاح بغير شهود عند مالك كما ينعقد البيع إذا رضي الزوج والمرأة وكنت مالكة أمرها أو يتيمة مالكة بعضها وكان

ذلك بولي مرشد ويشهدون فيما يستقبلون فإذا وقع التداعي في النكاح لم يثبت ببينة وليس فيه رد يمين ولا هو عند مالك موضع يمين ومن فرض النكاح عند مالك إعلانه لحفظ انسب والولي والصداق من أركان النكاح وسنفرد لكل واحد منهما بابا كافيا إن شاء الله ونكاح السر لا يجوز ويفسخ قبل الدخول وبعده إذا وقع إلا أن يعلن قبل أن يعثر عليه وإن أسر النكاح ولم ينشر ولم يعلن به ثم أعلن في حال ثانية وأظهر صح ولم يفسخ وقال مالك لو شهد على النكاح رجلان واستكتما ذلك فكتماه كان نكاح سر وقال بعض أصحابه إذا شهد عليه رجلان عدلان فقد خرج من السر وهو قول جمهور الفقهاء ولا بد أن يباشر الرجل عقد نكاحه لنفسه أو يباشره عنه وكيله والوكالة في النكاح جائزة إذا ذكر امرأة بعينها وسمي صداقا وإن جعل إليه أن يزوجه ممن يراه جاز إذا زوجه ممن يشبه أن تكون من نسائه وإلا لم يجز وكذلك المرأة إذا أذنت لوليها في العقد عليها في رجل بعينه وسمت صداقا فإن جعلت إليه تزويجها ممن رآه جاز إذا زوجها من كفء إذا رضيت به بعد ذكره لها وإلا لم يجز ولا يزوجها من نفسه حتى يعرفها بذلك فترضى به وإذا وكل الأب من يعقد نكاح ابنته البكر فليس للوكيل أن يقبض الصداق إلا أن يكون الأب جعل ذلك له في الوكالة وكذلك السيد في أمته وكل وكيل وكل على شيء فليس له أن يزيد عليه وإنما ينتهي إلى ما جعل إليه إلا المأمور بالبيع فإن له تقاضي الثمن وإن لم يجعل ذلك إليه إذا لم ينه عنه ومن عقد نكاحا بوكالة ثم وقع الطلاق

فليس للوكيل أن يزوجها مرة أخرى إلا بتحديد الوكالة ممن يجب ذلك له ولا يجوز الخيار في النكاح ولا النكاح الموقوف على إجازة الناكح كالرجل يزوج الرجل بغير إذنه وأجاز مالك نكاح العبد بغير إذن سيده إذا أجازه السيد قبل الدخول وسيأتي هذا المعنى مستوعبا في باب إنكاح العبيد والإماء وجائز للجماعة أن يخطبوا امرأة واحدة مجتمعين ومتفرقين ما لم توافق واحدا منهم وتسكن إليه فإن سكنت إليه وركنت نحوه لم يجز لغيره أن يخطبها حتى يعدل عنها ذلك أو يتركها فإذا فعل جاز لغيره أن يخطبها ومن خطب امرأة على خطبة أخيه بعد الركون والميل وتمام القول بينهما وعقد على ذلك نكاحه وطلب ذلك الأول الذي ركن إليه وأذن فيه فسخ نكاح الثاني قبل الدخول وبعده كما لو تزوج زوجة غيره روي ذلك عن مالك وقال به بعض أصحابه إنه يفسخ نكاحه قبل الدخول استحبابا لأنه تعدى ما ندب إليه وبئس ما صنع فإن دخل بها مضى النكاح ولم يفسخ لأنها إمرأة لم يعقد عليها غيره وهذا هو تحصيل مذهب مالك والمأخوذ به وعن أصحاب مالك في هذا الباب آراء مختلفة واضطراب

باب الآباء وسائر الأولياء والحكم في عقدهم على النساء
قال الله تبارك اسمه: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} النور الآية 32 وقال عز وجل: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ

يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} نزلت في عضل معقل بن يسار أخته ومنعه له أن ترجع إلى زوجها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي" وقال عليه السلام "أيما إمرأة نكحت بغير إذن وليها فنكحاها باطل" وقال الأيم أحق بنفسها من وليها وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان وأنكح أبو بكر الصديق ابنته عائشة وهي صغيرة بنت ست أو سبع من رسول الله صلى الله عليه وسلم والولاية في النكاح ولايتان عامة وخاصة فالعامة هي أن المسلمين الأحرار في النكاح بعضهم أولياء بعض بحق الديانة قال الله عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة والولاية الخاصة ولاية النسب والقرابة لقول الله عز وجل {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الأحزاب ولا ولاية لاحد في البكر مع أبيها ولا يفتات عليه في البكر من بناته ولا يكون عاضلا بخاطب ولا بخاطبين ولا يتهم في ابنته حتى يظهر الحيف منه وفعله جائز عليها إلا أن يتبين أنه أضر بها ضررا بينا أكثر ذلك في البدن وفي خوف العنة عليها وللرجل أن يزوج ابنته الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا ما لم تبلغ المحيض بغير اذنها وكذلك عند

مالك له أن يزوج البكر البالغ كما يزوج الصغيرة على النظر بغير ذاتها ولا رأي للبكر مع ابيها ويستحب في البكر البالغ ان يستأمرها قبل العقد عليها يندب إلى ذلك وليس بواجب عليه وان زوجها وهي بكر بالغ كفؤا بغير اذنها جاز عليها كما يجوز على الصغيرة وقبض صداق البكر لأبيها ليس إليها منه شيء والصداق لها صغيرة كانت أو كبيرة ليس لأبيها منه شيء فإن طلقت قبل الدخول كان لأبيها العفو عن نصف الصداق وليس ذلك له قبل الطلاق وله عند مالك أن يختلعها من زوجها بما ظهر له على وجه النظر واختلف قول مالك في البكر المعنسة وهي التي ارتفعت سنها وعرفت مصالح أمورها فروي عنه أنها كالبكر الحديثة السن في جواز العقد عليها وروي عنه أنها كالثيب في منع العقد عليها إلا باذنها هذا حكم الأب في ابنته البكر والصغيرة غير البكر فأما الثيب البالغ فلا يعقد عليها نكاحا إلا باذنها كما لا يزوجها غيره من أوليائها ولا فرق عند مالك بين الموطوءة بزنى أو بنكاح فاسد أو صحيح قبل البلوغ إذا كانت ذات أب في أن لابيها إنكاحها بغير اذنها كالبكر سواء إذا انصرفت بطلاق إلى أبيها قبل بلوغها فإن اقامت البكر عند زوجها مدة طويلة أقلها سنة وشهدت مشاهد النساء ثم طلقها زوجها قبل أن يمسها ورجعت إلى أبيها لم يزوجها إلا برضاها فإن كانت إقامتها عند زوجها يسيرة ولم يمسها كان له أن يزوجها بغير إذنها وان وطئت البكر البالغ وطئا يوجب المهر والعدة فقد صارت ثيبا وان وطئت بفجور فهو بمنزلة البكر فان زوج الرجل ابنته الثيب بغير اذنها فلمالك في ذلك

قولان أحدهما ان النكاح باطل والاخر أنه ان أجازته بالقرب جاز وان ردته بطل هذا لفظ ابن عبد الحكم عنه ولا يزوج اليتيمة وليها حتى تبلغ الخيار في نفسها ويتقدم الناس في ذلك فان زوجت وبلغت ولم ترض فأرى أن يفسخ النكاح وقد قيل أن زوج اليتيمة وبها حاجة ملحة في صلاح وغنى إذا بلغت عشر سنين ونحوها فلا بأس بذلك قال ابن المواز لو رضيت بعد أن بلغت لم يجز حتى يفسخ ويستأنفون نكاحا جديدا وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أصح أقاويله ان لا تزوج اليتيمة حتى تبلغ وترضى ولا يجوز لولي ولا يوصي ولا لسلطان إنكاح البكر اليتيمة حتى تبلغ وتأذن فإن فعل ذلك وزوجها أحد قبل بلوغها فعن مالك في ذلك ثلاث روايات إحداها أن النكاح باطل ويفسخ وان بلغت ما لم يدخل والثانية أنه جائز ولها الخيار إذا بلغت في فسخه أو إقراره ذكره ابن عبد الحكم عن مالك والثالثة ان كانت بها حاجة وفاقة ولها في النكاح مصلحة وكان مثلها يوطأ جاز النكاح وثبت ولا خيار لها بعد البلوغ وعلى كل من أنكح البكر اليتيمة أن يعرفها بأن سكوتها اذن منها ورضى بنكاح الذي خطبها وأنها إن سكتت عندما علمت لزمها فان سكتت بعد معرفتها بذلك زوجت وعقد عليها وان نفرت وبكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على كراهية النكاح فلا تنكح مع ذلك وأما الثيب فلا تنكح إلا باذنها قولا ولا يكون سكوتها إذنا منها في نكاحها والأب فيها كسائر الأولياء بها إلا أن له مزية فضل إنكاحها لأن سائر أوليائها به يدلون إليها وكان مالك يرى ان ابنها أحق بانكاحها

من أبيها وسواء كان الابن من عصبتها أو من غير عصبتها وكذلك ابن الابن عنده أولى من الأب والأب أولى من الأخ والأخ وابن الأخ أولى من الجد والجد أولى من العم وغيره يقول في الأب ثم آباؤه ثم الاخ ثم بنوه ثم العم ثم بنوه ومن كان أقرب إلى المرأة بأب كان أولى بانكاحها أو سواء كان لأب وأم أو لأب فان استويا في التعدد فالذي للأب والأم أولى إلا أن يكون سفيها غير رضي الحال فانه لا ولاية لغير حر مسلم عاقل جائز الأمرفإن كان الأولياء في التعدد سواء كان أولاهم بذلك أفضلهم فان استووا في الدرجة والفضل وتشاحوا نظر الحاكم في ذلك فما رآه سدادا ونظرا أنفذه وعقده أو رده إلى من يعقده منهم وقد قيل يأمر أحدهم بالعقد ولا يعقده هو مع ولي حاضر مرشد والأول تحصيل المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم في الاولياء "فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" ولقول عمر المذكور في أول الباب فإن لم يكن للمرأة عصبة فمولاها الذي أعتقها وعصبته عند عدمه ولا ولاية للمولى الأسفل على الأعلى وقد قيل إن المولى الأسفل داخل في الولاية وليس بشيء فأن لم يكن لها ولي من العصبة بنسب أو ولاء زوجها الحاكم بأمرها وان زوج المرأة الأبعد من أوليائها والأقعد حاضر فإن لم ينكر الأقعد شيئا من ذلك ولا رده نفذ وان أنكره وهي ثيب أو بكر بالغ يتيمة ولا وصي لها فقد اختلف قول مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في ذلك فقال منهم قائلون لا يرد وينفذ لأنه نكاح انعقد باذن ولي من الفخذ والعشيرة ومن قال هذا قال إنما جاءت

الرتبة في الأولياء على الأفضل والأولى وذلك مستحب وليس بواجب وهذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه وإياه اختار إسماعيل بن إسحاق واتباعه وقيل ينظر السلطان في ذلك ويسأل الولي الأقرب عن ما ينكره ثم ان رأى لقوله وجها أمضاه وان رأى رده رده وقيل بل للأقعد رده واجازته على كل حال لأنه حق له وقيل للأقعد رده واجازته مل لم يمل مكثها وتلد الاولاد وهذه كلها أقاويل أهل المدينة وأما الولي الأقعد فلو كان مجنونا أو سفيها زوجها من يليه من أوليائها وعد كالميت منهم وكذلك إذا غاب أقرب أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة لا ترجى له أوبة سريعة زوجها من يليه من الأولياء أو الحاكم وقد قيل إذا غاب أقرب أوليائها لم يكن للذي يليه تزويجها وزوجها الحاكم والأول قول مالك وإذا كان الوليان قد استويا في القعد وغاب أحدهما وفوضت المرأة عقد نكاحها إلى الحاضر لم يكن للغائب إن قدم ان ينكره ولو كانا حاضرين ففوضت أمرها إلى أحدهما لم يزوجها إلا بإذن صاحبة وإن اختلفا نظر الحاكم في ذلك وأجاز عليها رأي أحسنهما نظرا لها رواه ابن وهب عن مالك والوصية بالنكاح جائزة كالوصية بالمال والوصي عند مالك أولى من الولي بالانكاح ويستحب له أن يشاور الولي ولو زوجها الولي باذن الوصي كان حسنا وقد روي عن مالك ان الوصي في الثيب ولي من الأولياء وأنه وغيره منهم في ذلك سواء والأول تحصيل مذهبه وغير مالك لا يرى للوصي مدخلا في النكاح وليس الوصي عندهم بولي ويقول هؤلاء البضع إلى الأولياء والمال إلى الأوصياء ويجوز

عند مالك للوصي أن يزوج وليته من نفسه وينبغي له أن يشهد على رضاها خوفا من منازعتها فإن لم يفعل وكانت مقرة جاز النكاح ولفظه أن يقول لها لقد تزوجتك على صداق كذا وكذا فتقول رضيت أو تكون بكرا فتسكت رضى بذلك وكذلك السيد في أمته إذا اعتقها وأراد نكاحها من نفسه وليس عليه عند مالك استئذان الحاكم في ذلك ولا ولاية لاحد بقرابة الام وحدها ولا ولاية لمسلم على كافر بالقرابة ابنة كانت أو أختا أو غيرها من القرابات كلها ولا يلي عقد نكاحها من مسلم ولا نصراني وليل ذلك أهل دينها وقد قيل إنه يوكل من أهل دينها من يلي عقد نكاحها وجائز للمسلم العقد على عبده وأمته الكافرين وكل ولد يولد بينهما فهو على دين أبيه عند مالك واصحابه ولا تلي امرأة عقد نكاح لنفسها ولا لغيرها شريفة كانت أو دنية أذن لها في ذلك وليها أو لم يأذن فإن عقدت نكاحا فسخ أبدا قبل الدخول وبعده واختلف عن مالك في كيفية فسخة فروي عنه أن فسخه طلاق وهو اختيار ابن القاسم وروي عنه أنه فسخ بغير طلاق وإذا أرادت المرأة إنكاح أمتها استخلفت رجلا فزوجها بأمرها هذا هو الجائز عند مالك ولم يختلف قوله في المرأة أنه لا يجوز لها مباشرة العقد على امتها ولا على يتيمة إن كانت وصيا واختلف قوله في جواز مباشرتها العقد على عبدها ويتيمها فروي عنه أنه قال إذا كانت المرأة وصيا باشرت عقد نكاح يتيمها دون يتيمتها وكذلك لها أن تباشر عقد نكاح عبدها دون أمتها وإنما لا تعقد على من لا يعقد على نفسه يوما ما وتحصيل مذهب

مالك عند أكثر أصحابه أن إليها إذا كانت وصيا اختيار الازواج ولها أن تفرض الصداق ثم يعقد النكاح أولياؤها أو السلطان وعلى هذا أكثر علماء أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم والعبد إذا كان وصيا على أيتام بمنزلتها فيما ذكرنا وإذا زوج المرأة غير وليها باذنها فان كانت شريفة لها في الناس حال كان وليها بالخيار في فسخ نكاحها أو إقراره وإن كانت دنية كالمعتقة والسوداء والإسلامية ومن لا حال لها جاز نكاحها ولا خيار لوليها لان كل أحد كفؤلها وقد روي عن مالك أن الشريفة والدنية لا يزوجها إلا وليها أو السلطان وروي عنه ان كل امرأة مالكة أمر نفسها إذا وضعت نفسها عند كفوء وكانت ثيبا فإن السلطان يأمر وليها بانكاحها فان أبى زوجها السلطان وفي مثل هذه ورد الحديث انها احق بنفسها من وليها وإذا زوج الولي المرأة بغير اذنها ثم علمت بذلك فاجازته بقرب ذلك جاز وإلا لم يجز وقد قيل إنه باطل على كل حال إذا عقد عليها بغير اذنها وإذا أذنت المرأة لوليين فزوجاها معا من رجلين أو من واحد بعد واحد فلم يعلم أيهما قبل صاحبه فكلاهما نكاحه مفسوخ قبل الدخول وفسخه بتطليقة وان سبق احدهما بالعقد كان أحق الا أن يدخل الآخر فيكون أحق ومن أنكح ابنه البالغ وهو حاضر صامت ثم قال لم أرض صدق مع يمينه وان كان غائبا فرد سقط النكاح عنه وعن الأب كالأجنبي وروى يحيى عن ابن القاسم فيمن زوج وليته وكنت الاشارة وإطعام الوليمة وإشهاد الأمر في دارها أو يرى أنها عالمة به ثم جحدت فاليمين عليها فإن نكلت لزمها النكاح وأما التي يرى أنها لم

تقارب علم ذلك فلا يمين عليها وتمام هذا المعنى في كتاب الدعوى

باب إنكاح الصغير
وللرجل أن يزوج ابنه الصغير على النظر له وليس ذلك لغير الأب من الأولياء وللوصي عند مالك من إنكاح الطفل على وجه النظر له مثل ما للأب وقد روي عنه جواز عقد الولي والوصي على الصغير وأنهما في ذلك كالأب في العقد والمبارات عليه والمشهور عن مالك أن الولي ليس في ذلك كالوصي وأن الوصي في ذلك كالأب على ما قدمنا ذكره ومن زوج ابنه صغيرا لا مال له فالصداق على الأب لأنه متطوع عنه بذلك وان كان الابن مليا فعليه الصداق ولا يكون على الأب منه شيء مع يسار الابن إلا أن يضمنه متبرعا فإن ضمنه عنه فهي حمالة لا تلزمه إلا أن يوجد للابن مال وان قال عند ضمانه أنا أضمن ذلك في مالي على كل حال لزمه ذلك في عسر الابن ويسره ويؤخذ ذلك ان مات من رأس ماله ولو اعسر الابن بالصداق عند الدخول وقد كان موسرا عند العقد فالصداق دين عليه ولا ينتقل الصداق إلى الأب بعسرة الابن إذا كان مليا عند العقد ولو كان بعض الصداق مؤجلا والابن لا مال له ثم أيسر لم يلزمه شيء منه إذا كان الابن لا مال له في وقت

عقد النكاح ولو أصدق الأب من ماله عن ابنه وقبضت المرأة الصداق ثم طلق قبل الدخول رجع نصف المهر إلى الاب لأنه لما لم يتم له مراده فكان هبة لم تقبل وقالت طائفة ما أهل المدينة وغيرهم منهم عبد الملك بن عبد العزيز بل يرجع نصف المهر إلى الإبن لإنه هبة مقبوضة

باب النكاح في العدة ونكاح الشغار والمتعة والنهارية ونكاح المحلل والمحرم
قال الله عز وجل بعد ان رفع الجناح في التعريض بخطبة النساء {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} البقرة واجتمعت الامة على أنه لا يجوز عقد النكاح في العدة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عن نكاح الشغار ونكاح المتعة ونكاح المحرم ولعن المحلل والمحلل له" وليس لاحد أن يخطب امرأة في عدتها وله أن يعرض لها بغير تصريح نحو قوله النساء من شأني وإني لحريص على النكاح وان الله لسائق إليك خيرا وما كان مثل ذلك وان قال إني فيها لراغب واني عليك لحريص فلا بأس ومن خطب امرأة في عدتها ولم يعقد معها نكاحا حتى انقضت فقد أساء ولا شيء عليه وعقد

النكاح في العدة حرام ومن عقد على معتدة نكاحا في عدتها فهو مفسوخ على كل حال ويفرق بينهما فرقة فسخ من غير طلاق ولا ميراث بينهما لو مات أحدهما فان فرق بينهما قبل الدخول جاز له خطبتها بعد انقضاء عدتها وان لم يفرق بينهما إلا بعد دخوله بها في عدتها لم يحل له نكاحها أبدا عند مالك وأصحابه على ما روي عن عمر في ذلك فان عقد لها في عدتها ولم يدخل بها إلا بعد انقضاء عدتها فقد اختلف عن مالك وأصحابه في تأييد تحريمه هاهنا فروي عنه أنه يفرق بينهما ولا ينكحها أيضا أبدا لان وطأه لها كان بالعقد المنعقد عليها في عدتها فكأنه وطئها في عدتها وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة وهو تحصيل المذهب واختاره ابن القاسم وروي عن مالك أيضا أنها تحل له خطبتها بعد انقضاء عدتها وهو قول المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ومحمد بن إبراهيم بن دينار وقال عبد الملك بن الماجشون وعلى المغيرة وابن دينار كانت تدور الفتيا بالمدينة يعني بعد مالك والله أعلم واختلف فيما يجب عليها من العدة إذا فرق بينهما بعد دخوله بها فروى ابن القاسم عن مالك انه ليس لها إلا ثلاث حيض وان ذلك يجزئها من العدتين جميعا وسواء كان نكاحه إياها بعد حيضه أو بعد حيضتين انها عليها ثلاث حيض تستأنفها بعد الفرقة بينها وبين الثاني وروى عنه أهل المدينة أنها تتم بقية عدتها من أول حيضة كانت أو حيضتين أو أكثر ثم تستأنف عدتها ثلاث حيض كاملة من الثاني على ما روي عن عمر في ذلك فإن كانت متوفى عنها ودخل بها الثاني في عدتها وفرق بينهما اعتدت بقية عدتها أربعة أشهر

وعشرا من يوم مات عنها زوجها تستكمل فيها ثلاث حيض هذا تحصيل المذهب وأما على قول عمر فتستأنف ثلاث حيض بعد الأربعة الأشهر والعشر وان كان الناكح لها في العدة عالما بالتحريم ودخل بها في العدة فقيل إنه زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد وله ان يتزوجها إذا انقضت عدتها وقيل الحد عنه ساقط والمهر لها لازم والولد به لاحق ويفرق بينهما ولا يتزوجها ابدا وهو تحصيل مذهبه عند جمهور أصحابه ولو جاءت المنكوحة في العدة بولد لاقل من ستة أشهر من يوم عقد عليها الثاني فرق بينه وبينها ولم تحل له أبدا ورجع عليها بالصداق وأبقى لها ربع دينار ان كان لم يعلم أنها كانت في العدة لانها علمت ذلك وغرته وان علم أنها في عدة وجهل التحريم كان لها صداق كامل بما استحل منها وان علم التحريم فهو كالزاني في أحد قولي مالك والولد لاحق بالأول في هذه المسألة على كل حال فان أنكره لاعنها وسيأتي حكم لعانها في باب اللعان ونكاح الشغار مفسوخ على كل حال قبل الدخول وبعده وهو أن يزوج الرجل امرأة هو وليها على أن يزوجه آخر امرأة هو وليها على أن لا صداق لواحدة منهما والشغار في العبيد والإماء كهو في الأحرار سواء ويفسخ النكاح في ذلك وإن طال أمده كهو في الأحرار سواء ويفسخ النكاح في ذلك وإن طال أمده فإن دخل بواحدة منهما فلها صداق مثلها مع الفسخ واختلف عن مالك هل هو فسخ بطلاق أو بغير طلاق فروي عنه فيه الوجهان جميعا وان لم يدخل بها فلا شيء لها إذا فسخ نكاحها وان قال زوجتك ابنتي بمائة على ان تزوجني ابنتك بمائة أو نحو هذا فسخ النكاح بينهما قبل البناء

استحبابا وثبت بعد البناء بمهر المثل لكل واحدة منهما ولو سمى لإحداهما مهرا ولم يسم للأخرى فسخ نكاح التي لم يسم لها صداق قبل الدخول وبعده وفسخ نكاح المسمى قبل الدخول استحبابا وتفوت بعد الدخول وكان لها صداق المثل ونكاح المتعة باطل مفسوخ وهو ان يتوزج الرجل المرأة بشيء مسمى إلى أجل معلوم يوما أو شهرا أو مدة من الزمان معلومة على أن الزوجية تنقضي بانقضاء الأجل والفرقة في ذلك فسخ بغير طلاق قبل الدخول وبعده ويجب في المهر المسمى بالدخول عند مالك فإن لم يسم شيئا أو سمى مالا يكون صداقا عنده وجب فيه صداق المثل ويسقط فيه الحد ويلحق الولد وعليها العدة كاملة وكذلك عند مالك نكاح النهارية حكمه عنده حكم نكاح المتعة في لزوم المهر ولحوق الولد ووجوب العدة مع الفسخ وهي التي تنكح على أنها تأتي زوجها نهارا ولا تأتيه ليلا ونكاح المحلل فاسد مفسوخ وهو أن يتزوج امرأة طلقها غيره ثلاثا ليحلها لزوجها وأنها متى أصابها طللقها فهذا المحلل الذي ورد الحديث عن النبي عليه السلام بلعنه وكل من نكح امرأة ليحلها لزوجها فلا تحل لزوجها ان وطئها بذلك النكاح وسواء علما أو لم يعلما إذا قصدا النكاح لذلك ولا يقر على نكاحها ويفسخ قبل الدخول وبعده وإنما يحللها نكاح رغبة لا قصد فيه للتحليل وشرط مالك واكثر أصحابه أن يكون وطئه إياها مباحا تاما غير محظور لا تكون صائمة ولا محرمة ولا حائضا ولا معتكفة فإن وطئها وطئا تاما مباحا ثم طلقها أو مات عنها حلت للأول وإلا لم تحل له ومدار نكاح المحلل على

الزوج الناكح وسواء شرط ذلك أو نواه ومتى كان شيء من ذلك فسد نكاحه ولم ير عليه ولم يحلل وطئه المرأة لزوجها وعلم الزوج المطلق وجهله بذلك سواء لأن المدار على الزوج الناكح وقد قيل انه ينبغي له إذا علم أن الناكح لها لذلك تزوجها أن يتنزه عن مراجعتها وكذلك المرأة إذا اشترطت ذلك إذا كانت نية الناكح قد انعقدت على مكاح رغبة لأن المرأة ليس بيدها شيء من حل عصمتها وقد قيل إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح وهو تشديد وقال سالم والقاسم وأبو الزناد ويحيى بن سعيد جائز للرجل أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور إذا اعتقده ولم يشترطه في عقد نكاحه وبين ذلك قوله إذا لم يعلم الزوجان والمعمول به في هذا الباب ما قدمنا ذكره عن مالك وأما نكاح المحرم فلا يجوز ولا يتزوج الرجل ولا المرأة وهما محرمان إلى أن يحل لهما الوطء بطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة في الحج وأما المعتمر فمتى يفرغ من سعيه بين الصفا والمروة فان نكح أحدهما أو نكحا فسخ النكاح قبل الدخول وبعده واختلف في فسخه عن مالك فقيل بطلاق وقيل عنه بغير طلاق وأصله الذي عليه يعمل أكثر أصحابه أن كل نكاح فاسد لا يصلح أن يقام عليه ولا للأولياء لو رضوه أن يجيزوه فهو فسخ بغير طلاق وكل نكاح لو رضي الأولياء أو غيرهم أن يجيزوه جاز وكانا على نكاحهما فذلك إذا فسخ كان الفسخ فيه تطليقة بائنة لا رجعة فيها وأما ابن القاسم فذهب إلا أن كل نكاح اختلف فيه السلف أو قال بجوازه أحد من أئمة الفتوى بالأمصار فإن الفسخ

فيه تطليقه بائنة ووجه الرواية عنه في فسخ نكاح المحرم بطلاق إنما ذلك للاختلاف فيه فعلى هذا القول إن نكحها بعد كانت عنده على تطليقتين وعلى القول الأول تكون عنده على ثلاث وجائز للمحرم أن يراجع امرأته إذا كان طلاقه رجعيا قبل إحرامه أو بعده وأحرم في عدتها لكنه لا يجوز له وطئها وليس لمن عقد نكاحا في إحرامه ووطيء ثم فسخ نكاحه مراجعتها في حال إحرامه ذلك ولما كان ليس للمحرم عقد نكاح في حال إحرامه ذلك ولما كان ليس للمحرم عقد نكاح في حال إحرامه فكذلك ليس له مراجعة من عقد نكاحها في إحرامه ذلك حتى يحل من حجه وله شراء الجواري وهو محرم ولا يجوز له وطؤهن حتى يحل من إحرامه وقد روي عن مالك تأبيد التحريم فيه كالنكاح في العدة والمشهور عنه أنه لا يتأبد فيه التحريم وأنه جائز له إذا حل من إحرامه أن ينكحها نكاحا جديدا

باب تحريم نكاح ذوات المحارم من النسب والاصهار
لا يحل لاحد نكاح أمه ولا جداته لا من قبل أبيه ولا من قبل أمه وأن علون ولا يحل لاحد نكاح ابنته ولا امرأة من بنات بناته وبنات بنيه وان سفلن ولا يحل لاحد نكاح أخته ولا امرأة من بنات إخوته واخواته وان سفلت ولا يحل له نكاح عمته ولا عمة عمته وان علت ولا نكاح خالته ولا خالة خالته وان علت

وجائز له نكاح ابنة العم وابنة العمة وابنة الخال وابنة الخالة وان سفلن ولا يحل له نكاح امرأة ولدتها امرأته التي قد دخل بها ولا ما ولده بنوها ذكورهم وإناثهم ولا يحل له نكاح امرأة نكحها أحد من ولده وولد ولده وان سفلوا وسواء دخل بهؤلاء أو لم يدخل بهن مات عنهن الأب أو الجد أو طلقهن وكل امرأة حرمت عليك فابنتها حرام عليك إلا أربعا بنت العمة وبنت الخالة وبنت حليلة الابن وبنت حليلة الأب فإن نكح امرأة من هؤلاء كلهن جاهلا فسخ نكاحه ولم يتوارثا ولا صداق لها ان كان لم يدخل بها ولا بصف صداق فإن دخل بها وعذرا بالجهالة كان لها صداقها المسمى وان لم يعذر أحدا وان عذر أحدهما سقط الحد عنه ومتى سقط الحد لحق الولد وان حدت المرأة فلا صداق لها ويحرم على الرجل كل من وطئها أبوه أو جده أو ابنه أو ابن ابنه بملك اليمين والاماء كالنكاح سواء والقبلة عند مالك والمباشرة للذة أو مس الفرج يحرم على الابن ما يحرم بالوطء وقد روي عنه ان القبلة لا تحرم وإنما يحرم الوطء

باب ما يحرم الجمع بينه من النساء
لا يحل أن يجمع الرجل بين امرأة وأختها شقيقة كانت أو لأم أو لأب وكذلك بنات أختها وبنات أختيها وبنات أختها وان سفلن وكذلك عمتها وخالتها وعمة عمتها وخالة خالتها وان علت

وإذا أردت أن تعتبر هذا الباب فانظر إلى إحدى المرأتين وأنزلها رجلا فإن كان يحل له لو كان رجلا ناكح قريبته تلك فلا بأس بالجمع بينهما وإن لم يحل له ذلك لو كان أحدهما رجلا لم يجز الجمع بينهما وان لم يحل له ذلك لو كان أحدهما رجلا لم يجز الجمع بينهما وهذا من طريق النسب وأما غير النسب فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وربيبتها ومن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة فسخ النكاح لهما جميعا قبل الدخول وبعده فإن فسخ قبل الدخول كان له ان يتزوج بعد ذلك ايتهما شاء وإلى هذا ذهب ابن القاسم وقال عبد الملك وغيره يحل له نكاح البنت ويحرم عليه نكاح الأم وان فسخ نكاحه بعد الدخول بهما لم تحل له واحدة منهما أبدا ولو دخل باحداهما فسخ نكاحه وحل له نكاحها بعد ولم تحل له الأخرى أبدا والأصل المجتمع عليه عند أهل المدينة في هذا الباب ان من تزوج امرأة لم يحل له أن يتزوج أمها دخل بالابنة أو لم يدخل بها ولا بأس أن يتزوج الابنة إذا لم يدخل بالأم فان دخل بالأم لم تحل له ابنتها كانت الابنة في حجره أو لم تكن في حجره ومن تزوج امرأة على من لا يجوز له أن يجمعها معها فنكاح الأولي صحيح ونكاح الثانية فاسد يفسخ أبدا وان ماتا لم يتوارثا ولا صداق لها ولا نصف صداق ما لم يدخل بها فان كان دخل بها كان لها صداقها كاملا وللأولى أبدا ميراثها كاملا وصداقها معجلا كاملا دخل أو لم يدخل لأن الموت يوجب الصداق وليس كالطلاق وقال مالك من تزوج أما وابنتها في عقد واحد وسمى لكل واحدة صداقا فسخ النكاح فإن دخل بهما حرمتا عليه وإن دخل بالأم منهما أو البنت

فسخ نكاح المدخول بها حتى تستبريء رحمها ثم يتزوجها إن شاء وحرمت عليه التي لم يدخل بها وقال به ابن القاسم وقال أشهب وابن الماجشون أن دخل بالأم حرمتا جميعا وان دخل بالبنت حرمت الأم ثم نكح البنت بعد الاستبراء وقال مالك ولو تزوج بنتا ثم تزوج أمها فبنى بها حرمتا عليه جميعا وقال ابن القاسم لأن الأم حرمت بعقد البنت ثم حرمت البنت بوطء الأم قال مالك ولو تزوج أما ولم يدخل بها ثم تزوج بنتا ودخل بها حرمت الأم ثم نكح البنت بعد الاستبراء إن أحبها ومعنى قوله هذا لان الأم من أمهات النساء والبنت عقدت على فساد ومن تزود منهما أولا فدخل أو لم يدخل ثم عقد على الأخرى بطل العقد الثاني ولم يبطل الأول إلا بالجماع وأسبابه فمتى بطل ذلك لم يكن عليه من نصف الصداق شيء لأنها حرمة وقعت بغير طلاق يوجب شرط الصداق ولا يحل لاحد أن يجمع بنكاح أكثر من أربعة نسوة والعبد والحر في ذلك سواء وجائز عند مالك أن ينكح أربع نسوة وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما بعقد النكاح فلا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين ومن وطأ أمة بملك اليمين ثم أراد أن يطأ أختها أو عمتها أو خالتها فانه يحرم فرج الأولى ببيع أو عتاقة أو كتابة أو ما أشبه ذلك مما يحرم عليه وطئها ثم يطأ الأخرى إن شاء فان أراد بعد ذلك وطء الأولى فعل بالثانية مثل ما فعل بالأولى فحلت له الأولى والوطء هاهنا في الأماء كالعقد على الحرائر

باب الرضاعة وحرمته
الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة فكل من حرم نكاحها أو وطؤها بالولادة حرم بالرضاعة وكل امرأة يحرم نكاحها أو وطؤها على رجل بنسب أو رحم أو صهر حرم عليه نكاحها بذلك النسب من الرضاعة وكذلك الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها أو خالتها من الرضاعة وحليلة الابن من الرضاعة كحليلة الابن من النسب وزوجات الأب من الرضاعة وما وطئه بملك اليمين كزوجات الأب من النسب في التحريم سواء ومن لا يحرم عليه من النساء بنسب أو صبر لم يحرم عليه برضاع وإذا رضع الصبي من المرأة أقل رضاع فلا يحل له نكاح أحد من بناتها وسواء أرضعته معه أو قبله ولا بأس أن ينكح أخوه بنتها لأنه لا حرمة بينه وبينها وكذلك لو أرضعت امرأة صبية لم يحل لاحد من بنيها أن يتزوجها وجائز لمن شاء منهم أن يتزوج أختها لأنه لا حرمة بينه وبينها ولو ارضعت امرأة صبيا وللمرأة ابنة كان لأبي الصبي أن يتزوج ابنة المرأة وان كانت أخت ابنه لأنه لا حرمة بينه وبينها ولو أن جدة أرضعت بنت ابنتها لم تحل لابن خالتها لأنها أخت أمه ولو أن أخوين ولد لأحدهما غلام وللآخر جارية فارضعت أمهما جدة الصبيين أحدهما لم يتناكحا لأنهما ابنا أخ من رضاعة وان كانا ابني عم وللمرأة أن تسافر مع ذوي محارمها من الرضاعة كما لها ذلك مع ذوي محارمها من النسب وكل ما وصل إلى جوف الطفل أو الطفلة في الحولين من اللبن وان

كان مصة واحدة حرم عند مالك وأكثر أهل المدينة وما كان بعد الحولين فلا يحرم شيئا ولو فصل الصبي قبل الحولين واستغنى عن الرضاع بالطعام لم يكن لرضاعه بعد ذلك حرمة وان كان في الحولين والوجور والسعوط يحرم إذا وصل إلى الجوف في الحولين وما وصل من غير الحلق إلى الجوف كالحقنة وشبهها من اللبن فلا يحرم شيئا وإذا اختلط اللبن بغيره فالحكم للأغلب منهما والمرأة العجوز والتي لم تلد إذا كان مثلها يوطأ ودرت إحداهما بلبن فكل من رضعها ابن لها تقع الحرمة بذلك اللبن بينه وبينها فإن كانت صبية صغيرة لا يوطأ مثلها وأتاها لبن لم تقع بذلك اللبن حرمة وكذلك الرجل لو در عليه لبن لم يحرم رضاعة شيئا المرأة الميتة يحرم

باب لبن الفحل
إذا أرضعت المرأة مولدأ في الحولين صار ابنها وابن من أرضعته بلبنه ولا يحل لذلك المولود أن ينكح امرأة من بنات أمه التي أرضعته ولا بنات زوجها أو سيدها لأنه أبوه بذلك الرضاع ولا من قرابته إلا ما يحل له من بنات أبيه الذي ولده ولا يحل له أن ينكح امرأة من بنات زوجها من غيرها كما لا يحل له بناتها منه ولا من غيره وولد الولد وإن سفل ذلك بمنزلة الولد فإن كان اللبن من إصابة حرام لم يحرم شيئا من قبل الفحل وان كان لرجل امرأتان أو جاريتان فارضعت إحداهما

غلاما وأرضعت الأخرى جارية فهما أخوان لأب لا يتناكحان أبدا واللبن من الرجل قبل الفصال وبعده ما لم تنكح المرأة فان نكحت ولم ينقطع لبنها حتى ولدت من الآخر فاللبن منهما جميعا والحرمة به ثابتة بين المرضع وبين الزوجين جميعا ما لم ينقطع الأول فإذا انقطع اللبن الأول ثم حدث لبن آخر كانت الحرمة للزوج الثاني دون الأول ومن أهل المدينة جماعة لا يقولون بلبن الفحل والصحيح عندنا القول به لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن عباس

باب من يحل وطئه من النساء بملك اليمين
كل امرأة يحرم نكاحها على رجل بنسب أو صهر أو رضاع لم يحل له وطئها بملك اليمين وكل من حل له نكاحها فله وطئها بملك اليمين ان ملكها والجمع في الوطأ بين الأختين بملك اليمين كالجمع بينهما بالنكاح وعلى هذا جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار وعليه جرى العمل والفتيا والخلاف فيه شذوذ وكل من نظر إلى جارية فأبصر منها غير وجهها وكفيها مثل أن ينظر إلى شعرها أو صدرها أو ساقها أو شيء من محاسنها تلذذا حرمت بذلك على أبيه وابنه وحرمت عند مالك عليه أمها وابنتها وكذلك إذا لمسها شهوة وقد قيل لا يحرم إلا بالمسيس والأول أحوط والآخر أقيس وأصح في النظر إن شاء الله ولا بأس بوطء الأماء الكتابيات بملك اليمين

ولا يجوز وطء الأماء المجوسيات ولا غير الكتابيات بملك اليمين

باب نكاح امرأة قد فجر بها الناكح أو بأمها أو بابنتها أو وطئها بشبهة
باب نكاح امرأة قد فجر بها النكاح أو بأمها أو بابنتها أو وطئها بشبهة
لو أصاب رجل امرأة بالزنى لم يحرم عليه نكاحها بذلك وكذلك لا تحرم عليه إذا زنى بابنتها وحسبه أن يقام عليه الحد ثم يدخل بامرأته ومن زنى بامرأة ثم أراد نكاح أمها او أبنتها لم يحرم عليه نكاح أمها لذلك ولا نكاح ابنتها وهذا هو الصحيح من قول مالك وهو قول أهل الحجاز وقد روي عنه ان الزنى يحرم الأم والابنة وأنه في ذلك بمنزلة الوطء الحلال وهو قول أهل العراق والأول أصح وعليه العمل عند فقهاء أهل المدينة لأن الله قال وأمهات نسائكمالنساء وليس التي زنى بها من نسائه ولا ابنتها من ربائبه ومن وطيء امرأة بشبهة لم يجز له نكاح أمها ولا ابنتها ولا أن يجمع بينها وبين اختها أو عمتها أو خالتها بالنكاح ولا بملك اليمين وكذلك من قبل أو باشر عند مالك

باب نكاح الكتابيات وغيرهن من الكافرات
باب نكح الكتابيات وغيرهن من الكافرات
ليس لمسلم أن يتزوج مشركة وثنية أو غير وثنية أو مجوسية وحرام عليه وطء هؤلاء بنكاح أو ملك يمين وله أن يتزوج اليهودية والنصرانية وليس له ان يتزوج غيرهما من اهل الذمة وجائز أن يزوج الرجل عبده اليهودي بيهودية أو نصرانية والنصراني بنصرانية ويهودية ولا يجوز نكاح مرتدة ولا يجوز نكاح إماء أهل الكتاب لحر ولا لعبد مسلم وإذا ارتد احد الزوجين الزوجين أو ارتدا معا بطل النكاح قبل الدخول وبعده ولا يكون موقوفا على اجتماع اسلامهما في العدة ولو تزوج المرتد أو المرتدة في ارتدادهما كان نكاحهما مفسوخا بغير طلاق وقد اختلف في فرقة المرتد والصواب في ذلك أنه فسخ بغير طلاق

باب نكاح الحر للامة على الحرة والحرة على الامة ونكاحه الامة المسلمة وهو يجد الطول إلى الحرة
لا يجوز للحر المسلم أن ينكح أمة غير مسلمة بحال ولا له تزويج الأمة المسلمة حتى لا يجد طولا لحرة أو يخاف العنة وهو الزنى فإذا كان ذلك جاز له أن يتزوج واحدة منهن فقط فإن عدم الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح الأمة وكذلك إن وجد الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح الأمة وكذلك إن وجد الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح الأمة

والطول المال وقد روي عن مالك في الذي يجد طولا لحرة أنه يتزوج أمة مع قدرته على طول الحرة وذلك ضعيف من قوله وقد قال مرة أخرى ما هو بالحرم المبين وجوزه وقد سئل مالك عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول فقال أرى أن يفرق بينهما فقيل له أنه يخاف العنت فقال السوط يضرب به ثم خففه بعد ذلك وإذا تزوج الحر حرة على أمة تحته ولم تعلم الحرة بالأمة ففيها أيضا عن مالك روايتان إحداهما أنها لا خيار لها لأنها فرطت في تعرف ذلك والأخرى ان لها الخيار ومن كانت تحته أمتان فتزوج حرة عليهما وعلمت باحداهما ولم تعلم بالأخرى كان لها الخيار على إحدى الروايتين ولا خيار لها على الرواية الأخرى وأجاز مالك لمن تحته حرة أن يتزوج أمة وقال النكاح ثابت والحرة بالخيار في نفسها بين إقامتها مع زوجها أو مفارقته وكان قوله قديما إن ذلك باطل وأنه يفرق بينهما وهو الأحوط والأولى وقال عبد الملك الحرة بالخيار في فسخ نكاح الامة وإقراره وقال مالك إذا تزوج العبد الأمة على الحرة فلا خيار للحرة لأن الأمة من نسائه

باب نكاح العبيد والاماء والمولى عليه
جائز عند مالك أن يتزوج العبد أربع نسوة وهذا هو المشهور عنه وتحصيل مذهبه وقد روي عنه أنه لا يتزوج العبد إلا اثنتين وهو قول أكثر أهل العلم وجائز أن يتزوج

العبد الحرة على الأمة والأمة على الحرة وهو في ذلك بخلاف الحر وليس بواجب على أحد وجوب حتم أن يزوج عبده ولا أمته ولا يجوز نكاح عبد ولا أمة إلا بإذن سيدهما وكذلك من فيه شيء من الرق ولا يجوز لمن نصفها حر ونصفها مملوك أن ينكحها سيدها إلا بإذنها لأنه لا يحل له وطئها وان تزوجها فولدها بمنزلتها وقال مالك لا يجوز أن يزوج الرجل عبده أمة بغير صداق وشهود ولا أرى أن يدخل بها حتى يقدم إليها أقل ما تستحل به وذلك ربع دينار وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح موقوف على إجازة السيد فإن جاز أجازه وأن رده بطل فان كان دخل بالمرأة فلها من المهر بقدر ما يستحل به فرجها ويأخذ سيده الباقي منها أو تتبع هي العبد به دينا في ذمته إذا اعتق وسواء علمت الزوجة أنه عبد أو لم تعلم غرها أو لم يغرها لسيده أبدا في ذلك كله أخذ الصداق منها إلا أنه إن كان غرها اتبعته بما أخذ السيد إذا اعتق دينا في ذمته إلا أن يفسخه السيد عنه فإن فسخه لم تتبعه من ذلك بشيء وإذا فسخ السيد نكاح عبده الذي عقده بغير إذنه فهو فسخ بطلاق ويلزم طلاق ويلزم طلاق العبد فيه عند مالك قبل الفسخ ولو فسخه بأكثر من واحدة لزمه وقد قيل لا يلزمه من ذلك إلا بطلقة ولو اعتقه قبل أن يعلم جاز نكاحه وقد قيل لا يجوز والأول قول مالك فإن اذن السيد لعبده في النكاح جاز عقده لنفسه وأما الأمة تتزوج بغير إذن مولاها فنكاحها باطل وسواء أجاز السيد ذلك أم لا لأن العبد يعقد على نفسه إذا أذن له سيده والأمة لا تعقد على نفسها ولا على غيرها هذا إذا باشرت

العقد بنفسها وأما إذا جعلت أمرها إلى رجل فزوجها فعن مالك في ذلك روايتان إحدهما أنه كنكاح العبد إن شاء السيد فسخه وإن شاء تركه والأخرى أنه باطل يجوز باجازه السيد له وإذا تزوج العبد بإذن سيده لم يكن له فسخه ولا إليه طلاق والطلاق بيد العبد وما لزم العبد من الصداق ففي ماله إن كان له مال وكان نكاحه باذن سيده أو بغير إذنه وهو معسر فالمهر دين في ذمة العبد ويؤخذ من ماله ان وهب له فأما خراجه وعمله فلا شيء لزوجته فيه فان عتق العبد اتبعته زوجته بمهرها دينا وقال غير مالك من أهل المدينة المهر والنفقة في كسبه وماله لان اذنه له بالنكاح إذن باكتساب المهر والنفقة فان كان مخارجا لمولا كان ذلك فيما فضل عن خراجه والصداق للأمة مال من مالها ما لم ينزعه سيدها ولسيدها أن يسقطه إن شاء عن زوجها قبل الدخول وبعده لأنه كسائر ماله لجواز انتزاعه له إذا شاء من يدها وإذا دخل بالأمة زوجها الحر وقد كان سمي لها صداقا ثم ابتاعها فالصداق لسيدها وكذلك لو اعتقها سيدها بعد دخول زوجها بها ولو ابتاعها قبل دخوله بها فلا شيء لها ولا لسيدها من الصداق وان كان لم يدخل بها حتى أعتقها سيدها فاختارت المقام معه فلها الصداق دون سيدها وأيما عبد ملكته زوجته أو أمة ملكها زوجها انفسخ النكاح بينهما ساعة وقع الملك وذلك فسخ بغير طلاق وله وطئها بملك اليمين من غير استبراء وللعبد أن يتسرى في ماله بغير إذن سيده وبإذنه وقد قيل إنما يتسرى العبد في ماله إذا أذن له في ذلك سيده وكلا الوجهين قول من يرى ان العبد

يملك وهو قول مالك وأصحابه وأما من يقول من العلماء إن العبد لا يملك فإنهم لا يجيزون له الوطء بغير النكاح ولا يبيحون له التسري على حال وإذا طلق العبد زوجته طلقة رجعية فله أن يراجعها وان كره السيد وقد قيل ليس له أن يراجعها إلا بإذن سيده والأول أصح ومن زوج عبده من أمته ثم باعها أو باع أحدهما فهما على نكاحهما ولا يفسخ النكاح ببيعهما ولا بيع واحد منهما وان علم المشتري بالنكاح فرضي به لزمه وان لم يعلم كان له الخيار في رد البيع أو إمضائه وإذا تزوجت الأمة بغير اذن سيدها فسخ نكاحها بغير طلاق دخل أو لم يدخل فان لم يدخل بها فلا شيء لها وان دخل بها عالما بأنها أمة وقد كان فرض لها صداق مثلها أخذه السيد أن أدركه معها وان كان الزوج لم يدفعه قبضه منه وإن كانت قبضته وأتلفته رجع سيدها عليه بصداق مثلها فإن لم تتلفه وكان أكثر من صداق مثلها أخذه كله فإن أدرك معها من الصداق بعضه وكان مقدار صداق مثلها أخذه ولم يتبع الزوج بشيء غيره وان كان أقل اتبعه بتمام صداق مثلها ولا تباعة للزوج بعد ذلك عليها وإن كانت الأمة غرت من نفسها وذكرت أنها حرة فإن الزوج ينتزع منها جميع الصداق الذي دفعه إليها ان أدركه عندها ودفع إلى سيدها قدر ما يستحل به فرجها وان تلف الصداق أخذ السيد منه قدر ما يستحل به واتبع الزوج الأمة بما دفع إليها دينا في ذمتها إذا عتقت إلا قدر ما تستحل به فان فسخ ذلك سيدها عنها لم يتبعها بشيء منه أبدا وان اولدها وهو عالم أنها أمة فولده رقيق وان غرته

افتدى ولده بقيمتهم يوم يقع الحكم فيهم ان كان موسرا وان كان معسرا اتبع بقيمتهم دينا وهم أحرار على كل حال ولا يجوز نكاح السفيه المولى عليه إلا باذن وليه فإن أذن له وليه جاز نكاحه وان تزوج بغير إذن وليه نظر في ذلك وليه فان كان سدادا أجازه إن شاء والا فسخه فان كان دخل بها كان لها من المهر قدر ما يستحل به فرجها ويؤخذ الفضل منها أو ممن قبضه لها من أوليائها وان كان منه شيء مؤخر فسخ عنه ولا يتبع السفيه بشيء منه بعد رشده بخلاف العبد لان العبد حجر عليه من أجل غيره والسفيه حجر عليه من أجل نفسه وفسخه تطليقة يحتسب بها ان نكحها بعد

باب نكاح المريض
لا يجوز نكاح المريض ولا المريضة ان تزوجا أو تزوج أحدهما ومن فعل ذلك مريضا فسخ نكاحه قبل الدخول وبعده ولا يرث الصحيح منهما المريض ان مات من مرضه ذلك دخلا أو لم يدخلا فإن فسخ نكاحهما قبل البناء فلا صداق للمرأة ولا ميراث فإن بنى بها وهي مريضة ثم ماتت فلها الصداق المسمى عند مالك وعند ابن القاسم لها مهر مثلها ولا ميراث وان دخل المريض فالصداق في ثلثه مبدأ على الوصايا إلا المدبر في الصحة فإن سمى لها أكثر من صداق مثلها سقط ما زاد على صداق المثل وان صحا قبل الفسخ ثبت النكاح دخلا أو لم

يدخلا وهو المشهور في المذهب وقد روي عن مالك انه لا يثبت نكاح المريض وان صح قبل الفسخ وإذا نكح المريض فلم يفرق بينه وبين امرأته حتى صح صحة بينة ثم مرض بعد ذلك وهي عنده فمات وهي زوجته ترثه كسائر الأزواج وإذا تزوجت المريضة فرق بينهما فإن لم يدخل بها فلا صداق لها وان كان دخل بها فلها صداقها كاملا ولا ميراث لزوجها منها إن ماتت من ذلك المرض وإذا تزوج المريض صحيحة فصح المريض وماتت الزوجة كان له الميراث من مالها وكذلك إذا تزوجت المريضة صحيحا فلم يفسخ نكاحهما حتى صحت المريضة ومرض الزوج ومات كان لها صداقها وميراثها من ماله والمريض الذي لا يجوز نكاحه هو الذي لا ينفذ له في ماله إلا ثلثه ومن أهل العلم بالمدينة وغيرها جماعة يجعلون نكاح المريض والصحيح سواء ويجيزون ذلك ولا يفسخونه

باب إسلام أحد الزوجين الكافرين قبل صاحبه
إذا أسلم الكتابي قبل زوجته الكتابية ثبتا على نكاحهما لأنه يحل له في الاسلام نكاحها فإن كانت غير كتابية وقعت الفرقة بينهما إلا أن تسلم عقب إسلامه في فور ذلك فإن كان ذلك ثبتا أيضا على نكاحهما وان لم تسلم بأثر إسلامه وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق ولا مهر لها ان لم يكن دخل بها وإذا أسلمت المرأة قبل زوجها كتابي أو غير كتابي فإن أسلم زوجها

في عدتها فهو أحق بها من غير رجعة ولا صداق وإسلامه في عدتها كرجعة المطلق للسنة امرأته في عدتها وأما غير المدخول بها فإنها لا عدة لها فإنها اسلمت وقعت الفرقة بينهما فسخا بغير طلاق ولا صداق لها لأنه لم يدخل بها ولو كانت مدخولا بها فأسلم وادعى ان إسلامه كان في عدتها كانت البينة عليه دونها فإن أقام البينة في ذلك ثبتا على نكاحهما هذا إذا لم تكن نكحت غيره فإن نكحت غيره وأقام البينة أنه أسلم في عدتها فإن كان دخل الثاني بها فلا سبيل للأول إليها وان كان لم يدخل بها فلمالك فيها قولان أحدهما ان الأول أحق بها والآخر أن الثاني أحق بها وإذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة فله أن يمسك منهن أربعا ويفارق سائرهن ولا يبالي أوائلا كن الأربع أو أواخر وسواء عقد عليهن عقدة واحدة أو عقدا مختلفة وكذلك إذا أسلم وعنده أختان فارق أيتهما شاء

باب القول في الصداق
لم تحل الموهوبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قال الله عز وجل: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الأحزاب فلا يحل لأحد بعده نكاح يشرط فيه أن لا صداق ولا بد لغيره من

صداق قل أو كثر إلا أن مالكا وأصحابه يجيزون في أقله ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم كيلا من الورق أو عرضا يساوي أحدهما فإذا ساوى العرض ثلاثة دراهم كيلا جاز صداقا وأكثر أهل العلم بالمدينة وغيرها لا يحدون في أقل الصداق شيئا كما لا يحد الجميع في أكثره شيئأ ومن قال ذلك من أهل المدينة سعيد بن المسيب وابن شهاب وربيعة ومن غيرهم جماعة يطول ذكرهم وبه يقول ابن وهب من بين أصحاب مالك وقد بينا وجه قول مالك وقول غيره وقد أوضحنا ذلك في كتاب التمهيد ويكره مالك أن يكون النكاح على عبد آبق أو على بعير شارد ولا على جنين في بطن أمه ولا شيء من الغرر وكل ما لا يجوز في البيوع العقد عليه مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها على تنقيتها أو زرع لم يستحصد ويستغني عن الماء إلا أن يكون للقطع أو عبدين يكون أحد الزوجين مخيرا في أحدهما أو غائبا من العقارات لم يوصف أو موصوف بشرط ان لم يأت به في وقت سماه وإلا فلا نكاح بينهما أو بصداق ينقد بعضه ويؤخر بعضه على أنه ان مات سقط عنه ما بقي عليه وما كان مثل هذا كله فإنه عقد بشيء منه نكاح وادرك قبل الدخول فسخ ولم يكن للمرأة شيء وان لم يدرك إلا بعد الدخول أقر النكاح وكان للمرأة مهر مثلها بالغا ما بلغ نقدا فهذا جملة تحصيل المذهب وكذلك عند مالك وجماعة من أصحابه الأجل المجهول مثل أن يكون إلى موت أو فراق أو إلى الميسرة بعض الصداق أو كله مهر مثلها بعد الدخول نقدا يحسب لها ما أخذت ويوفي ما بقي وان

كان قبل الدخول خير الناكح فان عجله كله نقدا وإلا فسخ النكاح وقيل ان كان موسرا وكان بعض الصداق إلى ميسرة أو كله جاز وكان حلالا وكذلك من تزوج بمهر إلى غير أجل وقيل فيمن تزوج بمهر إلى غير أجل إنه يفسخ قبل الدخول كما وصفنا وثبت بعد الدخول بمهر مثلها نقدا وكل ذلك قول مالك ولا يكون الصداق إلا إلى أجل معلوم ويكرهه مالك فيما كثر من النساء وكل ما يجوز بيعه جاز عقد النكاح به إذا بلغ ثمنه المقدار المذكور تحديده عند مالك وقد يجوز عند مالك عقد النكاح بما لا يجوز بيعه كالوصفاء المطلقين غير الموصوفين مثل ان يقول انكحوا على عبد أو على أمة أو على عبيد ولا يصف شيئا من ذلك فيجوز عند مالك ويرجع في ذلك إلى الغالب من رقيق البلد فان اختلف رقيق البلد قضي بالأوسط منه ويجوز النكاح عنده على جهاز بيت أو شوار بيت فان كان بدويا كان عليه شوار أهل البادية وان كان حضريا كان عليه شورة أهل الحاضرة ومن تزوج امرأة على درهمين أو أقل أجبر على أن يكمل لها ثلاثة دراهم ولم يفسخ نكاحه وان طلقها قبل الدخول لزمه من الدرهمين درهم واحد ويستحب لكل من تزوج امرأة أن ينقدها صداقها كله أو ربع دينار منه قبل الدخول فان لم يفعل ودخل بها قبل أن ينقدها فلا شيء عليه في تأخير الصداق فالنكاح جائز وهو النكاح المعروف عند أصحابنا بنكاح التفويض فإن دخل بها فلها صداق مثلها في المال والجمال والمنصب والحال وفي ناحية الرجل أيضا ولا ينظر إلى قراباتها عند مالك وان طلقها قبل البناء والتسمية فلها

المتعة فقط وان ماتت ورثها وإن مات ولم يبن بها فلا صداق لها ولا متعة ولها الميراث وعليها العدة وإنما يجب صداق المثل بالبناء لمن لم يسم لها صداق قبل ولا يجوز عند مالك وأصحابه أن يعتق أحد أمته ويجعل عتقها صداقها ومن تزوج بغير صداق فسمى لها أقل من صداق المثل فرضيت به وهي ثيب جاز وان كانت بكرا فرضيت به وأبى وليها فالرضى إلى الولي ولو تزوجها على غير مهر مسمى ثم فرض لها برضاها ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض وان تزوجها على حكمه أو حكمها أو حكم زيد فصاعدا جاز والا فرق بينهما ولا شيء عليه وان دخل بها فلها صداق مثلها وقد فرق بعض أصحاب مالك بين حكمه وحكمها فقال إن تزوجها على حكمه جاز وإن تزوجها على حكمها لم يجز وهذا لا وجه له وفساد الصداق يفسد النكاح قبل الدخول ويصح بعد الدخول مع مهر المثل وإنما فساده في الصداق الفاسد من الغرر وشبهه استحباب لأنه إذا دخل بها ثبت نكاحها وكان لها صداق مثلها فإن نكح رجل امرأة على جرار خل وكانت خمرا كان عليه مثل الخل كيلا ولو نكح على خمر أو خنزير فسخ النكاح قبل الدخول ولم يكن لها شيء فإن دخل بها فقد اختلف قول مالك بينهما فقال مرة يفسخ النكاح ويكون للمرأة بمسيسها صداق مثلها وقال مرة أخرى يثبت نكاحه بصداق المثل وهو تحصيل المذهب وإذا شرط ولي المرأة على زوجها في حين عقد الصداق شيئا من الحبا كسوة

أو حليا أو خادما أو غير دلك فحكم ذلك كله كحكم الصداق للمرأة أخذه قبل الدخول وبعده ويسقط عنه إن طلقها قبل الدخول نصفه فإن أهدى إليها الزوج بعد أن سمى صداقها هدية أو صنع إليها معروفا ولم يذكر شيئا من ذلك في عقد النكاح ثم طلقها بعد الدخول فلا رجعة له في هبته وهو مخالف لما شرط عليه ولو زادها في صداقها شيئا بعد تمام العقد وطلقها قبل الدخول سقط عنه نصف الصداق ولو مات قبل الدخول لم يجب لها شيء عند ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك يخالفه في ذلك فجعل الزيادة كلها مالا من مالها إن كانت قبضتها ولا يحل الصداق المؤجل بالفراق

باب في الصداق يزيد أوينقص في يد المرأة أويهلك أو يوجد به عيب أو يستحق وما الذي يسقط الصداق بعد العقد
إذا أصدقها عبدا أو شيئا بعينه فقبضته وزاد في يدها أو نقص ثم طلقها قبل الدخول فلها نصفه زائدا أوناقصا نماؤه بينهما ونقصانه عليهما وإن هلك كان هلاكه منهما جميعا ولو كان المهر عبدا فأعتقه أحدهما قبل البناء لزمه عتقه وقوم عليه إن كان موسرا نصيب الآخر وقد قيل أن أعتقته المرأة لزمها عتق جميعه أن كانت موسرة وان أعتقه الزوج لم يلزمه

شيء إلا أن يطلق قبل الدخول وفي هذه المسألة تنازع طويل ولو أصدقها عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به منه عبدا أو دارا أو اشترت به منه أو من عيره طيبا أو غير ذلك مما لها التصرف فيه لجهازها وصلاح شأنها في بنائها معه فذلك كله بمنزلة ما أصدقها ونماءه ونقصانه بينهما وان طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا نصفه وليس عليها أن تغرم نصف صداقها الذي قبضت منه وكذلك لو اشترت من غيره عبدا أو دارا بالألف الذي أصدقها ثم طلقها قبل الدخول فلا شيء له عليها ولا فرق بين أن تقبض جميع المهر ثم تهبه له وبين ألا تقبض منه شيئا حتى تهبه له ولاشيء عليها في الوجهين جميعا ولو وهبت له نصف الصداق قبل قبضه ثم طلقها قبل البناء كان لها نصف ما بقي ولا شيء لها من النصف الموهوب ولو كانت قد قبضت النصف الآخر رجع عليها ذلك النصف المقبوض ولو أصدقها عبدا أو غير ذلك من العروض فوجدت به عيبا فلها أن ترده بالعيب وترجع بقيمته فإن مات كان لها ما بين القيمتين كالبيع ولو استحق أو وجد حرا فلها عند عبد الملك صداق المثل ولها عند ابن القاسم قيمته في الوجهين جميعا قيمة الحر لو كان عبدا ولو أصدقها أباها أو من يعتق عليها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمته ومضى عتقه عليها وتؤخذ بالقيمة موسرة ومعسرة وقد روي عن مالك أنه يستحسن أن لا يرجع عليها بشيء واختاره عبد الملك إذا كان عالما بأنه يعتق عليها وعلى القول الأول أكثر الفقهاء ومن اشترى امرأة قبل الدخول سقط الصداق عنه بانفساخ النكاح وكذلك الأمة تعتق فتختار

نفسها قبل الدخول فانها يسقط صداقها ولو خير رجل امرأته أو ملكها فاختارت نفسها قبل الدخول لم يسقط صداقها لأن الطلاق هاهنا من جهة الرجل لا من جهتها ولو ارتدت قبل الدخول سقط صداقها ولو ارتد الزوج ففيه قولان أحدهما أنها لا صداق لها والآخر لها نصف صداقها ومن لاعن امرأته قبل الدخول سقط صداقها ولو خالعها على شيء ما مالها وسكتا عن ذكر الصداق قبل الدخول فعند مالك يسقط صداقها وغيره يخالفه في ذلك ولو خالعها على بعض صداقها قبل الدخول بها كان لها نصف ما بقي من صداقها ومن ضمن ابنه المهر في ماله تحمل ذلك على كل حال فطلق الابن قبل الدخول فنصف الصداق للمرأة غرم على الأب وليس للابن على أبيه فيما حمل من ذلك شيء من النصف الباقي ولو مات الأب كان النصف الباقي لورثته وإذا ضمن السيد عن عبده صداق امرأته ودفع فيه العبد إلى المرأة عوضا عن صداقها قبل الدخول بها انفسخ نكاحها وبطل صداقها وردت العبد على سيده ولو أعطاها العبد بعد الدخول انفسخ النكاح وكان العبد مملوكا لها ومن حطت عنه امرأته شيئا من صداقها على أن لا يتزوج عليها فان كان ذلك في عقد النكاح ثم تزوج عليها فلا شئ عليه لها مما حطته هذه رواية ابن القاسم وقال عنه ابن عبد الحكم ان كان ما بقي من صداقها هو صداق مثلها أو أكثر منه لم ترجع عليه بشيء وإن كانت وضعت عنه شيئا من صداق مثلها ثم تزوج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها وإن كان ذلك بعد عقد النكاح ثم تزوج

عليها رجعت عليه بما وضعت عنه من صداقها في روايتها جميعا

باب اختلاف الزوجين في الصداق
إذا اختلف الزوجان في المهر قبل الدخول تحالفا وتفاسخا النكاح هذه رواية ابن القاسم وسواء كان اختلافهما في عينه مثل ثوب أو ثور أو في قدره مثل آلاف أو ألفين وتبدأ المرأة باليمين فإن حلفا جميعا فسخ النكاح ولا شيء لها فإن حلفت ونكل زوجها لزمه نصف ما ادعته من صداقها وان نكلت وحلف زوجها لم يكن لها إلا ما ادعته بفسخ النكاح فإن اختلفا بعد الدخول فان كان في عين الصداق تحالفا وكان لها صداق مثلها وان اختلفا في مبلغه واتفقا على عينه فالقول قول الزوج فيما أقر به من الصداق مع يمينه وروى ابن وهب عن مالك ان لها صداق مثلها في الوجهين إذا دخل والنكاح ثابت وان تصادقا على الصداق واختلفا في قبضه فإن كان دخل بها فالقول قول الزوج مع يمينه هذا هو المشهور من قول مالك وقال إسماعيل بن اسحاق وجماعة من أصحابه إنما قال هذا مالك بالمدينة لان عادتهم جرت بدفع الصداق قبل الدخول فإن كانت العادة في غيرها كذلك وإلا فالقول قول المرأة لان الرجل قد أقر بالصداق وادعى البراءة منه مدعى عليها في ذلك فالقول قولها مع يمينها ولا خلاف أنه إن

ادعى عليها قبض الصداق ولم يدخل بها دخول بناء أن القول قولها مع يمينها ولو اختلفا في المسيس فقالت قد وطئني وقال لم أطأها فإن كان لم يدخل بها وإنما خلا بها في بيتها فالقول قوله مع يمينه وان كان قد خلا بها في منزله دون بناء وقال لم أمسها فالقول قولها مع يمينها وقد قيل إنه متى ما صح أنه خلا بها أن القول قولها في المسيس مع يمينها وسواء خلا بها في بيتها أو في بيته وعليها العدة في الوجهين جميعا ولو طلقها والمسألة بحالها كان لها نصف الصداق إذا كان القول قول الزوج وحلف وان كان القول قولها وحلفت فلها الصداق كاملا بالمسيس والخلوة لا توجب صداقا إذا تصادقا على عدم المسيس وقد قال مالك إذا طال مكثه مثل السنة ونحوها وطلبت المهر كله كان ذلك لها ويأتي هذا المعنى مجردا في باب العنين إن شاء الله تعالى

باب العفو عند الصداق
إذا طلقها قبل الدخول وقد سمى لا صداقا وكانت جائزة الأمر في مالها وعفت فذلك لها والعفو ان تترك نصف الصداق ان لم تكن قبضت منه شيئا أو ترده عليه إن كانت قبضته وان كانت بكرا جاز عفو أبيها عن نصف الصداق إذا وقع الطلاق لا قبل ذلك ولا بعد الدخول ولا يجوز لا حد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده لا لوصي ولا

غيره وقال مالك وتجوز مبارات الأب على ابنته البكر كما يجوز عفوه عن نصف صداقها ومعنى قول الله عز وجل إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقده النكاح البقرة قال مالك وأصحابه هو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وهو قول الليث

باب في النفقات على الزوجات وحكم الاعسار بالمهور والنفقات
على الرجل أن ينفق على زوجته إذا دعي إلى البناء وأسلمت نفسها إليه كانت ممن يمكن الاستمتاع بها لأن النفقة لا تجب على الزوج بعقد النكاح حتى ينضم إليه وجوب الوطء لمن ابتغاه لانه المقصود بالعقد فإذا أسلمت نفسها إليه وجبت لها النفقة عليه أراد البناء أو لم يرده ولا نفقة لصغيرة لا يجامع مثلها ولا على صبي حتى يبلغ الوطء فإن كان الزوجان صغيرين فلا نفقة حتى يبلغا ومن نشزت عنه امرأته بعد دخوله بها سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملا وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجبت في المستقبل نفقتها ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها بشيء غير النشوز لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا

صوم ولا حج ولا مغيب إن غابت عنه بإذنه وإذا غاب الرجل عن امرأته مدة ثم انصرف فادعى أنه كان يبعث إليها نفقتها أو أنه خلف عندها ما تنفق منه وأنكرت ذلك المرأة طالبته بالنفقة ولم تكن رفعت أمرها في غيبته إلى الحاكم فالقول قوله مع يمينه ولو رفعت أمرها إلى الحاكم في غيبة زوجها ففرض لها الحاكم نفقتها ثم قدم زوجها فادعى أنه خلف عندها نفقتها وأنه كان يبعث بها إليها فلمالك في ذلك قولان أحدهما أن القول قول المرأة مع يمينها ولو اختلفا في مدة مضت وهو حاضر في تلك المدة كلها فالقول قوله مع يمينه وللمرأة أن تمتنع من الدخول على زوجها وتطالبه بالنفقة ما لم يعطها مهرها إن كان حالا أو معجلا وان دخل بها برضاها لم يكن لها أن تمنع نفسها بالمهر وان كان معجلا حالا إلا أن يكون مليا به موسرا وإذا أعسر بالصداق قبل أن يدخل وهو حال ضرب له فيه أجل بعد أجل على ما يراه الحاكم ليس في ذلك حد إلا الاجتهاد على قدر ما يرجى من ماله من تجارة أو غيرها فان قدر عليه والا فرق بينهما واتبعته بنصف الصداق دينا في ذمته ولا نفقة لها عليه لأنها ليست في عدة منه ولو كان يجرى النفقة عليها قبل البناء بها لم يمنعها ذلك من الامتناع منه من أجل صداقها الحال عليه على ما ذكرنا ولو نكح بمهر بعضه معجل وبعضه مؤجل فتراخى البناء حتى حل الأجل وارادت أن تمنع نفسها حتى تقبض جميل صداقها فذلك لها وقد روى ابن وهب والواقدي عن مالك أنه ليس لها أن تمنع نفسها إذا قبضت المعجل وأعسر بالمؤجل وذلك قبل البناء ولو أعسر بنفقتها بعد

الدخول أو بعد أن دعي إلى البناء فلم يجد شيئا ينفق منه عليها وارادت فرق بينهما ان طلبت ذلك بعد أن يؤجله في ذلك ما رآه الحاكم ولا يكون ذلك إلا أياما ثلاثة أو جمعة وقيل ثلاثين يوما وقيل شهرين والتوقيت في هذا خطأ وإنما فيه اجتهاد الحاكم على ما يراه من حاجة المرأة وصبرها والجوع لا صبر عليه والفرقة بينهما تطليقة رجعية فإن أيسر في عدتها فله رجعتها ان كان قد دخل بها ولا تلزمه نفقة ما أعسر فيه ولا تصح رجعته إلا باليسار وقد روي عن مالك أنه إن ايسر في العدة كان له الرجعة في المدخول بها وغير المدخول بها ولا أدري ما هذا لأنها رجعية في من لم يدخل بها ومقدار النفقة على مقدار حال الرجل من عسره ويسره ما كان معروفا من مثله لمثلها

باب جامع عشرة النساء
على الرجل أن يعدل بين النساء في القسم لكل واحدة منهن يوم وليلة ولا يزيد على ذلك إلا برضاهن ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضتها ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها والقسم الواجب في الليل دون النهار وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض فإذا صح استأنف القسم وان كانت إحداهما معه في

بلد والأخرى في غيره فليتحر العدل بينهما ولا يطيل المكث عند إحداهما ولا بأس أن يزيد إحداهما على الأخرى في نفقتها وكسوتها وحليها ما لم ينقص غيرها من حقها وقد قيل لا يفعل وان فعل ذلك لم يعدل وعلى الرجل أن يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا خلوا كان من النساء أو متزوجا فإن كانت له امرأة أخرى غير التي تزوج استأنف القسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج ولم ينقصها شيئا قال ابن عبد الحكم وقد قيل ان ذلك إنما هو عليه إذا كان له غيرها من الزوجات وأما إذا لم يكن غيرها فليس عليه المقام عندها وهذا أشهر عن مالك من الأول وكلا القولين عن مالك وأهل المدينة مرويين وكذلك اختلف عن مالك أيضا في من تزوج امرأة وله أخرى هل المقام عليه واجب أو مستحب فروى ابن القاسم عنه ان مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا إذا كان له زوجة أخرى واجب عليه لا خيار له فيها وروى عنه ابن عبد الحكم أن ذلك مستحب وليس بواجب وقد قيل ان له أن يخرج إلى صلاة الجماعة وغيرها وقيل لا يخرج إلا للجمعة وقد قيل لا يخرج أصلا حتى يقضي ما عليه من المقام ثلاثا أو سبعا والمسلمة والذمية في القسم سواء وكذلك الأمة والحرة عند مالك في القسم سواء وهو تحصيل مذهبه وقد روي عنه أن للحرة الثلثين من القسم وللأمة الثلث وهو قول سعيد بن المسيب وإليه ذهب عبد العزيز بن أبي سلمة وابنه عبد الملك وروى أبو زيد عن عبد الملك أن مالكا رجع إلى قول سعيد بن المسيب في القسم بين الأمة والحرة فقال للحرة الثلثان وللأمة

الثلث وليس للسراري مع الحرائر قسم وله أن يقيم مع السرية ما شاء ما لم يضر بالزوجة ويكره له أن يبيت عند غيرها مغاضبا وليس عليه في ترك وطء السرية إثم وإذا سافر الرجل سفرا كان له أن يسافر بامرأته إذا كان مأمونا عليها محسنا إليها فان امتنعت من السفر معه سقطت عنه نفقتها وليس له إذا كن نسوة أن يسافر باحداهن إلا بقرعة فإذا رجع استأنف القسم بينهن وقد قيل إنه يختار أيتهن شاء بغير قرعة والأول أصوب ولا يطأ احداهما في يوم الأخرى إلا باذنها وكره مالك أن يشتري الرجل من امرأته والمرأة من صاحبتها يوما وللرجل أن يعزل عن زوجته إذا كانت أمة باذن مولاها ولا يبالي عن اذنها وليس له أن يعزل عن المرأة إلا باذنها وله أن يعزل عن أمائه بغير اذنهن ولا يسقط العزل لحوق الولد إلا أن يدعي استبراء ومسائل لحوق الولد في كتاب اللعان وفي كتاب الإقرار وفي كتاب الدعوى ولا يأتي امرأة في دبرها حائضا ولا طاهرا والمرأة راعية على بيت زوجها وذات يده فعليها أن تحفظه في نفسها وماله ولا تخرج إلا باذنه ولا تبذر من ماله شيئا ولا تعطيه وأن قل أن لا عن طيب نفس منه وقد رخص لها في الصدقة من ماله بالتافه الذي يعلم أنه تطيب به نفسه وعليها أن لا تخالفه في مغيبة إلى أمر تعلم أنه يسؤه في محضره وحقها أن ينفق عليها من طوله ويطعمها مما يطيل عليها عبوس الوجه ولا يجتنب مضجعها إلا أن يريد بذلك تأديبها لصلاحها وعليه أن يخيفها في الله

ولا يضاربها وان امتنعت من مضجعه ولم يقدر على صرفها بكلامه كان له ضربها غير مبرح ولا يضرب وجهها {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} البقرة

باب الحكم في العنين
إذا اعن الرجل عن امرأته قبل أن يصيبها وادعت ذلك عليه فانكرها فالقول قوله مع يمينه إن كانت ثيبا وان كانت بكرا فلمالك فيها قولان احدهما ان القول قوله مع يمينه كالثيب سواء والقول الآخر أنه ينظر إليها النساء فإن هي بكرا بحالها فالقول قولها وان قلن قد زالت عذرتها فالقول قوله مع يمينه وان قرأ بالعنة أجل سنة من يوم تطلب ذلك امرأته وترفع ذلك إلى السلطان فإن لم يطق في السنة أن يصيبها مع تمكينها إياه من نفسها فلها فراقه إن شاءت ولها عند مالك مهرها كاملا من أجل أنه استمتع بها فلها فراقه وكان غارا لها وكذلك لو طلقها وهي لم تعلم بعنته وقد كان دخل بها ثم علمت كان لها الصداق إذا اتفقا على أن لا مسيس وقد روي ذلك عن مالك أيضا وهو تحصيل مذهبه في ذلك أنه أن فرق بين العنين وبين امرأته للعنة بحدثان نكاحه فليس لها إلا نصف الصداق وأما إن طال معها

مكثه فإن لها عنده صداقا كاملا لم يختلف في ذلك قوله وان ادعى في السنة وبعدها أنه وصل إليها فالقول قوله مع يمينه والبكر والثيب هاهنا عند مالك سواء وفرقة العنين تطليقة بائنة فان تزوجها بعد ذلك كانت عنده اثنتين ولها الخيار في النكاح الثاني بخلاف المجبوب لان العنة يرجى زوالها وأما الخصي والمجبوب فايهما دخل بامرأته ثم طلقها فإن عليه الصداق كاملا طالت العدة أو قصرت بخلاف العنين وان كان العنين عبدا أجل نصف أجل الحر عند مالك فأما جمهور الفقهاء فالحر والعبد عندهم في أجل العنين سواء وقد روي ذلك عن مالك أيضا ومن عن امرأته يعد ما أصابها لم يكن لها فراقه ولا القيام عليه أبدا وكذلك إذا كبر الرجل وضعف عن وطء لم يفرق بينه وبين امرأته

باب العيوب التي يفسخ بها النكاح إذا كانت بأحد الزوجين وابتغى الفراق صاحبه من أجل ذلك
إذا وجد الرجل بامرأته جنونا أو جذاما أو برصا أو ما يمنع من الجماع مثل القرن والرتق والافضاء وهو أن يكون المسلكان واحدا في المرأة وأراد لذلك مفارقتها وكان له فسخ نكاحه بأمر من الحاكم فلا شيء لها إن لم يكن أصابها فإن علم به بعدما أصابها فلها مهرها المسمى بما استحل من فرجها

ويرجع الزوج بذلك على وليها الأب والأخ لأنهما لا يكاد يخفى ذلك عليهما منهما وان كان الولي ابن عم او مولى أو رجلا من العشيرة لا علم له بشيء من ذلك فلا غرم عليه وعليها أن ترد الصداق كاملا لأنها غرت من نفسها إلا أنها يترك لها قدر ما يستحل به فرجها وذلك عند مالك ربع دينار أو ثلاثة دراهم وعلى الزوج اليمين أنه ما تلذذ منها بعدما رأى العيب بها ولو وطئها بعد العلم بما بها لزمته ولم يكن له ردها وإذا غرم الولي الصداق لم يرجع به على المرأة ولا يترك الزوج للولي شيئا إذا رجع عليه بالصداق ويحلف الأخوة وبنو العم أنهم ما علموا بذلك فإن حلفوا ردت المرأة الصداق إلا ربع دينار وإن حدث أحد هذه العيوب بالمرأة بعد النكاح وقبل البناء كان الزوج مخيرا إن شاء دخل وأدى الصداق وإن شاء فارق وأدى نصفه وان كان أحد هذه العيوب الأربعة بالرجل فكرهته المرأة كان لها أن تفارقه إلا انه اختلف قول مالك هاهنا في البرص فمرة قال هو بالرجل كهو بالمرأة يرد به كما ترد المرأة ومرة قال هو بالرجل بخلاف المرأة فإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا شيء لها إلا في العنين وحده لأنه غرها وان أصابها فلها مهرها وليس اصابته إياها رضى للأبد ولو وجد بعد النكاح أجل سنة لعلاجه فإن صح وإلا فرق بينهما وكذلك المجذوم ان لم يرج علاجه فرق بينهم مكانه إن اتبغت الفراق وان كان الجذام منتشر الرائحة مؤذيا أذى بينا فرق بينهما في الوقت إلا أن ترضى به واما البرص فلا ولا ترد المرأة بالعمى ولا بالسواد ولا بالعور ولا بأنها غير

عذراء لان العذرة تزول بوجوه كثيرة ولا بأنها ولدت زنى ولا بشيء من العيوب كلها غير ما ذكرنا إلا أن يشترط السلامة في ذلك فان اشترطها ثم وجد العيب كان له الرد إن شاء

باب المفقود وحكم امرأته
المفقود عند مالك وأصحابه على أربعة أوجه أحدها المفقود الذي قضى فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن تتربص زوجته أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل للأزواج وهو المفقود في أرض الإسلام في التجارات والتصرف أمره ولا يعرف مكانه فذلك يضرب السلطان لامرأته أجل أربع سنين إذا رفعت أمرها إليه بعد أن يفحص عن أخباره ثم تعتد بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا ثم يدفع لها كالئها إن كان أجله قد حل ويباح لها النكاح فإن نكحت وقعت الفرقة بينها وبين زوجها الأول من غير لفظ توقعه هي أو الحاكم عليها وقد قيل لا تقع الفرقة بينهما إلا بدخول الثاني فإن كان فقدها لزوجها قبل الدخول أعطيت نصف صداقها فإن ثبت بعد ذلك وفاته أكمل لها صداقها وكذلك ان مضى عليه من الزمن ما لا يعيش إلى مثله ولم تنكح بعد الأربعة أشهر والعشر دفع إليها بقية صداقها وقد قيل يدفع إليها الصداق كله فان جاء بعد ذلك زوجها رجع عليها بنصفه وقيل لا يرجع

عليها وان فقدته بعد الدخول بها ولم تكن قبضت صداقها دفع إليها الصداق كله وليست العدة والتأجيل بها ولم تكن قبضت صداقها دفع إليها الصداق كله وليست العدة والتأجيل الذي ضرب لامرأة المفقود طلاقا لأنه إن جاء قبل أن تنكح امرأته فهو أحق بها وان نكحت فدخل بها ثم أتى فلا سبيل له إليها ولا له عليها ولا على ناكحها شيء من الصداق الذي أصدقها لأنها قد استحقته بمسيسه لها وان نكحت ولم يدخل بها العاقد عليها ثم قدم زوجها ففيها قولان أحدهما أنه لا سبيل له إليها والثاني أنه أحق بها ما لم يدخل بها الذي تزوجها وهو أصح من طريق الأثر وليست مسألة نظر لأنا قلدنا فيها عمر رضي الله عنه وكلا القولين قاله مالك وطائفة من أصحابه فإن رجعت إلا الأول قبل دخول الثاني بها كانت عنده على الطلاق كله ولو دخل بها الثاني ثم طلقها أو مات عنها ثم نكحها الأول كانت على طلقتين لأنه يلزمه بنكاحها تطليقة واحدة ولامرأة المفقود النفقة في مال زوجها في الأربع سنين أو في الأربعة الأشهر والعشر ورثته بعد ذلك أو قرب تزوجت أو لم تتزوج وان لم يثبت ذلك لم يورث إلا بيقين من موته أو يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش مثله في الأغلب إلى مثله ولو جاء الأول بعد دخول الثاني بها فقذفها حد لها ولم يلاعنها لانه ليس بينه وبينهما شيء من الزوجية والمفقود الثاني هو الأسير تعرف حياته وقتا ثم ينقطع خبره ولا يعرف له موت ولا حياة فهذا لا يفرق بينه وبين امرأته حتى يعمر وينقضي تعميره فيحكم له حينئذ بحكم الموتى في كل شيء إلا أنه لا

يرث أحدا ولا يورث منه أحد مدته تلك لأنه شك ولا يتوارث بالشك ومثل هذا المفقود في أرض العدو والمعتوك بين الصفين وهو المفقود الثالث فإن هذا أيضا لا تتزوج امرأته أبدا أو يأتي عليه من السنين ما يعلم أنه قد مات لأنه لا يؤمن عليه الأسر في بلاد العدو فحكمه حكم الأسير المتقدم ذكره ويعمران جميعا والتعمير فيهما من السبعين إلى الثمانين وهذا أعدل الأقوايل في ذلك والمفقود الرابع هو المفقود في فتن المسلمين وأرضهم يفقد في معترك الفتنة وينعي إلى زوجته بهذا يجتهد فيه الامام ويتلو له أمرا يسيرا قدر ما يتصرف من هرب أو انهزام يجتهد في ذلك الحاكم والإمام فيما يغلب على ظنه مما يؤديه إليه الفحص عن أخباره فإذا غلب عليه أنه هلك اذن لامرأته في النكاح بعد أن تعتد ويقسم ماله لأن هذا لا يجليه إلا أحد أمرين إما الموت وإما القتل لأنه ليس في أرض الإسلام فإن كانت المعركة في الفتنة على بعد من بلاد المفقود في أرض الإسلام وفتنتهم كان التلوم في ذلك لامرأته وسائر ورثته في ماله سنة أو نحوها ومن غاب عن امرأته فعلم موضعه كتب السلطان إليه إذا شكت ذلك إليه زوجته وأمره أن يقدم إليها أو يرحلها إليه أو يطلق كما فعل عمر بن عبد العزيز للذين غابوا بخراسان وتركوا نساءهم قال مالك ولقد أصاب عمر بن عبد العزيز وجه الأمر في ذلك فإن لم يفعل شيئا من ذلك طلق عليه وإذا نعي إلى المرأة زوجها في غير قتال بين المسلمين في فتنتهم وطلبت فراقه لم يلتفت إلى ذلك ولم يضرب لها في ذلك أجل ولا يفرق بينها وبينه إلا ببينة تثبت على الوفاة أو

الطلاق ولو نكحت على ذلك فسخ نكاحها علمت حيث زوجها أو لم تعلم لأنه محمول على الحياة على أصل أمره إلا أن يشترط لها في المغيب شرطا يعقده بيمين طلاق فتأخذ بشرطها إن شاءت فإن لم يعرف خبره وعمي أمره صار مفقودا وحكم فيه بحكم المفقود المذكور في أول الباب وإذا نعي إلى المرأة زوجها فاعتدت ونكحت بعد العدة ثم جاء زوجها كان أحق بها من الثاني أو لم يخل ولو ولدت الأولاد إذا نكحت دون يقين ولا اجتهاد إمام ولا يقر بها الأول إلا بعد تمام عدتها من الثاني الذي فرق بينه وبينها والله الموفق للصواب

كتاب الطلاق
باب حكم الطلاق وسنته
الطلاق للعدة مباح وان كرهت المرأة مسيئة كانت أو محسنة قبل الدخول وبعده إلا أن مكثر الطلاق مذموم وليس ذلك من محاسن الأخلاق وطلاق كل مسلم عاقل بالغ يلزمه وسواء كان عبدا أو حرا أو مالكا لنفسه أو مولى عليه وطلاق السكران وعتاقه لازم له عند مالك وأكثر أهل المدينة وطلاق المكره لا يلزم إذا أكره عليه ولم تكن له فيه نية ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم ولا المجنون ولا المغمى عليه حتى يفيق ولا المعتود المطبق وكان مالك لا يرى طلاق الكافر يلزمه في حال كفره وخالفه في ذلك غيره ويلزم الأخرس طلاقه إذا طلق بإشارة مفهومة او كتاب وللطلاق سنة لا ينبغي أن تتعدى ومن تعداها عصى ربه وظلم نفسه ولزمه فعله والسنة إنما جاءت في طلاق المدخول بها وليس في طلاق غير المدخول بها سنة ولا بدعة ولمطلقها أن يطلقها متى شاء

وكم شاء والواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره وكذلك الحامل السنة ولا بدعة في طلاق واحدة منهن فإذا طلقها مطلقها واحدة كان لها ذلك متى شاء من الأوقات والأحوال ولا يكون عاصيا لربه بتلك الطلقة إذا لم يتبعها طلاقا آخر في عدتها فإن أتبع واحدة منهن طلاقا في عدتها أو أوقع عليها ثلاث تطليقات مجتمعات لم يكن مطلقا للسنة عند مالك وخالفه طائفة في ذلك فرأوها للسنة لازمة والسنة في طلاق المدخول بها أن يطلق الرجل امرأته التي يريد طلاقها وهي طاهر من حيضتها قبل أن يجامعها طلقة واحدة ويتركها تمضي في عدتها ولا يردفها طلاقا في طهرها وفي سائر عدتها فان كان له مذهب في مراجعتها راجعها قبل أن تنقضي عدتها وإلا تركها حتى تنقضي عدتها بالأقراء إن كانت ممن تحيض أو بتمام ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا يحيض ثم تبين منه بانقضاء عدتها وتملك نفسها فان أراد مراجعتها استأنف نكاحها برضاها وبصداق وولي والسنة في الطلاق عند مالك تقتضي معنيين وهما الموضع والعدد لا يزيد على طلقة واحدة ولا يوقعه إلا في طهر لم يمس فيه فان طلقها في طهر جامعها فيه أو حائضا أو نفساء فهو طلاق بدعة لا طلاق سنة وهو فيه معتد حدود ربه عاص ظالم لنفسه ويلزمه فعله وليس الطلاق من القربات التي لا تقع إلا على سنتها ومن المحال والجهل أن يلزم المطيع لربه المتبع في طلاقه سنة نبيه الطلاق ولا يلزم به العاصي ان خالف لما امر به فيه ولم يختلف فقهاء الأمصار وأئمة الهدى فيمن طلق

باب ألفاظ الطلاق
للطلاق صريح من الألفاظ وكناية فصريحه ما نطق به القرآن من الطلاق والسراح والفراق قال الله عز وجل فطلقوهن لعدتهنالطلاق وقال فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروفالطلاق وقال أو فارقوهن بمعروفالطلاق ولم يختلف في من قال لامرأته قد طلقتك أنه من صريح الطلاق في المدخول بها أو غير المدخول بها واختلف قول مالك في من قال لامرأته قد فارقتك أو سرحتك على ما يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله ومن قال لامرأته أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك فإن نوى بقوله انت طالق اثنتين أو ثلاثا لزمه ما نوى وان لم ينو شيئا فهي واحدة يملك الرجعة ولو قال أنت طالق وقال أردت من وثاق لم يقبل قوله ولزمه الطلاق إلا أن يكون هنالك ما يدل على صدقه ومن قال أنت طالق

باب الطلاق بصفة والى أجل وتكرير الطلاق وتبعيضه والاستثناء فيه
كل طلاق بصفة فهو يقع بوجودها ومن طلق إلى أجل فإن كان الأجل آتيا لا محالة وكان يبلغه عمره ويكون إتيانه مع بقاء نكاحه وقع الطلاق في الوقت حين تكلم ولم ينتظر به الأجل مثل قوله أنت طالق إلى شهر أو إلى سنة أو إلى غد أو في غد ونحو ذلك فإن طلقها إلى أجل لا يبلغه عمره مثل قوله أنت طالق إلى ألف سنة أو بعد ألف سنة أو ما لا أشبه ذلك من الزمان البعيد فالجواب على أصول مالك يتوجه في ذلك على وجهين أحدهما أنها تطلق في الحال وجعل قوله إلى ألف سنة كالندم واستدراك ما سبق فيه ولآخر أنهما لا تطلق بحال وهو القياس لأنها صفة لا تقع وهو حي كأنه قال أنت طالق بعد موتي وان قال إذا مات فلان فأنت طالق طلقت في الوقت وقد اختلف جوابه في قوله إذا مت أنا فانت طالق وإذا مت أنت

فانت طالق أو أنت طالق يوم أموت أو يوم تموتين قيل تطلق الآن رواية ابن وهب وقيل لا شيء عليه رواية ابن القاسم وكذلك اختلف قوله في قول الرجل لامرأته وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق فمرة قال لا تطلق حتى تطهر وبه قال عبد الملك ومرة قال أوقع الطلاق في الحال ولو قال لها أنت طالق إلى الجذاذ أوإلى العصير أو إلى الحصاد أو إلى قدوم الحاج طلقت في الحال وإذا قال لامرأته إذا وضعت فأنت طالق لم تطلق حتى تضع حملها وقد قيل عنه تطلق في الحال فإن كان في بطنها ولدان فعن مالك في ذلك روايتان احداهما أنها لا تطلق حتى تضع الحمل كله هذه رواية ابن وهب والأخرى أنها تطلق بأول ولد تضعه ومن قال لامرأته أنت طالق إذا أمطرت السماء غدا فأنت طالق لم تطلق غدا إلا بوجود المطر في غده ولو قال لها أنت طالق لتمطرن السماء غدا طلقت في الحال عند ابن القاسم ولم تطلق عند أشهب إلا أن تمطر السماء في غد ولو قال لها أنت طالق إن لم يكن في هذه اللوزة حبتان تطلقت عند مالك في الحال وسواء وجد في اللوزة إذا كسرت حبتان أو لم يوجد وعند غير مالك لا يقع عليه طلاق إذا وجد في اللوزة حبتان وهو قول أشهب ومن قال لزوجته أنت طالق إذا قدم فلان لم تطلق حتى يقدم فلان ويعلم قدومه وله أن يطأها حتى يستيقن قدومه ومن قال لامرأته أنت طالق إذا دخلت الدار لم تطلق حتى تدخلها وكذلك سائر الصفات التي قد تكون وقد لا تكون

ومن قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق كانت ثلاثا إلا أن يريد التكرير وقد قيل لا ينوي هاهنا ولو قال أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق كانت ثلاثا ولم ينو ولو قال لها أنت طالق إذا حملت ففيها عن مالك روايتان إحداهما أنه إذا وطئها مرة طلقت عليه عقب وطئه والرواية الأخرى أنه يطأها في كل طهر مرة ثم يمسك عنها فإن حملت طلقت وان حاضت لم تطلق وانتظر طهرها فوطئها ثم هكذا أبدا حتى يظهر حملها ولو قال أنت طالق إن لم يكن بك حمل طلقت عليه في الحال كان بها حمل أو لم يكن عند مالك ولو قال لها أنت طالق إذا وطئتك لم تطلق حتى يطأها فإذا وطئها طلقت بالايلاج ونوى مع ذلك رجعتها وثبت على نكاحها ولو قال ان وطئتك فأنت طالق ثلاثا لم يجز له وطئها لأنها تحرم بالإيلاج الأول وليس له أن يجامعها وهو اختيار عبد الملك وقال الاخراج في حرام لا الايلاج وقد روي عن مالك انه لا تطلق عليه حتى يطأها فإذا أولج طلقت ولم يقع إخراجه في حرام لأنه لا بد منه ولو قال لها أنت طالق كلما وطئتك طلقت عليه بوطئه مرتين بتطليقتين وراجعها عند الإيلاج في المرتين ولا يجوز له أن يطأها مرة ثالثة لأ أنها تحرم عليه تحريما لا رجوع له إليها إلا بعد زوج ولو قال لأربع نسوة له أيتكن رقدت معها الليلة وقمت عنها من غير أن نطأها فصواحبها طوالق فرقد مع احداهن وقام عنها دون ان يطأها ثم فعل ذلك بالثانية والثالثة وجب عليه الإمتناع من الرابعة ولم يجز له أن يرقد معها لأنها قد بانت منه بثلاث ولزم صواحبها

تطليقتان ولو وطأ واحدة منهن كانت رجعية وأما الرابعة فلا سبيل له إليها إلا بعد زوج ولو قال لامرأته أنت طالق واعتدي كانت تطليقتين إلا أن يريد إعلامها أن العدة عليها وكذلك لو قال لها أنت طالق اعتدي والطلاق لا يتبعض فلو طلق بعض تطليقة كانت تطليقة كاملة وأن طلق طلقة ونصفا كانت تطليقتين وإن طلق تطليقتين ونصفا كانت ثلاثا وان قال لأربع نسوة بينكن طلقة طلقن كلهن واحدة وان قال بينكن خمس تطليقات طلقن اثنتين وان قال بينكن تسع تطليقات إلى ما فوق هذا طلقن ثلاثا وان طلق بعض امرأته طلقت طلاقا كاملا وان قال يدك أو رجلك أو اصبعك أو شعرك أو فرجك أو شيء منها طالق طلقت ولو قال ها أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة أو إن لم أكن من أهل النار طلقت عليه عند مالك ولو قال لها أنت طالق إن كنت تحبيني أو إن كنت تبغضيني استحب له مالك أن يلتزم طالقها ولا يقبل قولها ومن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فله استثناؤه إذا كان استثناؤه جائزا في اللغة معروفا وأبقى ما يقع الاستثاء فإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا لم ينفعه الاستثناء ولزمه ثلاث تطليقات لان هذا نادم غير مستثنى والله أعلم وليس في الطلاق ولا العتاق استثناء بإن شاء الله وإنما هو الاستثناء في اليمين بالله خاصة فمن قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله طلقت عند مالك وإن علق المشيئة بأدمي لم تطلق حتى يعلم أنه شاء فإن لم تعلم مشيئته لم تطلق ومن قال لامرأته أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو الحائط أو فلان قد مات لم تطلق في شيء من ذلك كله وقد

قيل أنه نادم في الحجر والحائط وأنه يلزمه الطلاق والأول أصح ومن قال أنت طالق ان فعلت كذا وكذا إلا أن يشاء الله طلقت ولم ينفعه الاستثناء وقد قيل ان له هاهنا ثنياه إذا أراد في الفعل دون الطلاق

باب جامع الإيمان بالطلاق
من حلق بالطلاق أو غيره ألا يفعل شيئا ثم فعله عامدا أو ناسيا حنث وإن أكره أو غلب أو فاته من غير تفريط لم يحنث ولو قال أنت طالق إلا أن يبدو لي لزمه الطلاق ولم ينفعه قوله أن يبدو لي ولو قال أنت طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن يبدو لي في ذلك إذا أراد ألا أن يبدو لي في ذلك الفعل أو يبدل الله ما في نفسه من ذلك وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق طلقت في الوقت إن لم يطلقها وإن طلقها فحسبه وإن قال لها أنت طالق إن لم أتزوج عليك أو إن لم أتسر عليك فإن ضرب لذلك أجلا استحب له أن يكف عن وطئها وليس ذلك بواجب عليه وقيل له أن يطأها كالذي يقول لامرأته أنت طالق إن لم يقدم فلان وهذا أصح عن مالك وأشبه بما عليه جمهور أهل العلم فإن انقضى الأجل قبل أن يتزوج حنث وطلقت عليه وإن لم يضرب لذلك أجلا لم يكن له أن يطأها عند كثير من أصحاب مالك ويضرب له أجلا الإيلاء عندهم وقيل هو مرتهن بيمينه أبدا فإن مات قبل أن يتزوج عليها أو يتسرى توارثا لأن

الحنث لا يلحقه إلا بموته والميت لا يلحقه طلاق ومن حلف ألا يفعل شيئا ففعل بعضه حنث عند مالك وكذلك عنده من حلف أن يفعله ففعل بعضه وقد روي عنه وهو قول أكثر أهل العلم أنه لا يحنث في الوجهين والأول تحصيل مذهبه وقد بينا معاني هذا الباب في الإيمان ومن حلف بطلاق امرأته إن فعلت شيئا ذكره ثم طلقها طلقة أو طلقتين ثم راجعها وفعلت ذلك رجعت عليه اليمين ولو طلقها طلقة أو طلقتين أو ثلاثا ثم راجعها بعد زوج وفعلت لم ترجع عليه اليمين

باب الشك في الطلاق وعودة المرأة على بقية طلاق العصمة وفي الطلاق قبل النكاح
كان مالك رحمه الله يرى فيمن حلف بالطلاق على شيء ثم شك هل حنث أم لا أن يفارق امرأته ولا يجبره على ذلك وقال ابن القاسم يلزمه الطلاق ولم يختلف أنه لو شك هل طلقها أم لا أنه ليس عليه شيء ولا يلزمه شيء وأنه على نكاحه ولو أيقن أنه حلف بالطلاق ولم يدر أبواحدة حلف أو باثنتين أو بثلاث ثم حنث لزمه عند مالك الثلاث ولم يختلف قول مالك في من طلق امرأة من نسائه ولم يدر أيتهم المطلقة انهن يطلقن عليه كلهن ومن قال لا أدري حلفت فحنثت أم لا فلا شيء عليه ولم يختلف العلماء في من شك في طلاقه ومات

على شكه في ذلك أن امرأته ترثه ولو شهد رجلان عليه بطلاق امرأة من نسائه ولم يعرفاها بعينها وهو جاحد لذلك حلف وأقر معهن وورثته وورثهن ومن طلق امرأته واحدة أو أثنتين ثم تزوجت زوجا وفارقها ثم راجعها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها وإنما يهدم الزوج الثلاث ولا يهدم ما دونها ومن طلق دون الثلاث فنكاحه لها بعد زوج وقبله سواء ومن حلف بطلاق امرأة بعينها إن نكحا لزمه ذلك وإن قال كل بكر أو ثيب أنكحها فهي طالق لزمه وكذلك إن خص قبيلة أو ضرب أجلا يبلغه عمره أو خص بلدة أو عم واستثنى شيئا من ذلك العموم فإن عم دون استثناء فلا شيء عليه لأنه حرم على نفسه من النساء ما أحل الله له ولو قال كل بكر أتزوجها فهي طالق ثم قال بعد ذلك كل ثيب أنكحها فهي طالق لزمه ذلك في الابكار دون الثيبات وقد قيل يلزمه اليمينان جميعا والأول أصح وإذا قال لامرأة أجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها لزمه طلاقها فإن عاد وتزوجها ثانية لم تطلق عليه إلا ان يقول كلما تزوجتك فأنت طالق فإن قال ذلك طلقت عليه كلما تزوجها ولو قال كل امرأة أتزوجها من بلد كذا فهي طالق فتزوج من ذلك البلد امرأة طلقت عليه ثم كلما عاد فتزوج منها امرأة طلقت عليه ومن قال كل امرأة أنكحها حاشا فلانة فهو عند مالك كمن عم لا يلزمه شيء لأنه يمكن أن تمنعه أو تموت وكذلك عنده في المرأتين والثلاث ومن أشبه ذلك فإن كثرن لزمه لأنه استثنى من العموم مالا يضيق على نفسه ما أباح الله من النكاح وما يؤمن عليه معه العنت

وليس هذا كمن قال لامرأته كل امرأة أنكحها عليك فهي طالق لأنه لا يخشى على من في عصمته امرأة عنت ولأنه يطلقها وينكح ما شاء ولو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك ما عشت فهي طالق لزمه ما دامت في عصمته فإن طلقها ثم تزوج في حياتها طلقت أيضا إلا أن يريد ما عشت في عصمتي أو زوجة لي وإن قال لامرأة في عصمته كل امرأة أتزوجها سواك فهي طالق لم يلزمه شيء

باب طلاق المريض
كل مريض مثبت المرض طلق امرأته في مرضه ثم مات من ذلك المرض ورثته امرأته عند مالك وجمهور أهل المدينة وعليه أكثر أهل العلم اتباعا لعثمان في توريث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وسواء عند مالك مات في العدة أو بعد انقضاء العدة وسواء عند مالك طلقها واحدة أو أثنتين أو ثلاثا اتباعا لقضاء عثمان بمحضر جماعة من الصحابه والطلاق البت والخلع وغير ذلك سواء إذا كان المرض مخوفا عليه ومات منه فإن طلقها في مرضه قبل الدخول بها كان لها نصف الصداق ولا عدة عليها للوفاة ولا للطلاق وترثه إن مات في مرضه ذلك وإن كانت مدخولا بها اعتدت من يوم طلاقه فإن كان طلاقه بائنا ومات في العدة لم تنتقل عدتها وإن كان طلاقها غير بائن انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة فإن ماتت امرأة المطلق

في المرض لم يرثها إلا أن يكون طلاقه إياها رجعيا وتموت في العدة ولو تزوجت المطلقة في المرض أزواجا كلهم يطلقونها في مرضه لورثت كل من مات منهم عند مالك وإن كانت تحت زوج وكل يمين بالطلاق انعقدت في الصحة وقع الحنث بها والحالف مريض فهو طلاق في مرض ترثه امرأته وكذلك التخيير والتمليك واللعان كل ما وقع من ذلك في المرض ومات ورثته امرأته على حسب ما وصفنا فإن صح من مرضه الذي طلق فيه ثم مرض مرضا آخر فمات منه قبل انقضاء العدة لم ترثه ولو طلق المسلم زوجته كتابية في مرضه فأسلمت قبل موته ورثته في العدة وبعدها عند مالك وكذلك لو طلقها في مرضه وهي أمة فأعتقت قبل موته ورثته في العدة وبعدها إذا كان موته من ذلك المرض ومن طلق امرأته في صحته طلقة رجعية ثم أبتها في العدة وهو مريض لم ترثه إلا ما دامت في العدة فإن مات بعد العدة لم ترثه وقد قيل إنها ترثه بعد انقضاء العدة لأنه إنما أبتها في مرضه وفرض ميراثها لأنها كانت ترثه ولو مات في عدتها ومن أهل المدينة من يقول لا ترث مبتوتة في مرض ولا صحة وبالله التوفيق

باب طلاق الكفار
وإذا طلق الكافر ذميا كان أو حربيا زوجته ثم أسلم

وهي عنده لم يفرق بينهما ولم يلزمه طلاقها وكذلك لو أعتق عبده ثم أسلم وهو عنده لم يلزمه عتقه و كذلك لو حلف بالطلاق أو العتق أو غير ذلك من الإيمان في كفره ثم أسلم ففعل شيئا من ذلك في إسلامه وحنث لم يلزمه حنثه ولا شيء عليه ولو أسلمت امرأته قبله فطلقها ثم أسلم في عدتها ثبت على نكاحه ولم يلزمه طلاقها هذا كله قول مالك وأصحابه وغيرهم يخالفهم في ذلك فيلزم المشرك الطلاق في شركه كما يلزم المسلم قياسا على نكاحه في الكفر

باب الشهادات بالطلاق
إذا سمع رجلان عدلان رجلا يطلق امرأته أو يعتق عبده أو أمته لزمهما أن يشهدا بذلك عند الحاكم وإن لم يشهدهما المطلق أو المعتق على نفسه وسواء ادعت المرأة أو العبد ذلك أو لم يدعياه لأنه من حقوق الله عز وجل ولا يشهدا في شهادة السماع في الحقوق حتى يسألهما صاحب الحق ويطلب شهدتهما ولا يجوز في الشهادة على الشهادة السماع حتى يشهدهما الشاهدان على شهادتهما وأما أن يسمع رجل رجلا يقول أشهدني فلان بكذا فلا يجوز له أن يشهد على شهادته حتى يشهده على ذلك ولا يجوز في الطلاق إلا شهادة رجلين عدلين ولا يجوز فيه شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا رجل وامرأتان ولا يجوز فيه إلا شهادة رجلين يشهدان على واحد بإيقاع الطلاق

أو بإقرار بالطلاق وإن اختلف الشاهدان فقال أحدهما طلق واحدة وقال الآخر طلق اثنتين أو ثلاثا ثبتت واحدة وحلف على نفي الأخرى فإن حلف بريء منها وإن نكل ففيها روايتان عن مالك إحداهما أنه تلزمه تطليقة أخرى والأخرى أنه لا يلزمه إلا تطليقة واحدة بشهادتهما ويحبس حتى يحلف على الأخرى فإن طال حبسه ترك وكذلك لو شهد واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخرى بثلاث كانت اثنتين وعلى هذا فاعمل في مثل ذلك ولو شهد أحدهما على طلاقه والآخر على إقراره بالطلاق لزمه الطلاق عند مالك وأكثر أصحابه ولو شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته في زمنين مختلفين لزمه الطلاق وكانت شهادتهما مضمومة بعضها إلى بعض عاملة ولو شهد أحدهما أنه علق طلاقها بفعل والآخر أنه فعل لم تضم شهادتهما ولم يلزمه الطلاق لأن الشهادة على الأقوال مضمومة عند مالك والشهادة على الأفعال غير مضمومة إلا أن يثبت على فعل واحد شاهدان ولو أشهد وكتم الشهود شهادتهم بالطلاق إلى أن مات ثم شهدوا بذلك بعد موته لم تقبل شهادتهم إذا كانوا حضورا مع الزوجين

باب التخيير والتمليك
من خير امرأته فقال اختاري فاختارت زوجها لم يلزمه طلاق وثبت على نكاحها وإن اختارت فراقة وكانت مدخولا

بها لم تبن بأقل من ثلاث وإن اختارت نفسها بأقل من ثلاث لم يلزمه من ذلك شيء فإن قضت بثلاث لزما ثلاث ولا نكرة له إلا في التي لم يدخل بها بخلاف التمليك فإن التي لم يدخل بها له مناكرتها في التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها تبين في الحال وأما التي قد دخل بها فليس له مناكرتها إذا خيرها تخييرا مطلقا لم يقيده بعدد فأما إذا خيرها في عدد بعينه مثل واحدة أو اثنتين لم تكن لها الزيادة على ما جعل إليها وقد قالت طائفة من أهل المدينة له المناكرة في التخيير وفي التمليك سوا في المدخول بها وغير المدخول بها والأول قول مالك وقال آخرون من المدنيين وغيرهم التمليك والتخيير سواء والقضاء ما قضت فيهما جميعا وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن شعبان وقد اختاره كثير من أصحابنا وهو قول جماعة من أهل المدينة قال أبو عمر على مذهب هذا القول أكثر الفقهاء والأول تحصيل مذهب مالك والتخيير على المجلس فإن لم تختر ولم تقض بشيء حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها وهذا أحد قولي مالك وعليه أكثر الفقهاء وقد قال مالك إن ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ أو تباشر فعلى هذا القول إن منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت سقط

الحاكم تمليكها وعلى القول الأول إذا حدث في غير ذلك من حديث أو عمر أو شيء أو ما ليس من التمليك في شيء سقط تمليكها واحتج بعض أصحابنا في هذا بقول الله عز وجل فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره النساء والذي يفارق فيه التمليك التخيير عند مالك وأصحابه انه إذا ملك امرأته كان له أن يقول ملكتك بعض الطلاق دون جميعه أو ملكتك واحدة أو ملكتك أكثر ويحلف على ذلك وكان للمرأة أن تقضي بالبعض من ذلك أيضا بخلاف التخيير والتمليك قوله أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو طلقي نفسك ونحو هذا من القول وما جعل إليها من ذلك يكون بيدها تقضي فيه ما شاءت ما داما في مجلسهما وقد قال مالك أيضا إن الذي بيدها ثابت لا يلزمها قيامها من المجلس على ما ذكرنا عنه في التخيير فعلى هذا القول الآخر من ملك امرأته أمرها فقالت قد قبلت أو رضيت أو اخترت ثم افترقا قبل أن توقع طلاقا فالتمليك ثابت فإن قالت قبلت أمري فإن أردت الطلاق فذلك لها وإن لم ترد الطلاق لم يكن طلاقا وإن قالت قد قبلت واخترت نفسي لزمه بهذا القول الطلاق فإن قالت لم أرد طلاقا بعد قولها اخترت نفسي لم يقبل قولها وإن قالت قد قبلت التمليك ثم سئلت ما أردت فقالت ما أردت شيئا لم يلزم الزوج شيء وكل من قال لزوجته أمرك بيدك فقالت قد قبلت سئلت ماذا أرادت بقولها قد قبلت فإن أرادت الطلاق طلقت طلقة رجعية وإن قالت

أردت اثنتين أو ثلاثا كان له ان يناكرها ويحلف على ما أراده بتمليكه إياها من الطلاق وإن قالت لم أرد شيئا فلا شيء على الزوج إذا ناكرها لم يحل له أن يحلف إلا على مانوى في حين التمليك فإن لم ينو شيئا فالقضاء ما قضت والمملكة قبل البناء وبعده سواء له أن يناكرها لو قضت بأكثر من واحدة ويحلف على ذلك وإذا قضت المملكة بالثلاث ولم ينكر عليها في الوقت لزمه فإن ناكرها وقال لم أرد بالتمليك إلا طلقة واحدة فالقول قوله مع يمينه وإن لم تكن له نية فلها أن توقع ما شاءت من عدد الطلاق ولا مناكرة له عليها وإن ملكها الثلاثة مداحا وقضت بهن لم يكن له أن يناكرها وإن ملكها بشرط فوجد الشرط ملكت أمرها وألا لم تملكه وإن ملكها بصفة لا بد من كونها في العادة لزمه ذلك وإن ملكها إلى أجل ملكت نفسها في الحال وإن ملكها بصفة قد توجد وقد تفقد لم تملك نفسها في الحال حتى توجد الصفة وإن ملكها على عوض كان الطلاق بائنا وإن ملكها بصفة قد توجد الصفة وإن ملكها على عوض كان الطلاق بائنا وإن ملكها على غير عوض متبرعا لذلك ولم يكن في حين عقد نكاحها ولا شرط ذلك عليه لها بالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف أنه نوى واحدة ويكون أملك بها ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها معه فالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف أنه نوى واحدة ويكون أملك بها ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها معه أن تزوج عليها أو تسرى أو غاب عنها أو أخرجها من دارها أو ضربها فتزوج أو فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها ولها أن تطلق نفسها ثلاثا إن شاءت أو ما شاءت من الطلاق لم يكن له مناكرتها وإنما يكون له عند مالك مناكرتها

إن ملكها طائعا بغير شرط ولا في حين عقد النكاح وذكره ابن وهب في موطئه وذكر إسماعيل عن أبي ثابت عن ابن وهب قال قال مالك في الذي يشترط لامرأته على نفسه عند عقد نكاحه إن نكحت عليك أو تسريت أو أضررت بك فأمرك بيدك ثم يفعل فتطلق نفسها البته فيقول ما ملكتك إلا واحدة قال مالك القول قولها ولا سبيل له عليها إلا بعد زوج قال ولو ملكها وهي في عصمته طائعا متبرعا كان القول قوله ويحلف أنه ما ملكها إلا واحدة قال ولايشبه هذا الذي يشترطون عليه في أصل النكاح قلت وما الفرق ينهما قال لأن هذا تبرع به والآخر شرطوا عليه فلو كان له أن يرتجعها لم ينفعها شرطها والذي تبرع بذلك من غير شرط فالقول قوله ويحلف وطلقته رجعية وليس كذلك ما كان في أصل النكاح وعند عقده وذكره ابن عبد الحكم عن مالك قال ومن ملك امرأته وشرط ذلك في عقد النكاح أن تزوج عليها فتزوج فطلقت نفسها فقال لم أرد إلا واحدة فليس ذلك له وقد بانت منه وإنما ينوي في الذي ملكها طائعا من غير شرط ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها أن تزوج عليها فتزوج وطلقت نفسها ثلاثا لم يكن له مناكرتها عند مالك وإن ملكها طائعا من غير شرط كان له مناكرتها عند مالك

باب خيار الأمة تعتق تحت العبد
إذا عتقت الأمة تحت العبد أو تحت من لم تكمل فيه الحرية فهي بالخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته وخيارها باق ما لم يمسها فإن وطئها أو قبلها أو باشرها مطاوعة فلا خيار لها عند مالك وسواء علمت أن لها الخيار أو لم تعلم إذا علمت بعتقها وقد قال أنها إن لم تعلم فلا خيار لها والأول تحصيل مذهب مالك ولا تصدق أنها لم تعلم ولا خيار لها حتى تعتق كلها ولا خيار لها إن كانت تحت حر ولو عتق زوجها قبل خيارها نفسها سقط خيارها وإن كان اختيارها نفسها قبل الدخول فلا صداق لها وإذا أرادت فراق زوجها رفعت ذلك إلى السلطان واختارت نفسها وهي تطليقة بائنة وقد قال بعض أصحاب مالك إنها رجعية وليس بشيء وتحصيل مذهب مالك أنها إذا اختارت نفسها ثم عتق زوجها في عدتها لم يملك رجعتها ولها ان تطلق نفسها ثلاثا على اختلاف من قول مالك في ذلك فمرة أجاز ذلك لها على حديث بريرة ومرة قال ليس لها أن توقع إلا واحدة وهي بائنة وإن طلقت نفسها ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج وتطليقتان هاهنا كالثلاث لأن زوجها عبد وعدتها إذا اختارت نفسها عدة الحرة ثلاثة قروء

باب الخلع
للرجل أن يخالع امرأته بصداقها كله وبأقل وبأكثر إذا رضيت بذلك وكانت مالكة أمرها ولم يضارها لتفتدي منه فإن افتدت منه على إكراه أو على اضرار كان لها رد ما أخذ ولزمه الطلاق واختلف عن مالك في رجعيته هاهنا فقيل عنه إذا صرف ما أخذ منها كان له الرجعة عليها في عدتها وقيل بل هو طلاق بائن لأنه خلع ولو قصد إلى ايقاع الخلع على غير عوض كان عند مالك خلعا وكان الطلاق بائنا وقد قيل عنه لا يكون بائنا إلا بوجود العوض وهذا أصح قوليه عندي وعند أهل العلم والنظر والمختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تفتدي ببعضه وتأخذ بعضه وذلك كله سواء وهي طلقة بائنة سماها أو لم يسميها لا رجعة له في العدة عليها وله نكاحها في العدة وبعدها برضاها بولي وصداق قبل زوج وبعد لأنها تعتد من مائه إذا لم يدخل بها غيره وإذا راجع المختلع امرأته على حكم النكاح الجديد كانت عنده على تطليقتين لأن الخلع ليس بفسخ عند مالك وإنما هو طلاق بائن ومن نوى بالخلع تطليقتين أو ثلاثا لزمه ذلك والطلاق مع الخلع تطليقتين إذا كان ذلك في فور واحد فإن لم يكن لم يلحقها طلاق والخلع جائز عند السلطان وعند غير السلطان ولا يلحق المختلعة طلاق ولو طلقت في عدتها ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولها السكنى حاملا كانت أو غير حامل وجائز لمن طلق طلاقا بائنا أو طلاق خلع أن يتزوج خامسة سواها في عدتها ويتزوج أختها وعمتها

وخالتها إن شاء في عدتها لأن حكمها حكم الأجنبيات لا ترثه ولا يرثها ولا يلزمها طلاقه ولا ظهاره وكل من جاز طلاقه جاز خلعه وأما المرأة فلا يجوز خلعها إلا أن تكون مالكة أمرها والوكالة في الخلع جائزة والخلع بصفة وإلى أجل جائز والخلع جائز عند مالك على ثمرة لم يبد صلاحها أو على جمل شارد أو عبد آبق أو نحو ذلك من وجوه الغرر بخلاف البيوع والنكاح وله المطالبة بذلك كله فإن سلم كان له وإن لم يسلم فلا شيء له عليها وقد قيل إنه إن لم يسلم وعدم ذلك ففيها روايتان إحداهما له الوسط من ذلك أو قيمته والأخرى له مهر مثلها والأول قول مالك ولو خالعها على عبد فاستحق من يده رجع عليها بقيمته وكذلك لو خرج حرا رجع بقيمته عليها لو كان عبدا هذا اختيار ابن القاسم وقال غيره من أصحاب مالك لا يرجع عليها بشيء ولو خالعها على عبد آبق على أن يعطيا من عنده مالا لم يجز لأن الغرر لا يجوز في البيوع وهذا بيع ويقضي عليها برد المال عليه الذي أخذت منه ويكون لها في العبد بقدر المال الذي ردته ويكون للزوج باقيه ولو هلك العبد كان هلاكه منها وردت عليه ما أخذت منه وإذا أقر الرجل أنه خالع امرأته على مال فانكرته كان القول قولها مع يمينها في المال ولزمه الطلاق إلا أن يذكر أنه اشترط عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت ذلك فلا يلزمه الطلاق ولا يكون له مال ولو قال رجل لآخر طلق امرأتك على ألف

درهم ففعل لزمه دفع الألف إليه ولو اختلعت منه بنفقة العدة وسكناها جاز إذا كان ذلك على كراء المسكن وإن كان على الخروج من منزله لم يجز ومضى الخلع ونفذ ولم تخرج ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز وفي الخلع بنفقتها على الذين بعد الحولين مدة معلومة قولان احدهما يجوز والثاني لا يجوز ومن أجاز الخلع على الجمل الشارد والعبد الأبق ونحو ذلك من الغرر لزمه أن يجيز هذا ومن اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها وهي لا شيء لها فعليه النفقة إذا لم يكن لها ما تنفق وإن أيسرت بعد ذلك اتبعها بما أنفق وأخذه منها قال مالك ومن الحق يكلف الرجل بنفقة ولده وإن اشترط على أمه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه ومن صالح امرأته على رضاع ابنه فماتت كان له أن يأخذ نفقة رضاعه من ميراثها فإن مات الصبي بعد سنة قال مالك فلم تر أحدا يتبع بمثل هذا ولو اتبعه كان له في ذلك قول قال ابن عبد الحكم قد قيل أن ذلك ليس عليه وهو بمنزلة من صالح امرأته على نفقة الحمل ورضاعه فأسقطته فلا تتبع بشيء من ذلك قال وكذلك الرجل يبتاع الوصيف بخمسة دنانير على أن البائع كفله فمات الصبي فليس عليه شيء وليس هذا إذا حقق تبايعا ولو اشترط عليها في الخلع الرجعة كان الشرط باطلا وقد قيل أن ذلك له ويكون طلاقا رجعيا ويرد ما أخذ وكل ذلك قول مالك والخلع من المريض جائز لأنه آخذ وإن مات ورثته امرأته لأنه طلاق في مرض وإن خالعته وهي مريضة على مال أعطته وماتت لم يرثها لأنه صحيح والطلاق بيده

وإن ماتت كان له الأقل مما أعطته ومن الميراث وقد قيل إن خلع المريض لا يجوز إلا بصداق مثلها فأقل وما زاد فهي وصية والأول قول مالك

باب الحكمين
إذا ساء ما بين الزوجين وتفاقم أمرهما وتكرر شكواهما ولا بينة مع واحد منهما ولم يقدر على الاصلاح بينهما بعث الإمام أو القاضي أو الحاكم إن ارتفعا إليه حكمين حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقة فإن لم يكن في أهلهما من هذه حاله بعث الإمام من غير أهلهما عدلين عالمين ولا يبعث من غير أهلهما حتى يعدم ذلك في أهلهما وهذا إذا لم يدر ممن الإساءة منهما ولم يوقف على حقيقة أمرهما وأما أن عرف الظالم منهما فإنه يؤخذ منه الحق لصاحبه ويجبر على إزالة الضرر وإذا بعث الإمام الحكمين وأمرهما بالإصلاح فإن عليهما أن يسعيا في الإصلاح جهدهما فإن لم يستطيعا كان عليهما ان رأيا أن يفرقا فرقا وإن رأيا أن يجمعا جمعا وتفريقهما جائز على الزوجين وسواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه وكلهما الزوجان أو لم يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن وللزوجين أن يبعثا الحكمين دون السلطان فإن كان الظلم من الزوج فرقا بغير شيء وليس لهما أن يأخذا من الزوجة شيئا على أن يطلقها

وقد قيل ذلك جائز وإن كان الظلم منها أخذا منها ما رأياه وكان خلعا وفرقا بينهما والتطليقة بائنة في ذلك على كل حال سواء أخذا له منها شيئا أم لا وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة وقد قيل إنهما إن اجتمعا على الفرقة بثلاث لزمه والأول تحصيل مذهب مالك ولو جعل الزوج إلى الحكمين أن يفرق بثلاث لزمه ولو حكم أحدهما بالتفرقة ولم يحكم به الآخر أو حكم أحدهما بمال وأبي الآخر لم يلزم من ذلك شيء إلا ما اجتمعا عليه وكذلك كل حكمين حكما في أمر ما وأما الرسولان بالطلاق فبخلاف ذلك لأنه إذا بلغه أحدهما كان لازما وكان يحيى بن يحيى يفتي في الحال التي يحتاج فيها إلى ارسال الحكمين بدار أمين وجرى العمل بذلك عندنا

باب الإيلاء
يلزم الإيلاء كل من جاز طلاقة من حر وعبد والسكران يلزمه الإيلاء وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغا غير مجنون وكذلك الخصي إذا لم يكن مجبوبا والشيخ إذا كان فيه بقية نشاط وإيلاء الأخرس بما يفهم عنه من كتاب أو إشارة مفهومة لازم له وكذلك الإعجمي إذا آلا بلسانه والإيلاء أن يحلف بالله أو باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته أن لا يطأ امرأته والآلية اليمين وكل يمين يمنع الوفاء بها من الجماع بكل حال ولا يقدر صاحبها

على جماع امرأته من أجلها إلا بأن يحنث فهو بها مول إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وكانت مما يلزمه الحنث فيها بالوطء وكل يمين يلزم المسلم الوفاء بها كالعتق والطلاق والصدقة فالحالف بها أن لا يطأ امرأته مول وكل يمين يمنع من الجماع في حال ولا يمنع منه في حال لم يكن الحالف بها موليا وكذلك من حلف أن لا يطأ في دار بعينها وهو ساكن معها فيها فإن شكت منه امرأته إلى الحاكم أمره أن يخرج من تلك الدار أو يجامعها ويحنث نفسه ويكفر ولا يترك على ترك جماعها وإذا حلف أن لا يطأها في مصره أو بلده فهو مول ومن آلى بمكني من اللفظ يمنع الجماع كان موليا إن أراد الجماع ومن كانت يمينه أن لا يطأ امرأته مدة تكون من أربعة أشهر ولو بيوم فما زاد أو أطلق اليمين من غير مدة فهو مول يلزمه حكم الإيلاء إن طالبته امرأته وإن كانت المدة التي حلف وإن كان حالفا في اللغة ولكنه إن وطئها قبل الأجل حنث في يمينه ولزمه كفارتها هذا حكم الحر وأما العبد فايلاؤه شهران في الحرة والأمة والإيلاء من كل زوجة حرة أو مملوكة مسلمة أو ذمية ولا إيلاء في الإماء فإن حلف أن لا يطأ امرأته مدة أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبا امرأته ولا رافعته إلى السلطان لتوقفه لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة ومن علماء أهل المدينة من يقول إنه يلزمه بالأربعة الأشهر طلقة واحدة رجعية ومنهم ومن غيرهم من يقول إنه يلزمه

طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر والصحيح عندنا ما ذهب إليه مالك وأصحابه وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان لمطالبة زوجته له ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو يطلق ولا يتركه السلطان حتى يفيء أو يطلق والفيء الجماع في من تمكن مجامعتها وهذا إذا كانت المرأة بالغة أو مثلها يوطأ ولها الخيار في مخاصمته وتركه ولا يضرها سكوتها إذا قامت في مدة الإيلاء وأجل المولي من يوم حلف لامن يوم تخاصمه امرأته أو ترافعه إلى الحاكم فإن خاصمته ولم ترض بامتناعه من الوطء ضرب له الحاكم أربع أشهر من يوم حلف لا من يوم تخاصمه فإن وطيء فقد فاء إلى حق الزوجة وكفر عن يمينه وإن لم يفيء طلق عليه وطلاقه رجعي فإن حل أجل المولى وهو مريض أو غائب أو مجنون وقف في موضعه فإما كفر عن يمينه إذا قدر على الكفارة وإلا طلق عليه وقد قيل في المريض إذا فاء بلسانه وإن لم يكفر انه لا يطلق عليه حتى يصح فإن صح إما فاء وإما طلق عليه ولو طلق على المريض ومات من مرضه ورثته امرأته واختلف قول مالك متى تكون فيئة المولي ومتى تطلق عليه فقال مرة ذلك في الأربعة الأشهر فإن انفضت ولم يفيء طلق عليه الحاكم ولم يأمره بالفيئة ومرة قال الأربعة الأشهر توسعة والإيقاف بعدها وهذا الأشهر وهو الصواب إن شاء الله وإذا وفق بعدها فقال أنا أفيء فإن ظهر منه لدد وتسويف قال له الحاكم إن مسستها إلى يوم كذا وإلا طلقت عليك فإن لم يفعل لأيام يضربها له اجلا فرق بينهما بتطليقه وإن وافى أجل المولي حيض

المرأة طلق عليه وهي حائض وقد قيل ينتظر طهرها فإن ادعت المرأة انقضاء الأربعة الأشهر وأنكر الرجل فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يوفق إلا بعد انقضائها ولا يكون الفيء إلا بالجماع المعهود فإن وفق المولي فطلق أو طلق عليه الحاكم ثم راجع في العدة وحقق الرجعة بالمسيس فهي امرأته وسقط إيلاؤه وإن لم يمسها حتى انقضت عدتها وهو قادر على مسيسها لا يمنعه من ذلك عذر مرض أتو سجن أو شبه ذلك فقد بانت منه امرأته عند مالك بانقضاء عدتها إذا لم يحقق رجعتها بوطئه ولا سبيل له إليها إلا بنكاح جديد فإن كان له عذر فارتجاعه لها صحيح وهي امرأته ولو طلق على المولي فلم يراجعها حتى انقضت عدتها ثم نكحها رجع عليه الإيلاء فإن لم يمسها وطالبته وقف لها أيضا فإن فاء بجماعه إياها أو بتفكير يمينه فحسبه وإن طلق عليه فهي طلقة بائنة لأنه لم يمس بعد المراجعة ولو راجعها فانقضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي عدتها لم يكن لها أن توقفه إلا أنه إن لم يطأ حتى تنقضي بانت منه لأنه لا تصح رجعة المولي إلا بالوطء قبل انقضاء العدة ولو آلا من ارمرأته ثم طلقها طلقة رجعية كان لها أن ترفعه إلى السلطان في عدتها فإن طلقها كانت طلقتين وإن انقضت العدة قبل الأربعة الأشهر بطل الإيلاء لأنها ليست بزوجة ولا يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر شيء وإذا آلا الرجل من امرأته ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها رجع عليه الإيلاء ولو طلقها ثلاثا ثم رجعت إليه لم يرجع عليه الإيلاء وقد قيل يرجع عليه ومن كانت له امرأتان فحلف بطلاق إحداهما أن لا يطأ الأخرى فماتت المحلوف بطلاقها

سقط عنه الإيلاء ولو حلف لكل واحدة منهما بطلاق الأخرى أن لا يطأها فهو بذلك مول منهما وإن رافعته واحدة منهما إلى الحاكم ضرب له أجل أربعة أشهر من يوم رافعته وإن رافعتاه جميعا ضرب له فيهما أجل الإيلاء من يوم رافعتاه ثم يوقف عند انقضاء الأجل فإن فاء في واحدة حنث في الأخرى وإن لم يفيء في واحدة منهما طلقتا عليه جميعا وإنما صار الأجل في هذا الوجه من يوم يرفع إلى الحاكم لا من يوم حلف لأنه في الإيلاء المطلق إذا وطيء حنث وسقط الإيلاء وفي هذا الوجه إذا قال أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا فلا يسقط يمينه في الوطء إذا لم يفعل ما حلف عليه ومن حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ذكره فلا إيلاء لأنه لم يمنعه يمينه من وطء زوجته فهو بخلاف من حلف بالطلاق ليفعلن وإن لم يفعل على ما ذكرت لك ولو حلف بعتق عبده أن لا يطأ امرأته فمات العبد سقط الإيلاء وكذلك لو باعه سقط الإيلاء أيضا عنه ولو اشتراه بعد أو وهب له فقبله عاد الإيلاء ولو ورثه لم يعد الإيلاء عليه ولو حلف بعتق رقبة أو عتق عبد فطلق فاشترى عبدا فأعتقه لم يسقط الإيلاء عنه عند مالك قال ابن القاسم يسقط الإيلاء عنه قياسا على جواز تقديم كفارة اليمين بالله عز وجل قبل الحنث وقيل في اليمين بالله عز وجل أن الإيلاء لا يسقط عنه بالكفارة إلا أن تكون يمينه في شيء بعينه مثل عتق رقبة بعينها أو طلاق امرأة أخرى له بعينها فيسقط وإذا آلا الرجل من امرأته ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها رجع عليه الإيلاء ولو طلقها ثلاثا ثم رجعت إليه لم يرجع عليه الإيلاء

وقد قيل يرجع عليه ولو رضي الذمي في الإيلاء بحكمنا حكمنا عليه بذلك وللجميع تربص أربعة أشهر وإن ادعت المرأة مضيها وأنكر الرجل فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يوقف إلا بعد انقضائها وإذا آلى الرجل من نسوة ثلاث أو أربع بيمين واحدة فهو مول منهن كلهن يوقف لمن طالبته منهن فإن وطيء واحدة منهن حنث وانحلت اليمين وبقي عليه حكم الإيلاء في رفع الضرر عن الزوجات الباقيات في إيقاع الوطء فإن لم يطأ وأبى فرق بينه وبين من لم يطأ منهن وأقر عنده منهن من لم تطالبه وإن ماتت منهن واحدة أو طلقها فهو مول من البواقي وكفارة واحدة تجزئه في حنثه عن جميعهن وقد قيل عن كل واحدة كفارة والأول قول ابن القاسم وروايته والفيء الجماع المعهود إن قدر عليه فإن لم يقدر عليه بعذر مقبول من مرض مانع أو حبس أو عجز لكبر لا يمكنه الوطء إلى الجماع معه فاء بلسانه فإذا أمكنه الجماع فاء وإلا طلق عليه وإذا صح عذر ولم يكن لامرأته مطالبته وأدنى ما يجزيء من الفيء أن تغيب الحشفة في القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا ولو قال قد أصبتها وأنكرت ذلك فالقول قوله إن كانت ثيبا مع يمينه وقولها إن كانت بكرا ولو أصابها في وقت أو حال لا يجوز له أن يصيبها فيه اثم وخرج من الإيلاء وقد قيل لا يخرج منه إلا بوطء غير محظور ومن امتنع من وطء امرأته بغير يمين حلفها اضرارا بها أمر بوطئها فإن أبى فأقام على امتناعه مضرا بها فرق بينه وبينها بغير أجل وقد قيل يضرب له أجل الإيلاء وقد قيل لا يدخل على الرجل

إيلاء في هجرته زوجته وإن أقام سنين لا يغشاها ولكنه يؤمر بتقوى الله في أن لا يمسكها ضرارا وإذا طال المسافر الغيبة عامدا للضرر أمر بالقدوم على امرأته فإن أبى فرق الحاكم بينهما لأن العلة عدم الوطء فسواء وجد ذلك بيمين أو بغير يمين كما يطلق على المولي وعلى المعسر بالنفقة والعنين ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها ليلا يغيل ولدها ولم يرد ضررا حتى أمد الرضاع لم يكن لزوجته عند مالك مطالبته في ذلك وكذلك المريض الذي يكون الوطء مضرا به فيولي لذلك من امرأته وكذلك من عن بعد إصابته أهله لا إيلاء عليه

باب الظهار
الظهار من كل زوج يجوز طلاقه لازم له في كل زوجة وكذلك عند مالك من يجوز له وطئها من أمائه إذا ظاهر منهن لزمه الظهار فيهن وبظهار السكران يلزمه وكذلك الأخرس بما يفهم عنه وظهار المولى عليه يلزمه إذا كان بالغا غير مجنون والظهار أن يقول الزوج أنت علي كظهر أمي هذا أصل الظهار وإنما ذكر الله الظهر والله أعلم كناية عن البطن وسرا فان قال أنت علي كامي ولم يذكر الظهر أو قال أنت علي مثل أمي فإن أراد الظهار فله نيته وان اراد الطلاق كان مطلقا البتة عند مالك وان لم تكن له نية في طلاق ولا ظهار كان مظاهرا ولا ينصرف صريح الظهار إلى الطلاق كما لا ينصرف

صريح الطلاق وكنايته المعروفة له إلى الظهار وكناية الظهار خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق البت والظهار والظهار بذوات المحارم مثل الظهار بالام وكذلك عند مالك إذا قال كظهر أبي أو غلامي أو كظهر زيد أو كظهر أجنبية لا يحل له وطئها في حين يمينه وفي الأجنبية اختلاف عند مالك وأصحابه منهم من لا يرى الظهار إلا بذوات المحارم خاصة ولا يرى الظهار بغيرهن ومنهم من لا يجعله شيئا ومنهم من يجعله في الأجنبية طلاقا والأول قول مالك وقد روي عنه نصا ان الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشيء والمجتمع عليه في الظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} المجادلة2فمن قال هذا القول حرم عليه وطء امرأته فان عاد لما قاله لزمته كفارة الظهار لقوله عز وجل {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} المجادلة الآية3وهذا يدل على أن كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليه العود والعود عند مالك العزم على امساكها بعد التظاهر منها وقد روي عنه أنه العزم على وطئها وقيل العود الوطء نفسه وقيل إذا أتبعها طلاقا بعد قوله أنت علي كظهر أمي لزمته الكفارة والأول تحصيل المذهب والظهار عند مالك من الأمة كالظهار من الزوجة وكذلك هو من أم الولد وكل

من يحل وطئها ولا يلزم الظهار في المعتقة إلى أجل ولا في المكاتبة ومن ظاهر من زوجته أو أمته فماتت الزوجة أو طلقها أو ماتت الأمة أو باعها قبل أن يكفر فلا كفارة عليه في واحدة منهن حتى ترجع إليه بنكاح أو بشراء أو غير ذلك من وجوه الملك فإذا رجعت إليه لم يطأها حتى يكفر وسواء كان طلاقه للزوجة واحدة أو ثلاثا ولو تظاهر من عضو من امرأته أو جزء منهما كان مظاهرا ولو حلف بالظهار ان فعل كذا وكذا لاشياء مختلفة ثم حنث في واحدة منها لم يطأها حتى يكفر ثم إن حنث في غيرها فلا كفارة عليه ولو تظاهر من أربع نسوة بكلمة واحدة كقوله لهن انتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن وفي كل واحدة منهن كفارة وان قال لاربع نسوة ان تزوجتكن فانتن علي كظهر أمي فتزوج إحداهن لم يقربها حتى يكفر ثم سقط عنه اليمين في سائرهن وقد قيل لا يطأ البواقي منهن حتى يكفر والأول هو المذهب ولو قال كلما تزوجت امرأة فالمرأة التي تزوجتها علي كظهر أمي لزمه كلما تزوج كفارة بعد كفارة بخلاف قوله كل امرأة اتزوجها علي كظهر أمي لأن هاهنا تجزئه كفارة واحدة ولو قال لامرأته أنت علي كظهر أمي وأنت طالق البتة لزمه الطلاق والظهار معا ولم يكفر حتى ينكحها بعد زوج ولا يطأها إذا نكحها حتى يكفر ولو قال لامرأته أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي لزمه الطلاق ولم يلزمه الظهار لأن المبتوتة لا يلحقها الظهار ولو قال لاجنبية أنت طالق ان تزوجتك وأنت علي كظهر أمي ان تزوجتك وأنت طالق فكلاهما سواء ويلزمه الطلاق والظهار معا إذا تزوجها

وتحرم عليه بالطلاق وإذا نكحها بعد ذلك لم يطأها حتى يكفر وان قال كل امرأة اتزوجها فهي علي كظهر أمي لزمه عند مالك الظهار بخلاف الطلاق لأن تحريم الظهار ينحل بالكفارة وتحريم الطلاق لا ينحل بكفارة وتجزئة كفارة واحدة ومن قال أنت علي كظهر أمي إن لم أفعل كذا فلا يطأ حتى يفعل كذا وإن قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فلا يمتنع من وطء زوجته أبدا حتى يفعل ذلك إلا أنه اختلف عن مالك في من قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن وطئتك فروي عنه أنه لا تلزمه كفارة ولا يجوز له أن يكفر حتى يطأ ويحنث وهو الصحيح وروي عنه أنه إذا أجمع على الوطء كفر قبل أن يطأ وليس بشيء ولا يقرب المظاهر امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفر فان وطئها قبل أن يكفر استغفر الله وأمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة

باب كفارة الظهار
قد ذكرنا ما يوجب الكفارة على المظاهر من القول ثم العود والكفارة عتق رقبة ليس فيها عيب مفسد ولا زمانه تمنع من العمل والاكتساب ولا شعبة من الحرية ولا مدبرة ولا أم ولد ولا مكاتبة ولا معتقة إلى أجل ولا مخدمة ولا تكون ممن يعتق عليه بالملك من قرابته ولا ممن تشتري بشرط العتق لأنه قد يهضم له من ثمنها فيكون بائعا كالشريك له فيها ولا يجزيء

المرضع ومن صام وصلى افضل إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن مرض فيهما ثم صح بنى فان فرط بعد صحته أبتدأ وكذلك لو أفطر ناسيا أو بعذر أو اجتهاد بنى ما لم يؤخر البناء فإن أخره ابتدأ الشهرين متتابعين فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا هكذا على الترتيب لا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد النبي عليه السلام وان أطعم مدا بمد هشام وهو مدان إلا ثلثا أو أطعم مدا ونصفا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه وأفضل ذلك مدان بمد النبي عليه السلام لان الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار من أوسط فواجب قصد الشبع ومن ظاهر من امته واجد لرقبتها فيعتقها عن حنثه فيها إن كان راغبا في وطئها ثم يخطبها الى نفسها فإن رضيت به تزوجها ومن تظاهر من أم ولده وأراد وطئها ولا مال له غيرها فهو من أهل الصيام أو الإطعام ولا يجزيء عتق أم الولد عن كفارة منها ولا من غيرها وكل نوع من كارة الظهار قبل المسيس كما قال الله تعالى من قبل ان يتماسا المجادلة وليس سكوته في الاطعام عن ذكر المسيس يبيح له ذلك لأنه محمول على ما قبله ولو وطئها في تضاعيف إطعامه أو صيامه ليلا أو نهارا قبل أن يكمل الصيام أو يتم الاطعام بطل ما مضى من صيامه أو إطعامه ووجب عليه ابتداء الكفارة وله أن يطأ

غيرها من نسائه في ليالي صومه لكفارته ولو وطيء المظاهر امرأته قبل أن يكفر لم يكن عليه بعد ذلك إلا كفارة واحدة ولا يطأ بعد ذلك حتى يكفر ومن تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام ولو كان مرضه فيما يرجى برؤه ومن اشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالاطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصيام وان تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام وإنما ينظر حاله يوم يكفر ولو جامعها في عدمه وعسره فلم يصم حتى أيسر لزمه العتق ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى وان كان اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ عليه الماء وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة أن يقطع ويبتدئ الطهارة بالماء عند مالك ولو أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار وقتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين وكذلك لو صام عنهما أربعة اشهر حتى يصوم عن كل واحدة شهرين وقد قيل ان ذلك يجزئه ولو ظاهر من امرأتين فاعتق رقبة عن احداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر الكفارة الأخرى ولو عين كفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر عن الأخرى ولو ظاهر من أربع نسوة

فاعتق عنهن ثلاث رقبات وصام شهرين لم يجزه العتق ولا الصيام لأنه إنما اعتق عن كل واحدة ثلاثة أرباع رقبة وصام عن كل واحدة خمسة عشر يوما فإن كفر عنهن بالاطعام جاز له أن يطعم عنهن مائتي مسكين وأربعين مسكينا وان لم يقدر بخلاف العتق والصيام لأن صيام الشهرين لا يفرق والإطعام يفرق وظهار العبد كظهار الحر وكفارته ككفارته غير أنه لا يصح منه التكفير بالعتق وسواء اذن له في ذلك سيده أو لم يأذن له وليكفر بالصيام فإن عجز عنه كفر بالإطعام أن أذن له سيده وإن منعه منه انتظر القدرة على الصوم وليس لسيده أن يمنعه من الصوم وقد قيل أن له منعه من الصوم اذا خاف أن يضعفه ذلك عن خدمته وعمله فإن منعه من الصوم أطعم عنه ستين مسكينا وبالله التوفيق

باب اللعان
كل من جاز طلاقه وظهاره جاز لعانه ولا لعان بين الحر المسلم والزوجة الأمة أو الذمية بنفس الزنى ومجرد القذف لأنه ليس على من قذف أمة أو ذمية حد إلا أنه يؤدب ويزجر فإن استبرأ الزوج الأمة أو الذمية بحيضة فما فوقها وظهر منها بعد ذلك حمل فانكره لاعنها لنفي الولد ولا يلاعن واحدة منهما إلا لنفي ولدها وقد قيل أن اللعان بينهما كهو بين الحرين المسلمين إلا أنه لا حد على من قذف أمة أو ذمية واللعان بين

كل زوجين مسلمين عدلين كانا أو فاسقين لأنها عندنا أيمان لا شهادات وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها بمثل ما تلتعن به المسلمة فان التعن زوجها وأبت هي من اللعان انتفى عنه الحمل وكانت زوجته بحالها وان قذف الزوجة الأمة والذمية بأنه رآهما تزنيان وادعى ذلك فلا حد عليه ولا لعان إلا أن يخاف حملا وهما زوجتاه فإن خاف حملا لاعنهما وقد رأى بعض أهل العلم تعزيره أدبا إذا قذفهما أو واحدة منهما ولا لعان بين الرجل وبين أمته ولا بينه وبين أم ولده وقد قيل لا ينتفي ولد الأمة عنه إلا بيمين واحدة بخلاف اللعان وقد قيل إنه اذا نفى ولد أم الولد لاعن والأول تحصيل مذهب مالك وهو الصواب وإنما يجب اللعان بين الزوجين الحرين المسلمين عند مالك بأحد أمرين إما استراء رحم لا وطء بعده حتى يظهر حمل فينكره فإن أكره لاعنها للحمل ولم ينتظر وضعه أو رؤية زنى يصفه كما يصف الشهود ثم لا يطأ بعده فبهذين أو باحدهما يجب اللعان في تحصيل مذهب مالك وأقل الاستبراء في ذلك حيضة واحدة وقد روي عن مالك ان الحر المسلم يلاعن الحرة المسلمة بالقذف المجرد وهو قول أكثر الفقهاء والأول تحصيل مذهبه فان نفى حملها ولم يدع استبراء فلمالك فيها قولان أحدهما أنه يلاعنها والآخر أنه يحد ويلحق به الولد ولا يلاعن وإذا لاعنها برؤية زنى ثم أتت بولد فقد اختلف قوله في لحوق الولد وسقوطه واللعان بين العبد والحرة كهو بين الحر والحرة وإذا عقد الرجل نكاح امرأة ولم يبن بها حتى ظهر بها حمل وادعت

أنه منه وأنكره لاعنها إذا أمكن أن يكون منه وكان لها نصف الصداق وإذا قال لها رأيتك تزني قبل أن أتزوجك فإنه يحد ولا يلاعن فإن نفى حملها ولم يكن دخل بها والتعن وأبت هي من اللعان ضربت مائة جلدة كما لو صدقته وتقر تحته كما كانت وتبرأ من الحمل ولكنه لا يقربها حتى تضع وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فزعم أنه رآها تزني في عدتها فله أن يلاعنها لأنه يخاف أن تأتي بحمل من ذلك الزنى فيلحق به ولو طلقها حاملا وهو مقر بحملها طلاقا باتا ثم زعم أنه رآها تزني حد ولم يلاعن وإذا قال أنت طالق ثلاثا يا زانية أو قال لها يا زانية أنت طالق ثلاثا نكل عند مالك بحد عن الوجهين جميعا ولا لعان ولا ملاعنة بين الزوجين بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة وهي أن يكون الرجل عائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبة وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضى عدتها ثم يقوم فينفيه فله أن يلاعنها هاهنا بعد العدة وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفيه وهي ميتة بعد مدة العدة ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما ولو نكح امرأة في عدتها فأتت بولد فأنكره فإن جاءت به لستة أشهر وقبل حيضة فهو لاحق بالزوج الأول إلا أن ينفيه باللعان فيلحق بالثاني ولا لعان عليها معه لانه رده إلى فراش الثاني وقد قيل أنها ان لم تحض في الستة الأشهر إنه لا يرجع الى فراش الثاني وعليها الالتعان مع الأول فيه فإن جاءت به لستة أشهر بعد حيضة فهو لاحق بالثاني فإن أنكره لم ينفه بلعان ولا لعان عليها معه فان التعن رجع الولد إلى فراش الأول فإن نفاه الأول لاعنها وانتفى الولد منهما جميعا فان استلحقه

بعد ذلك أحدهما لحق به ولا حد على واحد منهما في ذلك وقد قيل يحد الأول خاصة إذا استلحقه وسقوط الحد عنهما أولى لأن كل واحد منهما رده إلى فراش صاحبه وان جاءت به لدون ستة أشهر من يوم نكاحها الثاني فلا مدخل له فيه ويلاعن الأول وحده عليه

باب كيفية اللعان
كيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي وإن شاء قال لقد زنت وما وطئتها بعد زناها يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات فان نكل عن هذه الايمان أو عن شيء منها حد وان نفى حملها قال أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد وما هذا الحمل مني ويشير إليه يحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها واني لمن الصادقين في قولي هذا عليها ثم يقول له في الخامسة قل علي لعنة الله ان كنت من الكاذبين وإن شاء قال ان كنت كاذبا فيما ذكرت عنها فإن فعل ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد وأما الفرقة فلا تقع إلا بعد تمام تلاعنهما جميعا فإذا فرغ الرجل من لعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربع إيمان تقول فيها أشهد بالله أنك لكاذب أو أنه لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكره عني وان كانت حاملا قالت وان حملي هذا منه

ثم تقول في الخامسة وعلي غضب الله إن كان صادقا أو إن كان من الصادقين في قوله ذلك وإن شاءت قالت أشهد بالله ما زنيت تكرر ذلك اربع مرات ثم تقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فإن نكلت المرأة حدت إن لم يكن دخل بها وان كان دخل بها رجمت ومن أوجب اللعان بالقذف قال يقول في كل شهادة من الأربع شهادات أشهد بالله أني لصادق فيما رميت به فلانة من الزنى ويقول في الخامسة علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميت به فلانه من الزنى وتقول المرأة أشهد بالله أنه لكاذب فيما رماني به من الزنى أربع مرات وتقول في الخامسة علي غضب الله إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى ويبدأ بالرجل قبل المرأة على كل حال فإن نكلت المرأة حدت إن لم يكن دخل بها فان دخل بها رجمت وكذلك لو حصنها غيره ولو التعنت المرأة قبل الزوج ثم التعن الزوج ثم فرق الإمام بينهما لم تقع الفرقة حتى تقوم المراة فتلتعن بعد الرجل ولو فرق الإمام بينهما بعد التعان الرجل قبل أن تلتعن المرأة لم تقع بذلك فرقة لأن اللعان لم يتم ومن قذف امرأته قبل تمام اللعان جلد الحد كاملا

باب جامع أحكام اللعان
إذا عقد الرجل نكاح امرأة وأمكنه وطؤها بوجه من

الوجوه ثم أتت بولد لستة أشهر من يوم العقد إلى أقصى ما تلده النساء وذلك خمس سنين عند مالك وطائفة من اهل العلم بالمدينة ومنهم من يقول أربع سنين ومن أصحاب مالك من يقول يلحق الولد إلى ست سنين وإلى سبع سنين والأول تحصيل مذهبه وهو الصواب إن شاء الله فإن جاءت به إلى خمس سنين لحق به ولدها وسواء أقر بوطئها أو لم يقر ولا ينتفي عنه ولده الا بلعان وإذا أتت المرأة بولد فأنكر الزوج أن يكون ولدته وادعى أنها لقطته فالقول قولها ولا تحتاج إلى بينه على ولادتها بخلاف الأمة المملوكة فإن جاء الزوج ببينة أنها لم تلده نفي عنه وإذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج عليه صاحبه ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما ولا يكون اللعان إلا في مسجد جامع بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام وبتمام العان تقع الفرقة بين الملاعنين فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان ولا تحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده فإن اكذب نفسه بعد تمام اللعان بينهما جلد الحد ولحق به الولد ولا سبيل له إليها ولا ميراث بينهما سواء مات احدهما في العدة أو بعد انقضائها وان أكذب نفسه قبل أن يتم التعان المرأة جلد الحد ولحق به الوبد وبقيت زوجنه بحالها ومن مات منهما قبل تمام التعانهما توارثا وفرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق ولا يحتاج إلى إيقاع الحاكم لها وإذا التعن الرجل وماتت المرأة قبل أن تلتعن درأ الرجل بتلاعنه الحد عن نفسه وله ميراثها ولو قذفها وماتت قبل أن

يلاعنها جلد الحد ان لم يلاعن فإن التعن سقط عنه الحد وورثها وإذا التعن الرجل ومات قبل أن تلتعن المرأة فإن التعنت بعد موته فلا حد عليها ولا ميراث لها وان نكلت عن اللعان فلها ميراثها منه وعليه الحد وحدها إن كان قد ابتنى بها الرجم وإن كان لم يبن بها ولم يكن لها زوج قبله جلدت مائة وإذا قال الرجل رأيت زوجتي تزني قيل له لاعنها ولم يسأل عن وطئه إياها قبل رؤيته لها وإذا قال رأيتها تزني وقد وطئتها بعد ذلك فعليه الحد والولد لا حق به ولا سبيل له إلا اللعان وإذا لاعنها برؤية زنى ثم أتت بولد فعن مالك في ذلك روايتان إحداهما أنه يلزمه إذا لم ينفه بلعان في ذلك والأخرى أنه يلاعن عليه أيضا ويسقط عنه وإذا ظهر بها حمل فأقر به ثم أدعى أنه رآها تزني فقد اختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه احدها أنه يلحق به الولد بعد أن يحد ولا لعان والآخر أنه يلاعن وينفى عنه الولد الذي أقر به والثالث أن يلحق به الولد لاقراره به ويسقط عنه الحد وهو أصحها وإذا أقرت المرأة بالزنى الذي رماها به وجاءت بولد فعن مالك فيه روايتان إحداهما أنه يسقط الولد عنه بغير لعان والأخرى أنه لا يسقط إلا باللعان ولو شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها حد الثلاثة ولاعن الزوج وإذا ذكر الرجل ان امرأته اغتصبت نفسها وأقرت بذلك وأنكر الزوج حملها انتفى عنه ولدها بغير لعان فيما روى المصريون عن مالك أنه رجع إلى ذلك وروى المدنيون عنه أنه لا ينتفي الولد بإقرارهما بذلك حتى يلتعنا جميعا وتقول المرأة في يمينها لقد اغتصبت وغلبت على

نفسي وما زنيت مطاوعة فإذا كمل تلاعنهما فرق بينهما ولا حد عليهما ويلحق الولد بها ولا يجتمعان أبدا ولو أتت المراة بولد فقال ليس ابني وصدقته انتفى عنه ويلحق الولد بها ولا حد عليها ولا لعان وقد قيل إنه لا ينتفي عنه إلا بلعان وكل من أقر بولده أو بحمل امرأته لم ينتف عنه أبدا وإن نفاه جلد الحد وان علم به ولم ينفه ووطيء بعد علمه لم يكن له نفيه وكذلك ان سكت بعد علمه به أقل من مدة يمكنه نفيه فيها لم يكن له نفيه بعد وان نفاه بعد ذلك جلد الحد ولم ينتف عنه ولو قذف امرأته ثم جامعها جلد الحد ولم يلاعن وإذا ولدت المرأة اثنين فأقر الزوج باحدهما ونفى الآخر لحقا به جميعا وسقط قوله وان نفاهما جميعا لان واحدا وسقطا عنه جميعا ولو رمى امرأته برجل بعينه فطلب الرجل حقه في ذلك جلد له الزوج ولاعن امرأته

باب متعة المطلقة
لكل مطلقة متعة إلا ثلاث نسوة الملاعنة والمختلعة والتي طلقت قبل أن تمس وقد فرض لها فحسبها نصف الصداق والمدخول بها وغير المدخول بها في ذلك سواء والحر والعبد عند مالك سواء والزوجات المسلمات والذميات في ذلك سواء إلا

من ذكرنا منهن ولا حد في المتعة إلا أن الموسر فيها بقدره والمعسر بقدره وهي موكولة إليه يعطي فيها ما طابت به نفسه من غير حكم يلزمه وهي مستحبة يؤمر الملطق بها ولا يجبر عليها ولكنه يندب إليها وهي من أخلاق المحسنين المتقين والسلطان هو الذي يأمر بها ويحض عليها هذا كله قول مالك وأصحابه

باب الرجعة وحكمها وحكم المطلقة طلاق السنة
إذا طلق الرجل امرأته الطلاق الذي أذن الله له فيه فله مراجعتها ما دامت في عدتها وإن كرهت دون صداق ولا ولي وعليه نفقتها وكسوتها حتى تنقضي عدتها بثلاث حيض أو ثلاثة اشهر ولا رجعة إلا لمطلق امرأة قد دخل بها ومسها ولم يبت طلاقها وهو كل من طلق واحدة أو اثنتين وإذا انقضت العدة سقطت الرجعة والاشهاد في الرجعة واجب وجوب سنة يشهد ذوي عدل كما قال عز وجل وتمام الرجعة الكلام ولو قال قد راجعتك ولم يشهد كانت رجعة ويشهد فيما يستقبل ولو وطأ امرأته التي قد طلقها يريد بوطئه مراجعتها كان مراجعا ويشهد فيما يستقبل وان ينو بوطئه مراجعتها لم تكن مراجعة عند مالك وقد قيل وطئه مراجعة على كل حال نواها أو لم ينوها وروي ذلك عن طائفة من أصحاب مالك وإليه ذهب الليث وكان مالك يقول إذا وطيء ولم ينو الرجعة فهو وطء

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5