كتاب : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
تأليف: أبي إبراهيم محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد المعروف بالأمير الصنعاني

أما كونها ظنية فلأنه ذمهم باستحلال مجموع أشياء بعضها" أي استحلال بعضها "كفر وهو استحلال الخمر" أي عده حلالا لأنه رد لما علم من ضرورة الدين فالكفر من هذه الجهة "والذم بمجموع أمور لا يستلزم القطع على تحريم كل واحد منها لجواز أن يذم الكافر الفاسق بأفعال بعضها مكروه مثاله قوله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} إلى قوله: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} " يريدوا الحض على طعام المسكين ليس بواجب ولك أن تقول إنه يجب ويراد به إطعامه لسد رمقه ويؤيده قوله ذلك وهم في دركات جهنم وقد قيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ويحتمل أن قوله تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لا يحض نفسه إلى إطعامه فيكون مثل: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} .
"ويقوي هذا أنه جعل استحلال الخز" بالخاء المعجمة والزاي وهذه اللفظة قد اختلف في ضبطها ففي تيسير الوصول أنها بالحاء المهملة والراء وهو الأوفق لعطف الحرير لما يأتي "من جملة صفات أولئك المذمومين مع أن جماعة من جملة الصحابة والتابعين قد لبسوه واستحلوه" فإن لبس الجملة من فريقي السلف للخز يدل على أنه لا نهي عنه ولا يتعلق به الذم الأولى بجلالة شأنهم وبعدهم عن المكروهات فلبسهم إياه دليل على لفظ الحديث عندهم الحر بالحاء المهملة والراء والمراد به استحلال الزنا وهذا أولى مما يفهمه كلام المصنف من أنه بالخاء المعجمة والزاي لأنه لا ريب في كراهة لبسه لهذا النهي وإن لك يكن محرما "فيحتمل أن يكون وصفه" أي النبي صلى الله عليه وآله وصل "لهم" أي القوم المذكورين في حديث هشام بن عمار "بذلك" أي بلبسهم الخز واستحلالهم المعازف "تمييزا لهم عن غيرهم" لا لأجل أن لوصفهم بذلك دخلا لهم في الخسف بهم والعقوبة لهم "كما وصف" صلى الله عليه وسلم "الخوارج حين ذمهم بحلق الرؤوس وصغر الأسنان وخفة الأحلام" ولفظ الحديث عند الشيخين1 من حديث علي رضي الله عنهم: "سيخرج أقوام في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون 2 من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 9/21. ومسلم في: الزكاة حديث 154.
2 "يمرقون من الدين" الخ أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشيء المرمي به ويخرج منه. النهاية 4/320.

فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة", وكون ذو الثدية بضم المثلثة فدال مصغر ثدي "منهم ونحو ذلك والله أعلم".
وقد بين كيفية الثدية في حديث بلفظ: "آيتهم رجل أسود في إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر" 1 وفي رواية: "إن فيهم رجلا له عضد ليس ذراع على عضديه مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض" 2.
إذا عرفت هذا فمراد المصنف أن خفة الأحلام وحداثة الأسنان وحلق الرؤوس ليست من موجبات الأمر بقتلهم فما ذكرت تمييزا لهم عن غيرهم وليس فيه دلالة عن تحريم تلك الأمور فكذلك استحلال المعازف والخز ليس من أسباب المسخ بأولئك القوم فلا يدل الحديث على تحريم المعازف.
وأقول لا يخفي أنه أولا ليس في صفات الخوارج المذكورة هنا ضم شيء محرم من صفاتهم إلى مكروه أو مباح بل جميع ما ذكر من صفاتهم مباحة بضم بعضها إلى بعض للتمييز وثانيا أنه احتج في حديث الخوارج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتالهم فاحتيج إلى ذكر ما يميزهم من الصفات ليقدم على قتالهم على بصيرة لأنهم مسلمون محقونة دماؤهم في الظاهر بخلاف الذين يمسخون قردة فإنه لا حاجة إلى وصف لهم مميز إذ لسنا مأمورين فيهم بشيء والأصل فيما ذكر من الأوصاف ورتب عليه الحكم وهو المسخ هنا كل صفة لها دخل في إثبات الحكم إما بالاستقلال أو بالجزئية ولا يخرج عن هذا ويصير للتمييز إلا بقرينة كما ذكرناه في الخوارج.
واعلم إن المصنف جزم بأن الرواية بالخاء المعجمة والزاي لا غير وفي النهاية في حديث أشراط الساعة يستحل الحر والحرير هكذا ذكره أبو موسى بالحاء والراء وقال الحر بتخفيف الراء الفرج ثم قال بان الأثير والمشهور في هذا الحديث على اختلاف طرقه يستحلون الخز بالخاء المعجمة والزاي وهو ضرب ثياب الإبريسم معروف وكذا جاء في كتاب البخاري وأبي داود ولعله حديث آخر كما ذكره أبو موسى فهو الحافظ عارف بما روي وشرح ولا يتهم.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: المناقب: ب 25. ومسلم في: الزكاة حديث 148. واحمد 3/56, 65.
2 مسلم في: الزكاة: حديث 156, وأحمد 1/92.

قلت: ولا يخفى أن عطف الحرير عليه يناسب أن يكون المهملة والراء لأن الحرير قد دخل فيه الخز بأحد معنييه وبالمعنى الآخر ليس منهيا عنه.
"قال ابن الأثير في النهاية الخز المعروف أولا ثياب ينسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبيه بالعجم وزي المترفين وغن أريد بالخز النوع الآخر المعروف الآن فهو حرام لأن جميعه معمول من الإبريسم وعليه يحمل الحديث قلت: في هذا الحمل إشكال فإن الحديث إنما يحمل على ما كان يسمى خزا في زمانه صلى الله عليه وسلم في عرف المخاطبين وأما الذي ذكره فهو داخل في تحريم الحرير وقد فرق في هذا الحديث بين الخز والحرير وعطف أحدهما على الآخر فدل على التغاير" هذا الكلام صحيح لو تعين في الرواية بالخاء المعجمة لكن الرواية من حيث الدراية قد ترددت بين اللفظين فإن كان ابن الأثير رجح رواية المعجمة من حيث الرواية فهو معارض بترجيح رواية المهملة من حيث الدراية إذ ضم المحرمات في قرن وجمعها في حكم هو الأوفق ببلاغته صلى الله عليه وسلم ولأن الخز المخلوط بالإبريسم غير محرم ولأن الأصل فيما ترتب عليه حكم هو ما عرفناك من أنه السبب أو جزؤه.
"فهذا مما يدل على أن دلالة الحديث" على تحريم الملاهي "ظنية" والظني للمجتهد فيه نظرة هذا من حيث الدلالة "وأما أنها معارضة فلأنه صلى الله عليه وسلم سمع زمارة الراعي" بكسر الزاي وتخفيف الميم ككتابة اسم لفعل من الزامر يقال زمر يزمر بضم الميم وكسرها زمرا وزمر بتشديد الميم ترميزا غنى في القصب وفعلها زمارة ككتابة أفادة في القاموس "ولم يكسرها ولا بين له تحريمها" بل سد أذنيه عن سماعها "وحديثهما صحيح على الأصح" قد قال إن هذه واقعة عين قرر عليها الراعي فلا يدري على أي وجه وقع فلا تعارض ما ورد من أدلة كثيرة يفيد مجموعها التحريم.
وأما قوله: "وأباح الضرب بالدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب ولم يأمر بكسره" فقد يقال هذه رخصة رخص فيها الأحوال لا غير فيقتصر عليها "ولا شك في كراهة ذلك في غير العرس ونحوه" مما ذكره "وإنما الكلام في صريح التحريم" الأحسن في قطعية التحريم إذ هو محل نزاعه فيما سلف "والكف عن النكير

عمن استحل ذلك من أهل العلم لأنه محرم ظني" لا نكير فيه والمصنف استطرد هذا البحث في حكم الملاهي وليس هذا محله إذ كتابه مؤلف في اصطلاح أئمة الحديث وكون الغناء محرما أو غير محرم من علوم الحديث كما لا يخفي وقد يوجد محذوفا في بعض نسخ كتابه هذا.
* * *

مسألة 12 [في أخذ الحديث من الكتب]
من علوم الحديث يجوز "نقل الحديث من الكتب الصحيحة المعتمدة" في الصحة والضبط "لمن يسوغ له عمل بالحديث" زاد ابن الصلاح والاحتجاج به لذي مذهب1 ثم بين المصنف من الذي يسوغ له العمل بقوله "وهو العالم بشروط العمل بالحديث وكيفية الاستدلال به وجعل ابن الصلاح شرطه أن يكون ذلك الكتاب مقابلا بمقابلة ثقة على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة" عبارة ابن الصلاح قد قابله هو أو ثقة غيره ثم قال ليحصل بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول "قال" الشيخ محي "الدين النووي فأن قابلها بأصل معتمد محقق أجزاه2" قال الزين وفي كلام ابن الصلاح في موضوع آخر ما يدل على عدم اعتبار ذلك3.
قلت: المعتبر حصول الظن فإن كان الأصل صحيحا عليه خط إمام من الأئمة أو جماعة أجزأه وإن كان ليس كذلك فلا بد من ضم أصول غليه ليحصل الظن بالصحة.
"قال زين الدين: وقال بان الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح أو نحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه فقوله فينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك" أي تعدد النسخ "وإنما هو مشعب وهو كذلك".
قال الحافظ ابن حجر تعقبا لشيخه ما لفظه ليس بين كلامه أي ابن الصلاح هنا مناقضة بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستدلال بإدراك الصحيح بمجرد
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 43.
2 التقريب والتيسير 1/150.
3 التقييد والإيضاح ص 43.

الأسانيد لأنه علل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا فقصية ذلك إلا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تنفق عليه الأصول المتعددة ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد وغما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي كلامه المتقدم لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا انتهى.
قلت: ومراده بالعبارة ينبغي وقد وقعت في اللازم في حديث: "إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد" 1 مع ورودها في لفظ آخر بلفظ لا تحل ولكن الزين قد مرض ما قاله بقوله قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك فلم يجزم بإشارته إنما لا حط مجرد الاحتمال ثم استدل الزين لمختاره بما نقله بقوله "قال الحافظ أبو بكر محمد بن خير2" بالمعجمة فمثناة تحتية ابن عمر الأموي بفتح الهمزة الأشبيلي وهو خال أبي القاسم السهيلي قال: "وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 3 رواه الجم الغفير من الصحابة قبل أربعون وقيل اثنان وستون ومنهم العشرة المبشرة بالجنة ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد "وفي بعض الروايات علي مطلقا من غير تقييد" بالتعمد.
"قلت: ومن روى بالوجادة الصحيحة فقد صار الحديث له مرويا بأوسط وجوه الروايات كما سيأتي في باب الوجادة" وهي أن يجد بخطه أو بخط شيخه أو خط من أدركه من الثقات فيأخذ حظا من الاتصال وإن كانت منقطعة في الحقيقة ويقول إذا روي وجدت بخط فلان ويأتي كلام المصنف تاما في ذلك فهذا بعضه "فلا معنى لاعتراض زين الدين بذلك على ابن الصلاح والنووي" لا يعزب عنك أن الزين نقل عن الأموري الأشبيلي الاتفاق على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله
ـــــــــــــــــــ
1 مسلم في: الزكاة حديث 167, 168. وأبو داود في: الإمارة ب 20. والنسائي في: الزكاة ب 95. وأحمد 3/402.
2 أبو بكر محمد بن خير الأشبيلي كان محدثا متقنا أديبا نحويا لغويا ولم يكن له نظير في هذا الشأن مات سنة 575هـ. له ترجمة في: العبر4/225. وتذكرة الحفاظ 4/1366.
3 البخاري 1/38. وأبو داود 3651. وأحمد 1/78, 167.

عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القوم مرويا ولو على أقل وجوه الروايات فلعله يقول من روي بالوجاده فقد روي على وجه من وجوه الرواية ولعله المراد بأقلها فهو حينئذ داخل تحت شرط الاتفاق فليس كلام الزين اعتراضا على ابن الصلاح ومن تبعه لأن ابن الصلاح شرط في النقل مقابلة المنقول منه على أصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة وهذا نقل بوجادة صحيحة ثم نقل الزين تقرير ذلك عن الأموي وأنه اتفاق فأين الاعتراض إلا أنه لا يخفي أن كلام الأموي في الرواية عنه صلى الله عليه وسلم جزما ونسبة الحديث إليه وكلام ابن الصلاح في النقل والنقل أعم من الرواية إذ قد يكون للعمل لا للرواية ولهم في العمل شرائط غير شرائط الرواية كن يأتي وقد يقال أنه إذا امتنع في الوجادة أن يقال حدثنا امتنع فيما أن يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وحينئذ فلا تكون الوجادة طريقا للرواية بلفظ قال فلا يفسر بها أقل وجوه الرواية في كلام الأموي فتأمل.
"وأما قوله في بعض الروايات من كذب علي مطلقا من غير تقييد فالمطلق يحمل على المقيد" فيكون الحكم للمقيد "وشواهد هذا التقييد كثيرة في القرآن" {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. ونحوها وكثيرة في السنة: "رفع عن أمتي الخطأ" 1 ونحوه "ولم يسلم من الوهم في الروايات أحد من الثقات غالبا والله أعلم" قد عرفت أن الكذب عند الجمهور ما لم يطابق الواقع فمن أخبر به متعمدا كان كاذبا آثما ومن أخبر به غير متعمد كان كاذبا غير آثما فالواهم غير آثم قطعا.
إذا عرفت هذا فالراوي بالسماع عن الشيوخ مثلا حاك عنهم أنهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فهو غير كاذب قطعا ولو فرض أن الحديث كذب في نفس الأمر وكذا من رواه بأي الطرق الآتية فإنه راو لما كاتبه به فلان أو وجد بخطه أو أجاز له أن يروى عنه.
نعم لا بد أن يعرف من حدثه أو وجد بخطه صادق فيا رواه وإلا كان راويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجوز أنه كذب وراوي الكذب أحد الكذابين.
ـــــــــــــــــــ
1 ابن ماجة في: الطلاق: ب 16.

مسألة 13 [في بيان القسم الثاني: وهو الحديث الحسن]
ولما فرع المصنف من التكلم على الصحيح أخذ في التكلم على الحسن فقال "القسم الثاني الحسن" تقدم له أنه قسم الخطأ بي الحديث إلى ثلاثة أقسام ثانيهما الحسن.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إثبات الحسن اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح ثم قد يكون متروكا هو أن يكون رواية متهما أو كثير الغلط وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب قال وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من صحاب القياس "وفيه" أي وفي هذا البحث المذكور فيه الحسن "ذكر شروط أهل السنن الأربعة" وشروط "أهل المسانيد وغيرهم" كأنه يريد أهل الأطراف.
"اختلفت أقوال الأئمة" من أهل الحديث "في حد الحديث الحسن فقال" في تعريفه "أبو سليمان الخطابي الحسن ما عرف مخرجه" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال الحافظ ابن حجر إنه فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلد كقتاة في البصريين وأبي اسحق السبيعي في الكوفيين وعطاء في المكيين وأمثالهم فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة مثلا كان مخرجه معروفا وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا "واشتهر رجاله" أي كان رجال سنده مشهورين غير مستورين وعرفه الحافظ في النخبة بتعريف الصحيح وإنما فرق بينهما بخفة الضبط في رجال الحسن ومثله صنع المصنف في مختصره في علوم الحديث "وعليه مدار أكثر أهل الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء انتهى كلام الخطابي قال زين الدين: ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن قوله ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وعن حديث المدلس قبل أن يبين تدليسه" لا يخفي أن كلام ابن العربي الذي نقلناه آنفا دال على أنه خرج بذلك

القيد الشاذ.
"قال الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل الصحيح في حد الحسن" على تعريف الخطابي قال الشيخ تقي الدين متأولا للخطابي "وكأنه" أي الخطابي "يريد ما لم يبلغ درجة الصحيح" قد أجاب عن هذا الشيخ أبو سعيد العلائي فقال إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف الحسن فقط أما وقد عرف الصحيح أولا ثم عرف الحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله عرف مخرجه واشتهر رجاله ما لم يبلغ درجة الصحيح ويعرف هذا من مجموع كلامه انتهى.
قلت: هذا هو الجواب الذي أشار إليه الشيخ تقي الدين آخرا لكنه أورد عليه الحافظ ابن حجر أنه على تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط انتهى.
قلت: ويقال للحافظ وكذلك تعريفك الحسن في النخبة وشرحها بقولك فإن خف الضبط أي قل مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح فحسن لذاته غير منضبط أيضا فإن خفة الضبط أمر مجهول ومثله تعريف المصنف له في مختصره والجواب بأنه مبني على العرف أو على المشهور غير نافع إذ لا عرف في مقدار خفة الضبط.
"قال الشيخ تاج الدين التبريزي في كلام الشيخ تقي الدين نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن ودخول الخاص" وهو الصحيح هنا في "حد العام" وهو الحسن هنا "أمر ضروري" لوجود العام في ضمن قيود الخاص ضرورة أن الخاص هو العام وزيادة "والتقييد بما يخرجه" أي الخاص "عنه" أي عن حد العام "مخل للحد" فإنه ليس ذلك حقيقة العام والخاص.
"قال زين الدين: وهو اعتراض متجه" قال الحافظ بن حجر بين الحسن والصحيح عموم وخصوص من توجه وذلك بين واضح لمن تدبره فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن انتهى.
"قلت: بل هو" أي تنظير التبريزي "اعتراض غير متجه" على ابن دقيق العيد "لأن العموم والخصوص إنما يقع على الحقيقة في الحدود الحقيقية المعرفة للذوات المركبة المشتملة على الأجناس والفصول وليس في الحديث الصحيح والحسن شيء من ذلك" قد عرفت مما سلف أن رسم الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله...

إلخ ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه إلى آخره فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين إنما اختلفت صفة خفته وخلافها فقد تغايرا تغاير الخاص والعام فكل صحيح حسن وزيادة كما أن كل إنسان حيوان وزيادة والعموم والخصوص يجري بين المفاهيم عرضية كانت أو ذاتية نعم رسم الترمذي للحسن على ما سنحققه مغاير لرسم الصحيح مغايرة ظاهرة فإنه لا يشترط فيه الاتصال الذي لا بد منه في الصحيح لعدم اشتراطه في رجال ما يشترط في رجال الصحيح فأما قول الحفاظ إن بينهما عموما وخصوصا من وجه فلا يتم على تقدير إرادة الحسن لذاته أو الحسن لغيره بل على الأول بينهما عموم وخصوص مطلق وعلى الثاني: بينهما تباين كما ستعرفه وقول المصنف "لأن لكل واحد منهما" أي من الصحيح والحسن "أمارة يجب العمل عندها وبعضها أقوى في الظن من الأخرى" صحيح لكنه لا ينافي كون أحدهما أخص من الآخر بل فيه الإقرار بأنه قد جمعهما وجوب العمل كما يجمع العام والخاص أمر يعمهما ثم يفترقان بأمر يختص به أحدهما "لا أن القوية" أي الإمارة القوية هي أمارة الصحيح "متركبة من الضعيفة" وهي أمارة الحسن "ومن أمر آخر" أي كما هو شأن الذاتيات مثل الإنسان والحيوان فإن الخاص مركب من الأعم بزيادة قيد الناطقية مثلا ويجاب بأنه قد حصل في مفهوم الرسمين من التغاير ما يحصل بين العام والخاص وأما كونه ذاتيا أو غير ذاتي فليس التغاير يختص بالذاتيات بل يقع بين المفاهيم وهو المراد هنا وقوله "فإن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين لم يتركب من الحديث الحسن المروي عن ابن اسحق ومن الحديث الصحيح المروي عن ابن سيرين وأمثال ذلك" خارج عم محل النزاع إذ الكلام في رسم الصحيح والحسن ومفهومها لا في معروضها فهو انتقال من المعارض وهو الصحيح والحسن إلى المعروض وهو أفراد الأسانيد.
"وبالجملة فالحد الحقيقي" أي التام وهو الذي يجمع الجنس والفصل القريبين والناقص من الحد ما كان بالجنس البعيد والفصل القريب والرسم التام ما كان بالجنس القريب والخاصة والرسم الناقص ما كان بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد "متعذر هنا" بل قد قيل إنه غير مقطوع به في مثل الحيوان الناطق الذي جزم به المناطقة بأنه حد حقيقي لجواز أنهما ليسا ذاتيين وعلى تجويز ذلك فيجوز أنهما غير قريبين "وإنما تفيد تمييز الاعتبارات المصطلح عليها بعضها من بعض" قد قدمنا لك هذا بعينه

في أو ل بحث الصحيح فتذكر "وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن فال حاجة إلى التطويل فيه" قد عرفت قريبا أقسام التعريف الأربعة للحد والرسم إلا أن هاهنا بحثا وهو أن الرسوم يقال لها تعاريف كما يقال للحدود إذ تعريف الشيء هو الذي يلزم من تصوره تصور ذلك الشيء أو امتيازه عن كل ما عداه كما هو معروف في كتب الميزان الرسالة الشمسية وغيرها فالرسوم لا بد فيها من جنس قريب وخاصة وهو التام أو خاصة فقط أو مع الجنس البعيد وهو الناقص فإذا عرفت هذا عرفت أن العموم والخصوص يجري في الرسوم كما يجري في الحدود.
"وقال أبو عيسى الترمذي" وهو محمد بن سورة "في العلل التي في أواخر الجامع ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده وحقيقته" عنده "هو كل حديث يروى ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حسن" قلت: قد أورد على كلام الترمذي أنه لا حاجة إلى قوله ولا يكون شاذا إذ قوله ويروى من غير وجه يغني عنه وقال الحافظ ابن حجر ليس في كلامه تكرار والشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء تفرد به أو لم يتفرد كما سرح به الشافعي وقوله ويروي من غير وجه شرط زائد على ذلك وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا وحمل كلام الترمذي على الأول أولى لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد سيما في التعاريف انتهى.
"قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المواق" عبارة الزين ابن المواق معترضا على الترمذي "لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" فإن شرائط الحسن هذه لا بد منها في الصحيح "فلا يكون" الحديث "صحيحا إلا وهو غير شاذ" كما عرفت في رسم الصحيح "ويكون رواته غير متهمين" لأنا قلنا في رسمه بنقل العدل الضابط والمتهم غير عدل "بل ثقات فظهر من هذا" الرسم الذي ذكره الترمذي للحسن "أن الحسن عند أبي عيسى صفى لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيه الصحيح قال" أبو عبد الله "فكل الصحيح عنده حسن وليس كل حسن عنده صحيحا" ظاهر كلامه أن الترمذي أتى بقيود الصحيح في رسم الحسن ولم يميزه بقيد يخصه به وإذا كان كذلك فقياسه أن يقول فكل صحيح حسن وكل حسن صحيح.
"قلت: هذا" أي القول بالأعمية والأخصية المطلقة "مثل كلام تاج الدين" التبريزي

"المقدم" وقد رده المصنف بما رددناه "وليس ما قاله" ابن الموإق "بلازم للترمذي" من اتحاد الصحيح والحسن "لأنه يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة" .
قلت:كلامهم كلهم ومنهم المصنف في مختصره وقد نقلنا عبارته قاض بأنه لا يخالف الحسن الصحيح إلا بخفة ضبط رواته لا بضعف العدالة على أن في تحقق ضعف العدالة تأملا لا يخفي "وقوة الحفظ والإتقان" هذا صحيح وبهذا تعرف أن الحسن يتميز عن الصحيح بزيادة شروط في القيود ولا يخفي أن الحافظ ابن حجر والمصنف لم يفرقا بين الصحيح والحسن إلا بخفة ضبط الراوي فقط وزاد المصنف هنا الإتقان في شرائط رواة الصحيح ولم يذكره فيما مضى إلا أن يقال إن قولهم في حد الصحيح الضبط التام عبارة تفيد شرطية الإتقان "ما لا يشترط في رجال الحسن" حينئذ فالحسن يتميز عن الصحيح بزيادة قيود في شروط الصحيح وقد عرفت غير مرة أنه لم يفرق المصنف والحافظ ابن حجر بين الحسن والصحيح إلا بخفة ضبط الراوي لا غير.
"ولكن يعترض عليه" أي على الترمذي "كونه لم يورد ذلك" أي لم يورد ما يدل على اشتراطه بقوة رجال الصحيح عدالة وحفظا وإتقانا وقد يقال إذا لم يورد ذلك فبأي شيء عرف أنه يشترطه فأجاب بأنه "يمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب لأن الثقة الحافظ لا يوصف في عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط لأن عدم التهمة بذلك قد يوصف بها الضعفاء" الذين ضعفوا بسوء الحفظ أو الغفلة أو نحو ذلك "وقد بين مراده بقوله بعد ذلك ويروي من غير وجه نحو ذلك يعني حتى ينجبر ما فيه من الضعف" فإنه لما خص رسم الحسن بهذا الاشتراط كان قرينة قوية على مراده في صفات رجاله وإلا لو حملنا صفة رجال الصحيح للزم من زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح والمعلوم خلافه على أنه لا يتم هذا إلا في القسم الثاني: من الحسن كما ستعرفه من كالم المصنف "وغرض الترمذي إفهام مراده لا التحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود" من دعوى العموم والخصوص وقد عرفت ما فيه.
"وأورد الشيخ زين الدين على كلام الترمذي هذا سؤلا متجها" وذلك أنه شرط في الحديث أن يروي من غير وجه "وهو أنه قد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد

كحديث إسرائيل" بن يونس بن أبي اسحق السبيعي "عن يوسف بن أبي بردة" بن أبي موسى الأشعري "عن أبيه" أبي بردة "عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك قال" الترمذي "فيه" بعد روايته له "حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف عن أبي برده ولا يعرف في هذا إلا حديث عائشة" فوصفه بالحسن مع تصريحه بأنه لا يعرف هذا الباب غيره فدل على أنه لم يأتي من وجه آخر فكان نقضا لما رسم به الحسن.
"وأجاب الشيخ أو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير ما كان روايته في درجة المستور" ويأتي تعريفه "ومن لم تثبت عدالته" ولا يخفي أن هذا زيادة قيد لم صرح به الترمذي "وأكثر ما في الباب من أن الترمذي عرف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه" والنوع الذي قد عرفه وهو ما كان في رواته مستور ومن لم تثبت عدالته وحديث عائشة هذا ليس فيه مستور ولا من لم تثبت عدالته.
"قلت: أظن أن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف له عن أبيه عن عائشة ولم يتابع يوسف على هذا أحج ويوسف ثقة بغير خلاف" وإذا كان كذلك فلا يشترط أن يأتي من وجه آخر "وأما إسرائيل فمختلف فيه" فلا بد بالنظر إليه من إتيان الحديث من وجه آخر وهذا مبني على أن مراده أي أبي الفتح اليعمري بقوله ومن لم تثبت عدالته لم يتفق على عدالته ليقابله المصنف بقوله مختلف فيه "لكنه لم ينفرد" إسرائيل "بالحديث عن يوسف" حتى يلزم أنه حديث فيه من لم تثبت عدالته ولم يرو من وجه آخر بل قد رواه عن يوسف غير إسرائيل إذا عرفت هذا "فالحديث حسن" أي من هذا النوع من الحسن "بالنظر إلى رواية إسرائيل ويغره من الضعفاء" لأنه قد وجد في رواته من لم تثبت عدالته وقد روي من وجه آخر عن جماعة من الضعفاء "عن يوسف" فهو من هذا النوع أعني الحسن الذي عرفه المصنف لاجتماع الشرائط فيه "وغريب بالنظر إلى تفرد يوسف بروايته عن أبيه عن عائشة" فيتم وصفه بالحسن والغرابة لوجودهما فيه.
واعلم أن إسرائيل اعتمده الشيخان في الأصول وقال الذهبي في الميزان1 هو في الثبت كالأسطوانة فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعفه وقال أحمد بن حنبل ثقة
ـــــــــــــــــــ
1 1/20/- 209//820.

وكان يتعجب من حفظه وقال الحافظ ابن حجر في التقريب1ثقة تكلم فيه بلا حجة وأما يوسف بن أبي برده فقال مقبول ولم يذكر فيه قدحا ولا ذكره الذهبي في الميزان لأنه ليس على شرطه.
"وقال ابن الجوزي2 في العلل المتناهية وفي الموضوعات" كتاب ابن الجوزي "الحديث الذي فيه ضعف قريب3 محتمل4 هو الحديث الحسن بشرط الترمذي" الذي عرفته في التحسين.
"وقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر" في القاموس أمعن في الأمر أبعد وعبارته قد أمعنت النظر في ذلك والبحث "جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي" كأنه من تنقيح الشعر تهذيبه "واتضح أن الحديث الحسن" في اصطلاحهم في كلامهم "قسمان أحدهما الذي لا تخلو رجال إسناده من مستور" فسر الحافظ ابن حجر في التقريب المستور بقوله بأنه من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق قال وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال وفي شرح ملاقاري للنخبة وشرحها لابن حجر أن المستور الذي لم يتحقق عدالته ولا جرحه وقال السخاوي المستور الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما وفي حاشية تلميذه أن الراوي إذا لم يسم كرجل سمي مبهما وإن ذكر مع عدم تمييز فهو المهمل وإن لم يتميز ولم يرو عنه إلا واحد فمجهول وإلا فمستور انتهى ويأتي
ـــــــــــــــــــ
1 1/64/460.
2 ابن الجوزي هو: الإمام العلامة الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الصديقي الحنبلي الواعظ حصل له من الخطوة في الوعظ ملم يحصل لأحد قط. قال الذهبي: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه مات سنة 597. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/28, والعبر 4/297.
3 ضعف قريب: أي ذاتي أو نسبي فهو شامل للحسن لذاته والحسن لغيره أما الحسن لذاته فهو ضعيف بالنسبة للصحيح وأما الحسن لغيره فهو ضعيف أصالة وإنما جاء الحسن مما عضده فاحتمل الضعف لوجود العاضد.
ومعنى قربه: أنه غير شديد الضعف ومعنى شدة ضعفه عدم تأثيره في الاحتجاج به. حاشية الأجهوري ص 24.
4 محتمل: بضم الميم الأولى وفتح الثانية أي مغتفر أي لم يؤثر في الاحتجاج وذكره بعد قريب توكيد له. حاشية الأجهوري ص 24.

للمصنف كلام ف المستور غير هذا "لم تتحقق أهليته غير أنه لي مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر من ه الكذب في الحديث ولا" متهم "بسبب آخر مفسق" هذا في الراوي "و" في المروي "يكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن يروي مثله أو نحوه من وجه آخر" والمثل ما يساويه في لفظه أو معناه والنحو ما يقاربه في معناه "أو أكثر حتى" يكون قد "اعتضد بمتابعة من تابع راوية على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر مثله فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل" قال الحافظ ابن حجر إن المعرف عند الترمذي هو حديث مستور.
قلت: وهذا كما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن وليس هو نفي التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور بل يشترك فيه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالخطأ والغلط وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهو أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب ولا يكون الإسناد شاذا وأن يروي مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا وليس كلها في المرتبة على حد سواء بل بعضهم أقوى من بعض ومما قوي هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا بل أطلق ذلك ولهذا وصف كثيرا من الأحاديث المتقطعة بكونها حسانا.
ثم قال فمن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين", قالت: نعم, الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن1 وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأبي حدرد وذكر جماعة غيرهم وعاصم بن عبيد الله قد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه وقد حسن الترمذي حديثه هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 1113, وأحمد 3/445, والبيهقي 7/138, وابن عساكر 7/127.

ومثال ما حسنه وهو من رواية الضعيف الموصوف بالخطأ والغلط ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس عن مجالد بن أبي الوداك عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت آية المائدة سألت رسول لله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه ليتيم, فقال صلى الله عليه وسلم: "أهر يقوه...", الحديث فقال هذا حديث حسن1.
قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حديث أنس وغيره.
ثم قال ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه ما رواه من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا حديث حسن2.
قلت: والمسعودي اسمه عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد بعد أن اختلط وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضهما عند المصنف أيضا ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثني بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بربده عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين", قال هذا حديث حسن3 وقد قال بعض أهل العلم لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة.
قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روي هذا بصيغة العنعنة وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود وغيره.
ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد ما رواه من طريق عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 5/167, ومسلم في: الصيد: حديث 33, وابن ماجة 3195. وأبو داود في: الأشربة: ب 7.
2الترمذي في: الصلاة: ب 152. حديث: 364. وأحمد 4/253.
3 الترمذي 982. والنسائي 4/6. وابن ماجة 1452. وأحمد 5/357, 360.

لعمر في العباس رضي الله عنه: "إن عم الرجل صنو أبيه" وكان عمر تكلم في صدقته وقال هذا حديث حسن1.
قلت: أبو البختري اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي رضي الله عنه فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث بريدة وغيره.
وأمثلة ذلك عنده كثيرة ثم ساق الحافظ منها شطرا صالحا وذكر تصريح الترمذي بوصفه لأحاديث بالحسن مع تصريحه بانقطاعها فإنه قال في محلات هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل ثم قال الحافظ وذلك مصير منه إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية وإذا تقرر ذلك كان من رأيه أي الترمذي أن جميع ذلك إذا اعتضد بمجيئه من أوده أخر نزل منزلة الحسن احتمل أن لا يوافقه غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه ما إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكون حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده فيه. انتهى.
قلت: وبه تعرف عدم ورود ما أورده بدر الدين ابن جماعة على ابن الصلاح أنه يلزم حيث نزل كلام الترمذي على هذا القسم دخول المرسل والمنقطع في رسم الحسن عند الترمذي إذا كان في رجالهما مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر لما عرفت من التزامه دخول ذلك في رسم الحسن إذا روي من وجه آخر حسن لأنه لا يشترط الاتصال في الحسن وهو شرط في الصحيح اتفاقا وتعرف أيضا أن الحسن على اصطلاحه غير الحسن على اصطلاح الحافظ ابن حجر والمصنف كما أشرنا إلى ذلك.
"القسم الثاني" : من الحسن "أن يكون رواية من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لا يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به منكرا قال" أي ابن الصلاح "ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا أو منكرا سلامته" نائب يعتبر "من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني: ينزل كلام الخطابي" حيث قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله كما نقله عنه المصنف آنفا "قال" أي ابن الصلاح "فهذا كلام جامع لما تفرق في كلام من
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي في: المناقب ب 28. ومسلم في: الزكاة حديث 11. وأحمد 1/94.

بلغنا كلامه في ذلك قال وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن" بتعريفه الماضي "وذكر الخطابي" فيما مضى من كلامه "النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه مشكل أو أنه غفل عن البعض" أي غفل كل واحد من الترمذي والخطابي عما تركه "وذهل انتهى كلام ابن الصلاح في تعريف الحسن" .
قال الحافظ ابن حجر بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثالثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف وأما الذي سكت عنه وهو حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه عنده ليس من قبيل الحسن فقد صرح بأن رواية المجهول م قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل والمستور قسم من المجهول وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا بل المعروف عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف ولا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن.
"قال" أي ابن الصلاح "ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من تصرفات الحاكم وهو لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم فهو إذا اختلاف في العبارة انتهى" .
واعلم أنه تحصل من الأبحاث السابقة أن الحسن قسمان :
حسن لذاته وهو الذي قصد الخطابي تعريفه والذي عرفه الحافظ ابن حجر في النخبة والمصنف في مختصره فإنهما رسما الصحيح برسمه المعروف ثم قال فإن خف الضبط فهو حسن لذاته وظاهر كلامهما أنه لا يفارق الصحيح إلا بخفة الضبط لا غير ولذا قال ابن الصلاح: إن رجاله رجال الصحيح لكنهم يقصرون عنهم في الحفظ والإتقان وهذا هو الذي يقال إنه أعم من الصحيح مطلقا والصحيح أخص منه وهذا القسم يشترط فيه الاتصال ولذا نقل المصنف عن البعض أن قول الخطابي ما عرف مخرجه احتراز عن المنقطع وهذا هو القسم الثاني: الذي ذكره ابن الصلاح فيما نقله عنه المصنف ونزل عليه كلام الخطابي وهذا القسم لم يتعرض له الترمذي إذ ليس من اصطلاحه وهو الذي أدرجه بعض المحدثين في الصحيح والقسم الثاني: هو ما وقع عليه اصطلاح الترمذي وهو الذي لم يشترط فيه الاتصال ولا عدم تدليس راوية ولا وصفة بالغلط والخطأ ولا عدم ضعفه ولا عدم سماع الراوي من شيخه بعد

الاختلاط كم قررناه كله بأمثلته عن كلامه وإنما اشترط أن يروي من غير وجه نحو ذلك فهذا يوصف بالحسن عند الترمذي وهو بهذا الرسم مباين للصحيح لا يلاقيه بعموم ولا خصوص مباين للحسن أيضا المعنى الأول.
قلت: ومن هنا تعرف أن كلام ابن المواق غير صحيح حيث زعم أن كل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا بل هما عنده متباينان إن كان رأي ابن المواق في الصحيح رأي الجمهور وإنما هذا العموم والخصوص يجري في الحسن لذاته الذي رسمه الخطابي وغيره وتعرف أن قول المصنف فيما سلف إن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن غير صحيح فإن الترمذي لم يشترط في رجال الحسن إلا عدم التهمة بالكذب ولم يشترط عدالة ولا إتقانا لا قويا ولا ضعيفا وكيف يشترطهما وقد جعل من أقسام الحسن رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ورواية من روي عمن سمع عن المختلط ما سمعه منه اختلاطه وكيف وهو لا يخلو رجال إسناده عن مستور والمستور من لم يوثق وإنما هذه القيود التي ذكرها المصنف قيود الحسن لذاته فسافر ذهنه الشريف من أحد الحسنين إلى الآخر فوصف ما هو حسن بالغير بصفة ما هو حسن بالذات.
تنبيه عرف المصنف الحسن في مختصره بقوله فإن خف وكان له من جنسه تابع أو شاهد فالحسن وعرفه الحافظ ابن حجر في النخبة1 بقوله فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته وقد عرفت مما قدمناه أن الحسن لذاته لا يحتاج إلى شاهد وتابع وهذا هو الحسن لذاته الذي عرفه الخطابي.
و الثاني : وهو الذي يحتاج إلى شاهد وتابع هو الحسن لغيره وهذا هو الذي أراده الترمذي وحملوا عليه عبارة الترمذي فإذا عرفت هذا عرفت أن المصنف رحمه الله خلط التعريفين فأخذ خفة الضبط من رسم الحسن لذاته وأخذ اعتبار الشاهد والتابع من رسم الحسن لغيره فإن الحسن للغير لا يلاحظ فيه خفة ضبط رواته بل يقبل مع حصول ضعف الراوي أو غلطه كما لا يلاحظ الشاهد أو التابع في رسم الحسن لذاته فرسم المصنف غير صحيح على التقديرين ولا يقال هذا اصطلاح له لأنه بصدد بيان اصطلاح أئمة الحديث.
ـــــــــــــــــــ
1 ص 33.

"فإن قيل هل يجوز العمل بما حكم الترمذي بتحسينه وتصحيحه" لإخفاء أن الكلام في تحسين الترمذي فذكر تصحيحه استطراد لأجل العلة المذكورة "فإن ابن حزم قد زعم أنه" أي الترمذي "مجهول" والمجهول لا يعتبر تحسينه ولا تصحيحه "وأن الحفاظ قد يعترضونه في بعض ما يحسنه أو يصححه" ويثبتون أنه يصحح حديث من لم يجتمع فيه صفات رواة الصحيح ويحسن حديث من ليس حديثه بحسن "مثل حديث الصلح جائز بين السملين فإنه رواه" الترمذي1 "من طريق كثير" بالمثلثة "ابن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ثم صححه وهذا الرجل" يعني كثيرا "متروك بالمرة ولم ينقل له توثيق عن أحد من أهل الحديث بل قال الشافعي وأبو داود إنه ركن من أركان الكذب وقال ابن حبان له رواية عن أبيه عن جده نسخة موضوعة" قال الذهبي في ترجمته في الميزان2 قال ابن معين ليس بشيء وضرب أحمد على حديثه وقال الدار قطني وغيره متروك وقال أبو حاتم ليس بالمتين وقال النسائي ليس بثقة.
"وقال الذهبي" في الميزان "وأما الترمذي فروى له حديث: "الصلح جائز يبن المسلين" وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي انتهى كلامه في الميزان في ترجمة كثير بين عبد الله المذكور قلنا قد قال الذهبي" في الميزان "في ترجمة الترمذي إنه حافظ علم ثقة مجمع عليه ولا الثقات إلى قول أبي بكر محمد بن حزم فيه إنه مجهول فإنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع ولا" كتاب "العلل التي له انتهى كلامه" .
وقال الذهبي في التذكرة قال ابن حبان3 في كتاب الثقات كان الترمذي ممن جمع وصنف وحفظ وقال أبو سعيد الإدريسي كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري ولم يخلف بخرسان مثل أبي سعيد في العلم والحفظ والورع والزهد بكى حتى عمي وصار ضريرا سنين.
ـــــــــــــــــــ
1 رقم 1352. وأبو داود 3594. وابن ماجة 2352. وأحمد 2/366.
2 3/407/6943.
3 ابن حبان هو: الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي صاحب التصانيف ولي قضاء سمرقند وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار عالما بالنجوم والطب وفنون العلم مات سنة 354. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/295. وشذرات الذهب 3/16. والنجوم الزاهرة 3/342.

وقال فيها أيضا قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي الجامع يريد كتاب الترمذي على أربعة أقسام قسم مقطوع بصحته وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا وقسم أخرجه الصدر وأبان عن علته وقسم رابع أبان عنه فقال ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء وقال فيها قال الترمذي صنفت كتابي هذا وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب يعني الجماع فكأنما في بيته نبي يتكلم. انتهى.
"وفيه" أي في كلام الذهبي "ما يدل على جواز الاعتماد على تصحيح الترمذي وتحسينه لانعقاد الإجماع" الذي حكاه الذهبي "على ثقته وحفظه في الجملة ولكنه لما ندر منه الغلط الفاحش استحسنوا اجتناب ما صحح أو حسن" ولما كان ظاهر كلام الذهبي التدافع وأنه لا يقبل تصحيح الترمذي ولا تحسينه ودفعه المصنف بقوله "وأما قول الذهبي أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه فلعله يريد لا يعتمدون على تصحيحه فيما روي عن كثير بن عبد الله كما ذلك موجود في بعض النسخ" أي من الميزان "وقد قال ابن كثير الحافظ في إرشاده وقد نوقش الترمذي في تصحيح هذا الحديث" ففي عبارته إرشاد إلي أن المناقشة في تصحيح هذا الحديث بخصوصه لا في كل ما صححه.
"قلت: هذا خطأ نادر والعصمة مرتفعة من الأئمة الحفاظ والعلماء وقد نص مسلم أنه ربما أخرج الحديث في صحيحه من طريق ضعيف لعلوه والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من ريق العدول ولكن بإسناد نازل روي هذا النووي في شرح مسلم عن مسلم تنصيصا" عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري فقال مسلم إنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد روي الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى "وكذا الترمذي يحتمل أنه صحح هذا الحديث لثبوته من غير طريق كثير بن عبد الله المزني هذا فالحديث روي من غير طريق" أي من طرق كثيرة "وقد رواه الحاكم أبو عبد الله في مستدركه من طريق كثير بن زيد المدني عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا" في الميزان كثير بن زيد الأسامي المدني قال أبو زرعة صدوق فيه ليس وقال النسائي ضعيف والوليد بن

رباح بالراء والموحدة آخره مهملة قال في التقريب صدوق ولم يذكره الذهبي في الميزان.
"وقال الحاكم: صحيح على شرطهما" ولكن كثير بن زيد لم يخرجا له "وهو مقرون بعبد الله بن الحسين المصيصي" نسبة إلى مصيصة بمهملتين بينهما مثناة تحتية بزنة سفينة ولا تشدد بلد الشام كما في القاموس قال في الميزان في ترجمة عبد الله بن الحسين المصيصي قال ابن حبان يسرق الأخبار ويقلبها ولا يحتج بما انفرد به فقول المصنف "وهو ثقة" عجيب فلم يوثقه أحد في الميزان ولا ذكره الحافظ في التقريب "وأخرج الحاكم له شاهدين عن أنس وعائشة رواهما من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري" في الميزان عبد العزيز بن عبد الرحمن النابلسي عن خصيف اتهمه أحمد وقال النسائي ليس بثقة وضرب أحمد على حديثه عن خصيف بالمعجمة فصاد مهملة مصغر في التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ خلط بأخرى رمي بالإرجاء وفي الميزان إنه ضعفه أحمد وقال مرة ليس بقوي وقال ابن معين صالح وقال مرة ثقة.
إذا عرفت هذا فقد وقع للمصنف سبق قلم يجعله عبد العزيز جزريا وهو نابلسي وإنما الجزري خصوف ثم قد عرفت أن المصنف أراد حمل تصحيح الترمذي لحديث كثير على ما قاله مسلم إذا روى الحديث عن ضعيف فهو لعلوه هو ثابت عن العدول بنزول وهذه الطرق الثلاث التي ساقها المصنف كلها لا تخلو عن مقال فلم يثبت حديث كثير عن العدول حتى يكون صحيحا على نحو ما قاله المصنف بل غابة ما تفيده هذه الطرق أن تصيره حسنا لغيره على رأي الترمذي على أنه لا يصح ذلك هنا على رأيه لأنه إما جعل حديث المستور أو الضعيف أو أحد الخمسة التي ذكرناها حسنا لغيره إذا روي من طرق وأما حديث من قال فيه الأئمة إنه ركن من أركان الكذب فلا ينطبق عليه ما قاله الترمذي من أنه حسن لغيره وحينئذ فلا يتم أن حديث كثير صحيح ولا حسن على القولين.
إذا عرف هذا فلم يبق عذر للترمذي في تصحيحه لحديث كثير بن عبد الله إلا قول المصنف إن هذا خطأ نادر وإن العصمة مرتفعة عن الحفاظ والعلماء وأما هذه التكلفات التي أراد بها المصنف ترويج ما وقع من تصحيح الترمذي لحديث كثير فإنها لم تفد ما دندن حوله وقد نسبه إلى غيره بقوله "ذكر ذلك الإمام الحافظ تقي الدين في

كتابه الإلمام" لا شك في إمامة الشيخ تقي الدين فإن كان ما ذكره المصنف كله عنه ففيه ما سمعته من نصوص أئمة الحديثة في رجال ما ساقه من الأحاديث وأنه لا يتم معها صحة تصحيح حديث كثير ولا تحسينه.
"وذكر الحافظ ابن كثير الشافعي في إرشاده أن أبا داود روى الحديث عن أبي هريرة بإسناد حسن هذا كله مع شهادة القرآن بذلك في قوله "والصلح خير" وفي قوله "أو إصلاح بين الناس" لكن عرفت أن الشواهد على تنفع في حديث من جزم بكذبه إنما تنفع فيما ذكرناه من أنواع الحسن لغيره وكأنه استشعر المصنف أنه يقال فإذا أثبت الحديث من طريق حفاظ لا مغمز فيهم فلم اختار الترمذي إيراده من طريق كثير فقال "وأما اختيار الترمذي لإسناد الحديث من طريق كثير بن عبد الله فيحتمل وجهين أحدهما أنه لم يرد بالسماع من غير طريقه وقد عرفت قوته وصحته" من طرق "بالوجادة والإجازة ومذاكرة الشيوخ" لا يخفى أن المصنف قد اجتهد في البحث عن طرقه فذكر تلك الطرق التي لم تنهض على صحته ولا حسنه "وثانيهما أن يكون قد رواه من طرق كثيرة في كل منها فقال فاكتفى بإيراد أحدهما كما قد صح عن مسلم أنه كان يفعله" يريد ما تقدم من نصه لكنه قال إنه لا يفعل ذلك إلا والحديث معروف عند أئمة هذا الشأن من رواية العدول ولم يتم هذا في حديث كثير كما عرفت "وكما صح عن أبي داود أيضا أنه كان يفعله بل قد صح عن البخاري مثل ذلك ولكنه قليل فأنه قد روى نادرا في الصحيح عمن ضعفه في تاريخه" فيه ما سلف.
"ومما يدل على ذلك" أي على أن حديث كثير ثابت من غير طريقه "أن الترمذي قد روى حديث التكبير في صلاة العيدين من طريق كثير بن عبد الله هذا وحسنه" لفظ الترمذي1 ثنا مسلم بن عمرو وأبو عمر المدني ثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الأخرى خمسا قبل القراءة وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى يعني الترمذي حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم: واسمه عمرو بن عوف المزني والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب
ـــــــــــــــــــ
1 في: الجمعة ب 34. حديث 536.

النبي صلى الله عليه وسلم: وغيرهم وهكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى في المدينة نحو هذه الصلاة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد واسحق انتهى "ولم يصححه فلو كان تصحيحه لحديث الصلح اعتمادا على كثير بن عبد الله لصحح حديثه في صلاة العيدين ولكنه حسن حديثه في صلاة العيد لقصور شواهده عن مرتبة الصحة" لا يخفى أنه ذكر الترمذي لحديث كثير شواهد عن ثلاثة من الصحابة وأنه عمل أهل المدينة وأنه ذهب غليه أربعة من أئمة المذاهب فهذه الشواهد حسنة وإن كنا عرفناك أنه لا يتم تحسين حديث من قيل إنه كذاب "وصحح حديثه" أي كثير "في الصلح لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة" .
اعلم أنه تطابق الأئمة الثلاثة الذهبي وابن كثير والمصنف على أن الترمذي صحح حديث كثير في الصلح وراجعت الترمذي فرأيت فيه ما لفظه بابا ما جاء في الصلح حدثنا الحسن بن علي الخلال ثنا أبو عامر العقدي ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلين إلا صلحا حرما حلالا أو أحل حراما والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" انتهى. بلفظه ولم يتبعه بحرف واحد من تصحيح ولا تحسين بل قال عقبه باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه ولا نسخة التي راجعناها ظاهرة الصحة فلينظر غيرها من أراد ذلك.
ثم أنه لم يذكر الترمذي لحديث الصلح هذا شاهدا واحدا وذكر لحديث في تكبير العيد ما عرفت من الشواهد التي حسنه لأجلها وتحسينه له مع كثرة شواهده مما يدلك ذلك أنه لم يصحح حديثه في الصلح أصلا لأنه لم يأت له بشاهد وأما قول المصنف لارتفاع شواهده إلى مرتبة الصحة فقد عرفت أنه نقل المصنف ثلاثة شواهد لا يخلو واحد منها عن القدح فأيمرتبة صحة ترقي حديث الصلح يرتفع بها بل حديثه في تكبير العيد له شواهد أكثر مما سقناها من كلامه فلو صحح للشواهد لصححه لأجلها على أنه لم يمجعل حديث كثير في التكبير حسنا مطلقا بل قال إنه أحسن شيء روي في الباب على أن كلام المصنف هاهنا يناقض ما سلف له تقريبا من التصريح بأنه ضعيف بالمرة أي شديد الضعف مردود وذلك كأن يكون راويه متهما بالكذب فإن حديثه لا يعتد به ولا ترفعه الشواهد إلى درجة المقبول وسبق كلامه في كثير وأنه من أركان الكذب فتدبر.

"والعجب أن ابن النحوي ذكر في خلاصته" أي خلافة البدر المنير "عن البيهقي أن الترمذي قال سألت البخاري عنه يعني حديث كثير بن عبد الله في صلاة العيد فقال ليس في الباب شيء أصح منه" .
قلت: بل العجب أن الحافظ ابن حجر قال في تلخيص الجبير بعد ذكره لحديث عمرو بن عوف في تكبير صلاة العيد إنه قال البخاري والترمذي إنه أصح شيء في هذا الباب انتهى وقد قدمنا لك لفظ الترمذي وأنه قال أحسن شيء في هذا الباب لا أصح ولم ينقل عن البخاري تصحيحه.
"وقال ابن دقيق العيد في الإلمام في هذا الحديث في صلاة العيد إن البيهقي روى عن الترمذي عن البخاري أنه صحيح لكن ابن دقيق العيد رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم عزاه إلى الترمذي وعقبه برواية البيهقي" التي قال فيها إنه قال البخاري إنه صحيح ومحل التعجب أن المنقول عن البخاري إنما هو تصحيح رواية كثير ابن عبد الله ونقل البيهقي عن الترمذي إنما هي في رواية كثير وهي التي
أخرجها الترمذي فاتفق الشيخ تقي الدين وهما أحدهما نقل كلام البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه صحح رواية عمرو بن شعيب الثانية عزوه حديث عمرو بن شعيب إلى الترمذي ولم يرو الترمذي في تكبير العيد إلا حديث كثير ابن عبد الله "ورواية عمرو بن شعيب منسوبة إلى أبي داود وأحمد وابن ماجه في كثير من كتب الأحكام المستخرجة من الكتب الستة ولم يضفها أحد إلى الترمذي وكذلك هي غير موجودة في جامع الترمذي من طريق عمرو ابن شعيب والله أعلم" إنما هي عنده من طريق كثير بن عبد الله كما عرفت.
واعلم أني راجعت سنن الحافظ أبي بكر البيهقي فرأيت فيه ما لفظه بعد سياقه لحديث كثير بن عبد الله قال أبو عيسى الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا انتهى بلفظه فعرفت أن البخاري صحح الحديثين حديث عمرو بن شعيب وحديث كثير بن عبد ا لله لأن قوله وقال يريد به البخاري لأن السياق فيه إلا أنه قال في حديث كثير أنه أصح شيء في الباب وقال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح.

وبعد هذا فلا عجب في نقل ابن دقيق العيد عن البيهقي عن الترمذي عن البخاري أنه قال في حديث عمرو بن شعيب إنه صحيح فإنه نقل صحيح لا عجب فيه ولا وهم وإنما العجب من المصنف حيث ظن أن كلام الترمذي في نقله عن البخاري ليس في روايته بتصحيح رواية كثير بن عبد الله بل لرواية عمرو بن شعيب ولو تأمل لفظ ابن دقيق العيد الذي نقله لعلم أنه غير اللفظ الذي قاله البخاري في رواية كثير يعين وقد نقله المصنف قريبا فإن لفظها في رواية كثير إنها أصح شيء في الباب ولفظه في تصحيح رواية عمرو ابن شعيب أنه صحيح وهذا هو اللفظ نقله ابن دقيق العيد فلو تأمل العبارتين لعلم اختلاف اللفظين.
نعم عزو ابن دقيق العيد لرواية عمرو بن شعيب إلى الترمذي وهم بلا شك إن صح أنه عزاه إليه فإنا راجعنا سنن الترمذي في باب التكبير من صلاة العيد فلم نجد فيه إلا رواية كثير بن عبد الله.
نعم كلامه الذي نقله عن البخاري ونقله عنه البيهقي لم نجده في جامع الترمذي وكأنه ثبت عنه في غير جامعه فإنه ليس في جامعه على ما رأيناه إلا قوله بعد سياقه لرواية كثير وهو أحسن شيء في هذا الباب ويف النسخة الأخرى أنه قال حسن صحيح ولم ينقل عن البخاري فيه شيئا وقد ذكر أن نسخ الترمذي كثيرة الاختلاف فتراجع نسخه.
ثم أنه قال الحاكم: في رواية عمرو بن شعيب وكذلك ما روي عن عائشة وابن عمر وعبد العزيز وأبي هريرة أن طرقها كلها فاسدة وتقال ابن رشد في نهاية المجتهد إنما صاروا يريد في تكبير العيدين إلى الأخذ بأقاويل الصاحبة لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيها شيء انتهى.
قلت: والمصنف قد ذكر رواية أبي هريرة وأنه قال الحاكم: إنها صحيحه على شرطهما ثم ذكر الرواية عن أنس وعائشة وقد عرفت أن الحاكم ذكر أن طرق تلك الأحاديث فاسدة وساق منها حديث أبي هريرة فعارض ما نقله عنه المصنف وإنما قال الحاكم: إن طرقها كلها فاسدة لأن في حديث عائشة ابن لهيعة قال الطحاوي في معاني الآثار ثنا ابن الجارود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أبي واقد الليثي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى بالناس يوم الفطر والأضحى وكبر في الأولى سبعا وقرأ سورة ق والقرآن

المجيد وفي الثانية خمسا وقرأ اقتربت وله طرق أخرى ساقها الطحاوي كلها تدور على ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف ولأنه اضطرب فيه فتارة يرويه عن عقيل وتارة عن خالد بن يزيد عن شهاب ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة وأبي واقد.
وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الطحاوي أيضا قال حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا عبدوس العطار عن الفرح بن فضالة عن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: في تكبير العيد في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ثم قال الطحاوي إنما تدور على عبد الله بن عامر وهو عندهم ضعيف وإنما أصل الحديث عن عمر نفسه.
وأما حديث عمرو بن شعيب فإنه يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس هو عندهم بالذي يحتج به هذا كلام الطحاوي.
قلت: عرفت ما نقله البيهقي عن البخاري من أن حديث عمرو بن شعيب صحيح ونقله ابن دقيق العيد ونقله المصنف أيضا ويفه هذا الراوي الذي قال الطحاوي إنه لا يحتج به عندهم ورأيت في ترجمته في الميزان فقال عبد الله بن عبد الرحمن أبو يعلي الطائفي الثقفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال لابن معين صويلح وقال مرة ضعيف وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وكذا قال أبو حاتم قال ابن عدي أما سائر أحاديثه يعني عمرو بن شعيب فهي مستقيمة فهو ممن يكتب حديثه قال ثم خلط من بعده انتهى كلام الذهبي ثم قال الطحاوي ثم هذا أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذلك عندهم ليس بسماع.
وأما حديث أبي هريرة فقال الطحاوي ثنا أبو بكرة ثنا روح ثنا مالك وصخر بن جويرة ونافع فأما مالك فالإمام المعروف ونافع مثله وصخر بن جويرة وثقة أحمد وجماعة وقال أبن معين صالح وقال أبو داود تكلم فيه وأما روح فهو ابن عبادة القيسي فقيه حافظ مشهور من علماء أهل البصرة تكلم فيه القواريري بلا حجة حدث عن مالك سماعا وأخرج له الستة أفاد هذا الحافظ الذهبي في الميزان وأما أبو بكرة فشيخ الطحاوي لا أعرف له ترجمة إلا أنه يعتمده الطحاوي كثيرا.
إذا عرفت هذا فأحسن الأحاديث في تكبير العيدين حديث أبي هريرة لما عرفت من رجال إسناده وتكون الأحاديث الأخر شواهد له فيقوي القول بهذه الصفة في

التكبير ولعل بهذه الشواهد ينهض الدليل على ذلك ولو نقل المصنف رحمه الله هذه الشواهد لحديث كثير لقللت من التهجين على الترمذي في تصحيحه حديثه إن صح أنه صححه "فهذا الكلام انسحب من ذكر شروط الترمذي في التحسين والعمل بما حسنه".
اعمل أنه يظهر من كلام المصنف أنه يعمل بما حسنه الترمذي وقد عرفت مما سقناه عن الحافظ ابن حجر أنه حسن الترمذي أحاديث فيها ضعفاء وفيها من رواية المدلسين ومن كثر غلطة وغير ذلك فكيف يعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة وقد نقل الحافظ عن الخطيب أنه قال أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به قال الحافظ أيضا وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل الغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام أن هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو طاهر القرآن وهذا حسن قوي رائق ما أظن منصفا يأباه ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به لأنه أخرج حديث خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك وقال في كتاب العلم بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم هذا حديث حسن وإنما لم يقل لهذا الحديث صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه فقال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة انتهى فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك لكن في كل من المثالين نظر لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما أنهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره لكن محل بحثنا هنا هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحاجة أم لا بل يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل انتهى كلامه.
"وقد اختلف الناس في العمل بالحسن مطلقا" أي على رأي الجمهور وعلى رأي الترمذي "بعد تسليم حسنه فذهب البخاري إلى أن الحديث الحسن لا يعمل به في التحريم والتحليل واختاره القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته" أي في كتابه المسمى بعارضة الأحوذي شرح الترمذي "والجمهور على خلافها والحجة مع الجمهور فإن راوي الحسن ممن تشمله أدلة وجوب قبول الآحاد" لأنه من أخبار الآحاد فيقبل خبره وإذا قيل عمل به "فإنه لا بد أن يكون راويه مظنون العدالة مظنون الصدق" ومن

ظن عدالته وصدقه وجب قبول خبره ولما ذكر أنه لا بد وأن يكون راوي الحسن مظنون العدالة والصدق أشكل عليه اصطلاح الترمذي فأورده ودفعه بقوله.
"فإن قلت: إنما شرط الترمذي أن يكون الراوي غير متهم بالكذب ولا منفرد بالحديث" فإنه معنى قول الترمذي في حقيقة الحسن ولا يكون الحديث شاذا "وغير المتهم أعم من أن يكون ثقة مخبورا أو مستورا أو مجهولا فإن كان مجهولا وتابعه مجهول مثله لم يكن في الحديث حجة" فيلزم قبول المستور والمجهول وأن يكون حديثهما حسنا إذا توبعا ولو بمثلهما.
قلت: ولا يخفى عليك أن المصنف قد قدم أن الترمذي يشترط في رواة الحسن قوة الحفظ والإتقان وإنما يجعلها في رجال الصحيح أقوى وحينئذ فلا يرد السؤال بعد ذلك التقرير وإن كان ما قدمه عنه غير صحيح.
"قلت: الجواب أنه قد عرف من المحدثين أن مذهبهم رد المجهول وليس في كلام الترمذي هذا ما يناقض ذلك" لا يقال قد قررت أنه أفاد كلامه عموم قبول المجهول فقال "فهو من عموم المفهوم وفيه خلاف" فكيف يعمل به مع ما علم من مذهب المحدثين "فلو كان" كلام الترمذي "لفظا عاما" عموم المنطوق "وجب المصير إلى الخاص" وهو ما عرف من عرفهم "فيكف بالمفهوم" وحينئذ فلا يفيد كلام الترمذي قبول المجهول ولكنه يبقى عليه أنه يفيد قبول المستور فقال المصنف "فأما المستور فإنه مظنون العدالة ولو لم يكن كذلك لم يتميز منه المجهول" .
قدمنا لك تفسير المستور من كلام ملا علي قاري في شرح شرح النخبة وقال الحافظ ابن حجر في مراتب الرواة في خطبة التقريب السابعة من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بمستور أو مجهول الحال انتهى فظاهره أن المستور هو المجهول حاله والمصنف قال هو مظنون العدالة "لكنه غير مخبور خبرة توجب سكون النفس الذي يسميه كثير من المحدثين علما" وهو الظن القوي "وقد ورد تسميته بالعلم كثيرا في مثل قوله تعالى" حكاية عن أخوة يوسف حيث حكوا لأبيهم أن أخاهم سرق {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] فإنهم لم يعلموا سرقته لصواع الملك قطعا بل ظنوه لما وجد في متاعه فسموه علما وهذا كلام صحيح لكنه لا يناسبه قول الحافظ ابن حجر إن المستور من لم يوثق فمن أين حصل لنا ظن عدالته حتى نطلقها عليه وتحصل له م يطلق عليه لفظ العلم في كتاب ابن الصلاح قسمة المجهول إلى

مجهول العدالة ظاهرا وباطنا وروايته غير مقبولة عند الجماهير ثم قال الثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول يريد بالأول المجهول العدالة ظاهرا وباطنا وهو قول بعض الشافعية وبه قطع الإمام سليمان بن أيوب الرازي قال لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي إلى آخر كلامه وكلام المصنف قاض بأن المستور عدل يحصل بخبره ظن ضعيف بخلاف الظن الحاصل عن العدل المحققة عدالته فإنه يحصل على خبرة ظن قوي يطلق عليه العلم وكلام الحافظ ابن حجر أنه لم يوثق وكلام ابن الصلاح أنه العدل في الظاهر.
قلت: ولا يخفي أن العدالة إنما تعرف ظاهرا بالمحافظة على خصالها وأما الباطن فلا يعلمه إلا الله تعالى فهذا اضطراب في تفسير المستور ينبغي تحقيقه.
واعلم أن الذي في كتب الأصول رسم العدالة باجتناب كبائر المقبحات وما فيه خسة والإتيان بالواجبات ولم يذكروا باطنه ولا ظاهره قالوا واختلف في رواية المجهول ويطلق عندهم على مجهول العدالة أو الضبط أو النسب أو الاسم ونقلوا عن الحنفية وآخرين قبوله واستدلوا على أن الأصل في دار الإسلام هو الإسلام والأصل في المسلم هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وهو قياس من الشكل الأول ينتج أن الأصل هو القيام بالوظائف وهو معنى العدالة وحينئذ فال مجهول بل كل مسلم عدل ورد يمنع الكبرى مسندا بأن الأصل هو الغالب والفسق في المسلمين أغلب من الإيمان لقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24] {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وغير ذلك ولأنه الشاهد في كل عصر والفرد المجهول يجب حمله على الأعم الأغلب ولهذا يرد من غلب سهوه على حفظه اتفاقا ورجحوا المجاز على الاشتراك لغلبته فغلبه الفسق مظنة للفسق وحكم المظنة حكم المثنة بل ضبط الشارع الأحكام بالمظنة ويأتي بقية الكالم على المسألة في محلها وإنما هذا تنبيه على أن الذي ذكره المصنف من أن المستور هو العدل عدالة تفيد ظنا قويا وأن خبره احسن وأن العدل في رواة الصحيح يشترط قوة عدالته بحيث يفيد ظنا قويا يسمى علما شيء تفرد به لم يذكره أئمة الأصول كما انفرد ابن الصلاح بقوله إن عدالة المستور ظاهرة وعدالة غيره ظاهرة وباطنة وذكر الرافعي

في الصوم أن العدالة الباطنة هي التي يرجح فيها إلى أقوال المزكين. 1هـ.
فعلى هذا كان يلزم أن يقال في رسم الصحيح ما رواه العدل ظاهرا أو باطنا أو ما رواه قوي العدالة كما ألزمناهما أنه كان يتعين أن يقال في رسم الصحيح بالنسبة إلى قيد الضبط تام الضبط كما أتى به الحافظ في النخبة وتابعه المصنف في مختصره واحترزوا به عمن خف ضبطه وهو راوي الحسن كما عرفناك وأما العدالة فإنهم جعلوا عدالة راوي الحسن لذاته والصحيح شيئا واحدا وهنا خالفوا ذلك فجعل المصنف المستور العدل الذي يفيد خبره ظنا غير قوي وابن الصلاح جعله العدل ظاهرا لا باطنا نعم لأهل الحديث كلام في المجهول كثير يأتي تحقيقه.
"وقد ورد" إطلاق "المستور في عبارات أصحابنا والمراد به العدل كما استعمل ذلك أهل الحديث قال شيخ أحمد بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي إنها أربعة أحدها أن يكون الراوي عدلا مستورا هذا لفظه ولم أعلم أحدا اعترضه من أهل الشروح على الجوهرة" لا يخفى أنه إذا كان مستورا بمعنى عدل عندهم يكون قوله مستورا بعد قوله عدلا تكريرا ولا يخفى أيضا أن أهل الأصول من قبل الشيخ أحمد ومن بعده لا يجعلون كون العدل مستورا شرطا في الرواية بل الكتب الأصولية متطابقة على شرطية العدالة في الراوي ورسموا العدالة بما عرفت وجعل المستور شرطا يلزم منه أن كامل العدالة ليس من شروط الرواية ولعله يقول إنه يدخل بالأولى "فالمستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدالتهم أو المشهور شهرة تقري من التواتر" .
اعلم لفظ ابن الصلاح في المستور أنه المجهول الذي جهات عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور هذا لفظه ثم قال وقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالته باطنا وقرر الزين كلام ابن الصلاح وقال مراد ابن الصلاح ببعض أئمتنا هو البغوي فهذا لفظه بحروفه في التهذيب وتبعه عليه الرافعي انتهى كلام زين الدين.
والمصنف قال إن المستور في عرف المحدثين من قصر عن المتواترة عدا التهم أو المشهور شهرة تقرب من التواتر فعلى كلامه لا بد أن تكون عدالته أمرا بين الأمرين وهذا غير كلام ابن الصلاح ومن تبعه ومن تقدمه في تفسير المستور وتقدم أن الحافظ ابن حجر قال إن المستور من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق فلا أدري من أين

جاء هذا التفسير الذي آتى به المصنف للمستور وزعم أنه اصطلاح المحدثين ثم هذه الرتبة التي ذكرها رتبة مجهولة فهذا كلامه في عدالة المستور أي من حيث العدالة وأما من حيث حفظه فقال "أو من قصر عن الحفاظ في مرتبة الإتقان والضبط العظيم" يريد أن المستور إما مستور العدالة فهو الذي فسره قريبا أو مستور الحفظ وهو الذي لا يبلغ ربة الإتقان والضبط وهو الذي خف ضبطه المذكور في تعريف الحسن لذاته.
قلت: ولا خفاء أن هذا خلط لشرائط الحسن لذاته والحسن لغيره فإن الحسن لذاته هو من خف ضبط رواته كما سلف والسحن ليغره قد يكون راويه ضعيفا موضوعا لسوء الحفظ كرواية الترمذي عن عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وحسن الترمذي حديثه وروى عن مجالد وحسن حديثه وقد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وروى عن عبيد بن معقب وهو ضعيف جدا اتفق أئمة النقل على تضعيفه وقد قدمنا هذا وزيادة عليه فيما حققناه لك من أن الحسن عند الترمذي شرطه أن لا يتهم راويه بالكذب ولا ينفرد بالحديث.
"ونحن" أيها الزيدية "نوافقهم" أي المحدثين "في الطرفين معا" في قبول المستور وقبول لم يبلغ درجة المتقنين في الضبط "أما الطرف الأول" وهو الموافقة من الزيديدة في قبول المستور "فقد ثبت نص الجوهرة" حيث جعل من شروط قبول الراوي كونه عدلا مستورا قل إلا أنه لا يعزب عنك أن صاحب الجوهرة جعل ذلك شرطا للراوي مطلقا سواء كان من رواة الصحيح أو الحسن وأهل الحديث على رأي المصنف جعلوه شرطا للحسن غلا أنه لا يضر هذا فقد حصلت الموافقة في شرط الأعم "التي هي مدرس الزيدية" في عصر المصنف "على ذلك" يتعلق بنص "مع أنه مما لا يختلف فيه الأصحاب" من الزيدية "فإن كتبنا الأصولية مشحونة بقبول كل من رجح حفظه على سهوه" وهذا هو المراد لمن لمي يبلغ مرتبة أهل الأنفان في الحفظ والضبط إلا أن كلامه في عدالة المستور هذا من القسم الثاني: وهو عدم بلوغ رتبة المتقنين في الضبط.
"واختلف أصحابنا إذا استويا فذهب المنصور بالله إلى أنه لا يجوز طرح حديثه وأن طريق قبوله الاجتهاد ذكره" أي المنصور بالله "في الصفوة وحكاه عنه في الجوهرة" تقدم الكلام على هذا أول الكتاب كما تقدم على قوله "وذهب عبد الله بن زيد إلى قبوله وهذا كله يدل على قبول من حديثه حسن والله أعلم" عند الفريقين الزيدية والمحدثين قد عرفت ما كررناه وقررناه أن الحسن قسمان:حسن لذاته وحسن لغيره

وأن الحسن عند الترمذي الذي يصف به أحاديث كتابه أو غالبها من القسم الثاني.
وقال الحافظ ابن حجر إنه نقل ابن الصلاح وغر واحد الاتفاق على أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة وهو القسم الذي ذكره الخطابي وقد علمت أن القسم الذي ذكره هو الحسن لذاته قال وأما الحسن الذي ذكره الترمذي بجميع أنواعه فإنه يظهر له أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني: قال فإن الترمذي يطلق الحسن على الضعيف والمنقطع إذا اعتضده قال فلا يتجه إطلاق الاحتجاج به جميعه ويؤيد هذا قول الخطيب أجمع أهل العلم على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به وقد صرح أبو الحسن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه بيان الوهم والإيهام بأن هذا القسم لا يعمل به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن إلى آخر ما قدمناه من كلامه قريبا هذا من كلام الحافظ على نكته على كتاب ابن الصلاح ثم قال ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم أن يحتج به أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذلك وقد قدمنا ذلك.
"وقد نص أهل الحديث في مراتب التعديل على أن صالح الحديث يكتب حديثه للاعتبار به ونصوا أيضا في مراتب التجريح على أن الضعيف بمرة والمردود والمتروك وغير ذلك من العبارات فبان لك أن الضعيف يكتب حديثه للاعتبار به بخلاف الضعيف عندهم هو صالح الحديث" أخذ المصنف من قول الأئمة إن صالح الحديث وضعيفه يكتب حديثه أن صالح الحديث هو ضعيف الحديث لاشتراكهما بالحكم بكتب حديثهما وفي كتاب ابن الصلاح الرابعة أي من مراتب التعديل إذ قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار فجعل هذه المرتبة الرابعة للتعديل وقال مراتب التجريح أولهما إذ قالوا لين الحديث قال ابن أبي حاتم إذا جاءوا بان لين الحديث فإنه يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا الثانية قال ابن أبي حاتم إذا قولوا ضعيف ليس بالقوي فهو بمنزلة الأولى في كتب حديثه إلا أنه دون الثانية وإذا قالوا ضعيف الحدي فهو دون لاثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به انتهى فعرفت من كلامه أن صالح الحديث من هو في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وأن قولهم ضعيف ليس بقوي

هو ثاني مراتب التضعيف وقولهم ضعيف الحديث هو ثالثها تكتب أحاديثهم للاعتبار وإن لم يصرح بكتب حديث من هو في هذه المرتبة لكنه صرح بأنه لا يطرح حديثه وأنه يعتبر به اعتبار بكتابته وبالجملة فقد جمع بين أهل المرتبة الرابعة من مراتب التعديل وبين أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح للاعتبار بأحاديثهم وعدم الإطراح لها لكنها وإن جمعها ما ذكر فهي متفاوتة كما ذكره فقول المصنف إن الضعيف عندهم هو صالح الحديث غير صحيح لأن صالح الحديث من المعدلين ومن أهل مراتب التعديل بخلاف الضعيف على أقسامه الثلاثة إن جعلنا اللين منه وأنه مجروح للتضعيف وكونه جمع بينه وبين صالح الحديث كتب حديث كل منهما لا يلزم منه اتحادهما فقد قالوا في أهل المراتب الثلاث من مراتب التجريح إنه يكتب حديثهم فإن كان الضعيف هو صالح الحديث لكونه يكتب حديثه فالضعيف من أهل مراتب التعديل كما قال المصنف "وأنه" أي الضعيف "في المرتبة الرابعة من مراتب العدول كما سيأتي" فيلزم أنه ليس للتجريح إلا مرتبة واحدة وهي مرتبة المتروك والكذاب ونحوهما وهو خلاف صريح كلامهم فيما يأتي ثم المراتب مختلفة كما عرفت "فكيف برجال الحسن؟!" قد عرفت أن رجال الحسن لذاته ليسوا بضعفاء بل هم خفيفوا الضبط فهم الذي ينبغي أن يقال فيهم عند ذكر ضعفاء الرواة فكيف لا يقبل رجال الحسن وأما رجال الحسن لغيره ففيهم الضعفاء وأهل سوء الحفظ فلا يقال عند قبول ضعفاء الرواة فكيف برجال الحسن إذ هم من ضعفاء الرواة ليسوا قسما من غيرهم.
قلت: ثم لا يخفى بعد هذا كله أن كتب الحديث للاعتبار ليس دليلا على قبول رواته والعمل بروايتهم في السياق من العمل بالحسن.
وقال ابن حجر الهيثمي في كتابه الفهرسة في ترجمة الترمذي ما لفظه اتفق الفقهاء كلهم على الاحتجاج بالحسن وعليه جمهور المحدثين والاصوليين بل قال البغوي أكثر الأحكام إنما ثبتت بالحسن ووافقه الخطابي وهو قسمان أحدهما حسن لذاته وهو أن يشتهر رواته بالصدق لكنهم لم يصلوا في الحفظ والإتقان إلى رتبة رواة الصحيح وثانيهما حسن لغيره وهو أن يكون في الإسناد مستور لم تتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب ولا ينسب إلى مفسق آخر واعتضد بمنابع أو شاهد وقد قال النووي إمام زمانه في هذه الصناعة في بعض

أحاديث ذكرها وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعض بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره ويحمل ذلك على ما ضعفه ناشي عن سوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس مع كون رواته من أهل الصدق والديانة أما الضعف بنحو كذبه أو شذوذه فلا يجبره شيء والحاصل أن ما حسنه لذاته يحتج به مطلقا وما حسنه لغيره إن كثرت طرقه احتج به وإلا فلا وقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعف حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا1 مع كثرة طرقه نعم كثرة طرقه القاصرة عن جبر بعضها لبعض ترقيه عن درجة المنكر الذي لا يعمل به في الفضائل ولا غيرها إلى رتبة الضعف الذي يجوز العمل به في الفضائل إجماعا انتهى وهو كلام حسن.
واعلم أن ابن الصلاح رسم الضعيف من الحديث بقوله كل حديث لم تجتمع في صفات الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف.
"وقد يرتقون" أي الضعفاء "إلى أرفع من مرتبة الضعف ولذا قالوا في ترجمة سفيان الثوير المجمع على ثقته وأمانته ونصحه لله ورسوله وللمسلمين إنه كان يدلس عن الضعفاء" في الميزان سيفان بن سعيد الثوري الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء ولكن له نقد وذوق ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى.
"فهؤلاء هم الضعفاء في عرف المحدثين الذي حديثهم منجبر بالشواهد ونحوها ويجب العمل به" قد عرفت أنهم جعلوا مراتب الجرح أربعا فقالوا في ثلاث منها أنه يكتب حديث أهلها للاعتبار وقالوا في الرابعة وهو من أطلقوا عليه متروك إنه لا يكتب حديثه فعلى كلام المصنف أنه لا يترك إلا من قالوا فيه كذاب ونحوه على أنه يأتي له في إطلاقهم كذاب ونحوه بحث فعلى تقريره الضعفاء ليسوا بمجاريح ولذا قال "ولو كان سفيان يدلس عن المجروحين لكان مجروحا ولما أصفق" بالصاد المهملة ففاء فقاف أي اجمع "الثقات على الاحتجاج بحديثه" وقد قال الذهبي الحجة الثبت بالاتفاق "وهم يعرفون ذلك" أي أنه لا يدلس عن المجروحين بل إنما يدلس عن الضعفاء والضعفاء ليسوا بمجاريح هذا تقرير مراد المصنف.
ـــــــــــــــــــ
1 العلل المتناهية 1/114. وجامع بيان العلم 1/43. وابن عساكر 2/394. وشرف أصحاب الحديث 29.

قلت: ولا يعزب عنك أنه سيأتي لهم وقد أشرنا إليه أن ألفاظ التجريح أربع ثانيها ضعيف ليس بقوي ثالثها ضعيف الحديث فهاتان صيغتان في التجريح فكيف يقول هذا ضعيف وليس بمجروح هل هذا إلا تناقض نعم هؤلاء مجاريح غير كذا بين كما قال الذهبي إن سفيان كان يدلس عن الضعفاء ولا عبرة بقول من قال كان يدلس ويكتب عن الكذابين فالقياس على ما تفيده هذه العبارات أن يقال إن الضعفاء غير الكذابين يقلون ويقبل من يدلس عنهم وإن كانوا مجاريح فهو جرح لا يخرجون به عن الاعتبار وحاصله أنا نناقش المصنف في قوله إن سفيان لا يدلس عن المجروحين مع تصريحهم أنه يدلس عن الضعفاء والضعفاء مجاريح ولذا أثبت الذهبي تدليسه عن الضعفاء ونفي تدليسه عن الكذابين فهو يدلس عن ضعفاء مجاريح غير كذابين.
"ولكن قليل المعرفة باصطلاحهم في عباراتهم لا يعرف ذلك" أي لا يعرف أنهم يقبلون بعض الضعفاء بل يظن أن كل ضعيف فإن حديثه مردود "ولهذا يتجه" بتوجه "على الراغب في علم الحديث أن يبدأ بقراءة علوم الحديث ويمعن النظر فيها" لئلا يغلط عليهم إذا جهل اصطلاحاتهم فإن علوم الحديث تعرفه بذلك "فتأمل ذلك فإنه مفيد جدا" أي محقق مبالغ فيه كما في القاموس ووجه نفعه أنه إذا لم يعرف علوم الحديث واصطلاحهم أئمته غلط عليهم فبمعرفته لاصطلاحهم الذي أودعوه علوم الحديث لا يحصل له الغلط.
"وقد ذكر الشافعي مثل هذا في المراسيل فقال إذا جاء المرسل من طريقين مختلفين فأكثر قبل" لتقويه "وإلا لم يقبل" لضعفه بالانفراد "وأما المجهول فليس يقوي حديثه بمتابعة مثله" أي بمتابعة مجهول مثله قال ابن الصلاح: إن المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من راو واحد ثم مثل بجماعة.
"وقد ذكر ابن الصلاح نحو هذا الكلام فقال ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك" أي مجيئه من وجوه.
قلت: قد مثل ذلك بحديث ابن عمر في سد الأبواب إلا باب علي كرم الله وجهه وهو في مسند أحمد من رواية أحمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمرو ابن راشد عن ابن عمر وفيه ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة أحب

إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لا يما مع ما له من الشواهد وله شاهد من حديث ابن عمر أيضا أورده النسائي في الخصائص بسند صحصح عن ابن اسحق عن العلاء ابن عرار فذكره والعلاء وثقة ابن معين ورواه ابن أبي عاصم من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي اسحق سألت ابن عمر فذكره وأخرجه أحمد من حديث سعد بن مالك.
قال الحافظ ابن حجر بإسناد حسن قال وأما ادعاه ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة فدعوى عرية عن البرهان وقد أخرج النسائي في الخصائص حديث سعد وفيه أيضا حديث زيد بن أرقم بإسناد صحيح وأخرج أيضا حديث ابن عباس وقال وسد الأبواب غير باب علي رضي الله عنه قال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره في حديث طويل وأخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين وأخرجهما الترمذي لكنه قال في حديث ابن عباس بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد عن ابراهيم بن المختار عن شعبة عن أبى بلخ عن عمرو بن ميمون عنه غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه.
وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم والطبراني روياه من طريق مسكن بن بكير عن شعبة وهي أصح من طريق الترمذي وأبو بلخ وثقة يحيى بن معين وأبو حاتم وقال البخاري فيه نظر انتهى ويشهد له حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك", رواه الترمذي1 وقد ادعى أن هذا الحديث يعارض حديث أبي سعيد المخرج في الصحيحين2 "لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت وإلا خوخة أبي بكر" ولكنها دعوى غير صحيحه لأن الجمع ممكن بأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد ورد بيان سببه في حديث مرسل أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسنده عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأذن لأحد أن يمر من المسجد أو يجلس فيه وهو جنب إلا علي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد أي مع بيوت
ـــــــــــــــــــ
1 في: المناقب: ب 20.
2 البخاري 1/126. ومسلم في: فضائل الصحابة حديث 2. وأحمد 1/270.

النبي صلى الله عليه وسلم: فكان يحتاج إلى استطراق المسجد وحديث أي بكر فيما يتعلق بالخوخ فلا تعارض ولا وضع أفاد هذا الحافظ ابن حجر في نكته.
فهذا الحديث قد كان في رواته ضعف بسوء الحفظ فجاء من طرق كثيرة أزال ذلك الضعف وبه تعرف ما في قول ابن حجر الهيثمي إنه استقر الأمر على ضعف حديث يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك1 فإنه قال إنه أستقر الأمر على أنه حديث ضعيف.
وقد يكون ضعف الرواة بما قاله ابن الصلاح ونقبله عفه المصنف بقوله "بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ واريه مع كونه من أهل الصدف والديانة فإذا رأينا ما رواه" أي الحديث الذي رواه "قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظ ولم يختل فيه ضبطه له" وقد حققناه بالمثال وهذا كلام حسن "وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر قال" أي ابن الصلاح.
"ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك" أن بمجيئه من طرق لقوة الضعف في الراوي وتقاعد هذا الجابر عن جبره أي عن جبر ضعفه فتسميته جابرا مجاز وإلا فإنه لم يجبر هذا الضعف "كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب" فإن الجابر لا يقوى على زوال تلك التهمة ومثلوا ذلك بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء وفي لفظ بعثه فقيها عالما2 قال النووي إنه اتفق الحفاظ على ضعفه وإن كثرت طرقه بعد أن قال إنه روى عن علي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم بطرق كثيرات بروايات متنوعات قاله النووي في صدر الأربعينية التي جمعها وسماها دعائم الإسلام.
"أو كون الحديث شاذا" أي أن الجابر يتقاعد هن زلل الضعف عن حديث نشأ ضعفه من اتهام رواته بالكذب أو من كونه حديثا شاذا ويأتي بيان الشاذ "انتهى كلامه" أي ابن الصلاح "وسيأتي أنه ليس يشترط في الشاذ الذي أشار إليه إلا أن لا يكون راويه في مرتبة الثقات الإثبات من رجال الصحيح ولا في مرتبة من دونهم من رجال الحسن كما
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 سبق تخريجه.

سيأتي واضحا" ذكر ابن الصلاح كلام الأئمة في الشاذ وتعقبه ثم قال فيقول إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوعا وإن كان لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هذا أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه انتهى فمراده هنا بالشاذ الذي لا ينجبر هو الأول من القسمين "فهذا بذلك على أن رجال الحسن مرتفعون عن مرتبة المجاهيل والضعفاء بمرة انتهى" فكلام ابن الصلاح في الشاذ دل على أن رتبة رجال الحسن ليسوا من المجاهيل ولا الضعفاء.
قلت: قد قدمنا لك أن الحسن لذاته ليس رجاله ضعفاء ولا مجاهيل والحسن لغيره في رجاله الضعفاء وغيرهم كما حققناه لك بالأمثلة والتنصيص على ذلك فالمصنف رحمه الله خلط اعتبارهم لصفات الحسن لذاته بصفات الحسن لغيره كما نبهناك عليه مرارا "وقد نصوا على ذلك في علوم الحديث فجعلوا الضعيف غير المجهول" قد قدمنا لك كلام ابن الصلاح في المجهول وأنه قسمان قال والمجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد ذكر هذا عن الخطيب البغدادي إلا أنه قال ابن الصلاح: إن في رجال البخاري أحاديث عن قوم ليس لهم إلا راو واحد.
"وممن ذكره وين الدين في قسم الضعيف من التبصرة ولكن يلزم هذا من قبول المنفرد من رجال الحسن" لأنهم إذا قالوا بأن الشاذ هو من ينفرد وليس في مرتبة رجال الصحيح ولا الحسن وأنه يرد لزم أنه إذا انفرد من هو من رجال الحسن أن يقبل "ولا يجب مراعاة متابعة غيره" قلت: هذا ملتزم عندهم في الحسن لذاته فإنهم لم يعتبروا في رسمه إلا خفة ضبط رواته كما عرفت فإنهم قالوا فإن خف الضبط فالحسن لذاته وبكثرة طرق يصح فلم يجعلوا متابعة غيره له إلا شرطا لصحته لا لحسنه وأما الحسن لغيره فقد عرفناك مرارا أنه لا يصير حسنا إلا بمتابعة غيره "وهذا لازم على قواعد الفقهاء والأصوليين ودفع هذا من المحدثين غير جيد والله أعلم" .
قلت: قد عرفناك غير مرة أن المحدثين لا يدفعون هذا ولا أدري كيف التبس على المصنف مع إمامته في كل فن.
"قال ابن الصلاح: وهذه الجملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه

من النفائس العزيزة واعلم أن رجال الحسن متى كانوا مشهورين بالصدق والعدالة وأتت له طرق أخرى فلك أن تحكم بصحته" هذا ذكروه في الحسن لذاته هذا عندهم هو الصحيح لغيره وقد حققه في النخبة وشرحها ولفظ ابن الصلاح1 إذا كان الراوي متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروى مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحة انتهى.
واعلم أنه لا بد من تقييد عبارة المصنف وابن الصلاح بخفة ضبط من اشتهر بالصدق ليكون من قسم الحسن وإلا كان من الصحيح لذاته فإن رجال الصحيح لذاته هم المشهورون بالصدق والعدالة "كحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة2 قال ابن الصلاح" بعد سياقه لما ساقه المصنف "محمد بن عمرو ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم بسوء حفظه" في الميزان أن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني الليثي شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قد أخرج له الشيخان متابعة قال يحيى القطان أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث "ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته" قال أبن عدي روى عنه مالك في الموطأ وغيره وأرجو أنه لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس ذكر ذلك كله الذهبي في الميزان "فحديثه من هذه الجهة حسن" لأنه لم يتفق على إتقانه في الحفظ فهو ممن خف ضبطه "فلما انضم ذلك كونه" أي حديث السواك "مرويا من طرق أخرى" لفظ ابن الصلاح من أوجه أخر مثلها عبارة الزين نقلا عنه "زال ذلك ما كنا نخشاه من جهة سوء حفظ وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحقق بدرجة الصحيح"
قلت: كأنه مجرد مثال وإلا فهذا الحديث أخرجه الشيخان بلفظه من حديث أبي هريرة رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث ابن عيينة وهذا لفظ عندهما من المتفق عليه وسينبه المصنف على ذلك.
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 47.
2 البخاري 2/5. ومسلم في: الطهارة ب 15. حديث 42. وأبو داود 46, 47. وأحمد1/221.

"قال زين الدين: وقد أخذ ابن الصلاح كلامه هذا" الذي سلف قريبا "من الترمذي فإنه قال بعد إخراجه" من هذا الوجه "حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عندي صحيح قال" الترمذي "وحديث أبي سلمة إنما صح لأنه قد روى من غير وجه" لفظ الزين وحديث أبي هريرة عوض أبي سلمة "قلت: قول إن الصلاح فصح هذا الإسناد ولم يقل فصح هذا الحديث مشكل لأن متن الحديث صحيح متفق عليه من طريق الأعرج عن أبي هريرة" كما قدمنا لك قريبا.
واعلم أن كلام المصنف هذا إشارة إلى فائدة مهمة ذكرها ابن حجر في فهرسته فقال فائدة مهمة عزيزة النقل كثيرة الجدوى والنفع وهي من المقرر عندهم أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن الاجتماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى فلا تنافي بين قولهم هذا حديث صحيح لأن مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا لعدم استلزام الصحة لكل فرد فرد من أسانيد ذلك الحديث فعلم أن التقييد بصحة السند ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه بل هو على الاحتمال فهو دون الحكم بالصحة أو الحسن للمتن إذ لا احتمال حينئذ وبهذا تعرف قول المصنف رحمه الله "وإنما انفرد محمد بن عمرو برواية الحديث من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فلم يتابع على الإسناد فلم يصح الإسناد وإنما توبع على الحديث فصح ولذا قال زين الدين: وليس المراد بالمتابعة كونه رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير محمد بن عمرو ولكن متابعة شيخه أبي سلمة عليه عن أبي هريرة فقد تابع أبا سلمة عليه عن أبى هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أو سعيد وعطاء مولى أم حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج" ولما كانت المتابعة نوعين أشار إليهما بقوله "والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ كما سيأتي لكلام عليه في فصل المتابعات والشواهد" إن شاء الله تعالى.
* * *

مسألة 14 [في بيان شرط أبي داود]
"شرط أبي داود قال ابن الصالح من مظان الحسن سنن أبي داود" المظان جمع مظنة بكسر الطاء وهو مفعلة من الظن وقال المطرزي المظنة العلم من ظن بمعنى علم قال في المصباح وقد يستعمل الظن بمعنى اليقين ومنه المظنة بكسر الظاء للعلم وهو حيث يعلم الشيء قال النابغة:
فإن مظنة الجهل الشباب "قال ابن الصلاح وروينا" في المصباح ما لفظه روى البعير الماء يرويه من باب رمى حمله فهو راوية والهاء للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقي عليها ومنه قيل رويت الحديث إذا حملته ونقلت:ه وتعدى بالتضعيف فيقال رويت زيدا الحديث انتهى. "عن أبي داود أنه قال ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح" قال الزين أي للاحتجاج ويأتي عن الحافظ ابن حجر احتمال أنه صالح للأعم من ذلك "وبعضها" أي بعض أحاديثه الدال عليه من حديث أصح من بعض قال أي ابن الصلاح "ورينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه وروينا عنه أنه يذكر ما عرفه في ذلك الباب قلت: أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبو داود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله مما روى عنه" .
قال الحافظ ابن حجر قول أبي داود وما فيه وهن شديد بينته يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا أن جميع ما سكت عنه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن إذا اعتضد وهذان القسمان كثير في كتابه جدا ومنه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا وكل من هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها كما نقل ابن مندة عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب

غيره وأنه أقوى من رأي الرجال وكذلك قال ابن عبد البر كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد فيما نقله ابن المنذر عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادس أنه قال لابنه لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه هذا ما روي من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه ذغل والحديث الضعيف أحب إلى من الرأي فهذا نحو ما حكى عن أبي داود ولا عجب فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد فغير مستنكر أن يقول قوله بل حكة النجم الطوقى عن العلامة تقي الدين بن تيمية أنه قال اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقا لشرط أبي داود.
ومن هنا تظهر لك طريقة من يحتج بكل ما سكت عنه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنه مثل ابن لهيمة وصالح مولى التوأمة وعبد الله بن محمد بن عقيل وموسى بن وردان وسلمة بن الفضل ودلهم بن صالح وغيرهم فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم بل طريقه أن ينظر هل ذلك الحديث متابع يعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن دحية وصدقة الدقيقي وعمرو بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني وأبي حيان الكلبي وسليمان بن أرقم وأسحق بن عبد الله بن أبي قروة وأمثالهم في المتروكين وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها ما أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه وتارة يكون لظهور شدة ضعفه ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من كلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس

في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته عنه أشهر ثم عد أمثلة من أحاديث السنن فيها ما يؤيد ما قاله.
ثم قال والصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه والمعتمد على مجرد سكوته لا يروى ذلك فكيف يقلده فيه هذا جميعه إن حملنا قوله وما لم أقل فيه بشيء فهو صالح على أن مراده صالح للحجة وهو الظاهر وإن حملناه على ما هو اعم من ذلك وهو الصلاحية للحجية وللاستشهاد أو المتابعة فلا يلزم منه أن يحتج بالضعيف ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي سكت عليها وهي ضعيفة هل منها أفراد أولا عن وجد فيها أفراد تعين الحمل على الأول إلا حمل على الثاني: وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عنه للاحتجاج مطلقا انتهى.
"قال النووي إلا أن يظهر في تعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك أو كما قال" لفظ الحافظ ابن حجر نقلا عن النووي أنه قال في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها فلا بد من تأويل كلامه قال والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم ينبه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأي العارف في مسنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له حكم يضعفه ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود قلت: وهذا هو التحقيق ولكنه خالف ذلك في مواضع كثيرة في شرح المهذب وفي غيره من تصانيف فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا تعثر بذلك انتهى.
"قال ابن الصلاح: ما معناه وعلى هذا ما وجدنا في كتابه مذكورا مطلقا ولم نعلم صحته عرفناه أنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون فيه ما ليس بحسن عند غيره" ثم ذكر بعيد هذا مثل ما ذكره الحافظ من أنه قد يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
"وقد اعترض ابن رشيد" هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد الفهري "الأندلسي علي ابن الصلاح لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن" لفظ الزين أنه قال ابن رشيد ليس يلزم من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود يضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبي داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك.

"وقال أبو الفتح" اليعمري "هذا تعقب حسن" قلت: لا يعزب عنك بعد تحقيق ما سلف عن الحافظ ابن حجر ما في كلام ابن الصلاح وفيما تعقب به.
"قال زين الدين" في شرح ألفيته "وقد يجاب عنه" أي عن تعقب ابن رشيد "بأنه" أي ابن الصلاح "إنما ذكر ما لنا أن تعرف الحديث به" الذي سكت أبو داود عنه "عنده" أي عند أبي داود "والقدر المتحقق الحسن دون الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود" لفظ زين الدين إنما ذكر ابن الصلاح ما لنا أن نعرف به الحديث عنده والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود قال "لأن عبارته" أي أبي داود "فهو" أي ما سكت عنه "صالح وهي تحتمل فإن كان يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف فالاحتياط ما قاله ابن الصلاح" لأن الذي سكت عنه لم يحكم له بالصحة ولا بالضعف فيكون حسنا وهو مراده حينئذ بقوله صالح "وإن كان رأيه" أي أبي داود "كالمتقدمين أنه" أي الحديث من حيث هو "ينقسم إلى صحيح وضعيف" وأنه لا يقول بالحسن "فما سكت عنه فهو صحيح عنده" وإن لم تجتمع فيه شرائط الصحة التي سلفت في رسم الصحيح وذلك هو الصحيح الأخص.
قلت: ولا يخفى أن قول أبي داود صالح حمله ابن الصلاح على حسن فألزمه بان رشيد أنه يحتمل الأمرين الصحة والحسن والمراد الصحة بالمعنى الأخص لأنه قابل بها الحسن فالإلزام مبني على رأي من يجعل الحديث ثلاثة أقسام لا على رأي من يجعل الصحة شاملة للحسن كما لا يخفي فلا بم ما قاله الزين نعم إن صح أن رأى أبي داود عدم الحسن كان ما سكت عنه صحيحا بالمعنى الأعم فيكون فيه الصحيح بالمعنى الأخص والحسن لكن ابن الصلاح وابن رشيد مبني على أنه يرى الأقسام ثلاثة:
قال زين الدين: "والاحتياط أن يقال صالح" لا صحيح ولا حسن "كما عبر هو" أي أبو داود "عن نفسه" لكن لا يخفى أن قوله صالح يحتمل أنه للاحتجاج به كما قال الزين ويحتمل أنه صالح لأعم من ذلك من الاحتجاج والمتابعة والاستشهاد كما قاله الحافظ ابن حجر وقد قدمنا كلامه فإن أريد الأول فالصلاحية للاحتجاج لازمة للصحيح والحسن وإن أريد الثاني: فالصلاحية للمتابعة ليست لازمة للاحتجاج فترددت عبارته بين كون ما سكت عنه صحيحا أو حسنا أو ضعيفا فالتعبير بصالح لم يفد تعين الاحتجاج حتى يكون صحيحا على رأي القدماء أو حسنا على رأي المتأخرين نعم كلامه قد أقاد أن ما سكت عنه فليس فيه وهن شديد فخرج به قسم

من الضعيف لا يشمله صالح وتحقيق عبارته أن الذي سكت عنه ليس فيه وهن شديد وهو يحتمل أن لا وهن فيه أصلا فيكون صحيحا أو حسنا ويحتمل أن فيه وهنا لكنه غير شديد وحينئذ فالصواب أنه يحتمل الثلاثة بالحسن والصحة والوهن غير الشديد لا كما قاله ابن الصلاح ولا كما قاله ابن رشيد.
"وجود الذهبي الكلام في شرط أبي داود في ترجمته من النبلاء" ويأتي كلامه في آخر هذا البحث "وقال الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري في شرح الترمذي لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله في ذلك شبه عمل مسلم" زاد الزين الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره "فإنه اجتنب الضعيف الواهي" كما قال أبو داود إنه يبينه وأما مسلم فلم يأت به "وأتى" أي مسلم "بالقسمين: الأول" وهو الصحيح "و الثاني" وهو الحسن "وحديث من مثل" أي مسلم "به" سيأتي من مثل بهم قريبا "من القسمين الأول و الثاني موجود في كتابه" كتاب مسلم "دون القسم الثالث" وهو الواهي بخلاف أبي داود فالثالث موجود في كتابه لكنه بينه.
"قال" أبو الفتح "فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح مسلما من ذلك ما ألزم أبا داود فمعنى كلامهما واحد" وبين معنى كون كلامهما واحد بقوله "وقول أبي داود إنه يخرج في كتابه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه يعنى يشبهه في الصحة أو يقاربا فيها قال" أبو الفتح "وهو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أ ي سليم وعطاء بن السائب وزياد بن أبي زياد لما شمل الكل من اسم العدالة والصدق" ولفظ مسلم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم "وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان" أي وإن تفاوت مالك وصاحباه وليث وصاحباه فإن الثلاثة الأولين أكمل في الحال والمرتبة من الثلاثة الآخرين "ولا فرق بين الطريقين" طريق مسلم وأبي داود "غير أن مسلما شرطه الصحيح فتحرج من حديث الطبقة الثالثة" وهو من اشتد وهنه فإنهم خرجوا من كتابه ومراده أنه بقي في مسلم طبقتان والرواة أهل الصحاح وأهل الحسان "وأن أبا داود لم يشترطه" أي شرط الصحيح "فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال" أبو الفتح "وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة لما تقتضيه صيغة أفعل في الأكثر" إذ قد يخرج عن ذلك نادرا كما عرف في

النحو وحينئذ فقد شرط أبو داود الصحة في كتابه لأن قوله صالح بمعنى صحيح كما أرشد إليه وقوله بعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها وسماها صالحة أصح من بعض فدل أنه أراد بصالح صحيح وأراد بالصحة المعنى الأعم الشامل للحسن كما أن مسلما أراده في تسمية كتابه بالصحيح هذا تقرير مراد أبي الفتح والتحقيق في البحث قدمناه قريبا وأبو الفتح سوى في هذا الكلام بين مسلم وسنن أبي داود.
"قال: زين الدين" في شرح ألفيته بعد نقله لكلام أبي الفتح "والجواب" أي عن أبي الفتح في إلزامه لابن الصلاح "أن مسلما التزم الصحة في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن عنده" أي عند مسلم قلت: لا يخفى أنه إنما ألزم ابن الصلاح أن يسمي ما سكت عنه أبو داود صحيحا لا أن يسمى ما أخرجه مسلم صحيحا فتأمل "لما تقدم من قصور الحسن عن الصحيح" فكيف يحكم على حديث في كتابه بالحسن بعد تصريحه باشتراطه صحة ما يخرجه نعم قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وقوله فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم بعد التزامه الصحة يدل على أن في كتابه الصحيح والأصح وإن كان قوله كل الصحيح يفهم أن بعض الصحيح عند ليث مثلا وأن كلا من الفريقين من مالك ومن ذكر معه وليث ومن ذكر معه أحاديثهم مستوية في الصحة لكن سياق كلامه يأبى هذا المفهوم "وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح والصالح قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا" قلت: يعني إذا حمل كلامه على أن مراده صالح للاحتجاج كما هو حمل زين الدين لا إذا حمل على الأعم من ذلك كما عرفت "عند من يرى الحسن رتبة دون الصحيح" قيد لقوله وقد يكون حسنا ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا ولا يثبت الحسن "فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثاني ويحتاج إلى نقل" وهو أنه يرى ما ليس بضعيف صحيحا.
قال الحافظ ابن حجر بعد نقل جواب شيخه على أبي الفتح وقد أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه هذا الذي قال ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا نعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول إنما يخرجها في المتابعات والشواهد انتهى.

قلت: ابن الصلاح لم يقل في مسلم شيئا إنما ألزمه أبو الفتح أن يجعل مسلما كأبي داود ولا وجه عندي لإلزام أبي الفتح له أصلا وذلك أن مسلما شرط أن لا يخرج إلا الصحيح وسمى كتابه به وقال ما أدخلت فيه إلا ما صح وأبو داود يقول ما سكت عنه فهو صالح وهي عبارة ليست نصا في شرطيه الصحة في المسكوت عنه بخلاف مسلم فعبارته صريحة غير محتملة فلأي شيء يقول إن في حديثه ما يتحمل الحسن كما في حديث أبي داود وأما قول العلائي إن درجات الصحيح متفاوتة وإنه لا يعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها وليس في مسلم منها شيء فهو مؤذن بأنه إذا أطلق الصحيح فلا يشمل إلا درجاته التي ليس فيها درجة دنيا ومسلم قد شرط الصحة في كتابه وسماه صحيحا وحينئذ فلا يدخل الحسن في كتابه أصلا.
قال الحافظ ابن حجر ما معناه كلام العلائي صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه إن الرواة ثلاثة أقسام فالأول كمالك وشعبة ونظرائهما و الثاني: مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي يزيد وأمثالهما وكل من القسمين مقبول لما يشمل الكل من اسم الصدق والطبقة الثالثة أحاديث المتروكين فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث: وقال الحاكم: والبيهقي وغيرهما لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث واخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن محمد بن ابراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم قال صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها هذا الذي قرأه على الناس يعني الصحيح و الثاني: يدخل فيه عكرمة وابن اسحق وأمثالهما و الثالث: يدخل فيه الضعفاء.
قلت: وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني: مروية في صحيحه لكن حرف المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أم لا والحق أنه لم يخرج شيئا مما تفرد به الواحد منهم وإنما يحتج بأهل القسم الأول سواء انفردوا أم لا ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني: ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني: طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك وهذا ظاهر بين في كتابه ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني: في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو

عليه إلا تراه يخرج لعطاء بن السائب في المتابعات وهو من المكثرين ومع ذلك فما له عنده سوى مواضع يسيرة وكذا محمد بن اسحق وهو من يحور الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا سنة أو سبعة ولم يخرج لليث بن أبي سليم ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا وهذا بخلاف أبي داود فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي قول أبي داود ما كان فيه وهن شديد بينته فأفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه ومن هنا تبين أن ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي بل هو على أقسام منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة إلى آخر ما قدمناه في هذا البحث عن الحافظ ابن حجر.
وبهذا التحقيق يتضح لك ما في قول المصنف "قلت: الذي تلخص من عبارة أبي الفتح اليعمري وزين الدين بن العراقي أن ما سكت عنه أبو داود فهو في المعنى والصحة مثل حديث مسلم" لا أدري لم زاد لفظ المعنى فإن المعاني في الحديثين قد تختلف وإن جمعهما وصف الصحة "ولكن مسلم يسمي الحسن صحيحا كالحاكم والمتقدمين" هذا مبني على وجود القسم الثالث: في كتابه وقد عرفت ما فيه "فيحكم" أي مسلم "بأن كل ما في كتابه صحيح عنده على معنى أنه يجب العمل به وعلى معنى أنه ليس فيه ضعيف وإن كان فيه ما هو حسن عند من يجعل الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف" لا يخفى أن هذا لا يتم على تحقيق الحافظ الذي قدمناه وجزمه بأن مسلما لم يخرج إلا لأهل القسم الأول وهم أعلى مراتب الصحيح وأخرج لأهل القسم الثاني: ما يكون صحيحا لغيره فليس في كتابه إلا الصحيح لذاته وهم أهل القسم الأول والصحيح لغيره وهم أهل القسم الثاني: المتعاضدة أحاديثهم فليس في كتابه ما هو من قسم الحسن.
ولما كان مقتضى كلام المصنف أن يوصف أحاديث سنن أبي داود بالصحة كما وصف أحاديث مسلم بها مع قوله بأنهما مستويان أجاب عن هذا بقوله "وإنما لم يجعل" أحاديث "سنن أبي داود صحاحا عنده" كما جعلنا أحاديث مسلم صحاحا عنده "لأنه" أي الشأن "لم يعرف هل ذهب" أبو داود "مذهب الحاكم والمتقدمين في تسمية الحسان صحاحا أم لا" أي بخلاف مسلم فقد عرفنا ما عنده من تسمية الحسان صحاحا "هذا" تقرير الكلام "عند زين الدين أما أبو الفتح" اليعمري "فجعل ما سكت عنه" أبو

داود "صحيحا كمسلم" .
لا يعزب عنك أن أصل كلام أبي الفتح لابن الصلاح بأنه يلزمه أن أحاديث أبي داود التي سكت عنها صحيحه كالقسم الثاني: من أحاديث مسلم لكنه ساق من عبارته ما دل على أن ما ألزم به ابن الصلاح يراه قويا فلذا قال المصنف إنه يسمى ما سكت عنه أبو داود صحيحا "وساعده" أي أبا الفتح "الزين" في مساواة أحاديث أبي داود لأحاديث مسلم "وإنما اعتذر" الزين "من إطلاق التسمية" على ما سكت عنه أبو داود بأنه صحيح "مضافة" التسمية "إلى اعتقاد أبي داود وهذا الاختلاف الذي وقع بينهما" أي بين الزين وأبي الفتح "قليل الجدوى لم يقع إلا في تسمية ما سكت عنه عنده" عند أبي داود "هل كان عنده يسمى صحيحا أ م كان عنده" أي أبي داود "منقسما في التسمية إلى حسن وصحيح كاصطلاح المتأخرين والأكثرين فإنهم قصروا اسم الصحيح على أحد قسمي المقبول وخصوا ما دونه باسم الحسن وهذا يقتضي المساواة بين حديث مسلم وبين ما سكت عنه أبو داود من حديث السنن" كل هذا مبني على أن مسلما قد سمى الحسن صحيحا وأنه لم يرد بتسمية كتابه الصحيح إلا بمعنى المقبول وأنه لم يرد الصحة الاصطلاحية الخاصة أو أرادها وغلب الحسن في التسمية ومبني على أن إطلاق صحيح على ما سكت عليه أبو داود كإطلاق حسن عليه لا فرق بينهما في المعنى وإنما الخلاف لفظي بين الشيخين أبي الفتح والزين ونعم بتم أنه لا فرق بينهما حيث يراد بالصحيح في هذا الإطلاق معنى الحسن.
قلت: إلا أنه لا خفاء في أن ظاهر قول الزين في العذر عن عدم إطلاق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود لتحقق الحسن دون الصحة وقوله فكان الاحتياط أن لا يرفع ما سكت عنه أبو داود إلى الصحيح أن المراد بالصحيح هو الأخص وأن إطلاقه على ما سكت عليه رفع له إلى رتبة هو منحط عنها وغير متحققة له وأبو الفتح قال يطلق الصحيح على ما سكت عليه أبو داود بالمعنى الأعم فيشمل الصحيح الأخص والحسن لأن قول أبي داود إن ما سكت عنه صالح يحتمل الأمرين كما أن مسلما أطلق الصحيح على الأمرين معا وشملهما كتابه فابن رشيد لا يريد بالصحيح في إلزامه ابن الصلاح إلا معناه الأخص إذ معناه المرادف للحسن قد صرح ابن الصلاح بأنه الذي يحتمله ما كست عنه أبو داود

والتحقيق أن إلزام ابن رشيد لابن الصلاح مبني على أن قول أبي داود إن ما سكت عليه صالح يحتمل صلاحيته للصحة بالمعنى الأخص وبالمعنى الأعم الشامل للحسن فلما قال ابن الصلاح: إنه يحمل ما سكت عليه على الحسن قال أبو الفتح ابن رشيد بل ويحتمل الصحة بالمعنى الأخص فحمله على أحد محتمليه تحكم ثم قال بعد ذلك إنه يلزم ابن الصلاح حيث جعل الصالح بمعنى السحن وحمل عليه أن يلزم مسلما بأن في حديثه الحسن لأنه أتى بعبارة كعبارة أبي داود فإن لفظ الصحيح الذي سمى به كتابه يحتمل على أنه أراد به الصحيح بمعناه الأخص ويحتمل أنه المراد الأعم كاحتمال لفظ صالح عند أبي داود ثم إنه لما صرح في كتابه أنه ينقسم بانقسام الرواة إلى صحيح وأنزل منه وأنه أتى بهما فيه دل على أنه أراد به المعنى الأعم كما أن أبا داود قال إن الصالح المسكوت عنه بعضه أصح من بعض دل كلام كل واحد منهما على أنهما أتيا في كتابيهما بأحاديث تفاوت رتبها إلى صحيح وأصح والأصح هو الصحيح بالمعنى الأخص والصحيح هو الحسن فقد أراد مسلم بصحيح وصالح الصحيح بالمعنى الأعم الشامل للقسمين كما أراد أبو داود بصالح.
وبعد هذا تعرف أن قول الزين إن صالح يحتمل الصحيح والحسن مراده الصحيح بالمعنى الأخص ومارد اليعمري أنه لا احتمال فيه بل هو ظاهر في المعنى الأعم كما دل له قول أبو داود إنه أتى في كتابه بالصحيح وما يشابهه وما يقاربه أي يشابهه ويقاربه في الصحة وقوله بعضها أصح من بعض وقد وجد في كتابه الحسن قطعا فمراده بصالح صحيح بالمعنى الأعم كما أراد مسلم وأن قوله مسلما التزم الصحة في كتابه يقول اليعمري نعم لكنه إلتزمها بمعناها الأعم لما قرره من كلام مسلم واشترطها أبو داود بذلك المعنى لقوله صالح وبعضها أصح من بعض.
إذا عرفت هذا عرفت أن جواب الزين عن اليعمري لم يوافق بحثه ومراده أن اليعمري يقول إن الصالح بمعنى الصحيح بالمعنى الأعم وإن أبا داود كغيره يقول بانقسام الحديث إلى الثلاثة الأقسام لكنه عبر بلفظة صالح عن قسمين وبين الثالث: بقوله وما كان فيه وهن شديد وقوله فكان الاحتياط أن لا يرتفع ما سكت عنه إلى الصحيح يقال عليه قد عرفت أن مراد أبي داود بما سكت عنه أي عن بيان وهنه الشديد لأنه لم يسكت على غيره إذ قد حكم بأن الذي لم يبين وهنه صالح فالذي سكت عنه قد جعله صالحا وليس بمسكوت عنه بل موصوف بالصالح وهو محتمل

الأمرين كما عرفت ومنه تعرف أن أبا داود قائل برأي المتأخرين والأكثرين ويحتمل أن يريد زين الدين إن حملنا صالحا في عبارة أبي داود على الصحيح بالمعنى الأعم رفع له إلى فوق رتبة الحسن لأنه يشمل الصحيح بالمعنى الأخص الأحوط وصفه بالتحقق وهو الحسن لكنه قال أبو الفتح إن أبا داود لم يرسم شيئا بالحسن فكيف يثبت له شيئا لم يقله سيما وقد قال إنه صالح وبعضه أصح من بعض.
وبهذا علم أن رأي أبي داود هو الثاني: أعني إدراج الحسن في الصحيح هذا وقول المصنف إن الشيخين جعلا أحاديث مسلم وأبي داود مستوية لا يخلو عن تأمل لأن الزين قال إن مسلما شرط الصحة فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن لما تقدم من قصور رتبة الحسن ووصف أحاديث أبي داود المسكوت عنها بالحسن الذي رتبته أنقص من رتبة الصحيح فهذا يشعر بأنه لم يسو بينهما وأما أبو الفتح فظاهر عبارته التسوية "فإما أن يريدوا" أي أبو الفتح والزين ومن تبعهما "المساواة بينهما" أي بين أحاديثهما "في أن كل واحد منهما واجب القبول عند مخرجه فذلك قريب ولا يقتضي المساواة المطلقة أو يريدوا أنهما سواء على الإطلاق فذلك غير صحيح" لما ذكره من قوله "فإن من أنس بعلم الأثر وطالع كتب الرجال" أي تراجم العلماء في كتب الرجال التي وضعت لبيان أحوال الرواة وغيرهم "لم يشك أن مسلما كان أكثر احتياطا من أبي داود" في ا لرواة "كما لا يشك أن البخاري كان اكثر احتياطا من مسلم وإن كان مقصد الكل" من الثلاثة "حسنا فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى وإنما حمله أنه رأى أن قبول ما رواه واجب ورده حرام فاحتاط كل منهم للمسلمين فجزاهم الله أفضل الجزاء" .
ومن الأدلة أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء فإنه يعتمده قوله "وقد روى النووي في شرح مسلم أن مسلما ذكر أنه ربما أخرج الحديث في الصحيح" أي في كتابه المسمى بالصحيح "بالإسناد الضعيف لعلوه وله إسناد صحيح معروف عند أهل هذا الشأن فقد تركه نزولا استغناء بشهرته وهذا يدل بالنص على أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء لم يدل على أنه اعتمدهم ولذا ضعف المحققون قول من يقول صحيح على شرط مسلم لمجرد إسناده إلى رواة مسلم" فإنه ليس كل من في صحيحه من الرواة غير ضعيف إذ قد صرح بأن فيهم الضعيف لكن ليس فيه حديث ضعيف "وهذا جواب واضح على اليعمري وزين الدين" عما زعماه من مساواة حديث مسلم

لحديث أبي داود.
"واعلم أن المقصود بهذا الكلام هو التعريف بأن حديث مسلم عند التعارض أرجح من حديث أبي داود لمن لم يتمكن من البحث عن إسنادهما والكشف عما قيل في رجالهما وجميع ما يتعلق بهما من علوم الحديث وذلك" أي وجه ترجيح حديث مسلم عند التعارض "لما تقدم من أن جماعة من الثقات قد ادعوا الإجماع على صحة كتاب مسلم" يقال: كيف تتم هذه الدعوى مع أنه قد صرح أنه قد ينزل عن الثقات وأهل الإتقان إلى من هو دونهم فلا بد من حمل الصحة المتفق عليها على ما يشمل مراتب الصحة التي يدخل فيها الحسن لكن ظاهر ما سلف للمصنف أن الإتقان على الصحة بالمعنى الأخص وقد تقدم عن الحافظ ابن حجر ما نقلناه من تحقيق حال أحاديث مسلم بما يرفع درجته عن أحاديث أبي داود.
"ولم يختلف في الترجيح لما تلقته الأمة بالقبول على غيره من الصحيح المقبول" فإن ما تلقته الأمة بالقبول أرجح من غيره من الصحيح الغير المتلقي والتلقي من الأمة وقع للصحيحين كما سلف ولم يقع التلقي لسنن أبي داود فأحاديث مسلم أرجح إذا عارضها صحيح غير البخاري فكيف إذا عارضها ما فيه الحسن ونحوه وتقدم البحث عن دعوى التلقي.
"وإنما وقع الخلاف" بين الأمة "في أن المتلقي بالقبول هل يفيد العلم الاستدلالي أم لا وقد مر ذلك" ومر ما فيه "فمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق" سواء كان من أهل البحث أو من غيرهم "ومن قال إنه يفيد الظن فإن لم يكن من أهل الكشف" أي البحث عن أسانيد "قدمه أيضا" لأنه يجب العمل بالظن عند عدم أقوى منه "وإن كان من أهل الكشف بحث" عن أسانيد المتعارضين من حديث مسلم وحديث أبي داود "فإن حصل له من البحث ظن أرجح" إما بترجيح حديث مسلم أو ترجيح حديث أبي داود "من الظن الحاصل من تلقي الأمة بالقبول صار إليه" إلى ما رجح له لأنه لا يعمل بظن مرجوح عند وجود ظن راجح "وإن كان تلقي الأمة بالقبول أرجح في ظنه عمل به وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن أحوال الرواة" .
"فإن قيل: قد نقل الحافظ ابن النحوي في البدر المنير والحافظ زين الدين في التبصرة عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه قال عن أبي داود إنه يخرج الإسناد

الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال" وقدمنا هذا قريبا "وهذا يقتضي أن في ما سكت عنه ضعيفا عنده لا يجوز العمل به" لأنه لا يعمل إلا بصحيح أو حسن وهذا خارج عنهما لأنه ضعيف لم يعضده خبر آخر بل لم نجد غيره "وذلك الضعيف" الذي صرح أبو داود بإخراجه في كتابه "غير متميز عن غيره فوجب ترك الجميع" أي جميع ما سكت عنه لأنه وإن كان فيه ما يصح به العمل لكنه لم يتميز عما لا يصح.
"ولم يحل الاحتجاج بشيء منها إلا بعد الكشف عن أحوال رجالها في كتب الجرح والتعديل وهذا خلاف ما عليه العمل" من العلماء فإنهم يحتجون بما سكت عنه أبو داود كما تقدم "وخلاف ما نص عليه الحفاظ كابن الصلاح والنووي وزين الدين بن العراقي وسراج الدين بن النحوي وغيرهم" فإنهم قالوا نحتج بما سكت عنه أبو داود إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك كما نقله المصنف عن النووي قريبا وتقدم الكلام في أن ما سكت عنه أنه يحتمل الصحة والحسن.
"قلت: الجواب أن ذلك لا يشكل إلا على من كان لا يعرف ما اصطلح عليه القوم في باب مراتب الجرح والتعديل وغيره من أبواب علوم الحديث وأنت إذا بلغت هذا الباب" من الجرح والتعديل "عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان" لا يخفى أنهم إن أرادوا هذه فهذه صفة رواة الحسن الذي خف ضبطهم "وقد نص زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة منها" أي من مراتب التجريح "يكتب حديثه وحديث من في مرتبته" لا فائدة لزيادته "ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم" وقد تقدم للمصنف هذا وتقدم ما عليه "دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين" فإنه لا يكتب حديثهم لذلك.
"وروى عن أبي حاتم في" أهل "مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم يكتب حديثهم للاعتبار بهم وهم" أي أهل المرتبة من مراتب التعديل "من قيل فيه إنه صالح الحديث" قد عرفت أنه قال أبو داود إن ما سكت عنه من الحديث فإنه صالح وجعلوا هذه العبارة تحتمل الصحة والحسن "أو محله الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك" بفتح الراء وكسرها كما قال الزين واعلم أن ابن معين قال من قيل فيه إنه ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه نقله عن زين الدين وذكر في ذلك خلافا سيأتي بيانه "كما سيأتي إن شاء الله في موضعه" .

"فعرفت بهذا أن الضعيف في رابعة مراتب الجرح هو صالح الحديث في رابعة مراتب التعديل ولكنه يوصف بالضعف بالنظر إلى من فوقه من الثقات الإثبات المتقنين ويوصف بصلاح الحديث بالنظر إلى صدقه وترفعه عن مرتبة المغفلين المكثرين من الخطأ وترفعه عن مرتبة المجروحين والمتهمين ويدل على ما ذكرته ما ذكروه في أقسام الضعيف كما يأتي من أن الحديث قد يسمى ضعيفا عندهم إذا كان من طريق رجال الحسن المستورين غير أنه لم يرد له شاهد ولا متابع ويدل على ما ذكرته ما تقدم من قول أبي الفتح بن سيد الناس إن شرط أبي داود كشرط مسلم" لكنه لا يخفي أنه لم يرفضه المصنف فيما سلف ثم هذا كله يتم إن كان مراد أبي داود بقوله إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره الإسناد الذي ليس فيه وهن شديد الذي التزم أنه يبينه وهذا محل تتبع لما في سنن أبي داود "و" يدل له "ما رواه" أبو الفتح "عن مسلم قوله لي كل الصحيح تجده عند مثل مالك وشعبة وسفيان واحتاج أ ينزل إلى مثل ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فدل هذا على أن رواة أبي هريرة الذي سكت عنهم من أهل الصدق والعدالة عنده وأن تفاوتهم إنما هو في الحفظ والإتقان" هذا مبني على أنه لا فرق بين رجال مسلم وأبي داود فإن المصنف جعل عبارة مسلم في رواته دليلا على أن رواة أبي داود يتصفون بصفة رواة مسلم وهذا ينقض ما سلف له قريبا ولا يتم على كل تقدير لما علم بالخبرة أن في رجال أبي داود ممن يعتمدهم في الأصول رجالا لا يرتضيهم مسلم إلا في التوابع والشواهد كما قد سبقت أمثلة من ذلك فيما قدمناه ولا يتم قوله أيضا "والضعيف منهم" أي من رواة أبي داود "إنما هو ضعيف الحفظ ضعفا متوسطا لا يحطه إلى مرتبة من لا يكتب للاعتبار" لكنه لا يكون حجة يعمل بحديثه.
"ولهذا جعلوا من قيل فيه أنه ضعيف بمرة في ثالثة مراتب الحرج وجعلوه ممن لا يكتب حديثه للاعتبار ومعنى الاعتبار عندهم الطلب التوابع والشواهد التي يعرف بها أن للحديث أصلا ويترقى حديث الضعفاء إلى مرتبة الحسن وسوف يأتي تعريف معنى الشواهد والتوابع والفرق بينهما في بابه إن شاء الله" ويأتي تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله تعالى إلا أنك قد عرفت أن أبا داود قال إنه يذكر الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره فيبني عليه حكم ولذا قال إنه أولى من الرأي والرأي إنما يحتاج

إليه عند رواة الحكم فهو لا يذكره للاعتبار بل ليبني عليه أحكاما ثم إنه مبني على أنه لم يجد في الباب غيره وأي شيء يعتبر هو به وإن أريد أن غير أبي داود من الأئمة يعتبر به فلا يكون عذرا لأبي داود لأنه لم يأت به إلا للحكم به.
"فالإسناد الضعيف على هذا واجب القبول عند كثير من الأصوليين والفقهاء وإن لم يتابع راويه على روايته" ولا يكون حسنا لذاته ولا لغيره "وأما المحدثون فيذهبون إلى قبوله متى جمع شرائط الحديث الحسن" لذاته أو لغيره "إلا البخاري فلم يقبله كما تقدم وبوضح ما ذكرته أن الإسناد الضعيف الذي ذكره ابن منده في السنن مقبول عندهم هو ما قدمناه عن أبي داود من قوله إن ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض" لا يعزب عنك أن نقل ابن منده عن أبي داود أنه قال يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهذا نص منه أنه يخرج الضعيف وقال فيما سكت عنه إنه صالح ثم قال وبعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها أصح من بعض فعبارته تشعر بأن الذي سكت عنه صحيح أو أصح والذي أخرجه عند عدم وجود غير ورآه أولى من الرأي ضعيف فكيف يقول المصنف إن الذي ذكره ابن منده هو الذي قدمه عن أبي داود فليتأمل "ولهذا قال ابن منده" الأولى قال أبو داود لأن ابن منده راو للفظه ومراده قال راويا "إنه" أي أبا داود "يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوي متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة إذا كان رواتها في مرتبة رجال الحسن ولم يكونوا ضعفاء بمرة" لكنه غير خاف عليك أنه قال أبو داود إنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد غره فأين اجتماع الأسانيد الضعيفة التي ترقيه إلى الحسن إذ لو كان شيء يرقيه إلى مرتبة الحسن لما قال إذا لم يجد غيره وإن أراد أن غير أبي داود وجد له أسانيد عاضدة لحديثه الذي لم يجد غيره فلا ينفع ذلك بالنظر إلى أبي داود إذ قد أتى بضعيف لم يعضده شيء عنده ورتب عليه حكما ومنه تعرف ما في قوله.
"ومن نفائس هذا الفصل أن لا تظن" أيها المخاطب كما يرشد إليه قوله واهما "الانفراد في أحاديث السنن إذا لم يورده" أ ي الحديث الدال عليه الأحاديث "أبو داود إلا بإسناد من الأسانيد الضعيفة واهما" من ظن الانفراد في أحاديث السنن "أنه" أي أبا داود "إنما ترك الشواهد والمتابعات لعدمها" عند أبي داود فيظن الانفراد "و" يظن الواهم "أن شرط الحديث الحسن وجودها" أي الشواهد والمتابعات "فليس كذلك" أي ليس كما ظنه

من أن وجودها شرط "فنصه" أي أبي داود "على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته لمتابعات" وشواهد تقويه فيه بحثان:
الأول : إن هذا الذي سكت عنه هو الذي أخبر عنه بأنه صالح والصالح صحيح أو أصح عنده كما عرفت.
و الثاني : أنه لم يسكت عما لم يجد في الباب غيره بل قال إنه ضعيف.
نعم يشكل وجود حديث في السنن مسكوت عنه فإنه يحتمل أن سكوته عنه لكونه صالحا أو أنه ضعيف فلا يعرف الفرق بينهما إلا بأن نجد حديثا ليس في الباب غيره فيحكم بضعفه ثم إنه مبني على أنه لا يأتي في باب من أبواب كتابه بما وهنه شديد وإن لم تجد إلا هو وهذا كله يفتقر إلى تتبع كتاب أبي داود لأن ما سكت عنه قد احتمل الضعف واحتمل أنه صالح "من باب معرفة اصطلاحهم ومن باب الحمل على السلامة" هذا كلام حسن لكنه يقال عليه إنه قد صرح أبو داود أنه يأتي بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره من تابع أو شاهد فحمله على السلامة إنما هو بقبول خبره عن نفسه "فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته" يجب قبول خبره عن نفسه كما يجب قبول ما أخبر به عن غيره وقد أخبر عن نفسه بما عرفت.
وأما قوله: "لا يطلق ذلك" أي لفظ صالح فيها سكت عنه "على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع" فقد عرفت أنه لم يطلقه إلا على صحيح أو حسن "فكيف وقد روى الحافظ سراج الدين بن النحوي في مقدمات كتابه البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف" هذا محمول على ما يخرجه في باب أحاديث الأحكام التي يذكر فيها كثيرة وأما ما يخرجه في باب أو في حكم لا يجد فيه إلا حديثا واحدا فإنه قد صرح بأنه ضعيف "وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه مما إسناده ضعيف لم عرف من شواهده" قد عرفت أنه نص على صلاحية ما سكت عنه ونص على أنه يخرج الضعيف الذي لا يجد غيره في الباب ونص على أنه يخرج ما اشتد وهنه مع بيانه وإذا كان هذا نصه فليس لنا التحكم بأن ما سكت عنه فهو صحيح أو حسن حتى يعلم أن في الباب غيره إذ هو الذي صرح بأنه يخرجه مع ضعفه نعم الذي لا يجد في الباب غيره قليل بالنسبة إلى مقابله فقد يقال الحكم للأعم الأغلب وهو الصلاحية للمسكوت عنه إلا أن هذا لا يكفي في إثبات الأحكام.

"وأما الذهبي" كأنه قسيم إماما تقدم من الأقاويل أي هذا ما قال أئمة هذا الشأن غير الحافظ الذهبي "فقال في ترجمة أبي داود من كتابه النبلاء قال أبو داود ذكرت في السنن الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته قال الذهبي وقد وفى بذلك رحمه الله بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد غير محتمل وكاسر" بالسين المهملة في القاموس كسر من طرفه غض أي غض أبو داود "عما ضعفه خفيف محتمل" غير شديد.
"فلا يلزم من سكوته والحال" عنده "هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده" لأنه قد سكت عما فيه ضعف محتمل وليس هذا بداخل في باب الحسن "ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح" وهو الحسن لذاته فإنه إنما يعتبر فيه خفة الضبط كما عرفت فإنه "الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه البخاري" كان الأولى الإتيان بكلمة الواو عوضا عن أو لأن الذي يرغب عنه البخاري هو الحسن لذاته "ويمشيه مسلم وبالعكس" لا أدري ما يراد به فينظر إذ المعروف أن البخاري لا يعمل بالحسن لذاته كما تقدم ومسلم يدخله في قسم الصحيح وعكس هذا ما أدرى ما أراد به الذهبي "فهو" أي المذكور بالحسن لذاته "داخل في أدنى مراتب الصحيح" كما قد عرفته من كلام العلائي وغيره "فإنه" أي الحسن لذاته "لو انحط عن ذلك" أي عن شرائطه بالاصطلاح المولد "لخرج الاحتجاج" .
"وكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو من شطر الكتاب" وهذا كله تقرير لكون ما كاسر أبو داود عن ضعفه المحتمل وسكت عنه لا يدخل تحت الحسن ولا يحتج به لأنه قد انحط عن رتبته وهذا خلاف ما قاله المصنف في تقريره "ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين" كأن المراد به مسلم "ورغب عنه الآخر" البخاري "ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا يعضد كل منهما الآخر ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص في حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبا ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه فهذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبا وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته والله أعلم انتهى بلفظه" .
واعلم أنه قد تحصل من كلام الذهبي هذا أن أحاديث أبي داود على ستة أقسام:

على شرط الشيخين على شرط أحدهما ما كان إسناده جيدا سالما عن شذوذ وعلة ما كان إسناده صالحا وعضده غيره ما كان إسناده ضعيفا لضعف حفظ راويه ما كان بين الضعف.
وأنت إذا قابلت بين هذا وبين كلام المصنف وجدت بين الكلامين اختلافا وكذا إذا قابلت بينه وبين ما نقل عن أبي داود وإنما هذا إخبار من الذهبي عن حقيقة أحاديث السنن باعتبار ممارسته لها لا باعتبار كلام مؤلفها وكأنه لهذا قال المصنف وأما الذهبي "كما هو معروف من عوائد الحفاظ ولقد قال بعض حفاظ الحديث إن الحديث إذا لم يكن عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم" اليتيم: الفرد كما في القاموس وكأن هذا من قوله كما هو معروف إلى هنا معلق بقوله وأما الذهبي وفيه نوع خفاء وتعلقه بقوله لما عرف من شواهده أظهر وإن كان قد بعد بتوسيطه بنقل كلام الذهبي.
"فهذا الكلام الذي أوردته يعرف شرط أبي داود ومن أحب الكشف عما سكت عنه فهو أولى وأقرب إلى التحقيق التام وهو طريقة أهل الإتقان من طلبة هذا الشأن وأعون كتاب على ذلك" أي على الكشف عن أحاديث أبي داود التي سكت عليها "كتاب الأطراف للحافظ الكبير حمال الدين أبي الحجاج المزي" بضم الميم وكسرها كما في القاموس وآخر زاي بلدة بدمشق "لمعرفة طرق الحديث وكتاب الميزان للذهبي للكشف عن أحوال الرجال وأقرب منها مختصر الحافظ عبد العظيم" أي المنذري "لسنن أبي داود فإنه تكلم على جميع ما فيها مما يحتمل الكلام وبين ما فيها مما في الصحيحين وغيرهما وصححه أو حسنه أبو عيسى الترمذي وجود الكلام على حديثهما غاية التجويد وجاء كتابه مع كثرة فوائده صغير الحجم لم يزد على مجلد" .
ذكر الحافظ المذكور في خطبة مختصريه المذكور عن ابن داسه أنه قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات" 1 و الثاني: قوله: "من
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.

حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" 1والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضي لأخيه ما يرضي لنفسه" 2 والرابع: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات...", الحديث3.
ثم ذكر فيها أيضا أنه حكى أبو عبد الله محمد بن اسحق بن منده الحافظ أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال وحكى عن أبي داود أنه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه انتهى.
وأعلم أنه قد أطال المصنف رحمه الله الكلام على شرط أبي داود ولم يسفر وجه إطالته عن شيء يعتمد عليه.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي قي: الزهد: ب 11, وابن ماجة في: الفتن: ب 12, ومالك في: حسن الخلق: حديث 3, وأحمد 1/201.
2 البخاري 1/10. ومسلم في: الإيمان ب 17. حديث 71. وأحمد 3/176.
3 البخاري 7/30. ومسلم في: المساقاة: حديث 108. وابن ماجة 3984.

مسألة: 15 [في بيان شرط النسائي]
"شرط النسائي" هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي1 في القاموس أن نسا بلدة وبلدة بسرخس ذكره في المعتل ولم يذكره في المهموز "واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود" وقد أطلق الصحة عليه أو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدار قطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد قال ابن الصلاح: وقد أطلق الخطيب السلفى الصحة على كتاب النسائي انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: أطلق الحاكم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي وقال أبو عبد الله بن منده الذي خرجوا الصحيح أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأشار إلى ذلك أبو على بن السكن "وقد روى أن له شرطا أعز من شرط البخاري" قال الحافظ الذهبي في التذكرة إنه قال ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقل قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم "ولكنه لم يصح عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث ولا الحافظ زين الدين بن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين في التذكرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم يجمع على تركه" قد قدمنا أن هذا قاله الحافظ المنذري نقلا عن أبي داود في خطبة مختصر السنن ولكنه قال الحافظ ابن حجر إنما أراد بذلك إجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلوا عن متشددة ومتوسطة فمن
ـــــــــــــــــــ
1 أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي القاضي الإمام الحافظ . قال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج وقال الحاكم: كان أفقه مشايخ مصر في عصره مات سنة 303. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/123.وشذرات الذهب 2/239. والعبر 2/123.

الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه من الثانية يحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من عبد الرحمن ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه.
ثم قال ابن حجر فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه. انتهى.
"قال زين الدين: هذا مذهب متسع" قد عرفت مما نقلناه عن ابن حجر ما لا يتم معه هذا "ذكر ذلك الذهبي في تذكرته" أي تذكرة الحفاظ "في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزجاني قوله والله أعلم" قد عرفته مما نقلناه من التذكرة عن ابن طاهر عن الزنجاني وأن دعواه أن شرط النسائي أشد من شرط البخاري ومسلم وظاهر كلام المصنف أن الذي في ترجمة النسائي. من التذكرة هو هذا المنقول عن ابن منده ولم أجده في التذكرة في ترجمة النسائي.
"وقال" الذهبي "في النبلاء في ترجمة النسائي إن ذلك صحيح" أي ما قاله سعد الزنجاني "وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة" هذا كلام الذهبي وهو ينافي ما تقدم من أنه لم يصح عن النسائي دعوى ذلك إلا أن يقال أن النسائي لم يدع ذلك لكن الأئمة الحفاظ تتبعوا كتابه فوجدوه بهذه المثابة فحكموا له بهذا الحكم كما قلناه في شرط الشيخين.
"وقد تكلم الحافظ سراج الدين" أي ابن النحوي "في أول البدر المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامعه" يعني جامع الأصول "أن النسائي سئل قال" ابن الأثير إنه سأله عنه بعض الأمراء أي "عن حديث سننه الكبرى أصحيح هو فقال لا فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده فصنف كتاب المجتبي واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن انتهى" .
قال ابن الأثير: إن ترك كل حديث مما تكلم في إسناده بالتعليل انتهى.
"قلت: والمجتبي هو السنن الصغرى ولهذا يقول المحدثون رواه النسائي في سننه الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بحديث السنن الكبرى من غير بحث" لا يخفى

أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي الكبرى بقولين الأول أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين الثاني: أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود وهو إخراج حديث من لم يجمع على تركه.
والمصنف قد أجاز العمل بما سكت عليه أبو داود بما طول فيه الكلام فليجعل سنن النسائي مثله "وأما السنن الصغرى المسماة بكتاب المجتبي فيجوز" أي العمل بما فيها من غير بحث "ولعلها هي التي فصلت" أي التي قيل إن رجالها شرط النسائي فيهم أشد من شرط البخاري.
"لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية لم تصح" أي التي ذكرها ابن الأثير "بل المجتبي اختصار ابن السني تلميذ النسائي" وقال في ترجمة ابن السني في تذكرة الحفاظ إ ابن السني صاحب كتاب عمل يوم وليلة وراوي سنن النسائي كان دينا خيرا صدوقا إلى أن قال واختصر السنن وسماه المجتبي انتهى بلفظه ولم يذكر في ترجمة النسائي أنه اختصر السنن.
"قال" أي الذهبي "وهذا هو الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا" ضبط بالقلم بالموحدة فألف فقاف "برواية عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه إجازة لفوت له محدد" أي معروف حده "في الأصل" متعلق بمحدد "قال أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حميد الدروي ثنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار أنا ابن السني عنه قال" الذهبي "وكتاب خصائص علي" ابن أبي طالب رضي الله عنه الذي ألفه النسائي بسبب دخوله دمشق فإنه قال دخلت دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله ذكره الذهبي في ترجمته في التذكرة "داخل في سننه الكبرى وكتاب عمل يوم وليلة من جملته في بعض النسخ" أي نسخ سنن النسائي الكبرى وكأنه منه أخذ ابن السني كتابه عمل يوم وليلة زاد فيه ما ليس من السنن "فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن رجاله استعان بمطالعة أطراف المزي وميزان الذهبي كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود" وتقدم تحقيقه.

مسألة: 16 [في بيان شرط ابن ماجه]
"شرط ابن ماجه" قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمته الحافظ الكبير المفسر هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني1 هو صاحب السنن والتفسير والتاريخ لقزوين "وأما سنن ابن ماجه فإنه دون هذين الجامعين" يعني كتاب أبي داود وكتاب النسائي " والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة وحفظ" هذا الكلام نقله الذهبي في التذكرة عن أبي يعلي الخليلي لا من كلامه نفسه "إلى أن قال وسنن أبي عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام الحافظ الذهبي" ونقل الذهبي عن ابن ماجه أنه قال عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه وقال أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف.
وأقر هذا الكلام في التذكرة "و" لكنه "قال" الذهبي "في ترجمته في النبلاء وقول أبي زرعة لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح كأنما عنى بثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف وقال فيه" في النبلاء "كان حافظا ناقدا صادقا واسع العلم وإنما غض" بالغين والضاد المعجمتين يقال غض منه نقص ووضع من قدره كما في القاموس "من رتبة سننه ما فيها من المناكير وقليل من الموضوعات وإنما أراد الذهبي" بقوله قليل "تقليل الأحاديث الباطلة" ولذا قال من الموضوعات "وأما الأحاديث
ـــــــــــــــــــ
1 أبو عبد الله بن محمد بن يزيد القز ويني سمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر والشام وغيرها. قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه مجمع به مات سنة 283. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/52. وشذرات الذهب 2/164. ووفيات الأعيان 1/484.

الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف حديث منها كما ذكر في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر" بتشديد المهملة أي الذهبي "الباطلة بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء" .
قال الذهبي في التذكرة وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا قال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجه في السنن ألف وخمسمائة باب وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث. انتهى.
وقال ابن حجر في الفهرسة إنه قال الحافظ المزي إن الغالب فيما انفرد به ابن ماجه الضعف ولذا جرى كثير من القدماء على إضافة الموطأ أو غيره إلى الخمسة قال الحافظ أول من أضاف ابن ماجه إلى الخمسة أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه في أسماء الرجال الذي هذا به الحافظ المزي وسبب تقديم هؤلاء له على الموطأ كثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ وممن اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثم المزي مع رجالها.
* * *

مسألة: 17 [في الكلام على جامع الترمذي]
"وأما جامع الترمذي فلم يتعرض" كأنه يريد الذهبي "لذكر شرطه لأنه" أي الترمذي "قد أبان عن نفسه وذكر الصحيح والحسن والغريب" أي ذكره في كل حديث يسوقه.
فإن قلت: قد يجمع بين الصفات الثلاث ومع تنافيها عرفا لا يعرف الناظر في كتابه مراده فيها.
قلت: سيأتي الجواب عن هذا في كلام المنصف.
"وما لم يصححه ولا يحسنه فالظاهر أنه عنده ليس بحجة" على أنه لا يعزب عنك ما أسلفناه فيما صححه أو حسنه من البحث فتذكر "فمن أحب أن يعتمد على ما لم ينص الترمذي على صحته أو حسنه لزمه البحث" عن رجال إسناده.
"وقد صنف في الحديث غير واحد من الحفاظ" كما هو معروف في مثل تذكرة الحفاظ وغيرها وإيراده لهذه الجملة لدفع ما يتوهم أنه لم يصنف في الأحاديث كتب معتبرة إلا ما ذكر "وكتب التفاسير" للقرآن "والرقائق" كالكتب الوعظية من نحو الأحياء للغزالي وإن كان يشمله أيضا قوله "والفقه" فإنه جامع لذلك مع غيره "والأصول وغيرها تشتمل على كثير من الحديث" إذ علم الحديث هو الأدلة للأحكام والأصول والوعظ ولبيان معاني القرآن.
"وحكم جميع ذلك موقوف" أي العمل به "على البحث" عن صحة الحديث وحسنه وضعفه وكأن مراده بجميع ذلك ما عدا ما في الصحيحين نحوهما مما حكم الأئمة بصحته فإن هذه الكتب فيها من أحاديث الصحيحين "والنظر في الرجال عند من لا يقبل المرسل" مراده بالمرسل ما هو أعم مما هو معروف عند أئمة الحديث "وللمرسل شروط تأتي في بابه إن شاء الله تعالى" في أواخر الكتاب.
"وبالجملة فمن روى حديثا من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم

فإنه لا يجوز القوم بصحة الحديث بمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة" إذ مجرد روايته ليس تصحيحا "إلا بنص" منه أو من غيره "على صحته وحده أو على صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية كما سيأتي في المرسل فأما مجرد الرواية فليست طريقا إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الحديث الضعيفة وسوف يأتي ذكر هذه المسألة" في بحث هل رواية العدل تعديل.
"وإنما ذكرت شروط أهل السنن كلهم" كأنه جواب عما يقال إن أهل علوم الحديث لم يذكروا إلا شرط الشيخين "وإن لم يكن من جملة علوم الحديث" كأنه يريد مما لم يذكره من ألف في هذا الفن وإلا فإنها من علوم الحديث "لأن ابن الصلاح وزين الدين ذكرا شروط البخاري ومسلم وأبي داود" وبه تعرف أن مراد المصنف بقوله شروط أهل السنن ليس إلا النسائي وابن ماجه وأبو داود قد ذكروا شرطه والترمذي لا شرط له كما ذكره المصنف "والمستدركين على البخاري ومسلم المستخرجين لأحاديثهما" الظاهر في عبارته أن المستخرجين صفة للمستدركين ولكن قد عرفت مما سبق أن المستدركين هم الذي تتبعوا أحاديث كتابي الشيخين وانتقدوا رجالا من رواتهما كما صنعه الدار قطني وغيره وأما المستخرجون فليسوا بمستدركين كما عرف من ذكرهم وذكر شروطهم فيما تقدم على أن المستدركين لم يذكر لهم شرطا فيما سبق ولا ذكره الزين ولا ابن الصلاح.
"وذكر زين الدين شرط النسائي باختصار كثير فرأيت ذكر شروطهم الجميع أكثر مناسبة" وأكمل إفادة "والله أعلم" .
* * *

مسألة: 18 [في ذكر شرط المسانيد]
"شرط المسانيد" جمع مسند والمعروف في التصريف جمع مفعل على مفاعل ولكن جمعه مع الياء شائع قال زين الدين: في ألفيته في هذا البحث:
ودونها في رتبة ما جعلا على المسانيد فيدعى الجفلى بفتح الجيم والفاء معا مقصور وهي الدعوى العامة للطعام فإن الدعوة له عند العرب قسمين الجفلى وهي العامة التقوى وهي الخاصة "واعلم أن المسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة" ولذا قال الزين ودونها أي دون السنن في الرتبة وفسر الزين الرتبة بالصحة كما قاله المصنف ووجهه أن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعه فيجمع الضعيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب فإن مؤلفه لا يورده لإثبات دعواه في الترجمة إلا الحديث المقبول وسيشير المصنف إلى هذا ولا خفاء أن عبارتهما تفيد أن السنن كلها بعيدة عن رتبة الصحة والذي قرره قريبا خلاف هذا وكأنه من باب التغليب.
قلت: إلا أنه لإخفاء أن في المسانيد حسانا بل فيها صحيح وحسن بعضه قد يكون أرجح من أحاديث السنن فالتحقيق أنه لا يتم ترجيح مجموع من السنن على مجموع من المسانيد كمسند أحمد مثلا على مجموع من السنن كسنن أبي داود وإنما يتم ترجيح أفراد على أفراد كحديث معين من السنن على حديث من أحاديث المسند أو عشرة على عشرة أو نحو ذلك.
وإذا عرفت هذا فينبغي أن يحمل كلامهم على أن أغلب أحاديث السنن أرفع رتبة من أغلب أحاديث المسانيد إلا أن فيه بعد هذا بحثا وهو أنها تقل الفائدة في هذا الترجيح عند العمل فإنه إذا تعارض مثلا حديث من مسند أحمد وحديث من سنن ابن ماجه وقد علم أن فيه ضعيفا كثيرا وعلم أن في مسند أحمد حسنا فلا ترجيح

لحديث ابن ماجه لجواز أنه من الأحاديث الضعيفة وجواز أن حديث المسند من الحسان فيتوقف العمل على البحث فعرفت أنه لم يأت الترجيح الجملي بفائدة.
ولا يقال فائدته أن يحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب كما عرف في الأصول والأغلب في أحاديث ابن ماجه الحسن وفي أحاديث مسند أحمد الضعيف لأنا نقول مثل هذا لا يكفي في إثبات الأحكام الشرعية إنما يجري ذلك في الأبحاث اللفظية كقولهم إذا تعارض الاشتراك والمجاز حمل اللفظ على المجاز لأنه الأغلب ولا يقال الأحكام اللفظية ترتب عليها أيضا أحكام شرعية فإذا كفى ذلك هنالك فليكف هنا فيكون هذا فائدة الترجيح الجملي لأنا نقول هذا لا يطرد.
واعلم أني قلت: هذا بحثا مني وبعد أعوام رأيت البقاعي قد نبه على هذا فقال بعد بيان كلام الزين والتفرقة بين السنن والمسانيد ما لفظه وليس ذلك من مسلم طردا ولا عكسا فإنه قد ينتقي صاحب المسند فلا يذكر إلا مقبولا كما صنع الإمام أحمد فإنه قال انتقيته من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث فما كان ينبغي أن يمثل به لما دون السنن وانه قال أي الزين إن في مسند أحمد الموضوع وقد هي شيخنا ذلك وصنف كتابا في المسند وكذا البزار انتقى مسنده وإذا ذكر ضعيفا بين حاله في بعض الأحايين وربما اعتذر عن إيراده بأنه ما وجد في الباب غيره أو بغير ذلك وكذا اسحق بن راهويه يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي إذا عرفت هذا عرفت أنه يتعين تأويل كلامهم بما قررناه.
"وشرط أهلها" أي أهل المسانيد "أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة" بكسر المهملة الأولى يقال هذا على حدته وعلى وحده أي توحده أي يأتون بحديث كل صحابي على انفراد "من غير نظر إلى الأبواب" التي تلائم الحديث كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب "ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله" القاعدة: تقديم كل على أجمع: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لأن كلا وجميعا هنا تأكيد لحديث وأن لم يساقا مساقه في اللفظ وكأنه لذلك اغتفر الترتيب ولا فرق بين جميع وأجمع "سواء رواه من يحتج به أو لا فقصدهم حصر جميع ما روى عنه" ومن هنا ضعفت رتبته عن رتبة السنن.
"كمسند أبي داود الطيالسي" هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل البصري سمع ابن عون وشعبة بطبقتهم وعنه أحمد بن حنبل وغيره من أهل

طبقته قال الفلاس ما رأيت أحفظ منه وقال ابن مهدي كان هو أصدق الناس قال الذهبي قلت: كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين "ويقال إنه أول مسند صنف" قال البقاعي الذي حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر أبي داود على أعصار من يصنف المسانيد وظن أنه الذي صنفه وليس كذلك فإنه ليس من تصنيف أبي داود وإنما جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس ابن حبيب خاصة عن أبي داود قال ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس من تصنيفه وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه. انتهى.
"ومثل مسند أحمد بن حنبل" فإنه من أجمع المسانيد للحديث وهو إمام الحفاظ وعلم الزهاد أفردت ترجمته في مصنفات.
"و" مسند "أبي بكر بن أبي شيبة" قال في حقه الذهبي الحافظ الكبير العديم النظير الثبت التحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف وغير ذلك سمع من ابن المبارك وابن عيينه وطبقتهم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وعوالم قال الخطيب كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
"و" مسند "أبي بكر البزار" بفتح الموحدة فزاي مشددة هذا هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل.
"و" مسند "أبي القاسم البغوي" قال الذهبي هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز مولده في رمضان سنة أربع عشر ومائتين سمع علي بن المديني وأحمد بن حنبل وخلقا كبيرا أزيد من ثلاثمائة شيخ وجمع وصنف معجم الصحابة والجعديات وطال عمره وتفرد في الدنيا.
"وغيرهم ومن أوسعها مسند بقي" بالموحدة فمثناة تحتية بزنة تقي ابن مخلد بالخاء المعجمة آخره مهملة بزنة مقتل قال فيه الذهبي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تيسير مثله أصلا مولده في رمضان سنة إحدى ومائتين قال وكان إماما علامة مجتهدا لا يقلد أحدا قدوة ثقة حجة صالحا عابدا مجتهدا أواها منيبا عديم النظير في زمانه قال أبو الوليد القرطبي ملأ بقاع الأندلس حديثا وعن بقي قال:

لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة وسرد الصوم وحضر سبعين غزوة مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين.
"ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي" قال الذهبي هو الحافظ البارع أبو علي كذا في التذكرة وفي نسخ التنقيح أبو الحسين ولعله غلط الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي النيسابوري صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف جزء وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتابا وعلى صحيح مسلم وأدركته المنية ودفن علم كثير بدفنه مولده سنة ثمان وتسعين ومائتين ومات في تاسع رجب سنة خمس وستين وثلثمائة "قال الذهبي فرغ مهذبا معللا في ثلاثة آلاف جزء" قد سمعت قول الذهبي إنه ألف جزء وثلثمائة جزء.
"وهذه المسانيد الكبار هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح" والسنن "تسهيلا على الطالبين" ثم اختصرت الصحاح بحذف أسانيدها وجمع متونها ثم ضمت إليها السنن كل ذلك تسهيلا للطالبين ثم مراده بالصحاح ما يشمل السنن.
"قال زين الدين: وقد وعد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد" قال الذهبي في حق الدرامي هو الإمام الحافظ شمس الإسلام بسمرقند أبو عبد الله بن عبد الرحمن صاحب المسند العالي ثم قال وله المسند وكتاب الجامع وأثنى عليه وسمي كتابه مسندا كما سماه ابن الصلاح وكأنه سماه مؤلفه بالمسند وإن لم يكن على ترتيب المسانيد قال الحافظ ابن حجر اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمعطلة والمنقطعة والمقطوعة قال هو ليس دون السنن في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير انتهى.

مسألة: 19 [في الكلام على الأطراف]
"قد مر الكلام في ذكر الأطراف وهي من جملة ما اصطلح على تسميته أهل الحديث" وجعله نوعا من التأليف له صفة يمتاز بها عن غيره "فيحسن ذكرها" إذ قد صارت من جملة علوم الحديث "وإن لم يتعرض لها ابن الصلاح وزين الدين" في كتابيهما.
"وشرط أهل كتب الأطراف أن يذكروا حديث الصحابي مفردا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا" لا كأهل المسانيد يذكرون الحديث كله "يعرف به ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق وما اختص به كل واحد منهم" أي ما اختص به أحد مؤلفي الكتب الستة من طرق ذلك الحديث.
"وإذا اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم أو انفرد بعضهم ذكروا" أي أهل الأطراف "أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه" فيعرف موضعه ليقرب البحث عنه "وإن ذكره" أي الواحد من أهل الكتب الستة "مفرقا في موضوعين أو أكثر ذكروا" أي أهل الأطراف "كل واحد من الموضوعين فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده" وهذا أعظم فوائد تأليف الأطراف فإنه "يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها" أي من الأطراف "عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة" إذا كان مقصوده معرفة طرق الحديث لأنها قد جمعت الأطراف لا إذا كان مقصوده معرفة ألفاظ المتون فإنها لا تكفي فيها لعدم اشتمالها على جميع ألفاظها "ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضوع الحديث منها" بنص صاحب الأطراف على محلها.
"وقد صنف فيها غير واحد من الحفاظ وأجل ما صنف فيه" أي في هذا الفن "كتاب

الحافظ أبي الحجاج المزي" تقد ضبطه وهو إمام كبير ختم الحافظ الذهبي تذكرة الحفاظ بترجمته فقال شيخنا العالم الحبر الحافظ الأوحد محدث الشام ثم ذكر قراءته ورحلته إلى أن قال وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جدا صادق اللهجة لم تعرف له صبوة كان متواضع حليما صبورا مقتصدا في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحه ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث وفي النظر وكان ذا سماحة ومروءة باذلا لكتبه وفوائده ونفسه كثير المجلس توفي في صفر سنة اثنين وأربعين وسبعمائة.
"قال الشيخ مجد الدين الشيرازي" هو مؤلف قاموس أبو الطاهر الفيروز باذي كان يدعي أنه من ولد الشيخ أبي اسحق صاحب المهذب ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وأقبل على الطلب في فنون العلم وأقبل على اللغة وعظم شأنه وألف كتبا نفيسة منها القاموس وشرح البخاري ولم يتم خرج في آخر أمره إلى اليمن وتزوج الملك الأشرف ببنته وولاه قضاء اليمن وتوفي بها في مدينة زبيد وقبره معروف ووفاته في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة "وأما تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف للحافظ الكبير الشيخ جمال الدين فإنه كتاب معدوم النظير مفعم الغدير" بضم الميم فيعن مهملة بزنه مكرم أي مملوء من أفعم الإناء إذا ملأه "يشهد لمؤلفه على إطلاع كثير وحفظ بتير" بموحدة فمثناة فوقية فمثناة تحتية فراء في القاموس البتير القليل والكثير.
"والعلماء يقولون محدث ما له أطراف كإنسان ما له أطراف وقد قصد" أي أبو الحجاج المزي "بوضعه" أي وضع كتاب الأطراف "تحصيل الكتب المعتبرة التي هي دواوين الإسلام المشتهرة" وهي الأمهات الست "بأسانيدها في مختصر وليس قصده ذكر تمام متون الأحاديث وسردها وإنما يذكر الراوي أولا وطرفا من الحديث إلى أن يتميز عن غيره من الأحاديث ثم يقول رواه فلان بسند كذا وفلان بسند كذا إلى أن يفرغ من ذكر من رواه من آهل الكتب فإذا نظره المحدث عرف من أول نظرة بدا بدا" كذا في النسخ ولعله تصحيف بادئ بدء أو بادي بدا ومعناه أول شيء كما في القاموس وفيه لغات أخر "علوه" مفعول عرف والمارد علو سنده "ونزوله بالنسبة إلى كل مصنف" من الأئمة الستة.
"وقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو مسعود الدمشقي وأطرافه أيضا كتاب نفيس مفيد

وله فضل التقدم وكتاب الشيخ جمال الدين المزي اجمع وانفع واجل قدرا وارفع وسئلت عنهما" أي عن أطراف أبي مسعود وأطراف المزي "في وقت فقلت: بينهما بون" بفتح الموحدة وتضم مسافة ما بين الشيئين "كثير بلا مراء" بلا ممارة ولا جدال "وأشبه شرج" بالشين المعجمة مفتوحة فراء ساكنة فجيم "شرجا لو أن أسيمرا" بالسين المهملة قال الزمخشري في مستقصى الأمثال شرج اسم موضع والأسمير تصغير الأسمر جمع سمرة قاله لقيم بن لقمان المادي حين أوقد له أبوه هذا الشجر في أخدود حفره على طريقه أراد سقوطه فيه وهلاكه حسدا له ففطن له لما لم ير السمر في مكانه يضرب في تشابه الشيئين وبينها أدى تخالف "وتكافأت" المكافأة المساواة "الغواني" بالغين المعجمة جمع غانية في القاموس الغنية المرأة التي تطلب ولا تطلب والغنية بحسنها عن الزينة أو التي غنيت ببيت أبوها ولم يقع عليها سباء أو الشابة العفيفة ذات زوج أو لا "لو أصبى" وفيه أصبته وتصبته شاقته إلى الصبا فحن إليها "غيره عزه" بفتح المهملة وتشديد الزاي وهي لغة بنت الظبية والمراد هنا المرأة التي أصبت "كثيرا" وشبب بها في أشعاره وقصته معروفة وهو بصيغة تصغير كثير.
* * *

مسألة: 20 [في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه]
"المراد بصحة الإسناد وحسنه" وضعفه اعلم أن "من أساليب أهل الحديث أن يحكوا بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون إسناد صحيح دون حديث صحيح ونحو ذلك" أي حسن أو ضعيف "لأنه قد يصح الإسناد لثقة رجاله ولا يصح الحديث لشذوذ أو علة كما سيأتي في الشاذ والمعلل وهذا كثير ما يقع في كلام الدار قطني والحاكم" والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما ولا يصح المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى.
"قال ابن الصلاح: غير أن المصنف المعتمد" أي الذي هو عمدة وقدوة "منهم" أي من أهل الحديث "إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه" أي متن الحديث "صحيح في نفسه لأن عدم العلة هو الأصل والظاهر" قال عليه الحافظ ابن حجر قلت: لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح ماذا كان قولهم صحيح الإسناد يحتمل آن يكون مع وجود علة لم يتحقق عدم العلة فكيف تحكم له بالصحة وقوله عن المصنف المعتمد إذا اقتصر إلى آخره يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا تختص بغير المعتمد وهو كلام ينبو عن السمع لان المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد.
والذي يظهر لي أن الصواب هو التفرقة بين من يفرق في وصف الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق فمن عرف من حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا وقييده على الإسناد فقط ومن عرف من حاله انه لا يصف الحديث دائما أو غالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في

حقه ما قاله المصنف آخرا والله أعلم ومراده بالإطلاق عدم ذكر السلامة بعد وصفه بالصحة وبالتقييد ذكرها وهو كلام متجه.
"قال زين الدين: وكذلك إذا اقتصر على قوله انه حسن الإسناد ولم يتعقبه بضعف قلت: هذا الكلام" من الشيخين "متجه لأن الحفاظ قد يذكرون ذلك لعدم العلم ببراءة الحديث من العلة لا لعلمهم بوجود علة" غذ لو علموا بوجودها ما جاز السكوت عن الإعلال "ويصرحون لهذا كثيرا فيقول أحدهم هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم له" أي للمتن الدال عليه ذكر الإسناد ولا يصح جعل الضمير للإسناد "علة على أن الأصوليين والفقهاء وكثيرا منهم" أي من المحدثين "يقبلون الحديث المعل كما سيأتي" قد عرفت مما سبق أنه لا بد في الصحيح من عدم العلة أو الشذوذ كما ذكر في رسمه عند المحدثين وأنه لا يشترط فقد العلة عند الفقهاء إلا إذا كانت قادحة فراجع ما قدمناه ثم القبول له لا يلزم منه أنه صحيح فإنهم يقبلون الحسن كما قال زين الدين: في ألفيته:
والفقهاء كلهم تستعمله والعلماء الجل منهم يقبله أي: الحسن.
* *

مسألة:21 [في بيان المراد من الجمع في وصف الحديث بين الصحة والحسن]
"جمع الحديث بين الصحة والحسن" أي جمع بعض الأئمة لوصف الحديث بالأمرين "استشكل الجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد كقول الترمذي" في جامعه "حديث حسن صحيح" وقد يزيد غريب ولم يذكره المصنف لأن الغرابة لا تنافي الصحة والحسن ومثله وقع للبخاري على ما ذكره السخاوي ويعقوب بن شيبة فإنه جمع بين الصحة والحسن والغرابة في مواضع من كتابه وكأبي على الطوسي فإنه جمع بين الصحة والحسن في مواضع من كتابه المسمى بـ الأحكام وكذا في شرح النخبة لملا علي قاري وإنما استشكل "لأن الحسن قاصر على الصحيح" بخفة ضبط رواته "كما سبق" في تعريفه "فكيف يجمع إثبات القصور" بوصفه الحسن "ونفيه" أي القصور بوصفه بالصحيح "في حديث واحد" وهل هذا إلا تناقض؟!.
"قال زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجوابين ثم جوز جوابا آخر" لفظ زين الدين: وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثم جوز جوابا آخر. انتهى. ولفظ ابن الصلاح وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روى الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أي أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من أراد ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده انتهى بلفظه فعرفت أنه جواب بجواب واحد وجوز جوابا آخر جعله علاوة للأول فكأن ما في نسخ التنقيح من قوله جوابين وجوز جوابا آخر سبق فلم أو غلط من النساخ.
"وضعف الجوابين الشيخ تقي الدين فمزجت" بالزاي والجيم من المزج وهو الخلط "الجوابين" أي جوابي ابن الصلاح "بردهما" للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد أفاد

ذلك قوله "قال ابن الصلاح: غير مستنكر أن يراد بالحسن معناه اللغوي دون الاصطلاحي" قد قدمناه تفسير ابن الصلاح اللغوي.
"قال الشيخ تقي الدين" ردا عليه "يلزم عليه الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن" إذ قد تميل إليه النفس ولا يأباه القلب مع انه لا يطلق عليه الحسن عندهم فلو أرادوا المعنى اللغوي لأطلقوا الحسن على الموضوع قال الحافظ ابن حجر هذا الإلزام عجيب لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح فحكمه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا.
"قال ابن الصلاح: وهو جوابه الأول" كما عرفته مما سقناه من كلامه أو يريد أي الترمذي ونحوه بالحسن "لما اختلف سنده فهو صحيح بالنظر إلى إسناد حسن بالنظر إلى إسناد آخر قال الشيخ تقي الدين" رادا عليه "ويرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح وليس لها إلا مخرج واحد" أي سند واحد فلا يتم الجواب قال الشيخ تقي الدين "وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فهو تصريح بأنه لا يعرف له إلا طريق واحد فكيف يتم الاتصاف بالأمرين لإسناد واحد؟ وذلك "كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا قال فيه الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ" وحينئذ فلا يتم ما أجاب به ابن الصلاح.
"قلت: يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض" أي على مجرد ما مثل به وغيره بأجوبة:
الأول : "بأن الترمذي أراد انه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيد به في هذا المثال, و" أراد أنه "قد ورد معناه بإسناد آخر" أخذا من مفهوم قوله على هذا اللفظ.
و الثاني : قوله: "أو يريد" أي الترمذي بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه "من ذلك الوجه كما يصرح به في غير حديث" أي لا نعرفه حسنا صحيحا إلا من هذا الوجه ونعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا الأمن هذا الوجه وتعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة "مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو من دونه" فيقول لا نعرفه أي صحيحا غريبا إلا من هذا الوجه "ويكون صحيحا" أي حديث التابعي أو غيره "مشهورا من غير تلك الطريق" ولا تنافي بين الصحة والغرابة بهذا الاعتبار.
و الثالث : قوله: "أو يردوا انه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه

إلا بذلك الإسناد" فقوله لا يعرف إلا من هذا الوجه أي عن ذلك الصاحبي "وله إسناد آخر عن صحابي آخر" يصح به وصفه بالصحة والحسن "وهذا" أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر يصحبه وصفه الصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر "هو المسمى بالشاهد" فإنه شاهد لهذا الحديث الذي تفرد بروايته صحابي بإسناد له "وإنما عدم التابع وهو روايته" أي ذلك الحديث بعينه "عن ذلك الصحابي" من طريق أخرى فالفرق بين الشاهد والتابع انه في الأول يختلف الصحابي والطريق و الثاني تختلف الطريق ويتحد الصحابي وسيأتي تحقيقهما.
"وقد عرف من طريقة المحدثين تسمية الحديث المروي عن صحابيين بحديثين وان كان لفظه أو معناه واحدا فلما اصطلحوا على ذلك رأي الترمذي أن ذلك الشاهد حديث آخر ليس هو هذا الحديث" وان اتحد لفظا أو معنى "إذ لا دليل على أن الصحابيين" اللذين روياه "سمعاه مرة واحدة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم" بل يجوز انه صلى الله عليه وسلم كرره في مجالس فسمع كل في مجلس غير مجلس الآخر فعدوه حديثين باعتبار تكرره منه صلى الله عليه وسلم ولا يخفي انه لا دليل على انهما سمعاه كل واحد في مجلس بل هو محتمل لاتحاد المجلس ولتعدده فالحكم له بأحدهما تحكم.
"ثم أجاب الشيخ تقي الدين في الاقتراح بعد رد الجوابين" اللذين أجاب بهما ابن الصلاح "المذكورين" فيما تقدم تقريبا "بجواب" على الإشكال في جمع الترمذي مثلا بين الوصفين "حاصله أن الحسن لا يشترط فيه القصور من الصحة" وهذا دفع لعلة الإشكال لأنه قال المصنف والزين ويغرهما أن وجه إشكال وصف الحديث بالحسن والصحة معا هو قصور الحسن عن الصحيح فمنع الشيخ تقي الدين كون العلة القصور لا مطلقا ولذا قال "إلا حيث انفرد الحسن فإن بالحسن حينئذ" أي حين إذ يفرد الحسن عن الصحة في صفة الحديث "المعنى الاصطلاحي" في الحسن وهو الذي يلزمه القصور عن رتبة الصحيح "وأما أن ارتفع" أي الحديث "إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة" لوجود صفاته في ضمن صفاتها "لأن وجود الدرجة العليا" وهي الصحة التي هي عبارة عما ذكره بقوله "وهي الحفظ والإتقان لا تنافي وجود الدرجة الدنيا" التي هي صفة الحسن التي هي "كالصدق" وخفة الضبط وإذا لم تنافه "فيلزم أن يقال" في صفة الحديث "حسن باعتبار الصفة الدنيا" ويقال فيه "صحيح باعتبار الصفة العليا" ولا يخفي أن معنى كونه حسنا اصطلاحا أن رواته ممن خف ضبطهم وكونه

صحيحا أيضا أن رجاله مناهل الضبط التام ومعلوم انه لا يقال صحيح إلا وهم من آهل الضبط التام فكيف تلاحظ خفة الضبط؟.
وحاصله أن لازم الحسن خفة ضبط رواته ولازم الصحيح تمام ضبط رواته أي عجم خفته فما معنى وجود لازم الحسن فيمن تم ضبطه وإتقانه فإن أريد هذا اللازم للحسن غير مراد هنا كما يفيده قوله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة فهو عائد إلى أن المراد بالحسن الصحيح وان قوله حسن صحيح بمثابة قوله صحيح ولكنه لا يناسبه قول الشيخ تقي الدين لان وجود الدرجة العليا لا تنافي وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ما عديمه إلا الدرجة العليا لتنافى وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ماعدتمة إلا الدرجة العليا ويؤيد كون هذا الأخير مراده قوله "قال ويلزم على هذا" أي على عدم اشتراط قصور الحسن عن الصحة "أن يكون كل صحيح عنده" أي عند الترمذي "حسنا" فعلى هذا الحسن عندهم ثلاثة أطلا قات تارة يطلق على ما يطلق عليه الصحيح ويشترط فيه شرائط وتارة ما خف ضبط رواته وهو الحسن لذاته وتارة على ما حسنه بالقياس إلى غيره.
قلت: وهذا خلاف ما تقرر فيما سلف أن الترمذي ربما أتى في كتابه بالحسن لغيره كما صرح به كلامه المنقول عنه فيما سلف.
"ويؤيده" أي يقوي إطلاق الحسن على الصحيح "قولهم حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى" كلام ابن دقيق العيد الذي نقله عنه الزين في شرح ألفيته.
"وقد وافقه" أي الشيخ تقي الدين "على هذا" الذي زعمه من أن كل صحيح عند الترمذي حسن الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر "ابن المواق" بتشديد الواو وآخره قاف "فإنه قال: وكل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا قلت: تلخيص هذا أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول النوع تحت الجنس كالإنسان تحت الحيوان" قلت: لا يذهب عنك أنه قد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين أن الصحيح أخص من الحسن قال الشيخ تاج الدين التبريزي ودخول الخاص في حد العام أمر ضروري.
وقال زين الدين: أنه اعتراض متجه ونظره المصنف بما تقدم له ورددناه وهنا قال المصنف أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول الإنسان تحت الحيوان فجعل الحسن

خاصا والصحيح عاما والذي تقدم خلاف هذا هو أن الصحيح أخص لأنه الحسن وزيادة كالإنسان فإنه الحيوان وزيادة وعبارتهم هنا قاضية بأخصية الصحيح فإنه قال أن كل صحيح حسن كما تقول كل إنسان حيوان فكان المتعين أن يقول المصنف أن الحسن يدخل تحته الصحيح بالضمير في تحته فيستقيم الكلام ويدل له قوله "وقد تقدم فيه نظر" يشير إلى ما تقدم له من قوله ردا على الزين لما قال أن اعتراض تاج الدين متجه.
قلت: بل هو اعتراض غير متجه لأن العموم والخصوص إنما نقع على الحقيقة في الحدود إلى آخر كلامه وتقدم ما تعقبناه به "وهو غير وارد هنا لأنه" أي الذي مضى "إشكال على صحة هذا" أي هذا القوم بالعموم والخصوص في رسوم هذه الأقسام "لا على صحة التسمية" التي هي المراد هنا "ممن اعتقد صحة هذا" أي العموم والخصوص في هذه الرسوم كأنه يريد أن هذه التسمية تفرعت عن اعتقاد العموم والخصوص في رسوم هذه الأشياء فلا يرد الإشكال على الفرع على من اعتقد صحة الأصل "وهذا لطيف" جدا "فتأمله وأورد" أبو الفتح اليعمري هو "ابن سيد الناس" على ابن المواق كما صرح به زين الدين والمصنف قال "على هذا" وهو ما سلف عن ابن دقيق العيد وابن المواق "أن الترمذي شرط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا انتهى" .
قال الحافظ ابن حجر وهو تعقب وارد ورد واضح على من زعم التداخل بين النوعين.
قلت: تقدم للمصنف الرد على ابن المواق بأن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن إلى آخر كلامه فأفاد أنه لا يقول الترمذي كل صحيح حسن.
"قال زين الدين: فعلى هذا" أي على كون كل صحيح حسن "الأفراد الصحيحة" أي التي لم ترو إلا من وجه واحد "ليست حسنة عند الترمذي" لأنها لم ترو من وجه آخر وهو شرط الحسن عند الترمذي وذلك "كحديث الأعمال بالنيات" فإنه فرد بالنسبة إلى أول رتبة منه وما بعدها من رتبة فإنه تفرد به عنه صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ثم تفرد به عم عمر علقمة واستمر التفرد إلى يحيى بن سعيد "و" حديث "السفر قطعة من العذاب" فإنه تفرد به مالك "و" حديث "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" فإنه تفرد به

عبد الله بن دينار.
"قال" أي زين الدين "وجواب ما اعترض به" أي ابن سيد الناس "أن الترمذي إنما يشترط ذلك في الحسن" أي مجيء الحسن من وجه آخر "إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح فإن بلغها لم يشترط ذلك" فليس شرطه ذلك في الحسن مطلقا "بدليل قوله" أي الترمذي "في مواضع" من جامعه "هذا حديث حسن صحيح غريب فلما ارتفع إلى" رتبة "الصحة اثبت" له "الغرابة باعتبار فرديته" انتهى كلام الزين فهذا صريح في أنه يصف الحديث بأنه حسن إذا بلغ رتبة الصحيح وأن لم يأت إلا من وجه واحد قال المصنف "وعندي جواب آخر" يوجه به جمع الترمذي بين الحسن والصحة في صفة حديث واحد "وهو أن يريد الترمذي أن الحديث صحيح في إسناده ومتنه" مبتدأ خبره "حسن في الاحتجاج به على ما قصد الاحتجاج به فيه ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي دون الاصطلاحي" .
تقدم تفسير الحسن اللغوي بأنه ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب وهو صفة اللفظ وليس مدلولها الاحتجاج به ولا يرد على هذا ما أورده الشيخ تقي الدين على ابن الصلاح حيث حمل الحسن على اللغوي وهو "من لزوم تحسين الموضوع لأن الموضوع" وأن كان قد يكون حسنا لغة لكنه "لا يحسن الاحتجاج به لأن ابن الصلاح أطلق الحسن اللغوي" وقد قيده المصنف به لإخراج الموضوع "ولم يقيده" ابن الصلاح "بحسن الاحتجاج فورد على إطلاقه والله أعلم" .
قلت: إلا أنه لا يخفى أن زيادة قيد حسن الاحتجاج ليس من مدلول الحسن اللغوي كما أشرنا إليه فهذا معنى للحسن آخر ليس لغويا ولا هو الاصطلاحي المعروف وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن غيره وقيل يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم فيريد حسن باعتبار إسناده صحيح باعتبار كونه من قبيل المقبول وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة.انتهى.
"وهذا الجواب عندي أرجحها لأنه لا يرد عليه شيء من الإشكالات" إلا ما عرفته من أنه ليس مدلوله ذلك لغة وكذلك يرد عليه أنه كان الحديث صحيح الإسناد ولامتن فالاحتجاج به معلوم لا يفتقر إلى ذكره ولأنه لم يأتي في اصطلاحهم وصف الحديث بالحسن مرادا به حسن الاحتجاج به ولا يحمل كلامهم إلا على اصطلاحهم,

ولأنه قد يكون الحديث صحيح الإسناد والمتن ويخلو عن الحسن اللغوي بأن يكون لفظه غريبا فإن الغريب لا تميل إليه النفس ثم أنه كان الأولى على تقدير إرادة ما ذكره المصنف أن يقال صحيح حسن لا حسن صحيح لأن الاحتجاج فرع عن صحته.
"فإن قيل: يرد عليه" أي على هذا الجواب "أنه يلزم منه أن يقول" أي الترمذي "في الحديث الحسن هذا حديث حسن حسن مرتين أحدهما يعني بها الحسن الاصطلاحي والأخرى يعني بها الحسن اللغوي" قد عرفت مما سلف أن الإشكال وارد على جمع الوصف للحديث بين صفتي الحسن والصحة وأنه أجاب المصنف بأن المراد بالحسن الاحتجاج به وبالصحة صحة إسناده لو متنه حسن للاحتجاج به وهذا السؤال وارد على انفراد بصفة الحسن أو ليس فيه إشكال ومعلوم أنه لا يريد أن السؤال هذا وارد على محل الإشكال وأنه يريد أنه يلزم أن يقال حديث حسن صحيح واحتمال إرادته هذا تكلف.
"فالجواب أنه يجوز أن يريدهما" أي الحسن اللغوي والاصطلاحي "بلفظ واحد كما لو صرح بذلك فقال هذا حديث إسناده والاحتجاج به" قد عرفت أن الاحتجاج به ليس معناه اللغوي "لأن الحسن الاصطلاحي بعض أنواع الحسن اللغوي" قد ينازع في هذا ويقال بينهما عموم وخصوص من وجه لوجود الحسن اللغوي في الموضوع ووجود الحسن الاصطلاحي فيما كان في لفظه غرابة واجتماعها فيما حسن إسناده وفيما تميل النفس إليه ولا يأباه القلب "وليس الحسن مشتركا بينهما مع أن كثيرا من العلماء أجازوا في المشترك" لو فرضناه مشتركا بينهما "أن يعبر به عن كلا معنييه وهو اختيار الأصحاب" يريد الزيدية وعبر ذلك هنا وفيما سلف وقدمنا رأيه في هذا "في لفظة مولي في حديث من كنت مولاه فعلى مولاه" أخرجه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس عن بريدة وأحمد وابن ماجه عن البراء والطبراني وابن جرير وأبو نعيم عن جندع الأنصاري وابن قانع عن حبشي بن جنادة وأخرجه أئمة لا يأتي علهم العد عن جماعة من الصحابة وقد عده أئمة من المتواتر "وهذا بحث أصولي" أي كون المشترك يطلق على معنييه أولا فإنه من مسائل الخلاف في الأصول الفقهية لكن لا يخفى أن هذا يتوقف على معرفة رأي الترمذي في اللفظ المشترك.

واعلم أنه قد أجاب الحافظ ابن حجر جوابا حسنا عن جمع الترمذي بين صفتي الحسن والصحيح للحديث فقال في النخبة وشرحها فإن جمعا فالمتردد في الناقل هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها وهذا حيث التفرد بتلك الرواية وألا يحصل التفرد فباعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح قال وعلى هذا فما قيل حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي أي تقوي الحديث من رتبة الصحيح إلى رتبة الأصح.
"ثم أني بعد" أي بعد ما ذكرت ما سلف فحذف المضاف إليه وبنيت بعد على الضم "وقفت على كلام جيد يتعين المصير إليه" إلا أنه كلام في وصف الترمذي للحديث بالحسن وليس له إلا طريق واحد مع قول الترمذي في الحسن إنه الذي يروي من غير وجه مع سائر ما ذكر من شروطه مع أنه يقول في بعض الأحاديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا أنه كلام في إشكال جمعه بين الحسن والصحيح الذي هو الإشكال الأصلي وقد أجاب عنه ابن حجر بأجوبة آخر وما تعقبها ثم قال وفي الجملة أقوى الأجوبة جواب ابن دقيق العيد "ذكره" أي الكلام الجيد "حافظ العصر" أي عصره وعصر المصنف فإنهما كانا في عصر واحد وتوفي المصنف قبله فإنه توفي في اليوم الرابع والعشرين من شهر محرم غرة سنة أربعين وثمانمائة وتوفي الحافظ في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة "العلامة الشهير بابن حجر في شرح مختصره" يريد شرج النخبة "في علم الحديث فقال ما لفظه فإن قيل قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" فإن هذا ينقضي بأن هذا الحسن لم يرد إلا من طريق واحد كما هو شرط الغريب.
"فالجواب أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا" بما نقله عنه المصنف قريبا ناسبا له إلى ابن حجر "وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى" مضمومة إليه من صحيح وغريب فلا يرد ما أورده ابن سيد الناس اليعمري من إيراده الذي سلف قريبا "وذلك فإنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب إلى آخر الأقسام" اختصر المصنف عبارة ابن حجر وعبارته هكذا وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب "وتعريفه" أي الترمذي "إنما

وقع على الأول" وهو حيث يفرد الحسن هذا كلامه ثم قال "وعبارته" أي الترمذي "ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أرادنا بأن حسن إسناده عندنا وكل" استئناف وهو هكذا في الترمذي وفي شرح النخبة نفلا عن الترمذي لأن كل إلى آخره "حديث" يروى "ولا يكون راويه متهما بكذب" لفظ الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي إلى آخره فوقع تقديم وتأخير وإبدال فيما نقل من عبارته كأنه نقل بالمعنى "ويروى من غير وجه" أي بل من اوجه كثيرة والمراد فوق الواحد "نحو ذلك ولا يكون شاذا" تمامه فهو عندنا حديث حسن وما كان يحسن حذف المصنف له لأنه خبر قوله كل حديث.
ثم قال الحافظ بعد هذا فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول فيه حسن فقط أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه صحيح فقط أو غريب فقط وكأنه ترك ذلك استغناء به لشهرته عند أهل هذا الفن واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه حسن فقط لغموضه وأما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله عندنا ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي.
وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها انتهى كلام الحافظ وهو حسن إلا أنه مبني على أنه لم يقل الترمذي حسن فقط إلا في حديث يرويه من وجوه فليطالع الترمذي وقد تتبعت مواضع فوجدت كلام الحافظ في إفراده الحسن صحيحا ولم استوف ذلك.
* * *

مسألة: 22 [في بيان القسم الثالث: وهو الحديث الضعيف]
"القسم الثالث" من الثلاثة الأقسام وقد تقدم الصحيح والحسن وهذا القسم "في الضعيف قال ابن الصلاح: ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف قال زين الدين" تعقبا له "ذكر الصحيح غير محتاج إليه في بيان الضعيف لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر" وأجاب عن ذلك بعض من عاصر الحافظ ابن حجر فقال مقام التعريف يقتضي ذلك إذا لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين قال ونظيره قول النحويين إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل فالحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل انتهى.
وأقول: النظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوما وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف.
والحق أن كلام المصنف يعني ابن الصلاح معترض وذلك أن كلامه يقتضي أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع ويسمى الحديث الذي اجتمعت في الصفات سواء حسنا ولا ضعيفا وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا ولو عبر بقوله حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان اسلم من الاعتراض وأخصر انتهى.
"وإن كان بعضهم يقول أن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده" هذا من كلام زين الدين دفعا لما يقال لو اقتصر ابن الصلاح على قوله ما لم يبلغ صفات الحسن للزم أن يدخل الفرد الصحيح في رسم الضعيف لأنه لم يبلغ

صفات الحسن فلذا لم يسم حسنا فأجاب زين الدين بأنه قد تقدم رد هذا وأنه يسمى الفرد الصحيح حسنا.
"قلت: لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يرى أن كل صحيح حسن أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك" قد عرفت أن زين الدين قال في اعتراضه أن ذكر دعم بلوغ الحديث رتبة الحسن يفيد أنه لم يبلغ درجة الصحيح لأن الصحيح أخص من الحسن وإذا انتفي الأعم انتفى الأخص ضرورة انتفاء الأخص عند انتفاء الأعم والمصنف اعترضه بأنه لا يرد على ابن الصلاح ما أورده إلا بأحد الأمرين الأول أن يكون رأي ابن الصلاح أن كل صحيح حسن أو بأن يقوم على ذلك دليل قاطع ولم يوجد الأمرين كما أفاده قوله "وليس كذلك" أي ليس واحد من الأمرين موجودا "وإنما هذا الكلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن" هذا كلام جيد إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح أنه يقول بأن الصحيح أخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه انه قسم الحسن إلى قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهذا مع ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه على أنه وان سلم أنه يقول أن الصحيح والحسن متحدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر.
"فهذا كلام جملي في تعريف الضعيف وأما التفضيلي فتقول شروط الصحيح والحسن ستة" وهي الضبط والعدالة والاتصال وفقد الشذوذ وفقد العلة وعدم العاضد عند الاحتياج كذا عدها البقاعي وهي شروط القبول وشروطه شروط الحسن والصحيح "فإذا اختل شرط منها فأكثر ضعف الحديث" .
فلت يشكل هذا بما إذا قدم تمام الضبط فإنه من شروط الصحيح وإذا فقد بأن خف صار الحديث حسنا وعبارة الزين أقسام الضعيف ما فقد فيه شط من شروط القبول قسم وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن انتهى فلا إشكال في عبارته ولا يرد عليه ما ذكرنا لأنه إذا خف الضبط فالحديث مقبول لأنه حسن فلا يكون الحديث ضعيفا على هذا الكلام إلا إذا فقد فيه شروط الصحيح وشروط

الحسن ولا يشكل.
"فالضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطهما ستة أسباب :
أحدها: عدم الاتصال" الذي هو أول شروط الصحيح زاد الزين حيث لم يتميز المرسل بما يؤكده وكأن المصنف اكتفى عن هذا الشرط بقوله "على الخلاف كما سيأتي" في بحث المرسل.
"وثانيها: عدم عدالة الرجال" وهو ثاني شروط الصحيح قلت: وهذه عبارة الزين وكان الأحسن أن يقال الرواة ليشمل النساء تغليبا ولا يتأنى ذلك في لفظ الرجال.
"وثالثها: عدم سلامتهم من كثرة الخطأ وكثرة الغفلة" وهذه عبارة الزين وقال الحافظ ابن حجر بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى انتهى قلت: وجهه أنه يوافق ما سلف في رسم الصحيح من قولهم نقل عدل ضابط.
"ورابعها: عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما بالكذب" عبارة الزين وليس متهما بالغلط.
قال الحافظ ابن حجر وكذا إذا كان فيه ضعف بسبب سوء الحفظ أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي أو كان مرسلا كما قررنا ذلك في الكلام الحسن المجبور.
"وخامسها: الشذوذ" .
"وسادسها: العلة" وسيأتي بيان معنى الشذوذ والعلة.
"والضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة" قال الحافظ ابن حجر تلخيص التقسيم المطلوب أن قيد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه وبيانه في كلام المصنف "لأن عدم الاتصال" أي اتصال الحديث بالراوي "يدخل تحت قسمان: المرسل" زاد زين الدين الذي لم يجبر "والمنقطع على الخلاف فيهما كما سيأتي" بل ويدخل فيه المدلس والمعلق والمعلل "وما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم" وهو عدم الاتصال "قسم آخر" باعتبار ما انضم إلى الأول "ويدخل تحته" تحت هذا القسم "اثنا عشر قسما لأن فقد العدالة" الذي هو السبب الثاني: من الستة الأسباب إذا انضم إلى السبب الأول "يدخل فيه الضعيف" إذ الضعيف مفقود العدالة "والمجهول" فإنه مفقودها أيضا "وهذه أقسامه" أي أقسام القسم الذي انضم إليه سبب آخر من الأسباب الستة بعد عدم الاتصال وهي

اثنا عشر:
"الأول: المنقطع" ويقال له المقطوع كما يأتي وهو قول التابعي وفعله.
"الثاني: المرسل" يأتي أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عند أكثر المحدثين ويأتي فيه خلاف فهذان قسمان فقد فيهما الاتصال.
"الثالث: مرسل في إسناده ضعيف" هذا مما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم ومثله.
"الرابع: منقطع فيه" راو "ضعيف" يأتي بيانه.
"الخامس: مرسل فيه" راو "مجهول" يأتي تقسيمه إلى مجهول عين وعدالة.
"السادس منقطع فيه" راو "مجهول" إلى هنا أقسام فقد السبب الأول مع فقد الثاني.
وهذه أقسام فقد السبب الأول أيضا مع فقد الثالث: الأول منها قوله:
"السابع مرسل فيه" راو "مغفل" يأتي بيانه "كثير الخطأ وإن كان عدلا" إذا لا ملازمة بين العدالة وعدم التغفيل.
"الثامن" وهو الثاني مما فقد فيه الأول و الثالث "منقطع فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ وإن كان عدلا.
"التاسع" وهو الأول مما فقد فيه الأول الرابع "مرسل فيه مستور" يأتي بيانه "ولم ينجبر بمجيئه" أي الخبر "من وجه آخر" .
"العاشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول والرابع "منقطع فيه مستور ولم يجيء من وجه آخر" .
"الحادي عشر" وهو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس "مرسل شاذ" .
"الثاني عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد في الخامس "منقطع شاذ" .
"الثالث عشر" هو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "مرسل معل" من العلة يأتي بيانها.
"الرابع عشر" وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس "منقطع معل" .
"فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان" هما عدم الاتصال وما انضم إليه.
واعلم أنها أربعة عشر قسما لأنك تضم عدم الاتصال إلى كل واحد من الخمسة الأسباب تحصل خمس صور ثم تضم المنقطع إلى كل واحد من الخمسة تحصل خمس

أخرى كانت عشرا ثم قد عرفت أن الضعيف والمجهول قد دخلا تحت فقد العدالة فتضم عدم الاتصال إليهما يحيصل قسمان ثم تضم المنقطع إليهما يحصل قسمان كانت أربعة عشر وهي التي سردها المصنف.
إذا عرفت هذا نظرت ما المراد من قول المصنف إنه يدخل تحت هذا القسم اثنا عشر فإن الحاصل أربعة عشر وعبارة المنصف والأعداد هي بعينها عبارة الزين وأعداده.
"وما اجتمع فيه ثلاثة" مضعفات "يدخل تحته عشرة أقسام وهي هذه" ما عدا أربعة منها "مضمومة" في التعداد "إلى ما تقدم" من الصور الأربعة عشر أولها:
"الخامس عشر" مرسل شاذ وفيه عدل مغفل كثير الخطأ" فقد فقد فيه الأول من الستة الأسباب و الثالث: ووجد فيه الخامس من ذي الثلاثة.
"السادس عشر: منقطع شاذ فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول و الثالث: ووجد فيه ما وجد في المثال الأول- الخامس عشر.
"السابع عشر مرسل معل فيه ضعيف" فقد فقد فيه الأول و الثاني: ووجد فيه السادس.
"الثامن عشر منقطع معل ضعيف" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما خالفه بأنه منقطع.
"التاسع عشر: مرسل معل فيه مجهول" فقد فقد الأول و الثاني: ووجد فيه السادس.
"العشرون: منقطع معل فيه مجهول" هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما تفاوتا انقطاعا وإرسالا.
"الحادي والعشرون: مرسل معل فيه مغفل كذلك." أي كثير الخطأ فقد فيه الأول ووجد فيه الثالث: والسادس.
"الثاني والعشرون: منقطع معل فيه مغفل كذلك" هو كالذي قبله فقدا ووجودا.
"الثالث والعشرون: مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر" فقد فيه الأول ووجد السادس والرابع مع شرطه.
"الرابع والعشرون: منقطع معل فيه مستور كذلك" أي لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وهو كالذي قبله فقدا ووجودا.
لا يخفى أنه قد سبق للمصنف أن في اجتماع الثلاثة عشر صور والرابع والعشرون العاشر منها لكن الخامس والعشرون السادس والعشرون منها كما ترى قوله:

"الخامس والعشرون: مرسل شاذ معل" فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس والسادس.
"السادس والعشرون منقطع شاذ" معل هو كالأول فيما ذكر.
ولا يخفى أنها صار أقسام ما اجتمع فيه ثلاثة اثني عشر قسما وأما زين الدين فعد العشر الصور إلى الرابع والعشرون ثم قال وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة ثم خذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد هذه الشروط الثلاثة وهي هذه ثم ذكر الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين.
"السابع والعشرون: مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ" فهذا اجتمعت فيه أربعة كما اجتمعت في قوله.
"الثامن والعشرون: منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك" أي كثير الخطأ فهذان مثالان لما اجتمعت فيه أربعة وقدمنا كلام الزين في هذا وأما المصنف فسرد ما تراه من غير تنبيه.
ثم قال زين الدين: بعد هذا ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط واحد غير ما بدأت به أولا وهو ثقة الراوي وتحته أقسام وهما:
"التاسع والعشرون: ما في إسناده ضعيف" .
"الثلاثون: ما فيه مجهول" فهذان القسمان فقد فيها عدالة الراوي.
ثم قال زين الدين: ثم زد على فقد عدالة الرازي فقد شرط آخر غير ما بدأت به وتحته قسمان وهما:
"الحادي والثلاثون: ما فيه ضعيف وعلته" .
"الثاني والثلاثون: ما فيه مجهول وعلته" .
ثم قال زين الدين: ثم كمل هذا العمل الثاني: الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول أي تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الرازي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الرابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور ثم زد عليه وجود العلة ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس وهو السلامة من الشذوذ ثم رد عليه وجود العلة بعد ثم

اختم بفقد الشرط السادس ويدخل تحت ذلك عشرة أقسام وهي:
"الثالث: والثلاثون: شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ" .
"الرابع والثلاثون: ما فيه مغفل كثير الخطأ" زاد الدين معل كثير التساهل.
"الخامس والثلاثون: شاذ في مغفل كذلك" أي كثير الخطأ.
"السادس والثلاثون: معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ.
"السابع والثلاثون: شاذ معل فيه مغفل كذلك" كثير الخطأ.
"والثامن والثلاثون: ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر" .
"التاسع والثلاثون: معل فيه مستور كذلك" أي لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر.
"الأربعون: الشاذ" .
"الحادي والأربعون: الشاذ المعل" .
"الثاني والأربعون: المعل" .
"فهذه أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين قال: وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام هي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ والله أعلم" انتهى كلام زين الدين.
"قلت: ومن أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي" قلت: هذا بلفظ كلام الزين فلا وجه لفصل قوله.
"قال زين الدين: وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع" الحديث "الضعيف تسعة وأربعون نوعا" هذا نقله زين الدين من كلام ابن الصلاح ولفظه وأطنب أبو حاتم البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا قال عليه الحافظ ابن حجر لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك وتجاسر بعض من عاصرناه فقال هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك فإن الذي قسمه ابن حبان في أول كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف ثم إنه بلغ الأقسام المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين والحاصل أن الموضع الذي ذكر

فيه ابن حبان ذلك لم نعرف موضعه انتهى.
"قلت: لعله" أي ابن حبان "عد ما ترك الزين مما تحتمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم من اجتماعه والله أعلم" حتى أبلغها تسعة وأربعين.
فائدة: قال الحافظ ابن حجر: تنبيهات :
الأول : قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف على حد ما تقدم من قولهم صحيح الإسناد وصحيح ولا فرق.
الثاني : من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا يريد زين الدين في منظومته وشرحها أن يتفق العلماء على العمل بمدلول الحديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول.
ومن أمثلته قول الشافعي رحمه الله وما قلت: من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم منهم فيه خلافا وقال في حديث لا وصية لوارث. لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملت به حتى جعلته ناسخا لآية الوصية للوارث.
ثم ذكر الثالث : من التبيهات وعد فيه ما قيل فيه إنه أو هي الأسانيد كما عدوا فيها سلف ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد وطول به فلم يذكره وقد ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث.
* * *

مسألة: 23 [في بيان الحديث المرفوع]
"المرفوع" قدم على ما بعده لشرفه بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم وهو من أنواع علوم الحديث جعله ابن الصلاح النوع السادس.
"اختلف في حد المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قولا له أو فعلا" قلت: أو تقريرا أو هما كما قررناه في حواشي شرح غاية السول "سواء أصافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما سواء اتصل إسناده أم لا فعلى هذا" التفسير "يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل" والمعلق أيضا لعدم اشتراط الاتصال.
"وقال" أبو بكر "الخطيب" البغدادي: المرفوع "هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله فعلى هذا" حيث خصص الصحابي "لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم" .
قال الحافظ ابن حجر مقتضاه يعني كلام الخطيب أن يكون في السياق إدراجها وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال والحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال فمن لازم ذلك إن الموقوف إذا اتصل سنده قد يسمى مسندا ففيالحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند المتصل إلا في غلبة الاستعمال ثم نقل كلام ابن عبد البر والحاكم ثم قال بعد ذلك والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم إن المسند عندهم من سمع النبي

صلى الله عليه وسلم: بسند ظاهره الاتصال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا مسلما أو في حال كفره وأعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ومن لم يسمع يخرج المرسل وبسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه ما كان فيه انقطاع فهو كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا.
ومن رأي مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك كما قلت:ه تفقها ولله الحمد وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السالمة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك والله أعلم انتهى.
"قال ابن الصلاح1: ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل" انتهى كلام ابن الصلاح في هذا النوع وقد ذكر في النوع الرابع من تفريعات النوع الثامن قوله "ومن المرفوع قولهم عن الصحابي: يرفع الحديث أو يبلغ به" كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش2 "أو ينميه" بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة3 قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك وهذا هو معنى نميت الحديث إلى فلان إذا أسندته إليه "أو رواية رفع" أي مرفوع بلا خلاف كما صرح به النووي وهو تفسير لرفع الحديث.
"قال ابن الصلاح: حكم ذلك" أي قولهم عن الصحابي يرفع الحديث "عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا" إلا أنه ليس في كلام ابن الصلاح لفظ رفع بل لفظ أو رواية بالتنوين ليس بعدها لفظ.
قال الحافظ ابن حجر وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا وكذا قوله:
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 66.
2 مسلم 1451, وأحمد 2/243.
3 المشكاة 898, وفتح الباري 2/224.

رواه وعبارة الزين في نظمه:
وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفع فانتبه وقد ذكر ابن الصلاح أمثلة ذلك "قال زين الدين1: وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف كما يأتي" هذا كلام ابن الصلاح فإنه قال بعد قوله صريحا قلت: وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم.
تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر إن من أغرب المرفوع سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع مع القرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس أيما عبد حج به أهله ثم عتق فعليه حجة أخرى الحديث رواه ابن أبي شيبة2 من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان إن ظاهره الرفع آخذه من نهي ابن عباس عن إضافة القول إليه فكأنه قال لا تضيفوه إلي أضيفوه إلى الشارع لكن يعكر عليه أمثلة البخاري رواه3 من طريق السفر سعيد بن محمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا عني ما أقول لكم واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولون قال ابن عباس قال ابن عباس وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أمثلة يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أمثلة يزيدوا فيه أهله ينقصوه انتهى.
قلت: بل الظاهر مع أمثلة ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أمثلة يطلب عرض ما حديث به مع كثرة تحديثه ويزيد كلام ابن القطان قوة أمثلة هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع والله أعلم ثم قال تنبيهات قد يقال ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها إلى يرفعه وما يذكر معها قال الحافظ المنذري يشبه أمثلة يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يشك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث.
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/64.
2 البيهقي 4/325, والخطيب 8/209.
3 في: مناقب الأنصار: ب 27.

قلت: وإنما ذكر الصحابي كالمثال وإلا فهو جار حق من بعده ولا فرق ويحتمل أمثلة يكون من صنع ذلك لطلب التخفيف وإيثار الاختصار ويحتمل أمثلة يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يجزم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل كنى عنه تحرزا بأيتهما ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي عن النبي يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل ومثاله الحديث الذي رواه الدار وردي عن عمر بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعه: "إن المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا انزع نفسه من بين جنبيه" حديث حسن رواه أهل الصدق أخرجه الدارمي في مسنده1 وهو من الأحاديث الإلهية وقد افردها جمع بالجمع انتهى.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 النسائي في: الجنائز: ب 13. وأحمد 1/297.

مسألة: 24 [في بيان المسند من أنواع الحديث]
"المسند- اختلف فيه" أي في حقيقته "على ثلاثة أقوال" .
الأول : ما أفاد قوله "فقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد1 هو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: خاصة قال وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا مسند لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه انتهى قال زين الدين: فعلى هذا يستوي المسند والمرفوع" .
قال الحافظ ابن حجر: وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المسند والمرسل يقولون أسنده فلان وأرسله فلان.
والثاني : ما أفاده قوله "وقال" أبو بكر2 "الخطيب" البغدادي "هو عند أهل الحديث الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه قال أبو الصلاح واكثر ما يستعمل ذلك فيا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم" قد قدمنا لفظ الخطيب في نوع المرفوع وما حققه الحافظ ابن حجر في المسند فقول ابن الصلاح هذا هو كما قال الحافظ ابن حجر معنى قول الخطيب إلا أمثلة اكثر استعمالهم هذه العبارة فيما اسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: خاصة وتقدم تحقيقه فالمسند
ـــــــــــــــــــ
1 1/21, 23.
2 أبو بكر الخطيب البغدادي هو: الحافظ الكبير أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي. قال أبو إسحاق الشيرازي: يشبه بالدار قطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه. مات سنة 463. له ترجمة في: البداية والنهاية 12/101, وشذرات الذهب 3/311, ووفيات الأعيان 1/27.

والمتصل سواء لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ولكن الأكثر استعمال المسند في الأول كما قاله الخطيب.
والثالث : وما أفاده قوله "وقال ابن الصباغ: في العدة المسند ما اتصل إسناده فعلى هذا يدخل فيه المرفوع والموقوف ومقتضى كلام الخطيب أنه ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع" لأنه يصدق عليه أنه اتصل إسناده من رواته إلى منتهاه "وهو قول التابعي ومن بعده" إذا اتصل إلى أحدهما.
"قال زين الدين1: وكلام أهل الحديث يأباه وقيل" هذا قول رابع "وهو" أي المسند "ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بإسناد متصل وبه" أي بهذا القول الرابع "قطع الحاكم أبو عبد الله" في كتابه علوم الحديث2 فلم يحك فيه غيره "وحكاه ابن عبد البر قولا لبعض أهل الحديث" هكذا قاله الزين.
وقال الحافظ ابن حجر أمثلة الحاكم وغيره فرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع بأن المرفوع بنظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد فحيث يصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: كان مرفوعا سواء اتصل إسناده أم لا ومقابله المتصل فإنه ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أهله موقوفا وأما المسند فينظر فيه إلى الحالين معا فيجمع شرطي الاتصال والرفع فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع ولك مسند متصل ولا عكس فيهما هذا على رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني والشيخ تقي الدين في الاقتراح انتهى وقد قدمنا ما قاله الحافظ ابن حجر مما ظهر في حقيقة المسند بالاستقراء.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 1/57.
2 ص 40.

مسألة: 25 [في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث]
"المتصل والموصول" قال الحافظ ابن حجر ويقال له المؤتصل بالفك والهمز وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع قال ابن الحاجب في التصريف له هي لغة الشافعي1 انتهى "هما" الأولى إفراد الضمير لأنه معنى واحد وإنما تعدد لفظه واتحد معناه وهو واحد إذ عبارة الزين2 المتصل والموصول هو "ما اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أو إلى واحد من الصحابة" احتراز عما لم يتصل سنده صلى الله عليه وسلم ولا بصحابي كما قال.
"وأما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد بهم فلا يسمونها متصلة بل يسمونها مقطوعة قال زين الدين: وإنما يمتنع هذا" أي إطلاق المتصل على أقوال الصحابة المتصلة الأسانيد "مع الإطلاق فأما مع التقييد فجائز شائع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب" بالتقييد يذكر من اتصل إليه.
"قال ابن الصلاح3: وحيث يطلق المتصل يقع على المرفوع والموقوف" إذ قد اخذ في مفهومه أهله إلى أحد من الصحابة وهو الموقوف.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 لسان العرب 11/727, والنكت 1/303.
2 فتح المغيث 1/58.
3 علوم الحديث ص 40.

مسألة:26 [في بيان الموقوف]
"الموقوف: هو ما قصرته" بلفظ الخطاب وهي عبارة زين الدين في نظمه فإنه قال:
وسم بالموقوف ما قصرته1 "على واحد من الصحابة قولا له أو فعلا" والمراد من القول هنا ه ما خلا عن قرينة تدل على أن له حكم الرفع كما يأتي والفعل المجرد فهل يكون له حكم عند من يحتج بقول الصحابي أمثلة لا قال الحافظ ابن حجر فيه نظر "أو نحوهما" كه يريد ما يعمل أهله يقال في حضرتهم ولا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون تقلا للإجماع وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف ويكون من باب الإجماع السكوتي "ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ولا قامت قرينة على رفعه "سواء اتصل إسناده إلى أو لم يتصل" قال الحافظ واشترط الحاكم في الموقوف أمثلة يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي وهو شرط لم يوافقه عليه أحد.
"وقال أبو القاسم" في شرح الألفية أمثلة القاسم الفورابي يضم الفاء نسبة إلى قرية بهمذان كما في القاموس "من الخراسانيين الفقهاء" وأطلق فإنه قال الفقهاء "يقولون" الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم و "الأثر ما روى عن الصحابة" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع والأثر في الأصل العلامة زاد غيره وما ظهر على الأرض من مشي الرجل قال زهير2:
والمرء ما عاش ممدود له أثر
ـــــــــــــــــــ
1 1/58/101.
2 لسان العرب 4/6, والنهاية 1/23, وفتح المغيث 1/125.

ونقل النووي عن أهل الحديث انهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه تهذيب الآثار وهو مقصور على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا وأما كتاب شرح معاين الآثار للطحاوي فيشتمل على المرفوع والموقوف أيضا.
"قال زين الدين: هذا مع الإطلاق وأما مع التقييد فيجوز في حق التابعين فيقولون هذا موقوف على ابن المسيب ونحوه وفي كلام ابن الصلاح ما يقتضي أنه يجوز مع التقييد في" حق "غير التابعين أيضا فيقال هذا موقوف على الشافعي ونحوه" فإنه قال وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا.
"ثم إن الآثار نوعان" هذا زيادة من كلام المصنف لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين فكان يحسن أمثلة يعنونه المصنف بلفظه قلت: على قاعدته.
"أحدهما: ما لا يقال من قبيل الرأي فذكر الإمامان أبو طالب والمنصور بالله عليهم السلام أنه إذا كان للاجتهاد فيه وجه صحيح أهله فاسد فموقوف وإلا فمرفوع وهو قول الشيخ أبي الحسين البصري والشيخ الحسن الرصاص وحكة ذلك المنصور بالله" أي عن الشيخين المذكورين "وصاحب الجوهرة" يعني حكاه عنهما "وزاد المنصور بالله حكايته عن قاضي القضاة واحتج المنصور بالله على ذلك بأنه مقتضى وجوب تحسين الظن بالصحابة" وأنهم لا يأتون في الأحكام إلا بما هو من طريق الأحاديث المرفوعة أهله من طريق الاجتهاد. "وذكر جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر أنه" أي ما ليس للاجتهاد فيه وجه صحيح ولا فاسد "في حكم المرفوع قالوا مثل قول ابن مسعود من أتي ساحرا أهله عرافا" عراف كشداد الكاهن كما في القاموس وفي النهاية1 أراد بالعراف المنجم والحازي الذي يدعى علم الغيب وقد استأثر الله به "فقد كفر بما أنزل على محمد2 ترجم عليه الحاكم في كتاب علوم الحديث" بقوله: "باب معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها قلت: وهذا المثال مما يظن أنه لا مدخل للرأي فيه وليس مما يقطع به" أي بأنه عنه صلى الله عليه وسلم "وقد يوجد عن الصحابة ما يقطع به" أي بأنه
ـــــــــــــــــــ
1 البيهقي 8/135. والحاكم 1/8.
2 3/218.

ليس إلا عنه صلى الله عليه وسلم "مثل ما رواه الأمير الحسين" بن محمد "في الشفاء عن علي عليه السلام أن الحيض ينقطع عن الحبلى لأنه جعل رزقا للجنين وإنما جعل هذا كالمرفوع حملا للصحابة على السلامة ولأن الظن يقضي برجحان رفعه" لأنه لا يعرف إلا من طريق الوحي.
"وخالف ابن حزم وشنع في ذلك وقال يحتمل أنه عن أهل الكتاب فقد صح: "حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج" 1 ولا يخفى أمثلة الحديث عنهم نادر والواقع من الموقوفات التي ليس للرأي فيها مسرح كثير وحسن الظن بالصحابي يقضي بأنه لا يطلق في مقام الأخبار عن الحكم في أمر بطريق اجتهادي أو نص إلا عن طريق شرعي من رواية معروفة أهله اجتهاد فإذا تعذر الثاني: تعين الأول نعم يحتمل هذا في القصص والأخبار التي لا يعرفها الصحابي ولا هي مما يجتهد فيه أنها من أحاديث الكتابين فهذا التفصيل هو الذي ينبغي عليه التعويل.
"النوع الثاني" : من نوعي الآثار "ما يحتمل أنه قيل عن الرأي والاجتهاد" وهو ما كان للاجتهاد في مسرح ووفقه الصحابي "ففيه قولان للشافعي الجديد منهما أنه ليس بحجة" لأنه قول صحابي مجتهد "ذكره في الإرشاد والذي تقتضيه الأدلة أنه ليس بحجة" إذا لم تقم الأدلة إلا على حجية الكتاب والسنة والقياس على خلاف فيه والإجماع على بعد في وقوعه وأما قوله "وليس في ذلك" أي في حجية قول الصحابي "سنة صحيحة" فهو من نفى المخاص بعد نفي العام إذ قد قدم أن الأدلة لم تقم على حجيته وأما أتى به ليتذرع به إلى قوله "فأما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأبيهم اقتديتهم اهتديتم" 2 فهو حديث ضعيف قاله ابن كثير الشافعي وقال رواه عبد الرحمي بن زيد العمى" بفتح المهملة وتشديد الميم "عن أبيه قال ابن معين هو كذاب وقال السعدي هو ليس بثقة وقال البخاري تركوه وقال أبو حاتم حديثه متروك وقال أبو زرعة واه وقال أبو داود ضعيف أبوه ضعيف أو وقد روي هذا الحديث من غير طريق" أي من طرق كثيرة "ولا يصح شيء منها ذكر ذلك كله ابن كثير الشافعي في كلامه على أحاديث المنتهى" .
وذكر الحافظ ابن حجر له طرقا كثيرة في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب.
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود 3662. والترمذي 2669. وأحمد 2/159. وابن أبي شيبة 9/62.
2 الميزان 1511, واللسان 2/488. والإتحاف 2/223.

وأخرجه عن ابن عمر وجابر وابن عباس وعمر وأنس بألفاظ مختلفة وسردها برواتهما وضعفها وذكر طريق عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وساقه بلفظه أنه صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي عما يختلف فيه أصحابي من بعدي فقال يا محمد أمثلة أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما اختلفوا فيه فهو عندي على هدى ثم قال هذا حديث غريب أخرجه ابن عدي1 ثم قال وزيد العمى وأبوه ضعيفان وأبوه اضعف منه وقد سئل البزار عن هذا الحديث فقال لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"وأما ابن عبد البر فاحتج به في التمهيد وسكت عليه فلعله رأي مجموع تلك الطرق في تقوى متن الحديث أهله عرف له شواهد ما يقوى معناه والله أعلم" .
قلت: وذكر الحافظ في تخرج أحاديث المختصر انه ذكره ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن شهاب بسنده وقال هذا إسناد ضعيف الراوي له عن نافع لا يحتج به قال الحافظ قلت: هو متفق على تركه بل قال ابن عدي انه يضع الحديث قلت: ويريد بالراوي له ن نافع سمرة الجزري.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 ابن عساكر 6/5/285.

مسألة: 27 [في بيان المقطوع]
"المقطوع هو قول التابعي وفعله قال ابن الصلاح1: ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع" يعني كالمسانيد والمساند والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعند الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك "قال وجدت التعبير بالمقطوع عن المتقطع في كلام الشافعي وأبي القسام الطبراني قال زين الدين: ووجدته أو في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدار قطني2 قال ابن الصلاح: وقد حكى عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح قال زين الدين: القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر احمد بن هرون البردعي" بموحدة مفتوحة فراء ساكنة وإهمال الدال والعين نسبة إلى بردعة بلدة في أقصى بلاد أذربيجان بينهما وبين بردعة اثنا عشر ميلا "حكاه في جزء لطيف له" انتهى.
* *
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 42.
2 لكن قد يعتذر للشافعي أنه قال ذلك قبل استقرار الاصطلاح وأما الطبراني فإطلاقه ذلك يعتبر تجوزا عن الاصطلاح. تيسير مصطلح الحديث ص 99.

"فروع"
سبعة حسن إيرادهما بعد كل من المرفوع والموقوف .
"مسألة من السنة" هذا الفرع الأول وهو "قول صحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع" وادعى البيهقي انه لا خلاف بين أهل النقل في ذلك وسبقه إلى دعواه شيخه الحاكم في المستدرك وذلك "لأن الظاهر انه لا يريد إلا سنة صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الزيدية ذكره المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي ابن أبي طالب عليه السلام من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسة" بالمهملتين أحد رواة سنن أبي داود "وابن الأعرابي" أحد رواتها أو إمام حافظ أثنى عليه الذهبي.
وقال القاضي أبو الطيب هو ظاهر مذهب الشافعي لأنه احتج على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس على جنازة وقراءته بها وجوه وقال إنما فعلت ليعلموا أنها سنة وجزم ابن السمعاني أنه مذهب الشافعي وقال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم سنة الخمرين وأعلم انهم وان قالوا بأنه لا يريد بها الصحابي إلا سنته صلى الله عليه وسلم لكنهم قال لا يضاف اللفظ إلى فإنه نهى أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وقالوا لا يضاف حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود والترمذي بلفظه حذف السلام سنة1 فلا يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حذف السلام سنة قال الزين في تخرج الأحياء لا يعزو اللفظ إلى صلى الله عليه وسلم وإلا فقول الصحابي السنة كذا له حكم المرفوع على الصحيح.
"وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي" من الشافعية "وأبو الحسن الكرخي" من الحنفية "وغيرهما" كابن حزم الظاهري بل حكاه إمام الحرمين عن المحققين ذكره في البرهان وجزم جماعة من أئمة الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعية ذكر ابن القشيري وابن فورك وغيرهما وجزموا بأنه كان يقول في القديم إنه مرفوع وحكوا تردده في الجديد لكنه نص في الأم وهو من الكتب الجديدة على أنه
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود 1004, والترمذي في: الصلاة ب 107. وأحمد 2/532.

مرفوع فإنه قال في بابا عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضاحك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولا ن من السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في كتبا الأم في قول سعيد بن المسيب لأبي الزناد سنة وقد سئل سعيد عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما فقال له أبو الزناد سنة قال سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة إن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم: قال الحفاظ ابن حجر وحينئذ فله قولا ن في الجديد قلت: ويحتمل أنه إنما جزم في الأول لما كان القائل صحابيا قال في الثاني: يشبه لما كان القائل تابعيا.
هذا ودليل المخالفين إن لفظ السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم: وسنة غيره كما قال صلى الله عليه وسلم: "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين" 1 وفي الحديث: "من سن سنة حسنة كان له أجرها" 2 جوابه أن الأظهر انهم لا يريدون إلا سنته صلى الله عليه وسلم وذلك لأمرين الأول أنه المتبادر إلى الفهم فالحمل عليه أولى الثاني: إن سنته صلى الله عليه وسلم أصل وسنة الخلفاء تبع لسنته والأظهر من مراد الصحابي إنما هو بيان الشريعة ونقلها فإسناد ما قصد نقله إلى الأصل أولى من إسناده إلى الفرع بالحمل عليه سيما إن كان قائل ذلك أحد الخلفاء الأربعة إذ يبعد إن يرد من طريقتي كذا وقد كانوا يصرحون بما يقولونه رأيا أو اجتهادا كقول أبى بكر أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله الحديث واستدل أيضا لهذا القول بما في البخاري3 أن الحجاج سأل سالما: كيف نصنع في الموقف يوم عرفة؟ قال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة قال أبو عمر: صدق قال الزهري: فقلت: لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: وهل يتبعون في ذلك إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري4 من حديث أبى عمر أنه قال: بحسبكم سنة نبيكم إن حُبِسَ أحدكم عن الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود 4607, والترمذي 2676, والدارمي 1/44, وأحمد 4/126.
2 الترمذي 2675, وابن ماجة 207. والدارمي 1/131, وأحمد 4/362.
3 البخاري في: الحج: ب 89.
4 في: المختصر: ب 2, 4.

حل من كل شيء حيث يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال ابن حزم لا خلاف بين أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا ولا بالمروة بل حيث كان بالحديبية وان هذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم قط فلا يخفى أنه لم يرد من السنة الفعل منه صلى الله عليه ةآله وسلم بل لفظ سنة نبيكم تعم الفعل والقول والتقرير فكونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم.
إذا عرفت هذا فقول الصحابي سنة النبي صلى الله عليه وسلم: مضيفا لها إليه مرفوع عند الجماهير قطعا إلا عند ابن حزم.
وقال البلقيني1 في محاسن الاصطلاح أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا قال: فأبعدها مثل قول ابن عباس: الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2 ودونها قول عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد كذا3 ودونها قول عمر لعقبة بن عامر: أصبت السنة4 إذ الأول ابعد احتمال و الثاني: اقرب احتمالا و الثالث: لا إضافة فيه قلت: وينظر فإنه لا فرق بين الأول و الثاني: إلا زيادة التكبير من ابن عباس.
تنبيه: لم يذكر المصنف إن حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان الرفع وذلك مثل قول ابن مسعود من أتى ساحرا الحديث5 ومثله قول أبى هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله6 وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم7 وقول عمار رضي
ـــــــــــــــــــ
1 البلقيني هو: الإمام العلامة شيخ الإسلام أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير الكناني الشافعي انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي والإفتاء وولي قضاء الشام. مات سنة 805. له ترجمة في: إنباه الغمر 2/245. والضوء اللامع 6/85, وشذرات الذهب 7/51.
2 مسلم 1242.
3 أبو داود 2219, وابن ماجة 2063. والدار قطني 2/419- 420.
4 أبو داود 338, والنسائي في: الغسل: ب 27. والدارمي 1/190. والبيهقي 1/231.
5 سبق تخريجه.
6 مسلم في: النكاح: حديث 110, وأحمد 2/61. والبيهقي 7/262.
7 مسلم 2/125. وأحمد 2/410.

الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم1 فهذا كله له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز التأثيم على ما ظهر من القواعد والأول اظهر وبه جزم ابن عبد البر وادعى الإجماع عليه وجزم به الحاكم في علوم الحديث وفخر الدين الرازي في المحصول وهذا كله فما ينسبه الصحابي إلى سقته صلى الله عليه وسلم.
"وأما التابعي إذا قال ذلك" أي من السنة كذا "فقيل موقوف متصل لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء" فلا يجزم بأنهم أرادوا منته صلى الله عليه وسلم لأنه جزم مع الاحتمال "وربما كثر ذلك فيهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قول الشافعي وصححه النووي" واعلم انه على قول من يقول بأن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع فهو محتمل لأقسام السنة الثلاثة القول والفعل والتقرير كما أشرنا إليه في الجواب عن دليل ابن حزم وإذا كان محتملا فإذا عارضه قول أو فعل أو تقرير غير محتمل فهو مقدم على قوله من السنة لعدم احتماله بخلافها.
"مسألة أمرنا ونهينا" مغير الصيغة "إذا قال الصحابي امرنا أو نهينا" أو قال أوجب أو حرم أو أبيح وبالجملة يأتي بشيء من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله "من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة والشيخ أبى عبد الله والشيخ الحسن" الرصاص "وحفيده أحمد" بن محمد بن الحسن "وكذلك عند أصحاب الحديث" إلا أن المنصور بالله قال فرق بين أمرنا وأوجب قال إن الأول حجة وشرط للثاني إن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح لجواز إن يرى الوجوب بطريق الاجتهاد والجمهور على أنه حجة مطلقا "قال الزين عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر البيهقي إجماع أهل النقل على أنه مرفوع.
"وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي" وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وعلل ذلك بكونه مترددا بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أو إلى القرآن أو الأمة بعض الأمة أو القياس أو الاستنباط قال وهذه الاحتمالات تمنع من الجزم بكونه مرفوعا وأجيب بأنها احتمالات بعيدة وعلى التنزل فما من القرآن مرفوع
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 686, والنسائي 4/153. وابن ماجة 1645.

لأن الصحابة إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه لأنهم يأمرون أنفسهم وبضع الأمة إن أراد من الصحابة فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره وإن أراد الخلفاء بخصوصهم فكذلك لأن الصحابي مأمور بتبليغ الشريعة فيحمل على من صدر عنه الشرع وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأما حمله على القياس فبعيد كحمله على الاستنباط فإنه لا يتبادر ذلك لسامع.
واعلم أنه قال ابن الأثير في مقدمات جامع الأصول إن الخلاف فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبى بكر أما إذا قاله أبو بكر فيكون مرفوعا قطعا لأن غير النبي لا يأمر ولا ينهاه لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم: ووجب على الأمة امتثال أمره.
"قال الزين وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل" يحتمل أنه جزم بمثل قول الإسماعيلي أو بمثل قول الجمهور وقر به من الأول أنه به حزم "وذلك مثل" حديث "أمر بلال إن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" أخرجه البخاري وغيره1 وكذلك قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم2 "قال ابن الصلاح: ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده" إذ المتبادر منه أن الآمر الرسول مطلقا.
تنبيه : قول الصحابي أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم3 وما أسبه لأبين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المرفوع وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت" هو كقوله: أمرني الله تعالى وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية بأكل القرا يقولون يثرب", الحديث4 لأنه لا آمر له صلى الله عليه وسلم إلا الله سبحانه وتعالى.
"وأما إذا قال ذلك التابعي ففيه وجهان وهو كقوله من السنة سواء" وقد تقدم تحقيقه.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الأذان ب 1-3, ومسلم في: الصلاة حديث: 2-3-5-وأحمد 3/101.
2 مسلم في: الحيض: حديث 67, وأحمد 6/187.
3 البخاري في: الأذان ب 115. ومسلم في: الصلاة حديث 27-30. وأحمد 2/236.
4 البخاري في: المدينة ب 2, ومسلم في: الحج: حديث 488, وأحمد 2/237.

"مسألة امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زين الدين: وأما إذا صرح" أي الصحابي "بالآمر فقال امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم فيه" أي في كونه مرفوعا "خلافا إلا ما حكاه ابن الصباغ في العدة" وحكاه أيضا شيخه أبو الطيب الطبري "عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم" قال إذ يحتمل إن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر.
قلت: إن عملنا يمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى وهي أكثر الروايات بل قيل لم تتواتر رواية باللفظ إلا في حديثين ولا شك إن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ثم هذا الاحتمال الذي استدل به لداود يجري في الخبر إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخير خيرا فلا وجه لتخصيص الأمر "وهو ضعيف مردود" بما عرفته "قال زين الدين: إلا أن يريدوا" أي داود من وافقه "أنه ليس بحجة الوجوب ويدل تعليله" أي ابن الصباغ "للقائلين بذلك بان من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا" وهذه المسألة مبسوطة في أصل الفقه.
"قال زين الدين: فإذا كان ذلك مرادهم كان له وجه" قلت: قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار بأنه صلى الله عليه وسلم قال لهم بصيغة إنشاء وهي افعلوا كذا فهو كما لو قال الصحابي قال صلى الله عليه وسلم افعلوا ولفظ افعلوا الأصل فيه الإيجاب عند الجمهور كما عرف فلا وجه لتأويل كلام داود إلا أن يكون مذهبه في الأصول أن الأمر ليس للإيجاب فبحث آخر على أن افعلوا ونحوه ليس بحجة في الإيجاب هذا كله فيما كان ذلك من الصحابي.
"فإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا ففيه احتمالان للغزالي وجزم ابن السباغ في الشامل أنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين" كأنه خص سعيدا من التابعين لأنه قد عرف منه أنه لا يقول ذلك إلا مرفوعا "وأما إذا قال الصحابي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بحذف المفعول "فلم يذكرها أهل الحديث" ولا كثير من أهل الأصول وذكرها في الفصول وجعلها مرتبة ثالثة بعد مرتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض عليه بأنها ليست مرتبة غير مرتبة غير مرتبة قال فإن الأمر

والنهي قول فإذا أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بصيغة الفاعل فهو إسناد للقول قطعا.
"واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه عليه السلام وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوز أنه ثبت له ذلك بسماع" فيتم الاتصال "أو بواسطة ثقة" فيكون مرسلا وإذا عرفت ان قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قال صلى الله عليه وسلم كما سلف فهو محتمل كما قاله المنصور بخلاف أمرنا.
"وقال الشيخ أحمد" الرصاص "يحمل على ثبوته" أي ثبوت رفعه "عنده" عند التابعي "بطرق قاطع من سماع أو تواتر" إذ حسن الظن يقضي بذلك إلا أنه لا يحتاج إلى القطع لأن المرسل متفق على جوازه وإن لم يتفق على حجيته ولا يشترط فيه الجزم بل الذي يحصل بالظن.
إذا عرفت هذا فقوله أمرنا كقوله قال لنا افعلوا وهو قول فإذا عارضه أرجح منه قدم عليه وإلا فهر قول مقدم على الفعل والتقرير وأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دونه لاحتماله الارسال احتمالا قويا فإذا عارضه أمرنا فهو أرجح.
تنبيه: أما إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتب الأصول أن الظاهر عند الأئمة من أهل البيت والمعتزلة بعض الأشعرية سماعه منه صلى الله عليه وسلم أي فيكون مرفوعا لأنه سمعه بغير واسطة ذكر ذلك في الفصول إلا أنه لم يستدل له على قاعدته في عدم ذكر أدلة الأقوال ولا يخفى أن معنى ظهور اللفظ في المعنى الذي دل عليه أنه الموضوع له أو الذي قامت عليه واضحة فلا بد من تقديم مقدمة لمدعي ظهور لفظ قال في المشافهة والسماع هي أنه موضوع للسماع ولا يستعمل في غيره إلا مجازا والمعلوم لغة أن قال موضوع لنسبة القول إلى فاعلة أعم من إن يكون السماع منه بلا واسطة أو معها فانه لا خلاف انه يصح إن يقول القائل قال زيد كذا وان لم يسمعه منه وإنما كان معرفته انه قاله بالواسطة كما يقال قال الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر احتماله للأمرين لا ظهوره في أحدهما ولذا أريد المشافهة والسماع قال قال لنا وقال لي.

"مسألة كنا نفعل ونحوه إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه1 فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة والفقيه علي بن عبد الله" أي ابن أبي الخير شارح المختصر لابن الحاجب "وغيرهما والرازي والآمدي وأتباعهما قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد" ووجه ذلك قوله "لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقرهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها" أي وجوه السنن "أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه" هكذا في شرح زين الدين نقلا عن ابن الصلاح وعبارته في كتابه فإنها أنواع منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعله ومنها تقريراته وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه فقوله وسكوته عطف على تقريره بتقدير وهي سكوته بيان الحقيقة التقرير وأنه عدم إنكار لم علمه من قول أو فعل أو تقرير صدرت من غيره وقرف صلى الله عليه وسلم بها ولا بد من زيادة فيه أنه لم يكن قد سبق عنه إنكارها وعلم منه ذلك لئلا يدخل فيه سكوته عن مرور ذمي إلى كنيسة كما عرف في الأصول.
"قال" أي ابن الصلاح "وبلغني عن البرقاني" تقدم أنه بفتح الموحدة وكسرها نسبة إلى برقانة قري بخوارزم وقرية بجرجان وهو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد سمع من خلائق منهم أبو بكر الإسماعيلي أخذ عنه بجرجان ومن جماعة بهراة ونيسابور ودمشق ومصر وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين وأخذ عنه البيهقي والخطيب وجماعة "أنه سأل الإسماعيلي" هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد ابن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته ولد سنة سبع وسبعين ومائتين سمع من أئمة ومنه أئمة منهم الحاكم والترمذي وغيرهما وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة وله مستخرج على البخاري بديع قال الحاكم: كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: النكاح: ب96, ومسلم في: الطلاق: حديث 26- 28" وأحمد 3/309.

وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء بلا خلاف بين علماء الفريقين مات غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة عن أربع وتسعين سنة "عن ذلك" عن مثل قول الصحابي كنا نفعل "فأنكر كونه من المرفوع" قال البقاعي أي أنكر هذا الإطلاق فإن لفظ مرفوع إذا أطلق انصرف إلى كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا ولو سأله ما حكم هذا قال حكمه الرفع قال فيحمل عليه ابن الصلاح كلام الخطيب من أنه يريد ليس مرفوعا لفظا وهو مثل ما تقدم من قولهم من السنة كذا فكأنه حينئذ موافق ليسس بمخالف.
"قال زين الدين: أما إذا كان في القصة اطلاعه" أي النبي صلى الله عليه وسلم: "فحكمه الرفع إجماعا" لأنه يعلم منه تقريره له وبه تعرف أنه أراد بقوله في أول المسألة فأما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلع عليه "وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع" لعدم العلم بتقريره صلى الله عليه وسلم له "ولكنه يفيد الإجماع فيكون حجة وكذا قال صحاب الجوهرة" لكن لا بد أن يعلم أن هذا الفعل الذي ذكره الصحابي وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ لا إجماع في عصره صلى الله عليه وسلم كما علم في الأصول وكما يأتي في قوله والإجماع من بعده ثم غايته أن يكون إجماعا سكوتيا لأنه معلوم عادة عدم إجماع الأمة على فعل معين فالمراد كان أكثرهم أو بعضهم يفعل والآخرون مقرون لهم فيكون إجماعا سكوتيا وفي كونه حجة نزاع في الأصول.
"وقال" المنصور بالله "أيضا إن قولهم كانوا يفعلون مثال هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قاله زين الدين" حكاية عن أهل الحديث أيضا "وجزم به" أي بعدم رفعه "الخطيب وابن الصلاح وجعلاه" إذا لم يقيد بعصره صلى الله عليه وسلم "موقوفا وهو مقتضى كلام البيضاوي1" فإنه جعله موقوفا "وخالف كثير من الأصوليين" بل من أهل الحديث كما في منظومة زين الدين وشرحها "منهم الرازي والجويني والسيف الآمدي" فجعلوا منهم
ـــــــــــــــــــ
1 البيضاوي هو: عبد الله بن عمر بن محمد أبو الخير قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي كان إماما علامة عارفا بالفقه والتفسير صالحا متعبدا زاهدا مات سنة 685. له ترجمة في: البداية والنهاية 13/309, وشذرات الذهب 5/392, ومرآة الجنان 4/220.

ذلك من قبيل المرفوع وإن لم يقيده بعصره صلى الله عليه وسلم.
"وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في السرقة في الشيء التافه1" في القاموس تفه كفرح تفها وتفوها قل وحقر والحديث أخرجه اسحق بن راهويه كما في فتح الباري.
واعلم أن حاصل ما قيل في المسألة أنه موقوف جزما و الثاني: التفصيل إن أضافه إلى زمن الوحي فمرفوع عند الجمهور وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.
قال الحافظ ابن حجر وبقي مذاهب الأول أنه مرفوع مطلقا قلت: وهو رأي الحاكم والجويني ومن ذكر قال وهو الذي اعتمده الشيخان في كتابيهما وأكثر منه البخاري ومذهب ثالث وهو التفصيل بين أن يكون الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا.
وبه قطع الشيخ أبو اسحق الشيرازي وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال إذا قال الصحابي كانوا يفعلون كذا أو أضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم: وكان مما لا يخفي مثله فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه وسلم: ويكون شرعا وإن كان مثله يخفي فإن تكرر حمل أيضا على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى ومذهب آخر هو إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي.
وفي شرح المهذب للنووي وظاهر استعمال كثير من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قوي لأن الظاهر من قوله كنا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به على وجه يحتج به ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغه انتهى.
قال الحافظ ابن حجر ولم يتعرض الشيخ ولا ابن الصلاح لقوله ما كنا نرى بالأمر والفلاني بأسا وكذلك جميع العبارات المصدرة بالنفي وذلك موجود في عباراتهم وحكمه حكم ما تقدم انتهى.
"واختلفوا في قول المغيرة ابن شعبة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الشهادات: ب 13.

وسلم يقرعون بابه بالأظافير" أخرجه الحاكم في علوم الحديث1 "فقال الحاكم: هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب في" كتابه "الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك" أي مثل كلام الحاكم إلا أنه أي الخطيب رواه من حديث أنس والظاهر أنهم كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وقيل لأن بابه لم يكن له حلق يقرع بها.
"قال ابن الصلاح: بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى" أي هو أحق بأن يكون مرفوعا من قولهم كنا نفعل "لكونه جرى بإطلاعه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخفى عليه" قرع بابه "قال الحاكم: معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع" لأنه قد عد قوله كنا نفعل مرفوعا فهذا أحرى منه.
"قلت: الصواب ما ذكره الحاكم والخطيب" من الحكم يوقفه "وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم" حيث قال والحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع "فإنه" أي الحاكم "إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا" وهو الذي وقع بسببه إلزام ابن الصلاح "لأنه" أي قولهم كنا نفعل "ظاهر في قصد الصحابة إلى الاحتجاج بذلك" وإلا لم يكن لذكره فائدة في مقام الاحتجاج به "والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم" لعلمه ب مجرد فعلهم من حيث هو فعلهم ليس بحجة "والظن به" أي الصحابي "أيضا أنه لا يوهم الغير ذلك" أنه حجة "وليس بصحيح" الظاهر أن يقول وليس بحجة فإنه إن فعل ذلك "فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين" والظن في الصحابة خلاف هذا.
قلت: ولا يخفى أن هذا يشمل ما قيده الصحابي بعصره صلى الله عليه وسلم وما لم يفيده.
"وأما قرع الصحابة لباب النبي صلى الله عليه وسلم: بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم" كأنه يريد ليس فيه تعليق حكم ولكنه لما استشعر أن فيه حكما هو جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فدفعه بقوله "وأما الظن لاطلاع النبي صلى الله عليه وسلم: على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز
ـــــــــــــــــــ
1 ص 19. ذكر النوع الخامس.

قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ" جواز ذلك "من مجرد هذا الحديث" فلذا قال لا تعليق له بالنبي صلى الله عليه وسلم: لأنه لا دلالة على علمه بالقرع وتقريره "لأن القرع بالأظافير خفي الصوت فإذا اتفق مرات يسيره فيحتمل أن لا يسمعه لا فباله على مهم من أمور الدين أو نومه أو غير ذلك" .
قلت: لا يخفى بعد هذا أن العبارة تفيد أنه كان ذلك عادة لهم فيبعد أن لا يطلع على ذلك مع تكرره وقد كان فيه بيته يفلي ثوبه ويعلف داجنه ويقم منزله ثم أنهم لا يقرعونه إلا ليشعروه بأنهم في الباب "بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ولا يخفى بعد هذا التأويل "وإن كان حاضرا" في بيته "استأذنوا فقد كان أنس يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه" يقال عليه إنه كان يقع هذا تارة وهذا تارة فإنه قد يغيب الخادم أحيانا ويكون تارة داخل المنزل فيقرعون الباب ليخرج فيستأذن لهم "بل يحتمل أن ذلك فعل في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم: عن المدينة" .
الظاهر من حديث المغيرة الإخبار عن توقيرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أو تأديبهم معه ولا يكون ذلك إلا وهو في منزله "وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه" لا خفاء أن قرب منزله من الباب يقصي بسماعه القرع بالأظافير ولو كان القرع لا يسمع لما فعلوه ولا لنسائه كما تأوله وقد كان منزله صلى الله عليه وسلم لاصقا بالأرض فيسمع منه خفق نعال من مرفضلا عن قرعه بابه بأدنى قارع لبعد أن يستمر اتفاق ذلك أي الذي دل عليه كان يقرع كما قدمناه "وهو غائب" إذ الوارد إلى منزله وهو غائب قليل وحينئذ فلا يتم التأويل بأنه كان يفعل ذلك وهو غائب بل وهو حاضر فيتم الاستدلال فدفعه بقوله "وبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت وهو لا يسمع" يقال عليه ومن أين أنه كان لا يسمع ليس في حديث المغيرة ذلك بل إنما قرعوا ليسمع ويدل لسماعه قوله "فقد كان بيته صلى الله عليه وسلم صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره" لكبر قدر ساكنه صلى الله عليه وسلم.
ولما كان ظاهر كانوا يفعلون الاستمرار كما علم في الأصول وقد نفاه بقوله ولو كان مستمرا دفع ذلك بقوله "ولفظه كان لا تقتضي ذلك" وكأنه يريد لفظه كان يفعل

وإلا فلفظ كان لا يفيد الاستمرار إلا إذا كان خبرها مضارعا لا مطلق كان "فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن" أي ظن اطلاعه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا يخفى أن الأصل في كان يفعل الدلالة على الاستمرار وقد يخرج عنه للقرينة كما تفيده عبارة المصنف حيث قال فقد تطلق وأتى بقد ظاهر كلامه أن المراد استمرار القرع والحديث إنما سيق لبيان أنها كانت عادتهم قرعه بالأظافير في إتيانهم إليه صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لكثرة القرع نفسه أو قلت:ه بل إنما يكون بحسب الحاجة حتى يسمع بقرعة أو أكثر "مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد أن يحتج به على مثل ذلك" أي على جواز قرع أبواب المسلمين من غير إذن منهم لكن لا يخفى أنه لا يتم الاحتجاج إلا مع علمه صلى الله عليه وسلم وتقريره ولا حجة في مجرد فعلهم وأما قوله "لموافقته" أي الحديث المذكور "لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم" فهو خروج إلى الاستدلال بالإجماع في عصره ولا إجماع فيه وكأه يريد أنه معلوم أن أهل المدينة كانوا يقرعون الأبواب بعضهم على بعض وعلمه صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم وتقريره معلوم فهو رجوع إلى الاستدلال بتقريره صلى الله عليه وسلم بالإجماع.
"قلت: وقد ذكر بعض أصحابنا" تقدم عن المنصور وصاحب الجوهرة أنهما يقولان "إن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا" أي كما هو الظاهر في الرفع "وذكره في الجوهرة وغيرها لأنه يقتضى بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون ولم ينكروا" فكان إجماعا سكوتيا "وليس" ما قالاه "بجيد لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم" أو فعله بعضهم على وجه يظهر "وسكت الباقون وغن سكتوا عن غير علم بذلك" ولا يكون إجماعا سكوتيا إلا إذا علموا ومن أين يعلم أن كل واحد علم ذلك وقد قدمنا قريبا من هذا وبحثنا في حجية الإجماع السكوتي في الدراية حاشية الغاية بما يضمحل به القول بأنه حجة.
"وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حضر" بالبناء المجهول "أو نحوها" كأبيح لنا "فلم يذكرها أهل الحديث" وقد قدمنا ذكرها "وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا مساغ للاجتهاد فيها حكاه عنه في الجوهرة" وإن كان الظاهر أنه مرفوع والاجتهاد احتمال مرجوح.

وهاهنا فوائد يحسن ذكرها :
الأولى : قول الصحابي كنا نرى كذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولنا كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أو استنباطا.
الثانية : قول الصحابي كان يقال كذا قال الحافظ المنذري اختلفوا هل يحلق بالمرفوع أو بالموقوف قال والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ ابن حجر ومما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال كان يقال: "صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر", ورواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم1 فدل على أنها عندهم من صبغ الرفع والله أعلم.
الثالثة : أنه لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات بل يلحق به النفي كقولهم كانوا لا يفعلون كذا ومنه قول عائشة كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وتقدم2.
"مسألة" هذا الفرع الثالث "تفسير الصحابي" أي للقرآن "اختلف أهل العلم في تفسير الصحابي فذكر زني الدين وابن الصلاح أنه إن كان" أي تفسير الصحابي "في ذكر أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع وإلا فهو موقوف وجعل" أي كل واحد منهما "هذا هو القول المعتمد" وإليه ذهب الخطيب وأبو منصور البغدادي وتبعهما ابن الصلاح والزين.
"وأشار ابن الصلاح إلى الخلاف ولم يعين القائل بأن مطلق تفسير الصحابي مرفوع قال الزين وهو" أي القائل يرفع تفسير الصحابي مطلقا "الحاكم وعزاه إلى الشيخين" فإنه قال في المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند "قال ابن الصلاح: تعقبا للحاكم إنما ذلك في تفسير متعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي إلى أو نحو ذلك" قال كقول جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته من ديرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية3
ـــــــــــــــــــ
1 ابن ماجة 1666. والنسائي 1/316. والبيهقي 4/244.
2 سبق تخريجه.
3 علوم الحديث ص 20: ذكر النوع الخامس.

قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر الخلاف والحق أن ضابط ما يعتبره الصحابي إن كان مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقول عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه أشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع وأما إذا فسر الآية بحكم شرعي فيحتمل أن يكون مستفادا من النبي صلى الله عليه وسلم: أو عن القواعد فلا تجزم برفعه وكذا إذا قسر مفردا فقد يكون نفلا عن اللسان فلا تجزم برفعه وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر وأبي جعفر الطبري وأبي جعفر الطحاوي1 وابن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي وابن عبد البر في آخرين إلا أنه يستثنى من ذلك إذا كان المفسر له من الصحابة ممن عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان ربما قال له بعض أصحابه حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تحدثنا عن الصحيفة.
"مسألة: قال" هذا هو الفرع الرابع وهو بحث ذكره زين الدين في بيتين من ألفيته2 وهما قوله:
وما رواه عن أبي هريرة محمد وعنه أهل البصرة
كرر قال بعد فالخطيب روى به الرفع وذا عجيب "ما رواه أهل البصرة عن أبي هريرة قال قال ثم ساق كلاما بعد هذا" بعد القول المكرر "ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما كرر لفظ قال بعد ذكر أبي هريرة" لفظ زين الدين بعد البيتين أي وما رواه أهل البصرة عن محمد بن سيرين3
ـــــــــــــــــــ
1 أبو جعفر الطحاوي هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي المصري الطحاوي الحنفي قال ابن يونس كان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف بعده مثله مات سنة 321. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/174, ووفيات الأعيان 1/53. وشذرات الذهب 2/288.
2 1/99/118-119.
3 محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر البصري. قال ابن سعد: ثقة مأمون عال رفيع فقيه إمام كثير العلم والورع مات سنة 110. له ترجمة في: تاريخ بغداد 5/331. وشذرات الذهب 1/128. ووفيات الأعيان 1/453.

عن أبي هريرة قال قال فذكر حديثا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كرر لفظ قال بعد أبي هريرة فإن الخطيب روى من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" 1 وهذا يبين قول المصنف "فإن الخطيب روى في الكفاية عن موسى بن هرون أنه قال إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع قال الخطيب قلت: للبرقاني أحسب أن موسى عني بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة قال كذا نحسب قال الخطيب ويحقق قول موسى ما قال محمد بن سيرين كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع" فتبين بهذا إن فاعل قال الثانية هو النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن هذا من حذف الفاعل ولا يجيزه النحاة وإن علم أنه معين كما هنا.
"قال زين الدين: ووقع في الصحيح من ذلك ما رواه البخاري في المناقب حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد" بن زيد "عن أيوب" السختياني "عن محمد" بن سييرين "عن أبي هريرة قال: "أسلم وغفار...." الحديث2" تمامه: "وشيء من مزينة وجهينة خير عند الله من تميم وهوازن وغطفان" "وهو عند مسلم من رواية ابن علبة عن أيوب" أي عن محمد بن أبي هريرة "مصرح فيه بالرفع ووقع من ذلك في سنن النسائي الكبرى من رواية ابن علية عن أيوب عن ابن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه" ورواه الخطيب في الكفاية3 من طريق موسى بن هرون الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب" أي هن محمد بن أبي هريرة وقد قدمناه قريبا.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 1/121. وأبو داود في الصلاة ب 20 وأحمد 2/312, 468.
2 مسلم في: فضائل الصحابة حديث 190, 194. والترمذي 3952. وأحمد 2/468.
3 ص 418.

مسألة: 28 [في بيان المرسل]
"المرسل" هو من أقسام علوم الحديث وهو الذي خرج من رسم الصحيح يفصل ما اتصل إسناده وحقيقته ما أفاده قوله "هو عند الأكثرين من المحدثين قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قطع الحاكم وغيره من أهل الحديث1" وتخصيص القول لأنه الأكثر وإلا فلو ذكر التابعي فعلا أو تقريرا نبويا كان دخلا فيه.
واعلم أنه يرد على هذا الرسم ما سمعه بعض الناس حال كفره من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وحدث عنه بما سمعه منه فإن هذا والحال هذه تابعي قطعا وسماعه منه صلى الله عليه وسلم متصل وقد دخل في حد المرسل وحينئذ فلا بد من زيادة قيد في الحد بأن يقال وما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: مما سمعه من غيره.
واختلف في ما حد الإرسال لغة فقيل من الإطلاق وعدم المنع ومنه قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [مريم: 83] وذلك لأن المرسل أطلق الحديث وقيل مأخوذ من قولهم جاء القوم إرسالا أي متفرقين لأن البعض الإسناد منقطع عن بعضه وقيل من قولهم ناقة سل أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فحذف بعض إسناده.
وهذا الرسم الذي ذكره المصنف هو القول الأول في رسمه.
والثاني : قوله: "وقيل إنه يختص بما أرسله كبار كبار التابعين الذين أكثر حديثهم عن الصحابة كابن المسيب" هو سعيد بن المسيب بفتح المثناة المشددة وروى عنه أنه كان يقول إنه بكسرها فإنه لقي جماعة كثيرة من الصاحبة "وقيس بن أبي حازم" مثله
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 71.

"وعبيد الله بن عدي بن الخيار" بالخاء المعجمة فمثناة تحتية آخره راء وهذا مثل به ابن عبد البر وتبعه ابن الصلاح وتبعه زين الدين.
وقال الحافظ ابن حجر إن التمثيل به معترض لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذلك أن عبيد الله كان بمكة حين دخلها صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في منقولات كثيرة أن الصحابة من الرجال والنساء كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يتبركون بذلك وهذا منهم لكن هل يحصل من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة أن يكون ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يكون مرسلا هذا محمل تأمل ونظر.
والحق الذي جزم به أبو حازم الرازي وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره وأن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع أما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم: ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق الذي لم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم: إلا ثلاثة أشهر لكان أولى "دون صغارهم الذين لم يلقوا إلا الواحد والاثنين من الصحابة فأكثر حديثهم عن التابعين فأحاديث هؤلاء" أي صغار التابعين "منقطعة حكاه ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث ومثلهم ابن الصلاح بالزهري" وهو محمد بن شهاب نسب إلى جده الأعلى وإلا فهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب "وأبي حازم" وهو سلمة دينار غير أبي حازم الأشجعي مولى عزة فاسمه سلمان وهو من مشايخ الزهري وقد هم من اعترض على ابن الصلاح بأنه ليس من صغار التابعين ظنا من المعترض بأنه أراد ابن الصلاح الأشجعي وليس كذلك فإنه إنما أراد سلمة بن دينار وهو ليسمع من الصحابة إلا من سهل بن سعد وأبي أمامة بن سهل بخلاف الأشجعي فإنه سمع من الحسن بن على عليهما السلام.
نعم حصل الاشتباه لما لم يقيد ابن الصلاح أبا حازم بشيء يميزه به ولكن قرينة الحال دالة على أنه المراد ولو لم يكن من القرائن إلا تقديمه الزهري عليه في الذكر لأن أبا حازم الأشجع يفي منزلة شيوخ الزهري أفاده الحافظ ابن حجر "ويحيى بن سعيد الأنصاري" .

"قال زين الدين" تعقبا لابن الصلاح "التمثيل بالزهري مع التعليل بقلة من لقي من الصحابة معترض فقد لفي الزهري من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر" وقال ابن خلكان إنه رأي عشرة من الصحابة انتهى. ثم عدد الزين أولئك بقوله "وهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وربيعة بن عباد وعبد الله بن جعفر ولم يسمع منه السائب بن يزيد وسفيان أبو جميلة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وأبو الطفيل ومحمود بن الربيع والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وقيل إنه سمع من جابر وقد سمع من محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبي مالك القرظي وهو مختلف في صحبتهم وأنكر أحمد" بن حنبل "ويحيى بن معين سماعه من ابن عمر وأثبته على بن المدني والمثبت أولى من النافي" .
قال الحافظ ابن حجر تعقبا لسيخه الزين تمثيله أي ابن الصلاح صحيح فإنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون من هو كبار التابعين فإن جميع من سموه مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة وإن ذكر في الصحابة أو ممن ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية ولم يثبت له سماع فهذا حكم جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس ابن مالك وإن كان من المكثرين فإنما لقيه لأنه تأخر عمره وتأخرت وفاته ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه ولا أكثر أيضا عن سهل ابن سعد الساعدي فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين وكيف يكون منهم وإنما جل روايته عن بعض كبار التابعين لا كلهم لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هذا العلم وهذا بين لمن نظر في أحوال الرجال انتهى.
قلت: ولا يخفى أن ابن الصلاح جعل الزهري مثالا لمن وصفهم بأنهم لم يلقوا إلا الواحد والاثنين وهذا المثال غير صحيح لملاقاة الزهري لمن ذكر فاعترض الزين صحيح نظرا إلى عبارة ابن الصلاح وأما كونهم من صغار الصحابة أو كبارهم فلم يذكره ابن الصلاح بل جعل كبار التابعين من كان أكثر حديثهم عن الصحابة صفارا كانوا أو كبارا وجعل صغار التابعين من لاقوا الواحد والاثنين من الصحابة فتدبر.
"القول الثالث" في حقيقة المرسل "أنه ما سقط من إسناده راو فأكثر من أي موضع فعلى هذا المرسل والمنقطع والمعضل واحد وهو مذهب الزيدية قال ابن الصلاح: وهو

المعروف في الفقه وأصوله وبه قطع" من المحدثين "الخطيب" إلا أنه قال أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبقي في رسمه قول رابع وهو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا التعريف قال ابن الحاجب وقبله الآمدي والشيخ الموفق وغيرهم فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة وإن تأخر عصره.
قال الحافظ العلائي إطلاق ابن الحاجب وغيره يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم يريدون ما سقط منه التابعي مع الصحابي وأما ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك ولم أر من صرح بحمله على الإطلاق إلا بعض غلاة الحنفيه وهو اتساع غير مرضي لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة وترك النظر في أحوال الرواة والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك ويؤيده أنه قال الأستاذ أبو اسحق الأسفراييني المرسل رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أو تابع التابعي عن الصحابي فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعد شيئا انتهى. "وقريب منه قول ابن القطان" قال زين الدين: إنه قال ابن القطان إن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه.
* * *

مسألة: 29 [في بيان اختلاف العلماء في قبول المرسل]
في قبول المرسل ورده أقوال ذكر المصنف منها ثلاثة فقال: "وقد اختلف الناس في المرسل" أطلق المصنف المرسل هنا وقيده في مختصره حيث قال واختلفوا في قبول المرسل وأنواعه مع الجزم من الثقة ومع عدم القدح فيه من ثقة آخر ثم عد هنا أقوالا للمقبول:
الأول : قوله "فقيل تقبل مراسيل أئمة الحديث الموثوق بهم المعروف تحريهم" ويأتي الدليل على هذا.
و الثاني : قوله "وقال الشافعي يقبل المرسل ممن عرف أنه لا يرسل إلا عن ثقة كابن المسيب" فإنه لا يرسل إلا عن ثقة وقد لقي جماعة من الصحابة وأخذ عنهم ودخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهن وأكثر روايته عن أبي هريرة.
ثم عد للمرسل المقبول صورا:
الأولى : قوله: "أو جاء" المرسل "عن ثقتين لكل واحد منهما شيخ غير شيخ الآخر" عبارة الشافعي فيما نقله عنه الزين يؤدي هذا إلا أنه قدم الرتبة التي أخرها المصنف وهي:
الثانية من الصور التي يفيدها "أو جاء مسندا" أي مرفوعا متصلا "من طريق الثقاة بمعناه" ثم قال كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه وجعل هذه الرتبة أقوى من التي قبلها فإنه قال في الأولى كانت هذه دلالة تقوى له رسله وهي أضعف من الأولى فأفاد أن المرسل الذي جاء بمعناه مسندا مرفوعا أقوى من المرسل عن ثقتين إلى آخره فإذا تعارضا قدم الأقوى.
و الثالثة منها: قوله: "أو صح عن بعض الصحابة موقوفا" قال الشافعي:كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.

الرابعة من الصور: قوله: "أو قال بمقتضاه عوام من أهل العلم" أي الكثير منهم "وذلك" أي قبول المرسل على جميع هذه التقادير كما دل قوله "كله" وكأه عام لرواية كبار التابعين أيضا مشروط "بشرطين: أحدهما أن يكون المرسل" اسم فاعل "من التابعين الذي رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" كأن المراد الذين رأوا أكثر أصحابه لا كلهم ولا الأقل لبعد الأول وكون الثاني: يدخل فيه صغار التابعين لأنهم قد رأوا الأقل من الصحابة ولو واحدا وإلا لما كان تابعيا "وثانيهما" أي الشرطين "أن يعتبر صحة حديث هذا المرسل" اسم فاعل "بأشياء تفيد ظن صحته" عد "منها" شيئين.
الأول: "موافقته للحفاظ في سائر حديثه" فيعرف أنه حافظ قال الشافعي إذا شارك أحدا من الحفاظ في حديثه ولم يخالفه فإن خالف ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه انتهى فأفاد أن نقص حديث من أرسل عن حديث من وافقه لا يضر ولم يفده كلام المصنف إلا أنه قد يمكن تطبيقه عليه وأشار الزين إلى هذا بقوله:
ومن إذا شارك أهل الحفظ وافقهم إلا بنقص اللفظ وإن كانت عبارته تفيد اشتراط نقص اللفظ إلا أنه معلوم أنه غير مراد وإنما ألجأه إليه النظم.
"و" الثاني: "منها أن يكون إذا سمي من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرفوعا عن روايته" قال الشافعي فيستدل بذلك على صحة ما روى عنه ثم قال أما إذا وجدت الدلائل بصحة حديثه كما وصفنا أحببنا أن نقبل مرسله "روى ذلك" أي كلام الشافعي "الخطيب في الكفاية وأبو بكر البيهقي في المدخل بإسناديهما الصحيحين عن الشافعي ذكره زين الدين فيما زاده على ابن الصلاح" قال زين الدين: إن ابن الصلاح أطلق القول عن الشافعي بأنه يقبل مطلق المراسيل إذا تأكدت بما ذكره والشافعي إنما يقبل مراسيل كبار التابعين إذا تأكدت مع وجود الشرطين المذكورين في كتابي انتهى وقد حصل زبدة كلامه المصنف بما ساقه.
"وفائدة قبول المرسل إذا أسند عن ثقات انكشاف صحته" كأنه جواب ما يقال إنه إذا اشترط وجود المرسل مسندا فأي فائدة في مع وجود المسند ولا يخفى أن هذه فائدة الصور الثانية مما سقناه "فيكونان حديثين" حديث مسند مرفوع وحديث مرسل "فإذا

عارضهما مسند آخر كانا أرجح منه" لاعتضاد المرسل بالمسند المرفوع.
القول الثالث : قوله: "وذهب الزيدية والمالكية والحنفية إلى قبول المرسل" .
قلت: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني فإنه صرح بأنه لا يقبل المراسيل ولفظه في خطبة كتابه شرح التجريد وشرطنا فيه أي في الحديث الذي يرويه السماع والعدالة ثم قال ولقد أدركت أقواما ممن لا يتهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحفظون السند ويرسلون الحديث فما قبلت أخبارهم ولا نقلت:ها عنهم وعندنا لا يحل لأحد أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما سمعه من فم المحدث العدل فحفظه ثم يحدث به كما سمعه ثم قال إن المراسيل عندنا وعند عامة الفقهاء لا تقبل انتهى كلامه ولم أنقله على ترتيبه لكن هذه ألفاظه.
"وخالف في ذلك أكثر المحدثين" فقالوا لا يقبل المرسل والقائلون بقولهم وهم من ذكرهم يقولون بقبوله مطلقا من غير شرط من الشروط الماضية إلا أنه لا بد من الاستفسار عن تعريف المرسل الذي قبلوه فقد مضت ثلاثة تعاريف للمصنف فلا ندري أيها المراد هنا والظاهر أنه الثالث: وهو الذي في كتب أصول الزيدية وغيرهم لأن المرسل هو ما سقط فيه راو أو أكثر وهو الثالث: من التعريفات التي ذكرها المصنف وذكر أنه مذهب الزيدية وحينئذ ففي انطباق الدليل الأول على مذهبهم نظر وهو قوله "فاحتج أصحابنا في ذلك بوجوه :
الأول : الإجماع وهو إجماع الصحابة وإجماع التابعين" فأنه إن سلم إجماع الصحابة فإنما أجمعوا على مرسل خاص وهو مرسل الصحابي كما يدل له قوله:
"أما إجماع الصحابة فلأنه اشتهر فيهم وظهر وشاع ولم ينكر من ذلك أن البراء" بفتح الموحدة فراء ممدود "ابن عازب" بعين مهملة فزاي بعد الألف فموحدة صحابي معروف "قال في حضرة الجماعة" أي من الصحابة "ليس كل ما أحدثكم به سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا لا نكذب" أي لا نقول عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله بل نحدث عمن حدثنا عنه إلا أنك قد عرفت من تعريف المرسل أنه قول التابعي أو كبار التابعين وليس هذا منه وكأنه يريد أنه قد حصل المعنى الذي في المرسل.
نعم على تعريف الأصوليين يقال لهذا مرسل إلا أنه لا يعلم حديث رواه

الصحابي أنه سقط منه راو إلا بإخبار الصحابي بذلك لأن الأصول فيما يرويه أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيما إذا عرف بالأخذ عنه والملازمة مثل أبي هريرة ونحوه "وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة" 1 ثم قال أخبرني بذلك أسامة بن زيد ذكر ذلك كله المنصور بالله رضي الله عنه في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة" ولا يخفى أن هذا فيما أرسل عن صحابي وهو أخص من مدعي الزيدية كما أن قوله "قلت: ومن ذلك حديث أبي هريرة في فطر من أصبح جنبا وقوله حدثني الفضل بن العباس" ولفظ الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح جنبا أفطر" 2 وفي لفظ له "من أصبح في رمضان جنبا فلا صوم له" وله ألفاظ أخر فقال: ما أنا قلتها ورب الكمية لكن محمدا قالها ولما عارضته أخبار نسائه صلى الله عليه وسلم بأنه كان يصبح جنبا ويصوم ولا يقضي3 سئل عما حدث به فقال أخبرني الفضل ابن العباس وفي رواية أسامة بن زيد وكذلك ابن عباس أسند حديثه المذكور لما عورض فسئل.
وإذا عرفت هذا فلا يتم إطلاق من قال إن الصحابة كانوا يباحثون من أرسل ويطلبون منه الإسناد مستدلين بهذين الخبرين فإن الظاهر أنهم إنما كانوا يبحثون عند ظهور المعارض ومع عدم المعارض لا يبحثون ولا يسألون وحينئذ فيتم الاستدلال على قبول المرسل ما لم يعارض.
قلت: ولا يخفى وقد أشرنا أن الأصل فيما يرويه الصحابي الرفع فيعمل عليه ما رواه ما لم يصرح بخلافه.
"وقد قيل إن أكثر رواية ابن عباس كذلك" أي مرسلة "لصغر سنه وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فإنه توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن ابن عباس في ثلاث عشرة سنة على أصح ما قيل.
"وأما إجماع التابعين" على قبول المراسيل "فرواه العلامة محمد بن جرير الطبري" الإمام المعروف صاحب التفسير والتاريخ الكبير وغيرهما "حكاه عنه ابن عبد البر في
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 3/98. والنسائي 7/281. وأحمد 5/202.
2 بنحوه: البخاري في: الصوم: ب 22, 35. ومسلم في: الصيام: حديث 75-78. وأحمد 1/211.
3 أحمد 6/34.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5