كتاب : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
تأليف: أبي إبراهيم محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد المعروف بالأمير الصنعاني

الداعي إلى بدعته" قال في النخبة وشرحها1 إن البدعة إما أن تكون بكفر2 أو بفسق فالأولى لا يقبل صاحبها الجمهور والثاني يقبل مالم يكن داعية إلى بدعته لأن تزيين مذهبه قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه في الأصح والأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي ما يقوي بدعته فيرد.
"فعلى هذا يجوز أن يجعلوه من أهل المرتبة الثانية ويقولوا فيه متروك وهالك أو نحو ذلك فلا يخفى عليك موضع ذلك من كتب الجرح والتعديل فإنهم قد يطلقون ذلككعلى من يعتقدونه مبتدعا وليس كذلك" أي ليس في نفس الأمر مبتدعا بل في اعتقادهم.
"وقد يطلقونه على من يوافقهم على بدعتهم ولكن لا يوافقهم على أنها كبيرة وقد يطلقونه على من يوافقهم على تكفيره" إن كانت بدعته تقتضي تكفيره "أو تفسيقه" إن كانت تقتضيه "ولكن" هذا وإن وافقهم على تكفير من ذكر أو تفسيقه "لا يوافقهم على الفرق الذي اصطلحوا عليه وهو رد الداعية من المبتدعة دون غيره" من المبتدعة "مع اشتراكهم" أي الداعية وغيره "في القول بالبدعة" وإنما افترقا في الدعاء إليها وعدمه "و" اشتركهما "في التدين والتورع عن المحرمات وفي اعتقاد تحريم الكذب ولعلهم إنما تركوا داود الظاهري لقوله بحدوث القرآن ودعايته إلى مذهبه ومناظرته عليه والله أعلم" قد قدمنا رواية الذهبي في الميزان عن داود أنه أنكر قبله بحدوث القرآن ولم يذكر مناظرته عليه.
"فإن قلت: ما الفرق بين الداعية وغيره" من المبتدعة "عندهم" فإنهم فرقوا بينهما قبولا وردا "قلت: ما أعلم أنهم ذكروا فيه شيئا" فقد قدمنا عن ابن حجر ذكر تعليل رده قريبا "ولكني نظرت فلم أجد غير وجهين :
أحدهما: أن الداعية شديد الرغبة في استمالة قلوب الناس إلى ما يدعوهم إليه فربما حمله عظيم الرغبة في ذلك على تدليس أو تأويل كما زعموا أن عمرو بن عبيد أفتى بمسألة فقال هذه من رأي الحسن" في الميزان في ترجمة عمرو قال الشافعي عن سفيان أن عمرو ابن عبيد سئل عن مسألة فأجاب عنها وقال هذه من رأي الحسن يريد
ـــــــــــــــــــ
1 ص 51.
2 بكفر: هو كما المهذب المجسم ومنكر علم الجزئيات قيل: وقائل خلق القرآن فقد نص عليه الشافعي واختاره البلقيني . تدريب الراوي 1/324.

نفسه وليس هذه ما يفيده قوله "فسئل الحسن عنها فانكرها فقيل لعمرو في ذلك فقال إنما قلت: من رأيي الحسن يعني من رأي نفسه" وهذا مثال تدليس الداعية إلا أنه لا يعرف أن فيها تقوية لمذهبه إلا لو ذكر المسألة "وأما" المبتدع "غير الداعية فليس له من الحرص" على الرواية بتلك الصفة "ما يلجئه إلى هذا" إذ لا حامل عليه.
"والوجه الثاني" من الوجهين اللذين وجدهما المصنف فرقا بين الداعية وغيره "أن الرواية عن الداعية تشتمل على مفسدة وهي إظهار أهليته للرواية وأنه من أهل الصدق والأمانة وذلك يغري" بالغين المعجمة والراء "بمخالطته وفي مخالطة العامة لمن هو كذلك مفسدة كبيرة" قلت: هذا الوجه ذكره أبو الفتح القشري فقال إن ترك الرواية عنه إهانة وإطفاء لبدعته نقله عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة شرح البخاري.
"والجواب عن الاول أنها تهمه ضيفه لا تساوي الوازع الشرعي الذي يمنع ذلك المبتدع المتدين من الفسوق في الدين وارتكاب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقه المرتدين كيف الكاذب دناءة الكذب الذي تنزه عنه كثير من الفسقة لا يخفى تزويره وعما قليل ينكشف تبذيله وتغريره" من الغرر "ويتهمه النقاد وتتناوله ألسن أهل الأحقاد وكفى بشر سماعه" إشارة إلى المثل يكفيك من شر سماعه والمراد كفى الكاذب من الشر أن يسمع عنه "وأهل المناصب الرفيعه يأنفون من ذلك" أى من الكذب "من غير ديانه فكيف إذا كانوا من اهل الجمع بين الصيانه لأعراضهم والأمانه" لا يعزب عنك أن أصل الدعوى في الوجه الثاني أنه قد تحمله الرغبه في الدعاء إلى بدعته واستمالة القلوب إليه على التدليس أو التأويل لا على تعمده لا رتكاب صريح الكذب والجواب إنما يوافق ذلك.
"وقد احتج أهل الحديث بمن هو على أصوالهم دعيه إلى البدعه لما قويت عندهم عدالته وأمانته كقتادة" ابن دعامه الدوسى فانه كان يدلس ورمى القدر قاله يحيى بن معين ومع هذا احتج به أهل الصحاح ولا سيما إذا قال حدثنا انتهى بلفضه الميزان وأثنى عليه في التذكرة "وغيره فإن قتادة كان يرى المعتزله ويدعو إليه قال الذهبي في التذكرة كان يرى القدر ولم يكن يقنع حتى يصيح به صياحا" قالت افضه في التذكرة وكان يرى القدر قال ضمرة بن شوذب ما كان قتادة يرضى حتى يصيح به صياحا يعني القدر قال الذهبي نقله عن غيره ثم قال قال ابن أبي عروبة والدستوائى قال قتادة ل شيئ بقدر إلا المعاصي قلت: ومع هذا الاعنقاد الردئ ما تأخر أحد عن الاحتجاج بحديثه انتهى من التذكرة.

"قلت: دعاة المبتدعة من الخوارج والجبرية وغيرهم هم أبعدهم عن القائح وأصدقهم لهجة وتهمتهم مرجوحة إلا الخطابية من الخوارج" .
قلت: الخطابية من غلاة فرق الشيعة ينسبون إلى أبي الخطاب الأسدي كان يقول بالحلول في جماعة من أهل البيت على التعاقب ثم ادعى الألهية قاله السخاوي في شرح ألفيته العراقي وقال المناوي في التعريفات أنهم يقولون الأئمة أنبياء وأبو الخطاب نبي وهم يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم وقالوا الجنة نعيم الدنيا.
"والكرامية من الجبرية" هم نسبة إلى محمد بن كرام وفي ضبط كرام ثلاثة أقوال الأول بالفتح وتخفيف الراء ولاثاني بتثقيل الراء قيده به السمعاني وابن ماكولا قال إبراهيم وهو الجاري على الألسنة الثالث بكسر الكاف على لفظ جمع كريم قال الذهبي قال ابن حبان إن ابن كرام خذل حتى إلتقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها قال الذهبي قد سقت أخبار ابن كرام في تاريخي الكبير وله أتباع ومريدون وقد سجن بنيسابور لأجل بدعته ثماينة أعوام ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس ومات بالشام قال ابن حزم قال ابن كرام الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه هو مؤمن قال الذهبي قلت: هذا منافق محض في الدرك الأسفل من النار فأيش ينفع ابن كرام أن نسميه مؤمنا انتهى ولم يذكر الذهبي تجويزه الكذب.
"وذلك" الوجه في أبعدينهم عما ذكر "لأن الداعي إلى المذهب من أشد الناس رغبة إلى إشادته والعمل به ومن جملة ما ذهبوا إليه" أي أي الخوارج والجبرية "تحريم الكذب إلا هاتين الفرقتين" وهم الخطابية والكرامية فمن جملة بدعتهم تجويز الكذب.
"فدعاتهم" وكان الأظهر دعاتهما "أكذبهم وأسرعوا إلى ذلك بخلاف غيرهم" فيتعين ردهم مطلقا دعاة كانوا أولا "ولو سلمنا تهمتهم" أي دعاة المبتدعة "لما كانت إلا فيما يخصهم من المذاهب دون سائر الأحكام" هذا هو رأي المحدثين في المبتدع غير الداهية أنه يرد من حديثه ما يقوى بدعته كما صرح به الحافظ في النخبة وشرحها "لأنها تهمة بتدليس أو نحوه من أمره يستجيزونه أما لو اتهمناهم بتعمد الكذب بقرائن راجحة على قرينة صدقهم لأجل الوازع الشرعي لم يكن في ردهم إشكال" لأجل التهمة بالكذب.

"وأما الوجه الثاني" وهم التعليل بعدم قبول الداعية بالمفسدة في قبوله "فالجواب عليه أن نقول إما أن يقوم الدليل الشرعي على قبولهم أو لا" يقوم "إن لم يدل" الدليل الشرعي "على وجوب قبولهم لم نقبلهم" لعدم الدليل على القبول "هل كانوا دعاة أو غير دعاة" أي سواء كانوا وإتيان هل لهذا المعنى لا أعرفه "وإن دل" الدليل الشرعي "على وجوب القبول" كما هو المفروض "لم يصلح ما أورده ما نعا من امتثال الأمر" بقبولهم "ولا مسقطا بمعلوم الفرض" من قبولهم.
قلت: وهاهنا بحثان في قبول مطلق المبتدع داعية كان أو غيره وذلك لأن أهل الأصول أخذوا عدم البدعة في رسم العدالة فالمبتدع ليس بعدل فكيف يقبل حديثه فإنه قبله أهل الحديث كما سمعت ولم يردوا إلا الداعية لا لأجل بدعته بل لأنه داعية إليها.
وفسر الحافظ ابن حجر العدالة بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروة وفسر بالتقوى بأنها اجتناب الأعمال السيئة من شرك وفسق أو بدعة فأفادة أن ترك البدعة من ماهية العدالة فطابق كلام الأصوليين فالمبتدع لا يكون عدلا على رأي الفريقين ثم إنه قسم البدعة إلى قسمين ما يكون ردا لأمر معلوم من الدين ضرورة أو إثباتا لأمر معلوم بالضرورة أنه ليس منه انتهى.
قلت: ولا يخفى أن من كان بهذه الصفة فإنه كافر لرده ما علم ثبوته أو إثباته لما علم نفيه وكلا الأمرين كفر لأنه تكذيب للشارع وهذا ليس من محل النزاع إذ الكلام في المسلم المبتدع وأما ما يكون ابتداعه بفسق فقد اختار لنفسه ونقل عن الجمهور أنه يقبل ما لم يكن داعية وحينئذ فلا يرد إلا الداعية ورده لا لأجل بدعته بل لكونه داعية وهذه مسألة قبول أهل التأويل.
والمصنف قد نقل في كتبه الأربعة العواصم ومختصره الروض الباسم وهذا الكتاب ومختصره في أصول علم الحديث إجماع الصحابة على قبول فساق التأويل ولا يخفى أن هذا ينافي القول بشرطية عدم البدعة في الراوي ورسم العدالة منافاة ظاهرة وقد تقرر كون البدعة من الكبائر عند أئمة العلم ودلت عليه عدة أحاديث قد أودعناها رسالة حسن الإتباع وقبح الإبتداع وسقنا شطرا منها صاحلحا في رسالتنا ثمرات النظر وأطلنا القول في هذا البحث فيها.
وإذا عرفت هذا فلا يخلو قابل المبتدع إما أن يقول إنه عدل وإن ابتداعه لا يخل

بعدالته فهذا رجوع عن رسم العدالة أو يقول إنه لا يشترط عدم البدعة في العدل وإنه لا يطابق أحاديث الزجر عن البدعة.
البحث الثاني أن تفسير العدالة بما ذكره الحافظ ابن حجر تطابقت عليه كتب أئمة الأصول والحديث وإن حذف البعض قيد الأبتداع فإنهم قد اتفقوا على أنها ملكة ولا يخفى أنه ليس هذا معناها لغة ففي القاموس العدل ضدالجور وإن كان كلامه في هذه الألفاظ قليل الإفادة لأنه يقول والجور نقيض العدل فيدور وفي النهاية لابن الأثير العدل الذي لا يميل به الهوى وهو وإن كان تفسيرا للعادل فقد أفاد المراد به وفي غيرهما العدل الإستقامة.
ولأئمة التفسير أقوال في تفسيرها قال الفخر الرازي في مفاتح الغيب بعد سرده الأقوال إنه عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط ولاتفريط قلت: وهو قريب من تفسيره بالإستقامة فإنه فسرها الصحابة وهم أهل اللسان العربي بعدم الرجوع إلى عبادة الأوثان وأنكر أبو بكر الصديق على من فسرها بعد الإتيان بذنب وقال حملتم الأمر على أشده وفسرها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإتيان بالفرائض.
والحاصل أن تفسيرهم العدالة بالملكة ليس هو معناها لغة ولا أتى عن الشارع في ذلك حرف واحد وتفسيرها بالملكة تشديد لا يتم وجوده إلا في المعصومين وأفراد من خلص المؤمنين بل في الحديث "إن كل بني آدم حطاؤون وخير الخطائين التوابون" 1 وفيه أنه "من من نبي إلا عصى أوهم إلا يحيى بن زكريا" 2.
ولا يخفى أن حصول هذه الملكة لكل رواه من رواة الحديث معلوم أنه لا يكاد يقع ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك يقينا فالتحقيق أن العدل هو من قارب وسدد وغلب خيره على شره وفي الحديث "المؤمن واه راقع" 3 أي واه ما أذنب راقع بالتوبة وتمامه "والسعيد من مات على رقعه" أخرجه البزار وإن كان فيه ضعف فإنه يشهد له حديث "لو لو تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" 4 وهو حديث صحيح وقد أطلنا البحث في هذا في ثمرات النظر وفي هذا هنا كفاية.
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 2499, وابن ماجة 4251, والدارمي 2/303. والحاكم 4/244.
2 أحمد 1/254, 292, 295.
3 المعجم الصغير 1/66, والمجمع 10/201.
4مسلم في التوبة ب 2: حديث 11, وأحمد 2/309.

ولما قرر المصنف في كلامه ما يفيد قبول رواية المبتدع الداعية استشعر أنه قد يقال قد ثبت رد شهادة من له غرض في الشهادة أو من يتهم بمحاباة أو عداوة أو نحو ذلك أجاب عنه بقوله "وعلى العامة" أي العلماء "أن يفرقوا بين قبول الرواية والشهادة" فإن لكل منهما شروطا معروفة "و" أن يفرقوا "بين اعتقاد ماليس عليه دليل من البدعة" أي وبين ما قام دليل عليه وقبول الداعية قد قام الدليل عليه كما قرره فابتداعه في أمر لا يمنع عن قبوله في غيره "ومتى تعدوا" العامة "في ذلك" أي بقبولهم له في بدعته "أتوا من قبل أنفسهم" في اتباعهم للداعية في بدعته فإن الدليل لم يقم على ذلك.
"مثال ذلك أنا لو خشينا مثل ذلك من العامة إن سرنا في البغاة" أي في معاملتهم "بغير السيرة في المشركني لم يلزمن أن نسير فيهم مثل سيرتنا في المشركين" كما أن السيرة فيهم بغير السيرة في المشركين متعين فيإنه لا يغنم من أموالهم شيئا إلا الكراع والسلاح عند البعض ولا يسترقون ولا يذفف على جريحهم ولا يتبع مدبرهم "لئلا يتوهم بذلك العوام أن البغاة محقون أو محترمون" لم يلزمنا دفع وهم العامة بأن نسير في البغاة مثل سيرتنا في المشركين لئلا يتوهم العامة أن البغاة محقون أو محترمون "احتراما يوجب ترك قتالهم أو يشكك في جوازه" كذلك لا تترك رواية المبتدع الداعية لئلا تغري العامة بقبول روايته على مخالظته.
"على أن هذه المفسدة" وهي مخالظة العامة للمبتدع الداعية "مأمونة الوقوع بالرواية لحديث منقد مات من دعاة المبتدعة وتقادم عهده فتأمل ذلك والله أعلم" كأنه يريد أنه قد يقال إن المفسدة في قبوله في حياته فإن بقبوله فيها يحصل التدليس بما يقوي بدعته فيحصل قبول ما دلسه بعد مماته.
* * *

مسألة: 52 [في بيان السن التي يصلح تحمل الحديث فيها]
"متى يصلح تحمل الحديث" أي في أي سن يصلح تحمل الراوي عن غيره الرواية "العبرة" في ذلك أي في سن التحمل أو زمنه "بالعقل" أي بتعقل الراوي والتمييز لما يرويه لا بحين معين ووقت متحد بين الرواة.
"وقد يخلف الناس في ذلك وتختلف الأمور التي تحفظ فالأمور العظيمة" التي يعظم وقعها ويندر حصولها "ربما حفظت في حال الصغر بخلاف الألفاظ" ولم أجد هذا في شرح الزين ولا في كلام ابن الصلاح.
"وبالجملة متى ثبت العقل والبلوغ والعدالة" ذكر العقل والبلوغ مع العدالة زيادة إيضاح وإلا فإن ذكرها يكفي لأنها لا يكون منصفا بها إلا عاقل بالغ.
"وجزم" فعل ماض عطف على قوله ثبت "الثقة بأنه يحفظ من صغره شيئا لم يكن لأحد تكذيبه" .
قال زين الدين ومنع من ذلك قوم وهو خطأ مردود عليهم وقد مثل من تحمل في صباه برواية الحسنين وعبد الله بن الزبير1 والنعمان بن بشير2 وابن عباس والسائب بن يزيد والمسور ابن مخرمة ونحوهم وقبل الناس روايتهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده.
ـــــــــــــــــــ
1 عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أمير المؤمنين وهو أول مولود من المهاجرين بايعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين. مات سنة 73. له ترجمة في الرياض المستطابة ص 201- 202.
2 النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي كان أول مولود من الأنصار بعد الهجرة سكن الشام ثم ولي الكوفة وحمص لمعاوية وكان كريما جوادا شاعرا مات سنة 64. لله ترجمة في: الرياض المستطابة ص 262.

وأما سن السماع فاختلفوا فيها على أقوال :
الأول : أن أقله خمس سنين حكاه القاضي عياض في الألماع1 عن أهل الصنعة وقال ابن الصلاح: هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين.
وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ولانسائي وابن ماجه2 من حديث محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين, بوب عليه البخاري متى يصح سماع الصغير قال زين الدين3 وليس في حديث محمود سنة متبعة إذ لا يلزم منه أن يميز الصغير تمييز محمود بل قد ينقص عنه وقد يزيد ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك سنه أقل من ذلك ولا يلزم من عقل المجة أن يعقل غير ذلك مما سمعه انتهى.
قلت: على أنه أخبر عن نفسه ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم قول ولا تقرير ولا رواه في حياته صلى الله عليه وسلم وإنما فيه دليل على جواز المجة في وجه الصبي مداعية له وتبريكا عليه وكأنه يقول الدليل أنه رواه محمود وعين وقت تحمله وقبله العلماء ولم يردوه فيكون إجماعا على ذلك ولئن سلم ففيه ما قاله الزين.
ثم مما يدل على عدم اعتبار حد معين لسن التحمل أنه روى الخطيب4 بإسناده إلى القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبدالرحمن الملبان الأصهاني قال سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وأحضرت عند أبي بكر بن المقري ولي أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لي ما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع فقال ابن المقري اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال أقرأ سوة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقري اسمعوا له والعهدة على.
وفي شرح السخاوي5 أنه روى الخطيب من طريق أحمدبن نصر الهلالي قال:
ـــــــــــــــــــ
1 ص 62.
2 البخاري في: العلم ب 18, وابن ماجة في: الطهارة: ب 136. وأحمد 5/427.
3 فتح المغيث 2/45.
4 ص 64- 65.
5 2/146.

سمعت أبي يقول كنت في مجلس ابن عيينة فنظر إلى صبي دخل المسجد فكأن أهل المجلس تهاونوا به فقال سفيان كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان فار أختلف إلى علماء الأمصار مثل الحسن وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلت:ي كالموزة وقلمي كاللوزة إذا دخلت المسجد قالوا أوسعوا للشيخ الصغير قال النووي في ترجمة ابن عيينة في التهذيب قال سفيان قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت وأنا ابن سبع سنين.
القول الثاني من الثلاثة أنه متى فهم الخطاب ورد الجواب كان سماعه صحيحا وإن كان ابن أقل من خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح وإن زاد على الخمس قال زين الدين وهذا هو الصواب ولعل أهل القول الأولى يشترطون فهمه الخطاب ورده الجواب.
القول الثالث : إنه إذا عقل وضبط وهو قول أحمد بن حنبل قلت: وهو قريب من الثاني.
الرابع : قول موسى بن هرون الحمال يجوز سماع الصغير إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار1 قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أنه على سبيل المثال.
"إلا أن يكون" الخبر الذي تحمله الراوي حال صغره ورواه بعد كبره "أمرا يعلم بطلانه بالضرورة أو الدلالة فإنه لا يقبل" قلت: لإخفاء في أنه ما كان كذلك فإنه لا يقبل ممن تحمل بعد تكليفه "ومثل هذا لم يقع فلا نطول بذكره وكذا تقبل رواية من سمع وهو كافر وروى" ذلك "بعد الإسلام فالعبرة بحال الأداء" أي حال تأديته ما سمعه.
قال زين الدين مثاله حديث جبير بن مطعم المتفق على صحته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وكان قدم في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم وفي رواية للبخاري وذلك أول ما وقر الأسلام في قلبي2.
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص116.
2 البخاري في:المغازي: ب 12.

خاتمة : قال ابن الصلاح1: وينبغي بعد أن صار الملحوظ بقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغار في أول زمان يصح فيه سماعه وأما الإشتغال بكتب الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص انتهى.
ونقل زين الدين2 عن الزبير بن أحمد من الشافعية أنه قال يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجمع العقل قال وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض ضقال الحافظ ابن حجر: المراد ما يجب على الشخص وجوب عين لا علم المواريث وقال موسى بن إسحاق كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة3 وقال موسى بن هرون الحمال أهل البصة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين4
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 115- 116.
2 فتح المغيث 2/44, وعلوم الحديث ص 115.
3 علوم الحديث ص 115.
4 المصدر السابق.

مسألة: 53 [في بيان أقسام التحمل]
"أقسام التحمل" قال زين الدين1:
الأخذ للحديث وتحمله عن الشيوخ ثمانية أقسام :
الأول : "لفظ الشيخ" أي سماع لفظه قال الزين2 سواء أحدث من كتابه أو من حفظه بإملاء أو بغير إملاء وهو أرفع الأقسام وأعلاها "عند الجمهور وأرفع ألفاظه" في حال الأجاء "فيما سمعه من الشيخ" قال الخطيب3 أرفع العبارات "سمعت" فإنها أرفع العبارات وأما سمعنا بطريق الجمع فيطرقه احتمال سماع أهل بلد هم فيهم "ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا وأخبرني" وهو كثير في الإستعمال هذا لفظه وهو أرفع من سمعت من جهة أخرى وهو أنه ليس في سمعت دلالة على أنه خاطبه به وفيها دلالة على أنه خاطبه به ورواه له "ثم أنبأنا وأنبأني وهو قليل في الإستعمال وإنما يستعمل" الأنباء "في الرواية بالإجازة لا بالسماع" من لفظ الشيخ "ثم إستعمل أنبأنا في" عرف أهل "الأزمان الأخيرة لما قرئ على الشيخ وأما قال لنا أو" قال "لي أو ذكر لنا أولى أو نحوه فهو مثل ماتقدم في الاتصال" فهو مثل حدثنا "غير أنه في العرف لما ثيل في حال المذاكرة" .
قال ابن الصلاح4: إنه لا ثقة به وهو أشبه من حدثنا وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك فقا لفيما رويناه له أن البخاري حيث قال قال لي فلان هو إجازة وحيث قال قال فلان فهو تدليس ولم يقبل العلماء كلامه هذا وقال ابن
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 2/47.
2 المصدر السابق.
3 الكفاية 283- 284.
4 علوم الحديث ص 121.

القطان إن رواية ذلك عن البخاري لم تصح.
قال الحفاظ ابن حجر قالوا إن ما قال فيه البخاري قال لنا فهو ما حمله إجازة قال واستقرينا ذلك فوجدناه في بعض ما قال فيه ذلك يصرح فيه بالتحديث في موضع آخر.
"فأما قال وذكر من غير حرف جر وضمير" من لنا أولى "فهو دونها" قال ابن الصلاح1: إنها أوضع العبارات ومع ذلك فهي محمولة على السماع بالشرط المذكور في المعنعن وهو حيث حصل الشرط الديني ولذا قال المصنف "وهي كالمعنعنة متصلة إذا علم اللقاء وسلم القائل لذلك من التدليس لا سيما من عرف منه أنه لا يروي إلا ما سمعه" .
"كحجاج بن محمد" هو المصيصي "الأعور" أحد الثقات روى عن ابن جريج وشعبة وعنه أحمد وابن معين ولاذهلي روى الأترم عن أحمد أنه قال ما كان أحفظه وأصح حديثه وأشد تعاهده للحروف ورفع أمره جدا "فروى كتب ابن جريج" هو عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج أبو خالد المكي أحد الأعلام الثقات يدلس وهو في نفسه مجمع على ثقته مع أنه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح المتعة كان يرى الرخصة في ذلككان فقيه أهل مكة في زمانه "بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها" لأنه قد وجد فيها شرط المعنعن المتصل من علم اللقاء والسلامة من التدليس وزيادة أن راويها لا يروي إلا ما سمعه.
"الثاني" من أقسام الأخذ والتحمل "القراءة على الشيخ" وهو يسمع "ويسميها أكثر المحدثين عرضا" قال زين الدين2 بمعنى أن القاري يعرض على الشيخ ذلك سواء قرأت ذلك على الشيخ من كتابه أو سمعته بقراءة غيرك من كتاب أو من حفظه أيضا وسواء كان الشيخ حافظا لما عرضت أو غرض غيرك عليه أو غير حافظ له.
"وسواء أمساك الشيخ أصله بنفسه أوثقة غيره خلافا لبعض الأصوليين" فيما إذا لم يمسك أصله بنصه وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فإنه حكى القاضي عياض عنه أنه تردد فيه وأكثر سيله إلى المنع وإليه نحا الجويني يعنى إمام الحرمين قال القاضي وأجازه بعضهم وصححه وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث وقال ابن الصلاح:
ـــــــــــــــــــ
1 المصدر السابق.
2 فتح المغيث 2/50.

إنه المختار وقوله ثقة احتراز عما إذا كان الممسك للأصل لا يعتمد عليه ولا يوثق به فذلك السماع مردود غير معتد به.
"وأجمعوا على صحة الرواية بالعرض" قال ابن الصلاح1: كما يعرض القرآن على المقري وقال هنا أجمعوا وإن خالف في صحته من يأتي ذكره فإنهم كما قال المصنف "وردوا في ذلك الخلاف عن أبي عاصم النبيل" وذلك أنه كان لا يرى يعني أبا عاصم الرواية بالعرض2 وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري أحد الأثبات قال الذهبي أجمعوا على توثيق أبي عاصم وقد قال عمر بن سعد والله ما رأيت مثله.
"و" ردوا مارووا عن أبي "عبد الرحمن بن سلام الجمحي" فإنه لم يكتف بذلك فإنه حكى أبو خليفة عنه أنه سمعه يقول دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه ابن أبي أويس يقول له حدثك نافع حدثك الزهري حدثك فلان ومالك يقول نعم فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله عوضني مما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي فقال أعراقي أنت؟ أخرجوه عني3 انتهى.
واعلم أن قول المصنف إنهم ردوا قوليهما لم يردوه إلا بقولهم إنه لا يعتد بخلافهما ولا يخفى ضعف هذا الرد إذ المسألة تحتمل النظر والخلاف.
"ورجحه مالك وأبو حنيفة وغيرهما على السماع من لفظ الشيخ" الذي أعلى رتب الأخذ والتحمل.
قلت: والذي في شرح الألفية4 أن مالكا يقول بالتسوية كأهل القول الثاني قال السخاوي والتسوية هي المعروفة عن مالك قال وذكر ابن فارس عن مالك والخطيب في الكفاية كقول أبي حنيفة فإنه روى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال كان أبو حنيفة يقول قراءتك على المحدث أثبت وأوكذ من قراءته عليك إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ ما في الصحيفة وإذا قرأت عليه فقال حدث عني ما قرأت فهو تأكيد وهذا القول الأول في المسألة.
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 122.
2 المحدث الفاضل ص 420.
3 الكفاية ص 272.
4 فتح المغيث 2/51.

والثاني قوله "والجمهور على أنهما سواء" قال الزين1 ذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والبخاري إلى التسوية بينهما.
قلت: قد قدم المصنف أن أرفعهما السماع من لفظ الشيخ وأسنده إلى الجمهور ثم عد العرض رتبة ثانية وهنا قال عن الجمهور إنهما سوءا ومثله قال الزين في ألفيته إن السماع من لفظ الشيخ إلى وجوه الأخذ عنه الأكثرين ولكنه لم يقل في القول بالتسوية إنه قول الجهور فلم يناقض عبارته وفي شرح السخاوي2 أن مالكا كان يأبى أشد الأباء على المخالف ويقول كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن والقرآن أعظم ولذا قال بعض أصحابه وصحبته سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤه عليه وقال إبراهيم بن سعد يا أهل العراق لا تدعون تنطعكم العرض مثل السماع3.
والثالث قوله "وذهب جمهور أهل الشرق إلى ترجيح السماع منه" من لفظ الشيخ على القراءة عليه المسماة بالعرض قال السخاوي لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى وذلك بأن يكون الطالب أعلم وأضبط ونحو ذلك كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأضبط وأيقظ منه في حال قراءته هو وحينئذ فالحق أن ما كان فيه الأمن من الخطأ والغلط أكثر كان أعلى رتبة وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ بأصله وأحد السامعين مقابل بأصل آخر ليجتمع فيه للفظ والعرض انتهى.
قلت: وأخذوا في العرض القراءة على الشيخ وهي بأن يأخذ التلميذ لفظ ما يروى فلا يسمى مجرد المقابلة لما يمليه الشيخ عرضا إلا أن يريدوا أو يقرأ السامع أيضاما قرأه الشيخ.
وإذا روى من تحمل بالعرض ما يحمله فله في ذلك عبارات:
"وأجود العبارات في العرض أن تقول قرأت على فلان أن كان هو الذي قرأ عليه وإلا قوى عليه وأنا أسمع" عبارة ابن الصلاح4: أجودها أن تقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال.
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 2/51.
2 2/169- 170.
3 البيهقي في: المعرفة 1/32.
4 علوم الحديث ص 122-123.

"ودون هذه العبارة" أن يقول "حدثنا أو أنبأنا فلان بقراءتي عليه إن كان القارئ وإلا قال قراءة عليه وأما أسمع" وإنما كانت دون الأولى لإيهامها أو لا قبل التقييد أنه شافهه الشيخ وأسمعه ما رواه عنه "أو" يقول "قال فلان قراءة عليه أو نحو ذلك" مما يفيد أنه رواه بالعرض "حتى استعملوه" أي هذا التركيب "في الإنشاد" قالو أنشدنا فلان قراءة عليه أو بقراءتي عليه.
"ولم يستثنوا مما يجوز في القسم الأول إلا سمعت" فقالوا لا يقال في الرواية في هذا القسم سمعت بل يختص بالقسم الأول "وجوزه بعضهم" كالسفيانين ومالك حكاه عنهم القاضي عياض وهو كما قال ابن دقيق العيد تسامح خراج عن الوضع ليس له وجه قال وربما قرنه بعضهم بأن قال سمعت فلانا قراءة عليه "والصحيح الأول" وصححه الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريح في السماع لفظا.
"وأما إطلاق" الأخذ بالعرض عند روايته لما أخذه بإطلاقه "حدثنا وأخبرنا من غير تقييد بالقراءة فاختلفوا فيه على" ثلاثة "أقوال" :
الأول : المنع وهو مذهب أحمد بن حنبل والنسائي وخلق من أهل الحديث وقال الباقلاني1 إنه الصحيح.
والثاني : الجواز وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة والحجاز.
وثالثها : الفصيل وهو "منع" إطلاق "حدثنا جواز أخبرنا" وهو مذهب ابن وهب والشافعي ومسلم وأكثر أهل الشرق "وهو الشائع الغلب على أهل الحديث" عبارة ابن الصلاح2 الفرق بينهم اصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح كما قال المصنف "وكأنه اصطلاح للتمييز بين النوعين" قراءة الشيخ والعرض عليه.
وقال ابن دقيق العيد حدثنا في العرض بعيد من الوضع اللغوي بخلاف أخبرنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ولما قرى عليه فأخبر به فلفظ الأخبار أعم من التحديث فكل حديث إخبار ولا ينعكس وهنا تفريعات ثمانية ذكرها الزين
ـــــــــــــــــــ
1 الكفاية ص 296.
2 علوم الحديث ص 124.

بلفظ تفريعات.
"وإذا قرأ القاري وسكت الشيخ" بعد قول الطالب أخبرك فلان كما قاله في شرح الألفية وكان يحسن من المصنف تقييده به كون الشيخ "غير منكر مع إصغائه وفيهمه ولم يقر باللفظ" وذلك بأن يقول الشيخ عند تمام السماع عليه بعد أن يقول له القاري هو كما قرأت عليك فيقول نعم "كفى ذلك" في العرض من غير إقرار الشيخ لفظا "عند جمهور الفقهاء والمحدثين والنظار" قال ابن الصلاح: وسكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ أي اكتفاء بالقرائن الظاهرة قال السخاوي قلت: وأيضا فسكوته خصوصا بعد قوله هل سمعت فيما ليس بصحيح موهم للصحة وذلك بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش وعدم النصح وهذه المسألة مما استثنى من قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول.
"وشرطه" أي الأقرار باللفظ "بعض الظاهرية" وحكاه الخطيب عن بعض أصحاب الحديث "وبه" أي بقول بعض الظاهرية "عمل جماعة من مشايخ أهل الشرق وقطع به" بالمنع من الرواية حتى يصرح بالأقرار باللفظ "جماعة من الشافعية" أبو الفتح سليم الرازي وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ إلا أنه "قال ابن الصباغ له أن يعمل بما قرأ عليه" ولم يقر به "وإذا روى عنه فليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني بل يقول" في الرواية "قرأت عليه أو قرئ علهي وهو يسمع وصححه" أي قول ابن الصباغ "الغزالي" قال الزين وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا هذا الذي صححه الغزالي.
"وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه وحكى الآمدي تجويزه" أي إطلاق الرواية "عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة" هذه عبارة زين الدين بلفظها في شرح الألفية وفي مختصر ابن الحاجب ما لفظه وقراءته عليه من غير نكير ولا ما يوجب سكوتا مطلقا على الأصح ونقله الحاكم عن الأئمة الأربعة.
قال عضد الدين فتقول وأما قراءتتته على الشيخ منغير أن ينكر الشيخ عليه ولا وجد أمر يوجب السكوت عنه من إكراه أو غفلة أو غيرهما من المقدرات المانعة عن الأنكار فقد اختلف في انه هل يعمل به أولا فمنعه بعض الظاهرية والصحيح أنه معمول به إلى أن قال فنقول عند الرواية حدثنا أو أخبرنا قراءة عليه.

وهل يقول حدثنا وأخبرنا مطلقا منغير ذكر القراءة؟
قال الحاكم القراءة إخبار عهدة على ذلك مشايخنا ونقل ذلك عن الأئمة الأربعة.
"وإن أشار الشيخ" زادالزين برأسه أو بأصبعه "بالإقرار ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول" الراوي عنه "حدثني وأخبرني ولا سمعت قال الزين وفيه نظر" كأن وجهه أنه إذا جاز أن يقول ذلك مع سكوته كما سلف فمع إشارته بالأولى.
"واستحبوا الإجازة من الشيخ لتلميذه" عقب السماع خوفا من الغفلة اليسيرة عن الكلمة والكلمتين فإن تحقق السهو ولم تحصل إجازة بطل السماع في القدر المشكوك فيه لأنه لا رواية إلا مع علم بالتحديث أو الظن لا مع الشك.
"وقال زين الدين" نقلا منه عن ظاهر صنيع المحدثين إنه "يعفي عن القدر اليسير كالكلمة والكلميتن" إلحاقا منهم للأقل بالأكثر وللمغلوب بالغالب.
قال السخاوي بل تسعوا أكثر من ذلك حتى صار الملاحظ إبقاء سلسلة الأسناد بحيث كان يكتب السماع عن المزي وبحضرته لمن يكون بعيدا عن القاري والصبيان الذين لا يضبط أحدهم بل يلعبون غالبا ولا يشتملون بمجرد السماع حكاه ابن كثير.
"وإذا لم يسمع" التلميذ "كلام الشيخ واستفهم" التلميذ عن كلام شيخه "من عنده" من السامعين "فأخبره لم يروه" أي ما استفهم عنه "عن الشيخ إلا بواسطة من حدثه" فإن الذي أخبر به قد صار شيخا له فيما أخبره ونزل به درجة عن السماع "وجوزه بعضهم" كأنه نظر إلى اتحاد المجلس "والصحيح خلافه" كما عرفت.
"وأما المستملي فهو بمنزلة القاري على الشيخ فإذا سمع المستملي ما يقول المملي فلمن سمع السمتملي أن يروي عن المملي ويقيد ذلك بذكر الإملاء كالقراءة" قال السخاوي هذا هو الذي عليه العلم عند أكابر المحدثين ال1ي كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ويجتمع فيه الفئام من الناس بحيث يبلغ عددهم ألوفا مؤلفة ويصعد المستمي على الأماكن المرتفعة ويتلقون عن المشايخ ما يملون.
هذا فيما يكون فيه السماع لا من وراء حجاب إذ هو الأصل.
"ويجوز السماع" إذا كان يحدث من لفظه بصوت وهو يعرف الصوت "من وراء حجاب مع معرفة الصوت أو تعريف ثقة به" أي بصوته فيما إذا حدث بلفظه أو بحضوره فيماإذا قرى عليه صح السماع "لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين

ابن أم مكتوم" 1 قال السخاوي2 وقد يناقش فيه بأذن الأذان لا قدرة لسماع الشيطان لألفاظه فيكف بقوله وذلك مع الحجة لنا أيضا ثم ذكر ما أفاده قوله "ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحدثن من وراء حجاب وينقل عنهن من يسمع ذلك" من غير نكير إجماعا.
* * *
مسألة :
"الثالث" من أقسام التحمل "الإجازة" هي مصدر وأصلها إجواز تحركت الواو وانفتح ما قبلت ألفا وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة وإما الأصليه على الخلاف بين سيبويه والأخفش.
وفي مأخذها أقوال قيل التجوز وهو التعدي كانه عدى روايته حتى أدخلها إلى المروى عنه وقيل من المجاز كأنه القراءة والسماع هي الحقيقة وما عداها مجاز وقيل من الجواز يمعنى الإباحه فإنه أباح المجيز من أجازه أن يروى عنه وأذن له في ذلك.
واعلم أنهم اختلفوا في مرتبة الأجازة والمصنف بني على كلام الزين أنها رتبة ثالثة وأن العرض أقوى منها وقيل أقوى منه لأنها أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخللص عن الرياء والعجب قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وقال بقي بن مخلد ومن تبعه إنهما سواء وبه قال ابن خزيمة فقال المناولة والإجازة عندي كالسماع الصحيح.
"وهي أنواع كثيرة" عدها زين الدين تسعة أنواع "أصحها أن يجيز العالم كتابا معينا لرجل معين" فيعين المجاز له والمجاز به "فيقول أجزت لك أن تروى عني كتاب فلان" قال زين الدين إنه حكى القاضي عياض الإتفاق على جواز هذا النوع.
"ودون هذا أن يجيز" الشيخ "لرجل معين جميع مسموعاته من غير تعيين" للمجاز به وهذه الثانية.
والثالثة قوله: "ودون هذا أن يجيز جميع مسموعاته لجميع الموجودين من المسلمين"
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 1/160. ومسلم في: الصيام:حديث 36: 38. وأحمد 2/9.
2 فتح المغيث 2/210- 211.

لعدم تعيين الأمرين معا ولا أحدهما:
والرابعة قوله "ودون هذه أن يجيز ذلك" أي جميع مسموعاته "لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين" ووجه تأخرها عما قبلها ظاهر واختار الخطيب صحتها قال إذا أجاز لجميع المسلمين صحت الأجازة وكذلك الحافظ ابن منده فإنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وإليه ذهب الحافظ السلفى فإنه كتب من الاسكندريه في بعض مكاتباته إحازة لأهل بلدان عدة منهابغداد وواسط وهمدان وإصبهان وزنجان.
قال القاضي عياض إن الا جازة العامه للمسلمين من وجد منهم ومن لم يوجه ذهب إ ليها جماعة من مشايخ الحديث قال زين الدين وأنا أتوقف عن الرواية بها "ولها صور غير هذه" قد قدمنا لك عن الزين أن صورها تسع فهذه منها أربع.
"وفي كل منها" أى من هذه المذكورة أو من المحذوفة "خلاف" والقائلون بكل صورة أكثر من القائلين نما دونها ] وادعى الباجي أنه لاخلاف في جواز الرواية بالأجازة من سلف هذه الأمه وخلفها قال زين الدين إن حكايته الأجماع غلط وقال ابن الصلاح: إنه باطل.
قلت: تقدم عن القاضي عياض أنه الأولى من الصور.
"والذي إعتمد عليه من أجازها إختلفوا" في معناها إختلافا تفرع عنه إختلاف آخر "فمنهم من قال هي خبر جملى وكل ما جاز في الأخبار الجملية جاز فيها فمن هنا" أى من حيث كونها خبرا جمليا "قال بعضهم" أى بعض من أجاز الأجازة "لا تجوز لغير معين ولا لمعدوم لأن الأخبار لايكون إى لمعين موجود مشافهة أومكاتبة" فلم يجبيروا إلا القسم الأول منها وهو حيث تعين المجاز له.
"ومن اجاز ذلكفي حق المجهول" كأجزت لأهل مصر مثلا "والمعدوم" وحده كأجزت لمن سيوجد أو مع الموجودين "إحتج" من يقول بجواز ذلك "بأنه يجوز أن يقول أخبرنا الله في كتابه بكذا كما يقول أمرنا بكذا وإن كنا وقت الأخبار والأمر غير موجودين ولا معينين" .
قال المنصف "وهذا" الدليل "ضعيف لوجهين" :
"الأول: أنه لو جاز لنا القياس على هذا" أي على قولنا أخبرنا الله بكذا "لجاز لنا أن نرى عمن لم يجز لنا من المحدثي فإن جواز قولنا أخبرنا الله لايتوقف على أن الله أجاز لنا الرواية عنه" .

قلت: لم لا يقال إنه قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم "لبيلغ الشاهد الغائب" 1 وقال "بلغوا عنى ولو آية" 2 وهو خطاب للأمه الموجودين أو لمن شافهه بأن يبلغوا عنه ما أني به من عند الله من كتاب وسنة فهذه إجازة منه صلى الله عليه وسلم في الأبلاغ عنه ما جاء به فهو يروي القرىن عن جبريل عن الله تعالى ثم أمرنا بابلاغه فإذا عرفت فقولنا أخبرنا الله بكذا ممستندا إلى هذا الأمر الذي هو إجازة وزيادة وغايته أن يكون قولنا أخبرنا الله بكذا خبرا مرسلا لأسقاطنا الواسطة.
ولا يلزم أيضا أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم لنا عن الله بالقرآن وبالأحاديث القدسية التى بلغها إليه النلك خبرا مرسلا لأنه من الأخبار المعلوم صدقها فلذا وجب قبول خبره صلى الله عليه وسلم لأجل المعجزة فليس كالأخبار المرسلة في الروايات لأن المختبر هنا معصوم عن الكذب رواية عن غيره وقولا عن نفسه وصل خبره بذلك الواسطة وهو جبريل أو غيره من الملائكة أولا وقد صرح صلى الله عليه وسلم في بعض رواياته عن الله تعالى بذكر جبريل والأكثر حذفه.
وإذا تقرر هذا فلم يتم قول المنصف إنه لايتوقف قولناأخبرنا الله تعالى أنه أجازلنا الرواية عنه بل قد أجاز لنا تعالى الرواية عنه على لسان رسوله حيث قال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ,وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 2] فإنه معطوف على الأمين أو على ضمير مفعول يعلمهم فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة فالصحابة معلمون له صلى الله عليه وسلم يعلمهم الكتاب والحكمة والكل إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن الله كما تقرر أن الحق أن السنةوحى وهى المراد بالحكمة في الآيه ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يعلموامن يأتي بعدهم ويبلغوهم الكتاب والحكمة ثم هلم جرا إلى إنقضاء دار التكليف.
وكل ذلك إخبار عن الله بالأخازة منه صلى الله عليه وسلم وهي أمره لهم بالابلاغ فإخباره صلى الله عليه وسلم عن ربه كله بالإجازة عنه تعالى فإن أمره تعلى له صلى الله عليه وسلم بإخباره لنا عنه أمره ونواهيه وكلامه هو عين الإجازة له بالابلاغ غايته أنه تعلى أوجب عليه ذلك الابلاغ كما أوجب صلى الله عليه وسلم على
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 1/26, 37, ومسلم في: الحج: ب 82: حديث 446, وأحمد 5/45.
2 البخاري 4/207, والترمذي 2669, والدارمي 1/136, وأحمد 2/159.

الأمة الأبلاغ عنه وعن الله فقولنا أخبرنا الله بكذا مرسل بل المراد أخبرنا من علمنا كلام الله عن رسول الله عن جبريل عن الله ومن علمنا بينهم وبين من علمهم وسائط لاينحصرون.
لكن الأخبار المتواترة كالقرآن والواجبات الخمسة ونحوها لا ينظر فيها إلى الرواة ولا إلى صفاتهم وإلا فالكل رواية فليتأمل فإنه قد يقال إن إنقسام الرواية إلى مرسل وغيره إنما هو في الأحاديث لا في المتواترات لأنه قد يقال أول رتبه آحاد إلا أن يقال التصديق بالمعجزة صير قبول الخبر ضروريا من صاحبها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والضرورة هي العلة في قبول الأخبار المتواترة فهي كالتواتر وأقوى منه في أول رتبة فلينظر فلم تجد هذا البحث لأحد وإنما هو من فتح الله وله الحمد كله.
"ولو جاز ذلك" عن الله "لجاز لنا أيضا أن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة" يقال عليه سؤال الاستفسار وهو ما معنى بغير واسطة هل يختلف عليه فهذا ليس بإخبار عنه لغة قطعا وإن أريد بغير واسطة أي بغير راو لنا عنه فنحن إنما طريق ما يبلغنا عنه التعليم أما القرآن فمن أفواه حفاظه أو من خطوط الثقات من حفاظه والكل وساطة وتعليمهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو السنة ولا تبلغنا إلا من أفواه الرواة أو من خطوط ثقاتهم النقلة والكل إبلاغ لنا ورواية فإذا نقلنا عن الله تعالى أمرا وعن رسوله صلى الله عليه وسلم سنة فهي لا تكون إلا بواسطة قطعا ولا يشترط أن يقال لنا المبلغ أرووا عني لأنه قدأمرنا الشارع بالرواية عنه والإبلاغ بحيث لوقال لنا من علمنا قد حجرتكم عن الرواية عني لكان كلاما لاغيا وكان به آثما وإذا عرفت وجوب الرواية عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما صح لك من كتاب وسنة وأنك لا تحتاج فيه إلى إجازة أصلا.
نعم إذا أردت سلسلة الإسناد بأنه أخبرك فلان عن فلان فلا بد لك من طريق يصح لك بها الأخبار وباه أخبرك فمن أجاز للمعدومين فمعناه الإبلاغ إليه بأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقوله صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني" عام للموجودين ولو كانوا غائبين وللمعدومين على خلاف في الأصول والإبلاغ عنه صلى الله عليه وسلم رواية فقد أجاز صلى الله عليه وسلم الرواية للمعدومين بل أمر بها.
وإذا تحققت هذا علمت بطلان السؤال والجواب الذي تضمنهما قوله.
"فإن قلت: إنما أجاز في حقه تعلى من غير أجازة لنا بخلاف غيره" قد عرفت أن

أمره تعالى لنا بالأبلاغ عنه وعن ورسوله صلى الله عليه وسلم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إجازة لنا وزيادة "لأنه تعالى أراد خطاب جميع المكلفين بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما خاطب من سمعه" نعم الخطاب الشفاهي هو لمن سمعه كما عرف في الأصول لكنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبلاغ عنه وهو إجازة منه لمن بلغه أن يبلغ عنه ثم ظاهر كلامه أن المراد من قوله فإما من خاطب من سمعه أنه أراد الخطاب الشفاهي لأنه المسموع لمن يخاطب به.
ولا يخفى أنه تعالى لم يشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء فإنه كان بغير وساطة وأما القرآن ويغره فإنه جاءه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك فلا يتم قوله أراد خطاب جميع المكلفين لأنه تعالى لم يخاطب الخطاب الشفاهي الذي جعله وجه الشبه لا الموجودين ولا المعدومين بل خاطب جبريل عليه السلام على كيفية ال يعلمها إلا هو "وكذا شيوخ المحدثين إنما خاطبوا من أخذ عنهم" الكلام في أعم من الخطاب وهو البلاغ فأجازته للمعدومين إبلاغ لهم بأن يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كأمره صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه.
"قلت: كون الله قصد خطاب المعدومين" كما أفاده إيراد السؤال "من المكلفين" ينبغي أن المراد أي قصد أن يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه تعالى كما قصد أن يخاطب جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعالى خاطب الموجودين الخطاب الشفاهي الذي علق به النزاع وكما دل له قوله "مختلف في صحته" لكنه لا يخفي أنه إذا حمل على ما ذكرنا خرج عما نحن بصدده.
واعلم أن مسألة الخطاب الشفاهي هي محل الخلاف في الأصول بين الحنابلة والجماهير ولا يخفي أنه لا يصح أن تراد هنا فإن المحدث الذي أجاز للمعدومين غير مخاطب لهم مشفاهمة ضرورة عقلية لكنه يبلغ بأجازته كأمره صلى الله عليه وسلم بقوله "بلغوا عني" فإنه أجازة لمن في عصره ولمن جاء بعده ووجد بعد فقده وقوله المعدومين يدل على أن الموجودين لا خلاف في قصد خطابهم وفيه الخلاف بل الحق أن الخطاب الشفاهي لا يكون إلا للحاضرين لا غير وذلك مثل يا أيها الناس وأما الغئبون ومن سيوجد فإنما يدخلون في الحكم لأدلة عموم التشريع كما عرفت في الأصول الفقية.
"وعلى تقدير صحته فليس ينزل منزلة الأخبار كما لا ينزل منزلة التكليم" يقال عليه

مسلم ولذا لا يقال في الرواية بالإجازة كلمني فلان ولا شافهي ولا سمعته وإنما يقال أجاز لي ونحوه "ألا ترى أن موسى عليه السلام كلم الله تعالى من دون سائر من آمن به وإن كان الله قد أمرهم ونهاهم وأخبرهم" يقال فرق بين الأمرين فإنه تعالى كلم موسى عليه الصلاة والسلام بغير واسطة والذين أمرهم وأخبرهم ونهاهم كانوا بواسطة الرسل وكان فيمن أمرهم تعالى من هو معدوم قطعا فأمر الرسل بإبلاغهم والرواية عنه تعالى لهم وأمرت الرسل أصحابهم بإبلاغهم فهم مأمورون بأمر الله بالواسطة الأحياء في عصر الرسل الذي لم يشافههم الرسول كالمعدومين في ذلك إنما تعددت الوسائط.
"فظهر من هذا أن قول القائل أخبرنا الله مجاز" يقال فما حقيقة هذا المجاز هل المراد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مجاز بل قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى إذا اعتبرت الأخبار الشفاهي مجاز ويكون من المجاز الذي لا حقيقة له بل الأظهر أن قولنا نحن مثلا أخبرنا الله مثل قوله صلى الله عليه وسلم "أخبرني الله" الكل حقيقة في العبارتين أو مجاز فيهما إذا الكل إخبار عنه تعالى بواسطة غايته كثرة الوسائط في حقتا وقلت:ها في حقه صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغنا وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالإبلاغ عنه أو يقال لا يشترط في الأخبار عن الغير المشافهة بل تحقق أنه قاله وأمرنا بإبلاغه فيكون الكل حقيقة.
"والذي حسنه" أي هذا المجاز ولا يخفى أن الأولى أن يقول صححه "وضوح القرينة الدالة على المقصود وعدم أيهام حقيقة التكليم الخاص" وذلك أن وضوح القرينة في المعنى الجازي مصححه لا محسنه إذ لو خفيت لما صح "ودليله" أي أنه مجاز "أنه يقبح من أحدنا أن يقول أخبرني زيد بكذا ولم يخبره بذلك مشافهة لما كان الظاهر" وهو الحقيقة هنا "ممكنا ولا مانع منه" أي من مشافهة زيد له بالخبر وقد يقال لا نسلم القبح بعد ثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أخبرني الله تعالى ولعل هذا القبح عرفي لا لغوي.
"الوجه الثاني" من وجهي الضعف "أن ذلك غير مفيد للمقصود من الأجازة وإن قدرنا صحته في مجاز اللغة أو حقيقتها بمعنى أن قائله" أي قائل أخبرني الله "لا يوصف بالكذب وذلك لأن المقصود بالإجازة اتصال الإسناد وعدم انقطاعه فلو جاز مثل ذلك" وهو الإجازة للمعدومين "لجاز لنا أن نروي عمن بيننا وبينه قرون عديدة ممن

قد أجاز لجميع المسلمين الموجودين والمعدومين كالحافظ ابن منده" قدمنا قريبا أنه أجاز لمن قال لا إله إلا الله وقدمنا غير ابن منده.
"وقد اتفق علماء الإسناء على القدح في الإسناد يكون الراوي لم يدرك زمان من روى عنه" يقال أين الإتفاق وهذا ابن منده من أئمة الإسناد قد أجاز ذلك وأجازه غيره من الأئمة كما قدمنا جماعة منهم ثم القد المذكور إنما يكون إذا أفهم سماعه منه بال وساطة ولا كذا هنا.
"ولا فرق بين قبول من هذه صفته وبين قبول المراسيل والمقاطيع في المعنى قال ابن الصلاح: ولم يرو ولم يسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه إستعمل هذهالإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة" الماموس الشرذمة بالكسر القليل من الناس "المتاخرة الذين سوغوها انتهى" قال السخاوى وقد انصف ابن في قصر النفي على روايته وسماعه.
قلت: عبلرة ابن الصلاح في نفي الرواية والسمع مسندة إلى المجهول كأنه يريد لم يرو أحد بدليل أنه أبى الواو وفي شرذمة قال السخاوى لأنه إستعملها جماعات ممن تقدمه من الأئمة المقتدى بهم كالحافظ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي والحافظ السلفي حدث بها عن ابن جيرون فيما قاله ابن دحية وغيره وحدث بها أيضا الحافظ أبو بكر بن حسين الأشبيلي المالكي وإن أبي العمرني كتلب علوم الحديث عن السلقى وجدث بها أبو الخطاب ابن دحية في تصانيفه عن أبي الوقت والسلفى وإستعمالها خلق كثير بعد ابن الصلاح وعمل بها النووى فإنه قال كما قرأته بخطه في آخر بعض تصانيفه وأجزت روايته لجميع المسلمين حتى إنه لكثيرة من جوزها أقردهم الحافظ أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أبي البدر البغدادي الكاتب في مصنف رتبهم فيه على حروف المعجم وكذا جمعهم أبو رشيد بن الغزالى الحافظ في كتاب سماه الجمع المبارك وقال النووى مشيرا إلى التعقب على ابن الصلاح إنه لم ير من إستعملها حتى ولا من سوغها إن الظاهر من كلام من صححها جواز الرواية بها وهذا يقتضى صحها وأى فائدة لها غير الرواية بها.
وإعلم أنهم يشترطون فيمن يجيزون له الأهلة وكأن المراد أنهم يجيزون للمعدومين عند كما لهم وما أحسن قول أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي جوابا على الحافظ السلفى وقد طلب منه الإجازة فقال:

إني أجزت لكم عني روايتكم بما سمعت من أشياخي وأقراني
من بعد أن تحفظوا لجواز لها مستجمعين لها أسباب إتقان
أرجوا بذلك أن الله يذكرني يوم النشور وإياكم بغفران ومثله ماكتبه أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي كما أورده الخطيب في الكفاية والقاضي في الإلماع:
كتابي إليكم فافهموه فإنه رسولي إليكم والكتاب رسول
فهذا سماعي من رجال لقيتهم لهم ورع مع فهمهم وعقول
فإن شئتموا فارووهعني فإنما تقولون ماقد قلته وأقول
ألا واحذروا التصحيف فيه فربما يغير عن تصحيفه فيحول وقال غيره:
وأكره فيما قد سألتم غروركم ولست بما عندي من العلم أبخل
فمن يروه فليروه بصوابه كما قاله القراء فالصدق أجمل وكتبت إجازة لبعض العلماء واشتملت هذه الأبيات على إجازة ونصيحة وكثيرا ماأكتبها في غالب الإجازات وهي:
أجزتكمو ياأهل ودى روايتي لما أنا في علم الأحاديث أرويه
على ذلك الشرط الذي بين أهله وفي شرحنا التوضيح تنقيح مافيه
فأسند إلينا بالإجازة راويا لغير الذي عني سمعت سترويه
وإن ترو عني ماسمعت فأروه بحدثنا الشيخ المشافه من فيه
كذلك أجزنا مالنا من مؤلف إذا كنت تقريه وعني ترويه
ألا واعلموا والعلم أشرف مكسب وقد صرتمو فيه شموسا الأهليه
بأن أساس العلم تصحيح نية وإخلاص ماتبديه منه وتخفيه
وبذلكمو منه لما قد عرفتمو وحققتمو من لفطه ومعانيه
مع الصبر في تفهيم من ليس فاهما فكم طالب عد الجلي كخافيه
وأن تلزموا في الإعتقاد طريقة لأسلافنا من غير جبر وتشبيه
وأوصيكمو بالصبر والبر والتقى فهذا الذي بين الأنام تواصيه

به أمرتنا سورة العصر فاشكروا لمولاكمو ماجاءكم من أياديه
فعضوا عليها بالنواجذ واصبورا فقد فرق الناس الكلام بما فيه
ففيه الدواهي القاتلات لأهلها وكم فيه من داء يعز مداويه
فكم مقصد نحو المقاصد مظلم وكم موقف نحو المواقف يخزيه
كذلكم الغايات غاية بحثها شكوك بلا شك ومن غير تمويه
فيا حبذا القرآن كم من أدلة حواها لتوحيد وعدل وتنزيه
فماكان في عصر الرسول وصحبه سواه دليلا قاهرا لأعاديه
فلا تأخذوا إلا مقالته التي تنادي إلى دار النعيم دواعيه
عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى ننال غدا من ربنا ما ترجيه
وما خلتموه مشكلا متشابها فقولوا وكلناه إلى علم باريه
وقف عند لفظ الله والراسخون قل هو المبتدا ما بعده خير فيه
وفيه لدينا فوق عشرين حجة ولا يستطيع النظم شرح معانيه
فقد ضل بالتأويل قوم جهالة ويعرف ذا النقاد من غير تنبيه
فعطل أقوام وجسم فرقة وفاز امرؤ ما حام حول مبانيه
أتى كل ما فيه من الأمر تاركا ومجتنبا إتيانه لنواهيه
وقدصبر الكشاف جل كلامه تعالى مجازا فاحذروا من دواهيه
وفيه يالله در كلامه مباحث تفي كل داء وتشفيه
خذوا واتركوا منه وكل مؤلف كذلك فيه ما يروج وما فيه
وليس سوى الرحمن يجذب عبده إلى كل ما يرضيه منه ويهديه
أقيموا على باب الكريم وداوموا على قرعه فهو المجيب لداعيه
ودونكم نصحا أتى في إجازة ودأبي نشر العلم مع نصح أهليه
ولا تتركوني من دعائكمو عسى عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه
وتهدي إلى حسن الختام فإنه مناي الذي أدعو به وأرجيه
وأحمد ربي كل حمد مصليا على أحمد والآل أقمار ناديه
ورض على أصحاب أحمد متبعا لتابعهم أهل الحديث وراويه

"وقالت طافة ممن سوغ الأنوع في الأجازة إنها إذن لاخير جملى" إلا أنه لم يتقدم ذكرما جعلوه إذنا للمجازله في كلام المصنف وذلك أنهم ذكروا من أنواعها أن يأذن المجيز للمجازله أن يروى عنه ما يتحمله من الروايات بعد الأجازة له فيرويه عنه المجازلة بعد أن يتحمله قال الزين هذا النوع من الاجازة باطل "وشبهوها بالوكالة" .
قال ابن الصلاح: إنها على القول بأنها إذن تنبنى على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما ام يملكه الآذن بعد كأن يوكله في بيع العبد الذى يريد أن يشت يه وعلى جواز هذا النوع قال بعضهم وإذا جاز التوكل فيما لايملكه بعد فالإجارة أولى بدليل صحه إجاز الطفل دون توكيله وعلى المعتمد فيتعين كما قال ابن الصلاح: تبعا لغيره على من يريد أن يروى عن شيخ بالإجازه أن يعلم أن يعلم ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته انتهى قال السخاوى يلحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازه من نظم أو تأليف.
"وهذا" أى تشبيه الأجازة بالوكالة "قول ساقط لأن باب الرواية غير باب الوكالة" يقال هم مسلمون بكونه غيره إنما قاسوه عليه فكان الأحسن أن يقول وقياسها على الوكالة باطل "فإن الرواية خبر عما مضى يدخله الصدق والكذب والوكالة إنشاء يتعلق بتصحيح أحكام مستبقلة ولهذا" لكونها تتعلق بالأحكام المستقبلة "يصح عزل الموكل للوكيل ويدخل فيها الشروط والاستثناء بخلاف الرواية" أما الشروط والاستثناء فالظاهر دخولهما في الأجازة فإنهم يشترطون أهليةمن يجيزون له ويستثنون بعض ما لم يسمعوه ولا يخفى أن الأجازة معناها إنشاء مثل أجزت لك فإنه من باب بعث ونحوه فهي مثل وكلتك في معناها ثم أن المجاز له والموكل هما المخبران وخبرهما هو الذي يحتمل الصدق والكذب فإنه يقول المجاز له أخبرني فلان ويقول وكلني زيد في مطالبة عمرو بحق عنده له فكلاهما مخبران ومستندهما جمل إنشائية فقول المصنف هذا خبر وهذا إنشاء كأنه من إلتباس العارض بالمعروض.
وأما منع الشيخ من أجاز له أو سمع منه روايته عنه فقد قال الزين ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه كأن يقول له لا ترو عني أو ما أذنت لك أن تروي عني ما ما سمعته لا لعلة أو ريبة في المسموع فإنه قال ابن خلاد في المحدث الفاضل إن له الرواية عنه ولا يضره منعه وتبعه القاضي عياض وصرح به غير واحد من أئمة هذا الشأن وهذا هو الصحيح وقد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه فلا

يؤثر منعه انتهى.
قلت: وهذا يقوي ما قدمناه لك من أنه إبلاغ فلا أثر لمنعه عنه.
وقال السخاوي عن بعض علماء غفريقة أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض من أخذ عنه لأمر نقمه عليه وكذلك عن بعض علماء الأندلس وقال لعله صدر عنهم تأدينا وتضعيفا لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيرة انتهى.
"وأقول إن النوعين الأولين قويان والأول أقوى" الأجازة بمعين لمعين وكأن قوته من حيث تعيين المسموع من أول الأمر وإلا فإن الصورة الثانية لا بد فيها من تعين المسموع ضرورة وإلا كانت إجازة بمجهول.
"وباقي أنواعها" أي الأجازة "ضعيف وفائدتهما" أي الأولين "اتصال الإسناد لا جواز العمل فإنه لا بد فيه من معرفة صحة النسخة المروي منها أما بمناولة أو بوجادة صحيحة كما سيأتي" الأمران معا "إلا أن تكون الأجازة لنسخة صحيحة معينة عند المجيز فتكون الإجازة لها مفيدة لاتصال الإسناد" لا حاجة إليه فقد علم "وجواز العمل وقد قصر مصنفوا علوم الحديث في بيان الحجج في الإجازة وطولوا الكلام بذكر أنواها وذكر "تعداد أسماء المختلين في كل نوع منها" وما كان يليق ترك الأدلة عليها.
* * *
مسألة :
"الرابع" من طرق الرواية "المناولة و" هي لغة العطية ومنه حديث الخضر: "فحملوهما بغير نول" 1 أي عطاء واصطلاحا إعطاء الطالب شيئا من مروياته مع إجازته له به صريحا أو كناية وأخرت عن الإجازة مع أنها أعلى منها على المعتمد لأنها جزء لأول نوعيه.
والأصل فيها ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال له: "لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا" فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعزا البخاري الاحتجاج لبعض علماء الحجاز وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في المدخل
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: العلم: ب 44, ومسلم في: الفضائل: حديث 170, وأحمد 118.

من طريق أبي سوار عن جنب بن عبد الله يرفعه.
ثم المناولة "أعلاها أن يناول الشيخ الطالب العلم كتابا من سماعه أو مما قوبل على كتابه ويقول هذا من سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني ونحو ذلك" وإنما كانت أعلاها لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ثم قال زين الدين1 أعلى هذه الرتبة أن يملكه الشيخ الكتاب هبة أو بالقيمة ويليها عاريته كتابه يقابل عليه أو ينقل منه "فيجوز لطالب العلم أن ينقل عن هذا الكتاب ويعمل بما فيه" .
"و" الثانية "دون هذه الصورة" وهي "أن يأتي الطالب بكتاب الشيخ أو بما قابل عليه فيعرضه على الشيخ فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه أو نحو ذلك فأروه عني ونحو ذلكوهذه الصورة الآخرة سماها غير واحج من الأئمة عرضا فيكون عرض المناولة" وتقدم عرض السماع.
"وهذه المناولة" أي في الصورتين معا كما تفيده عبارة الزين2 فإنه قال بعد ذكر الصورتين وهذه المناولة المعروفة "إن اقترنت بها إجازة فهي حالة محل السماع عند بعضهم كما حكاه الحاكم عن ابن شهاب" الزهري "وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك" عبارة ابن الصلاح3 ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعي والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناحي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأي الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك انتهى.
"وغيرهم من أهل المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام ومصر وخراسان" وروى الخطيب في الكفاية4 أنه قال إسماعيل بن أبي أويس السماع على ثلاثة أوجه:
القراءة على المحدث وهو أصحها وقراءة المحدث والمناولة.
"وقال الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذي أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه" أي عرض المناولة "سماعا منهم الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 3/3.
2 فتح المغيث 3/4.
3 علوم الحديث ص 147.
4 ص 327.

وأبو حنيفة والثوري وابن حنبل وابن المبارك وابن راهوية ويحيى بن يحيى قال" الحاكم "وعليه عهدنا أئمتنا إليه ذهبوا وإليه نذهب" واحتج الحاكم بقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها" 1 وبقوله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم" 2 فإنه لم يذكرفيهما غير السماع فدل على أفضليته لكن قال البلقيني إن ذلك لا يقتضي امتناع تنزيل المناولة على ما تقدم منزلة السماع في القوة على أني لم أجد من صريح كلامهم يقتضيه قال السخاوي وفيه نظر ولم يبين وجهه.
"قال ابن الصلاح: إنه هو الصحيح وإنه منحط عن التحديث" تمام كلامه لفظا والإجازة قراءة "والأخبار ونقل زين الدين الاتفاق على صحتها" وإن اختلفوا في صحة الإجازة المجردة قال "وإنما اختلفوا في موازاتها" بالزاي: مساواتها "للسماع قال وقد حكى الاتفاق على صحتها القاضي عياض في الإلماع" وعبارته فيه: وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين وسمى جماعة وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر. انتهى.
"وأما إن لم تقترن بها إجازة ولا قال المناول للطالب ارو عني مافي هذا الكتاب ولا نحو ذلك فإن أهل العلم اختلفوا في جواز الرواية بها" قال زين الدين: الأصح أنها باطلة وحكى النووي البطلان عن الفقهاء واصحاب الأصول ذكره في تقريبه والأحسن قول ابن الصلاح إنه عاب غير واحد من الفقهاء الأصوليين على المحدثين تجويزها وإساغة الرواية.
"واختلافهم مبني على أن: هل الرواية من شرطها الإذن" من الشيخ للطالب "أو لا والصحيح ان الإذن غير مشترط في الإخبار" إذ الأصل جواز إخبار الإنسان عن غيره وإن لم يأذن في الإخبار عنه إلا أن يكون أمرا خاصا به لايجب اطلاع أحد عليه.
"فكذلك" تجوز "هاهنا" أي في باب الرواية إذ هي قسم من الإخبار فإنه "إذاأخبر" الشيخ "أن الكتاب سماعه وأن النسخة صحيحة وناولها الطالب لينتسخها أو ينقل منها فإن ذلك يكفي" عن الإذن "والوجه في ذلك أنه خبر جملى فينزل منزلة كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينفذ بها" إلى الآفاق "مع الرسل ولم تكن الرسل تحفظها
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 2658. وابن ماجة 230.
2 أبو داود 3659. وأحمد 1/321. والصحيحة 1784.

وتسمعها على النبي صلى الله عليه وسلم "هذا هو الذي قدمناه لك أن الرواية من الإبلاغ المأمور به " "وإنما يخبرون" الرسل من أرسلوا إليه "خبرا جمليا أنها كتب النبي صلى الله عليه وسلم وأن مافيها منسوب إليه" .
قلت: ويستأنس لذلك بما وقع من المناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه بحضرة أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي: دباغها طهورها قال إسحاق: فما الدليل؟ قال: حديث ابن عباس عن ميمونه: "هلا انتفعتم يجلدها" 1 يعنى الشاة فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر "لاتنتفعوا من الميته بإهاب ولاعصب" 2 يشبه أن يكون ناسخا له لأنه قبل موته بتسير فقال الشافعي هذا كتاب وذلك سماع فقال إسحاق إن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكأن حجة عليهم فسكت الشافعي مع بقاء حجته كما قاله ابن المفضل الماكي فإن كلامه في ترجيح السماع في إبطال الإستدلال بالكناب وكأن إسحاق لم يقصد الرد لأنه ممن يرى أن أنقص من السماع.
* * *
مسأله :
"كيف يقول من روى بالمناولة والأجازة" كان الأولى تقديم الأجازة ليوافق ما سلف من الأجازة لكنها وقعت في عبارة الزين مؤخرة فتبع المنصف طريقه.
"الذي عليه الجمهور واختاره أهل الترى والورع النع من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما في النولة والأجازة" مطلقا من غير تقييد "و" يجوز "مع تقييد ذلك بعبارة يتبين مهعا الواقع في كيفيه التحمل ويشعر به فيقول أخبرنا أو حدثنا إجازة أو مناولة أو إذنا أو نحو ذلك ومنهم" وهم غير الجمهور "من أجاز إطلاق حدثنا وأخبرنا" من غير تقييد بما ذكر "في الرواية بالمناولة" قال زين الدين إنه أجازه ابن شهاب الزهرى ومالك بن أنس "وهو" أى الإطلاق "يليق بمذهب من قال: المناولة المقرونة بالإجازة
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 2/158. ومسلم في: الحيض حديث 101, والنسائي 7/172. والبيهقي 1/23.
2 أبو داود في اللباس: ب 41, والترمذي 1729, وابن ماجة 3613, والنسائي 7/175, وأحمد 4/310.

منزلة منزلة السماع وتقدم من قال ذلك.
"ومنهم من أجاز حدثنا وأخبرنا الإجازة مطلقا وكل عن ابن جريح ومالك وأهل المدينه والجوينى وجماعة من المتقدمين" قال الزين قال القاضي عياض1 إنه حكى ذلك أى جواز الرواية بحدثنا مطلقا في الأجازة ابن جريح وجماعه من المتقدمين وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأهل المدينة وذهب إلى جوازه إمام الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول.
"واستعمل بعض أهل العلم" هم جماعة أهل الأصول في الروايه "في الأجازة ألفاظ غير مشعرة بالأجازة منها شافهنى فلان وأخبرني مشافهة" قال زين الدين إذا كان قد شافهه باالأجازة لفظا وما كان يحسن أن يحذفه المنصف "واستعمل بعضهم في الأجازة بالكتابه كتب إلى أو كتب لى أو أخبرنا كتابة" قال الزين2 وهذه الألفاظ وإن استعملها طائفة من المتأخرين فلا يسلم من استعملها من الإبهام وطرف من التدليس أما المشافهة فيؤهم مشافهته بالتحديث وأما المكاتبه فتوم أنه كتب إليه ذلك الحديث بعينه كما يفعله المتقدمون "ومنها لفظ أن فيقول" أخبرنا فلان "أن فلانا حدثه" أو أخبره "ومنها أنبأنا وهى عند المتقدمين بمنزلة أخبرنا" .
واعلم أنه استدل من أجاز إطلاق التحديث بالإجازة بأن مدلول التحديث لغه إلقاء المعاني إليك سواء ألقلها لفظاأو كتابة أو إجازة وقد سمى الله تعالى القرآن حديثا حدث به عباده وخاطبهم به فكل محدث أحدث إليك شفاها أو بكتابة أو بإجازة فقد حدثك به وأنت صاجق في قولك حدثني.
"قال الحاكم3 الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أبنبأني فلان وكان البيهقي يقول أبنأنا فلان إجازة ومنها لفظ عن وكثيرا ما يأتي بها المتأخرون في موضع الإجازة" قال ابن الصلاح: وذلك قريب إذا كان قد سمع منه بأجازة من نسخة إن لم يكن سماعا "ومنها خبرنا بتشديد الباء روى عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بذلك" زاد زين الدين ومنها قال لي فلان وكثيرا ما يعبر بها البخاري.
ـــــــــــــــــــ
1 الإلماع ص 128.
2 فتح المغيث 3/8.
3 علوم الحديث ص260.

وقال أبو عمر محمد ابن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة1 وقد تقدم أنها محمولة على السماع وأنها كأخبرنا وأنهم كثيرا ما يستعملونها في المذاكرة.
* * *
مسألة :
"الخامس" من طرق الرواية "المكاتبة" وهي أن يكتب الشيخ شيئا من حديثه يخظه أو يأمر غيره فليكت عنه بإذنه سواء كان غائبا عنه أو حاضر في بلده "والرواية بها متصلة صحيحة عند كثير من المحققين من المتقدمين المتأخرين" وتقدم في مناظرة الشافعي وإسحاق دليلها.
"وهي" أي الكتابة "أرفع" ورتبة "من الإجازة" المجردة وإلى هذا ذهب قوم من الأصليين منهم إمام الحرمين وكأنه لما فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول الأمر.
"ومنع الرواية بها قوم" منهم الإمام أبو الحسن الماوردي ولكن قال القاضي عياض إنه غلط بل العمدة صحة الرواية بها واستدل له البخاري في صحيحه بنسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف والاستدلال بذلك واضح لأصل المكاتبة لا خصوص المجردة عن الإجازة فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على مافي تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا ثبوت أصل القرآن فإنه متواتر كذا قيل وفيه تأمل.
"وقال بعضهم" هو سيف الدين الآمدي "لا يجوز أن يروى عن الكاتب إلا أن يسلطه على ذلك فيقول ارو عني ما كتبت إليك أو يكتب ذلك إليه وحجة من أجازها أنها من أقسام الأعلام الحاصل بالأخبار فهي ميثله في الفائدة المعقولة وهي حصول الظن بخبر الواحد ولهذا استعمل العقلاء الكتاب إلى الغائب ونزلوه منزلة المشافهة في جميع ما يقصدون فيه طلب المنافع ودفع المضار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك" فقد بعث بكتبه إلى الملوك كسرى وقيصر وغيرهما وكتابه
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 152.

المعروف بكتاب عمرو بن حزم فيه عدة من الأحكام وعليه اعتمد علماء الأسلام وخلفاء الأنام "وكذلك الخلفاء من بعده" فإنه كتب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما في أمور عظائم ومهمة وبها كانت تقوم الحجة وفي الصحيحين عدة أحاديث بعضها اتفقا عليه وبعضها انفرد به أحدهما وهي معروفة فلا نطول بها.
"ويكفي في ذلك معرفة خط الكتاب على الأصح" وإن لم تقم بينة على الكتاب برؤيته وهو يكتب ذلك أو بالشهادة عليه أو أنه خطه.
"وفيه خلاف" فقال قوم لا يعتمد على الخطوط واشترطوا البينة بالرؤية أو الإقرار قالوا للإشتباه في الخطوط بحيث لا يتميز أحد الكتابين عن الآخر ورده ابن الصلاح وقال1 إنه غير مرضى لندرة ذلك اللبس فإن الظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلتباس والحكم للأغلب وحاصله أنه إن حصل الظن بأنه خط فلان جاز العمل وإن شك فلا يعمل مع الشك.
"والحجة على ذلك من النظر أنه يحصل به الظن" والظن يجب العمل به "و" الحجة عليه "من الأثر الحديث الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته مكتوبة تحت رأسه" أو كما قال" وهو حديث متفق عليه2 وله ألفاظ هذا أحدها ففيه دليل على العمل بالخط وإلا فأي فائدة في كتابته والقول بأنه أراد مكتوبة عنده بالشهادة عليها خلاف الظاهر وتقييد للحديث بالمذهب ثم علم الناس شرفا وغربا وشاما وعدنا على الإعتماد على الكتب في كل أمر من الأمور.
"وأجاز بعضهم" هو الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر "أنبأ ونبأ في" الرواية بـ "الكتابة قال الزين" تبعا لابن الصلاح وقاله ابن الصلاح3 تبعا للخطيب "والمختار الصحيح اللائق بمذهب أهل التحري والنزاهة أن يقيد" عند الرواية "ذلك فيقول أخبرنا كتابة أو كتب إلى أو نحو ذلك" تحرزا عن اللبس والإيهام.
* * *
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 154.
2 البخاري 4/2, ومسلم في: الوصية:حديث 1,4. وأحمد 2/80.
3 علوم الحديث ص 154, 155.

مسألة :
"السادس" من أقسام أخذ الحديث وتحمله "إعلام الشيخ" الطالب لفظا بشيء من مرويه من غير إذن له في روايته عنه "وذلك نحو أن يقول الشيخ هذا سماعي على فلان ولا يأمره بروايته عنه ولا بالنقل عنه ولا يناوله ولا بخبره إلا بمجرد الأعلام وفيه خلاف بين طائفتين عظيمتين" من أهل العلم فمنعه أبو حامد الطوسي واختاره ابن الصلاح ويغره وأجازه ابن جريج وطوائف من المحدثين وصاحب الشامل وهو أبو نصر بن الصباغ والحجة للجواز القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له كما تقدم في المناولة المجردة وقال القاضي عياض إن اعترافه له به وتصحيحه أنه من روايته كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه وإن لم يجز له.
"ومبناه" أي الخلاف "على أن السماع قد يكون فيه خلل يمتنع السامع من أجله من الاعتماد على ذلك السماع فمن نظر إلى هذا التجويز منع ذلك" لأنه يكون عملا مع الشك "ومن نظر إلى أن الأصل السلامة منه حتى يظهر أجاز الرواية عنه بمجرد الأعلام" ولا يخفى أن هذا التجويز يجري في الإجازة والمناولة بل والسماع ولكن البناء على أن المخبر ثقة عدل.
ولذا قال المصنف "والأظهر أن الأصل عدم الخلل في السماع فإن ظهرت قرينة تدل على وجود الخلل فيه أو على عدمه قوي العمل بها وإن لم تظهر عمل به" أي بالإعلام "وفيه نوع ضعف لأجل الإحتمال" وقد عرفت ما في الإحتمال "فيجب أن يبين الراوي كيفية التحمل بهذا النوع" وأنه أخذه بالإعلام "وحكى القاضي عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا يختلفون في وجوب العمل بهذا النوع وإنما يختلفون في الرواية بأعلام الشيخ والله أعلم" .
* * *
مسألة :
"السابع" من طرق أخذ الحديث وتحمله "الوجادة بكسر الواو وهي مصدر مولد" محدث "لـ وجد يجد قال المعافى بن زكريا النهراوني1 إن المولدين" في القاموس:
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص157.

المولدة المحدث من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم إنتهى فعلى هذا مولدين بفتح اللام "فرعوا قولهم وجادة فيما أخد من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولامناولة" أي ولا كتابة ولا إعلام "من تفريق العرب" متعلق بفرعوا "بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلة للفظ وجد وبيان المعاني المختلفة" لتلك الألفاظ أفادة قوله "بمعنى أنهم يقولون وجد ضالته وجدانا وأجدانا" الأول بكسر الواو بضم الهمزة "و" يقولون وجد "مطلوبه وجودا" بضم الواو ووجدانا بضمها أيضا "و" يقولون "في الغضب" وجد "موجدة" بفتح الميم وسكون الواو "وجدة" بكسر الجيم "ووجدا" بافتح للواو "ووجدانا و" يقولون في الغنى وجد "وجدا مثلث الواو وجدة" بكسر الواو "حكاها الجوهري وغيره" هو ابن سيدة.
وهذا الكلام أخذه المصنف مما ذكره ابن الصلاح1 وزاد فيه زين الدين وزاد المصنف في العواصم وفي الحب وجدا وهو في شرح الزين قال زين الدين "وقرئ بالثلاثة في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} فتجرى الحركات الثلاث في الوا وكلها من الوجد بمعنى الغنى وقال البقاعي لم أرفيها قراءة بالفتح وإنما قرأنوح عن يعقوب بالكسر وقرأ الباقون بالضم وكأن المنصنف واكتفى عن بيان حقيقها بما ذكره عن المعافي بن زكريا.
وقال زين الدين الوجادة أن تجد بخط من علصرته لقيته أو لم تلقة او لم تعاصره بل كان عندك أحاديث ترويها أو غير ذلك مما تسمعه منه ولم يجزه لك.
"وقد تكون الوجادة بخط نفسه وخط شيخه وخط من أدركه من الثقات فيأخذ حطا من الإتصال وإن كانت منطقعة في الحقيقة" قال الزين وكله أى المروى بالوجادة المجرد سواء وقعت بخطه أو لامنقطع إلا أن الأول وهو أنه إذا وثق أنه خطه قد أخذ شوبا من الإتصال قال ابن كثير فيما نقل عنه الوجادة ليست من باب الرواية وإنما هي حكاية عما وجده.
"وقد يتساهل فيما بعض الناس فيروى بـ عن" أونحوها مثل قال فلان مما يوهم أخذه إجازة أو سماعا "في موضع الوجادة" وذلك مثل رواية بهزين حكيم عن أبيه عن فإنها صحيفة على ما قيل وكذا قال صالح جزره في رواية عمرو بن
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 157.

شعيب عن أبيه عن جده وقال مثله ابن المينى في رواية وائل عن ولده بكر "وهو تدليس قبيح لايهامه السماع وإنما يقال فيها وجدت يخط فلان أو وجدت بخط ظننته خط فلان أو قال لى الثقة إنه خط فلان ونحو ذلك" مثل بخط ذكر كلنبه أنه خط فلان بن فلان.
"وقد جازف بعضهم فأطلق في الوجادة حدثنا وأخبرنا فإنتقد ذلك على فاعله" قال ابن المدينى حدثنا أبو داود الطيالسى حدثنا صاحب لنا من أهل الرأى يقال له أشرس قال قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد فقدم علينا إسحاق فجعل يقول حدثنا الزهرى قال فقلت: له أبن لقيته قال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له حكاه القاضى عياض ايضا "قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أنه أجاز ذلك ولا من يعده معد المسند" عبارة الزين قال القاضي عياض لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل عنه بحدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند.
قال الزين هذا الحكم في الرواية بالوجادة "وأما العمل بها فقال القاضى عياض إختلفت أئمة الحديث والفقه والأصول فمعظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل بها قال ابن الصلاح لو عرض جملة المحدثين لأبوه" الأباء وهو الإمتناع وذلك لما تقدم من أن معظمهم لايرون العمل به قيل ويحتمل أنه بالمثناة الفوقية من الإتيان يعنى يعملون به لوضوح دليله وهو أن مدار وجواب العمل بالحديث الموسوق بنسبته إلى الشارع صلى الله عليه وسلم لاتصاله بالرواية بأى طرقها.
"وحكى عن الشافعي جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذي نصره الجوني وإختاره فيره من أرباب التحقيق قال ابن الصلاح: قطع بعض المحققين من أصحابه" أى الشافعى "في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة" والمراد به الجوني فإنه نصره وإختاره غيره من أرباب التحقيق "قال وهو الذي لايتجه غيره الأعصار المتأخرة" وذلك أنها قصرت الهمم فيها جدا وحصل التوسع فيها فلو توقف العمل فيها إلى الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية في هذا الزمان يعنى فلم يبق إلا مجرد وجدان.
"قال النووى: هذا هو الصحيح" وقد إستدل العماد بن كثير للعمل بها بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أى الخلق أعجب إليكم إيمانا؟", قالوا الملائكة قال: "وكيف لا

يؤمنون وهم عند ربهم؟", وذكروا الأنبياء فقال: " كيف لايؤمنون والوحى ينزل عليهم؟", قالوا: فنحن, قال: " وكيف يؤمنون وأنا بين أظهركم", قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: " قوم يأتون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها " 1 قال فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة2 قال البلقيني: وهو إستنباط حسن قال السخاوي3: قلت: وفي الإطلاق نظر فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل فقلت: مقيد بما علم من وجود يوثق به كما دلت له قواعد العلم.
"قلت: وهو الذي اختاره أئمة أهل البيت عليهم السلام منهم الإمام" عبد الله بن حمزة "المنصور بالله وادعى إحماع الصحابة على ذلك ذكره في صفوة الأختيار في أصول الفقه ومنهم الإمام" المؤيد بالله "يحيى بن حمزة ذكره في كتابه المعيار" في أصول الفقه "ولكنه اختار جواز العمل دون الرواية" فإنه قال والمختار عندنا جواز العمل على ذلك دون الرواية لأن العمل إنما مستنده عليه الظن وهو حاصل هاهنا فأما الرواية فلا بد فيها من أمر وراء ذلك القطع بمستند تجوز معه الرواية قال المنصور بالله وإجماع الصحابة وكتاب عمرو بن حزم لا يتهضان إلا إلى ما ذهب إليه الإمام يحيى ذكره المصنف في العواصم "ومنهم الإمام" المتوكل على الله "أحمد بن سليمان حكاه عنه الإمام" المهدي "محمد بن المطهر في عقود العقيان واختاره في محمد بن المظهر لنفسه وحكاه عن أبيه المطهر بن يحيى ذكر ذلك كله في عقود العقيان في شرح قوله:
روينا سماعا عن إمام محقق أبي القاسم الحبر المفسر بالفضل وذكر الخلاف في ذلك الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج له بما يقتضي أنه إجماع لاصحابة ولاتابعين وكذلك الشيخ أبو الحسين البصري ذكرمثل ذلكفي المعتمد واختاره الفقيه عبد الله بن زيد" العنسي "في كتابه الدرر والمنظومة واحتج له بمثل ذلك وقال وهو قول طائفة من العلماء" .
"قلت: وقد احتجوا على ذلك بحجج ثلاث" :
الأولى: "منها أن ذلك يفيد الظن وهو العلة الموجبة لقبول أخبار الآحاد" .
ـــــــــــــــــــ
1 شرف أصحاب الحديث 61. والمشكاة 6279. والضعيفة 647.
2 اختصار علوم الحديث ص 108.
3 فتح المغيث 3/28.

"و" الثانية: "منها" الإجماع وهو "إجماع الصحابة رواه الإمام المنصور بالله والإمام المهدي محمد وعبد بن زيد والحاكم وأبو الحسين والرازي والحافظان يعقوب بن سفيان وإسماعيل بن كثير الشافعي" .
"و" الثالثة: "منها حديث بن حزم لذى أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب له أنصبة لزكوات ومقادير الديات ورجع إليه الصحابه وتركو اله آراء هم وقد صح عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رجع إليه في دية الأصابع حكاه ابن كثير" في الإرشاد ونقلنا لفظه في شرح بلوغ المرام المسمى سبل السلام.
"وقال" ابن كثير "وروى هذا الحديث" يعنى حديث عمرو بن حزم "مسندا ومرسلا أما المسند فروااه جماعة من الحفاظ وائمة الأثر النسائى في سننه والإمام أحمد في مسنده وأبو داود في كتاب المراسيل وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى" بالمهملة مفتوحه وكسر الراء نسبة إلى دارم حى من تميم "وأبو يعلى الموصلى ويعقوب بن سفيان في مسانيدهم ورواه الحسن بن سفيان العسوى وعثمان بن سعيد الدرامى وعبد الله بن عبد العزيزالبغوى" بالموحدة وغين معجمة نسبة إلى بغشور بلدة بين هراة وسرخس والنسبة بغوى على غير القياس قاله في القاموس وقد تقدم "وأبو زرعة الدمشقى وأحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي الكبير وحامد بن محمد بن شعيب البلخى والحافظ الطبرانى" نسبة إلى طبران بلدة بتخوم قومس كما في القاموس سقنا ترجمته في التنزير شرح الجامع الصغير كما سقنا ترجمة غيره ممن ذكر "وأبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه" وظاهر طريق سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق وقال ثقة مأمون وقال الحافظ ابن أبو بكر البيهقي أنني عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعثمان بن سعيد الدارمي "وقال البيهقي هو حديث موصول الإسناد حسن" فهذه الطرق المسندة.
"وأما المرسل فقد روى من وجوه رواها ابن كثير وذكر اختلافا في صحة إسناده وطول الكلام فيه ثم قال وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أئمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه ويفرعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان لاأعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم" وتقدم من الأدلة حديث ابن عمر مرفوعا في الوصية وهو متفق عليه وقد سرده المصنف في

العواصم من أدلة الوجادة.
قلت: ول غناء عن القول بها كما قاله النووي وغيره ولما ألقى الله وله الحمد الولوع بهذا الشأن وكان علماء الحديث لا وجود لهم بهذه الأوطان وكان مشايخنا رحمهم الله وأنزلهم غرف الجنان الذين عنهم أخذنا علوم الآلات من نحو وتصريف وميزان وأصول فقه ومعان وبيان ليس لهم إلى هذا الشأن نزوع وإنما يدرسون فيما تجرد عن الأدلة من الفروع ووفقت على قول بعض أئمة الحديث شعرا:
إن علم الحديث علم رجال تركوا الإبتداع للإتباع
فإذا جن ليلهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع قلت: مجيزا لها:
قد أردنا السماع لكن فقدنا من يفيد الأسماع بالإسماع
فرجعنا إلى الوجادة لما لم تجد عارفا به في البقاع
فلسان الأسفار تملي ومنها نتلقى سرا سماع البراع ثم من الله وله الحمد بالبقاء في مكة والإجتماع بأئمة من علماء الحرمين ومصر وإملاء كثير من الصحيحين وغيرهما وأخذ الإجازة من عدة علماء والحمد لله.
* * *

مسألة: 54 [في كتابة الحديث وضبطه]
"كتابة الحديث وضبطه اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث" أي اختلف في ذلك كل فريق في عصره.
"فكرهه" كراهة تحريم كما صرح به جماعة "ابن عمر1 وابن مسعود وزيد بن ثابت2 وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وآخرون من الصحابة" بل قالوا تحفظ عنهم حفظ قلب كما أخذه عنهم حفظا "والتابعين" منهم الشعبي والنخعي "لقوله صلى الله عيله وآله وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد3" وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث فلم يأذن له4.
"وجوزه" أي كتب الحديث "وفعله جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر في رواية والحسن" وقال البلقيني في محاسن الإصطلاح أعلى من روى عنه ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان روى عن عمر أنه قال قيدوا العلم بالكتابة ونحوه عن عثمان "وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه
ـــــــــــــــــــ
1 ابن عمر هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أسلم قديما بمكة مع إسلام أبيه وهاجر وهوابن عشر وكان من سادات الصحابة وفضلائهم لازما للسنة فارا من البدعة مات سنة 73. له ترجمة في: أسد الغابة 3/340.والإصابة 1/338.
2 زيد بن ثابت بن الضحاك أبو خارجة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد احدا وما بعدها مات سنة 45. له ترجمة في: اسد الغابة 2/278. والإصابة 1/543. والعبر 1/53.
3 مسلم في: الزهد: حديث 72. وأحمد 3/12, 21.
4 الترمذي 2665. والدارمي 457.

القاضي عياض1 عن أكثر الصحابة والتابعين" .
"قال" القاضي "ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف" بناء على وقوع الإجماع بعد الخلاف والإعتداء به وهي مسألة خلاف في الأصول.
"ومما يدل على الجواز" أي في عصره صلى الله عليه وسلم فضلا عما بعده ما ذكره زين الدين من "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "اكتبوا لأبي شاه" 2" بالشين المعجمة وهاء منونة في الوقوف والدرج على المعتمد وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بكتب خطابته التي سمعها أبو شاه يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن تكتب له فأمر صلى الله عليه وسلم بكتابتها له قال ابن عبد البر في الإستيعاب إن أبا شاه رجل من أهل اليمن حضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال أبو شاه أكتب لي يا رسول الله الخطبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" قال ابن عبد البر وهو من ثابت الحديث وأما قول البلقيني يجوز أن يدعي أنها واقعة عين فقد نظره السخاوي وكأن وجهه أن الأصل التشريع العام.
ومن الأدلة على الجواز ما ي صحيح البخاري3 من حديث: "إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا...", الحديث.
"و" من الأدلة على جوازها "ما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو" ابن العاص "قال كنت أكتب كل شيء سمعته عن رسول الله وذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له اكتب" وفي لفظ قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال: "نعم, فإني لا أقول إلا حقا" 4 وكانت تسمى صحيفته تلك الصادقة رواه ابن سعد وغيره.
"وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو كان يكتب" فإنه قال أبو هريرة ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب5.
ـــــــــــــــــــ
1 الإلماع ص 147- 148.
2 البخاري 1/39. ومسلم في: الحج 447. وأحمد 2/238.
3 البخاري 3138. ومسلم 1637, وأحمد 1/293.
4 أحمد 2/207, والحاكم 1/105.
5 البخاري 113. والترمذي 2688. وأحمد 2/248.

"قلت: وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات لأبي بكر الصديق وهو في صحيح البخاري" قلت: وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وملك مصر وعمان وغيرهم "وكتب لعمرو بن حزم الديات والزكوات كما قدمنا في الوجادة وكتب علي عليه السلام صحيفة كانت معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل ومقادير الديات وهو صحيح أظنه في صحيح البخاري" هو كما ظنه رحمه الله وأوله فيه: "ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"1.
"وبالجملة فلو تركت الكتابة في الأعصار الأخيرة لكان ذلك سبيلا إلى الجهل بالشريعة وموت كثير من السنن" بل قد كتب عمر بن عبدالعزيز في عصره إلى أهل المدينة: "انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فانى خشيت دروس العلم وذهاب العلماء"2 وعن الشافعي إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأعلام عليه رعاة وبالجملة فقد استقر الأمر جواز الكتابة.
قال ابن حجر: لايبعد وجوبها على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبى إنه يتعين من المائة الثالثة وهلم جرا وأول من دون الحديث الزهرى بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عيله سلطان.
"وقد إختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد" الدال على النهي عن الكتابه "والجمع بينه وبين أحاديث الإذن" في الكتابه كحديث أبي شاه فأجيب بجوابات ثلاثة:
الأول : [ما أفاده قوله] "فقيل إن النهى منسوخ بها وكان النهي في أول الأمر لخوف إختلاطه" أى الحديث "بالقرآن" أي بسبب أنه لم يكن قد إشتد إلف الناس بالقرآن ولم يكثر حفاظه والتقنون له فلما ألفه الناس وعرفوا أساليبه وكمال بلاغته وحسن تناسب فواصله وغايته صارت لهم ملكة يميزونه بها من غيره فلم يخش اختلاطه بعد ذلك فلذا قال: "فلما أمن ذلك أذن فيه" وهذا الجواب جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة قال الحافظ وهو أي هذا الجمع أقربها.
"و" الثاني: "قيل إن النهي في الحق من وثق بحفظه" وهذا كما قال ثعلب: إذا أردت أن يكون عالما فالكسر القلم "والإذن لمن لم يثق" .
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 111, والدارمي 2361, وأحمد 1/79.
2 البخاري 1/194, وسنن الدارمي 1/104, وشرح السنة 1/296.

"و" الثالث "قيل النهي عن كتابه الحديث مع القرآن في صحيفةواحدة لانهم كانوا يسمعون تأويل الآيه فريما كتبوه معه" قال الحافظ ابن حجر: ولعل ما قرىء في الشاذ في قوله "ما لبثوا حولا في العذاب المهين" قلت: هذه قراءة ذكرها ابن خلكل لابن شنبوذ وذكر غيرها في شواذه وذكر لها قصة فلا يصح تمثيل به إذ الكلام فيما كان يكتبه الصحابة "فنهوا عن ذلك" عن خلط كتابه القرآن بتأويل في صحيفة "لخوف الإشتباه والله أعلم1" .
* * *
مسألة:
"وينغي" إستحبابا مؤكدا بل عبارة بن خلاد وعياض2 تقتضى الوجب وعبارة ابن الصلاح3 ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبطه إلى آخر فأدت عبارته الوجوب "لطالب الحديث العناية في تجويد كتابه بإعجام" أى بالنقط "ما يلتبس منه" لو ترك إعجابه والإجام إزلة العجمة وذلك بالنقط نحوه فيميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كما في مثل "عليكم بمثل حصى الخذف" 4 فيعجم كلا من الخاء والذال بانقط وروى عن الثورى أنه قال الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة قال وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع إشكاله "لاسيما إعجام أسماء الرواة" كخباب بالعجمة وأبي الجوزاء باجيم والزاى وأبي الحوراء بالحاء المهملة والراء.
"ويعرف" عطف على العناية أي وينبغي له أن يعرف "ما اصطلح عليه أهل الحديث فلهم اصطلاحات في تخريج الساقط" قال زين الدين إنهم يسمون ما سقط من أصل الكتاب فألحق في الحاشية أو بين السطور اللحق بفتح اللام والحاء معا قال وأما كيفية ما يسقط من الكتاب فلا ينبغي أن يكتب بين السطور لأنه يضايقها ويعكس ما يقرأ خصوصا إن كانت السطور ضيفة متلاصقة والأولى أن يكتب في الحاشية فإن
ـــــــــــــــــــ
1 جامع بيان العلم 1/68, وتقييد العلم ص 286.
2 المحدث الفاضل ص 608, والإلماع ص 150.
3 علوم الحديث ص 162.
4 مسلم 1282. وأحمد 1/210.

كان السقط من وسط السطر فينبغي أن يخرج له إلى جهلة اليمين لاحتمال أن يبقى في بقية السطر سقط فيخرج له إلى جهلة الشمال ثم أطال في هذا البحث بآداب قد أعرض عنها الكتاب في هذه الأزمنة.
"والتخريج" أي صفة التخريج قال الزين أما صفة التخريج للساقط فقال القاضي عياض وأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه.
"والتمريض والتضبيب" قال الزين التمريض هو كتابة صورة ض هكذا في الحرف الذي يشار إليه تمريضه وقال القاضي عياض في الإلماع شيوخنا من أهل المغرب يتعاملون أن الحرف إذا كتب عليه صح أن ذلك علامة لصحة الحرف فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد مممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف غير مستقيم وأما التضبيب فهو مثناة فوقية مقتوحة فضاد معجمة فموحدة بعدها مثناة تحتية فموحدة وهو عطف تفسيري للتمريض فإنه عبارة عن الصورة التي قالها القاضي عياض فإنه قال إن ذلك علامة على أن الحرف لا يستقيم إذا وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على أختلال الحرف قال ويسممى أيضا ذلك الحرف ضبة أي أن الحرف مقفل لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها.
"والكشط والمحو والضرب" قال الزين لما تقدم إلحاق الساقط تعقيبة بإبطال الزائد فإذا وقع في الكتاب شيء زائد يلس منه فإنه ينبه عليه إما بالكشط وهوالحك وإما بالمحو بأن يكون الكتاب في لوح أورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وقد أطال زين الدين في هذه الثلاثة في شرحه.
"والعمل في اختلاف الروايات والإسناد بالرمز" أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين فأكثر في نسخة واحدة فالعمل أن يبني الكتاب أولا على رواية واحدة ثم ما كان من رواية أخرى ألحقها في الحاشية أو غيرها مع كتابة اسم راويها معها أو الإشارة إليه أي بالرمز إن كان زيادة وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلان باسمه أو الرمز إليه وأما الرمز في الإسناد فهو ماجرت عادة أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق فإنهم يقتصرون من حدثنا على ثنا وربما اقتصروا على الضمير فقط فقالوا نا وربما اقتصروا على حذف الحاء فقط

فكتبوا دثنا قال ابن الصلاح: إنه رآه في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي والبيهقي ومن ذلك أخبرنا اقتصر وافيها على الألف والضمير أعنى أنا وربما لم يحذف بعضهم الراء فيكتب أرنا وبعضهم بحذف الخاء والراء ويكتب أبنا وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين قال ابن الصلاح: وليس بجيد ومما جرت عادة أهل الحديث حذف قال في أثناء الإسناد في الخط والإشارة إليه بالرمز فرأيت في بعض الكتب المعتمدة الإشارة إليها بقاف فبعضهم بجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يرد قال حدثنا وبعضهم يفردها فيكتب في ثنا وهذا اصطلاح متروك قال ابن الصلاح: جرت العادة بحذفها خطا قال ولا بد من ذكرها حال القراءة لفظا ومما جرت به عادتهم عند الإنتقال من سند إلى سند وذلك أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر وجمعوا بين الأسانيد في متن واحد أنهم إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد آخر كتبوا بينهما حاء مفردة مهملة صورة ح والذي عليه عمل أهل الحديث أن ينطق القاريء بها كذلك مفردة واختاره ابن الصلاح ونقل كلاما كثيرا في ذلك.
"وكتابة التسميع" قال الخطيب في كتاب الجامع يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه قال وصورة ما ينبغي أن يكتب حدثننا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان ويسوق ما سمعه من الشيخ على لفظه قال وإذا كتب الطالب الكتاب المسموع فإنه ينبغي أن يكتب فوق صدر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع قال وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلاهما قد فعله شيوخنا قال إن كان سماعه للكتاب في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ والتقطيع كما يكتب في أول الكتاب فعلى هذا شاهدت أصول جماعة من شيوخنا مرسومة.
"وقد ذكروا في هذا النوع آدابا كثيرة وفوائد حسنة أو دعوها هذا النوع من كتب علم الحديث وإنما اختصرتها لطول الكلام فيها واعتمادي على ما يتعلق به التحليل والتحريم غالبا" وقد ذكرنا مما ذكروه محل الحاجة.
* * *

مسألة: 55 [في بيان صفات راوي الحديث وآدابه]
"صفة رواية الحديث وآدابه" قال زين الدين "اختلفوا في الإحتجاج من لا يحفظ حديثه وإنما يحدث من كتابه معتمدا عليه" على أقوال الأول قوله "فذهب الجمهور إلى جواز ذلك إذا كان الراوي قد ضبط سماعه أو قابل كتابه هو أوثقة على نسخة شيخه أو نسخة مقابلة بنسخة شيخه على الوجه الصحيح" وإلى هذا ذهب الشافعي وأكثر أصحابه أن كان كتابه محفوظا مصونا لديه وروى عن أبي حنيفة ومالك أن لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه.
"فإن غاب عنه كتابه بضياع أو عارة أو نحو ذلك" بأن سرق عليه "فاختلفوا أيضا" فذهب أهل التشديد إلى أنها لا تجوز الرواية منه لغيبته عنه وجواز التغيير فيه "والأصح" عند الجمهور "جواز الرواية إذا كان الغالب عليه السلامة من التبديد" لا سيما إذا كان مما لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك أو شيء منه لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن.
"قال الخطيب: والسماع" من كتاب "البصير الأمي والضرير" الأعمي "اللذين لم يحفظا لكن كتب لها ما سمعا" أي كتبه لهما ثقة "قد منع منه غير واحد" من العلماء وهي عبارة الخطيب.
"ورخص فيه بعضهم قال ابن الصلاح: في الضرير" الذي لا يحفظ حديثه من فهم من حدثه "إذا استعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه واحتاط في ذلك بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته" قال ابن الصلاح: غير أنه أولى بالخلاف من البصير.
"وهذا" أي ما ذكر من أول المسألة "كله في رواية الراوي من أصله الذي سمع منه أو مما قوبل على أصله فأما" روايته عن "أصل شيخه وما قوبل عليه فالأكثر والأصح المنع

منه قلت: إلا أن قراءته في أصله كان بمنزلة المقابلة على أصل شيخه" أي جاز "وهذا كثير خاصة إذا كان شيخه معتمدا في التسميع على الكتاب دون الحفظ" فإنه يوثق بكتابه "والله أعلم" وهذا إذا لم يختلف حفظه وكتابه.
"فإذا اختلف حفظه وكتابه" فإن وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما يحفظه "فإن كان حفظه" مأخوذا "من كتابه رجع إليه وأن كان من شيخه قدم الحفظ" قال زي الدين "والأحسن" أي يجمع بينهما أي "أن يقول حفظي كذا وفي كتابي كذا" فهكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ ومثله ما إذا حفظ شيئا وخالفه فيه بعض الحفاظ المتقنين فإنه يحسن فيه أيضا بيان الأمرين فيقول حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان كذا وكذا ونحو ذلك وقد فعله سفيان الثوري.
مسألة : [في آراء العلماء في رواية الحديث بالمعنى]
"والرواية" للحديث "بالمعنى" أي روايته بمعناه بعبارة من عند الراوي "محرمة على من لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها وما يحيل معانيها" فإن هذا لا يمكنه أن يروى المعنى لأنه لا يعرفه فتحرم عليه الرواية بلا خلاف.
"واختلفوا في من يعلم ذلك" مدلول الألفاظ وما ذكر معها "هل تجوز له الرواية بالمعنى والأكثر على الجواز لجواز رواية الحديث بالمعجمة للعجم" فإنه جائز بالإتفاق وهو رواية بالمعنى "ولأن الصحابة رووا أحاديث بألفاظ تختلفة في وقائع متحدة" .
قال زين الدين وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة من حديث عبد الله بن سليمان بن أكتمة الليثي قال قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع من ك يزيد منك حرفا أو ينقص حرفا قال إذا لم تحلوا حراما ولا تحرموا حلالا وأصبتم بالمعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا هكذا نقله زين الدين وقال السخاوي1 بعد ذكره:
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 3/145.

وهو حديث مضطرب لا يصح بل رواه الجوزجاني في الموضوعات.
واعلم أنه أسقط المصنف رحمه الله مسألة الإقتصار على بعض الحديث وذكرها زين الدين بعد مسألة الرواية بالمعنى فقال اختلف العلماء في جواز الإقتصار على بعض الحديث وحذف بعضه على أقوال:
أحدها : المنع مطلقا.
ثانيها : الجواز مطلقا قال: وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعليقا بخل بالمعنى حذفه كالإستثناء والحال ونحو ذلك.
الثالث : إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أوغيره لم يجز وإن كان رواه على التمام هو أو غيره جاز.
الرابع : وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح1: أنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما تركه غير متعلق به بحيث لا يخل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بتكر ما تركه قال فهذا ينبغي أن يجوز لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين.
مسألة [في التسميع بقراءة اللحان وذي التصحيف]
"التسميع بقراءة اللحان" صيغة مبالغة ولعله يغتفر إذا كان لحنه قليلا كما يدل له مفهوم المبالغة "والمصحف" اسم فاعل "وليحذر الشيخ أن يروى حديثه بقراءة لحان أو مصحف فقد روينا عن الأصمعي قال إن أخوف ما أخاف على طالب العلم" أي علم الحديث أو ما مزج به من الأدلة "إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 2 زاد زين الدين لأنه لم يكن يلحن3 فمهما رويت عنه ولحنت فقد كذبت عليه صلى الله عليه وسلم" .
ـــــــــــــــــــ
1 علوم الحديث ص 191.
2 سبق تخريجه.
3 الإلماع ص 184.

قال زين الدين "وروينا نحو هذا عن حماد بن سلمة" فإنه قال لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإتي لا ألحن وكان حماد إماما في ذلك وروى أنه شكاه بعضهم إلى الخليل بن أحمد فقال سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في جل رعف فانتهرني وقال أخطأت إنما هو مرعف بفتح العين فقال الخليل صدق أتلقي بهذا الكلام أبا أسامة1 هو مما ذكر أنه سبب تعلم سيبويه العربية.
قلت: وإنما قال الأصمعي أخاف ولم يجزم لأن من لم يعلم بالعربية وإن لحن يكن متعمدا الكذب.
"وروى الخطيب2 عن شعبه قال من طلب الحديث ولم يتعلم العربية كمثل رجل عليه برنس وليس عليه رأس" في القاموس البرنس بالضم قلنسوة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبة أو قمطرا "وروى" الخطيب3 "أيضا عن حماد بن سلمة قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يطلب النحو مثل حمار عليه مخلاة ولا شعير فيها" نظمه من قال4:
مثلوا طالب الحديث ولا يحسن نحوا ولا له آلات
كحمار قد علقت ليس فيها من شعير برأسه مخلاة "فسبب السلامة من المحن يكون بتعلم النحو" أي تعلم قد يعرف بالأعراب "وأما السلامة من التصحيف فسببها الأخذ من أفواه أهل العلم لا من الكتب فقلما سلم من التصحيف من أخذ العلم من الصحف من غير تدريب المشايخ" كأنه مأخوذ من المدرب من الإبل وهو المخرج المؤدب قد ألف الركوب وتعود المشي في الدروب كما في القاموس.
ويقال: لا تأخذ القرآن من مصحف ولا العلم من مصحفي5وإلى من روايته من الكتب أشار من قال:
ومن بطون كراريس روايتهم لو ناظروا باقلا يوما لما غلبوا
ـــــــــــــــــــ
1 الجامع 2/27, وفتح المغيث للعراقي 3/53.
2 الجامع 2/26, 27.
3 سبق تخريجه.
4 هما لجعفر السراج شيخ السلفي فتح المغيث للسخاوي 3/394.
5 المحدث الفاضل ص 211 والكفاية ص 162.

والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف ولا طنب1 واعلم أنه ذكر هاهنا نوعا أهمله المصنف وهو إصلاح اللحن والخطأ قال الزين:
وإن أتى في الأصل لحن وخطا فقيل يرويه كما جاء غلطا فإن كان في الأصل رواه كما تلقاه من غير إصلاح وهذا قول جماعة وذهب جماعة من المحدثين أنه يصلح ذلك اللفظ وهو قول الأكثر فإن كان اللحن يختلف به المعنى فاتفقوا على أنه يعربه وإن كان لا يختلف فالأرجح أنه يعر به واختار ابن عبد السلام أنه لا يروى اللفظ الملحون والمصحف إذا كان سماعه به لأنه إذا أعربه فالذي سمعه غير معرب وإن لحن فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله إلا معروفا فإن كان في كتاب شيخه أو سماعه ملحونا قالوا فالصواب بقاؤه كذلك وكتب في الحاشية كذا والصواب كذا انتهى وقد أطال هنا زين الدين.
مسألة:
"السماع على نوع من الدهش" بمهملة مفتوحة وهاء مفتوحة وشين معجمة في القاموس دهش كفرح فهو دهش تحير وذهب عقله من ذهل أو وله "إذا سمع" الراوي الحديث "من الشيخ من حفظه في حال المذاكرة فعليه" أي الراوي "بيان ذلك بقوله حدثنا مذاكرة ونحو ذلك لأنهم يتساهلون في المذاكرة والحفظ خوان ولهذا كان أحمد" بن حنبل "يمنع من رواية ما يحفظه إلا من كتابه وقد منع عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء" .
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث للسخاوي 3/165.

مسألة: [في بيان العالي والنازل وأنواهما]
"العالي" أي الإسناد العالي وهو الذي قلت: الوسائط في سنده أو قدم سماع روايته وزمانه "والنازل" وهو يقابله.
واعلم أنه طوى المنصف من كلام الزين آداب المحدث وآداب طالب الحديث وهو نحو من كراس في القطع الكنعان متنا وشرحا.
ثم اعلم أن أصل الإسناد من حيث هو خصيصة خاصة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكذة وروى السخاوي1 عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه يقول إن الله أكرم هذه الأمة وفضلها وشرفها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد وإنما هو صحف في أيديهم وخلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما أخفوه بكتبهم من الأخبار عن غير الثقات وهذه الأمة إنما ينص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة والضبط عن مثله حتى تنتهي أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ والأضبط والأطول مجالسة يميزونه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من أكثر من عشرين وجها حتى يهذبوه من الغلط والخلل ويحفظون حروفه ويعدونها عدا فهذا من أغظم نعم الله على هذه الأمة فنستوزع الله شكر هذه النعمة.
قال المصنف "استحب أكثر أهل الحديث الإسناد العالي" قال أحمد بن حنبل طلب الإسناد العالي سنة ممن سلف2 وقال محمد بن أسلم الطوسي قرب الإسناد قرب أوقربة إلى الله تعالى وقال الحاكم3 طلب الإسناد العالي سنة صحيحة وحكى
ـــــــــــــــــــ
1 3/331.
2 الجامع 1/123, والرحلة ص 89.
3 معرفة علوم الحديث ص 5,6.

حديث أنس في مجيء الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد أنانا وسولك فزعم كذا الحديث قالوا فلو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب أنكر عليه سؤاله عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره به الرسول وفيه احتمالات أخر لا يتهم معها به الاستدلال لما ذكر.
"ولم يحك الحاكم اختلافا في تفضيل العلو" لما ذكر "و" لكنه "حكى الخطيب في ذلك اختلافا" وحكاه قبله ابن خلاد1 عن بعض أهل النظر أنه قال الأسناد النازل أفضل "مبناه على أن الإسناد أكثر مشقة لكثرة رجاله والعناية بمعرفة عدالتهم" لأنه يجب على الراوي معرفة عدالة من يروي عنه وتعديله والإجتهاد في أحوال رواة النازل أكثر قطعا.
"قال ابن الصلاح2: وهو مذهب ضغيف الحجة قال ابن دقيق العيد لأن كثرة المشقة" التي عللوا بها أفضلية النازل "ليست مطلوبة لنفسها ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهي الصحة أولى. انتهى" .
قال ابن دقيق العيد3 ولا أعلم وجها لترجيح العو إلا أنه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ فإن الطالبين يتفاوتون في الإتفاق والغالب عدم الإتقان فإذا كثرت الوسائط ووقع من كل واسطة تساهل كثر الخطأ والزلل وإذا قلت: الوسائط قل. انتهى.
"وهذا" أي تفضيل العالي "كله مع الثقات أما إذا كان العالي ضعيفا فالنازل خير منه بغير شك" قال ابن دقيق العيد4 وحينئذ فمحل الخلاف عند التساوي في جميع الأوصاف ما عدا العلو.
واعلم أنهم قسموا العلو إلى خمسة أقسام ذكرها الزين في نظمه وشرحه5.
ـــــــــــــــــــ
1 المحدث الفاضل ص 216.
2 علوم الحديث ص 238.
3 الاقتراح ص 302.
4 الاقتراح ص 302.
5 فتح المغيث 3/99- 105.

مسألة: 57 [في بيان الغريب والعزيز والمشهور]
"الغريب والعزيز والمشهور" قسم الحافظ ابن حجر في النخبة1 الحديث أربعة أقسام الأول المتواتر فقال الأول أن يكون للخبر طرق بلا عدد معين أو مع حصر بما فوق الإثنين أو بهما أو بواحد فالأول المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه وهو المستفيض على رأي والثاني المشهور والثالث العزيز والرابع الغريب وكلها آحاد ما عدا الأول.
"قال ابن الصلاح2: الغريب هو الذي ينفرد به بعض الرواة وسواء انفرد بالحديث كله أو بشيء منه أو في سنده وقال ابن منده ما معناه الغريب من الحديث انفراد الراوي بالحديث عن إمام قد جمع حديثه وحفظ" وذلك الإمام "مثل قتادة" ابن دعامة "و" محمد بن شهاب "الزهري" ممن حفظت أحاديثهم وجمعت "فإذا انفرد الراوي عن أحدهم" من بين من أخذ عنهم "بحديث سمي غريبا فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا سمي عزيزا" .
واعلم أن العزيز على تفسير ابن منده يكون بينه وبين المشهور عموم وخصوص من وجه وخص بعضهم المشهور بالثلاثة ولاعزيز بالإثنين واختاره الحافظ ابن حجر كما عرفت من كلامه السابق وسمي عزيزا إما لعزة وجوده من قولهم عز الشيء يعز عزا وعزازة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد وإما من قولهم عز يعز بفتح المهملة فيه عزا وعزازة إذا اشتد وقوى ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} لمجيئه من طريق أخرى كما أفاده في النخبة وشرحها3.
ـــــــــــــــــــ
1 ص 18, 23: 25.
2 علوم الحديث ص 243.
3 ص 24.

"فإذا روى الجماعة" ثلاثة أو أكثر "عنهم سمي مشهورا عند المحدثين" احترازا عن المشهور على ألسنة العامة سمي بذلك لوضوحه أي شهرته لكونه رواية أكثر من أثنين.
قال الحافظ ابن حجر: وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء سمي بذلك لانتشاره من فاض الماء يفيض قبضا أي زاد حتى خرج من جوانب الأناء كما في شمس العلوم وقد ذكر الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها1 الخلاف في هذا وبيان إطلاقه على غيره.
"قال الزين وهكذا ذكر محمد بن طاهر المقدسي وكأنه أخذه من كلام ابن منده قال زين الدين وليست الغرابة والعزة والشهرة تنافي صحة الحديث ولا تنافي ضعفه" إذ قد علم من رسمها أنه لا منافاة بينها وبينهما.
"قال" زين الدين "ومثل ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح بحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 2 وتبع" ابن الصلاح الحاكم في ذلك فإنه مثل به له قال زين الدين "وقد صحح بعض الأئمة طرق الحديث هذا كما بينه في كتاب تخريج أحاديث الأحياء" يعني فلم يتم التمثيل به لما ذكر:
قلت: بحثت في تخريج أحاديث الأحياء للحافظ الزين رحمه الله من نسخة فيها يخطه الكثير وقد ذكر الحديث الغزالي في الجزء الأول من باب العلم فلم أجد فيه له عليه كلاما أصلا فراجعت الجامع الكبير للسيوطي فرأيته نسب تخريجه إلى ابن عدي3 والحاكم في الكني وابن عبد البر في العلم والطبراني في الكبير الخطيب وابن عساكر4 وابن النجار من طرق متعددة عن أنس والبيهقي وتمام عن ابن مسعود والطبراني في الأوسط وتمام عن ابن عباس وتمام وابن عساكر والخليلي والرافعي عن ابن عمر قال ابن عساكر غريب جدا والخطيب وابن عساكر عن علي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وتمام والخطيب وابن عساكر عن أبي سعيد والخطيب وابن السمان عن الحسن بن علي انتهى كلامه.
ـــــــــــــــــــ
1 ص 23.
2 الطبراني 10/240, وبنحوه: ابن ماجة 224, والخطيب 10/375.
3 6/2091.
4 6/278.

"قال وذكر ابن الصلاح1 في أمثلته ما بلغه عن أحمد بن حنبل" ما أخرجه عنه ابن الجوزي في آخر باب الجهاد من موضوعاته أنه "قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق لا أصل لها" .
الأول : "من بشرني بخروج أذار بشرته بالجنة2" وأذار بفتح الهمزة فذال معجمة فألف فراء قال في القاموس هو السادس من الشهور الرومية.
"و" الثاني : "من آذى ذميا فأنا خصمة يوم القيامة3" .
"و" الثالث : "نحركم يوم صومكم4".
"و" الرابع : "للسائل حق ولو" أي جاء "على فرس5 قال زين الدين" في شرح الألفية "لا يصح هذا عن أحمد بن حنبل فقد أخرج هذا الحديث الرابع في مسنده بإسناد جيد من حديث الحسين بن علي وأخرجه أبو داود" أي من حديث الحسين بن علي عليهما السلام "وسكت عنه وأخرجه أبو داوداي من حديث علي عليه السلام وفي إسناده من لم يسم ورويناه من حديث ابن عباس والهرماس بن زياد" .
"وأما حديث من آذى ذميا" وهو الثاني "فقد رواه بنحوه أبو داود وكست عنه وأسناده جيد" ولفظه: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" . "وإن كان فيه من لم يسم فأنهم عنده من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد روينا عن البيهقي" لفظ الزين فقد رويناه في سنن البيهقي "وفيه عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
"وأما الحديثان الآخران" وهما الثالث والرابع "فلا أصل لهما كما ذكر" أي عن أحمد فالمراد من قوله ولا يصح هذا عن أحمد أي لا يصح كله لا بعضه ويحتمل أن يقرأ كما ذكر مغير الصيغة أي ذكره من نقله عن أحمد وأما مثال المشهور الصحيح فلم يذكره لكثرته.
ـــــــــــــــــــ
1 ص 239.
2 التذكرة 116, واللآلئ 2/78.
3 الموضوعات 2/236, واللآلئ 2/78, وتنزيه الشريعة 2/181.
4 الموضوعات 2/236. والتذكرة 221, والأسرار397.
5 أبو داود 1665, 1666. وأحمد 1/201. والبيهقي 7/23.

"وأما أمثال الغريب الصحيح" وهو القسم الأول "فأفراد الصحيح كثيرة منها حديث مالك عن يحيى بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: "السفر قطعة من العذاب" تمامه: "يدع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته من وجه فليعجل الرجوع إلى أهله" أخرجه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه1 عن أبي هريرة عن عائشة.
"وأما" مثال "الغريب الذي ليس بصحيح" وهوالقسم الثاني "فهو الغالب على الغرائب قال أحمد لا تكتبوا هذه الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء2 وقال مالك شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس3 وروينا عن عبد الرزاق أنه قال كنا نرى غريب الحديث خير فإذا هو شر4" .
قال زين الدين وقسم الحاكم الغريب إلى ثلاثة أنواع غرائب الصحيح وغرائب الشيوخ وغرائب المتون5 وقسمه ابن طاهر إلى خمسة أنواع ونقل عن ابن الصلاح تقسيما للغريب باعتبار سنده ومتنه وأطال في ذلك.
"قلت: روى الذهبي في النبلاء في ترجمة الزهري عن الزهري أنه قال حدثت علي بن الحسين" أي ابن علي "حديثا فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا حدثناه" بالنباء المجهول ويصح للمعلوم "قال الزهري أراني حدثتك بحديث أنت أعلم به مني قال لا تقل ذلك فليس من العلم ما لا يعرف وإنما العلم ما عرفت وتواطأت عليه الألسن" فأفاد ما أفاده كلام من تقدم قبله.
"فهذا" التقسيم "في الغريب والمشهور يقابله وهو" أي المشهور "ينقسم" أيضا كما انقسم إلى صحيح وضعيف فهو ينقسم "إلى" مشهور "متواتر و" مشهور "غير متواتر فالمتواتر ما تعلم صحته بالضرورة لكثرة رواته في الطرفين والوسط ذكره الأصوليون" ولهم فيما فيده خلاف هل ضروري أم لا "و" ذكره "من المحدثين جماعة منهم الحاكم وابن حزم وابن عبدالبر" .
"ومن أمثلته" ما يأتي قال ابن الصلاح: ومن سئل عن إبراز مثال ذلك أعياه
ـــــــــــــــــــ
1 مالك 980, وأحمد 2/236, والبخاري 3/10, 4/ 71. وابن ماجة 2882.
2 فتح المغيث للسخاوي 4/10.
3 المصدر السابق.
4 الكفاية ص 142, والمحدث الفاصل ص 562.
5 علوم الحديث ص 244- 245.

تطلبه ثم قال نعم "حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 1 فإنه رواه بعض المحدثين" وهو أبو بكر البزار في مسنده كما قاله زين الدين "عن نيف" في القاموس النيف الفضل والإحسان ومن واحد إلى ثلاثة "وأربعين من الصحابة فيهم العشرة رضي الله عنهم" المبشرة بالجنة الذين يجمعهم قول المصنف:
للمصطفى خير صحب نص أنهمو في جنة الخلد نصا زادهم شرفا
هم طلحة وابن عوف والزبير مع أبو عبيدة والسعدان والخلفا ثم قال وليس في الدنيا حديث اجتمعت على روايته العشرة غير هذا ذكره زين الدين.
قلت: بل حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام رواه خمسون صحابيا منهم العشرة.
"ورواه بعضهم عن نيف وستين" المراد به ابن الجوزي فإنه أخرجه كذلك ثم قال لا يعرف حديث في الدنيا عن ستين من الصحابة غير هذا الحديث الواحد ذكره زين الدين.
"وصنف" الحافظ أبو الحجاج يوسف ابن خليل "المزي" تقدم ضبطه "في طرقه جزءين فرواه عن مائة صحابي واثنين وروى عن بعض الحفاظ" و كما قاله الزين ابن الجوزي "أنه رواه ما ئتان من الصحابة واستبعده زين الدين" هكذا ذكره في شرح ألفيته2 وذكر هذه الرواية الحافظ ابن حجر في شرح النخبة3.
واعلم أن النزاع في عزة المتواتر كما قاله ابن الصلاح والمراد المتواتر لفظا لا التواتر المعنوي فهو كثير وقد جمع الحافظ السيوطي كتابا في ذلك وفي الأبحاث المسددة للعلامة المقبلى شيء من ذلك كثير وقد تعقب الحافظ ابن حجر في شرح النخبة كلام ابن الصلاح في العزة وأتى في تعقبه بغير المراد لابن الصلاح فراجعه.
"ومن أمثلة ذلك حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بالصلاة فإنه روي عن طرق كثيرة قال ابن عبد البر رواه ثلاثة عشر من الصاحبة وقال السلفي أربعة عشر وقال ابن كثير عشرون أو نيف وعشرون وجمع زين الدين رواته فبلغوا خمسين" عبارة
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 فتح المغيث 4/8.
3 ص 22.

زين الدين قلت: وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين ولله الحمد انتهى كلامه.
وأما قوله "فيهم العشرة" المبشرة "رضي الله عنهم" فليس من كلام الزين بل قاله عن ابن منده وغيره "وكذلك قال الحاكم ابن البيع أن العشرة" المبشرة "اجتمعوا على روايته وجعل ذلك من خصائص هذه السنة الشريفة" قال البيهقي سمعته أي شيخه الحاكم يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافء الأربعة ثم العشرة الذي شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رضي الله عنه فقد رويت هذه السنة عن العشرة وغيرهم انتهى.
واعلم أنه لايكفي كثرة رواية أول رتبة في التواتر حتىيستمر ذلك في الطرق كلها فكان الأحسن أن يزيد المنصف في هذه الأمثلة ولم تزل طرقها متكاثرة الطرقة تكاثرا تواتريا إلى الآن وكأن تركه للعلم به.
"ومن أمثلة ذلك حديث المسح على الخفين قال صاحب الإمام عن ابن المنذر روينا عن الحسن البصري أنه قال حدثنا سبعون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وذكر ابن عبد البر أنها من السنن المتواترة قال زين الدين رواه اثر من ستين من الصحابة منهم العشرة رضي الله عنهم ذرك ذلك أبو القسام عبد الرحمن بن محمد بن أسحاق بن منده في كتباب له سماه المستخرج من كتب الناس" .
"ومنها" أي ومن أمثلة المتواتر لفظا "حديث تقتلك يا عمار الفئة الباغية" قال الذهبي في النبلاء إنه متواتر.
"وغير ذلك مما يكثر تعداده" هذا لا يتم إلا في المتواتر المعنوي كما عرفت "وتعرف صحته" صحة دعوى التواتر فيما ذكر "من البحث عن طرق هذه الأحاديث والله أعلم" وقد يحصل التواتر لبحاث دون باحث لأن المدار على كثرة الإطلاع وليس الناس فيه سواء.

مسألة: 58 [في بيان غريب الحديث]
"غريب ألفاظ الحديث" هذا خلاف الغريب الماضي ذكره قريبا فذاك يرجع إلى الإنفراد من جهة الرواية وأما هنا فهو ما يخفى من ألفاظ المتون ولو كانت متواترة ولذا أضافه المصنف إلى الألفاظ ووجه غرابته قلة استعماله بحيث يبعد فهمه ويحتاج إلى التفتيش عنه من كتب اللغة ولعله في عصره صلى الله عليه وسلم وحين تكلمه به ولم يكن غريبا إنما لما تطاولت الأزمنة واختلطت الألسنة صار غريبا "ومن علوم الحديث معرفة غريب ألفاظه" إذ لا يتم فهم معناه حتى يعرف ويبحث عنه وقد صنف فيه جماعة من الأئمة ذكرهم ابن الأثير في خطبة النهاية1.
"ومن أحسن ما صنف فيه كتاب النهاية لأبي السعاداتالمبارك بن محمد بن الأثير الجزري" .
واختلفوا في أول من صنف فيه فقال الحاكم في علوم الحديث2 أول من صنف الغريب في الأسلام النضر بن شميل ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير وقيل غير ذلك.
وعد زين الدين أئمة ألفوا في ذلك ثم "قال زين الدين3 وبلغني أن الإمام صفي لادين محمود بن محمد الأرموي ذيل ذيلا لم أره وبلغني أنه كتبه حواشي على أصل النهاية فقط وأن الناس أفردوه قال زينالدين وكنت كتبت على نسخة كانت عندي من النهاية حواشي كثيرة وأرجو أن أجمعها وأذيل عليه بذيل كبير أن شاء الله تعالى" .
ـــــــــــــــــــ
1 1/5: 10.
2 علوم الحديث ص 88, 89.
3 فتح المغيث 4/9.

قلت: وقد اختصر السيوطي النهاية في كتاب سماه الدر النثير مختصر نهاية ابن الأثير وقال إنه زاد على ما فيها زيادات كثيرة وقد وصى زين الدين في العناية بالغريب ومعرفته وذكر ما وقع من التصحيف بسبب عدم العناية به أو تقليد من لا يقلد فيه.

مسألة: 59 [في بيان المسلسل]
"المسلسل" هو لغة إيصال الشيء بالشيء ومنه سلسلة الحديد وهو من صفات "الإسناد المسلسل الذي توارد رجاله" أي الإسناد "على صفة واحدة" سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد "أو حال واحد سواء كان ذلك يرجع إلى صفة الإسناد مثل أن تكون صفة أدائه" ومتعلقاته من الرواية أو من المكان وسواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالا أو أفعالا "متسلسلة بحدثنا أو أخبرنا أو سمعت" .
وقد كثرت الأمثال في ذلك1وعد زين الدين أمثلة كثيرة للأنواع المذكورة وقد ألفت فيها كتب وهي شيء ليس له دخل في صحة الحديث ولا ضعفه ولا حكم من أحكامه فلا نطيل بذكرها.
"وعند الحاكم2" أن المسلسل إنما هو "بما يدل على اتصال السماع وإن اختلفت الصيغ مثل سمعت وحدثنا ونحو ذلك" وتكون فائدته معرفة كون الحديث متصلا "وكذا إذا تسلسل بصفة تعلق بالرواة مثل أن يكونوا مدنيين" أي من المدينة النبوية "كلهم أو فقهاء كلهم أو نحو ذلك" وأمثلته كثيرة.
ـــــــــــــــــــ
1 صنف الشيخ محمد يس الفاداني كتابا فراجعه.
2 علوم الحديث ص 29.

مسألة: 60 [في بيان الناسخ والمنسوخ]
"الناسخ والمنسوخ" النسخ عبارة عن رفع الشارع حكما من أحكامه سابق بحكم من أحكامه لا حق "ومن أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ" .
"وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ من أحسن كتبه كتاب الإعتبار للحازمي" بالحاء المهملة فزاي بعد الألف نسبة على جده حازم الهمذاني فإنه محمد بن يونس بن عثمان بن حازم ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمع من الأئمة الكبار وكان حجة ثقة نبيلا زاهذا عابد ورعا لازم الخلوة والتصنيف وبث العلم وله كتاب الناسخ والمنسوخ وله عجالة المبتدي في الأسباب والمختلف والمؤتلف في أسماء البلدان ذكره الذهبي وأثنى عليه1.
واعلم أنه يعرف الننسخ بأمور :
الأول: نص الشارع عيه كقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيادة القبول فزوروها" وقوله: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم2" .
والثاني : أن ينص عليه صحابي كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار3 وهكذا قول الصحابي هذا متأخر لا إذا قال هذا ناسخ قالوا الجواب أنه قاله اجتهادا وقال أهل الحديث يثبت به النسخ قال زين الدين والذي قالوه أوضح وأشهر والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي وإنما يصار إليه عند معرفة التاريخ والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير معرفة تاريخ تأخر الناسخ عنه.
ـــــــــــــــــــ
1 سبقت ترجمته.
2 النسلئي 8/311, وابن ماجة 1571. والبيهقي 4/76. وابن أبي شيبة 3/344.
3 أبو داود 4864. والنسائي 1/108. والبيهقي 1/106.

الثالث : معرفةالتاريخ الواقعتين كحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" 1 له في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان.
والرابع أن يجمع على العمل به كحديث: "من شرب خمرا فاجلدوه" ثم قال في الرابعة: "فاقتلوه" 2 قال النووي إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به وقال به ابن حزم3.
ـــــــــــــــــــ
1 ابو داود 2367, والترمذي 774, وابن ماجة 1679. وأحمد 2/364.
2 أبو داود 4485, والترمذي 1444, وأحمد 2/136.
3 ابن حزم هو: الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري. مات سنة 457. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/340, وشذرات الذهب 3/299.

مسألة: 61 [في بيان التصحيف]
التصحيف هو : تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها "معرفة التصحيف أمر مهم وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ منهم أبو الحسن الدار قطني وصنف" فيه "أبو محمد العسكري" بفتح العين والسين الساكنة المهملتين وفتح الكاف وبعدها راء هذه النسبة إلى عدة مواضع وأشهرها عسكر مكرم وهي مدينة من كور الأهواز وأبو أحمد المذكور من هذه المدينة واسمه الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري أحد الأئمة في الأدب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر ورواية متسعة وله التصانيف المفيدة منها كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وغير ذلك وكانت ولادته يوم الخميس لست عشرة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة رحمه الله تعالى وأخذ عن أبي بكر بن دريد انتهى من تاريخ ابن خلكان باختصار كثير "كتابه المشهور في ذلك وهو" أي التصحيف "ينقسم إلى تصحيف البصر وهو الأكثر وإلى تصحيف السمع وإلى تصحيف المتن" .
مثاله ما ذكره الدار قطني أن أبا بكر الصولي أملى في الجماع حديث أبي أيوب مرفوعا: "من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال" 1 بالشين المعجمة والياء المثناة من تحت وكقول وكيع في حديث معاوية: "لعن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم الذين يشفقون الحطب"2 بالحاء المهملة وإنما هو بضم المعجمة وروى أن ابن شاهين صحفة كذلك وهو بجامع المنصور فقال بعض الفلاحين كيف نعمل والحاجة ماسة يشير
ـــــــــــــــــــ
1 أبو داود في: الصيام: ب 57. والترمذي 759. وابن ماجة 1716. وأحمد 5/417, 419.
2 أحمد 4/98.

إلى أن ذلك من حرفته وصحف بعضهم حديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير" 1 إلى ما فعل البعير فروى عمير بفتح المهملة وهو بضمها مصغر وبموحدة فمهملة ووإنما هو بالنون فمعجمة وهذا النوع واسع جدا.
"و" يقع التصحيف أيضا "في الإسناد" مثاله ما روى عن محمد بن جرير أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم وفيه عتبة بن البدر بالموحودة والذال المعجمة وإنما هو بالنون مضمومة والدال المهملة "وإلى تصحيف اللفظ" كما مثلناه "وهو الأكثر وإلى تصحيف المعنى" كما رواه الدار قطني أن أبا موسى العنزي قال يوما نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه.
وأعجب مارواه الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال ما حلقت رأسي قبل أربعين سنة فهم منه تحليق الرأس وإنما المراد تحليق الناس حلقا كما ذلك مبين في موضعه.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 8/37. وأبو داود في: الأدب: ب 76. وأحمد 3/115.

مسألة: 62 [في مختلف الحديث]
"مختلف الحديث" أي اختلاف مدلوله ظاهرا وهو من أهم الأنواع يضطر إليه جميع الطوائف من العلماء قال السخاوي1 "هذا فن تكلم فيه الإئمة الجامعون بين الفقه والحديث وقواعده مقرره في أصول الفقه" وأول من تكلم فيه الشافعية وكان إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة2 من أحسن الناس كلاما فيه.
"ومن أبوابه في أصول الفقهاء باب الترجيح وكثير منه يدور على معرفة العموم والخصوص" .
"مثل قوله صلى الله عليه وسلم في العموم : "فيما سقت السماء العشر" 3 أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفيه زيادة فهذا عام لكل كثير وقليل سقى بماء السماء "مع قوله" صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة" أخرجه أحمد والشيخان وأهل السنن4 فالحديثان ظاهران في الأختلاف والجمع بينهما تقديم الخاص في العمل على العام.
"ونحو ذلك وأمثلته مذكورة في شروح الحديث" وفي غيرها وقد ألف فيه أبو جعفر الطحاوي مشكل الآثار وهو من أنفس كتبه قلت: وألف معاني الآثار وفيها من هذا شيء كثير.
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث 4/65.
2 أبو بكر بن خزيمة هو: إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري. صنف وجود واشتهر اسمه وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره. مات سنة 311. له ترجمة في: البداية والنهاية 11/149. وشذرات الذهب 2/262. والعبر 2/149.
3 أبو داود 1596. والترمذي 639. وابن ماجة 1816. وأحمد 1/145.
4 احمد 2/402. ومسلم في: الزكاة: حديث 4. وأبو داود 1559. والنسائي 5/17.

مسألة: 63 [في معرفة الصحابة]
من علوم الحديث "معرفة الصحابة ومن أنواع علوم الحديث معرفة الصحابة رضي الله عنهم" بأسمائهم وأحوالهم قال أبو عمر بن عبن البر في الاستيعاب ولا خلاف علمته بين العلماء أن الوقوف على معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوكذ علم الخاصة وأرفع علم الخير وبه ساد أهل السير وما أهل دين من الأديان إلا وعلماؤهم يعتنون بمعرفة أصحاب أنبيائهم لأنهم الواسطة بينهم وبين نبيهم انتهى.
ومعرفة الصحابة فن جليل وفائدته التمييز للرسل والحكم لهم بالعدالة ونحو ذلك "و" معرفة "طبقاتهم" وهي اثنتا عشرة طبقة:
الأولى : من تقدم إسلامه بمكة.
الثانية : أصحاب دار الندوة.
الثالثة : المهاجرة على الحبشة.
الرابعة : بيعة العقبة الأولى.
الخامسة : بيعة العقبة الثانية.
السادسة : المهاجرين الذين وصلوا إليه صلى الله عليه وسلم بقباء قبل دخوله المدينة.
السابعة : أهل بدر.
الثامنة : المهاجرون بين البدر والحديبية.
التاسعة : أهل بيعة الرضوان.
العاشرة : المهاجرون بين الحديبية وفتح مكة.
الحادية عشرة : مسلمة الفتح.
الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح

وفي حجة الواداع وغيرهما.
"وقد صنف في ذلك" أي معرفة لاصحابة "غير واحد من الحفاظ" ضقال الحافظ ابن حجر: إن البخاري أول من صنف في ذلك فيما علم1 وصنف شيخه علي بن المديني في ذلك.
"كابن حبان وابن مندة وابن عبد البر" ألف الإستعاب قال النووي2 إنه من أحسنها وأكثرها فوائد لولا ما شابه بما شجر بين الصحابة وحكايته عن الإخباريين قال السخاوي3 واختصر محمد بن يعقوب الخليلي الإستيعاب وسماه إعلام الإصابة بأعلام الصحابة وألف أبو الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير أخو أبي السعادات صاحب النهاية في الغريب كتابا حافلا سماه أسد الغابة جمع فيه عدة من الكتب السابقة في هذا الفن وعليه المعول لمن جاء بعده حتى اختصره كل من النووي والكاشغري.
"و" جاء الحافظ "الذهبي" فاقتصر على تجريده وزاد زين الدين عليه عدة أسماء "وغيرهم" وقد عد السخاوي أنه ممن ألف في الصحابة4 ثم قال إنه يعسر حصرهم ثم قال وقد انتدب شيخنا يريد الحافظ ابن حجر لجمع ما تفرق من ذلك واتنصب لفتح المغلق منه على السالك مع تحقيق لغوامض وتوفيق بين ما هو بحسب الظاهر كالمتناقض وزيادات جمة وفوائد مهمة في كتاب سماه الإصابة جعل كل حرف منه غالبا على أربعة أقسام ثم سرد بقية الأقسام وقال أنه مات ولم يأت بالمهمات.
"ومن مهمات هذا الباب" أي باب معرفة الصحابة "القول بعدالة الصحابة كلهم في الظاهر" واعلم أنه استدل الحافظ ابن حجر في أول كتابه الإصابة على عدالة جملة الصحابة فقال الفصل الثالث في بيان معرفة حال الصاحبة من العدالة اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.
وقد ذكر الخطيب في الكفاية5فصلا نفيسا في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة
ـــــــــــــــــــ
1 فتح المغيث للسخاوي 4/75.
2 التقريب والتيسير وبذيله التدريب 2/207.
3 فتح المغيث 4/75.
4 المصدر السابق 4/76.
5 ص 93.

معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 18] وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] إلى آخر الآية وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 8] إلى آيات كثيرة وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها.
وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الأسلام وبذل المهج والأوموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان اليقين لقطع بتعديلهم والإعتقاد لنزاهتهم وأنهم أعدل من جميع المخالفون بعدهم الذين يجيثون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله.
والأحاديث الوارده في تفصيل الصحابة كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه1 من حديث عبد الله ابن المفضل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي ولا نتحذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فيبغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذاني الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" .
وقال أبو محمد بن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله: { وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.1هـ.
قال المازري متعقبا فإن قيل التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة يخرج من لم يتصف بذلك وهي أصرح آية
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 3862, وابن حبان 2284, وأحمد 5/54, 57.

في المقصود ولهذا قال المازري لسنا نعنى بقولنا الصحابة عدول كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه لأمر ما اجتمع به لغرض وانصرف وإنما نعني بهم الذي لا زموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى.
والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة كلام الحافظ في أوائل كتابه الإصابة.
قلت: ولا يخفى ضعف الجواب على كلام المازري وأن كلامه هو الأوضح الجاري على الحقيقة وابن حجر حمل الآية على المجاز وهو زحلقة لها عما سيقت له من بيان التفرقة بين من أنفق وقاتل بالفعل وبين من لم ينفق ولم يقاتل وابن حجر جعل الأمرين على سواء ثم حديث خلوا أصحابي ونحوه يرد هذا التأويل ردا صريحا ويأتي للمصنف الاستدلال على عدالة مجهول الصحابة.
"إلا من قام الدليل على أنه فاسق تصريحا" ولما كان هذا الإستثناء منكرا لأن أهل الحديث يطلقون القول بعدالتهم من غير استثناء قال المصنف "ولا بد من هذا الإستثناء على جميع المذاهب وأهل الحديث وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم" عند الإجمال "فإنهم يستثنون من هذه صفته" عند تفاصيلهم لإفراد الصحابة "وإنما لم يذكروه" في مقام الإجمال "لندوره" فنزلوا النادر منزلة العدم "فإنهم قد بينوا ذلك" الإستثناء "في كتب معرفة الصحابة" ولما كان قد يستبعد أهم فعلوا ذلك قال "وقد فعلوا مثل هذا" أي الإطلاق مع إرادة خلافة "في قولهم إن المراسيل لا تقبل على الإطلاق من غير استثناء مع أنهم يقبلون مراسيل الصحابة وبعضهم يقبل ما علقه البخاري بصيغة الجزم" وهو مرسل "و" يقبل البعض منهم "ما حكم بعض الحفاظ بصحة إسناده وإن لم يبين إسناده ونحو ذلك من المسائل" .
وقد زاد المصنف هذه الدعوى بيانا بقوله "وأنا أنقل" أي من كتبهم "نصوصهم على ذلك لتعرف صحة ما ذكرته من الإجماع على صحة هذا الإستثناء فممن ذكروه بالفسق الصريح الوليد بن عقبة" ابن أبي معيط من بني عبد شمس بن عبد مناف كان الوليد أخا لعثمان بن عفان من قبل أمه أسلم عام الفتح قال ابن عبد البر وأظنه يومئذ قد ناهز الإحتلام قال ابن عبد البر وولاه عثمان بن عفان الكوفة وعزل عنها سعد ابن أبي وقاص فلما قدم الوليد على سعد قال سعد والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك قال لا تجز عن أبا إسحاق إنما هو الملك يتغداه قوم ويتعاشه آخرون.

قال سعد أراكم والله ستجعلونها ملكا انتهى "فإنه ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه شرب الخمر وقامت عليه البينة وأمر عثمان بحده وحده على شربها" .
قال ابن عبد البر في الإستيعاب أخباره في شرحه الخمر كثيرة مشهورة ونذكر منها طرفا ذكر عمر ابن شبة حدثنا هرون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعةعن ابن شوذب قال صلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ثم إلتفت فقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مازلنا معك في زيادة منذ اليوم ثم ساق بسنده أنه قال الخطيئة في القصة:
شهد الحطيئة يوم يلقي ربه أن الوليد أحق بالعذر
نادي وقد تمت صلاتهم أأزيدكم سكرا ولم يدر
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا لجمعت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو تركوا عنانك لم تزل تجري وذكروا له شعرا غير هذا في ذلك.
قال ابن عبد البر وقوله أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقله الحديث والأخبار قال وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه أنه شرب الخمر وأنه صلى بهم الفجر أربعا فقال عثمان لعلي عليه السلام أقم الحد عليه فقال علي عليه السلام لابن أخيه عبد الله بن جعفر أقم عليه الحد فأخذ السوط فجلده وعثمان يعد حتى بلغ أربعين.
"وذكره بشرب الخمر الذهبي وابن عبد البر وغيرها قال ابن عبد البر في الإستيعاب له أخبار فيها نكارة وشناعة نقطع على سوء حاله وقبح فعاله وحكى" ابن عبد البر في الإستيعاب "عن أبي عبيدة الأصمعي وابن الكلبي وغيرههم أنهم كانوا يقولون إنه كان فاسقا يشرب الخمر قال ابو عمر وأخباره في شره الخبر ومنادته أهلها مشورة يسمج بنا ذكرها" كأنه يريد استيعابها وإلا فقد سمعت ما ذكره منها.
"وقال أحمد ابن حنبل في الحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسه ولم يدع له إن الوليد متع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسابق علمه فيه هذا كلام إمام أهل الحديث والسنة" .
قلت: يشير المصنف إلى ما قاله ابن عبدالبر فيما رواه من طريق جعفر بن برقان عن ثابت عن أبي موسى الهمذاني ويقال الهمذاني كذلك ذكره البخاري على الشك عن

الوليد بن عقبة أنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا متضمخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي من أجل الخلوق لكنه قال ابن عبد البر قالوا وأبو موسى هذا مجهول والحديث منكر مضطرب لا يصح ولا يمكن أن يكون من يبعث مصدقا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح انتهى.
قلت: يعني أنه ثبت بلا بردد أنه صلى الله عليه وسلم بعث الوليد لأخذ صدقات بني المصطلق وعاد يزعم أنهم ارتدوا وأنزل الله: { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الآية فيكف يكون صبيا سنة ثمان وهو عام الفتح وذكر ابن عبد البر غير هذا مما يدل على فساد الخبر وما كان يحسن من المصنف عدم الإشارة على ذلك وإيهام صحته.
"وذكر الذهبي في النبلاء وابن عبد البر في الإستيعاب وغيرهما أنه سكر صلى بأصحابه الفجر أربعا ثم التفت إليهم وقال أزيدكم" تقدمت القصة قريبا.
"وذكر الذهبي أنه" أي الوليد "قال لعلي عليه السلام أنا أحد منك ستانا وأذرب" بالذال المعجمة فراء فموحدة حدة اللسان "لسانا وأشجع جنانا فقال" علي عليه السلام "اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} قال الذهبي إسناده قوي وقال ابن عبد البر في كتابه الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن هذه الآية نزلت في الوليد" ظاهره أن المراد بالآية: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18].
ولكن لفظ ابن عبد البر في الإستيعاب لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} نزلت في الوليد بن عقبة انتهى ثم ذكر من حديث الحكم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد ابن عقبة في قصة ذكرها: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} . انتهى. فقوله: لا خلاف بين أهل العلم في الآية الأولى نعم ليس في الدر المنثور في سبب نزول الآيتين رواية أنهما يف غير الوليد فهما فيه إتفاقا فإنها لو وردت رواية أنهما أو إحداهما نزلت في غيره لرواها فإنه متوسع في النقل لا أظن أحدا بلغ مبلغه في ذلك وذكر المصنف في العواصم كلام ابن عبد البر على الصواب فأصاب.
"قلت: ممن ذكر ذلك الواحدي في أسباب النزول والوسيط والقرطبي وصاحب

عين المعاني وعبد الصمد الحنفي والرازي في تفاسيرهم لم يذكر أحد منهم سواه مع توسعهم في النقل فهذا أوضح دليل على ظهور الأمر عند أهل السنة في جرح الوليد وفسقه" .
"وقد اعترضهم بعض الشيعة" كأنه يريد شيخه السيد علي بن محمد ابن أبي القاسم "بتعديله" أي بتعديلهم إياه "وزعم أنهم رووا حديثه في الصحاح ووهم على القوم في ذلك" أي في الأمرين وهو تعديلهم إياه فإنه تقدم ذكرهم له بالفسق فأين التعديل وكونهم رووا حديثه في الصحاح فإنها إذا اطلقت أريد بها صحيح البخاري وصحيح مسلم ولم يخرجا له ولا رويا عنه.
"وإنما روى له أبو داود" وليس كتابه من الصحاح عندهم بل من السنن الأربع "حديثا واحدا في كراهية الخلوق للرجال" تقدم الحديث وما قيل فيه آنفا "ولم يرو له إلا متابعة" وقد عرفت أنهم يتساهلون في المتابعات "بعد أن روى هذا المعنى" وهو كراهية الخلوق "من طرق كثيرة" وقد ا ستوفاها المصنف في العواصم وحققها قدر الست بل هي ست كما في العواصم "فيها طريق صحيحة عن أنس" فإنه أخرجها مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي1 كما قاله المصنف في العواصم "وبقيتها" أي الطرق وهي خمس "شواهد" وقال ابن عبدالبر في ترجمة الوليد في الإستيعاب إنه لم يرو الوليد بن عقبة سنة يحتاج إليه فيها.
"وممن ذكروه" أئمة الحديث "بالفسق بسر" بضم الموحدة فسين مهملة "ابن أبي أرطاة" بفتح الهمزة فراء القرشي قال ابن عبدالبر2 يقال أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فبض وهو صغير هذا قول الواقدي وأحمد وابن معين وغيرهم قال في الإصابة عن الواقدي إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.
"حكى ابن عبدالبر عن الدار قطني أنه قال كان له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم" لم أجد هذا اللفظ عن الدار قطني في الإستيعاب إلا أن النسخة التي عندي منه لا تخلو عن الخطأ والغلط نعم لم أجد هذا في الإصابة للحافظ ابن حجر مع توسعه في النقل وإنما قال عن الدار قطني أنه لبسر صحبة
ـــــــــــــــــــ
1 مسلم في: الحج: حديث 7. والنسائي في: الحج: ب 44.
2 الاستيعاب بحاشية الإصابة 1/154.

فقط ولكني أظن أنه حذف قوله ولم تكن له استقامة لكونه يرى أنه لا يخاض فيما شجر بين الصحابة فإنه قال في ترجمته والفتن لا ينبغي التشاغل بها وله غلو في الصحبة حتى قال في مروان يقال له رؤية فإن ثبتت فلا يعرج على من تكلم فيه هذا لفظه في مقدمة فتح الباري وجزم في التقريب بأنها لم تثبت له صحبة وفي كلام الحافظ ما يدل على أنه إذا ثبت أن مروان وأن صحابي ولو بالرؤية فإنه لا يقدح فيه أي جرح وهو ينافي ما قاله المصنف من الإستثناء.
"وهو" أي بسر "الذي قتل طفلين لعبيد الله بن عباس" وهما قتم وعبد الرحمن أن أباهما عبيد الله كان واليا لعلي عليه السلام على صنعاء فولى معاوية بسر بن أبي أرطأة اليمن وبعته إليها فهرب عبيد الله فدخل بسر صنعاء ووجد ابني عبيد الله فقتلهما قال ابن عبد البر فنال أمهما عائشة بنت عبد الله بن المدان من ذلك أمر عظيم فأنشأت تقول شعرا:
هامن أحس يا بني اللذين هما كالدرتين تصدي عنهما الصدف
هامن أحس يا بني اللذين هما عقلي وسمعي فعقلي اليوم مختطف
حدثت عشرا وما صدقت ما زعموا من قتلهم ومن الإثم الذي اقترفوا قال ثم وسومت وكانت تفق في المواسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها انتهى كلام ابن عبد البر في الإستيعاب.
"قال أبو عمر" ابن عبد البر "كان" يحيى "ابن معين يقول إنه" أي بسرا رجل سوء قال أبو عمر ذكر ذلك لعائظم ارتكبها في الإسلام ثم حكى أنه أي بسرا "أول من سبى المسلمات" قال ابن عبدالبر وفي هذه الخرجة يرد خرجة بسر إلى اليمن أغار على همذان فقتل وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام "ذكر ذلك كله في الإستيعاب" .
قال فيه أن معاوية بعد التحكيم أرسل بن أبي أرطاة في جيش الشام حتى قدم المدينة وكان عامل عليه السلام فيها أبو أيوب الأنصاري ففر منه أبو أيوب ولحق بعلي عليه السلام ودخل بسر المدينة ثم صعد منبرها فقال أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس يعني عثمان ثم قال يا أهل المدينة لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت فيها مختلما إلا قتلته وهدم دورا بالمدينة وساق من أخباره شيئا كثيرا.
"وليس لبسر في الصحيحين حديث وله في السنن" أي سنن أبي دواد "حديثان:

أحدهما في غير الأحكام" بل هو في الدعاء وهو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وفي الإصابة أنه أخرجه ابن حبان عن بسر ولم ينسبه لأبي داود "والثاني في الأحكام" وهو حديث "لا تقطع الأيدي في المغازي" هذا لفظ ابن عبد البر1 وفي الإصابة ما لفظه وفي سنن أبي داود2 بإسناد مصري قوي عن جنادة بن أبي أمية قال كنا مع بسر بن أيب أرطأة في البحر فأتى بسارق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقطع الأيدي في السفر" انتهى.
"وله" أي لما روى عن بسر "شواهد ذكرها التركماني وغيره فأعرف ذلك ولما ذكرهذا أبو عمر عرف أنه تحصيص عموم القول بعدالة الصحابة" مع أنه في أول كتابه ذكر يفيد القول بعدالتهم أجمعين "فأورد الحجة على جواز هذا التخصيص وروى في هذا الموضع" وهو ترجمة بسر على فرض أنه صحابي "حديث فأقول أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن بدل بعدي" .
لفظه في هذا في الإستيعاب3 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثني محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل ابن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليذادن عني أقوام أعرفهم ويقرفونني ثم يحال بيني وبينهم", قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ قلت: نعم, قال: فأني أشهد على أبي سعيد الخدري أني سمعته وهو يزيد فيها "فأقول هؤلاء مني فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي" انتهى.
"وذكر" ابن عبد البر "أن في هذا أحاديث كثيرة وأنه تقصاها في كتاب التمهيد" فإنه قال والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا قد نقصيتها في ذكر الحوض من كتاب التمهيد.
"وقد ذكر شراح الحديث من أهل السنة في تأويل هذا الحديث أن جماعة ممن تطلق عليهم الصحبة ارتدوا عن الإسلام والردة أكبر المعاصي ومن جازت عليه الردة جازت
ـــــــــــــــــــ
1 الاستيعاب 1/155.
2 رقم 4408, ةالنسائي في: قطع السارق: ب 16. والبيهقي 9/104.
3 1/159- 160.

عليه سائر الكبائر وإنما ذكرت هذا لأن بعض المتعصمين على أهل الحديث زعموا أنهم يقولون بعصمة الصحابة كلهم ويعدون كبائرهم صغائر" هذا إشارة إلى ما قاله شيخه لاسيد علي بن محمد بن أبي القاسم فإنه قال في رسالته التي رد عليها المصنف بالعواصم ما لفظه إن المحدثين يذهبون إلى أن الصحابة لا تجوز عليهم الكبائر وأنهم إذا فعلوا المعصية الكبيرة عدوها صغيرة وقد أطال المصنف في الرد على ما قاله في الجزء الأول من العواصم.
"وليس كذلك ولكن القوم ال يولعون بالسب لأحد من الصحابة وإن صح فسقه ولا يلهجون بذكر ذلك" تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامثتالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" 1 "وعملا بما ورد من النهي عن اللعن" ففيه أحاديث جمة منها ما أخرجه أبو داود2 من حديث أبي الدرداء بلفظ "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط على الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان كذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها" وفيه عدة أحاديث.
"وهم" أي أئمة الحديث "يعرفون فسق الفاسق وجرحه والنهي عن قبوله وهم يسوون في ذلك" أي في الجرح "بين المنحرفين عن علي عليه السلام وعن عمر وعن أبي بكر" رضي الله عنهم فليس لهم عصبية تحملهم على خلاف هذا فإنهم كما يقدحون بالغوا في الرفض يقدحون بالنصب والرفض محبة علي وتقديمه على الصحابة وسب الشيخين والنصب بغض علي عليه السلام وتقديم غيره عليه كما صرح بهذا الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح الباري فالمنحرف عن علي عليه السلام هو الناصبي والمنحرف عن الشيخين هو الغالي في الرفض وقد سووا في الجرح بكل واحدة من الصفتين وقد حققناه في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر وذلك مما يدل على إنصاف أئمة الحديث وعدم تعصبهم.
"ولذلك" أي لتسويتهم بين المنحرفين "لم يقدحوا في سعد بن عبادة" أحد النقباء من الأنصار مع أنه تخلف عن بيعة أبي بكر وخرج على الشام.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري 2/129, 8/134, والنسائي 4/53, وأحمد 6/180.
2 رقم 4905, والمشكاة 4850.

قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب تخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر وخرج عن المدينة ولم ينصرف إليها إلى أن مات بأرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر. انتهى.
"ولا" يقدحون "فيمن حارب عثمان" وهم جماعة من الصحابة.
"وللشيعة مثل ذلك" في اعتقادهم لمساوى جماعة "في حق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأولاد علي" كاغتفار أئمة الحديث لمساوى جماعة من الصحابة "فإنهم" أي الشيعة "لا يولعون بذكر مساوى أحد منهم" من القرابة "ولا" يولعون "بسبب مبتدع منهم ولا فاسق تصريحا" كل ذلك تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
"مثل تركهم" أي الشيعة "ماروى عن الجاحظ" عمرو بن بحر فإنها رويت عنه قوادح لكنه لما كان معتزليا لم تولع الشيعة بذكر مساويه لأنه يجمع بينهم وبينه الإعتزال "وابن الزيات" بفتح الزاي وتشديد المثناة التحتية فمثناة بعد الألف نسبة إلى الزيت وهو أبو جعفر محمد بن عبد الملك وزير المعتصم له ما للوزراء من الظلم والإعانة عليه وهو صاحب تنور الحديد الذي صنه لتعذيب العمال وغيرهم "والصاحب الكافي" وهو إسماعيل بن أبي الحسن عباد وزير مؤيد الدولة ابن بويه وله قوادح لاتخلو عنها الوزراء وأتباع الملوك وتراجم هؤلاء الثلاثة مبسوطة في كتب التاريخ والمعروف من هؤلاء الثلاثة بشدة التشيع الصاحب وقد جعلهم مثالا لفساق التصريح.
"و" للشيعة مثل ذلك "في المبتدعة" أيضا "لبعض أقوال واصل بن عطاء" وهو أبو حذيفة واصل بن عطاء المعتزلي وهو أول من أثبت المنزلة بين المنزلتين "وعمرو بن عبيد" وهو أبو عثمان مشهور بالزهد من أئمة المعتزلة وله في الميزان ترجمة مطولة.
"ولهم" أي للخمسة المذكورين "في ذلك أشياء" من البدع والأمور المستنكرة "ليس هذا موضع شرحها بذكر هذا بيان أن قصد الجميع" من أهل السنة والشيعة "في ترك المبالغه" الأولى حذفها "في ذكر المساوى والسب راجع إلى إحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم" بالتغاضي عن مساوى من فضل بصحبة أو قرابة "لا" أنه راجع "إلى محبة أحد من أولئك العصاة أو المبتدعة لمعصيتهم فمحبة العاصي لخصلة خير فيه من عقيدة أوجهاد أو غير ذلك" من خصال الخير

قلت: ولايخفي أنه يتم هذا العذر فيمن عدا الخمسة المذكورين آنفا فمحبة العاص لخصلة خير فيه "جائزة عند الزيدية والإسلام أعظم خصال الخير" فلا يقال إنهم أحبوا أولئك الخمسة مثلا لخصلة خير فيهم لإنه يلزم أن يحب كل مسلم لا سلامه وتخصيص خصلة الخير لا دليل عليه فما ذاك إلا أنهم أحبوهم احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ولا يعزب عنك أن الكلام في ذكر مساوى من له مساوى وسنة لا إلى محبته فهو غير محل النزاع.
"وعند أهل السنة تجب كراهة معصية المسلم ولاتجب كراهيته" واستدل لكون ذلك كلامهم بقوله "وقال الذهبى في الميزان 1 في ترجمة عباد بن يعقوب أحد غلاة الشيعة" قال في صدر ترجمته عباد بن يعقوب الأسدى الرواحى من غلاة الشيعة ورؤوس البدع ثم قال وكان يشتم عثمان رضى الله عنه ويقول الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة قاتلا عليا بعد أن بايعاه وساق في ذلك عجائب.
ثم قال: "روى الخطيب عن أبي المظفر الحافظ" في الميزان الخطيب عن أبي نعيم عن أبي المظفر "عن محمد بن جرير سمعت عباد يقول من لم يبرأ 2 في صلاته كل يوم من أعداء آل محمد حشر معهم قال الذهبي" بعد نقله لها "فقد عادى آل على آل العباس والطبقتان آل محمد قطعا فممن نبرأ؟!" هذا على ما يراه أهل السنة "بل نستعفر للطائفتين ونبرأ من عدوان المعتدين كما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم مما صنع خالدلما أسرع في قتل نبى جذيمة" كما هو معروف في السيرة النبوية فغنه قال صلى الله عليه وسلم لما بلغه فعل خالد: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" 3 ولم يتبرأ من خالد "ومع ذلك فقال فيه: "خالد سيف سله الله على المشركين" 4 فالتبرؤ من ذنب سيغفر" بمشيئة اله تعالى "لا يلزم منه البراءة من الشخص انتهى كلام الذهبي وإنما أوردته ليعرف مذهبهم منه البراءة من الشخص اتنهى كلام الذهبى وإنما أوردته ليعرف مذهبهم ومرادهم فيه والله أعلم" .
"وقال الإمام أحمد بن عيسى عليه السلام" في العواصم وقال محمد بن منصور الكوفي في كتابه المعروف بكتاب أحمد بن عيسى "ما لفظه فإن جهل لولاية رجل فلم
ـــــــــــــــــــ
1 2/379/4149.
2 عبارة الميزان 1/379: يتبرأ.
3 البخاري 4/122, والنسائي 8/237, وأحمد 2/151, والبيهقي 9/115.
4 ابن أبي شيبة 12/124, والصحيحة 3/241.

بتوله أى أمير المؤمنين "لم تقطع بذلك عصمته وإن تبرأ" من أمير الؤمنين "وقد علم" أى علم أحوال امير المؤمنين وفضائله ومزاياه "انقطعت منا" ولايته أى موالاته منا "وكان منا في حد براءة نقول براءة مما دان به وأنكر من فرض الولاية" الواجبة لعلى عليه السلام.
وبين البراءة بانها براءة "لا أن يخرج بها من حد الناكحة والموارثة وغير ذلك مما تجرى به أحكام المسلمين بينهم بعضهم في بعض" على مثل من وافقنا في الولاية "وإيجابها في الناكحة والموارثة غير أن هذا الموافق" لنا في الولاية "معتصم بما إعتصمنا به من الولاية ونحن من الآخر في حدو براءة من فعله وقوله على مثل هذه الجهة لاعلى مثل البراءة منا من أهل الشرك" زاد في العواصم واليهود والنصارى والمجوس "هذا وجه البراءة عندنا فيمن خالفناه وفيه" أى كلام أحمد بن عيسى "شبه من كلام الذهبى" حيث تبرأ من فعله وقوله لامنه "والله أعلم ذكره صاحب الجامع الكافي في مذهب الزيدية آخر المجلد السادس" منه.
قال الصنف بعد نقله في العواصم وبمعناه لايزيد على ما علم بالتواتر عن على عليه السلام أنه لم يسرفي أهل صفين والجمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين ولا حكم بسبي النساء والذدارى ولو كانو جحدوا ما يعلم من الدين ضرورة كان الواجب تكفييرهم عند جميع المسلمين فدل على أن فعلهم مما يدخله التأويل.
"ونحوه" نحو كلام أحمد بن غيسى "ما ذكره القاضي حسن بن محمد" النحوى "في تذكرته" رواية "عن زيد بن على عليه السلام في جواز الصلاة" للجنازة "على الفاسق" هذا فيمن لم يحارب عليا عليه السلام من من الصحابة "وأما المحاربون لأمير المؤمنين" عليه السلام "من أهل الجمل وصفين" فإنهم أى أهل السنة "لا يخالفون في قبح فعلهم ولافي أنهم بغاة" فإنه نقل العامرى الإجماع من أهل السنة على بغي من حارب عليا عليه السلام.
يقال: فما الفرق بينهم وبين الشيعة فإنهم لا يزيدون على اعتقاد بغي أولئك فأشار إلى الفرق بقوله "ولكنهم" أي أهل السنة "يخالفون الشيعة" بعد الإتفاق في الحكم بالبغي "في ثلاثة أصول" :
"أحدها: في أنهم" أي محاربي علي عليه السلام "متأولون" في حربه "غير مصرحين" بالبغي.

"والثاني أن مسألة الإمامة" أي إمامة علي عليه السلام "ظنية" والشيعة يقولون إنها قطعية.
"والثالث" على تقدير أن إمامته عليه السلام فإنهم يقولون في ذلك "إن المخالف في القطيعات غير آثم ولم تكن القطيعات" التي حكموا بأن مخالفها غير آثم "معلومة بالضرورة من الدين" كوجوب الصلوات ونحوها فإن مخالفها آثم عندهم.
"فهذه" الثلاثة "أصول الخلاف بينهم وبين الشيعة" لكنه قدم المصنف الإجماع على قبول المتأولين من عشر طرق "وأضعف أصولهم الثلاثة هذه الأصل الأول" وهو أن البغاة عليه عليه السلام متأولون "لاعترافهم" أي أهل السنة "بتواتر حديث عمار وأمثال ذلك" وهو قوله صلى الله عليه وسلم "إنها تقتله الفئبة الباغية" خرجه أهل الصحاح والسنن والمسانيد والتواريخ1 وجميع أهل البيت عليهم السلام وأهل الحديث والشيعة وحكم علماء الحديث بتواتره منهم الذهبي ذكره في النبلاء في ترجمة عمار وهو مذهب أئمة الفقهاء ومذهب أهل الحديث كما نقله عنهم العلامة القرطبي في آخر كتاب التذكرة في التعريف بأحوال الآخرة انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: في تخريج أحاديث الرافعي إنه قد أخرج حديث عمار مسلم من حديث أبي قتادة وأم سلمة وأبي سعيد الخدري وأصل حديث أبي سعيد عند البخاري إلا أنه لم يذكر مقصود الترجمة كمانبه على ذلك الحميدي ووهم من زعم أنه ذكره. انتهى.
قلت: أي حديث: "تقتلك الفئة الباغية" 2 وإنما أخرج البخاري3 حديث ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ثم قال وقد أخرجه الإسماعيلي والبرقاني من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فذكرها.
قلت: أي ذكر كل واحد من الإسماعيلي والبرقاني رواية تقتلك يا عمار وهما مستخرجان على البخاري ثم قال: وأخرجه الترمذي من حديث خزيمة بن ثابت وهو عند أحمد الطبراني من حديث عمر وعثمان وعمارة وحذيفة وأبي أيوب وزياد بن الفرد وعمرو بن حزم ومعاوية وعبد الله بن عمرو وأبي رافع ومولاة
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 سبق تخريجه.
3 1/122, 4/25, وأحمد 3/91, ودلائل النبوة 2/546.

لعمار بن ياسر وغيرهم.
وقال ابن عبد البر تواترت الأخبار بذلك وهو من أصح الحديث وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية ونقل ابن الجوزي عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد.
قلت: وفي تخريج الزركشي على أحاديث الرافعي ذكر ألفاظ هؤلاء المخرجين للحديث وقيل عن أبي دحية أنه قال كيف يكون فيها اختلاف وقد رأينا معاوية نفسه حين لم يقدر علىإنكاره قال إنما قتله من أخرجه ولو كان حديثا فيه شك لرده وأنكره وقد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حمزة حين أخرجه وهذا من على إلزام لا جواب عنه انتهى بلفظه.
قال الزركشي وقد صنف الحافظ بن عبد البر جزءا سماه الإستظهار في طريق حديث عمار وقال هذا الحديث من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالغيب وأعلام نبوته وهو من أصح الأحاديث ثم قال الزركشي وهذا الحديث احتج به الرافعي لإطلاق العلماء بأن معاوية ومن معه كانوا باغين ولا خلاف أن عمار كان مع علي رضي الله عنه وقتله أصحاب معاوية.
وقال إمام الحرمين في الإرشاد وعلي كرم الله وجهه كان إماما حقا في ولايته ومقاتلوه كانوا بغاة ومقتضي حسن الظن بهم يقتضي أن نظن بهم قصد الخير وإن خطؤوه.
وقال الإستاذ عبد القاهر البغدادي أجمع فقهاء الحجاز والعراق ممن تكلم في الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من التكلمين أن عليا عليه السلام مصيب في قتاله لأهل صفين كما أصاب في قتاله أهل الجمل وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمين له لحديث عمار واجمعوا على ذلك.
ونقل العبادي في طبقاته قال محمد ابن إسحاق كل من نازع على بن طالب فهو باع على هذا عهدت مشايخنا وهو قول ابن إدريس يعني الشافعي انتهى بلفظه من تخريج الزركشي.
نعم أما ما نقله ابن حجر في تخريج الرافعى تلخيص الحبير من قوله ونقل ابن الجوزى عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد أنه قال قد روى هذا الحديث يريد حديث عمار من ثمانية وعشرين طريقا ليس فيها طريق صحيح وقال في البدر

وجماعة من الحفاظ طعنوا في الحديث. انتهى.
فقد قال المصنف رحمة الله تعقبا لما في التلخيص ما لفظه قلت: والإسترواح إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سناة إلى ذكر هذا الخلاف الساقط من غير بيان لبطلانه من مثل ابن حجر عصبية سنية فأما ابن الخوزى فلم يعرف هذا الشأن وقد ذكر الذهبي في ترجمة في التذكرة كثيرة خطائه في مصنفا وهو أجهل وأحقر من أن ينتهض لمعارضة أئمة الحديث وفرسانه وحفاظه كابن عبد البر والنخاري ومسلم والحميدي ثم ذكر المصتف من ذكرناه ممن أخرجه وما ذكرناه من إتفاقهم على تواتره.
قلت: ولايخفي أن كلام المصنف في غير محله لأن ابن الجوزي ناقل عن غيره عن حكايه عن أحمد رواها التمريض فالحبوب على نقل ابن الجوزى أن يقال هذه الحكايه التى نقلها الخلاد وأظنه الخلال باللام مروية بصيغة التمريض فكيف يقدح بها في شيء فالراوية متواترة وقد نقلت: نصوصهم وألفاظهم ثم نعارضه بما ذكره الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي فإنه قال الإمام أحمد جاء هذا يعني حديث عمار في غير حديث صحيح ورواه خلق كثير من الصحانة وكأنه يريد عمارا أحد أمراء على صفين وقوله في غير حديث صحيح أى بل في عدة كثيرة من الأحاديث الصحيحة وقال قال يعقوب بن لأبي شينة سمعت أحمد يقول في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكره أن يتكام في هذا أكثر من هذا.1هـ.
فهذا نقل صحيح عن أحمد بكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة يفي هذا المعنى وقد أخرج أحمد نفسه في مسنده حديث خزيمة بن ثابت.
وهذه الحكاية التي نقلها ابن حجر عن ابن الجوزي لم ينقلها الزركشي مع توسعه في النقل أكثر منه.
ثم قال المصنف وأما الذهبي فإنه حقق صحة دعواه أي لتواتره بما أورد من الطرق الصحيحة الجمة والمنع من الصحة بغير حجة صنيع من لا علم له بل من لا عقل له ولا حياء سيما مع تخريج البخاري له ومسلم من طرق مختلفة مع هذه الشهرة والتواتر الذي في كتب خصوم علي وعمار في أمر التقديم والتفضيل.
قلت: كان الأولى في العبارة أن يقول فقد أخرجه البخاري إلى آخره لأن الأصل عدم الصحة فمنعها طلب للتصحيح وجوابه أنه قد صححه من ذكر إلى آخره وقوله

كتب خصوم علي وعمار لا يخلو عن تأمل فإنه إن أراد في تقديم الشيخين أي المشايخ عليا عليه السلام كما هو رأي من سماهم خصوما وهذا لايعرف فيه رأي علي ولا وعمار وإن أراد فيتقديم معاويةة وتفضيله فهذا لا يقوله أحد وكأنه بني ذلك على رأي الشيعة فيما يعتقدونه أن عليا عليه السلام وعمار يعتقدان تقدم علي وفضله عليها أو عليهم.
قال أي المصنف وأما تركت البخاري لأوله قادح لأن آخره أشد وعيدا من أوله ولعله إنماترك أوله تقية من المعتصبين فقد ثبت في ترجمته أنه امتحن وذكر ابن حجر أنه مات وكتابه مسودة لم تبيض ثم قال ويدل على تقية البخاري في شأن عمار أنه لم يذكر حديثه هذا في مناقبه في صحيحه وإنما أحتمال لذكره في مواضع لا ينتبه الطلبة فيها مثل باب مسح الغبار في كتاب الجهاد والتعاون في بناء المساجد في كتاب الصلاة وهما أنه ما أورده إلا للتعريف بهذه الأحكام المعلومة التي لا يهم محصل بإيثارها على معرفة الحق من الباطل في فتنة أهل الإسلام انتهى كلام المصنف على هوامش التلخييص ثم ذكر ما ذكرناه عن يعقوب بن أبي شيبة.
قلت: البخاري أخرج في باب بناء المساجد بسنده إلى عكرمة قال قال لي ابن عباس ولابنه علىانطلقا على أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أني على بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه فقال يح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال فقال عمار أعوذ بالله من الفتن انتهى لفظ البخاري.
واعلم أن المصنف اعتذر للبخاري بما ذكره في عدم إخراجه أول الحديث.
وأما الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال في الإعتذار للبخاري عن عدم إخراجه ما لفظه واعلم أن هذه الزيادة يريد ما قاله قبيل هذا ويح عمار تقتله الفئة الباغية إلخ لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال الحميدي ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها.
قال ابن حجر: قلت:يظهر في أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكته خفية وهي أن أبا سعيد اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي ثبتت فيها ليست على شرط البخاري وقد أخرجها

البزار1 من طريق هند بن أبي داود عن أبي بصرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية انتهى وابن سمية عمار وسمية أمه.
ثم قال وقد بين أبو سعيد من حدثه بذلك ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الإطلاع على علل الأحاديث انتهى من فتح الباري.
قلت: العجب من الحافظ ابن حجر في قوله إنه حذفها البخاري بعد سماع أبي سعيد لها من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله حدثني أصحابي وقوله حدثني من هو خير مني أبو قتادة ولا يعلم أنهم يعلون حديثا بكونه لم يشافه النبي صلى الله عليه ولم به الصحابي الذي رواه أو بكون راويه سمعه من صحابي آخر يزكيه ويفضله على نفسه فقوله إن حذفها دال على تبحر البخاري في الإطلاع على علل الأحاديث أعجب فأي علة أبداها ويلزم على جعل هذه علة أن جميع رواية ابن نعباس كلها معلولة لتصريحهم بأنه لا يبلغ ما سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة عشرين حديثا وكذلك غيره من صغار الصحابة.
إذا عرفت هذ فعذر المصنف للبخاري أرفع من عذر ابن حجر ولابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري كلام تمجه الأسماع عند من له تحقيق وإطلاع وقد بينا ما فيه في حواشيه وروايته عن أحمد صحة الحديث وأمثال ذلك.
"وليس هذا موضع بسط حجج الفريقين وبالجملة ليس لأولئك المختلف فيهم" من بغاة الصحابة "بين الشيعة وأهل الحديث سنة انفردوا بها" رواية "مما فيه تحليل وتحريم" يريد أنه ليس لمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهما حديث فيه حكم شرعي انفردوا بروايته "وقد استقصيت أحاديثهم وشواهدها في كتاب الروض الباسم وفي كتاب العواصم والقواصم في نصرة سنة أبي القاسم" عد في الكتابين الأحاديث التي في الأمهات الست من رواية معاوية وهي ثلاثون حديثا وعد ما لعمرو بن العاصص يفها من الأحاديث فبلغت عشرة أحاديث ثم ما للمغيرة بن شعبة فيها فعدها ثلاثة وعشرين حديثا.
ـــــــــــــــــــ
1 مجمع الزوائد 9/296, وعزاه إليه وقال: رجاله رجال الصحيح.

وقد رأيت تمام الإفادة بنقل كلامه من الروض الباسم باختصار غير مخل قال فهؤلاء الثلاثة أذكر هنا ما يدل على صحة حدثهم وأقتصر على ما يتعلق بالأحكام من ذلك اختصارا وذلك يتم بذكر ما لهم من الأحاديث المتعلقة بالأحكام وما لأحاديثهم من الأحاديث المروية عنه عليه الصلاة والسلام ونشير إلى ذلك على أقل ما يكون من الأختصار المفيد إن شاء الله تعالى فنقول.
المروي في الكتب الستة من طريق معاوية في الأحكام ثلاثون حديثا .
قلت: إنما قال في الأحكام لأنه ذكر النووي في تهذيب الأسماء أنه روى له مائة حديث وسنة وثلاثون حديثا.1هـ.
قال المصنف:
الأول : حديث تحريم الوصل في شعور النساء رواه عنه الشيخان وغيرهما1 ويشهد لصحة ذلك رواية اسماء وعائشة وجابر أما حديث أسماء فأخرجه الشيخان والنسائي وكذلك حديث عائشة خرجه من ذكره وحديث جابر خرجه مسلم.
الثاني : حديث "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" أخرجه الشيخان2 ورواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص وأخرجه أبو داود والترمذي عن ثوبان ورواه الترمذي عن معاوية بن قرة وأبو داود عن عمران بن حصين.
الثالث : حديث النهي عن الركعتين بعد العصر رواه البخاري وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أم سلمة.
الرابع : حديث الإلحاف في المسألة رواه عنه مسلم ورواه الشيخان والنسائي عن عبد الله بن عمر وأبو داود ولاترمذي والنسائي عن سمرة بن جندب ولانسائي عن عائد بن عمرو ولاشيخان ومالك في الموطأ والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وروى عن غيرهم.
الخامس : إن هذا الأمر لا يزال في قريش رواه عنه البخاري ورواه عنه الشيخان عن عبد الله بن عمر والشيخان عن أبي هريرة.
السادس : حديث جلد شارب الخمر وقتله في الرابعة رواه عنه أبو داود والترمذي.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: اللباس: ب 83. ومسلم في: اللباس: حديث 115, 117, 119, وأحمد 2/21.
2 مسلم في: الإمارة: حديث 174. وأحمد 4/101.

فأما جلده فمعلوم من الدين ضرورة والأحاديث يفه كثيرة وأما قتله في الرابعة فرواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ورواه أبو داود عن قبيصة ابن ذؤيب وعن نفر من الصحابة.
السابع : حديث النهي عن لباس الحرير وجلود السباع رواه عنه أبو داود والترمذي والسنائي فأما شواهد تحريم لباس الذهب والحرير فأشهر من أن تذكر وأما جاود اليباع فله شاهد عن أبي المليح أخرجه أبو داود والترميذي والنسأئي.
الثامن : حديث إفتراق الأمة إلى نيف وسبعين فرقة رواه عنه أبو داود وروى الترمذي مثله عن أبي عمرو ورويا مثله أيضا عن أبي هريرة.
التاسع : النهى عن سبق الإمام بالركوع والسجود رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ومالك في الموطأ عنه أيضا ومسلم والنسائى عن أنس.
العاشر : النهى عن الشغار رواه عنه أبو داود وقد رواه الشيخان عن ابن وهو مشهور عن غير واحد من الصحابة.
الحادي عشر : أنه تؤضأ كوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود
وليس فيه ما يحتاج إلى شاهد إلا زيادة صب الماء على الناصية والوجه وقد رواه أبو داود عن على عليه السلام.
الثاني عشر : النهى النوح رواه عنه ابن ماجه وهو أشهر من أن يحتاج إلى شاهد.
الثالث عشر : النهى عن الرضا بالقيام رواه عنه الترمذي وأبو داود وله شواهد في الترمذي عن أنس وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة وغيرها.
الرابع عشر : النهى عن التادح رواه عنه ابن ماجه وقد رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة وعن أبي بكرة والشيخان عن أبي موسى ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن سحرة والترمذى عن أبي هريرة.
الخامس عشر : تحريم كل مسكر رواه عنه ابن ماجه ورواه الجماعة إلا ابن ماجهعن ابن عمر ومسلم والنسائي عن جابر وأبو داود عن ابن عباس والنسائي عنه أيضا.
السادس عشر حكم من سها في الصلاة رواه النسائي وله شواهد في سنن أبي

داود عن ثوبان.
السابع عشر : النهى عن القران بين الحج والعمرة رواه عنه أبو داود وله شاهد عن ابن عمر ورواه مالك في الموطأ مرفوعا وعن عمر وعثمان ورواه مسلم موقوفا عليهما.
الثامن عشر : أنه قصر للنبي صلى الله عليه وسلم بمشقص بعد عمر ته وبعد حجه رواه عنه الشيخان وأبو داود والنسائي وله شواهد عن على عليه السلام أخرجه مسام وعن عثمان أخرجه مسلم أيضا وعن سعد بن وقاص رواه مالك في الموطأ والنسائي والترمذى وصححه ورواه النسائى عن ابن عباس عن عمر والترمذى عن ابن عمر والشييخان عن عمران بن حصين ورواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس أن معاوية لما روى هذا الحديث قال ابن عباس هذه على معاوية لأنه يهنى عن المتعة.
التاسع عشر : ما روى عن أخته أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليفي الثوب الذي يجمامعها فيه مالم ير فيه أذى رواه أو داود والنسائي وتشهد لمعناه أحاديث كثيرة منها أنه صلى الله عليه وسلم كان صلى في نعليه ما لم ير فيهما أذى أخرجه الشيخان عن سعيد بن زيد ورواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري ويشهد له فلا ينصرفن حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا وهو متفق علي صحته إلى أشباه لذلك كثيرة تدل على جواز الإستصحاب للحكم المتقدم.
الموفي عشرين : نهى من أكل الثوم والبصل عن دخول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من روايته عن أبيه وله شواهد كثيرة فروى الشيخان ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن جابر بن عبد الله والشيخان عن أنس ومسلم ومالك عن أبي هريرة وأبو داود عن حذيفة والمغيرة والشيخان وأبو داود عن ابن عمر والسنائي عن عمر وأبو داود عن أبي سعيد.
الحادي والعشرون : حديث هذا يوم عاشوراء لم يكتب عليكم صومه رواه عنه الشيخان ومالك والنسائي وقد روى الشيخان عن ابن عباس ما يشهد لصحة معناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشار إليه بعد سؤاله عن سبب صوم اليهود فأنا أحق بموسى وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن يصومه تعظيما له.
الثاني والعشرون : حديث لا تنقطع الهجرة رواه عنه أبو داود ولم يصح عنه قال الخطابي في إسناده مقال وله شاهد رواه النسائي عن عبد الله ابن السعدي.

الثالث والعشرون : حديث النهي عن لبس الذهب إلا مقطعا رواه عنه أبو داود وله شاهد عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي.
الرابع والعشرون : النهي عن الغلوطات أخرجه عنه أبو داود قال الخطابي لم يصح عنه في إسناده وقد روى في جامع الأصول له شاهد عن أبي هريرة وفي البخاري عن أنس نهينا عن التكلف1 وهو يشهد لمعناه.
الخامس والعشرون : حديث الفصل بين الجمعة والناقلة بعدها بالكلام أو الخروج وراه عنه مسلم وله شاهد عند الشيخين عن ابن عمر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادس والعشرون : فضل حب الأنصار رواه عنه النسائي وفضلهم مشهور بل قرآني معلوم.
السابع والعشرون : حديث "كل ذنب عسى الله يغفره إلا الشرك وقتل المؤمن" رواه عنه النسائي وله شاهد عن أبي الدرداء رواه أبو داود2 وله شاهد في كتاب الله تعالى.
الثامن والعشرون : "اشفعوا تؤجروا" أخرجه أبو داود وهو حديث معروف أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى3 وفي القرآن ما يشهد لمعناه وهو مجمع على مقتضاه.
التاسع والعشرون : كراهية تتبع عورات الناس أخرجه أبو داود4 وله شاهد في الترمذي عن ابن عمر وحسنه وفي سنن أبي داود عن بريدة الأسلمي وعقبة بن عامر وزيد بن وهب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة.
الموفي الثلاثين حديثا : حديث "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" رواه عنه البخاري وله شاهدان عن ابن عباس وأبي هريرة ذكرهما الترمذي5 وصحح حديث ابن عباس.
فهذه عامة أحاديث معاوية التي هي صريحة في الأحكام أو يؤخذ منها حكم وهي
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الاعتصام: ب 3.
2 النسائي 7/81, وأبو داود 4270. وأحمد 4/99.
3 أبو داود 5132. والبخاري 2/140. والنسائي 5/78.
4 رقم 4880.
5 البخاري 1/27. والترمذي 2645.

موافقة لمذاهب الشيعة والفقهاء وليس فيها مالا يذهب إليه جماهير العلماء إلا قتل شراب الخمر في الرابعة لأجل النسخ وقد رواه الهادي إلى الحق يحيى ابن الحسين عليه السلام فأعجب لمن شنع على أهل الصحاح برواية هذه الأحاديث وإدخالها في الصحيح.
قال المصنف وله أحاديث غير هذه نشير إليها إشارة تركناها وشواهدها اختصارا وذلك حديثه في فضل المؤذنين وفضل إجابة الأذان وفضل حلق الذكر وفضل ليلة القدر ليلة سابع وعشرين وفضل حب الأنصار قلت: تقدم وفضل طلحة وتاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وحديث اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت وقد رواه مسلم عن علي عليه السلام1 وحديث الخير عادة والشر لحاجة2 ولم يبق في الدينا إلا بلاء وفتنة وإنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله أعلاه وفيمن نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وأثران موقوفان عليه في ذكر كعب الأحبار وفي تقبيل الأركان.
فهذه جملة ما له في جميع دواوين الإسلام لا يشذ عن ذلك شيء إلا ما لا يعصم عنه البشر من السهو وليس في حديثه ما ينكر قط وفيها ما لا يصح عنه وما في صحته عن خلاف وجملة ما اتفق على صحته عنه في الأحكام ثلاثة عشر حديثا اتفق الشيخان فيها على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.
ثم قال المصنف:
وأما حديث عمرو بن العاص فله في الأحكام عشرة أحاديث .
الأول : في النهي عن صيام أيام التشريق رواه عنه أبو داود وله شواهد فرواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عقبة بن عامر ومسلم عن نبيشة الهذلي ومسلم ومالك عن عبد الله بن حذافة والبخاري عن ابن عمر وعائشة بلفظ لم يرخص في صومها إلا لمن لم يجد الهدى.
الثاني : التكبير في صلاة الفطر سبعا في الأولى وخمسا في الثانية رواه عنه أبو داود وقد رواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة والترمذي عن عمر وابن عوف عن أبيه عن جده وقال ابن النحوي في الباب أحاديث كثيرة.
ـــــــــــــــــــ
1 في: المساجد: حديث 137, 138, والبخاري 1/214, وأحمد 4/93.
2 ابن ماجة 221, والصحيحة 651.

الثالث : حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة في القرآن ثلاث في المفصل وفي صورة الحج سجدتان رواه عنه أبو داود وابن ماجه وهذا الحديث لم يصح عن عمرو قاله ابن النحوى وعزاه إلى ابن القطان وابن الجوزى ثم ساق المصنف له شواهد لاجابة هنا إلى ذكرها بعد قوله لم يصح عنه.
الرابع : حديث تقرير صلى الله عليه وسلم لعمرو على التيمم حين إحتج أنه يخاف على نفسه الموت من شدة البرد وهو قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} وله على ذلك وهو الإجماع أول وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس ثانيا.
الخامس : حديث "إذا إجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما وقد رواه الترمذى عن أبي هريرة1.
السادس : حديثه في الحث على السحور لكونه فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب رواه عنه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه2 وقد وردت في الحث على ذلك أحاديث فروى الشيخان وغيرهما عن أنس وأبو داود عن أبي هريرة وفيه عن جماعة من الصحابة عند أهل السنن.
السابع : حديث أن الني صلى الله عليه وسلم نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن رواه عنه الترمذي وحسنه ولد شاهد عن عمرو بن الأحوص رواه عنه الترمذى وصححه وله شواهد أخر.
الثامن : حديث في تكفير الإسلام والحج والهجرة لنا قبلها رواه عنه مسلم.
فأما تفكير الإسلام لما قبله فإجماع والشواهد عليه كثيرة.
وأما تفكير الحج لما قبله فله شاهد في الترمذى والنسأئى عن ابن مسعود ورواه النسائي عن ابن عباس والشيخان وغيرهما عن أبي هريرة.
وأما تكفير الهجرة لما قبلها ففى النسائي عن فضالة بن عبيد ما يشهد لذلك لكن بزيادة الإسلام والإيمان وهذه الزيادة في حكم المذكورة في حديث عمرو إذ لا عبرة بهجرة الكافر إجماعا بل صحتها غير متصورة كصلاته وسائر قرباته الشرعية مع ماله من الشواهد العامة من القرآن والسنة كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الاعتصام ب 21. ومسلم في: الأقضية: حديث 15, وأحمد 4/198.
2 مسلم في: الصيام: حديث 46. والترمذي 708, 709. واحمد 4/202.

السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وقوله صلى الله عليه وسلم: "ابتع السيئةالحسنة تمحها" رواه النووي في مباني الإسلام1.
التاسع : حديث: قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال قال: "أبوها" رواه مسلم2 والترمذي والنسائي وله شاهد وأما في حب عائشة فعن أبي موسى بلفظ حديث عمرو رواه الترمذي وأما في أبيها فله شاهد بمعناه في أحاديث كثيرة "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" رواه البخاري من حديث ابن عباس ومسلم والترمذي من حديث ابن مسعود3.
العاشر : قوله في عدة المتوفي عنها إنها أربعة أشهر وعشر يعني وإن كانت أو ولد رواه أبو داود وابن ماجه وهو موقوف عليه وعموم القرآن حجة.
فهذه جملة مالعمرو بن العاص في الأمهات الست مما فيه حكم ظاهر أو يمكن استخراج حكم منه وبقي له حديثان حديث كنا مع عمر في حج أو عمرة فلما كان بمر الظهران إذا نحن بامرأة في هودجها وثانيهما حديث فزع الناس بالمدينة فرأيت سالما احتبى بسيفة وجلس في المسجد لم أعرف تمامهما فيبحث هل فيهحكمم شرعي وهل له شاهد ويلحق بذلك.
وأما المغيرة فله فيما يتعلق بالأحكام بالحلال ولاحرام ثلاثة وعشرون حديثا أو أقل :
الأول : حديث المسح على الخفين وهو حديث مجمع على صحته ولكن ادعة بعض الشيعة أنه منسوخ وهذا الحكم مع صحته مروي من طرق كثيرة رواه الشيخان عن جرير ورواه البخاري ومالك عن سعد بن أبي وقاص ورواه الحسن البصري عن سبعين صحابيا وأما المسح على الجوزبين فلم يصح عن المغيرة كما قاله الحافظ عبدالرحمن بن مهدي ومع ذلك فله شاهد عن أبي موسى وكذلك مسح أسفل الخف لم يصح عن المغيرة.
الثاني : حديثه في الصلاة على الطفل وله شاهد رواه أبو داود عن عبد الله التميمي مصعب بن الزبير ورواه الترمذي عن جابر بشرط الاستهلال وله شواهد مرسلة وموقوفة.
ـــــــــــــــــــ
1 أحمد 5/153, والدارمي 2/323, وابن عساكر 5/174.
2 مسلم في: فضائل الصحابة: حديث 8.
3 البخاري 5/4, ومسلم في: فضائل الصحابة:حديث 2,3, وأحمد 1/377.

الثالث : حديث بعث عمر في أبناء الأنصار أخرجه البخاري ويفه أن المغيرة قال لكسرى إن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وهذا يشهد له حديث عبدالرحمن بن عوف "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" وهو صحيح وإنما قلت: ذلك لأن كسرى مجوسي.
الرابع : حديث النهي عن إسبال الأزرار وقد رواه الشيخان عن ابن عمر والنسائي عن ابن عباس.
الخامس : حديث المسح على العمامة وقد رواه أبو داود عن ثوبان وأنس ورواه أحمد وأبو داود وسعيد بن منصور عن بلال.
السادس : حديث تحريم بيع الخمر وله شواهد أكثر من أن تذكر.
السابع : كسفت الشمس يوم مات إبراهيم فأما تأريخ الكسوف بيوم مات إبراهيم فرواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر وأما بقية الحديث الذي يتعلق به الحكم فأشهر من أ تذكر شواهده.
الثامن : حديث ترك التشهد الأوسط وسجود السهو لنسيانه وله شاهد من حديث عبد الله بن يحينة أخرجه الشيخان وهو أيضا شاهد لما في حديث المغيرة من أنه يسجد للسهو فيه قبل السلام وأخرجه الترمذي عن عمران بن حصين وأبو داود عن ابن مسعود.
التاسع : حديث "لا تسبوا الأموات" وقد رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة وأبو داود عن ابن عمر.
العاشر : حديث أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما وقد رواه الشيخان وغيرهما من حديث حذيفة1.
الحادي عشر : حديث "دية الجنين غرة" وقد رواه الشيخان من حديث أبي هريرة2.
الثاني عشر : "لا يصلى الإمام في الموضع الذيصلى فيه حتى يتحول" وقد رواه أبو داود عن أبي هريرة3.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الوضوء: ب 60, 62, ومسلم في: الطهارة: حديث 73, 74, وأحمد 4/246.
2 البخاري في: الفرائض: ب 11. ومسلم في: القسامة: حديث 39. وأحمد 1/364.
3 رقم 616. والبيهقي 2/190. وابن ماجة 1427, 1428.

الثالث عشر : حديث "من اكتوى واسترقى فقد بريء من التوكل" وقد رواه بمعناه أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبيد الله وعبدالله ابن حكيم ورواه الشيخان عن ابن عباس1.
الرابع عشر : حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه عنه الشيخان وغيرهما وهو حديث متواتر مستغن عن ذكر الشواهد.
الخامس عشر : حديث "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه" وهو طرف من الحديث قبله وله شواهد كثيرة فرواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث عمر بن الخطاب والنسائي عن عمران بن الحصين والترمذي عن أبي موسى وله شواهد غير هذه.
السادس عشر : فرض الجدة اسلدس وقد رواه البخاري عن محمد بن مسلمة وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود عن بريدة وهو إجماع.
السابع عشر : حديث ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد عن الدجال أكثر ما سألته قلت: ويقولون معه جنة ونار قال "هو أهون على الله من ذلك" وله شواهد وجميع ما ورد في الصحيحين وغيرهما2 عن غير واحد من الصحابة أنه قال صلى الله عليه وسلم "ناره جنة وماؤه نار" وهو يعضد حديث المغيرة فإنها مبنية نفي أن يكون مع الدجال جنة ونار حقيقة.
الثامن عشر : "لا يزال أناس من أمتى على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" .
التاسع عشر : "إن المرأة يعقل عنها عصبتها ويرثها بنوها" وله شواهد منها عند الجماعة إلا ابن ماجه عن أبي هريرة مثال حديث المغيرة وفي سنن أبي داود عن ابن عباس3.
الموفي عشرين : حديث ترك الوضوء مما مست النار وله شواهد فرواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس وعمرو بن أمية وميمونة ومسلم عن أبي رافع ومالك وأبو داود عن جابر4.
ـــــــــــــــــــ
1 البخاري في: الطب: ب 17. ومسلم في: الإيمان: حديث 371. وأحمد 1/401.
2 البخاري في: الفتن: ب 26. ومسلم في: الفتن: حديث 114, 115. وأحمد 4/246.
3 ابن ماجة في الديات ب 15. والنسائي في القسامة ب 34. وأحمد 2/224.
4 أبو داود 4864. والنسائي 1/108.

الحادي والعشرون : حديث سعد بن عبادة وفيه "أتعجبون من غيرة سعد إنه لغيور؟" وفيه "ما أحد أغيره من الله" ولهذا المعنى المتعلق بحديث الصفات شاهد في الصحيحين عن عائشة1.
الثاني والعشرون : نهى آكل الثوم عن دخول المسجد وقد مرت شواهده في أحاديث معاوية.
الثالث والعشرون : حديث مشي الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء وهذا ليس فيه ششء من الأحكام المتعلقة بتحليل أو تحريم ثم إنه لم يقل بصحته عن المغيرة إلا الحاكم وابن السكن وصعفه غيهرما ولم يصححوا عن المغيرة.
الرابع والعشرون : حديث كان إذا ذهب المذهب أبعد رواه عنه أهل السنن الأربعة إلا ابن ماجه2 وقد رواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبي بردة ومنالعدب أن هذا الحديث وحديثا نحوه من حديث المغيرة هما أول ما في كتاب شفاء الأوام من كتب الزيدية أو ردهما مصنفة بأرسالهما إلى المغيرة واحتج يهما من غير ذكر غيرهما وهم ينكرون على المحدثين مثل ذلك.
انتهى كلام المصنف من الروض الباسم ببعض اختصار.
"وأما القول بعدالة المجهول منهم" أي من الصحابة "فهو إجماع أهل السنة والمعتزلة والزيدية قال ابن عبد البر في التمهيد أنه مما لا خلاف فيه" وقال أيضا في خطبة الإستيعاب ونحن وإن كان الصحابة قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة علىأنهم كلهم عدول انتهى.
ثم أبان المصنف صحة دعواه لأجماع من ذكر فقال "أما أهل السنة فظاهر وأما المعتزلة فذكره أبو الحسين في كتابه المعتمد في أصول الفقه بل زاد عن المحدثين" فإنهم قائلون بعدالة الصحابة لا غير وأبو الحسين "ذهب إلى عدالة أهل ذلك العصر" فقال هم عدول وليس كلهم صحابة "وإن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم" هذا زيادة تأكيد وإلا فهو معلوم أنه لم يراكل أهل ذلك العصر النبي صلى الله عليه وسلم.
"وذكر الحاكم المحسن بن كراممة المعتزلي مثل مذهب المحدثين في كتابه شرح العيون وروى ذلك ابن الحاجب في مختصر المنتهى عن المعتزلة وأما الزيدية" فإن
ـــــــــــــــــــ
1 مسلم في: اللعان حديث 17. والبخاري 9/151. وأحمد 4/248.
2 أبو داود 1. والنسائي في الطهارةب 16. وابن ماجة 331.والصحيحة 1159.

رأيهم أوسع دائرة أوسع دائرة من المعتزلة في هذا "فإنهم يقبلون المجهول" مطلقا "سواء عندهم في ذلك الصحابي وغيره ذكر ذلك الفقيه عبد الله بن زيد في الدرر المنظومة وهو أحد قولي المنصور بالله ذكره في هداية المسترشدين وهو أرجح احتمالي أبي طالب في جوامع الأدلة وأحدا احتماليه في المجزيء وهذا المذهب مشهورا عن الحنيفة والزيدية مطبقون على قبول مراسيل الحنفية فقد دخل عليهم حديث المجهول على كل حال وإن كان المختار عند متأخريهم" أي الزيدية "رده" أي المجهول "فذلك لا يغني مع قبولهم مراسيل من يقبله والقصد بذكرهم هذه الأقوال أن لا يتوهم أن المحدثين شذوا بهذا المذهب" وهو القول بعدالة مجهول الصحابة بل هو رأي غيرهم بل غيرهم أوسع دائرة منهم.
وأوسع دائرة ما أفاده قوله "وذكر المنصور" بالله "في مجموعه أن الثلاثة القرون الأول مقبولون" لقوله صلى الله عليه وسلم "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" أخرجه بلفظ: "خير الناس قرني..." إلى آخره ورواه الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ: "إن خيركم..." إلخ "و" قال المنصور بالله "أن ذلك معروف عند أهل العلم وهذا أوسع من قول المحدثين كما ترى" وهو ظاهر.
وقد عارض دليله حديث "أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره" أخرجه الترمذي1 من حديث أنس وصححه ابن حبان من حديث عمار وله شواهد وابن عساكر عن عمر وبن عثمان مرسلا بلفظه "أمتى مباركة لا تدري أولها خير أو آخرها" 2.
وقد جمع بينهما سعدالدين التفتازاني بأن الخيرية تختلف بالاعتبارات فالقرون السابقة بنيل شرف قرب العهد ولزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصي ونحو ذلك وأما باعتبار كثرة الثواب فلا يدري أولها خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الآخر لأيمانه بالغيب طوعا ورغبة مع انقضاء مشاهدة زمن آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريقة السنة مع فساد الزمان وشيخنا رحمه الله تعالى تعقب عليه في رسالة قرأناها عليه لا نطيل هنا بذكرها.
ـــــــــــــــــــ
1 في الادب ب 81. حديث 2869. وأحمد 3/143. والخطيب 11/14.
2 ابن عساكر 7/232.

ثم اعلم أن هذا الاستدلال من المنصور بالله وذكر معارضة الحديثين مبني على أن حديث "خير القرون" 1 قاض بأن التفضيل بين القرون بالنظر إلى كل فرد فرد وإلى هذا ذهب الجمهور وذهب ابن عبد البر إلى أن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد احتج بحديث "أمتي كالمطر" إلخ ما تقدم قريبا ربما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه "تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين" قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم" 2 وبحديث عمر يرفعه: "أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني" أخرجه الطيالسي3 وهو وإن كان ضعيفا فإنه يشهد له ما أخرجه أحمد أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي حمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني", وإسناده حسن وقد صححه الحاكم4 واستثنى ابن عبد البر أهل بدر والحديبيه.
وأجاب الجمهور بالجمع بين الأحاديث مم يلاقي كلام سعد الدين الذي أسلفناه إلا أنهم زادوا بأن ذلك يكون في حق بعض الصحابة وأما مشاهير الصحابة فإنهم جازوا مراتب السبق في كل نوع من أنواع الخبر قالوا وأيضا فالمفاضلة بين الأعمال بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع ونضولة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عدالة شيء من ذلك النوع وإذا عرفت هذا عرفت أن استدلال المنصور بالله مبني على ما ذهب إليه الجمهور.
"وأما الحجج على عدالة مجاهيل الصحابة" هم الذي لم يعرف لهم شيء سوى الصحبة "فكثيرة جدا وقد ذكرت منها جملة شافية في العواصم والقواصم" ذكر فيها اثنين وثلاثين دليلا على قبول فساق التأويل وهي أدلة شاملة للمجاهيل من أهل ذلك العصر لأنه إذا لم يعرف للصحابي إلا الإسلام الصحبة فقبوله أولى من قبول من كان مسلما فاسق تأويل وقد أجمع على قبوله فالأولى قبول مجهول الصحابة.
ـــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 أبو داود في الملاحم ب 17. والترمذي في تفسير سورة 5. وابن ماجة في الفتن ب 21.
3 سبق تخريجه.
4 4/85.

"وفي المختصر من الروض الباسم وأناأشير إلى شيء من ذلك فمن ذلك ماروى ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فقال: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم ثم يفشو الكذب" الحديث تمامه "يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد" "رواه أحمد والترمذي ورواه أبو داود الطيالسي 1 " من طريق أخرى "عن شعبة عن عبد الملك بن عمير عن جابربن سمرة عن عمر وله طريق أخرى" ثالثة "وهو حديث مشهور جيد قال ذلك الحافظ ابن كثير في إرشاده" وفي العواصم أنه ذكر أبو بن عبد البر في أول كتاب الاستيعاب له شواهد كثيرة عن عمران بن حصين والنعمان بن بشير وبريدة الأسلمي وجعدة بن هبيرة.
"قلت: وفيه دليل على أنه أراد بأصحابه أهل زمانه من المسلمين لقوله فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فتأمله" وذلك لأن قوله: "ثم الذين يلونهم" عام لكل فرد من الأزمنة التي بعد القرن الأول فيكون كذلك في القرن الأول وأنه سمى كل من عاصره صلى الله عليه وسلم صحابيا إن كان مسلما إلا أنه
يرد سؤال وهو أن الموصي بهم هم الأصحاب وهم أهل العصر جميعا فمن المراد بالوصية فإن أريد به أوصي بعضكم في بعض فهي من لازم أخوة الإيمان فكل أهل الإيمان في أي عصر كان كذلك ولعل الأظهر أنه يراد أوصيكم أيها الأمة ويراد إبلاغ الأمة من بعد القرون الثلاثة أن يرعوا أهل عصره وتابعيهم وتابعي تابعيهم وأن يعرفوا لهم حق الصحبة والعلم والإبلاغ أو يراد الوصية في شيء خاص وهو تصديقهم فيما يبلغونه عنه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة كما يرشد إليه قوله: "ثم يفششوا الكذب" والمعنى أن الصدق فيهم هو الأصل وإن وقع الكذب فهو نادر وفي لفظ: "يفشو" دلالة عليه فيكون على تقدير هذه المعاني غير دال على أن المدعى من عدالة كل صحابي على رسم الجماهير لها وإنما يكون دليلا علىأن الأصل فيمايروونه الصدق خصيصة لهم من الله تعالى فتحملوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فلا شك أنه وقع في آخر القرن الأول وما بعد من القرون أمراء جورة وفقهاء خونة وسفكت الدماء بغير حقها ويشأ من الإبداع ما يصك الأسماع وهل بدعة الخوارج ونحوها إلا في أثناء القرن الأول فتأمل.
ـــــــــــــــــــ
1 الترمذي 2165, وأحمد 1/26.

"ومن ذلك" أي من الأدلة على عدالة مجهول الصحابة "ماروى عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعين رمضان فقال "تشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله؟" قال نعم قال: " يا بلال إذن في الناس أن يصوموا غدا" رواه أهل السنن الأربع ابن حبان صاحب الصحيح والحاكم أبو عبدالله" في المتسدرك "وقال هو حديث صحيح واحتج به أبو الحسين المعتزلي في المتعمد وذكره الحاكم أبو سعيد في شرح العيون واحتج به الفقيه عبد الله بن زيد العنسي الزيدي في كتاب الدرر" ووجه الدلالة واضح فإنه رجل مجهول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا سأله عن الشهادتين ولم يسأله عن غيرهما فدل على أن مجاهيل ذلك العصر من المسلمين يقبلون وإقراره بكلمة الشهادة لم تخرجه عن الجهالة.
"ويشهد له ما رواه ابن كثير أيضا في إرشاده عن أبي عمير عن أنس عن عمومته من الأنصار أن الناس اختلفوا في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلا لهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا أن يغدوا إلى مصلاهم ورواه بنحوه أحمد وابن ماجه ورواه أحمد أيضا وأبو داود بهذا اللفظ المتقدم وهو لفظ أبي داود من طريق أخرى عن ربعي" بالموحدة ساكنة فعين مهملة "ابن حرش" بكسر الحاء المهملة فراء آخر شين معجمة "عن رجل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ووجه الدلالة ظاهر في قبوله صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابيين إنه أنه قد يقال إنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف عدالتهما وكأنه لهذا جعله شاهدا ولم يجعله دليلا مستقلا.
"ومن ذلك" أي من أدلة قبول مجهول الصحابة "حديث عقبة بن الحارث المتفق على صحته" بين الشيخين "وفيه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمه سودا فقالت قد أرضعتكما" قال "فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني قالت فتنحيت فذكرت ذلك له فقال كيف زعمت أن قد أرضعتكما هذا لفظ البخاري ومسلم وفيه أعتبار خبر هذه الأمة السوداء والتفريق بين زوجين مسلمين بكلامها ولم يأمره بطلاق ولا أخبره أن الطلاق يستحب مع جواز تركه" بل ظاهره أنه أمر بفسخ النكاح بخبر المرأة "وفي رواية الترمذي" لحديث عقبة بن الحارث "أنه زعم أنها كاذبة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عنها" أي عن المرأة التي تزوجها "وهو حديث حسن صحيح وقال ابن عباس تقبل المرأة الواحدة في مثل ذلك" أي في إخبارها بإرضاعها "مع يمينها وبه قال أحمد وإسحاق" ولما كانت اليمين لا دليل عليها في الحديث قال المصنف "قلت: وإنما اعتبروا

اليمين من أجل حق المخلوقين" ويأتي على هذا.
"وكذا منخالف من العلماء في هذه المسألة" وقال لا تقبل المرضعة "إنما خلف من أجل تعلقها بحقوق المخلوقين" فإن القواعد الشرعية قاضية بأنها لا تقبل دعوى على أحد إلا بما أشار إليه قوله "وكون عموم وجوب الإشهاد على كل دعوى واليمين على كل منكر كالمعارضين لهذه الواقعة" فألحقوا بهذا الفرد العام وقد حقق البحث في كتب الأحكام.
"وأما حقوق الله فخبر الواحد مقبول فيه ذكرا كان الواحد أو أنثى وفاقا والله أعلم فهذا" في الأدلة "من الأثر" زاد المصنف في العواصم ما لفظه الرابع وهو أثر صحيح ثابت في جميع دواوين الإسلام بل متواتر النقل معلوم بالضرورة وهو عندي حجة قوية صالحة للاعتماد عليها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا ومعاذا رضي الله عنهما إلى اليمن قاضيين ومفتيين ومعلمين ولا شك أن القضاء مرتب على الشهادة والشهادة مبنية على العدالة وهما لا يعرفان أهل اليمن ولا يخبران عدالتهما وهم بغير شك لا يجدون شهودا على ما تجري بينهم من المخصوصات إلا منهم فلولا أن الظاهر العدالة في أهل الإسلام في ذلك الزمان لما كان إلى حكمهما بين أهل اليمن سبيل.1هـ.
"ومن النظر" عطف على قوله من الأثر أي والأدلة على ما ذكر من النظر "ما ذكره الشيخ أبو الحسين في المعتمد فإنه قال ما لفظه واعلم أنه إذا ثبت اعتبار العدالة وجب أن كان لها ظاهر أن تعتمد عليه وإلا لزم اختبارها وإلا فلا شبيهة في أن بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام وكان الظاهر من المسلم كونه عدلا ولهذا اقتصر صلى الله عليه وسلم على قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال على ظاهر إسلامه واقتصر الصحابة على إسلام من كان يروي الأخبار من الأعراب" .
قلت: لا يخفى أن هذا الدليل من باب الأثر لا من باب النظر وكأن المصنف يريد أن التفصيل الآتي من باب النظر وهو الذي أفاده قوله "فأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الأنسان كونه عدلا فلا بد من اختباره وقد ذكر الفقهاء هذا التفصيل انتهى كلام الشيخ أبي الحسين وقد استوفيت الكلام في هذه المسالة في غير هذا الموضع" .
قد قدمنا قريبا أن المصنف ساق في العواصم زيادة على ثلاثين حجة في ذلك ثم

قال منها أن من النظر أن صدقهم مظنون وفي مخالفته مضرة مظنونة والعمل بالظن من غير خوف مضرة حسن عقلا ومع خوف المضرة المظنونة واحد عقلا وإنما خصصناهم بذلك لما علمنا من صدقهم وأمانتهم في غالب الأحوال والنادر غير معتبر وقد يجوز أن يكذب الثقة ولكن ذلك تجويز مرجوح نادر الوقوع فلم يعتبروا الذي يدل على صدق ما ذكرنا أن أخس طبقات أهل الإسلام من يتجاسر على الأقدام على الفواحش من الزنا وغيره من الكبائر لا سيما فاحشة الزنا وقد علمنا أن جماعة من أهل الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعوا في ذلك من رجال ونساء فهم فيما ظهر لنا أقل الصحابة ديانة وأقلهم آمانة ولكنهم مع ذلك فعلوا ما لإيكاد يفعله أورع المتأخين ومن تحق له منصب الأمانة في زمرة الأولياء والمتقين من بذلهم الروح في مرضاة الله والمسارعة بغير إكراه إلى حكم الله أو إلى حكم الشرع كمثل المرأة التي زنت فجاءت إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم تقر بذنبها وتسأله أن يقيم عليها الحد فجعل عليه السلام يسنثبت في ذلك فقالت: يارسول الله إني حبلى, فأمرها أن تمهل حتى تضع فلما وضعت جاءت بالولد فقالت: يا رسول الله هذا قد ولدته فقال لها: "أرضعيه حتى يتم رضاعته" فأرضعته حتى أتمت مدة الرضاع ثم جاءت به في يده كسرة خبز فقالت: يا رسول الله هذا هو يأكل الخبز فرجمت فانظر إلى عزمها المدة الطويلة على الموت في مرضاة الله تعالى.
وكذلك الرجل الذي سرق فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه أن يقيم عليه الحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده فلما قطعوها قال السارق: الحمد لله الذي أبعدك عنى أردت أن تدخلني النار, ومثل ما روى عن الذي وقع بامرأته في رمضان وحديث الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أتتني امرأة فلم أترك شيئا مما يفعله الرجال بالنساء إلا فعلته إلا أني لم أجامعها وغير ذلك انتهى.
"وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه من علوم الحديث مما يتعلق بأصل الفقه أو" يتعلق "بتفسير اصطلاحهم في وصف الحديث ببعض الأوصاف من" بيانية الأوصاف "الصحة والحسن والغرابة والشهرة وأمثال ذلك" من بيان المرسل والعلة والشذوذ وما تقدم وهو كثير.

[فوائد غزيرة وعلوم عزيزة]
"وفي علوم الحديث قوائد غزيرة" من الغزارة بالمعجمة وهي الكثرة "وعلوم عزيزة" بالمهملة وتكوير الزاي من العزة وهي القلة هنا أي يقل وجودها في غير علوم الحديث "أو دعوها تضاعيف كلامهم في هذا الفن يفما تقدم من أنواعه مما اختصرت منه وفيما بفي مما لم أختصر منه" أي لم يتعرض لذكره "فقد بقي من أواعه كثير" بينهما بقوله "مثل الكلام على" :
"معرفة التابعين" .
جمع تابعي واختلفوا في رسمه فقال الحاكم وغيره التابعي منلقي واحد من الصحابة فأكثر "وطبقاتهم" قال الحاكم في علوم الحديث هم خمس عشرة طبقة آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة ومن لقي عبد الله بن أبي أو في من أهل الكوفة ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة وقيل في عد طبقاتهم غير هذا مما هو مبسوط في مظنته.
"ومعرفة رواية الأكابر عن الأصاغر"
والأصل فيه روايه النبي صلى الله عليه وسلم عن الدارى الجياسة وهو في صحيح مسلم1 وقسموها إلى ثلاثه أقسام :
الأول : أن يكون الراوى أكبر قدرا من المروى عنه لعلمه وحفظه2.
والثاني : أن يكون أكبر سنا3.
والثالث : أن يجتمعا معا وذكروا أمثلة ذلك.
"و" رواية "الأقران بعضهم عن بعض" .
والقرينان عندهم: من إستويا في الإسناد والسن غالبا والمراد به المقارنه قال
ـــــــــــــــــــ
1 4/2262.
2 كرواية مالك وابن أبي ذئب عن شيخهما عبد الله بن دينار وأشباهه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه عن شيخهما عبيد الله بن موسى فتح المغيث للسخاوي 4/166.
3 كرواية كل من الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن تلميذهما الإمام الجليل مالك بن انس في خلق غيرهما ممن روى عن مالك من شيوخه. المصدر السابق 4/165.

الحاكم إنما القرينان إذا تقارنت سنهما وإسنادهما وقد يكتفون بالإسناد دون السن وقسموه إلى قسمين :
أحدهما : ما يسمونه المبج بضم الميم وفتح الدال المهمله ونشيد الموحده آخره جيم وذلك أن يروى كل من الفريقين عن الآخر وألف الدار قطني كتابا حافلا ومثاله رواية عائشه عن أبي هريرة وروايته عنها. والثاني: ماليس بمديح وهو أن يروى أحد القرنيين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما يعلم.
"و" رواية "الأخوة والأخوات بعضهم عن بعض" .
قال زين الدين قد أفرد أهل الحديث هذا النوع
بالتصنيف وهو معرفة الأخوة من العلماء والرواة وصنف فيه على بن المدينى وغيره وعدهم ثلاثه فأربعة فخمسة فستة فسبعة ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاخة إليه في غرضنا ههنا ومثال الأخوين كثير في الصحابة وغيرهم كعبد الله بن مسعود وعتبه بن مسعود وكلاهما صحابيان ومما يستغرب من الأخوين أن موسى بن عبيدة الزيدى بينه وبين أخيه عبد الله بن عبيدة ثمانون سنة في العمر. "وروايه الآباء عن الأبناء وعكسه" صنف فيه الخطيب كتابا حافلاو ذكر روايتة العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل وفيه أمثله كثيرة وصنف الوائلى كتابا في رواية الآباء عن الأبناء وذكر فيه نفائس وأحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وما يشابهه.
"وروابة السابق والللاحق عن الأئمة والحفاظ" .
قال زين الدين ألف الخطيب كتابا سماه السابق واللاحق وموضوعه أن يشترك راوايان في الرواية عن شخص واحد وأحد الراويين والآخر متأخربحيث
يكون بين روايتهما أمد بعيد قال ابن الصلاح: ومن فوائد ذلك نقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب ثم ذكر امثلة لذلك.
"و" روايه "من لم يرو عنه إلا راو واحد" .
قال زين الدين من أنواع علوم الحديث معرفه من لم يرو عنه إلا راوواحد من الصحابة والتابعين ومنن بعدهم وصنف فيه مسلم كتابا المسمى بكتاب المنفردات والحدان وذكر امثلة لذلك كثيرة.

"و" رواية "من عرف بنعوت متعددة" .
أى من ذكر من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء أو الكنى أو الألقاب أو الأنساب إما من جماعة الرواة عنه فعرفه كل واحد منهم بغير ما عرفه الآخر أو من راوواحد فعرفه مرة بهذا ومرة بذاك فيلتبس ذلك على من لامعرفة عنده بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ وإنما يقعل ذلك كثيرا المدلسون وقد نقدم عند ذكر التدليس أن هذا أحد انواعه ويسمى تدليس الشيوخ.
وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدى كتابا نافعا سماه إيضاح الأشكال وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا سماه الموضح لاوهام الجمع والتفريق وسد زين الدين من ذلك أمثله كثيره.
"ومعرفه أفراد الأسماء ومعرفه الأسماء والكنى" جمع كنية "والألقاب" جمع لقب فالأسماء الأعلام والكنى ماصدر بأب وأم ةالقب ما دل على مدح أوذم.
قال الزين: معرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع علوم الحديث صنف فيه جماعة ثم قال وقد مثل ابن الصلاح بجملة من الأسماء ولكني مرتبة على حروف المعجم واقتصرت من ذلك على مثال واحد لكل قسم فمن أمثلة أفراد الأسماء لبي1 بن لبا2 صحابي من بني أسد وكلاهما باللام والباء الموحدة وهو وأبوه فردان فالأول مصغر على وزن أبي بن كعب والثاني مكبر على وزن فتى ومثال أفراد الألقاب مندل بن علي العبري واسمه عمرو ومندل لقب له وهو بكسر اسم وفتحها كما أفاده كلام الزين ومثال الأفراد ف يالكنى أبو معيد بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره دال مهملة واسمه حفص بن غيلان.
تنبيه: من علوم الحديث معرفة أسماء ذوي الكنى ومعرفى كنى ذوي الأسماء وينبغي العناية بذلك فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه فيظن من لا معرفة له بذلك أنهما رجلان وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا فتوهمه بعضهم رجلين كالحديث
ـــــــــــــــــــ
1 لبى: بموحدة كأبي بالتصغير.
2 لبا: بموحدة أيضا كفتى وعصى ضبطه كذلك أبو علي ثم ابن الدباغ وابن الصلاح .
وقيل بضم اللام وتشديد الموحدة ضبطه ابن فتحون في الاستيعاب قال: وكذلك رأيته بخط ابن مفرج فيه وفي ولده معا فتح المغيث للسخاوي 4/210.

الذي رواه الحاكم من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن سداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعا من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة قال الحاكم عبد الله بن سداد هو بنفسه أبو الوليد بينه علي بن المديني قال الحاكم ومن تهاون بمعرفة الأسماء أو ورثه مثل هذا الوهم ولهم في الألقاب تقاسيم وأمثلة ذكرها ابن الصلاح والزين.
"ومعرفة المؤتلف خطا والمختلف لفظا" .
قال الزين من فنون الحديث المهمة معرفة المؤتلف خطا المختلف لفظا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها وينبغي لطالب الحديث أن يعتني بذلك وإلا كثر عناؤه وافتضح بين أهله وصنف فيه جماعة من الحفاظ مكتبا مفيدة وعد الزين من صنف فيه ثم قال والمؤتلف والمختلف ينقسم قسمين أحدهما ما ليس له ضابط يرجع أليه وإنما يعرف بالنقل والحفظ وهو الأكثر والثاني ما يدخل تحت الضبط ثم عد أمثلة كثيرة تبعا لابن الصلاح مثل سلام بتشديد اللام وسلام بالتخفيف فحصروا المخفف وقد أطال زين الدين في منظومته وشرحها في هذه المادة بما يزيد على كراس من القطع الكامل.
"ومعرفة المتفق خطا ولفظا المفترق معنى"
قال الزين ومن أنواع علوم الحديث ما اتفق لفظه وخطه واختلف مسماه وللخطيب فيه كتاب نفيس ثم قال وإنما يحسن إيراد ذلك إذا اشتبه الراويان المتفقان في الإسم لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما أو في الرواية عنهما وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام الأول من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثاله الخليل بن أحمد ستة1 رجال ثم أطال في التقاسيم نظما ونثرا
ـــــــــــــــــــ
1 الأول: اسم جده عمرو بن تميم البصري النحوي صاحب العروض وأول من استخرجه.
الثاني: بصري اسم جده بشر بن المستنير أبو بشر المزني ويقال السلمي.
والثالث: بصري أيضا ويروى عن عكرمة.
والرابع: اسم جده محمد بن الخليل أبو سعيد السجزى الفقيه الحنفي قاضي سمرقند حدث عن ابن خزيمة وابن صاعد والبغوي وغيرهم.
والخامس: اسم جده أيضا محمد بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد البستى المهلبي الشافعي القاضي.
والسادس: اسم جده عبد الله بن أحمد ويكنى أيضا أبا سعيد وهو أيضا بستي شافعي فاشترك مع الذي قبله في أشياء.فتح المغيث للعراقي 4/114. وللسخاوي 4/270: 272.

"ومعرفة تلخيص المتشابه وهو نوع يتركب من النوعين اللذين قبله وهو أن يتفق الإسمان في الخط واللفظ ويفترق اسما أبويهما في بعض ذلك"
وقد طول الزين في هذا مثل الأول بموسى بن علي وموسى بن علي الأول مكبر والثاني مصغر وعد جماعة من ذلك.
ومثل الثاني وهو عكس الأول بسريج ابن نعمان وشيرح بن النعمان وكلاهما مصغر فالأول بالسين المهملة والجيم وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي روى عنه البخاري وأصحاب السنن والثاني بالشين المعجمة والحاء المهملة شريح النعمان الصائدي الكوفي له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم عد من ذلك أسماء كثيرة.
"أو يكون الإتفاق" في الأسماء "في حق الأبوين والاختلاف في حق الإبنين" قد مثلهما الزين وتقريب ابن حجر كافل فيما يحتاج إليه من أمثلة ذلك.
"ومعرفة المشتبه المقلوب"
قال الزين هذا النوع مما يقع فيه الإشتباه في الذهن لا في الخط وذلك بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أب الآخر خطا ولفظا أو اسم الآخر كاسم أب الأول فينقلب على بعض أهل الحديث كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله أبوالوليد بن مسلم كالوليد الدمشقي المشهور وخطأه في ذلك أبو حاتم.
"و" معرفة "من نسب" بالبناء للمجهول "إلى غير أبيه"
قال الزين المنسوبون إلى غير آبائهم على أقسام:
الأول: من نسب إلى أمه كبني عفراء وهي أمهم وأسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني المحار شهد بنو عفراء بدرا وقتل منه فيها أثنان.
والثاني: من نسب على جده عليا كان أو دنيا كيعلي بن منيه1 الصحابي المشهور اسم أبيه أمية بن عبيد ومنية اسم أم أيبه كما قاله الزبير بن بكار وابن ماكولا وقال الطبري إنها أم يعلي نفسه ورجحه المزي ثم عد أمثلة لبقية الأقسام.
ـــــــــــــــــــ
1 منية: بضم الميم ثم نون ساكنةبعدها مثناة تحتانية وهاء تأنيث.

"و" معرفة "المنسوب على خلاف الظاهر"
قال الزين قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان أو قبيلة أو ضيغة وليس الظاهر الذي سبق إلى الفهم من تلك النسبة بمراد بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان أو تلك القبيله أونحو ذلك.
ومثاله أبو مسعود البدرى واسمه عبيد بن عمرو الأنصارى الخزر جى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم ثم ذكر الخلاف في هذا وبقيه أقسام ما ذكره إجمالا. "ومعرفة الميهمات"
هو معرفه من ذكر منهما في الحديث وفي الإسناد من الجال والنساء وقد صنف في ذلك جماعه من الحفاظ وذكر من صنف وذكر أمثلة من ذلك.
"ومعرفه تاريخ1 الرواة والوفاء"
قال الزين2: الحكمه في وضع أهل الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني ليختبروا بذلك من ام يعلموا صحة دعواه كما رويناه عن سفيان الثورى قال لما استعمل الناس الكذب استعملنا لهم التاريخ أو كما قال أطال الزين هنا بذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة ثم بقية العشرة وجماعة من أعيان الصحابة والتابعين والأئمه الستة أصحاب الأمهات وجماعة من المشاهير من أئمة الحديث.
"ومعرفة الثقات والضعفاء"
فإنه من أجل أنواع علوم الحديث فإنه المرقاه إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسيقمه وفيه للأئمة تصانيف منها ماأفرد في الضعفاء وصنف فيه البخاري وغيره ومنها ما أفرد للثقات وصنف فيه ابن حبان وابن شاهين وغيرهما.
ـــــــــــــــــــ
1 تاريخ: التاريخ في اللغة الإعلام بالوقت ويقال: أرخت الكتاب وورخته أي بينت وقت كتابته.
والتاريخ في "الأصطلاح" التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال: من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وغير ذلك. "الإعلان بالتوبيخ" ص 20،19.
2 فتح المغيث 133/4.

"ومعرفة من اختلط من الثقات" قال ابن الصلاح:
هذا فن عزيز مهم لم يعلم أحد أفراده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا قال زين الدين قلت: وبسب كلام ابن الصلاح أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء حدثتا به ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه ثم عد زين الدين جماعة كثيرة من اختلط من الرواة الثقات "ومعرفة طبقات الرواة"
قال الزين من المهمات معرفة طبقات الرواة فإنه قد يتفق إسمان في اللفظ فيظن أحدهما الآخر فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا من طبقتين فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر وربما عرف ذلك بمن فوقه أو دونه من الرواة ثم ذكر ما يحصل به التمييز وذكر طبقات الصحابة وطبقات التابعين جملة.
"ومعرفة الموالي من العلماء والرواة"
من المهمات كما قاله الزين معرفة الموالي من العلماء ولارواة وأهم ذلك أنينسب على القبيلة مولى لهم مع إطلاق النسب فربما ظن أنه منهم صليبة بحكم الظاهر من الأطلاق وربما وقع خلل في الأحكام الشرعية في المشروط فيها النسب كالإمامة العظمي والنكاح ونحو ذلك.
"ومعرفة أو طان الرواة وبلدانهم"
قال الزين مما يحتاج إليه معرفة أوطان الرواة وبلدانهم فإنهم ربما ميز بين الإسمين المتفقين في اللفظ قال وربما حدث للعرب الإنتساب إلى البلاد والأوطان لم اغلب عليها سكني القرى والمدائن وضاع كثير من أنسابها فلم يبق لها غير الإنتساب إلى البلدان وقد كانت العرب تنتسب قبل ذلك إلى القبائل فمن سكن في بلدين وأراد أن ينتسب إليها فليبدأ بالبدلة التي سكنها أولا ثم بالثانية التي انتقل إليها ويحسن أن يأتي بثم في النسبة للبدلة الثانية فيقول المصري ثم الدمشقي ومن كان من أهل قرية من ذي بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا وإلى النحاية التي منها تلك البدلة فمن هو من أهل دار مثلا فله أن يقول الداري والدمشقي والشامي فإذا أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول الشامي الدمشقي الداري
"فعليك أيها الطلب للحديث بالنظر في علوم الحديث والتأمل لما في تضاعيفها من الفوائد والبحث عما ذكروه فيها" في علوم الحديث "من المصنفات الحوافل" بالحاء

المهملة والفاء يقال نحف الوادي إذا جاء بملء جانبيه والمراد هنا التي جاءت بملئها علوما استعارة "فإنهم إنما وضعوه ليبصروك في علومه ويدلوك على ما صنفوا في ذلك لطالبه والحمد لله الذي حفظ بهم الشريعة وكفانا بهم المؤنة نسأل الله أن يجزيهم عن أفضل ما جزى أمثالهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام" بيان لأمثالهم ومنهم المصنف رحمه الله تعالى وجزاه خيرا فلقد أفاد وأجاد وأتى فيما جمعه بما هو غاية المراد اللهم وألحقنا بهم تفضيلا واشملنا في جوارهم تطولا وارزقنا خدمة سنة نبيك أبدا ما أحييتنا ووقفنا على العمل بها وتعظيمها إذا توفيتنا والحمد لله أولا وآخرا حمدا يدوم بدوام الله على جميع نعمه.
قال المصنف رحمه الله انتهى تبييض هذا الشرح من المسودة عقيب صلاة العصر يوم الخميس لعله سادس وعشرين شهر شعبان من شهور سنة 1166 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
قال في الأم المنقول منها إنه فرغ من تحصيلها تاسع شهر جماد أول من شهور سنة 1180
وصلى الله وسلم على النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله الطاهرين في كل وقت وأوان وحين آمين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5