كتاب : إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع
المؤلف:الإمام الشاطبي

على أختيها في المد وتفضيل الياء على الواو والله أعلم وأحكم
(169)
فَإِنْ يَنْفَصِلْ فَالْقَصْرُ (يَـ)ـادّرْهُ (طَ)ـالِباً بِخُلْفِهِماَ (يُـ)ـرْوِيكَ (دَ)رًّا وَمُخْضَلاَ
أي فإن ينفصل المذكور بعضه من بعض والمذكور هو أن يلقى حرف المد همزا ، وهو في اصطلاح القراء على ضربين متصل ومنفصل ، فالمتصل أن يلتقيا في كلمة واحدة وقد سبق ذكره ، والمنفصل أن يلتقيا وحروف المد آخر كلمة والهمز أول كلمة أخرى ويسمى مد حرف لحرف وهذا هو المذكور في هذا البيت ، فالقراء فيه على قسمين منهم من جرى على المد كما في المتصل ، ومنهم من لم يطول المد بل اقتصر على ما في حرف المد من المد الذي فيه إذا لم يصادف همزة فهذا هو الذي عبر عنه بالقصر وسواء في ذلك حرف المد المرسوم في المصحف والذي لم يرسم له صورة نحو (هاأنتم-ويا آدم) لم يرسم في كل كلمة غير ألف واحدة هو صورة الهمزة وألف هاويا محذوفة ونحو صلة هاء الكناية وميم الجمع نحو (به أن يوصل)-(ومنهم أميون) ، يجري الأمر فيه كغيره من المد والقصر على ما تقتضيه مذاهب القراء فالذين قصروا هم ابن كثير والسوسي وكذا قالون والدوري عن أبي عمرو بخلاف عنهما ، والباقون على المد ولم يذكر صاحب التيسير القصر عن الدوري فهو من زيادات القصيدة وقد ذكره غيره على ما نقلناه في الشرح الكبير ، ومنهم من نقل الخلاف عن أبي عمرو نفسه ، ووجه القصر الانفصال لأن لكل كلمة حكم الاستقلال فلم يقو الالتقاء قوته إذا كان في كلمة واحدة ، ومنهم من حكى عن ابن كثير المد في كلمة الشهادة ، وقد ذكر جماعة من المصنفين تفصيلا بين أصحاب المد فجعل بعضهم أطول مدا من بعض ولم يتعرض الشيخ الشاطبي رحمه الله في نظمه لذلك ، وحكى عنه الشيخ أبو الحسن رحمه الله في شرحه أنه كان يرى في المنفصل مدتين طولى لورش وحمزة ووسطى لمن بقي ، ويجوز في قوله فالقصر الرفع والنصب أجود ويرويك جملة مستأنفة أو حال من الهاء في بادره أي بادره طالبا

مرويا فيكون طالبا حالا من الفاعل ومرويا حالا من المفعول نحو لقيته مصعدا منحدرا ، ويجوز أن يكون يرويك جوابا للأمر في بادره ولم يجزمه ضرورة ودرا مصدر في موضع الحال أي دارا ومخضلا عطف عليه وهما حالان من فاعل يرويك العائد على القصر يقال درت الناقة ودر الضرع باللبن يدر ويدر درورا ودرا ، والدر اللبن نفسه أيضا ودرت السماء كثر مطرها ، وأخضلت الشيء فهو مخضل إذا بللته وشيء خضل أي رطب ، والخضل النبات الناعم وكل هذا ثناء على القصر أي بادره يثلج له صدرك بما يدر من فوائده وينسكب من معاني استحسانه ، وهو اختيار المبرد ثم مثل القسمين فقال
(170)
كَجِئَ وَعَنْ سُوءٍ وَشَاءَ اتِّصَالُهُ وَمَفْصُولُهُ في أُمِّهَا أَمْرُهُ إِلَى

أي اتصال الهمز بحرف المد في كلمة واحدة مثل جئ في قوله (وجئ يومئذ بجهنم) ، فهذا مثال الياء ومثله سيء بهم والواو كقوله (أو تعفو عن سوء) ، وثلاثة قروء الألف في نحو شاء وجاء ثم مثل المفصول وهو الالتقاء في كلمتين بقوله سبحانه (في أمها رسولا) ، فهذا مثال الياء ومثله (أولى أجنحة)-(يا بني آدم) والواو نحو (قوا أنفسكم)-(قالوا آمنا) ، ومثل الشاطبي رحمه الله بقوله أمره إلى إعلاما بأن واو الصلة التي لا رسم لها في المصحف كغيرها ، ومثله على قراءة ورش وغيره إنهمو أناس-عليهمو آياتنا-ومثال الألف (لا إله إلا الله)-(إنها إذا جاءت)-(لا أعبد ما تعبدون) ، وضاق على الناظم تمثيل الألف من القرآن في هذا البيت وإن كان حاصلا من جمعه بين المثالين في قوله أمها أمره لأن الغرض تصوير المثال كما أنه في بيت آخر سيأتي مثل بأوهلا في آخر باب الهمز المفرد فقال كآدم أوهلا وليس أوهل في القرآن والهاء في اتصاله ومفصوله لحرف المد ومفصوله مبتدأ وما بعده الخبر على حذف مضاف أي مثل هذا اللفظ وغلط من قال الخبر في الجار والمجرور أي مستقر في المذكور لأن في أمها لم يقصد به في البيت إلا حكاية ما في القرآن وفي نحو قوله تعالى (هؤلاء) مدان مد ألف ها من المنفصل ومد الألف الأخيرة من المتصل فاعلم ذلك والله أعلم
(171)
وَمَا بَعْدَ هَمْزٍ ثَابِتٍ أَوْ مُغَيَّرٍ فَقَصْرٌ وَقَدْ يُرْوَى لِوَرْش مُطَوَّلاَ

أي والذي وقع من حروف المد بعد همز سواء كان ذلك الهمز ثابتا أو مغيرا ويعني بالثابت الباقي على لفظه وصورته وبالمغير ما لحقه نقل أو تسهيل أو إبدال على ما نبينه ، وتقدير الكلام فإن انعكس ما ذكرناه فوقع حرف المد بعد الهمز وهذا لا يكون إلا في المتصل لأن حرف المد لا يقع أول كلمة لاستحالة ذلك من أجل سكونه ، فقوله وما مبتدأ وخبره قوله فقصر أي فهو ذو قصر أو فحكمه قصر ودخلت الفاء لما في المبتدإ من معنى الشرط وهذا القصر لجميع القراء ورش وغيره ولم يذكر ابن مجاهد عن أحد خلاف ذلك ولا عامة كتب العراقيين ثم قال أو قد يروي ذلك لورش مطولا أي ممدودا مدا طويلا قياسا على ما إذا تقدم حرف المد على الهمز ، ونص على المذكور ابن شريح وابن الفحام وصاحب العنوان ومكي والمهدوي وغيرهم من المغاربة والمصريين في مصنفاتهم ووجه القصر عدم المعنى الذي لأجله مد حرف المد إذا تقدم على الهمز والله أعلم
(172)
وَوَسَّطَهُ قَوْمٌ كَآمَنَ هؤُلاَءِ آلِهَةً آتى لِلْإِيمَانِ مُثِّلاَ

أراد وسط المد لورش في ذلك جماعة ليكون المد في هذا النوع أقل منه فيما إذا تقدم حرف المد على الهمز لظهور الفارق بينهما ولم يذكر صاحب التيسير غيره وذكره أيضا أبو علي الأهوازي وغيره ولا مانع من أن يكون لفظ قوم في بيت الشاطبي رحمه الله رمزا لخلاد على اصطلاحه كما قال فيما مضى حمى صفوه قوم فكان ينبغي له أن يأتي بلفظ يزيل هذا الاحتمال نحو أن يقول وبالمدة الوسطى أو يقول ووسطه أيضا كآمن فقد صار لورش ثلاثة أوجه في هذا النوع القصر كسائر القراء والمد المتوسط والمد الطويل ، ثم مثل ما فيه هذه الأوجه بأربعة أمثلة اثنان فيهما الهمز ثابت وهما آمن وأتى وبعد الهمز ألف ومثال ما بعده واو أوحى وأوتي ومثال ما بعده ياء (إيلافهم)-(وإيتاء ذي القربى) ، وإن كان الهمز في بعض ذلك يجوز أن تلقى حركته على الساكن قبله فيصير من باب الهمز المغير نحو (قل أوحي)-(من آمن) ، واثنان من أمثلة الناظم فيهما الهمز مغير أحدهما (لو كان هؤلاء آلهة) ، فقراءة ورش بإبدال همزة آلهة ياء في الوصل بعدها ألف فهي حرف مد بعد همز مغير والثاني للإيمان بنقل حركة همزة إيمان إلى اللام ونحو (جاء آل لوط) ، يسهل ورش همزة آل بين بين فالياء من إيمان والألف من آل بعد همز مغير وبعض من يرى المد لم يذكره بعد الهمز المغير ووجهه عدم الهمز ووجه المد ترك الاعتداد بالعارض فالوجهان جائزان في قصر حرف المد قبل الهمز المغير على ما يأتي في باب الهمزتين من كلمتين فقصر حرف المد بعد الهمز المغير أولى ، ثم إن بعض القائلين بالمد في هذا النوع قد استثنوا له مواضع فلم يمدوها وقد ذكرها الناظم فقال
(173)
سِوى يَاءِ إِسْرَاءيِلَ أَوْ بَعْدَ سَاكِنٍ صَحِيحٍ كَقُرْآنِ وَمَسْئُولاً اسْأَلاَ

في كلمة إسرائيل حرفا مد الألف قبل الهمزة والياء بعدها فمد الألف من باب المتصل ومد الياء من هذا النوع المختص لورش وأكثر ما تجيء كلمة إسرائيل بعد كلمة بني فيجتمع ثلاث مدات مد يا بني من المنفصل وفي إسرائيل مدتان مع طول الكلمة وكثرة دورها فاستثنى مد الياء تخفيفا فترك ، فإن قلت (فجاءوا أباهم) ، فيه أيضا ثلاث مدات فمد الألف قبل الهمزة من المتصل ومد الواو لهمزة أباهم من المنفصل ومدها للهمزة قبلها من النوع المختص لورش ، قلت مدها لما بعدها وما قبلها متحد فتدخلا فلم يبق إلا مدتان وأو في قوله أو بعد ساكن بمعنى الواو كما قال بعد ذلك وما بعد همز الوصل أراد وما بعد ساكن ثم حذف الموصول اكتفاء بصلته يعني واستثنوا من ذلك ما وقع من الهمز الذي بعده حرف مد بعد ساكن صحيح أي ليس بحرف علة مثل جاءوا والموءودة وسوآت والنبيين فإن المد في كل هذا منصوص عليه والذي قبله ساكن صحيح نحو قرآن وظمئان ومسئولا وعللوه بأن الهمزة معرضة للنقل إلى الساكن قبلها وهذه علة فاسدة من وجوه ، الأول أنه ليس من مذهب ورش النقل في كلمة واحدة ، الثاني أنه فيما تحقق فيه النقل يمد نحو للإيمان فما الظن بما يتوهم جواز نقله لغة ، الثالث أنه منقوض بالموءودة فإن النقل فيها سائغ كقرآن وقد نص مكي والداني في كتاب الإيجاز على مدها فعندي أن علة استثنائه مشكلة وأن الناظم نبه على ذلك في قوله اسألا وهو فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ثم أبدل منها ألفا في الوقف كنظائر له سلفت أي اسألن عن علته وابحث عنها واكشفها ثم ذكر باقي المستثنى فقال
(174)
وَمَا بَعْدَ هَمْزِ لْوَصْلِ إيتِ وَبَعْضُهُمْ يُؤَاخِذُكُمُ آلانَ مُسْتَفْهِماً تَلاَ

ما بمعنى الذي مجرورة المحل عطفا على إسرائيل وقوله إيت مثل (آيت بقرآن)-(ايتوا صفا)-(إيذن لي)-(أو تمن) ، إذا ابتدأت بهذه الكلمات ونحوها وقع حرف المد بعد همز الوصل وحرف المد في الجميع بدل من الهمزة التي هي فاء الكلمة من آتى وآذن وآمن ولهذا إذا وصلت الكلمة بما قبلها ذهبت همزة الوصل ونطقت بفاء الكلمة همزة في موضع حرف العلة فوجه ترك المد ظاهر وهو أن أصل أحرف المد همزة ولأن همزة الوصل قبله عارضة ، وذكر بعض المصنفين في مده وجهين وعلة المد النظر إلى صورة الكلمة الآن والإعراض عن الأصل ، واتفقوا على منع المد في الألف المبدلة من التنوين بعد الهمزة نحو خطأ وملجأ وماء وغثاء وأما نحو (رأى القمر)-(وتراء الجمعان)-(وتبوؤا الدار) ، مما حذف منه حرف العلة لساكن بعده في الوصل فإذا وقفت عليه وقفت على حرف العلة ومددته لأجل الهمزة قبله فهذا آخر ما استثنى بعد همز ثابت وهذا آخر باب المد والقصر في كتاب التيسير ، وزاد صاحب القصيدة عليه في هذا الباب من قوله وبعضهم يؤاخذكم إلى آخر قوله وفي واو سوآت البيت إلا أن الداني ذكر مد نحو شيء وسوء في أول البقرة ، ثم ذكر الناظم ما استثنى من هذا النوع بعد همز مغير فلم يمد لورش فقال وبعضهم أي وبعض أهل الأداء استثنى لورش مواضع أخر ليست في كتاب التيسير كالمهدوي ومكي والحصري في قصيدته ومحمد بن شريح في كتاب التذكير قال ولم يمد يواخذكم (وعادا الأولى)-(وآلان) ، في الموضعين في يونس أعني الألف التي بعد اللام وقال أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز أجمع أهل الأداء على ترك زيادة تمكين في قوله (يواخذكم)-(ولا تواخذنا)-(ولا يواخذكم الله) ، حيث وقع وكأن ذلك عندهم من واخذت غير مهموز ، قلت فقد نص الداني على أن استثناء يواخذكم مجمع عليه فكان يلزمه ذكره في كتاب التيسير ثم قال وزاد بعضهم ثلاثة أحرف في آلان في الموضعين في يونس وعادا الأولى في النجم قلت فهذه الثلاثة هي التي جعلها الداني من

استثناء بعضهم فأدخل الشاطبي فيها يؤاخذكم لما رأى بعض المصنفين قد قرنها بهن ولم يذكر استثناء ما تصرف منها وكان يلزمه ذكره لئلا يتوهم تخصيصها بذلك ثم قال آلان مستفهما أي هو من جملة ما استثنى بعضهم وتلا خبر وبعضهم ومستفهما حال من فاعل تلا أي وبعضهم تلا يؤاخذكم كيف ما وقع وآلان في حال استفهامه به وعادا الأولى بغير مد ودل على هذا التقدير كونه يعد في تعداد ما استثنى من الممدود ويجوز أن يكون مستفهما حالا من الآن لما كان الاستفهام فيه ويجوز على هذا أن تكون الهاء مفتوحة أي مستفهما به ، وفيه مدتان لم يبين المستثنى منهما إحداهما بعد همزة الاستفهام ، والثانية بعد اللام وهي المستثناة بين ذلك المهدوي وابن شريح كما نقلناه من كلامه ، ووجه استثنائه استثقال الجمع بين مدتين من هذا النوع المختص بورش في كلمة واحدة ولا نظير لذلك فمد بعد الهمزة الأولى الثابتة وترك المد بعد الثانية المغيرة بالنقل وأما (آلآن خفف الله عنكم) فليس فيه إلا مدة واحدة واحترز بقوله مستفهما عن هذا ونحوه لأن ما لفظ به في البيت يمكن قراءته باستفهام قبضا لخبن مفاعيلن ونظمت أنا بيتا نطقت فيه بما لا يحتمل غير الاستفهام وأدرجت يؤاخذ مع المجمع عليه في الاستثناء على ما ذكره الداني ولم أقيده بالضمير ليشمل المواضع كلها وأوضحت ما بعد همز الوصل بأن ذلك في حال الابتداء وصرحت بالتمثيل بايت فقلت ، (وما بعد همز الوصل بدءا كايت مع يؤاخذ زاد البعض آلان قصر لا) ، أي موضع الاستثناء في آلان قصر لفظها لامها وهو ترك المد بعد الهمزة الثانية المنقول حركتها إلى اللام ففي البيت الذي نظمته خمسة أشياء فاتت بيت الشاطبي رحمه الله وهي تصريح التمثيل بابت وذكر البدء وإدراج يؤاخذ مع المستثنى المتفق عليه وتعريته من الضمير ليعم وبيان موضع المستثنى من الآن ثم تمم المستثنى فقال
(175)

وَعَادً الْأُولى وَابْنُ غَلْبُونَ طَاهِرٌ بِقَصْرِ جَمِيعِ الْبَاب قَالَ وَقَوَّلاَ
لم يسمح له النظم أن يلفظ بعادا الأولى على قراءة ورش فلفظ بها على قراءة حمزة إذا وقف عليها في بعض الوجه ، وأما قراءة ورش فبإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها فلم يمد واو لولى هنا وإن كان يمدها في (سيرتها الأولى) ، لأن الحركة هنا صارت كاللازمة من أجل التنوين فيها فكأن لا همز في الكلمة لا ظاهرا ولا مقدرا فإن وقفت لورش على عادا فتلك في ابتداء لولى مذهبان المد إن لم تعتد بالعارض وتركه إن اعتددت بها ذكرهما المهدوي وقوله وابن غلبون مبتدأ وطاهر عطف بيان ميزه بذلك من أبيه كل واحد منهما يقال له ابن غلبون وكلاهما من علماء القراءات المصنفين فيها فالأب مصنف كتاب (الإرشاد) وشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب وهو أبو الطيب عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبي نزيل مصر وابنه أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم وهو مصنف كتاب التذكرة وشيخ صاحب التيسير وقوله يقصر جميع الباب متعلق بقال وقال هو خبر المبتدإ أتى بذلك وأخذ به وعنى بجميع الباب كل ما كان حرف المد فيه بعد همز ثابت أو مغير وقولا عطف على قال أي وقول ورشا بذلك أي جعله هو المذهب له وما سواه غلطا ووهما قد قرر ذلك في كتاب التذكرة فأحسن وما قال به ابن غلبون هو الحق وهو اختيار ناظم القصيدة في ما أخبرني الشيخ أبو الحسن عنه رحمهما الله تعالى ، وغلبون اسم مشتق من الغلبة وهو في الزنة كحمدون من الحمد وسعدون من السعد واستعمله الناظم هنا غير منصرف وفي باب الهمز المفرد منصرفا والنظم يحتمل الأمرين ، وقد نقل ابن برهان في شرح (اللمع) عن أبي علي أن حمدون يمتنع صرفه ووقع في نظم المتنبي حمدون مصروفا وغير مصروف في بيت واحد فقال ابن جني في شرحه ترك صرف حمدون ضرورة وقد أجازه الكوفيون فدل هذا الكلام على أن رأي ابن جني فيه الصرف فتحصلنا على وجهين في حمدون وغلبون مثله

فالصرف رأي أبي الفتح وتركه رأي شيخه أبي علي رحمه الله والله أعلم
(176)
وَعَنْ كُلِّهِمْ بِالْمَدِّ مَا قَبْلَ سَاكِنٍ وعِنْدَ سُكُونِ الْوَقْفِ وَجْهَانِ أُصِّلا
أي وما وقع من حروف المد قبل ساكن فحكمه المد عن كل القراء فهذه الجملة معطوفة على قوله وما بعد همز ثابت أو مغير فقوله ما قبل ساكن ما فيه بمعنى الذي وهي مبتدأ خبره أحد الجارين قبله مع مجروره وبالمد وعن كلهم فأيهما قدرته خبرا علقت الآخر به فإن جعلت الخبر بالمد كان التقدير والذي قبل ساكن مقروء بالمد عن كلهم وإن قلت الخبر عن كلهم قدرت مرويّ عن كلهم بالمد ولولا الباء في بالمد لكان ما قبل ساكن مفعولا به ، واعلم أن الساكن الواقع بعد حرف المد تارة يكون مدغما وتارة غير مدغم والمدغم على ضربين واجب الإدغام لغة وجائزه فالواجب نحو (دابة)-(والصاخة)-(والطامة)(والضالين)-(وأتحاجوني)-(والذكرين) (والطامة - والضالين - وأتحجونى - وآلذكرين (آلله خير) والجائز نحو (الكتاب)-(الأبرار لفي)-(نصيب برحمتنا) على قراءة أبي عمرو (ولا تعاونوا) ، على قراءة البزي والساكن غير المدغم نحو ما يأتي في فواتح السور (وآلآن) في موضعي يونس وكذا (واللاءي)-(ومحياي) ، في قراءة من أسكن وكذا ما يأتي في قراءة ورش من الإبدال في نحو (ءأنذرتهم)-(وشاء أنشره) ، وشرط الإدغام المذكور أن يكون في كلمة أو واقعا بعد التقاء الكلمتين كما مثلنا من قراءتي أبي عمرو والبزي فإن كان الإدغام في الكلمة الثانية سابقا لالتقائهما مستمرة حاله على ذلك فإن حروف المد تحذف حينئذ ولا يقنع بالمد فيها نحو (إذا الشمس كورت)-(وقالوا اتخذ)-(والمقيمي الصلاة) ، وكذا الساكن غير المدغم نحو (وإذا الجبال)-(وقالوا الحمد لله)-(ومنهم من خسفنا به الأرض) ، فقوله ما قبل ساكن ليس على إطلاقه بل يختص بما كان من ذلك في كل ما يعد كلمة واحدة ، قوله وعند سكون الوقف ، يعني إذا كان الساكن بعد حرف المد إنما سكنه الوقف وقد

كان محركا فسكونه عارض فهل يمد لأجله لأنه سكون في الجملة أو لا يمد نظرا إلى عروض السكون ويكتفي بما في حرف المد من المد فيه وجهان وذلك نحو (المصير)-(ويؤمنون)-(والألباب) ، وذلك أيضا عام لجميع القراء وإنما قال سكون الوقف ولم يقل وعند الوقف احترازا من الروم فلا مد مع الروم ويمد مع الإشمام لأنه ضم الشفتين بعد سكون الحرف ، ثم إذا قيل بالمد فهل هو مد متوسط أو مشبع فيه وجهان ، وذكر الشيخ وغيره أن الناظم أشار إلى هذين الوجهين بقوله وجهان أصلا أي جعلا أصلا يعتمد عليه وأشار بقوله أصلا إلى وجه ثالث وهو الاختصار على ما في حرف المد من المد ولا يظهر لي أنه أراد بالوجهين إلا القصر والمد لأنه ذكر المد لما قبل ساكن ولم يبين طوله ولا توسطه وقال بعد ذلك وعند سكون الوقف وجهان أصلا فعلم أنه المد وضده وهو القصر ولو كان أشار إلى الطول والتوسط لكان ممدودا بلا خلاف وإنما الخلاف في المقدار والمد لا يفهم من عبارته في نظمه فالظاهر ما ذكرته لكن ما ذكره الشيخ يقويه ما يأتي في شرح البيت الآتي وقوله أصلا تنبيه على الوجوه الثلاثة كأنه قال اختلف في مده وقصره بالنظر إلى أصل الكلام في ذلك ، ثم إذا قيل بالمد فهل هو مشبع أو متوسط فيه وجهان ولا يمتنع أن يكون أصلا رمزا لنافع فهو لفظ موهم كما ذكرناه في ووسطه قوم وقوله قبل ذلك وعن كلهم لا يدفع هذا الإبهام لاحتمال أن يقال الذي هو عن كلهم هو غير سكون الوقف ثم لا فرق في حرف المد بين أن يكون مرسوما نحو (قال) أو غير مرسوم نحو (الرحمن) ، أو كان بدلا من همزة نحو (الذئب)-(ويؤت) والرأس ، واختار أبو الحسن الحصري وجه القصر في سكون الوقف لأنه كسائر ما يوقف عليه مما قبله ساكن صحيح نحو (والعصر) و(خسر) و(الصبر) ، فما الظن بما قبله حرف مد فقال في قصيدته التي نظمها في قراءة نافع ، (وإن يتطرف عند وقفك ساكن فقف دون مد ذاك رأيي بلا فخر) ، (فجمعك بين الساكنين يجوز إن وقفت وهذا من كلامهم

الحر)
(177)
وَمُدَّ لَهُ عِنْدَ الْفَوَاتِحِ مُشْبِعاً وَفي عَيْن الْوَجْهَانِ وَالطُّولُ فُضِّلاَ
له أي للساكن لأن كلامه في البيت السابق فيما يمد قبل الساكن فكأنه قال ويمد لأجل الساكن أيضا في موضع آخر وهو فواتح السور ومشبعا حال من فاعل مد ويجوز بفتح الباء على معنى مدا مشبعا فيكون نعت مصدر محذوف ويجوز في دال مد الحركات الثلاث ، والفواتح جمع فاتحة وهي الأوائل ومنه سميت فاتحة الكتاب وعنى بها أسماء حروف التهجي التي تبتدأ بها السور نحو كاف قاف نون لام ميم سين إذ لا مد في فاتحة سورة لأجل ساكن إلا فيها وفي (والصافات)-(والحاقة) ، وذلك قد علم مما قبل ، وقوله عند الفواتح أي فيها وبحضرتها كما قال في الباب السابق ويأته لدى طه ولا بعد في أن يتجوز بحضرة الشيء عن الشيء وهذا المد أيضا لجميع القراء ولأن السكون لازم قال مشبعا كمدا دابة بخلاف المد لسكون الوقف ، ومنهم من اختار تفضيل مد المدغم على غيره ففضل مد لام من ألف لام على مد ميم ، ومنهم من سوى فإن تحرك الساكن نحو ميم أول آل عمران لجميع القراء وأول العنكبوت على قراءة ورش ففي المد وجهان ظاهران ، والأقيس عندهم المد وترك الاعتداد بالعارض ، ثم قال وفي عين الوجهان يعني في لفظ عين من حروف الفواتح وذلك في (كهيعص)-(وعسق) ، وإنما أعرب آخرها وكسر ونون وكان الوجه أن ينطق بها على لفظها ساكنة من أجل أن الشعر لا يجمع فيه بين ساكنين ، ولما انتفى هذا المانع في ألف طه نطق بهن على لفظهن في البيت الذي يأتي ، ولو قال في عينها الوجهان لكان أيضا جيدا أي في عين الفواتح ، وظاهر كلامه أن الخلاف في مد عين لجميع القراء لأن السابق كذلك وهو اختيار مكي ، ونص المهدوي وابن شريح أن ذلك مختص بورش ، ووجه الخلاف انفتاح ما قبل الياء فلم يقو المد فيها قوته في الياء لينكسر ما قبلها ، وقوله الوجهان الألف واللام فيه للعهد أي الوجهان المذكوران في المد لسكون الوقف في البيت قبله

هما في عين مطلقا وصلا ووقفا ، ثم قال والطول فضلا يعني المد في عين لأنه لاجتماع الساكنين مع أن الثاني ليس بعارض بخلاف سكون الوقف ، ويحتمل أنه عنى أن الطول فضل في عين وفي المد لسكون الوقف لشبه الجميع بباب دابة ولا نظر إلى عروض السكون في الوقف ، والأولى أن يكون قوله الوجهان إشارة إلى إشباع المد وهو المراد بالطول وإلى عدم إشباع المد مع أنه لا بد من المد فلهذا قال والطول فضلا يعني الإشباع ولم يقل والمد فضلا لأن المد في الوجهين
(178)
وَفي نَحْوِ طهَ الْقَصْرُ إِذْ لَيْسَ سَاكِنٌ وَمَا فِي أَلِفْ مِنْ حَرْفِ مَدٍ فَيُمْطَلاَ
أي إذ ليس فيه ساكن فيمد حرف المد لأجله فوجب القصر في كل ما كان من حروف الهجاء على حرفين وذلك خمسة أحرف حا. را. طا. يا. ها. وأما ألف فآخره ساكن ولكن ليس فيه حرف مد وقوله فيمطلا أي فيمد وكل ممدود ممطول يقال مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا ضربتها بعد ما حميت في النار ومددتها لتطول ومنه اشتقاق المطل بالدين لأنه مد في المدة ونصب فيمطلا في جواب النفي بالفاء ، فقد تحرر من هذين البيتين أن حروف الفواتح على أربعة أقسام الأول ما هو على ثلاثة أحرف والتقى فيه حرف المد والساكن وقبل حرف المد حركته المجانسة له فهو ممدود بلا خلاف وذلك في سبعة أحرف للألف أربعة صاد قاف كاف لام وللياء اثنان سين ميم وللواو واحد نون ، القسم الثاني مثل ذلك إلا أنه عدم مجانسة الحركة للحرف ففي مده خلاف وهو حرف واحد وهو عين والثالث والرابع المذكوران في هذا البيت لا مد فيهما لفقد الساكن في حا وأخواتها ولفقد حرف المد في ألف والله أعلم
(179)
وَإِنْ تَسْكُنِ الْيَا بَيْنَ فَتْحٍ وَهَمْزَةٍ بِكَلِمَةٍ أَوْ وَاوٌ فَوَجْهَانِ جُمِّلاَ

يعني إذا كان قبل الياء والواو فتح وبعدهما همزة في كلمة واحدة نحو (كهيئة-وسوأة) فلورش في مد ذلك وجهان جميلان وهذا هو مد المتصل بعينه الذي تقدم في أول الباب لم يعدم من شرطه إلا كون حرف المد ليس حركة ما قبله من جنسه فصار هذا من الممدود لأجل الهمز بمنزلة (عين)-(وجرين) ، في الممدود لأجل الساكن والمتصل بمنزلة لام ميم ، وكان الأولى وصل الكلام في هذا الفصل بالكلام في المتصل والمنفصل لأنه كله من باب واحد وهو مد حرف المد لهن بعده ثم يذكر مده لهمز قبله ثم يذكر مده للساكن بعده ويقسمه إلى مدغم وغير مدغم مبينا ما يحذف حرف المد لأجله مما يمد على ما سبق تفصيله إلى فواتح وغير فواتح وإلى ما يمد وصلا ووقفا وإلى ما يمد وقفا لا غير ولكن لما لم يكن ذلك في التيسير في هذا الباب أخره إلى الفراغ من نظم ما في التيسير والجيم من قوله جملا يجوز أن تكون رمزا لورش ولا يضر ذلك تسميته في البيت الآتي فهو كما يتكرر الرمز فهذا أولى ، ويجوز أن يكون أتى به لمجرد الوصف واستغنى بالتسمية عن الرمز والتقدير ففيه وجهان فحذف خبر المبتدإ للعلم به ثم بين الوجهين فقال
(180)
بِطُولٍ وَقَصْرٍ وَصْلُ وَرْشٍ وَوَقْفُهُ وَعِنْدَ سُكُونِ الْوَقْفِ لِلْكُلِّ أُعْمِلاَ

وصل ورش ووقفه مبتدأ وخبره بطول وقصر أي الوجهان له في الوصل والوقف لأنه لما مد ذلك وصلا كان ذلك من باب مد المتصل وكل من مد المتصل وصلا مده وقفا لوجود الهمز الموجب لذلك والمراد بالوجهين المد المشبع والمتوسط ، نص على ذلك المهدوي وغيره ونبه على ذلك بقوله بطول أي بتطويل المد والقصر عدم تطويل المد مع بقاء أصل المد ولولا إرادته لهذا المعنى لقال بمد وقصر فوجه الإشباع جعله كالمتصل ووجه التوسط حطه عن تلك الرتبة قليلا لضعفه عن ذلك بانفتاح ما قبله وقد بين ذلك الحصري في قصيدته فقال ، (وفي مد عين ثم شيء وسوءة خلاف جرى بين الأئمة في مصر) ، (فقال أناس مده متوسط وقال أناس مفرط وبه أقرى) ، فإن قلت كيف عبر الناظم رحمه الله عن المد المتوسط بلفظ القصر وهلا كان المفهوم منه عدم المد مطلقا كما استعمله بهذا المعنى في قوله فيما تقدم فإن ينفصل فالقصر وقوله وفي نحو طه القصر ، قلت كأنه قال بمد طويل ومد قصير ، ووجه التعبير عنه بالتوسط أنه مذهب بين مذهبين الإفراط في المد وعدمه الذي هو لسائر القراء لأن الياء والواو متى ما انفتح ما قبلهما لم يكن فيهما مد وإن كانا قابلين له لو فعل فيهما لأجل همز أو ساكن كما سيأتي ، والدليل على أنهما لا مد فيهما له إجراؤهما مجرى الحروف الصحيحة في إدغامهما في مثلهما نحو (عصوا وكانوا)-(وآووا ونصروا) ، واخشي يا هند ، وإذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فلا إدغام لما فيهما من المد فجاز أن يعبر عن ذلك المد بالقصر أي لا يزداد عليه وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما ، ووجه قراءة ورش أن العرب أعطتهما وإن انفتح ما قبلهما حكم ما لم ينفتح في إدغام ما هما قبله نحو ثوب بكر ودويبة ، وفي اجتماع النوعين ردفا في الشعر ولا يدغمان في مقاربهما ولا ينقل إليهما حركة الحرف الموقوف عليه في نحو زيد وعون من لغته النقل في بكر ونصر

وذلك للمد المقدر فيهما فينزل منزلة الحركة ، ثم قال وعند سكون الوقف أراد أن يبين حكم الياء والواو المفتوح ما قبلهما عند لقائهما للساكن بعد أن بين حكمهما عند الهمز وهذا كما ذكر حكم حروف المد واللين عند الهمز ثم ذكر حكمهما عند الساكن وقد تقدم ، يعني إذا وقعت الياء والواو المفتوح ما قبلهما قبل حرف سكن للوقف همزة كان أو غيره فالوجهان المذكوران وهما المد المشبع والمتوسط أعملا لجميع القراء نحو شيء وسوء وميت وخوف ، وأعملا بمعنى استعملا كقول نابغة بني شيبان ، (أمدح الكاس ومن أعملها وأهج قوما قتلونا بالعطش)
(181)
وَعَنْهُمْ سُقُوطُ الْمَدِّ فِيهِ وَوَرْشُهُمْ وَمَنْ أَعْمَلَهاَ يُوَافِقُهُمْ فِي حَيْثُ لَا هَمْزَ مُدْخَلاَ

ذكر وجها ثالثا عن القراء وهو عدم المد في حرف اللين قبل الساكن للوقف فصار لهم فيه ثلاثة أوجه ووافقهم ورش عليها في الوقف على كل ما لا همز فيه نحو (رأي العين)-(وإحدى الحسنيين) و(فلا فوت) و(الموت) ، فيكون له أيضا ثلاثة أوجه ، وأما ما كان ساكنة همزة نحو شيء وسوء فله فيه الوجهان المقدمان وقفا ووصلا لأن مد ورش هو لأجل الهمز لا لأجل سكون الوقف وهذه الأوجه الثلاثة في الوقف هنا هي الأوجه التي سبقت في حروف المد واللين عند سكون الوقف ولم ينص ثم على وجه سقوط المد ، وفي نصه عليه هنا تنبيه على ذلك ، واحترز أيضا بقوله هنا وعند سكون الوقف عن الوقف بالروم فلا مد فيه كما سبق في حروف المد واللين إلا في روم الهمزة فالمد باق لورش وحده لأجل الهمز فقد بان لك أن حرف اللين وهو الياء والواو المفتوح ما قبلهما لا مد فيه إلا إذا كان بعده همز أو ساكن عند من رأى ذلك فإن خلا من واحد منهما لم يجز مده فمن مد عليهم وإليهم ولديهم ونحو ذلك وقفا أو وصلا أو مد نحو (الصيف) و(البيت) و(الموت) و(الخوف) ، في الوصل فهو مخطئ ، وقوله مدخلا نعت لما قبله والألف فيه للإطلاق إن قدرناه مبنيا على الفتح كموصوفه وهي بدل من التنوين إن قدرناه منصوبا منونا وكلاهما جائز في صفة اللفظ المفرد المبني بعد لا وخبر لا محذوف تقديره لا همز فيه أي يوافقهم في مكان عدم الهمز والله أعلم
(182)
وَفِي وَاوِ سَوْآتٍ خِلاَفٌ لِوَرْشِهِمْ وَعَنْ كُلٍ الْمَوْءُودَةُ اقْصُرْ وَمَوْئِلاَ

هذا الخلاف هو سقوط المد والمد ، فإن قلنا بالمد على الوجهين في طوله وتوسطه فوجه المد ظاهر ، ووجه تركه النظر إلى أصل ما تستحقه هذه الواو وهو الفتح لأن ما وزنه فعلة بسكون العين جمعه فعلات بفتحها كتمرات وجفنات وأسكن حرف العلة تخفيفا ، ويقال ترك مدها لئلا يجمع بين مدتين في كلمة واحدة مقتضيهما ضعيف لأن مد ما قبله فتح ضعيف ومد ما بعد الهمز ضعيف كما سبق ولهذا جاء في الكل بخلاف اجتماع المدتين في نحو (جاءوا)-(والنبيين) ، فإن المد قبل الهمز مجمع عليه فلم يكن في الكلمة مد مقتضيه ضعيف غير واحد وهو ما بعد الهمز ، فإن قلت كيف يمد ما بعد الهمزة في سوآت وقبل الهمز ساكن وليس من أصل ورش مد ذلك كما تقدم ، قلت لأن الواو حرف علة والمانع هو الساكن الصحيح على أن الواو وإن كانت ساكنة لفظا فهي متحركة تقديرا على ما بيناه فلوحظ الأصل في ترك مدها في نفسها وفي مد ما بعد الهمزة فالعلة واحدة والحكم مختلف فيهما ولهذا ألغز الحصري هذه الكلمة في أبيات له قد ذكرناها والجواب عنها من نظم جماعة من المشايخ في الشرح الكبير وأطلق لفظ سوءات ليتناول ما أضيف إلى ضمير التثنية وإلى ضمير الجمع نحو (بدت لهما سوآتهما)-(يواري سوآتكم) وأما (الموءودة) ، فأجمعوا على ترك المدة في واوها الأولى لأن الثانية بعد الهمزة ممدودة فلم يجمع بين مدتين والتزم ذلك فيها خلاف (سوآت) لثقل مد الواو والهمزة المضمومة بخلاف الهمزة المفتوحة ومد الألف بعدها وأما موئلا فترك مده مشاكلة لرءوس الآى لأن بعده موعدا ، وقد ذكر فيه في (الموءودة) علل أخر ضعيفة تركت ذكرها هنا اختصارا وهي مذكورة في الشرح الكبير والله سبحانه أعلم وهو على كل شيء قدير
باب الهمزتين من كلمة
(183)
وَتَسْهِيلُ أُخْرَى هَمْزَتَيْنِ بِكِلْمةٍ (سَمَا) وَبِذَاتِ الْفتْحِ خُلْفٌ (لِـ)تَجْمُلاَ

لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان في النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها ، فلهذا سمي تخفيفها تسهيلا ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع الإبدال والنقل وجعلها بين بين وتجتمع الأنواع الثلاثة في باب وقف حمزة وهشام وللنقل باب مختص به والإبدال له باب الهمز المفرد وهو يقع في المتحركة والساكنة ، وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا في المتحركة وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهل بين بين ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا ولفظ التسهيل وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى إلا أنه قد صار في اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردده في كلامهم كالمختص ببين بين أي تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها وقد بين ذلك في آخر الباب الذي بعد هذا ، ثم الهمزة الأولى في هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتي قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه في مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو (قل أؤنبئكم)-(قل ءأنتم أعلم)-(قل أئنكم لتكفرون) ، وهذا سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، وأخرى بمعنى أخيرة أي الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهي الثانية والأصل الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى ، (ولقد مننا عليك مرة أخرى) ، ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى (وأن عليه النشأة الأخرى) ، وقال تعالى في موضع آخر (ثم الله ينشيء النشأة الآخرة) ، فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى في قوله تعالى (ولقد علمتم النشأة الأولى) ، وقال تعالى أيضا (قالت أخريهم) و(قالت أولاهم لأخراهم) ، أي الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة ومنه قوله جاء بي في أخريات الناس أي أواخرهم ولا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، فالهمزة الأخيرة من همزتين وهي الثانية تسهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة وبين الهمزة والياء إن

كانت مكسورة وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وسما خبر قوله وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ تسهيل وهو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين أي كائنتين بكلمة كقولك بيت رجل ذي علم مقصود ويجوز أن تجعل بكلمة صفة تسهيل أي وتسهيل واقع بكلمة في همزة ثانية سما أي ارتفع شأنه وظهر وجهه وعليه أكثر العرب واختارته الأئمة من أهل العربية لأنهم إذا كانوا يستثقلون الهمزة المفردة فيخففونها بجميع أنواع تخفيفها فما الظن بما إذا اجتمعت مع همزة أخرى وقراءة باقي القراء بتحقيق الهمزة الثانية كالأولى فضد التسهيل تركه وهو إبقاء الهمز على حاله وهذا الخلاف مختص بالهمزة المتحركة لأنها هي التي يمكن جعلها بين بين ، أما إذا كانت ساكنة فإبدالها واجب على ما يأتي في موضعه ، قوله وبذات الفتح أي وبالهمزة الأخيرة ذات الفتح على حذف الموصوف أي وبالهمزة المفتوحة خلف لهشام في التسهيل والتحقيق واللام في لتجملا رمز لهشام والضمير فيها يرجع إلى الهمز أو إلى الكلمة وهو متعلق بالتسهيل لأنه مصدر أي وسهلت الهمزة الأخيرة لتجمل لأن تسهيلها يخفف النطق بها فهو جمال لها ولا يتعلق بالاستقرار المتعلق به وبذات الفتح لأنه ليس في الخلف جمال لها والجمال الحسن وقد جمل الشيء بالضم فهو جميل وسيأتي لهشام تسهيل موضع من المكسورة وموضعين من المضمومة بخلاف عنه فيهما كما أن الخلاف عنه في المفتوحة لكنه استوعبها بالتسهيل لثقل اجتماع المثلين وليس في كتاب التيسير والعنوان والمستنير غيره وكذا ذكر ابنا غلبون ومكي والمهدي وابن شريح وذكر له التحقيق ابن مجاهد والنقاش وصاحب الروضة ، وممن لم يذكر له إلا التحقيق أبو معشر وابن مريم والشيخ أبو محمد البغدادي وهو رواية إبراهيم بن عباد عن هشام ، وذكر الوجهين أبو علي الأهوازي وابن رضوان وابن الفحام

والحافظ أبو العلا الهمداني والله أعلم
(184)
وَقُلْ أَلِفاً عَنْ أَهْلِ مِصْرَ تَبَدَّلَّتْ لِوَرْشٍ وَفي بَغْدَادَ يُرْوَى مُسَهَّلاَ
ألفا مفعول تبدلت أي تبدلت الهمزة الثانية المفتوحة ألفا لورش قل ذلك عن أهل مصر أي انقله عنهم وانسبه إليهم والضمير في يروى عائد على المذكور وهي الهمزة بالصفة المتقدمة أي يروي ذلك مسهلا أي بين بين كما سبق وهي رواية العراقيين وغيرهم وإنما ذكر يروي بعد تأنيث تبدلت والضمير فيهما للهمزة لأجل قوله مسهلا ثم رجع إلى التأنيث في البيت الآتي فقال وحققها في فصلت فالتأنيث الأصل والتذكير على تأول يروي ذلك كما تقدم أو يروي الهمز والتسهيل هو الوجه المختار الجاري على القياس ، وأما البدل في مثل هذا فلا يكون إلا سماعا لأنه على خلاف قياس تخفيف الهمز على ما سيأتي بيانه في باب وقف حمزة ، وقد قيل إنه لغة لبعض العرب فعلى هذا إن كان بعد الهمز الثانية المبدلة ساكن طول المد لأجله نحو (ءأنذرتهم) ، أخذا من قوله وعن كلهم بالمد ما قبل ساكن وعلى رواية التسهيل لا مد لأن المسهلة بزنة المحققة ، وقيل يمد لأن المسهلة قريبة من الساكنة ولهذا لا تبتدأ بها وليس في القرآن متحرك بعد الهمزتين في كلمة سوى موضعين الذي في هود وهو قوله تعالى (ءألد وأنا عجوز) و(ءأمنتم) في تبارك ، فهذه أصول مطردة لمن حقق أو سهل أو أبدل تأتي في جميع المواضع ، ثم ذكر التي خرج فيها بعضهم عن أصله وكان الخلاف فيها غير الخلاف المقدم ذكره وهي تسعة مواضع في طريقته وبعضهم زاد عليها وإنما ذكرها صاحب التيسير في سورة فقال
(185)
وَحَقَّقَهَا فِي فُصِّلَتْ (صُحْبَةٌ) ءأَعْجَمِيٌّ وَالأولَى أَسْقِطَنَّ (لِـ)ـتُسْهِلاَ

أي وحقق الهمزة الثانية التي هي ذات الفتح في حرف فصلت صحبة فقرءوا (ءأعجمي) ، وخالف ابن ذكوان وحفص أصلها فسهلاها كما يقرؤها ابن كثير وأسقط هشام الأولى فقرأ على لفظ الخبر أي هو أعجمي وعربي أو والرسول عربي أو يكون معنى الاستفهام باقيا وإن سقطت همزته للعلم بها من قرينة الحال كنظائر له فيتفق حينئذ معنى القراءتين والاستفهام هنا للإنكار ، ويجوز أن يكون قوله-أعجمي-بدلا من حرف فصلت أو عطف بيان له ، وفصل بينهما بفاعل حققها وهو صحبة وضرورة ولك أن تجعله خبرا مبتدإ محذوف أي هو ءأعجمي ، وقوله لتسهلا أي لتركب الطريق السهل أو لتسهل اللفظ بإسقاطها ثم إن الناظم رحمه الله بعد ذكره لحرف فصلت أتبعه ما وقع فيه الخلاف بعده فلهذا ذكر ما في الأحقاف ونون ثم ذكر ما قبل فصلت على الترتيب فقال
(186)
وَهَمْزَة أَذْهَبْتُمْ فِي الأَحْقَافِ شُفِّعَتْ بِأُخْرَى (كَـ)مَا (دَ)امَتْ وِصَالاً مُوَصَّلاَ

شفعت أي جعلت شفعا بزيادة همزة التوبيخ عليها ابن كثير وابن عامر يقرآنها بهمزتين وكل واحد منهما على أصله من التحقيق والتسهيل وإدخال الألف بينهما على ما يأتي فالتحقيق لابن ذكوان ، ولهشام التسهيل وإدخال الألف ولابن كثير التسهيل من غير ألف ولم أر في تصانيف من تقدم الناظم من ذكر لهشام التحقيق هنا فإن كان فالمد معه ولكن ليس هذا مما يؤخذ قياسا ألا ترى أن ابن عامر بكماله شفع في نون مع التسهيل كما يأتي ، وظاهر نظم الشاطبي أن وجه التحقيق لهشام يجري هنا لإطلاقه القول في ذلك وإجماله له مع أنه بين الذي في سورة ن وللحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله كتاب مستقل في إيضاح مذاهب القراء في الهمزتين الملتقيتين في كلمة أو كلمتين متفقتين أو مختلفتين فحكى فيه عن ابن ذكوان في (ءأذهبتم) ، وجهين أحدهما تحقيق الهمزتين والثاني بهمزة ومدة ، قال واختلف أصحاب هشام عنه فروى الحلواني عنه بهمزة مطولة قال يعني أنه حقق همزة الاستفهام وسهل همزة القطع بعدها فجعلها بين بين وأدخل ألفا فاصلة بينهما طردا لمذهبه في سائر الاستفهام ، وقال أحمد ابن يونس حدثنا هشام عن أصحابه عن ابن عامر-أأذهبتم-بهمزتين ولم يذكر فصلا بينهما ، قلت ولم يذكر تحقيقا ولا تسهيلا والظاهر التسهيل توفيقا بين الروايتين ويصدق على ذلك إطلاق عبارة الهمزتين ، قال الداني وقياس رواية إبراهيم بن عباد عن هشام أن يحققها ويفصل بألف بينهما وقوله كما دامت نعت لمصدر محذوف أي شفعت تشفيعا دائما دواما كدوام همزة-أذهبتم-في نفسها أي ثابتا ثباتا كثباتها ، والمعنى أن ثبات التشفيع في قراءة ابن عامر وابن كثير كثبات همزة أذهبتم لا تبرح ولا تذهب أو شفعت بأخرى دائمة كدوامها فتواصلا وصالا موصلا ينقله بعض القراء إلى بعض ، وقيل كما دامت كذلك مشفعة بهمزة التوبيخ مواصلة لها في مواضع كثيرة نحو (ءأشفقتم) ، ويؤيده قوله في آخر السورة (أليس هذا بالحق) ولا يمتنع الاستفهام بطريق التوبيخ

عما وجد وكان كقوله تعالى (أكفرتم بعد إيمانكم)-(أكذبتم بآياتي) ، ووجه القراءة على الخبر ظاهر والله أعلم
(187)
وَفِي نُون فِي أَنْ كَانَ شَفعَ حَمْزَةٌ وَشُعْبَةُ أَيْضاً وَالدِّمَشْقِي مُسَهِّلاَ
أي وفي حرف نون ثم أبدل منه قوله في أن كان بإعادة حرف الجر يريد قوله تعالى (أن كان ذا مال وبنين) ، أي لا تطعه لأن كان ذا مال ومن زاد همزة الإنكار فمعناه ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه فحمزة وأبو بكر وهو شعبة عن عاصم زادا همزة وحققاهما على أصلهما والدمشقي وهو ابن عامر زاد همزة وسهل الثانية أي وشفع الدمشقي في حال تسهيله ، خالف أصله فسهل هذا الموضع بلا خلاف وهشام يدخل ألفا بين الهمزتين على أصله كما يأتي وابن ذكوان يقرأ هنا كابن كثير في غير هذا الموضع ، وذكر صاحب التيسير في سورة فصلت قال على أن بعض أهل الأداء من أصحابنا يأخذ لابن ذكوان بإشباع المد هنا يعني في-ءأعجمي-وفي ءأن كان ذا مال قياسيا على مذهب هشام قال وليس ذلك بمستقيم من طريق النظر ولا صحيح من جهة القياس وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه
(188)
وَفِي آلِ عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ كَثِيرِهِمْ يُشَفَّعُ أَنْ يُؤْتَى إِلَى مَا تَسَهَّلاَ
أي مضافا إلى ما تسهلا في مذهبه أي أنه وإن شفع (أن يؤتى أحدا) ، فهو يسهل الثانية على أصله وقراءة الباقين في هذه المواضع الثلاثة أذهبتم وأن كان وأن يؤتى بعدم التشفيع وهو الإتيان بهمزة واحدة وصاحب التيسير يعبر عن مذهب من سهل في هذه المواضع بهمزة ومدة ومراده بين بين والله أعلم
(189)
وَطه وفِي الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا بِهَا ءَآمَنْتُمُ لِلكُلِّ ثَالِثًا ابْدِلاَ

أي وطه بها وفي الأعراف والشعراء لفظ آمنتم وقيل بها أي بهذه السور الثلاث على زيادة في من قوله وفي الأعراف ووجه الكلام وطه والأعراف والشعراء بها ءآمنتم ولو قال مع الأعراف لما احتاج إلى هذا التكلف وثالثا نصب على التمييز وقد تقدم على عامله وفي جواز مثل ذلك خلاف النحويين ولو قال ثالثه أبدلا لخلص من ذلك وظهر المراد ولكن فيه وصل همزة القطع ومثل ذلك في التمييز قولك زيد ضربته ظهرا لأن الظهر بعضه وكذا ثالث حروف-أآمنتم-بعضها وقيل هو نصب على الحال أي أبدل همزة في حال كونه ثالثا ولا دليل على هذا بل الضمير في أبدل يعود إلى المذكور وهو أآمنتم وأصل آمن أأمن بهمزة ثانية ساكنة ثم دخلت همزة الترفيع فاجتمعت ثلاث همزات فأبدلت الثالثة ألفا بلا خلاف لسكونها وانفتاح ما قبلها والثانية مختلف في تسهيلها على ما سنذكر فعلى قراءة من سهلها يكون قد اجتمع همزتان مخففتان ليس بينهما حاجز وقد جرى بمجلس أبي محمد مكي ذكر اجتماع همزتين مخففتين في القرآن ليس بينهما حاجز في قراءة ورش فأجاب بأربعة أوجه اثنان منها نقلت حركة الأولى إلى ساكن قبلها والثانية مسهلة بين بين أو مبدلة نحو (قل أأنتم)-(من آمن) ، والثالث منها الأولى بين بين والثانية مبدلة وهي (أآمنتم)-(آلهتنا خير) والرابع نحو (من السماء آية)-(وهؤلاء آلهة) ، الأولى من آية وآلهة مبدلة ياء وبعدها ألف منقلبة من همزة والله أعلم
(190)
وَحَقَّقَ ثَانٍ (صُحْبَةٌ) وَلِقُنْبُلٍ بِإِسْقَاطِهِ الأُولى بِطه تُقُبِّلاَ

أي وحقق الهمزة الثانية من أآمنتم صحبة على أصولهم وسهلها الباقون بين بين ومن أبدل لورش الثانية في نحو ءأنذرتهم ألفا أبدلها أيضا ألفا ثم حذفها هنا لأجل الألف التي بعدها نص عليه أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز فتبقى قراءة ورش على هذا على وزن قراءة حفص بإسقاطه الهمزة الأولى كما يأتي فلفظهما متحد وأخذهما مختلف ، واعلم أن كل من أسقط الهمزة الأولى حقق الثانية أيضا وهو حفص في المواضع الثلاثة وقنبل في طه كما يأتي فليس تحقيق الثانية من خصائص صحبة إلا بتقدير اجتماعها مع الأولى فإذا سقطت الأولى فالثانية في قراءة صحبة صارت أولى لمن أسقط الأولى ومدلول صحبة هم حمزة والكسائي وأبو بكر وقال ثان لأنه أراد الحرف ولم ينصبه ضرورة كما قال الآخر لعلي أرى باق على الحدثان وقنبل أسقط الأولى في طه وحقق الثانية فقرأ على لفظ الخبر ، وفيه أيضا معنى التقريع والتوبيخ وإن انحذفت همزته كما يبقى معنى الاستفهام بعد حذف همزته لأن قرينة الحال دالة عليها والضمير في تقبلا للفظ أآمنتم أي تقبل هذا الحرف لقنبل بسبب إسقاطه الأولى منه بسورة طه وقيل الضمير في تقبل يعود إلى الإسقاط وليس بشيء
(191)
وَفي كُلِّهَا حَفْصٌ وَأَبْدَلَ قُنْبُلٌ فِي اْلأَعْرَافِ مِنْهَا الْوَاوَ وَالْمُلْكِ مُوْصِلاَ

أي وفي المواضع الثلاثة أسقط حفص الهمزة الأولى كما فعل قنبل في طه وأبدل قبنل في سورة الأعراف منها أي من الأولى واوا لأن ما قبلها ضمة في (قال فرعون) ، والهمزة المفتوحة بعد الضمة إذا أريد تسهيلها قلبت واو وفي سورة الملك (ءأمنتم من في السماء) ، أبدل أيضا قنبل من همزتها الأولى واوا كذلك لأن قبلها (وإليه النشور) ، والهمزة الثانية في الموضعين يسهلها بين بين على أصله وهو في التي في الشعراء يقرأ كما يقرأ من يحقق الثانية فقد غاير في قراءته بين المواضع الثلاثة في الهمزة الأولى فأسقطها في طه وأبدلها في الأعراف وأثبتها في الشعراء وحكم ما في الملك حكم ءأنذرتهم وشبهه لأن ليس فيها إلا همزتان ولم يكن له حاجة بذكر التي في الملك هنا فإنها ليست بلفظ هذه الكلمة ولأنه قد أفرد لها بيتا في سورتها فلو قال هنا في الأعراف منها الواو في الوصل موصلا بفتح الصاد من موصلا لكان أولى وأبين وقوله موصلا بكسر الصاد حال من قنبل أي أبدل الأولى موصلا لها إلى ما قبلها احترز بذلك من الوقف على فرعون أو النشور فإنه لو ابتدأ بما بعدهما لم يكن إبدال لانفصال الضمة من الهمزة والناظم رحمه الله يستعمل كثيرا في هذه القصيدة موصلا بمعنى واصلا كما يأتي في البقرة والنمل ، وفيه نظر فإن موصلا اسم فاعل من أوصله إذا بلغه ويقال وصله به ومنه الواصلة للشعر ويقرن لفظ الوصل بالإيصال ، ووجه الاعتذار له أنهما يتلاقيان في المعنى لأن الشيء إذا أوصلته إلى الشيء فقد وصلته به ، وكان يمكنه من جهة وزن الشعر أن يقول واصلا ولكنه عدل عنه تجنبا للسناد الذي هو عيب من عيوب القوافي وهو تأسيس بعضها دون بعض
(192)
وَإِنْ هَمْزُ وَصْلٍ بَيْنَ لاَمٍ مُسَكِّنٍ وَهَمْزَةِ الاِسْتِفْهَامِ فَامْدُدْهُ مُبْدِلاَ

هذه مسألة ليست في كتاب التيسير في هذا الباب وإنما ذكرها في سورة يونس تبعا لذكر نقل الحركة لنافع في (آلآن) ، ولم يجعل هذه المسألة أصلا فلم يذكرها هنا ولا في سورة الأنعام لأنها مما أجمع القراء عليه ولم توضع كتب القراءات إلا لبيان الحروف المختلف فيها لا المتفق عليها ولكن جرت عادة أكثر المصنفين أن يذكروا في بعض المواضع من المتفق عليه ما يشتد إلباسه بالمختلف فيه ليحصل التمييز بينهما وهذا الموضع من ذلك القبيل ومنه ما ذكر في آخر باب الهمز المفرد والإدغام الصغير ومسألة (لا تأمننا) ، في يوسف وغير ذلك ، قوله وإن همز وصل يعني وإن وقع همز وصل فحذف الفعل ولم يذكر له مفسرا ظاهرا وكذا في قوله في الباب الذي بعد هذا وإن حرف مد قبل همز مغير ولا بد بعد إن الشرطية من وقوع صريح أو مقدر بمفسر ظاهر نحو (وإن أحد من المشركين استجارك) ، ومن العجز من شعر الحماسة ، (إن ذو لوثة لاثا ) ، ووجه ما ذكره أن الظرف في البيتين دال على المفسر وهو ما يتعلق الظرف به فالتقدير وإن همز وصل وقع بعد لام إلى آخره وإن حرف مد وقع قبل همز مغير وأراد أن همزة الوصل التي دخلت على لام التعريف إذا دخل عليها همزة الاستفهام أبدلت ألفا ومدت لأجل سكون اللام بعدها وكان القياس أن تحذف همزة الوصل لأنه استغنى عنها بدخول همزة الاستفهام عليها كما في قوله (أفترى على الله كذبا) في سورة سبأ (أصطفى البنات على البنين) ، ولكن في لغة العرب الفرق بينهما لأنها لو حذفت مع لام التعريف لاقتبس الاستفهام بالخبر لأن همزة الوصل فيه مفتوحة كهمزة الاستفهام وهي في (أفترى-وأصطفى)مكسورة ففتح همزتها دليل على أنها للاستفهام لا للخبر فأعرضت العرب عن حذف همزة الوصل مع لام التعريف إذا دخل الاستفهام عليها وأبدلتها ألفا والهاء في قوله فامدده لهمز الوصل وكذا في قوله ويقصره في البيت الآتي وهو مجاز فإن الهمزة لا تقبل المد ولا القصر كسائر الحروف غير حروف العلة

الثلاثة ولكن أطلق عليه صفة ما يبدل منه وهو الألف ومبدلا حال ولو كان بفتح الدال لقوى هذا المعنى ، ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس كأنه أراد فأبدله مادا أي حرف مد وهذا هو حقيقة المعنى المراد وجملة ما وقع في القرآن من ذلك ستة مواضع متفق عليها وهي (آلذكرين) ، موضعان في الأنعام (آلآن) ، موضعان في يونس وفيها (آلله أذن لكم) وفي النمل (آلله خير) ، وفي يونس موضع سابع مختلف فيه وهو (آلسحر إن الله سيبطله) ، فهو في قراءة أبي عمرو من هذا الباب وهو في قراءة الباقين خبر والله أعلم
(193)
فَلِلْكُلِّ ذَا أَوْلى وَيَقْصُرُهُ الَّذِي يُسَهِّلُ عَنْ كُلِّ كَآلانَ مُثِّلاَ
أي فهذا الوجه أولى لكل القراء أي إبدال همزة الوصل هنا ألفا أولى من تسهيلها بين بين كما ذكر بعضهم عن كل القراء أيضا لأن همزة الوصل لا قدم لها في الثبوت فتسهل والقائل بالتسهيل لا يمد لأن المسهلة بزنة المحققة فلم يجتمع ساكنان بدليل اتزان الشعر في نحو قوله ، (أأن رأت رجلا أعشى أضر به ) ، سواء أنشدت الثانية محققة أو مسهلة بين بين مع أن بعدها نونا ساكنة ، ويحتمل أن يقال بالمد على مذهب التسهيل تخريجا من الوجه المحكي في أول الباب على قراءة ورش وهذا في مد يكون فاصلا بين المسهلة والساكن بعدها أما المد الذي يفصل بين المحققة والمسهلة لثقل اجتماعهما على ما سيأتي فلا جريان له هنا على مذهب التسهيل وقد بينه في البيت الآتي وقوله عن كل يتعلق بيسهل أو بيقصر وقوله كالآن خبر مبتدإ محذوف أي وذلك كالآن ، ثم استأنف جملة خبرية بقوله مثلا ، أي حصل تمثيل ذلك بما ذكرناه قال بآلان مثلا لكان المعنى ظاهرا ولم يحتج إلى هذه التقديرات والله أعلم
(194)
وَلاَ مَدَّ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ هُنَا وَلاَ بِحَيْثُ ثَلاَثٌ يَتَّفِقْنَ تَنَزُّلاَ

هنا يعني في هذا الذي سهلت فيه همزة الوصل أي من مذهبه المد بين الهمزتين على ما سيأتي لا يفعل ذلك هنا لأن همزة الوصل لا قدم لها في الثقل لأن ثبوتها عارض وحقها الحذف في الوصل وكذلك لا مد بين الهمزتين في كلمة اجتمع فيها ثلاث همزات وذلك لفظان (أآمنتم) في الأعراف وطه والشعراء (أآلهتنا خير) ، في الزخرف فالهمزة الثالثة مبدلة ألفا بإجماع على ما تقدم بيانه وسيأتي أيضا في سورة الزخرف والثانية مختلف في تحقيقها وتسهيلها ولم يمد أحد بينهما وبين الأولى خوفا من ثقل الكلمة باجتماع همزتين بينهما همزة وقيل لئلا يجمعوا بين أربع ألفات وليس في ذلك اللفظ أربع ألفات وإنما فيه همزتان وألفان نعم في الخط ألفان هما صورة الهمزتين وقوله بحيث ثلاث ثلاث مرفوع بالابتداء ولا يجوز جرها بإضافة حيث إليها لأن حيث إنما تضاف إلى الجمل لا إلى المفردات وقد شذ ما لا قياس عليه ويتفقن صفة ثلاث والخبر محذوف أي مجتمعة وقد كثر حذف الخبر بعد حيث لدلالة الكلام عليه ولا يكون يتفقن خبرا لئلا يبقى الابتداء بنكرة من غير وجود شرطها وإدخال الباء على حيث كإدخال من عليها في نحو (ومن حيث خرجت) ، ونصب تنزلا على التمييز أي اتفق نزولهن والله أعلم
(195)
وَأَضْرُبُ جَمْعِ الْهَمْزَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ ءأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ أَئِنَّا أَنْزِلاَ

أي أن اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة يأتي في القرآن على ثلاثة أضرب ثم بينها بالأمثلة والهمزة الأولى مفتوحة في الأضرب الثلاثة والثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة وكان الأولى تقديم هذا البيت في أول الباب وإنما احتاج إلى ذكر هذا التقسيم ليبنى عليه الخلاف في المد بين الهمزتين كما سيأتي وموضع قوله (أءنذرتهم) ، وما بعده رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره أمثلتها كذا وكذا على حذف حرف العطف وأم لم تتمة لقوله -أأنذرتهم-احتاج إليها الوزن الشعر ولا مدخل لها في الأضرب الثلاثة فقوله أأنذرتهم في سورة البقرة ويس مثال المفتوحتين (أئنا لتاركوا آلهتنا) ، ونحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة والأولى مفتوحة وقوله أءنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة والأولى مفتوحة في الجميع ولا تكون إلا همزة الاستفهام والله أعلم
(196)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (حُـ)ـجَّةٌ بِـ(ـهَا) (لُـ)ـذُّ وَقَبْلَ الْكَسْرِ خُلْفٌ لَهُ وَلاَ
أي قبل ذات الفتح وذات الكسر يعني أن أبا عمرو وقالون وهشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة وقبل المكسورة وحجة خبر قوله ومدك على تقدير حذف مضاف أي ذو حجة وهي إرادة الفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما ولأن الأولى ليست من بنية الكلمة ففصل بينهما ءايذانا بذلك ولهذا ضعف المد في كلمة أئمة لأن الأولى من بنية الكلمة وهي لغة فاشية قال ذو الرمة ، (آأنت أم أم سالم ) ، بهالذ أي الجأ إليها وتمسك بها ثم قال ، وقبل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتي ذكره والهاء في له يعود على الحلف والولا النصر أي لكل وجه دليل ينصره والله أعلم
(197)
وَفي سَبْعَةٍ لاَ خُلْفَ عَنْهُ بِمَرْيَمٍ وَفي حَرْفَيِ الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا الْعُلاَ

لا خلف لهشام في مد هذه السبعة أو يكون التقدير وفي مد سبعة لا خلف عنه ثم بينها بما بعدها أي هي بمريم أو يكون قوله بمريم بدلا من قوله وفي سبعة لأن معنى مريم أي بمريم لا خلف عنه في المد وكذا في حر في الأعراف وما بعد ذلك والذي في مريم قوله تعالى (أئذا مامت) ، وفي الأعراف موضعان (أئنكم لتأتون)-(أئن لنا لأجرا) وفي الشعراء (أئن لنا لأجرا) ، والعلا نعت السور الثلاث فهذه أربعة مواضع من السبعة ثم قال
(198)
أَئِنَّكَ آئِفْكاً مَعًا فَوْقَ صَادِهَا وَفي فُصِّلَتْ حَرْفٌ وَبِالخُلْفِ سُهِّلاَ

يريد قوله تعالى في والصافات (أئنك لمن المصدقين)-(أئفكا آلهة) ، أي وفي أءنك أئفكاً وقوله معاً حال منهما كما تقول جاء زيد وعمرو معا أي مصطحبين أي إنهما في سورة واحدة فوق صادها وهي سورة الصافات وفي قوله معا يوهم أن أئفكا موضعان كقوله (نعما) ، معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام والضمير في صادها لسور القرآن وفوق ظرف للاصطحاب الذي دل عليه معا ، أي اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار أي ولا خلف في مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها وفي فصلت خلف وهو (أئنكم لتكفرون) ، وبالخلف سهلا أي روي عن هشام تسهيله ولم يسهل من المكسور وغيره وفي جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون والأحقاف وأأعجمي وأأمنتم ولم يذكر صاحب التيسير في حرف فصلت لهشام غير التسهيل ولم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق ، فإن قلت من أين يعلم أن لهشام المد في هذه المواضع السبعة بلا خلاف وكل واحد من الأمرين محتمل لأنه ذكر الخلاف له في المد قبل المكسور واستثنى هذه المواضع فمن أين تعلم المد دون القصر ، قلت هذا سؤال جيد ، وجوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح والكسر ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا في سبعة فلو لم يذكر الخلف في المكسورة لأخذنا له المد في الجمع عملا بما ذكر أولا فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء فكأنه قال يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا في سبعة مواضع فمعناه أنه يمد فيها لأن الاستثناء من النفي إثبات على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال والله أعلم
(199)
وَآئِمَّةً بِالخُلْفِ قَدْ مَدَّ وَحْدَهُ وَسَهِّلْ (سَمَا) وَصْفاً وَفي النَّحْوِ أُبْدِلاَ

لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره ولأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون وذلك أن أئمة جمع إمام وأصله أئمة على وزن مثال وأمثلة ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت وأدغم الميم في الميم فمن حقق فعلى هذا وهم الكوفيون وابن عامر على أصولهم ومن سهل أيضا فهو على أصله وهم مدلول سما إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن ولا نظر إلى كون الحركة عارضة فإن ذلك الأصل مرفوض ، وقوله أئمة مفعول مقدم بالخلف أي مدها مدا ملتبسا بالخلف ووصفا تمييز أي سما وصف التسهيل ، ثم قال وفي النحو أبدلا أي رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء في أئمة نص على ذلك أبو علي في الحجة والزمخشري في مفصله ووجهه النظر إلى أصل الهمزة وهو السكون وذلك يقتضي الإبدال مطلقا وتعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشري أهل النحو في ذلك واختار مذهب القراء فقال في تفسيره في سورة براءة في قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر) ، فإن قلت كيف لفظ أئمة ، قلت همزة بعدها همزة بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن مقبولة عند البصريين ، قال وأما التصريح بالياء فليس بقراءة ، ولا يجوز أن تكون ومن صرح بها فهو لاحن محرف ، قلت ولم يذكر صاحب التيسير إبدالهما ياء ولا ذكر مسألة أئمة في هذا الباب وإنما ذكرها في سورة براءة ولفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد والضمير في قوله أبدلا للمسهل المفهوم من قوله وسهل وهو الهمز المكسور ، وقال ابن جنى في باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص ومن شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائي أئمة بالتحقيق فيهما فالهمزتان لا تلتقيان في كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو سأال وسأار وجأار ، وأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا وليس لحنا وذلك نحو قرأ أبوك و (السفهاء ألا)(ويمسك السماء أن

تقع على الأرض)-(وأنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم) ، فهذا كله جائز عندنا على ضعف لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه في خطاء وبابه
(200)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الضَّمِّ (لَـ)ـبَّى (حَـ)ـبِيبُهُ بِخُلْفهِمَا (بَـ)رَّا وَجَاءَ لِيَفْصِلاَ
مضى الكلام في المد قبل الفتح والكسر ثم ذكر المد قبل الضم فنص على أن لهشام وأبي عمرو خلافا في ذلك ولم يذكر عن قالون خلافا في المد وقد ذكره ابن الفحام في تجريده وأما أبو عمر فالمشهور عنه ترك المد ولم يذكر له صاحب التيسير غيره وذكره غيره ، وأما هشام فله ثلاثة أوجه اثنان كالوجهين عن أبي عمرو والثالث فصله في البيت الآتي والهاء في حبيبه تعود إلى المد أي لباه حبيبه ويكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله في قراءته فأجابه بالتلبية والقبول له وبرا حال من حبيبه أي لباه في حال بره وشفقته عليه أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له والبر والبار ، بمعنى واحد وهو ضد العاق المخالف والضمير في جاء للمد أي جاء المد للفصل بين الهمزتين
(201)
وَفي آلِ عِمْرَانَ رَووْا لِهِشَامِهِمْ كَحَفْصٍ وَفي الْبَاقِي كَقَالُونَ وَاعْتَلاَ

فصل في هذا البيت الوجه الثالث الذي لهشام ، وشرحه أن يقال إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع وجاءت لبعضهم في موضع رابع ، أما الثلاثة ففي آل عمران (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) وفي ص (أؤنزل عليه الذكر) وفي القمر (أؤلقى الذكر عليه) والرابع في الزخرف (أءشهدوا خلقهم) ، على قراءة نافع وحده وسيأتي في سورته والباقون بهمزة واحدة فلا مد فيه لغير نافع ، ومذهب هشام في الثلاثة على ما في التيسير أنه في آل عمران بلا خلاف فإنه قال وهشام من قراءتي على أبي الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما في آل عمران ويسهل الثانية ويدخل قبلها ألفا في الباقيتين كقالون والباقون يحققون الهمزتين في ذلك وهشام من قراءتي على أبي الفتح كذلك ويدخل بينهما ألفا ، فقد اتفق الشيخان أبو الحسن وأبو الفتح على التحقيق في آل عمران وعلى المد في ص والقمر واختلفا في المد في آل عمران والتسهيل في ص والقمر فتكون قراءة هشام في ص والقمر كقراءته (أئنكم) في فصلت مد بلا خلاف وتسهيل بخلاف فيكون قد فعل في المكسورة في بعض مواضعها وجماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما في التيسير ، وصوابه أن يقال لهشام في هذه الثلاثة ثلاثة أوجه ، القصر التحقيق في الجميع وهذا الوجه ذكره صاحب الروضة وغيره وهو من زيادات هذه القصيدة ، والوجه الثاني المد في الجميع مع التحقيق وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الفتح فارس بن أحمد وهو شيخه الذي ذكره في آخر باب التكبير ، والوجه الثالث التفصيل القصر والتحقيق في آل عمران والمد والتسهيل في الباقيين وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الحسن طاهر بن غلبون الذي سبق ذكره في باب المد والقصر فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو في أنه يمد في الجميع ولا يمد فلهذا أدرجه الناظم معه فقال في البيت الأول بخلفهما ثم ذكر لهشام الوجه الثالث في البيت الثاني ولو أنه نظم مقتصرا على ما في

التيسير لقال ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة ، (ومدك قبل الضم بر حبيبه بخلف هشام في الثلاثة أصلا) ، (ففي آل عمران يمد بخلفه وفي غيرها حتما وبالخلف سهلا) ، أي مد حتما بلا خلاف والله أعلم
باب الهمزتين في كلمتين
(202)
وَأَسْقَطَ الأُولَى في اتِّفَاقِهِمَا مَعًا إِذَا كَانَتَا مِنْ كِلْمَتَيْنِ فَتَى الْعُلاَ
فتى العلا فاعل أسقط يعني ولد العلا وهو أبو عمرو بن العلاء أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح والكسر والضم وهذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبي عمرو بإسقاط الهمزة ، ثم منهم من يرى أن الساقطة هي الأولى لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا ومنهم من يجعل الساقطة هي الثانية لأن الثقل بها حصل ، والذي نقله النحاة عن أبي عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق والمختلف جميعا ، قال أبو علي في التكملة أهل التحقيق يحققون إحداهما فمنهم من يخفف الأولى ويحقق الثانية ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الثانية وهو الذي يختاره الخليل ويحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة نحو آدم وآخر فكذلك إذا كانتا من كلمتين ، قال الخليل رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول في قوله (يا ويلتي أألد) ، قال العبدي في شرحه مذهب أبي عمرو تخفيف الأولى ، ومذهب الخليل تخفيف الثانية والقراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه وذلك أنهم يقولون الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين وإذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه ، قال وقياس قول أبي عمرو المحذوفة هي الأولى لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين ، قلت ومن فوائد هذا الاختلاف ما يظهر في نحو (جاء أمرنا) ، من حكم المد فيه ، فإن قيل الساقطة هي الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل ، وإن قيل هي الثانية كان المد من قبيل المتصل ، وقد نص مكي في كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هي الأولى ، ثم إن القارئ لأبي عمرو إذا وقف على جاء فإنه يمد

ويهمز فإن الحذف إنما يكون في الوصل لأن الاجتماع إنما يحصل فيه ، ولم أر أن النحويين ذكروا لغة الإسقاط ، ووجهها على ما نقله القراء أن من مذهب أبي عمرو الإدغام في المثلين ولم يمكن هنا لثقل الهمز غير مدغم فكيف به مشددا مدغما فعدل الإسقاط واكتفى به ، وقوله وقوله معا حال من ضمير التثنية الذي أضيف إليه الاتفاق لأنه بمنزلة قولك اتفقا معا ولا فائدة لقوله معا في هذا الموضع إلا مجرد التوكيد كما لو قال كليهما وفي غير هذا الموضع معا يذكر لفائدة سننبه عليها في الباب الآتي والهاء في اتفاقهما عائدة على الهمزتين في قوله في أول الباب السابق وتسهيل أخرى همزتين ثم مثل صورة الاتفاق فقال
(203)
كَجَا أَمْرُنَا مِنَ السَّماَ إِنَّ أَوْلِيَا أُولئِكَ أَنْوَاعُ اتِّفَاقٍ تَجَمَّلاَ
فمثل المفتوحتين بقوله تعالى جاء أمرنا والمكسورتين بقوله في سبأ (من السماء إن في ذلك) ، والمضمومتين بقوله في الأحقاف (أولياء أولئك) ، وليس في القرآن العزيز غيره ولفظ بالأمثلة الثلاثة على لفظ قراءة أبي عمرو فالهمزة المسموعة في جاء أمرنا هي أول أمرنا ومثله (ثم إذا شاء أنشره) ، الهمزة أول أنشره لأنها همزة قطع فإن اتفق بعد ما آخره همزة همزة وصل حذفت فتبقى الهمزة المسموعة هي آخر الكلمة الأولى لجميع القراء (فمن شاء اتخذ)-(فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) ، الهمزة آخر شاء وآخر الماء ، وقوله أنواع خبر مبتدإ محذوف أي هي أنواع اتفاق تجمل أي تزين ، ثم بين مذهب قالون والبزي فقال
(204)
وَقَالُونُ وَالْبَزِّيُّ في الْفَتْحِ وَافَقَا وَفي غَيْرِهِ كَالْياَ وَكَالْوَاوِ سَهَّلاَ
أي وافقا أبا عمرو في ذواتي الفتح فأسقطا الأولى منهما وفي غير الفتح جعلا المكسورة كالياء والمضمومة كالواو أي سهلا كل واحدة منهما بين بين فجمعا بين اللغتين
(205)
وَبِالسُّوءِ إِلاَّ أَبْدَلاَ ثُمَّ أَدْغَمَا وَفِيهِ خِلاَفٌ عَنْهُمَا لَيْسَ مُقْفَلاَ

يعني قوله تعالى في سورة يوسف (إن النفس لأمارة بالسوء) ، خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين لأن لغة العرب في تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتي ذكرهما في باب وقف حمزة وهشام ، أحدهما أن تلقى حركة الهمزة على الواو وبحذف الهمز وهذا لم يقرأ به لهما وهو الوجه المختار في تخفيف همز ذلك وقد نبه عليه مكي رحمه الله في التبصرة ، والثاني أن تبدل الهمزة واوا وتدغم الواو التي قبل الهمزة فيها وهذا الوجه هو المذكور لهما في هذا البيت أي أبدلا الهمز واوا ثم أدغما فيها الواو التي قبلها وإنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة لأن النقل يؤدي هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة فتصير مثل قول وهو مرفوض في اللغة وقول بالتشديد مستعمل وهو أخف من قول ولعل سببه حجز الساكن بين الضمة والكسرة ، وقد فعل قالون نحو ذلك في لفظ النبي في موضعين في سورة الأحزاب لأنه يهمز لفظ النبي وقبل الهمز ياء فأبدل الهمزة ياء وأدغم فيها الياء التي قبلها وذلك متعين ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء لأنها زائدة بخلاف الواو هنا وهذا سيأتي ذكره في سورة البقرة إن شاء الله تعالى ثم قال وفيه أي وفي تخفيف بالسوء خلاف عن قالون والبزي ليس مقفلا أي ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه أي ممنوعا لا يوصل إليه بل هو مشهور معروف في كتب مصنفة منها التبصرة لمكي وإن كان صاحب التيسير ما ذكره ولم يذكر هذه المسألة إلا في سورتها والخلاف المشار إليه أنهما قرآها بين بين على أصلهما ولا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة على ما يأتي فالواو قريبة منها والله أعلم ، قال مكي ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة قال والأحسن الجاري على الأصول إلقاء الحركة ولم يرو عنه ويليه في الجواز الإبدال والإدغام وهو الأشهر عن قالون وهو الاختيار لأجل جوازه والرواية قال فأما البزي فقد روي عنه الوجهان

أيضا والاختيار الإبدال والإدغام لجريه على الأصول ، قلت فهذا آخر الكلام في مذهب من يخفف الهمزة الأولى إما بإسقاط وإما بتسهيل ، وذلك في الوصل فلو وقف عليها لحققت الهمزة وسنذكر ذلك أيضا في سورة البقرة بتوفيق الله تعالى
(206)
وَالأُخْرَى كَمَدٍّ عِنْدَ وَرْشٍ وَقُنْبُلٍ وَقَدْ قِيلَ مَحْضُ المَدِّ عَنْهَا تَبَدَّلاَ
مذهب أبي عمرو وقالون والبزي كان متعلقا بالهمزة الأولى ومذهب ورش وقنبل يتعلق بالثانية لأن الثقل عندها حصل وهي المرادة بقوله والأخرى وروي عنهما في تسهيلها وجهان أحدهما جعلها بين بين لأنها همزة متحركة ما قبلها كذلك قياس تسهيلها وهو المراد بقوله كمد والوجه الثاني لم يذكر في التيسير وهو أن تبدل حرفا ساكنا من جنس حركتها وهو مذهب عامة المصريين كما فعلوا ذلك في المفتوحتين في كلمة واحدة إلا أن البدل هنا عام في المفتوحة والمكسورة والمضمومة لأنه أمكن إبدال المكسورة ياءا ساكنة والمضمومة واواً ساكنة لأن حركة ما قبلهما من جنسهما ولم يمكن ذلك في كلمة واحدة لأن قبلهما فتحا وبعدهما ساكنا والهمز المتحرك المتحرك ما قبله لا يبدل إلا سماعا وهذا المراد بقوله محض المد قالوا وأما (جاء آل) ، فالبدل فيه ممتنع والتسهيل متعين خوفا من اجتماع ألفين ، قلت وأي مانع في ذلك إذا اجتمع ألفان زيد في المد لهما لو حذف إحداهما كما ذكر هذان الوجهان لحمزة في وقفه على مثل يشاء ومن السماء وهو قوله فيما يأتي ويقصر أو يمضي على المد أطولا إلا أنه اغتفر ذلك في وقف حمزة لتعينه وأما (جاء آل) فلنا عنه مندوحة إلى جعل الهمزة بين بين فصير إليه ، وقوله محض المد مبتدأ وخبره قوله عنها تبدلا أي تبدل المد المحض عن الهمزة ، وقال بعض الشارحين محض المد منصوب بقوله نبدل ، قل فالمعنى حينئذ تبدل الهمز محض المد فيبقى قوله عنها لا معنى له فنصب محض المد فاسد والله أعلم
(207)

وَفي هؤُلاَ إِنْ وَالْبِغَا إِنْ لِوَرْشِهِمْ بِيَاءِ خَفِيفِ الْكَسْرِ بَعْضُهُمْ تَلاَ
قال صاحب التيسير وأخذ على ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة في البقرة في قوله (هؤلاء إن كنتم) وفي النور (على البغاء إن أردن) ، فقط قال وذلك مشهور عن ورش في الأداء دون النص ، قلت وهذا الوجه مختص بورش في هذين الموضعين وفيهما له ولقنبل الوجهان السابقان
(208)
وَإِنْ حَرْفُ مَدِّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ يَجُزْ قَصْرُهُ وَالْمَدُّ مَا زَالَ أَعْدَلاَ
هذا الخلاف يجيء على مذهب أبي عمرو وقالون والبزي لأنهم يغيرون الأولى إسقاطا أو تسهيلا فوجه القصر زوال الهمز أو تغيره عن لفظه المستثقل والمد إنما كان لأجله ووجه المد النظر إلى الأصل وهو الهمز وترك الاعتداد بما عرض من زواله ونبه على ترجيح وجه المد بقوله والمد مازال أعدلا لقول صاحب التيسير إنه أوجه فإنه قال ومتى سهلت الهمزة الأولى من المتفقتين أو أسقطت فالألف التي قبلها ممكنة على حالها مع تخفيفها اعتدادا بها ويجوز أن يقصر الألف لعدم الهمزة لفظا والأول أوجه ، ثم اعلم أن هذين الوجهين على قراءة الإسقاط إنما هما في مذهب من يقصر في المنفصل كبالزي والسوسي وقالون والدوري في أحد الروايتين عنهما فإنهم يمدون المتصل نحو (جاء-و-السماء-و-أولياء) ، فلما تغيرت الهمزة في قراءتهم اتجه الخلاف المذكور إما في قراءة من يمد المتصل والمنفصل جميعا فكل ذلك ممدود له بلا خلاف كالرواية الأخرى عن قالون والدوري لأنه كيف ما فرض الأمر فهو إما متصل أو منفصل فليس لهم إلا المد وكذا على قول من زعم أن الهمزة الساقطة هي الثانية ليس إلا المد في قراءته لأن الكلمة التي فيها المد المتصل بحالها ويجري الوجهان لحمزة في وقفه على نحو (الملائكة-و-إسرائيل) ، وكل هذه تنبيهات حسنة والله أعلم ، ومضى وجه قوله وإن حرف مد بغير فعل مفسر في شرح قوله وإن همز وصل في الباب السابق
(209)

وَتَسْهِيلُ الأُخْرَى في اخْتِلاَفِهِماَ (سَمَا) تَفِيءَ إِلَى مَعْ جَاءَ أُمَّةً انْزِلاَ
فرغ الكلام في أحكام المتفقتين ثم شرع في بيان حكم المختلفتين إذ التقتا في كلمتين فالأولى محققة بلا خلاف عند القراء وإن كان يجوز تسهيلها عند النحاة على ما سبق ذكره ، ووجه ما اختاره القراء أن حركة الثانية مخالفة للأولى فلم يصح أن تكون خلفا منها ودالة عليها بخلاف المتفقتين ثم إن الذين سهلوا في المتفقتين على اختلاف أنواع تسهيلهم وهم مدلول سما هم أيضا الذين سهلوا الثانية من المختلفتين متفقين على لفظ تسهيلها على ما يأتي بيانه ، ثم شرع يعدد أنواع اختلافها وهي خمسة أنواع والسمة العقلية تقتضي ستة إلا أن النوع السادس لا يوجد في القرآن فلهذا لم يذكر ، أما الخمسة الموجودة في القرآن فهي أن تكون الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أو مضمومة وأن تكون الثانية مفتوحة والأولى مضمومة أو مكسورة فهذه أربعة أنواع والخامس أن تكون الأولى مضمومة والثانية مكسورة والنوع السادس الساقط أن تكون الأولى مكسورة والثانية مضمومة نحو في الماء أمم فذكر في هذين البيتين النوعين الأولين من الخمسة المكسورة بعد المفتوحة بقوله (تفيء إلى أمر الله) ، والمضمومة بعد المفتوحة بقوله (جاء أمة) ، في سورة قد أفلح وليس في القرآن من هذا الضرب غيره وأما-تفيء إلى-فمثله كثير نحو (أم كنتم شهداء إذ حضر) ، وموضع قوله تفيء إلى رفع لأنه خبر مبتدإ محذوف أي هي نحو (تفيء إلى) ، وكذا وكذا وقوله أنزلا جملة معترضة
(210)
نَشَاءُ أَصَبْنَا والسَّماءِ أَوِ ائْتِنَا فَنَوْعَانِ قُلْ كالْيَا وَكَالْوَاوِ سُهِّلاَ

وهذان نوعان على العكس مما تقدم وهما مفتوحة بعد مضمومة كقوله تعالى في سورة الأعراف (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) ومثله (النبي أولى بالمؤمنين) ، في قراءة نافع ومفتوحة بعد مكسورة كقوله في الأنفال (من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) ، فأما النوعان الأولان في البيت السابق فالثانية فيهما مسهلة بين بين وهو المراد بقوله كالياء وكالواو لأنها همزة متحركة بعد متحرك وأما النوعان اللذان في هذا البيت فأبدلت فيهما ياء وواوا كما قال
(211)
وَنَوْعَانِ مِنْهَا أُبْدِلاَ مِنْهُمَا وَقُلْ يَشَاءُ إِلى كالْيَاءِ أَقْيَسُ مَعْدِلاَ
منها أي من الأنواع المتقدمة والضمير في أبدلا عائد إلى الياء والواو في قوله كالياء وكالواو وفي منهما للهمزتين أي أبدل الياء والواو من همزهما وهذا قياس تخفيف الهمزة المفتوحة بعد الضم أن تبدل واوا وبعد الكسرة أن تبدل ياء وهذا مما استثنى من تسهيل الهمز المتحرك بعد حرف متحرك بين بين لمعنى اقتضى ذلك على ما نبين في باب وقف حمزة إن شاء الله تعالى فأبدلت في (نشاء أصبناهم-واوا-وفي-السماء أو ائتنا) ياء ، ولا يضر كونه في البيت السابق قدم ذكر الياء على الواو قوله كالياء وكالواو سهلا ، ثم قال ونوعان منهما أبدلا فعاد الضمير إليهما والواو في هذا البيت متقدمة على الياء من لفظ ما مثل به من الآيتين فإنا نرد كل شيء إلى ما يليق به وله نظائر فقوله ونوعان مبتدأ ومنها صفته وأبدلا خبره ونوعان في البيت السابق أيضا مبتدأ وسهلا صفته وخبره محذوف قبله أي فمنها نوعان سهلا كالياء وكالواو ومنها نوعان أبدلا منهما فلما ذكر منهما بعد نوعان صارت صفة له ثم ذكر النوع الخامس وهو مكسورة بعد مضمومة نحو (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ، فقياسها أن تجعل بين الهمزة والياء لأنها مكسورة بعد متحرك أي جعلها كالياء أقيس من غيره لغة ومعدلا تمييز أي أقيس عدول عن هذه الهمزة هذا العدول ثم ذكر مذهب القراء فيها فقال
(212)

وَعَنْ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ تُبْدَلُ وَاوُهَا وَكُلٌّ بِهَمْزِ الْكُلِّ يَبْدَا مُفَصَّلاَ
واوها ثاني مفعولي تبدل فلهذا نصبه والهاء عائدة على الهمزة لأنها تبدل منها في مواضع أو على الحروف للعلم بها أي تبدل الهمزة واوا مكسورة ، وقال صاحب التيسير المكسورة المضموم ما قبلها تسهل على وجهين تبدل واوا مكسورة على حركة ما قبلها وتجعل بين الهمزة والياء على حركتها والأول مذهب القراء وهو آثر والثاني مذهب النحويين وهو أقيس ، قلت ولم يذكر مكي في التبصرة ولا ابن الفحام في التجريد ولا صاحب الروضة غير الوجه الأقيس وذكر ابن شريح ثلاثة أوجه فذكر الوجه الأقيس ، ثم قال وبعضهم يجعلها بين الهمزة والواو ومنهم من يجعلها واوا والأول أحسن ، قلت فلهذا قال الشاطبي عن أكثر القراء تبدل واوها لأن منهم من سهلها باعتبار حركة ما قبلها لأنها أثقل من حركتها وهذا الوجه أقرب من وجه الإبدال الذي عليه الأكثر وهذان الوجهان سيأتيان في باب وقف حمزة منسوبا الإبدال إلى الأخفش ووجه التسهيل موصوف ثم بالإعضال وسيأتي الكلام على ذلك ، وقوله وكل بهمز الكل يبدأ أي وكل من سهل الثانية من المتفقتين والمختلفتين وإنما ذلك في حال وصلها بالكلمة قبلها لأن الهمزتين حينئذ متصلتان وتلتقيان فأما إذا وقف على الكلمة الأولى فقد انفصلت الهمزتان فإذا ابتدأ بالكلمة الثانية حقق همزتها ولو أراد القارئ تسهيلها لما أمكنه لقرب المسهلة من الساكن والساكن لا يمكن الابتداء به ، وقوله يبدأ أبدل فيه الهمزة ألفا ضرورة أو يقدر أنه وقف عليه فسكنت الهمزة فجاز قلبها حينئذ ألفا ومفصلا أي مبينا لفظ الهمزة محققا له ، فإن قلت كما بين الابتداء للكل كان ينبغي أن يبين الوقف على الأولى للكل لأن التسهيل قد وقع في الأولى وفي الثانية في حال الاتصال فبقي بيان حالهما في الانفصال فلم تعرض لبيان حال الثانية دون الأولى ، قلت من حقق الهمزة الأولى وقف عليها ساكنة إلا من عرف

من مذهبه أنه يبدلها كما يأتي في باب وقف حمزة وهشام ومن سهلها وقف أيضا بسكونها إذ لا تسهيل مع السكون وللكل أن يقفوا بالروم والإشمام بشرطهما على ما سيأتي في بابه فلما كان للوقف باب يتبين فيه هذا وغيره أعرض عنه وأما الابتداء فلا باب له فبين هنا ما دعت الحاجة إلى بيانه والله أعلم وأحكم
(213)
وَالإِبْدَالُ مَحْضٌ وَالْمُسَهَّلُ بَيْنَ مَا هُوَ الْهَمْزُ وَالحَرْفُ الَّذِي مِنهُ أُشْكِلاَ
لما كان يستعمل كثيرا لفظي الإبدال والتسهيل احتاج إلى بيان المراد منهما في اصطلاح القراء فقال الإبدال محض أي ذو حرف محض أي يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبة من لفظ الهمز بخلاف التسهيل فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه وبين الحرف المجانس لحركة الهمزة فمن أبدل في موضع التسهيل أو سهل في موضع الإبدال فهو غالط فما في قوله بين ما بمعنى الذي أي بين الذي هو الهمز وبين الحرف الذي منه أي من جنس لفظه أشكل الهمز أي ضبط بما يدل على حركته ، قال الجوهري يقال شكلت الكتاب قيدته بالإعراب قال ويقال أشكلت الكتاب بالألف كأنك أزلت عنه الإشكال والالتباس ويقع في كثير من عبارات المصنفين غير ذلك فيرى بعضهم يقول قرأ ورش وابن كثير بهمزة وبعدها مدة في تقدير ألف وقرأ قالون وأبو عمرو وهشام بهمزة وبعدها مدة مطولة في تقدير ألفين فكملت هذه العبارة كثيرا من الناس على أن مدوا بعد الهمزة وكان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء ، وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك وليس بشيء والله أعلم
باب الهمز المفرد
(214)
إِذَا سَكَنَتْ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ هَمْزَةٌ فَوَرْشٌ يُرِيهَا حَرْفَ مَدٍّ مُبَدَّلاَ

أي إذا سكنت همزة في حال كونها فاء من الفعل لأنه حال بمعنى متقدمة ويجوز أن يكون ظرفا لأنه بمعنى أولا ومعنى كونها فاء للفعل أن الكلمة التي تكون فيها همزة لو قدرتها فعلا لوقعت الهمزة موضع فائه أي أول حروفه الأصول وذلك نحو (مأتيا) ، لأنك لو قدرت هذا فعلا لكان أتى ووزن أتى فعل فالهمزة موضع الفاء وتقريبه أن يقال هي كل همزة ساكنة بعد همزة وصل أو تاء أو فاء أو ميم أو نون أو واو أو ياء يجمعها قولك فيتمنو ، وهمزة الوصل نحو قوله (أئت بقرآن)-(ثم ائتوا صفا)-(الذي اؤتمن) ، لأن وزنها أفعل ، وافتعل يؤمنون-فأتوا-فائيا-(لن نؤمن لك)-(وأمر أهلك)-(وائتمروا بينكم) ، لأن وزنهما أفعل وافتعلوا (يأتين من كل فج عميق) ، ولا فرق بين أن تكون هذه الحروف أو الكلمة أول في وسطها نحو (أتأتون الفاحشة)-(ويستأذن فريق)-(فلنأتينهم بجنود) ، فإذا علمت همزة فاء الفعل بالحد والعلامة فإذا وقعت ساكنة أبدلها ورش حرف مد من جنس حركة ما قبلها ففي يأتين إبدالها ألفا وفي الذي أؤتمن ياء وفي نؤمن لك واوا وقوله يريها أي يريك إياها وحرف مد مفعول ثالث إن كأن يرى بمعنى يعلم أي ورش ومن يقوم مقامه من المعلمين قراءته يعلمونك أيها الطالب بأنها في قراءته حرف مد ويجوز أن يكون يرى من رؤية البصر فيكون حرف مد حالا أي يبصرك إياها على هذه الصفة كقولك أرأيت زيدا فقيرا وأرأيته إياه غنيا أي بصرته به فأبصره في هاتين الحالتين وإنما خص ورش همزة فاء الفعل بالإبدال دون همزة عينه ولامه وهي الواقعة في الوزن في موضع العين أو اللام لأن همزة فاء الفعل كأنها مبتدأة وورش من أصله نقل حركة الهمزة المبتدأة كما يأتي فأجرى هذه مجرى تيك في التعبير أو لأنه لما وجب إبدالها في نحو (آمن)-(وآتى المال) ، مما وقعت فيه بعد همزة طرد الباب فأبدلها مطلقا كما فعلت العرب في مضارع أفعل حذفوا الهمزة لأجل حذفها مع همزة المتكلم مع سائر حروف المضارعة وأبدل ورش ثلاثة مواضع من

همزات عين الفعل وهي-بئر-و-بئس-و-الذئب وسيأتي ، ومبدلا حال من ضمير ورش وهو فاعل يريها وبدل وأبدل لغتان قرئ بهما في مواضع وهما كنزل وأنزل وفي التشديد معنى التكثير ثم ذكر ما استثناه ورش من همز فاء الفعل فلم يبدله فقال
(215)
سِوَى جُمْلَةِ الإِيوَاءِ وَالْوَاوُ عَنْهُ إِنْ تَفَتَّحَ إِثْرَ الضَّمِّ نَحْوُ مُؤَجَّلاَ
أي سوى كل كلمة مشتقة من لفظ الإيواء نحو-تؤوي-وتؤويه-ومأواهم-ومأواكم-والمأوى-و-فأووا إلى-وعلته أن الهمز في تؤوي أخف من إبداله فطرد جميع الباب لأجله وجمع بين اللغتين ثم استأنف كلاما آخر بقوله والواو عنه أي مبدلة نائبة عن همز فاء الفعل إن تفتح الهمز بعد ضم وذلك قياس تخفيف كل همز مفتوح بعد ضم أن يبدل واوا ولم يخفف غير هذا من همز فاء الفعل نحو (يتأخر-ومآرب-وتؤزهم) ، لأنه كان يلزمه فيه التسهيل وإنما مذهبه الإبدال في همز فاء الفعل فلم يخرج عنه وقيل الهاء في عنه تعود على ورش والواو مروية عن ورش إن يفتح الهمز والأول أولى لأن فيه عود الضمير في عنه وتفتح إلى شيء واحد وقد روي عن ورش تسهيل باقي الباب في فاء الفعل على ما يقتضيه القياس والمشهور الأول ، وإثر ظرف يقال إثر وأثر ومؤجلا في موضع جر وإنما نصبه حكاية للفظه في القرآن العزيز وهو قوله تعالى (كتابا مؤجلا) ومثاله (يؤاخذكم)-(يؤلف بينه)-(لا تؤاخذنا)-(والمؤلفة) -ويؤيد-وغير ذلك ، وأما نحو (فؤادك-وسؤال) فالهمزة فيه عين الفعل فلا يبدلها والله أعلم
(216)
وَيُبْدَلُ لِلسُّوسِيِّ كُلُّ مُسَكَّنٍ مِنَ الْهَمْزِ مَدًّا غَيْرَ مَجْزُومِ نُ اْهْمِلاَ

وهذا الإبدال منسوب في كتاب التيسير وغيره إلى أبي عمرو نفسه لم يختص السوسي بذلك وذكره في باب مستقل غير الباب الذي بين فيه مذهب ورش ، وقال الشيخ في شرحه أما قوله ويبدل للسوسي فلأن القراءة به وقعت من طريقه لا من طريق الدوري وعن السوسي اشتهر ذلك اشتهارا عظيما دون غيره ، قلت وممن نسبه إلى السوسي من المصنفين ابن شريح وابن الفحام وغيرهما ، قوله كل مسكن أي كل همزة ساكنة سواء كانت فاء أو عينا أولا ما يبدلها حرف مد من جنس حركة ما قبلها ففاء الفعل مضى تمثيله في مذهب ورش وعين الفعل مثل رأس وبأس وبئر وبئس ولام الفعل نحو (فادارأتم فيها)-وجئت-وشئت ، فإن قلت لم أبدلت الساكنة ولم تبدل المتحركة ، قلت لأن الساكنة أثقل لاحتباس النفس معها والإجماع على إبدالها إذا اجتمعت مع المتحركة في كلمة وهذا مدرك بالحس وهو من خصائص الهمز وسائر الحروف ساكنها أخف من متحركها هذا قول جماعة ويرد عليه إسكان أبي عمرو بارئكم طلبا للتخفيف وقول النحويين إن سكون الوسط يقاوم أحد سببي منع الصرف ولم يفرقوا بين حروف وحرف وقيل إنما خص الساكنة بالتخفيف لأن تسهيلها يجري مجرى واحدا وهو البدل والمتحركة تخفيفها أنواع فآثر أن يجري اللسان على طريقة واحدة ومدا ثاني مفعول يبدل أي حرف مد وغير مجزوم استثناء من كل مسكن أي أهمل فلم يبدل ، ثم ذكر المجزوم فقال
(217)
تَسُؤْ وَنَشَأْ سِتٌّ وَعَشْرُ يَشَأ وَمَعْ يُهَيِّئْ وَنَنْسَأْهَا يُنَبَّأْ تَكَمَّلاَ

أي والمجزوم المهمل هو كذا وكذا وقوله ست صفة تسؤ ونشأ أو خبر مبتدأ محذوف أي كلتاهما ست كلمات أي كل لفظة منهما في ثلاثة مواضع-نسؤ-في آل عمران وفي المائدة وفي التوبة -ونشأ-بالنون في الشعراء وسبأ-ويس-ويشأ-بالياء عشر كلمات في النساء وإبراهيم وفاطر وفي الأنعام ثلاث وفي سبحان ثنتان وفي الشورى ثنتان وعشر في النظم مضاف إلى يشأ أي وعشر هذا اللفظ ولو نون لاستقام النظم ولكن كان يوهم عوده إلى ما قبله فيكون-تسؤ ويشأ-بالنون ست عشر أي-وتسؤ-ست و-ويشأ-عشر-فلهذا الخوف من الإيهام عدل إلى الإضافة-ويهيء لكم-في الكهف-وننسأها-في البقرة-وأم لم ينبأ - في النجم تسع عشرة كلمة ولم يستوعب صاحب التيسير ذكر مواضعها كما حصرها الناظم رحمه الله فالهمزة في جميع ذلك ساكنة للجزم ولهذا قال تكملا أي تكمل المجزوم واستثناه لعروض السكون والأصل الحركة ولئلا يجمع على الهمز أمرين إسكانا ثم إبدالا ويرد على هاتين العلتين نحو جئتم-وشئتم-والأولى أن يقال حافظ على الهمز كراهة لصورة ثبوت حرف المد في موضع الجزم أو الوقف أو يقال حافظ على ما سكونه علامة الإعراب فلم يغيره ويرد عليه ما روى من إسكانه علامتي الإعراب في الرفع والجر من نحو يأمركم-وبارئكم-على ما يأتي ، ولكن الأصح عنه أنه كان يختلس الحركة في ذلك فتوهم بعض الرواة أنها سكون ، وقوله تعالى-وإن أسأتم فلها-يبدل همزه وليس من المستثنى لأن سكون الهمز فيه لأجل ضمير الفاعل لا للجزم
(218)
وَهَيِّئْ وَأَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْ بِأَرْبَعٍ وَأَرْجِئْ مَعًا وَاقْرَأْ ثَلاَثًا فَحَصِّلاَ

وجميع ما في هذا البيت سكونه علامة للبناء فحافظ عليه فقوله وهيئ عطف على مجزوم في قوله غير مجزوم أهملا ، أي وغير هيئ وما بعده ووقع تسؤ ونشأ بيانا للمجزوم ويجوز أن يكون وهيئ مبتدأ وما بعده من البيتين عطف عليه والخبر قوله كله تخيره إلى آخر البيت وأراد (وهيئ لنا من أمرنا)-(أنبئهم بأسمائهم) ، نبئ - بأربع أي بأربع كلمات ، (نبئنا بتأويله)-(نبئ عبادي)-(ونبئهم عن ضيف إبراهيم)-(ونبئهم أن الماء) ، وأرجئه-في الأعراف والشعراء ولذلك قال معا أي في موضعين وحقيقة الكلام في السورتين معا وكذا معنى هذا اللفظ وفائدته حيث جاء خصصه الناظم بذلك وهو في اللغة يستعمل للاثنين فما فوقها وقد استشهدت على ذلك بأبيات العرب في موضعين من شرح الشقراطسية ووقع في قصيدة متمم ابن نويرة الأمران فقال ، (إذا جنب الأولى شجعن لها معا ) ، فهاهنا حال من جماعة وقال في الاثنين ، (فلما تغربنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا) وكذا تستعمل العرب جميعا قال مطيع بن إياس ، (كنت ويحيى كيدي واحد نرمي جميعا ونرامي معا) فجميعا هنا حال من اثنين واصطلاح الناظم على أن معا للاثنين وجميعا لما فوقها ، وقوله واقرأ ثلاثا أراد اقرأ كتابك-اقرأ باسم ربك الذي-اقرأ وربك الأكرم وقوله (إلا نبأتكما بتأويله) ، مبدل فجملة المبني المستثنى إحدى عشرة كلمة وقوله فحصلا الألف فيه بدل من نون التأكيد أراد فحصلن وقد سبق له نظائر ثم ذكر مواضع أخر مستثناة وعللها فقال
(219)
وتُؤْوِي وَتُؤْوِيهِ أَخَفُّ بِهَمْزِهِ وَرِئْيًا بِتَرْكِ الْهَمْزِ يُشْبِهُ الامْتِلاَ

يعني أنه استثنى أيضا (وتؤوي إليك من تشاء)-(وفصيلته التي تؤويه) ، فهمزها لثقل الإبدال فيهما ولم يطرد ذلك في جملة ما هو مشتق من لفظ الإيواء كما فعل ورش لزوال هذه العلة واستثنى أيضا (هم أحسن أثاثا ورئيا) ، لأنه لو أبدل الهمزة ياء لوجب إدغامها في الياء التي بعدها كما قرأ قالون وابن ذكوان فكان يشبه لفظ الري وهو الامتلاء بالماء ويقال أيضا رويت ألوانهم وجلودهم ريا أي امتلأت وحسنت ورءيا بالهمز من الرواء وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة وبترك الهمز يحتمل المعنيين فترك أبو عمرو الإبدال لذلك ، وقول الناظم وتؤوى وتؤويه معطوفان على ما تقدم باعتبار الوجهين المذكورين في هييء وقوله أخف خبر مبتدأ محذوف أي ذلك بهمزة أخف منه بلا همز وكذا قوله ورءيا عطف على ما تقدم أيضا وما بعده جملة مستأنفة أي يشبه بترك الهمز الامتلاء وكذا قوله في البيت الآتي وهو مؤصدة أو صدت يشبه ويجوز أن يكون تؤوى ورءيا ومؤصدة-مبتدآت وما بعد كل واحد خبره والله أعلم
(220)
وَمُؤْصَدَةٌ أَوْصَدتُّ يُشْبِهُ كُلُّهُ تَخَيَّرَهُ أَهْلُ الأَدَاءِ مُعَلَّلاَ

أي واستثنى أيضا مؤصدة فهمزها لأنها عنده من آصدت أي أطبقت فلو أبدل همزها لظن أنها من لغة أو صدت كما يقرأ غيره فلهذا قال أوصدت يشبه فأوصدت مفعول يشبه أي مؤصدة بترك الهمز يشبه لغة أوصدت ثم قال كله أي كل هذا المستثنى تخيره المشايخ وأهل أداء القراء معللا بهذه العلل المذكورة قيل إن ابن مجاهد اختار ذلك وروي عن أبي عمرو بعضه وقاس الباقي عليه وقيل الجميع مروي عن أبي عمرو ومؤصدة موضعان في آخر سورة البلد والهمزة فهذه خمس وثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبي عمرو وإن كان حمزة في الوقف يبدل الجميع على أصله كما يأتي ولا ينظر إلى هذه العلل وهي على خمسة أقسام كما تقدم ما سكونه علامة للجزم وما سكونه علامة للبناء في مثال الأمر وما همزه أخف من إبداله وما ترك همزه يلبسه بغيره وما يخرجه الإبدال من لغة إلى أخرى وقد اتضح ذلك ولله الحمد ، وحكى ابن الفحام في التجريد أن منهم من زاد على هذا المستثنى ومنهم من نقص ومنهم من لم يستثن شيئا
(221)
وَبَارِئِكُمْ بِالْهَمْزِ حَالَ سُكُونِهِ وَقَالَ ابْنَ غَلْبُونٍ بِيَاءٍ تَبَدَّلاَ

وبارئكم عطف على المستثنى أي وغير بارئكم المقروء للسوسي بهمزة ساكنة على ما يأتي في سورة البقرة أي المقروء بالهمز في حال سكونه فنصب حال سكونه على الحال وإن قدرنا وهيئ وما بعده مبتدآت كان قوله وبارئكم على تقدير وبارئكم كذلك ويجوز قراءة وبارئكم في البيت بكسر الهمزة وإسكان الميم وبسكون الهمزة وصلة الميم ولكل وجه ، ولم يذكر صاحب التيسير بارئكم في المستثنى ولا نبه عليها في سورتها أنها تبدل وذكر فيها مكي الوجهين الهمزة والإبدال واختار ترك الإبدال ووجهه أن سكونها عارض للتخفيف فكأنها محركة فاستثناؤه أولى من المجزوم والذي سكونه لازم لأمر موجب له ، قال مكي في كتاب التبصرة اختلف المعقبون فيما أسكنه أبو عمرو استخفافا نحو بارئكم في رواية الرقيين عنه فمن القراء من يبدل منها ياء ويجريها مجرى ما سكونه لازم ومنهم من يحققها لأن سكونها عارض ولأنها قد تغيرت فلا نغيرها مرة أخرى قياسا على ما سكونه علم للجزم وهو أحسن وأقيس لأن سكونها ليس بلازم ، وقال أبو الحسن طاهر بن غلبون في كتاب التذكرة وكذا أيضا هو يعني السوسي بترك الهمزة من قوله تعالى -بارئكم-في الموضعين في البقرة فيبدلها ياء ساكنة لأنه يسكنها في هذه الرواية تخفيفا من أجل توالي الحركات فلذلك تركها كما يترك همزة وإن أسأتم ويبدلها ياء ساكنة كما يبدل همز الذئب وما أشبهه ، قلت والإبدال عندي أوجه من القراءة بهمزة ساكنة وإليه مال محمد بن شريح في كتاب التذكير والضمير في قوله تبدلا للهمز ومما يقوي وجه البدل التزام أكثر القراء والعرب إبدال همزة البرية فأجرى ما هو مشتق من ذلك مجراه والله أعلم
(222)
وَوَالاَهُ في بِئْرٍ وَفي بِئْسَ وَرْشُهُمْ وَفي الذِّئْبِ وَرْشٌ وَالْكِسَائِي فَأَبْدَلاَ

أي وتابع ورش السوسي في إبدال همزة -بئر-و-بئس-ياء وهو عين الفعل وتابعه في -الذئب-ورش الكسائي معا فأبدلا همزه أيضا ياء وكل ذلك لغة فالذئب موضعان في يوسف وبئر في سورة الحج وبئس في مواضع وسواء اتصلت به في آخره ما أوفى أوله واو أو فاء أو لام أو تجرد عنها ، فأما الذي في الأعراف (بعذاب بئيس) ، فنافع بكماله يقرؤه كذلك بالياء من غير همز وهو غير هذا
(223)
وَفي لُؤْلُؤٍ في العُرْفِ وَالنُّكْرِ شُعْبَةٌ وَيَأْلِتْكُمُ الدُّورِي وَالاِبْدَالُ (يُ)ـجْتَلاَ
أي وتابعه شعبة عن عاصم في إبدال همزة لؤلؤ الأولى واوا سواء كانت الكلمة معرفة باللام نحو (يخرج منهما اللؤلؤ) ، أو منكرة نحو (من ذهب ولؤلؤا) ، وذكر صاحب التيسير هذا الحكم في سورة الحج ووجه اختيار شعبة تخفيف لؤلؤ دون غيره استثقال اجتماع الهمزتين فيه والساكنة أثقل فأبدلها ، قوله ويألتكم الدوري أي قراءة الدوري بهمزة ساكنة وأبدلها السوسي على أصله فالياء من يجتلا رمزه وهذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالهمز وقراءة الباقين بضد ذلك وهو ترك الهمز فإذا ترك صار يلتكم وكذلك قرءوا وإنما تعين أن لفظ يألتكم بالهمز للدوري والوزن مستقيم بالهمز وبالألف لأنه قال بعده والإبدال يجتلا فتعين أن قراءة الدوري بالهمز وهو من ألت يألت وقراءة الباقين من لات يليت وهما لغتان بمعنى نقص وإنما كان موضع ذكر هذا الحرف سورته وهناك ذكره صاحب التيسير ، قال قرأ أبو عمرو ولا يألتكم بهمزة ساكنة بعد الياء وإذا خفف أبدلها ألفا والباقون بغير همز ولا ألف
(224)
وَوَرْشٌ لِئَلاَّ والنَّسِىءُ بِيَائِهِ وَأَدْغَمَ في يَاءِ النَّسِىءِ فَثَقَّلاَ

أي قرأ-لئلا-حيث وقع بياء لأن الهمزة مفتوحة بعد كسر فهو قياس تخفيفها وأبدل أيضا من همزة النسيء في سورة التوبة ياء وأدغم الياء التي قبلها فيها وهذا أيضا قياس تخفيفها لأن قبلها ياء ساكنة زائدة وهكذا يفعل حمزة فيهما إذا وقف عليهما ورسما في المصحف بالياء فالهاء في بيانه للهمز الموجود في لئلا والنسيء أي بيائه التي رسم بها أو بياء هذا اللفظ التي رسم بها أو أراد بياء الهمز المبدل لأنه قد علم وألف ، أن الهمزة تبدل تارة ألفا وتارة واوا ياء باعتبار حركة ما قبلها على الأوضاع المعروفة في ذلك فقال ورش يقرأ لئلا -والنسيء-بياء الهمزة المعروف إبدالها منه ، وقوله وأدغم في ياء-النسيء-أي أدغم في هذه الياء المبدلة من الهمزة ولم يذكر المدغم لضيق النظم عنه واكتفى بما يدل عليه لأن المبدلة من الهمزة إذا كانت مدغما فيها علم أن المدغم ما كان قبلها وهو الياء التي بعد السين وقوله فثقلا أي فشدد لأن الإدغام يحصل ذلك وقيل الهاء في بيائه لورش أضافها إليه لأنه يبدلها من الهمزة ، وذكر صاحب التيسير-النسيء-في سورتها-ولئلا-في هذا الباب وأصلها لأن لا فأدغم
(225)
وَإِبْدَالُ أُخْرَى الْهَمْزَتَيْنِ لِكُلِّهِمْ إِذَا سَكَنَتْ عَزْمٌ كَآدَمَ أُوهِلاَ

هذه المسألة موضعا باب الهمزتين من كلمة لا هذا الباب فإنه للهمز المفرد ، وأخرى بمعنى آخرة أي إذا اجتمع همزتان في كلمة والثانية ساكنة فإبدالها عزم أي واجب لا بد منه وفي الحديث فكانت عزمة والأصل ذو عزم أي إبدالها أمر معزوم عليه وهو أن تبدل حرف مد من جنس حركة ما قبلها لثقل الهمزة الساكنة ولا حركة لها فتسهل بين بين فتعين البدل ولا يكون ذلك إلا في كلمة واحدة وقال أبو بكر الأنباري في كتاب الوقف والابتداء وقد أجاز الكسائي أن يثبت الهمزتين في الابتداء فأجاز للمبتدئ أن يقول-إئت بقرآن-بهمزتين قال وهذا قبيح لأن العرب لا تجمع بين همزتين الثانية منهما ساكنة ، ثم قال وأجاز الكسائي أن تبتدئ-أؤتمن-بهمزتين ، قلت ثم مثل الناظم بمثالين فيهما نظر أحدهما-آدم-وأصله على هذا الرأي أأدم كأنه مشتق من أديم الأرض أو من الأدمة فوزنه أفعل وقيل إنما وزنه فاعل لأن التسمية بهذا الوزن غالبة في الأسماء القديمة التي هي عمود النسب بين إبراهيم ونوح صلوات الله عليهما وذكره الزمخشري في باب تخفيف الهمز من مفصله وقال في تفسيره أقرب أمره أن يكون على فاعل كعازر وعابر وشالح وفالغ ، قلت والوجهان محتملان أيضا في آزر وإنما تعين مثالا لذلك آخر وآمن وآتى ونحوه ، المثال الثاني قوله أوهلا لفظ ليس في القرآن وهو من قولهم أوهل فلان لكذا أي جعل له أهلا هكذا في شرح الشيخ ويشهد له قول صاحب المحكم آهله لذلك الأمر وءأهله ويجوز أن يكون من قولهم آهلك الله في الجنة إيهالا أي أدخلكها وزوجك فيها حكاه الجوهري عن أبي زيد وقد استعمل الناظم اسم المفعول من هذا في باب يا آت الإضافة في قوله وافق موهلا واستعمل اسم الفاعل من ثلاثي هذا لازما في قوله فاهمز آهلا متأهلا على ما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى ، فقوله أوهل مثاله في القرآن (أوتي موسى)-(أوذينا من قبل)-(أؤتمن أمانته) ، إذا ابتدأت فهذه أمثلة قلبها ألفا وواوا ومثال قلبها ياء (لإيلاف

قريش إيلافهم)-(إيت بقرآن) ، إذا ابتدأت به وهذا أمر مجمع عليه لغة ولا يختص بقراءة القرآن ولهذا صح تمثيله بأوهل وهو بدل لازم لا يرتد تصغيرا ولا تكسيرا كأواخر وأويخر بخلاف قولهم ميقات ومواقيت وموسر ومياسير ومويقت ومويسر فرد الجمع والتصغير ياء ميقات إلى أصلها وهو الواو لأنه من الوقت وردا واو موسر إلى أصلها وهو الياء لأنه من اليسار وأما ما لا أصل له في الهمز ويشبه في اللفظ ما هو مهموز فيخفى على من لا خبرة له فتعرض لبيانه بعض المتقدمين فقال لا يجوز همز-يوقنون -و-الموقنين-ويوفون-والموفون-و-تورون-ولا همز-يولي-و-يوقي-و-موهن-مما لا أصل له في الهمز قال الحصري ، (ولا تهمزن ما كانت الواو أصله كقولك في الإنسان يوفون بالنذر) ، والله أعلم
باب نقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها
(226)
وَحَرِّكْ لِوَرْشٍ كُلَّ سَاكِنِ آخِرٍ صَحِيحٍ بِشَكْلِ الْهَمْزِ واحْذِفْهُ مُسْهِلاَ

وصف الساكن بوصفين أحدهما أن يكون آخر الكلمة والهمز أول الكلمة التي بعدها لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها والثاني أن يكون الساكن الآخر صحيحا أي ليس بحرف مد ولين نحو (في أنفسهم) و(قالوا آمنا) ، لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك ويدخل في هذا ميم الجمع قبل الهمز لأن ورشا يصلها بواو فلا ينقل حركة ذلك الهمز في نحو ، (ومنهمو أميون) ، لأن قبله حرف مد ولين وهو الواو التي هي صلة الميم فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفي مد ولين وذلك بأن ينفتح ما قبلهما فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو (ابني آدم)-(ذواتي أكل)-(خلو إلى)-(تعالوا أتل)-(ولو أنهم) ، ودخل في الضابط أنه ينقل حركة الهمزة في-أحسب الناس-إلى الميم من ألف لام ميم في أول العنكبوت وينقل إلى تاء التأنيث نحو (قالت أولاهم) ، وإلى التنوين نحو(كفؤا أحد) وإلى لام التعريف نحو-الأرض والآخرة-لأنها منفصلة مما بعدها فهي وهمزتها كلمة مستقلة نحو قد وهل حرف دخل لمعنى فكانت لذلك آخر كلمة وإن اتصلت خطا والتنوين معدود حرفا لأنه نون لفظا وإن لم تثبت له صورة في الخط وقد نص في التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة وليس هذان الشرطان بلازمين في اللغة فالنقل جائز في وسط الكلمة كما يجوز في آخرها وهذا سيأتي في مذهب حمزة في الوقف ويجوز النقل إلى حرف المد غير الألف مثل قاضو أبيك وابتغى أمره نص الزمخشري عليهما في المفصل وفي كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة ولو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها وقيل لانتقل إلى الواو والياء حركة همزة مضمومة ولا مكسورة لثقل ذلك والغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز والنقل في ذلك أثقل من عدم النقل فترك الهمز بحاله وقد استعمل الناظم هنا قوله ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد ولين ولم يرد أنه ليس بحرف علة بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين في نحو ابني آدم-وخلوا

إلى-كما تقدم وهذا بخلاف استعماله في باب المد والقصر حيث قال أو بعد ساكن صحيح فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا بدليل أنه لا يمد واو-الموؤودة-بعد الهمزة وقد تقدم بيان ذلك ، وقوله بشكل الهمز أي حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذي بعده أي حركة كانت ، قوله واحذفه يعني الهمز بعد نقل حركته لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا وربما يكون بعده ساكن في مثل-قد أفلح-فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين ومسهلا حال أي راكبا للطريق الأسهل
(227)
وَعَنْ حَمْزَةَ في الْوَقْفِ خُلْفٌ وَعِنْدَهُ رَوَى خَلَفٌ في الْوَقْفِ سَكْتًا مُقَلَّلاَ

يعني حكى عن حمزة في الوقف على الكلمة التي نقل همزها لورش مثل قراءة ورش ومثل قراءة الجماعة وهذا مطرد فيما نقل إليه ورش وفيما لم ينقل إليه ولكنه داخل في الضابط المذكور في البيت الأول نحو (يؤده إليك) ، فإن ورشا وصل الهاء بياء وفي ميم الجمع وجوه ستأتي ولم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة في هذا كله وذكره جماعة غيره وسيأتي له في بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا وهذا الباب الهمز أولا وسيأتي له في بابه خلاف في الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو -الأرض-والآخرة-دون-قد أفلح وشبهه ، فإن قلنا لا يخفف ذاك فهذا أولى لأن هذا مبتدأ حقيقة وذاك مبتدأ تقديرا ، وإن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان ، ثم لا ينبغي أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف فإن كانت المبتدأة ساكنة وذلك لا يتصور إلا فيما دخل عليها همزة وصل وحذفت لاتصال الكلمة التي قبلها بها نحو (يا صالح ائتنا) ، فإذا وقف عليها أبدلها واوا وفي-لقاءنا ائت-يبدلها ألفا وفي (الذي أؤتمن) ، يبدلها ياء وصاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل في الهمز المتوسط فقال تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو (المؤمنون-و-يأكلون-والذئب) ، قال وكذلك (الذي أؤتمن) و(لقاءنا ائت) و(فرعون ائتوني) وشبهه ، قلت ووجهه أن دخول همزة الوصل قبلها في الابتداء صيرها متوسطة فإذا أبدل هذا الهمز حرف مد وكان قبله من جنسه وكان يحذف لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان ، أحدهما عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه وهو الهمزة الساكنة فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد ، والوجه الثاني حذفه لوجود الساكن وهذان الوجهان هما المذكوران في باب وقف حمزة وهشام على الهمز في قوله ، (ويبدله مهما تطرف مثله ويقصر أو يمضي على المد أطولا) ، وينبني على

الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى (الهدى ائتنا) ، لحمزة ولورش أيضا فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا وإن حذفناها فلا ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة فالاختيار المنع والله أعلم ، وإن كانت همزة الابتداء متحركة وقبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا نحو (قال إبراهيم)-(إن أبانا)-(وجد عليه أمة) ، إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو (فيه آيات بينات)-(منه آيات محكمات) ، وإن كانت متحركة وقبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين في مذهب ورش وإن كان حرف مد ولين امتنع النقل في الألف فتجعل الهمزة بين بين كما يفعل في المتوسطة وعلى قياس مذاهب القراء في الواو والياء يجوز قلب الهمزة والإدغام ويجوز النقل إلى الأصليتين نحو (يدعو إلى)-(تزدري أعينكم) ، والزائدتان هما نحو (قالوا آمنا)-(نفسي إن النفس) ، ويجوز النقل إليهما لغة وأما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو (عليكم أنفسكم) ، فقال الشيخ في شرحه لا خلاف في تحقيق مثل هذا في الوقف عندنا قلت قد ذكر أبو بكر بن مهران في كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة في الهمز فيه مذاهب أحدها وهو الأحسن نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة وتفتح تارة وتكسر تارة نحو (ومنهم أميون)-(عليهم استغفرت)-(ذلكم إصرى) ، الثاني تضم مطلقا وإن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية الثالث تنقل في الضم والكسر دون الفتح لئلا يشبه لفظ التثنية فإن كانت الهمزة قبلها همزة وهما متفقتان أو مختلفتان سهل الثانية بما تقتضيه لأنها في الكلمة الموقوف عليها ، وفي نحو (ءأندرتهم) ، تنقل الأولى وتسهل الثانية ويكون تخفيف الثانية مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة وهي قوله تعالى (قل أؤنبئكم) ، فيها ثلاث همزات فنص ابن مهران فيها على ثلاثة

أوجه أحدها أنه يخفف الثلاثة الأولى تنقل حركتها إلى لام قل والثانية والثالثة تجعلان بين الهمزة والواو لأنهما مضمومتان بعد متحرك أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير وفي ذلك بحث سيأتي في موضعه وفي كيفية تخفيفها وجوه ستأتي وأما الثانية فهي متوسطة بسبب الزائد ففي تخفيفها خلاف وأما الأولى فمبتدأه ففي نقل حركتها الخلاف المذكور في هذا الباب ، الوجه الثاني تخفيف الثالثة فقط وذلك رأي من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد ، الوجه الثالث تخفيف الأخيرتين فقط إعتدادا بالزائد وإعراضا عن المبتدأة وكان يحتمل وجها رابعا وهو أن يخفف الأولى والأخيرة دون الثانية لولا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى لأنها متوسطة صورة فهي أحرى بذاك من المبتدأة فهذا الكلام كله جره قوله وعن حمزة في الوقف خلف فاحتجنا إلى استيعاب الكلام في وقفه على كل همزة مبتدأة وفهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرق في كتبهم حتى قال ابن مهران بتركها ، وإن كانت في أول الكلمة قال وعلى هذا يدل كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر ابن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها وقال مكي ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة في الوقف ما كان من كلمتين نحو (يعلم أعمالكم) ، قال يلحقها بواو ونحو (ألا يظن أولئك) ، قال يجعلها بين الهمزة والواو أجرى الباب كله على أصل واحد
(228)
وَيَسْكُتُ في شَيْءٍ وَشَيْئًا وَبَعْضُهُمْ لَدَى الَّلامِ لِلتَّعْرِيفِ عَنْ حَمْزَةٍ تَلاَ

أي وسكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة في هاتين الكلمتين وهو الياء وهما كلمة واحدة وإنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب وغيره لاختلاف ذلك في خط المصحف فالمنصوب بألف دون المرفوع والمجرور وهذه عبارة المصنفين من القراء فسلك سبيلهم في ذلك وإنما فعلوا ذلك مبالغة في البيان لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم في الآخر ومثله قوله وجزأ وجزء ضم الإسكان صف ، فإن قلت لِم لم يفعل ذلك في-صراط-و-بيوت-مع أنهما في القرآن بلفظ النصب وغيره نحو (ويهديك صراطا مستقيما)-(فإذا دخلتم بيوتا) ، قلت كأنه لما ضبط ذلك لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه وإنما احتاج إلى ذكر شيء وشيئا لأنهما لا يدخلان في الضابط السابق لورش لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين ولم يسكت في كلمة واحدة إلا في هاتين اللفظتين ، وحكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة في الكلمة الواحدة مطلقا نحو (قرآن)-(ولا يسأم الإنسان) ، كما في شيء وهو متجه لأن المعنى الذي لأجله فعل السكت موجود في الجميع والذي قرأه الداني على أبي الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم وكان لا يرى لخلاد سكتا في موضع ما وقرأ الداني على طاهر بن غلبون بالسكت لخلف وخلاد جميعا على لام التعريف وشيء وشيئا فقط وهو المراد بقوله وبعضهم أي وبعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف كالأرض والآخرة وعنه سكوت شيء وشيئا وتمم ذلك بقوله
(229)
وَشَيْءٍ وَشَيْئًا لَمْ يَزِدْ وَلِنَافِعٍ لَدَى يُونُسٍ آلانَ بِالنَّقْلِ نُقِّلاَ

أي لم يزد بعضهم على ذلك شيئا بل اقتصر على السكت وقال الشيخ المراد لم يزد المذكور فقد صار لخلف وجهان أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم وفي شيء وشيئا والثاني يختص السكت بلام المعرفة وشيء وشيئا فسكوته على لام التعريف وشيء وشيئا بلا خلاف عن خلف لأن الطريقتين اجتمعتا عليه وفي غير ذلك له خلاف وصار لخلاد وجهان أحدهما السكوت على لام التعريف وشيء وشيئا فقط والوجه الثاني لخلف والآخر لا سكوت لخلاد في موضع أصلا وهذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك فإن كانت لفظ شيء وشيئا وقفت بتخفيف الهمزة وله وجهان على ما يأتي وإن كانت غيره نحو-قد أفلح-والأرض فإن قلنا إن حمزة ينقل الحركة في الوقف نقلت لأن تخفيف الهمزة في الوقف هو مذهبه فيقدم على غيره كما قلنا في وقفه على شيء وشيئا وإن قلنا لا ينقل وقفت لخلف بالسكت في-الأرض-وبالسكت وعدمه في-قد أفلح-ووقفت لخلاد بعدم السكت في-قد أفلح-وبالسكت وعدمه في-الأرض-فلهما ثلاثة أوجه لخلف ولخلاد وجهان ، النقل وعدمه وفي نحو-الأرض-بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه ولخلف وجهان النقل والسكوت وهذا من عجيب ما اتفق وأما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهي مثل-قد أفلح-وإلا ففيها لخلف وجهان السكوت وعدمه وصلا ووقفا وخلاد كغيره وصلا ووقفاه
(230)
وَقُلْ عَادًا الاُوْلَى بِإِسْكَانِ لامِهِ وَتَنْوِينِهِ بِالْكَسْرِ (كَـ)ـاسِيهِ (ظَ)ـلّلاَ
يعني إسكان لام التعريف وكسر التنوين الذي في عادا لالتقاء الساكنين هو واللام وهذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول رأيت زيدا الطويل فلهذا أثنى عليها بقوله كاسيه ظللا أي حجتها قوية بخلاف قراءة الباقين ففيها كلام وكنى بكاسيه عن قارئه لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك أي ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى وإن كان لا يؤثر اعتراضه والحمد لله ، وهذا الحرف في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى
(231)

وَأَدْغَمَ بَاقِيهِمْ وَبِالنَّقْلِ وَصْلُهُمْ وَبَدْؤُهُمْ وَالْبَدْءُ بِالأَصْلِ فُضِّلاَ
يعني بالباقي نافعا وأبا عمرو لأن القراءة الأولى عليها الكوفيون وابن كثير وابن عامر ويعني بالإدغام إدغام تنوين عادا في لام التعريف من الأولى بعد ما نقل إلى اللام حركة الهمزة تخفيفا واعتدادا بالحركة وإن كانت عارضة لأنهما لما نقلا والتنوين ساكن أدغماه في اللام المتحركة بناء على قاعدة إدغام التنوين في اللام على ما سيأتي في باب أحكام النون الساكنة والتنوين ، وحكى أبو عمرو بن العلا إدغام مثل ذلك في قولهم رأيت زيادا لعجم في زيادا الأعجم ووجه الاعتراض على هذه القراءة أن تحريك اللام عارض فكأنها تعد ساكنة ولا يصح في الساكن إدغام وجواب هذا أن الممتنع هو ما يدغم في ساكن حقيقي أما ما هو ساكن تقديراً فلا وليس كل عارض لا يعتد به ولا ذلك بمجمع عليه وقد تقدم له نظائر فمن أدغم كان معتدا بالحركة كما يعتد بها من لغته لحمر إذا ابتدأ بكلمة الأحمر بعد نقل الحركة على ما سيأتي والهاء في وصلهم وبدؤهم تعود على مدلول باقيهم وجمع الضمير والباقي اثنان إما على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان وإما باعتبار رواتهما أي أن النقل إلى اللام ثابت وصلا وبدأ ويعني بالوصل وصل الأولى بعادا فالنقل لهما فيه لازم لأجل أنهما أدغما التنوين فيها فإن وقفا على عادا ابتدأ الأولى بالنقل أيضا ليبقى اللفظ حاكيا بحالة الوصل وفي كيفيته وجهان يأتيان فأما ورش فيتعين النقل له على أصله في النقل إلى لام التعريف وأما قالون وأبو عمرو فالأولى لهما أن يبتدئا بالأصل كما يقرأ الكوفيون وابن كثير وابن عامر لأنهما ليس من أصلهما النقل وما نقلا هنا إلا لأجل الإدغام لتخفيف الكلمة وقد زال الإدغام بالوقف فيرجع إلى الأصل وهو لأبي عمرو أولى منه لقالون لأن قالون في الجملة قد نقل الحركة في آلآن في موضعي يونس ونقل أيضا في ردءا كما سيأتي ، ثم ذكر من فضل له البدء

بالأصل ، والبدء مصدر بدأ ، فقال
(232)
لِقَالُونَ وَالْبَصْرِي وَتُهْمَزُ وَاوُهُ لِقَالُونَ حَالَ النَّقْلِ بَدْءًا وَمَوْصِلاَ
أي أن قالون يهمز واو لولى إذا بدأ بالنقل وفي الوصل مطلقا أي حيث قلنا لقالون بالنقل سواء ابتدأ الأولى أو وصلها بعادا فواو لولى مهموز بهمزة ساكنة وإن قلنا يبتدئ بالأصل فلا همز لئلا يجتمع همزتان فهذا معنى قوله حال النقل ووجه الهمز ضمة اللام قبلها فهمزت لمجاورة الضم كما همزت إذا كانت مضمومة في أجوه وأدور وهي لغة لبعض العرب كقوله أحب المؤقدين إلى موسى وهذا توجيه أبي علي في الحجة وقيل الأصل في الواو الهمز وأبدل لسكونه بعد همز مضموم واوا كأولى فلما حذفت الهمزة الأولى بعد نقل حركتها إلى لام الأولى زال اجتماع الهمزتين فرجعت تلك الهمزة ذكر ذلك مكي وغيره ، والله أعلم ، ومادة هذه الكلمة مختلف فيها وهي من المشكلات وسنتكلم عليها في شرح النظم إن شاء الله تعالى كلاما شافيا وبالله التوفيق ، وقوله بدءا وموصلا مصدران في موضع الحال أي بادءاً وواصلاً ، ثم ذكر كيفية البدء في حال النقل فقال
(233)
وَتَبْدَأْ بِهَمْزِ الْوَصْلِ في النَّقْلِ كُلِّهِ وَإِنْ كُنْتَ مُعْتَدًّا بِعَارِضِهِ فَلاَ

أبدل من همز وتبدأ ألفا بعد إسكانها ضرورة ، وقوله بهمز الوصل يعني همزة الوصل التي تصحب لام التعريف تقول إذا ابتدأت كلمة دخل فيها لام التعريف على ما أوله همزة قطع نحو-الأرض-و-الآخرة-والإنسان-و-الإحسان-فنقلت حركة الهمزة إلى اللام ثم أردت الابتداء بتلك الكلمة بدأت بهمزة الوصل كما تبتدئ بها في صورة عدم النقل لأجل سكون اللام فاللام بعد النقل إليها كأنها بعد ساكنة لأن حركة النقل عارضة فتبقى همزة الوصل على حالها لا تسقط إلا في الدرج ، وهذا هو الوجه المختار لغة وقراءة على ما سيأتي تقريره ثم ذكر وجها آخر وهو أن لا يحتاج إلى همزة لوصل لأنها إنما اجتلبت لأجل سكون اللام وقد زال سكونها بحركة النقل العارضة فاستغنى عنها فهذا معنى قوله وإن كنت معتدا بعارضه أي منزلا لحركة النقل منزلة الحركة الأصلية فلا تبدأ بهمز الوصل إذ لا حاجة إليه فتقول على الوجه الأول-ألرض-ألنسان-وعلى الثاني-لرض-لنسان-وعادة أهل النحو يمثلون في هذه المسألة بالأحمر فتقول على الوجه الأول الحمر وعلى الثاني لحمر ، وقوله في النقل كله ليشمل جميع ما ينقل إليه ورش من لام المعرفة ويدخل في ذلك الأولى من-عادا لولى-فيكون الوجهان لورش في جميع القرآن ويكونان لأبي عمرو وقالون في هذا الموضع إن قلنا إنهما يبدآن بالنقل كما في الوصل وإن قلنا يبدآن بالأصل من غير نقل فلا بد من همزة الوصل فقد صار لكل واحد منهما ثلاثة أوجه في صوره الإبتدا بقوله تعالى-الأولى-من عادا لولى ولورش وجها ، كما له في سائر القرآن على ما ذكرنا هكذا ذكر صاحب التيسير وغيره من المصنفين في القراءات وتبعهم الشيخ الشاطبي رحمه الله في نظمه هذا وفيه إشكال وهو أن النحاة ذكروا وجهين في أن حركة النقل يعتد بها أولا وأجروا على كل وجه ما يقتضي من الأحكام لم يخصوا بذلك دخول همزة الوصل وعدم دخولها بل قالوا إن اعتددنا بالعارض فلا حاجة إلى تحريك النون في من لأن بل تبقى على سكونها إذ لم

يلتق ساكنان وإن لم نعتد بالعارض أبقينا فتحة النون على حالها قبل النقل فإذا اتضح ذلك وجب النظر في مواضع النقل في القرآن فما رأينا فيه أمارة الاعتداد بالعارض حذفنا همزة الوصل في الابتداء به وما رأينا فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض أبقينا همزة الوصل فيه وما لا أمارة فيه على واحد منهما ففيه الوجهان وهذا تحقيق البحث في ذلك إن شاء الله تعالى فنقول ، في مسألة-عادا لولى-ظهرت أمارة الاعتداد بالعارض في قراءة أبي عمرو ونافع معا وذلك أنهما أدغما في الوصل التنوين في اللام فهذه أمارة الاعتداد بحركة اللام فإذا ابتدأ القارئ لهما بالنقل لم يحتج إلى همزة الوصل لأنا قد علمنا أن الحركة معتد بها عندهما وصلا فابتنى الابتداء عليه وقد نص أبو محمد مكي في كتاب الكشف على أن ورشا لا يمد-الأولى-وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام فكان لا همز في الكلمة فلا مد ، قلت هكذا ينبغي في القياس أن لا تعود همزة الوصل في الابتداء ، والله أعلم ، ونقول في جميع ما نقل فيه ورش الحركة إلى لام المعرفة في جميع القرآن غير-عادا لولى-هو على قسمين ، أحدهما ما ظهرت فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض كقوله تعالى (إنا جعلنا ما على الأرض)-(وما الحياة الدنيا في الآخرة)-(ويدع الإنسان)-(قالوا الآن)-(أزفت الآزفة) ، ونحو ذلك ألا ترى أنه بعد نقل الحركة في هذه المواضع لم ترد حروف المد التي حذفت لأجل سكون اللام ولم تسكن تاء التأنيث التي كسرت لسكون -الآزفة-فعلمنا أنه ما اعتد بالحركة في مثل هذه المواضع فينبغي إذا ابتدأ القارئ له فيها أن يأتي بهمزة الوصل لأن اللام وإن تحركت فكأنها بعد ساكنة ، القسم الثاني ما لم تظهر فيه أمارة نحو (وقال الإنسان ما لها) ، فإذا ابتدأ القارئ لورش هنا اتجه الوجهان المذكوران والله أعلم
(234)

وَنقْلُ رِدًا عَنْ نَافِعٍ وَكِتَابِيهْ بِالإِسْكانِ عَنْ وَرْشٍ أَصَحُّ تَقَبَّلاَ
لو أتى بهذا البيت قبل مسألة-عادا لولى-لكان أحسن ليتصل مذهب نافع بكماله يتلو بعضه بعضا وليفرغ مما روي عن ورش الانفراد بنقله ثم يذكر من وافقه في شيء من مواضع النقل كما هي عادته غالبا في باقي الأبواب وإنما أخر هذا البيت لأن النقل في كتابيه ضعيف والنقل في ردا على خلاف أصل ورش لأنه لا ينقل في كلمة وأراد قوله تعالى (فأرسله معي ردءا) ، أي معينا قراءة نافع بغير همز كما يقف عليه حمزة بنقل حركة الهمزة إلى الدال الساكنة وقيل هو من أردى على كذا أي زاد فلا همز فيه أي أرسله معي زيادة وأما قوله تعالى في الحاقة (كتابيه إني ظننت) ، فروي عن ورش نقل حركة همزة إني إلى هاء كتابيه لأنه ساكن آخر صحيح فدخل في الضابط المذكور أول الباب وروى ترك النقل وهو الصحيح في العربية لأن هذه الهاء هاء سكت وحكمها السكون لا تحرك إلا في ضرورة الشعر على قبح وأيضا فإنها لا تثبت إلا في الوقف فإذا خولف الأصل فأثبتت في الوصل إجراء له مجرى الوقف لأجل ثباتها في خط المصحف فلا ينبغي أن يخالف الأصل من وجه آخر وهو تحريكها فتجتمع في حرف واحد مخالفتان وهذه المسألة من الزيادات لم يذكرها الداني رحمه الله في التيسير وذكرها في غيره ، قال مكي أخذ قوم بنقل الحركة في هذا وتركه أحسن وأقوى ، قلت فلهذا قال الناظم أصح تقبلا-أي وكتابيه-بالإسكان أصح تقبلا منه بالتحريك وذلك أن التحريك تقبله قوم وتقبل الإسكان قوم فالإسكان أصح تقبلا من حيث الدليل على ما سبق ونصبه على التمييز وبالإسكان حال أي وكتابيه ساكنا أصح تقبلا منه متحركا فهو مثل قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا والله أعلم
باب وقف حمزة و هشام على الهمز
(235)
وَحَمْزَةُ عِنْدَ الْوَقْفِ سَهَّلَ هَمْزَهُ إِذَا كَانَ وَسْطًا أَوْ تَطَرَّفَ مَنْزِلاَ

سبق الكلام في مذهبه في الهمزة المبتدأة في شرح قوله في الباب السابق وعن حمزة في الوقف خلف والكلام في هذا الباب في الهمزة المتوسطة والمتطرفة التي في آخر الكلمة ويأتي فيهما إن شاء الله تعالى جميع أنواع تخفيف الهمز وهي إبداله وحذفه بعد إلقاء حركته على ساكن قبله وجعله بين بين ، ولفظ التسهيل يشمل الجميع وقد يخص القراء لفظ التسهيل بين بين كما سبق وهذه الأنواع هي التي نقلها أهل العربية في ذلك وعند القراء نوع آخر وهو تخفيف الهمز باعتبار خط المصحف وسيأتي الكلام عليه وعلى تفاريع هذه الأنواع على ما تقتضيه أصول العربية والقراءات والهاء في همزه تعود إلى حمزة أو إلى الوقف لملابسة كل واحد منهما هذا بفعله فيه وهذا بأنه محل الفعل والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما ووسطا ظرف وكان تامة أي إذا وقع في وسط الكلمة أي بين حروفها كما تقول جلست وسط القوم وبجوز أن يكون خبر كان الناقصة لأن وسطا مصدر من قولهم وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أي توسطتهم ذكره الجوهري فالمعنى ذا وسط أي إذا كان متوسطا أو تطرف آخرها ومنزلا تمييز أي تطرف منزله أي موضعه وإنما اختص تسهيل حمزة للهمزة بالوقف لأنه محل استراحة القارئ والمتكلم مطلقا ولذلك حذفت فيه الحركات والتنوين وأبدل فيه تنوين المنصوب ألفا قال ابن مهران وقال بعضهم هذا مذهب مشهور ولغة معروفة يحذف الهمز في السكت كما يحذف الإعراب فرقا بين الوصل والوقف وهو مذهب حسن ، قال وقال بعضهم لغة أكثر العرب الذين هم أهل الجزالة والفصاحة ترك الهمزة الساكنة في الدرج والمتحركة عند السكت ، قلت وفيه أيضا تآخي رءوس الآي في مثل (كل يوم هو في شأن) ، والخاطئة-في الحاقة-وخاطئة-في سورة إقرأ وأنا أستحب ترك الهمز في هذه المواضع في الوقف لذلك ، وأما الحديث الذي رواه موسى بن عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء وإنما الهمز بدعة

ابتدعها من بعدهم فهو حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده فإن موسى بن عبيدة هو الزيدي وهو عند أئمة الحديث ضعيف ، ثم شرع الناظم في بيان ما يفعل حمزة بالهمز المتوسط والمتطرف فقال
(236)
فَأَبْدِلْهُ عَنْهُ حَرْفَ مَدِّ مُسَكَّنًا وَمِنْ قَبْلِهِ تَحْرِيكُهُ قَدْ تَنَزَّلاَ
أي فأبدل الهمز عن حمزة حرف مد من جنس حركة ما قبله بشرطين أحدهما أن يكون الهمز ساكنا والثاني أن يتحرك ما قبله سواء توسط أو تطرف نحو-يؤمنون-وإن يشأ-وقال الملأ والهمزة في الملأ متحركة ولكن لما وقف عليها سكنت وهذا قياس تخفيف الهمزات السواكن إذ لا حركة لها فتجعل بين بين أو تنقل ، وقال مسكنا بالكسر وهو حال من الضمير المرفوع في فأبدله ولم يقل مسكنا بالفتح ولو قاله لكان حالا من الهاء في فأبدله وهي عائدة على الهمز لئلا يوهم أنه نعت لقوله حرف مد فعدل إلى ما لا إيهام فيه وحصل به تقييد الهمز بالسكون ولأنه أفاد أن القارئ وإن سكن الهمز المتحرك في الوقف فحكمه هكذا أي أبدل الهمز في حال كونك مسكنا له سواء كان ساكنا قبل نطقك به أو سكنته أنت للوقف ، والواو في قوله ومن قبله تحريكه للحال والجملة حال من الهمز أي فأبدله مسكنا محركا ما قبله فتكون الحال الأولى من الفاعل والثانية من المفعول نحو لقيته مصعدا ومنحدرا واشتراط تحرك ما قبل الهمز إنما يحتاج إليه في المتحرك الذي سكنه القارئ في الوقف نحو (قال الملأ) ، ليحترز به من نحو (يشاء-و-قروء-و-هنيئا-و-شيء-و-سوء) ، وسيأتي أحكام ذلك كله ، وأما الهمزة الساكنة قبل الوقف فلا يكون ما قبلها إلا متحركا وفي هذا القسم الذي تسكنه للوقف وتبدله حرف مد من جنس حركة ما قبله وجهان آخران سنذكرهما ، أحدهما تسهيله على اعتبار مرسوم الخط والآخر تسهيله بالروم ، فإن قلت لم كانت الهمزة الساكنة تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها ولم تكن من جنس حركة ما بعدها ، قلت لأن ما قبلها حركة بناء لازمة وما بعدها يجوز أن تكون حركة

إعراب وحركة الإعراب تنتقل وتتغير من ضم إلى فتح إلى كسر فأي حركة منها تعتبر ولا ترجيح لإحداهن على الأخريين فينظر إلى ما لا يتغير وهو حركة ما قبلها ، فإن قلت كان من الممكن أن تعتبر كل حركة في موضعها ، قلت يلزم من ذلك أن ينقلب الهمز مع الضم واوا ومع الفتح ألفا ومع الكسر ياء فتختل بنية الكلمة نحو رأس يصير عين الكلمة في الرفع واوا وفي النصب ألفا وفي الجر ياء وفي ذلك اختلال الألفاظ واختلاط الأبنية وأيضا فاعتبار الحرف بما قبله أقرب إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده ألا تراهم التزموا فتح ما قبل الألف دون ما بعدها نحو قالوا وقائل ولأن اعتبار الأول أخف ومما ينبه عليه في هذا الموضع أن كل همزة ساكنة للجزم أو للوقف إذا أبدلت حرف مد بقي ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم نحو (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا)-(ونبئهم عن ضيف إبراهيم) ، ونقل صاحب الروضة شيئا غريبا فقال وتقف على (نبئ عبادي) ، بغير همز فإن طرحت الهمزة وأثرها ، قلت نبا وإن طرحتها وأبقيت أثرها قلت نبي والله أعلم
(237)
وَحَرِّكْ بِهِ مَا قَبْلَهُ مَتَسَكِّنًا وَأَسْقِطْهُ حَتّى يَرْجِعَ اللَّفْظُ أَسْهَلاَ

به أي بالهمز يعني بحركته على حذف مضاف يعني إذا كان متحركا وقبله ساكن فألق حركته على الذي استقر قبله متسكنا وأسقط الهمز كما تقدم في باب نقل الحركة حتى يرجع اللفظ أسهل مما كان أو سهلا وذلك نحو-موئلا-ودفء-تلقى الحركة إلى الواو والفاء ويسقط الهمز ثم تسكن الفاء من دفء للوقف ولك فيها الروم والإشمام كما يأتي ، فإن قلت لم كان نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ولم ينقل إلى الساكن بعدها في نحو (قد أفلح) ، قلت لو نقل إلى الساكن بعدها لالتبست الأبنية فإنه كان يقال قد فلح فيظن أنه فعل ثلاثي وإذا نقل إلى الساكن قبله بقي في اللفظ ما يدل على بناء أصل الكلمة وهو السكون بعد الهمزة وكذا في أشياء وأزواج ونحوهما ثم استثنى من هذا أن يكون الساكن قبل الهمزة ألفا فقال
(238)
سِوَى أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَلِفٍ جَرى يُسَهِّلُهُ مَهْمَا تَوَسَّطَ مَدْخلاَ

أي سوى أن حمزة يسهل الهمز المتحرك الجاري من بعد ألف مهما توسط وما زائدة ومدخلا تمييز ومن بعد متعلق بيسهله أو بتوسط أي يسهله من بعد ألف أو مهما توسط من بعد ألف وقوله جرى حشو لا فائدة فيها على هذا التقدير فإنه لو حذف لم يختل المعنى المقصود وحيث قد أتى به فأقرب ما تقدره به أن يكون حالا ويتعلق به من بعد ما ألف وقد مقدرة قبله كما قيل ذلك في قوله تعالى (أو جاءوكم حصرت صدورهم) ، والتقدير يسهله جاريا من بعد ألف أي في هذه الحالة أو مهما توسط جاريا من بعد ألف ومراده بالتسهيل هنا بين بين وذلك لأن نقل الحركة إلى الألف متعذر لأنها لا تتحرك لأنها بما فيها من المد كأنها حرف متحرك فيسهل الهمز بعدها بين بين كما سنذكره في الهمز المتحرك بعد متحرك فإذا سهله بعد الألف هل يمكن مد الألف الذي كان لأجل الهمز أو يقصر فيه تردد سبق لأنها حرف مد قبل همز مغير وذلك نحو (دعاؤكم)-(ونداء) ، لأن بعد الهمزة في نداء ألف التنوين وهي لازمة فصارت الهمزة متوسطة ، قال صاحب التيسير في هذا النوع إن شئت مكنت الألف قبلها وإن شئت قصرتها والتمكين أقيس ثم ذكر حكم المتطرفة بعد ألف فقال
(239)
وَيُبْدِلُهُ مَهْمَا تَطَرَّفَ مِثْلُهُ وَيَقْصُرُ أَوْ يَمْضِي عَلَى الْمَدِّ أَطْوَلاَ

مثله أي حرفا مثله يريد مثل ما قبله يعني ألفا وذلك لأن الهمزة المتطرفة سكنت للوقف وقبلها ألف وقبل الألف فتحة فلم تعد الألف حاجزا فقلبت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها فاجتمع ألفان فإما أن يحذف إحداهما فيقصر ولا يمد أو يبقيهما لأن الوقف يحتمل اجتماع ساكنين فيمد مدا طويلا ويجوز أن يكون متوسطا لقوله في باب المد والقصر وعند سكون الوقف وجهان أصلا وهذا من ذلك ويجوز أن يمد على تقدير حذف الثانية لأن حرف المد موجود والهمزة منوية فهو حرف مد قبل همز مغير وإن قدر حذف الألف الأولى فلا مد وذلك نحو (صفراء)-(والسماء) ، والمد هو الأوجه وبه ورد النص عن حمزة من طريق خلف وغيره وهذا مبني على الوقف بالسكون فإن وقف بالروم كما سيأتي في آخر الباب فله حكم آخر وإن وقف على اتباع الرسم أسقط الهمزة فيقف على الألف التي قبلها فلا مد أصلا والله أعلم وأطول حال من المد على معنى زائدا طوله فهذه فائدة مجيئه على وزن أفعل والله أعلم
(240)
وَيُدْغِمُ فِيهِ الْوَاوَ وَالْيَاءَ مُبْدِلاَ إِذَا زِيدَتَا مِنْ قَبْلُ حَتَّى يُفَصَّلاَ

فيه أي في الهمز بعد إبداله يعني إذا وقع قبله واو أو ياء زائدتان فأبدله حرفا مثله ثم أدغم ذلك الحرف فيه كما تقدم لورش في (النسيء) وذلك نحو (خطيئة-و-قروء) ، وقوله حتى يفصلا أي حتى يفصل بين الزائد والأصل فإن الواو والياء الأصليتين ينقل إليهما الحركة لأن لهما أصلا في التحريك بخلاف الزائدة والزائد ما ليس بقاء الكلمة ولا عينها ولا لامها بل يقع ذلك وفي هذه الكلمات وقع بين العين واللام لأن النسيء فعيل والخطيئة فعيلة وقروء فعول والأصلي بخلافه نحو هيئة وشيء لأن وزنهما فعلة وفعل فهذا النوع تنقل إليه الحركة كما فعل في (موئلا-و-دفء) ، وبعضهم روى إجراء الأصلي مجرى الزائد في الإبدال والإدغام وسيأتي ذلك في قوله وما واو أصلي تسكن قبله أو الياء وهذا كان موضعه وإنما أخره لمعنى سنذكره ولو قال بعد هذا البيت ، (وإن كانتا أصلين أدغم بعضهم كشيء وسوء وهو بالنقل فضلا) ، لكان أظهر وأولى والله أعلم ، وفرغ الكلام في الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها ثم شرع في ذكر المتحركة المتحرك ما قبلها فقال
(241)
وَيُسْمِعُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ هَمْزُهُ لَدى فَتْحِهِ يَاءًا وَوَاوًا مُحَوَّلاَ

أي ويسمع حمزة همزة المفتوح بعد كسر ياء وبعد ضم واوا مبدلا من الهمزة فقوله محولا نعت للواو وحذف نعت ياء لدلالة الثاني عليه وأراد ياء محولا واوا محولا ولو كسر الواو من محولا لكان جائزا ويكون حالا من حمزة أي محولا للهمزة ياء وواوا ، وقوله همزة ثاني مفعولي يسمع والأول محذوف أي يسمع الناس همزه الموصوف إذا قرأه ياء وواوا أي يسمعهم إياه على هذه الصفة وبعضهم جعل يسمع متعديا إلى ثلاثة مفعوله الثالث قوله محولا ياء وواوا ، وهذا البيت فصيح النظم حيث لف الكلام فجمع بين الكسر والضم ثم رد إليهما قوله ياء وواوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر والواو إلى الضم فهو من باب قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) ، وقول امرئ القيس ، (كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والخشف البالي) ، واعلم أن قياس العربية في كل همزة متحركة متحرك ما قبلها إذا خففت أن تجعل بين بين إلا المفتوحة بعد كسر أو ضم فإنها تقلب ياء وواوا قالوا لأنها لو جعلت بين بين لقربت من ألف والألف لا يكون قبلها إلا فتح ومثال ذلك-فئة-ولئلا ومؤجلا-ويؤده-ونحو ذلك
(242)
وَفي غَيْرِ هذَا بَيْنَ بَيْنَ وَمِثْلُهُ يَقُولُ هِشَامٌ مَا تَطَرَّفَ مُسْهِلاَ

أي ويسمع همزه في غير ما تقدم ذكره بلفظ بين بين وهذا الغير الذي أشار إليه هو ما بقى من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك ومجموعهما تسعة لأن الحركات ثلاث كل واحدة قبلها ثلاث حركات فثلاثة في ثلاثة تسعة ، ذكر في البيت السابق منها قسمين مفتوحة بعد كسر مفتوحة بعد ضم وحكمهما الإبدال كما سبق فبقي لبين بين سبعة أقسام ، مفتوحة بعد مفتوح نحو-سأل-مآرب- ، مكسورة بعد فتح وكسر وضم نحو-بئس-وخاسئين وسئلوا ، مضمومة بعد فتح وكسر وضم نحو (رءوف-فمالئون-برءوسكم) ، وقد عرفت أن معنى قولهم بين بين أن تجعل الهمزة بين لفظها وبين لفظ الحرف الذي منه حركتها أي بين هذا وبين هذا ثم حذفت الواو والمضاف إليه منهما وبنيت الكلمتان على الفتح فهذه أصول مذهب حمزة في تخفيف الهمز على ما اقتضته لغة العرب ، ثم يذكر بعد ذلك فروعا على ما تقدم وقع فيها اختلاف ووجوها أخر من التخفيف غير ما سبق ذكره ، ثم قال ومثله أي ومثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرف من الهمز أي كل ما ذكرناه لحمزة في المتطرفة فمثله لهشام ولم يوافقه في المتوسطة لأن المتطرفة أحرى بالتخفيف لأنها آخر لفظ القارئ وموضع استراحته وانقطاع نفسه ويقع في النسخ ومثله بضم اللام ونصبها أجود لأنه نعت مصدر محذوف أي ويقول هشام في تسهيل ما تطرف من الهمز قولا مثل قول حمزة وما في قوله ما تطرف ظرفية كقوله (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، أي مهما تطرف الهمز فهشام موافق لحمزة في تخفيفه أو تكو ما مفعول يقول لأن يقول هنا بمعنى يقرأ أي يقرأ ما تطرف كقراءة حمزة له ومسهلا حال من هشام أي راكبا للسهل وأجاز الشيخ أن يكون حالا من الهاء في مثله العائدة على حمزة ثم ذكر الناظم فروعا للقواعد المتقدمة فقال
(243)
وَرِءْيَا عَلَى إِظْهَارِهِ وَإِدْغَامِهِ وَبَعْضٌ بِكَسْرِ الْها لِيَاءِ تَحَوَّلاَ

أي-ورءيا-مقروء أو مروي أو مستقر على إظهاره وإدغامه -أو-ورءيا-على إظهاره وإدغامه جماعة أي اختار قوم الإظهار وآخرون الإدغام يريد قوله تعالى في مريم (هم أحسن أثاثا ورءيا) ، وقد روي عن حمزة أنه استثناها فهمزها كما استثناها أبو عمرو فيما تقدم ذكره ثم قياس تخفيف همزها أن يبدل ياء لأنه ساكن بعد كسر فإذا فعل ذلك اجتمع ياءان فروى الإدغام لاجتماع ياءين وروى الإظهار نظرا إلى أصل الياء المدغمة وهو الهمز وكذلك الخلاف في-تؤوى-وتؤويه-لاجتماع واوين فكأن الناظم أراد ورءيا وما كان في معناه وكان يمكنه أن يقول ورءيا وتؤوى أظهرن أدغمن معا ، قال صاحب التيسير اختلف أصحابنا في إدغام الحرف المبدل من الهمز وفي إظهاره في قوله ورئيا وتؤوى وتؤويه فمنهم من يدغم إتباعا للخط ومنهم من يظهر لكون البدل عارضا والوجهان جائزان ثم ذكر أن بعضهم يكسر هاء الضمير المضمومة لأجل ياء قبلها تحولت تلك الياء عن همزة ويكون الضمير في تحولا للياء وذكر ضميره لأن حروف الهجاء كما ذكرنا فيها وجهان التذكير والتأنيث ويجوز أن يكون فاعل تحولا ضمير الهمز أي تحول الهمز إلى تلك الياء ثم مثل ذلك فقال
(244)
كَقَوْلِكَ أَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْهُمْ وَقَدْ رَوَوْا أَنَّهُ بِالخَطِّ كانَ مُسَهَّلاَ

يعني (أنبئهم) في البقرة (ونبئهم)في الحجر والقمر ، قال صاحب التيسير اختلف أهل الأداء في تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمز ياء قبلها في قوله أنبئهم ونبئهم فكان بعضهم يرى كسرها من أجل الياء وكان آخرون يبقونها على ضمتها لأن الياء عارضة قال وهما صحيحان يعني الوجهين ووجه قلب الهمزة في هاتين الكلمتين ياء أنها ساكنة بعد كسر فهو قياس تخفيفها فوجه كسر الهاء وجود الياء قبلها فصار نحو فيهم ويهديهم وهو اختيار ابن مجاهد وأبي الطيب بن غلبون وقال ابنه أبو الحسن كلا الوجهين حسن قال ابن مهران سمعت أبا بكر بن مقسم يقول ذهب ابن مجاهد إلى أبي أيوب الضبي فقال له كيف يقف حمزة على قوله تعالى (يا آدم أنبئهم) ، فقال أنبيهم خفف الهمزة وضم الهاء فقال له ابن مجاهد أخطأت وذكر تمام الحكاية ، ووجه ضم الهاء أن الياء عارضة لأن الهمزة لم تترك أصلا وإنما خففت وهي مرادة وهو اختيار مكي وابن مهران وهو الأشبه بمذهب حمزة ألا تراه ضم هاء-عليهم -وإليهم-و-لديهم-لأن الياء قبلها مبدلة من ألف وهاتان المسألتان (رءيا-وأنبئهم) ، فرعان لقوله فأبدله عنه حرف مد مسكنا ثم ذكر قاعدة أخرى مستقلة فقال وقد رووا أنه بالخط كان مسهلا أي أن حمزة كان يعتبر تسهيل الهمز بخط المصحف الكريم على ما كتب في زمن الصحابة رضي الله عنهم وذلك يعرف من مصنفات موضوعة له ، روى سليم عن حمزة أنه كان يتبع في الوقف على الهمز خط المصحف الكريم ، قال صاحب التيسير واعلم أن جميع ما يسهله حمزة فإنما يراعى فيه خط المصحف الكريم دون القياس ، قلت وضابط ذلك أن ينظر في القواعد المتقدم ذكرها فكل موضع أمكن إجراؤها فيه من غير مخالفة للرسم لم يتعد إلى غيره نحو جعل (بارئكم) ، بين الهمزة والياء وإبدال همز-أبرئ ياء وهمز-ملجأ-ألفا وإن لزم فيها مخالفة الرسم فسهل على موافقة الرسم فاجعل(تفتؤا) ، بين الهمزة والواو (من نبأ) ، بين الهمزة والياء ولا تبدلهما ألفا وكان القياس على ما مضى

ذلك لأنهما يسكنان للوقف وقبلهما فتح فيبدلان ألفا وهذا الوجه يأتي تحقيقه في قوله فالبعض بالروم سهلا ومثله في المتوسطة (أنبئكم) ، تجعل من بين الهمزة والياء أو تبدل ياء على خلاف يأتي وحكى ابن مهران خلافا في نحو (تائبات-سائحات) ، بين بين وإبدال الياء المحضة وكذا في نحو (رؤوف-تؤزهم) ، بين بين وإبدال الواو المحضة اتباعا للرسم ، قال غيره وقد تأتي مواضع يتعذر فيها اتباع الرسم فيرجع فيها إلى الأصول المتقدمة وما روي عن حمزة رحمه الله تعالى يحمل على ما يسوغ فيه ذلك والله أعلم
(245)
فَفِي الْيَا يَلِي والْوَاوِ وَالحَذْفِ رَسْمَهُ وَالاَخْفَشُ بَعْدَ الْكَسْرِ والضَّمِّ أَبْدَلاَ

بين بهذا مذهبه في اتباع الخط عند التسهيل ومعنى بلى يتبع ورسمه مفعول به أي يتبع رسم الخط في الياء والواو والحذف أي أن الهمز تارة تكتب صورته ياء وتارة واوا وتارة يحذف أي لا تكتب له صورة ، وإنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة ولم يذكر الألف وإن كانت الهمزة تصور بها كثيرا لأن تخفيف كل همزة صورت ألفا على القواعد المتقدمة لا يلزم منه مخالفة الرسم لأنها إما أن تجعل بين بين نحو (سأل) ، أي بين الهمزة والألف أو تبدل ألفا في نحو (ملجأ) ، فهو موافق للرسم وإنما تجيء المخالفة في رسمها بالياء والواو وفي عدم رسمها وقد بينا المخالفة في الياء والواو في كلمتي (تفتؤا-ومن نبأ) ، وقد رسم الهمز في كلمة واحدة رسمين مرة ألفا ومرة واوا نحو (الملأ) ، رسم بالألف إلا في أربعة مواضع ثلاثة في النمل وواحد في أول المؤمنون فسهل في كل موضع باعتبار رسمه وأما الحذف ففي كل همزة بعدها واو جمع نحو (فمالئون-يطئون-مستهزءون) ، فكل هذا لو خفف همزه باعتبار ما تقدم من القواعد لجعل الجميع بين بين باعتبار حركته في نفسه فإذا أريد تخفيفه باعتبار خط المصحف حذف الهمز حذفا حتى أنهم نصوا أنه يقول في-الموءودة المودة بوزن الموزة وفي نحو(برءاء) ، كتبت الأولى بالواو والثانية بالألف فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة والواو لأن الهمزة مفتوحة وإنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة والألف والثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا وهما اتباع الرسم والقياس لأنها سكنت للوقف وقبلها فتحة فأبدلت ألفا واتفق أن كان الرسم كذلك فلا وجه غيره وعلى اتباع الخط تكون الهمزة في (تراءى الجمعان)وفي(رءا القمر) ، متطرفة فلها حكم المتطرفة لأنه لم يرسم بعد الهمز فيهما شيء بل كتبا على لفظ الوصل ، ثم بين الناظم رحمه الله تعالى مذهب الأخفش النحوي وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة وهو الذي يأتي ذكره في سورة الأنعام وغير الذي ذكره في

سورة النحل ، ووجه اتصاله بما تقدم من وجهين ، أحدهما أنه ذكره استئناسا لمذهب حمزة في إبدال الهمزة المتحرك المتحرك ما قبله حرف مد إتباعا للخط حيث يلزم من تسهيله على القياس المقدم مخالفة الرسم فذكر أن من أئمة العربية الأكابر من رأى بعض ذلك في هذا الموضع بشرطه ، وقد ذكره صاحب التيسير فقال نحو (أنبئكم)-(وسنقرئك) ، يبدلها ياء مضمومة اتباعا لمذهب حمزة في اتباع الخط عند الوقف على الهمز وهو قول الأخفش أعني التسهيل في ذلك بالبدل ، الوجه الثاني أن يكون في المعنى متصلا بقوله وفي غير هذا بين بين كأنه قال إلا في موضعين فإن الأخفش أبدل فيهما فتصير مواضع الإبدال على قوله أربعة من تسعة هذا نوعان ونوعان وافق فيهما سيبويه وهما المذكوران في قوله ويسمع بعد الكسر والضم وقوله ذا الضم مفعول أبدلا أي أبدل الهمز المضموم بعد الكسر بياء وتمم بيان مذهب الأخفش فقال
(246)
بِيَاءِ وَعَنْهُ الْوَاوُ في عَكْسِهِ وَمَنْ حَكَى فِيهِمَا كَالْيَا وَكَالْوَاوِ أَعْضَلاَ

أي وعن الأخفش إبدال الواو في عكس ذلك وهو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم نحو-سئل-والأول نحو (تنبئهم بما) ، فأبدل المضمومة ياء والمكسورة واوا أبدلهما حرفين من جنس حركة ما قبلها فتارة يوافق مذهبه الرسم في نحو (تنبئهم) ، ومذهب سيبويه ما تقدم وهو جعل كل واحدة منها بين بين قال من قرر مذهب الأخفش لو جعلت هنا بين بين لقربت من الساكن فيؤدي إلى واو ساكنة قبلها كسرة وياء ساكنة قبلها ضمة ولا مثل لذلك في العربية كما أن المفتوحة بعد كسر أبدلت ياء وبعد ضم واوا كذلك ، وأجيب بأنه يلزمه أيضا في مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة وواو مكسورة بعد ضمة وذلك مطرح الاستعمال حقيقة وما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله فما ذكره أفظع وأما إلزامه المفتوحة فلأن إبدالها لا يؤدي إلى ما اطرح استعماله بخلاف ما ذكره ، ثم قال ومن حكى فيهما أي في المضمومة بعد كسر والمكسورة بعد ضم أن تجعل المضمومة كالياء والمكسورة كالواو أي تسهل كل واحدة منها بينها وبين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه والأخفش فمن حكى ذلك أعضل قال الشيخ أي أتى بعضلة وهي الأمر الشاق لأنه جعل همزة بين بين مخففة بينها وبين الحرف الذي منه حركة ما قبلها ، قلت وهذا الوجه مذكور في كتاب الكشف لأبي محمد مكي بن أبي طالب وغيره عن الأخفش ويقوى في مواضع توافق خط المصحف الكريم كالوقف على (لؤلؤ) ، المخفوض بروم الحركة لأنه يجعلها بين الهمزة والواو وذلك موافق للخط وعلى رأي سيبويه تصير بين الهمزة والياء فتخالف الخط فيوقفه بلا روم ليجد قبلها واوا فيوافق الرسم نص عليه مكي وقد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش في مذهب الفراء في نحو (يشاء إلى) ، أكثرهم أبدل الثانية واوا وبعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة والواو وقد غلط بعض الجهال لسوء فهمه فظن أن من سهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي من جنس حركة ما قبلها قدر

أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها ففي (تنبئهم)-(ويستهزءون) ، تسهل بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة وفي نحو (سئل-و-يشاء إلى) ، تسهل بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة وهذا جهل مفرط وغلط بين ولولا أني سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله فإن الهمزة محركة والحاجة داعية إلى تسهيلها وذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأي حاجة إلى تغير حركتها ونختل في وزنها ولفظها وإنما لما احتيج إلى الحرف الذي يسهل إليه قال أهل المذهب الصحيح يكون الحرف من جنس حركتها فهو أقرب إليها وقال قوم يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها كما لو كانت الهمزة ساكنة والفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها إذ لم يكن اعتبارها بنفسها وفيما ذكرناه لها حركة فاعتبارها بها أولى وهذا واضح لمن تأمله والله أعلم ، ويقال قد أعضل الأمر أي اشتد وغلظ واستغلق وأمر معضل لا يهتدي لوجهه والله أعلم
(247)
وَمْسْتَهْزِءُونَ الْحَذْفُ فِيهِ وَنَحْوِهِ وَضَمٌّ وَكَسْرٌ قِبْلُ قِيلَ وَأُخْمِلاً

هذا مفرع على القول بالوقف على مرسوم الخط فتحذف الهمزة منه لأنها لم تكتب لها في صورة وكذلك فيما أشبهه فيما فيه همزة مضمومة بعد كسر وبعدها واو ساكنة نحو (فمالئون)-(ليطفئوا)-(ويستنبئونك)-(ومتكئون) ، وهذا قد عرف مما تقدم وإنما عرضه بهذا البيت بيان الحركة لما قبل الواو بعد حذف الهمز وهذه مسألة ليست في التيسير ، وقال الشيخ في شرحه منهم من وقف (مستهزون -ومتكون) ، فضم ما قبل الواو ومنهم من كسر ما قبلها ولم يمد ثم قال وأخملا يعني المذهبين المذكورين وإنما أخملا لأن حركة الهمزة ألقيت على متحرك ، وفي الوجه الآخر واو ساكنة قبلها كسرة وليس ذلك في العربية ، قلت هذا الذي ذكره الشيخ فيه نظر وإن كان قد تبعه فيه جميع من رأيت له كلاما على شرح هذا البيت سوى الشيخ أبي عمرو رحمهما الله تعالى ، والصواب أن يقال ضم ما قبل الواو وجه جيد وليس نقلا لحركة الهمزة إليه وإنما بنى الكلمة على فعلها ، قال الفراء من العرب من يبدل الهمز يعني في الفعل فيقول استهزيت مثل استقضيت فمن وقف على (مستهزون) ، فعلى ذلك مثل مستقضون وقد ذكر الشيخ ذلك في شرحه وقال ابن مهران حكى عن الكسائي أنه قال من وقف بغير همز قال (مستهزون) ، فرفع الزاي ومثله متكون وليطفوا وأشباه ذلك قال وقال الزجاج أما ، (مستهزون) ، فعلى لغة من يبدل من الهمز ياء في الأصل فيقول في استهزئ استهزيت فيجب على استهزيت يستهزون ، قلت وقد قرئ ، (لا يأكله إلا الخاطون) ، بضم الطاء وترك الهمز رويت عن نافع كما قرأ (والصابون) ، فلا وجه لإخمال هذا الوجه أما كسر ما قبل الواو الساكنة فحقيق بالإخمال لأنه لا يوجد في العربية نظيره وهو الذي أراده الناظم رحمه الله تعالى إن شاء الله ، وتقدير البيت الحذف فيه وضم يعني في الحرف الذي قبل الهمز لأنه صار قبل الواو الساكنة فضم كما في قاضون ونحو ثم قال وكسر قبل قيل يعني قيل بالكسر قبل الواو وأخمل هذا القول لأنه على خلاف اللغة العربية

ولو أراد الناظم المعنى الأول لقال قيلا بالألف والوزن مؤات له على ذلك فلما عدل عنه إلى قيل دل على أنه ما أراد إلا وجها واحدا فيصرف إلى ما قام الدليل على ضعفه وهو الكسر ولا معنى لصرفه إلى الضم مع كونه سائغا في اللغة والألف في أخملا للإطلاق لا للتثنية والخامل الساقط الذي لا نباهة له وقد خمل يخمل خمولا وأخملته أنا والله أعلم
(248)
وَمَا فِيهِ يُلْقى وَاسِطاً بِزَوَائِدٍ دَخَلْنَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أُعْمِلاَ
أي واللفظ الذي فيه يوجد الهمز متوسطا بسبب حروف زوائد دخلن عليه واتصلن به خطا أو لفظا ولم يأته التوسط من انتظام حروف الكلمة فيه وجهان أعملا أي استعملا مأخذ الوجهين أنه هل يعطي ذلك الهمز حكم المتوسط فيسهل تسهيل مثله على ما سبق تفصيله أو حكم المبتدأ فيحقق وأصل ذلك الاعتداد بالزائد العارض وعدم الاعتداد به ، قال في التيسير والمذهبان جيدان وبهما ورد نص الرواة ، قلت ولا ينبغي أن يكون الوجهان إلا تفريعا على قول من لا يرى تخفيف الهمز المبتدإ لحمزة في الوقف خلف أما من يرى ذلك فتسهيله لهذا أولى لأنه متوسط صورة وقد سبق التنبيه عليه وقوله يلفي أي يوجد ومنه قوله تعالى (ما ألفينا عليه آباءنا) ، أي ما وجدنا كما قال تعالى ذلك في سورة لقمان ، وقوله واسطاً هو اسم فاعل من وسطت القوم وقد سبق ذكره ثم مثل ذلك فقال
(249)
كَمَا هَاوَيَا وَالَّلامِ وَالْبَا وَنَحْوِهَا وَلاَمَاتِ تَعْرِيفٍ لِمَنْ قَدْ تَأَمَّلاَ

ما في قوله كما زائدة أي الزائد مثل لفظ هاويا أماها ففي نحو (هأنتم هؤلاء) ، لأن الكلمة التي للإشارة إلى الجماعة أولاء دخل عليها حرف التنبيه وهو هاويا حرف النداء نحو (ياءيها-يا ءدم-يا ءولي)-(يا ءخت هارون) ، وإنما عد الهمز في هذين الموضعين متوسطا وإن كان الزائد الداخل عليه كلمة مستقلة بنفسها من جهة الاتصال خطا لأن ألف ها و يا محذوفة في رسم المصحف الكريم واتصلت الهاء والياء بالهمزة بعدهما والألف المتصلة بالياء في نحو (يأيها) ، هي صورة الهمزة وليست ألف يا والدليل على ذلك أنه إذا لم تكن بعد يا همزة لم يكتبوا ألفا أصلا نحو (يقوم)-(وينوح) واللام نحو (لأنتم أشد-ولأبويه) والباء مثل (بأنهم) ، ونحو هذه الزوائد (فأمنوا-وأمر-كأنهم-ءأنذرتهم-أفأنت-فبأي-لبإمام-سأريكم) ونحو ذلك ، ولامات التعريف نحو (الآخرة-والأرض) ، فالهمز في كل ذلك متوسط باعتبار أن ما دخل عليه متصل به خطا أو لفظا لا يمكن انفصاله منه والزائد ما أمكن فصله من الكلمة ولا تختل بنيتها فحروف المضارعة لا تعطي حكم الزوائد والهمز بعدها متوسط بلا خلاف نحو (يؤمن-يأكل) وكذا (وأمر-فأووا-وألحق به بعضهم-يا صالح ائتنا)-(وإلى الهدى ائتنا) ، والاختيار التحقيق لتأتي الوقف على ما قبل الهمزة فإن وقف بتخفيف (الهدى ائتنا) لم يمل الألف لأنها بدل الهمزة وليست ألف الهدى وهو اختيار أبي عمرو الداني وقيل بل هي ألف الهدى وحذفت المبدلة من الهمزة ويحتمل أن ترجع ألف الهدى ويجمع بين الألفين بزيادة المد فعلى هذا تسوغ الإمالة في ألف الهدى لمن مذهبه الإمالة وقد سبق ذكر الوجهين والله أعلم ، وقوله تعالى (هاؤم) ، في الحاقة ليس لها حكم هأنتم لأن همزة هاؤم متوسطة لأنها من تتمة كلمة ها بمعنى خذ ثم اتصل بها ضمير الجماعة المتصل وها أنتم الهاء فيه للتنبيه دخل على أنتم وتسهل همزة هاؤم بلا خلاف بين بين ويوقف هاؤم ومنع مكي من الوقف عليها ظنا منه أن الأصل هاؤموا بواو وإنما

كتبت على لفظ الوصل فحذفت فقال لا يحسن الوقف عليها لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط وإن وقفت بغير وخالفت الأصل وذكر الشيخ معنى ذلك وشرحه وهو سهو فإن الميم في هاؤم مثل الميم في أنتم الأصل فيها الصلة بالواو على ما سبق في بيان قراءة ابن كثير ورسم المصحف الكريم في جميع هذا الباب بحذف الواو فيما ليس بعده ساكن فما الظن بما بعده ساكن فالوقف على الميم لجميع القراء وإذا كان ابن كثير الذي يصل ميم الجمع بواو في الوصل لا يقف بالواو على الأصل فما الظن بغيره فإن قلت هلا جرى الوجهان في نحو (دعاؤكم-و-هاؤم) ، لأن الهمز فيها متوسط بزائد دخل عليه بعده كما لو كان الزائد قبله قلت لأن الهمز هنا دائر بين أن يكون متوسطا أو متطرفا وأياما كان فحمزة يسهله بخلاف ما إذا كان الزائد متقدما فإن الهمز يصير مبتدأ والمبتدأ فيه الخلاف كما سبق ولم تكن له حاجة إلى ذكر لام التعريف لأنه قد فهم له الخلاف فيه مما سبق في مذهب ورش ولكنه أراد إعلام أنه من هذا النوع والنقل فيه أولى من غيره والله أعلم
(250)
وَاشْمِمْ وَرُمُ فِيمَا سِوى مُتَبَدِّلٍ بِهَا حَرْفَ مَدٍّ وَاعْرِفِ الْبَابَ مَحْفِلاً

هذا عطف على كلام مقدر دل عليه ما تقدم أي افعل ما ذكرت لك من تخفيف الهمزة وأشمم ورم في مواضع ذلك بشرطه أي أن تخفيف الهمز المتطرف ليس بمانع من جريان الروم والإشمام فقطع بهذا الكلام وهم من توهم ذلك والروم والإشمام من خصائص الأطراف يجريان في المضموم دون المفتوح عند القراء ويجري الروم وحده في المكسور فمعنى البيت أنهما جائزان في كل ما تقدم بشروطهما إلا في موضع يبدل طرفه بالهمزة حرف مد أي ألفا أو واوا أو ياء سواكن وقبلهن حركات من جنسهن أو ألف فلا روم ولا إشمام حينئذ لأن هذه حروف سواكن لا أصل لهن هنا في الحركة فصرن مثلهن في يخشى ويدعوا ويرمي وذلك نحو-الملأ-ولؤلؤ-والباريء-ويشأ-وضابطه كل همز طرف قبله متحرك أو ألف وقد سبق ذكر النوعين في قوله فأبدله عنه حرف مد مسكنا ويبدله مهما تطرف مثله فأما ما قبله ساكن غير الألف فيصح رومه وإشمامه وهو نوعان أحدهما ما ألقي فيه حركة الهمز على الساكن نحو دفء والثاني ما أبدل فيه الهمز حرفا وأدغم فيه ما قبله نحو (قروء-وشيء) ، فكل واحد من هذين النوعين قد أعطي حركة فترام تلك الحركة ، أما ما ألقى عليه حركة الهمز فظاهر وأما نحو-قروء-فقد أدغم في الحرف المبدل من الهمز ما قبله ولا يدغم إلا في متحرك وضابطه كل همز طرف قبله ساكن غير الألف وهذا معنى قول صاحب التيسير والروم والإشمام جائزان في الحرف المتحرك بحركة الهمزة وفي المبدل منها غير الألف ، ومحفل القوم مجتمعهم أي هذا الباب موضع اجتماع أنواع تخفيف الهمز فاعرفه ونصبه على الحال
(251)
وَمَا وَاوٌ أَصْلِيٌّ تَسَكَّنَ قَبْلَهُ أوِ الْيَا فَعَنْ بَعْضٍ بِالإِدْغَامِ حُمِّلاَ

أي والهمز الذي تسكن قبله واو أصلي يعني إذا وقعت واو أصلية ليست بزائدة وهي ساكنة قبل الهمز نحو (سوء-والسوأى) أو ياء كذلك نحو (شيء)-(واستيأس) ، فقد ذكر أن مثل هذا تنقل إليه الحركة وتقدم أنهما لو كانا زائدين أبدل الهمز مثلهما وأدغما فيه فروى بعضهم عنه إجراء الأصلي مجرى الزائد في الإبدال والإدغام وحكى جواز ذلك عن العرب يونس وسيبويه وكان الأحسن أن يذكر هذا البيت عقيب قوله ويدغم فيه الواو والياء مبدلا إذا زيدتا البيت ويقول عقيبه وإن ولو أصلى بلفظ حرف إن الشرطية فهي أحسن هنا من لفظ ما وأقوم بالمعنى المراد ولو فعل ذلك لاتصل الكلام في الإدغام واتصل هنا كلامه في الروم والإشمام فإن هذا البيت الآتي متعلق بقوله وأشمم ورم على ما سنبينه فوقع هذا البيت فاصلا في غير موضعه من وجهين وبعضهم صوب ما فعله الناظم وقال قصد أولا أن يلخص من أحكام التسهيل حكما واحدا اشتهر ثم يذكر بعد ذلك أحكاما أخر كما فعل في (مستهزؤن) وغيره والله أعلم
(252)
وَمَا قَبْلَهُ التَحْرِيكُ أَوْ أَلِفٌ مُحَرَّكاً طَرَفاً فَالْبَعْضُ بالرَّوْمِ سَهَّلاَ

المذكور في هذا البيت هو ما امتنع رومه وإشمامه لأجل البدل على ما تقدم بيانه حكى فيه وجه آخر عن حمزة أنه كان يجعل الهمز في ذلك بين بين كأنه لما كان البدل يفضي إلى تعطيل جريان الروم المختار لجميع القراء على ما سيأتي في بابه لم يبدل وخفف الهمز بالتسهيل كما لو كان الهمز متوسطا إلا أن الوقف لا يكون على متحرك بل على ساكن أو مروم فالوقف بالسكون لا تسهيل معه إلا بالبدل والوقف بالروم يتأتى التسهيل معه بلفظ بين بين فنزل النطق ببعض الحركة وهو الروم منزلة النطق بجميعها وكل ذلك حركة الهمزة فسهلها بين بين فهذا معنى قوله بالروم سهلا أي في حال الروم أي وقع التسهيل بحالة الروم ، وخفي هذا المعنى على قوم فقالوا لا معنى لبين بين إلا روم الحركة فعبر عن الروم بكونه يجعلها بين بين وهذا التأويل ليس بشيء فإن النطق بالروم غير النطق بالتسهيل برهانه أن الروم عبارة عن النطق ببعض حركة الحرف فلا يلزم من ذلك تغيير ذلك الحرف كما إذا رام الدال من زيد والتسهيل بين بين بغير لفظ النطق بالهمزة والروم نطق ببعض حركة الهمزة أو حركة ما جعل بدلا عنها وهو كونها بين بين وهذا أوضح ولله الحمد ، فحاصل ما في هذا البيت أن ما دخل في الضابط الذي ذكره وسنبينه فلحمزة فيه وجهان ، أحدهما أن يقف بالسكون فيلزم إبدال الهمز حرف مد فلا روم إذا ولا إشمام كما سبق ذكره وهذا الذي تقدم استثناؤه له ، والثاني أنه يروم حركة الهمزة ويجعلها بين بين ثم إذ قلنا بهذا الوجه فهل يجري في المفتوح جريانه في المضموم والمكسور أو لا يجري فيه إذ لا روم فيه عند القراء فيه اختلاف ، وقد ذكر هذا الوجه مكي في الكشف وجعله المختار فيما يؤدي فيه الوقف بالسكون إلى مخالفة الخط نحو (تفتأ) ، واختار الوقف بالسكون فيما يوافق الخط نحو (يبديء) ، وقوله محركا طرفا حالان من الهمز المعبر عنه بما في قوله وما قبله التحريك أو ألف أي والهمز المحرك الذي هو طرف إذا وقع قبله تحريك

نحو (قال الملأ) أو ألف نحو (يشاء) ، فالبعض وقف بالروم وسهل ويجوز أن يكون طرفا حالا من الضمير المستكن في محركا ويجوز أن يكون محركا حالا من مفعول سهل المحذوف تقديره فالبعض بالروم سهلة محركا طرفا وفيه ضعف لتقدمه على فاء الجزاء ولا يستقيم أن يكون طرفا تمييزا على معنى محركا طرفه لأن المراد بالمحرك هو الطرف وهو الهمز ولو كان المراد بالمحرك اللفظ لاستقام ذلك لكن لا يمكن أن يكون المراد به اللفظ لقوله وما قبله التحريك أو ألف لأن المراد أن الحركة أو الألف قبل الهمزة لا قبل اللفظ ولا يكون في هذا النوع إشمام لأن حالة الروم لا حاجة إلى الإشمام وأن يبدل الهمز حرف مد فلا إشمام أيضا ولا روم على ما سبق فلو كان هذا البيت جاء عقيب قوله وأشمم ورم لكان أوضح للمقصود وأبين ، وقلت أنا بيتين قربا معنى بيتيه على ما شرحناهما به ، (وأشمم ورم في كل ما قبل ساكن سوى ألف وامنعهما المد مبدلا) ، أي في كل همزة قبلها ساكن غير الألف وهما نوعان النقل والإدغام كما سبق أو يقول ، (وأشمم ورم تحريك نقل ومدغم كشيء دف وامنعهما المد مبدلا) ، أي وامنع المد أي في حرف المد المبدل من الهمز من الروم والإشمام ، ثم بين ذلك الذي يمنعه منهما فقال ، (وذلك فيما قبله ألف أو الذي حركوا والبعض بالروم سهلا) ، فانضبط في هذين البيتين على التفصيل كل ما يدخله الروم والإشمام وما يدخلانه والله أعلم
(253)
وَمَنْ لَمْ يَرُمْ وَاعَتدَّ مَحْضاً سُكُونَهُ وَألْحقَ مَفْتُوحاً فَقَدْ شَذَّ مُوغِلاَ

أي ومن الناس من لم يرم لحمزة في شيء من هذا الباب أي ترك الروم في الموضع الذي ذكرنا أن الروم يدخله وهو كل ما قبله ساكن غير الألف فنفى الروم فيه وألحق المضموم والمكسور بالمفتوح في أن لا روم فيه فلم يرم ، (لكم فيها دفء)-كما لم يرم-(يخرج الخبء) ، فقال الناظم هذا قد شذ مذهبه موغلا في الشذوذ لأنه قد استقر واشتهر أن مذهب حمزة الروم في الوقف إلا فيما ثبت استثناؤه ويجوز أن يكون هذا القائل بنى مذهبه في ترك الروم على أن حمزة وقف على الرسم فاسقط الهمزة إذ لا صورة لها في نحو (سوء-وشيء-ودفء-وقروء) ، فما قبل الهمز في ذلك كله حرف ساكن لا حظ له في الحركة فلا روم وهذا مأخذ حسن والله الحمد ، ويجوز أن يكون نظر إلى أن حركة النقل والمدغم من جنس الحركة العارضة وتلك لا يدخلها روم ولا إشمام فقاس هذه عليها ، ويقال في نظم هذا ، (ومن لم يرمه أو يشم وقاسه بعارض شكل كان في الرأي محملا) ، ولو أتى بهذا البيت بعد قوله وأشمم ورم كان أحسن لأنه متعلق به وليس هو من توابع قوله فالبعض بالروم سهلا والهاء في سكونه عائدة على من في قوله ومن لم يرم أو على الحرف الذي لا يرام لأن سياق الكلام دال عليه ولا تعود على صاحب القراءة لأنهما اثنان حمزة وهشام إلا أن يريد حمزة وحده أو القارئ من حيث هو قارئ ويقطع النظر عن تعدده ، فإن قلت لم لم تعد على ما في قوله وما قبله التحريك والتقدير فالبعض سهله بالروم ومن لم يرمه واعتد محضا سكونه فقد شذ ويكون هذا البيت من تبع البيت الذي قبله لا من أتباع قوله وأشمم ورم أي ومن لم يرم في هذا المتحرك الطرف الذي قبله متحرك أو ألف ولم ير الوقوف عليه إلا بالسكون فقد شذ ، قلت يمنع من ذلك أنه قد منع الروم والإشمام في موضع يبدل فيه الهمز حرف مد والموضع الذي يبدل فيه الهمز حرف مد هو المحرك الطرف الذي قبله محرك أو ألف فإذا كان هذا مختارا فيه ترك الروم كيف يعود يقول ومن لم يرم فقد شذ وإنما أشار بهذا إلى

الموضع الذي نص على جواز رومه ، فإن قلت إن كان هذا هو المراد فهل لا قال ومن لم يرم ولم يشم ولم اقتصر على ذكر الروم دون الإشمام قلت يجوز أن يكون هذا الفريق الذي نفى الروم جوز الإشمام ولم ينفه لأنه إشارة بالعضو لا نطق معه فهو أخف من الروم والباب باب تخفيف فناسب ذلك ذلك ويجوز أن يكون أيضا نفى الإشمام واقتصر الناظم على ذكر الروم اجتزاء به عن الإشمام لأن الكلام فيه من القوة والوضوح ما يدل على ذلك فهو من باب قوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر) ، ولم يقل تعالى والبرد لأنه معلوم والله أعلم ، على أن من الناس من جعل هذا البيت متعلقا بما قبله وقال من الناس من أنكر الروم في هذا النوع فتعذر التسهيل وأخذ في ذلك بالبدل لا غير فهذا قد أتى بقول شاذ لكونه أنكر هذا الوجه وهو مروي عن حمزة قال ومنهم من أجرى التسهيل بالروم بالمفتوح أيضا وهذا أتى أيضا بقول شاذ مخالف لما عليه اختيار القراء فأشار الناظم في هذا البيت إلى إبطال هذين القولين أي ومن لم يأخذ بالتسهيل في ذلك وأخذ به في الحركات كلها فقد شذ وإنما ينبغي الأخذ به في المضموم والمكسور لأنهما محل الروم عند القراء ، وقوله محضا أي ليس فيه للتحريك شائبة ما لأن الروم بخلاف ذلك وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله اعتد لأنه بمعنى حسب وظن واعتقد ونحو ذلك ومفتوحا ثاني مفعولي ألحق على حذف حرف الجر والمفعول الأول محذوف أي ألحق مضموم هذا البيت ومكسوره بالمفتوح الذي أجمعوا على ترك رومه والإيغال السير السريع والإمعان فيه
(254)
وَفِي الْهَمْزِ أَنْحَاءٌ وَعِنْدَ نُحَاتِهِ يُضِيءُ سَنَاهُ كُلَّمَا اسْوَدَّ أَلْيَلاَ

أي وروى في تخفيف الهمز وجوه كثيرة وطرائق متعددة اشتمل عليها كتب القراآت الكبار والانحاء المقاصد والطرائق واحدها نحو وهو القصد والطريقة وقد ذكر الناظم رحمه الله تعالى من تلك الطرائق أشهرها وأقواها لغة ونقلا وذكر شيئا من الأوجه الضعيفة ونبه على كثرة ذلك في كتب غيره والهاء في نحاته وسناه للهمز أي يضيء ضوءه عند النحاة لمعرفتهم به وقيامهم بشرحه كلما أسود عند غيرهم لأن الشيء الذي يجهل كالمظلم عند جاهله والنحويون هم المتصدون لكشف ما أشكل من هذا ونحوه مما يتعلق باللسان العربي ، هذا إن كان كلما مفعولا ليضيء وتكون ما نكرة موصوفة أي كل شيء أسود ويجوز أن يكون ظرفا لازما لأن ما يجوز أن تكون ظرفية ولفظ كل إذا أضيف إلى الظرف صار ظرفا كقوله تعالى (كل يوم هو في شأن) ، فمعناه على هذا كلما أسود الهمز عند غير النحاة أضاء عندهم سناه أي كثر ضوؤه فيكون يضيء بلا مفعول لأن أضاء يستعمل لازما ومتعديا ، قال الله تعالى (كلما أضاء لهم مشوا فيه) ، وقال فلما أضاءت ما حوله فعبر الناظم بالإضاءة عن وضوحه عند العلماء به وبالسواد عن إشكاله عند الجاهلين له وأليلا حال أي مشبها ليلا أليل في شدة سواده يقال ليل أليل ولائل أي شديد الظلمة كقولهم شعر شاعر للتأكيد والمبالغة والله تعالى أعلم
باب الإظهار و الإدغام
(255)
سأَذْكُرُ أَلْفَاظًا تَلِيهَا حُرُوفُهَا بالإظْهَارِ وَالإدْغَامِ تُرْوىَ وَتُجْتَلاَ
أراد بالألفاظ كلمات تدغم أواخرها السواكن وهي لفظ إذ وقد وبل وهل ونفس تاء التأنيث وقوله تليها حروفها أي يتبع كل لفظ منها ذكر الحروف التي تدغم أواخر هذه الألفاظ فيها وتظهر على اختلاف القراء في ذلك وإنما يذكر تلك الحروف في أوائل كلمات على حد ما مضى في شفا لم تضق وللدال كلم ترب سهل ونحو ذلك والله أعلم
(256)
فَدُونَكَ إِذْ فِي بَيْتهَا وَحُرُوفُهَا وَمَا بَعْدُ بالتَقْييدِ قُدْهُ مُذَلَّلاَ

إذ منصوب المحل على الإغراء كقوله ودونك الإدغام أي خذ من تلك الألفاظ كلمة إذ فهي السابقة في الذكر في بيتها أي تفرد لذكرها بيت مستقل تذكر فيه هي والحروف التي تدغم الذال منها فيها فقوله وحروفها بالنصب عطف على إذ وما بعد معطوف أيضا أي وخذ ما أذكره بعد ذلك وسنبينه في البيت الآتي ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره أي وما يأتي بعد ذلك قده مذللا أي خذه سهلا بسبب التقييد الذي أبينه به أي لا أدع فيه إلباسا وهو من قولهم بعير مذلل إذا كان سهل القياد وهو الذي خزم أنفه ليطاوع قائده ثم بين ذلك فقال
(257)
سَأُسْمِي وَبَعْدَ الْوَاوِ تَسْمُو حُرُوفُ مَنْ تَسمَّى عَلَى سِيمَا تَرُوقُ مُقَبَّلاَ

يعني أسمى القراء إما بأسمائهم أو بالرمز الدال عليهم ثم آتي بواو فاصلة بعد الرمز وآتي بعد الواو الفاصلة بحروف من سميت من القراء يعني الذي يظهر ذلك القارئ ذال إذ عندها أو يدغم وهذا في غير القراء الذين اطرد أصلهم في إظهار واحدة من الألفاظ المذكورة عند جميع حروفها وإدغامها فإنه يقول في هذا أظهرها فلان وأدغمها فلان ثم يذكر من انقسم مذهبه إلى إظهار وإدغام فيقول وأظهر فلان كذا وأدغم فلان كذا ، وحكمة الواو الفاصلة أن لا تختلط الحروف الدالة على القراء بالحروف المدغم فيها ولهذا إذا صرح باسم القارئ لا يأتي بالواو كقوله وأدغم ورش ضر-ظمآن-وأدغم ورش ظافرا وإن رمز أتى بالواو كقوله وأظهر-ريا-قوله واصف جلا فالواو في واصف فاصلة بين رمز القراء والحرف المدغم فيه ولولا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف ومثله وأدغم مرو واكف ضير وأدغم كهف وافر سيب لولا الواو لكانت الضاد من ضير والسين من سيب محتملة أن تكون رمز القارئ ورمز الحرف المدغم فيه وإذا صرح بالاسم لم يكن إلباس لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز ومصرح باسمه والسمو الارتفاع والعلو كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه بسبب أنه قد فصل بالواو بينها وبين رمز القارئ ، والسيما العلامة وراق الشي صفا أي أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة والمقبل التقبيل أو نفس الثغر وهو منصوب على التمييز أو عبر به عن نفس الفم لأن الفم منه يخرج الكلام فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم كأنها خاطبتك به فيحصل منها ما يشفيك ويروقك أي يقوم بما تريده منها وكل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء في هذا الباب لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها في غيره ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا في غير إذ من باقي الألفاظ فقال
(258)

وَفِي دَالِ قَدْ أَيْضًا وَتَاءٍ مُؤَنَثِ وَفِي هَلْ وَبَلْ فَاحْتَلْ بِذِهْنِكَ أَحْيَلاَ
أي أذكر ذلك أيضا في باقي الألفاظ ، وقوله احتل من الحوالة أو من الحيلة وأحيلا من الحيلة يقال هو أحيل منك وأحول منك أي أكبر حيلة وهو منصوب على الحال والذهن الفطنة والحفظ أي احتل بذهنك على ما وعدتك به أو احتل في استخراجه ، وهذه الأبيات الأربعة غير وافية بالتعريف بما صنعه في هذه الأبواب على ما ستراه وتهيأ لي مكانها أربعة أبيات لعلها تفي بأكثر الغرض فقلت سأذكر ألفاظا أخيرا حروفها البيت أي الحرف الأخير من كل لفظ منها هو الذي يروى بالإظهار والإدغام فهو أولى من نسبة ذلك إلى اللفظ بكماله ثم ذكرت الألفاظ فقلت ، (فدونك إذ قد بل وهل تا مؤنث لدي أحرف من قبل واو تحصلا) ، أي أذكر كل واحد منها وحروفها التي عندها يختلف في إظهارها وإدغامها فإذا تمت الحروف جاءت كلمة أولها واو دليلا على انفصالها ، (وقراءها المستوعبين وبعدهم أسمى الذي في أحرف اللفظ فصلا) ، أي ودونك القراء الذين استوعبوا الإظهار عند الحروف والإدغام أي أول ما أبدأ أن أقول أظهر هذا الحرف عند جميع الحروف أو أدغم فلان وفلان وبعد ذلك أذكر من فصل فأدغم في بعض وأظهر في بعض فإذا فرغ ذكر من فصل علمت أن باقي القراء استوعبوا الإدغام في الجميع إن كان الأولون أظهروا والإظهار إن كان المستوعبون الأولون أدغموا ثم ذكرت كيفية نظمه لمن استوعب أو فصل من القراء فقلت ، (ويرمز مع واو وبعد حروفه أوائل كلم بعدها الواو فيصلا) ، أي بعد الفراغ من الرمز للقراء تأتي الواو الفاصلة فهي بعد المستوعبين فاصلة بين المسائل على ما جرت به العادة في سائل المسائل ففصل بها هنا بين المستوعبين والمفصلين كقوله فإظهارها أجرى دوام نسيمها وأظهر قالوا وفي أظهر مثال ما ذكرناه والواو الآتية بعد رمز المفصلين فاصلة بين القراء وحروفهم التي أدغموا عندها أو أظهروا فإذا تمت حروف ذلك الرمز جاءت

واو أخرى فاصلة بين المسائل وهي التي تجري في سائر المواضع ، فحاصل الأمر أنه احتاج في هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين ، الأولى بين القارئ والحروف والثانية بين المسائل ، وتأتي أمثلة ذلك في استعماله وقوله أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف ثم ذكر ذال إذ فقال
ذكر ذال إذ
(259)
نعم (إ)ذ (تـ)مشت (ز)ينب (صـ)ـال (د)لُّهَا (سـ)مِيَّ (جـ)مال واصلا من توصلا
كأنه قدر أن مستدعيا طلب منه الوفاء بما وعد في قوله سأذكر فقال مجيبا نعم وهو على عادته في تضمين الكلمات المأخوذ حروف أوائلها إما تغزل كما تقدم في شفا لم تضق وإما بثناء على صالح كقوله ترب سهل وحيث تغزل عني واحدة من نساء أهل الجنة على ما هو لائق بحاله رضي الله عنه ، وصال بمعنى استطال ووثب والدل الدلال وسمي جمال وإصلاحا لأن من الدل والسمي الرفيع ومعنى واصلا من توصلا أي يصل من توصلا إليه أي الحروف التي تدغم فيها ذال إذ هي هذه الستة من التاء إلى الجيم وواو واصلا فاصلة وأمثلة ذلك (إذ تبرأ الذين)-(وإذ زين)-(وإذا صرفنا)-(إذ دخلوا عليه)-(لولا إذ سمعتموه)-(إذ جاءكم من فوقكم) ، ثم ذكر من أظهرها في الكل فقال
(260)
فإِظْهَارُهَا (أ)جْرى (د)وَامَ (نُـ)سَيمِهَا وَأَظْهَرَ (رُ)يَا (قـ)وْلِهِ وَاصِفٌ جَلاَ

أي أظهر ذال إذ عند جميع حروفها الستة نافع وابن كثير وعاصم وتابعهم الكسائي وخلاد عند الجيم فقط وأدغما عند البواقي والإظهار في جميع هذه الأبواب هو الأصل ووجه الإدغام التخفيف لقرب المخارج ومن فرق جمع بين اللغتين وقيل ليست الجيم كالبواقي في القرب من الذال والواو في وأظهر وفي واصف للفصل ، والنسيم الريح الطيبة والريا بالقصر الرائحة الطيبة والهاء في قوله لواصف وريا مفعول أظهر أي أظهر واصفها طيب رائحة قوله أي لما وصفها واصف وجلا وصفها أي كشفه ، أظهر بقوله ثناء عطرا وما أظهرته من الجمال والزينة أجرى دوام نسيمها ثم ذكر باقي المفصلين الذين أدغموا في بعض وأظهروا في بعض فقال
(261)
وَادْغَمَ (ضَـ)ـنْكاً وَاصِلٌ تُومَ (دُ)رّه وَادْغَمْ (مُـ)ـوْلَى وُجْدُهُ (د)ائمٌ وَلاَ
أي أدغم خلف عند التاء والدال وأظهر عند الأربعة الباقية وأدغم ابن ذكوان عند الدال وحدها وأظهر عند الخمسة الباقية وباقي القراء وهم أبو عمرو وهشام فقط على الإدغام عند الستة والواو في وأدغم في الموضعين وفي ولا للفصل بين المسائل والواو في واصل وفي وجده للفصل بين الرمز والحرف والضنك الضيف والتوم جمع تومة وهي الحبة تعمل من الفضة كالدر أي أدغم الضيق رجل وصل توم دره والمولى هنا هو الولي المحب والوجد بضم الواو الغني ومولى فاعل أدغم ، وقوله وجده دائم جملة إبتدائية في موضع الصفة لمولى أي غناه بها دائم ستر أمره وكتم ضره والولا بالكسر المتابعة ويكون صفة لمولى أيضا على تقدير ذو ولا أو يكون محله نصبا على التمييز أي متابعة دائمة ولو كان ولا بالفتح بمعنى الموالاة لكان حسنا وكان مفعول أدغم الثاني أي أدغم المولى ولاه ومحبته ويكون موافقا لأدغم الأول فإن ضنكا مفعوله والله أعلم
ذكر دال قد
(262)
وَقَدْ (سَـ)ـحَبَتْ (ذ)يْلاً (ضَـ)ـفَا (ظ)ـلَّ (زَ)رْنَبٌ (جـ)ـلَتْهُ (صـ)ـبَاهُ (شـ)ـاَئِقاً وَمُعَلِّلاَ

أي والحروف التي تدغم فيها دال قد وتظهر في هذه الثمانية من السين إلى الشين أمثلتها (قد سمع الله)-(ولقد ذرأنا)-(قد ضلوا)-(فقد ظلم نفسه)-(ولقد زينا)-(ولقد جاءهم)-(ولقد صرفنا)-(وقد شغفها حبا) ، والواو في ومعللا فاصلة والضمير في سحبت لزينب المقدم ذكرها وضفا طال والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة جلته صباه أي كشفته ريحه وشائقا خبر ظل أي يشوق من وجد ريحه ومعللا عطف عليه أي مرويا لظمائه إليه مرة بعد مرة أو ملهيا له عن كل شيء يقال علله بالشيء أي ألهاه به والهاء في جلته لزرنب وفي صباه للذيل يعني أن طيب ريح ذيلها كشف عن طيب الزرنب وأبان محله كأنه إذا شم الزرنب تذكر به ريح ذيلها فيظل الزرنب شائقا ومعللا ، وللشعراء في هذا المعنى وما يقاربه نظوم كثيرة والله أعلم
(263)
فَاظْهَرَهَا (نَ)ـجَمٌ (بـ)ـدَا (دَ)ـلَّ وَاضِحاً وَأَدْغَمَ وَرْشٌ (ضَـ)ـرَّ (ظ)ـمْآنَ وَامْتَلاَ
أي فأظهر دال قد عند جميع حروفها عاصم وقالون وابن كثير وأدغمها ورش عند الضاد والظاء فقط وأظهرها عند باقي الحروف فهو في هذا الباب والذي بعده مفصل وكان من المستوعبين الإظهار في ذال إذ والواو في واضحا وامتلأ للفصل وقد تكررت في الموضعين بواو وأدغم بعدهما ، والنجم يكنى به عن العالم
(264)
وَادْغَمَ (مُـ)ـرُوٍ وَاكِفٌ (ضـ)يْرَ (ذ)ابِلٍ (ز)وى (ظ)ـلَّهُ وَغْرٌ تَسَدَّاهُ كَلْكلاَ
أي وفصل ابن ذكوان أيضا فأدغم عند الضاد والذال والزاي والظاء وأظهر عند الأربعة الباقية ، والواو في واكف وفي وغر فاصلة ومرو واسم فاعل من أروى يروي ويقال وكف البيت أي قطر والضير الضر والذابل الذاوي وزوى من زويت الشيء أي جمعته ومنه زوى فلان المال عن ورثته والوغر جمع وغرة وهي شدة توقد الحر وتسداه أي علاه وكلكلا بدل من الهاء في تسداه بدل البعض من الكل على حذف الضمير أي كلكله والكلكل الصدر أي لم يبق الوغر له ظلا لنحافته وضره
(265)

وَفِي حَرْفِ زَيَّنَا خِلاَفٌ وَمُظْهِرٌ هِشَامٌ بِص حَرْفَهُ مُتَحمِّلاَ
أي اختلف عن ابن ذكوان في (ولقد زينا) ، فروى له فيه الإظهار والإدغام ، قال صاحب التيسير روى النقاش عن الأخفش الإظهار عند الزاي وأظهر هشام (لقد ظلمك) ، في ص فقط ولم تجيء دال قد عند الزاي إلا في (ولقد زينا) ، الذي فيه الخلاف لابن ذكوان فلهذا لم يضره تخصيص لفظ زينا وأما دال قد عند الظاء فجاءت في غير حرف ص فلهذا قيد بص وليس فيها غير هذا الموضع فتعين ، فقد صار ابن عامر بكماله مفصلا أدغم بعضا وأظهر بعضا وورش كذلك والباقون وهم أبو عمرو وحمزة والكسائي أدغموها في الجميع وهشام مبتدأ ومظهر خبره مقدم عليه وحرفه مفعول بالخبر ومتحملا حال أي تحمل هشام ذلك ونقله والهاء في حرفه تعود على هشام لأنه لم يظهر غير هذا الموضع فهو حرفه الذي اشتهر بإظهاره ولو عاد على ص لقال حرفها والله أعلم
ذكر تاء التأنيث
(266)
وَأَبْدَتْ (سَـ)ـنَا (ثَـ)غْرٍ (صـ)ـفَتْ (ز)رْقُ (ظَ)لمِهِ (جـ)ـمَعْنَ وُرُوداً بَارِداً عَطِر الطِّلاَ

أي تاء التأنيث الساكنة المتصلة بالأفعال في أي كلمة وقعت اختلفوا في إظهارها وإدغامها عند هذه الحروف الستة من السين إلى الجيم وتجمع أمثلتها بهذا البيت ، (مضت كذبت لهدمت كلما خبت ومع نضجت كانت لذلك مثلا) ، أي هذا المذكور مثل ذلك وإنما نظمتها لأن أمثلتها تصعب لأنها ليست بلفظ واحد فيستذكر به ما بعده بخلاف إذ وقد ، وقد أتيت بالأمثلة على ترتيب الحروف المذكورة في البيت إلا أن الجيم قد تقدمت على الظاء وهي (مضت سنت الأولين)-(كذبت ثمود)-(لهدمت صوامع)-(كلما خبت زدناهم)-(نضجت جلودهم)-(كانت ظالمة) ، والواو في ورودا فاصلة ثم تمم البيت بما يلائم معناه المقصود بظاهر اللفظ ، والضمير في أبدت لزينب والسنا الضوء والثغر ما تقدم من الأسنان وزرق جمع أزرق بوصف الماء لكثرة صفائه بذلك ويقولون نطفة زرقاء أي صافية وقال زهير ، (فلما وردن الماء زرقا حمامه وضعن عصى الحاضر المتخيم) ، والظلم ماء الأسنان وبريقها هو كالسواد داخل عظم السن من شدة البياض كفر ند السيف وقال الشاعر ، (إلى شنباء مشربة الثنايا بماء الظلم طيبة الرضاب) ، الشنباء ذات الشنب وهو حدة في الأسنان حين تطلع يراد حداثتها وقيل هو بردها وعذوبتها ، والرضاب الريق ، وقوله جمعن يعني الرزق ورودا أي ذا ورود يعني الريق والورود الحضور ثم وصفه بأنه بارد عطر والطلاء بالمد ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه ويسمى به الخمر أيضا والعطر الطيب الرائحة ومن عادة الشعراء تشبيه الريق بالخمر لجلالتها عند الجاهلية وتبعهم في ذلك من بعدهم من الشعراء ، قال الشيخ أو يكون الطلا بمعنى الشفا من طلا الإبل قلت وقصره في الوقف على ما مضى في أجذم العلا والله أعلم
(267)
فإِظْهَارُهَا (دُ)رٌّ (نَـ)مَتْهُ (بُـ)ـدُورُهُ وَأَدْغَمَ وَرْشٌ (ظَ)ـافِراً وَمُخَوِّلاَ

أي أظهرها عند جميع حروفها الستة ابن كثير وعاصم وقالون وهم الذين أظهروا دال قد عند حروفها الثمانية وإنما غاير بين ألفاظ الرمز في الموضعين كما غاير في عبارة الإظهار بين اللفظين فقال في دال قد فأظهرها نجم بجملة فعلية وقال هنا بجملة إسمية حذرا من تكرار الألفاظ واشتراكها ومعنى نمته رفعته وأدغم ورش عند الظاء فقط كما فعل في دال قد إلا أنه ليس هنا ضاد معجمة وأظهرها عند الباقي والمخول الملك وكما اتحد في البابين أسماء المستوعبين للإظهار اتحد أيضا المستوعبون للإدغام فهم أبو عمرو وحمزة والكسائي واتحد أيضا من فصل وهو ابن عامر وورش وقد تمم ذلك بقوله
(268)
وَأَظْهَرَ (كـ)ـهْفٌ وَافِرٌ (سـ)ـيْبُ (جُـ)ودِهِ (زَ)كيٌّ وَفيٌّ عُصْرَةً وَمُحَلَّلاَ
أي وأظهر ابن عامر عند ثلاثة السين والجيم والزاي والواو في وافر وفي قوله وفي فاصلة والعصرة الملجأ والمحلل المكان الذي يحل فيه وهما حالان من فاعل وأظهر أي الذي أظهر كان بهذه الصفات تشد إليه الرحال ويقتبس من فوائده والسيب العطا وقد تقدم أي عطاؤه وافر وصف الكهف بثلاث صفات وهي أنه وافر العطا وأنه زكي وفي ثم نصب عنه حالين لأجل القافية وإلا كانتا صفتين والله أعلم
(269)
وَاظْهَرَ رَاويهِ هِشَامٌ لَهُدِّمَتْ وَفِي وَجَبَتْ خُلْفُ ابْنِ ذَكْوانَ يُفْتَلاَ

أي راوي مدلول كهف أي أظهر هشام راوي ابن عامر (لهدمت صوامع) ، زيادة على ما مضى دون باقي مواضع الصاد نحو (حصرت صدورهم) وفي (وجبت جنوبها) ، خلاف لابن ذكوان دون قوله تعالى (نضجت جلودهم) ، فإنه يظهره على أصله ، وقوله يفتلى أي يتدبر ويبحث عنه من فليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معانيه وكذلك فليت شعر الرأس وفليته شدد للتكثير وإنما قال ذلك لأن الإظهار هو المشهور عن ابن ذكوان وعليه أكثر الأئمة ولم يذكر في التيسير غيره وذكر الإدغام في غير التيسير في قراءته على فارس ابن أحمد لابن ذكوان وهشام معا وذكر أبو الفتح في كتابه عن هشام الإدغام فيه وعن ابن ذكوان الإظهار عند الجيم حيث وقع فقد صار الخلاف في (وجبت جنوبها) عن ابن عامر بكماله والأولى الإظهار على ما أطلقه في البيت الأول
ذكر لام هل و بل
(270)
ألا بَلْ وَهَلْ (تَـ)ـرْوِي (ثَـ)ـنَا (ظ)عْنِ (زَ)يْنَبٍ (سـ)مِيرَ (فَ)ـوَاهَا (طِ)ـلْحَ (ضُ)ـرٍ وَمُبْتَلاَ

أي لام هاتين الكلمتين لها هذه الحروف الثمانية من التاء إلى الضاد اختلف في إدغامها وإظهارها عندها وكذا أطلق غيره هذه العبارة وهي موهمة أن كل واحدة من الكلمتين تلتقي مع هذه الثمانية في القرآن العزيز وليس كذلك وإنما تختص كل واحدة منها ببعض هذه الحروف وتشتركان في بعض فمجموع ما لها ثمانية أحرف واحد يختص بهل وهو الثاء نحو-هل ثوب- ، وخمسة تختص ببل وهي السين والظاء والضاد والزاي والطاء نحو-بل سولت-بل ظننتم-بل ضلوا-بل زين-بل طبع الله ، واثنان لهما معا وهما التاء والنون نحو-هل ترى-بل تأتيهم ، (هل ننبئكم) بل نحن ، فلو أن الناظم قال ، (ألا بل وهل تروى نوى هل ثوى وبل سرى ظل ضر زائد طال وابتلا) ، لزال ذلك الإيهام أي لام هل وبل لهما التاء والنون وهل وحدها الثاء وليل الخمسة الباقية والأحرف تنبيه يستفتح به الكلام ثم قال بل فأضرب عن الأول وهو الإخبار ثم استفهم فقال هل تروي أي هل تروي هذا الكلام الذي أقوله وهو ثنا ظعن زينب إلى آخره كأنه يستدعي منه أن يسمعه ذلك ومعنى ثنا كف وصرف والظن السير والسمير والمسامر هو المحدث ليلا وأضافه إلى نواها لمخالطته إياه كأنه يسامره أي سير زينب صرف محبها عن حاجته والطلح بكسر الطاء الغبي وأضافه إلى الضر لأنه منه نشا وهو منصوب على الحال من سمير نواها ومبتلا عطف عليه أي صرفته في هذه الحال ويجوز أن يكون ضمن ثنى معنى صير فيكون طلح ضر مفعولا ثانيا والله أعلم بالصواب
(271)
فَأَدْغَمَهَا (رَ)اوٍ وَأَدْغَمَ فَاضِلٌ وَقُورٌ (ثـ)ـنَاهُ (سَـ)ـرّ (تـ)ـيْماً وَقَدْ حَلاَ

أي فأدغم لامهما الكسائي عند جميع الحروف والباقون على إظهارها عند الجميع إلا حمزة وأبا عمرو وهشاما فإنهم فصلوا فأدغموا في بعض وأظهروا في بعض ، أما حمزة فأدغم في ثلاثة أحرف الثاء والسين والتاء وأظهر عند البواقي والواو في وقور وفي وقد حلا فاصلة والوقور ذو الحلم والرزانة وتيم اسم قبيلة مستقلة من غير قريش وينسب حمزة إليها بالولاء أو بالنسب فقد وافق التضمين معنى لائقا بالقارئ أي ثناؤه سر قومه ومواليه والثناء ممدود وإنما قصره في قوله ثناء والله أعلم بالصواب
(272)
وَبَلْ فِي النِّسَا خَلاَّدُهُمْ بِخِلاَفِهِ وَفِي هَلْ تَرَى الْإدْغَامُ حُبَّ وَحُمِّلاَ
، أي أن خلادا له خلاف في قوله تعالى (بل طبع الله عليها) ، في سورة النساء وأدغم أبو عمرو-هل ترى-وهو في موضعين (هل ترى من فطور)-(فهل ترى لهم من باقية) ، وأظهر باقي جميع هذا الباب
(273)
وَاظْهِرْ لَدى وَاعٍ (نَـ)ـبِيلٍ (ضَـ)ـماَتُهُ وَفِي الرَّعْدِ هَلْ وَاسْتَوْفِ لاَ زَاجِراً هَلاُ
أي أظهر هشام عند النون والضاد مطلقا وعند التاء في الرعد في قوله تعالى (أم هل تستوي الظلمات) ، وأدغم الباقي ولم يدغم أحد الذي في الرعد لأن حمزة والكسائي يقرآن (يستوي) ، بالياء وهما أهل الإدغام أو هشام استثناه لأنه يقرؤه بالتاء وباقي القراء أهل الإظهار والواو في واع واستوف فاصلة أي واستوف جميع هذا الباب غير زاجر بهلا وهي كلمة يزجر بها الخيل فحذف الخافض والتقدير لا قائلا هلا لأن الزجر قول فعداه تعديته والمعنى خذه بغير كلفة ولا تعب لأني قد أوضحته وقربته إلى فهم من أراده والله أعلم
باب اتفاقهم في إدغام إذ و قد و تاء التأنيث و هل و بل
(274)
وَلاَ خُلفَ فِي الإِدْغَامِ إِذْ (ذَ)لَّ (ظ)ـاَلِمٌ وَقَدْ (ت)ـيَّمَتْ (دَ)عْدٌ وَسِيماً تَبَتَّلاَ

أي أدغموا ذال إذ في مثلها نحو (إذ ذهب) ، وفي الظاء لأنها من مخرجها نحو (إذ ظلمتم) ، وأدغموا دال قد في مثلها نحو (وقد دخلوا بالكفر) ، وفي التاء لأنها من مخرجها نحو (وقد تعلمون أني) ، ولم يقع في القرآن إذ عند الثاء المثلثة ولا عند الطاء المهملة وإلا لوجب الإدغام للموافقة في المخرج والوسيم الحسن الوجه وتبتل أي انقطع وكذلك لا خلاف في إظهار ذال إذ ودال قد عند خمسة أحرف يجمعها بل نفر
(275)
وَقَامَتْ (تُـ)ـرِيِه (دُ)مُيْةٌ (ط)ـيبَ وَصْفِهَا وَقُلْ بَلْ وَهَلْ (ر)اهَا (لَ)ـبَيبٌ وَيَعْقِلاَ

أي ولا خلاف في إدغام تاء التأنيث في مثلها وفي الحرفين اللذين من مخرج التاء وهما الدال والطاء المهملتان نحو (ربحت تجارتهم)-(وإذا غربت تقرضهم)-(فلما أثقلت دعوا الله)-(أجيبت دعوتكما)-(فآمنت طائفة من بني إسراءيل وكفرت طائفة)-(إذ همت طائفتان) ، والواو في وصفها فاصلة وقد تكررت والدمية الصورة من العاج ونحوه وتشبه بها المرأة وجمعها دمى ثم ذكر أن اللام من هل وبل واجبة الإدغام في مثلها نحو (بل لا تكرمون-فهل لنا من شفعاء) ، وفي الراء لقربها منها نحو (بل ران-هل رأيتم) ، واللام من-قل-مثلهما في ذلك نحو (قل لئن اجتمعت-قل ربي أعلم) ، فيجوز أن يكون قصد ذلك في قوله-وقل-بل-وهل-أي لام هذه الكلمات الثلاث تدغم في مثلها وفي الراء ويجوز أن يكون لم يقصد ذلك وإنما وقع منه كلمة-وقل-تتميما للنظم كما وقع مثل ذلك في كلم عديدة من هذه القصيدة وهذا الوجه هو الظاهر لأن الباب معقود فيما اتفق عليه من إدغام ما سبق الخلاف فيه والذي سبق ذكره من اللامات المختلف فيها هو لام بل وهل ولم يجمع هذا الباب ذكر جميع ما اتفق عليه ولهذا لم يذكر-قل-في ترجمة الباب ، فإن قلت لم أدغم-هل ترى-بل تأتيهم ولم يدغم-قل تعالوا-قلت لأن قل فعل قد أعل بحذف عينه فلم يجمع إلى ذلك حذف لامه بالإدغام من غير ضرورة وبل وهل كلمتان لم يحذف منهما شيء فأدغم لامهما ، فإن قلت فقد أجمعوا على إدغام-قل ربي-قلت لشدة القرب بين اللام والراء وبعد اللام من التاء والله أعلم ، وقوله راها بألف بعد الراء أراد راءها بهمزة بعد الألف مقلوب رآها بألف بعد الهمزة وكلاهما لغة كقوله ويلمه لو راءه مروان فقصر الناظم الممدود من هذه اللغة ونصب قوله ويعقلا على جواب الاستفهام بالواو والله أعلم
(276)
وَمَا أَوْلُ الْمِثْلَينِ فِيهِ مُسَكَّنٌ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِدْغَامِهِ مُتَمَثِّلاَ

لما ذكر أن الذال من إذ والدال من قد وتاء التأنيث واللام من بل وهل تدغم كل واحدة في مثلها خاف أن يظن أن ذلك مختص بهذه الكلمات فتدارك ذلك بأن عمم الحكم وقال كل مثلين التقيا وأولهما ساكن فواجب إدغامه في الثاني لغة وقراءة وسواء كان ذلك في كلمة نحو يدرككم الموت أو في كلمتين نحو-ما تقدم- ، ولا يخرج من هذا العموم إلا حرف المد نحو (وأقبلوا)-(في يومين) ، فإنه يمد عند القراء ولا يدغم وقرأت في حاشية نسخة قرئت على المصنف رحمه الله قوله متمثلا يريد متشخصا لا هوائيا واحترز بهذا عن الياء والواو إذا كانتا حرفي مد ، قلت وهذا احتراز فيه بعد من جهة أن متمثلا غير مشعر بذلك إذا أطلق والله أعلم (وفي ماليه هلك عني سلطانيه) ، خلاف والمختار الوقف على ماليه فإن وصل لم يتأت الوصل إلا بالإدغام أو تحريك الساكن وقال مكي في التبصرة يلزم من ألقى الحركة في (كتابيه إني-أن يدغم-ماليه هلك) ، لأنه قد أجراها مجرى الأصلي حين ألقى الحركة وقدر ثبوتها في الوصل ، قال وبالإظهار قرأت وعليه العمل وهو الصواب إن شاء الله تعالى ، قلت يعني بالإظهار أن يقف على-ماليه-وقفة لطيفة وأما إن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفا وهو لا يدري بسرعة الوصل وإن كان الحرفان في كلمة واحدة مختلفتين إلا أنهما من مخرج واحد نحو (حصدتم-و-وعدتم-و-ألم نخلقكم-و-إن طردتهم) ، فالإدغام لكونهما من مخرج واحد في كلمة واحدة ذكره الشيخ في شرحه وهذا مما يدل على أن الساكن من المثلين والمتقاربين أثقل من المتحرك حيث أجمع على إدغام الساكن واختلف في إدغام المتحرك ونظير هذا ما تقدم من اجتماع الهمزتين والثانية ساكنة فإنهم أوجبوا إبدالها وإن كانت متحركة جوزوا تسهيلها ولم يوجبوه وما ذكرناه من أن حرف المد لا يدغم قد ادعى فيه أبو علي الأهوازي الإجماع فقال في كتابه الكبير المسمى بالإيضاح المثلان إذا اجتمعا وكانا واوين قبل

الأولى منهما ضمة أو ياءين قبل الأولى منهما كسرة فإنهم أجمعوا على أنهما يمدان قليلا ويظهران بلا تشديد ولا إفراط في التلبين بل بالتجويد والتبيين مثل (آمنوا وكانوا) في يوسف (في يتامى النساء) ، قال وعلى هذا وجدت أئمة القراءة في كل الأمصار ولا يجوز غير ذلك فمن خالف هذا فقد غلط في الرواية وأخطأ في الدراية ، قال فأما الواو إذا انفتح ما قبلها وأتى بعدها واو من كلمة أخرى فإن إدغامها حينئذ إجماع مثل (عفوا وقالوا-عصوا وكانوا-آووا ونصروا-واتقوا وآمنوا) ، ونحو ذلك وذكر أن بعض شيوخه خالف في هذا والله سبحانه أعلم
باب حروف قربت مخارجها
(277)
وَإِدْغَامُ باءِ الْجَزْمِ فِي الْفَاءٍ (قَـ)ـدْ (ر)سَا (حَـ)مِيداً وَخَيِّرْ فِي يَتُبْ (قـ)ـاَصِداً وَلاَ

أضاف الباء إلى الجزم الداخل عليها أراد الباء المجزومة وهي في خمسة مواضع أما ثلاثة منها فالباء فيها مجزومة بلا خلاف عند النحويين (أو يغلب فسوف)-(وإن تعجب فعجب قولهم)-(ومن لم يتب فأؤلئك) ، والموضعان الآخران الباء فيهما مجزومة عند الكوفيين دون البصريين وهما (قال اذهب-فمن-اذهب فإن لك) ، فلأجل الاختصار سمي الكل جزما واختار قول الكوفيين والبصريون يسمون نحو هذا وقفا فلو عبر عن الكل بالوقف لكان خطأ لأن أحدا لم يقل في الثلاثة الأول إنها موقوفة والاختصار منعه أن ينص على كل ضرب باسمه وصفته أي ادغم الباء الموصوفة في الفاء خلاد والكسائي وأبو عمرو ولخلاد خلاف في قوله تعالى في الحجرات (ومن لم يتب فأؤلئك) ، وعبر عن الخلاف بلفظ التخيير إذ لا مزية لأحد الوجهين على الآخر فأنت فيها مخير لأن الكل صحيح ومثله ما تقدم في سورة الفاتحة وقالون بتخييره جلا وهذه عبارة صاحب التيسير هنا فإنه قال وخير خلاد في (ومن لم يتب فأؤلئك) ، وأظهر ذلك الباقون وأثنى على الإدغام بأنه قد رسا حميدا أي ثبت محمودا خلافا لمن ضعفه هنا وقاصدا حال والولاء بالفتح النصر أي قاصدا بالتخيير نصر الوجهين المخير فيهما ، فإن قلت لم قال وإدغام باء الجزم ، قلت لأن الباء غير مجزومة لم تدغم إلا في رواية شاذة عن أبي عمرو في الإدغام الكبير لأنه إدغام متحرك لا ريب فيه (ولله المشرق والمغرب فأينما-من المغرب فبهت)
(278)
وَمَعْ جَزْمِهِ يَفْعَلْ بِذلِكَ (سَـ)ـلَّمُوا وَنَخْسِفْ بِهِمْ (رَ)اعَوْا وَشَذَّا تَثَقُلاً

الهاء في جزمه ليفعل لأنه مؤخر في المعنى نحو في بيته يؤتي الحكم أي وإدغام لفظ يفعل مع جزمه أي حال كونه مجزوما وحرف العطف كما يجوز دخوله على الجملة يدخل أيضا على ما يتعلق بها نحو قوله تعالى (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) ، أي وترى يوم ومعناه أدغم أبو الحارث عن الكسائي اللام المجزومة من يفعل ذال ذلك وهو ، (ومن يفعل ذلك) ، في ستة مواضع في القرآن في البقرة وآل عمران وفي النساء موضعان وفي سورة المنافقين والفرقان فإن لم يكن يفعل مجزوما لم يدغم نحو (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) ، وقوله سلموا أي سلموه من الطعن بما احتجوا له به ، (ويخسف بهم) ، في سورة سبأ راعوا إدغامه أي راقبوه فقرءوا به ولم يلتفتوا إلى من رده أي أدغم الفاء المجزومة في الباء الكسائي وحده فإن تحركت لم تدغم نحو (بل نقذف بالحق) ، والألف في قوله وشذا ضمير يفعل ويخسف أي شذ إدغام هذين الحرفين عند أهل النحو فهم يضعفونه وتثقلا أي إدغاما وهو تمييز أي وشذ إدغامهما أو حال على تقدير ذوي تثقل
(279)
وَعُذْتُ عَلَى إِدْغَامِهِ وَنَبَذْتُهاَ شَوَاهِدُ (حَـ)ـمَّادٍ وَأَورِثْتُوُا (حَ)ـلاَ
(280)
(لَـ)ـهُ (شَـ)ـرْعُهُ وَالرَّاءُ جَزْماً يِلاَمِهاَ كَوَاصِبرْ لِحُكْمِ (طـ)َالَ بُالْخُلْفُ (يَـ)ذْبُلاَ

أي أدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو الذال في التاء في كلمتين وهما (وإني عذت) ، في غافر الذنب والدخان وفي طه (فنبذتها) ، وأدغم الثاء في التاء في (أورثتموها) ، في الأعراف والزخرف هؤلاء مع هشام ونبذتها عطف على الهاء في إدغامه أي على إدغام عذت وإدغام نبذتها شواهد حماد أو التقدير ونبذتها كذلك والضمير في له لحماد أي شواهد قارئ كثير الحمد وشواهد حماد وحلا له شرعه كلام حسن ظاهرا وباطنا ومعنى شرعه طريقه والراء جزما أي مجزومة أي ذات جزم ونصبه على الحال أي أدغمت في حال جزمها بلامها أي في اللام المعهود إدغامها فيها كما سبق في الإدغام الكبير نحو (واصبر لحكم ربك)-(أن اشكر لي)-(يغفر لكم من ذنوبكم) ، أدغمها السوسي لأنه يدغمها متحركة فساكنة أولى وعن الدوري خلاف لأن الساكن يدغم منه ما لا يدغم من المحرك على ما سبق في الياء واللام والفاء ولم يذكر صاحب التيسير هذا التفصيل بل ذكر الإدغام عن أبي عمرو نفسه وقال بخلاف بين أهل العراق في ذلك ويذبل اسم جبل أي طال الإدغام في شهرته عن أبي عمرو يذبل أي علاء خلافا لما قاله النحاء ، وإلى هنا ثم كلام الناظم في الإدغام فيأخذ للباقين الإظهار في جميع ذلك ثم عبر في المواضع الباقية من هذا الباب بالإظهار فيأخذ للمسكوت عنه الإدغام فقال
(281)
وَيس اظْهِرْ (عَ)ـنْ (فَـ)ـتى (حَـ)ـقُهُ (بَـ)ـدَا وَن وَفيهِ الْخِلْفُ عَنْ وَرْشِهمْ خَلاَ

حرك النون من هيجاء ياسين ون بالفتح وحقها أن ينطق بها ساكنة على الحكاية وإنما فعل ذلك لضرورة الشعر إذا الساكنان لا يلتقيان في حشو النظم وكذا نون من (طس) ، كما يأتي ودال صاد مريم واختار حركة الفتح على حد قوله في أول آل عمران (ألم الله) ، فإنه لما وجب تحريك الميم للساكن بعدها فتحت فكذا في هذه المواضع ولا يجوز أن يكون إعرابها ففتحها لأنه مفعول به كما تعرب المبنيات من الحروف عند قصد الألفاظ كما يأتي في شرح قوله وكم لو وليت لأنه لو قصد ذلك لنون إذ لا مانع من الصرف على هذا التقدير لأنه لم يرد اسم السورة وإنما أراد هذا اللفظ والوزن مستقيم له في-يس-و-ن-فيقول وياسينا أظهر بنقل حركة همزة أظهر إلى التنوين ثم يقول ونونا ثم هو على حذف مضاف أي ونون ياسين أظهر وكذا نون نون ودال صاد ونون طس وكان ينبغي أن يذكر النون من هذه الحروف في باب أحكام النون الساكنة والتنوين لأنه منه وفرع من فروعه وإنما ذكره هنا لأجل صاد مريم لئلا يتفرق عليه ذكر هذه الحروف ولم يذكرها صاحب التيسير إلا في مواضعها من السور أي أظهر النون من (يس و-ن) ، حفص وحمزة وابن كثير وأبو عمرو وقالون وأدغم الباقون وعن ورش وجهان في نون (ن والقلم) خاصة ، ومعنى خلا مضى أي سبق ذكر المتقدمين له ووجه الإدغام في ذلك ظاهر قياسا على كل نون ساكنة قبل واو على ما يأتي في الباب الآتي ووجه الإظهار أن حروف الهجاء في فواتح السور وغيرها حقها أن يوقف عليها مبينا لفظها لأنها ألفاظ مقطعة غير منتظمة ولا مركبة ولذلك بنيت ولم تعرب
(282)
وَ(حِرْمِيُّ) (نَـ)ـصْرِ صَادَ مَرْيَمَ مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ لَبِثْتَ الْفَرْدَ وَالجَمْعُ وَصَّلاَ

أي أظهر نافع وابن كثير وعاصم جميع ما في هذا البيت وهو ثلاثة أحرف الدال من هجاء صاد في ، (كهيعص ذكر) ، ولا خلاف في إظهارها من (والقرآن) ، فلهذا ميزها منها بقوله صاد مريم وأظهروا الدال عند الثاء المثلثة من قوله (ومن يرد ثواب) ، حيث وقع وأظهروا الثاء عند التاء من-لبثت-كيفما وقع فردا وجمعا فالفرد-لبثت-بضم التاء وفتحها نحو (قال كم لبثت قال لبثت) والجمع نحو قال (إن لبثتم إلا قليلا) دون قوله (لبثنا يوما) ، فهو وإن كان جمعا إلا أنه ليس فيه تاء والمدغم إنما هو الثاء عند التاء لأن المثال الذي ذكره كذلك وهو لبثت ثم قال الفرد والجمع يعني من هذا اللفظ دون غيره وقوله صاد مريم مفعول وصل في آخر البيت وكذا ما بعده ولهذا نصب نعت لبثت وهو الفرد والجمع أي وصل هذا المجموع ويجوز أن يكون ذلك مفعول فعل مضمر أي أظهر صاد مريم وما بعده لأن الكلام في الإظهار ويقع في بعض النسخ للفرد والجمع بالضم ، قال الشيخ رحمه الله هو مثل (وكل وعد الله) ، في قراءة ابن عامر ولا حاجة إلى العدول عن النصب عطفا على صاد مريم لأن حكم الكل واحد فلا معنى لقطع بعضه عن بعض والله أعلم ، ثم قال وصل أي وصل هذه الجملة إلينا بالإظهار والضمير في وصل عائد على لفظة حرمي نصر لأنه مفرد دال على مثنى كما سبق تقريره في الرموز فهو كقوله في موضع آخر حرميه كلا ولا تكون الألف في وصلا ضمير تثنية لأن القارئ ثلاثة لا إثنان فلم يبق إلا أن تكون الألف للإطلاق
(283)
وَطس عِنْدَ الْمِيم (فَـ)ـازَا اتَخَذْتُمْ أَخَذْتُمْ وَفِي الإِفْرَادِ (عَ)ـاشَرَ (دَ)غْفَلاَ

أي ونون-طس-فاز بالإظهار عند الميم يعني-طسم-في أول الشعراء والقصص احترازا من الذي في أول النمل فإن نونه مظهرة بلا خلاف والفاء رمز حمزة وأظهر حفص وابن كثير الذال من نحو (اتخذتم آيات الله)-(وأخذتم على ذلكم إصري) ، فهذا ضمير الجمع ثم قال وفي الإفراد يعني نحو (فأخذتهم فكيف كان عقاب)-(لئن اتخذت إلها غيري)-(لتخذت عليه أجرا)-(ثم أخذتها وإلي المصير) ، وتقدير الكلام إظهار اتخذتم في الجميع وفي الإفراد عاشر دغفلا ويقال عيش دغفل أي واسع وعام دغفل أي مخصب يشير إلى ظهور الإظهار وسعة الاحتجاج له ولا مانع من توهم أن إظهار اتخذتم وأخذتم لفاز ثم قال وفي الإفراد حفص وابن كثير والواو فصل
(284)
وَفِي ارْكَب (هُـ)ـدى (بَـ)ـرٍ (قَـ)ـرِيبٍ بِخُلْفِهِمْ (كَـ)ـمَا (ضـ)ـاَعَ (جـ)ـاَ يَلْهَثْ (لَـ)ـهُ (دَ)ارِ (جُـ)ـهَّلاَ
أي والإظهار في اركب هدى قارئ ذي بر متواضع يعني قوله تعالى في سورة هود (اركب معنا) ، أظهر الباء البزي وقالون وخلاد بخلف عنهم وأظهرها ابن عامر وخلف وورش بلا خلاف وأظهر الثاء من (يلهث ذلك) ، هشام وابن كثير وورش ويلهث موضعان في الأعراف الخلاف في الثاني منهما والأول لا خلاف في إظهار ثائه فكان ينبغي أن يقيده كما قيد صاد مريم ، فإن قلت الثاء لا تدغم في الهمزة فلهذا اغتفر أمرها قلت والدال لا تدغم في الواو فهلا اغتفر أمرها والبر بفتح الباء ذو البر وضاع أي انتشر واشتهر من ضاع الطيب إذا فاحت رائحته ودار فعل أمر من دارى يداري وجهلا جمع جاهل وما أطبع اقتران هذه الكلمة في الظاهر كما ضاع جا يلهث
(285)
وَقَالُونُ ذُو خُلْفٍ وَفِي الْبَقَرَهْ فَقُلْ يُعَذِّبْ (دَ)نَا بالْخُلْفِ (جَ)ـوْداً وَمُوبِلاَ

قد تقدم في شرح الخطبة أنه إنما سمى قالون هنا بعد الرمز لأنه يذكر الخلف له كأنه مستأنف مسألة أخرى كقوله وبصروهم أدري ولهذا قال ذو خلف بالرفع لأنه خبر وقالون الذي هو مبتدأ ولو عطف قالون على ما قبله لقال ذا خلف نصبا على الحال يعني لقالون خلاف في الثاء من يلهث وأما (يعذب من يشاء) ، في آخر البقرة فابن عامر وعاصم يضمان الباء كما سيأتي في موضعه والباقون من القراء يسكنونها ثم ثم انقسموا فمنهم من أظهرها وهو ورش وعن ابن كثير خلاف وأدغم الباقون وأسكن الناظم الهاء من البقرة ضرورة وكذا ما يأتي مثله وهو جائز للشاعر في الضرورة قال الراجز ، (لما رأى أن لا دعه ولا شبع ) ، والجود المطر الغزير ونصبه على الحال أي ذا جود وموبلا عطف عليه وهو اسم فاعل من أوبلا وقد استعمل فعله في سورة الأنعام فقال (حمى صوبه بالخلف در وأوبلا) ، والمعروف وبلت السماء فهي وابلة والوابل المطر الغزير فيجوز أن يكون أوبلا مثل أغدوا جرب أي صار ذا وبل وقيل الموبل الذي أتى بالوبل وهو المطر والله أعلم
باب أحكام النون الساكنة و التنوين
(286)
وَكُلُّهُمُ التَّنْوينَ وَالنُّونَ ادْغَمُوا بِلاَ غُنَّةٍ فِي الّلاَمِ وَالرَّا لِيَجْمُلاَ
أي كل القراء أدغموهما في اللام والراء للقلب وأسقطوا غنة التنوين والنون منهما لتنزلهما من اللام والراء منزلة المثل لشدة القرب والضمير في ليجملا للام والراء أو التنوين والنون ولم يقيد النون في نظمه بالسكون اجتزاء بذكر ذلك في ترجمة الباب ولو قال وقد أدغموا التنوين والنون ساكنا لحصل التقييد ولم يضر إسقاط لفظ كل لأن الضمير في أدغموا يغني عنه
(287)
وَكُلٌّ بِيَنْمُو أَدْغَمُوا مَعَ غُنَّةٍ وَفِي الْوَاوِ وَالْيَا دُونَهَا خَلَفٌ تَلاَ

جرت عادة المصنفين أن يقولوا النون الساكنة تدغم في حروف كلمة يرملون فلما قدم الناظم في البيت السابق ذكر اللام والراء جمع الباقي من حروف يرملون في كلمة ينمو أي كل القراء أدغموا النون الساكنة والتنوين في حروف ينمو وهي أربعة الياء والنون والميم والواو ولم يذهبوا غنتهما معها لأن حروف ينمو ليست في القرب إليها كقرب اللام والراء ، قال الشيخ رحمه الله اعلم أن حقيقة ذلك في الواو والياء إخفاء لا إدغام وإنما يقولون له إدغام مجازا وهو في الحقيقة إخفاء على مذهب من يبين الغنة لأن ظهور الغنة يمنع تمحض الإدغام لأنه لا بد من تشديد يسير فيهما وهو قول الأكابر قالوا الإخفاء ما بقيت معه الغنة وأما عند النون والميم فهو إدغام محض لأن في كل واحد من المدغم والمدغم فيه غنة وإذا ذهبت إحداهما بالإدغام بقيت الأخرى وخلف أدغمهما عند الواو والياء بلا غنة كما يفعل عند اللام والراء فهو إدغام محض على قراءته وقوله دونها أي دون الغنة وفي اللغة حذف الغنة وإبقاؤها جائز عند الحروف الستة ويستثنى مما نسبه في هذا البيت إلى الكل وإلى خلف ما سبق ذكره من نوني يس ون والقلم
(288)
وَعِنْدَهُمَا لِلكُلِ أَظْهِرْ بِكِلْمَةٍ مَخَافَةَ إِشْبَاهِ الْمُضَاعَفِ أَثْقَلاَ

أي وعند الواو والياء أظهر النون الساكنة إذا جاءت قبلهما في كلمة واحدة نحو صنوان وقنوان والدنيا وبنيانه لأنك لو أدغمت لأشبه ما أصله التضعيف وهذا كاستثناء السوسي همزة (رءيا) ، يبدلها خوفا من أن يشبه لفظه لفظ الري كما تقدم ولم تلتق النون الساكنة في كلمة بلام ولا راء ولا ميم في القرآن العزيز فلهذا لم يذكر من حروف يرملون غير الواو والياء وأما النون إذا لقيها فيجب الإدغام للمثلية وأما التنوين فلا مدخل له في وسط الكلمة ولا في أولها وأثقلا حال من فاعل إشباه وهو الذي فيه الكلام وإشباه مصدر أشبه كإكرام مصدر أكرم وأضيف إلى المفعول وهو المضاعف أي مخافة إشباه هذا الذي ذكرناه وهو صنوان ونحوه في حال كونه ثقيلا أي مدغما المضاعف فالمضاعف هو المفعول أضيف إليه المصدر نحو عجبت من إكرام زيد أي من إكرام عمرو له والمضاعف هو الذي في جميع تصرفاته يكون أحد حروفه الأصول مكررا نحو حيان وحتان ورمان والله أعلم
(289)
وَعِنْدَ حُرُوفِ الْحَلْقِ لِلكُلِ أُظْهِرَا (أَ)لاَ (هـ)ـاَجَ (حُـ)ـكْمٌ (عَـ)ـمَّ (خـ)ـاَليهِ (غُـ)ـفَّلاَ

يعني أظهر التنوين والنون الساكنة لكل القراء إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق لبعدهما منها سواء كان ذلك في كلمة أو كلمتين ثم بين حروف الحلق بأوائل هذه الكلمات من ألا إلى آخر البيت وحروف الحلق سبعة ذكر منها ستة وبقي واحد وهو الألف وإنما لم يذكرها لأنها لا تأتي أول كلمة ولا بعد ساكن أصلا ، لأنها لا تكون إلا ساكنة فمثالهما عند الهمزة (كل آمن-وينأون-من أسلم) ، ولا توجد نون ساكنة قبل همزة في القرآن في كلمة غير ينأون ومثالهما عند الهاء (جرف هار-منها-من هاجر إليهم) ، ومثالهما عند الحاء (نار حامية-وانحر-من حاد الله) ، وعند العين (حقيق على)-(أنعمت عليهم) ، من عمل-وعند الخاء-يومئذ خاشعة-والمنخنقة-و-من خاف ، و-إن خفتم-و-من خزي-وعند الغين (من ماء غير آسن-فسينغضون-من غل) ، وقوله خاليه أي ماضيه وغفلا جمع غافل وكأنه أشار بهذا الكلام إلى الموت أو إلى البعث ومجازاة كل بعمله فهذا حكم عظيم عم الغافلين عنه كقوله ، (قل هو نبؤ عظيم أنتم عنه معرضون) ، وفي مواعظ الحسن البصري رحمه الله أيها الناس إن هذا الموت قد فضح الدنيا فلم يبق لذي لب فرحا ، وما أحسن قول بعضهم ، (يا غفلة شاملة للقوم كأنما يرونها في النوم ميت غد يحمل ميت اليوم) ، وقوله ألا استفتاح كلام وهاج بمعنى هيج الغافل هذا الحكم أي حركه فلم يدع له قرارا ولا هناء بعيش أيقظنا الله تعالى بفضله من هذه الغفلة
(290)
وَقَلْبُهُمَا مِيماً لَدَى الْيَا وَأَخْفِيا عَلَى غُنَّةٍ عِنْدَ الْبَوَاقِي لِيَكْمُلاَ

أي الموضع الذي تقلبان فيه ميما هو عند الباء يعني إذا التقت النون الساكنة مع الباء في كلمة نحو (أنبئهم-أو في كلمتين نحو-أن بورك) ، وإذا التقى التنوين مع الباء ولا يكون ذلك إلا في كلمتين نحو (سميع بصير) ، قلبا ميما ليخف النطق بهما لأن الميم من مخرج الباء وفيها غنة كغنة النون فتوسطت بينهما ولم يقع في القرآن ولا فيما دون من كلام العرب ميم ساكنة قبل ياء في كلمة واحدة فلم يخف إلباس في مثل عنبر ومنبر وعند باقي الحروف غير هذه الثلاثة عشر وغير الألف أخفى التنوين والنون مع بقاء غنتهما لأنها لم يستحكم فيها البعد ولا القرب منهما فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء وسواء في ذلك ما كان في كلمة وما كان في كلمتين نحو (أنتم-أنذر الناس-أنشأكم-أنفسكم-إن تتوبا-من جاء بالحسنة-إن كنتم-أن قالوا بخلق جديد-غفور شكور-على كل شيء قدير-أزواجا ثلاثة) ، وقوله ليكملا أي ليكملا بوجوههما وهي لام العاقبة أي لتؤل عاقبتهما إلى كمال أحكامهما لأن هذه الوجوه هي التي لهما في اللغة وهي الإدغام في حروف يرملون الستة والإظهار في حروف الحلق الستة أيضا والقلب عند الباء والإخفاء في البواقي ثم الإدغام بغنة وبغير غنة فكمل ذكرها في النظم من هذه الوجوه والله أعلم
باب الفتح و الإمالة وبين اللفظين
(291)
وَحَمْزَةُ مِنْهُمْ وَالْكِسَائِيُّ بَعْدَهُ أَمَالاَ ذَوَاتِ الْياَءِ حَيْثُ تأَصَّلاَ

منهم أي من القراء كقولهم أنت منهم الفارس الشجاع أي من بينهم والكسائي بعده لأنه أخذ عنه أمالا ذوات الياء يعني الألفات التي انقلبت عن الياء احترازا عن ذوات الواو وهي الألفات التي انقلبت عن الواو فاجتزأ بالصفة لشهرتها عن الموصوف والإمالة تقع في الألف والهاء والراء وهذا الباب جميعه في إمالة الألف والذي بعده في إمالة الهاء والثالث في إمالة الراء على ما سيأتي بيانه ثم الألف تكون أصلية ومنقلبة وتارة زائدة واعلم أن كل ألف منقلبة عن ياء فجائز إمالتها وهي أن تكون عينا أو لاما فالعين نحو باع وسار لأنهما من البيع والسير وهذا النوع جائز الإمالة لغة مطلقا وقراءة في بعض المواضع الآتية نحو (جاء-و-شاء) واللام نحو (هدى) و(رمى) ، فهذا هو الذي يمال مطلقا عند القراء لمن مذهبه الإمالة وأطلق الناظم ذوات الياء وهو لفظ ذوات الياء وهو لفظ يقع على الضربين ومراده الضرب الثاني ولم يبين في نظمه الحرف الذي تقع فيه الإمالة ولو أنه قال ، (أمال الكسائي بعد حمزة إن تطرفت ألفات حيث ياء تأصلا) ، لذكر الحرف الممال وشرطيه وهما كونه عن ياء وكونه طرفا أي تكون لام الفعل وإنما خص القراء الإمالة بذلك لأنه طرف والأطراف محل التغيير غالبا والإمالة تغيير فإنها إزالة الألف عن استقامتها وتحريف لها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء ولفظها وأخذ لها هذا الاسم من أملت الرمح ونحوه إذا عوجته عن استقامته أي أما لا ألفات الياء إن تطرفت احترازا من المتوسطة فقوله تعالى (وسار بأهله) يمال وكذا (فأثابهم الله) ، لتوسط الألف فيها والألف في أثاب عن واو في الأصل وإنما يجوز إمالتها لغة لأن الفعل قد زادت حروفه فرجع إلى ذوات الياء على ما سيأتي في شرح قوله وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال وقوله حيث تأصلا قال الشيخ أي حيث كان الياء أصلا وهو أحد أسباب الإمالة وأكثر أنواعها استعمالا وإنما أميلت الألف لتدل على الأصل ، قلت فكأن قوله حيث تأصلا خرج مخرج التعليل

فإن حيث من ظروف المكان وإذ من ظروف الزمان تأتي كل واحدة منهما وفيها معنى التعليل نحو قولك حيث جاء زيد فلا بد من إكرامه وإذ خرج فلا بد من التزامه أي لأجل أن الياء أصلها أميلت ولم يخرج ذلك مخرج الاشتراط فإن هذا شرط مستغنى عنه بقوله ذوات الياء كما قال صاحب التيسير كان حمزة والكسائي يميلان كل ما كان من الأسماء والأفعال من ذوات الياء ولم يرد على ذلك لكنه ما أراد بذوات الياء إلا كل ألف تنقلب ياء في تثنية أو جمع أو عند رد الفعل إلى المتكلم أو غيره فيدخل في ذلك ما الياء فيه أصل وما ليست بأصل ولهذا مثل (موسى-و-عيسى-و-إحدى-و-يتامى) ، ونحوه ما ألفه للتأنيث ثم قال وكذلك ، (الهدى-و-العمى) ، ونحوه مما الألف فيه منقلبة عن ياء فجمع بين النوعين فعبر عنهما بذوات الياء فيجوز أن يكون الناظم سلك هذا المسلك وقسم ذوات الياء إلى ما الألف فيه أصل وإلى ما الألف فيه للتأنيث وسيأتي كل ذلك ويجوز أن يكون المراد تأكيد ما تقدم أي أن الإمالة لا تقع في قراءتهما إلا حيث كانت الياء التي انقلبت عنها الألف أصلا وهذا وإن كان معلوما من قوله ذوات الياء فإن ذلك لا يقال إلا لما كانت الياء فيه أصلا فإنه غير معلوم من اللفظ بل من قاعدة علم التصريف فنص عليه لفظا وغرضه إعلام أن الإمالة لهما لا تقع في الألفات الزوائد كألف نائم ولاعب وإنما تقع في ألف منقلبة عن ياء هي لام الكلمة ويجوز أن يكون المعنى حيث تأصلا الياء أي تمكنت تمكنا تاما بحيث رسمت الكلمة بها لا بالواو فأميلت الألف موافقة للرسم فهذه ثلاثة أوجه في معنى هذا الكلام إن كان فاعل تأصلا ضميرا عائدا على الياء والألف فيه للإطلاق ويجوز أن تكون الألف للتثنية وهي ضمير عائد على حمزة والكسائي وله وجهان من المعاني ، أحدهما في المواضع التي تأصلاها أي أنهما أصلا لها أصلا فكل ما دخل في ذلك الأصل والضابط أمالاه ثم بين الأصل والضابط بالبيت الآتي ، والثاني أن المعنى حيث تأصلاهما

أي كانا أصلا في باب الإمالة لاستيعابهما منهما ما لم يستوعب غيرهما فكل من أمال شيئا فهو تابع لهما أو لأحدهما في الغالب أي فعمما جميع ذوات الياء لأنهما ليس من مذهبهما تخصيص أفراد من الكلم بالإمالة بخلاف ما فعل غيرهما كما ستراه ثم لا فرق في إمالة هذه الألف المنقلبة عن الياء لهما بين ما هي مرسومة في المصحف بالياء وما هي مرسومة بالألف فإن من ذوات الياء ما رسم في المصحف بالألف كما ترسم ذوات الواو نحو (طغا-و-تولاه-و-أقصا المدينة-و-الأقصا-و-العليا-و-الدنيا) ، وغير ذلك ، وأما الحياة فلم تمل وإن كانت ألفها منقلبة عن ياء عند قوم لأن ألفها رسمت واوا في المصحف ولأن الخلاف قد وقع في أصل ألفها فوقع الشك في سبب الإمالة فتركت وعدل إلى الفتح فإنه الأصل وكل ما أميل ففتحه جائز وليس كل ما فتح إمالته جائزة ثم من ضرورة إمالة الألف حيث تمال أن ينحى بالحرف الذي قبلها نحو الكسرة ثم إن حمزة والكسائي يميلان الألف الموصوفة بالأوصاف المذكورة حيث وجدت إلا في مواضع خالف فيها بعضهم أصله وفي مواضع زاد معهم غيرهم ثم بين ذات الياء فقال
(292)
وَتَثْنِيَةُ الأسْماءِ تَكْشِفَها وَإِنْ رَدَدْتَ إِلَيْكَ الْفِعْلَ صَادَفْتَ مَنْهلاَ

الهاء في تكشفها لذوات الياء أو الألف الممالة المفهومة من سياق الكلام أي تكشف لك أصلها إن كانت في اسم تثنية نحو (قال لفتاه) ، لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو ، (ودخل معه السجن فتيان) وكذا (فاستحبوا العمى) ، لو ثنيته لقلت عميان وهذا بخلاف (الصفا-و(شفا جرف)-و-سنا برقه-و-عصاه-و-عصاي-و-أبا أحد) ، فإن الألف في ذلك كله أصلها الواو ويثني جميع ذلك بها وأما الألف في الأفعال فيكشفها أن تنسب الفعل إلى نفسك وإلى مخاطبك فإن انقلبت فيه ياء أملتها نحو (رمى-و-سعى) ، لأنك تقول رميت وسعيت بخلاف دعا وعفا وخلا وبدا وعلا ونجا فإنك تقول فيهما دعوت وعفوت إلى آخرها ويكشفها لك أيضا لفظ المضارع نحو يدعو ويعفو ولحوق ضمير التثنية نحو دعوا وعفوا والاشتقاق يكشف الأمرين نحو الرمي والسعي والعفو والعلو فإن قلت من جملة الأسماء الممالة ما لا تظهر التثنية ياءه التي انقلبت الألف عنها نحو الحوايا جمع حاوية فالألف عن ياء كائنة في المفرد وفي تثنية المفرد ولكن اللفظ الممال في القرآن لا يثنى فلم يكشف هذا اللفظ تثنية فكيف قال وتثنية الأسماء تكشفها قلت ذكر ذلك كالعلامة والعلامة قد لا تعم ولكنها تضبط الأكثر والحد يشمل الجميع وهو قوله ذوات الياء والألف من آخر الحوايا من ذوات الياء وأصلها حواوى على حد ضوارب لأنه جمع حاوية وهي المباعر على أنك لو قدرت من هذا فعلا ورددته إلى نفسك لظهرت الياء نحو حويت وصاحب التيسير ذكر هذا الحرف مع يتامى وأيامى فجعل الجميع في باب فعالى الذي يأتي ذكره وقوله صادفت منهلا أي موردا للإمالة ، وهذه استعارة حسنة لأن طالب العلم يوصف بالعطش فحسن أن يعبر عن بغيته ومطلوبه بالمورد ، كما يعبر عن كثرة تحصيله بالري فيقال هو ريان من العلم ثم مثل ذوات اليا من الأسماء والأفعال فقال
(293)
هَدى وَاشْتَرَاهُ وَالْهَوى وَهُدَاهُمُ وَفِي أَلِفِ الْتَأْنِيثِ فِي الْكُلِّ مَيَّلاَ

لأنك تقول هديت واشتريت وهويان وهديان فمثل بفعلين واسمين ثم ذكر أن حمزة والكسائي ميلا أيضا ألف التأنيث في كل موضع وقعت فيه فقوله وفي ألف متعلق بميلا أي أوقعا الإمالة فيها فهو من باب قوله ذي الرمة يجرح في عراقيبها نصلي وقوله في الكل بدل من ألف التأنيث أي وفي كل ما فيه ألف التأنيث أوقعا الإمالة وخالف حمزة أصله في الرؤيا على ما يأتي وليست ألف التأنيث منقلبة عن ياء وإلا لاستغنى عنها بما تقدم وإنما هي مشبهة بالمنقلبة عن الياء لأجل أنها تصير ياء في التثنية والجمع تقول حبليان وحبليات ، فإن قلت ظهرت فائدة قوله فيما قبل حيث تأصلا فإن ألف التأنيث ليست أصلا فاحترز عنها ، قلت ولماذا يحترز عنها وهي ممالة لهما كما أن الأصلية ممالة لهما فلا وجه للاحتراز إن كانت ألف التأنيث داخلة في مطلق قوله ذوات الياء وهو ممنوع وإذا لم تكن داخلة فلا احتراز ولم يبق فيه إلا التأكيد أو المعاني التي تقدم ذكرها ثم ذكر الأمثلة التي توجد فيها ألف التأنيث المقصورة وهي الممالة فقال
(294)
وَكَيْفَ جَرَتْ فَعْلى فَفيهَا وُجُودُهَا وَإِنْ ضُمَّ أَوْ يُفْتَحْ فُعَالى فَحَصِّلاَ

أي وجود ألف التأنيث في موزون فعلى كيف جرت بفتح الفاء أو بكسرها أو بضمها نحو السلوى والتقوى والموتى ومرضى وإحدى وسيما وذكرى والدنيا والقربى والأنثى وكذلك في فعالى بضم الفاء وفتحها نحو كسالى ويتامى والتحق بهذا الباب موسى وعيسى ويحيى وهو مذهب القراء اعتمادا على أنها فعلى فعلى وفعلى والفاء في فحصلا ليس برمز لأن مراده بهذا البيت بيان محل ألف التأنيث ولأنه سيقول بعد هذا وعسى أيضا أمالا والضمير لحمزة والكسائي ولو كان فحصلا رمز اللزوم بعد ذلك إذا ذكر مسألة أن يرمز لها أو يصرح باسم القارئ ولا يأتي بضمير من تقدم إلا إذا كان الباب كله واحدا على أنه يشكل على هذا أنه سيذكر اختصاص الكسائي بإمالة مواضع ثم قال بعدها وأما ضحاها والضحى والربى مع القوى فأمالاها ويذكر أيضا ما تفرد به حفص عن الكسائي ثم قال ومما أمالاه وجوابه أنه صرح باسم الكسائي وحفص فلا إلباس وأما بعد الرمز فلم يفعل مثل ذلك لما فيه من الإلباس وأراد فحصلا بالنون الخفيفة ، ثم أبدل منها ألفا في الوقف ثم ذكر أنهما أمالا أشياء أخر لم تدخل في الضابط المتقدم من ذوات الياء الأصلية ولا في ضابط ألف التأنيث ولكنها من المرسومات بالياء فقال
(295)
وَفِي اسْمِ فِي الْاِستِفْهَامِ أَنَّى وَفِي مَتى مَعاً وَعَسى أَيْضاً أَمَالاَ وَقُلْ بَلى

أي وأوقع الإمالة في اسم استعمل في الاستفهام وهو أنى وإن كان قد استعمل غير استفهام وهو إذا وقع شرطا نحو أنى تقم أقم معك إلا أنه في القرآن للاستفهام ولهذا قال صاحب التيسير أمالا أنى التي بمعنى كيف نحو قوله تعالى (أنى شئتم)-(أنّي لك هذا) ، قلت وغرضهم من هذا القيد أن يفصلوها من أنا المركبة من أن واسمها نحو (أنا دمرناهم) ، وهو احتراز بعيد ، فإن أحدا لا يتوهم الإمالة في مثل ذلك ثم قال وفي متى أي وأوقعا الإمالة أيضا في متى ومعا حال من حمزة والكسائي أي أوقعا معا الإمالة في ذلك أو حال من أتى ومتى بمعنى أنهما اصطحبا في الإمالة والاستفهام ، وقال الشيخ مراده أن ألف التأنيث أيضا في اسم استعمل في الاستفهام ، وهو أنى ومتى فأما أنى فكان ابن مجاهد يختار أن يكون فعلى فقال الداني وزنها فعلى وهو كقولهم قوم تلى أي صرعى وليلة غمى إذا كان على السماء غيم وألف متى مجهول فأشبهت ألف التأنيث في ذلك فأميلت ونص النحاة على أنه لو سمى بها وبيلى لثنيا بالياء وهذا صحيح ولكن من أين يلزم إذا كانت ألفها مجهولة أن تكون للتأنيث وإنما وزنها فعل والألف لام الكلمة على أن الحروف وما تضمن معناها من الأسماء لا يتصرف فيها بوزن ولا ينظر في ألفاتها فـ متى كإلى وبلى في ذلك ، ثم قال وأمالا عسى وبلى أما عسى ففعل تقول فيه عسيت فالألف منقلبة عن ياء فهو داخل في ما تقدم فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر ولكنه تبع صاحب التيسير في ذلك فإنه قال بعد أنى وكذلك متى وبلى وعسى حيث وقع ولعله إنما أفرده بالذكر لأنه لا يتصرف وقيل إن بعض النحاة زعم أنها حرف كما أطلق الزجاجي على كان وأخواتها أنها حروف بمعنى أنها أدوات للمعاني التي اكتسبتها الجمل معها ولما كفت بلى في الجواب ضارعت بذلك الإسم والفعل فأميلت ألفها وقيل إن ألف بلى أيضا بل للتأنيث وهو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث ثم ورب وأصلها بل فيجوز على هذا أن يقال ألف أنى كذلك

وأصلها أن ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما إلى معنى آخر فصار أنى على وزن شتى ورسمت أنى ومتى وبلى بالياء وكذا عسى وعيسى ويحيى وموسى وإلحاق الألف في شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد بل هي قسم برأسها فكأنه قال أمالا ذوات الياء الأصلية وغير الأصلية مما رسمت ألفه ياء وغير الأصلية على ضربين ألف تأنيث وملحق بها ولو قال عوض هذا البيت ، (وموسى عسى عيسى ويحيى وفي متى وأنى للاستفهام تأتى وفي بلا) ، لكان أحسن وأجمع للغرض وتبعناه في ذكر عسى وإن كانت داخلة في قسم الياء الأصلية وخلصنا من جزرفة العبارة في قوله وفي اسم في الاستفهام أنى والضمير في تأتى للإمالة وما أبعد دعوى أن الألف في موسى وعيسى ويحيى للتأنيث فموسى وعيسى معربان ويحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل والكلام في النبي المسمى بيحيى عليه السلام وأما نحو قوله تعالى (لا يموت فيها ولا يحيى) وقوله (ويحيى من حيى عن بينة) ، فوزنه يفعل والله أعلم
(296)
وَمَا رَسَمُوا بالْيَاءِ غَيْرَ لَدى وَمَا زَكى وَإِلى مِنْ بَعْدُ حَتَّى وَقُلْ عَلَى

أي وأمالا كل ما رسم في المصحف بالياء من الألفات وإن لم تكن الياء أصلية إتباعا للرسم ولأنها قد تعود إلى الياء في صورة وذلك ضحى في الأعراف وطه (وضحاها)-(ودحيها) ، في والنازعات وفي والشمس وضحيها (وتلاها)-(وطحاها)-(والضحى)-(وسجى) ، فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره في قصيدته الرائية لكن (تلاها-وطحاها-وسجى) ، لم يملها إلا الكسائي وحده كما يأتي وإمالتهما ضحى في الأعراف وطه تبنى على خلاف يأتي في آخر الباب وأما (ويلتى-و-حسرتى-و-أسفى) ، فألفاتها مع كونها مرسومة بالياء منقلبة عن ياء بالإضافة فقويت الإمالة فيها وهذا البيت لا يظهر له فائدة إلا في هذه الألفاظ الثلاثة فإن الياء التي انقلبت عنها الألف ليست بأصل في الكلمة فلم تدخل في قوله حيث تأصلا ويظهر أيضا فائدته في إمالة -ضحى-في الأعراف على قول من يقول إنه إذا وقف عليه كان الوقف على ألفه الأصلية وأما باقي الكلمات التي ذكرت أنها رسمت بالياء وهي من ذوات الواو فكانت تعرف من ذكره إمالة رءوس الآى وأما نحو (أدنى-و-أزكى-و-يدعى-و-تتلى) ، فتعلم إمالته من البيت الآتي فإنه من الثلاثي الزائد ثم ذكر أنه استثنى مما رسم بالياء وليست الياء أصله خمس كلمات فلم تمل وهي اسم وفعل وثلاثة أحرف فالإسم لدى لم يمل أنه رسم بالألف في يوسف وبالياء في غافر وألفه مجهولة فلم يمل ليجري مجرى واحدا والفعل (ما زكي منكم من أحد أبدا) ، هو من ذوات الواو فلم يمل تنبيها على ذلك والحروف إلى وحتى وعلى لم تمل لأن الحروف لا حظ لها في الإمالة بطريق الأصالة إنما هي للأفعال والأسماء فلم يؤثر فيها رسمها بالياء وكل ما أميل من الحروف بلى ويا في الندا ولا في أمالا لإغنائها عن الجمل فأشبهت الفعل والإسم وقول الناظم من بعد حتى الدال من بعد مجرورة وبعضهم اختار ضمها وقدر حذف واو العطف من قوله حتى ومعنى الوجهين ظاهر وإذا كسرنا الدال كان التقدير من بعد استثناء حتى وكذا معنى

قولي أنا فيما تقدم أمال الكسائي بعد حمزة أي بعد إمالة حمزة
(297)
وَكُلُّ ثُلاَثِيٍّ يِزِيدُ فَإِنَّهُ مُمَالٌ كَزَكَّاهَا وَأنْجَى مَعَ ابْتَلى
أي كل لفظ ثلاثي ألفه عن واو إذا زيد في حروفه الأصول حرف فأكثر فصار كلمة أخرى أميل لأن واوه تصير ياء إذا اعتبرتها بالعلامات المقدم ذكرها وذلك كالزيادة في الفعل بحروف المضارعة وآلة التعدية وغيرها نحو (ترضى)-(وتدعى)-(وتتلى) (ويدعى)-(وتبلى)-(ويزكى)-(وتزكى)-(وزكاها)-(ونجانا الله منها)-(فأنجاه الله من النار)-(وإذا ابتلى إبراهيم ربه)-(فلما تجلى ربه) (فمن اعتدى عليكم)-(فتعالى الله)-(من استعلى) ، ومن ذلك أفعل في الأسماء نحو (أدنى-وأرى-وأزكى-وأعلى) ، لأن لفظ الماضي من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو زكيت ورضيت وابتليت وأعليت وأما فيما لم يسم فاعله نحو-تدعى-فلظهور الياء في دعيت ويدعيان فقد بان أن الثلاثي المزيد يكون اسما نحو أدنى وفعلا ماضيا نحو أنجى وابتلى ومضارعا مبنيا للفاعل نحو يرضى وللمفعول نحو يدعى ، ولو قال الناظم رحمه الله تعالى ، (وكل ثلاثي مزيد أمله مثل يرضى وتدعى ثم أدنى مع ابتلى) ، لجمع أنواع ذلك وقد نص صاحب التيسير وغيره على أن ذلك يمال وجعل سببه الزيادة فقال الإمالة شائعة في-تدعى-و-تتلى-و-اعتدى-و-استعلى-و-أنجى-و-نجى-وشبهه لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء ، قلت الزيادة في أوله إذا كانت مفتوحة ظهرت الواو نحو يدعو ويتلو فإذا ضمت قلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها فمن أين تجيء الياء وأين الزيادة التي اقتضت ذلك لا جائز أن تكون حرف المضارعة فإنها موجودة في حالة الضم وجودها في حالة الفتح والضم والفتح حركتان متقابلتان فليس إمالة هذا لأجل الزيادة وإنما لأجل أن الياء ظهرت في الماضي في قولك دعى قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والمضارع فرع عن الماضي فلهذا اعتقد في ألف تدعى أنها ياء وأميلت مع أن رسم المصحف الكريم فيها بالياء

وقوله تعالى (فأثابهم الله بما قالوا) ، وارد على ما ذكره في هذا البيت فإنه ثلاثي زاد ولا يمال لأن ألفه ليست طرفا وهو لم يشترط الطرف فلهذا ورد والله أعلم
(298)
وَلَكِنَّ أَحْيَا عَنْهُمَا بَعْدَ وَاوِهِ وَفِيمَا سَوَاهُ لِلكِسَائِي مُيِّلاً
أي إذا جاء أحيا أو يحيى بعد الواو فإنهما أمالاه قال في التيسير واتفقا يعني الكسائي مع حمزة على الإمالة في قوله-ويحيى ولا يحيى- ، (وأمات وأحيا) ، إذا كان منسوقا بالواو وتفرد الكسائي دون حمزة بإمالة أحياكم-و-فأحيا به-و-أحياها-حيث وقع إذا نسق ذلك بالفاء أو لم ينسق لا غير وإنما ذكر هذا البيت ليبين ما انفرد به الكسائي ولهذا أتى بحرف لكن التي للاستدراك وإلا فما اجتمعا عليه من ذلك داخل في ذوات الياء فكأنه قال أمالا الجميع لكن كذا وكذا تفرد به الكسائي ثم استوفى جميع ما انفرد به الكسائي من ذلك وغيره فقال
(299)
وَرُءْيَايَ وَالرءُيَا وَمَرْضَاتِ كَيْفَمَا أَتَى وَخَطَايَا مِثْلُهُ مُتَقَبَّلاً

رؤيا فعلى مستثناة مما فيه ألف التأنيث ومرضاة مفعلة من الرضوان ترجع ألفها إلى الياء في التثنية والجمع فهي كمغزى ومدعى لأن ألفها ترجع إلى الياء في الماضي نحو رضيت وذكر مكي في الثلاثي الزائد مرضاة وكمشكاة لأن ضابطه ما كانت ألف الإمالة فيه رابعة فصاعدا فمرضاة مستثناة من ذلك لحمزة بخلاف مزجاة فإنها ممالة لهما وقوله كيف ما أتى يعنى نحو مرضاة الله ومرضاتي بخلاف الرؤيا فإنه لم يملها كيف ما أتت لأن رؤياك لم يملها إلا الدوري عنه كما يأتي فلهذا قال ورؤياي والرؤيا أي هاتان اللفظتان مع ما بعدهما ممال للكسائي وخطايا مثله أي مثل مرضاة يميلها كيف ما أتت نحو (خطايانا-خطاياكم-وخطاياهم) ، والإمالة في ألفها الأخيرة لأجل الياء قبلها ولأنها من ياء لأنها جمع خطية بغير همز عند الفراء كهدية وهدايا وعند غيره أصلها خطايىء بياء بعدها همزة فمنهم من يقول همزت الياء كما تهمز في صحائف فاجتمع همزتان فأبدلت الثانية ياء فاجتمع بعد ألف الجمع همزة عارضة في الجمع وياء فوجب قلب الهمزة ياء والياء ألفا على قياس قولهم مطايا ومنهم من يقول قدمت الهمزة وأخرت الياء ثم فعل ذلك-وأما الحوايا-فأمالها حمزة والكسائي وألفها عن ياء وهو على وزن خطايا ومتقبلا حال من خطايا أو من ضمير مرضاة ويجوز أن يكون تمييزا على أن يكون متقبلا بمعنى قبولا مثل قولهم على التمرة مثلها زيدا ولا مانع من حيث اصطلاحه من أن يكون متقبلارمزا وكذا ما بعده من قوله ليس أمرك مشكلا ويجتلا والذي أذعت به إلى آخره ويكون ما في كل بيت لمن رمز له ، فإن قلت هو في باب إمالة حمزة والكسائي فجميعه لا يخلو عنهما أو عن أحدهما ولهذا يذكر ما انفرد به الكسائي ثم يذكر ما اتفقا عليه فيقول مع-القوى-فأمالاها ولو كان ما اعترض به رمزا لما صح له هذا الضمير إذ تقدم جماعة ، فلا يتعين من يعود إليه الضمير وكذا يذكر ما تفرد به الدوري ثم يقول ومما أمالاه وذلك مما يدل على أن قوله قد

انجلا ليس برمز ، قلت كل هذا صحيح معلوم أنه ليس برمز في نفس الأمر ولكن من حيث اصطلاحه يوهم ذلك والله أعلم
(300)
وَمَحْيَاهُمُوا أَيْضًا وَحَق تُقَاتِهِ وَفِي قَدْ هَدَانِي لَيْسَ أمْرُكَ مُشْكِلاَ
(أراد سواء محياهم)-(في الجاثية وحق تقاته) ، في آل عمران ووافق حمزة الكسائي على إمالة الأول فيها وهو قوله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقية) ، لأنه رسم بالياء في الأول وفي الثاني بالألف فاتبع الرسم فيهما وكلاهما من ذوات الياء والأصل تقية ، (وقد هدان) ، في أول الأنعام وصوابه في البيت بغير ياء لأن قراءة الكسائي كذلك والبيت متزن بالقبض وقيده بقد احترازا من الذي في آخر السورة (قل إنني هداني) وفي الزمر (لو أن الله هداني) ، فإن ذلك ممال لحمزة والكسائي معا على أصلهما والياء فيهما ثابتة بإجماعهم
(301)
وَفِي الْكَهْفِ أَنْسَاني وَمَنْ قَبْلُ جَاءَ مَنْ عَصَاني وَأَوْصَاني بِمَرْيَمَ يُجْتَلاَ
أراد (وما أنسانيه) ، ومن قبل الكهف جاء في إبراهيم (ومن عصاني)-(وأوصاني بالصلاة) ، في مريم ويجتلا ليس برمز
(302)
وَفِيهَا وَفِي طس آتَانِيَ الَّذِي اذَعْتُ بِهِ حَتَّى تَضَوَّعَ مَنْدَلاَ

أي وفي مريم والنمل لفظ (آتاني-يريد) (أتاني الكتاب)-(آتاني الله) ، بخلاف الذي في هود فإنه ممال لهما وقوله أذعت به أي أفشيته من قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) ، أي أفشوه والمراد أني جهدت بالنص على إمالته ولم أسر ذلك ولكن في اللفظ إشكال لأنه إن كان فعل هذا قبل هذا الكلام فأين ذكره وإن كان ما فعله إلا بهذا الكلام لم تصح هذه العبارة لأن حق ما يوصل به الذي يكون معلوما للمخاطب وهذا لم يعلمه بعد إلا من هذا العبارة فإن جاز ذلك فينبغي أن يجوز أن يقال جاءني الذي أكرمته ويكون إكرامك له لم يعرف إلا من هذه اللفظ وهذا لا يجوز فالوجه في هذا أن يقال الذي مفعول فعل مقدر وتضرع محذوف إحدى تائيه وهو مضارع لا ماض وتقدير الكلام خذ هذا الذي أذعت به لكي تتضوع أنت أي تفوح رائحة عملك مشبها مندلا والمندل نوع من الطيب وموضع في بلاد الهند ينسب إليه العطر وقيل المندل العود الهندي
(303)
وَحَرَفُ تَلاَهَا مَعْ طَحَاهَا وَفِي سَجى وَحَرْفُ دَحَاهَا وَهَي بِالْوَاوِ تُبْتَلاَ
(تلاها-وطحاها) ، في سورة الشمس (وسجى) في و(الضحى) و(دحاها) ، في والنازعات وأشار بقوله وهي بالواو إلى علة استثناء حمزة لها وهي كون ألفها عن واو وما تقدم كانت ألفه عن ياء ومعنى تبتلا تختبر وإنما حسن إمالتها للكسائي كونها رءوس آي فأميلت تبعا لذوات الياء فهو من باب إمالة لإمالة ولأنها رسمت في المصحف بالياء كأخواتها من ذوات الياء فلما ألحقت بها كتابة طلبا للمشاكلة ألحقت بها إمالة لذلك والله أعلم
(304)
وَأَمَّا ضُحَاهَا وَالضُّحى وَالرِّبا مَعَ الْقُوى فَأَمَا لاَهَا وَبِالْوَاوِ تَخْتَلاَ

تختلا أي تجتنى وتحصل من قولهم اختليت الخال وهو الحشيش إذا جززته وقطعته أمال حمزة والكسائي هذه الأربعة وإن كانت من ذوات الواو لأن أوائلها إما مضموم أو مكسور فالكسر في واحد وهو-الربا-والضم في الثلاثة البواقي وهي رءوس آي ومن العرب من يثنى ما كان بهذه الصفة بالياء وإن كان من ذوات الواو فيقول ربيان وضحيان فرار من الواو إلى الياء لأنها أخف حيث ثقلت الحركتان بخلاف المفتوح الأول قال مكي مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسورة بالياء فأمالا على أصل مذهبهما لأنهما كوفيان ولم يعتبر الأصل وإنما أفرده الناظم بالذكر وإن كان داخلا تحت قوله ومما أمالاه أواخر آي ما كما يأتي لأن منه ما ليس برأس آية وهو الربا وليبين أن الجميع من ذوات الواو والقوى جمع قوة وهو رأس آية في (والنجم) ولم يبق عليه إلا ذكر العلا ولكنه لما كان جمع عليا وقد قلبت الواو في عليا ياء صار كأنه من ذوات الياء والله أعلم ، وأما الزنا بالزاي والنون فمن ذوات الياء ، فلم يحتج إلى ذكره لأنه ممال لهما على أصلهما
(305)
وَرُؤيَاكَ مَعَ مَثْوَايَ عَنْهُ لِحَفْصِهِمْ وَمَحْيَايَ مِشْكَاةٍ هُدَايَ قَدِ انجَلاَ

جميع ما في هذا البيت تفرد بإمالته الدوري عن الكسائي دون أبي الحارث وحفص هو اسم أبي عمرو الدوري والهاء في عنه تعود إلى الكسائي وأراد ورؤياك المضاف إلى الكاف وهي في أول يوسف دون المضاف إلى الياء والمعرف باللام فهما للكسائي بكماله كما تقدم وذكر مكي وغيره أن أبا الحارث وافق الدوري في إمالة الرؤيا حيث وقعت فلم يستثن المضاف إلى الكاف وأما مثواي ففي يوسف (إنه ربي أحسن مثواي) ، فالذي تفرد به الدوري هو المضاف إلى الياء دون قوله تعالى (أكرمي مثواه)-(ومثواكم)-(ومثواهم) ، فأمال الثلاثة حمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ذوات الياء (ومحياي) ، المضاف إلى الياء في آخر الأنعام دون (ومحياهم) ، فذاك للكسائي بكماله كما سبق و(مشكاة) ، في النور ووجه إمالتها الكسرة بعد الألف الميم أيضا كما تميل العرب شملال وأما-هدى ففي سورة البقرة وطه ، أراد المضاف إلى الياء دون المضاف إلى غيرها نحو (فبهداهم-وهداها-والهدى) ، ونحوه فذلك ممال لحمزة والكسائي
(306)
وَممَّا أَمَالاَهُ أَوَاخِرُ آيٍ مَّا بطِه وَآيِ الْنَّجْمِ كَيْ تَتَعَدَّلاَ

أي أواخر آي القرآن الذي تراه بسورة طه مما أماله حمزة والكسائي على الأصول المتقدمة وآي جمع آية كتمر وتمرة وما بمعنى الذي وبطه صلتها كما تقول عرفت ما بالدار أي الذي فيها أراد الألفات التي هي أواخر الآيات مما جميعه لام الكلمة سواء فيها المنقلب عن الياء والمنقلب عن الواو إلا ما سبق استثناؤه من أن حمزة لا يمليه فأما الألف المبدلة من التنوين في الوقف نحو-همسا-و-ضنكا-و-نسفا-و-علما-و-عزما-فلا تمال لأنها لا تصير ياء في موضع بخلاف لمنقلبة عن الواو فإن الفعل المبني للمفعول تنقلب فيه ألفات الواو ياء فألف التنوين كألف التثنية لا إمالة فيها نحو (فخانتاهما-إلا أن يخافا-اثنتا عشرة ) ، وأما المنون من المقصور نحو (هدى-وسوى-وسدى) ، ففي الألف الموقوف عليها خلاف يأتي ذكره في آخر الباب ثم قال وآي النجم أي أواخر سورة والنجم ثم بين حكمة ذلك فقال كي تتعدلا يعني رءوس الآي فتصير على منهاج واحد وهذه حكمة ترك الإمالة أنسب لها منها لأن الفتح يناسب في كل المواضع الممالة وغيرها فإن في أواخر الآى من السور المذكورة ما لا يمال وليس فيها ما لا يفتح ، فإن قلت أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء في الإمالة لم يتم له هذا لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى فلم يملها فلم يكن في إمالة الباقي تعدل ولو لم يمل الجميع حصل التعدل على أني أقول لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآي لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا ورسما وقد نص على ذوات الواو منها فلم يبق منها شيء ولهذا لم يتعرض كثير من المصنفين لذكر هذه السور ولا ذكرها صاحب التيسير فإن قلت فيها نحو (وأن يحشر الناس ضحى) فمن أين تعلم إمالته ، قلت من قوله وما رسموا بالياء وقد نبهنا عليه ثم وكذلك العلى ثم ذكر باقي السور فقال
(307)
وَفِي الشَّمْسِ وَالأَعْلى وَفِي اللَّيْلِ الضُّحى وَفِي اقْرَأَ وَفِي وَالنَّازِعَاتِ تَمَيَّلاَ
(308)

وَمِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ الْقِيَامَةِ فِي الْمَعَارِجَ يا مِنْهَالُ أَفْلَحْتَ مُنْهِلاَ
الضمير في تميلا للمذكور ومراده تميل أواخر أي هذه السور أيضا والضمير في ومن تحتها للنازعات أراد سورة عبس والجار والمجرور صفة موصوف محذوف كقوله تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم) ، أي وفي سورة من تحت النازعات ثم في القيامة ثم في المعارج أي وفي سورة سأل سائل ألا ترى كيف ذكر ما قبلها وما بعدها بحرف في فجملة هذه السور إحدى عشر منها أربع شملت الإمالة أواخر آياتها كلها لقبولها لذلك وهي (والنجم إذا هوى-سبح اسم ربك الأعلى-والشمس وضحاها-والليل إذا يغشى) ، وسبع سور دخلت الإمالة في بعض آياتها وهي التي تقبل الإمالة وهي طه والمعارج والقيامة والنازعات وعبس والضحى واقرأ باسم ربك ، ثم الإمالة في الجميع ليس بعدها ضمير مؤنث إلا في سورتين والشمس والنازعات أما والشمس فاستوعب ضمير المؤنث أواخر آيها وأما النازعات ففيها الأمران مرتين ولم يأت آيات في آخرهن ألف مقصورة نسقا إلا في هذه السور والمنهال الكثير الإنهال والإنهال إيراد الإبل المنهل ومنهلا أي موردا أو معطيا إذ يقال ، أنهلت الرجل إذا أعطيته وانتصب على الحال فكأنه نادى نفسه أو جميع من يعلم العلم وحروف القرآن ورواياته الثابتة من ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه والله أعلم
(309)
رَمى (صُحْبَةٌ) أَعْمَى فِي الإِسْراءِ ثَانِيًا سِوًى وَسُدًى فِي الْوَقْفِ عَنْهُمْ تَسَبُّلاِ

جميع ما في هذا البيت إمالة صحبة وهو من ذوات الياء وسدى من أسديت الشيء إذا أهملته ولا يمال (سوى وسدى) ، في الوصل لأنهما منونان وتبنى إمالتهما في الوقف على خلاف يأتي والأرجح الإمالة على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى وأراد (ولكن الله رمى)-(فهو في الآخرة أعمى)-(مكانا سوى)-(أن يترك سدى) ، وهذه الأربعة معلوم إمالتها لحمزة والكسائي من القواعد المقدمة وإنما ذكرها بعد ذلك لموافقة أبي بكر عن عاصم لهما فيها وكان يمكنه أن يقول رمى شعبة وإنما عدل عنه خوفا من وهم أن ذلك مختص بشعبة وهذه عادته في مثل ذلك على ما سيتضح فيما بعد ، قال الشيخ وقوله تسبلا أي تحبس يشير إلى ثبوته ، قلت أظن معناه أبيحت إمالته عنهم من سبلت الماء فتسبل لأن غيرهم لم يسبل إمالته وهو خبر أعمى فما بعده أي إضجاع ذلك نقل عنهم والإضجاع من أسماء الإمالة وإنما قدرت المحذوف بها لتذكير الضمير فيه وفي الإسراء في موضع الحال عاملها المضاف المحذوف أي إمالة أعمى في حال كونه في الإسراء ثانيا ، (وسوى وسدى) ، عنهم تسبل ورمى صحبة أي أماله صحبة والله أعلم
(310)
وَرَاءُ تَراءَى (فـ)ـَازَ فِي شُعَرَائِهِ وَأَعْمى فِي الإِسْرا (حُـ)ـكْمُ (صُحْبَةٍ) أَوّلاَ

الهاء في شعرائه تعود على الراء أو لفظ تراءا لأن كل واحد منهما في السورة المذكورة فهو كقولك غلام زيد في داره ولفظ تراءا وزنه تفاعل ففيه ألفان بينهما همزة الأولى زائدة والثانية لام الكلمة منقلبة عن ياء فإذا وقف عليها أميلت الثانية لحمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ما كان من الألفات من ذوات الياء طرفا غير أن حمزة يجعل الهمزة بين بين على أصله وأضاف إلى ذلك أن إمالة الألف الأولى لمجاورة الثانية فهو من باب إمالة الإمالة ولهذا لم يمل الراء من قوله تعالى (فلما تراءت الفئتان) ، لما لم تكن فيها إمالة تسوغ ذلك وليست الألف أصلية منقلبة عن ياء بل هي زائدة لأنها ألف تفاعل ولم يجاورها كسر فلا إمالة فيها ولا نظر إلى كونها بعد راء والعرب تستحسن إمالة الألف قبل الراء وبعدها نحو-ترى-و-النار-مالا تستحسنه في غير ذلك ولهذا أمالهما أبو عمرو لأن الألف في كل ذلك إما منقلبة عن ياء أو هي ألف تأنيث أو مجاورة لكسر-نحو (ترى-وبشرى-وأبصارهم) ، والراء المفتوحة تمنع الإمالة إلا أن يوجد أحد أسباب الإمالة ثم من ضرورة إمالة الألفين في تراءا إمالة الراء والهمزة قبلها فبقيت الهمزة المسهلة بين ألفين ممالتين وهي في نفسها ممالة فتجاورت أربعة أحرف ممالة في الوقف فإذا وصلت سقطت الألف الثانية لوجود الساكن بعدها فبطلت الإمالة في الهمزة وبقيت إمالة الألف الأولى والراء قبلها لحمزة وحده فعبر الناظم عن ذلك بإمالة الراء لأن من ضرورتها إمالة الألف بعدها وهي عبارة صاحب التيسير ولم يذكر ذلك في باب الإمالة بل في سورة الشعراء فقال حمزة (فلما تراء الجمعان) ، بإمالة فتحة الراء وإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين على أصله فتصير بين ألفين ممالتين الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة ألا ترى كيف عبر عن إمالة الألفين بإمالة ما قبلهما مجازا وجعلهما أصلين في ذلك والحق عكس ذلك وهو أن ما قبل

الألفين أميلا لإمالة الألفين تبعا لهما والتعبير بذلك في الراء أقرب منه في الهمزة لأن الراء في الجملة قد أميلت حيث لا ألف مجاورة لها كما يأتي في باب ترقيق الراءات في (رءا القمر) ، في الوصل وبه قرأ حمزة أمال الراء والألف بعدها وقد تجوز الناظم أيضا بهذه العبارة فيه هنا عن إمالة الألف الذي بعد الراء بإمالة الراء فقال وراء تراءا فاز أي إضجاعها أو فاء بالإمالة وعبر في سورة الأنعام في نحو (رءا كوكبا)-(ورأى القمر) ، عن إمالة الألف بإمالة الهمزة فقال وفي همزه حسن وقال وقل في الهمز خلف مع أن الهمز لو تجرد عن الألف لم تقع فيه إمالة أبدا وإنما أماله من أمال في الوصل في (رءا القمر) ، نظرا إلى الأصل ولم يعتد بعارض حذف الألف للساكن وسيأتي الكلام في نحو هذا في آخر هذا الباب ولما لم يكن هذا المذهب في قراءة حمزة في (رءا القمر) ، بل اقتصر على إمالة الراء فعل مثل ذلك في (تراءا الجمعان) ، في الوصل فأمال الراء دون الهمزة وأما (أعمى) ، الأول في سورة الإسراء فأماله أبو عمرو موافقا لصحبة وخالفهم في الثاني كما سبق إما جمعا بين اللغتين وإما لفرق ذكروه وهو أن الثاني عنده أفعل التفضيل فكأن ألفه لم يقع طرفا لافتقاره إلى من المقدرة وصاغ ذلك لأنه من العمى المجازي وهو عمي القلب دون الحقيقي الذي هو عمى العين فلهذا بنى أفعل منه أي من كان جاهلا للحق في الدنيا فهو في الآخرة أجهل وأضل ومن أمالهما أو فتحهما سوى بينهما وإن اختلفا في المعنى لأن الألف فيهما عن ياء ولهم أن يقولوا ليس الثاني أفعل تفضيل بل هو اسم فاعل من العمى كالأول أي من كان أعمى في الدنيا عن الحق فهو أعمى أيضا في الآخرة وعند هذا يجوز أن يكون من العمى المجازي كالأول ويجوز أن يكون حقيقة كما في قوله تعالى في طه (ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) فهذا دليل على أنه عمى العين إذ كان بصيرا بها قبل ذلك ولم يكن المذكور بصيرا

بقلبه وقال سبحانه في آخر سورة الإسراء (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) ، فقول الناظم أولا ليس برمز وإنما هو بيان لموضع أعمى فهو من تتمة بيان الحرف المختلف فيه وهو حال من أعمى أي وإمالة أعمى أولا في الإسراء حكم صحبة فهو من القبيل الذي جاء الرمز فيه متوسطا في أثناء التقييد كما نبهنا عليه في شرح الخطبة مثل قوله دار واقصر مع مضعفة وقد فصل الناظم بمسئلة تراءا بين لفظي أعمى في الإسراء ولو اتصلا لكان أولى فيقول ، (واعمى في الاسرا أو لا حكم صحبة وراء تراءا بالإمالة فصلا) ، فيجئ الرمز لأعمى بعد كمال قيده بقوله أولا ولولا أن همزة تراءا لا تمال إلا في الوقف لقلت وراء تراءا فاز والهمز شمللا والله أعلم
(311)
وَمَا بَعْدَ رَاءٍ (شَـ)ـاعَ (حُـ)ـكْمًا وَحَفْصُهُمْ يُوَالِي بِمَجْرَاهَا وَفي هُودَ أُنْزِلاَ
حكما تمييز أي ما وقع من الألفات بعد راء فقل شاع حكمه في الإمالة وذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء قال الكسائي للعرب في كسر الراء رأي ليس لها في غيره وروى عن أبي عمرو أنه قال أدركت أصحاب ابن مجاهد وهم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو (وما أدراك-و-أفترى-وترى) ، أي أمال ذلك حمزة والكسائي وأبو عمرو ومثاله (ذكرى-و-اشترى-و-النصارى-و-القمر) ، وتابعهم حفص في إمالة (مجريها) ، في سورة هود ولم يمل غيره وهو وحمزة والكسائي يقرءونها بفتح الميم كما يأتي في السورة وغيرهم بالضم وأما إمالة ألف مرساها فلحمزة والكسائي على أصلهما لأنها عن ياء ولم تجاور راء وقوله يوالي أي يتابع ووجه الكلام وحفص يواليهم فنقل الضمير من يوالي إلى حفص فقال وحفصهم يوالي والكل صواب وجعل في هذا البيت الإمالة لما بعد الراء وهو الألف على ما ذكرنا أن هذا هو الحق في التعبير عن ذلك وإمالة الراء قبل الألف تبع لها وما ذكره في إمالة (تراءا) ، مجاز والله أعلم
(312)

نَأَى (شَـ)ـرْعُ يُـ(مْنٍ) بِاخْتِلاَفٍ وَشُعْبَةٌ في الاِسْرَا وَهُمْ وَالنُّونُ (ضَـ)ـوْءُ (سَـ)ـنًا (تـ)ـلاَ
أي إمالة ألف-نأى-شرع يمن لأنها عن ياء والمشهور عن السوسي الفتح ووافقهم شعبة على إمالتها في سورة الإسراء دون فصلت فلهذا قال وهم أي وهم وشعبة أمالوا التي في سبحان وإنما احتاج إلى قوله وهم لما ذكرناه في قوله رمى صحبة ولم يقل شعبة ثم قال والنون يعني إمالة النون من نأى أمالها خلف والكسائي لأجل إمالة ما بعدها وهو سبب من أسباب الإمالة وأسباب الإمالة التي يذكرها أهل العربية هي انقلاب الألف عن الياء أو عن كسرة أو مجاورتها لواحدة منها أو لإمالة ولم يأت ذلك للقراء في غير هذا الحرف فلم يقرأ (هدى-ولا-رمى-ولا-نهار) ، ولا نحو ذلك في هذه الطرق المشهورة وقوله والنون مبتدأ وضوء سنا خبره أي وإمالة النون ضوء أي ذات ضوء أي لها وجه ظاهر مضيء وأضافه إلى السنا ومعناه الضوء لاختلاف اللفظين نحو ، (كجلمود صخر خطه السيل من عل ) ، وتلا خبر بعد خبر ومعناه تبع أي أميل تبعا لما بعده لا بطريق الأصالة ويجوز نصب ضوء سنا بقوله تلا ويكون تلا وحده خبر المبتدأ والثناء على هذا لإمالة ما بعد النون والله أعلم
(313)
إِنَاهُ (لَـ)ـهُ (شَـ)ـافٍ وَقُلْ أَوْ كِلاَهُمَا (شَـ)ـفَا وَلِكَسْرٍ أَوْ لِيَاءٍ تَميَّلاَ

أي لإمالته دليل شاف وهو أن ألفه منقلبة عن ياء من أنى يأتى بمعنى آن يئين آي حان يحين ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين ، (ألما يئن لي أن تقضي عمايتي وأعرض عن ليلى بلى قد أناليا) ، وقال الله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا) ، وأصل أنا أنى تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فقال أنا الطعام يأنى إناء إذا بلغ حال النضج فمعنى قوله تعالى غير ناظرين إناه أي غير متحينين وقت نضجه وإدراكه فأمال ألف إناه هشام مع حمزة والكسائي وأما كلاهما في سبحان فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا إن الألف منقلبة عن واو ولا يضرنا حجز اللام بينهما كما أمالت العرب عماد وإن قلنا ألفه عن ياء فظاهر فلهذا قال ولكسر أولياء تميلا وقياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله (كلتا الجنتين) ، ولأنها على وزن فعلى عند قوم قال الداني في كتاب الإمالة يجوز إمالتها مشبعة وغير مشبعة في مذهب من تقدم وعامة القراء وأهل الأداء على القول الأول يعني عدم الإمالة والله أعلم ، وذكر مكي أيضا فيها الوجهين وإنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة في كلمة كلاهما خوفا من عدم دخولها في قاعدة ذوات الياء على قولنا إنها من ذوات الواو ولم ترسم بالياء فنص عليها لذلك وإلا فلم يوافق حمزة والكسائي على إمالتها غيرهما ولم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا إلا المواضع التي وافقهما على الإمالة فيها غيرهما مما لو تركه لا ندرج فيما سبق وأما (راء تراءا) ، فلا اندراج لها فيما تقدم فنص عليها لحمزة وحده والله أعلم
(314)
وَذُوا الرَّاءِ وَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ وَفي أَرَاكَهُمْ وَذَوَاتِ الْيَالَهُ الْخُلْفُ جُمِّلاَ

شرع يبين مذهب ورش عن نافع وجميع إمالته في القرآن بين بين إلا الهاء من (طه) ، فإنها إمالة محضة على ما سيأتي في أول سورة يونس وصفة إمالة بين بين أن يكون بين لفظي الفتح والإمالة المحضة كما تقول في همزة بين يبن إنها بين لفظي الهمز وحرف المد فلا هي همزة ولا حرف مد ، فكذا هنا لا هي فتح ولا إمالة وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين رفع الصوت بالمحضة وخفضه بين بين وهذا خطأ ظاهر فلا أثر لرفع الصوت وخفضه في ذلك ما دامت الحقيقة واحدة وإنما الغرض تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين وهو ما ذكرناه فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراآت وقد أطلق العلماء على ترقيق الراآت لفظ بين بين فدل على ما ذكرناه وإن كان الأمر في اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد ، قال صاحب التيسير اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين ، وقال في باب الإمالة وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين فعبر في البابين بعبارة واحدة فدل على اتحاد الحقيقة فيهما وكذا ذكر في كتاب الإمالة هو وأبو الطيب ابن غلبون قبله ، ومعنى قوله وذو الراء ورش أي يقرؤه ورش بين بين ، ومعنى قولهم بين بين وبين اللفظين واحد ، واللفظان هما الفتح والإمالة أي بين هذا وبين هذا وهو معنى قول مكي هو صوت بين صوتين وحكى ابن مهران عن خلف قال سمعت الفراء النحوي يحيى ابن زياد يقول أفرط عاصم في الفتح وأفرط حمزة في الكسر ، قال وأحب إلى أن تكون القراءة بين ذلك ، قال خلف فقلت له ومن يطيق هذا قال كذلك ينبغي أن تكون القراءة بين الفتح والكسر مثل قراءة أبي عمرو رحمه الله وإنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه لأنه أمر صعب شديد ، قلت صدق ولصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة وفرقوا بينهما برفع الصوت وخفضه وهو خطأ وأسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين الراء فهو في نحو (ذكرى) ، أشد

بيانا فافهم ذلك وابن عليه ، وعنى الناظم بقوله وذو الراء ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء نحو (قد نرى-و-القرى) ، وهو الذي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي في إمالته في قوله وما بعد راء شاع حكما ولا يدخل في ذلك ما بعد راء (تراءا الجمعان) ، فإنها ليست بمتطرفة ولكنها واردة على إطلاقه فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة كما لم يقيد ألفات ذوات الياء في أول الباب وأما قوله تعالى (ولو أراكهم كثيرا) ، فعن ورش فيه وجهان الفتح وبين بين والفتح رواية المصريين لبعد الألف عن الطرف لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها والوجهان جاريان له في ذوات الياء والصحيح وجه بين بين وعليه الأكثر ، قال في التيسير وهو الذي لا يوجد نص بخلافه عنه وقال في موضع آخر وهو الصحيح الذي يؤخذ به رواية وتلاوة ، وليس يريد الناظم بقوله ذوات الياء تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء فإن إمالة ورش أعم من ذلك فالأولى حمله على ذلك وعلى المرسوم بالياء مطلقا مما أماله حمزة والكسائي أو تفرد به الكسائي أو الدوري عنه أو زاد مع حمزة والكسائي في إمالته غيرهما نحو (رمى-و-أعمى-و-نأى-و-إناه) ، ودخل في ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى وفعالى كيف تحركت الفاء وكذلك (ألى-و-متى-و-عسى-و-بلى) ، وكل ثلاثي زائد كـ (أزكى-و-تدعى-وكذا-خطايا-ومزجاة-وتقاة-وحق تقاته-والرءيا-كيف أتت-و-مثواي-و-محياي-و-هداي) ، وقد نص على ذلك كله أبو عمرو الداني في كتاب الإمالة مفرقا في أبوابه وكشفت الأبواب التي فيه ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة والكسائي أو الكسائي وحده فوجدته لم يذكر لورش بين بين في (مشكاة-ولا-مرضاة-ولا-كلاهما-وأما-تلاها-و-دحاها-و- طحاها ، فساقها في باب فعل المعتل اللام نحو (أتي-و-سعى-و-قضى-و-سجى) ، وقال في آخره وقرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه في ذوات الياء وأقرأني ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك إلا ما وقع منه رأس آية في سورة

أواخر آيها على ياء وليس بعد الياء كناية مؤنث فإنه بين اللفظين ، قلت فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل (سجى) ، في سورة والضحى لأنه رأس آية وليس في آخرها هاء ولا يميل (دحاها)و(تلاها)و(طحاها) ، ويميل الجميع على الرواية الأولى وسنوضح ذلك أيضا في البيت الآتي وأما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو وهو الذي اتفق حمزة والكسائي على إمالته وهو (ضحاها-و-الضحى-و-الربا-و-القوى) ، ففيه نظر فإن الداني جمع في باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة في القرآن سواء انفتح أولها نحو (الهوى-و-فتاها) ، أو انكسر نحو (الربا-والزنا) ، أو انضم نحو (الهدى-والضحى-والقوى) ، وقال في آخره وقرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه في باب فعل ، واقرأني ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية ولم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين وما عدا ذلك بإخلاص الفتح ، قلت فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآى مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف ، (كالضحى-و-القوى) ، وما فيه الهاء من رءوس الآى كالذي لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان كـ (ضحاها-و-تلاها-وجلاها-و-بناها) ، واستخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل فإنه ذكر ذوات الياء ثم قال وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلا ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء فإنه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك ، هذا ما لم يكن في ذلك راء يعني فإنه يميله بلا خلاف بين بين نحو (ذكراها-كما يميل-ذكرى) ، في غير رءوس الآى وهو داخل في قوله وذو الراء ورش بين بين ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائي بإمالته وفيه أربع كلمات من ذوات الواو (سجى-و-دحاها-و-تلاها-و-طحاها-وفيه-مرضاة) ، وذكر في الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة (الضحى-و-الربا-و-كلاهما) ، ثم قال وقد تقدم مذهب ورش في ذوات الياء وهذه العبارة تحتمل معنيين ، أحدهما أن يريد أنه فعل في هذا الفصل ما فعله في ذوات

الياء فيلزم من ذلك أنه يميل (مرضاة-و-كلاهما-كما يميل-الربا-و-الضحى-و-سجى-و-دحاها) ، ولم أره في كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما ، والثاني أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو في رءوس الآى ولا الربا وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة وهي تقتضي إمالة ذلك ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدوري بإمالته ثم قال وفتح الباقون ذلك كله إلا قوله عز وجل (رءياك) ، فإن أبا عمرو وورشا يقرآنه بين بين على أصلهما ولم يستثن (مثواي-ولا-محياي-و-هداي) ، وهي ممالة لورش بين بين لأنها من ذوات الياء فأعمل على ما ذكره في كتاب الإمالة فإنه بين فيه مذهب ورش في كل فصل وباب وحرف وأما (الدنيا-و-العليا) ، فممالان إذ أنهما من باب فعلى إلا أنهما من ذوات الواو ولم يرسما بالياء فلا يمكن إدخالهما في قوله وذوات اليا فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا ولا رسما وإنما هما منها إلحاقا فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء في التثنية والجمع والله أعلم ، فهذا البيت والذي بعده من مشكلات هذه القصيدة واستخراج مذهب ورش منهما صعب لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق والخلاف وقد تحيلنا في إدخال كثير مما أماله في قوله ذوات اليا باعتبار الأصل والرسم والإلحاق وأما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية سيأتي بيانه وشرحه في البيت الآتي إلا لفظ (الربا) ، فإنه ليس برأس آية وفي إمالته نظر عن ورش على ما دل عليه كلام الداني في كتاب الإمالة ولكنه نص في كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو في الأسماء والأفعال نحو (الصفا-و-الربا-و-عصاي-و-سنا برقه-و-شفا جرف-و-مرضاة الله-و-خلا-و-عفا-و-دعا-و-بدا-و-دنا-و-علا-و-ما زكى) ، فورش يخلص الفتح في جميعه إلا ما وقع آخر آية نحو (الضحى-و-سجى-وكذا-(وأن يحشر الناس ضحى) ، عند الوقف والله أعلم
(315)

وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا لَهُ غَيْرَ مَاهَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلاَ
يعني أن رءوس الآى لا يجري فيها الخلاف المذكور بل قراءته لها على وجه واحد وهو بين اللفظين وعبر عن ذلك بقوله قد قل فتحها يعني أنه قلله بشيء من الإمالة وقد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل في مواضع كقوله وورش جميع الباب كان مقللا والتقليل جادل فيصلا وقلل في جود وعن عثمان في الكل قللا وأراد برءوس الآى جميع ما في السور المذكورة الإحدى عشرة سواء كان من ذوات الواو أو من ذوات الياء وقد نص الداني على ذلك في كتاب إيجاز البيان وإنما لم يجيء وجه الفتح فيها إرادة أن تتفق ألفاظها ولا يختلف ما يقبل الإمالة منها وذلك أن منها ما فيه راء نحو (الثرى-و-الكبرى) ، وذاك ممال لورش بلا خلاف فأجرى الباقي مجراه ليأتي الجميع على نمط واحد ثم استثنى من ذلك ما فيه هاء أي غير ما فيه لفظ هاء نحو (ذكراها-و-بناها-و-طحاها) ، وهذا التقدير أولى من أن يقول تقديره غير ما هاء فيه أي ما فيه هاء بالمد لما يلزم في ذلك من قصر الممدود والابتداء بالنكرة من غير ضرورة إلى ذلك ولأنه يوهم أيضا استثناء ما فيه مطلق الهاء فيدخل في ذلك هاء المذكر نحو (تقواهم-و-ذكراهم) ، وإنما المراد هاء ضمير المؤنث ، قال الشيخ وهو ينقسم على ثلاثة أقسام ما لا خلاف عنه في إمالته نحو (ذكراها) ، وذلك داخل في قوله وذو الراء ورش بين بين ، ومالا خلاف عنه في فتحه نحو (ضحاها) ، وشبهه من ذوات الواو ، وما فيه الوجهان وهو ما كان من ذوات الياء ، قلت وتبع الشيخ غيره في ذلك وعندي أنه سوى بين جميع ما فيه الهاء سواء كانت ألفه عن ياء أو واو فيكون في الجميع وجهان وقد تقدم ما دل على ذلك من كلام الداني في كتاب الإمالة وقال أيضا في الكتاب المذكور اختلف الرواة وأهل الأداء عن ورش في الفواصل إذا كن على كناية المؤنث نحو آى (والشمس وضحاها) ، وبعض آى (والنازعات) ، فأقرأني ذلك أبو الحسن

عن قراءته بإخلاص الفتح وكذلك رواه عن ورش أحمد بن صالح وأقرأنيه أبو القاسم وأبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين وذلك قياس رواية أبي الأزهر وأبي يعقوب وداود عن ورش ، قلت وجه المغايرة بين ما فيه ضمير المؤنث وغيره من رءوس الآى أن الألف في (ضحاها) ، ونحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآى بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث فلم تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية فجرى فيها الخلاف ومن سوى في الإمالة بين (ضحاها-و-الضحى) ، قصد قوة المشاكلة بالإمالة وضمير المؤنث فتقع المشاكلة طرفا ووسطا وقوله فاحضر مكملا أي لا تغب عنه فالمذكور مكمل البيان فيكون مكملا مفعولا به أي احضر كلاما مكملا أو يكون التقدير احضر رجلا مكملا في هذا العلم يفهمك إياه أي لا تقتد ولا تقلد إلا مكمل الأوصاف كمالا شرعيا معتادا فالكمال المطلق إنما هو لله عز وجل ويجوز أن يكون مكملا نعت مصدر محذوف أو حالا أي احضر حضورا مكملا أي لا تكن حاضرا ببدنك غائبا بذهنك وخاطرك أو احضر في حال كونك مكملا أي بجملتك من القلب والقالب والله أعلم ، وإنما قال ذلك على أي معنى قصده من هذه المعاني لصعوبة ضبط مذهب ورش هنا فأشار إلى تفهمه والبحث عنه وإلقاء السمع لما يقوله الخبير به وقد تخلص من مجموع ما تقدم أن ورشا يميل بين اللفظين كل ألف بعد راء ورءوس الآى غير المؤنثة بلا خلاف وفي المؤنثة الخالية من الراء وفي كلمة (أراكهم) ، وفي ذوات الياء انقلابا أو رسما أو إلحاقا خلاف ولا يميل (مرضاة-ولا-كلا-ولا-كمشكاة-ولا-الربا) ، من مجموع ما تقدم إمالته وباقي ما تقدم لورش على التفصيل المذكور ووقع لي في ضبط ذلك بيتان فقلت ، (وذو الراء ورش بين بين وفي رءوس الآى سوى اللاتي تحصلا) ، (بها وأراكهم وذي اليا خلافهم كلا والربا مرضاة مشكاة أهملا) ، فذكر أولا ما يميله بلا خلاف ثم ما فيه وجهان ثم ما امتنعت إمالته والله أعلم
(316)

وَكَيْفَ أَتَتْ فَعْلَى وَآخِرُ آيِ مَا تَقَدَّمَ لِلبَصْرِي سِوى رَاهُمَا اعْتَلاَ
أي وأميل لأبي عمرو بين بين فعلى كيف أتت بفتح الفاء نحو تقوى-و-شتى-و-يحي-أو بكسرها نحو إحدى-و-عيسى-أو بضمها نحو الحسنى-و-موسى-وكذا أواخر الآى من السور المقدم ذكرها وعطف ذلك على قراءة ورش فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال في ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل ما أنه قال وإدغام باء الجزم وعطف عليها مسائل أخر ولم يذكر الإدغام فحملت عليه إلى أن قال ويس أظهر وعطف المسائل إلى آخر الباب وحمل الجميع على الإظهار وقوله سوى راهما اعتلا أي سوى ما وقع من بابي فعلى ورءوس الآى بالراء قبل الألف نحو (ذكرى)-(وما كنا ظالمين)-(هدى وبشرى)-(رسلنا تترى)-(وما تحت الثرى) و(مآرب أخرى)-(وقد خاب من افترى) ، فإنه يميله إمالة محضة على ما تقدم له من ذلك في قوله وما بعد راء شاع حكما فالضمير في راهما يعود على فعلى وعلى آخر آي ما تقدم وقصر لفظ الراء ضرورة كما قصر الياء من قوله وذوات الياله الخلف وفي جملا ضمير يعود على الخلف ويجوز أن تكون الألف فيه للتنبيه لأن معنى الخلف وجهان فكأنه قال وجهان جملا كما قال ذلك في باب المد والقصر وقوله اعتلا الضمير فيه عائد على الراء أي اعتلا في الإمالة أو يعود على الإضجاع أي اعتلت الإمالة فيه فكانت محضة وقد اختلف في سبعة مواضع من تلك السور أهي رأس آية أم لا فيبني مذهب أبي عمرو وورش على ذلك الأول في طه (ولقد أوحينا إلى موسى) ، عدها الشامي وحده والثاني فيها أيضا (هذا إلهكم وإله موسى) ، عدها المدني الأول والكوفي والثالث فيها أيضا (فإما يأتينكم مني هدى) ، لم يعدها الكوفي والرابع في والنجم (فأعرض عن من تولى) ، عدها الشامي والخامس في والنازعات (فأما من طغى) ، لم يعدها المدني والسادس في والليل (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) ، لم يعدها بعض أهل العدد وهو غلط والسابع في اقرأ (أرأيت الذي ينهى) ، تركها الشامي

وليس قوله (فأما من أعطى) ، في سورة والليل برأس آية وقوله تعالى (فأولى لهم)-(أولى لك فأولى) ، قيل هو أفعل وقيل هو فعلى وقوله تعالى (يوم لا يغني مولى عن مولى) ، هو مفعل وليس فعلى قال مكي ، واختلف عنه في (يحيى) ، فمذهب الشيخ أنه بين اللفظين وغيره يقول بالفتح لأنه يفعل ، قلت يعني يحيى اسم النبي عليه السلام وأما نحو (ويحيى من حي) ، فهو يفعل بلا خلاف (كيسعى-و-يخشى-ويصلى) فاعلم ذلك
(317)
وَيَا وَيْلَتَى أَنَّى وَيَا حَسْرَتى (طَ)ـوَوْا وعَنْ غَيْرِهِ قِسْهَا وَيَا أَسَفَى الْعُلاَ

يعني أن الدوري عن أبي عمرو أمال هذه الكلم الأربع بين بين وهذا الحكم منقول في التيسير وغيره عن أبي عمرو البصري نفسه لكنه قال من طريق أهل العراق وتلك طريق الدوري قال ومن طريق أهل الرقة بالفتح يعني طريق السوسي وروى عنه فتحها وروى فتح (يا أسفى) ، وإمالة الثلاثة الباقية وهذه طريق أبي الحسن ابن غلبون ووالده أبي الطيب فلهذا اختزل الناظم (يا أسفى) ، عن أخواتها وألحقها بها أرادوا يا أسفى كذلك وكأنه أشار بقوله طووا إلى ذلك أي طووه ولم يظهروه إظهار غيره فوقع فيه اختلاف كثير ثم قال وعن غير الدوري قسها على أصولهم فتميل لحمزة والكسائي لأن الجميع من ذوات الياء رسما وقد تقدم الكلام في (أنى) ، والألف في (ويلتى-و-حسرتى-و-أسفى) ، منقلبة عن ياء والأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم وتميل لورش بين اللفظين على أصله في ذوات الياء بخلاف عنه وافتح للباقين وإن كان ظاهر ما في التيسير أن ورشا لا يميلها لأنه ذكر مذهب أبي عمرو ثم قال وأمال ذلك حمزة والكسائي على أصلهما وقرأه الباقون بإخلاص الفتح في جميع ما تقدم وقوله العلا صفة لهذه الكلمات أي هي العلا ولو قال ويا أسفى على لكان أحسن لأنه لفظ القرآن ، فإن قلت إنما عدل عنه لئلا يلتبس ويوهم أن على من جملة الكلمات الممالة وأن التقدير ويا أسفا وعلى ، قلت زال هذا الإلباس بنصه فيما سبق على أن على لا تمال سلمنا الإلباس لكنا نقول الإلباس أيضا واقع في قوله العلا فإنه من ألفاظ القرآن أيضا فيقال لعله أراد والعلا ولفظ العلا لا يختص الدوري بإمالته بين اللفظين بل ذلك لأبي عمرو بكماله ولورش لأنهما رأس آية ثم إنه يلتبس أيضا من وجه آخر لأنه يوهم أنه رمز لنافع في ويا أسفى وتكون الواو في يا أسفى للفصل والله أعلم
(318)
وَكَيْفَ الثُّلاَثِي غَيْرَ زَاغَتْ بِمَاضِيٍ أَمِلْ خَابَ خَافُوا طَابَ ضَاقَتْ فَتُجْمِلاَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7