كتاب : إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع
المؤلف:الإمام الشاطبي

مجموع قوله-من له غير-في موضع خفض بإضافة راء إليه أي وراء هذا اللفظ حيث ياء خفض رفعها رسا أي ثبت ووجه الخفض أنه صفة إلى لفظا والرفع صفة له معنى لأن التقدير ما لكم إله غيره ومن زائد وأبلغ وبلغ لغتان كأغشى وغشى والقراءة بهما هنا في موضعين وفي الأحقاف فقول الناظم والخف مبتدأ وخبر حلا وأبلغكم منصوب بالمبتدأ لأنه مصدر كأنه قال وتخفيف أبلغكم حلا فأقام الخف مقام التخفيف فلما أدخل عليه لام التعريف نصب المضاف إليه مفعولا به وكان التخفيف مضافا إلى المفعول كما تقول ضرب زيد حسن ثم تقول الضرب زيد أحسن ومنه قول الشاعر ، (كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا ) ، والأصل عن ضرب مسمع والله أعلم
(691)
مَعَ أحْقَافِهاَ وَالْوَاوُ زِدْ بَعْدَ مُفْسِدِينَ (كُـ)ـفْؤاً وَبِالإِخْبَارِ إِنَّكُمُو (عَـ)ـلاَ

أي مع كلمة أحقافها وهي (وأبلغكم ما أرسلت به ولكني) ، والهاء عائدة على سور القرآن ليعلم بها ثم قال زد واوا بعد قوله مفسدين يريد قوله تعالى في قصة صالح (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)-(وقال الملأ) ، رسمت الواو في مصحف الشام دون غيره فقرأها ابن عامر كذلك وحذفها الباقون كما أنه حذف واو (وما كنا لنهتدي) ، وأثبتها الباقون وكفرا حال من فاعل زد أو من الواو أي إثباتها مكافيء لحذفها إذ المعنى فيهما واحد قوله وبالإخبار متعلق بعلا أي أئنكم علا وارتفع بقراءته على الخبر أي بهمزة واحدة في قوله (أئنكم لتأتون الفاحشة) ، أخبر أنهم بما كانوا عليه توبيخا لهم وقرأه الباقون بزيادة همزة الاستفهام الذي بمعنى الإنكار وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والمد بين الهمزتين وترك المد والذي قرأ بالإخبار حفص ونافع وقد رمز له في أول البيت الآتي ، فإن قلت من أين يتعين أن الاستفهام ضد الإخبار حتى تعلم منه قراءة الباقين وإنما هما قسمان من أقسام الكلام والأمر والنهي والتمني والترجي كذلك ، قلت قد نطق بلفظ الاستفهام في قوله أئنكم علا فأغنى عن أحد الضدين الإخبار وكأن قال يقرأ هذا اللفظ على الخبر فيعلم أن قراءة الباقين بهذا اللفظ ويجوز أن يندرج ذلك تحت الإثبات والحذف فالإخبار حذف لهمزة الاستفهام وضد إثباتها والله أعلم
(692)
( أَلاَ وعَلَى الحِرْمِيُّ إنَّ لَنَا هُنَا وَأَوْ أَمِنَ الإسْكَانَ حَرْمِيُّه كَلا) ألا

ألا من تتمة رمز ما سبق وعلى في قوله وعلى الحرمي فعل ماض ارتفع به الحرمي وألا حرف تنبيه أخبر بعد بأن قراءة الحرمين (إن لنا لأجرا) ، بالإخبار قد علمت ولو كان على حرف جر لكان له معنى مستقيم أيضا أي على الحرميين قراءة-إن لنا-بالإخبار والواو في وعلى للفصل والعين رمز حفص لأن الواو زائدة على الكلمة فكأنه قال وحفص بخلاف العين في قوله وعى نفر فإنها متوسطة وسيأتي لهذا نظائر وكم صحبة يا كاف ودون عناد عم وحكم صحاب قصر همزة جاءنا وقد سبق في شرح الخطبة الكلام على هذا وقوله هنا احترازا من الذي في الشعراء فإنه بالاستفهام اتفاقا كقراءة الباقين هنا وأما (أو أمن أهل القرى) ، ففي واوه الإسكان والفتح فالإسكان على أنها حرف أو أي أفأمنوا هذا أو هذا وقراءة الجماعة على أنها واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام وهو استفهام بمعنى النفي وقوله الإسكان مبتدأ ثان والعائد إلى الأول محذوف أي الإسكان فيه و معنى كلا حفظ وحرس والله أعلم
(693)
(عَلَيَّ عَلَى خَصُّوا وَفي سَاحِرٍ بِهَا وَيُونُسَ سَحَّار شَفَا وتَسَلْسَلاَ

أي خصوا علي موضع على في قوله تعالى (حقيق على أن لا أقول) ، فقراءة نافع واضحة أي واجب على قول الحق وأن لا أقول على الله غيره وعلى فى قراءة الجماعة متعلقة برسول وحقيق صفته أي أني رسول على هذه الصفة وهي أني لا أقول إلا الحق وحقيق بمعنى حق أي أنا رسول حقيقة ورسالتي موصوفة بقول الحق قال ابن مقسم حقيق من نعت الرسول أي رسول حقيق من رب العالمين أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق وهذا معنى صحيح واضح وغفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعلق حرف على برسول ولم يخطر لهم تعلقه إلا بقوله حقيق فقال الأخفش والفراء على بمعنى الباء أي حقيق بأن لا أقول إلا الحق كما جاءت الباء بمعنى على في (ولا تقعدوا بكل صراط) ، وتبعهما الأكثرون على ذلك وذكر الزمخشري أربعة أوجه أخر ، أحدها أن يكون من المقلوب لا من الإلباس كقوله (وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر ) ، ومعناه وتشقي الضياطرة بالرماح يعني فتكون بمعنى قراءة نافع أي قول الحق حقيق على فقلب اللفظ فصار أنا حقيق على قول الحق قال ، والثاني أن ما لزمك فقد لزمته فلما كان قول الحق حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحق أي لازما له ، والثالث أن تضمن حقيق معنى حريص كما ضمن هيجني معنى ذكرني في بيت الكتاب يعني قوله ، (إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تغربت عنها أم عمار) نصب أم عمار يهيجني لأنه استعمله بمعنى ذكرني ، قال والرابع أن يغرق موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق أي أنا حقيق على قول الحق أي واجب على أن أكون أنا قائله والقائم به وكل هذه وجوه متعسفة وليس المعنى إلا على ما ذكرته أولا وقراءة حمزة والكسائي (يأتوك بكل سحَّار عليم) ، والباقون-بكل ساحر-وكذا في يونس (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) ، ولا خلاف في الذي في الشعراء أنه سحار بألف بعد الحاء كما قرأ حمزة والكسائي في الأعراف ويونس وساحر وسحار مثل عالم وعلام وفي التشديد مبالغة وتقدير نظم البيت وسحار شفا في

موضع ساحر في الأعراف ويونس والمتسلسل الماء الذي يجري في الحلق سائغا سهل الدخول فيه يشير إلى الميل إليه لموافقته لفظ ما أجمع عليه في الشعراء
(694)
وَفِي الْكُلِّ تَلْقَفْ خِفُّ حَفْصٍ وَضُمَّ فِي سَنَقْتُلُ وَاكْسِرْ ضَمَّهُ مُتَثَقِّلاَ
لفظ في هذا البيت بقراءة حفص ولفظ بقراءة الجماعة في البقرة عند ذكر تاآت البزى ويروي ثلاثا في تلقف والتخفيف والتشديد في القاف ويلزم التخفيف سكون اللام والتشديد فتحها ولم ينبه عليه للعلم به من لفظه وقد سبق له نظائر وقوله وفي الكل يعني هنا تلقف وفي طه والشعراء فقراءة حفص من لقف يلقف كعلم يعلم وقراءة الباقين أصلها تتلقف فحذفت التاء الثانية تخفيفا كقوله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها) ، وتقدير النظم وتلقف مخفف حفص في الكل وأما (سنقتل أبناءهم) ، فالضم في النون وكسر الضم مع التشديد في التاء ومتثقلا حال من المكسور وهو الضم الذي بمعنى المضموم ثم تمم الكلام في ذلك فقال
(695)
وَحَرِّكْ (ذَ)كَا (حُـ)ـسْنٍ وَفِي يَقْتُلُونَ (خُـ)ـذْ مَعاً يَعْرِشُونَ الْكَسْرُ ضُمَّ (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ
أي حرك القاف بالفتح فيصير مستقبل قتل بتشديد التاء والقراءة الأخرى مستقبل قتل بتخفيف التاء وهما ظاهرتان وفي التشديد معنى التكثير وذكا بضم الذال والمد اسم الشمس وقصره ضرورة أي هي ذكا حسن يعني القراءة أي حرك مشبها شمس حسن ثم قال وفي يقتلون خذ أي فيه بما قيد به في سنقتل يعني (يقتلون أبناءكم) ، لم يخففه غير نافع وأما سنقتل فخففه نافع وابن كثير ثم قال معا يعرشون يعني هنا وفي النحل ضم الراء وكسرها لغتان وقوله كذى صلا أي كصاحب صلا والصلاء بالمد ذكا النار بالقصر واستعارها وذلك يستعار للتعبير به عن الذكاء الممدود وهو الفطنة أي ضم الكسر فيه مشبها ذلك والله أعلم
(696)
وَفي يَعْكُفُونَ الضَّمُّ يُكْسَرُ (شَـ)ـافِياً وَأَنْجى بِحَذْفِ الْيَاءِ وَالنُّونِ (كُـ)ـفِّلاَ

ضم الكاف وكسرها لغتان وقرأ ابن عامر (وإذ أنجاكم من آل فرعون)-(والباقون-أنجيناكم) وكلاهما ظاهر
(697)
وَدَكَّاءَ لاَ تَنْوِينَ وَامْدُدْهُ هَامِزاً (شَـ)ـفَا وَعَنِ الْكُوفِيِّ فِي الْكَهْفِ وُصِّلاَ
الدكاء بالمد الرابية الناشرة من الأرض كالدكة أي جعله كذلك يعني الجبل ههنا والسد في الكهف أو جعله أرضا مستوية ومنه ناقة دكاء للمستوية السنام ودكا بالقصر والتنوين في قراءة الجماعة مصدر بمعنى مدكوكا أو مندكا أي مندقا والمعنى دكه دكا مثل قعد جلوسا ومرفوع وصلا ضمير عائد على دكا الممدود غير النون أي وصل إلينا نقله عن الكوفيين في حرف الكهف والله أعلم
(698)
وَجَمْعُ رسَالاَتِي (حَـ)ـمَتْهُ (ذُ)كُورُهُ وَفي الرُّشْدِ حَرِّكْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد قوله تعالى (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي) ، وقد سبق الكلام في إفراد رسالة وجمعها في سورة المائدة والأنعام وذكوره بمعنى سيوفه يشير بذلك إلى حجج القراءة وعدالة من نقلها والرشد والرشد لغتان كالبخل والبخل وقيل الرشد بالضم الصلاح وبالفتح الدين ولهذا أجمع على ضم-فإن آنستم منهم رشدا-وعلى فتح-فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا-أي حرك الشين بالفتح وافتح ضم الراء في حال خفته
(699)
وَفِي الْكَهْفِ (حُـ)سْنَاهُ وَضَمُّ حُلِيِّهِمْ بَكَسْرٍ (شَـ)ـفَا وَافٍ وَالاِتْبَاعُ ذُو حُلاَ

أي وفتح الذي في الكهف أبو عمرو وحده وهو قوله تعالى-على أن تعلمن مما علمت رشدا-وضمه الباقون وقبل هذا الحرف في الكهف موضعان لا خلاف في فتحهما وهما-وهيئ لنا من أمرنا رشدا-وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا-وذلك لموازنة رءوس الآي قبلهما وبعدهما نحو-عجبا-عددا-أحدا-وأما وجه الإسكان في الثالث المختلف فيه فلأن قبله-علما-وبعده-صبرا-فرشدا بالضم والإسكان يوافقه فاتفق أن اللفظ المختلف فيه في الصورتين هو واقع في قضية موسى عليه السلام ولعل الناظم أشار بقوله حسناه إلى حسن القراءتين وهو مصدر على فعلى كحسنى أو هو تثنية حسن أي حسنا هذا اللفظ وحسناه قراءتاه وحلى جمع حلى الأصل ضم الحاء ومن كسرها أتبعها كسرة اللام فلهذا قال والاتباع ذو حلا تعليلا لهذه القراءة أي الإتباع معروف في لغة العرب مستحسن عندهم وليس قوله ذو حلا برمز فإن رمز قراءة الكسر في قوله شفا والاتباع هي بكسر الحاء وهو يوهم أنه رمز لقراءة أخرى في باديء الرأي فلو كان حذفه وقيد موضع الخلاف في الكهف كان أولى فيقول ، (وفي ثالث في الكهف حز وحليهم بكسر لضم الحاء الاتباع شمللا) ، والله أعلم
(700)
وَخَاطَبَ يَرْحَمْنَا وَيَغْفِرْ لَنَا (شَـ)ـذاً وَبَا رَبَّنَا رَفْعٌ لِغَيْرِهِمَا انْجَلاَ
أي مشبها شذا أو ذا شذا وهو العود لأنهما قرءا على الخطاب ونصبا ربنا على حذف حرف النداء وقراءة الباقين على الغيب وإسناد الفعلين إلى ربنا فلهذا رفع على الفاعلية
(701)
وَمِيمَ ابْنَ أُمَّ اكْسِرْ مَعًا (كُفْؤَ) (صُحْبَةٍ) وَآصَارَهُمْ بِالْجَمْعِ وَالْمَدِّ (كُـ)ـلِّلاَ
معا يعني هنا ونى طه وفتح الميم وكسرها لغتان وإفراد الإصر وجمعه مضت نظائره وهو الثقل من التكاليف وغيرها وكفؤا حال من فاعل اكسر أو مفعوله وقد مضى في النساء معنى كللا
(702)
خَطِيئَاتُكُمْ وَحْدَهُ عَنْهُ وَرَفْعُهُ (كَـ)ـمَا (أَ)لَّفُوا وَالْضَّمِيرُ بِالْكَسْرِ عَدَّلاَ

عنه أي عن ابن عامر ورفع التاء له ولنافع لأنهما قرءا يغفر بإسناد الفعل إلى المفعول فلزم رفع خطيئتكم لابن عامر وخطيئاتكم لنافع وإنما كسر الباقون التاء علامة للنصب في-خطيئاتكم-لأنهم يقرءون نغفر بإسناد الفعل إلى الفاعل فخطيئاتكم مفعوله وأبو عمرو قرأ خطايا على جمع التكسير فموضعهما نصب ومعنى ألفوا أجمعوا
(703)
وَلكِنْ خَطَايَا (حَـ)ـجَّ فِيهَا وَنُوحِهَا وَمَعْذِرَةً رَفْعٌ سِوى حَفْصِهمْ تَلاَ
أي وقرأ أبو عمرو في هذه السورة وفي سورة نوح-خطايا-على وزن مطايا والذي في نوح (مما خطاياهم أغرقوا) ، وقرأ الباقون بجمع السلامة-مما خطيئاتهم-وهو مشكل إذ لقائل أن يقول من أين يعلم ذلك فلعل الباقين قرءوا بالإفراد أو بعضهم بجمع السلامة وبعضهم بالإفراد كما قرءوا في الأعراف فلو أنه قال بعد قوله والغير بالكسر عدلا كنوح خطايا فيهما حج وحده أي كحرف نوح وأبو عمرو قرأ فيهما أي في الأعراف ونوح خطايا لم يبق مشكلا ولعله اجتزأ عن ذلك بقوله أولا خطيئاتكم وحده عنه فكأنه قال وهذا اللفظ قرأه أبو عمرو هنا وفي نوح خطايا فبقي الباقون في السورتين على ما لفظ به وهو خطيئاتكم ، فإن قلت هلا قال والغير بالخفض أو بالجر لأنها حركة إعراب لا بناء ، قلت هذه العبارة جيدة في حرف نوح لأنه مجرور وأما الذي في الأعراف فمنصوب وعلامة نصبه الكسرة فعدل إلى لفظ الكسر لأنه يشمل الموضعين والله أعلم ، وأما (معذرة إلى ربكم) ، فهو بالرفع خبر مبتدإ محذوف وبالنصب مصدر أو مفعول له وقال سيبويه بعد قوله فقالت حنان ما أتى بك ههنا ومثله في أنه على الابتداء وليس على فعل قوله تعالى (قالوا معذرة إلى ربكم) لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليسوا عليه ولكنهم قيل لهم-لم تعظون قوما-فقالوا-معذرة-أي موعظتنا معذرة إلى ربكم-قال ولو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا لنصب والله أعلم
(704)

وَبِيسٍ بِيَاءٍ (أَ)مَّ وَالْهَمْزُ (كَـ)ـهْفُهُ وَمِثْلَ رَئِيس غَيْرُ هذَيْنِ عَوَّلاَ
أراد (بعذاب بئيس) ، ومعنى أم قصد فقرأه نافع بتسهيل قراءة ابن عامر وقراءة ابن عامر بهمزة ساكنة محققة من بئس كحدر كما يقال كبد في كبد وقراءة غيرهما على وزن فعيل ظاهرة والكل صفة عذاب ومعناه الشدة من قولهم بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس فعذاب بئيس مثل عذاب شديد ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر من البأساء يقال بئس يبأس بؤسا وبئسا وبأسا وقال أبو علي في قراءة نافع بيس فجعل بئس الذي هو فعل اسما فوصف به مثل إن الله ينهى عن قيل وقال ، وقوله عول ليس برمز لأنه صرح بالقاريء في قوله غير هذين وعولا خبر غير هذين أي عول عليه أي على مثل رئيس فقرأ به والله أعلم
(705)
وَبَيْئَسٍ اسْكِنْ بَيْنَ فَتْحَيْنِ (صَـ)ـادِقاً بِخُلْفٍ وَخَفِّفْ يُمْسِكُونَ (صَـ)ـفَا وِلاَ
ألفى همزة اسكن على تنوين بئيس فانفتح وحذفت الهمزة أي أسكن الياء بين فتح الباء وفتح الهمزة ولو قال وبيس الياء بين فتحتين كأن الأولى لئلا يقرأ بهمزة ساكنة بين الباء والياء على وزن فعيل وكان يستفاد سكون الياء من لفظه بالحرف أي قرأه أبو بكر على وزن فيعل وهو صفة أيضا كضيغم والوجه الآخر لأبي بكر مثل الجماعة فهم ذلك من قوله غير هذين وأمسك ومسك لغتان وصفا بالتنوين أي قويا وولاء متابعة وهو تمييز من معناه أي قويا متابعته أو حال بعد حال أي ذا متابعة ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين فعلا ماضيا وفي ولا الوجهان ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين مضافا إلى ولا أي قوي متابعته ويجوز أن يكون مقصورا من الممدود والله أعلم
(706)
وَيَقْصُرُ ذُرِّيَّاتِ مَعْ فَتْحِ تَائِهِ وَفِي الطُّورِ فِي الثَّانِي (ظَـ)ـهِيرٌ تَحَمَّلاَ

يريد (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) ، قصره الكوفيون وابن كثير أي حذفوا ألفه فصار مفردا بعد أن كان جمعا فلزم فتح الياء لأنه مفعول به وإنما كانت مكسورة في قراءة الباقين بالجمع لأن الكسر هو علامة النصب في جمع المؤنث السالم وقال فتح تائه ولم يقل نصب لما سبق تقريره في رسالته في سورة المائدة والثاني في الطور هو (ألحقنا بهم ذرياتهم) ، الخلاف في الموضعين واحد وكلتا القراءتين ظاهرة ثم قال
(707)
وَيَاسِينَ (دُ)مْ (غُـ)ـصْناً وَيُكْسَرُ رَفْعُ أَوَّلِ الطُّورِ لِلْبَصْرِي وَبِالْمَدِّ (كَـ)ـمْ (حَـ)ـلاَ
زاد معهم أبو عمرو في إفراد الذي في يس وهو (أنا حملنا ذريتهم) ، ومعنى دم غصنا أي مشبها غصنا في الانتفاع بظله وثمره وكنى بذلك عن تعليم العلم وأول الطور هو (واتبعتهم ذريتهم) ، قصره أيضا ابن كثير والكوفيون كما فعلوا بالثاني لكن تاء الأول مرفوعة لأنه فاعل وأبو عمرو وابن عامر جمعاهما وهو معنى قوله وبالمد كم حلا فتاء الثاني مكسورة لهما لأنه مفعول وتاء الأول مضمومة لابن عامر لأنه فاعل ومكسورة لأبي عمرو لأنه مفعول لأنه يقرأ (وأتبعناهم ذرياتهم) ، مع ما يأتي في سورة ، فإن قلت لم قال وبكسر ولم يقل وبخفض وهي حركة إعراب ، قلت لأنه نصب علامته الكسرة ، فإن قلت هلا قال وبنصب ، قلت لما كان المألوف من علامة النصب إنما هو الفتحة خاف على من لا يعرف النحو أن يفتح التاء في جمع المؤنث السالم فعدل إلى التعبير بعلامة النصب هنا وهي الكسرة لهذا المعنى وهو حسن
(708)
يَقُولُوا مَعاً غَيْبٌ (حَـ)ـمِيدٌ وَحُيْثُ يُلْحِدُونَ بِفَتْحِ الضمِّ وَالْكَسْرِ (فُـ)ـصِّلاَ

يريد (شهدنا أن تقولوا) ، -وبعده-أو يقولوا-الغيب حميد لأنه قبله ما يرجع إليه والخطاب على الالتفات ولحد وألحد لغتان وهو في ثلاث سور هنا (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، وفي النحل (لسان الذي يلحدون إليه) ، وفي فصلت (إن الذين يلحدون في آياتنا) ، ثم ذكر أن الكسائي وافق حمزة في حرف النحل فقال
(709)
وَفِي النَّحْلِ وَالاَهُ الْكِسَائِي وَجَزْمُهُمْ يَذَرْهُمْ (شَـ)ـفَا وَالْيَاءُ (غُـ)ـصْنٌ تَهَدَّلاَ
والاه أي تابع حمزة والجزم والرفع في (يذرهم في طغيانهم) ، تقدم مثله في البقرة (ويكفر عنكم من سيئاتكم) ، والياء لله والنون للعظمة ويقال تهدل الغصن أي استرخى لكثرة ثمرته فقراءة حمزة والكسائي بالياء والجزم و قراءة عاصم وأبي عمرو بالياء والرفع والباقون بالنون والرفع
(710)
وَحَرِّكْ وَضُمَّ الْكَسْرَ وَامْدُدْهُ هَامِزاً وَلاَ نُونَ شِرْكاً (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذَا (نَفَرٍ) مَلاَ
شركا مفعول وحرك ولا نون يعني لا تنوين فيه وضم الكسر يعني في الشين والتحريك عبارة عن فتح الراء فيصير شركاء جمع شريك على وزن كرماء وشركا على تقدير ذا شرك ويجوز أن يكون سمى الشريك شركاء على المبالغة وقوله عن شذا متعلق بمحذوف أي آخذا ذلك والشذا يجوز أن يكون بمعنى بقية النفس أي خذه عن بقية نفر ملا أي ثقاة ويجوز أن يكون عبارة عن الطيب وكنى به عن العلم أي آخذا ذلك عن علم نفر هذه صفتهم وعبر عن العلم بالشذا لأن العلم طيب العلماء والله أعلم
(711)
وَلاَ يَتْبَعُوكُمْ خَفَّ مَعْ فَتْحِ بَائِهِ وَيَتْبَعُهُمْ فِي الظُّلَّةِ (ا)حْتَلَّ وَاعْتَلاَ

يريد (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) ، التخفيف من تبع مثل علم والتشديد من اتبع مثل اتسق والظلة هي سورة الشعراء في آخرها (والشعراء يتبعهم) ، التخفيف في الموضعين لنافع وحده وكذلك ويتبعهم في الظلة وقوله احتل أي حمل ذلك في هاتين الكلمتين وهو تخفيف التاء بإسكانها وفتح الباء واعتلا ارتفع والله أعلم
(712)
وَقُلْ طَائِفٌ طَيْفٌ (رِ)ضىً (حَقُّـ)ـهُ وَيَا يَمُدُّونَ فَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)عْدَلاَ

قل هنا بمعنى اقرأ أي اقرأ هذه الكلمة التي هي طائف اقرأها طيف للكسائي وأبي عمرو وابن كثير يريد قوله تعالى (إذا مسهم طائف) ، قال أبو عبيدة-طيف من الشيطان-أي يلم به لما قالوا أبو زيد طاف الخيال يطيف طيفا-وطاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل وأدبر فمن قرأ-طايف-كان اسم فاعل من أحد هذين ومن قرأ-طيف- فهو مصدر أو تخفيف طيف كميت ويكون طيف بمعنى طايف يحتمل الوجهين وقال أبو علي الطيف مصدر فكان المعنى إذا مسهم وخطر لهم خطرة من الشيطان تذكروا قال ويكون طايف بمعناه مثل العاقبة والعافية ويجوز ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة والطيف أكثر لأن المصدر على هذا الوزن أكثر منه على وزن فاعل فالطيف كالخطرة و الطائف كالخاطر وقوله رضى حقه أي حقه رضى أي مرضي وأما (وإخوانهم يمدونهم في الغي) ، فقراءة الجماعة من مد مثل شد لأنه هو المستعمل في المكروه نحو (ويمدهم في طغيانهم)-(ونمد له من العذاب مدا) ، وقراءة نافع وحده من أمد مثل أعد وهو أكثر ما يستعمل في المحبوب نحو (وأمددناهم بفاكهة)-(أتمدونني بمال)-(ويمددكم بأموال وبنين)-(إني ممدكم بألف من الملائكة)-(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) ، قال أبو علي فوجهه ههنا أنه بمنزلة قوله تعالى (فبشرهم بعذاب أليم) وقوله (فسنيسره للعسرى) ، وقيل مد وأمد لغتان يقال مد النهر وأمده بحر آخر وأمددت الجيش بمد إذا أعنتهم ومددتهم صرت لهم مددا وقال سيل أبي مده أنى وأعدلا حال أي عادلا في بيان وجه ذلك
(713)
وَرَبِّي مَعِي بَعْدِي وَإِنِّي كِلاَهُمَا عَذَابِي آيَاتِي مُضَافَاتُهَا الْعُلاَ

فيها سبع ياءات إضافة (ربي الفواحش) ، أسكنها حمزة وحده (معي بني إسرائيل) ، فتحها حفص وحده (من بعدي أعجلتم) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (إني أخاف عليكم) ، في قصة نوح كذلك فتحها أبو عمرو والحرميان (إني اصطفيتك) ، فتحها أبو عمرو وابن كثير فهذا معنى قوله كلاهما أي إني وإني كلاهما أي جاء لفظ إني في موضعين وهذا كما سبق في معنى قوله معا ، (قال عذابي أصيب) ، فتحها نافع وحده (سأصرف عن آياتي الذين) ، أسكنها ابن عامر وحمزة ويقع في بعض النسخ-عذابي-وآياتي-بإسكان ياء-عذابي-وإثبات واو العطف في-وآياتي-وفي بعضها بفتح الياء وحذف الواو وفيها زائدة واحدة في آخرها (ثم كيدون فلا) ، أثبتها أبو عمرو في الوصل وعن هشام خلاف في الوصل والوقف وقلت في ذلك ، (مضافاتها سبع وفيها زيادة تحلت أخيرا ثم كيدون مع فلا) ، أي هي (كيدون فلا تنظرون)
(714)
وَفِي مُرْدِفِينَ الدَّالَ يَفْتَحُ نَافِعٌ وَعَنْ قُنْبُلٍ يُرْوَى وَلَيْسَ مُعَوَّلاَ

أي وليس معولا عليه قال صاحب التيسير قرأ نافع-مردفين -بفتح الدال وكذلك حكى لي محمد ابن أحمد عن ابن مجاهد أنه قرأ على قنبل قال وهو واهم ، قلت والقائل بأنه وهم هو ابن مجاهد فإنه قال في كتاب السبعة له من رواية ابن بدهن قرأت على قنبل مردفين بفتح الدال مثل نافع وهو وهم حدثني الجمال أحمد ابن يزيد عن القواس عن أصحابه مردفين بكسر الدال ، قلت والقواس هو شيخ قنبل وكان قنبل سنة قرأ عليه ابن مجاهد قد اختلط على ما بيناه عند اسمه في الخطبة في الشرح الكبير واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال وتأويله أن الله تعالى أردف المسلمين بهم قال وكان مجاهد يفسرها ممدين وهو تحقيق هذا المعنى قال وفسرها أبو عمرو على قراءة الكسر أردف بعضهم بعضا قال أبو عبيدة فالإرداف أن يحمل الرجل صاحبه خلفه ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر فإن تأول بعضهم مردفين بمعنى رادفين لم أحبه أيضا لأن القرآن لم ينزل بهذه اللغة ألا تسمع قوله تعالى (تتبعها الرادفة) ، ولم يقل المردفة وكذلك قوله تعالى (ردف لكم) ، يقول أردف لكم وقال الفراء مردفين متابعين يردف بعضهم بعضا ومردفين فعل بهم قال الزجاج يقال أردفت الرجل إذا جئت بعده فمعنى مردفين يأتون فرقة بعد فرقة قال أبو علي من قال مردفين احتمل وجهين أحدهما أن يكونوا مردفين مثلهم تقول أردفت زيدا فيكون المفعول محذوفا في الآية والآخر أن يكونوا جاءوا بعدهم ، قال أبو الحسن تقول العرب بنو فلان مردفوننا أي يجيئون بعدنا قال أبو عبيدة مردفين جاءوا بعد وردفني وأردفني واحد فمردفين صفة للألف الذين هم الملائكة ومردفين على أردفوا الناس أي أنزلوا بعدهم فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدكم مردفين بألف من الملائكة والله أعلم
(715)
وَيُغْشِي (سَمَا) خِفًّا وَفِي ضَمِّهِ افْتَحُوا وَفِي الْكَسْرِ (حَقًّـ)ـا وَالنُّعَاسَ ارْفَعُوا وِلاَ

خفا تمييز أو حال أي ارتفع تخفيفه أو ارتفع خفيفا أي ذا خف يعني تخفيف الشين مع سكون الغين والباقون بفتح الغين وتشديد الشين وهما لغتان سبق ذكرهما في الأعراف وزاد ابن كثير وأبو عمرو على تخفيف الشين فتحها وفتح الياء الأولى وانقلبت الياء الأخيرة ألفا لانفتاح ما قبلها فقرءا مما يغشاكم مضارع غشى كعمى يعمى فهذا معنى قوله وفي ضمه افتحوا يعني ضم الباء وفي الكسر يعني كسر الشين فتحوا أيضا فتحا حقا والتقدير حق ذلك حقا ولزم من قراءتهما يغشى أن يرتفع النعاس على الفاعلية وأن ينتصب في قراءة غيرهما على المفعولية ليتعدى الفعل إليه بالزيادة على غشى همزة أو تضعيفا فهذا معنى قوله والنعاس ارفعوا أي لمدلول حقا ولا بالكسر أي ذوى ولاء أي متابعة
(716)
وَتَخْفِيفُهُمْ فِي الأَوَّلِينَ هُنَا وَلكِنِ اللهُ وَارْفَعْ هَاءهُ (شَـ)ـاعَ (كُـ)ـفَّلاَ
يعني الأولين (ولكن الله قتلهم)-(ولكن الله رمى) احتراز من (ولكن الله سلم)-(ولكن الله ألف بينهم) ، فإنهما مشددان بلا خلاف وموضع قوله-ولكن الله-نصب على أنه مفعول وتخفيفهم أي وتخفيفهم-ولكن الله-في الموضعين الأولين أي تخفيف هذا اللفظ ولهذا قال وارفع هاءه أي الهاء من اللفظ المذكور وهي التي في اسم الله تعالى وفي الأولين هو خبر المبتدإ ويجوز أن يكون من جملة ما تعلق بالمبتدأ والخبر شاع وقوله وارفع هاءه وقع معترضا لأنه من تتمة القراءة فليس بأجنبي وقد سبق تعليل القراءتين في (ولكن الشياطين كفروا) ، وكفلا جمع كافل ونصبه على التمييز
(717)
وَمُوهِنُ بِالتَّخْفِيفِ (ذَ)اعَ وَفِيهِ لَمْ يُنَوَّنْ لِحَفْصٍ كَيْدَ بِالْخَفْضِ عَوَّلاَ

يريد (موهن كيد الكافرين) ، وهنت الشي وأوهنته واحد أي جعلته واهنا ضعيفا وتنوين موهن ونصب كيد هو الأصل لأنه اسم فاعل نصب مفعوله وإضافة حفص إضافة تخفيف نحو-بالغ الكعبة-في قراءة الجميع وبالغ أمره-في قراءة حفص أيضا كما سيأتي ومعنى ذاع انتشر وقوله لم ينون أي لم يقع فيه تنوين لحفص فالفعل مسند إلى الجار والمجرور ولا ضمير فيه يرجع إلى موهن أغنى عن ذلك قوله وفيه وكيد مبتدأ وخبره عول عليه
(718)
وَبَعْدُ وَإِنَّ الْفَتْحُ (عَمَّ عُـ)ـلاَ وَفِيهِمَا الْعُدْوَةِ اكْسِرْ (حَقًّـ)ـا الضَّمَّ وَاعْدِلاَ

يعني وبعد موهن (وأن الله مع المؤمنين) ، الفتح فيه عم علاه أو عم ذا علا وهو على إضمار حرف الجر أي ولأن الله مع المؤمنين امتنع عنا فئتكم وقرأ الباقون بكسر وأن على الاستئناف والعدوة بكسر العين وضمها لغتان وهي جانب الوادي وقيل المكان المرتفع وقوله فيهما لأنها في موضعين (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) ، وهي مخصوصة في العلم حكاية لما في القرآن وإنما موضعها رفع بالابتداء وتقدير الكلام والعدوة اكسر الضم في موضعيها ويجوز أن يكون العدوة بدلا من الضمير في فيهما أو في عطف بيان أي اكسر الضم فيهما ثم بين ما أضمره فقال العدوة كقولك رأيته زيدا ومررت به زيد ، فإن قلت كيف بدل مفردا من ضمير تثنية وأنت لا تقول رأيتهما زيدا بل يجب أن تقول زيدا وعمرا أو الزيدين أو نحو ذلك قلت لما كان المضمر في هذا النظم لفظا متحدا لم يحتج إلى تثنية اللفظ المثنى بل اللفظ المفرد كاف في البيان كالتمييز في عشرون رجلا لما كان الغرض بيان حقيقة المعدود المتحد الجنس كفى في بيانه لفظ مفرد فكذا هذا ولما كان المضمر في قولك رأيتهما ومررت بهما يحتمل الاختلاف لزم البيان بلفظ التثنية أو ما يقوم مقامه والكلام في حقا كما سبق إما نعت مصدر محذوف أي اكسر الضم كسرا حقا وهو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا والألف في واعدلا بدل عن نون التأكيد الخفيفة أراد واعدلن قال الشيخ لأن أبا عبيد زعم أن الضم أعرب اللغتين وأكثرهما وقد ذكر اليزيدي أن الكسر لغة أهل الحجاز وأنكر أبو عمرو الضم فأعدل أنت ويقال العدوة بالفتح أيضا والله أعلم
(719)
وَمَنْ حَيِيَ اكْسِرْ مُظْهِرًا (إِ)ذْ (صَـ)ـفَا (هُـ)ـدًى وَإِذْ يَتَوَفَّى أَنِّثُوهُ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

يريد (ويحيى من حي عن بينة) ، أصل هذا المدغم حيي بياءين على وزن عمى فأدغم أراد كسر الياء الأولى مظهرا لما كان أدغم في قراءة الغير وللباقين افتح مدغما وهما لغتان نحو عيى وعى وهدى تمييز أو حال أي صفا هداه وصفا ذا هدى كما سبق في عم علا وغيره والتأنيث والتذكير في (يتوفى الذين كفروا الملائكة) ، سبق نظيرهما في-تأتيهم الملائكة-في آخر الأنعام واللفظ الفاصل هنا بين الفعل والفاعل أكثر منه ثم فلهذا كان الأكثر هنا على التذكير وثم على التأنيث والملا بضم الميم جمع ملاءة وهي الملحفة كنى بذلك عن الحجج وقد سبق أيضا تفسيره
(720)
وَبِالْغَيْب فِيهَا تَحْسَبَنَّ (كَـ)ـمَا (فَـ)ـشَا (عَـ)ـمِيمًا وَقُلْ فِي النُّورِ (فَا)شِيهِ (كَـ)ـحَّلاَ

يريد (ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا) ، فقراءة الخطاب ظاهرة الذين كفروا سبقوا مفعول بلا تحسبن والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأما القراءة بالغيب فعلى تقدير ولا يحسبن الرسول أو حاسب فبقي الذين كفروا سبقوا مفعولين كما ذكرنا وقيل الذين كفروا فاعل يحسبن وسبقوا المفعول الثاني والأول محذوف تقديره إياهم سبقوا كذا قدره أبو علي وهو معنى تقدير أبي عبيد وغيره حين قالوا لا تحسبنهم سبقوا وقيل سد سبقوا مسد المفعولين على تقدير أنهم سبقوا أو أن سبقوا أو بأن قدره أبو علي أيضا ثم حذفت أن واسمها اختصارا للعلم بمكانها ومعنى سبقوا فاتوا كما قال سبحانه في موضع آخر (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) ، والذي في النور (لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) ، يتوجه فيه جميع الوجوه المذكورة إلا الأخير منها وهو تقدير أنهم سبقوا لأن لفظ معجزين منصوب نعم يقوم مقامه وجه آخر لا يتأتى هناك وهو أن يكون معجزين مفعولا أولا وفي الأرض مفعولا ثانيا أي لا تحسبن أن في الأرض من يعجز الله وقوله عميما حال من الضمير في فشا ومعناه اشتهر في حال عمومه يشير إلى أنه مقدر بقولنا لا يحسبن أحد وكحلا بالتشديد مبالغة في كحل عينه استعاره هنا على أنه شفا أو بصر ونور وهدى ونحو ذلك والله أعلم
(721)
وَإِنَّهُمُ افْتَحْ (كَـ)ـاِفيًا وَاكْسِرُوا لِشُعْبَةَ السَّلْمَ وَاكْسِرْ فِي الْقِتاَلِ (فَـ)ـطِبْ (صِـ)ـلاَ

يريد (إنهم لا يعجزون) ، كسره على الاستئناف والفتح على تقدير لأنهم وقيل هو مفعول لا يحسبن على تقدير أن لا زائدة لأن ابن عامر الذي فتح أنهم يقرأ لا يحسبن بالغيب وتكون زيادة لا هنا كما سبق في الأنعام ، (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ، بكسر السين وفتحها لغتان واللام ساكنة فيهما ويقال أيضا بفتح السين واللام ومعنى الجميع المسالمة والمصالحة يريد-وإن جنحوا للسلم-ولهذا قال فاجنح لها لما كان السلم بمعنى المسالمة والذي في سورة القتال (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) ومعنى قوله فطب صلا أي ذكاء لأنه قد سبق أن صلاء النار هو استعارها ويعبر به عن الذكاء كما يقال هو يتوقد ذكاء ويجوز أن تكون إشارة إلى نار القرى التي يهتدي بها الأضياف والتي تصلح طعامهم أي طب نارا على معنى طب قرى لأضيافك أي طب علما لمن قصدك مستفيدا فصلا تمييز والله أعلم
(722)
وَثَانِي يَكُنْ (غُـ)ـصْنٌ وَثَالِثُهاَ ثَوَى وَضُعْفاً بِفَتْحِ الضَّمِّ (فَـ)ـاشِيهِ (نُـ)ـفَلا
يريد (وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا) ، هذه هي الثانية تذكير يكن وتأنيثها لأن الفعل مسند إلى مائة وتأنيثها غير حقيقي وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها فحسن التذكير وأ التأنيث فهو الأصل نظرا إلى لفظ علامة التأنيث في مائة والثالث قوله تعالى بعد ذلك (فإن تكن منكم مائة صابرة) ، الكلام فيه كما سبق في الثانية لكن أبو عمرو فرق بينهما في قراءته فأنث الثالث كما وصف المائة بقوله صابرة فتأكد التأنيث في الموصوف بتأنيث الصفة فقوى مقتضى مشاكلة التأنيث في يكن وإنما قال ثاني وثالث لأن قبلهما أول لا خلاف في تذكيره وهو ( إن يكن منكم عشرون) ، وبعدهما رابع لا خلاف في تذكيره أيضا وهو (وإن يكن منكم ألف) ، ودلنا على أن مراده التذكير في الثاني والثالث إطلاقه وعدم تقييده وأما (وعلم أن فيكم ضعفا) ، ففتح الضاد وضمها فيه لغتان ومعنى نفلا أي أعطى نفلا وهي الغنيمة والله أعلم
(723)

َوِفي الرُّومِ (صِـ)ـفْ (عَـ)ـنْ خُلْفِ (فَـ)ـصْلٍ وَأَنِّثْ انْ يَكُونَ مَعَ الأَسْرَى الأُسَارى حُلاً (حَـ)ـلاَ
يريد قوله تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) ، الخلاف في الثلاثة كالتي في الأنفال غير أن حفصا اختار الضم في ثلاثة الروم لما نذكر فصار له وجهان فلذا ذكر عنه خلافا دون أبي بكر وحمزة قال صاحب التيسير في سورة الروم أبو بكر وحمزة من ضعف في الثلاثة بفتح الصاد وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن غير أنه ترك ذلك واختار الضم اتباعا منه لرواية حدثه بها الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه ذلك بالضم ورد عليه الفتح وأباه قال وعطية يضعف وما رواه حفص عن عاصم عن أئمته أصح وبالوجهين آخذ في روايته لأتابع عاصما على قراءته وأوافق حفصا على اختياره ، قلت وهذا معنى قول ابن مجاهد عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد ثم قال حفص عن نفسه بضم الضاد فقوله عن نفسه يعني اختيارا منه لا نقلا عن عاصم وفي كتاب مكي قال حفص ما خالفت عاصما في شيء مما قرأت به عليه إلا ضم هذه الثلاثة الأحرف قال أبو عبيد وبالضم يقرأ اتباعا للغة النبي صلى الله عليه وسلم سمعت الكسائي يحدث عن الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي قال قرأت على ابن عمر-الله الذي خلقكم من ضعف بالفتح-فقال إني قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت-فقال لي من ضعف ، قال أبو عبيد يعني بالضم قوله وأنث أن يكون أراد قوله تعالى (أن يكون له أسرى) ، فألقى حركة أن على ثاء أنث وقد سبق أن تأنيث الجمع غير حقيقي فيجوز تذكير الفعل المسند إليه ثم قال مع الأسرى الأسارى يعني (قل لمن في أيديكم من الأسرى) ، يقرؤه أبو عمرو-الأسارى-وكلاهما جمع أسير ولا خلاف في الأولى-أن يكون له أسرى-وهو غير ملبس لأنه ذكرها معرفة باللام وتلك هي الثانية واتفق للناظم هنا اتفاق حسن وهو تكرير الرمز في حلا حلا بعد تكرر

كلمتي القراءة وهما تكون والأسارى فأنث أبو عمرو تكون وقرأ الأسارى ولم يرمز لقراءة تكون فجاء تكرير الرمز بعد الأسارى مناسبا حسنا وإن كان لو لم يكرره لجاز كما جمع في البقرة مسئلتين لابن عامر في قوله-عليم وقالوا- وقال في آخر البيت كفلا وكما جمع لحمزة ثلاث مسائل في آل عمران في قوله-سنكتب وقال في آخر البيت فتكمل وتارة يكرر الرمز من غير تكرار الحرف المختلف فيه نحو اعتاد أفضلا نمنى علا علا وإنما اتفق له مناسبة التكرار هنا وقوله مع الأسرى أي مع قراءة موضع الأسرى الأسارى ومن الممكن أن يقدر مع قراءة الأسرى موضع الأسارى فيفيد ضد المقصود ولكنه هنا لفظ بقراءتين من غير قيد فالرمز للثانية منهما كقوله سكارى معا سكرى وعالم قل علام شاع ولو كان قال وفي الأسرى الأسارى لكان أظهر ولكنه قصد مزج الموضعين من غير تخلل واو فاصلة بينهما ولو قال بالواو لكان له أسوة بقوله و-كن فيكون-وحلا في موضع نصب على الحال من فاعل أنث أي أنث تكون مع قراءتك الأسارى ذا حلا وحلا صفة حلا وقال الشيخ رحمه الله معنى أن يكون مع الأسرى أي أنثه مصاحبا له والأسارى مبتدأ وحلا حلا خبره ، قلت هذا مشكل فإن تكون في القراءة مصاحبة للأسارى لا للأسرى إن أراد أن يجمع قراءتي أبي عمرو وإن أراد بالمصاحبة المذكور في التلاوة بعد يكون فتلك أسرى لا أسارى كما سبق بيانه ثم لو كان بعد يكون لفظ الأسرى لبقيت قراءة الجماعة في موضع الخلاف لا دليل عليها فإن ذلك لا يفهم من لفظ الأسارى والله أعلم
(724)
وَلاَيَتِهمْ بِالْكَسْرِ (فُـ)ـزْ وَبِكَهْفِهِ (شَـ)ـفَا وَمَعًا إِنِّي بِيَاءَيْنِ أَقْبَلا

يريد (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، وفي الكهف (هنالك الولاية لله الحق) ، قال أبو عبيد يقال مولى بين الولاية من ولايتهم إذا فتحت فإذا كسرت فهو من وليت الشيء قال الزجاج الولاية من النصرة والنسب بفتح والتي بمنزلة الإمارة مكسورة قال وقد يجوز كسرها لأن في تولي بعض القوم بعض جنسا من الصناعة والعمل وكلما كان من جنس الصناعة مكسور مثل القصارة والخياطة قال أبو علي قال أبو الحسن ما لكم من ولايتهم من شيء هذا من الولاية فهو مفتوح وأما في السلطان فالولاية مكسورة وكسر الواو في الأخرى لغة وليست بذلك قال أبو عبيد والذي عندنا في هذا الأخذ بفتح الواو في الحرفين جميعا يعني في الأنفال والكهف قال لأن معناهما من الموالاة في الدين وأما الولاية فإنما هي من السلطان والإمارة ولا أحبها في هذا الموضع وقال الفراء (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، يريد من مواريثهم من شيء وكسر الواو في-من ولايتهم-أعجب إلي من فتحها لأنها إنما تفتح إذا كانت نصرة أكثر ذلك وكان الكسائي يذهب إلى النصرة بفتحها ولا أظنه علم التفسير ويختارون في وليته ولاية الكسر وقد سمعناها بالفتح والكسر في معنييهما جميعا والهاء في قوله وبكهفه للقرآن للعلم به وإني بياءين أي في موضعين وهما (إني أرى ما لا ترون)-(إني أخاف الله) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وقوله معا تأكيد وكذا أقبلا والألف في آخره ضمير الياءين أي إني ملتبس بياءين أقبلا معا وإن كان أقبل خبر إني والتقدير إني أقبل بياءين معا فالألف للإطلاق
سورة التوبة
(725)
وَيُكْسَرُ لاَ أَيْمَانَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ وَوَحَّدَ (حَقٌّ) مَسْجِدَ اللهِ الاوَّلاَ

أراد (إنهم لا أيمان لهم) ، الفتح جمع يمين والكسر بمعنى الإسلام أو بمعنى الأمان أي لا تؤمنهم من القتل وتقدير البيت ويكسر عند ابن عامر-لا إيمان-ولا ينبغي من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة وإن كان كسرها جائزا في التلاوة وذلك لقبح ما يوهمه تعلق-عند-بأيمان-وموضع لا أيمان-رفع أي يكسر همز هذا اللفظ فليته قال وهمزة لا أيمان كسر ابن عامر وقوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) ، وحده ابن كثير وأبو عمرو لأن المراد به المسجد الحرام وليدل على أنه إنما جمع ثانيا باعتبار أن كل مكان منه مسجدا وأريد به جميع المساجد والتوحيد يؤدي معناه كما تقدم في مواضع ومن جمع فلهذا المعنى ولموافقته الثاني-إنما يعمر مساجد الله-فجمعه متفق عليه
(726)
عَشِيرَاتُكُمْ بِالجمْعِ (صِـ)ـدْقٌ وَنَوِّنُوا عُزَيْرٌ (رِ)ضى (نَـ)ـصٍّ وَبِالْكَسْرِ وُكِّلاَ

جمع أبي بكر عشيراتكم كما جمع مكانات وعبر عن قراءته ثم بمد النون وهنا بالجمع لأنه لم يمكنه هنا أن يقول بمد الراء ولو قال بالمد لم يحصل الغرض لأن في عشيرتكم مدين الياء والألف فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء فعدل إلى لفظ الجمع وكذا لو كان أطلق لفظ المد في مكانات لم يدر أي الألفين أراد فقيد بقوله مد النون وقد سبق معناه ومن نون عزير فهو عنده اسم عربي فهو منصرف وكسر التنوين لالتقاء الساكنين وهو مبتدأ وابن خبره ومن لم ينون فهو عنده أعجمي فلم يصرفه وهذا اختيار الزمخشري وقيل بل عربي وإنما ابن صفة فحذف التنوين لوقوع ابن بين علمين والخبر محذوف أي معبودنا أو نبينا أو يكون المحذوف هو المبتدأ أي المعبود أو النبي عزير وأنكر عبد القاهر الجرجاني في كتاب دلائل الإعجاز هذا التأويل وقرره أحسن تقرير ، وحاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر فيبقى الوصف كأنه مسلم كما تقول قال فلان زيد بن عمرو قادم وإنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين ويكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا في محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف وقيل حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم ، (أحد الله الصمد) ، بحذف التنوين من أحد قال الفراء سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها ذكر هذين الوجهين أبو علي وقال لأن عزيرا ونحوه ينصرف عجميا كان أو عربيا قال الزجاج ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود وقوله رضى نص أي مرضي نص بمعنى نصه مرضي وهو نعت مصدر محذوف أي نونوه تنوينا مرضيا النص عليه وبالكسر وكل ذلك التنوين أو يكون حالا من فاعل نونوا أي ذوي رضى نص أي راضين بالنص عليه والله أعلم
(727)
يُضَاهُونَ ضَمَّ الْهَاءِ يَكْسِرُ عَاصِمٌ وَزِدْ هَمْزَةً مَضْمُومَةً عَنهُ وَاعْقِلاَ

أي زد همزة بعد الهاء المكسورة فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ ومعناه شابه وقراءة الجماعة من دارا على وزن راما وهما لغتان مثل أرجيت وأرجأت ، قال الزجاج والأكثر ترك الهمزة والألف في واعقل بدل من نون التأكيد الخفيفة والله أعلم
(728)
يُضَلُّ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعْ فَتْحِ ضَادِهِ (صِحَابٌ)وَلَمْ يَخْشَوْا هُنَاكَ مُضَلِّلاَ
أراد (يضل به الذين كفروا) ، قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول وأسنده الباقون إلى الفاعل وكلاهما ظاهر وتمم البيت بقوله ولم يخشوا إلى آخره أي لم يخافوا من عائب لقراءتهم
(729)
وَأَنْ تُقْبَلَ التَّذْكِيرُ (شَـ)ـاعَ وِصَالُهُ وَرَحْمَةٌ الْمَرْفُوعُ بِالْخَفْضِ (فَـ)ـاقْبَلاَ
يريد (أن تقبل منهم نفقاتهم) ، والتذكير والتأنيث كما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة) ، وغيره وأما (ورحمة للذين آمنوا منكم) ، بالرفع فمعطوف على-أذن خير-أي هو أذن خير وهو رحمة وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير والفاء في فاقبلا زائدة وأرادا قبله بالخفض والألف في آخره كالألف في آخر واعتلا
(730)
وَيَعْفُ بِنُونٍ دُونَ ضَمٍّ وَفَاؤُهُ يُضَمُّ تُعَذَّبْ تَاهُ بِالنُّونِ وُصِّلاَ
(731)
وَفِي ذَالِهِ كَسْرٌ وَطَائِفَةٌ بِنَصْبِ مَرْفُوعِهِ عَنْ عَاصِمٍ كُلُّهُ اعْتَلاَ
أراد إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) ، قرأ عاصم على بناء الفعلين وهما يعف ونعذب للفاعل المتكلم فلزم من ذلك النون في أولهما وفتحها في يعف مع ضم الفاء وكسر ذال نعذب ونصب طائفة بعدها وقراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة وفتح الفاء وأول نعذب تاء لأجل تأنيث طائفة فهي أولى من الياء لعدم الفعل ثم فتح الذال ورفع طائفة بعدها لأنها مفعول ما لم يسم فاعله وقوله تاه أي تاؤه فقصر الممدود
(732)
وَحَقٌّ بِضَمِّ السَّوْءِ مَعْ ثَانِ فَتْحِهَا وَتَحْرِيكُ وَرْشٍ قُرْبَةٌ ضَمُّهُ جَلاَ

أراد (عليهم دائرة السوء) ، وثاني سورة الفتح وهو (وظننتم ظن السوء) ، ولا خلاف في فتح الأول وهو (الظانين بالله ظن السوء) وكذا (ما كان أبوك امرأ سوء)-و-(أمطرت مطر السوء) ، والسوء بالضم العذاب كما قيل له سييه والسوء بالفتح المصدر والهاء في فتحها للسور وحذف الياء من ثاني للضرورة وقوله تعالى (ألا إنها قربة لهم) ، ضم الراء وإسكانها لغتان وقربة في النظم مفعول التحريك وإنما رفعه حكاية لفظ القرآن وضمه مفعول جلا وجلا خبر التحريك الذي هو المبتدأ
(733)
وَمِنْ تَحْتِهَا المَكِّي يَجُرُّ وَزَادَ مِنْ صَلاَتَكَ وَحِّدْ وَافْتَحِ التَّا (شَـ)ـذًّا (عَـ)ـلاَ
يعني (من تحتها الأنهار) ، في الآية التي أولها (والسابقون الأولون) ، ثبتت في مصاحف مكة دون غيرها فقرأها ابن كثير وجر تحتها بها وحذفها الباقون فانتصب تحتها على الظرفية فقوله وزاد من أي كلمة من ثم قال صلاتك وحد يعني (إن صلواتك سكن لهم) ، التوحيد فيه والجمع سبق نظيرهما والصلاة هنا بمعنى الدعاء فهو مصدر يقع على القليل والكثير وإنما جمع لاختلاف أنواعه فمن وحد فتح التاء لأن الفتح علامة النصب في المفرد ومن جمع كسرها لأن الكسر علامة النصب في جمع المؤنث السالم وشذا حال أي ذا شذا علا
(734)
وَوَحِّدْ لَهُمْ في هُودَ تُرْجِىُّ هَمْزُهُ (صَـ)ـفَا (نَفَـ)ـرٍ مَعْ مُرْجَئُونَ وَقَدْ حَلاَ

يعني (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك) ، أي عيادتك ولم يتعرض للتاء لأنها مضمومة في قراءتي الإفراد والجمع لأنها مبتدأ ثم ذكر الخلاف في (ترجي من تشاء منهن) ، في سورة الأحزاب (وآخرون مرجون) ، هنا بالهمز فيهما وبغير همز وهما لغتان قال صاحب المحكم والهمز أجود وأرى ترجي مخففا من ترجيء لمكان تؤوى أي طلب المشاكلة بينهما وقد تقدم في الخطبة أن ضد الهمز لا همز ثم ينظر في الكلمة المهموزة فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقي حروف الكلمة على صورتها وهو كقوله-الصابئين-الهمز-والصابئون-خذ وإن كانت كتبت له صورة نطقت في موضع الهمز بالحرف الذي صورت به كقوله وبهمز-ضيزى-وفي هذا البيت المشروح الأمران يقرأ الباقون ترجي بالياء التي هي صورة الهمز ويقرءون-مرجون-بواو بعد الجيم إذ لا صورة للهمزة وقوله صفا نفر خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه أي الهمز قوى وصاف من الكدورة
(735)
وَ (عَمَّ) بِلاَ وَاوِ الَّذِينَ وَضُمَّ في مَنَ اسَّسَ مَعْ كَسْرٍ وَبُنْيَانُهُ وِلاَ

أي قرأ مدلول عم جميع المذكور في هذا البيت أراد (والذين اتخذوا مسجدا) ، سقطت الواو في مصاحف المدينة والشام فقرأها نافع وابن عامر على الاستئناف وقرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة فتقدير البيت قرأ عم الذين بلا واو وحذف التنوين من واو لالتقاء الساكنين ولم يرو إضافة واو إلى الذين فإن الذين لا واو فيه ولو كان والذين لأمكن تقدير ذلك ثم قال وضم وهو فعل أمر أي ضمه لمدلول عم أيضا ويجوز وضم بفتح الضاد على أن يكون فعلا ماضيا أي قرأ عم الذين وضم في-أفمن أسس-ضم الهمزة وكسر السين جعله فعلا لم يسم فاعله فلزم من ذلك رفع بنيانه لأنه مفعوله وقرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل وهو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة والسين ونصبوا بنيانه والخلف في الموضعين هنا ولم ينبه على ذلك فهو نظير ما ذكرناه في قوله في سورة النساء وندخله نون ولم يقل معا ، فإن قلت يكون إطلاقه دليلا عل تعميم ما في السورة من ذلك وقوله معا قدر حرك زيادة بيان ، قلت لا يستمر له هذا إذ يلزم أن يكون قوله وعم بلا واو الذين يشمل كل لفظ والذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا)-(الذين اتبعوه في ساعة العسرة) ، وقول الناظم وبنيانه مفعول فعل مضمر أي وارفع بنيانه لمدلول عم أو ورفع عم بنيانه وإطلاقه له دليل على رفعه وولا بكسر الواو مفعول له أي متابعة للنقل
(736)
وَجُرْفٍ سكونُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (صَـ)ـفْوٍ (كَـ)ـامِل تُقَطَّعَ فَتْحُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (كَـ)ـامِل (عَـ)ـلاَ
الضم والإسكان في راء جرف لغتان وتقطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول وبفتحها على بنائه للفاعل وأصله تتقطع فحذفت التاء الثانية مثل (تنزل الملائكة) ، وسبق له نظائر
(737)
يَزِيغُ (عَـ)ـلَى (فَـ)ـصْلٍ يَرَوْنَ مُخَاطَبٌ (فَـ)ـشًا وَمَعِي فِيهَا بِيَاءَيْنِ جُمِّلاَ

يعني (كاد يزيغ قلوب فريق منهم) ، قرأ حفص وحمزة بالتذكير في يزيغ لأن تأنيث قلوب غير حقيقي والباقون بالتأنيث وإطلاقه دل على إرادته لتذكير ثم قال يرون مخاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه يعني (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة) ، الخطاب للمؤمنين والغيبة للمنافقين وفي هذه السورة ياآن للإضافة كلاهما في لفظ معي أحدهما (معي أبدا) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص والثانية (معي عدوا) ، فتحها حفص وحده وليس فيها ولا في الأنفال ولا في يونس شيء من الزوائد والله أعلم
سورة يونس
(738)
وَإِضْجَاعُ رَا كُلِّ الْفَوَاتِحِ (ذِ)كْرُهُ (حِـ)ـمًى غَيْرَ حَفْصٍ طَاوَيَا (صُحْبَةٌ) وَلاَ

ذكر في هذا الموضع جميع ما وقع الخلاف في إمالته من الحروف المقطعة في أوائل السور ويقال لها الفواتح لأن السور استفتحت بها وإنما أميلت لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المتقطعة وقد أمالوا يا في الندا وهي حرف فإمالة هذه الأسماء أولى فابتدأ بذكر الراء لأنها أول حروف الفواتح إمالة سواء كانت في الر وذلك في يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر أو في المر في أول الرعد فلهذا قال كل الفواتح والإضجاع هو الإمالة وأتى بلفظ را فقصر را حكاية للفظه في القرآن وكذا ما يأتي من طا ويا وها وحا ولا نقول إنه قصر ذلك ضرورة وأشار بقوله ذكره حمى إلى حسن الإضجاع أي لا يصل أحد إلى الطعن عليه فهو في حمى من ذلك واستثنى منهم حفصا فإنه لا يميل شيئا في القرآن إلا كلمة-مجراها-وقد سبق ذكره في باب الإمالة ثم ذكر أن صحبة أمالوا طاويا فالطاء من طه وطسم وطس والياء من يس وأما الياء من كهيعص فوافقهم على إمالتها ابن عامر كما يأتي في البيت الآتي وولا في آخر البيت بكسر الواو في شرح الشيخ ورأيته في بعض النسخ من القصيدة بفتحها وهو أحسن لأن قبله وبنيانه ولا بالكسر وهو قريب منه فالكسر بمعنى متابعة أي أمال صحبة طاو-يا متابعة لنقل فهو مفعول من أجله والفتح على تقدير ذا ولا أي نصر لإمالة ومحبة لها فهو حال من صحبة أي أمالوهما ذوي ولا
(739)
وَ(كَـ)ـمْ (صُحْبَةٍ) يَا كَافِ والْخُلْفُ (يَـ)ـاسِرٌ وَهَا صِفْ (رِ)ضًى (حُـ)ـلْوًا وَتَحْتَ (جَـ)ـنًى (حَـ)ـلاَ

الكاف في كم رمز ابن عامر كأنه قال وابن عامر ومدلول صحبة على إمالة-يا-التي في أول سورة مريم وعبر عنها بقوله كاف لأنه أولها كما يقال ص ن ق وكذا صنع في غير هذا الموضع كقوله في يوسف وفي كاف فتح اللام في-مخلصا-ثوى ومعنى الكلام في الظاهر وكم صحبة أمالوها أي أمالها كثير من القراء ثم قال والخلف في إمالتها عن السوسي والياسر في اللغة هو اللاعب بقداح الميسر وكان لا يتعاطاه من العرب إلا الكرماء فكأنه قال والخلف خلف كريم أي هو صادر عن نقل صحيح ثم قال وها أي وإمالة ها من-كهيعص-لأبي بكر والكسائي وأبي عمرو ثم قال وتحت أي وإمالة ها من السورة التي تحت مريم وهي طه جنا حلا أي حلا جناه وإمالته لورش ولأبي عمرو ومن يأتي ذكره في البيت الآتي وليس لورش ما يمليه إمالة محضة غيرها من طه وما عدا ذلك إنما يميله بين اللفظين
(740)
(شَـ)ـفَا (صـ)ـادِقًا حم (مُخْـ)ـتَارُ (صُحْبَةٍ) وَبَصْرٍ وَهُمْ أَدْرى وَبِالْخُلْفِ (مُـ)ـثِّلاَ
، حمزة والكسائي وأبو بكر هم تتمة من أمال-ها-من-طه-ثم قال-حم-أي أمال حا من-حم- في السور السبع ابن ذكوان وصحبه ثم قال وهم وأبو عمرو أمالوا لفظ-أدري-كيف أتى نحو-أدراك-وأدراكم-وعن ابن ذكوان خلاف فيه فقوله وبصر مبتدأ وليس عطفا على صحبة لامتناع الجمع بين الرمز والتصريح والله أعلم
(741)
وَذو الرَّا لِوَرْشٍ بَيْنَ بَيْنَ وَناَفِع لَدى مَرْيَمٍ هَايَا وَحَا (جِـ)ـيدُهُ (حَـ)ـلاَ

جمع في هذا البيت ذكر من أمال شيئا من ذلك بين بين فورش فعل ذلك في را من (الر-و-المر) ، ونافع بكماله في-ها يا أول مريم وورش وأبو عمرو فعلا ذلك في حا من (حم) ، في السور السبع وأما لفظ-أدري- فقد علم من مذهب ورش في إمالته بين بين من باب الإمالة وإنما ذكره الناظم هنا لأجل زيادة أبي بكر وابن ذكوان على أصحاب إمالته وإلا فهو داخل في قوله وما بعد راء شاع حكما فأبو عمرو وحمزة والكسائي فيه على أصولهم والجيد كل العنق والله أعلم
(742)
نُفَصِّلُ يَا (حَقٍّ عُـ)ـلاً سَاحِرٌ (ظُـ)ـبًى وَحَيْثُ ضِيَاءً وَافَقَ الْهَمْزُ قُنْبُلاَ

قصر لفظ-يا-ضرورة والخلاف في-نفصل الآيات-بالياء والنون ظاهر ثم قال ساحر ظبي يعني قوله تعالى قبل يفصل (قال الكافرون إن هذا لسحر مبين) ، أي ذو سحر قرأه مدلول ظبي ساحر فقوله ساحر هو مما استغنى لميه باللفظ عن القيد ولكنه لم يبين القراءة الأخرى والخلاف في مثل هذا دائر تارة بين ساحر وسحار على ما في الأعراف والذي في آخر يونس وتارة هو دائر بين ساحر وسحر على ما مر في المائدة وما يأتي في طه وظبي جمع ظبة وهي من السيف والسهم والسنان حدها أي هو ذو ظبى أي له حجج تحميه وتقوم بنصرته ثم قال وحيث ضياء أي حيث أتى هذا اللفظ فضياء مرفوع بالابتدا على ما عرف فيما بعد حيث والخبر محذوف أي وحيث ضياء موجود ولا تنصب حكاية لما في يونس فإنه قد يكون مجرورا نحو ما في القصص (من إله غير الله يأتيكم بضياء) ، ثم قال وافق الهمز قنبلا وهو من قولك وافقني كذا إذا صادفته من غرضك وأراد همز الياء ولم يبين ذلك وفي آخر الكلمة همز فربما يتوهم السامع أنه هو المعنى ثم لو فهم ذلك لم يكن مبينا للقراءة الأخرى فإنه الهمز ليس ضده إلا تركه ولا يلزم من تركه أبداله ياء فقد حصل نقض في بيان هاتين المسألتين ساحر وضياء فلو أنه قال ما تبين به الحرفان لقال ساحر ظبي بسحر ضياء همزيا الكل زملا قالوا ووجه هذا الهمز أنه أخر الياء وقدم الهمزة فانقلبت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كسقاء ووداء وهذه قراءة ضعيفة فإن قياس اللغة الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما فكيف يتحيل بتقديم وتأخير إلى ما يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل هذا خلاف حكمة اللغة قال ابن مجاهد ابن كثير وحده ضياء بهمزتين في كل القرآن الهمزة الأولى قبل الألف والثانية بعدها كذلك قرأت على قنبل وهي غلط وكان أصحاب البزي وابن فليح ينكرون هذا ويقرءون ضياء مثل الناس قال أبو علي ضياء مصدرا وجمع ضوء كبساط
(743)

وَفِي قُضِيَ الْفَتْحانِ مَعْ أَلِفٍ هُنَا وَقُلْ أَجَلُ المَرْفُوعُ بِالنَّصْبِ (كُـ)ـمِّلاَ
يريد (لقضي إليهم أجلهم) ، قراءة ابن عامر على البناء للفاعل فنصب أجلهم على المفعولية وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول وهو أجلهم فلزم رفعه فقول الناظم الفتحان يعني في القاف والضاد والألف بعدهما والقراءة الأخرى علمت بما لفظ به لا من الضدية ولو بين القراءة الأخرى باللفظ فقال قضى موضع قوله هنا أو موضع قوله وقل لكان أولى وأكثر فائدة لما فيه من الإيضاح ورفع وهم احتمال أن يريد زيادة ألف على الياء فيصير قضيا وإنما قال هنا احترازا من التي في الزمز (قضى عليها الموت) ، فإن الخلاف فيها أيضا كهذا الخلاف وإن كان الأكثر ثم على مثل قراءة ابن عامر هنا وكان مستغنيا عن هذا الاحتراز فإن الإطلاق لا يعم غير ما في السورة التي هو في نظم خلفها على ما بيناه مرارا والله أعلم
(744)
وَقَصْرُ وَلاَ (هَـ)ـادٍ بِخُلْفٍ (زَ)كَا وَفي الْقِيَامَةِ لاَ الاولى وَبِالْحَالِ أُوِّلاَ

يعني بالقصر حذف ألف ولا من قوله (ولا أدراكم به) ، ومن قوله (لا أقسم بيوم القيامة) دون قوله (ولا أقسم بالنفس) ، فهذا معنى قوله لا الأولى أي وقصر لا الواردة في سورة القيامة أولا فالمعنى على القصر-لو شاء لأدراكم به-فتكون اللام جواب لو قال ابن مجاهد قرأت على قنبل (ولا أدراكم) ، فقال-ولا درأكم-فجعلها لا ما دخلت على أدراكم فراجعته غير مرة فلم يرجع ذكر ذلك في غير كتاب السبعة ويوجد في بعض نسخها ومعنى القصر في-لا أقسم-مؤول بأنها لام الابتداء دخلت على فعل الحال أي لأنا أقسم فهذا معنى قوله وبالحال أولا وقراءة الباقين بالمد ظاهرة في (ولا أدراكم) ، بكون لا نافية وأما في القيامة فيكون موافقة لما بعدها وفي معناها اختلاف للمفسرين قبل لا زائدة وقيل نافية ردا على الكفرة ثم استأنف-أقسم بيوم القيامة-فيتفق معنى القراءتين على هذا واختار الزمخشري أنه نفي للقسم على معنى أن المذكور قدره فوق ذلك والله أعلم
(745)
وَخَاطَبَ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُناَ (شَـ)ـذاً وَفي الرُّومِ وَالْحَرْفَيْنِ في النَّحْلِ أَوَّلاَ
عما يشركون فاعل خاطب وشذا حال منه ولو قدمه على هنا لكان أولى ليتصل المعطوف وهو قوله وفي الروم وما بعده بالمعطوف عليه وهو هنا ولئلا يتوهم أن الذي في الروم والنحل خطابه لغير حمزة والكسائي ولا سيما وقد قال في آخر البيت أولا فيتوهم أنه رمز لنافع وإنما هو ظرف للحرفين أي اللفظين الواقعين أول سورة النحل ولم يحترز بذلك من شيء بعدهما وإنما هو زيادة بيان وهذا مما يقوى ذلك الوهم ولو كان احترازا لخف أمره والذي هنا بعده (وما كان الناس إلا أمة) ، والذي في الروم بعده (ظهر الفساد) ، واللذان في النحل (سبحانه وتعالى عما يشركون)-(بالحق تعالى عما يشركون) ، الخطاب في الجميع للمشركين والغيب إخبار عنهم والله أعلم
(746)
يُسَيِّرُكُمْ قُلْ فِيهِ يَنْشُرُكُمْ (كـ)ـفَى مَتَاعَ سِوَى حَفْص بِرَفْعٍ تَحَمَّلاَ

أي جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى (فانتشروا في الأرض)و(متاع الحياة الدنيا) ، بالرفع خبر-بغيكم-أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع وخبر بغيكم-قوله-على أنفسكم-أي لا يتجاوزها ونصب متاع على أنه مصدر أي تتمتعون متاعا وقال أبو علي تبغون متاع الحياة الدنيا أو يكون متعلقا بقوله بغيكم وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام
(747)
وَإِسْكَانُ قِطْعاً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ وُرُودُهُ وفِي بَاءِ تَبْلُو التَّاءُ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ
القطع بسكون الطاء الجزء من الليل الذي فيه ظلمة قال الله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، وقال الشاعر ، (افتحي الباب فانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم) ، وبفتح الطاء جمع قطعة وكلتا القراءتين ظاهرة وقوله مظلما صفة قطعا على قراءة الإسكان وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل وأما (هنالك تبلوا كل نفس) ، فقرأها حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة أو من التلو وهو الإتباع وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام من الاختبار وتنزلا نصب على التمييز ولم يقيد الناظم حرفي القراءة بما لا يحتمل التصحيف على عادته مثل شاع بالثا مثلثا وغيرهما بالباء نقطة أسفلا وهو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ وفي تاء تبلوا الباء شاع فيكون عكس مراده فلو أنه قال في البيت الأول متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا ، (بالإسكان تبلو كل نفس من التلاوة والباقون تبلو من البلا) ، لاتضح المراد ويكون الإطلاق في متاع دالا على رفعه فلا يحتاج إلى قيد على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم
(748)
وَيَا لاَ يَهدِّي اكْسِرْ (صَـ)ـفِيًّا وَهَاهُ (نَـ)ـلْ وَأَخْفَى (بَـ)ـنُو (حَـ)ـمْدٍ وَخُفِّفَ (شُـ)ـلْشُلاَ

قصر يا وها ضرورة أراد (أم من لا يهدي) ، قرأه حمزة والكسائي من هدى يهدى كرمى يرمي وهو بمعنى يهتدى أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى وحرف الجر يحذف مع أن كثيرا وقراءة الباقين أصلها يهتدى فأريد إدغام التاء في الدال فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم كما قالوا يعض ويرد ويفر والأصل يعضض ويردد ويفرر وكسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين ولم ينبه على حركة المدغم لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة في يعض ويرد ويفر فإن حركتها اختلفت كما ترى ولم يفعل ذلك عاصم في (لا تعدو في السبت) ، ففتح كغيره ولم يكسر لأن الكسر في لا يهدي أنسب للياء قبلها وكسر شعبة الياء إتباعا للهاء ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا في مثل هذا وفي ييجل لتنقلب الواو ياء ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون قال في التيسير والنص عن قالون بالإسكان ، قلت والكلام عليه كما سبق في-لا تعدو-و-نعما-وغيرهما لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما فلا يستقيم وشلشلا حال لأنه كتب في المصحف بغير تاء فخفف قراءة في حال كونها خفيفا في الرسم ويجوز أن يكون شلشلا صفة قامت مقام المصدر وهي في معناه لا من لفظه ل فكأنه قال وخفف خفيفا أي تخفيفا كما قال قم قائما أي قياما وعنى بالتخفيف قراءة ترك تشديد الدال وبقي سكون الهاء لم ينبه عليه وهذا قد سبق له نظائر ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة نحو وفي الكل تلقف خف حفص ولا يتبعوكم خف ويغشى سما خفا وموهن بالتخفيف ذاع ولو قال في موضع وخفف شلشلا ويهدي شمردلا لكان أبين لكونه نص على لفظ القراءة كما نص على لفظ قراءة الباقين في قوله ويا لا يهدي اكسر فيكون المعنى وقريء يهدي في حال كونه شمردلا أي خفيفا
(749)
وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ النَّاسَ عَنْهُمَا وَخَاطَبَ فِيهَا يَجْمَعُونَ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

أراد (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ، الخلاف فيها كما سبق في (ولكن الشياطين كفروا)-(ولكن البر من آمن)-(ولكن الله رمى) ، وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي والغيبة والخطاب في قوله-هو خير مما يجمعون-ظاهر أن الخطاب للكفار والغيب إخبار عنهم وقوله فيها أي في هذه السورة وملا جمع ملاءة وهي الملحفة وقد ذكرنا المراد بها
(750)
وَيَعْزُبُ كَسْرُ الضَّمِّ مَعْ سَبَأ (رَ)سَا وَأَصْغَرَ فَارْفَعْهُ وَأَكْبَرَ (فَـ)ـيْصَلاَ
أي مع حرف سبأ والكسر والضم في زاي يعزب لغتان ومعناه وما يبعد وما يغيب ومعنى رسا ثبت واستقر ورفع ولا أصغر على الابتداء والفتح على أنه اسم لا بني معها كالوجهين في لا حول ولا قوة إلا بالله بفتحهما ورفعهما على ما ذكرناه ، وقال كثير من الناس أن الرفع عطف على موضع من مثقال والفتح على لفظ مثقال أو على ذرة ولكنه لا ينصرف وهو مشكل من جهة المعنى ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله-إلا في كتاب-ليس شيء من ذلك إلا في كتاب مبين وكذا يقدر في آية الأنعام (وعنده مفاتح الغيب) ، وأما الذي في سورة سبأ فلم يقرأ (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) ، إلا بالرفع فقط وهو يقوى قول من يقول إنه معطوف وسببه أن-مثقال-فيها بالرفع لأنه ليس قبله حرف جر وفيصلا حال من المرفوع وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أولا أي انفصل مما قبله في المعنى فارتفع بالابتداء والخبر وقال الشيخ فيصلا حال من الفاعل في ارفعه أي حاكما في ذلك
(751)
مَعَ الْمدِّ قَطْعُ السِّحْرِ (حُـ)ـكْمٌ تَبَوَّءا بِيَا وَقْفِ حَفْصٍ لَمْ يَصِحَّ فَيُحْمَلاَ

أي قطع همز السحر مع ما بعدما حكم من الأحكام المنقول في علم القراءات يريد قوله تعالى (ما جئتم به السحر) ، قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة على أنها للاستفهام وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل فصار مثل-آلذكرين-وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم وما في-ما جئتم به-استفهامية أيضا أي أي شيء جئتم به ثم ابتدأ-آلسحر-أي أهو السحر وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد على أن ما موصولة بجئتم به وهي مبتدأ والسحر خبرها أي الذي جئتم به السحر حقيقة وحكى أبو علي الأهوازي من طريق الأصمعي عن أبي عمرو مثل قراءة الجماعة وأما (أن تبوءا لقومكما) ، فروي عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة وأنكر ذلك أبو العباس الأشناني فيما حكاه ابن أبي هاشم عنه ولم يعرفه ، قال وقال في الوقف مثل الوصل يعني بالهمز قال الداني وبذلك قرأت وبه آخذ ، قلت وهو أيضا فاسد من جهة العربية فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز وقول الناظم تبوءا مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان أي وقف حفص عليه بياء لم يصح وإن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه فالخبر لم يصح أي تبوءا باليا لم يصح ونصب فيحملا في جواب النفي بالفاء
(752)
وَتَتَّبِعَانِ النُّونُ خَفَّ (مَـ)ـدًّا وَمَاجَ بِالْفَتْحِ وَالإِسْكَانِ قَبْلُ مُثَقَّلاَ

أي خف مداه لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة وهي نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفي لا للنهي والواو للحال أي فاستقيما غير متعبين أو تكون جملة خبرية معناها النهي كقوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) ، أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة أي ولستما تتبعان وإن قلنا إن لا نهي كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء وكسرت لالتقاء الساكنين وقيل خففت الثقيلة للتضعيف كما تخفف رب وإن ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان وليست في التيسير وهي بسكون التاء وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع والنون المشددة للتأكيد فهذا معنى قوله وماج أي اضطرب بالفتح في الباء والإسكان في التاء قبل الباء ومثقلا حال من فاعل ماج وهو ضمير تتبعان وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها ، قال الداني في غير التيسير وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون لأنه قال في كتابه بالتخفيف ولم يذكر حرفا بعينه قال وليس كما ظنوا لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة أولى أن يصار إلى قولهم ويعتمد على روايتهم وإن لم يتفق ذلك في قياس العربية ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه وذكر الأهوازي عن ابن عامر في هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء والنون كالجماعة وتخفيفهما وتشديد التاء وتخفيف النون وعكسه تخفيف التاء وتشديد النون وهما الوجهان المذكوران في القصيدة وساق الأخير من طريق ابن ذكوان ، فإن قلت هل يجوز أن تكون الميم في وماج رمزا نحو الكاف من وكم صحبة لأنها قراءة ولم يذكر لها قارئا ، قلت لا يجوز لأن الرمز الحرفي إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة بل تكون هذه القراءة لمن رمز له في القراءة قبلها كقوله وعم بلا واو الذين البيت فالقراءتان متى اجتمعتا في بيت لقاريء متحد تارة يتقدم رمزه وتارة يتأخر مثل كفلا في البيت الذي أوله عليم وقالوا وقد رد القراءة في بيت لا رمز فيه على رمز في بيت

قبله في قراءة فتثبتوا في سورة النساء فما هنا أولى والله أعلم
(753)
وَفِي أَنَّهُ اكْسِرْ (شَـ)ـافِياً وَبِنُونِهِ وَنَجْعَلُ (صِفْ) وَالْخِفُّ نُنْجِ (رِ)ضىً (عَـ)ـلاَ
يريد قوله تعالى (آمنت أنه) ، الكسر فيه للإستئناف أو على إضمار القول والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان أو ضمن-آمنت-معنى قلت والفتح على حذف الباء أي آمنت بأنه كذا نحو يؤمنون بالغيب وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر أي صدقت أنه كذا والخلف في قوله سبحانه (ونجعل الرجس) ، بالنون والياء ظاهر النون للعظمة والياء لأن قبله-إلا بإذن الله-والهاء في قوله وبنونه لقوله ونجعل نحو في داره زيد لأن الواو في-ونجعل-من التلاوة فيكون-ونجعل-مبتدا وبنونه خبر مقدم أي استقر بنونه ويجوز أن تكون-ونجعل-مفعول صف أي صف بنونه والخف مبتدأ وننجي مفعول به كما ذكرنا في قوله في الأعراف والخف أبلغكم ورضى خبر المبتدا وعلا تمييز أو خبر بعد خبر وننجي المختلف في تخفيفه وتشديده هو (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين) ، وهما لغتان أنجى ونجى كأنزل ونزل ولا خلاف في تشديد الذي قبله (ثم ننجي رسلنا) ، ولا في تشديد-ننجيك ببدنك-في هذه الطريقة المنظومة وقد ذكر أبو علي الأهوازي الخلاف فيهما أيضا ونسب تخفيفهما إلى أبي عمرو والكسائي وكتبت ننجي المؤمنين بلا ياء في المصاحف الأئمة فلهذا يقع في كتب مصنفي القراءات بلا ياء ، قال الشيخ والوقف عليه على رسمه بغير ياء ، قلت ويقع في نسخ القصيدة ننج بلا ياء والأصل الياء كتابة ولفظا ، فإن قلت لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف لأن الياء فيه محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين ، قلت لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره في البيت الآتي وهو
(754)
وَذَاكَ هُوَ الثَّانِي وَنَفْسِي تَاؤُهَا وَرَبِّيَ مَعْ أَجْرِيَ وَإِنِّي وَلِي حُلاَ

يعني هو الثاني بعد كلمة-ونجعل الرجس-وإلا فهو الثالث لوعد-ننجيك-والكلام في هذا كما سبق في الأعراف في قوله-لا يعلمون-قل لشعبة في الثاني يعني بعد خالصة وإلا فهو ثالث ثم ذكر ياءات الإضافة وهي خمس وأراد (من تلقاء نفسي إن أتبع)-(قل إي وربي إنه لحق) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إن أجري إلا على الله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (إني أخاف إن عصيت)-(لي أن أبدله) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو وحلا ليس برمز وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتي من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة لأنه لم يذكر أحكامها في أواخر السور كما سبق بيانه والهاء في ياؤها للسورة وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم
سورة هود
(755)
وَإِنِّي لَكُمْ بِالْفَتْحِ (حَقُّ رُ)وَاتِهِ وَبَادِيءَ بَعْدَ الدَّالِ بِالْهَمْزِ (حُـ)ـلِّلاَ
يريد (إني لكم نذير مبين) ، في أول قصة نوح الفتح على حذف الباء أي أرسلناه بهذا الكلام والكسر على فقال-إني لكم-وأما-باديء الرأي-فذكر أن أبا عمرو قرأه بهمزة بعد الدال وبدأ الشيء أوله ولم يبين قراءة الجماعة وهي بياء مفتوحة إما من بدأ إذا ظهر أو يكون خفف الهمز الذي في قراءة أبي عمرو وقياس تخفيفه أنه يبدل ياء لانفتاحه وكسر ما قبله فهو كما في ضياء في قراءة قنبل ولو قال وباديء همز الياء عن ولد العلا لكان أجلى وأحلى وحلل من التحليل
(756)
وَمِنْ كُلِّ نُونٍ مَعْ قَدْ أَفْلَحَ عَالِماً فَعُمِّيَتِ اضْمُمْهُ وَثَقِّلْ (شَـ)ـذًّا (عَـ)ـلاَ

يريد (من كل زوجين اثنين) ، هنا وفي سورة (قد أفلح المؤمنون) ، التنوين في تقدير من كل شيء زوجين ويكون زوجين مفعولا واثنين تأكيدا وعلى قراءة غير حفص يكون اثنين مفعول احمل وأما (فعميت عليكم) ، فاضمم عينه وشدد ميمه فيكون معناه أخفيت وقراءة الباقين بالتخفيف على معنى خفيت ووزنه ولا خلاف في تخفيف (فعميت عليهم الأنباء) ، في سورة القصص وإعراضه عن ذكرها دليل على أن الخلف المذكور مختص بما في هذه السورة ألا ترى-أن من كل زوجين-لما كان في سورتين ذكرهما وهو أول هذا البيت ويجوز في البيت ضم تاء فعميت وكسرها كما قرئ بهما قوله تعالى (قالت اخرج) ، الكسر على التقاء الساكنين والضم للإتباع وشذا حال من الفاعل أو المفعول في اضممه وثقل أي ذا هذا عال والله أعلم
(757)
وَفِي ضَمِّ مَجْرَاهَا سِوَاهُمْ وَفَتْحُ يَا بُنَيِّ هُنَا (نَـ)ـصٌّ وَفِي الْكُلِّ (عُـ)ـوِّلاَ
أي غير حمزة والكسائي وحفص ضم ميم-مجراها-على أنه مصدر أجرى وهؤلاء فتحوها على أنها مصدر جرى وفي في قوله وفي ضم بمعنى على أي على ضمها من عدا هؤلاء وأما يا بني بفتح الياء وكسرها فلغتان مثل ما تقدم في-يا ابن أم-بفتح الميم وكسرها ففتح حفص الجميع ووافقه أبو بكر هنا فعلى الكسر أصله يبنى فحذفت الياء كما تقول يا غلام والأصل يا غلامي وعلى الفتح أبدلت الياء ألفا لتوالي الياءات والكسرات ثم حذفت الألف وبقيت الفتحة دالة عليها
(758)
وَآخِرَ لُقْماَنٍ يُوَالِيهِ أَحْمَدُ وَسَكَّنَهُ (زَ)اكٍ وَشَيْخُهُ الأَوَّلاَ

في لقمان ثلاثة مواضع (يا بني لا تشرك بالله)-(يا بني إنها إن تك)-(يا بني أقم الصلاة) ، فالوسطى على ما تقدم تفتح لحفص وتكسر لابن كثير وغيره والأولى والأخيرة فتحهما حفص وكسرهما من عدا ابن كثير وأما ابن كثير فسكن الأولى وله في الأخيرة وجهان فتحها البزي فوافق حفصا في ذلك وسكنها قنبل ووجه الإسكان أن بعد حذف ياء الإضافة بقي ياء مشددة هي مجموع ياء التصغير وياء لام الفعل فخفف ذلك التشديد بحذف الياء الأخيرة وهي لام الفعل وبقيت ياء التصغير وهي ساكنة وكأنه عند التحقيق وصل بنية الوقف فإذا وقف على المشدد جاز تخفيفه وفي قراءة ابن كثير جمع بين اللغات الثلاث ففتح وسكن وكسر الأكثر ومعنى يواليه يتابعه وأحمد هو اسم البزي وزاك عبارة عن قنبل وشيخه هو ابن كثير
(759)
وَفِي عَمَلٌ فَتْحٌ وَرَفْعٌ وَنَوِّنُوا وَغَيْرَ ارْفَعُوا إِلاَّ الْكِسَائِيَّ ذَا الْمَلاَ
يريد (إنه عمل غير صالح) ، فالفتح في الميم والرفع والتنوين في اللام فقراءة الكسائي واضحة أي إنه عمل عملا غير صالح وقراءة الجماعة على تقدير إنه ذو عمل وإن كانت الهاء في إنه عائدة على النداء فقراءتهم أيضا واضحة والملا الأشراف ويريد مشايخه أو أصحابه
(760)
وَتَسْئَلْنِ خِفُّ الْكَهْفِ (ظِـ)ـلٌّ (حِـ)ـمًي وَهَاهُنَا (غُـ)ـصْنُهُ وَافْتَحْ هُنَا نُونَهُ دَلاَ

الذي في الكهف (فلا تسئلن عن شيء)-(والذي هنا)-(فلا تسئلن ما ليس لك) ، وأصله فلا تسئل لحقته نون الوقاية بعدها ياء المفعول وهي ثابتة في الكهف لثبوتها في الرسم إلا في وجه عن ابن ذكوان تقدم ذكره في آخر باب الزوائد وأما هنا فحذفت الياء تخفيفا فهذه قراءة الجماعة المرموزين في هذا البيت والمراد بالتخفيف تخفيف النون والباقون ألحقوا نون التأكيد الخفيفة في آخر الفعل فأدغمت في نون الوقاية ففتحت اللام وكانت ساكنة لأجل التقاء الساكنين فبقيت نون مشددة مكسورة فبهذا قرأ نافع في الكهف مع إثبات الياء وكذا ابن عامر وفي وجه حذف ابن ذكوان الياء وأما هنا فقرأ ابن عامر ونافع وابن كثير بالتشديد إلا أن نافعا وابن عامر كسرا النون من غير ياء وابن كثير فتح النون لأنه ألحق الفعل نون التأكيد الثقيلة ولم يأت بنون الوقاية ولا ياء المفعول وإنما لم يفعل في الكهف مثل هذه لأن الياء فيه ثابتة في الرسم ويلزم من إثبات الياء كسر النون وأما التي في هود فلم ترسم فيها ياء فأمكن فيها القراءتان وقول الناظم خف الكهف صفة-تسئلن-أي الخفيف في سورة الكهف وظل حمى خبره ولفظ بقوله-تسئلن-بلا ياء ليشمل لفظ ما في السورتين وقوله وههنا غصنه أي فرع ذلك لأن من خففه أقل عددا من مخفف الكهف وقد سبق معنى ولا وفاعله ضمير عائد على تسألن أي جمع وجوه القراءات فيه من فتح وكسر وتخفيف وتشديد في السورتين فهو كمن أخرج دلوه ملآنا
(761)
وَيَوْمَئِذٍ مَعْ سَالَ فَافْتَحْ (أَ)تَى (رِ)ضاً وَفِي النَّمْلِ (حِصْنٌ) قَبْلَهُ النُّونُ (ثُـ)ـمِّلاَ

يريد (ومن خزي يومئذ) ، وفي سورة-سأل سائل-(لو يفتدي من عذاب يومئذ) ، قريء بفتح الميم وجرها فأما جرها فظاهر لأنه اسم أضيف إليه ما قبله فكان مجرورا وأما وجه الفتح فكونه أضيف إلى غير متمكن وهو إذ وهذه حالة كل ظرف لزم الإضافة إذا أضيف إلى غير متمكن ويجوز أن لا يبني وعليه القراءة الأخرى ، وأما الذي في النمل وهو (وهم من فزع يومئذ) ، فزاد على فتح الميم عاصم وحمزة لكن الكوفيون نونوا قبله-من فزع-فهذا معنى قوله قبله النون أي قبل يومئذ زاد الكوفيون نونا أو تنوينا والباقون أضافوا-من فزع-إلى-يومئذ-فمن جر الميم مع الإضافة فقراءته واضحة كما سبق شرحه وهو ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر على أصلهم ومن فتحها مع الإضافة وهو نافع وحده فوجهه ما تقدم ، فقراءته في السور الثلاث على طريقة واحدة وأما فتح الميم بعد التنوين فهو في قراءة عاصم وحمزة يكون حركة إعراب وهو ظرف منصوب إما بفزع وإما بآمنون وقراءة الكسائي تحتمل الأمرين لأنه فتح الذي في هود وسأل لاعتقاده فيه البناء فكذا لو وجه هذا التنكير في فزع أنه أريد تهويله أي من فزع عظيم وهو الفزع الأكبر آمننا الله تعالى منه ومعنى ثمل أصلح لأن التنوين جود الفتح على الظرفية ولم يخرج إلى وجه البناء والله أعلم
(762)
ثَمُودَ مَعُ الْفُرْقَانِ وَالْعَنْكَبُوتِ لَمْ يُنَوَّنْ (عَـ)ـلَى (فَـ)ـصْلٍ وَفِي النَّجْمِ (فُـ)ـصِّلاَ

أراد (ألا إن ثمودا كفروا ربهم) ، وفي الفرقان (وعادا وثمود وأصحاب الرس) ، وفي العنكبوت (وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم) ، وفي النجم (وثمودا فما أبقى) ، لم ينون الجميع حفص وحمزة ووافقهما أبو بكر على عدم تنوين الذي في النجم ورمزه في أول البيت الآتي نما لأن النون لعاصم بكماله في اصطلاح هذه الطريقة عبارة عن أبي بكر وحفص معا والباقون نونوا في الجميع ووجه التنوين وعدمه مبني على صرف هذه الكلمة وعدم صرفها وللعرب فيها مذهبان تارة تصرفها ذهابا إلى اسم الحي وتارة تترك صرفها ذهابا إلى اسم القبيلة وكذا الخلاف في سبأ لما سيأتي في سورة النمل ، فإن قلت أطلق قوله ثمود هنا فما المانع أن يظن أنه أراد التي في أول القصة-وإلى ثمود أخاهم صالحا-وهو غير منصرف اتفاقا قلت منع منه أمران ، أحدهما أن هذا سابق على كلمة يومئذ فلو كان فيه خلاف لذكره قبل مسئلة يومئذ لا يقال إنه في بعض المواضع يقدم ما تأخر من الحروف ويؤخر ما تقدم كقوله بعد هذا البيت ويعقوب ثم قال هنا قال سلم ومثله ودرى اكسر ثم قال يسبح فتح الياء كذا صف وتوقد البيت ولفظ توقد قبل يسبح وإنما ضرورة النظم تحوج إلى مثل هذا فإن جوابه أنه لا ضرورة هنا لأن مسئلة يومئذ في بيت مستقل فكان يمكنه تأخيره ، الأمر الثاني أن جميع هذه المواضع الأربعة المختلف فيها منصوبة والخلاف واقع في إثبات التنوين وعدمه فقط وأما قوله وإلى ثمود فمجرور فلا يكفي فيه ذكر التنوين بل لا بد من جره عند من صرفه كما ذكر بعد ذلك في لثمود فلم يدخل في مراده والله أعلم ، قال سيبويه وثمود وسبأهما مرة للقبيلتين ومرة للحيين وكثرتهما سواء ، قال أبو علي فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر إلا أنه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القراء لأن القراءة سنة فلا ينبغي أن نحمل على ما تجوزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر من

قراءة القراء وقول الناظم على فصل أي على قول فصل والله أعلم ، واختار أبو عبيد قراءة التنوين في هذه المواضع الأربعة لأنها رسمت بألف بعد الدال وهو دليل الصرف
(763)
(نَـ)ـماَ لِثَمُودٍ نَوِّنُوا وَاخْفِضُوا (رِ)ضاَ وَيَعْقُوبُ نَصْبُ الرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (فَـ)ـاضِلٍ (كَـ)ـلاَ
نما من تتمة رمز الذي في النجم ثم ابتدأ لثمود أراد (ألا بعدا لثمود) ، صرفه الكسائي فخفضه ونونه موافقة لما قبله وهو (ألا إن ثمودا) ، وفتحه الباقون غير منون لأنه غير مصروف وقوله رضى أي ذوي رضى وموضع لثمود نصب ما بعده وقريء يعقوب بالنصب والرفع فالنصب على تقدير ووهبنا لها يعقوب من وراء إسحاق ودل عليه معنى قوله تعالى (فبشرناها بإسحاق) ، لأنه في معنى وهبنا واختاره أبو علي وذكر وجهين آخرين على ضعف فيهما أحدهما أن يكون مجرورا عطفا على إسحاق والثاني أن يكون منصوبا عطفا على موضع بإسحاق أي فبشرناها-بإسحاق-ويعقوب من وراء إسحاق وضعفهما من جهة الفصل بين واو العطف والمعطوف بالظرف فهو كالفصل بين الجار والمجرور ولو قلت مررت بزيد اليوم وأمس عمرو على تقدير وبعمر وأمس لم يحسن ولكن في الشعر يحتمل مثل ذلك كما جاء بكف يوما يهودي ، ومثله في الفصل بين حرف العطف والمرفوع وآونة أثالي وفي المنصوب (ويوما أديمها نعلا ) ، في بيتين معروفين أنشدهما أبو علي وغيره الأول لابن أحمر والثاني للأعشى وله نظير في إعراب بعضهم (ولكل قوم هاد) ، على أن هاد عطف على منذر أي أنت منذر وهاد لكل قوم وقد مضى في هذه القصيدة وسيأتي نحو من ذلك في نظم الناظم وذكر وجه العطف جماعة من أئمة العربية وأما قراءة يعقوب بالرفع فعلى الابتداء وخبره ما قبله أي مولود لها من رواء إسحاق يعقوب أو يكون فاعل من وراء على قول الأخفش أي واستقر لها من وراء إسحاق يعقوب ، قال أبو جعفر النحاس وتكون الجملة في موضع الحال وأظنه في البشارة أي فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب قال ويجوز على إضمار

فعل أي ويحدث من وراء إسحاق يعقوب وقوله نصب الرفع أي نصب رفعه أو نصب الرفع فيه منقول عن فاضل كلأه أي حفظه
(764)
هُناَ قَالَ سِلْمٌ كسْرُهُ وَسُكُونُهُ وَقَصْرٌ وَفَوْقَ الطُّورِ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ
كسره مبتدأ وسكونه وقصر عطف عليه وشاع خبر المبتدأ وتنزلا تمييز وفوق الطور عطف على هنا أي قوله قال سلم موضع قال سلام-هنا وفي الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وحل وحلال وقيل سلم ضد حرب وذلك لأنه نكرهم فقال أنا مسالم لكم ورفعه على حكاية قوله أي سلام عليكم أوامري سلام ونصب-قالوا سلاما-أي قولا ذا سلامة لم يقصد فيه حكاية قولهم وكذا معنى قوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ، وأما في كل موضع يقصد التسليم فلم يأت الأمر معرفا والأكثر تنكيره (سلام عليكم بما صبرتم)-(سلام قولا من رب رحيم)-(سلام على نوح)-(وسلام عليه يوم ولد) ، وجاء معرفا في (والسلام علي يوم ولدت)-(والسلام على من اتبع الهدى) ، وقيل التقدير سلمنا سلاما وله نظائر والله أعلم
(765)
وَفَاسْرِ أَنِ اسْرِ الْوَصْلُ (أَ)صْلٌ (دَ)ناَ وَهَاهُنَا حَقٌّ إِلاَّ امْرَاتَكَ ارْفَعْ وَأَبْدِلاَ

يريد حيث جاء هذان اللفظان وجاء فأسر في ثلاث سور هنا (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، ومثله في الحجر والدخان (فأسر بعبادي ليلا) ، وأما (أن أسر) ، ففي طه والشعراء عني بالوصل همزة الوصل ولا يظهر لفظها إلا على تقدير أن تقف على أن فتبتديء إسر بكسر الهمزة وأما إذا وصلت فلا يظهر إلا أثرها وهو حذفها في الدرج وكسر النون من أن لالتقاء الساكنين لورش وغيره وأما في كلمة فأسر فلا يظهر أثر إلا في حذفها وقرأ الباقون بهمزة القطع المفتوحة فالنون من أن ساكنة على أصلها لكنها تفتح لحمزة إذا وقف على أن أسر على رواية نقل الحركة له في الوقف والقراءتان مبنيتان على الفعل الذي منه هذا الأمر وفيه لغتان سرى وأسرى فعلى لغة سرى جاءت همزة الوصل في الأمر كقولك ارم من رمى وعلى لغة أسرى جاءت همزة القطع كقولك من أعطى أعط ويشهد لسرى قوله سبحانه (والليل إذا يسر) ، ويشهد لأسرى قوله تعالى (سبحان الذي أسرى) ، ويتعلق بهما بحث كما ذكرناه في تفسير آية سبحان فأما قوله تعالى (ولا يلتفت منكم أ حد إلا امرأتك) ، فقريء برفع امرأتك ونصبها فقوله ههنا احترازا من الذي في العنكبوت (إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك) ، فإنه منصوب باتفاق لأنه مستثنى من موجب وأما هنا فمستثنى من غير موجب فجرى فيه الوجهان النصب والرفع كما سبق في سورة النساء (ما فعلوه إلا قليل منهم) ، و (إلا قليلا) ، لكن لم يقرأ بالنصب ثم إلا واحد وههنا الأكثر على النصب فلهذا قال جماعة من أئمة العربية إنه مستثنى من قوله تعالى (فأسر بأهلك) ، ليكون مستثنى من موجب وهذا فيه إشكال من جهة المعنى إذ يلزم من استثنائه من (فأسر بأهلك) ، أن لا يكون أسرى بها وإذا لم يسر بها كيف يقال (لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، على قراءة الرفع فكيف تؤمر بالالتفات وقد أمر أن لا يسري بها فهي لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا فيجوز أن يكون هو لم يسر بها ولكنها تبعتهم والتفتت فأصابها ما أصاب قومها والذي

يظهر لي أن الاستثناء على القراءتين منقطع لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات ولكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت والدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر وليس فيها استثناء أصلا فقال تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون) ، فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم ونحو ذلك قوله تعالى في سورة الحجر (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ، قال كثير من المفسرين إنه استثناء متصل وبنى قوم على ذلك جواب الاستثناء الأكثر من الأقل لأن الغاوي أكثر من المهتدي وعندي أنه منقطع بدليل أنه في سورة سبحان (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) ، فأطلق ولم يستثن الغاوين دل على أنه أراد بقوله تعالى-عبادي المخلصين-المكلفين وهم ليس للشيطان عليهم سلطان فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم فحيث جاء في الحجر استثناء الغواة كان على سبيل الانقطاع أي لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان فإذا اتضح هذا المعنى لك علمت أن القراءتين واردتان على ما يقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع ففيه لغتان النصب والرفع فالنصب لغة أهل الحجاز وعليها الأكثر والرفع لبني تميم وعليها اثنان من القراء ولهذا قلت في المنظومة التي في النحو ، (واحمل على المنقطع إلا امرأتك في هود مطلقا فتقوى حجتك) ، وقول الناظم ارفع وأبدلا يجوز بضم الهمزة وفتحها فضمها على أنه فعل لم يسم فاعله وفتحها على الأمر والألف في آخره بدل من نون التأكيد الخفيفة والمعنى واحكم على المرفوع أنه بدل من أحد قوله-ولا يلتفت منكم أحد-هذا على قول الجماعة إنه مستثنى من ذلك ولم يختلفوا فيه وإنما الخلاف بينهم في قراءة النصب منهم من استثناها من ذلك ومنهم من

استثناها من-فأسر بأهلك-وقوله-إلا امرأتك-أبدل فيه الهمزة ألفا ليتزن له النظم وقد سمع نحو ذلك من العرب يقولون المرأة والكماة فيبدلونها ألفا ولزم من هذه العبارة في نظمه إيهام وذلك أنه قال ارفع وأبدلا فيظن أنه أراد ما لفظ به من إبدال الهمزة ألفا وإنما أراد الإبدال من جهة الإعراب ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبه عليه اختلاف القراءتين وكأنه قيل فأسر بأهلك إلا امرأتك وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في قراءة ابن مسعود هكذا وليس فيها-ولا يلتفت منكم أحد-فهذا دليل على استثنائها من المسري بهم ثم كأنه سبحانه قال فإن خرجت معكم وتبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها فإنها ستلتفت ويصيبها ما أصاب قومها فكانت قراءة النصب دالة على ذلك المعنى المتقدم وقراءة الرفع دالة على هذا المعنى المتأخر ومجموعها دال على جملة المعنى المشروح
(766)
وَفِي سَعِدُوا فَاضْمُمْ (صِحَابًـ)ـا وَسَلْ بِهِ وَخِفُّ وَإِنْ كُلاًّ (إِ)لَى (صَـ)ـفْوِهِ (دَ)لاَ

صحابا أي ذا صحاب ويقال سال عنه وسال به بمعنى وعليه حمل قوله تعالى (سأل سائل بعذاب) ، أي عن عذاب ومنه (فسئل به خبيرا) ، وقال علقمة ( فإن تسألوني بالنساء فإنني ) ، وقال الشيخ سل به بمعنى اعتن به واشتغل به كما يقال سل عنه بمعنى ابحث عنه وفتش عنه وإنما قال ذلك لصعوبة تخريج وجه الضم لأنه يقتضي أن يكون سعد متعديا وهي لغة مجهولة ويدل على وجودها قولهم مسعود والمعروف أسعده الله بالألف وقيل إن سعد لغة هذيل يقال سعد كما يقال جن وأما-وإن كلا لما ليوفينهم- فمعناها على القراءات من أشكل الآيات وقد نظم في هذا البيت الخلاف في أن وفي البيت الآتي الخلاف في لما والخلاف فيهما في التشديد والتخفيف فقوله-وإن كلا-في موضع خفض بإضافة وخف إليه واعلم أن إن يجوز تخفيفها وهي باقية على إعمالها فقوله كلا اسمها مخففة كانت أو مشددة ولا يجوز أن يكون المخففة نافية لأنها قد نصبت كلها وقد دخلت اللام في الخبر إلا في قراءة من شدد كما يأتي فهي قراءة أبي بكر وحده وقوله إلى صفوه دلا خبر وخف وإن كلا والهاء في صفوه للخف وفاعل دلا ضمير عائد إلى القاريء أي إلى صفو الخف أدلى القاريء دلوه ثم استخرجها أي وجد قراءة حلوة فقرأ بها يقال دلوت الدلو نزعتها وأدليتها أرسلتها في البئر قال الله تعالى (فأدلى دلوه) ، واجتزى الشاطبي بقوله دلا عن أن يقول أدلى فدلا لأنه لا يوصف بأنه دلا إلا بعد أن يكون أدلى دلوه ، وقال صاحب الصحاح قد جاء في الشعر الدالي بمعنى المدلي فإذا كان الأمر كذلك ظهر قول الناظم داي لا إلى صفوه بمعنى أدلى دلوه إليه والله أعلم
(767)
وَفِيها وَفِي يس وَالطَّارِقِ العُلا يُشَدِّدُ لَمَّا كَامِلُ نَصَّ فَاعْتَلا العلى

العلى نعت للطارق وفي جعله نعتا للسور الثلاث نظر من جهة أن بعضها معبر عنه بالضمير والمضمر لا يوصف فأشار إلى قوة قراءة من شدد لما بقوله كامل نص فاعتلا فالقراءات في هاتين الكلمتين (أن ولما) ، أربع تخفيفهما لنافع وابن كثير تشديدهما لابن عامر وحمزة وحفص تخفيف إن وتشديد لما لأبي بكر وحده تشديد إن وتخفيف لما لأبي عمرو والكسائي فمن شدد إن وخفف لما فاللام في لما هي التي تدخل فيما كان في خبر إن واللام في-ليوفينهم-جواب قسم محذوف ومثله (وإن منكم لمن ليبطئن) ، غير أن اللام في لمن داخلة على الاسم وفي لما داخلة على موضع الخبر وقام القسم وجوابه مقام الخبر و-ما-في لما زائدة لتفرق بين اللامين لام التوكيد ولام القسم وقيل بمعنى الذي وزاد بعضهم فجعلها بمعنى من وقيل اللام في لما موطئة للقسم مثل (لئن أشركت ليحبطن عملك) ، والمعنى وإن جميعهم والله ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن وقبح وإيمان وجحود فهذا تعليل قراءة أبي عمرو والكسائي ، قال الفراء جعل ما اسما للناس كما جاز (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) ، ثم جعل اللام التي فيها جوابا لأن وجعل اللام التي في ليوفينهم لا ما دخلت على نية يمين فيما بين ما وصلتها كما تقول هذا من ليذهبن وعندي ما لغيره خير منه ومثله (وإن منكم لمن ليبطئن) ، ثم قال بعد ذلك ما يدل على أن اللام مكررة فقال إذا عجلت العرب باللام في غير موضعها أعادوها إليه نحو إن زيدا لإليك لمحسن ومثله ، (ولو أن قومي لم يكونوا عزة لبعد لقد لالقيت لابد مصرعا) ، قال أدخلها في بعد وليس بموضعها وسمعت أبا الجراح يقول إني بحمد الله لصالح وقال أبو علي في قراءة من شدد إن وخفف لما وجهها بين وهو أنه نصب كلا بأن وأدخل لام الابتداء على الخبر وقد دخل في الخبر لام-ليوفي-وهي التي يتلقى بها القسم وتختص بالدخول على الفعل فلما اجتمع اللامان فصل بينهما كما فصل بين أن واللام فدخلت ما وإن كانت زائدة للفصل ومثله في الكلام إن

زيدا لما لينطلقن ، قال هذا بين ويلي هذا الوجه في البيان قراءة من خفف (إن ولما) ، وهي قراءة ابن كثير ونافع ، قال سيبويه حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول إن عمرا لمنطلق كما قالوا كأن ثدييه حقان قال ووجهه من القياس (أن:إن) ، مشبهة في نصبها بالفعل والفعل يعمل محذوفا كما يعمل غير محذوف نحو لم يك زيد منطلقا (فلا تك في مرية) ، وكذلك لا أدر ، قلت فتعليل هذه القراءة كالتي قبلها سواء واللام في لما هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة والنافية وقال الفراء وأما الذين خففوا أن فإنهم نصبوا وهو وجه لا أشتهيه لأن اللام لا يقع الفعل الذي بعدها على شيء قبله فلو وقعت كل لصلح ذلك كما يصلح أن يقول إن زيدا لقائم لا يصلح إن زيدا لاضرب لأن تأويلها كتأويل إلا ، قلت واستشكل أبو علي وغيره قراءة من شدد لما هنا في سورة هود سواء شدد إن أو خففها لأنه قد نصب بها-كلا-وإذا نصب بالمخففة كانت بمنزلة المثقلة فكما لا يحسن إن زيدا إلا منطلق لأن إلا إيجاب بعد نفي ولم يتقدم هذا إلا إيجاب مؤكد فكذا لا يحسن إن زيدا لما منطلق لأنه بمعناه وإنما شاع نشدتك بالله إلا فعلت ولما لأن معناه الطلب فكأنه قال ما أطلب منك إلا فعلك فحرف النفي مراد مثل (تالله تفتأ) ، ومثل أبو علي بقولهم شر أهر ذا ناب أي ما أهره إلا شر قال وليس في الآية معنى النفي ولا الطلب وحكى عن الكسائي أنه قال لا أعرف وجه التثقيل في لما ، قال أبو علي ولم يبعد فيما قال قال أبو جعفر النحاس القراءة بتشديدها عند أكثر النحويين لحن حكى عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز ولا يقال إن زيدا إلا لأضربنه ولا لما لأضربنه قال وقال الكسائي الله جل وعز أعلم بهذه القراءة ما أعرف لها وجها قال وللنحويين بعد هذا فيها أربعة أقوال فذكرها مختصرة وأنا أبسطها وأنبه على ما فيها ثم أذكر وجها خامسا هو الحق إن شاء الله تعالى ، الأول قاله الفراء وتبعه فيه جماعة قال أراد لمن ما فلما اجتمع

ثلاث ميمات حذف واحدة فبقيت ثنتان فأدغمت إحداهما في الأخرى كما قال الشاعر ، (وإني لما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادر) ، قال نصر بن علي الشيرازي وصل من الجارة بما فانقلبت النون أيضا ميما للإدغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أحديهن فبقي لما بالتشديد قال وما هاهنا بمعنى من وهو اسم لجماعة الناس كما قال تعالى (فانكحوا ما طاب) ، أي من طاب والمعنى وإن كلا من الذين ليوفينهم ربك أعمالهم أو من جماعة ليوفينهم ربك أعمالهم ، قال المهدوي حذفت الميم المكسورة والتقدير لمن خلق ليوفينهم وجوز أن يكون تقدير هذا الوجه لمن ما بفتح الميم وتكون اللام داخلة على من التي بمعنى الذي وما بعدها زائدة ، قال فقلبت النون ميما وأدغمت في الميم التي بعدها فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون فقيل لما قلت فقد صار لهذا الوجه الذي استنبطه الفراء تقديران وسبق المهدوي إلى التقدير الثاني أبو محمد مكي وقال التقدير وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك قال فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التي بالتخفيف وهذا هو الذي حكاه الزجاج فقال زعم بعض النحويين أن معناه لمن ما ثم قلبت النون ميما فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى قال وهذا القول ليس بشيء لأن من لا يجوز حذفها لأنها اسم على حرفين وقال النحاس قال أبو إسحاق هذا خطأ لأنه يحذف النون من من فيبقى حرف واحد وقال أبو علي إذا لم يقو الإدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم في نحو قوم مالك فأن لا يجوز الحذف أجدر قال علي إن في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام أكثر مما كان يجتمع في لمن ما ولم يحذف منها شيء وذلك قوله (وعلى أمم ممن معك ) ، فإذا لم يحذف شيء من هذا فأن لا يحذف ثم أجدر ، قلت وما ذكره الفراء استنباط حسن وهو قريب من قولهم في (لكنا هو الله ربي) ، أصله لكن أنا ثم حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون وكذا قولهم أما أنت منطلقا انطلقت قالوا المعنى لأن كنت منطلقا

وما أحسن ما استخرج الشاهد من البيت الذي أنشده واجتمع في-أمم ممن معك-ثماني ميمات خمس ظاهرة والتنوين في أمم والنون من ممن كلاهما تقلب ميما وتدغم في الميم بعده على ما تمهد في بابهما في الأصول ثم إن الفراء أراد أن يجمع بين قراءتي التخفيف والتشديد من لما في معنى واحد فقال ثم يخفف كما قرأ بعض القراء (والبغي يعظكم) بحذف الياء عند الياء أنشدني الكسائي شعرا ، (واشمت العداة بنا فأضحوا لدى تباشرون بما لقينا) ، معناه يتباشرون فحذف ياؤه لاجتماع الياءات قلت الأولى أن يقال حذفت ياء الإضافة من لدى فبقيت الياء الساكنة قبلها المنقلبة عن ألف لدى وهو مثل قراءة من قراءة-يا بني-بالإسكان على ما سبق وأما الياء من يتباشرون فثابتة لدلالتها على المضارعة قال ومثله كأن من آخرها القادم يريد إلى القادم فحذف عند اللام اللام الأولى قلت لأن آخر إلى حذف لالتقاء الساكنين وهمزة الوصل من القادم تحذف في الدرج فاتصلت لام إلى بلام التعريف في القادم فحذفت الثانية على رأيه والأولى أن يقال حذفت الأولى لأن الثانية دالة على التعريف فلم يبق من حروف إلى غير الهمزة فاتصلت بلام القادم فبقيت الهمزة على كسرها وهذا قريب من قولهم (ملكذب) ، في من من الكذب (وبالعنبر) ، في بني العنبر (وعلماء) ، بنو فلان أي على الماء ، القول الثاني قال الزجاج زعم المازني أن أصلها لما بالتخفيف ثم شددت الميم قال وهذا ليس بشيء لأن الحروف نحو رب وما أشبهها تخفف ولسنا نثقل ما كان على حرفين ، الثالث قال النحاس قال أبو عبيد القاسم بن سلام الأصل-وإن كلا لما ليوفينهم-بالتنوين من لممته لما أي جمعته ثم بني منه فعلى كما قريء-ثم أرسلنا رسلنا تترا-بغير تنوين وبتنوين ، قلت الذي في كتاب القراءات لأبي عبيد وروى عن بعض القراء-وإن كلا لما-منونة يريد جميعا قال وهي صحيحة المعنى إلا أنها خارجة عن قراءة الناس وقال الفراء المعنى-وإن كلا-شديدا-ليوفينهم-وإن

كلا-حقا-ليوفينهم- وقال أبو علي وقد روى أنه قريء-وإن كلا لما-منونا كما قال-وتأكلون التراث أكلا لما-فوصف بالمصدر وينبغي أن يقدر المضاف إليه كل نكرة ليحسن وصفه بالنكرة ولا يقدر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن تكون لما وصفا له ولا يجوز أن تكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عامل في الحال قال فإن قال إن لما فيمن ثقل إنما هي لما هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فذلك مما يجوز في الشعر ، قال ابن جني معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا ومحصلة لأعمالهم تحصيلا فهو كقولك قياما لأقومن وقعودا لأقعدن قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله استعمال لما في هذا المعنى بعيد وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد قال وقيل لما فعلى من اللم ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث والمعنى فيه مثل مضى لما المنصرف قال وهذا أبعد إذ لا تعرف لما فعلى بهذا المعنى ولا بغيره ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال وهو خلاف الإجماع وأن يكتبوها بالياء وليس ذلك بمستقيم ، قلت فهذه ثلاثة أوجه وهي خمسة في المعنى لأن الأول اختلف في تقديره على وجهين لمن ما بكسر الميم وفتحها وهذا الثالث اختلف في ألفه على وجهين أحدهما أنها بدل من التنوين والثاني أنها للتأنيث ، القول الرابع قال الزجاج وقال بعضهم قولا ولا يجوز غيره (إن لما) في معنى (إلا) مثل (إن كل نفس لما عليها حافظ) ، ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل حاصله أن معنى إن زيد لمنطلق ما زيد إلا منطلق فأجريت المشددة كذلك في هذا المعنى إذا كانت اللام في خبرها وعملها النصب في اسمها باق بحاله مشددة ومخففة والمعنى نفي بأن وإثبات باللام التي في معنى إلا ولما بمعنى إلا قلت قد تقدم إنكار أبي على جواز إلا في مثل هذا الموضع فكيف يجوز لما التي بمعناها على أن من الأئمة من أنكر مجيء لما بمعنى إلا قال أبو عبيد أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا في كلام العرب ومن قال هذا لزمه أن يقول رأيت القوم لما

أخاك يريد إلا أخاك وهو غير موجود ، قال الفراء وأما من جعل لما بمنزلة إلا فإنه وجه لا نعرفه وقد قالت العرب مع اليمين بالله لما قمت عنا وإلا قمت عنا فأما في الاستثناء فلم تقله في شعر ولا غيره ألا ترى أن ذلك لو جاز لسمعت في الكلام ذهب الناس لما زيدا ، قلت وقد ذكر ابن جني وغيره أن إلا تقع زائدة فلا بعد في أن تقع لما التي بمعناها زائدة فهذا وجه آخر فصارت الوجوه سبعة والصحيح في معنى لما المشددة في هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو رحمه الله في أماليه المفرقة على مواضع من القرآن وغيره قال لما هذه هي لما الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم خرجت ولما وسافرت ولما ونحوه وهو سائغ فصيح فيكون المعنى وإن تلا لما يهملوا ولما يتركوا لما قدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين كقوله تعالى (فمنهم شقي وسعيد) ، ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ثم بين ذلك بقوله-ليوفينهم ربك أعمالهم- قال وما أعرف وجها أشبه من هذا وإن كانت التنوسي تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن قال والتحقيق يأبى استبعاد ذلك قلت هذا وجه مليح ومعنى صحيح والسكوت على لما دون فعلها قد نص عليه الزمخشري في مفصله وأنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك في كتاب معاني الشعر له ، (فجئت قبورهم بدءا ولما فناديت القبور فلم يجبنه) ، وقال في معناه بدءا أي سيدا وبدؤ القوم أي سيدهم وبدء الجزو خبر أنصبائها قال وقوله ولما أي لم أكن سيدا إلا حين ماتوا فإني سدت بعدهم كما قال الآخر ، (خلت الديار فسدت غير مدافع ومن الشقاء تفردي بالسودد) ، قلت ونظير السكوت على لما دون فعلها سكوت النابغة على قد دون فعلها في قوله ، (أزف الترحل غير أن ركاينا لما تزل برحالنا وكأن قد) ، أي وكأن قد زالت قال الشيخ أبو عمرو وأما قراءة أبي بكر فلها وجهان أحدهما الوجوه المذكورة في قراءة ابن عامر وغيره فتكون أن مخففة من الثقيلة في قراءتهم والوجه

الثاني أن تكون أن نافية ويكون كلا منصوبا بفعل مضمر تقديره وإن أرى كلا أو إن أعلم ونحوه ولما بمعنى إلا نحو-إن كل نفس لما عليها حافظ-ومن هاهنا كانت أقل إشكالا من قراءة ابن عامر لقبولها هذا الوجه الذي هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد وإن كان في نصب الاسم الواقع بعد حرف المنفي استبعاد ولذلك اختلف في مثل قوله إلا رجلا جزاه الله خيرا هل هو منصوب بفعل مقدر ونون ضرورة فاختار الخليل إضمار الفعل واختار يونس التنوين للضرورة قلت فهذا ما يتعلق بتوجيه القرارات في تشديدان ولما في تخفيفها في هذه السورة وهو من المواضع المشكلة غاية الإشكال وقد اتضحت والحمد لله وإن كان قد طال الكلام فيها فلابد في المواضع المشكلة من التطويل زيادة في البيان ولو كان الشرح الكبير بلغ هذا الموضع لم يحتج إلى هذا التطويل في هذا المختصر والله الموفق ، والذي في يس (إن كل لما جميع لدينا محضرون) ، وفي الطارق (إن كل نفس لما عليها حافظ) ، إن في الموضعين للنفي لأن كل مرفوع بعدها فلم يحتج أن تجعلها المخففة من الثقيلة على قراءة من شدد لما ولما بمعنى إلا ومن خففها فهي لام الابتدا وما زائدة وإن هي المخففة من الثقيلة ولم تعمل والله أعلم
(768)
وَفي زُخْرُفٍ (فِ)ـي (نَـ)ـصِّ (لُـ)ـسْنٍ بِخُلْفِهِ وَيَرْجِعُ فِيه الضَّمُّ وَالْفَتْحُ (إِ)ذّ (عَـ)ـلاَ
يريد-وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا-الكلام فيه كالكلام في الذي في يس والطارق ولسن جمع لسن بكسر السين وهو الفصيح لأن اللسن بفتح السين الفصاحة يقال لسن الكسر فهو لسن ولسن وقوم لسن لم يوافق ابن ذكوان على تشديد التي في الزخرف وعن هشام فيها خلاف وتقدير البيت والتشديد في حرف الزخرف مستقر في نص قوم فصحاء نقلوه وأما-وإليه يرجع الأمر كله-فالخلاف فيه ظاهر سبق له نظائر وهو إسناد الفعل إلى المفعول أو الفاعل
(769)

وَخَاطَبَ عَمَّا يَعْمَلُونَ بِهاَ وآخِرَ النَّمْلِ (عِـ)ـلْماً (عَمَّ) وَارْتَادَ مَنْزِلاَ
عما تعملون فاعل خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه وعلما مفعول خاطب أي خاطب ذوي علم وفهم وهم بنو آدم وقال الشيخ هو مصدر أي اعلم ذلك علما وآخر النمل يروي بجر الراء ونصبها فالجر عطفا على الضمير في بها مثل قراءة-به والأرحام-والنصب عطفا على موضع الجار والمجرور كأنه قال هنا وآخر النمل وكلا الموضعين في آخر السورة (وما ربك بغافل عما تعملون) فالخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والغيبة رد على قوله (وقل للذين لا يؤمنون) ، والخطاب في آخر النمل رد على قوله (سيريكم آياته) ، والغيبة إخبار عنهم وارتاد معناه طلب والضمير في عم وارتاد للعلم أي علما عم العقلاء من بني آدم المخاطبين واختار موضعا لنزوله وحلوله فيهم والله أعلم ثم ذكر ياآت الإضافة فقال
(770)
وَيَاآتُهاَ عَنِّي وَإِنِّي ثَمَانِياَ وَضَيْفِي وَلكِنِّي وَنُصْحِيَ فَاقْبَلاَ

أراد عنى-إنه لفرح-فتحها نافع وأبو عمرو و-إني-في ثمانية مواضع (إني أخاف إن عصيت-إني أخاف عليكم) ، في قصتي نوح وشعيب (إني أعظك-إني أعوذ بك) ، إني أعوذ بك فتح الخمس الحرميان وأبو عمرو (إني أراكم بخير) ، فتحها نافع وأبو عمرو والبزي (إني إذا لمن الظالمين) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إني أشهد الله) ، فتحها نافع وقد ضبطت هذه الثمانية في بيت فقلت ، (أراكم أعوذ أشهد الوعظ مع إذا أخاف ثلاثا بعد أن تكملا) أي هذه الألفاظ بعد إني ونبهت بالوعظ على أعظكم و(ضيفي أليس) ، فتحها نافع وأبو عمرو (ولكني أراكم) ، فتحها البزي ونافع وأبو عمرو-ولا ينفعكم نصحي إن أردت فتحها نافع وأبو عمرو فهذه اثنتا عشرة ياء وقوله ثمانيا نصب على الحال من إني أي خذها ثمانيا أو فاقبلها ثمانيا وثمانيا مصروف قال الجوهري لأنه ليس بجمع فيجري مجرى جوار وسوار في ترك الصرف وما جاء في الشعر غير مصروف فهو على توهم أنه جمع وأراد فاقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا وياءاتها مبتدأ ويجوز نصبه بكسر التاء مفعولا لقوله فاقبلا وعنى وما بعده بدل منه وما أحلى ما اتفق له من اتصال هاتين اللفظتين ونصحي فاقبلا والله أعلم
(771)
شِقَاقِي وَتَوْفِيقِي وَرَهْطِيَ عُدَّهاَ وَمَعْ فَطَرَنْ أَجْرِي مَعاً تُحْصِ مُكْمِلاَ

أراد (شقاقي أن يصيبكم) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (وما توفيقي إلا بالله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر (أرهطي أعز) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن ذكوان (فطرني أفلا تعقلون) ، فتحها نافع والبزي (إن أجري إلا) ، موضعان في قصتي نوح وهود فلهذا قال أجري معا سكنهما ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر ونصب معا كنصب ثمانيا فهذه ثماني عشرة ياء إضافة وقوله تحص مجزوم لأنه جواب قوله عدها ومكملا حال من فاعل تحص وفيها ثلاث زوائد (فلا تسئلن) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وورش (ولا تخزون في ضيفي) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده (يوم يأت لا تكلم نفس) ، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي وأثبتها ابن كثير في الحالين وقلت في ذلك ، (وزيدت فلا تسئلن ما يوم يأت لا تكلم لا تخزون في ضيفي العلا)
سورة يوسف
(772)
وَيَا أَبَتِ افْتَحْ حَيْثُ جَا لاِبْنِ عَامِر وَوُحِّدَ لِلْمَكِّي آيَاتُ الْوِلاَ
الخلاف في يا أبت مثل ما سبق في يا ابن أم ويا بني بالفتح والكسر والتاء في يا أبت تاء تأنيث عوضت عن ياء الإضافة في قراءة من كسرها لأنه حركها بحركة ما قبل ياء الإضافة لتدل على ذلك وهي في قراءة من فتح عوض من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك يا أبا وفتحت تحريكا لها بحركة ما قبل الألف وقيل يجوز أن يكون الفتح على حد قولهم في الترخيم يا أميمة بالفتح وقراءة ابن كثير (آية للسائلين) ، بالإفراد أي آية عجيبة كما جاء في آخر السورة (لقد كان في قصصهم عبرة) ، والباقون بالجمع كما جاء في مواضع (إن في ذلك لآية)-(إن في ذلك لآيات) ، ووجه القراءتين ظاهر وكم من آية في ضمنها آيات واختار أبو عبيد قراءة الجمع وقال لأنها عبر كثيرة قد كانت فيهم والولا القرب وهو صفة لقوله (آيات للسائلين) ، أي ذات الولا أي القريبة من قوله يا أبت ولا خلاف في إفراد التي في آخر السورة (وكأين من آية في السموات والأرض)
(773)

غَيَابَاتٍ فِي الْحَرْفَيْنِ بِالْجَمْعِ نَافِعٌ وَتَأْمَنُناَ لِلْكُلِّ يُخْفَي مُفَصَّلاَ
يريد بالحرفين موضعين وهما (وألقوه في غيابت الجب)-(وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب) ، والغيابة ما يغيب فيه شيء وغيابة البئر في جانبه فوق الماء فوجه الإفراد ظاهر ووجه الجمع أن يجعل كل موضع مما يغيب غيابة ثم يجمع أو كان في الجب غيابات أي ألقوه في بعض غيابات الجب أو أريد بالجب الجنس أي ألقوه في بعض غيابات الأجبية وأما (مالك لا تأمنا) ، فأصله لا تأمننا بنونين على وزن تعلمنا وقد قريء كذلك على الأصل وهي قراءة شاذة لأنها على خلاف خط المصحف لأنه رسم بنون واحدة فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له ، وحاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه إدغام إحدى النونين في الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام إدغام محض مع الإشمام إخفاء لا إدغام وهذه الوجوه الثلاثة هي المحكية عن أبي عمرو في باب الإدغام الكبير فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم ولم يذكر الشاطبي في نظمه هنا غير وجهين الإخفاء في هذا البيت والإدغام مع الإشمام في البيت الآتي ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء وأكثرهم على نفيه قال في التيسير مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى في الثانية وإشمامها الضم قال وحقيقة الإشمام في ذلك أن يشار بالحركة إلى النون لا بالعضو إليها فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا لأن الحركة لا تسكن رأسا بل يضعف الصوت بها فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك وهذا قول عامة أئمتنا وهو الصواب ، لتأكيد دلالته وصحته في القياس فهذا معنى قول الناظم للكل يخفى مفصلا أي نفصل إحدى النونين عن الآخر بخلاف حقيقة الإدغام وقال أبو بكر ابن مهران في كتاب الإدغام مالك لا تأمننا بالإشارة إلى الضمة وتركها قال ولم يحك عن أحد منهم إلا الإدغام المحض من أشار منهم ومن ترك ولو أراد من أشار الإخفاء دون الإدغام لفرقوا وبينوا وقالوا أدغم فلان وأخفى فلان فلما قالوا ادغم فلان

وأشار وأدغم فلان ولم يشر درينا أنهم أرادوا الإدغام دون الإخفاء وأنه لا فرق عندهم بين الإشارة وتركها والله أعلم ، وقال صاحب الروضة لا خلاف بين جماعتهم في التشديد والله أعلم
(774)
وَأُدْغَمَ مَعْ إِشْمَامِهِ البَعْضُ عَنْهُمُ وَنَرْتَعْ وَنَلْعَبْ يَاءُ (حِصْنٍ) تَطَوَّلاَ
أي فعل ذلك بعض المشايخ عن جميع القراء وهذا الوجه ليس في التيسير وقد ذكره غير واحد من القراء والنحاة حتى قال بعضهم أجمعوا على إدغام لا تأمننا قال ابن مجاهد كلهم قرأ لا تأمنا بفتح الميم وإدغام النون الأولى في الثانية-والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم اتفاقا قال أبو علي وجهه أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا في الإدراج أشموا النون المدغمة في تأمنا قال وليس هذا بصوت خارج إلى ذلك اللفظ إنما هو تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المهيأ له قال وقد يجوز في ذلك وجه آخر في العربية وهو أن يتبين ولا يدغم ولكنك تخفي الحركة وإخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط ولكنك تختلسها اختلاسا قلت وهذا هو الوجه المذكور في البيت الأول وقال أبو الحسن الحوفي جمهور القراء على الإشمام للإعلام بأن النون من تأمن كانت مرفوعة وصفة ذلك أنك تشير إلى الضمة من غير صوت مع لفظك بالنون المدغمة وهو شيء يحتاج إلى رياضة قال مكي لا تأمنا بإشمام النون الساكنة الضم بعد الإدغام وقبل استكمال التشديد هذه ترجمة القراء قلت ووجه الإشمام الفرق بين إدغام المتحرك وإدغام الساكن ، قال الفراء تشير إلى الرفعة وإن تركت فلا بأس كل قد قريء به والياء في (يرتع ويلعب) ، ليوسف والنون لجميع الإخوة ثم ذكر خلاف القراء في العين فقال
(775)
وَيَرْتَعْ سُكُونُ الْكَسْرِ فِي الْعَيْنِ (ذُ)و (حِـ)ـماً وَبُشْرَايَ حَذْفُ الْيَاءِ (ثَبْتٌ وَمُيِّلاَ

من أسكن العين فللجزم وقراءته من رتع يرتع أي يتسع في الخصب ومن كسرها فهو من ارتعى يرتعي يفتعل من الرعي فحذف الياء للجزم وأثبتها قنبل في وجه على ما تقدم في باب الزوائد فقرأه الكوفيون بالياء وسكون العين وقراءة نافع بالياء وكسر العين وقراءة ابن عامر وأبي عمرو بالنون وسكون العين وقراءة ابن كثير بالنون وكسر العين وبإشباع كسرتها في وجه ففي يرتع خمس قراءات وفي يلعب قراءتان الياء لحصن والنون للباقين وأما (بشراي) ، فمن حذف ياءه كأن قد نادى البشرى من غير إضافة أي أقبلي فهذا وقتك والباقون على إضافة البشرى إليه وكلاهما ظاهر وقوله ثبت أي قراءة ثبت يقال رجل ثبت أي ثابت القلب ثم ذكر في البيت الآتي أن حمزة والكسائي أمالا الألف على أصلهما لأنها ألف تأنيث لا سيما وقبلها راء فقال
(776)
(شِـ)ـفَاءً وَقَلِّلْ (جِـ)ـهْبِذَا وَكِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ الْعَلاَ وَالْفَتْحُ عَنْهُ تَفَضَّلاَ

شفاء حال من الممال أي ذا شفاء وقلل أي أمل بين بين وجهبذا أي مشبها جهبذا وهو الناقد الحاذق في نقده وجمعه جهابذة كأنه أشار بذلك إلى التأنق في التلفظ بين بين فإنها صعبة على كثير ممن يتعاطى علم القراءة أي أمالها ورش بين اللفظين على أصله في إمالة ذوات الراء ثم قال وكلاهما بمعنى الإمالة والتقليل رويا عن أبي عمرو وروى عنه الفتح وهو الأشهر وعليه أكثر أهل الأداء وليس في التيسير غيره واختاره أبو الطيب ابن غلبون بين اللفظين قال مكي وقد ذكر عن أبي عمرو مثل ورش والفتح أشهر وحكى أبو علي الأهوازي الإمالة عن أبي عمرو من طريق اليزيدي قال مكي أما الإمالة المحضة فهي أقيس من الوجهين الأخيرين لأنه أمال البشرى إمالة محضة وأمال الرؤيا بين اللفظين فكما أمال رؤياي بين اللفظين كذلك يقتضي أن يميل بشراي على قياس أصله والفتح فيه وبين اللفظين خروج عن الأصل الذي طرده في إمالته قلت وعلل الداني الفتح بأن ألف التأنيث هنا رسمت ألفا ففتح ليدل على ذلك ويلزم على هذا القياس أن لا يميل رؤياي بين اللفظين كذلك والله أعلم
(777)
وَهَيْتَ بِكَسْرٍ (أَ)صْلُ (كُـ)ـفْؤٍ وَهَمْزُهُ (لِـ)ـسَانٌ وَضَمُّ التَّا (لِـ)ـوَى خُلْفُهُ (دُ)لاَ

أي أصل عالم كفؤ وهمزه لسان أي لغة وقصر لفظ التاء ولوى ضرورة ولوى خلفه مبتدأ ودلا خبره وقد سبق معناه يقال هيت كأين وهيت كحيث وهيت مثل غيظ قريء بهذه الثلاث اللغات وزاد هشام الهمز وهو من أهل كسر الهاء وضم التاء وفتحها وهو اسم فعل بمعنى هلم وأسرع ويقال أيضا هيت كجير ولم يقرأ بهذه اللغة وقيل المهموز فعل من هاء يهييء كجاء يجيء إذا تهيأ فعلى الفتح وهو المشهور عن هشام يكون خطابا ليوسف على معنى حسنت هيئتك أو على معنى تهيأ أمرك الذي كنت أطلبه لأنها ما كانت تقدر في كل وقت على الخلوة به وتحتمل قراءة نافع وابن ذكوان أن أصلها الهمز فخففت وقال أبو علي يشبه أن يكون هيت مهموزا بفتح التاء وهما من الراوي لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف وهو لم يتهيأ لها ولو كان لقالت له هئت لي وجوابه أن يقال وقع قولها لك بيانا لا متعلقا بهيت والمعنى لك أقول والخطاب لك ومثله (وكانوا فيه من الزاهدين)-(بلغ معه السعي) والله أعلم
(778)
وَفِي كَافَ فَتْحُ الَّلامِ فِي مُخْلِصاً (ثَـ)ـوَى وَفِي الْمُخْلِصِينَ الْكُلّ (حِصْنٌ) تَجَمَّلاَ
يريد (إنه كان مخلصا) ، في سورة مريم وسماها كاف لأنها استفتحت بهذه الحروف فصارت كصاد ونون وقاف وفي قوله وفي المخلصين الكل أي حيث جاء معرفا باللام فقوله مخلصين له الدين لا خلاف في كسر لامه ومعنى الكسر أنهم أخلصوا لله تعالى دينهم ومعنى الفتح أخلصهم الله أي اجتباهم وأخلصهم من السوء والله أعلم
(779)
معاً وَصْلُ حَاشَا (حَـ)ـجَّ دَأْباً لِحَفْصِهِمْ فَحَرِّكْ وَخَاطِبْ يَعْصِرُنَ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

يريد أن لفظ حاشا جاء في موضعين في هذه السورة (قلن حاش لله ما هذا بشرا)-(قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ، أثبت أبو عمرو الألف بعد الشين في الموضعين إذا وصل الكلمة بما بعدها فإن وقف عليها حذف الألف كسائر القراء وقفا ووصلا اتباعا للرسم ولا يكاد يفهم هذا المجموع من هذا اللفظ اليسير وهو قوله معا وصل حاشا حج فإنه إن أراد بوصل حاشا إثبات ألفها في الوصل دون الوقف على معنى وصل هذا اللفظ فيكون من باب قوله وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا فكأنه قال وصل حاشا بالمد لم يعلم أي المدين يريد ففي هذه اللفظة ألفان أحدهما بعد الحاء والأخرى بعد الشين وكل واحدة منهما قد قريء بحذفها قرأ الأعمش-حشا لله-وأنشد ابن الأنباري على هذه القراءة ، (حشا رهط النبي فإن منهم بحورا لا تكدرها الدلاء) ، وإن كان أراد بقوله وصل حاشا وصل فتحة الشين بألف كما توصل الضمة بواو والكسرة بياء لم يكن مبينا لحذفها في الوقف وتقدير البيت وصل كلمتي حاشا معا حج أي غلب وحاشا حرف جر يفيد معنى البراءة وبهذا المعنى استعمل في الاستثناء ثم وضع موضع البراءة فاستعمل كاستعمال المصادر فقيل حاشا لله كما يقال براءة لله فلما تنزل منزلة الأسماء تصرفوا فيه بحذف الألف الأولى تارة وبحذف الثانية أخرى وتارة بتنوينه قرأ أبو السمال-حاشا لله-هذا معنى ما ذكره الزمخشري ومال أبو علي إلى أنه فعل فقال هو على فاعل مأخوذ من الحشا الذي يعني به الناحية والمعنى أنه صار في حشا أي في ناحية مما قرن به أي لم يقترنه ولم يلابسه وصار في عزل عنه وناحية وفاعله يوسف ، أي بعد عن هذا الذي رمى به لله أي لخوفه ومراقبة أمره (والدأْب والدأَب لغتان كالمعز والمعز) ، والفاء في فحرك زائدة أي حرك دأبا لحفص ويعصرون بالخطاب والغيبة ظاهر وما فيه الخطاب تارة يجعله مفعولا بالخطاب كهذا وتارة فاعلا نحو وخاطب عما يعملون وكل ذلك لأن الخطاب فيه وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعوله ومعناه

خفيفا والله أعلم
(780)
وَنَكْتَلْ بِيَا (شَـ)ـافٍ وَحَيْثُ يَشَاءُ نُونُ (دَ)ارٍ وَحِفْظاً حَافِظاً (شَـ)ـاعَ عُقلاَ
يريد (فأرسل معنا أخانا نكتل) ، الياء للأخ والنون لجماعة الأخوة وقوله تعالى (يتبوأ منها حيث يشاء) ، الياء ليوسف والنون نون العظمة ولا خلاف في قوله (نصيب برحمتنا من نشاء) ، أنه بالنون ودار اسم فاعل من دريت والتقدير ذو نون قاريء دار وشاف كذلك أي بياء قاريء شاف ويجوز أن يكون شاف صفة يا أو خبر نكتل وبيا متعلق به أي ونكتل شاف بيا ووزن نكتل نفتل والعين محذوفة والأصل نكتال حذفت الألف لالتقاء الساكنين في حال الجزم وأصل نكتال نكتيل على وزن نفتعل مثل نكتحل ويتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبي عثمان المازني وابن السكيت في مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات قد ذكرتها في ترجمة يعقوب بن السكيت في مختصر تاريخ دمشق وقوله حفظا مبتدأ وخبره مضمر أي يقرأ حافظا أو يكون خبره شاع عقلا وعقلا تمييز وهو جمع عاقل أي شاع ذكر الذين عقلوه وحافظا حال أي شاع على هذه الحالة في القراءة ويجوز أن يكون عقلا حال على معنى ذا عقل وانتصب حفظا في الآية وحافظا على التمييز وجوز الزمخشري أن يكون حافظا حالا ومنعه أبو علي والتمييز في حفظا ظاهر أي حفظ لله خير من حفظكم ووجه حافظا أن لله تعالى حفظة كما له حفظ نحو قوله تعالى (ويرسل عليكم حفظة) ، فالتقدير حافظه خير من حافظكم كما كان حفظه خيرا من حفظكم ويجوز أن يكون التمييز من باب قولهم لله دره فارسا أي در فروسيته فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى وهذا التمييز الذي هو حافظ يجوز إضافة خير إليه وقد قريء-خير حافظ-ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذي حفظ والله أعلم ، وقدم ذكر الخلاف في-نكتل-على-حيث يشاء-ضرورة للنظم وإلا فالأمر بالعكس وقدمه
(781)
وَفِتْيَتِهِ فِتْيَانِهِ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً وَرُدْ بِالاخْبَارِ فِي قَالُوا أَئِنَّكَ (دَ)غْفَلاَ

أي يقرأ فتيانه أو التقدير وقراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص وحمزة والكسائي وهم الذين قرءوا-حافظا فلو قال عنهم موضع قوله عن شذا لاستقام لفظا ومعنى وفتية وفتيان كلاهما جمع فتى كإخوة وإخوان الأول للقلة والثاني للكثرة فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع والذين باشروا الفعل قليل منهم وقوله ورد أي اطلب من راد وارتاد إذا طلب الكلأ ، ود غفلا مفعول به وهو العيش الواسع أي اطلب عيشا واسعا بالقراءة بالأخبار في قوله (إنك لأنت يوسف) ، لأنها ظاهرة المعنى وذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك فهذه قراءة ابن كثير وقرأ الباقون بالاستفهام وهم على أصولهم في التحقيق والتسهيل والمد بين الهمزتين ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة ولم يكن بعد قد تحقق عندهم وتكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام كما قيل ذلك في قوله (وتلك نعمة تمنها علي) ، أي وتلك نعمة وله نظائر ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب والاستعظام وإن كانوا قد عرفوه حق المعرفة أي إنك لهو ونحن وأنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء ولعل بعض الإخوة قالوه خبرا وبعضهم استفهاما فجاءت القراءتان كذلك ومن عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار وقد تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف وسيأتي مثله في الرعد واتفق لي نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة تبين فيها القراءتان في حاشا وصلا ووقفا وذكر فيها الخبر والاستفهام في أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم في ذلك تجديدا للعهد بما تقدمت معرفته وتذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه ولم يستقم لي إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت فقلت ، (وفي الوصل حاشا حج بالمد آخرا معاد أبا حرك لحفص فتقبلا) ، أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء ثم قال ، (ونكتل بياء يعصرون الخطاب شذ وحيث يشا النون دار وأقبلا) ، استغنى برمز واحد وهو قوله شذ لقراءتين في نكتل ويعصرون ثم قال ، (وفي حافظا حفظا صفا حق

عمهم وفتيته عنهم لفتيانه انجلا) ، (والأخبار في قالوا أئنك دغفلا ويستفهم الباقي على ما تأصلا)
(782)
وَيَيْأَسْ مَعًا وَاسْتَيْأَسَ اسْتَيْأَسُوا وَتَيْأَسُوا اقْلِبْ عَنِ الْبَزِّي بِخُلْفٍ وَأَبْدِلاَ
معا يعني هنا وفي الرعد (إنه لا ييأس من روح الله)-(أفلم ييأس الذين آمنوا)-(حتى إذا استيأس الرسل)-(فلما استيأسوا منه)-(ولا تيأسوا من روح الله) ، فهذه خمسة مواضع استفعل فيها بمعنى فعل كاستعجب واستسخر بمعنى عجب وسخر وكلها من اليأس من الشيء وهو عدم توقعه لا التي في الرعد قيل إنها بمعنى علم فقراءة الجماعة في هذه المواضع على الأصل الهمز فيها بين الياء والسين وروي عن البزي أنه قرأها بألف مكان الياء وبياء مكان الهمزة وكذلك رسمت في المصحف وحمل ذلك على القلب والإبدال قال أبو علي قلبت العين إلى موضع الفاء فصار استفعل وأصله استيأس ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها فصار مثل راس وفاس فهذا معنى قول الناظم اقلب وأبدلا ولم يذكر ما هو المقلوب وما هو المبدل وأراد بالقلب التقديم والتأخير وعرفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء قوله وأبدلا فإن الإبدال في الهمز ثم لم يبين أي شيء يبدل بل أحال ذلك على قياس تسهيلها لأنها إذا جعلت في موضع الياء وأعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح وبقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا فقرأ البزي بذلك في وجه وإن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة كما أنه سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وإن لم يكن ذلك من أصله جمعا بين اللغات القلب في هذه اللغة في الفعل الماضي يقال يئس وأيس فيبني المضارع على ذلك فقراءة الجماعة من لغة يئس وهي الأصل عندهم وقراءة البزي من لغة أيس فمضارعه ييأس وأراد الناظم وأبدلن فأبدل النون ألفا
(783)
وَيُوحى إِلَيْهِمْ كَسْرُ حَاءِ جَمِيعِهَا وَنُونٌ عُلاً يُوحى إِلَيْهِ (شَـ)ـذاً (عَـ)ـلاَ

أي وحيث أتى وعلا خبر أي القراءة بالكسر وبالنون ذات علا لإسناد الفعل فيها إلى الله تعالى والقراءة الأخرى بالياء وفتح الحاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله وأراد بقوله يوحي إليه قوله تعالى في سورة الأنبياء (إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، فقرأ حفص الجميع بالنون وكسر الحاء ووافقه حمزة والكسائي على الذي في الأنبياء ولا خلاف في الذي في أول الشورى (كذلك يوحى إليك أنه) ، بالياء واختلف في كسر الحاء وفتحها كما سيأتي وتقدم معنى شذا علا
(784)
وَثَانِيَ نُنْجِ احْذِفْ وَشَدِّدْ وَحَرِّكَنْ (كَـ)ـذَا (نَـ)ـلْ وَخَفِّفْ (كُـ)ـذِّبُوا (ثَـ)ـابِتاً تَلاَ

يريد حذف النون الثانية وتشديد الجيم وتحريك الياء بالفتح فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله من أنجى والقراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من أنجى وهو قوله تعالى (فنجي من نشاء) ، فالنون الأولى حرف المضارعة والثانية من أصل الفعل فالمحذوف في قراءة التشديد هي الأولى حقيقة لأن الفعل فيها ماض ولكن الناظم أراد حذف الثاني صورة لا حقيقة وكانت هذه العبارة أخصر لبقاء النون الأولى مضمومة فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول وضم الثانية ولولا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال أراد الثاني من فننجي لأن لفظ القرآن كذلك والثاني من فننجي هي النون الأولى وكان يستقيم له أن يقول وثاني فننجي احذف ولكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه والنون في قوله وحركنى نون التأكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف وقوله كذا نل دعاء للمخاطب بالنجاة وأما (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، فخفف الكوفيون الذال وثابتا حال من التخفيف وتلا بمعنى تبع ما قبله من القراءات الثابتة وقيل أراد تلا بالمد أي ذمة فالتشديد وجهه ظاهر هو من التكذيب ويكون ظنوا بمعنى تيقنوا وجوز أبو علي أن يكون بمعنى حسبوا والتكذيب من الكافر كان مقطوعا به فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة رضي الله عنها وأما قراءة التخفيف فمن قولهم كذبته الحديث أي لم أصدقه فيه ومنه (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) ، فالمفعول الثاني في الآيتين محذوف ثم في تأويل هذه القراءة وجوه أربعة اثنان على تقدير أن يكون الضمير في-وظنوا أنهم-الرسل واثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم وقد تقدم ذكرهم في قوله (عاقبة الذين من قبلهم) ، ولفظ الرسل أيضا دال على مرسل إليهم فإن عاد الضمير على المرسل وهو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله فله وجهان أحدهما وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به ولهذا

يقال رجا صادق ورجا كاذب وقوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أي جاءهم بغتة من غير موعد والوجه الثاني منقول عن ابن عباس قال وظن من أعطاهم الرضى في العلانية وأن يكذبهم في السريرة وذلك لطول البلاء عليهم أي على الأتباع وقد قيل في قراءة التشديد نحو من هذا روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم وفي صحيح البخاري عن عائشة في قراءة التشديد قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوا وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك فاتحد على ذلك معنى القراءتين وأما إن كان الضمير في-وظنوا أنهم-للمرسل إليهم فلتأويله وجهان أحدهما وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر والثاني وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم وهذا قول يحكى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فقال الضحاك ابن مزاحم وكان حاضرا لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا قال أبو علي وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء ولا إلى صالحي عباد لله قال وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا لأن الله لا يخلف الميعاد ولا مبدل لكلمات الله قلت وإنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفى معناه على من عبر بهذه العبارة والله أعلم
(785)
وَأَنِّي وَإِنَّى الْخَمْسُ رَبِّي بِأَرْبَعٍ أَرَانِي مَعاً نَفْسِي لَيُحْزِنُنِي حُلاَ

أني وما عطف عليه مبتدا وحلا خبره والخمس نعت لإنى المكسورة وحدها والمفتوحة واحدة وهي-أني أوف الكيل-فتحها نافع وحده والخمس المكسورة-إني أراني-مرتين فتحهما نافع وأبو عمرو-إني أرى سبع بقرات-إني أنا أخوك-إني أعلم من الله-فتحهن الحرميان وأبو عمرو وربي في أربعة مواضع و-ربي أحسن مثواي-فتحها أيضا الحرميان وأبو عمرو-ذلكما مما علمني ربي إني تركت-إلا ما رحم ربي إن-سوف استغفر لكم ربي إنه-فتحهن نافع وأبو عمرو وأراني معا يعني أراني أعصر-أراني أحمل-فتحهما الحرميان وأبو عمرو-وما أبريء نفسي إن-فتحها نافع وأبو عمرو-وقال إني ليحزنني-فتحها الحرميان فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين وعشرين ثم ذكر الثماني الباقية فقال
(786)
وَفِي إِخْوَتِي حُزْنِي سَبِيلِي بِي وَلِي لَعَلِّي آبَاءِي أَبِي فَاخْشَ مَوْحَلاَ

أراد-وبين إخوتي إن-فتحها ورش وحده-وحزني إلى الله-فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر- هذه سبيلي أدعو-فتحها نافع وحده-بي إذ أخرجني-لي أبي-فتحهما نافع وأبو عمرو-لعلي أرجع-فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر-ملة آبائ إبراهيم كذلك-أبي أو يحكم-فتحها الحرميان وأبو عمرو وقوله وفي إخوتي تقديره والياءات المختلف فيها أيضا في هذه الألفاظ إخوتي وما بعده وقوله فاخش موحلا يعني في عددها واستخراج مواضعها فإنها ملبسة لا سيما قوله الخمس فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة وتقرأ الأولى بالكسر وإنما هو نعت للمكسورة والأولى مفتوحة وقد يظن أن الخمس نعت لهما ومجموعهما خمسة مواضع أحدهما اثنان والآخر ثلاثة كما قال وفي مريم والنحل خمسة أحرف وقال-تسؤ-و-نشأ- ست أي مجموعهما ست كل واحد ثلاثة وقد تقدم بيان ذلك أو فاخش غلطا في استخراجها من السورة فلا تعد ما ليس منها نحو-إن ربي لطيف لما يشاء-إني حفيظ عليم-ونحو ذلك ولا خلاف في تسكينه والموحل مصدر وحل الرجل بكسر الحاء إذا وقع في الوحل بفتح الحاء وهو الطين الرقيق وقال الشيخ رحمه الله أي فاخش موحلا في إخوتي وما نسق عليه كما تقول وفي دار عمرو فاجلس وفيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه في الحالين-حتى تؤتوني موثقا-أثبتها ابن كثير في الحالين وأبو عمرو في الوصل-من يتقي ويصبر-أثبتها قنبل وحده وقلت في ذلك ، (روائدها نرتع وتؤتون موثقا ومن يتقي أيضا ثلاث تجملا)
سورة الرعد
(787)
وَزَرْعٌ نَخِيلٌ غَيْرُ صِنْوَانٍ أَوَّلاَ لَدى خَفْضِهَا رَفْعٌ (عَـ)ـلَى (حَقُّهُ) طَلاَ

يريد الخفض رفع في هذه الكلمات الأربع وهي قوله تعالى-وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان-وقوله أولا قيد لصنوان ونصبه على الظرف بعامل مقدر أي الواقع أولا احترز بذلك من صنوان الذي بعد غير فإنه مخفوض اتفاقا لأنه مضاف إليه ووجه الرفع في هذه الكلمات أنه عطف-وزرع ونخيل-على قوله-وفي الأرض قطع متجاورات وجنات-أي فيها ذا وذا-وزرع ونخيل-وقوله صنوان نعت لنخيل وغير عطف على صنوان والصنوان جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا وفيه النخلتان والثلاث والأربع وصنو الشيء مثله الذي أصلهما واحد وفي الحديث عم الرجل صنو أبيه ويتعلق بهذه اللفظة بحث حسن يتعلق بصناعة النحو من جهة أن صنوان جمع تكسير وقد سلم فيه لفظ المفرد كما يسلم في جمع السلامة وقد ذكرت ذلك في المجموع من نظم المفصل ووجه قراءة الخفض في هذه الكلمات الأربع أنها عطفت على أعناب أي احتوت الجنات التي في الأرض على أعناب وزرع ونخيل كما قال تعالى في موضع آخر (وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب) ، وقال تعالى (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب) ، وقال تعالى (جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) ، وقال في سورة الأنعام (وجنات من أعناب) ، وذكر الزرع والنخل قبل ذلك وقال في آخر السورة (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع) ، فعطف النخل والزرع على جنات فهذا موافق لقراءة الرفع هنا وكل واحد من هذه الأنواع موجود فجاءت الآيات والقراءات على وجوه ما الأمر عليه وقوله طلا في موضع نصب على التمييز وهو جمع طلية وهو العنق أي علت أعناق حقه ومنه المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة إشارة إلى أمنهم وسرورهم ذلك اليوم الذي يحزن فيه الكافر ويخجل فيه المقصرون وهذا البيت أتى به الناظم مقفى كما فعل في أول سورة الأنبياء وفي سأل وباب التكبير كما يأتي وهو أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال ، (وقل قال عن شهد وآخرها علا )

، (إلى نصب فاضمم وحرك به علا ) ، (روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا ) ، وذلك جائز في وسط القصيدة جوازه في أولها كما فعل امرء القيس في التفريع ، (ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في الزمن الخالي) ، ثم قال بعد بيتين آخرين ، (ديار لسلمى عافيات بذي الحال ) ، (عليها كل أسحم هطال ) ، وقال في التقفية في أثناء قصيدته المشهورة ، (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) ، (أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي)
(788)
وَذَكَّرَ تُسْقَى عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَقُلْ بَعْدَهُ بِالْيَا يُفَضِّلُ (شُـ)ـلْشُلاَ
التذكير على تقدير يسقى المذكور والتأنيث على تسقى هذه الأشياء ويفضل بعضها بالياء والنون ظاهر أن النون للعظمة والياء رد إلى اسم الله في قوله (الله الذي رفع) ، وما بعده وشلشلا حال من فاعل قل أي خفيفا والله أعلم
(789)
وَمَا كُرِّرَ اسْتِفْهَامُهُ نَحْوُ آئِذَا أَئِنَّا فَذُو اسْتِفْهَامٍ الْكُلُّ أَوَّلاَ

أي كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب في آية واحدة أو كلام واحد نحو هذا الذي وقع في سورة الرعد وهو (أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، وهذا قد جاء في القرآن في أحد عشر موضعا هذا أولها وفي سبحان موضعان كلاهما (أئذا كنا عظاما ورفاتا إءِنا لمبعوثون خلقا جديدا) ، وفي-قد أفلح-(قالوا أءذا كنا وترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) ، وفي النمل (أءذا كنا ترابا وآباؤنا أءنا لمخرجون) ، وفي العنكبوت (أءنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أءنكم لتأتون الرجال) ، وفي ألم السجدة (أءذا ضللنا في الأرض أءنا لفي خلق جديد) ، وفي الصافات موضعان (أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) ، والثاني مثله (أءنا لمدينون) ، وفي الواقعة (وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) ، وفي النازعات (أءنا لمردودون في الحافرة أءذا كنا عظاما نخرة) ، وقد جمعت ذلك في بيتين وقلت ، (بواقعة قد أفلح النازعات سجدة عنكبوت الرعد والنمل أولا) ، (وسبحان فيها موضعان وفوق صاد أيضا فإحدى عشرة الكل مجتلا) ، ونظمته على بحر البسيط فقلت ، (رعد قد أفلح نمل عنكبوت وسجدة واقعة والنازعات ولا) ، (وموضعان بسبحان ومثلهما فويق صاد فإحدى عشرة النملا) ، فالجميع واقع في أنه واحد على لفظ واحد وما نظمه صاحب القصيدة-أءذا-أءنا إلا في موضعين في النازعات فإنه في آيتين متجاورتين ولفظه على عكس ما ذكره وهو-أءنا-وأءذا-والذي في العنكبوت في آيتين ولكنه بلفظ آخر متحد وهو-أءنكم-أئنكم-فما أراد الناظم بقوله نحو-أءذا-أءنا-إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه فإن قلت قد تكرر في سورة والصافات-يقول (أءنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون) ، فيأخذ الوسط مع الذي قبله أما الذي بعده قلت بل مع الذي بعده فإنهما اللفظان ونص عليهما الناظم فلا معدل عنهما إلا إذا لم يجدهما كما في العنكبوت كيف وإن أتتك قد تقدم

ذكرها في باب الهمزتين من كلمة فإن لم يذكر ثم شيئا من الاستفهامين وإن كان الجميع لا خلف عن هشام في مده وضابطه أن يتكرر الاستفهام وفي كل واحد همزتان وإلا فقد يوجد أحد الشرطين ولا يكونا من هذا الباب بيانه أن المتكرر يوجد وليس في كل واحد همزتان كالذي في قصة لوط في سورة الأعراف (أتأتون الفاحشة)-(أئنكم لتأتون) ، فهذا استفهام مكرر لكن الأول همزة واحد والثاني كذلك في قراءة نافع وحفص وفي قراءة غيرهما ويوجد الهمزتان ولا يكرر وهذا كثير نحو (أئن لنا لأجرا)-(أئنك لأنت يوسف)-(أئنا لمغرمون) ، كل ذلك يقرأ بالاستفهام والخبر وليس من هذا الباب ومنه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو (أئذا ما مت)-(أئنا لتاركوا آلهتنا)-(أئنك لمن المصدقين)-(أئن ذكرتم) ، ولفظ الناظم بقوله-أئذا-أئنا-مد الأول وقصر الثاني لأجل الوزن وكلاهما قريء به كما بينه ولكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثاني بل منهم من مدهما ومنهم من قصرهما في جميع هذه المواضع ثم بين النظام اختلاف القراء في هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة فقال فذو استفهام الكل أولا أي كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام أي بهمزتين والتحقيق والتسهيل يوجدان من أصولهم في ذلك ونصب قوله أولا على الظرف أي أول الاستفهامين يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك وهو في الثاني أي والإخبار في اللفظ الثاني على ما سنبينه ولو كان قال الأول بالألف واللام ولو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام لأنه مصدر لكان جائزا ويكون معنى استفهموه جعلوه بلفظ الاستفهام فقوله الكل مبتدأ وذو استفهام خبره مقدم عليه والجملة خبر وما كرر استفهامه والعائد إليه محذوف أي الكل ذو استفهام فيه أولا ويجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء والمعنى الأول لقوله بعده سوى نافع وعلى المعنى الثاني نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع والله أعلم
(790)

سِوَى نَافِعٍ فِي النَّمْلِ وَالشَّامِ مُخْبِرٌ سِوَى النَّازِعَاتِ مَعْ إِذَا وَقَعَتْ وِلاَ
أي استثنى نافع وحده الذي في النمل فقرأ الأول فيه بالإخبار أي بهمزة واحدة ( أءذا كنا ترابا) ، ووافق الجماعة كلهم في المواضع الباقية على الاستفهام في الأول ثم ذكر قراء ابن عامر وهي أنه يقرأ بالإخبار في جميع المواضع ما عدا النمل واستثنى له أيضا من غير النمل الواقعة والنازعات فلزم من ذلك أن الأول في النازعات والواقعة لم يقرأه أحد بالإخبار والذي في النمل الإخبار فيه لنافع وحده وما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده إلا الذي في العنكبوت فإنه وافقه على الإخبار في الأول جماعة كما يأتي في البيت الآتي فهذا معنى قوله والشام مخبر يعني في غير النمل سوى كذا وكذا وولا في آخر البيت بكسر الواو أي والشام مخبر متابعة فهو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله فكأن أصحاب الناظم رحمه الله قد استشكلوا استخراج ذلك لأنهم قدروا قوله فذوا استفهام الكل أولا سوى نافع فبذلك فسره الشيخ ونظم هذا المعنى في بيتين نذكرهما وإذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف في موضع واحد وليس هو في السورة التي النظم فيها ثم رام بيانه في جملة المواضع وعكس هذا أولى فغير الشاطبي هذا البيت بمادل على أن مراده فذو استفهام الكل في جميع المواضع فقال ، (سوى الشام غير النازعات وواقعه له نافع في النمل أخبر فاعتلا) ، أي نافع وحده قرأ في النمل بالإخبار ودل على أنه منفرد بذلك أنه لم يعد ذكر ابن عامر معه وذلك لازم كما بيناه قوله رمى صحبة وفي غير ذلك قال الشيخ رحمه الله ومعنى البيتين يعود إلى شيء واحد والأول أحسن وعليه أعول ، قلت في البيت الثاني تنكير لفظ واقعة وإسكانها وذلك وإن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى وقوله له زيادة لا حاجة إليها قال ولو قال الناظم رحمه الله فالاستفهام في النمل أولا ، (خصوص وبالإخبار شام بغيرها سوى النازعات

مع إذا وقعت ولا) ، لارتفع الإشكال وظهر المراد والخاء في خصوص رمز
(791)
وَ(دُ)ونَ (عِـ)ـنَادٍ (عَمَّ) فِي الْعَنْكَبُوتِ مُخْبِرًا وَهْوَ في الثَّانِي (أَ)تَى (رَ)اشِدًا وَلاَ
أي تابع ابن كثير وحفص ونافع وابن عامر في الإخبار في أول الذي في العنكبوت فقرءوا-إنكم-بهمزة إن المكسورة وهذا أحد المواضع التي رمز فيها بعد الواو الفاصلة في كلمة واحدة ومخبرا حال من الضمير في عم وهو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا في نحو وخاطب عما تعلمون ، ثم قال وهو يعني الإخبار في الثاني أي في الاستفهام الثاني في كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه وكل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف في الأول ، وقوله أتى راشدا رمز لنافع والكسائي فهما المخبران في الثاني فقرأ-إنا-بهمزة واحدة مكسورة ورشدا حال أو مفعول به أي أتى الإخبار قارئا راشدا وولا بفتح الواو في موضع نصب على التمييز أي راشداً ولاؤه وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا
(792)
سِوَى الْعَنْكَبُوتِ وَهْوَ فِي الْنَّمْلِ (كُـ)ـنْ (رِ)ضَا وَزَادَاهُ نُونًا إِنَّنَا عَنْهُمَا اعْتَلاَ
أي لم يقرأ أحد في ثاني العنكبوت بالإخبار وهو يعني الإخبار في ثاني النمل لابن عامر والكسائي وأما نافع فاستفهم كالباقين لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق وكذا فعل في العنكبوت لما أخبر في الأول استفهم في الثاني وابن عامر لما كان مستفهما في أول النمل على خلاف أصله أخبر في الثاني هنا على خلاف أصله أيضا ثم قال وزاده نونا أي زاد ابن عامر والكسائي الثاني في النمل نونا فقراءة (إئنا لمخرجون) ، والباقون بنون واحدة والاستفهام-أئنا-ثم قال
(793)
وَ(عَمَّ) (رِ)ضاً فِي النَّازِعَاتِ وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ وَامْدُدْ (لِـ)ـوَى (حَـ)ـافِظٍ (بَـ)ـلاَ

رضى في موضع نصب على التمييز أي عم رضا الإخبار في ثاني النازعات فقريء-إذا كنا-بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا والكسائي في أصلهما الذي هو الإخبار في الثاني لأنه يقرأ-الأول بالاستفهام فهو كما قرأ في النمل وكان القياس أن يفعل في الواقعة كذلك لكنه استفهم في الموضعين كما أن الكسائي استفهم في موضعي العنكبوت فخالفا أصلهما فيهما والباقون على الاستفهام مطلقا وهم على أصولهم في ذلك لأنه اجتمع في قراءتهم بالاستفهام همزتان في الأول وهمزتان في الثاني ، فمن مذهبه تحقيق الهمزتين وهم الكوفيون وابن عامر حقق ، ومن مذهبه تسهيل الثانية سهل وهم الحرميان وأبو عمرو على ما تمهد في باب الهمزتين من كلمة ، ومن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدهنا وهم أبو عمرو وقالون وهشام وقد رمزهم هنا بقوله وامدد لوى حافظ بلا وإنما اعتنى ببيان ذلك ولم يكتف بما تقدم في باب الهمزتين من كلمة إعلاما بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه بخلاف ما تقدم في الباب المذكور وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه في مدها فهذا الباب كذلك وقوله وامدد لوى أراد لوا الممدود فقصره ضرورة وهو مفعول امدد وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره لأن مده نشره بعد طيه فكأنه يقول انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم ومعنى ابتلا اختبر وهو صفة لحافظ وأشار الشيخ إلى أن لوى في موضع نصب على الحال أي في علو لواء الحافظ وشهرته واعلم أن القراءة بالاستفهام في هذه المواضع في الأصل وهو استفهام الإنكار والتعجب ومن قرأ بالخبر في الأول أو الثاني استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر وهو مراد فيه ومن جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا والعامل في إذا من قوله-إذا كنا-في أول المواضع التسع وثاني النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده في الأول وما قبله في الثاني ، تقديره أنبعث إذا كنا ترابا أنرد إذا كنا عظاما نخرة ومن قرأ بالإخبار في ثاني النازعات جاز أن يتعلق إذا

بما قبله وهو-لمردودون-وأما الإخبار في باقي المواضع فلفظه إنا فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله نص عليه أبو علي وأما الموضع الحادي عشر وهو الذي في العنكبوت فليس فيه لفظ إذا فالأمر فيه ظاهر
(794)
وَهَادٍ وَوَالٍ قِفْ وَوَاقٍ بِيَائِهِ وَبَاقٍ (دَ)نَا هَلْ يَسْتَوِي (صُحْبَةٌ) تَلاَ
يعني حيث وقعت هذه الكلم في هذه السورة أو غيرها نحو (ولكل قوم هاد)-(ومن يضلل الله فما له من هاد)-(وما لهم من دونه من وال)-(وما لهم من الله من واق)-(ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) ، ابن كثير يقف بالياء على الأصل وأنما حذفت في الوصل لاجتماعها مع سكون التنوين فإذا زال التنوين بالوقف رجعت الياء والباقون يحذفونها تبعا لحالة الوصل وهما لغتان والحذف أكثر وفيه متابعة الرسم وأما ما يستوي المختلف فيه فهو قوله تعالى-أم هل تستوي الظلمات والنور-لما كان تأنيث الظلمات غير حقيقي جاز أن يأتي الفعل المسند إليها بالتذكير والتأنيث فقراءة صحبة بالتذكير وإطلاق الناظم له دال على أنه ذلك وقبل هذا-هل يستوي الأعمى والبصير لا خلاف في تذكيره إذ لا يتجه فيه التأنيث مع تذكير الفاعل فلم يحتج إلى أن يقيد موضع الخلاف بأن يقول الثاني أو نحو ذلك وقد سبق في الأصول أن هذا الموضع لا إدغام فيه لأحد من القراء لأن من مذهبه إدغام لام هل عند التاء وهما حمزة والكسائي قرآ هنا بالياء وهشام استثنى هذا الموضع من أصله وفي تلا ضمير يعود على صحبه لأن لفظه مفرد والله أعلم
(795)
وَبَعْدُ (صِحَابٌ) يُوْقِدُونَ وَضَمُّهُمْ وَصُدُّوا (ثَـ)ـوَى مَعْ صُدَّ فِي الطَّوْلِ وَانْجَلاَ

أي وبعد يستوي قراءة صحاب يوقدون بالغيبة ردا إلى قوله تعالى-أم جعلوا لله-وقراءة الباقين بالخطاب ظاهرة وصدوا ثوى مع صدأى أقام الضم في-وصدوا- مع الضم في-وصد عن السبيل-في غافر للكوفيين والباقون بفتح الصاد وتوجيه القراءتين ظاهر لأن الله تعالى لما صدهم عن سبيله صدوهم لا راد لحكمه والضمير في وضمهم للقراء أهل الأداء وهو يوهم أنه ضمير صحاب ولا يمكن ذلك لأجل أبي بكر ولأن ثوى حينئذ لا يبقى رمزا مع التصريح
(796)
وَيُثْبِتُ فِي تَخْفِيفِهِ (حَقُّ نَـ)ـاصِرٍ وَفِي الْكَافِرِ الْكُفَّارُ بِالْجَمْعِ (ذُ)لِّلاَ
يريد (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، التخفيف والتشديد لغتان من أثبت وثبت مثل أنزل ونزل والكافر في قوله تعالى-وسيعلم الكافر-أريد به الجنس ووجه الجمع ظاهر ولهذا قال ذللا أي سهل معناه حين جمع والله أعلم وفيها زائدة واحدة-الكبير المتعال-أثبتها في الحالين ابن كثير وحده وقلت في ذلك ، (ولا ياء فيها للإضافة وارد وفي المتعالي زائد قد تحصلا)
سورة إبراهيم
(797)
وَفِي الْخَفْضِ فِي اللهِ الَّذِي الرَّفْعُ (عَمَّ) خَالِقُ امْدُدْهُ وَاكْسِرْ وَارْفَعِ الْقَافَ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد اسم الله تعالى الذي في قوله (إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له) ، فرفعه على الابتداء والخفض على البدل من-العزيز الحميد-أو هو عطف بيان وأما-ألم تر أن الله خلق السموات-فقرأه حمزة والكسائي-خالق-على أنه اسم فاعل فمدا بعد الخاء وكسرا اللام ورفعا القاف لأنه خبر-أن-وقراءة الباقين خلق على أنه فعل ماض ثم قال
(798)
وَفِي النُّورِ وَاخْفِضْ كُلَّ فِيهَا وَالأرْضَ هَاهُنَا مُصْرِخِيَّ اكْسِرْ لِحَمْزَةَ مُجْمِلاَ

أي وافعل مثل ذلك في سورة النور في قوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء) ، واخفض لفظ-كل-فيها بإضافة خالق إليه والباقون نصبوا-كل-لأنه مفعول خلق وقوله-والأرض-ههنا أي واخفض لفظ الأرض في سورة إبراهيم على قراءة حمزة والكسائي لأنه معطوف على السموات والسموات في قراءتهما مخفوضة لإضافة خالق إليها والسموات في قراءة غيرهما مفعولة بقوله خلق فهي منصوبة وإنما علامة نصبها الكسرة فلما اتحد لفظ النصب والجر لم يحتج إلى ذكر السموات وذكر ما عطف عليها وهو الأرض لأن فيها يبين النصب من الجر فمن كانت السموات في قراءته منصوبة نصب الأرض بالعطف عليها وقرأ حمزة-وما أنتم بمصرخي-بكسر الياء المشددة وقرأ الباقون بفتحها وهو الوجه لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا سكن ما قبلها أو تحرك وقوله مجملا يعني في تعليل قراءة حمزة وهو من قولهم أحسن وأجمل في قوله أو فعله أي اكسر غير طاعن على هذه القراءة كما فعل من أنكرها من النحاة ثم ذكر وجهها فقال
(799)
كَهَا وَصْلٍ أَوْ لِلسَّاكِنَينِ وَقُطْرُبٌ حَكَاهَا مَعَ الْفَرَّاءِ مَعْ وَلَدِ الْعُلاَ

ذكر لها وجهين من القياس العربي مع كونها لغة محكية وإنما تكلف ذلك لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة ونسبوها إلى الوهم واللحن قال الفراء في كتاب المعاني وقد خفض الياء من مصرخي الأعمش ويحيى بن وثاب جميعا حدثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب ، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى فإنه قل من سلم منهم من الوهم ولعله ظن أن الياء في -مصرخي-حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك قال ومما نرى أنهم أوهموا فيه-نوله ما تولى ونصله-بالجزم ظنوا أن الجزم في الهاء ثم ذكر غير ذلك مما لم يثبت قراءة وقد تقدم وجه الإسكان في -نوله-ونحوه وسنقرر كسر ياء-بمصرخي-وقال أبو عبيد أما الخفض فإنا نراه غلطا لأنهم ظنوا أن الياء التي في قوله-بمصرخي-تكسر كل ما بعدها قال وقد كان في القراء من يجعله لحنا ولا أحب أن أبلغ به هذا كله ولكن وجه القراءة عندنا غيرها قال الزجاج هذه القراءة عند جميع النحويين ردية مرذولة ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر وبعض النحويين يعني القراء فذكر ما سنذكره في الحركة لالتقاء الساكنين ، وقال ابن النحاس قال الأخفش سعيد ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين قال أبو جعفر قد صار هذا بإجماع لا يجوز ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره ما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردي بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح ، قلت يستفاد من كلام أهل اللغة في هذا ضعف هذه القراءة وشذوذها على ما قررنا في ضبط القراءة القوية والشاذة وأما عدم الجواز فلا فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها قال أبو علي قال الفراء في كتابه في التصريف زعم القاسم بن معن أنه صواب قال وكان ثقة بصيرا وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء

وأنشد ، (ماض إذا ما هم بالمضى قال لها هل لك يا قافي) ، قال وقد أنشد الفراء ذلك أيضا ، قلت فهذا معنى قول الناظم وقطرب حكاها مع الفراء فالهاء في حكاها ضمير هذه اللغة ولم يتقدم ذكرها ولكنها مفهومة من سياق الخفض في تقرير هذه القراءة فهو مثل قوله تعالى-(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها)-أي عالي مدائن قوم لوط ولم يتقدم لها ذكر ولكن علم ذلك من سياق القصة وقال الفراء في كتاب المعاني وقد سمعت بعض العرب ينشد ، (قال لها هل لك يا قافي قالت له ما أنت بالمرضي) ، فخفض الياء من في فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقي من الساكنين وتمام كلام سننقله فيما بعد فانظر إلى الفراء كيف يتوقف في صحة ما أنشده ومعناه يا هذه هل لك في قال الزجاج هذا الشعر مما لا يلتفت إليه وعمل مثل هذا سهل وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب ولا هو مما يحتج به في كتاب الله تعالى اسمه وقال الزمخشري هي قراءة ضعيفة واستشهدوا لها ببيت مجهول فذكره ، قلت ليس بمجهول فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلي الرجز ورأيته أنا في أول ديوانه وأول هذا الزجر ، (أقبل في ثوبي معافري بين اختلاط الليل والعشى) ، وهذه اللغة باقية في أفواه الناس إلى اليوم يقول القائل ما في أفعل كذا وفي شرح الشيخ قال حسين الجعفي سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء فأجازه وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياآت من طرق قال خلاد المقريء حدثنا حسين الجعفي قال قلت لأبي عمرو ابن العلاء إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها فقال هي جائزة أيضا إنما أراد تحريك الياء فليس يبالي إذا حركتها وفي رواية لا تبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق وفي رواية سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال من شاء فتح ومن شاء كسر وقال خلف سمعت حسين الجعفي يروي عن أبي عمرو بن العلاء فقال إنها بالخفض حسنة وقال محمد بن عمر الرومي حدثني الثقة عن حسين الجعفي قال قدم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن

فوجدته به عالما فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته-وما أنتم بمصرخي-بالجر فقال جائزة قال فلما أجازها أبو عمرو وقرأ بها الأعمش أخذت بها قال وهي عند أهل الأعراب ليست بذاك فهذا معنى قول الناظم مع ولد العلا يعني أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التي توصل بواو إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة ووجه المشابهة أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة لأن الصلة ليست من مذهبه ومعنى المصرخ المغيث وأصل مصرخي مصرخيني حذفت النون للإضافة فالتقت الياء التي هي علامة الجر مع ياء الإضافة فأدغمت فيها وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه هو الذي اعتمد عليه أبو علي في كتاب الحجة فقال وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في أكرمتك وهذا لك فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا لهو وضربهو ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ولحقت التاء الزيادة في نحو قول الشاعر ، (رميتيه فأصميت وما أخطأت الرمية) ، كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد فقالوا في ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال له أرقان وزعم أبو الحسن أنها لغة ، قلت ليس التمثيل بقوله له أرقان مطابقا لمقصوده فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها وليس مراده إلا حذف الصلة فقط فالأولى لو كان مثل بنحو عليه وفيه ثم قال أبو علي وكما حذفت الزيادة من الكاف فقيل أعطيتكه وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت

من أختها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر قال فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة بذلك لحن لاستقامة ذلك في السماع والقياس وما كان كذلك لا يكون لحنا قلت فهذا معنى قول الشاطبي رحمه الله كها وصل أي نزلت الياء في-مصرخي-منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها وهو الياء ثم حذفت الصلة منها كما تحذف من الهاء ، الوجه الثاني أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أي أو يكون الكسر في-بمصرخي-لأجل التقاء الساكنين وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا ولم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر ولأنها مدغمة في الثانية فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل في التقاء الساكنين وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا وتبعه فيه الناس قال الزجاج أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء الساكنين الكسر قال الفراء ألا ترى أنهم يقولون لم أره منذ اليوم ومذ اليوم والرفع في الذال هو الوجه لأنه أصل حركة منذ والخفض جائز فكذلك الياء من-مصرخي-خفضت ولها أصل في النصب قال الزمخشري كأنه قدر ياء الإضافة ساكنة ولكنه غير فصيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو-عصاي-فما بالها وقبلها ياء وقال بعضهم كسرها إتباعا للكسرة التي بعدها كما قرأ بعضهم الحمد لله بكسر الدال إتباعا لكسر اللام بعدها فكما تقول العرب بعير وشعير ورحيم بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها فهذا وجه ثالث وكلها ضعيفة والله أعلم
(800)
وَضُمَّ (كِـ)ـفَا (حِصْنٍ) يَضِلُّوا يَضِلَّ عَنْ وَأَفْئِدَةً بِالْيَا بِخُلْفٍ (لَـ)ـهُ وَلاَ

الكفا بكسر الكاف النظير والمثل أي ضم مماثلا لحصن فهو في موضع نصب على الحال وهو ممدود قصره ضرورة كما قصر الهاء في قوله في البيت السابق كها وصل يريد ضموا الياء من-ليضلوا عن سبيله-ومن ، (ليضل عن سبيل الله)في الحج ولقمان و (ليضل عن سبيله) في الزمر ، ووجه القراءتين ظاهر وقال صاحب التيسير هشام من قراءتي علي أبي الفتح-أفئدة من الناس-بياء بعد الهمزة قال وكذلك نص عليه الحلواني عنه قال الشيخ وذكر أبو الفتح في كتابه في قراءة السبعة وروى هشام وحده عن ابن عامر-فاجعل أفئدة-بياء ساكنة بعد الهمزة قال وهذه القراءة وجهها الإشباع والإشباع أن تزيد في الحركة حتى تبلغ بها الحرف الذي أخذت منه والغرض بذلك الفرق بين الهمزة والدال لأنهما حرفان شديدان والولاء مصدر ولى ولاء قلت الولاء النصر وهذه أيضا قراءة ضعيفة بعيدة عن فصاحة القرآن وقل من ذكرها من مصنفي القراءات بل أعرض عنها جمهور الأكابر ونعم ما فعلوا فما كل ما يروى عن هؤلاء الأئمة يكون مختارا بل قد روى عنهم وجوه ضعيفة وعجيب من صاحب التيسير كيف ذكر هذه القراء مع كونه أسقط وجوها كثيرة لم يذكرها نحو ما نبهنا عليه مما زاده ناظم هذه القصيدة وهاهنا قراءة صحيحة تروى عن عاصم وأبي عمرو-وإنما نؤخرهم ليوم-بالنون ذكرها ابن مجاهد وغيره من كبار أئمة القراءة ولم يذكرها صاحب التيسير لأنها ليست من طريق اليزيدي وقد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير في آخر سورة أم القرآن وما وزان هذه القراءة إلا أن يقال في أعمدة وأتجدة أعميدة وأتجيدة بزيادة ياء بعد الميم والجيم وكان بعض شيوخنا يقول يحتمل أن هشاما قرأها بإبدال الهمزة ياء أو بتسهيلها كالياء فعبر الراوي لها بالياء فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة وإنما كان المراد بياء عوضا من الهمزة فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبي عمرو-بارئكم-و-يأمركم-ونحوه بإسكان حركة الإعراب وإنما كان ذلك اختلاسا

وفي هذه الكلمة قراءة أخرى ذكرها الزمخشري في تفسيره وإن كان قدوهم في توجيهها وهي بكسر الفاء من غير همز ووجهها أنها ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذفت فهذه قراءة جيدة وهي صورة ما يفعله حمزة في الوقف عليها ولعل من روى قراءة الإشباع كان قد قرأها بلا همز فرد هشام عليه متلفظا بالهمزة وأشبع كسرتها زيادة في التنبيه على الهمزة فظن أن الإشباع مقصود فلزمه ورواه والله أعلم
(801)
وَفِي لِتَزُولَ الْفَتْحُ وَارْفَعْهُ (رَ)اشِداً وَمَا كَانَ لِي إِنِّي عِبَادِيَ خُذْ مُلاً

يعني فتح اللام الأولى ورفع الثانية فالهاء في ارفعه لهذا اللفظ فإن على قراءة الكسائي مخففة من الثقيلة مبالغة في الإخبار بشدة مكرهم كقوله-ومكروا مكرا كبارا-أي قد كان مكرهم من كبره وعظمه يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالتها في ثباتها وعلى قراءة الباقين تكون إن إما شرطية أي وإن كان مكرهم معادلا إزالة أشباه الجبال الرواسي وهي المعجزات والآيات فالله مجازيهم بمكر أعظم منه وإما أن يكون إن نافية واللام في لتزول مؤكدة لها أي وما كان مكرهم بالذي يزيل ما هو بمنزلة الجبال وهي الشرائع ودين الله تعالى فإن قلت على هذا كيف يجمع بين القراءتين ، فإن قراءة الكسائي أثبتت أن مكرهم تزول منه الجبال وقراءة غيره نفته ، قلت تكون الجبال في قراءة الكسائي إشارة إلى أمور عظيمة غير الإسلام ومعجزاته لمكرهم صلاحية إزالتها والجبال في قراءة الجماعة إشارة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الحق فلا تعارض حينئذ والله أعلم ، وأريد حقيقة الجبال قراءة الكسائي كما قال سبحانه في موضع آخر (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) ، وفي قراءة غيره أريد بالجبال ما سبق ذكره ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ثلاثة في هذه السورة (وما كان لي عليكم من سلطان) ، فتحها حفص وحده (ربنا إني أسكنت) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (وقل لعبادي الذين آمنوا) ، فتحها هؤلاء وعاصم وملا جمع ملاءة أي خذ ذا ملاءة أي ذا حجج ووجوه مستقيمة وفيها ثلاث زوائد (وخاف وعيد) ، أثبتها في الوصل ورش وحده- بما أشركتمون من قبل-أثبتها في الوصل أبو عمر وحده-دعائي-أثبتها في الوصل أبو عمرو وحمزة وورش وأثبتها في الحالين البزي وحده وقلت في ذلك ، (دعائي بما أشركتمون وقوله وخاف وعيدي للزوائد أجملا)
سورة الحجر
(802)
وَرُبَّ خَفِيفٌ (إِ)ذْ (نَـ)ـمَا سُكِّرَتْ (دَ)نَا تَنزَّلُ ضَمُّ التَّا لِشُعْبَةَ مُثِّلاَ

يريد (ربما يود الذين كفروا) ، التخفيف والتشديد فيها لغتان ومعنى نما بلغ من قول الشاعر (من حديث نمى إلى عجيب ) ، أو من نمى المال إذا زاد لأن لفظة-رب-فيه لغات كثيرة وسكرت بالتخفيف أي حبست من قولهم وسكرت النهر وبالتشديد يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة وأن يكون بمعنى حيرت من السكر ويجوز أن يقرأ في البيت مخففا ومشددا والتخفيف أولى ليطابق الرمز بعده والتشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب وباللفظ استغنى عن القيد فيقرأ لابن كثير بالتشديد وإنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف كقوله (وفصل إذ ثنى وفي أحصن عن نفر العلا ) ، استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما وكذا في هذه السورة-منجوك-وقدرنا-وقوله-ما تنزل الملائكة-بضم التاء ظاهر وبفتحها على حذف إحدى التاءين أصله تتنزل الملائكة والله أعلم
(803)
وَبِالنُّونِ فِيهاَ وَاكْسِرِ الزَّايَ وَانُصِبِ الْمَلائِكَةَ المَرْفُوعَ عَنْ (شَـ)ـائِدٍ عُلاَ
أي واقرأ بالنون في هذه الكلمة موضع التاء واكسر الزاي فيصير-ينزل-على وزن يحول ويلزم من ذلك نصب الملائكة لأنه مفعول به ومن قرأ بالتاء رفع الملائكة لأنه فاعل على قراءة من فتح التاء ومفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها ولم ينبه على ضم النون وكان الأولى أن يذكره فيقول وبالنون ضما أي ضم ولا حاجة إلى قوله فيها لأنه معلوم وقوله المرفوع نعت الملائكة لأنه لفظ وقوله عن شائد علا أي ناقلا له عن عالم هذه صفته أي عن من بنى المناقب العلا ورفعها وحصليا بعلمه ومعرفته ولا خلاف في تشديد الزاي هنا وقد تقدم في البقرة
(804)
وَثُقِّلَ لِلْمَكِّيِّ نُونُ تُبَشِّرُونَ وَاكْسِرْهُ (حِرْمِيَّا) وَمَا الْحَذُفُ أَوَّلاَ

قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة لأنها العلامة لرفع الفعل ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرنني بنونين وياء الضمير المفعولة فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها في - أتحاجوني في الله-وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها كقراءة الجماعة في-أتحاجوني-ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت في نظائره من رءوس الآي نحو-عقاب-و-متاب- وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة وقوله حرميا حال من فاعل واكسره أي قارئا يقرؤه الحرمي أو من مفعوله لأنه فعل منسوب إلى الحرمي وقد سبق معنى وما الحذف أولا في سورة الأنعام يعني أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة وهو نافع حذف إحدى النونين وليس الحذف في الأولى منهما بل في الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه والتقدير وما وقع الحذف أولا ولو قال الأول على تقدير وما المحذوف الأول من التنوين لكان جائزا
(805)
وَيَقْنَطُ مَعْهُ يَقْنَطُونَ وَتَقْنَطُوا وَهُنَّ بِكَسْرِ النُّونِ (رَ)افَقْنَ (حُـ)ـمِّلاَ
يريد-قال ومن يقنط من رحمة ربه-وفي الروم-(إذا هم يقنطون)-وفي الزمر-(لا تقنطوا من رحمة الله)- فتح النون فيها وكسرها لغتان فماضي المفتوح قنط بالكسر وماضي المكسور قنط بالفتح وهي أفصح اللغتين وقد أجمعوا على الفتح في الماضي في قوله تعالى في الشورى-(من بعد ما قنطوا)-وحملا جمع حامل وقوله ويقنط مبتدأ ومعه يقنطون خبره أي هذه الكلمات اجتمعت واتحد لحكم فيها ثم ابتدأ مبينا حكمها فقال هن بكسر النون وفتحها ولو قال موضع وهن جميعا لكان أحسن وأظهر معنى والله أعلم
(806)
وَمُنْجُوهُمْ خِفٌّ وَفِي الْعَنْكَبُوتِ تُنْجِيَنَّ (شَـ)ـفَا مُنْجُوكَ (صُحْبَتُـ)ـهُ (دَ)لاَ

أي ذو خف أي خفيف أراد-إنا لمنجوهم أجمعين-لننجينه وأهله-إنا منجوك وأهلك-التخفيف والتثقيل فيها من أنجى ونجى كأنزل ونزل وهما لغتان خفف الثلاثة حمزة والكسائي ووافقهما أبو بكر وابن كثير على تخفيف منجوك ولو قال لمنجوهم خفف باللام بدل الواو لكان أحسن حكاية لما في الحجر ولا حاجة إلى واو فاصلة لظهور الأمر كما قال بعد ذلك قدرنا بها والنمل وقد مضى معنى دلا في مواضع وفيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة لأنه مفرد وهو كما سبق في الرعد صحبة تلا والله أعلم
(807)
قَدَرْنَا بِهَا وَالنَّمْلِ (صِـ)ـفْ وَعِبَادِ مَعْ بَناتِي وَأَني ثُمَّ إِنِّيِ فَاعْقِلاَ
يريد-إلا أمرأته قدرناها-وفي النمل التخفيف والتشديد فيهما أيضا لغتان واستغنى بقيد التخفيف في منجوهم عن القيد فيهما كما سبق في-سكرت-وهو من التقدير لا من القدرة ومثل ذلك سيأتي في الواقعة والمرسلات والأعلى ثم ذكر ياءات الإضافة وهي أربع -بناتي إن كنتم-فتحها نافع وحده-عبادي إني أنا-وقل إني أنا النذير-فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو
سورة النحل
(808)
وَيُنْبِتُ نُونٌ (صَـ)ـحَّ يَدْعُونَ عَاصِمٌ وَفِي شُرَكَائِيَ الْخُلْفُ فِي الْهَمْزِ (هَـ)ـلْهَلاَ

أي ذو نون يريد-ينبت لكم به الزرع-النون للعظمة والياء زد إلى اسم الله تعالى في قوله تعالى-(أتى أمر الله)-وما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله وعلى الله قصد السبيل-وهو الذي أنزل-ينبت لكم-ثم قال الناظم يدعون عاصم أي قرأه عاصم بالياء على الغيبة يريد-والذين يدعون من دون الله-لأن قبله-وبالنجم هم يهتدون-بالغيبة والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب ووجهه ما قبله من قوله-والله يعلم ما تسرون وما تعلنون- ، فإن قلت من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب ، قلت لعدم التقييد فهو أحد الأمور الثلاثة التي إطلاقه يغني عن قيدها وهي الرفع والتذكير والغيب ، فإن قلت لم لم يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق في-وتنبت-نون فيكون كما تقدم في-سكرت-وقدرنا ، قلت لا يستقيم لفظ النون في يدعون ولولا ذلك لاتجه هذا الاحتمال وروى البزي ترك الهمز في قوله-أين شركائي الذين كنتم-ولزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف لأجل الهمزة وهذا معنى قول بعض المصنفين بغير همز ولا مد قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى وإن سقطت الهمزة وإنما قرأ كذلك قصرا للمدود ولم يفعل ذلك في الذي في القصص وغيرها ولا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك لما ذكرناه مرارا أن الإطلاق لا يتناول إلا ما في السورة التي هو فيها وما شذ عن ذلك كالتوراة و-كائن-فهو الذي يعتذر عنه وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا في ضرورة الشعر فهذه قراءة ضعيفة أيضا فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف وعن قارئها فيها خلاف وترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر عن عاصم-تنزل الملائكة بالروح من أمره-بالتاء المضمومة وفتح الزاي ورفع الملائكة على ما لم يسم فاعله فهذه قراءة واضحة من جهة العربية وقد دونها الأئمة في كتبهم ولم يذكر قصر-شركائي-إلا قليل منهم فترى من قلت معرفته ولم يطلع إلا على كتاب التيسير ونحوه يعقد أن قصر-شركائي-من القرآت السبع وتنزل

الملائكة-ليس منها وكذا-إلا بشق الأنفس-ذكر أبو علي الأهوازي وغيره عن أبي عمرو وابن عامر أنه بفتح الشين ولهذا نظائر كثيرة وقول الناظم هلهل من قولهم هلهل النساج الثوب إذا خفف نسجه وثوب هلهل وشعر هلهل من ذلك فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه وإن كان اسما وهو منصوب على الحال أي استقر الخلف فيه في الهمز هلهلا يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز وضعف القراءة ، فإن قلت من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز ، قلت لأن تقدير كلامه الخلف في الهمز للبزي هلهلا قصده لا خلف في الهمز عن غير البزي وهو المراد والله أعلم
(809)
وَمِنْ قَبْلِ فِيهِمْ يَكْسِرُ النُّونَ نَافِع مَعًا يَتَوَفَّاهُمْ لِحَمْزَةَ وُصِّلاَ
يعني نون-تشاقون فيهم-وإنما لم يقله بهذه العبارة لأنها لا تستقيم في النظم إلا مخففة القاف ولم يقرأ أحد بذلك وكسر نافع وحده النون وفتحها الباقون والكلام في ذلك كما سبق في-تبشرون-في الحجر ، ولم يشدد أحد النون هنا وقوله معا هو حال من-يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم-الذين تتوفاهم الملائكة طيبين-قرأهما حمزة بالياء على التذكير وإطلاقه دل على ذلك والباقون قرءوهما بالتأنيث ووجههما ظاهر وفي وصلا ضمير تثنية
(810)
سَمَا (كـ)ـامِلاً يَهْدِي بِضَمٍّ وَفَتْحَةٍ وَخَاطِبْ تَرَوْا (شَـ)ـرْعاً وَاْلآخِرُ (فِـ)ـي (كِـ)ـلاَ

يريد-فإن الله لا يهدي من يضل-كما قال في موضع آخر-من يضلل الله فلا هادي له-أي من يضلله فلا يهدي فالفعل مبني لما لم يسم فاعله فقوله يهدي فاعل سما وكاملا حال منه وقرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الدال على إسناد الفعل إلى الفاعل أي لا يهدي الله من يضله أو يكون يهدي بمعنى يهتدي كما تقدم في يونس ثم قال الناظم وخاطب يروا يريد-أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء-أي اقرأه بالخطاب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه وشرعا مفعول مطلق أي شرع ذلك شرعا أو في موضع الحال أي ذا شرع فإن كان حالا من المفعول فتقديره مشروعا وإن كان من فاعل خاطب فتقدير ناطقا بما هو مشروع ثم قال والآخر بكسر الخاء يريد-ألم تروا إلى الطير مسخرات الخطاب فيه لحمزة وابن عامر والأول لحمزة والكسائي ولو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر لإبهامه فلم يعلم الذي قرأ الكسائي من الذي قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر وذلك قد يخفى وقد ترك الناظم الترتيب في مواضع وقوله في كلا أي في لفظ وحراسة وهو ممدود ووجه القراءتين في الموضعين ظاهر والله أعلم
(811)
وَرَا مُفْرَطُونَ اكْسِرْ (أَ)ضاَ يَتَفَيَّؤاُ الْمُؤَنَّثُ لِلْبَصْرِيِّ قَبْلُ تُقُبِّلاَ
أي ذا أضاء أو مشبها أضاء في الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة وهو الغدير والجمع بكسر الهمزة والمد كأكام وبفتحها والقصر كفتى ومفرطون بالكسر من أفرط في المعصية إذا تغلغل فيها وبالفتح أي مقدمون إلى النار من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء أو هم منسيون من رحمة الله من أفرطت فلانا خلفي إذا تركته ونسبته وأما يتفيؤ ظلاله-فهو في التلاوة قبل مفرطون أخره ضرورة النظم فلهذا قال قبل أي قبل مفرطون ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر لأن تأنيث الظلال غير حقيقي والله أعلم
(812)
وَ(حَقُّ صِحَـ)ـاب ضَمَّ نَسْقِيكُمُو مَمَا لِشُعْبَةَ خَاطِبَ يَجْحَدُونَ مُعَلَّلاَ

معا يعني هنا وفي-قد أفلح-ضم النون وفتحها لغتان فالضم من أسقى والفتح من سقى قال الشاعر فجمع بينهما ، (سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال) ، دعاء للجميع بما يخصب بلادهم وفي التنزيل (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) ، (وسقوا ماء حميما) ، (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) ، (وأسقيناكم ماء فراتا) ، وقيل الأصل في أسقى جعل له سقيا وفي سقى رواه من العطش ثم استعمل في المعنى الواحد لنقارب المعنيين وأجمعوا على الضم في الفرقان في قوله تعالى (لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه) ، وحكى فيه الفتح عن الأعمش وعاصم من رواية المفضل عنهما ثم قال الناظم لشعبة خاطب يجحدون يريد-أفبنعمة الله يجحدون-وجه الخطاب أن قبله-والله فضل بعضكم على بعض-ووجه الغيب أن قبله-فما الذين فضلوا-وأجاز معللا بفتح اللام وكسرها ووجه الجمع ظاهر
(813)
وَظَعْنِكُمْ إِسْكَانُهُ (ذَ)ائِعٌ وَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ النُّونُ (دَ)اعِيهِ (نُـ)ـوِّلاَ
إسكان العين في ظعن وفتحها لغتان كمعز ومعز ونهر ونهر وشعر وشعر فلهذا قال ذائع أي مشتهر مستفيض والنون في-ولنجزين الذين صبروا-والياء ظاهران ولا خلاف في التي بعدها-ولنجزينهم-أنه بالنون فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله الذين ويجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثان وبالنصب على أنه مفعول نول أي داعي نجزين نول النون فيه
(814)
(مَـ)ـلَكْتُ وَعَنْهُ نَصَّ الاخْفَشُ يَاءهُ وَعَنْهُ رَوَى النَّقَّاشُ نُوناً مُوَهَّلاَ

الميم في ملكت رمز ابن ذكوان أي أنه في جملة من روى عنه النون ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء فقال عنه يعني عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء ، وهو هارون بن موسى ابن شريك الدمشقي تلميذ ابن ذكوان وكان يعرف بأخفش باب الجابية والهاء في ياءه ترجع إلى لفظ-نجزين-المختلف فيه ثم قال وعنه يعني عن الأخفش روى النقاش وهو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادي المفسر وهو ضعيف عند أهل النقل روى عن شيخه الأخفش في قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا قال صاحب التيسير ابن كثير وعاصم-لنجزين الذين-بالنون وكذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان قال وهو عندي وهم لأن الأخفش ذكر ذلك في كتابه عنه بالياء وذكر الأهوازي في كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان وعن هشام أيضا وعن ابن عامر وأبي عمرو من بعض الطرق وقال قال النقاش أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان وقول الناظم موهلا هو حال من النقاش أو صفة للنون أي مغلطا يقال وهل في الشيء وعنه بكسر الهاء إذا غلط وسهى وهل وهلا ووهلت إليه بالفتح أهل وهلا ساكن الهاء إذا ذهب وهمل إليه فأنت تريد غيره مثل وهمت هكذا في صحاح الجوهري قال الشيخ موهلا من قولهم وهله فتوهل أي وهمه فتوهم وهو منصوب على الحال من النقاش أي منسوبا إلى الوهم فيما نقل يريد ما قال صاحب التيسير هو عندي وهم وقد ذكرناه والله أعلم
(815)
سِوَى الشَّامِ ضُمُّوا وَاكْسِرُوا فَتَنُوا لَهُمْ وَيُكْسَرُ فِي ضَيْقٍ مَعَ النَّمْلِ (دُ)خُلُلاَ

لهم أي لجميع القراء السبعة سوى الشامي فحذف ياء النسبة أو التقدير سوى قاريء الشام فحذف المضاف يريد-ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا-أي فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة رضي الله عنهم وهو موافق للآية الأولى-والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا-لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن عامر فتنوا بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء لأن الفتح ضد الضم والكسر معا ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث وسهيل بن عمرو وأضرابهم رضي الله عنهم وتكون القراءتان في الطائفتين الفاتنين والمفتونين وقيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر ومعنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون وقيل معنى فتنوا افتتنوا قال الشيخ روى أبو عبيد عن أبي زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من الحال الصالحة إلى السيئة وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن وقيل الضمير في فتنوا يعود إلى الخاسرون والمفعول محذوف أي من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون وأما-في ضيق مما يمكرون-هنا وفي النمل ففتح الضاد وكسرها لغتان كالقول والقيل وقيل المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت أي في أمر ضيق وقوله سوى الشامي استثنى من الضمير في لهم كما سبق ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر كقولك زيدا اكتب الكتاب له أي لابسه وخالطه بذلك ودخللا حال من قوله في ضيق أي هو دخيل مع الذي في النمل مشابه له في الكسر والله أعلم
سورة الإسراء
(816)
وَيَتَّخِذُوا غَيْبٌ (حَـ)ـلاَ لِيَسُوءَ نُونُ (رَ)اوٍ وَضَمُّ الْهَمْزِ وَالْمَدِّ (عُـ)ـدِّلاَ

أي ذو غيب حلو لأن قبله-لبني إسرائيل-والخطاب حكاية ما في الكتاب وهما مثل ما في البقرة-لا تعبدون إلا الله-كلاهما في بني إسرائيل والمعنى واحد ولو دخلت أن في الذي في البقرة لكانت-أن لا تعبدوا-مثل-أن لا تتخذوا سواء فاتحد اللفظ والمعنى وأما-ليسوءوا وجوهكم-فقراءة الكسائي بالنون ظاهرة لكثرة ما قبله من نونات العظمة وقرأ غيره بالياء فمن فتح الهمزة وقصره كما فعل الكسائي فالفاعل هو الله تعالى كما قال-سبحان الذي أسرى بعبده-وبعده-عسى ربكم-أو يكون الفاعل الوعد أو البعث وهذه قراءة ابن عامر وحمزة وأبي بكر وضم الهمز ومده حفص وهو المرموز في قوله عدلا والحرميان وأبو عمرو رمز لهم في البيت الآتي بقوله سما فالضمير المرفوع في-ليسوءوا-للعباد الذين هم-أولوا بأس شديد-واللام في-ليسوءوا-على القراءات الثلاث متعلقة بفعل مضمر أي بعثناهم ليقع ذلك وقول الناظم والمد بالرفع عطف على ضم الهمز
(817)
(سَمَا) وَيُلَقَّاهُ يُضَمُّ مُشَدَّداً (كَـ)ـفَى يَبْلُغَنَّ امْدُدْهُ وَاكْسِرْ (شَـ)ـمَرْدَلاَ
أراد كتابه يلقاه-أي يستقبل به وقرأ الباقون يلقاه بفتح الياء والتخفيف وذلك ظاهر المعنى والهاء للكتاب أو للإنسان لأن ما لقيك فقد لقيته-وإما يبلغن عندك الكبر-فمد بعد الغين أي زد ألفا واكسر النون المشددة فيصير يبلغان والضمير للوالدين وأحدهما بدل منه وهو فاعل على قراءة القصر والنون للتأكيد فيها والله أعلم
(818)
وَعَنْ كُلِّهِمْ شَدِّدْ وَفاً أُفِّ كُلِّهاَ بِفَتْحٍ (دَ)ناَ (كُـ)ـفْؤًا وَنَوِّنْ (عَـ)ـلَى (ا)عْتَلاَ

يعني أجمعوا على تشديد النون وهذا منه زيادة في البيان وإلا فهو معلوم مما تقدم لأنه لفظ بقوله يبلغن مشدد النون وأمر بكسرها ولم يتعرض للتشديد بنفي ولا إثبات فدل على أنه لا خلاف فيه وأما أف ففيها لغات كثيرة لم يقرأ فيها إلا بثلاث الفتح والكسر والتنوين مع الكسر وهي قراءة نافع وحفص وهو معنى قوله على اعتلا أي معتمدا على اعتلا قوله كلها بالجر تأكيد لأف يعني حيث جاء وهو هنا وفي الأنبياء والأحقاف والله أعلم
(819)
وَبِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ خِطْأً (مُـ)ـصَوَّب وَحَرَّكَهُ الْمَكِّي وَمَدَّ وَجَمَّلاَ
يريد-إن قتلهم كان خطأ-فلفظ بقراءة الجماعة وذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء والطاء وعبر عنه بالتحريك المطلق وهو الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو السكون وعبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو الكسر فدخل ابن كثير مع الباقين في هذا ولم يخالفهم فيه ولما خالفهم في إسكان الطاء تعرض له فقال وحركه المكي وزاد مدا بعد الطاء فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال خطأ خطأ كإثم إنما وهو في قراءة ابن ذكوان ضد الصواب وقيل هما لغتان كالحذر والحذر والمئل والمثل ، قال الزجاج وقد يكون من خطأ خطأ إذا لم يصب وقراءة ابن كثير خاطأ خطاء مثل خاطر خطارا ، قال أبو علي وإن لم يسمع خاطأ ولكن قد جاء ما يدل عليه وهو تخاطأ لأنه مطاوعه ، قال وقد قالوا أخطى في معنى خطى كما أن خطى في معنى أخطى ، قلت فإلى هذا أشار الناظم بقوله مصوب لأن قوما استبعدوا قراءة ابن ذكوان فقالوا الخطأ ما لم يتعمد وجوابه أنه استعمل في التعمد أيضا وقول الناظم خطأ مصوب مبتدأ وخبر أي هو مصوب بالفتح والتحريك فقابل بين لفظي الخطأ والتصويب وإخباره عن الخطأ بالتصويب من عجائب هذا النظم ومحاسنه والله أعلم
(820)
وَخَاطَبَ فِي يُسْرِفْ (شُـ)ـهُود وَضَمُّنَا بِحَرْفَيْهِ بِالْقِسْطَاسِ كَسْرُ (شَـ)ـذٍ (عَـ)ـلاَ

أي قراءة شهود أراد-فلا تسرف في القتل-الخطاب للولي أو الإنسان والياء للولي وضم القسطاس وكسره لغتان والهاء في بحرفيه للقسطاس والباء في بالقسطاس من نفس التلاوة أي وضمنا هذا اللفظ بموضعيه يعني هنا وفي الشعراء فأخبر عن الضم بالكسر على تقدير وموضع ضمنا كسر هؤلاء أي كسر ذوى شذا عال أي ذوى بقية حسنة وطيب فائق والله أعلم
(821)
وَسَيِّئَةً فِي هَمْزِهِ اضْمُمْ وَهَائِهِ وَذَكِّرْ وَلاَ تَنْوِينَ (ذِ)كْراً مُكَمَّلاَ
يريد-كل ذلك كان سيئة-فقوله ذلك إشارة إلى المنهى عنه وإذا ضممت الهمز والهاء وذكرت أي لم تجعل الهاء للتأنيث بل ضمير مذكر فلا تنوين حينئذ فيكون السيء مضافا إلى ما تقدم أي كان سيء المذكور مكروها فيكون ذلك إشارة إلى جميع ما تقدم مما وصى به الإنسان وفيه حسن وهو المأمور به وسيء وهو المنهي عنه ومكروها على القراءة بالتأنيث خبر لكان بعد خبر وقوله ذكرا مكملا مصدر مؤكد من لفظ ذكر وإن لم يكن مصدره أراد تذكيرا مكملا ويجوز أن يكون فعله مضمرا أي ذكرت ذلك ذكرا مكملا لجميع قيوده وقال الشيخ التقدير أذكر ذكرا والله أعلم
(822)
وَخَفِّفْ مَعَ الْفُرْقَانِ وَاضُمُمْ لِيَذْكُرُوا (شِـ)ـفَاءً وَفِي الْفُرْقَانِ يَذْكُرُ فُصِّلاَ
أي خفف لفظ-ليذكروا-هنا وفي الفرقان أراد-ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا-ولقد صرفناه بينهم ليذكروا-والتخفيف في هذين لحمزة والكسائي أراد تخفيف الذال والكاف وهو حذف تشديدهما وهما مفتوحان فنص على ضم الكاف ولم ينص على إسكان الذال لوضوحه وهو مضارع ذكر يذكر والمشدد مضارع تذكر والأصل ليتذكر فأدغمت التاء في الذال وقوله شفاء حال من-ليذكروا-أو من فاعل خفف واضمم أي ذا شفاء ثم ذكر أن في الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه وهو-لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
(823)
وَفِي مَرْيَمٍ بِالْعَكْسِ (حَقٌّ شِـ)ـفَاؤُهُ يَقُولُونَ (عَـ)ـنْ (دَ)ارٍ وَفِي الثَّانِ (نُـ)ـزِّلاَ

بالعكس أي بالتشديد وفتح الكاف يريد أولا يذكر الإنسان ولو كان جرى على سننه ورمز لمن خفف كان أحسن وقلت أنا في ذلك ، (وفي كاف نل إذ كم يقولون دم علا وفي الثاني نل كفا سما وتبجلا) ، (وأنث تسبح عن حمى شاع وصله وبعد اكسروا إسكان رجلك عملا) ، ولم يبق في البيت تضمين واجتمع الرمز المفرق وهو قوله هنا نزلا وفي البيت الآتي سما كفله ويقولون في الموضعين بالغيب والخطاب ظاهر أراد بالثاني-سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- ، وقبله-قل لو كان معه آلهة كما يقولون
(824)
(سَمَا كِـ)ـفْلُهُ أَنِّثْ يُسَبِّحُ (عَـ)ـنْ (حِـ)ـميً (شَـ)ـفَا وَاكْسِرُوا إِسْكَانَ رَجْلِكَ (عُـ)ـمَّلاَ
أراد تسبح له السموات السبع التأنيث والتذكير فيه ظاهران ورجلك بإسكان الجيم اسم جمع للراجل كصحب ورجل وبكسر الجيم بمعنى راجل كتعب وتاعب وحذر حاذر وبمعنى رجل بضم الجيم الذي بمعنى راجل فيكون كسر الجيم وضمها لغتين نحو ندس وندس والمعنى وجمعك الرجل واستغنى بالفرد عن الجمع لدلالته عليه بالجنسية وقيل يجوز أن تكون قراءة الإسكان من هذا سكنت الكسرة أو الضمة تخفيفا نحو فخذ وعضد وعملا جمع عامل هو حال من الضمير في اكسروا
(825)
وَيَخْسِفَ (حَقٌّ) نُونُهُ وَيُعِيدَكُمْ فَيُغْرِقَكُمْ وَاثْنَانِ يُرْسِلَ يُرْسِلاَ
الخلاف في هذه الخمسة دائر بين النون والباء فكلاهما ظاهر أراد-أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل-أم أمنتم أن يعيد فيه تارة أخرى-فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم-وقوله نرسل نرسل-كلاهما بدل من اثنان ونصهما على الحكاية
(826)
خِلاَفَكَ فَافْتَحْ مَعْ سُكُونٍ وَقَصْرِهِ (سَمَا صِـ)ـفْ نَآى أَخِّرْ مَعاً هَمْزَهُ (مُـ)ـلاَ

أراد وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا-أي افتح الخاء مع سكون اللام وحذف الألف وكلتا القراءتين بمعنى بعدك ونأ وناء مثل أي وراء كلاهما على وزن رعى وراع لغتان وتأخير الهمز من الفعلين على القلب فيصبر وزنهما فلع قال الشاعر ، (وكل خليل رآني فهو قائل ) ، ونقل الشارح في كتاب الغاية عن أبي بكر بن مقسم قال نأى بوزن نعى لغة قريش وكثير من العرب وناء بوزن باع لغة هوازن بن سعد بن بكر وبني كنانة وهزيل وكثير من الأنصار قال شاعرهم ، (نجالد عنه بأسيافنا وناءت معد بأرض الحرم) ، وقول الآخر (وناء بكلكل ) ، قلت ناء في قول امريء القيس (وأردف أعجازا وناء بكلكل ) ، ليس من هذا وذاك معناه نهض ينهض نهوضا ثقيلا لطول صدره وقوله معا يعني هنا وفي سورة فصلت
(827)
تُفَجِّرَ فِي اْلأُولَى كَتَقْتُلَ (ثَـ)ـابِتٌ وَ(عَمَّ نَـ)ـدىً كسْفاً بِتَحْرِيكِهِ وَلاَ
أي بالتخفيف على وزن تقتل والأولى قوله حتى تفجر لنا من الأرض-احترازا من الثانية-فتفجر الأنهار-فلا خلاف في تشديدها لقوله في مصدرها تفجيرا وفجر وفجر كسجر وسجر يقال فجر الماء وفجره إذا فتح سكره وشقه وقوله تعالى-فانفجرت منه-هو مطاوع فجر بالتخفيف وكسفا بإسكان السين وفتحها لغتان جمع كسفة وهو القطعة ومثلها سدرة وسدر ولقحة ولقح وندى تمييز وكسفا فاعل عم ولا مفعول له أي بتحريكه متابعة للنقل
(828)
وَفي سَبَأٍ حَفْصٌ مَعَ الشُّعَرَاءِ قُلْ وَفِي الرُّومِ سَكِّنْ (لَـ)ـيْسَ بِالْخُلْفِ مُشْكِلاَ
أراد-أو نسقط عليهم كسفا-فاسقط علينا كسفا-حركهما حفص وحده وفي الروم (ويجعله كسفا) ، سكنه ابن عامر ولم يختلف في إسكان الذي في الطور-وإن يروا كسفا من السماء ساقطا-والله أعلم
(829)
وَقُلْ قَالَ اْلأُولَى (كَـ)ـيْفَ (دَ)ارَ وَضُمَّ تَا عَلِمْتَ (رِ)ضىً وَالْيَاءُ فِي رَبِّي انْجَلاَ

أراد (قل سبحان ربي) ، هذه هي الأولى والثانية قوله (قل لو كان في الأرض ملائكة) ، لا خلاف في قراءة هذه على الأمر وقرأ الأولى بلفظ المضى ابن عامر وابن كثير وقول الناظم الأولى هو نعت لقوله قل لا لقوله قال أي وقل الأولى تقرأ قال لمن رمز له ومثله قوله في أول الأنبياء وقل قال عن شهد وقوله كيف دار أي كيف دار اللفظ فإحدى القراءتين راجعة إلى معنى الأخرى لأنه أمر بالقول فقال وتا علمت بالضم لموسى وبالفتح لفرعون ورضا حال من فاعل ضم أو مفعوله أي ذا رضى ثم ذكر ياء الإضافة في موضع واحد وهو-ربي إذا لأمسكتم-فتحها نافع وأبو عمرو وفيها زائدتان -لئن أخرتن إلى-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وأثبتها ابن كثير في الحالين-ومن يهدي الله فهو المهتد-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وقلت في ذلك ، (وفيها لئن أخرتني زيد ياؤه كذلك فهو المهتدي قد تكفلا)
سورة الكهف
(830)
وَسَكْتَةُ حَفْصٍ دُونَ قَطْعٍ لَطِيفَةٌ عَلَى أَلِفِ التَّنْوِينِ فِي عِوَجاً بَلاَ

قال صاحب التيسير قرأ حفص عوجا يسكت على الألف سكتة لطيفة من غير قطع ولا تنوين ثم يقول قيما وقال مكي كان حفص يقف على عوجا وقفة خفيفة في وصله ، قلت فهذا معنى قوله دون قطع أي دون قطع نفس لأنه في وقفه واصل وغرضه من ذلك إيضاح المعنى لئلا يتوهم أن قيما نعت عوجا وإنما قيما حال من الكتاب المنزل أو منصوب بفعل مضمر أي جعله قيما ولما التزم صورة الوقف لأجل ذلك لزمه أن يبدل من التنوين ألفا يقف عليها لأن التنوين لا يوقف عليه فهذا معنى قوله على ألف التنوين أي على الألف المبدلة من التنوين وفي ذلك نظر فإنه لو وقف على التنوين لكان أدل على غرضه وهو أنه واقف بنية الوصل وكثير من المصنفين كالأهوازي وابن غلبون يقولون نقف على عوجا ولا يذكرون إبدال التنوين ألفا وقال الأهوازي ليس هو وقفا مختارا لأن في الكلام تقديما وتأخيرا معناه أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ومعنى بلا اختبر وفاعله ضمير عائد إلى حفص ثم قال
(831)
وَفِي نُونٍ مَنْ رَاق وَمَرْقَدِناَ وَلاَمِ بَلْ رَانَ وَالْبَاقُونَ لاَ سَكْتَ مُوصَلاَ

أي وسكت في هذه المواضع الثلاثة أيضا أحدها النون من -من راق-في سورة القيامة لما اندغمت النون في الراء بغير غنة وقف على-من-ليعلم أنهما كلمتان وليست اللفظة على وزن فعال وكذا الكلام في لام (بل ران على قلوبهم) وأما (من بعثنا من مرقدنا) فوقف على مرقدنا لئلا يتوهم أن هذا الذي بعده صفة للمرقد وإنما هو مبتدأ قال مكي ولو اختار متعقب الوقف على عوجا وعلى-مرقدنا-لجميع القراء لكان ذلك حسنا لأنه يفرق بين معنيين فهو تمام مختار الوقف عليه قال وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروي عنهم لأنه متصل في الخط والإدغام فرع ولا كراهة فيه ولو لزم الوقف على اللام والنون ليظهر للزم في كل مدغم فهذا معنى قول الناظم والباقون لا سكت وموصلا نعت لسكت أي لا سكت لهم منقولا عنهم موصلا إلينا وقال الشيخ موصلا نصب على الحال أي في حال إيصال المذكور في المواضع المذكورة بما بعده قال المهدوي وكان يلزم حفصا مثل ذلك في ما شاكل هذه المواضع وهو لا يفعله فليس لقراءته وجه من الاحتجاج يعتمد عليه إلا اتباع الرواية قلت أولى من هذه المواضع بمراعاة الوقف عليها-ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا-فينبغي الوقف على قولهم لئلا يتوهم أن ما بعده هو المفعول وكذا-أنهم أصحاب النار-الذين يحملون العرش-ينبغي الاعتناء بالوقف على النار ثم يبتدأ بما بعده لئلا يوهم الصفة ولذلك نظائر والله أعلم
(832)
وَمِنْ لَدْنِهِ في الضَّمِّ أَسْكِنْ مُشِمَّهُ وَمِنْ بَعْدِهِ كَسْرَانِ عَنْ شُعْبَةَ اعْتَلاَ

أي أسكن ضم الدال في حال كونك مشمه فالهاء في مشمه للضم والكسران في النون والهاء وهذا معنى قول صاحب التيسير قرأ أبو بكر-من لدنه-بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء وكذا قال صاحب الروضة إشمامها شيئا من الضم وصرح الأهوازي فقال باختلاس ضمة الدال وأما مكي فقال الإشمام في هذا إنما هو بعد الدال لأنها ساكنة فهي بمنزلة دال زيد المرفوع في الوقف وليس بمنزلة الإشمام في-سيئت-وقيل لأن هذا متحرك ولم يذكر الشيخ في شرحه غير هذا القول فقال حقيقة هذا الإشمام أن يشير بالعضو إلى الضمة بعد إسكان الدال ولا يدركه الأعمى لكونه إشارة بالعضو من غير صوت قال أبو علي وهذا الإشمام ليس في حركة خرجت إلى اللفظ وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة ليعلم أن الأصل كان في الدال الضمة فأسكنت كما أسكنت الباء في سبع والكسر من النون لالتقاء الساكنين وكسرت الهاء بعدها لأجل كسرة النون نحو به ومن أجله
(833)
وَضُمَّ وَسَكِّنْ ثُمَّ ضُمَّ لِغَيْرِهِ وَكُلُّهُمْ فِي الْهَا عَلَى أَصْلِهِ تَلاَ
أي ضم الدال وسكن النون ثم ضم الهاء لغير شعبة وأما حكم الهاء في الضم والكسر والصلة فعلى ما عرف من أصولهم في باب هاء الكناية فتكسر الهاء وتصلها بياء في قراءة شعبة لأجل كسر ما قبلها وتضم الهاء في قراءة غيره لعدم الكسر قبلها وابن كثير وحده يصلها بواو كما يقرأ-منهو-و-عنهو-والباقون يضمون ولا يصلون كما يقرءون-منه-وعنه
(834)
وَقُلْ مِرْفَقاً فَتْحٌ مَعَ الْكَسْرِ (عَمَّـ)ـهُ وَتَزْوَرُّ لِلشَّامِي كَتَحْمَرُّ وُصِّلاَ
أي عم مرفقا فتح في الميم مع الكسر في الفاء والباقون بعكس ذلك كسروا الميم وفتحوا الفاء وهما لغتان في مرفق اليد وفيما يرتفق به وقيل هما لغتان فيما يرتفق به وأما مرفق اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير-وتزور-ظاهر
(835)

وَتَزَّاوَرُ التَّخْفِيفُ فِي الزَّايِ (ثَـ)ـاِبت (وَحِرْمِيُّـ)ـهُمْ مُلِّئْتَ فِي الَّلامِ ثَقِّلاَ
أصله تتزاور فمن شدد أدغم التاء الثانية في الزاي ومن خفف حذفها كما مضى في نحو-تنزل الملائكة-وتذكرون-وهما وقراءة ابن عامر سواء الكل بمعنى العدول والانحراف والتخفيف والتشديد في-ملئت-لغتان ففي التشديد تكثير
(836)
بَوَرْقِكُمُ الإِسْكَانُ (فِـ)ـي (صَـ)ـفْوِ (حُـ)ـلْوِهِ وَفِيهِ عَنِ الْبَاقِينَ كَسْرٌ تَأَصَّلا
يعني أن الأصل كسر التاء والإسكان تخفيف نحو كبد وفخذ-والورق الفضة ويقال له الرقة أيضا
(837)
وَحَذْفُكَ لِلتَّنْوِينِ مِنْ مِائَةٍ شَفَا وَتُشْرِكْ خِطَابٌ وَهْوَ بِالْجَزْمِ (كُـ)ـمِّلاَ

يريد ثلاثمائة سنين من حذف التنوين من مائة أضافها إلى سنين كما يقال ثلاثمائة سنة وإنما أوقع الجمع موقع المفرد كقوله تعالى-(بالأخسرين أعمالا) ، وقال الفرزدق ، (ثلاث مئين للملوك وفابها داري ) ، وقال آخر ، (وخمس ميء منها قسى وزائف ) ، ونحو ذلك نحو قول عنترة ، (فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا....) ، فلفظ الحلوبة يستعمل للواحد والجمع فلما وصفها هنا بالجمع في قوله سود أشعر ذلك بأنه استعملها جمعا فيكون التمييز بالجمع في موضع المفرد وهو الأصل بدليل أن مميز العشرة فما دونها مجموع وإنما أفرد فيما عدا ذلك اختصارا لما كثر المعدود قال الفراء من العرب من يضع سنين في موضع سنة وأما من نون ثلاثمائة فسنين عنده إما تمييز منصوب كقوله إذا عاش الفتى مائتين عاما ووجه جمعها ما سبق وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من ثلاث فهو على هذه الأوجه منصوب وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من مائة فيكون مجرورا وقيل البدل أجود من عطف البيان لأن عطف البيان من النكرة غير سائغ عند البصريين أي ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مائة قال الزجاج سنين عطف على ثلاث عطف البيان والتوكيد قال وجائز أن يكون سنين من نعت المائة وهو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال ، (فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا...) ، فجعل سودا نعتا لحلوبة وهو في المعنى نعت لجملة العدد وكذا قال أبو جعفر النحاس الخفض رد على مائة لأنها بمعنى مائتين وقال الفراء من نون وهو يريد الإضافة نصب سنين بالتفسير للعدد ونقل الزمخشري في مفصله عن أبي إسحاق أنه قال لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسع مائة سنة فكأنه قصد بذلك الرد على الفراء وهو غير لازم لأن قراءة الإضافة لا تشعر بذلك وسنقرر ذلك في شرح النظم إن شاء الله وأما-ولا تشرك في حكمه أحدا فقراءة ابن عامر بلفظ النهي وهو ظاهر وقراءة الباقين على الإخبار على لفظ الغيبة أي ولا يشرك الله أحدا في حكمه وقوله خطاب أي ذو خطاب

والله أعلم
(838)
وَفِي ثُمُر ضَمَّيْهِ يَفْتَحُ عَاصِمٌ بِحَرْفَيْهِ وَاْلإِسْكَانُ فِي الْمِيمِ حُصِّلاِ
معنى الكلام في ثمر بضم الثاء والميم وفتحهما في سورة الأنعام وزاد هنا إسكان الميم تخفيفا وكل ذلك لغات وقوله بحرفيه بمعنى موضعيه في هذه السورة وكان له-ثمر وأحيط بثمره-وقد تقدم ذكر الذي في يس في سورة الأنعام فثمر بضمتين جمع ثمار وثمار جمع ثمرة وثمر بفتحتين جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة وثمر بسكون الميم جمع ثمرة أيضا كبدنة وبدن ويجوز أن يكون مخففا من مضموم الميم الذي هو جمع ثمار ويجوز أن يكون المضموم الميم مفردا كعنق وطنب وقيل الثمرة بالضم المال وبالفتح المأكول وقيل يقال في المفرد ثمرة بضم الميم كسمرة والله أعلم
(839)
وَدَعْ مِيمَ خَيْراً مِنْهُمَا (حُـ)ـكْمُ (ثَـ)ـابِتٍ وَفِي الْوَصْلِ لكِنَّا فَمُدَّ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

يريد خيرا منهما منقلبا أي من الجنتين ومنها على إسقاط الميم رد على قوله-ودخل جنته-والميم ساقطة في الرسم من مصاحف العراق دون غيرها وعلى ذلك قراءة الفريقين وحكم ثابت بالضم على تقدير هو حكم ثابت ويجوز نصبه على أنه مصدر مؤكد نحو-صبغة الله-وصنع الله وأما-لكنا هو الله-فأجمعوا على إثبات ألفه في الوقف واختلفوا في الوصل فأثبتها ابن عامر إجراء للوصل مجرى الوقف وحذفها الباقون لأن هذه الألف هي ألف أنا وقد تقدم في سورة البقرة أنها تحذف في الوصل دون الوقف ونافع أثبتها وصلا وقيل الهمزة خاصة قالوا وأصل هذه الكلمة لكن أنا بإسكان النون من لكن وبعدها ضمير المتكلم منفصلا مرفوعا وهو أنا فألقيت حركة همزة أنا على نون لكن فانفتحت وحذفت الهمزة فاتصلت النونان فأدغمت الأولى في الثانية وحذفت ألف أنا في الوصل على ما عرف من اللغة وثبت في الوقف وخرجوا على هذا التقدير قول الشاعر ، (وتقلينني لكن إياك لا أقلي ) ، أي لكن أنا قال الزجاج إثبات ألف أنا في الوصل شاذ ولكن من أثبت فعلى الوقف كما يثبت الهاء في قوله-ماهيه-و-كتابيه- ، وأجاز أبو علي أن يكون الضمير المتصل بلكن مثل المنفصل الذي هو نحن نحو لم يعننا فأدغمت نون لكن فيها فالألف ثابتة وقفا ووصلا لأن ألف فعلنا لا تحذف قال وعاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى ولو عاد على اللفظ لكان لكنا هو الله ربنا قال الزجاج فأما-لكنا هو الله ربي-فهو الجيد بإثبات الألف لأن الهمزة قد حذفت من أنا وصار إثبات الألف عوضا من الهمزة قال وقريء-لكن بإسكان النون ولكنن-بنونين بلا إدغام لأن النونين من كلمتين-ولكننا بنونين وألف قال والجيد البالغ ما في مصحف أبي-لكن أنا هو الله ربي فهذا هو الأصل وجميع ما قريء به جيد بالغ ولا أنكر القراءة بهذا والأجود اتباع القراءة ولزوم الرواية فإن القراءة سنة وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع وما جاز في العربية ولم

يقرأ به قاريء فلا نقر أن به فإن القراءة به بدعة وكل ما قلت به الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ فلا ينبغي أن يقرأ به قال أبو عبيد وكتبت-لكنا-يعني بألف قال هكذا ورأيتها في المصحف الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان والفاء في قوله فمد زائدة وملا جمع ملاءة أشار إلى حججه وعلله وقد سبق تفسيره
(840)
وَذَكِّرْ تَكُنْ (شَـ)ـافٍ وَفِي الْحَقِّ جَرُّهُ عَلَى رَفْعِهِ (حَـ)ـبْرٌ (سَـ)ـعِيد (تَـ)ـأَوَّلاَ
يريد-ولم تكن له فئة-تذكير الفعل وتأنيثه ظاهران وأما هنالك الولاية لله الحق-فجر الحق على أنه صفة لله ورفعه على أنه صفة للولاية والحق مصدر فالوصف به على تقدير ذي الحق وذات الحق ويشهد لقراءة الجر قراءة ابن مسعود رضي الله عنه هنالك الولاية لله وهو الحق-وقوله تعالى-ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق-ويشهد لقراءة الرفع قراءة أبي هنالك الولاية الحق لله وقوله سبحانه-الملك يومئذ الحق للرحمن-قال الفراء والولاية الملك ولو نصب الحق على معنى حقا كان صوابا قال أبو علي ومعنى وصف الولاية بالحق أنه لا يشوبها غيره ولا يخاف فيها ما في سائر الآيات من غير الحق وقول الناظم وفي الحق جره مبتدأ وخبره ثم استأنف على رفعه حبر أي عالم سعيد نعت حبر تأول للرفع ما ذكرناه والله أعلم
(841)
وَعُقْباً سُكُونُ الضَّمِّ (نَـ)ـصُّ (فَـ)ـتىً وَيَا نُسَيِّرُ وَالَى فَتْحَهَا (نَفَرٌ) مَلاَ
يريد-وخير عقبا ضم القاف وإسكانها لغتان وهي العاقبة والعقبى والعقبة ومعناها الآخرة وأما-ويوم نسير الجبال-فقرأه على البناء للمفعول نفر ملا وهو جمع ملى وهو الثقة ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال
(842)
وَفِي النُّونِ أَنِّثْ وَالْجِبَالَ بِرَفْعِهِمْ وَيَوْمُ يقُولُ النُّونُ حَمْزَةُ فَضَّلاَ

أنث أي اجعل دلالة التأنيث موضع النون وهي التاء وإنما نص على النون لتعلم قراءة الباقين ولو لم يذكر ذلك لأخذ التذكير ضدا للتأنيث ورفع الجبال لأنه مفعول فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بالنون وكسر الياء ونصب الجبال لأنه مفعول فعل مسند للفاعل وقد صرح بمعنى ا لقراءة الأولى في (وسيرت الجبال فكانت سرابا)-(وإذا الجبال سيرت) ، وقد نسب السير إلى الجبال في يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ويقوى النون في نسير قوله تعالى بعده-وحشرناهم فلم نغادر-والضمير في برفعهم عائد على نفر-ويوم يقول نادوا شركائي-الياء فيه لله تعالى والنون للعظمة وفضلها حمزة فقرأ بها
(843)
لِمَهْلَكِهِمْ ضَمُّوا وَمَهْلِكَ أَهْلِهِ سِوى عَاصِمٍ وَالْكَسْرُ فِي الْلاَّمِ (عُـ)ـوِّلاَ
يريد ضم الميم في وجعلنا لمهلكهم موعدا (ما شهدنا مهلك أهله) في سورة النمل وكلهم سوى عاصم ضموا الميم وفتحوا اللام لأنه يعني الإهلاك وفعله أهلك نحو-(ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) وعاصم فتح الميم فيكون من الهلاك وفعله هلك والمصدر مضاف إلى الفاعل وعلى قراءة الضم إلى المفعول ويجوز أن يكون المفتوح الميم بمعنى المضموم فقد قيل إن هلك استعمل لازما ومتعديا نحو رجع ورجعته وفتح اللام مع فتح الميم قراءة أبي بكر عن عاصم وهي أشيع اللغتين وكسر اللام رواية حفص عن عاصم ونظيره مرجع ومحيض والفتح هو الباب والقياس ومعنى عول جوز أي عول عليه
(844)
وَهَا كَسْرِ أَنْسَانِيهِ ضُمَّ لِحَفْصِهِمْ وَمَعْهُ عَلَيْهِ اللهَ فِي الْفَتْحِ وَصَّلاَ

أضاف ها إلى الكسر لما كان الكسر فيها وقصرها ضرورة ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس أراد وكسر هاء-أنسانيه-ضم والضم هو الأصل في هاء الضمير على ما سبق تقريره في باب هاء الكناية وهذا حكم من أحكام ذلك الباب ومثله ما يأتي في أول طه (لأهله امكثوا) ، ووجه الكسر فيهما مجاورة الهاء للياء الساكنة والكسرة نحو فيه وبه وقوله في آخر البيت وصلا ذكره الشيخ بفتح الواو والصاد أي وصله حفص بما قبله وبضم الواو وكسر الصاد أي وصل ذلك ونقل له
(845)
لِتُغْرِق فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ غَيْبَةً وَقُلْ أَهْلَهَا بِالرَّفْعِ (رَ)اوِيهِ (فَـ)ـصَّلاَ
يعني فتح ضم الياء وكسر الراء وغيبة حال أي ذا غيبة وفتح خبر-لتغرق-أي هو مفتوح الضم والكسر في حال غيبته أي بالياء مكان التاء أسند الفعل إلى الأهل فارتفع الأهل بالفاعلية أي ليغرقوا ، وفي القراءة الأخرى أسند الفعل إلى المخاطب فانتصب أهلها على أنه مفعول به واللام في ليغرق لام العاقبة على القراءتين ومعنى فصل بين والله أعلم
(846)
وَمُدَّ وَخَفِّفْ يَاءَ زَاكِيَةً (سَـ)ـمَا وَنُونَ لَدُنِّي خَفَّ (صَـ)ـاحِبُهُ إِلَى

أراد-نفسا زاكية-وكلتا القراءتين ظاهرة الزاكي والزكي واحد ومثل هاتين القراءتين ما سبق في المائدة قاسية-وقسية-وقوله-قد بلغت من لدني عذرا-تشديد نونه من جهة أن نون-لدن-ساكنة الحق بها نون الوقاية لتقي نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم في الحروف الصحيحة كما فعل ذلك في من وعن محافظة على سكونها فاجتمع نونان فأدغمت نون لدن في نون الوقاية ونافع لم يلحق نون الوقاية فانكسرت نون لدن وإذا كان قد حذفها من-أتحاجوني-وتبشرون-مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل فحذفها من هذا أولى وإلى في آخر البيت واحد الآلاء وهي النعم قال الجوهري واحدها ألى بالفتح وقد تكسر وتكتب بالياء مثاله معي وأمعاء وإعراب صاحبة مبتدأ وإلى خبره أي ذو إلى أي ذو نعمة ويجوز أن يكون صاحب فاعل خف وإلى حال أي ذا نعمة ثم بين قراء أبي بكر فقال
(847)
وَسَكِّنْ وَأَشْمِمْ ضَمَّةَ الدَّالِ (صَـ)ـادِقاً تَخِذْتَ فَخَفِّفْ وَاكْسِرِ الْخَاءَ (دُ)مْ (حُـ)ـلاَ

أي سكن الدال تخفيفا كما تسكن عضد وسبع وأهل هذه اللغة يكسرون نون لدن لالتقاء الساكنين فلم يحتج شعبة إلى إلحاق نون الوقاية لأن نون لدن مكسورة فلهذا جاءت قراءته بتخفيف النون وأما إشمامه ضمة الدال فللدلالة على أن أصلها الضم وفي حقيقة هذا الإشمام من الخلاف ما سبق في من لدنه في أول السورة وصرح ابن مجاهد هنا بما صرح به صاحب التيسير ثم فقال يشم الدال شيئا من الضم وقال هناك بإشمام الدال الضمة وفسره أبو علي بأنه تهيئة العضو لإخراج الضمة وصاحب التيسير قال هنا أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون وقال هناك وإشمامها شيئا في الضم ونقل الشيخ في شرحه عنه أنه قال يجوز أن يكون هنا الإشارة بالضمة إلى الدال فيكون إخفاء لا سكونا ويدرك ذلك بحاسة السمع وقال الشيخ يشمها الضم على ما تقدم في-من لدنه-من الإشارة بالعضو ، قلت وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك من جهة أن كسر النون هناك إنما كان لالتقاء الساكنين فلو لم تكن الدال ساكنة سكونا محضا لم يحتج إلى كسر النون وبقيت على سكونها وهنا كسر النون لأجل إيصالها بياء المتكلم كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال غير أن الظاهر أن قراءته في الموضعين واحدة وقد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو فكذا هنا والله أعلم ، وأما لتخذت عليه أجرا-فخفف التاء وكسر الخاء ابن كثير وأبو عمرو فيكون الفعل تخذ مثل علم قال أبو عبيد هي مكتوبة هكذا وهي لغة هذيل وقرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء فيكون الفعل اتخذ نحو-اتخذوا أيمانهم جنة-واتخذوا آياتي ورسلي هزوا-وذلك كثير في القرآن ماضيه ومضارعه نحو- ومن الناس من يتخذ-وتلك اللغة لم يأت مضارعها في القرآن ولا ماضيها في غير هذا الموضع وإعراب قوله دم حلا كإعراب دم يدا أي ذا حلا أو يكون تمييزا نحو طب نفسا والله أعلم
(848)
وَمِنْ بَعْدُ بِالتَّخْفِيفِ يُبْدِلَ هَاهُنَا وَفَوْقَ وَتَحْتَ الْمُلْكِ (كَـ)ـافِيهِ (ظَـ)ـلَّلاَ

أي من بعد لتخذت-أن يبدلهما ربهما-وفوق الملك وتحتها يعني سورتي التحريم ونون-أن يبدله أزواجا ، (عسى ربنا أن يبدلنا) ، فحذف الناظم المضاف إليه بعد فوق اكتفاء بذكره له بعد تحت ومثله بين ذراعي وجبهة الأسد قال أبو علي بدل وأبدل يتقاربان في المعنى كما أن نزل وأنزل كذلك إلا أن بدل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله (لا تبديل لكلمات الله) ، ولم يجيء فيه الإبدال وقال-وإذا بدلنا آية مكان آية (فبدل الذين ظلموا)-(وبدلناهم بجنتيهم جنتين) ، وسيأتي ذكر الخلاف في الذي في سورة النور (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) ، قال الشيخ والهاء في كافيه عائدة على يبدل بالتخفيف في المواضع الثلاثة وإنما ظلل لأنه بإجماع من أهل للعربية لا مطعن فيه لأنه في المواضع الثلاثة تبديل الجوهرة بأخرى وإنما تكلم النحاة في قراءة التشديد لأنهم زعموا أن التشديد إنما يستعمل في تغير الصفة دون الجوهر ، قلت هذا قول بعضهم وليس بمطرد وقد رده أبو علي وقال المبرد يستعمل كل واحد منهما في مكان الآخر والله أعلم
(849)
فَأَتْبَعَ خَفِّفْ فِي الثَّلاَثَةِ (ذَ)اكِراً وَحَامِيَةً بِالْمَدِّ (صُحْبَتُـ)ـهُ (كَـ)ـلاَ

أي خفف الباء من-فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس-ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس-ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين-فهذا معنى قوله في الثلاثة والأولى أن يقرأ أول بيت الشاطبي وأتبع خفف بالواو وتكون الواو للعطف أنث للفصل ويقع في كثير من النسخ فأتبع بالفاء وليس جيدا إذ ليس الجميع بلفظ فأتبع بالفاء إنما الأول وحده بالفاء والآخران خاليان منهما ولم ينبه على قطع الهمزة ولا بد منه فليته قال وأتبع كل اقطع هنا خفف ذاكر أي كله وذهب التنوين لالتقاء الساكنين والتخفيف والتشديد لغتان وهما بمعنى تبع كعلم قال الله تعالى (فمن تبع هداي) ، في البقرة وقال في طه (فمن اتبع) وقال (فأتبعه شهاب ثاقب)-(فأتبعوهم مشرقين) ، وهذه المواضع مجمع عليها واختلف هنا وفي الذي في آخر الأعراف والشعراء وقيل اتبع يتعدى إلى لمفعولين بدليل (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) ، فالتقدير أتبع أمره سببا وقيل اتبع الحق واتبع بمعنى واختار أبو عبيد قراءة التشديد قال لأنها من المسير إنما هي افتعل من قولك تبعت القوم وأما الأتباع بهمز الألف فإنما معناه اللحاق كقولك (فأتبعوهم مشرقين-فأتبعه شهاب) ، ونحوه واختار الفراء قراءة التخفيف فقال أتبع أحسن من اتبع لأن اتبعت الرجل إذا كان يسير وأنت تسير وراءه فإذا قلت اتبعته فكأنك قفوته قال أبو جعفر النحاس وغيره الحق أنهما لغتان بمعنى السير فيجوز أن يكون معه اللحاق وأن لا يكون ، قلت ومعنى الآية-وآتيناه من كل شيء أي من أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه سببا طريقا موصلا إليه والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة وآلة فأراد بلوغ المغرب (فأتبع سببا) ، يوصله إليه (حتى بلغ) ، وكذلك أراد بلوغ المشرق (فأتبع سببا) ، وأراد بلوغ السدين (فأتبع سببا) ، هذه عبارة الزمخشري في ذلك وقال أبو علي (وآتيناه من كل شيء) ، بالخلق إليه حاجة سببا أي علما ومعونة له على ما مكناه فيه فاتجه في كل

وجه وجهناه له وأمرناه به للسبب الذي ينال به صلاح ما مكن منه وقوله (في عين حامية) ، هذه القراءة بزيادة ألف بعد الحاء وبياء صريحة بعد الميم أي حارة من حميت تحمي فهي حامية قال أبو علي ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأ فخففت الهمزة بقلبها ياء محضة قلت لأنها مفتوحة بعد مكسورة فإبدالها ياء وهو قياس تخفيفها على ما سبق في باب وقف حمزة وفي هذا الوجه جمع بين معنى القراءتين كما يأتي ثم تمم الكلام في بيان هذه القراءة في البيت الآتي وأخبر عن لفظ صحبة بقوله كلا أي حفظ كما أخبر عنها فيما تقدم بقوله تلا وفي موضع آخر ولا لأنه مفرد
(850)
وَفِي الْهَمْزِ يَاءَ عَنْهُمْ وَ(صِحَابُـ)ـهُمْ جَزَاءُ فَنَوِّنْ وَانْصِبِ الرَّفْعَ وَأَقْبَلاَ

فالقراءة الأخرى بالقصر والهمز حمئة أي فيها الحمأة وهو الطين الأسود ، وروي أن معاوية سأل كعبا أين تجد الشمس تغرب في التوراة ، فقال في ماء وطين وفي رواية في حمأة وطين وفي أخرى في طينة سوداء أخرجهن أبو عبيد في كتابه وروى في شعر تبع في ذي القرنين ، (فرأى مغيب الشمس عند مائها في غير ذي خلب دثاط حرمد) ، أي في عين ماء ذي طين وحمأ أسود قال الزجاج يقال حميت البئر فهي حمئة إذا صار فيها الحمأة ، ومن قرأ حامية بغير همز أراد حارة قال وقد تكون حارة ذات حمأة يعني جمعا بين القراءتين ، وقرأ مداول صحاب (فله جزاء الحسنى) أي فله الحسنى جزاء فجزاء مصدر منصوب في موضع الحال ، المعنى فله الحسنى مجزية أو مجزيا بها ، والمراد بالحسنى على هذه القراءة الجنة وقرأ الباقون بإضافة جزاء إلى الحسنى ، قال الفراء الحسنى حسناته فله جزاؤها وتكون الحسنى الجنة ويضيف الجزاء إليها وهي هو كما قال دين القيمة ولدار الآخرة ، وقال أبو علي له جزاء الخصال الحسنة التي أتاها وعملها واختار أبو عبيد قراءة النصب وقال أبو علي قال أبو الحسن هذا لا تكاد العرب تتكلم مقدما إلا في الشعر وقول الناظم وأقبلا أراد وأقبلن فأبدل من نون التأكيد الخفيفة ألفا
(851)
(عَلَى حَـ)ـقٍّ السُّدَّيْنِ سُدًّا (صِحَابُ حَقْقٍ الضَّمُّ مَفْتُوحٌ وَيس (شِـ)ـدْ (عُـ)ـلاَ

رمز في المواضع الثلاثة لمن فتح السين فيها والفتح والضم لغتان فموضعان منها هنا حتى إذ بلغ بين السدين (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) والذي في يس موضعان (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) ، أي الضم مفتوح فيهما وفي يس ولولا أن الخلاف في السين واقع بين الضم والفتح دون الرفع والنصب لكان قوله على حق السدين وهما أنه بالضم لإطلاقه ويكون قوله الضم مفتوح مختصا بسدا ولكن ما ذكره في الخطبة من قوله وفي الرفع والتذكير والغيب مختص بالرفع والرفع غير الضم على ما سبق بيانه هنالك وشد علا من شاد البناء إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص وعلا جمع عليا أو مفرد
(852)
وَيَأْجُوجَ مَأْجُوجَ اهْمِزِ الْكُلَّ (نَـ)ـاصِراً وَفِي يَفْقَهُونَ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ (شـ)ـكِّلاَ

يعني بالكل هنا وفي الأنبياء وهما اسمان أعجميان لطائفتين عظيمتين قيل لا يموت الواحد منهم حتى يخلف من صلبه ألفا ومصداق هذا من الحديث الصحيح لما ذكر نعت النار ، قال إن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا ، وقيل يأجوج اسم لذكرانهم ومأجوج اسم لأناثهم وهما على أوزان كثير من أعلام العجمة ، كطالوت وجالوت وداود وهاروت وماروت فالألف فيهما كالألف في هذه الأسماء وأما همز هذه الألف فلا وجه له عندي إلا اللغة المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم وقد حاول جماعة من أئمة العربية لهما اشتقاقا كما يفعلون ذلك في نحو آدم ومريم وعيسى على وجه الرياضة في علم التصريف وإلا فلا خفاء أنها كلها أعجمية وهذه طريقة الزمخشري وغيره من المحققين ، وأقرب ما قيل في اشتقاقها أن يأجوج من الأج وهو الاختلاط وسرعة العدو أو من أجيج النار فوزن يأجوج يفعول ومأجوج مفعول فيكون الهمز فيهما هو الأصل وتركه من باب تخفيف الهمز وقيل مأجوج من ماج يموج إذا اضطرب ويشهد لهذه المعاني ما وصفهم الله تعالى به فإفسادهم في الأرض على وجه القهر والغلبة يشبه تأجج النار والتهابها عاصية على موقدها وكونهم من كل حدب ينسلون يناسب سرعة العدو ، وكون بعضهم يموج في بعض هو الاختلاط فالمانع لهما من الصرف هو العجمة مع العلمية وإن قيل هما عربيان فالتأنيث عوض العجمة لأنهما اسمان لقبيلتين ويفقهون بفتح الياء والقاف ، أي لا يفقهون لجهلهم بلسان من يخاطبهم وبضم الياء وكسر القاف لا يفهمون غيرهم قولا لعجمة ألسنتهم فالمفعول الأول محذوف نحو (لينذر بأسا شديدا) أو الألف في شكلا للضم والكسر أي جعلا شكلا في يفقهون
(853)
وَحَرِّكْ بِهاَ وَالمُؤْمِنينَ وَمُدَّهُ خَرَاجاً (شَـ)ـفَا وَاعْكِسْ فَخَرْجُ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

خراجا مفعول حرك أي بهذه السورة وبسورة المؤمنين أراد فتح الراء ومد ذلك الفتح فيصير ألفا والقراءة الأخرى بإسكان الراء لأنه ضد التحريك وإذا بطلت الحركة بطل مدها والخرج والخراج واحد كالنول والنوال ، أي جعلا يخرج من الأموال فالذي هنا فهل نجعل لك خرجا والذي في المؤمنين (أم تسألهم خرجا)وقوله واعكس فخرج يعني الثاني في سورة المؤمنين (فخراج ربك خير) أي اقرأه لابن عامر وحده بالإسكان والقصر ، أي ما يعطيه الله سبحانه خير مما يعطيه هؤلاء ، فقد صار في حرفي المؤمنين ثلاث قراآت مدهما لحمزة والكسائي وقصرهما لابن عامر ومد الأول وقصر الثاني للباقين وأما مد الأول وقصر الثاني فلا والله أعلم وقد مضى معنى ملا وأنه جمع ملاءة وهي الملحفة ويمكن به الحجة لأنها جبة وسترة
(854)
وَمَكَّنَنِي أَظْهِرْ (دَ)لِيلاً وَسَكَّنُوا مَعَ الضَّمِّ فِي الصُّدْفَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ الْمَلاَ

دليلا حال من مكنني أي أظهره دليلا على أن القراءة الأخرى بالإدغام هذا أصلها النون الأولى من أصل الفعل والثانية نون الوقاية فلما اجتمع المثلان ساغ الإدغام والإظهار ورسم في مصحف أهل مكة بنونين وفي غيره بنون واحدة فكل قراءة على موافقة خط مصحف وقال الشيخ دليلا حال من الضمير في أظهر المرفوع أو المنصوب أو على أنه مفعول ، وقوله وسكنوا يعني المشايخ والرواة سكنوا الدال وضموا الصاد ناقلين ذلك عن شعبة ووجه الإسكان التخفيف لاجتماع ضمتين كما في قراءة غيره كما يأتي وأضاف شعبة إلى الملا وهم الأشراف فلهذا جره وإلا فشعبة غير منصرف كذا ذكره الشيخ في شرحه ويجوز أن يكون غير منصرف ولم يصفه إلى الملا ويكون الملا فاعل وسكنوا على لغة أكلوني البراغيث فيكون فيه من البحث ما في قوله تعالى (عموا وصموا كثير منهم) ، وقوله سبحانه (وأسروا النجوى الذين ظلموا) ، والملا ليس برمز مع شعبة لأن الرمز لا يجتمع مع مصرح باسمه ولكنه مشكل من جهة ما بعده فإن قوله كما حقه رمز ولا مانع من أن يكون الملا منضما إلى ذلك رمزا للقراءة الآتية إلا كونه أضاف شعبة إليه وفي ذلك نظر وكان يمكنه أن يقول عن شعبة ولا والله أعلم
(855)
(كَمَا حَقُّـ)ـهُ وَاهْمِزْ مُسَكِّناً لَدَى رَدْماً ائْتُونِي وَقَبْلَ اكْسِرِ الْوِلاَ

الهاء في حقه وضماه للفظ الصدفين أي إنه يستحق في الأصل ضمين هذا معنى ظاهر اللفظ وباطنه أن ابن عامر وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بضم الصاد والدال معا والكاف في كما نحو التي في قوله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به) ، فما بعدها علة لما قبلها في الموضعين والضمان علة الإسكان وقرأ الباقون وهم نافع وحمزة والكسائي وحفص بفتحهما فالفتح فيهما والضم لغتان والإسكان لغة ثالثة والمعنى بالصدفين ناحيتا الجبلين المرتفعين المتقابلين وقوله واهمز مسكنا أي ائت بهمزة ساكنة في لفظ ردما ائتوني وقد لفظ في نظمه بصورة القراءة المقصودة وكسر التنوين قبلها وهو المراد بقوله وقبل اكسر أي وقبل هذا الهمز الساكن اكسر ما وليه ودنا منه وهو التنوين ، وإنما كسره لأنه التقى مع الهمز الساكن أي اكسر ذا الولاء يقال وإلى ولاء وفعلته على الولاء أي شيئا بعد شيء وإلى هذا هذا أي اتصل به ويقع في بعض النسخ اكسروا بضمير الجمع ولا حاجة إليه والإفراد أولى لقوله قبله واهمز ويأتي وابدأ وزد في البيتين الباقيين ووجه هذه القراءة أنها من أتى يأتي أي جيئوني بزبر الحديد وحذفت الباء فتعدى الفعل فنصب قال أبو علي ايتوني أشبه بقوله (فأعينوني بقوة) ، لأنه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخراج الذي بذلوه له فقوله ائتوني الذي معناه جيئوني إنما هو معونة على ما كلفهم من قوله فأعينوني بقوة ثم ذكر من له هذه القراءة فقال
(856)
لِشُعْبَةَ وَالثَّانِي (فَـ)ـشَا (صِـ)ـفْ بِخُلْفِهِ وَلاَ كَسْرَ وَابْدَأْ فِيهِمَا الْيَاءَ مُبْدِلا

الثاني قوله ، قال (ائتوني أفرغ عليه) ، سكن الهمزة حمزة وعن شعبة خلاف فكأنه في أحد الوجهين جمع بين القراءتين في الموضعين وهذا الموضع الثاني ليس قبله تنوين ولا ساكن غيره فلهذا قال ولا كسر إنما قبله فتحة لام قال والمعنى في الموضع الثاني كما سبق في الأول والياء محذوفة من قطرا إن كان مفعوله وإن كان قطرا مفعول أفرغ فالتقدير ائتوني بقطر أفرغه عليه فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ولم يحتج قطرا المذكور إلى باء لأنه مفعول أفرغ فهذا بيان هذه القراءة في الموضعين في حال الوصل ثم شرع يبين الابتداء بالكلمتين على تقدير الوقف قبلها فقال وابدأ فيهما أي في الموضعين بإبدال الباء من الهمزتين لأن في كل موضع همزة ساكنة بعد كسر همزة الوصل فوجب قلبها ياء كما يفعل في ائت بقرآن فهذا معنى قوله
(857)
وَزِدْ قَبْلَ هَمْزِ الْوَصْلِ وَالْغَيْرُ فِيهِمَا بِقَطْعِهِمَا وَلِلْمِدِّ بَدْءاً وَمَوْصِلاَ

أي قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء قول حمزة صواب من وجهين يكون مثل أخذت الخطام وأخذت بالخطام ويكون على ترك الهمزة الأولى في أتوني فإذا سقطت الأولى همزت الثانية قلت لهذا وجه آخر لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية وهو مثل ما قيل في قراءة قالون عاد الولى في أحد الوجهين وينبغي على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التي حذفت فهي أولى من اجتلاب همزة وصل والله أعلم ثم بين قراءة باقي القراء فقال والغير يعني غير حمزة وشعبة فيهما أي في الموضعين بقطعهما أي بقطع الهمزتين ولم يبين فتحهما لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة ثم قال والمد أي وبالمد بعد همزة القطع وبدأ وموصلا حالان ، أي هذه قراءة غيرهما بادئا وواصلا لا يختلف الحال في ذلك ، ومعنى هذه القراءة من الإيتاء وهو الإعطاء فمعنى آتوني أعطوني وهو يحتمل المناولة والاتهاب وقام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب لامتناعه عن أخذ الخرج فتعينت الإعانة بالمناولة وتحصيل الأدلة والله أعلم
(858)
وَطَاءَ فَمَا اسْطَاعُوا لِحَمْزَةَ شَدّدُوا وَأَنْ يَنْفَدَ التَّذْكِيرُ (شَـ)ـافٍ تَأَوَّلاَ

يريد (فما اسطاعوا أن يظهروه) ، أي طاء هذه اللفظة فقيده بالفاء لأن الذي بعده بالواو وطاء منصوب لأنه مفعول شددوا والأصل استطاعوا فقراءة الجماعة بحذف التاء ، وروي عن حمزة إدغامها في الطاء ، قال ابن مجاهد هو رديء لأنه جمع بين ساكنين وقال الزجاج من قرأ بإدغام التاء في الطاء فلاحن مخطيء زعم ذلك النحويون الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم لأن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة ولا يجمع بين ساكنين فإن قال اطرح حركة التاء على السين فخطأ أيضا ، لأن سين استفعل لم تحرك قط ، قلت إنما قال ذلك ، لأنه لا يتحقق محض الإدغام إلا بتحريك السين ، قال أبو جعفر النحاس حكى أبو عبيد أن حمزة كان يدغم التاء في الطاء ويشدد الطاء ، قال أبو جعفر النحاس ولا يقدر أحد أن ينطق به لأن السين ساكنة والتاء المدغمة ساكنة ، قال سيبويه هذا محال ، وقال الجوهري في باب روم من جمع بين الساكنين في موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطيء كقراءة حمزة فما اسطاعوا لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه وأما (وما استطاعوا له نقبا) ، فلم يختلفوا في إظهار التاء فيها ، وأما التذكير في أن تنفد كلمات ربي والتأنيث فظاهران وتأولا تمييز
(859)
ثَلاَثٌ مَعي دُونِي وَرَبِّي بِأَرْبَعٍ وَمَا قَيِلَ إِنْ شَاءَ الْمُضَافَاتُ تُجْتَلاَ

ثلاث مبتدأ وهو مضاف إلى كلمة معي وما بعد ثلاث عطف عليه والمضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ وثلاث خبره مقدم عليه ، أي الياآت المضافة في هذه السورة تجتلي أي تكشف في هذه الكلمات وهي معي ثلاث مواضع يريد معي صبرا فتحهن حفص وحده من دوني أولياء فتحها نافع وأبو عمرو "وربي" في أربع كلمات (قل ربي أعلم بعدتهم)-(فعسى ربي أن يؤتين)-(بربي أحدا ولولا إذ دخلت)-(بربي أحدا ولم تكن له فئة) فتح الأربع الحرميان وأبو عمرو وقوله وما قبل إن شاء أي والذي قبل قوله إن شاء الله وهو (ستجدني إن شاء الله صابرا) فتحها نافع وحده فهذه تسع ياآت إضافة وفيها سبع زوايد المهتد أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو (أن يهدين ربي لأقرب) (فعسى ربي أن يؤتين) على (أن تعلمني) أثبتهن في الوصل أيضا نافع وأبو عمرو وأثبتهن في الحالين ابن كثير (إن ترن أنا أقل) أثبتها في الوصل أبو عمرو وقالون وأثبتها في الحالين ابن كثير (ما كنا نبغ فارتدا) أثبتها في الحالين ابن كثير وفي الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي (فلا تسئلن عن شيء) أثبتها الجميع في الحالين واختلف عن ابن ذكوان في حذفها وقلت في ذلك ، (زوائدها سبع فلا تسئلن أن تعلمني نبغي وإن ترني تلا) ، (ويهدني ربي كذا المهتدي ومن ويؤتيني خيرا فصادفت منهلا)
سورة مريم
(860)
وَحَرْفاً يَرِثْ بِالْجَزْمِ (حُـ)ـلْوٌ (رِ)ضىً وَقُلْ خَلَقْتُ خَلَقْنَا (شَـ)ـاعَ وَجْهاً مُجَمَّلاَ

يريد يرثني ويرث الجزم على جواب هب لي والرفع على أن يكون صفة لوليا أي وليا وارثا للعلم والنبوة ومثله فأرسله معي ردأ يصدقني يقرأ أيضا بالجزم والرفع والأقل على الجزم في يرث وعلى الرفع في يصدقني وأجمعوا على رفع (أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا) ، واستبعد أبو عبيد قراءة الجزم وقال الذي يجزم يريد الشرط أي إنك إذا وهبت لي وليا ورثني فكيف يخبر بهذا زكرياء ربه وهو أعلم به منه وجوابه أن من يطلب من الأنبياء ولدا من الله سبحانه لا يطلبه إلا صالحا فهذه الصفة مقدرة فجزم بالوراثة بناء على ظاهر الحال نحو (أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) ، ثم وجه الجزم مراعاة لفظ الأمر وإن لم تكن الوراثة لازمة من الهبة فهذا أقوى من الجزم في مثل (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) ، ونحوه وقال أبو علي أوقع العام موقع الخاص وأراد بالولي وليا وارثا وقول الناظم حلو رضى خبر قوله وحرفا فإن قلت الخبر مفرد والمبتدأ مثنى فكيف يسوغ هذا قلت من وجوه أحدها أن التقدير ولفظ حرفي يرث بالجزم حلو فحذف المضاف وأقيم مقامه والثاني التقدير كل واحد منهما حلو والثالث تنزيل لحرفين منزلة حرف واحد فكأنه قال ويرث في الموضعين حلو وأنشد النحاة على ذلك ، (وكان في العين حب قرنفل أو سنبلا كحلت به فأنهلت) ، والرابع مجموع قوله حلو رضى خبر عن الحرفين أي هذا حلو وهذا رضى ، ويلزم من اتصاف أحدهما بأحد الوصفين اتصافه بالآخر من حيث المعنى فإن الحلو مرضى والمرضى حلو ويجوز وجه خامس أن يكون بالجزم خبر حرفا أي مستقران بالجزم كما تقول الزيدان بالدار ، ثم قال حلو أي الجزم فيهما حلو رضى وأما (وقد خلقتك من قبل) ، بالتاء وبنون العظمة فظاهر ونصب وجها على التمييز مجملا نعته
(861)
وَضَمُّ بُكِيًّا كَسْرُهُ عَنْهُمَا وَقُلْ عِتيًّا صُلِيًّا مَعْ جُثِيًّا (شَـ)ـذَا (عَـ)ـلاَ

أي عن حمزة والكسائي ووافقهما حفص على كسر عتيا وصليا وجثيا فبكيا وجثيا جمعا باك وجاث وعتيا وصليا مصدرا عتى وصلى وأصل الجمع فعول وبكيا وصليا-لامهما ياء ويجب إدغام واو فعول فيها لأن اجتماع واو وياء ، وقد سبقت إحدهما بالسكون موجب لذلك بعد قلب الواو ياء كقولهم طيا وليا ، فإذا انقلبت واو فعول ياء وجب كسر ما قبلها لأن ياء ساكنة قبلها ضمة غير موجود في اللغة ، فصار بكيا وصليا على لفظ قراءة الجماعة ومن كسر الياء والصاد فللاتباع وأما عتيا وجثيا فلامهما واو وقد رفضوا أن توجد واو متطرفة بعد متحرك ولم ينظروا إلى حجز واو فعول ففعلوا فيه ما فعلوا في نحو أدل كسروا ما قبل واو فعول فانقلبت ياء فلزم قلب الواو الثانية ياء ثم الإدغام فصار عتيا وجثيا ومن كسر العين والجيم فللاتباع ، وهذا الصنيع في الغالب واجب فيما كان جمعا نحو جثيا وغير لازم في المصادر نحو عتيا فيجوز عتوا كقوله تعالى (وعتوا عتوا كبيرا) ، واختار أبو عبيد قراءة الضم وقال هي أفصح اللغتين وأفخمها وتقدير البيت كسر عتيا وما بعده على شذا أي ذو شذا عال قال وقد تقدم معنى شذا علا في مواضع وأن معنى الشذا الطيب أو نقية النفس
(862)
وَهَمْزُ أَهَبْ بِالْيَا (جَـ)ـرى (حُـ)ـلْوَ (بَـ)ـحْرِهِ بِخُلْفٍ وَنِسْيًا فَتْحُهُ (فَـ)ـائِزٌ (عُـ) ـلاَ

يريد (لأهب لك غلاما زكيا) ، فالهمز للمتكلم والياء للرب تعالى أو لرسوله وإنما جاز نسبة الهبة إلى الرسول سواء كان بالهمزة أو الباء لكونه أرسل لذلك ويجوز أن تكون الباء بدلا من الهمزة لأنها همزة مفتوحة بعد مكسور فقياس تخفيفها قلبها ياء نحو لئلا فيتفق معنى القراءتين ولفظهما لأن الهمزة المخففة كالمحققة وقد كتبت في المصحف بالألف وقوله جرى حلو بحره عبارة حسنة والباء من أهب مفتوحة ولكنه أدغمها في باء بالياء لما التقا المثلان كما يدغم أبو عمرو لذهب بسمعهم وهذا أولى من حمله على أنه أسكن المتحرك للضرورة ونسيا بالفتح والكسر واحد وهو الشيء الحقير ينسى وقيل ما أغفل من شيء حقير وقيل ما إذا ذكر لم يطلق والكل متقارب المعنى وعلا تمييز
(863)
وَمِنْ تَحْتَهَا اكْسِرْ وَاخْفِضِ (ا)لدَّهْرَ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً وَخَفَّ تَسَاقَطْ (فَـ)ـاصِلاً فَتُحُمِّلاَ

يريد (فناداها من تحتها) ، أي أكسر الميم واخفض التاء أي ناداها المولود من تحتها والقراءة الأخرى بالفتح والنصب أي ناداها الذي تحتها ونصب الدهر على الظرف كقوله (إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ) ، وقوله عن شذا أي عن ذي شذا وفي لفظ تساقط قراآت كثيرة المشهور منها في طريقة الناظم ثلاث تساقط بتشديد السين والأصل يتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين هذه قراءة الجميع غير حمزة وحفص ، وأما حمزة فحذف التاء فخففت السين وقراءة حفص في البيت الآتي وقول الناظم وخف تساقط تساقط فاعل خف وفاصلا حال من تساقط يعني أنه فصل بين المفعول وهو رطبا وبين العامل فيه وهو هزي وهذا قول المبرد في ما حكاه الزجاج وغيره عنه ولهذا قال فتحملا أي تحمله النحويون عنه أو تحملوا ذلك وجوزوه لخفته في الفصل وقال الزمخشري رطبا تمييز أو مفعول على حسب القراءة يعني على قراءة حفص ونحوها ، ثم قال وعن المبرد جواز انتصابه بهزي وليس بذاك وقال أبو علي فاعل تساقط النخلة أو جذعها ثم حذف المضاف فأسند الفعل إلى النخلة ويكون سقوط الرطب من الجذع أنه لها ورطبا منصوب على أنه مفعول به ويجوز أن يكون فاعل تساقط ثمرة النخلة ورطبا حال وإن لم يجر للثمرة ذكر فلفظ النخلة يدل عليها والباء في بجذع زائدة مثل ألقى بيده قال ويجوز أن يكون المعنى وهزي إليك بهز جذع النخلة رطبا أي إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا فإذا هززت الرطب سقط قلت يعني هزي إليك رطبا بسبب هزك للجذع وهذا تقرير المعنى الذي ذهب إليه المبرد والله أعلم
(864)
وَبِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ حَفْصُهُمْ وَفِي رَفْعِ قَوْلِ الْحَقِّ نَصْبُ (نَـ)ـدٍ (كَـ)ـلاَ

أي ضم الياء وخفف السين وكسر القاف أي تساقط النخلة رطبا فرطبا مفعول به ونصب قول الحق على أنه مصدر مؤكد لقوله (ذلك عيسى ابن مريم) ، أي قلت قول الصدق أي قولا صدقا حقا وقيل هو نصب على المدح والحق اسم الله تعالى والرفع على تقدير هو قول الحق أي عيسى كلمة الله أو هذا الكلام قول الحق أي الصدق أو كلام الله الذي هو الحق المبين وقوله نصب ند أي قاريء هذه صفته ، يقال فلان ند أي جواد وكلا حفظ وحرث
(865)
وَكَسْرُ وَأَنَّ اللهَ (ذَ)اكٍ وأَخْبَروا بِخُلْفٍ إِذَا مَا مُتُّ (مُـ)ـفِينَ وُصَّلاَ
الكسر على الاستئناف أو عطف على قوله (إني عبد الله) ، والفتح على تقدير ولأن (الله ربي وربكم فاعبدوه) ، أو عطف على (وأوصاني بالصلاة والزكاة) ، وبأن (الله ربي وربكم فاعبدوه) ، وقوله (ذلك عيسى ابن مريم) إلى قوله (كن فيكون) كلام معترض وقوله ذاك من ذكا الطيب يذكوا إذا فاحت ريحه أي وجه الكسر بين ظاهر وأخبروا يعني الرواة باختلاف بينهم عن ابن ذكوان وموفين جمع موف ووصلا جمع واصل هما حالان من فاعل أخبروا يريد قوله تعالى (أءذا ما مت لسوف أخرج) ، قراءة الجماعة بالاستفهام الذي يقال على وجه الإنكار وهم على أصولهم في ذلك فيما يتعلق بتحقيق لهمزة الثانية وتسهليها وإدخال الألف بين الهمزتين ، وروى عن ابن ذكوان حذف همزة الإنكار وهي مرادفة في المعنى وله نظائر ومثل هذا يعبر عنه بالإخبار لأنه على لفظ الخبر المحض ويجوز أن يكون حكاية منه للفظ الذي قيل له بعينه كما قال لسوف وليس بموضع تأكيد بالنسبة إلى حال هذا المنكر وإنما كأنه قيل له لسوف تخرج حيا إذا ما مت" فحكى هذا اللفظ منكرا له وقد تقدم تقدير أن ضد الأخبار عند الناظم الاستفهام في سورة الأعراف والرعد والله أعلم
(866)
وَنُنَجِّي خَفِيفاً (رُ)ضْ مَقَاماً بِضَمِّهِ (دَ)نَا رءيا ابْدِلْ مُدْغِماً (بَـ)ـاسِطًا (مُـ)ـلاَ

ذكر في هذا البيت ثلاثة أحرف ننجي مقاما رئياء وننجي مفعول رض وخفيفا حال منه ومقاما مبتدأ ورئيا مفعول أبدل وفتح التنوين من رئيا بإلقاء حركة همزة أبدل عليه ومدغما باسطا حالان من فاعل أبدل وملا مفعول باسطا وسبق تفسير ملا والتخفيف والتشديد في (ثم ننجي الذي اتقوا) لغتان ، وقد سبق ذكر ذلك في مواضع والمقام بالضم الإقامة وموضعها وبالفتح القيام أو موضعه والخلاف في هذه السورة في قوله تعالى (خير مقاما وأحسن نديا) ، وسيأتي الخلاف في الذي بالأحزاب والدخان ، ولا خلاف في ضم الذي في آخر الفرقان وأما رئيا في قوله (هم أحسن أثاثا ورئيا) ، فأبدل قالون وابن ذكوان همزة ياء لسكونه وكسر ما قبله كما يفعل حمزة في الوقف فالتقى يا آن فأدغم الأولى في الثانية وهو أحد الوجهين لحمزة وقد سبق توجيههما في باب وقف حمزة وضعف مكي وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة وكما أن حمزة لا يدغم-رئيا-إذا خفف همزها في الوقف وواجب في غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء ويمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو وياء على أنه قد قيل في قراءة من لم يهمز وأدغم إنها من الري وهو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة فلا يكون في الكلمة إبدال ولذلك امتنع السوسي من إبدال همزها وقد تقدم والله أعلم
(867)
وَوُلْدَا بِهاَ وَالزُّخْرُفِ اضْمُمْ وَسَكِّنَنْ (شِـ)ـفاَءً وَفِي نُوحٍ (شَـ)ـفاَ حَقُّهُ وَلاَ

هنا أربعة مواضع (لأوتين مالا وولدا)-(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا)-(أن دعوا للرحمن ولدا)-(وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) ، وفي الزخرف (قل إن كان للرحمن ولد) ، أي ضم الواو وسكن اللام لحمزة والكسائي والباقون بفتحهما وهما لغتان نحو العرب والعرب والعجم والعجم وقيل ولدا بالضم جمع ولد بالفتح كأسد وأسد ووافق ابن كثير وأبو عمرو لحمزة والكسائي على ضم الذي في نوح وهو (واتبعوا من لم يزده ماله وولده) ، وقوله وسكنا أدخل نون التأكيد الخفيفة في فعل الأمر ويجوز كتابتها بالألف اعتبارا بحالة الوقف عليها فإنها بالألف وشفا حال أي ذا شفاء وولا في آخر البيت بالفتح وهو تمييز أو حال أي ذا ولاء ، أو هو مفعول شفاكما تقول شفى الله فلانا أي شفى الحق ولاء وذكر الشيخ أن ولا ههنا بالفتح والكسر ، قلت الكسر بعيد فإنه سيأتي بعد بيت واحد "حلا صفوه" ولا بالكسر فلا حاجة إلى تكرار القافية على قرب من غير ضرورة
(868)
وَفِيهاَ وَفِي الشُّورى يَكَادُ (أَ)تَى (رِ)ضاَ وَطَا يَتَفَطَّرْنَ اكْسِرُوا غَيْرَ أَثْقَلاَ
التذكير والتأنيث في-يكاد السموات-في السورتين أمرهما ظاهر سبقت أمثاله ورضا حال ، أي أتى التذكير ذا رضى أي مرضيا ، لأن تأنيث السموات غير حقيقي وطا يتفطرن مفعول اكسروا وقصره ضرورة ، وقوله غير أثقلا حال من الطاء أي غير مشدد أثقل بمعنى ثقيلا ، ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال
(869)
وَفي التَّاءِ نُون سَاكِنٌ (حَـ)ـجَّ (فِـ)ـي صَفـ(ـا) (كَـ)ـمَالٍ وَفِي الشُّورى (حَـ)ـلاَ (صَـ)ـفْوُهُ وَلاَ

أي وفي موضع التاء نون ساكن فيصير ينفطرن مضارع انفطر والقراءة الأخرى مضارع تفطر وانفطر وتفطر مطاوعا فطرته فطّرته وكلاهما بمعنى شققته وفي التشديد معنى التكرير والتكثير والمبالغة وأكثر ما جاءني القرآن مخففا نحو (إذا السماء انفطرت)-(السماء منفطر به)-(فاطر السموات والأرض) ، ولكن هنا المقصود تعظيم أمر قولهم وتهويله ، فناسب التشديد والأكثر على التشديد في الشورى لم يخفف غير أبي بكر وأبي عمرو وولا في آخر البيت بالكسر ومعناه المتابعة وهو تمييز أو حال كما سبق في قوله شفا حقه ولا ، لكن لا يستقيم هنا أن يكون مفعولا به لأن حلا فعل لازم بخلاف شفا في ذلك البيت وصفا في قوله صفا كمال ممدود وقصره الناظم ضرورة والله أعلم
(870)
وَرَاءي وَاجْعَلْ لِي وَإِنِّي كِلاَهُماَ وَرَبِّي وَآتَانِي مُضَافَاتُهَا الْوُلا
فيها ست ياءات إضافة (من ورائي وكانت) ، فتحها ابن كثير وحده (اجعل لي آية) ، فتحها نافع وأبو عمرو(إني أعوذ بالرحمن)-(إني أخاف أن يمسك عذاب) ، فتحهما الحرميان وأبو عمر (سأستغفر لك ربي إنه) ، فتحها نافع وأبو عمرو (آتاني الكتاب) ، سكنها حمزة وحده وقوله مضافاتها خبر قوله "وراءي"وما بعده والولاء جمع الولياء والولياء تأنيث الأولى أي الولا بالضبط والحفظ ومعرفة الخلف فيها والله أعلم
سورة طه
(871)
لِحَمْزَةَ فَاضْمُمْ كَسْرَهاَ أَهْلِهِ امْكُثُوا مَعاً وَافْتَحُوا إِنِّي أَنَا (دَ)ائِماً (حُـ)ـلاَ

قصر لفظ ها ضرورة وقوله معا أي هنا وفي القصص وقد تقدم أن الضم هو الأصل في هاء الكناية وإنما الكسر لأجل كسر ما قبلها وأما فتح (إني أنا ربك) ، فعلى تقدير "نودي موسى" بكذا والكسر هنا أولى وعليه الأكثر لقوله يا موسى فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو (يا زكريا إنا نبشرك)-(يا مريم إن الله اصطفاك) ، وليس مثل الذي في آل عمران (فنادته الملائكة)-(أن الله يبشرك بيحيى) ، فليس ثم لفظ النداء فأمكن تقدير فنادته بكذا قال أبو علي من كسر فلان الكلام حكاية كأنه نودي فقيل (يا موسى إني أنا ربك) ، فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية وذلك قوله (إنني أنا الله لا إله إلا أنا) ، وقوله (وأنا اخترتك) ، فهذه كلها حكاية فالأشبه أن يكون قوله (إني أنا ربك) ، كذلك أيضا وقول الناظم دائما حال من مفعول افتحوا ، وحلا تمييز أي دائما حلاه أو حال من فاعل دائما ، أي دائما ذا حلا ويجوز أن يكون دائما نعت مصدر أي فتحا دائما والله أعلم
(872)
وَنُوِّنْ بِها وَالنَّازِعَاتِ طُوًى (ذَ)كَا وَفِي اخْتَرْتُكَ اخْتَرْناَكَ (فَـ)ـازَ وَثَقَّلاَ
طوى مفعول نون ووجه تنوينه ظاهر لأنه اسم واد وهو مذكر مصروف ومن لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة أو لأرض أو هو معدول عن طاو تقديرا كعمر عن عامر ، واختار أبو عبيد صرفه وقال عجبت ممن أجرى سبا وترك إجراء طوى وذلك أثقل من هذا وقرأ حمزة وحده "وأنا اخترناك" بضمير الجمع في الكلمتين للتعظيم والباقون "وأنا اخترتك" بضمير المتكلم المفرد ومفعول قوله وثقلا أول البيت الآتي أي شدد لفظ وأنا
(873)
وَأَنَا وَشَامٍ قَطْعُ اَشْدُدْ وَضُمَّ فِي ابْتِدَا غَيْرِهِ واضْمُمْ وَأَشْرِكْهُ (كَـ)ـلْكَلاَ

أي وقراءة ابن عامر قطع همزة "اشدد به أزري" قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما على جواب الدعاء في قوله (واجعل لي وزيرا من أهلي) ، أي أشدد أنا ولزم فتح الهمزة لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثي كقولك أضرب أنا وأخرج وأذهب وقراءة الباقين على الدعاء وهمزته همزة وصل مضمومة إذا ابتديء بالكلمة ضمت وإذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت لأنه أمر من فعل ثلاثي كما تقول يا زيد اخرج وادخل ، فهذا معنى قوله وضم في ابتداء غيره أي ضم الهمزة وابن عامر يفتحها وصلا ووقفا لأنها همزة قطع وأما "وأشركه في أمري" فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه فالهمزة في قراءة ابن عامر للمتكلم إلا أن فعلها رباعي فلزم ضم الهمزة كما لزم وأحسن أي أشدد أنا به أزري وأشركه أنا أيضا في أمري وقراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على اشدد طلب من الله سبحانه أن يشد به أزره وأن يشركه في أمره ولفظ الأمر من الرباعي بفتح الهمزة وقطعها نحو أكرم زيدا وأحسن إليه ، قال أبو علي الوجه الدعاء دون الإخبار لأن ذلك معطوف على ما تقدمه من قوله (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) ، فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء لأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله تعالى اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة وإنما ينبغي أن تكون النبوة لقوله (فأرسله معي ردءا يصدقني) ، وقوله (كي نسبحك) كالجواب بعد هذه الأشياء التي سألها فأما أشدد به أزري فحمله على الإخبار أسهل ، وقول الناظم كلكلا بدل من قوله وأشركه بدل البعض من الكل والكلكل الصدر أي اضمم صدره وهو الهمزة
(874)
معَ الزُّخْرُفِ اقْصُرْ بَعْدَ فَتْحٍ وَسَاكِنٍ مِهَاداً (ثَـ)ـوى واضْمُمْ سِوىً (فِـ)ـي (نَـ)ـدٍ (كَـ)ـلاَ

أي اقصر مهادا بعد فتح ميمه وإسكان هائه فيصير مهدا هنا وفي سورة الزخرف (الذي جعل لكم الأرض مهادا) ، ولا خلاف في التي في عم يتساءلون (ألم نجعل الأرض مهادا) ، لتشاكل الفواصل والمهد ، والمهاد الشيء الممهد سموا المفعول بالمصدر كقوله في الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه ومنه تسمية المكتوب كتابا وفعل وفعال كلاهما مصدر ومنه مهد الصبي والفراش والبساط ، قال أبو علي المهد مصدر كالفرش والمهاد كالفراش في قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا)-(والله جعل لكم الأرض بساطا) ، وهما اسم ما يفرش ويبسط قال ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء فجمع كما يجمع فعل على فعال ويجوز أن يكون المعنى ذا مهد فيكون في المعنى كقول من قال مبادا ، ثم قال الناظم "واضمم سوى" يعني مكانا سوى أي عدلا لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر ، قال أبو عبيد يضم أوله ويكسر مثل طوى وطوى قال أبو علي سوى فعل من التسوية فكان المعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين وهذا بناء يقل في الصفات ومثله قوم عدى ، فأما فعل فهو في الصفات أكثر وقوله في ند كلا أي في قراءة جواد حفظه وحرسه من الطعن أو في مكان ند ذي كلاء أي كائنا في خصب يشير إلى ما قاله أبو علي إن الضم أكثر في مثل هذا الوزن في الصفات من الكسر واختار أبو عبيد قراءة الكسر قال لأنها أفشى اللغتين ثم بين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فقال
(875)
وَيُكْسَرُ بَاقِيهِمْ وَفِيهِ وَفِي سُدىً مُمَالُ وُقُوفٍ فِي الأَصُولِ تَأَصَّلاَ

ممال بمعنى إمالة في هذين اللفظين "سوى وسدى" إمالة في الوقف لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا ثم قال في الأصول تأصل أي تأصل ذلك وتبين في باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور في قوله "سوى وسدى" في الوقف عنهم أي عن صحبة أمالوهما إمالة محضة وأبو عمرو وورش يقرآنهما بين اللفظين كغيرهما من رءوس الآي وإنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم وزيادة بيان وتأكيدا لذلك لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة وأبي بكر فقال أمر الإمالة على ما سبق سواء في ذلك من كسر السين وهو الكسائي ومن ضمها وهو حمزة وأبو بكر والله أعلم
(876)
فَيُسْحِتَكمْ ضَمٌّ وَكَسْرٌ (صِحَابُـ)ـهُمْ وَتَخْفِيفُ قَالوا إِنَّ (عَـ)ـالِمُهُ (دَ)لاَ
أي ذو ضم في الياء وكسر في الحاء وصحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه وكسره صحابهم فقراءتهم من أسحت وفتح غيرهم الياء والحاء فقراءتهم من سحت وهما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وخفف حفص وابن كثير إن من قوله سبحانه "قالوا إن هذان لساحران" وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم نحو (وإن كل لما جميع) ، (إن كل نفس لما عليها) ، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو (وإن نطنك لمن الكاذبين) ، (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، والكوفيون يقولون إن نافية واللام بمعنى إلا ، أي ما هذان إلا ساحران وكذلك البواقي فعالم هذه القراءة دلا أي أخرج دلوه ملأى فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره قال الزجاج روى عن الخليل "إن هذان لساحران" بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل (إن هذان لساحران) ، بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل
(877)

وَهذَيْنِ فِي هذَانِ (حَـ)ـجَّ وَثِقْلُهُ (دَ)ناَ فَاجْمَعُوا صِلُ وَافْتَحِ الْمِيمَ (حُـ)ـوَّلاَ
أي وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين" لأنه اسم إن فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال حج أي غلب في حجته لذلك ثم قال وثقله دنا أي أن ابن كثير شدد النون من هذان وهذا قد تقدم ذكره في النساء وإنما أعاد ذكره تجديدا للعهد به وتذكيرا بما لعله نسى كما قلنا في "سوى وسدى" وأما قراءة غير أبي عمرو وابن كثير وحفص فبتشديد إن وهذان بألف ، قال أبو عبيد ورأيتها أنا في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط-هذان-ليس فيها ألف وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوهما بالياء ولا يسقطونها ، قلت فلهذا قرئت بالألف إتباعا للرسم واختارها أبو عبيد وقال لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة وقال الزجاج ، أما قراءة أبي عمرو فلا أجيزها ، لأنها خلاف المصحف وكلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته لأن اتباعه سنة وما عليه أكثر القراء ولكني أستحسن إن هذان بتخفيف إن وفيه إمامان عاصم والخليل وموافقة أبي في المعنى وإن خالفه اللفظ ، يروى عنه أنه قرأ (ما هذان إلا ساحران) وفي رواية " إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا (إن هذا لساحران) ، لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ ، قال وهذا حرف مشكل على أهل اللغة وقد كثر اختلافهم في تفسيره ، قلت مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين ، أحدهما أن يكون هذان اسما لأن والآخر أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لأن فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون لسائر الأسماء المقصورة ، كعصى وموسى ، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء وإلى الضمير في بعض اللغات ، قال الزجاج حكى أبو عبيد عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة إنها لغة كنانة يجعلون ألف

الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون آتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان ويقولون ضربته من أذناه ومن يشتري مني الحقان قال وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بني الحارث ابن كعب وقال أبو عبيد كان الكسائي يحكي هذه اللغة عن بني الحارث بن كعب وخيثم وزبيد وأهل تلك الناحية ، وقال الفراء أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث ، (فاطرق اطراق الشجاع ولو ترى مساغا لناباه الشجاع لصمما) ، قال وحكى عنه أيضا هذا خط يدا أخي أعرفه ، قال أبو جعفر النحاس هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يرتضي علمه وصدقه وأمانته منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقال إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيه وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه وغيره وقال غيره هي لغة بني العنبر وبني الهجيم ، ومراد وعذرة وبعضهم يفر من الياء مطلقا في التثنية والأسماء الستة وعلى والي قال الراجز ، (أي قلوص راكب تراها طاروا على هن فطر علاها) ، (إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها) ، قال هو بز الحارثي أنشده الكسائي ، (تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم) ، معناه وإلى موضع هابيء التراب أي ترابه مثل الهباء يريد به القبر ثم وصفه بأنه عقيم أي لا مسكن له بعده وأنشد غيره ، (كأن صريف ناباه إذا ما أمرهما ترنم أخطبان) ، وقال أبو حاتم ، قال أبو زيد سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول جئت إلاك وسلمت علاك قلت فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها ما يشمل جميع مواضع التثنية ومنها ما يختص باسم الإشارة قيل شبهت ألف التثنية بألف يفعلان فلم تغير وقيل لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه وحرف الإعراب لا يتغير وقيل الألف في هذان هي ألف هذا وألف التثنية حذفت لالتقاء الساكنين وقيل جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه

الصفة كما قالوا في المضمر أنتما وهما لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات فلم تعرب تثنيتهما وقيل فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان كما يقال رحيان وحبليان ، وقال الفراء الألف من هذا دعامة وليست بلام فعل فلما ثنيته زدت عليها نونا ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول في كل حال كما قالت العرب الذي ثم زادوا نونا تدل على الجمع فقالوا الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كذا تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه قلت وإنما اكتفوا بالنون في هذين الضربين لأنها لا تحذف لإضافة ولما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية ، قال وكنانة تقول ألذون وقال النحاس سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال سألني عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت لما كان يقال هذا في موضع النصب والخفض والرفع على حال واحد وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد قلت هذه سبعة أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا وهي مفرقة في كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه في الاحتجاج لهذه القراءة وليست الحجة إلا في كونها لغة لبعض العرب إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعاني أو بعضها فترى بعضهم يقول في تعليل هذه القراءة خمسة أقوال وبعضهم يقول ستة وبعضهم بلغ بها تسعة وليس لها عندي إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا وهو أنها على لغة هؤلاء القوم ووجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة وهذان فيها كلها اسم لأن القول الثاني أن تكون أن بمعنى نعم ، وقد ثبت ذلك في اللغة كأنهم لما (تنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى) ، أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون نعم ، هو كما تقولون أو قال لهم فرعون وملاؤه (هذان ساحران) ، فانظروا كيف تصنعون في إبطال ما جاءا به فقالوا نعم ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا "هذا إن لساحران" ،

وهذا القول محكي عن جماعة من النحاة المتقدمين قال النحاس وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل ابن إسحاق يذهبان قال ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه قلت وهذا القول يضعفه دخول اللام في خبر المبتدإ فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو لهما ساحران فتكون داخلة على مبتدأ ثم حذف للعلم به ، واتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك قال وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد يعني القاضي فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا وقال أبو علي هذا تأويل غير مرتضى عندي إذ يقبح أن يذكر التأكيد ويحذف تفسير المؤكد ، أو شيء من المؤكد القول الثالث قال الزجاج النحويون القدماء ، الهاء ههنا مضمرة ، المعنى "إنـ"ـه هذان لساحران" ، يعني إنه ضمير الشأن والجملة بعده مبتدأ وخبر وفيه بعد من جهة اللام كما سبق ومن جهة أخرى ، وهي حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا في الشعر ومنهم من قال ضمير الشأن والقصة موجود وهو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه ولكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة فإنها إن حملت على تلك اللغة فهي لغة مهجورة غير فصيحة ولأن لغة القرآن خلافها بدليل قوله تعالى (إحدى ابنتي هاتين) ، وجميع ما فيه من ألفاظ التثنية فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التي في الرفع بالألف وبالياء في النصب والجر وإن حملت على أن ، إن بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان والله المستعان وقول الناظم فأجمعوا صل أي ائت بهمزة الوصل في قوله

تعالى (فأجمعوا كيدهم) ، وافتح الميم فهو موافق لقوله ( فجمع كيده) ، المتفق عليه وقراءة الباقين بهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أمره إذا أحكم وعزم عليه وكلاهما متقارب ، والذي في يونس بالقطع (فأجمعوا أمركم وشركاؤكم) ، وحولا حال وهو العارف بنحو الأمور والله أعلم
(878)
وَقُلْ سَاحِرٍ سِحْرٍ (شَـ)ـفَا وَتَلَقَّفُ ارْفَعِ الْجَزْمَ مَعْ أُنْثى يُخَيَّلُ (مُـ)ـقْبِلاَ
، يريد "إنما صنعوا كيد سحر" أي الذي صنعوه كيد من صانعة السحر وقرأ حمزة والكسائي "كيد سحر" على تقدير "كيد من سحر" أو "كيد لسحر" نحو باب ساج وضرب زيد والتقدير "كيد ذي سحر" أو عبر عن الساحر بالسحر مبالغة فيتحد معنى القراءتين (وتلقف ما صنعوا) ، الرفع على الاستئناف أو في موضع الحال المقدرة من فاعل ألقى أو مفعوله ، فالتاء للخطاب على الأول وللتأنيث على الثاني ، وإنما أنث والمفعول هو ما بمعنى الذي اعتبارا بالمدلول وهو العصا وجزم تلقف على جواب الأمر وهي قراءة الجماعة ولم يرفع غير ابن ذكوان وحده وهو الذي قرأ تخيل إليه بالتأنيث فقول الناظم "مقبلا" رمز للحرفين تلقف وتخيل ومقبلا حال من فاعل ارفع ، وأقام قوله أنثى مقام تأنيثا إقامة للاسم مقام المصدر وهو استعمال بعيد في مثل هذا أو أراد مع كلمة أنثى أي مؤنثة ثم بينها بقوله تخيل أي هي تخيل وجعلها أنثى لما كان التأنيث فيها ووجه التأنيث أن يكون الضمير في تخيل للحبال والعصى ، ويكون قوله "أنها تسعى" بدل اشتمال منه وعلى قراءة التذكير يكون قوله "أنها تسعى" وهو مرفوع تخيل أي تخيل إليه سعيها
(879)
وَأَنْجَيْتُكُمْ وَأَعَدْتُكُمْ مَا رَزَقْتُكُمْ (شَـ)ـفَا لاَ تَخَفْ بِالْقَصْرِ وَالْجَزْمِ (فُـ)ـصِّلاَ

يريد (قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم)-(يا بني إسرائيل كلوا من طيبات ما رزقناكم) ، الكل بنون العظمة في قراءة الجماعة وقرأ الثلاثة حمزة والكسائي بتاء المتكلم على ما لفظ به الناظم ولم يبين القراءة الأخرى لظهور أمرها وأجمعوا على النون في قوله (ونزلنا عليكم المن والسلوى) ، وهو متوسط بين هذه الكلم وبه احتج أبو عمرو في اختيار قراءته ووافقه أبو عبيد على صحة الاحتجاج ووجه قراءة التاء قوله بعد ذلك (فيحل عليكم غضبي) ، ولم يقل غضبنا وكل ذلك من باب الالتفات وتلوين الخطاب ، وهو باب من أبواب الفصاحة معروف في علم البيان وقرأ حمزة وحده (لا تخف دركا) ، بالجزم على جواب الأمر وهو قوله ، (فاضرب لهم طريقا) ، أي إن تضرب لا تخف ويجوز أن يكون استئناف نهى ، ولما سكنت الفاء للجزم سقطت الألف من تخاف لالتقاء الساكنين فعبر الناظم بالقصر عن حذف الألف وبالجزم عن سكون الفاء وقرأ غير حمزة لا تخاف بإثبات الألف ورفع الفاء وهو في موضع الحال ، أي اضرب غير خائف ولا خاش أو يكون مستأنفا أي لست تخاف ولا تخشى وعلى قراءة الجزم يكون ولا تخشى بعده منقطعا أو مشيع الفتحة لأجل الفاصلة والله أعلم
(880)
وَحاَ فَيَحِلَّ الضَّمُّ فِي كَسْرِهِ (رِ)ضاً وَفِي لاَمِ يَحْلِلْ عَنْهُ وَافَى مُحَلَّلاَ
يريد (فيحل عليكم غضبي ومن يحلل) ، قرأهما الكسائي بضم الحاء من حل يحل إذا نزل وغيره بالكسر من حل يحل إذا وجب من حل الدين يحل ، وقد أجمعوا على كسر (أن يحل عليكم غضب من ربكم)-(ويحل عليه عذاب مقيم) ، وعلى ضم (أو تحل قريبا من دارهم) ، وأشار بقوله وافى محللا إلى جوازه وفاعل وافى ضمير عائد على الضم في كسره ، أي وافى ذلك في لام يحلل أيضا
(881)
وَفي مُلكِناَ ضَمٌّ (شَـ)ـفَا وَافْتَحُوا (أُ)ولِي (نُـ)ـهَى وَحَمَلْناَ ضُمَّ وَاكْسِرْ مُثَقِّلاَ

يريد (ما أخلفنا موعدك) ضم الميم حمزة والكسائي وفتحها نافع وعاصم وكسرها الباقون فالملك بالضم السلطان وبالفتح مصدر ملك وبالكسر ما حازته اليد ، أي بسلطاننا أو بأن ملكنا أمرنا أو باختيارنا ، واختار أبو عبيد قراءة الكسر واستبعد الضمة وقال أي ملك كان لبني إسرائيل يومئذ وقوله "أولى نهى" أي أصحاب عقول وهو حال من فاعل افتحوا أو منادى على حذف حرف الندا وحملنا وحملنا بضم الحاء وكسر الميم وتشديدها ظاهران والله أعلم
(882)
(كَـ)ـمَا (عِـ)ـنْدَ (حِرْمِيٍّ) وَخَاطَبَ تَبْصِرُوا (شَـ)ـذَّا وَبِكَسْرِ الَّلامِ تُخْلِفَهُ (حَـ)ـلاَ
هؤلاء هم الذين قرءوا حملنا بالضم والتشديد أي افعل كما في مذهب هؤلاء في هذا الحرف والغيبة في يبصروا به لبني إسرائيل والخطاب لأجل قوله فما خطبك وتبصروا فاعل خاطب لما كان الخطاب فيه وشذا حال ، أي ذا شذا ، ثم قال وتخلفه حلا بكسر اللام أي لا يقدر على إخلافه وبفتح اللام أي لا يخلفك الله إياه ثم قال
(883)
دُرَاكِ وَمَعْ يَاءِ بِنَنْفُخُ ضَمُّهُ وَفي ضَمِّهِ افْتَحْ عَنْ سِوى وَلَدِ الْعُلاِ
دراك أي أدرك ، ومراده لحق بمن سبق وهو رمز لابن كثير على كسر لام لن تخلفه ثم ذكر-(يوم ينفخ في الصور)-قرأه أبو عمرو بالنون على إسناد الفعل إلى الله تعالى بنون العظمة أي نأمر بالنفخ فيه فهو موافق لقوله بعده وعشر وقرأ الباقون بياء مضمومة ، وفتح الفاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله والهاء في ضمه الأولى للياء وهو مبتدأ وما قبله خبره كما تقول مع زيد بالدار غلامه والهاء في ضمه الثانية للفظ بنفخ يريد ضم الفاء والله أعلم
(884)
وَبِالْقَصْرِ لِلْمَكِّي وَاجْزِمْ فَلاَ يَخَفْ وَأَنَّكَ لاَ فِي كَسْرِهِ (صَـ)ـفْوَةُ (ا)لْعُلاَ

يريد-(فلا يخاف ظلما ولا هضما)-الجزم على نهى الغائب والرفع على الإخبار ولا خلاف في الذي في سورة الجن (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) ، أنه مرفوع وأنك لا تظمؤ بالكسر عطف على إن لك أن لا تجوع-وإن ذلك أن لا تظمأ وبالفتح عطف على أن لا تجوع ولا يلزم من ذلك إدخال إن المكسورة على المفتوحة لأن هذا هنا تقدير ولأن لك قد فصل بينهما والله أعلم
(885)
وَبِالْضَّمِّ تُرْضَى (صِـ)ـفْ (رِ)ضاً يَأْتِهِمْ مُؤَنَّثٌ (عَـ)ـنْ (أُ)ولِي (حِـ)ـفْظٍ لَعَلِّي أَخِي حُلاَ
يريد لعلك بضم التاء وفتحها ظاهر وكذا أو لم يأتهم بينة بالتاء والياء لأن تأنيث بينة غير حقيقي ، أي صف ترضى بالضم إذا رضي ويأتهم مؤنث عن أصحاب حفظ أي منقول عن العلماء الحفاظ ثم ذكر ياءات الإضافة وهي ثلاث عشرة في هذه السورة لعلي آتيكم فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر أخي اشدد فتحها ابن كثير وأبو عمرو وقوله حلا أي ذو حلا أو يكون أخبر بلفظ الجمع عن الاثنين لأنهما أقل الجمع على الرأي المختار
(886)
وَذِكْرِي مَعاً إِنِّي مَعاً لِي مَعاً حَشَرْتَنِي عَيْنِ نَفْسِي إِنَّنِي رَاسِيَ انْجَلاَ
يعني-(وأقم الصلاة لذكري إن الساعة)-فتحها نافع وأبو عمرو في ذكري اذهبا إني آنست نار-(إني أنا ربك لي أمري)-لنفسي اذهب إنني أنا الله-فتح الستة هذه الحرميان وأبو عمرو (ولي فيها مآرب) فتحها ورش وحفص (حشرتني أعمى)فتحها الحرميان-على عيني إذ تمشي ولا برأسي إني خشيت-فتحهما نافع وأبو عمرو وحذف الياء من عيني ضرورة وفيها زائدة واحدة-أن لا تتبعن أفعصيت-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وقلت في ذلك ، (فتلك ثلاث بعد عشر وزائد بتتبعني الآت من بعد لفظ لا) ، أي الذي أتى من بعد لفظ لا
سورة الأنبياء
(887)
وَقُلْ قَالَ (عَـ)ـنْ (شُـ)ـهْدٍ وَآخِرُهَا (عَـ)ـلاَ وَقُلْ أَوَلَمْ لاَ وَاوَ (د)ارِيهِ وَصَّلاَ

أي مقروء قال يريد-قل ربي يعلم القول-قرأه حمزة والكسائي وحفص على رسمها في مصاحف الكوفة دون غيرهم وفي آخر السورة-قل رب احكم بالحق-قرأه حفص وحده قال أي قال الرسول وقل أمر له بذلك ولما أمر به قاله والواو في أولم ير الذين كفروا لم تكتب في مصاحف أهل مكة فلم تثبت في قراءة ابن كثير وفائدتها العطف ومعنى داريه وصلا أي عالمه وصله أي نقله وعلمه والله أعلم
(888)
وَتُسْمِعُ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ غَيْبَةً سِوَى الْيَحْصَبِي وَالصُّمَّ بِالرَّفْعِ وُكِّلاَ
يريد ولا تسمع الصم الدعاء-قراءة ابن عامر على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلزم أن تكون التاء مضمومة والميم مكسورة لأنه مضارع اسمع ونصب لفظ الصم لأنه مفعول به وغيره جعل الصم فاعلا فرفعه وأسند نفي السماع إليه فلزم فتح ضم الياء وكسر الميم لأنه مضارع سمع ولزم أن يكون أوله ياء على الغيبة فقوله غيبة ، أي ذا غيبة
(889)
وَقَالَ بِهِ فِي النَّمْلِ وَالرُّومِ (دَ)ارِمٌ وَمِثْقَالُ مَعْ لُقْمَانَ بِالرَّفْعِ (أَ)كْمِلاَ
به أي بما ذكرناه دارم أي شيخ معمر وقد سبق معناه في سورة النساء ، يعني أن ابن كثير وحده قرأ في مثل هذا في النمل والروم بما قرأ به الجماعة هنا ووافق الباقون لابن عامر على ما قرأ به وحده هنا وأما-وإن كان مثقال حبة وفي لقمان (يا بني إنها إن تك مثقال حبة) ، فرفعه نافع وحده في الموضعين على أن كان تامة كما قرأ هو وابن كثير في سورة النساء (وإن تك حسنة يضاعفها) ، وكما أجمعوا على وإن كان ذو عسرة والنصب على أنه خبر كان والتقدير وإن كان الشيء مثقال حبة وفي لقمان تك المظلمة مثقال ، وعلى قراءة نافع يكون تأنيث الفعل على المعنى لأن المثقال سيئة أو حسنة كما قال (فله عشر أمثالها) ، بقوله بالرفع أكملا إلى أن الجملة على قراءة الرفع لا تحتاج إلى تقدير اسم لكان والله أعلم
(890)

جُذَاذاً بِكَسْرِ الضَّمِّ (رَ)اوٍ وَنُونُهْ لِيُحْصِنَكُمْ (صَـ)ـافي وَأُنِّثَ (عَـ)ـنْ (كِـ)ـلاَ
أي قرأه راو فالمكسور جمع جذيذ بمعنى مجذوذ كخفاف وكرام في جمع خفيف وكريم والمضموم جمع جذاذة كزجاجة وزجاج ، وقيل الضم واحد في معنى الجمع كالرفاة والفتاة وهذا بناء ما كسر وفرقت أجزاؤه وقيل هما لغتان ، قال أبو علي جذاذ الشيء إذا قطعته ومثل الجذاذ الحطام والرفات والضم في هذا النحو أكثر والكسر فيما زعموا لغة وهي قراءة الأعمش وقرأ أبو بكر وحده لنحصنكم من بأسكم بالنون لقوله وعلمناه صنعة لبوس لكم-فهي نون العظمة وقرأه حفص وابن عامر بالتاء تأنيثا للفعل على الحمل على المعنى أي ليحصنكم اللبوس لأن المراد بها الدروع أو التقدير لتحصنكم الصنعة وقرأ الباقون بالياء على التذكير أي ليحصنكم الله تعالى أو داود أبو اللبوس لأنه بمعنى ملبوس أو التعليم الذي دل عليه وعلمناه كل ذلك قد قيل وهو صحيح واختار أبو عبيد قراءة الياء ، قال لأن اللبوس أقرب إلى الفعل وهو ذكر فكان أولى به وقول الناظم ونونه على تقدير ولنحصنكم نونه صافي على التقديم والتأخير ومثله ما سبق في يونس وبنونه ونجعل صف أي ونجعل صف بنونه ويجوز أن يكون لنحصنكم ونجعل كلاهما بدلا من الهاء كما تقول ضربته زيدا واضمر ذلك على شريطة التفسير تفخيما له وصافا فعل من المصافاة وقراءة الجماعة بالياء يجوز أن نأخذها من كونها تذكيرا فهو ضد للتأنيث إن عادت على اللبوس ويجوز أن نأخذها من الضد للنون إن عادت على الله سبحانه أو على داود عليه السلام أو على التعليم ، وإنما لم يقل وبالتاء عن كلا لئلا يشتبه بلفظ الياء
(891)
وَسَكَّنَ بَيْنَ الْكَسْرِ وَالْقَصْرِ (صُحْبَةٌ) وَحِرْمٌ وَنُنْجِي إِحْذِفْ وَثَقِّلْ (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7