كتاب : معانى القرآن للفراء
المؤلف : أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء

وقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ...}
من مثل فُلْك نوح {مَا يَرْكَبُونَ} يقول: جعلنا لهم السُّفن مُثّلت عَلى ذلكَ المثال. وهى الزواريق وأشباهها ممَّا يركب فيه الناس. ولو قرأ قارئ: من مَثَلَه كان وَجْهاً يريد من مثاله: أسمعْ أحَداً قرأ به.

{ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ }

وقوله: {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ...}
الصرِيخ: الإغاثة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( يس )

{ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ }

وقوله: {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا...}
يقولُ: إلاَّ أن نفعل ذلك رحمة. وقوله {وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} يقول: بقاء إلى أجَلٍ، أى نرحمهم فنمتّعهم إلى حين.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }

وقوله: {اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ...}
من عذاب الآخرة {وَمَا خَلْفَكُمْ} من عذاب الدنيا ممّا لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومَن مضَى.
وقوله: {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ...}
جَواب للآية، وجواب لقوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ} فلمّا أن كانوا معرضين عن كلّ آية كفى جوابُ واحدةٍ من ثنتين، لأن المعْنَى: وإذا قيل لهم: اتقُوا أعرضوا، وإذا أَتتهم آية أعرضوا.

{ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ }

وقوله: {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ...}

قرأهَا يحيى بن وثّابٍ (يخْصِمُونَ) وقرأها عَاصِم (يَخِصَّمُون) ينصب اليَاء ويكسر الخاء. ويَجُوز نصب الخاء؛ لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعْرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأهَا أهْل الحجاز {يَخْصّمونَ} يشدّدون ويجمعون بين ساكنين. وهى فى قراءة أُبَىّ بن كعب (يَخْتَصِمونَ) فهذه حجّة لمن يشدد. وأما معنى يَحْيى بن وثّابٍ فيكون عَلى مَعْنى يَفعَلونَ من الخُصومة كأنه قال: وهم يتكلّمون ويكون عَلى وجهٍ آخر: وهم يخصمونَ: وهم فى أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أى تأخذهم السَّاعة لأن المعنى: وهم عند أنفسهم يَغلبون من قال لهم: أن الساعة آتية.
المعاني الواردة في آيات سورة ( يس )

{ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }

وقوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً...}
يقول: لا يستطيعُ / ب بعضهم أن يوصى إلى بعضٍ. {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أى لايَرْجعونَ إلى أهْلهم قولاً. ويقال: لا يرجعون: لا يستطيعُون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.

{ قَالُواْ ياوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }

وقوله: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا...}
يقال: إن الكلام انقطع عند المَرْقد. ثم قالت المَلائكة لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} فـ (هذا) و (ما) فى موضع رَفعٍ كأنك قلت: هذا وعد الرحمن. ويكون {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا} فيكون (هذا) من نعت المرقد خفضاً و (مَا) فى موضع رَفعٍ. بَعثكم وَعْدُ الرحمن. وفى قراءة عَبْدالله بن مسعود {مَنْ أَهَبَّنا من مرقدنا هَذا} والبَعْث فى هَذَا الموضع كالاستيقاظ؛ تقول: بعثت ناقتى فانبعثت إذا أَثارها.

{ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ }

وقوله: {فَاكِهُونَ...}

بالألف. وتقرأ {فكِهونَ} وهى بمنزلة حَذِرون وحاذرونَ وهى فى قراء عبدالله (فاكهينَ) بالأَلف.

المعاني الواردة في آيات سورة ( يس )

{ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ }

وقوله: {عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ...}
وَ {عَلى الأرائك متكِئينَ} منصوباً عَلى القطع. وفى قرَاءتنا رفع. لأنها منتهى الخبر.
وقوله {فِي ظُلَلٍٍ} أراد جمع ظُلُة وظُلَل. ويكون أيضاً {ظِلاَلاً} وهى جمع لظُلّة كما تقول: خُلَّة وَحُلَل فإذا كثرتْ فهى الحِلال. والجِلاَل والقِلاَل. ومن قال: {فِي ظِلاَلٍ} فهى جمع ظلّ.

{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }

وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلاً...}
وفى قراءة عبدالله {سَلاَماً قوْلاً} فمن رفع قال: ذلكَ لهم سلام قولا، أى لهم ما يدَّعون مُسَلّم خالص، أى هو لهم خالص، يجعله خَبراً لقوله {لَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} خالص. ورُفع عَلى الاستئناف يريد ذلكَ لهم سَلام. ونَصْب القول إن شئت عَلى أن يخرج من السَّلاَم كأنك قلت قاله قولاً. وإن شئت جَعلته نصباً من وقوله {لهم ما يدعون} [قولاً] كقولك: عِدَة من الله.

{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

وقوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ...}
وفى قراءة عبدالله (ولِتُكَلّمنَا) كأنه قال: نختم على أفواههم لتكلمنا. والواو فى هَذا الموضع بمنزلة قوله {وَكَذِلِكَ نُرِى إبراهيمَ مَلَكُوتَ السَمَواتِ والأَرْضِ وَلِيَكُون}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( يس )

{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }

وقوله: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ...}
قرَأ عاصِم والأعمش وحمزة (ننكِّسْه) بالتشديد وقرأ الحسن وأهل المدينة (نَنْكُسْهُ) بالتخفيف وفتح النون.

{ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ }

وقوله: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ...}
اجتمع القراء عَلى فتح الرَّاء لأن المعنى: فمنها ما يركبون. ويقوّى ذلك أن عَائشة قرأت (فَمِنْها رَكُوبَتُهم) ولو قرأ قارئ: (فمنها رُكوبهم) كما تقول: منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجهاً.

{ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ }

وقوله: {مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ...}
ولم يقل: الخُضْر. وقد قال الله {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} ولم يقل: أخضر. والرَفْرف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتمَاعاً وأشبه بالواحِد من الرفرف؛ ألا ترى اجتمَاعه كاجتمَاع العُشْب والحَصَى والتمر، وأنت تقول: هذا حَصىً أبيض وحَصىً أسود، لأنّ جمعه أكثر فى الكلام مِن انفرادِ واحِده. ومثله الحنطة السمراء، وهى واحدة فى لفظ جمع. ولو قيل حنظة سُمر كان صواباً ولو قيل الشجر الخُضْر كان صوابا كما قيل الحنطنة السمراء وقد قال الآخر:
* بهرجاب ما دام الأراك به خُضْراً *
فقال: خُضْراً ولم يَقل: أخضر. وكلّ صَوَاب. والشجر يؤنَّث ويذكر. قال الله {لآكِلوُنَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُون} فأنَّث. وقال {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} فذكَّر ولم يقل: فيهَا. وقال {فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} فذكّر.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الصافات )

{ وَالصَّافَّاتِ صَفَّا }

وقوله:{وَالصَّافَّاتِ...}
تخفض التاء من {الصافات} ومن {التالياتِ} لأنه قَسَمٌ. وَكَانَ ابن مسعودٍ يُدغم {وَالصَّافَّاتِ صَفَّا} وكذلك {والتاليات} {والزاجرات} يدغم التاء منهن والتبيان أجود؛ لأن القراءة بنيت عَلَى التفصيل والبيان.
وهذه الأحرف - فيما ذكروا - الملائِكة.

{ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ }

قوله: {إنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ...}
تضاف الزينة إلى الكواكب. وهى قراءة العَامّة. حدّثنا أبوالعباس، قال حدثنا محمد قال حدّثنا الفراء. قال: وحدّثنى قيس وأبو معاوية عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق أنه قرأ (بِزِيَنَةٍ الكَوَاكبِ) يخفض الكواكب بالتكرير فيَرُدّ معرفة عَلى نكرة، كما قال {لَنَسْفَعاً بِالنَاصِيةِ نَاصِيَةٍ كاذِبَةٍ خَاطِئةٍ} فردّ نكِرة على معرفةٍ. ولو نَصبت {الكواكب} إذا نَوَّنت فى الزينة كان وجهاً صَواباً. تريد: بِتَزْييننا الكواكبَ. ولو رفعت {الكواكب} تريد: زيَّناهَا بتزيينها الكواكبُ تجعل الكواكب هى التى زيَّنت السّمَاء.

{ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ }

وقوله: {لاَّ يَسَّمَّعُونَ...}
قرأهَا أصْحاب عبدالله بالتَّشديد عَلى مَعنى يتَسمعّونَ. وقرأهَا الناسُ {يَسْمَعُونَ} وكذلك قرأهَا ابن عباس؛ وقال: هم {يَتسَمَّعُون ولا يَسْمَعُون}.
وَمَعْنى (لا) كقوله {كَذَلكَ سَلَكْنَاهُ فىِ قُلُوبِ المُجْرِمِينَ لاَ يُؤمِنُون بِهِ} لو كان فى موضع (لا) (أَنْ) صلح ذلكَ، كما قال {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} وكَمَا قَالَ{وَأَلْقىَ فِى الأَرْضِ رَوَاسِىَ أن تمِيدَ بكم} ويصلح فى (لا) عَلى هذا المعْنَى الجزم. العرب تقول: ربطت الفرسَ لا ينفلتْ، وأوثقتُ عبدى لا يفرِرْ. وأنشدنى بعض بنى عُقَيلٍ:
وَحتّى رَأينا أحسَنَ الوُدِّ بينَنَا * مساكتةً لا يَقْرِفِ الشرَّ قَارفُ
وبعضهم يقول: لا يَقرْفُ الشّر والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلكَ جَاء القرآن.
وقوله: {مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً...(-)}

بضمّ الدال. ونَصَبها أبو عبدالرحمن السُلَمِىّ. فمنَ ضمَّها جَعَلها مصدراً؛ كقولك: دَحرته دُحُوراً. ومن فتحها جَعَلها اسماً؛ كأنه قالَ: يقذفون بداحرٍ وبما يَدْحرُ. وَلستُ أشتهيها؛ لأنها لو وُجِّهت عَلى ذلكَ على صحَّةٍ لكانت فيها البَاء: كما تقول: يُقذفون بالحجارة، ولا تقول يُقذفونَ الحجارةَ. وهوَ جائزِ؛ قال الشاعر:
نُغَالى اللحم للأضيافِ نِيئاً * وتُرخصه إذا نضِجَ القدورُ
والكلام: نغالى باللحم.
وقوله: {عَذابٌ وَاصِبٌ} {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} دائم خالصٌ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ }

قوله: {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ...}
اللازب: اللاصق. وقيس تقول: طين لاتب. أنشدنى بعضهم:
صُدَاعٌ وتَوْصيم العظام وفَتْرة * وغَثْىٌ مع الإشراق فى الجَوْف لاتب
والعرب تقول: ليس هذا بضربةِ لازب ولازم، يبدلون الباء ميماً؛ لتقارب المخرج.

{ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ }

وقوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ...}
قرأها الناس بنصب التاء ورَفْعها والرفع أحبّ إلىَّ لأنها قراءة عَلىٍّ وابن مسعودٍ وعبدالله بن عبّاسٍ. حدّثنا أبو العباس قال حَدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدَّثنى مِنْدَل بن عَلىّ العَنَزىّ عن الأعمش قال: قال شقيق: قرأت عند شُرَيْحٍ (بَلْ عجبتُ ويَسْخَرُوَن) فقال: إن الله لا يَعْجب منْ شىءٍ، إنها يَعجب مَن لا يعلم. قال: فذكرت ذلكَ لإبراهيم النَخَعىّ فقال: إن شُريحاً شاعر يعجُبهُ عِلمه، وعبدالله أعلم بذلكَ منه. قرأَهَا (بل عجبتُ ويَسْخَرُونَ).

قال أبو زكريّا: والعجب ب وإن أُسند إلى الله فليسَ مَعْنَاه من الله كمعنَاه مِنَ العباد، ألا ترى أَنه قال {فيَسْخَرُونَ منهمْ سَخِر اللهُ مِنْهُمْ} وليسَ السُخْرِىّ من الله كمعناه {منَ العبَاد} وكذلك قوله {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} {ليسَ ذلك مِنَ الله كمعنَاه من العباد} ففى ذَابيان (لكسر قول) شُرَيح، وإن كان جَائِزاً لأنّ المفسرينَ قالوا: بل عجبتَ يا محمد ويَسخرونَ هم. فهذا وجهُ النصب.

{ قَالُواْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ }

وقوله: {كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ...}
يَقُول: كنتم تأتوننا من قِبَل الدِّين، أى تأْتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القدرة والقوّة. وكذلك قوله {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِاليَميِن} أى بالقوّة والقدرة.
وقال الشاعر:
إذا مَا غاية رُفِعت لمجدٍ * تلقَّاهَا عَرَابةُ باليمينِ
بالقُدرة والقوَّة. وقد جَاء فى قوله {فَرَاغَ عَليهِمْ ضَرْباً بِاليمينِ} يقول: ضربهم بيمينه التى قالها {وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنَامَكُمْ}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ }

وقوله: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ...}
لو قلت: لا غَوْلَ فيها كان رفعاً ونصباً. فإذا حُلْت بينَ لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرهَا من الصفات لم يكن إلا الرفع. والغَوْل يقول: ليسَ فيها غِيلة وَغَائِلة وغُول وغَوْل.
وقوله: {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} و {يُنْزَفُون} وأصْحَاب عَبْدِالله يقرءونَ (يُنْزِفُون) وله معنيان. يقال: قد أنْزف الرجلُ إذا فنِيت خَمرُهُ. وأَنْزَف إذا ذهبَ عقله. فهذان وجهان. ومن قال {يُنْزَفونَ} يقال: لا تذهب تقولهم وهو من نُزِف الرجلُ فهو مَنْزوف.

{ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ }

وقوله: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ...}

هذا رجل مِنْ أهِل الجنّة، قد كان له أخ من أهْل الكفرِ، فأحبَّ أن يَرى مَكانة فَيأذَنَ الله له، فيطّلع فى النار ويخاطبه. فإذا رآه قال {تَاللّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِين} وفى قراءة عَبدالله (إنْ كِدْت لَتُغْوِين)، ولولا رحمة ربى {لَكُنتُ مِنَ المُحْضَرِينَ} أى معك فى النار مُحْضَرا. يقول الله {لِمثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} وهذا منْ قول الله.
وقد قرأ بعض القُرّاء {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ} فكسر النون. وهو شاذّ؛ لأنَّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلاً مجموعاً أو موحّداً إلى اسم مكنّى عنه. فمن ذلكَ أن يقولوا: أنت ضاربى. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباىَ، وللجميع: أنتم ضارِبِىَّ، ولا يقولوا للاثنين: أنتما ضارباننىِ ولا للجميع: ضَاربونَنى. وإنّما تكون هَذه النون فى فعل ويفعل، مثل (ضربونى ويضربنى وضربنى). وربما غلِط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول:أنتَ ضاربُنى، يتوهّم أنه أراد: هَل تضربنى، فيكون ذلك عَلى غير صحَّة.
قال الشاعر:
هل الله من سَرْو العَلاَة مُرِيحُنِى * وَلَمَّا تَقَسَّمْنى النِّبَارُ الكوانِسُ
النِّبْر: دابَّة تشبه القُرَاد. وَقَالَ آخر:
وما أدرى وظنَّى كلُّ ظنٍّ * أمسلُمِنى إلى قَومٍ شَرَاحِ
ا يريد: شراحيل ولم يقل: أمسلمِىّ. وهو وَجه الكلام. وقال آخر:
هم القائِلُون الخيرَ والفاعلونَه * إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعْظَما
ولم يقل: الفاعلوه. وهو وجه الكلام.
وإنما اختاروا الإضَافة فى الاسم المكنّى لأنَهُ يخلتط بمَا قبله. فيصِير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلكَ اسْتحبُّوا الإضَافة فى المكنّى، وقالوا: هما ضاربانِ زيداً، وضاربَا زيدٍ؛ لأن زيدا فى ظهوره لا يختلط بمَا قبله؛ لأنه ليسَ بحرفٍ وَاحِدٍ والمكنّى حرف.

فأمّا قوله {فأُطْلِعَ} فإنه يكون عَلى جهة فُعِل ذلكَ به، كَمَا تقول: دعَا فأجيب يَا هذا. ويكون: هَل أنتم مُطْلِعونِ فأَطَّلِعَ أنا فيَكون منصوباً بجوابِ الفاء.

{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ }

وقوله: {شَجَرَةٌ تَخْرُجُ...}
وهى فى قراءة عبدالله (شجرة نابتة فى أصْل الجحيم).

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ }

وقوله: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ...}
فإن فيه فى العربيَّة ثلاثة أوجه. أحدها أن تشبِّه طَلْعها فى قبحه برءوس الشيَاطين؛ لأنها موصوفه بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائل للرجل: كأنّه شيطان إذا استقبحته. والآخر أن العرب تسمّى بعض الحيّات شيطاناً. وهو حَيّة ذو عُرْف.
قال الشاعر، وهو يذمّ امرأة له:
عنجرد تحلف حين أحلف * كمِثْل شيطانِ الحَمَاط أعرف
ويقال: إنه نبت قبيح يسمّى برءوس الشياطين. والأوجه الثلاثة يذهب إلى معنىً وَاحِدٍ فى القبحِ.

{ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ }

وقوله: {لَشَوْباً...}
الخَلْط يقال: شاب الرجل طعَامه يشوبُه شَوْباً.

{ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ }

وقوله: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ...}
أى يسرعونَ بسيرهم. والإهراع: الإسْرَاع فيه، شبيه بالرِّعدة (ويقال قد أُهْرِع إهراعاً).

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ }

وقوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ...}

(يقول: أبقينَا له ثناءً حَسَناً فى الآخرينَ) ويقال: {تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلى نُوحٍ} أى تركنا عليه هذه الكلمة؛ كما تقول: قرأت من القرآن {الحمدُ لله ربّ العالمين} فيكون فى الجملة فى معنى نصبٍ ترفعها بالكلام. كذلك (سَلام عَلى نوحٍ) ترفعه بِعَلَى، وهو فى تأويل نَصْبٍ. ولو كان: تركنا عليه سَلاماً كان صَوَاباً.

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ }

وقوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ...}
يقول: إن مِن شيعة مُحَمَّدٍ لإبراهيمَ صَلى الله عليه وسلم. يقول: على دِينه ومنهاجه، فهو من شيعتِهِ، وإن كان إبرهيم سَابقاً له. وهذا مِثْل قوله {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} أى ذُرِّيَّة من {هو منهم} فجعلها ذرّيَّتهم وقد سبقتهم.

{ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ }

وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ...}
أى مطعون من الطاعون. وَيقال: إنها كلمة فيهَا مِعراض، أى إنه كلّ من كان فى عنقه الموت فهو سَقيم، وإن لم يكن به حين قالها سُقْم ظاهر. وهو وجه حسن. حدَّثنا أبو العَبَّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى يحيى بن المهلّب أبوكُدَينة عن الحَسَن ابن عُمَارة ب عن المِنهال بن عمرو عن سَعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عبّاس عن أُبَىّ بن كعب الأنصارىّ فى قوله {لا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} قال: لم ينس ولكنها من معاريض الكلام وقد قال عُمَر فى قوله: {إنّ فى مَعَاريض الكلام لَمَا يُغنينا عن الكذب}.
المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ }

وقوله: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ...}
أى مال عليهم ضرباً، واغتنم خَلوتهم من أهل دينهم. وفى قراءة عبدالله (فَراغَ عَليهم صَفْقا باليمين) وكأنّ الروغ ها هنا أنّه اعتلّ رَوْغاً ليفعل بآلهتهم ما فعل.

{ فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ }

وقوله: {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ...}
قرأهَا الأعمش {يُزِفُّونَ} كأنها من أَزففت. ولم نسمعهَا إلاّ زَفَفْت: تقول للرجل: جاءنا يَزِفّ. ولعلّ قراءة الأعمش من قول العرب: قد أطردْت الرجل أى، صيّرته طريداً، وطََردته إذا أنت قلت له: اذهب عنّا فيكون {يُزِفّون} أَى جَاءوا عَلى هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحَال فتدخل الألف؛ كما تقول للرجل: هو محمودٌ إذا أظهرتَ حمده، وهو مُحْمَد إذا رأيتَ أَمره إلى الحمد ولم تنشُر حمده. قال وأنشدنى المفضّل:
تمنَّى حُصَين أن يسود جِذَاعَه * فأَمْسَى حُصَين قد أَذَلّ وأَقْهَرَا
فقال: أَقْهَرَ أى صَار إلى حَالِ القهر وإنما هو قُهِرَ. وقرأ الناس بعدُ {يَزِفُّونَ} بفتح اليَاء وكسر الزاى وقد قرأ بعض القراء {يَزِفونَ} بالتخفيف كأنها من وَزَف يَزف وزعم الكسَائى أَنه لا يعرفها. وقال الفراء: لا أعرفها أيضاً إلاّ أَن تكون لم تقع إلينَا.

{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }

وقوله: {هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ...}
ولم يقل: صَالحاً، فهذا بمنزلة قوله: ادْنُ فأصِبْ من الطعام، وهو كثير: يجْتزأ بِمن عن المضمر؛ كما قال الله {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} ولم يقل: زاهدينَ من الزاهدين.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ }

وقوله: {بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ...}
يريد: فى كِبَره.

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }

وقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ...}

يقول: أطاق أن يعينه على عمله وَسَعْيه. وكان إسْمَاعيل يومئذٍ ابن ثلاث عشرة {فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} وتُقرأ {تُرِى} حَدّثنَا أبو العبّاس قال حدَّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حَدَّثنى هْشَيم عن مُغيرة عن إبراهيم أنه قرأ (فَانْظُرْ ماذَا تُرِى) قال الفراء: وحدَّثنى حفص بن غِيَاث عن الأعمش عن عمَارة بن عمير عن الأسود أنه قرَأها (تَرَى) وأنّ يحيى بن وثّابٍ قرأهَا (تُرِى) وقد رُفع (تُرِى) إلى عبدالله بنْ مَسعود قال الفراء، وحدثنى قيس عن مغيرة عن ابراهيم قال (فانْظُرْ مَاذا تُرِى): تشير، وَ {مَاذَا تَرَى}: تَأمر قال أبو زكريا: وأرى - والله أعْلم - أنه لم يستَشرهُ فى أمر الله، وَلكنه قَالَ: فانظر ما ترِينى من صبرك أو جَزعك، فقال{سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وقد يكون أنْ يطلع ابنَه عَلى مَا أمر به لينظر مَا رأيه وهو مَاضٍ عَلى مَا أُمر به.

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

وقوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ...}
يقول: أسْلمَا أى فَوَّضَا وأطاعَا وفى قراءة عبدالله (سلَّمَا) يقول سَلّمَا من التسليم، كما تقول: إذا أصابتك مُصيبةٌ فسَلِّم لأمر الله أى فارْضَ به.
وقد قال {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ولم يقل (به) كأنه أراد: افعلِ الأمرَ الذى تؤمره. ولو كانت (به) كان وجهاً جيّدا وفى قراءة عبدالله (إنى أَرى فىِ المَنَامِ افعلْ ما أُمِرْت به). ويقال أين جواب قوله {فَلَمّا أسْلَما؟}.
وَجَوابها فى قوله {وَنَادَيْنَاهُ} والعرب ا تدخل الواو فى جواب فَلَمّا {وحَتّى إذا} وتُلْقيَها. فمن ذلكَ قوله الله {حَتَّى إذَا جاءُوهَا فُتِحَتْ} وفى موضع آخر {وَفُتِحَتْ} وكلّ صَوَابٌ. وفى قراءة عبدالله (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بجَهَازِهِمْ وجَعَل السِّقَايَةَ} وفى قراءتِنَا بغير واو وقد فسرناه فى الأنبيَاء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }

وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ...}
والذِّبْح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبْح. ويقال: إنه رَعَى فى الجنة أربعين خريفاً فأَعظِمْ به. وقال مجاهد {عظيمٍ} متقبَّل.

{ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ }

وقوله: {وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبينَ...}
فجعلهَا كالجمع، ثم ذكرهما بعد ذلكَ اثنين وهذا من سعة العربيَّة: أن يُذهَب بالرئيس: النبىِّ والأمير وشبهه إلى الجمع؛ لجنوده وأتبَاعه، وإلى التوحيد؛ لأنه واحد فى الأصل. ومثله {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ} وفى موضع آخر {وَمَلَئِهِ} وربّما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع؛ كما يُذهب بالواحِدِ إلى الجمع؛ ألى ترى أنَك تخاطب الرجل فتقول: مَا أحسنتم ولا أجملتم، وأنت تريده بعينه، ويقول الرجل للفُتْيا يُفتى بها: نحن نقول: كذا وكذا وهو يريد نفسه. ومثل ذلكَ قوله فى سورة ص {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذ تَسوَّرُوا المِحْرَابَ} ثم أعاد ذكرهَما بالتثنية إذْ قال: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلى بَعْضٍ}.

{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }

وقوله: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ...}
ذُكر أنه نبىٌّ، وأنّ هَذَا الاسمَ اسم من أسمَاء العبرانيّة؛ كقولهم: إسماعيل وإسحَاق والألف واللام منه، ولو جعلته عربيّاً من الألْيسَ فتجعله إفعالاً مثل الإخراج والإدخالِ لَجرَى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ }

وقوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً...}

ذكروا أَنه كان صنماً من ذهب يُسمَّى بعلاً، فَقَال {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أى هذا الصَّنم ربّاً. ويقال: أتدعونَ بَعلاً ربّاً سوَى الله. وذُكر عن ابن عبّاسٍ أن ضالّةٍ أُنْشِدت، فجاء صَاحبها فقال: أنا بعلها. فقال ابن عباسٍ: هذا قول الله {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أى ربّاً.

{ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ الأَوَّلِينَ }

وقوله: {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ الأَوَّلِينَ...}
تقرأ نصباً ورفعاً. قرأها بالنَّصب الربيع بن خَيْثم.

{ سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ }

وقوله: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ...}
فجعله بالنون. والعجمىُّ من الأسْمَاء قد يفعل به هذا العربُ. تقول: ميكالُ وميكائِيل وميكائل وميكائينُ بالنون. وهى فى بنى أسَدٍ يقولونَ: هذا إسْمَاعِين قد جَاء، بالنون، وسَائر العرب باللام. قال:وأنشدنى بعض بنى نُمَير لضب صَاده بعضهم:
يقول أهلُ السوق لما جينا * هذا وَربِّ البيت إسرائينا
فهذا وجه لقوله: إلياسينَ. وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعاً. فتجعَل أصحابه داخلين فى اسمه، كما تقول للقوم رئيسُهم المُهَلّب: قد جاءتكم المهالبة والمهلَّبون، فيكون بمنزلة قوله: الأشعرِين والسَّعْدِين وشبهه. قال الشاعر:
* أنا ابن سعدٍ سَيّدِ السَّعْدِينا *
وهو فى الاثنين أكثر: أن يضمّ أحدهما إلى صَاحبه إذا كان أَشهر منه اسماً؛ كقول الشاعر:
جزانى الزَّهدمان جزاء سَوءٍ * وكنتُ المرءَ يُجزَى بالكرامَهْ
واسم أحدهما زَهْدَم. وقال الآخر:
جزى الله فيهَا الأعوَرَين ذَمَامَةً * وفروة ثَغْر الثورَةِ المتضَاجِم
واسم أحدهما أَعور:

وقد قرأ بعضهم {وَإنّ اليَأْسَ} يجعَل اسْمَه يَأساً، أدخل عَليه الألف واللام. ثم يقرءون {سَلاَمٌ عَلَى آل يَاسِينَ} جَاء التفسير فى تفسير الكلبىّ عَلى آل ياسينَ: عَلى آلِ محمد صلى الله عليه وسلم. والأوّل أشبه بالصَّواب - والله أعلم - لأنها فى قراءة / ب عبدالله {وَإِنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المرسَلينَ} {سَلاَمٌ عَلى إِدْراسِين} وقد يَشهد عَلى صَوَاب هَذَا قوله: {وَشَجَرَةً تُخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} ثم قَالَ فى موضع آخر {وَطُورِ سِينِينَ} وهو معنىً واحدٌ وموضع واحدٌ والله أعلم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ }

وقوله: {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ...}
السَّفينة إذا جُهزّت وملئت وَقعَ عَليهَا هَذا الاسم. والفُلْك يذكَّر ويؤنّث ويُذهب بهَا إلى الجمع؛ قال الله {حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِى الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} فجعلها جمعاً. هو بمنزلة الطفل يكون واحداً وجَمعاً، والضيفُ والبَشَر مثله.

{ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ }

وقوله: {الْمُدْحَضِينَ...}
المغلوبين. يقال: أدحض الله حُجَّتك فَدحَضتْ. وهوَ فى الأصْل أنْ يَزْلَق الرَّجُل.

{ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ }

وقوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ...}
وهو الذى قد اكتسَبَ اللَوْم وإن لم يُلَمْ. والملوم الذى قد لِيم باللسَان. وهو مثل قول العرب أصبَحتَ مُحْمِقاً مُعْطِشاً أىْ عندَكَ الحمق والعَطَش. وهو كثير فى الكلام.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ }

وقوله: {مِّن يَقْطِينٍ...}
قيل عند ابن عباسٍ: هو ورق القَرْع. فقال: وَمَا جَعَل ورق القَرْع من بين الشجر يقطيناً! كل وَرَقةٍ اتسعَتْ وسَترت فهى يَقْطين.

{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ }

وقوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ...}
أو هَا هنا فى مَعنى بل. كذلك فى التفسير مع صحّته فى العربيَّة.

{ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }

وقوله: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ...}
وفى قراءة عَبدالله (فمتّعناهم حَتَّى حِين) وحَتى وإلَى فى الغاياتِ مع الأسْمَاءِ سواء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ }

وقوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ...}
أى سَلهم سَلْ أهل مَكّة.

{ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ }

وقوله: {لَكَاذِبُونَ...}
{أَصْطَفَى...}
استفهام وفيه توبيخ لهم. وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ. ومثله قوله {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} يُستفهم بهَا ولا يستفهم. ومعناهمَا جميعاً واحِد. وألف (اصْطفى) إذا لم يُستفهم بها تذهب فى اتّصَال الكلام، وتبتدئها بالكسر.

{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }

وقوله: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً...}
يقال: الجِنّة هَا هُنَا الملاَئِكة. جَعَلوا بينه وبين خَلْقه نَسَباً. {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ} أنّ الذين قالوا هَذَا القول {مُحْضَرُونَ} فى النارِ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ }

وقوله: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ...}
يريد: وآلهتكم التى تعْبُدون {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} بمضِلِّينَ.

{ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ }

وقوله: {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ...}

أى على ذلكَ الدِين بمضلّين. وقوله {عَلَيه} و {بِهِ} و {لَهُ} سواء. وأهل نجدٍ يقولون: بمفْتِنِينَ. أهْل الحجاز فتنت الرجل، وأَهل نجدٍ يقولون: أفتنتهُ.

{ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ }

وقوله: {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ...}
إلاّ مَن قُدّر له أن يَصْلَى الجحِيم فى السَّابق من علم الله. وقرأ الحَسن (إلاَّ مَنْ هو صَالُ الجحيم) رفَعَ اللام فيمَا ذكروا فإن كان أراد واحداً فليسَ بجَائِز لأنك لا تقول: هَذا قاضٌ ولا رامٌ. وإن يكن عَرَف فيها لغة مقلوبةً مثل عاثَ وعثا فهو صَوَاب. قد قالت العرب. جُرُفٌ هَارٌ وهَارٍ وهو شاكُ السّلاح ا وشاكِى السّلاح وأنشدنى بعضهم:
فلو أَنَّى رميتك من بَعيد * لعَاقكَ عن دعاء الذئبِ عَاقِى
يريد: عائِق. فهذا ممّا قُلِب. ومنه {ولاَ تَعْثوا} ولا تعِيثوا لغتان. وقد يكون أن تجعَل {صَالو} جمعاً؛ كما تقول: من الرجال مَنْ هو إخوتك، تذهب بهو إلى الاسم المجهول، وتُخرج فعله عَلىالجمع؛ كما قال الشاعر:
إذا ما حَاتم وُجد ابن عمّى * مَجَدنَا مَن تكلّم أجمعينَا
ولم يقل تكلّمُوا. وأجود ذلك فى العربيَّة إذا أَخْرَجت الكناية أَن تخرجها عَلى المعْنى والعدد؛ لأنك تنوى تحقيق الاسم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }

وقوله: {وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ...}
هذا من قول الملائِكة. إلى قوله {وَإِنَّا لَنَحْنُ المسَبِّحُونَ} يريد: {المصَلُّونَ} وفى قراءة عَبدالله (وإن كُلَّنا لمَّا له مقام معلوم).
وفى مريم {إنْ كُلُّ مَنْ فِى السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَمَّا أَتَى الرَّحْمَنَ عَبْداً} وَمَعنى إن ضربت لَزيداً كمعنى قولكَ: ما ضربت إلا زيداً، لذلكَ ذَكرتُ هَذا.

{ وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ }

وقوله: {وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ...}

يعنى أهل مَكَّة {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلينَ} يقول: كتاباً أو نُبُوَّةً {لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ}.

{ فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

قال الله: {فَكَفَرُواْ بِهِ...}
والمعْنى: وقد أُرسل إليهم محَّمد بالقرآن، فكفَروا به. وهو مضمر لم يُذكر؛ لأن مَعناهُ معروف؛ مثل قوله {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} ثم قَالَ {فمَاذَا تَأْمُرُونَ} فوصل قول فرعون بقولهم؛ لأنَّ المعْنَى بيّن.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الصافات )

{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ }

وقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا...}
التى سبَقت لهم السعادة. وهى فى قراءة عبدالله (ولقد سبقت كلمتنا عَلى عبادنا المرسَلين) وعلى تصلح في موضع اللام؛ لأنَّ مَعْنَاهُمَا يرجع إلى شَىء وَاحِدٍ. وكأن المعْنَى: حَقّت عليهم ولهم، كما قَالَ {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} ومعناه: فى مُلْك سُليمَان. فكما أوحِى بَين فى وَعَلَى إذَا اتّفقَ المعنى فكذلك فُعِل هذا.
وقوله: {فإذَا نَزَل بِسَاحَتِهِمْ} معنَاهُ: بهم. والعرب تجتزئ بالسَّاحَة والعَقوة مِن القوم. ومعناهما وَاحِدٌ: نزل بك العذاب وبسَاحتك سوَاء.
وقوله: {فسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} يريد: بئس صَبَاحُ. وهى فى قراءة عبدالله {فبئس صَبَاح المُنْذِرِين} وفى قراءة عبدالله آذنتكم بإذانة المرسلينَ لتسألنَّ عن هذا النبأ العَظيم، قيل له إنما هى واذنت لكم فقال هكذا عندى.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( ص )

{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ }

قوله: {ص وَالْقُرْآنِ...}

جَزَمَها القراء، إلاّ الحَسَن فإنه خفضَهَا بلاَ نون لاجتماع السَّاكنين. كانت بمنزلة مَنْ قرأ {نُونَ والقلم} و {ياسينَ والقرآنِ الحَكيم} جُعلت بمنزلة الأداة كقولِ العرب: تركته (حاثِ باث) و (خَازِ بازِ) يُخفضان؛ لأن الذى يلى آخر الحرف ألِف. فالخفض مع الألف، والنصبُ مع غير الألِف. يقولون: تركته حَيْثَ بَيْثَ، ولأجعلنّك حَيْصَ بَيْصَ إذا ضُيّق عَلَيْهِ.
وقال الشاعر:
* لم يَلتحِصنى حَيْصَ بَيْصَ الحاصى *
يريد الحائِص فقلبَ كَمَا قَالَ: (عاقِ) يريد: عائِق.
و ص فى معنَاهَا كقولكَ: / ب وجبَ والله، ونزل والله، وحقّ والله. فهىَ جواب لقوله {والقرآن} كَمَا تقول: نزلَ والله. وقد زعم قوم أنّ جَوَاب {والقرآن} {إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تخاصُمُ أَهْلِ النارِ} وذلك كلام قد تأخّر تأخُّراً كثيراً عن قوله {والقرآن} جرت بينهما قِصص مختلِفة، فلا نَجد ذلكَ مُستقيماً فى العربيَّة والله أعلم.
ويقال: إن قوله {وَالقرآنِ} يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها، فصَار جوابها جواباً للمعترِض ولهَا، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكر لكَمْ أهلكنَا، فلمّا اعترض قوله: {بل الذين كَفَرُوا فى عِزَّة وشقاق}: صارت (كم) جَوَاباً للعزَّة ولليمين. ومثله قوله {والشَمسِ وضُحَاهَا} اعْترض دون الجواب قولُه {ونَفْسٍ وما سَوَّاها فألْهَمهَا} فصَارت {قد أفلح} تابعةً لقوله {فألهمها} وكفى من جَواب القسم، وكأنه كان: والشمس وضحَاهَا لقد أفلح.

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

وقوله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ...}
يقول: ليْسَ بحين فِرار. والنَوْص: التأخّر فى الكلام العرب، والبَوْص: التقدم وقد بُصْته.
وقال امرؤ القيس:
أمِن ذكر ليلى إذ نَأَتكَ تَنُوص * وتَقْصُر عَنْهَا خُطوةً وتَبُوص
فمناص مَفْعَل؛ مثل مقامٍ. ومن العرب من يضيفُ لات فيخفض. أنشدونى:
* ... لات ساعةِ مَنْدَمِ *

ولا أحفظ صَدْره. والكلام أن ينصب بهَا لأنها فى معنَى لَيْسَ. أنشدنى المفضّل:
تذكّرَ حبّ ليلى لاَتَ حينا * وأضحَى الشيب قد قطعَ القرينَا
فهذا نَصْب. وأنشدنى بعضهم:
طلبوا صُلحنا ولاَتَ أوانِ * فأجبنَا أن لَيْسَ حِينَ بقَاءِ
فخفض (أَوانِ) فهذا خَفْض.
قال الفراء: أقف عَلى (لاتَ) بالتاء، والكسَائىّ يقف بالهاء.

{ أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهاً وَاحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }

وقوله: {لَشَيْءٌ عُجَابٌ...}
وقرأ أبو عبدالرَّحمن السُّلمى (لشىء عُجَّابٌ) والعرب تقول: هذا رجل كريم وكُرَّام وَكُرَام، والمعْنى كله وَاحِدٌ مثله قوله تعالى {وَمَكَرُوا مَكراً كُبَّاراً} معناه: كبيراً فشدّد. وقَالَ الشاعر:
كحلفة من أبى رياح * يسمعها الهِمّةُ الكُبار
والهمّ والهمةُ الشيخ الفانى.
وأنشدنى الكسَائى:
* يسمعها الله والله كبار *
وقال الآخر:
وآثرت إدلاجى عَلى ليل حُرَّة * هَضيم الحَشَا حُسّانِة المَتجرَّد
وقال آخر:
نحن بذلنا دونها الضِّرابَا * إنا وجدنا ماءها طُيّابَا
يريد: طيِّباً وقال فى طويل، طُوَال السَاعدين أشم.
* طُوال الساعدين أشمّ *
وقال الآخر:
جاء بصيد عَجَب من العجب * أزيرق العينين طُوَّالِ الذَنَبْ
فشدّ الواو على ذلكَ المجرى. فكلّ نعت نعتّ به اسْماً ذكراً أو أنثى أتاك عَلى فُعّال مُشَدَّدا ومخفَّفا فهو صَوَاب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَاذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }

وقوله: {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ...}

انطَلقُوا بهذا القول. فأَن فى موضع نصب لفقدهَا الخافض. كأنك قلت: انطلقوا مشياً ومُضِيّا ا على دينكم. وهى فى قراءة عبدالله (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا عَلى آلهتكم) ولو لم تكنْ (أن) لكان صَوَاباً؛ كما قال {والمَلاَئِكةُ باسِطُوا أيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا} ولم يقل: أَنْ أَخرجُوا؛ لأنَّ النّية مضمر فيهَا القول.

{ مَا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ }

وقوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ...}
يعنى اليهوديّة والنصرانيّة.

{ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ }

وَقوله: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ...}
وهى فى قراءة عبدالله (أَمْ أنزِلَ عليه الذكر) وهذا مما وصفت لك فى صدر الكتاب: أن الاستفهَام إذا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لم يسبقه كلام لم يكن إلاّ بالألف أو بهل.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ }

وقوله: {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ...}
يريد: فليصْعَدوا فى السّموات، وليسُوا بقادرين عَلَى ذلكَ أى لم يصدّقوك وليْسُو بقادرين على الصُّعود إلى السَّموات فما هم! فأين يذهبونَ.

{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأَحَزَابِ }

وقوله: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأَحَزَابِ...}
يقول مغلوب عن أن يصعد إلى السَّمَاءِ. و (مَا) هَا هنا صلةٌ. والعرب تجعل (ما) صلةً فى المواضع التى دخولها وخروجُهَا فيها سواء، فهَذَا من ذلكَ.
وقوله {عَمَّا قليلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} من ذلكَ.
وقوله {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} من ذلكَ؛ لأن دخولها وخروجها لا يغيّر المعْنَى.

وأمّا قوله {إِلاَّ الذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فإنه قد يكون عَلَى هَذَا المعْنَى.
ويكون أن تجعل (ما) اسْماً وتجعل (هم) صلة لمَا؛ ويكون المعْنى: وقليل ما تجدَنَّهم فتوجّه (مَا) والاسْم إلى المصْدر؛ ألاَ ترى أَنك تقول: قد كنت أراكَ أعقل ممَّا أنت فجعلتَ (أنت) صلةً لمَا؛ والمعْنَى، كنت أرى عقلك أكثر ممَّا هو، وَلو لَمْ ترد المصدر لم تجعل (مَا) للناس، لأنَّ منْ هىَ التى تكونُ للناس وَأَشبَاهِهم. والعرب تقول: قد كُنت أراك أعْقل منكَ ومعناهما واحد، وكذلك قولهم: قد كنتُ أراه غير ما هو المعنى: كنت أراه عَلى غَير مَا رَأَيتُ منه.

{ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ }

وقوله: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ...}
وفى قراءة عبدالله (إِنْ كُلُّهُمْ لَمَّا كَذَّبَ الرُسُلَ).

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ }

وقوله: {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ...}
من راحةٍ ولا إفاقة. وأصْله منَ الإفاقة فى الرّضَاع إذا ارتضعت البَهْمَة أمَّها ثم تركتها حَتى تُنْزل شيئا من اللبن، فتلكَ الإفاقة والفُواق بغير همزٍ. وجَاء عن النبىِّ صَلى الله عيله وسلم أنه قالَ: "العيادة قدر فُوَاق ناقة" وقرأهَا الحسَنُ وَأهل المدينَة وَعَاصمُ بن أبى النَجُود (فَوَاق) بالفتح وهى لغة جَيّدة عالية، وضمّ حمزة وَيَحيى والأعمش والكسَائىّ.
{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ }

وقوله: {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا...}
القِطّ: الصَّحيفة المكتوبة. وإنما قالُوا ذلك حيَنَ نزل {فأَمَّا مَنْ أُوُتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} فاستهزءوا بذلك، وقالوا: عجِّل لنا هذا الكتاب قبل يوم الحسَاب. والقِطّ فى كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.

{ اصْبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

وقوله: {ذَا الأَيْدِ...}
يريد: ذا القوَّة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ }

وقوله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً...}
ذكروا أنه كان إذا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعتْ إليْه الطير فسَبَّحت. فذلكَ حَشْرهَا ولو كَانت: والطيرُ محشورةٌ بالرفع لمَّا يظهر الفعْل مَعَهَا كانَ صَوَاباً. تكون مثل قوله {خَتَم اللهُ عَلى قلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلَى أبصارِهم غِشَاوَةٌ} وقَالَ الشاعر:
ورأيتُمُ لمجاشعٍ نَعَماً * وبنى أبيه جَامل رُغُب
ولم يقل: جَاملاً رُغباً والمعْنى: ورأيتم لهم جاملاً رُغُباً. فلمَّا لم يظهر الفعل جَاز رفعُه.

{ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }

وقوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ...}
اجتمعت القراء عَلى تخفيفها ولو قَرَأ قارئ {وشَدَّدْنا} بالتشديد كان وجهاً حسَناً. ومعنى التشديد أنّ محرابه كان يحرسه ثلاَثة وثلاثون ألفاً.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ...}
قال الفراء:حدَّثنى عمرو بن أبى المِقدام عن الحكم بن عتيبَة عن مجاهِدٍ فى قوله {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال: الشهود والأَيمان. وقال بعض المفسّرينَ: فصْل الخطاب أَمّا بعد.

{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاطِ }

وقوله: {إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ...}
{إِذْ دَخَلُواْ...}

قد يجاء بإذ مَرَّتين، (وَقَد) يكون مَعْنَاهمَا كالواحد؛ كقولكَ: ضَربتك إذْ دخلت عَلىَّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعَل أحدهمَا عَلى مذهَب لمَّا، فكأنه قال: {إذ تسَوَّرُوا المحرابَ لَمَّا دَخَلوا}. إن شئت جَعَلت لَمّا فى الأوَّل. فإذا كانت لَمّا أوَّلاً وآخِراً فهى بعد صَاحبتِهَا؛ كما تقول: أعطيته لمَّا سَألنى. فالسؤال. قبل الإعْطَاء فى تقدّمه وتأخّره.
وقوله: {خَصْمَانِ} رفعته بإضمار (نحن خصْمَان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلَّم المخاطب ما يرفع فِعْله. ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطَب أوالمتكلّم. منْ ذلكَ أن تقول للرَّجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: وَاصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وذلكَ أن المتكلّم والمكلَّم حاضِران، فتُعرف مَعْنى أسْمائهمَا إذا تُركت. وأكثره فى الاسْتفهَام؛ يقولونَ: أجَادّ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاسْتفهام. فقوله (خَصْمَان) من ذلك. وقال الشاعر:
وَقولا إذا جاوزتمَا أرض عَامرٍ * وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهداً وخَثْعما
نَزيعَانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم * أبوا أن يميرُوا فى الهزاهز مِحْجَما
وقال الآخر:
تقول ابنَة الكَعبىّ يوم لقيتُها * أمُنْطلق فى الجيش أم متثاقِلُ
وقد جَاء فى الآثار للراجع من سَفر: تائبونَ آئبونَ، لربنا حامدونَ. وقال: من أمثال العرب: مُحسنَة فهِيلى.
قال الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسهَا، فلَما أقبَل أخَذت من جِرابهَا إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك منْ دقيقى. قالك محسنة فهيلى. أى أَلقِى. وجَاء فى الآثار: مَن أعانَ على قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جَاء يوم القيامَة مكتوباً بَيْنَ عينَيْه: يائس من رحمة الله. وكلّ هذا بضمير ما أنباتك به.
ولو جاء فى الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَاباً بضمير أَتيناك خصمين، جئناك خَصْمين فلا تَخَفنا. ومثله قول الشاعر:

وقالت أَلا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ * فقلت سَميعاً فانطقى وأَصيبى
ا أى سميعاً أَسمعُ منكَ، أو سميعاً وعَظْتِ. والرفع فيه جائز على الوجوه الاوَل.
وقوله {وَلاَ تُشْطِطْ} يقول: ولا تَجُر: وقد يقول بعض العرب: شططتَ عَلىّ فى السَّوم، واكثر الكلام أَشططت. فلو قرأ قارئ {وَلاَ تَشْطِطْ} كأنه يذهَبُ له إلى مَعْنى التباعد و{تَشْطُطْ} أيضاً. العرب تقول: شطَّت الدار فهى تشِطّ وتَشُطّ.
وقوله {وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاطِ} إلى قَصْد الصراط. وهذا ممَّا تدخل فيه (إلى) وتخرج منه.
قال الله {اهدِنَا الصراطَ المستقيم} وقال {وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقال {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هذا. ثم قال فى موضع آخر {أَفَمَنْ يَهْدِى إلى الحَقّ} وقال {يَهْدِى إلىَ الحَقِّ وَإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} ويقال هديتك للحق وإليهِ قال الله {الذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لنَهْتَدِى} وكأن قوله {اهدنَا الصراط} أعلمنا الصراط، وكأن قوله {اهدنا إلى الصّراط} أرشِدنا إليْه والله أعلم بذلكَ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }

وقوله: {إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً...}
وفى قراءة عبدالله (كَانَ لَهُ) وربّما أدخلت العرب (كان) علىالخبر الدائِم الذى لا ينقطع. ومنه قول الله فى غير موضع {وكان رَبُّك قديراً} {وكان الله غفوراً رحيماً} فهذا دائم. والمعْنى البيّن أن تُدخل (كان) عَلى كل خبر قد كان ثم انقطع؛ كما تقول للرجل: قد كنت موسرا، فمْعنى هَذَا: فأنتَ الآنَ مُعْدِم.

وفى قراءة عبدالله (نَعْجَةً أُنْثَى) والعَرَب تؤكّد التأنيث بأُنثاه، والتذكيرَ بمثل ذلكَ، فيكون كالفَضْل فى الكلام فهذا منْ ذلكَ. ومنه قولكَ للرجل: هذا والله رجل ذَكَر. وإنما يدخل هذا فى المؤنّث الذى تأنيثه فى نفسه؛ مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عدَوت ذلكَ لم يجز. فخطأ أن تقول: هذه دارٌ أنثى، ومِلحفة أنثى؛ لأنَّ تأنيثهَا فى اسمها لا فى مَعْنَاهَا. فابنِ على هذا.
وقوله {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أى غلبنى. ولو قرئتْ {وَعَازَّنى} يريد: غَالبنى كان وَجْهاً.

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }

وقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ...}
المعنى فيه: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الهَاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله {لاَ يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دعَاءِ الخَيْرِ} ومَعْنَاهُ من دَعائِه بالخير: فلمَّا أَلقى الهاء أضاف الفعْل إلى الخير وألقى من الخير الباء، كقول الشاعر:
ولَسْتُ مُسَلِّماً ما دمتُ حَيّاً * عَلى زيدٍ بتَسليم الأمِير

إنما معناه: بتسليمى عَلى الأميرِ. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول به فيما ألقيْت منه الصفة. فمن قَالَ: عجِبتُ من سؤال نعجتكَ صَاحِبُكَ لم يجز لَهُ أنْ يقول: عجبت مِنْ دعاء الخير الناسُ، لأنك إِذا أظهرت الآخِر مرفوعاً فإِنما رَفعُه بنيَّةِ أن فَعَل أو أن يفعل، فلا بُدَّ من ظهور الباء وما أشبَهها من الصّفاتِ. فالقول فى ذلكَ أن تقول عَجِبْتُ من دعاء بالخير زَيْدٌ، وعجبت منْ تسليمٍ عَلى الأمير زيْدٌ. وجَاز فى النعجة لأنَّ الفعل يقع عليها بلا صفة؛ فتقول: سألتكَ نعجة، ولا تقول: سَالتك بنعجة. فابن على هذا.
وقوله {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أىْ عِلم. وكلّ ظنٍّ أدخلته عَلى خبرٍ فجائز أنْ تجعلهُ عِلماً؛ إلاّ إنه عِلم ب ما لا يُعَايَن.

{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ }

وقوله: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ...}

يعنى الخيل، كان غَنِمها سُليمان بن داود من جَيشٍ قاتله فظفِر به. فلمّا صَلّى الظهر دَعا بها، فلم يزل يَعرضها حتّى غابت الشمس ولم يصلّ العصر. وكان عندهم مهيباً. لا يبْتَدأ بشىء حتى يَأمر به، فلم يذكر العَصْر. ولم يَكنْ ذلكَ عن تجبُّر منه، فلمَّا ذكرها قَالَ {إنَّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ} يقول: آثرت حُبّ الخيل، والخير فى الكلام العرب: الخيل. والصَّافنات - فيما ذكر الكلبى بإسناده - القائِمة عَلى ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى عَلى طرف الحافر من يدٍ أو رجلٍ. وهى فى قراءة عبدالله (صَوَافِنَ فإذَا وَجَبَتْ) يريد: معقولة عَلى ثلاث. وقد رأيت العرب تجعَل الصَّافن القائِم عَلى غير ثلاث. وأشعَارهم تدلّ عل أنها القِيام خاصّةً والله أعلم بصوابه: وفى قراءة عبدالله (إنّى أحببت) بغير (قال) ومثله ممّا حذف فى قراءتنا منه القول وأثبت فى قراءة عبدالله {وَإِذْ يَرْفَع إِبراهيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتَ وإسْمَاعِيلُ ويَقُولاَنِ} وليْسَ فى قراءتنا ذلك. وكلّ صَوَاب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ }

وقوله: {فَطَفِقَ...}
يريد أَقبل يمسح: يضرب سوقها وأعناقها. فالمسح القطع.

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ }

وقوله: {عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً...}
يريد: صَنَما. ويقال: شيطان.

{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }

وقوله: {لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي...}
فيريد سُخرة الريح والشياطين.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ }

وقوله: {رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ...}

والرُخاء: الريح الليِّنة التى لا تعصف. وقوله {حَيْثُ أَصَابَ}: حيث أراد.

{ هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

وقوله: {هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ...}.
يقول فمُنَّ به أى أعط، أو أمسك، ذاكَ إليك. وفى قراة عبدالله (هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) مقدّم ومؤخّر.

{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }

وقوله: {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ...}.
اجتمعت القراء على ضمّ النون منْ (نُصبٍ) وتخفيفها. وذكروا أن أبا جعفر المَدَنىّ قَرأ (بنَصَبٍ وعذابٍ) ينصب النون والصاد. وكلاهما فى التفسير واحد.
وذكروا أنه المرض وما أصابه منَ العَناء فيه. والنُّصْبُ والنَّصَبُ بمنزلة الحُزْن والحَزَن، والعُدْمِ والعَدَمِ، والرُّشْد والرَشَد، والصُّلْب والصَّلَب: إذا خُفِّف ضُمّ أوله ولم يثقّل لأنهم جعلوهما على سَمْتين: إذا فتحُوا أوّله ثقّلوا، وإذا ضَمُّوا أوله خَفَّفُوا، قال: وأنشدنى. بعض العرب:
لئِن بعثت أم الحُميدَينِ مَائِرا * لقد غنِيت فى غير بؤسٍ ولا جُحْد
والعرب تقول: جَحِد عيشُهم جَحَداً إذا ضاق واشتدّ، فلمّا قال: جُحْد وضمّ أوله خَفَّفَ. فابن على ما رأيت من هاتين اللغتين.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

وقوله: {ضِغْثاً...}
والضِّغث: ما جمعته من شىء؛ مثل حُزْمة الرَطْبَة، وما قام على سَاقٍ واستطال ثم جَمعته فهو ضِغْث.

{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ }

وقوله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ...}

قرأتِ القراء {عِبَادَنَا} يريدونَ: إبراهيم وولده وقرأ ابن عباس: (واذكرعَبْدَنا إبراهيم) وقال: إنما ذكر إبراهيم. ثم ذكرت ذريّتُه منْ بعده. ومثله: {قالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وإِلهَ أبِيك} على هذا المذهب فى قراءة ابن عباس. والعَامَّة {آبائِكَ} وكلّ صَواب.
وقوله {أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} يريد: أولى القوَّة والبصر فى أمر الله. وهى فى قراءة عبدالله: (أولِى الأيْدِ) بغير ياء، فقد يكون لَهُ وجهان. إن أراد: الأيدى وحذف الياء فهو صواب؛ مثل: {الجوَارِ} و {المُنادِ}، وأشباه ذاكَ. وقد يكون فى قراءة عبدالله من القوّة من التأييد.

{ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ }

وقوله: {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ...}
فردّ {ذِكْرَى الدَّارِ} وهى مَعرفة على (خَالِصَةٍ) وهى نكرة. وهى كقراءة مَسْروق (بِزِينةٍ الكواكب) ومثله / ا قوله {هَذَا وإنَّ لِلطَّاغين لشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} فردّ جهنّم وهى معرفة على {شرّ مآبٍ} وهى نكرة. وكذلك قوله: {وإنّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحة} والرفع فى المعرفة كلّها جائز على الابتداء. أنشدنى بعض العرب:
لعمرك مانخلى بدارِ مَضِيعَةٍ * وَلاَ ربُّهَا إن غاب عَنْهَا بخائف
وإن لها جارين لن يغدِرا بهَا * رَبِيبُ النَّبِىِّ وابنُ خير الخلائف
فرفع على الابتداء.
وقد قرأ أهل الحجاز (بخالصَةِ ذِكْرَى الدار) أضافوها. وهو وجه حَسَنٌ. ومنهُ: {كَذَلكَ يَطْبَعُ اللهُ على كُلّ قَلْب مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ} ومَنْ قال {قلبٍ متكبّرٍ} جَعَل القلب هوالمتكبّر.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ }

وقوله: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ...}

قرأه أصحاب عبدالله بالتشديد. وقرأه العوامّ {الْيَسَعَ} بالتخفيف. والأوَّل أشبه بالصَّواب وبأسماء الأنبياء من بنى إسرائيل. حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثنى محمد بن عبد العزيز التَيْمِىّ عن مُغيرة عن ابراهيم أنه قرأ (واللَّيْسَع) بالتشديد. وأما قولهم {والْيَسَع} فإن العرب لا تُدخل على يفعَل إذا كان فى مَعْنى فلانٍ ألِفاً ولاماً. يقولونَ: هَذا يَسَع، وهذا يَعْمر، وهذا يزيد. فهكذا الفصيح من الكلام. وقد أنشدنى بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركاً * شديداً بأَحناء الخِلاَفة كَاهلُهْ
فلمّا ذَكَر الوليد فى أول الكلمة بالألِف واللام أَتبعه يزيد بالألف واللام وكلّ صواب.
وقوله {وَذَا الْكِفْلِ} يقال إنه سُمّى ذا الكفل أن مائة من بنى إسرائيل انفلتوا من القتل فآواهم وَكَفَلَهُمْ. ويقال: إنه كَفَل لله بشىء فوفى به. والكِفْل فى كلام العرب: الجَدّ والحَظّ فلو مُدح بذلك كان وَجهاً على غير المذهبين الأوّلين.

{ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ }

وقوله: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ...}
ترفع {الأبواب} لأن المعْنى: مفتَّحَةً لهم أبْوَابها. والعرب تجعَل الألف واللام خَلفا من الإضافَة فيقولون: مررت عَلى رجلٍ حَسَنةٍ العَيْنُ قبيحٍ الأنفُ والمعْنى: حسنةٍ عَينُه قبيحٍ أنفُه. ومنه قوله {فَإِنّ الجَحيمَ هِىَ المَأْوَى} فالمعنَى - والله أعلم - : مأْواه. ومثله قول الشاعر:
ما ولدتكم حيَّةُ بنة مالك * سِفَاحاً ومَا كانتْ أحاديث كاذب
ولكن نرى أقدامنا فى نعالكم * وآنفُنَا بين اللحى والحواجب
ومعناه: ونرى آنفنا بين لحِاكم وحواجبكم فى الشبَه. ولو قال: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابَ} عَلى أن تجْعَل المفتّحة فى اللفظ للجنات وفى المعْنَى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر:
ومَا قومى بثعلبة بن سَعْدٍ * ولا بفزارة الشُعْر الرقابَا

والشُعْرى رقابا. ويروى: الشُّعْر الرقابا.
وقال عدِيّ:
مِن ولىٍّ أوْ أخى ثِقَةٍ * والبعيد الشاحِط الدّارا
وكذلك تجعَل معنىالأبواب فى نَصْبها، كأنك أردت: مفتَّحة الأبوابِ ثم نوَّنت فنصبت. وقد يُنشَد بيت النابغة:
ونأخذ بعده بذُناب دَهرٍ * أجَبَّ الظهرَ ليسَ له سَنَامُ
وأجَبِّ الظهرِ.

{ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ }

/ ب وقوله: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ...}
مرفوعة لأنّ {قاصرات} نكرة وإن كانت مضافة إلى معرفة؛ ألا ترى أن الألف واللام يَحْسنان فيها كقول الشاعر:
من القاصرات الطَرْفِ لو دَبّ مُحْوِل * من الذَرّ فوق الإتْب منها لأثَّرا
(الإتب: المئزِر) فإذا حسُنت الألف واللام فى مثل هذا ثم ألقيتها فالاسم نكرة. وربما شبَّهت العرب لفظه بالمعْرفة لِمَا أضيف إلى الألف واللام، فينصبون نعته إذا كان نكرة؛ فيقولونَ: هَذَا حَسَن الوجه قائماً وذاهباً. ولو وضَعْت مكان الذاهب والقائم نكرة فيها مدح أو ذمّ آثرت الإتباع، فقلت: هذا حَسَنُ الوجه موسر، لانَّ اليَسارة مدح. ومثله قول الشاعر:
ومَن يُشوِه يوم فإن وراءه * تِبَاعة صَيّاد الرّجالِ غَشُومِ
قال الفراء: (وَمَن يُشوِه) أى يأخذ شَوَاه وأطايبه. فخفض الغشوم لأنه مدح، ولو نصب لأنَّ لفظه نكرة ولفظ الذى هو نعت له معرفة كان صَوَابا؛ كما قالُوا: هذا مِثْلك قائماً، ومثلك جميلاً.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ هَاذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ }

وقوله عزّ وجل: {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ...}
رفعت الحميم والغسَّاق بهذا مقدّماً ومؤخراً. والمعْنَى هذا حَمِيم وغسَّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستانفاً، وجعلت الكلام قبله مكتفِياً؛ كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم ومنه غسَّاق كقول الشاعر:
حَتّى إذا مَا أضَاء الصُّبحُ فى غَلَسٍ * وغودر البقلُ مَلْوِىّ ومحصودُ

ويكون (هذا) فى موضع رفعٍ، وموضع نصبٍ. فمن نصب أَضمر قبلهَا نَاصِباً كقول الشاعر:
زيادتَنا نُعمان لا تَحْرِمَنَّهَا * تَقِ اللهَ فينَا والكتابَ الذى تتلو
ومنْ رفع رفع بالهاء التى فى قوله: {فَلْيَذُوقُوهُ} كما تقول فى الكلام: الليلَ فبادرُوه واللَّيْلُ.
والغساق تشدّد سينُه وتخفّف شدّدها يحيى بن وثّاب وعامّة أصحاب عبدالله، وخفّفها الناس بَعْدُ. وذكروا أنّ الغسّاق بارد يُحرق كإحراق الحميم. ويقال إنه ما يَغْسِق ويسيل من صَديدهم وجلودهم.

{ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ }

وقوله: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ...}
قرأ الناس (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) إلاّ مجاهداً فإنه قرأ (وَأُخَرُ) كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعتٍ واحِدٍ. وإذا كان الاسم فعلاً جاز أن ينعت بالاثنين والكثير؛ كقولك فى الكلام: عذاب فلان ضروب شتّى وضربان مختلفان. فهذا بَيّن. وإن شئت جَعلت الأزاوج نعتاً للحَميم وللغساق ولآخر، فهنَّ ثلاثة، وأن تجعَله صفة لواحد أشبهُ، والذى قال مجاهد جَائز، ولكنى لا أستحبّه لاتّباع العَوَامّ وبيانِه فى العربيَّة.

{ هَاذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ }

وقوله: {هَاذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ...}
هى الأُمَّة تدخل بعد الأُمَّة النار.
ثم قَالَ: {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} الكلام متَّصل، كأنه قول واحِدٍ، وإنما قوله: {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} من قول أهل النار، وهو كقوله: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لعَنَتْ أُخْتَهَا} وهو فى اتّصاله. كقوله: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُم بسحره فمَاذَا تَأْمُرُونَ} فاتصل قول فرعون بقولِ أصحَابه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَاذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ }

وقوله: {قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَاذَا...}

معناهُ: من شرع لَنا وسَنّهُ {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ}.

{ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار }

وقوله: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً...}
قال زهير عن أبان عن مجاهِدِ - قال الفَراء ولم أسْمَعه من زهير - {اتَّخَذْنَاهُمْ سخريّاً} ولم يكونوا كذلكَ. فقرأ أصْحَابُ عبدالله بغير استفهَامٍ، واستفهم الحسن وعاصم وأهل المدينة، وهو من الاستفهام الذى معناه التعجّب والتوبيخ فهو يجوز بالاستفهام وبطرحِهِ.

{ إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

وقوله: {إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ...}
إن شئتَ جَعَلت (أنّما) فى موضع رَفع، كأنك قلت: ما يوحى إلى إلاّ الإنذار. وإن شئتَ جعلت المعنى: ما يوحى إلىّ لأنى نذير ونبىّ؛ فإذا ألقيت اللام كان موضع (أَنَّما) نصباً. ويكون فى هذا الموضع: ما يوحى إلىّ إلاّ أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية، كما تقول فى الكلام: أخبرونى أنى مسىء وأخبرنى أنك مسىء، وهو كقوله:
رَجْلاَن من ضَبّةَ أخبرانَا * أنّا رأَينا رجلاُ عُرْيانَا
والمعْنى: أخبرانا أنهما رأيَا، فجاز ذلك لأن أصله الحكاية.
وقوله: {بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ} اجتمع القراء على التثنية ولو قرأ قارئ {بيدِى} يريد يداً عَلَى واحدة كان صَداباً؛ كقول الشاعر:
أيها المبتغى فناء قريشٍ * بيد الله عُمرهَا والفناء
والواحد من هذا يكفى من الاثنين، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفى إحداهما منَ الأخرى؛ لأن مَعْنَاهما واحد.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ص )

{ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ }

وقوله: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ...}
قرأ الحسن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعْمَش وعاصم وأكبر منهم: ابن عباسٍ ومجاهد بالرفع فى الأولى والنصب فى الثانية.

حدّثنا أبو العباس قال حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدّثنى بِهرام - وكان شيخاً يُقرئ فى مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين - عن أبانَ بن تَغْلِب عن مجاهد أنه قرأ (فالحقُّ منى والحقَّ أقولُ): وأقول الحقَّ. وهو وجه: ويكون رفعه على إضمار: فهو الحقّ.
وذُكر عن ابن عبّاس أنه قال: فأنا الحَقُّ وأقولُ الحَقَّ. وقد يكون رَفعه بتأويل جَوَابه؛ لأن العرب تقول: الحقُّ لأقومَنَّ، ويقولون: عَزْمَةٌ صَادقة لآتينَّك؛ لأن فيه تأويل: عَزْمة صَادقة أن آتيك.
ويبّين ذلك قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} أَلا ترى أنه لا بدّ لقوله {بَدَا لَهُمْ} من مرفوع مضمرٍ فهو فى المعْنى يكون رَفعاً ونصباً. والعرب تنشد بيت امرئ القيس:
فقلتُ يَمينُ الله أبرحُ قاعداً * ولو قطَّعوا رَأْسِى لديكَ وَأوصَالى
والنصب فى يمين أكثر. والرفع عَلَى ما أَنبَأتك به من ضمير (أن) وعَلَى قولك عَلَىَّ يمين. وانشدونا:
فإنّ علىّ اللهَ إنْ يحملوننى * عَلَى خُطّة إلا انطلقت أَسيرها
ويروى لا يحملوننى.
فلو ألقيت إن لقلت علىّ الله لأضربنك أى علىّ هذه اليمين. ويكون عَلَىّ اللهُ أن أضربك فترفع (الله) بالجواب. ورفعه بعلى أحَبُّ إلىَّ. ومن نصَبَ (الحقَّ والحقَّ) فعَلى معنى قولك حقّاً لآتينّكَ، والألف واللام وطرحهما سواء. وهو بمنزلة قولك حمداً لله والحمدَ لله. ولو خفض الحقّ الأوّل خافِضٌ يجعله الله تعالى يعْنى فى الإعراب فيقسم به كان صَوَابَاً والعرب تُلقى الواو من القسم ويَخفضونه سمعناهم يقولون: اللهِ لتَفعَلنّ فيقولُ / ب المجيب: أَلله لأفعلنّ؛ لأن المعنى مستعمل والمستعمل يجوز فيه الحذف، كما يقول القائل للرجل: كيف أصْبحت؟ فيقول: خيرٍ يريد بخيرٍ، فلمّا كثرت فى الكلام حُذِفت.

{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ }

وقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ...}

نبأ القرآن أنه حَقّ، ونبأ محمَّدٍ عليه السلام أنه نبىّ.
وقوله: {بَعْدَ حِينِ} يقول: بعدَ الموت وقبله: لمَّا ظهر الأمر علمُوه، ومن ماتَ علمِه يَقينَا.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الزمر )

{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }

وقوله: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ...}
ترفع {تنزيل} بإضمار: هذا تنزيل، كما قال: {سُورَةٌ أَنْزلْنَاهَا} ومعناه: هذه سورة أنزلناها وإِن شئتَ جَعَلت رَفعه بمِن. والمعنى: من الله تنزيل الكتاب ولو نصبته وأنت تأمر باتباعه ولزومه كان صَوَاباً؛ كما قالَ الله {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} أى الزمُوا كتابَ الله.

{ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }

وقوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ...}
منصوب بوقوع الإخلاص عَليه. وكذلك مَا أشبهه فى القرآن مثل {مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ} ينصب كما فى هَذَا. ولو رفعت (الدين) بِلَهُ، وجعَلت الإخلاص مُكتفِياً غير واقعٍ؛ كأنك قلت: اعبد الله مُطيعاً فَلَه الدين.

{ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }

وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ...}

(الذين) فى موضع رفع بِقول مضمر. والمعْنى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} يقولون لأوليائهم وهى الأصْنام: ما نعبدكم إلاّ لتقرّبونا إلى الله. وكذلك هى فى (حَرف) أُبىّ وهى حرف عبدالله (قالُوا ما نعبدهم) والحكاية إذا كانت بالقول مضمراً أو ظاهراً جاز أن يجعَل الغائب كالمخاطَب، وأن تتركه كالغائب، كقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ} و {سَتُغْلَبُونَ} بالياء والتاء عَلَى ما وصفتُ لكَ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا اله إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }

وقوله: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا...}
يقول القائل: كيف قال: {خَلَقَكُمْ} لبنىآدم. ثم قال: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} والزوج مخلوق قبل الوَلد؟ ففى ذلكَ وجهان من العربيّة:
أحدهما: أن العرب إذا أخبرت عن رَجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إذا كان هو الآخر فى المعْنى. وربّما جَعَلوا (ثُمَّ) فيما معناه التقديم وَيَجْعَلون (ثم) من خبر المتكلّم. من ذلكَ أن تقول: قد بلغنى ما صنعت يَومك هذا، ثمّ ما صَنعت أمس أعجبُ. فهذا نَسَق من خبر المتكلّم. وَتقول: قد أعطيتكَ اليوم شيئاً، ثم الذى أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذلكَ.
وَالوجه الآخر: أن تجعل خَلْقَه الزوج مردوداً على (وَاحدة) كأنه قال: خلقكم من نفسٍ وَحدها، ثمّ جَعَل منها زوجهَا. ففى (وَاحدةٍ) مَعْنى خَلْقها وَاحدة.
قال: أنشدنى بعض العرب:
أعددتَه للخَصْم ذى التعدّى * كوّحتَه منك بُدون الجَهْد
ومعناه الذى إذا تعدى كوَّحتَه، وكوَّحَته: غلبته.

{ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

وقوله: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ...}
يقول: يرضى الشكر لكم. وهذا مِثْل قوله: {فأخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيماناً} أى فزادهم قولُ الناس، فإن قال قائل: كيف قال {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} وقد كفروا؟ قلتُ: إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر: أن يكفروا. وليسَ معناه الكفر بعينه. ومثله ممّا يبيّنه لك أن تقول: لست أحبّ الإساءة، وإنى لأحب أن يسىء فلان فيُعذَّب فهذا ممّا يبيّن لك مَعناه.

{ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ }

وقوله: {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ...}
يقول: ترك الذى كان يدعوه إذا مسَّه، الضر يريد الله تعالى. فإن قلت: فهلاّ قيل: نسىَ من كانَ يَدعُو؟ قلت: إن (ما) قد تكون فى موضع (مَن) قال الله {قُلْ يأيُّهَا الكافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلاَ أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} يعنى الله. وقال {فانكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء} فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىّ} وقد تكون {نسىَ ما كان يدعُو إليْه} يراد: نسىَ دعاءه إلى الله من قبل. فإن شئتَ جعلت الهَاء التى فى (إليه) لِما وإن شئت جَعَلتَها لله وكلّ مستقيم.

وقوله {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} ا فهذا تهدُّد وليس بَأمر محض. وكذلك قوله: {فتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وَمَا أشبهه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }

وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللَّيْلِ...}
قرأها يحيى بن وَثّاب بالتخفيف. وذُكر ذلك عن نافع وحمزة وفسّروهَا يريد: يا من هو قانت. وهو وجه حسَن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيَا. فيقولون: يا زيدُ أقبل، وأَزيدُ أقبل. قال الشاعر:
أبنى لبُيََنْىَ لستم بيدٍ * إلاّ يدٍ ليسَت لها عَضُد
وقال الآخر:
أضمر بن ضمرةَ ماذا ذكَرْ * تَ مِن صِرْمة أُخذت بالمُرارِ
وهو كثير فى الشعر فيكون المعنى مردوداً بالدعَاء كالمنسُوق، لأنه ذكر الناسىَ الكافر، ثم قَصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول فى الكلام: فلان لا يصَلّى ولا يَصُوم فيا من يصَلّى ويصوم أبشر فهذا هو مَعناه. والله أعْلَم.
وقد تكون الألِف استفهاماً بتأويل أم لأن العرب قد تضع (أمْ) فى موضع الألِف إذا سَبَقها كلام، قد وصفت منْ ذلك ما يُكتفى به. فيكون المعْنى أمَن هو قانت (خفيف) كالأوّل الذى ذُكر بالنسيان والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألِف. وهوالوجه: أن تجعَل أم إذا كانت مردودة عَلَى مَعْنىً قد سَبَق قلتها بأم. وقد قرأ بها الحسن وعاصم وأبو جعفر المدنىّ. يريدون: أَمْ مَن. والعرب تقول: كان هَذَا حين قلت: أأخوك أم الذئب. تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هو. ومنه قولك: أَفَتِلك أم وَحْشِيّة، وقولك أذلِك أم جَأْب يطارد أُتُنا.

فإن قال قائِل فأين جواب (أمّن هُوَ) فقد تبيَّن فى الكلام أنه مضمر، وقد جرى معناه فى أوّل الكلمة، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا. ومن لم يعْرف مذاهب العرب ويتبيَّن له المعْنى فى هذا وشبهِه لم يكتفِ ولم يشتف؛ ألا ترى قول الشاعر:
فأقسم لو شَىْءٌ أتانا رَسُوله * سواكَ ولكن لم نجد لك مَدْفعَا
أنّ معناه: لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعْنَاهُ، فعلم المعنى ولم يُظهر. وجرى قوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ} عَلَى مثل هذا.
وقوله {آنَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً} نُصِب على قوله: يقنت سَاجداً مرّةً وقائماً مَرّةً، أى مطيع فى الحالين. ولو رُفع كما رُفعَ القانت كان صَواباً. والقنوت: الطاعة.

{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ }

وقوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ...}.
يقال: كيفَ اجتمع اسْتفهامان فى مَعْنىً واحدٍ؟ يقال: هذا ممّا يراد به استفهامٌ واحدٌ؛ فيسبِق الاستفهام إلى غير موضعه يُردّ الاستفهام إلى موضعه الذى هو له. وإِنّما المعنى - والله أعْلم -: أفأنت تُنقذ من حَقّت عَليه كلمة العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُون} فردّ {أنكم} مَرّتين، والمعْنى - والله أعْلم -: أيعِدكُم أنّكم مخرَجون إذا متّم وكنتم تراباً. ومثله قوله: {لاَ تَحْسَبَنّ الذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنّهُمْ} فرَدّ (تحسبَنّ) مرّتين؛ ومعناهما - والله أعْلم - لا تَحسَبنّ الذينَ يفرحُون بمَا أَتَوْا بمفازة من العَذاب. ومثله كثير فى التنزيل وغَيره من كلام العرب.

{ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

وقوله: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ...}
و {عن ذكر الله} كلّ صَواب. تقول: اتّخمتُ منْ طعَامٍ أكلته وعن طَعَام أكلته، سَوَاءً فى المعْنى. وكأنّ قوله: قسَت مِنْ ذكره أنهم جَعَلوه كذِباً فأقسى قلوبهم: زادهَا قَسْوَة. وكأن مَن قال: قست عنه يريد: أعرضت عنه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

وقوله: {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً...}
أى غير مختلف لا ينقض بعضه بعضاً.
وقوله {مَّثَانِيَ} أى مكرّراً يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.
وقوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: تقشعرّ خوفاً من آية العذاب إِذا نزلت {ثُمَّ تَلِينُ} عند نزل آية رَحمة.

{ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

وقوله: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...}.
يقال: إن الكافر تنطلق به الخَزَنة إلى النار مغلولاً، فيُقذَف به فى النارِ، فلا يتّقيها إلاّ بوجهه وَجَوابه من المضمر الذى ذكرتُ لك.

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

وقوله: {فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ...}
مختلفون. هَذَا مَثَل ضربه الله للكافر والمؤمن. فجعلَ الذى فيه شركاء الذى يَعبد الآلهةَ المختلفة.
وقوله {وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ} هو المؤمن الموحِّد. وقد قرأ العوامّ (سَلَماً) وسَلَمٌ وَسالم متقاربان فى المعْنى، وكأنّ (سلما) مصدر لقولكَ: سَلِم لهُ سَلَماً والعرب تقولُ: رَبِحَ رِبحْاً ورَبحَاً، وسَلِمَ سِلماً وسَلَماً وسلامة. فسالم من صفة الرّجل، وسَلَمَ مصدرٌ لذلك. والله أعلم.
حدّثنا أبو العبّاس قال: حدّثنا محمد، قال: حدثنا الفراء قال: حدَّثنى أبو إسْحَاق التيمىّ -وليسَ بصاحب هُشيم - عن أبى رَوْق عن ابراهيم التيمىّ عن ابن عباس أنه قرأ (ورَجُلاً سَالماً) قال الفراء: وحدثنى ابن عُيَيْنَةَ عن عبدالكريم الجزرى عن مجاهد أنه قرأ (سالماً).
وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً...} ولم يقل مثلَين، لأنهما جميعاً ضُرِبا مثلا واحداً، فجرى المَثَل فيهما بالتوحيد ومثله {وجَعَلْنَا ابنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ آيَةً} ولم يقل: آيتين؛ لأن شأنهما وَاحد. ولو قيل مَثَلين أو آيتين كانَ صَوابَا؛ لأنهما اثنانِ فى اللفظ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }

قوله: {وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ...}
(الذى) غير موقَّت، فكأنه فى مذهب جماعٍ فىالمعنى. وفى قراءة عبدالله (والذين جاءوا بالصّدق وصَدّقوا به) فهذا دَليل أنَّ (الذى) فى تأويل جَمْعٍ.

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ...}

قرأها يحيى بن وثّاب وأبو جعفر المدنى (أليس الله بكافٍ عباده) على الجمع. وقرأها لناس {عَبْدَهُ} وذلك أن قريشاً قالت للنبىّ صلى الله عليْه وسلم: أما تخاف أن تَخْبِلَكَ آلهتُنا لعيبكَ إيّاها! فأنزل الله {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} محمّدا صَلى الله عليه وسلم، فكيفَ يخوِّفونكَ بمن دونه. والذين قالوا {عِبَادَهُ} قالوا: قد هَمَّت أممم الأنبياء بهم، ووعَدُوهم مِثلَ هذا، فقالوا لشعيب {إنْ نقُولُ إلاّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بسُوءٍ} فقال الله {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عبادَهُ} أى محمداً عَلَيْه السلام والأنبيَاء قبله. وكلّ صواب.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }

وقوله: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ...}
{مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ...} نوَّن فيهمَا عَاصم والحسن وشَيْبَة المدنىّ. وَأضَاف يحيى بن وثّاب. وكلّ صَوَاب. ومثله {إنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} و {بالِغٌ أمْرَهُ} و {مُوهِنُ كَيْدِ الكافِرِينَ} و {مُوهِنٌ كَيْدَ الكافِرِين} وللإِضافة مَعْنى مضّى مِنَ الفعل. فإذا رأيتَ الفعْل قد مَضَى فى المعْنى فآثر الإضافة فيه، تقول أخوك أَخَذ حقه، فتقول هَا هُنَا: أخوكَ آخذُ حَقِّه. ويقبح أن تقول: آخذٌ حقَّه. فإِذا كان مستقبلاً لم يقع بعدُ قلت: أخوك آخِذٌ حقَّه عن قليل، وآخذُ حقِّه عن قليل: ألا ترى أنك لا تقول: هذا قاتلٌ حمزة مُبغَّضاً، لأن معنَاه مَاضٍ فقبح التنوين؛ لأنه اسم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا...}
وَالمعنى فيه يتوفّى الأنفس حينَ موتها، ويتوفّى التى لم تمت فى منامها عند انقضاء أجلها. ويقال: إن توفِّيهَا نومُها. وهو أحبّ الوجهين إلىَّ لقوله {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}.
ولقوله: {وَهُوَ الذِى يَتَوَفَّاكُمْ بالليلِ} وتقرأ { قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} {وقُضِى عَليها الموتُ}.

{ فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

وقوله: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ...}
خرجَت (هى) بالتأنيث لتأنيث الفتنة. ولو قيل: بل هو فتنة لكان صَوَاباً؛ كما قَالَ {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى} ومثله كثير فى القرآن. وكذلك قوله: {قَدْ قَالَهَا الذينَ منْ قَبْلِهِم} أنثت إرادة الكلمة ولو قيل: قد قَاله الذين منْ قبلهم كان صَوَابا. ومثله فى الكلام أن تقول: قد فعَلتهَا وفعَلتَ ذاك: ومثله. قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلتك التى فعَلْتَ} يجوز مكانها لو أتى: وفعَلت فِعلكَ.

{ قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً...}

هى فى قراءة عبدالله (الذنوب جميعاً لمن يشاء) قال الفراء: وحدّثنى أبو إسحَاق التَّيمىّ عن أبى رَوْق عن إبراهيم التيمىّ عن ابن عبَّاس أنه قرأها كما هِىَ فى مصحف عبدالله (يغفر الذنوب جيمعاً لمن يشاء) وإنما نزلت فى وَحْشىّ قاتل حمزة وذوِيه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }

وقوله: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا...}
أى افعَلو وأنيبُوا وافعَلوا {أَن تَقُولَ نَفْسٌ} ألاّ يقول أحدكم غداً {ياحَسْرَتَا} ومثله قوله: {وَأَلْقَى فِى الأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أى لا تميد.
وقوله: {ياحَسْرَتَا}: يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب اليَاء إلا الألف فى كلّ كلام كان مَعْناه الاسْتغَاثة، يخرج عَلى لفظ الدعاء. وربّما قيل: يا حَسْرَتِ كما قَالوا: يا لهَفِ على فلانٍ، ويا لهفَا عَلَيْهِ قَال: أنشدنى أبو ثَرْوان العُكْلىُّ.
تزورونها أَو لا أزور نِسَاءكم * ألهَفِ لأولاد الإماء الحواطب
فخفضَ كما يُخفض المنادَى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه.
وربّما أدخلت العرب الهاء بعدََ الألفِ التى فى {حسرتَا} فيخفضونها مَرة، ويرفعُونها. قَالَ: أنشدنى أبو فَقْعَس، بعضُ بنى أسد:
يا ربِّ ياربّاهِ إيّاك أسَلْ * عَفراء يا ربّاهِ من قبل الأَجل
فخفض، قال: وأنشدنى أبُو فَقْعَسٍ:
يا مرحباهِ بحمار ناهِيْه * إِذَا أتى قرّبته للسَّانية
والخفض أكثر فى كلام العرب، ألاّ فى قولهم: ياهنَاه ويا هَنْتَاه، فالرفع فى هذا أَكثر من الخفض؛ لأنه كَثُر فى الكلام فكأنه حَرف واحِدٌ مدعوّ.

{ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }

وقوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ...}

النصب فى قوله {فَأَكُونَ} جَواب لِلو. وإن شئت جَعلته مردوداً عَلَى تأويل أنْ، تُضمرهَا فى الكرَّة، كما تقول: لو أَنَّ لى أن أكُرَّ فأكونَ. ومثله مَّما نُصب عَلى ضمير أنْ قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمهُ اللهُ إلاّ وَحيْاً أوْ مِنْ وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ} المعْنَى - والله أعلم - مَا كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلاّ أن يوحى إليه أو يرسل. ولو رفع {فيُوحى} إذا لم يظهر أنْ قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء. قال: وأنشدنى بعض بنى أسَدٍ:
يَحُلّ أُحَيْدَه ويقال بَعْلٌ * ومثلُ تموُّلٍ منه افتقارُ
فما يُخطئكِ لا يخطئكِ منه * طَبَانِيَةٌ فيَحْظُلُ أو يَغارُ
فرفع. وأنشدنى آخر:
فمالك منها غير ذِكرى وحِسْبة * وتسأل عن ركبانها أينَ يمَّموا
وقال الكسَائى: سمعت من العرب: ماهى إلا ضَرْبة من الأَسَد فيحطِمُ ظهره، (و) يحطِمَ ظهرَه. قال: وأنشدنى الأسَدِىّ:
عَلى أحْوذِيَّيْن استقلت عَشِيَّة * فما هى إلاَّ لمحة فتغيب

{ بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }

وقوله: {بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا...}
القراء مجتمعون عَلى نصب الكاف وأن المخاطب ذَكَر. قال الفراء وحدثنى شيخ عن وِقَاء بن إياسٍ بسنده أنه قرأ (بَلَى قد جَاءَتْكِ آياتى فكذَّبتِ بهَا واستكبرتِ) فخفض الكاف والتاء كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسَن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها أوّلاً، فأجْرى الكَلام الثانى عَلى النفْس فى خطابهَا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }

وقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ...}

ترفع {وجوههم} و {مسودّة} لأنَّ الفعل قد وقع على (الذين) ثم جاء بعد (الذين) اسم له فعل فرفعته بفعله، وكان فيه معنى نصب. وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعتَ عليه الظنّ والرأى وما أشبههما فارفع ما يأتى بعده من الأسمَاء إذا كان معهَا أفاعيلها بعدهَا؛ كقولكَ: رأيت عبدالله أمرُه مستقيم. فإن قدمت الاستقامة نصبتهَا، ورفعت الاسم؛ فقلت: رأيت عبدَالله مستقيماً أمرُه، ولو نصبت الثلاثة فى المسألة الأولى عَلى التكرير كان جَائزاً، فتقول: رَأيت عبدَالله أمرَهُ مستقيماً. وقالَ عدِىّ ابن زيدٍ.
ذرِينى إن أمركِ لن يطاعَا * وما ألفيتِنى حِلْمى مُضَاعَا
فنصب الحلم والمُضاع عَلى التكرير. ومثله:
* ما للجمال مشيِها وئيدا *
فخفض الجَمَال والمشى عَلى التَّكرير. ولو قرأَ قارئ {وُجُوهَهُم مُّسْوَدَّةٌ} عَلى هذا لكانَ صَوَاباً.

{ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

وقوله: {بِمَفَازَاتِهِمْ...}
جَمْع وقد قرأ أهل المدينة {بِمَفَازَتِهِمْ} بالتوحيد. وكلّ صَوَاب. تقول فى الكلام: قد تَبيَّنَ أمرُ القوم وأُمُورُ القوم، وارتفع الصوت والأصوات (ومعناه) واحد قال الله {إنَّ أنْكَرَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ} ولم يقل: أصْواتٌ وكلّ صَوَاب.

{ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ }

وقوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ...}
تنصب (الله) - يعنى فى الإعراب - بهذا الفعْل الظاهر؛ لأنه ردّ كلام. وإن شئت نصبته بفعل تُضمره قبله؛ لأنَّ الأمر والنهىَ لا يتقدّمهما إلاّ الفعل.
ولكن العرب تقول: زيد فليقم، وزيداً فليقم فمَن رفعه قال: أَرفعه بالفعل الذى بعده؛ إذا لم يظهر الذى قبله. وقد يُرفع أيضاً بأنْ يُضمر له مثل الذى بَعْده؛ كأنك قلت: ليَنظر زيد فليقم. ومن نصبه فكأنه قال: انظروا زيداً فليقم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

وقوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...}
ترفع القبضة. ولو نصبهَا ناصب، كما تقول: شهر رمضانَ انسلاخَ شعبَانَ أى هذا لى انسلاخ هذا.
وقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ترفع السَّموات بمطوياتٌ إذا رفعت المطويات. ومن قال {مَطْوِيَّاتٍ} رفع السموات بالباء التى فى يمينه، كأنه قال: والسَّموات فى يمينه. وينصبُ المطويَّاتِ عَلى الحَال أو عَلى القطع. والحال أجود.

{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ }

وقوله: {فِي الصُّورِ...}
قال: كان الكلبىّ يقول: لا أدرى ما الصور. وقد ذُكر أنه القَرْن وذكر عن الحسن أو عن قتادة أنه قال: الصور جماعة الصورة.

{ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }

وقوله: {طِبْتُمْ...}
أى زَكَوتم {فَادْخُلُوهَا}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزمر )

{ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }

وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ...}
يعنى الجنَّة.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( غافر )

{ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

قوله عز جل: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ...}.
جعلها كالنعت للمعرفة وهى نكرة؛ ألا ترى أنك تقول: مررت برجل شديد القلب، إلاّ أنه وقع معها قوله: {ذى الطول}، وهو معرفة فأجرين مجراه. وقد يكون خفضها على التكرير فيكون المعرفة والنكرة سواء. ومثله قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الوَدُودُ، ذُو العرشِ المجيدُ، فعَّالٌ لما يريدُ} فهذا على التكرير؛ [/ا] لأن فعّال نكرة محضة، ومثله قوله: {رفيعُ الدرجاتِ ذو العرشِ}، فرفيع نكرة، وأجرى على الاستئناف، أو على تفسير المسألة الأولى.

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }

وقوله: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ...}.
ذهب إلى الرجال، وفى حرف عبدالله "برسولها" ، وكلّ صواب.

{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

وقوله: {وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ...}.
وبعضهم يقرأ "جنة عدن" واحدة، وكذلك هى فى قراءة عبدالله: واحدة.
وقوله: {وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ...}.
من نصبٌ من مكانين: إن شئتَ جعلتَ (ومن) مردودة على الهاء والميم "وأدخلهم"، وإن شئت على الهاء والميم فى: "وعدتهم".

المعاني الواردة في آيات سورة ( غافر )

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }

وقوله: {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ...}.

المعنى فيه: ينادَوْن أنّ مقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم يوم القيامة؛ لأنهم مقتوا أنفسهم إذ تركوا الإيمان، ولكن اللام تكفى من أن تقول فى الكلام: ناديت أن زيداً قائم، وناديت لزيد قائم، ومثله: {ثم بَدا لهم من بعدِ ما رَأوا الآياتِ} الآية، اللام بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع القول مثل: ينادون، ويخبرون، وما أشبه ذلك.

{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ }

وقوله: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ...}.
الروح فى هذا الموضع: النبوة؛ لينذر من يلقى عليه الروحَ يوم التلاق. وإنما قيل "التلاق"؛ لأنه يلتقى فيه أهل السماء وأهل الأرض.

{ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }

وقوله: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ...}.
هُمْ فى موضع رفع بفعلهم بعده، و [هو] مثل قولك: آتيك يوم أنت فارغ لى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( غافر )

{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ }

وقوله: {الأَزِفَةِ...}.
وهى: القيامة.
وقوله: {كَاظِمِينَ...}.
نصبت على القطع من المعنى الذى يرجع من ذكرهم فى القلوب والحناجر، والمعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين. وإن شئت جعلت قطعه من الهاء فى قوله: "وأنذرهم"، والأول أجود فى العربية.
ولو كانت "كاظمون" مرفوعة على قولك: إذ القلوب لدى الحناجر إذ هم كاظمون، أو على الاستئناف كان صوابا.
وقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ...}.

تقبل شفاعته، ثم قال: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ} يعنى: الله عز وجل، يقال: إنّ للرجل نظرتين: فالأولى مباحة له، والثانية محرمة عليه، فقوله: {يعلم خائنة} الأعين فى النظرة الثانية، وما تخفى الصدور فى النظرة الأولى. فإن كانت النظرة الأولى تعمُّداً كان فيها الإثْمُ أيضاً، وإن لم يكن تَعَمَّدَها فهى مغفورة.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ }

وقوله: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ...}.
رفع (الفساد) الأعمش، وعاصم جعلا له الفعل. وأهل المدينة والسلمى قرءوا: [وأن] يُظهرَ فى الأرض الفسادَ، نصبوا الفساد، وجعلوا يظهر لموسى. وأهل المدينة يلقون الألف الأولى يقولون: وأن يظهر، وكذلك [هى] فى مصاحفهم. وفى مصاحف أهل العراق: "أو أن يَظْهَرَ" [المعنى] أنه قال: إنى أخاف التبديل على [/ب] دينكم، أو أن يتسامع الناس [به]، فيصدقوه فيكون فيه فساد على دينكم.

{ وَياقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ }

وقوله: {[وَ] ياقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ...}.

قرأها العوام على التنادِ بالتخفيف، وأثبت الحسن وحده [فيه] الياء، وهى من تنادى القومُ. [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى حبان عن الأجلح عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: تَنْزِلُ الملائِكةُ من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويُجَاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندّوا فى الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قُطْراً إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ والإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تنفذوا من أقطار السماواتِ والأرضِ} وذلك قوله: {وجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} وذلك قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنْزِيلاً}. قال الأجلح، وقرأها الضحاك: "التنادّ" مشددة الدال. قال حبان: وكذلك فسّرها الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس.
قال الفراء: ومن قرأها "التناد" [خفيفة] أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأَهل النار أهل الجنة، وأصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( غافر )

{ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

وقوله: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ...}.
أى: كبر ذلك الجدال مقتا، وَمثله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أضمرت فى كبرت قولهم: {اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً} ومن رفع الكلمة لم يضمر، وَقرأ الحسن بذلك برفع الكلمة {كَبُرَتْ كَلِمَةٌ تَخْرُجُ}.
وقوله: {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ...}.

يضيف القلب إلى المتكبر، ومن نوّن جعل القلب هو المتكبر الجبار، وهى فى قراءة عبدالله "كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِ كلِّ متكبر جبار"، فهذا شاهدٌ لمن أضاف، والمعنى فى تقدم القلب وَتأخره وَاحد وَالله أعلم.
قال: سمعت بعض العرب يرجّل شعره يوم كل جمعة، يريد: كل يوم جمعة ، والمعنى واحد.

{ وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى اله مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }

وقوله: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ... (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) فَأَطَّلِعُ...}.
بالرفع، يردّه على قوله: "أبلغُ". وَمن جعله جوابا لِلَعَلّى نصبه، وقد قرأ به بعض القراء قال: وأنشدنى بعض العرب:
علَّ صروفَ الدَّهر أو دولاتها * يدللنا اللَّمَّةَ من لَمَّاتها
* فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها *
فنصب على الجواب بلعلَّ.

{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }

وقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا...}.
رفعت (النار) بما عاد من ذكرها فى عليها، ولو رفَعْتها بما رفعْتَ به {سُوءَ الْعَذَاب} كان صوابا، ولو نصبت على أنها وقعت [/ا] بين راجع [من] ذكرها، وبين كلام يتصل بما قبلها كان صوابا، ومثله: {قُلْ أَفَأُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُم النارُ وَعَدهَا}.
وقوله: {غُدُوًّا وَعَشِيًّا...}.
ليس فى الآخرة غدو ولا عشى، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها.
وقوله: {[وَ] يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ...}.

همز الألف يحيى بن وثاب وأهل الحجاز، وخففها عاصم والحسن فقرأ "وَيَوْمَ تَقُوم السَّاعَة ادْخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ" ونصب ها هنا آل فرعون على النداء: ادخوا يا آل فرعون أشد العذاب، وفى المسألة الأولى توقَّع عليهم "أَدْخِلُوا".

المعاني الواردة في آيات سورة ( غافر )

{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ }

وقوله: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ...}.
رَفَعْتَ (كلّ) بفيها، ولم تجعله نعتا لإنّا، ولو نصبته على ذلك، وجعلت خبر إِنا [فيها]، ومثله: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ} ترفع {كلّه لله}، وتنصبها على هذا التفسير.

{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ }

قوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ...}.
قرأت القراء بالياء يعنى: يقوم بالتذكير، ولو قرأ قارىء: ويوم تقوم كان صوبا؛ لأن الأشهاد جمع، والجمع من المذكر يؤنث فعله ويذكر إِذا تقدم. العرب تقول: ذهبت الرجال، وذهب الرجال.

{ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

وقوله: {إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ...}.
يريد: تكبروا أن يؤمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه ما هم ببالغى ذلك: بنائلى ما أرادوا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( غافر )

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

وقوله: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً...}.
وفى حرف عبدالله "ومنكم من يكون شيوخا" فوحّد فِعل مَن، ثم رجع إلى الشيوخ فنوى بمن الجمع، ولو قال: شيخا لتوحيد من فى اللفظ كان صوابا.

{ إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ والسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ }

وقوله: {إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ والسَّلاَسِلُ...}.
[ترفع السلاسل والأغلال، ولو نصبت السلاسل وقلت: يسْحَبون، تريد] يَسْحَبونَ سَلاسلَهم فى جهنم.
وذكر الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال: [وهم] فى السلاسل يُسْحبون، فلا يجوز خفض السلاسل، والخافض مضمر؛ ولكن لو أنّ متوهما قال: إِنما المعنى إذ أعناقهم فى الأغلال وفى السلاسل يسحبون جاز الخفض فى السلاسل على هذا المذهب، ومثله مما رُدّ إِلى المعنى قول الشاعر:
قد سالم الحياتِ منه القدَما * الأُفعوانَ والشُّجاعَ الشجعما
فنصب الشجاع، والحيات قبل ذلك مرفوعة؛ لأَنَّ المعنى: قد سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( فصلت )

{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قوله عز وجل: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً...}.
تنصب [قرآنا] على الفعل، أى: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبا على القطع؛ لأَن الكلام تام عند قوله؛ (آياته). ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا. كما قال فى موضع آخر: {كِتَابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبَاركٌ}، وكذلك قوله: {بَشِيراً ونذيراً} فيه ما فى: {قرآنا عربيا}.

{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }

وقوله: {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ...}.

يقول: بيننا وبينك فُرقة فى ديننا، فاعمل فى هلاكنا إننا عاملون فى ذلك منك، ويقال: فاعمل لما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا.

{ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }

وقوله: {لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...}.
والزكاة فى هذا الموضع: أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرَمُوا ذلك من آمن بمحمد صلى الله عليه؛ فنزل هذا فيهم، ثم قال: وفيهم أعظم من هذا كفرهم بالآخرة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

وقوله: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا...}.
وفى قراءة عبدالله: وقسم فيها أقواتها، جعل فى هذه ماليس فى هذه ليتعايشوا ويتجروا.
وقوله: {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ...}.
نصبها عاصم وحمزة، وخفضها الحسن، فجعلها من نعت الأَيام، وإن شئت من نعت الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالأَقوات، وقد ترفع كأنه ابتداء، كأنه قال: ذلك سواء للسائلين، يقول لمن أراد علمه.

{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ }

وقوله: {قَالَتَآ أَتَيْنَا...}.
جعل السماوات والأَرضين كالثِّنتين كقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُمَا} ولم يقل: [وما] بينهن، ولو كان كان صوابا.
وقوله: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ...}.
ولم يقل: طائعتين، ولا طائعياتٍ. ذُهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز: أن تقول، وإن كانتا اثنَتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا.

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }

وقوله: {فَقَضَاهُنَّ...}.
يقول: خلقهن، وأحكمهن.
وقوله: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا...}.
يقول: جعل فى كل سماء ملائكة فذلك أمرها.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

وقوله: {إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ...}.
أتت الرسل آباءهم، ومن كان قبلهم ومن خلفهم يقول: وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم فى (خلفهم) للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم.

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ }

وقوله: {رِيحاً صَرْصَراً...}.
باردة تُحْرق [كما تحرق] النار.
وقوله: {فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ...}.
العوام على تثقيلها لكسر الحاء، وقد خفف بعض أهل المدينة: (نحْسات).
قال: [وقد سمعت بعض العرب ينشد:
أبلغْ جذاما ولخما أن إخوتهم * طيا وبهراء قوم نصرهم نِحس].
وهذا لمن ثقّل، ومن خفّف بناه على قوله: "فى يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ".

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

وقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ...}.

القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الأعمش كان يجرى ثمود فى كل القرآن إلا قوله: {وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ}، فإنه كان لا ينون، لأَنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسماً لرجل أو لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسماً للأُمة التى هى منها قال: وسمعت بعض العرب يقول: تترك بنى أسد وهم فصحاء، فلم يُجْر أسدَ، وما أردت به القبيلة من الأَسماء الى تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود فى العربية مثلَ قولك: جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يُجْرَى، ولا يُجْرى مثل التفسير فى ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ: "وأمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ" بنصب، وهو وجه، والرفع أجود منه، لأنّ أمّا تطلب الأسماء، وتمتنع من الأفعال، فهى بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أمّا حرفا يلى الاسم إذا شئت، والفعل إذا شئت كان الرفع والنصب معتدلين مثل قوله: {والْقَمَرَ قَدَّرْناه مَنازِلَ}، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم؟ فتقول: عبدُالله ضربته وزيداً تركته؛ لأنك تقول: وتركتُ زيدا، فتصلح فى الفعل الواو كما صلحت فى الاسم، ولا تقول: أمّا ضربتَ فعبدالله، كما تقول: أمّا عبدالله فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [/ب] فإنه يقول: خِلْقَةُ ما نصب الأسماءَ أن يسبقها لا أن تسبقه. وكل صواب.
وقوله: {فَهَدَيْنَاهُمْ...}.
يقول: دللناهم على مذهب الخير، ومذهب الشر كقوله: {وهَدَيْنَاهُ النَّجدينِ}.
الخير، والشر.
[حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس عن زياد بن علاقة عن أبى عمارة عن على بن أبى طالب أنه قال فى قوله: {وهَدَيناهُ النَّجْدَيْنِ}: الخير، والشر.
قال أبو زكريا: وكذلك قوله: {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإمَّا كَفُوراً}.
والهدى على وجه آخر الذى هو الإرشاد بمنزلة قولك: أسعدناه، من ذلك.

قوله: {أُولَئِكَ الَّّذينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فى كثير من القرآن.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }

وقوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ...}.
فهى من وزعتُ، ومعنى وزعتُه: حبسته وكففته، وجاء فى التفسير: يحبس أولهم على آخرهم حتى يدخلوا النار.
قال: وسمعتُ بعض العرب يقول: لأبعثن عليكم من يزَعُكُم وُيحْكِمُكُم من الحَكمَة التى للدابة. قال: وأنشدنى أبو ثَرْوان العُكلْى:
فإنكما إن تُحكِمَانى وترسلا * علىّ غُواة الناس إِيبَا وتضلعاً
فهذا من ذلك، إيب: من أبَيْتُ وآبى.

{ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

وقوله: {سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم...}.
الجلد ها هنا - والله أعلم - الذَّكر، وهو ما كنى عنه كما قال: {وَلَكِنْ لاَ تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} يريد: النكاح. وكما قال: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِن الْغَائطِ}، والغائط: الصحراء، والمراد من ذلك: أو قضى أحد منكم حاجةً.

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ }

وقوله: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ...}.
يقول: لم تكونوا تخافونِ أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها، ولم تكونوا لتقدروا على الاستتار، ويكون على التعبير: أى لم تكونوا تستترون منها.
وقوله: {وَلَاكِن ظَنَنتُمْ...}.
فى قراءة عبدالله مكان {ولكن ظننتم}، ولكن زعمتم، والزعم، والظن فى المعنى واحد، وقد يختلفان.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ }

وقوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ...}.
"ذلكم" فى موضع رفع بالظن، وجعلت "أرداكم" فى موضع نصب، كأنك قلت: ذلكم ظنكم مُرْدِياً لكم. وقد يجوز أن تجعل الإرداءَ هو الرافع فى قول من قال: هذا عبدالله قائم [/ا] يريد: عبدالله هذا قائم، وهو مستكره، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله فى لقمان: {الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدًى ورحمةٌ}، قد قرأها حمزة كذلك، وفى قراءة عبدالله : "أََأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخٌ"، وفى ق: {هَذَا مَا لَدَىَّ عَتيدٌ} كل هذا على الاستئناف؛ ولو نويت الوصل كان نصبا، قال: وأنشدنى بعضهم:
مَنْ يك ذا بَتٍّ فهذا بَتِّى * مُقيِّظٌ مصيِّف مُشَتِّى
* جمعته من نعجات ست *

{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

وقوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ...}.
من أمر الآخرة، فقالوا: لا جنة، وَلا نار، ولا بعث، ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقات فيه وجوه البر، فهذا ما خلفهم، وبذلك جاء التفسير، وقد يكون ما بين أيديهم ما هم فيه من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة.

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }

وقوله: {وَالْغَوْاْ فِيهِ...}.

قاله كفّار قريش، قال لهم أبو جهل: إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فيه الْغَطوا، لعله يبدّل أو ينسى فتغلبوه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ }

وقوله: {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ}، ثم قال: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ...}.
وهى النار بعينها، وذلك صواب لو قلت: لأهل الكوفة منها دار صالحة، والدار هى الكوفة، وحسن حين قلت [بالدار] والكوفة هى والدار فاختلف لفظاهما، وهى فى قراءة عبدالله: "ذلك جزاء أعداءِ الله النار دار الخلد" فهذا بيّن لا شىء فيه، لأن الدار هى النار.

{ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ }

وقوله: {رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ...}.
يقال: إن الذى أضلهم من الجن إبليس [و] من الإنس قابيل الذى قتل أخاه يقول: هو أول من سنّ الضلالة من الإنس.

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

وقوله: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ...}.
عند الممات يبشرونهم بالجنة، وفى قراءتنا "ألاّ تخافوا"، وفى قراءة عبدالله "لا تخافوا" بغير أَنْ على مذهب الحكاية.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ...}.

يريد ما يلقّى دفع السيئة بالحسنة إلاّ مَن هو صابر، أو ذو حظ عظيم، فأنَّثها لتأنيث الكلمة، ولو أراد الكلام [فذكر] كان صوابا.

{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

وقوله: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ...}.
يقول: يصدنّك عن أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة فاستعذ بالله تعّوذ به.

{ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

وقوله: {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ...}.
خلق الشمس والقمر والليل والنهار، وتأنيثهن فى قوله: "خلقهن" [/ب]؛ لأن كل ذكر من غير الناس وشبههم فهو فى جمعه. مؤنث تقول: مرّ بى أثواب فابتعتهن، وكانت لى مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى [على] هذا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وقوله: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ...}.
زاد ريْعُها، وربَت، أى: أنها تنتفخ، ثم تصدَّع عن النبات.

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ...}.

يقال: أين جواب إنَّ؟ فإن شئت جعلته {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}. وإن شئت كان فى قوله: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ...} {لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ...}، فيكون جوابه معلوماً فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين وأشبهه بما جاء فى القرآن.

{ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }

وقوله: {لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ...}، يقول: التوراة والإنجيل لا تكذبه وهى [من] بين يديه {ولا من خلفه}، يقول: لا ينزل بعده كتاب يكذبه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ }

وقوله: {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ...}.
جزع (صلى الله عليه) من تكذيبهم إياه، فأنزل الله جل وعز عليه: ما يقال لك من التكذيب إلا كما كذب الرسل من قبلك:

{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }

قرأ الأعمش وعاصم: {ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ...}.
استفهام، وسكنا العين، وجاء التفسير: أيكون هذا الرسول عربياً والكتاب أعجمى؟
وقرأ الحسن بغير استفهام: أعجمى وعربى، كأنه جعله من قيِلهم، يعنى الكفَرة، أى: هلاَّ فصلت آياته منها عربى يعرفه العربى، وعجمى يفهمه العجمى، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ...}.
وقرأها بعضهم: "أَعَجَمِىٌّ وعربى" يستفهم وينسبه إلى العجم.
وقوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى...}.

حدثنا الفراء قال: وحدثنى غير واحد منهم [أبو الأحوص و] مندل عن موسى بن أبى عائشة عن سليمان بن قَتّة عن ابن عباس أنه قرأ: عَمٍ.
وقوله: {أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ...}.
تقول للرجل الذى لا يفهم قولك: أنت تنادَى من بعيد، تقول للفَهِم: إنك لتأخذ الشىء من قريب. وجاء فى التفسير: كأنما ينادون [من السماء] فلا يسمعون.

{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُواْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }

وقوله: {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَةٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا...}.
قِشْر الكُفُرّاةِ كِمْ، وقرأها أهل الحجاز: {وما تخرج من ثمراتٍ}.
وقوله: {قَالُواْ آذَنَّاكَ...}.
هذا من قول الآلهة التى كانوا يعبدونها فى الدنيا. قالوا: أعلمناك ما منا من شهيد بما قالوا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( فصلت )

{ لاَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ }

وقوله: {لاَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ...}.
وفى قراءة عبدالله : "من دعاء بالخير".

{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ }

وقوله: {فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ...} يقول: ذو دعاء كثير إن وصفته بالطول والعرض فصواب:

{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

وقوله: [/ا] {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ...}.

[أنه إن شئت جعلتَ أنَّ فى موضع خفض على التكرير: أو لم يكف بربك بأنه على كل شىء شهيد، وإِن شئتَ جعلته رفعا على قولك: أو لم يكف بربك] شهادته على كل شىء، والرفع أحبّ إلىَّ.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الشورى )

{ حم عسق }

قوله عز وجل: {عسق...}.
ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: حم سق، ولا يجعل فيها عينا، ويقول: السين كل فرقة تكون، والقاف كل جماعة تكون.
قال الفراء: [و] رأيتها فى بعض مصاحف (عبد الله) "حم سق" كما قال ابن عباس.

{ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

وقوله: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ...}.
{حم عسق} يقال: إنها أوحيت إلى كل نبى، كما أوحيت إلى محمد صلى الله عليه .
قال ابن عباس: وبها كان على بن أبى طالب يعلم الفتن. وقد قرأ بعضهم: "كذلك يوحَى"، لا يُسَمِّى فاعلَه، ثم ترفع الله العزيز الحكيم يرد الفعل إليه. كما قرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمى "وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ منَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ" ثم قال: (شركاؤهم) أى زينه لهم شركاؤهم ومثله قول من قرأ: "يُسَبَّحُ له فيها بالغُدُوِّ والآصالِ" ثم تقول: (رجالٌ) فترفع يريد: يسبِّح له رجال.

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }

وقوله: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...} وأمّ القرى: مكة ومن حولها من العرب {وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ}. معناه: وتنذرهم يوم الجمع، ومثله قوله: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَولياءَهُ} معناه:؛ يخوفكم أولياءه.
وقوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ...}.

رفع بالاستئناف كقولك: رأيت الناس شقى وسعيد، ولو كان فريقاً فى الجنة، وفريقا فى السعير كان صوابا، والرفع أجود فى العربية.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

وقوله: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً...}.
يقول: جعل لكل شىء من الأنعام زوجا ليَكثروا ولتكثروا.
وقوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ...} معنى فيه: أى به، والله أعلم.

{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

وقوله: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ...}، أى فلهذا القرآن ومثله كثير فى القرآن، قد ذكرناه، هذا فى موضع ذلك، وذلك فى موضع هذا، والمعنى: فإلى ذلك فادع. كما تقول [/ب] دعوتُ إِلى فلان، ودعوت لفلان.

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

وقوله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...}.

ذُكِر: أن الأنصار جمعت للنبى صلى الله عليه - نفقة يستعين بها على ما ينوبه فى أصحابه، فأتوا بها النبى - صلى الله عليه - ، فقالوا: أن الله عز وجل قد هدانا بك، وأنت ابن اختنا فاستعِنْ بهذه النفقة على ما ينوبك، فلم يقبلها، وأنزل الله فى ذلك: قل لهم لا أسألكم على الرسالة أجراً إلى المودة فى قرابتى بكم.
وقال ابن عباس: {لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فى قرابتى من قريش.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }

وقوله: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ...}.
ليس بمردود على {يختم}، فيكون مجزوما، هو مستأنف فى موضع رفع، وإن لم تكن فيه واو فى الكتاب، وَمثله مما حذفت منه الواو وَهو فى موضع رفع قوله: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ} وَقوله: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}.

{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }

وَقوله: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ...}.
ذَكر العباد، ثم قال: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} كأنه خاطبهم، والعوام يقرءونها بالياء.
حدثنا الفراء قال: حدثنى قيس عن رجل قد سماه عن بُكَيْر بن الأخنس عن أبيه قال: قرأت من الليل: {ويعلم ما تفعلون} فلم أدر أأقول: يفعلون أم تفعلون؟ فغدوت إِلى عبدالله بن مسعود لأسأله عن ذلك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن، رجلٌ ألمّ بامرأة فى شبيبة، ثم تفرقا وَتابا، أيحل له أن يتزوجها؟
قال، فقال عبدالله رافعا صوته: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ...}.

قال الفراء: وَكذلك قرأها علقمة بن قيس؛ وإبراهيم؛ وَيحيى بن وَثاب؛ وَذكر عن أبى عبدالرحمن السلمى: أنه قرأ كذلك بالتاء.

{ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }

وقوله: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ [وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ] ...}.
يكون الذين فى موضع نصب بمعنى: ويجيب الله الذين آمنوا، وقد جاء فى التنزيل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}، والمعنى، والله أعلم: فأجابهم ربهم، إلاّ أنك إذا قلت: استجاب أدخلت اللام فى المفعول به، وإذا قلت: أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم بمعنى: استجاب لهم، كما قال: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} المعنى، والله أعلم: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، يُخْسرون؛ ويكون الذين - فى موضع رفع؛ يجعل الفعل لهم أى: الذين آمنوا يستجيبون لله؛ ويزيدهم الله على إِجابتهم والتصديق من فضله.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }

وقوله: {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ...}.
أراد: وما بث فى الارض دون السماء، بذلك جاء فى التفسير؛ ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُما الُّلؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وإنما يخرج من الملح دون العذب.

{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ }

وقوله: {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ...} ويعلَمَ الذين مردودة على الجزم؛ إلا أنه صُرف؛ والجزم إِذا صُرف عنه معطوفُه نصب كقول الشاعر:
فإن يهلِك أبو قابوسَ يَهلِك * ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامُ
ونُمسكَ بعده بذناب عَيْسٍ * أجبِّ الظهرِ ليس له سَنام
والرفع جائز فى المنصوب على الصرف.

{ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }

وقد قرأ بذلك قوم فرفعوا: {وَيَعْلَمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ...} ومثله مما استؤنف فرفع قوله: {ثم يتوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِك على من يشاء} فى براءة؛ ولو جزم ويعلمُ - جازم كان مصيباً.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }

وقوله: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كبير الإِثْمِ...}.
قرأه يحيى بن وثاب "كبير": وفسر عن ابن عباس: أن كبير الإثم هو الشرك؛ فهذا موافق لمن قرأ: كبير [الإثم] بالتوحيد؛ وقرأ العوام: {كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}. فيجعلون كبائر كأنه شىء عام، وهو فى الأصل واحد؛ وكأنى أستحبّ لمن قرأ: كبائر أن خفض الفواحش.

{ وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }

وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ...}.
نزلت خاصة فى أبى بكر الصديق (رحمه الله)، وذلك: أن رجلا من الأنصار وقع به عند رسول الله فسبّه، فلم يردد عليه أبو بكر؛ ولم يَنْهَ رسول الله صلى الله عليه الأنصارى؛ فأقبل عليه أبو بكر فرد عليه، فقام النبى - صلى الله عليه - كالمغضب واتبعه أبو بكر فقال: يا رسول الله، ما صنعتَ بى أشدّ علىّ مما صنع بى: سبّنى فلم تَنْهَهُ، ورددتُ عليه فقمت كالمغضب، فقال النبى - صلى الله عليه -: كان الملك يرد عليه إذا سكتَّ، فلما رددتَ عليه رجع الملك، فوثبتُ معه؛ فنزلت هذه الآية. وفسرها شريك عن الأعمش عن إبراهيم فى قوله: {وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}، قالوا: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم للفساق فيجترئوا عليهم.

{ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَائِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ }

وقوله: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَائِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ...}.
نزلت أيضاً فى أبى بكر.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }

وقوله: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ...}.
قال بعضهم: يُخفونه من الذل الذى بهم، وقال بعضهم: نظروا إلى النار بقلوبهم، وَلم يروها بأعينهم لأنهم يحشرون عمياً.

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ }

وقوله: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ...}.
وإنما ذكر قبلهم الإنسان مفرداً، والإنسان يكون واحداً، وفى معنى جمع فردّ الهاء والميم على التأويل، ومثل قوله: {وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً} يراد به: كل الناس، ولذلك جاز فيه الاستثناء وهو موحّد فى اللفظ كقول الله {إنَّ الإنسانَ لَفِى خُسْرٍ إلا الذين آمنوا}، ومثله: {وَكَمْ مِّنْ مَلَكٍ فِى السّماواتِ} ثم قال: {لاَ تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ} وإنما ذكر ملكا؛ لأنه فى تأويل جمع.

{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ }

وقوله: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً...}.

محضاً لا ذكور فيهن، ويهب لمن يشاء الذكور محضاً لا إناث فيهم، أو يزوجهم يقول: يجعل بعضهم بنين، ويجعل بعضهم بنات ذلك التزويج فى هذا الموضع. والعرب تقول: له بنون شِطْرة إذا كان نصفهم ذكوراً، ونصفهم إناثاً، ومعنى هذا - والله أعلم - كمعنى ما فى كتاب الله.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الشورى )

{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }

وقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً...}.
كما كان النبى صلى الله عليه يرى فى منامه، ويُلْهمَهُ، أو من وراء حجاب، كما كلّم موسى من وراء حجاب، أو يرسل رسُولا ملكا [من ملائكته] فيوحى بإذنه، ويكلم النبى بما يشاء الله [وذلك فى قوله: "أو يرسلَُ رسولا..." الرفع والنصب أجود.
قال الفراء: رفع نافع المدينىّ، ونصبت العوام] ومن رفع "يرسل" قال: "فيوحى" مجزومة الياء.

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

وقوله: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً...}.
يعنى التنزيل، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يقول: جعلناه لاثنين؛ لأن الفعل فى كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تقول: إقبالك وَإِدبارك يغمنى، وهما اثنان فهذا من ذلك.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الزخرف )

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }

قوله عز وجل: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ...}.

قرأ الأعمش: "إن كنتم" بالكسر، وقرأ عاصم والحسن: "أنْ كنتم" بفتح (أنْ)، كأنهم أرادوا شيئا ماضيا، وأنت تقول فى الكلام: أأسُبَّك أن حرمتنى؟ تريد إذ حرمتنى، وتكسر إِذا أردت أأسبك إن حرمتنى، ومثله: {ولاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكم} تكسر (إن) وتفتح.
ومثله: {فلعلَّك باخعٌ نفسك على آثارِهم} "إن لم يؤمنوا"، و"أن لم يؤمنوا"، والعرب تنشد قول الفرزدق.
أتجزع إن أذنا قتيبة حزتا * جهاراً، ولم تجزع لقتل ابن خازم؟
وَأنشدونى:
أتجزع أن بان الخليط المودّع * وجبل الصفا من عزة المتقطع؟
وفى كل واحد من البيتين ما فى صاحبه من الكسر والفتح، وَالعرب تقول: قد أضربت عنك، وَضربت عنك إِذا أردت به: تركتك، وَأعرضت عنك.

{ لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَاذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }

وقوله: {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ...}.
يقول القائل: كيف قال: "على ظهوره"، فأضاف الظهور إلى واحد؟
يقال له: إن ذلك الواحد فى معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قال:
فهلا قلت: لتستووا على ظهره، فجعلت الظهر واحداً إذا أضفته إلى واحد؟
قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فرددت الظهور إلى المعنى ولم تقل: ظهره، فيكون كالواحد الذى معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: قد كثرت نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولا تقل عينه. وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموضوعة، فأَخْرِجها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسما فى معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك: رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له فى الإثنين إلا كصورته فى الواحد.
وقوله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ...}.
مطيقين، تقول للرجل: قد أقرنتَ لهذا أى أطقتَه، وصرتَ له قرِنا.

{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }

وقوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً...}.
الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت "ظلّ" للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت: ظل وجهه مسودٌّ وهو كظيم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }

وقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ...}.
يريد الإناث، يقول: خصصتم الرحمن بالبنات، وانتم هكذا إِذا ولد لأحدكم بنت أصابه ما وَصَف، فأما قوله: {أومَنْ} فكأنه قال: ومن لا ينشأ إلاّ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين، يقول: لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفى قراءة عبدالله: "أَوَمَنْ لا يُنَشَّأُ إلاّ فى الْحِلْيَةِ"، فإن شئت [/ب] جعلت "مَن" فى موضع رفع على الاستئناف، وإن شئت نصبتها على إِضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها على أول الكلام على قوله: "وإِذَ بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ" خفضتها [وإن شئت نصبتها]، وقرأ يحيى بن وثاب وأصحاب عبدالله والحسن البصرى: "يُنَشَّأُ"، وقرأ عاصم وأهل الحجازَ: ينْشَأُ فى الحلية:

{ وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

وقوله: {عِبَادُ الرَّحْمَانِ...}.
قرأها عبدالله بن مسعود وعلقمة، وأصحاب عبدالله: "عباد الرحمن"، وذكر [عن] عمر (رحمه الله) أنه قرأها: "عند الرحمن"، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز، وكأنهم أخذوا ذلك من قوله: {إنَّ الذين عِنْد رَبِّك لا يَسْتَكْبِرُون عَنْ عِبادَتهِ} وكل صواب.
وقوله: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ...}.

نصب الألف من "أشهدوا" عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز على تأويل: أُشْهدوا خلقهم؛ لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد. قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام قال أبو عبدالله: كذا قال الفراء.

{ بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }

وقوله: {بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ...}.
قرأها القراء بضم الأَلف من "أُمّة"، وكسرها مجاهد، وعمر بن عبدالعزبز، وكأن الإمّة مثل السنة والملة، وكأن الإمّة الطريقة: والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تقول: ما أحسن إمته وعمّته وجِلْسته إذا كان مصدرا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قال عدى:
ثم بعْدَ الفلاحِ والمُلكِ والإمّة * وارثهمُ هناك القبورُ
فكأنه أراد إمامة الملك ونعيمه.
وقوله: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ...} و {مُّقْتَدُونَ...}.
رُفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذلك؛ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل: فدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ }

وقوله: {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ...}.

العرب تقول: نحن منك البراء والخلا، والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يقال فيه: براء؛ لأنه مصدر، ولو قال: (برىء) لقيل فى الاثنين: بريئان، وفى القوم: بريئون وبرءاء، وهى فى قراءة عبدالله: "إنَّنى بَرِئٌ مِّمَّا تَعْبُدُون" ولو قرأها قارىء كان صوابا موافقا لقراءتنا؛ لأَن العرب تكتب: يستهزىء يستهزأ فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف فى كل حالاتها. يكتبون شىء شيأ ومثله كثير فى مصاحف عبدالله، وفى مصحفنا: ويهيىء لكم، ويهيأ بالأَلف.

{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

وقوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ...}.
اسم الإسلام، يقول لازمة لمن اتبعه، وكان من وَلَدِه، لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين إذا كانوا من ولد إبراهيم صلى الله عليه، فذلك قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى دينك ودين إبراهيم صلى الله عليهما.

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَاذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }

وقوله: {لَوْلاَ نُزِّلَ هَاذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ...}.
ومعناه: على أحد رجلين عنَى نفسه. وأبا مسعود الثقفى، وقال هذا الوليدُ بن المغيرة المخزومى، والقريتان: مكة والطائف.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

وقوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ...}.
فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبى بعضا، فيكون العبد والذى يُسْبَى مسخَّرين لمن فوقهما.

وقوله: {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً...}، و"سِخْرِيّاً" وهما واحد هاهنا وفى:
"قد أفلح"، وفى ص - سواء الكسر فيهن والضم لغتان.

{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }

وقوله: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً...}.
أن فى موضع رفع.
وقوله: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ...}.
إن شئت جعلت اللام مكررة فى لبيوتهم، كما قال: {يسَأَلُونكَ عن الشَّهرِ الْحَرامِ قِتَالٍ فيه}، وإِن شئت جعلت اللامين مختلفتين كأنّ الثانية فى معنى على كأنه قال: لجعلنا لهم على بيوتهم سقفاً، وتقول للرجل فى وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية، أى جعلته من أجلك لهم.
و (السُّقُف) قرأها عاصم والأعمش والحسن "سُقُفاً" وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون جمع الجمع كما قال الشاعر:
حتى بلت حلاقيم الحُلُق * أهوى لأدْنى فقرة على شفق
ومثله قراءة من قرأ "كُلوُا مِن ثُمُرِه"، وهو جمع، وواحده ثمار، وكقول من قرأ: "فَرُهُنٌ مَقْبوضَة" واحدها رهان ورهون. وقرأ مجاهد وبعض أهل الحجاز {سَقْفاً} كالواحد مخفف؛ لأن السَّقف مذهب الجماع.

{ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

وقوله: {وَزُخْرُفاً...}.
وهو الذهب، وجاء فى التفسير نجعلها لهم من فضة ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف نصبته على الفعل توقعه عليه أى وزخرفا، تجعل ذلك لهم منه، وقال آخرون: ونجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى مقصور فهو أشبه الوجهين بالصواب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }

وقوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ...}.
يريد: ومن يعرض عنه، ومن قرأها: "ومن يَعْشَ عن" يريد: يَعْمَ عنه.

{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

وقوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ...}.
يريد الشيطان وهو فى [/ب] مذهب جمع، وإِن كان قد لفظ به واحدا يقول: وإِن الشياطين ليصدونهم عن السبيل ويحسبون هم أنهم مهتدون.

{ حَتَّى إِذَا جَآءَنَا قَالَ يالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ }

وقوله: {حَتَّى إِذَا جَآءَنَا قَالَ يالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ...}.
فيقتل: (جاءنا) لأحدهما، وجاءنا الإنسى وقرينه، فقرأها جاءانا بالتثنية عاصم والسُّلَمى والحسن وقرأها أصحاب عبدالله يحيى بن وثاب وابراهيم بن يزيد النخعى (جاءنا) على التوحيد، وهو ما يكفى واحده من اثنيه، ومثله قراءة من قرأ {كَلاَّ لَيُنْبَذَانِّ}، يقول: ينبذ هو وماله، (ولَيُنبّذَنَّ) والمعنى واحد.
وقوله: {يالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ...}.
يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إِنه أراد المشرق والمغرب: فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب؛ لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال: قد جاءك الزهدمان، وإِنما أحدهما زهدم، قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكمُ * لنا قمراها والنجوم الطوالع
يريد: الشمس والقمر.
وقال الآخر:
قسموا البلاد فما بها لمقيلهم * تضغيث مفتصل يباع فصيله
فقرى العراق مسير يوم واحد * فالبصرتان فواسط تكميله
يريد: البصرة والكوفة.
قال، وأنشدنى رجل من طىء:
فبصرة الأزد منا، والعراق لنا * والموصلان ومنا مصر فالحرم
يريد: الجزيرة، والموصل.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }

وقوله: {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ...}.
يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعنى [الشيطان] وقرينه. وأنكم فى موضع رفع.

{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }

وقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ...}.
لَشَرف لك ولقومك، يعنى: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه.

{ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

وقوله: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ...}.
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إِنما يخبرونه عن كتب الرسل التى جاءوا بها فإذا [سأل] الكتب فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعضهم: إنه سيسرى بك يا محمد فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم.
وقوله: [/ا] {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ...}.
قال: {يُعبَدون} للآلهة، ولم يقل: تعبد ولا يُعْبَدون، وذلك أن الآلهة تُكلَّم ويدعّى لها وتعظَّم، فأُجريت مُجرى الملوك والأمراء وما أشبههم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

وقوله: {وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا...}.
يريد: من الآية التى مضت قبلها.

{ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَاذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ }

وقوله: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَاذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ...}.

من الاستفهام الذى جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: {أَلَيْسَ لى مُلْكُ مِصْرَ...}.
[حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وقد أخبرنى بعض المشيخة أظنه الكسائى: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: "أَمَا أنا خير"، وقال لى الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد فى المعنى.

{ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }

وقوله: {فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ...}.
يريد: فهلا ألقى عليه أساورة من ذهب، قرأها يحيى بن وثاب "أساورة من ذهب"، وأهل المدينة، وذكر عن الحسن: "أَسْوِرة"، وكل صواب.
ومن قرأ: "أساورة"، جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: "اسورة" فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع اسورة كما يقول فى جمع: الأسقية: أساقى ، وفى جمع الأَكرُع: أكارع.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

وقوله: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ...} يريد: استفزهم.

{ فَلَمَّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }

وقوله: {فَلَمَّآ آسَفُونَا...}. يريد: أغضبونا.

{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

وقوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً...}.
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى القاسم بن معن عن الأعمش عن يحييى بن وثاب أنه قرأها: "سُلُفا" مضمومة مثقلة، وزعم القاسم [ابن معن] أنه سمع واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: "سَلَفاً".
[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] حدثنا الفراء قال: حدثنا سفيان بن عيينة أن الأعرج قرأها: "فجعلناهم سُلُفا" كأن واحدته سُلفة من الناس أى قطعة من الناس مثل أمّة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }

وقوله: {مِنْهُ يَصِدُّونَ...}.
[حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو بكر بن عياش عن عاصم: أنه ترك يَصُدون من قراءة أبى عبدالحمن، وقرأ يصِدون. (قال الفراء)، وقال أبو بكر حدثنى عاصم عن أبى رزين عن أبى يحيى: أن ابن عباس [/ب] قرأ: (يَصِدون) أى: يضجون يعِجون.
وفى حديث آخر: أن ابن عباس لقى ابن أخى عبيد بن عمير فقال: ان ابن عمك لعربى؛ فما له يلحن فى قوله: {إذا قومك منه يصُدون} إنما هى يصِدون، العرب تقول: يصِد ويصُد مثل: يشِد ويشُد، وينمِ وينُم من النميم. يصدون منه وعنه سواء.

{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

وقوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ...} وفى قراءة أُبَى: "وإنه لذكر للساعة"، وقد روى عن ابن عباس: "وإنه لَعَلَمٌ للساعة" و (عِلْمٌ) جميعا، وكلٌّ صواب متقارب فى المعنى.

{ ياعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }

وقوله: {ياعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ...}.
وهى فى قراءة أهل المدينة: "ياعبادى". بإثبات الياء، والكلام وقراءة العوام على حذف الياء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

وقوله: {وَأَكْوَابٍ...}.
والكوب: المستدير الرأس الذى لا أذن له، قال عدى:
خيرٌ لها إن خشيت حجرة * من ربِّها زيدٍ بن أيوبِ
متكئا تصفق أبوابه * يَسقِى عليه العبد بالكوب
وقوله: {تَشْتَهِى الأَنْفُس...}، وفى مصاحف أهل المدينة: تشتهيهِ الأنفسُ وتلدُّ.

{ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }

وقوله: {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ...}. فى العذاب.
وفى قراءة عبدالله: "وهُم فيها مُبلسون"، ذهب إلى جهنم، والمبلس: القانط اليائس من النجاة.

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَاكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ }

وقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَاكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ...}.
جعلت (هم) ها هنا عمادا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسما رفع، وهى فى قراءة عبدالله: (ولكن كانُوا هُم الظَّالمون).

المعاني الواردة في آيات سورة ( الزخرف )

{ أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ }

وقوله: {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً...}.
يريد: أبرموا أمرا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم.

{ وَقِيلِهِ يارَبِّ إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ }

وقوله: {وَقِيلِهِ يارَبِّ...}.
خفضها عاصم والسلمى وحمزة وبعض أصحاب عبدالله، ونصبها أهل المدينة والحسن فيما أعلم فمن خفضها قال: "عنده علم الساعة" وعلم "قيله يارب". ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهى فى إحدى القراءتين [/ا] قال الفراء: لا أعلمها إلا فى قراءة أبى، لأنى رأيتها فى بعض مصاحف عبدالله [على] وقيله، ونصبها أيضا يجوز من قوله: "نسمع سرهم ونجواهم"، ونسمع قيله، ولو قال قائل: وقيلُه رفعا كان جائزا، كما تقول: ونداؤه هذه الكلمة: يا رب، ثم قال: "فاصفَحْ عَنْهُمْ"، فوصله بدعائة كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.

{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

{وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ...}.
رفع سلام بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: وقل سلاماً كان صوبا، كما قال: {قالوا سَلاَماً قال سَلاَمٌ}.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الدخان )

{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

قوله عز وجل: {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ...}.
{أَمْراً...} هو منصوب بقوله: يفرق، على معنى يفرق كل أمر فرقاَ وأمرا وكذلك.
قوله: {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ...}، يفرق ذلك رحمة من ربك، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، تجعل الرحمة هى النبى صلى الله عليه.

{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ }

وقوله: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...}.
خفضها الأعمش وأصحابه، ورفعها أهل المدينة، وقد خفضها الحسن أيضا على أن تكون تابعة لربك رب السماوات.
ومن رفع جعله تابعا لقوله: {إنهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ}، ورفع أيضا آخر على الاستئناف كما قال: "وما بينهُما الرحمنُ".

{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

وقوله: {تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ... يَغْشَى النَّاسَ هَاذَا عَذَابٌ...}.
كان النبى صلى الله عليه دعا عليهم، فقال: اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم كَسِنىِ يوسف، فأصابهم جوعٌ ، حتّى أكلوا العظام والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.
وقوله: {يَغْشَى النَّاسَ هَاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ...}.
يراد به ذلك عذاب، ويقال: إن الناس كانوا يقولون: هذا الدخان عذاب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ }

وقوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ...}.
يقال: عائدون إلى شرككم، ويقال: عائدون إلى عذاب الآخرة.

{ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ }

وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ...}.
يعنى: يوم بدر، وهى البطشة الكبرى.

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ }

وقوله: {رَسُولٌ كَرِيمٌ...}.
أى على ربه كريم، ويكون كريم من قومه؛ لأنه قال: ما بعث نبى إِلا وهو فى شرف قومه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }

وقوله: {أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ...}.
يقول: ادفعوهم إلىّ، أرسلوهم معى، وهو قوله: {أَرْسِلْ مَعِىَ بَنىِ إِسْرَائيلَ}.
ويقال: أن أدّوا إلىّ يا عباد الله، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا.

{ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ }

وقوله: {أَن تَرْجُمُونِ...}.
الرجم ههنا: القتل.

{ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ }

وقوله: {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ...}.
يقول: فاتركون لا علىّ، ولا لى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ }

وقوله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ...}.
تفتح (أنَّ)، ولو أضمرت القول فكسرتها لكان صوابا.

{ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ }

وقوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً...}.
يقول: ساكنا، قال: وأنشدنى أبو ثروان:
كأنما أهلُ حجر ينظرون مَتى * يَرَونَنى خارجاً طير تَنَادِيد
طيرٌ رأَتْ بازياً نَضْخُ الدماءِ به * أو أمةٌ خرجَتْ رهواً إلى عيد

{ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ }

وقوله: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ...}.
يقال: منازل حسنة، ويقال: المنابر.

[حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو شعيب عن منصور ابن المعتمر عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير فى قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ...} قال: يبكى علىالمؤمن من الأرض مصلاَّه، ويبكى عليه من السماء مصعد عمله.
قال الفراء: وكذلك ذكره حبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ }

وقوله: {مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ...} وفى حرف عبدالله: "مِنْ عَذَابِ المُهِين".
وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله: {ولَدَارُ الآخِرَةِ خيرٌ}. مثل قوله: {وذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وهى فى قراءة عبدالله: "وذلك الدينُ القَيِّمَةُ".

{ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ }

وقوله: {وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ...}.
يريد: نعم مبيِّنة، منها: أن أنجاهم من آل فرعون، وظللهم بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وهو كما تقول للرجل: إن بلائى عندك لحسن ، وقد قيل فيهما: إن البلاء عذاب، وكلٌّ صواب.

{ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

وقوله: {فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ...}.
يخاطبون النبى - صلى الله عليه - وحده، وهو كقوله: {يا أيُّها النَّبىُّ إذا طلَّقتُمُ النِّساءَ} فى كثير من كلام العرب، أن تجمع العرب فعل الواحد، منه قول الله عز وجل: {قَالَ رَبِّ أرْجِعونِ}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

وقوله: {إِلاَّ بِالْحَقِّ...}.
يريد: للحق.

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ }

وقوله: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ...}.
يريد: الأولين والآخرين، ولو نصب {مِيقَاتُهم} لكان صواباً يجعل اليوم صفة، قال: أنشدنى بعضهم:
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم * يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
فنصب: يوم الرحيل، على أنه صفة.

{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }

وقوله: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ...}.
فإن المؤمنين يشفّع بعضهم فى بعض، فإِن شئت فاجعل - من - فى موضع رفع، كأنك قلت: لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبا على الاستثناء والانقطاع عن أول الكلام تريد: اللهم إلاَّ من رحمت.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ طَعَامُ الأَثِيمِ }

وقوله: {طَعَامُ الأَثِيمِ...}.
يريد: الفاجر.

{ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ }

وقوله: {كَالْمُهْلِ تَغْلِي...}.
قرأها كثير من أصحاب عبدالله: "تغلى"، وقد ذُكرت عن عبدالله، وقرأها أهل المدينة كذلك، وقرأها الحسن "يغلى". جعلها للطعام أو للمهل، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة.
ومثله قوله: {أَمَنَةً نُعاساً} تغشى ويغشى؛ فالتذكير للنعاس، والتأنيث للأمَنَة، ومثله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَّنِىٍّ تُمْنَى} التأنيث للنطفة، والتذكير من المنى.

{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ }

وقوله: {فَاعْتِلُوهُ...}.
قرأها بالكسر عاصم والأعمش، وقرأها أهل المدينة: "فاعتلُوه". بضم التاء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ }

وقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ...}.

قرأها القراء بكسر الألف حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثنى شيخ عن حجر عن أبى قتادة الأنصارى عن أبيه قال: سمعت الحسن بن على بن أبى طالب على المنبر يقول: "ذُقْ أَنك" بفتح الألف. والمعنى فى فتحها: ذق بهذا القول الذى قلته فى الدنيا، ومن كسر حكى قوله، وذلك أن أبا جهل لقى النبى - صلى الله عليه - قال: فأخذه النبى صلى الله عليه فهزه، ثم قال [له]: أولى لك يا أبا جهل أولى فأنزلها الله كما قالها النبى صلى الله عليه. ورد عليه أبو جهل، فقال: [و] الله ما تقدر أنت ولا ربك علىَّ، إنى لأكرم أهل الوادى على قومه، وأعزُّهم؛ فنزلت كما قالها قال: فمعناه - فميا نرى والله أعلم -: انه توبيخ أى [/ب] ذق فإنك كريم كما زعمت. ولست كذلك.

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }

وقوله: {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ...}.
قرأها الحسن والأعمش وعاصم: {مَقامٍ}، وقرأها أهل المدينة (فى مُقام) بضم الميم. والمَقام بفتح الميم أجود فى العربية؛ لأنه المكان، والمُقام: الإقامة وكلٌّ صواب.

{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ }

وقوله: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ...}.
وفى قراءة عبدالله: "وَأَمْدَدْناهُمْ بِعِيسٍ عِين"، والعيساء: البيضاء. والحوراء كذلك.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الدخان )

{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }

وقوله: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى...}.

يقول القائل: كيف استثنى موتا فى الدنيا قد مضى من موت الآخرة، فهذا مثل قوله: {ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم من النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ} فإلاّ فى هذا لموضع بمنزلة سوى، كأنه قال: لا تنكحوا، لا تفعلوا سوى ما قد فعل آباؤكم، كذلك قوله: {لا يذُوقون فيها الموتَ}. سوى الموتة الأولى، ومثله: {خالدِينَ فيها ما دَامتِ السّماوَاتُ والأرضُ إِلا مَا شَاءَ ربُّك} أى سوى ما شاء ربك لهم من الزيادة على مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل فى الكلام: لك عندى ألفٌ إِلاَّ ما لَكَ من قِبَل فلان، ومعناه: سوى مالك علىّ من قِبَل فلان، وإلا تكون على أنها حطٌّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لك من هذه الآيات فهو زيادة على ما قبل إلا، والحط مما قبلَ إلا قولُك: هؤلاء ألفٌ إلاَّ مائًة فمعنى هذه ألف ينقصون مائة.
وقوله: {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ... فضلاً...}.
أى فعله تفضلا منه، وهو مَّما لو جاء رفعا لكان صوابا أى : ذلك فضل من ربك.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الجاثية )

{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

قوله عز وجل: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ...}.
يقول: فى خلق الآدميين وسواهم من كل ذى روح آيات. تقرأ: الآيات بالخفض على تأويل النصب. يرد على قوله: {إنّ فى السمَّواتِ والأرْضِ لآياتٍ}. ويقوّى الخفض فيها أنها فى قراءة عبدالله: {لآيات}. وفى قراءة أُبى: لآيات لآيات لآياتٍ ثلاثهن. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد انّ، والعرب تقول: إن لى عليك مالا، وعلى أخيك مال كثير. فينصبون الثانى ويرفعونه.

وفى قراءة عبدالله : "وفى اختلاف اللّيل والنهارِ". فهذا يقوى خفض الاختلاف، ولو رفعه رافع فقال: واختلاف الليل والنهار آياتٌ أيضا يجعل الاختلاف آياتٍ، ولم نسمعه من أحد من القراء قال: ولو رفع رافع الآيات، وفيها اللام كان صوابا. قال: أنشدنى الكسائى:
إنّ الخلافة بعدهم لذميمة * وخلائف طرف لمما أحقر
فجاء باللام، وإنما هى جواب لأنّ، وَقد رفع لأن الكلام مبنى على تأويل إنّ.

{ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ...}.
معناه فى الاصل حكاية بمنزلة الأمر، كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا؛ فإذا ظهر الأمر مصرحا فهو مجزوم؛ لأنه أمر، وإذا كان على الخبر مثل قوله: {قُلْ لِلذين آمَنوا يَغْفِروا}، {وقُلْ لِّعبادى يَقُولُوا} و {قُلْ لِعبادِىَ الذين آمَنُوا يُقيمُوا الصلاةَ}، فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط كأنه قولك: قم تصب خيرا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا خرج الكلام فى مثال غيره وهو مقارب له عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وقد ذكرناه فى غير موضع، ونزلت قوله: {قُلْ لِلَّذينَ آمَنُو يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ} فى المشركين قبل أن يؤمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة.
وقوله: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ...}.
قرأها يحيى بن وثاب: لنجزى بالنون، وقرأها الناس بعد {لِيجْزِىَ قوما} بالياء وهما سواء بمنزلة قوله: {وقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ}، "وقد خلقناك من قبل" وقد قرأ بعض القراء فيما ذُكر لى: ليُجزَى قَوْماً، وهو فى الظاهر لحن، فإن كان أضمر فى "يجزى" فعلا يقع به الرفع كما تقول: أُعطِىَ ثوبا ليُجزى ذلك الجزاء قوما فهو وجه.

{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

وقوله: {عَلَى شَرِيعَةٍ...}.
على دين وملة ومنهاج كل ذلك يقل.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الجاثية )

{ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }

وقوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ...}.
ترفع الله، وهو وجه الإعراب إذا جاء الاسم بعد إنَّ، وخبر فارفعه كان معه فعل أو لم يكن. فأما الذى لا فعل معه فقوله: {أنّ اللّهَ برىٌ من المشركينَ ورسولُه} وأمّا الذى معه فعل فقوله جل وعز: {واللّهُ وَلىُّ المتقين}.

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ...}.
الاجتراح: الاقتراف، والاكتساب.
وقوله: {سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ...}
تنصب سواء، وترفعه، والمحيا والممات فى موضع رفع بمنزلة قوله: رأيت القومَ سواء صغارهم وكبارهم [/ب]، تنصب سواء؛ لأنك تجعله فعلا لما عاد على الناس من ذكرهم، وما عاد على القوم وجميع الأسماء بذكرهم، وقد تقدم فعله، فاجعل الفعل معربا بالاسم الأول. تقول: مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم، ورأيت قوم سواء صغارهم وكبارهم.
وكذلك الرفع - وربما جعلت العرب: (سواءً) فى مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم، فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أخوه ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم ترفع، ولكن تجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء؛ لأن مستويا من صفة القوم، ولأن سواء - كالمصدر، والمصدر اسم.

ولو نصبت: المحيا والممات - كان وجها تريد أن تجعلهم سواء فى محياهم ومماتهم.

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

وقوله: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ...}.
قرأها يحيى بن وَثاب (غَشْوَة) بفتح الغين، وَلا يلحق فيها ألفا، وَقرأها الناس (غِشاوَة)، كأن غشاوَة اسم، وَكأن غشوة شىء غشيها فى وَقعة واحدة، مثل: الرجفة، وَالرحمة، وَالمرَّة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الجاثية )

{ وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

وقوله: {نَمُوتُ وَنَحْيَا...}.
يقول القائل: كيف قال: نموت ونحيا، وهم مكذبون بالبعث؟ فإنما أراد نموت، ويأتى بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم، وهو فى العربية كثير.
وقوله: {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ...}.
يقولون: إلاّ طول الدهر، ومرور الأيام والليالى والشهور والسنين.
وفى قراءة عبدالله: "وما يُهْلِكُنا إِلاّ دَهْرٌ"، كأنه: إلاّ دهر يمر.

{ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

وقوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً...}.
يريد: كلّ أهل دين جاثية يقول: مجتمعة للحساب، ثم قال: {كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا...}. يقول إلى حسابها، وهو من قول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتابَهُ بِيَمِينِه}. و {بشماله}.

{ هَاذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

وقوله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ...}.
الاستنساخ: أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيرهِ وكبيرهِ، فيُثبت الله من عمله ما كان له ثواب أو عقاب، ويطرَح منه اللغو الذى لا ثواب فيه ولا عقاب، كقولك هلُمَّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الجاثية )

{ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ...}.
أضمر القول فيقال: أفلم، ومثله: {فأما الَّذين اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ} معناه، فيقال: أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الذى أضمر.

{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا...}
ترفع الساعة وهو وجه الكلام وإن نصبتها فصواب، قرأ بذلك حمزة الزيات، وفى قراءة عبدالله: "وَإذَا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللّهِ حقُّ وإن السَّاعةَ لا رَيْبَ فيها"، فقد عرفت الوجهين، وفسِّرا فى غير هذا الموضع.

{ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَاذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

وقوله: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ...}.
نترككم فى النار كما نسيتم لقاء يومكم هذا، يقول: كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الجاثية )

{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ }

وقوله: {فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ...}.
يقول: لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار.

معانى القرآن للفراء
الجزء الخامس

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الأحقاف )

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قوله عز وجل: {أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}، ثم قال: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ...} ولم يقل: خلقت، ولا خلقن؛ لأنه إنما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل الناس وأشباههم؛ لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد وتعظم كما تعظم الامراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل الناس. وهى فى قراءة عبدالله: [بن مسعود]: مَن تعبدون من دون الله، فجعلها (مَن)، فهذا تصريح بشبه الناس فى الفعل وفى الاسم. وفى قراءة عبدالله: أريتكم، وعامة ما فى قراءته من قول الله أريت، وأريتم فهى فى قراءة عبدالله بالكاف، حتى إن فى قراءته: "أرَيْتك الذى يُكذِّب بالدين".
وقوله: {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ...}.
قرأها العوامّ: "أثارة"، وقرأها بعضهم قال: قرأ أبو عبدالرحمن فيما أعلم و "أثْرةً" خفيفة. وقد ذكر عن بعض القراء "أثَرة". والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أو شىء مأثور من كتب الأولين.
فمن قرأ "أثارة" فهو كالمصدر مثل قولك: السماحة، والشجاعة.
ومن قرأ "أَثَرة" فإنه بناه على الأثر، كما قيل: قَتَرة.
ومن قرأ "أَثْرة" كأن أراد مثل قوله: {إلا من خطِف الخطفة}، والرَّجفة.

{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ }

وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ...}.
عنى بـ (من) الأصنام، وهى فى قراءة عبدالله: "مالا يستجيب له"، فهذا مما ذكرت لك فى: من، وما.

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

وقوله: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ...}.
يقول: لم أكن أول من بُعث، قد بُعث قبلى أنبياء كثير.
وقوله: {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ...}.
نزلت فى أصحاب النبى صلى الله عليه، وذلك أنهم شكوا إليه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر بقتالهم، فقال النبى صلى الله عليه: إنى قد رأيت فى منامى أنى أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك؛ فقالوا للنبى صلى الله عليه: ما نرى تأويل ما قلت: وقد اشتد علينا الأذى؟ فأنزل الله عز وجل: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} أَخرُج إلى الموضع الذى أُريته فى منامى أم لا؟ ثم قال لهم: إنما هو شىء أُريته فى منامى، وما أتبع إل ما يوحى إلىّ. يقول: لم يوح إلىّ ما أخبرتكم به، ولو كان وحيا لم يقل صلى الله عليه: {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الأحقاف )

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وقوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ....}.
شهد رجل من اليهود على مثل ما شهد عليه عبدالله بن سلام من التصديق بالنبى صلى الله عليه وأنه موصوف فى التوراة، فآمن ذلك الرجل واستكبرتم.

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَاذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ }

وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ...}.
لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغِفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إِليه رعاة الْبَهْمِ، فهذا تأويل قوله: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ}.

{ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }

وقوله: {وَهَاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً...}.
وفى قراءة عبدالله: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه فى قراءتنا على تأويل قراءة عبدالله، أى هذا القرآن يصدق التوارة عربيا مبينا، وهى فى قراءة عبدالله يكون [نصبا] من مصدق. على ما فسرت لك، ويكون قطعا من الهاء فى بين يديه.
وقوله عز وجل: {لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ...}.
البشرى تكون رفعا ونصبا، الرفع على: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب على لتنذر الذين ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت فى موضعه بشرى أو بشارة نصبتَ، ومثله فى الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قال: وسقى الله فلانا، وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضى حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الأحقاف )

{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

وقوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً...}.
قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هى فى مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون: (حُسناً) وكذلك هى فى مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً...}.
وفى قراءة عبدالله: حتّى إذا استوى وبلغ أشده وبلغ أربعين سنة، والمعنى فيه، كالمعنى فى قراءتنا؛ لأنه جائز فى العربية أن تقول: لمَّا ولد لك وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، ويقال: إِن الأشد هاهنا هو الأربعون.
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد له فى الأشد: ثلاث وثلاثون، وفى الاستواء: أربعون.
وسمعت أن الأشد فى غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب؛ لأن الأربعين أقرب فى النسق إل ثلاث وثلاثين ومنها إِلى ثمانى عشرة؛ ألا ترى أنك تقول: أخذت عامة المال أو كلَّه، فيكون أحسن من أن تقول: أخذت أقلّ المال أو كلّه. ومثله قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلمُ أَنّكَ تقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَىِ الّليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ}، فبعضُ ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [/ا]، والثانى يعنى ثمانى عشرة، [و] لو ضم إِلى الأربعين كان وجها.
وقوله: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ...}.
نزلت هذه الآية: فى أبى بكر الصديق رحمه الله.

[حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى به حبان بن على العنزىّ عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: نزلت فى أبى بكر رحمه الله إِلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ} إلى آخر الآية.
وقرأ يحيى بن وثاب، وذُكرت عن بعض أصحاب عبدالله: {نتقبَّلُ عنهم أحْسَنَ ما عَمِلوا ونتجاوز عن سيئاتهم} بالنون. وقرءاة العوام: "يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويُتجاوز عن سيئاتهم" بالياء وضمها، ولو قرئت "تُتَقبَّل عنهم [أحسن ما عملوا ] وتُتجاوز" كان صواباً.

{ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

وقوله: {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي...}.
كقولك: وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كان من مصدر في معنى حقا فهو نصب معرفة كان أو نكرة، مثل قوله في يونس: {وَعد الله حقّاً}.

{ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }

وقوله: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ...}.
ذُكِرَ أنه عبدالرحمن بن أبي بكر قال هذا القول قبل أن يسلم: (أُفٍّ لكما) قذراً لكما أتعداننى أن أُخرج من القبر؟
واجتمعت القراء على (أخرج) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلو قرئت: أن أَخْرُجَ بفتح الألف كان صوابا.
وقوله: {وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللَّهَ...}.
ويقولان: "ويلك آمن". القول مضمر يعنى: أبا بكر رحمه الله وامرأته.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الأحقاف )

{ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

وقوله: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ...}.
لَمْ تنزل في عبدالرحمن بن أبي بكر، ولكن عبدالرحمن، قال: ابعثوا [لى] جُدْعان بن عمرو، وعثمان بن عمرو ـ وهما من أجداده ـ حتى أسألهما عما يقول محمد صلى الله عليه وسلم ـ أحق أم باطل؟ فأنزل الله: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}. يعني: جدعان، وعثمان.

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

وقوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ...}
قرأها الأعمش وعاصم ونافع المدنى بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدنى بالاستفهام: "أأذهبتم"، والعرب تستفهم بالتوبيخ ولا تستفهم فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، ويقولون: أَذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب.

{ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

وقوله: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ...}.
أحقاف الرمل، واحدها: حِقفٌ، والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.
وقوله: {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ...}.
قبله ومن خلفه من بعده، وهي [/ب] في قراءة عبدالله "من بين يديه ومن بعده".

المعاني الواردة في آيات سورة ( الأحقاف )

{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

وَقوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ...}.
طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا: هذا الذى وعدْتَنا، هذا والله الغيث والخير، قال الله قل لهم: بل هو ما استعجلتم به من العذاب. وفي قراءة عبدالله: قل [بل] ما استعجلتم به هى ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهى فى هذا الموضع بمنزلة قوله: "مِنْ مَنِىٍّ تُمْنَى" وَ "يمنى". من قال: "هو". ذهب إلى العذاب، وَمن قال: "هى" ذهب إلى الريح.

{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }

وقوله: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ...}.
قرأها الأعمش وَعاصم وَحمزة "لا يُرَى إلا مساكنهم".
قال الفراء: وقرأها على بن أبى طالب، رحمه الله.
[حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن الفضل الخرسانى عن عطاء بن السائب، عن أبى عبدالرحمن عن على بن أبى طالب أنه قال: "لا تَرَى إلا مساكِنَهم".
[حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال وَحدثنى الكسائى عن قطر بن خليفة عن مجاهد أنه قرأ: "فأصبحوا لا تَرى إلا مساكنهم". قال: وَقرأ الحسنُ: "فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم" وفيه قبح فى العربية؛ لأن العرب إذا جعل فِعْل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا: لم يقم إِلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك، وَذلك أن المتروك أحد، فأحد إذا كانت لمؤنث أو مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تقول: إن قام أحد منهن فاضربه، وَلا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا، وَهو على ذلك جائز. قال أنشدني المفضل:
وَنارنُا لم تُر ناراً مِثْلُها * قد عِلِمت ذكَ ا معدّ أكْرما

فأنث فعل (مثل)؛ لأنه للنار، وأجود الكلام أن تقول: مارُئى إِلا مثلها.

{ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

وقوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ...}.
يقول: فى الذى لم نمكنكم فيه، و (إن). بمنزلة ما فى الجحد.
وقوله: {وَحَاقَ بِهِم...}.
وهو فى كلام العرب: عَادَ عليهم، وَجاء في التفسير: أحاط بهم، ونزل بهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الأحقاف )

{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

وقوله: {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ...}.
ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. فأمّا الإِفك والأَفك فبمنزلة قولك: الحِذْرُ وَالحَذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأَمَّا من قال: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم في موضع نصب يقول: ذلك صرفهم عن الإيمان وكذبهم، كما قال عز وجل: {يُؤفَكُ عنه مَن أُفِكَ} أى يصرف عنه مَن صُرِف.

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ...}.

دخلت الباء لِلَم، والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [/ا] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ الباء نصبت الذى كانت فيه بما يعمل فيه من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر فى هذا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قال. وَأنشدنى بعضهم:
فما رَجعت بخائبةٍ رِكابٌ * حكيمُ بنُ المسيِّب مُنتهاها
فأدخل الباء فى فعلٍ لو ألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء يقاس على هذا وَما أشبهه.
وَقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ: (يَقدِر) مكان (بقادر): كما قرأ حمزة: "وَمَا أنتَ تهدى العمى". وَقراءة العوام: "بهادى العمى".

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَاذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

وقوله: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ...}.
فيه قول مضمر يقال: أليس هذا بالحق بلاغٌ، أى: هذا بلاغ رفع بالاستئناف.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( محمد )

{ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَاكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }

قوله عز وَجل: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ...}.
نصب على الأمر، وَالذى نصب به مضمر، وَكذلك كل أمر أظهرَتَ فيه الأسماء، وَتركت الأفعال فانصب فيه الأسماء، وَذكر: أنه أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال.
وقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً...}.

منصوب أيضاً على فعل مضمر، فإمّا أن تمنُّوا، وَإما أن تفدوا، فالمن: أنت تترك الأسير بغير فداء، وَالفداء: أن يفدىَ المأسورُ نفسه.
وقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا...}.
آثامها وَشركها حتى لا يبقى إِلاّ مسلم، أو مسالم. وَالهاء التي في أوزارها تكون للحرب وَأنت تعنى: أوزار أهلها، وَتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حتى تنفى الحرب أوزار المشركين.
وقوله: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ...}.
بملائكة غيركم، ويقال: بغير قتال: ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكفر بالمؤمن.
وقوله: {وَالَّذِينَ قَاتَلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ...}.
قرأها الأعمش وعاصم وزيد بن ثابت [حدثنا محمد] حدثنا الفراء قال: حدثنى بذلك محمد بن الفضل الخراسانى عن [عطاء عن أبى] عبد الرحمن عن زيد بن ثابت: قاتَلوا، وقرأها الحسن: قُتِّلوا مشددة، وقد خففها بعضهم فقال: قُتِلوا مخفف، وكل ذلك صواب.

{ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

وقوله: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ...}.
يعرفون منازلهم إذا دخلوها، حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله فى الجنة منه بمنزله إذا رجع من الجمعة.

{ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }

وقوله: {فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ...}.
كأنه قال: فأتعسهم الله وأضل أعمالهم؛ لأنّ الدعاء قد يجرى مجرى الأمر والنهى، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة على التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله: {حتّى إِذَا أَثْخَنْتُموهمْ فَشُدُّوا} مردودة [/ب] على أمر مضمر ناصبٍ لضرب الرقاب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }

وقوله: {كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ...} كرهوا القرأن وسخطوه.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا }

وقوله: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا...}
يقول: لأهل مكة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود وعيدٌ من الله.

{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ }

وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ...}
يريد: وَلِىّ الذين آمنوا، وكذلك هى فى قراءة عبدالله "ذلك بأن الله ولِىّ الذين آمنوا" وهي مثل التى في المائدة في قراءتنا: {إنما وَلِيّكم اللهُ ورسولُه}، ومعناهما واحد، والله أعلم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }

وقوله: {وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ...}.
ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التى فى (لهم) كان وجها.

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ }

وقوله: {مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ...}.
يريد: التى أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كان من قريتك التى أخرجوك كان وجها، كما قال: {فَجاءَها بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قائلون}، فقال: (قائلون)، وفى أول الكلمة: (فجاءها).
وقوله: {فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ...}.
جاء في التفسير: فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وقد يجوز إضمار كان،
وإن كنت قد نصبت الناصر بالتبرية، وبكون: أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله.

{ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ }

وقوله: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ...} ولم يقل: واتبع هواه، وذلك أنّ من تكون فى معنى واحد وجميع، فرُدّت أهواؤهم على المعنى، ومثله: {وَمِنَ الشياطِينِ مَنْ يَغُوصُون له}، وفي موضع آخر: {ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمعُ إِلَيكَ}، وفي موضع آخر: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

وقوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال:] حدثنا الفراء قال: أخبرنى حبّان بن على عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال:
مثل الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قال ابن عباس: وكذلك قرأها على بن أبى طالب: أمثال.
وقوله: {مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ...}.
غير متغير، غير آجن.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ...} لم يخرج من ضروع الإِبل ولا الغنم برغوته.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ...}.

اللذة مخفوضة، وهى الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للأَنهار، وأنهارٌ لذةٌ ، وإن شئت نصبتها على يتلذذ بها لذة، كما تقول: هذا لك هبةً وشبهه، ثم قال: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ} لم يقل: أمَن كان في هذا كَمَن هو خالد في النار؟ ولكنه فيه ذلك المعنى فَبُنى عليه.

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَائِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ }

وقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...}.
يعنى خطبتك في الجمعة [/ا] فلا يستمعون ولا يعون [حتى] إذا انصرفوا، وخرج الناس قالوا للمسلمين: ماذا قال آنفا، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً منهم.
قال الله عز وجل: {أُولئك الَّذِينَ طَبعَ اللهُ على قُلوبهم}.

{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }

وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى...}.
زادهم استهزاؤهم هدى، وآتاهم الله تقواهم، يقال: أثابهم ثواب تقواهم، ويقال: ألهمهم تقواهم، ويقال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إذا نزل الناسخ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ }

وقوله: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا...}.

(أنْ) مفتوحة في القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وَحدثنى أبو جعفر الرؤاسى قال: قلت لأبى عمرو بن العلاء: ما هذه الفاء التى فى قوله: {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا}؟ قال: جواب للجزاء. قال: قلت: إنها {أَنْ تأتيهم} مفتوحة؟ قال: فقال: معاذ الله إنما هى (إِنْ تَأْتِهِمْ). قال الفراء: فظننت أنه أخذها عن أهل مكة؛ لأنه عليهم قرأ، وهى أيضاً فى بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة، ولم يقرأ بها أحد منهم، وهو من المكرّر: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أَن تأتيهم بغتة. والدليل على ذلك أن التى فى الزخرف فى قراءة عبدالله: {هَلْ يَنْظُرونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتيهم الساعةُ}، ومثله: {وَلَوْلاَ رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مؤمِناتٌ} لولا أن تطْئوهم فإن فى موضع رفع عند الفتح، وأن فى الزخرف ـ وههنا نصب مردودة على الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيا، ثم تبتدىء: إِن تأتهم، وتجيئها بالفاء على الجزاء، والجزم جائز.
وقوله: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ...}.
"ذكراهم" فى موضع رفع بلهم، والمعنى: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله: {يَوْمَئذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسانُ وأنّى لَهُ الذِّكْرَى} أى: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته.

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ }

وقوله: {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ...}.

وفى قراءة عبدالله: سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كان المسلمون إذا نزلت الآية فيها القتال وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: "لولا نزلت سورة" أى هلاّ أنزلت سوى هذه، فإذا نزلت وقد أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قال الله: {فَأَوْلَى لَهُمْ} لمن كرهها، ثم وصف قولهم قبل أن تنزَّل: سمع وطاعة، قد يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، فالطاعة مرفوعة في كلام العرب إذا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أو لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: أخبرنى حبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال:
قال الله عزّ وجل: {فَأَوْلَى} ثم قال لَهُمْ لِلَّذِين آمنوا مِنْهم طاعةٌ وَقَوْلٌ مَعْروف، فصارت: فأولى وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة لهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبى هذا غير مردود.

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ }

وقوله: [/ب] {فَهَلْ عَسَيْتُمْ...}.
قرأها العوام بنصب السين، وقرأها نافع المدنى: فهل عَسِيْتُم، بكسر السين، ولو كانت كذلك لقال: عَسِىَ [فى موضع عسى]. ولعلها لغة بادرة، وربما اجترأت العرب على تغيير بعض اللغة إذا كان الفعل لا يناله قد. قالوا: لُسْتُم يُريدون لستُم، ثم يقولون: لَيْسَ وليسُوا سواء، لأنه فعل لا يتصرف ليس له يفعل وكذلك عسى ليس له يفعل فلعله اجترى عليه كما اجترى على لستم.
وقوله: "هَلْ عَسَيْتُم" . . . إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا فى الأرض، وتُقطعوا أرحامكم، ويقال: ولعلكم إن انصرفتم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وتوليتم عنه أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ }

وقوله: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ...}.
زين لهم وأملى لهم الله، وكذلك قرأها الأعمش وعاصم، وذُكر عن على بن أبى طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت (رحمهم الله) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذُكر عن مجاهد أنه قرأها: (وأُمْلىِ لهم) مرسلة الياء، يخبر الله جل وعز عن نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأُمْلِىَ لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلاً لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب.

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ }

وقوله: {إِسْرَارَهُمْ...}.
قرأها الناس: أسرارهم: جمع سر، وقرأها يحيى بن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائى، وهو مصدر، ومثله: {وإِدْبَارَ السجود}.

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ }

وقوله: {أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ...} يقول: أنْ لن يبدى الله عدواتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( محمد )

{ وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }

وقوله: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ...}.
يريد: لعرفناكهم، تقول للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ}، في نحو القول، وفى معنى القول.

{ فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }

وقوله: {فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ...}.
كلاهما مجزومتان بالنهى: لا تهنوا ولا تدعوا، وقد يكون منصوباً على الصرف يقول: لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم.
وقوله: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ...}.
من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا، أو أخذت له مالا فقد وترته. وجاء فى الحديث: (من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله) قال الفراء، وبعض الفقهاء يقول: أوتر، والصواب وتر.

{ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ }

وقوله: {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ...}.
أى يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذلك البخل عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم أحفيت الرجل: أجهدته.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الفتح )

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }

قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً...}.
كان فتح وفيه قتال [قليل] مراماة بالحجارة، فالفتح قد يكون صلحا، ويكون أخذ الشىء عنوة، ويكون القتال إنما [/ا] أريد به يوم الحديبية.

{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

وقوله: {دَآئِرَةُ السَّوْءِ...}.
مثل قولك: رجل السَّوء، ودائرة السوء: العذاب، والسَّوء أفشى في اللغة وأكثر، وقلما تقول العرب: دائرة السُّوء.

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }

وقوله: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً...} ثم قال: {لِّتُؤْمِنُواْ...}.

ومعناه: ليؤمن بك من آمن، ولو قيل: ليؤمنوا؛ لأن المؤمن غير المخاطَب، فيكون المعنى: إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى فى الأول يراد به مثل هذا، وإن كان كالمخاطب؛ لأنك تقول للقوم: قد فعلتم وليسوا بفاعلين كلهم، أى فعلَ بعضكم، فهذا دليل على ذلك.
وقوله: {وَتُعَزِّرُوهُ...}.
تنصروه بالسيف كذلك ذكره عن الكلبى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الفتح )

{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

وقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...} بالوفاء والعهد.

{ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

وقوله: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ...}.
الذين تخلفوا عن الحديبية: شغلتنا أموالنا وأهلونا، وهم أعراب: أسلم، وجهينة، ومزينة، وغِفَار ـ ظنوا أن لن ينقلب رسول الله صلى الله عليه، فتخلفوا.
وقوله: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً...}.
ضم يحيى بن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة والحسن "ضَراً".

{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً }

وقوله: {أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً...} وفى قراءة عبدالله: "إلى أهلهم" بغير ياء، والأهل جمع وواحد.
وقوله: {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً...}.
[حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: حدثنى حِبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: البُور في لغة أَزْدعُمانَ: الفاسد، وكنتم قوما بورا، قوما فاسدين، والبور في كلام العرب: لاشىء يقال: أصبَحتْ أعمالهم بورا، ومساكنهم قبورا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الفتح )

{ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَالِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

وقوله عز وجل: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا...}.
يعنى خيبر؛ لأن الله فتحها على رسوله من فوره من الحديبية، فقالوا ذلك لرسول الله: ذرنا نتبعك، قال: نعم على ألاّ يُسْهَم لكم، فإن خرجتم على ذا فاخرجوا فقالوا للمسلمين: ما هذا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا؟ قال المسلمون: كذلكم قال الله لنا من قبل أن تقولوا.
وقوله: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كلِمَ اللَّهِ...}.
قرأها يحيى (كَلِم) وحده، والقراء بعدُ (كلام الله) بألف، والكلام مصدرٌ، والكلمُ جمع الكلمة والمعنى في قوله: "يريدُونَ أن يبدلوا كلم الله": طمعوا أن يأذن لهم فيبدِّل كلام الله، ثم قيل: إن كنتم إنما ترغبون فى الغزو والجهاد لا فى الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة إلى قوم أولى بأس شديد ـ بنى حنيفة أتباع مسيلمة ـ هذا من تفسير الكلبى.

{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

وقوله: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ...}.
وفى إحدى القراءتين: أو يُسْلِموا. والمعنى: تقاتلونهم أبداً حتى يسلموا، وإلاّ أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون [/ب] منهم الإسلام.

{ لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }

وقوله: {لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ...} فى ترك الغزو إلى آخر الآية.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الفتح )

{ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }

وقوله: {تَحْتَ الشَّجَرَةِ...} كانت سَمُرةً.
وقوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ...}.
كان النبى صلى الله عليه أُرِىَ فى منامنه أنه يدخل مكة، فلما لم يتهيأ له ذلك، وصالح أهل مكة على أن يخلوها له ثلاثا من العام المقبل دخل المسلمين أمر عظيم، فقال لهم النبى صلى الله عليه: إنما كانت رؤيا أُريتُها، ولم تكون وحيا من السماء، فعَلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم. والسكينة: الطمأنينة والوقار إلى ما أخبرهم به النبى صلى الله عليه: أنها إلى العام المقبل، وذلك قوله: {فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَموا} من خير تأويل الرؤيا.

{ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَاذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

وقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا...} مما يكون بعد اليوم فعجل لكم هذه: خيبر.
وقوله: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ...}.
كانت أسد وغطفان مع أهل خيبر على رسول الله صلى الله عليه، فقصدهم النبى صلى الله عليه، فصالحوه، فكفوا، وخلّوا بينه وبين أهل خيبر، فذلك قوله: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ}.

{ وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

وقوله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا...}.
فارس ـ قد أحاط الله بها، أحاط لكم بها أن يفتحها لكم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الفتح )

{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

وقوله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم...}.
هذا لأهل الحديبية، لا لأهل خيبر.
وقوله: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً...} محبوسا.
وقوله: {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ...} مَنْحَره، أى: صدوا الهدى.

وقوله: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ...}.
كان مسلمون بمكة، فقال: لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد: الدية، ثم قال الله جل وعز: {لَوْ تَزَيَّلُواْ} لو تميّز وخلَص الكفار من المؤمنين، لأنزل الله بهم القتل والعذاب.

{ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

وقوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ...}.
حموا أنفا أن يَدخلها عليهم رسول الله صلى الله عليه، فأنزل الله سكينته يقول: أذهب الله عن المؤمنين أن يَدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا الله ورسوله.
وقوله: {كَلِمَةَ التَّقْوَى...} لا إله إلا الله.
وقوله: {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا...}.
ورأيتها في مصحف الحارث بن سويد التيمى من أصحاب عبدالله، "وكانوا أهلها وأحق بها" وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج.

{ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }

وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ [/ا] الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ...}.
وفى قراءة عبدالله: لا تخافون مكان آمنين، "مُحلِّقين رءوسكم ومُقَصِّرِينَ"، ولو قيل: محلقون ومقصرون أى بعضكم محلقون وبعضكم مقصرون لكان صوابا [كما] قال الشاعر:
* وغودر البقل ملوى ومحصود *

المعاني الواردة في آيات سورة ( الفتح )

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }

وقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ...}.
يقال: لا تذهب الدنيا حتى يَغلب الإسلام على أهل كل دين، أو يؤدوا إليهم الجزية، فذلك قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه}.

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

وقوله: {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً...}. فى الصلاة.
وقوله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ...}. وهى الصفرة من السهر بالليل.
وقوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ...}.
وفى الإنجيل: أيضاً كمثلهم فى القرآن، ويقال: ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل، كرزع أخرج شطأه، وشطؤه: السنبل تُنبت الحبة عشراً وثمانياً وسبعاً، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله: (فآزره) فأعانه وقواه؛ فاستغلظ [ذلك] فاستوى، ولو كانت واحدة لم تقم على ساق، وهو مَثَل ضربه الله عز وجل للنبى صلى الله عليه إذ خرج وحده ثم قوّاه بأصحابه، كما قوَّى الحبة بما نبت منها.
آزرت، أُؤازره، مؤازرة: قوّيته، وعاونته، وهى المؤازرة.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الحجرات )

{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله جل وعز: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ...}.
اتفق عليها القراء، ولو قرأ قارىء: (لا تَقْدَموا) لكان صواباً؛ يقال: قَدَمت فى كذا وكذا، وتقدَّمت.

{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }

وقوله عز وجل: {لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ...}.
وفى قراءة عبدالله "بأصواتكم"، ومثله فى الكلام: تكلم كلاماً حسناً، وتكلم بكلام حسن.
وقوله: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ....}:
يقول: لا تقولوا: يا محمد، ولكن قولوا: يا نبى الله ـ يا رسول الله، يا أبا القاسم.
وقوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ...}.
معناه: لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إذا وضعت (لا) مكان (أن)، وقد فُسر في غير موضع، وهى فى قراءة عبدالله: فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل على جواز الجزم فيه.

{ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }

وقوله: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى...}.
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الحجرات )

{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

وقوله: {مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ...}.

وجه الكلام أن تضم الحاءَ والجيم، وبعض العرب يقول: الْحُجَرات والرُّكَبات وكل جمع كأن يقال في ثلاثةٍ إلى عشرةٍ: غرف، وحجر، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع [/ب] أجودُ من ذلك.
وقوله: {أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ...}.
أتاه وفد بنى تميم فى الظهيرة، وَهو راقد صلى الله عليه، فجعلوا ينادون: يا محمد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ} إلى آخر الآية، وَأذِن بعد ذلك لهم؛ فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل الله جل وَعز فيه: {لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}.

{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }

وقوله: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتثَبّتُوا...}.
قراءة أصحاب عبدالله، ورأيتها فى مصحف عبدالله بالثاء ، وَقراءة الناس: (فَتَبَيَّنُوا) وَمعناهما متقارب؛ لأن قوله: (فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حتى تعرفوا، وَهذا معنى تثبتوا. وَإنما كان ذلك أن النبى صلى الله عليه بعث عاملاً على بنى المصطلق ليأخذ صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النبى صلى الله عليه فقال: إِنهم قاتلونى، وَمنعونى أداء ما عليهم فبينما هم كذلك وقد غضب النبى صلى الله عليه قدم عليه وَفد بنى المصطلق فقالوا: أردنا تعظيم رسول رسول الله ، وَأداء الحق إِليه، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وَلم يصدقهم؛ فأنزل الله: "ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَثَبّتُوا" إلى أخر الآية، وَالآية التى بعدها.

{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

وقوله: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ...}.
ولم يقل: اقتتلتا، وَهى فى قراءة عبدالله: فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وَفى قراءته: حتى يَفِيئُوا إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم.
وقوله: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...}.
ولم يقل: بين إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذلك كان صوابا.
وَنزلت فى رهط عبدالله بن أبى، وَرهط عبدالله بن رواحة الأنصارى، فمر رسول الله صلى الله عليه على حِمار فوقف على عبدالله بن أبى فى مجلس قومه، فراث حمار رسول الله، فوضع عبدالله يده على أنفه وَقال: إليك حمارك فقد آذانى، فقال له ابن روَاحة: أَلِحِمارِ رسول الله تقول هذا؟ فوالله لهو أطيب عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هذا، وَقوم هذا، حتى اقتتلوا بالأيدى وَالنعال، فنزلت هذه الآية.
وَقوله {فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي...} التى لا تقبل الصلح ، فأصلح النبى صلى الله عليه بينهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الحجرات )

{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ * ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

وقوله: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ...}.
نزلت فى أن ثابت بن قيس الأنصارى كان ثقيل السمع، فكان يدنو من النبى صلى الله عليه ليسمع حديثه، فجاء بعد ما قضى ركعة من الفجر، وَقد أخذ الناس أماكنهم من رسول الله فجعل يتخطى وَيقول: تفسحوا حتى انتهى إلى رجل دون النبى صلى الله عليه، فقال: تفسح، فقال له الرجل: قد أصبت مكانا فاقعد، فلما أسفر قال: من الرجل؟ قال: فلان بن فلان، قال: أنت ابن هَنَةٍ لأُِمٍّ له، قد كان يعير بها؛ فشق على الرجل، فأنزل الله عز وجل: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ} وهى فى قراءة عبدالله فيما أعلم: عَسَوا أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيراً منهن.

ونزل أيضاً فى هذه القصة: [/ا] {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً...}. والشعوب أكبر من القبائل، وَالقبائل أكبر من الأفخاذ {لِتَعَارَفُواْ}: ليعرف بعضكم بعضا فى النسب {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهى قراءة عبدالله: لتعارفوا بينكم، وخيركم عند الله أتقاكم؛ فقال ثابت: والله لا أفاخر رجلاً فى حسبه أبداً.
وقوله: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ...}.
لا يَعب بعضكم بعضاً، ولا تنابزوا بالألقاب: كان الرجل يقول للرجل من اليهود وقد أسلم: يا يهودى! فنُهوا عن ذلك؛ وَقال فيه: {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ} ومن فتح: أن أكرمكم فكأنه قال: لتعارفوا أن الكريم المتقِى، ولو كان كذلك لكانت: لتعرفوا أن أكرمكم، وجاز لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضا أن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وقوله: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ...}.
القُراء مجتمعون على الجيم؛ نزلت خاصة فى سلمان، وكانوا نالوا منه.
وقوله: {فَكَرِهْتُمُوهُ...}.
قال لهم النبى صلى الله عليه: أكان أحدكم آكلاً لحم أخيه بعد موته؟ قالوا: لا! قال: فإن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تقول ما فيه، وإذا قلت ما ليس فيه فهو البَهْت ليست بغيبة فكرهتموه أى فقد كرهتموه، فلا تفعلوه.
ومن قرأ: فكُرِّهتموه يقول: قد بُغِّض إليكم والمعنى والله أعلم ـ واحد، وهو بمنزلة قولك: مات الرجل وأُميت.

{ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

وقوله: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا...}.
فهذه نزلت فى أعاريب بنى أسد؛ قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم المدينة بعيالاتهم طمعا فى الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب على ظهور رواحلها؛ فأنزل الله جل وعز {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ...}؛ (وأن) فى موضع نصب لأنها فى قراءة عبدالله: يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ: يَمُنُّونَ عَلَيْك لأنْ أَسْلَمُوا، فإِذَا ألقيت اللام كان نصباً مخالفا للنصب الأول.
وقوله: {أَنْ هَداكُمْ...}، وفى قراءة عبدالله: إذ هداكم.
فـ (أن) فى موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
وقوله: {لاَ يَلِتْكُمْ...}.

لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئاً، وهى من لات يليتُ، والقراء مجمعون عليها، وقد قرأ بعضهم: لا يَأْلِتْكم، ولست أشتهيها؛ لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز؛ ألا ترى قوله: (يأتون)، و (يأمرون)، و (يأكلون) لم تلق الألف فى شىء منه لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إذا سكن ما قبلها، فإذا سكنت هى تعنى الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ على قراءتها "يألتكم" أنه وجد {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} فى موضع، فأخذ ذا من ذلك؛ فالقرآن يأتى باللغتين المختلفتين؛ ألا ترى قوله: {تُمْلَى عَلَيْهِ}. وهو فى موضع آخر: {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِل}. ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألَت يألِتُ لغتان [قال حدثنا محمد بن الجهم بن إبراهيم السمرى قال حدثنا الفراء].

المعاني الواردة في آيات

سورة ( ق )

{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }

قوله عز وجل: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ...}.
قاف: فيها المعنى الذى أقسم به [/ب] ذكر أنه قُضى والله كما قيل فى حُمَّ: قُضى والله، وحُمَّ والله: أى قضى.
ويقال: إن (قاف) جبل محيط بالأرض، فإن يكن كذلك فكأنه فى موضع رفع، أى هو (قافٌ والله)، وكان [ينبغى] لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال الشاعر:
قلنا لها: قفى، فقالت: قافْ.
ذكرت القاف أرادت القاف من الوقوف، أى: إنى واقفة.

{ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ }

وقوله: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً...}.

كلام لم يظهر قبله ما يكون هذا جواباً له، ولكن معناه مضمر، إنما كان ـ والله ـ أعلم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} لتبعثن. بعد الموت، فقالوا: أنبعث إذا كنا تراباً؟ فجحدوا البعث ثم قالوا: {ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ...}. جحدوه أصلا [و] قوله: (بعيد) كما تقول للرجل يخطىء فى المسألة: لقد ذهبت مذهباً بعيداً من الصواب: أى أخطأت.

{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }

وقوله: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ...} ما تأكل منهم.
وقوله: {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ...}.
فى ضلال.
وقوله: {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ...}.
ليس فيها خلل ولا صدع.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ }

وقوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ...}.
والحب هو الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: {إِنَّ هَذا لَهُو حَقُّ الْيَقِين}، ومثله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ...}.
والحبل هو الوريد بعينه أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه، والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين.

{ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ }

وقوله: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ...}.
طوال، يقال: قد بسق طولا، فهن طوال النخل.
وقوله: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ...}.
يعنى: الكفُرَّى ما كان فى أكمامه وهو نضيد، أى منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.

{ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }

وقوله: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ...}.
يقول: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعى بخلقهم أولا؟ ثم قال: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}، أى هم فى ضلال وشك.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }

وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ...}.
الهاء لما، وقد يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الذى توسوس به ـ تريد ـ توسوس إليه وتحدثه.

{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ }

وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ...}.
يقال: قعيد، ولم يقل: قعيدان. حدثنا الفراء قال: وحدثنى حبان بن على عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: قعيد عن اليمين وعن الشمال يريد ـ قُعود، فجعل القعيد جمعا، كما تجعل الرسول للقوم والاثنين. قال الله تعالى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين} لموسى وأخيه، وقال الشاعر:
ألِكْنى إليها، وخيرُ الرسو * لِ أعلَمُهم بنواحِى الْخَبَرْ
فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحداً اكتفى به من صاحبه، كما قال الشاعر:
نَحْنُ بما عِندنا، وأنت بما * عندك راضٍ، والرأىُ مختلِفُ
ومثله قول الفرزدق:
إِنِّى ضَمِنت لمن أتانى ما جَنَى * وأبَى، وَكان وكنت غير غَدُورِ
وَلم يقل: غدورين.

{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }

وقوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ...} وفى قراءة عبدالله: سكرة الحق بالموت، فإن شئت أردت (بالحق) أنه الله عز وجل، وإن شئت جعلت السكرة هى الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقُّ بالموت، وقوله: {سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} يقول: بالحق الذى قد كان غير متبين لهم من أمر الآخرة، ويكون الحق هو الموت، أى جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَاذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }

وقوله: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ...}.
يقول: قد كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر ها هنا: هو العلم ليس بالعين.

{ وَقَالَ قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ }

وقوله: {هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ...}.
رفعتَ العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله: {هَذَا بَعْلِى شَيْخٌ}. ولو كان نصبا كان صوابا؛ لأن (هذا، وما) ـ معرفتان، فيقطع العتيد منهما.

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }

[/ا] وقوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ...}.
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحك! ارحلاها وازجرها، وأنشدنى بعضهم:
فقلت لصاحبى لا تحبسانا * بنزع أصوله، واجتزَّ شيحا
قال: ويروى: واجدزّ يريد: واجتز، قال: وأنشدنى أبو ثروان:
وإن تزجرانى يا ابن عفان أنزجر * وإن تدعانى أَحْمِ عرضاً ممنَّعاً
ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه فى إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرَّفقة، أدنى ما يكونون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شىء، قيلا: يا صاحبىّ، يا خليلى، فقال امرؤ القيس:
خليلىّ، مرّا بِى على أم جندب * نُقضِّى لُبانات الفؤاد المعذب
ثم قال:

ألَمْ تَرَ أنى كلما جئت طارقا * وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فقال: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قال: وأنشدنى آخر:
خليلىّ قوما فى عَطالة فانظرا * أناراً ترى من نحو بابَيْن أو برقا
وبعضهم: أنارا نرى.
وقوله: {مَا أَطْغَيْتُهُ} يقوله الملَك الذى كان يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قال: كان يعجلنى عن التوبة، فقال: ما أطغيته يارب، ولكن كان ضالا.
المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قال الله تبارك وتعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ...}. أى: ما يُكْذَب عندى لعلمه عز وجل بغيب ذلك.

{ هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }

وقوله: {هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ...} {مَّنْ خَشِيَ...}.
إن شئت جعلت (مَن) خفضا تابعة لقوله: (لكلّ)، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشى الرحمن بالغيب قيل له: ادخل الجنة، و (ادْخُلوها) جواب للجزاء أضمرتَ قبله القول وجعلته فعلاً للجميع؛ لأن مَن تكون فى مذهب الجميع.

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ }

وقوله: {فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ...}.
قراءة القراء يقول: خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كان لهم من الموت من محيص؟ أضمرت كان ههنا كما قال: {وَكَأَيِّنْ مِّنْ قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوّةً مِّنْ قَرْيَتِكَ الَّتى أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُم}، والمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. ومن قرأ: (فَنقِّبوا) فى البلاد، فكسر القاف فإنه كالوعيد. أى: اذهبوا فى البلاد فجيئوا واذهبوا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ...}.
يقول: لمن كان له عقل، وهذا جائز فى العربية أن تقول: مالك قلب وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذلك.
وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ...}.
يقول: أو ألقى سمعه إلى كتاب الله وهو شهيد، أى شاهد ليس بغائب.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }

وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ...}.
يقول: من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قالوا: ابتدأ خلق السماوات والأرض يوم لأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت، فأنزل الله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} إكذابا لقولهم، وقرأها أبو عبدالرحمن السلمى: من لَغوب بفتح اللام وهى شاذة.

{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }

وقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ...}.
وإِدِبارَ. من قرأ: وأدبار جمعه على دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن علي ابن أبي طالب أنه قال، [/ب] وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، {وإِدْبارَ النُّجومِ}. الركعتان (قبل الفجر) وكان عاصم يفتح هذه التى فى قاف، وبكسر التى فى الطور، وتكسران جميعاً، وتنصبان جميعاً جائزان.

المعاني الواردة في آيات سورة ( ق )

{ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }

وقوله: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ...}.
يقال: إن جبريل عليه السلام يأتى بيت المقدس فينادى بالحشر، فذلك قوله: {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}.

{ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ }

وقوله: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً...}.
إلى المحشر وتُشَقق، والمعنى واحد مثل: مات الرجل وأميت.

{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

وقوله: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ...}.
يقول: لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار فى موضع السلطان من الجَبْريّة، قال أنشدنى المفضل:
ويوم الحَزن إذ حشَدَت مَعدٌّ * وكان الناسُ إلا نحن دينا
عصينا عزمةَ الجبار حتى * صبحنا الجوفَ ألفا مُعْلمينا
أراد بالجبار: المنذر لولايته.
وقال الكلبى بإسناده: لستَ عَلَيْهِمْ بجَبّار يقول: لم تبعث لتجبُرَهم على الإسلام والهدى؛ إنما بعثت مذكَّرا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
والعرب لا تقول: فعّال من أفعلت، لا يقولون: هذا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنما يقولون: دخال من دخلت، وفعّال من فعلت: وقد قالت العرب: درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو وجه.
وقد سمعت بعض العرب يقول: جبره على الأمر يريد: أجبره، فالجبار من هذه اللغة صحيح يراد به: يقهرهم ويجبرهم.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الذاريات )

{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً }

قوله عز وجل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً...}.
يعنى: الرياح.

{ فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً }

{فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً...}
يعنى: السحاب لحملها الماء.

{ فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً }

{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً...}، وهى السفن تجرى ميسّرَة {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً...}: الملائكة تأتى بأمر مختلف: جبريل صاحب الغلطة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتى بالموت، فتلك قسمة الأمور.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ }

وقوله: {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ...}.
الحُبك: تكسُّر كل شىء، كالرملة إذا مرت بها الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح، والدرع درع الحديد لها حُبُك أيضا، والشَّعرة الجَعدة تكسُّرُها حبك، وواحد الحبك: حِباك، وحَبِيكة.

{ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }

وقوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ...}.
جواب للقسم، والقول المختلف: تكذيب بعضهم بالقرآن وبمحمد، وإيمان بعضهم.

{ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ }

وقوله: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ...}.
يريد: يُصرف عن القرآن والإيمان من صُرف كما قال: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} يقول: لتصرفنا عن آلهتنا، وتصُدَّنا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ }

وقوله: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ...}.
يقول: لُعن الكذابون الذين قالوا: محمد صلى الله عليه: مجنون، شاعر، كذاب، ساحر. خرّصوا مالا علم لهم به.

{ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ }

وقوله: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ...}.
متى يوم الدين؟ قال الله: {يوم الدّين. يَوْمَ هُمْ على النارِ يُفْتَنُون} وإنما نصبت (يومَ هُمْ) لأنك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل، فارتفعا نصب اليوم، وإن كان فى موضع خفض أو رفع، وإذا أضيف إلى فَعَل أو يفعَل أو إذا كان كذلك ورفعه فى موضع الرفع، وخفضه فى موضع الخفض يجوز، فلو قيل: يومُ هم على النار يفتنون؛ فرفع يوم لكان وجها، ولم يقرأ به أحد من القراء.

{ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ }

وقوله: {يُفْتَنُونَ...} يحرقون ويعذبون بالنار.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَاذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

وقوله: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ...} يقول: ذوقوا عذابكم الذى كنتم به تستعجلون فى الدنيا.

{ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ }

وقوله: {آخِذِينَ...} "وفاكهين".
نصبتا على القطع، ولو كانتا [/ب] رفعاً كان صوابا، ورفعهما على أن تكونا خبرا، ورفع آخر أيضاً على الاستئناف.

{ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }

وقوله: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ...}.
إن شئت جعلت ما فى موضع رفع، وكان المعنى: كانوا قليلا هجوعهم. والهجوع: النوم. وإن شئت جعلت ما صلة لا موضع لها، ونصبت قليلا بيهجعون. أردت: كانوا يهجعون قليلا من الليل.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

وقوله: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ...} يُصَلون.

{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ }

وقوله: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ...}.
فأما السائل فالطوّاف على الأبواب، وأما المحروم فالمحارَفُ أو الذى لا سهم له فى الغنائم.

{ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ }

وقوله: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ...}.
فآيات الأرض جبالها، واختلاف نباتها وأنهارها، والخلق الذين فيها.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }

وقوله: {وَفِي أَنفُسِكُمْ...}.
آيات أيضاً إن أحدكم يأكل ويشرب فى مدخل واحد، ويُخْرِج من موضعين، ثم عنّفهم فقال: {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}؟

{ فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

وقوله: {فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ...}.

أقسم عز وجل بنفسه: أن الذى قلت لكم لَحق مثل ما أنكم تنطقون. وقد يقول القائل: كيف اجتمعت ما، وأنّ وقد يكتفى بإحداهما من الأخرى؟ وفيه وجهان: أحدهما: أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما، فمن الأَسماء قول الشاعر:
من النّفر اللائى الذين إذا همُ * يَهاب اللئامُ حلقهَ البابِ قَعْقَعوا
فجمع بين اللائى والذين، وأحدهما مجزىء من الآخر.
وأما فى الأدوات فقوله:
ما إِنْ رأيتُ ولا سمعت به * كاليوم طالى أيْنُق جُرْب
فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزى من الآخر.
وأمّا الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فى نفسه حق لا كذب: ولم يُرَد به ذلك. إنما أرادوا أنه لحق كما حقٌّ أن الآدمى ناطق.
ألا ترى أن قولك أحقٌّ منطقك معناه: أحقٌّ هو أم كذب؟ وأن قولك: أحقٌّ أنك تنطق؟ معناه: أللانسان النطق لا لغيره. فأدخلتَ أنَّ ليُفرَق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إلىَّ.
وقد رفع عاصم والأعمش (مثلَ) ونصبها أهل الحجاز والحسن، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فى مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إذا رفع بها الاسم فيقولون: مثلَ من عبدالله؟ ويقولون: عبدالله [/ا] مثلَك، وأنت مثلَه. وعلة النصب فيها أن الكاف قد تكون داخلة عليها؛ فتُنصب إذا ألقيت الكاف. فإن قال قائل: أفيجوز أن تقول: زيدٌ الأسدَ شدةً، فتنصب الأسد إذا ألقيت الكاف؟ قلت: لا؛ وذلك أن مثلَ تؤدى عن الكاف؛ والأسدُ لا يؤدى عنها؛ ألا ترى قول الشاعر:
وزعتُ بكالهراوة أعوجِىٍّ * إذا وَنتِ الرِّكاب جرى وثابا
أن الكاف قد أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما؛ فيقولون: زيد كمثلك، وقال الله جل وعز: {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}، واجتماعهما دليل على أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ }

وقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ...}.
لم يكن عَلِمه النبى ـ صلى الله عليه ـ حتى أنزله الله عليه.
وقوله: {الْمُكْرَمِينَ...}.
أكرمهم بالعمل الذى قرّبه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }

وقوله: {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ...}.
رفع بضمير: أنتم قوم منكرون.
وهذا يقوله إبراهيم عليه السلام للملائكة.

{ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ }

وقوله: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ...}.
رجع إليهم، والروغ وإن كان على هذا المعنى فإنه لا يُنطق به حتى يكون صاحبه مُخْفياً لذهابه [أو مجيئه] ألا ترى أنك لا تقول: قد راغ أهل مكة، وأنت تريد رجعوا أو صدروا؟ فلو أَخفى راجع رجوعه حسنت فيه: راغ ويروغ.

{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ }

وقوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ...}.
إذا كبر، وكان بعض مشيختنا يقول: إذا كان العِلْم منتظراً [لمن] يوصف به قلت فى العليم إذا لم يعلم: إنه لعالم عن قيل وفاقِهٌ، وفى السيد: سائد، والكريم: كارم. والذى قال حسن، وهذا كلام عربى حسن، قد قاله الله فى عليم، وحليم، وميت.
وكان المشيخة يقولون للذى لما يَمُت وسيموت: هو مائت عن قليل، وقول الله عز وجل أصوب من قيلهم، وقال الشاعر فيما احتجوا به:
كريم كصفو الماء ليس بباخل * بشىء، ولا مهد ملاما لباخل
يريد: بخيل، فجعله باخل؛ لأنه لم يبخل بعد.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ }

وقوله: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ...}.

فى صيحة، ولم تقبل من موضع إلى موضع إنما هون كقولك: أقبل يشتمنى، أخذ فى شتمى فذكروا أن الصيحة: أوَّه، وقال بعضهم: كانت يا ويلتا.
وقوله: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا...}.
هكذا أى جمعت أصابعها، فضربت جبهتها، {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ...} أتلد عجوز عقيم؟ ورفعت بالضيمر بتلد.

{ وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ }

وقوله: {وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً...}.
معناه: تركناها آية وأنت قائل للسماء فيها آية، وأنت تريد هى الآية بعينها.

{ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }

وقوله: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ...}.
يقال: تولى أى أعرض عن الذكْرِ بقوته فى نفسه، ويقالُ: فتولى برُكنه بمن معه لأنَّهُم قوّته.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ }

وقوله: {وَهُوَ مُلِيمٌ...}.
أتى باللائمة وقد ألام، وقوله: {لَقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ} هم الآيات وفعلهم.

{ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ }

وقولُه عز وجل: {كَالرَّمِيمِ...}.
والرميمُ: نباتُ الأرضِ إذا يَبِسَ ودَبسَ فهو رَمِيمٌ.

{ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّى حِينٍ }

وقوله عز وجل: {تَمَتَّعُواْ حَتَّى حِينٍ...}.
كان ذلِكَ الحينُ ثلاثةَ أيام.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ }

وقوله تبارك وتعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ...}.
قرأها العوامُ [الصاعقة] بالألف.

قالَ حدثنا محمدُ بن الجهم قالَ حدثنا الفراءُ قالَ: وحدثنى قيس بن الربيع عن السُّدِّى عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب: أنه قرأ (الصَّعقة) بغير ألف، وهم ينظرون.

{ فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ }

وقوله عز وجل: {فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ...}.
يقولُ: فما قاموا لها ولو كانت: فما استطاعُوا من إقامةٍ لكان صَوَاباً.
وطرحُ الألفِ منها، كقوله جلّ وعز: {والله أَنْبَتَكُم مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} ولو كانت - إنباتا - كان صَوابا.

{ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

وقوله جل ذكره: {وَقَوْمَ نُوحٍ...}.
نَصبها القراءُ [/ا] إلاّ الأعمشَ وأصحابه، فإنهم خفضوها لأنها فى قراءةِ عبداللهِ فيما أعلم: وفى قوم نوح.
ومن نصبها فعلى وجهين: أخذتهم الصعقة، وأخذت قومَ نوح.
وإن شئت: أهلكناهم، وأهلكنا قومَ نوح. ووجه آخرُ ليسَ بأبغَضَ إلىّ من هذين الوجهين: أن تُضمَر فعلا ـ واذكر لهم قوم نوح، كما قال عز وجل: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} فى كثير من القرآن معناه: أنبئهم واذكر لهم الأنبياء وأخبارهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }

وقوله عز وجل: {بِأَييْدٍ...} بقوةٍ.
وقوله عز وجل: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ...}. أى إنا لدو وسَعَةٍ لخَلْقِنا. وكذلك قوله جل ذكره: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}.

{ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

وقوله تبارك وتعالى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ...}.
الزَّوجان من جميع الحيوانِ: الذكَرُ والأُنثى، ومِن سوى ذلِكَ: اختلافُ ألوان النبات، وطُعومِ الثمار، وبعضٌ حلوٌ، وبعضٌ حامضٌ، فذانِك زوجان.

{ فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

وقوله: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ...}.
معناه: فرُّوا إليه إلى طاعتِه من معصيته.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }

وقوله تبارك وتعالى {أَتَوَاصَوْاْ بِهِ...}.
معناه: أتوَاصى به [/ب] أهلُ مكةَ، وَالأُمم الماضِيةُ، إذْ قالوا لَكَ كما قالت الأُمَمُ لرُسلها.

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }

وقوله تبارك وَتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ...}.
إلا ليوحِّدونى، وَهذه خاصّةُ يقولُ: وَما خلقت أهلَ السعادةِ من الفريقين إلا ليُوحِّدُونى. وَقال بعضُهم: خلقَهم ليفعلوا فَفَعل بعضُهم وَترك بعضٌ، وَليس فيه لأهلِ القَدَرِ حُجَّةٌ، وَقد فُسِّرَ.

{ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }

وقوله تبارك وَتعالى: {مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ...}.
يقولُ: ما أريدُ منهم أن يرزقوا أنفسهم، {وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ...} أن يُطعموا أحداً من خلقى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ...}.
قرأ يحيى بن وَثاب (المتين) بالخفض جعله من نعتٍ ـ القوةِ، وَإن كانت أُنثى فى اللفظ، فإنَّهُ ذهب إلى الحبل وَإلى الشىء المفْتولِ.
أنشد بعض العربِ:
لكل دَهْرٍ قد لَبِسْتُ أثْوباً * من ريطةٍ وَاليُمنَةَ المُعَصَّبا
فجعل المُعَصَّبَ نعتاً لليُمْنَة، وَهى مؤنثةٌ فى اللفظ لأن اليُمنةَ ضربٌ وَصِنْفٌ من الثيابِ: الوَشى، فذهبَ إليه.
وقرأ الناس ـ (المتينُ) رفعٌ من صِفةِ الله تبارك وَتعالى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الذاريات )

{ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ }

وقوله: [/ا] عز وَجل: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً...}.
والذنوب فى كلام العرب: الدَلُو العظيمة وَلكن العربَ تذهَبُ بها إلى النَّصِيب وَالحظِّ.
وَبذلِكَ أتى التفسيرُ: فإنَّ للذين ظَلموا حظًّا من العذابِ، كما نزَلَ بالذين من قبلهم، وَقَالَ الشاعرُ:
لنَا ذَنوبٌ وَلكمْ ذَنوبُ * فإنْ أبيتمْ فلنا القَليبُ
وَالذنوبُ: يُذكَّرُ، وَيؤنَّثُ.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الطور )

{ وَالطُّورِ }

وقوله عز وَجل: {وَالطُّورِ...}.
أقسَم به وَهُو الجَبلُ الذى بمَدْيَنَ الذى كلّمَ اللهُ جلَّ وَعزَّ موسى عليه السلام عنده تكليماً.

{ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ }

وقوله تبارك وتعالى: {فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ...}.
والرَّقُ: الصحائفُ التى تُخْرَجُ إلى بنى آدَمَ، فآخِذٌ كتابَه بيمينهِ، وآخِذٌ كتابَه بشمالهِ.

{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ }

وقوله تبارك وتعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ...}.
بيت كان آدم صلى الله عليه بناه فرُفِع أيام الطوفانِ، وهو فى السماء السادسَةِ بحيال الكعبةِ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الطور )

{ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ }

وقوله عز وجل: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ...}.
كان على بن أبى طالب رحمه الله يقول: مسجورٌ بالنار، والمسجورُ فى كلام العرب: المَمْلوء.

{ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً }

وقوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً...}.
تدورُ بما فيها وتسيرُ الجبال عن وجه الأرض: فتستوى هى والأرضُ.

{ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا }

وقوله عز وجل: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ...}.
يُدفعون: وكذلِكَ قولُه: {فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ}.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الطور )

{ فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }

وقوله تبارك وتعالى: {فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ...}.
مُعْجَبِينَ بما آتاهم ربُّهم.

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ }

وقوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم...}:
قرأها عبدُالله بن مسعود: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتَهُمْ). {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ...} على التوحيد.
قالَ حدثنا محمد بن الجهم قالَ: حدثنا الفراءُ قالَ: حدثنى قيسُ والمفضلُ الضبى عن الأعمش عن إبراهيم، فأما المفضَّلُ فقال عن علقمة عن عبدِاللهِ، وقالَ قيسٌ عن رجل عن عبدالله قالَ: قرأ رجل على عبدِالله "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعهم ذُرِّيَاتُهم بإِيمانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم". قال: فجعل عبدُالله يقرؤها بالتوحيد. قالَ حتّى ردَّدَها عليه نحواً من عشرين مرةً لا يقول ليسَ كما يقولُ وقرأها الحسنُ: كلتيهما بالجمع، وقرأ بعض أهل الحجاز، الأولى بالتوحيد، والثانية بالجمع، ومعنى قوله: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم} يقالُ: إذا دَخَلَ أهلُ الجنةِ الجنة فإن كانَ الوالدُ أرفَع درجة من ابنه رُفِع ابنُه إليه، وإن كانَ الولدُ أرفعَ رُفعَ والدُه إليه:
[/ا] وقوله عز وجل: {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ...}.
الألْتُ: النقصُ، وفيه لغةٌ أخرى: (وما لِتْناهم من عَملِهم من شىء)، وكذلِكَ هى فى قراءة عبدالله، وأبى بن كعب قالَ الشاعرُ:
أبلغْ بنى ثُمَلٍ عنِّى مُغَلْغَلَة * جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتاً ولا كذِبا
يقولُ: لا نقصانٌ، ولا زيادةٌ، وقالَ الآخِرُ:

وليلةٍ ذات نَدىً سَرَيتُ * ولم يَلتْنى عن سُرَاها لَيْتُ
واللَّيْتُ ها هُنا مصدر لم يَثْننِى عنها نَقْصٌ بى ولا عَجْزٌ عنها.

{ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ...}.
إِنَّه قرأها عاصم والأعمشُ، والحسنُ ـ (إِنَّه) ـ بكسرِ الألفِ، وقرأها أبو جعفر المدنى ونافع ـ (أنَّه)، فمن: كسرَ استأنفَ، ومَن نصَبَ أراد: كُنَّا ندعوه بأنه بَرٌ رحِيمٌ، وهو وجه حسنٌ. قال الفراءُ: الكسائىُّ يفتحُ (أنَّه)، وأنا أكسِرُ، وإنما قلتُ: حسنٌ لأن الكسائى قرأه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الطور )

{ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ }

وقوله تبارك وتعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ...}.
أوجاعَ الدَّهر، فيشغل عنكم، ويتفرّقُ أصحابُه أو عُمْر أبائه، فإنَّا قد عرفنا أعمارَهم.

{ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَاذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }

وقوله تبارك وتعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَاذَآ...}.
الأحلامُ فى هذا الموضع: العقولُ والألبابُ.

{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ }

وقوله عز وجل: {الْمُصَيْطِرُونَ...}. و {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}.
[/ب] كِتابتُها بالصاد، والقراءة بالسينِ والصادِ. وقرأها الكسائى بالسين ومثله: بصطةٌ، وبسطةً ـ كُتبت بعضُها بالصادِ، وبعضُها بالسين. والقراءة بالسين فى بَسَطة، ويَبْسُط ـ وكل ذلِكَ أحسبُهُ قال صواب.
قال [قال] الفرَّاء: كُتِبَ فى المصاحف فى البقرة ـ بَسْطةً، وفى الأعرافِ بصطةً بالصاد وسائر القرآنِ كُتبَ ـ بالسين.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الطور )

{ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ }

وقولُه عز وجل: {حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ...} بالألف، وَقد قرأ بعضُهم (يَلْقَوْا) وَالملاقاة أعرَبُ وكلُّ حسنٌ.
وقوله عز وجل: {فِيهِ يُصْعَقُونَ...} قرأها عاصم، وَالأعمشُ (يَصعقون) [وأهلُ الحجاز (يُصعقون)] وَقرأها أبو عبدالرحمن السُّلمىُّ (يَصعقون) بفتح الياء ـ مثل الأعمش.
وَالعربُ تقولُ: صُعِق الرجُلُ، وَصَعق ـ وَسُعِد، وَسَعِدَ لغاتٌ كلُّها صوابٌ.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( النجم )

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى }

قوله تبارك وَتعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى...}.
أقسم ـ تبارك وَتعالى ـ بالقرآن، لأنّه كانَ يَنزِلُ نجوماً الآية وَالآيتانِ، وَكانَ بين أوَّلِ نزولِه وَآخرِه عشرون سنةً.
حدثنا [/ا] محمد بن الجهم قالَ: حدثنا الفراء: وَحدثنى الفُضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعَه إلى عبدالله فى قوله: "فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوقِعِ النُّجُوم" قالَ: هو مُحْكَمُ القرآن.
قالَ: حدثنا محمد أبو زكريا يعنى: الذى لم يُنسَخ.
وقوله تبارك وَتعالى: {إِذَا هَوَى}.
نزل، وَقد ذُكر: أنه كوكب إذا غَرَبَ.

{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى }

وقوله جل وَعز: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى...}.
جوابٌ لقوله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}.

{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }

وقوله عز وَجل: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى...}.
يقولُ: ما يقولُ هذا القرآنَ برأيه إنّما هو وَحى، وَذلِكَ: أن قريشاً قالوا: إنما يقولُ القرآنَ من تلقائه، فنزل تكذيبُهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى }

وقوله عز وَجل: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى...}.
أراد جبريل ـ صلى الله عليه ـ {ذُو مِرَّةٍ...} من نعْتِ شديد القوى.

وقوله عز وَجل: {فَاسْتَوَى...} استوى هو وَجبريل بالأفق الأعلى لمَّا أُسرىَ به، وَهو مَطلع الشمس الأعلى، فأضمرَ الاسمَ فى ـ استوَى، وَرَدَّ عليه هو، وَأكثرُ كلام العرب أن يقولوا: استوى هُوَ وَأبوه ـ وَلا يكادُون يقولون: ـ استوى وَأبوه، وَهو جائز، لأن فى الفعل مضمراً: أنشدنى بعضُهم:
ألم تَر أن النّبْعَ يُخلقُ عُودُه * وَلا يستوى والخِرْوَعُ المتَقصِّفُ
[/ب] وَقال الله تبارك وَتعالى ـ وَهو أصدق قيلا ـ {أئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَأباؤنا} فرَدَّ الآباء على المضمر فى "كُنا" إلاَّ أنَّه حسن لما حيلَ بينهما بالتُّراب. وَالكلامُ: أئذا كنَّا تُراباً نحنُ وآباؤنا.

{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى }

وقوله عز وجل: {ثُمَّ دَنَا...}.
يعنى: جبريل صلى الله عليه، دنا من محمد صلى الله عليه حتَّى كان قابَ قوسين عَرَبيَّتينِ أو أدنى. {فَأَوْحَى...} يعني: جبريل عليه السلام {إِلَى عَبْدِهِ...}: إلى محمد صلى اللهُ عليه عبدالله: {مَآ أَوْحَى...}.
وقوله تبارك وتعالى {فَتَدَلَّى...} كأن المعنى: ثم تدَلَّى فدَنا، وَلكنه جائز إذا كان معنى الفعلين وَاحداً أو كالواحِدِ قدمتَ أيهما شئت، فقلتَ: قد دنا فقرُبَ، وقرُبَ فدَنا وشتمنى فأساء، وأساء فشتَمَنِى، وقال الباطِلَ؛ لأن الشتمَ، والإساءة شىءٌ واحدٌ.
وكذلك قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القمر}.
والمعنى ـ والله أعلم ـ انشق القمرُ واقتربت الساعةُ، والمعنى واحدٌ.

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }

وقوله عز وجل: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ...}.
فؤاد محمد ـ صلى الله عليه ـ {مَا رَأَى}، يقول: قد صَدَقَهُ فؤاده الذى رأى، و "كذَّبَ" يُقرأ بالتشديد والتخفيف. خففها عاصم، والأعمش، وشيبة، ونافع المدنيانِ [/ا] وشدَّدَها الحسنُ البصرىُّ، وأبو جعفر المدنى.

وكأن من قالَ: كَذْبَ يُريدُ: أن الفؤاد لم يكذّب الذى رأى، ولكن جعلَه حقاً صِدْقاً وقد يجوز أن يُريد: ما كذَّب صاحبَه الذى رأى. ومن خفف قالَ: ما كذب الذى رأى، ولكنه صدَقَهُ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى }

وقوله عز وجل: {أَفَتُمَارُونَهُ...}.
أى: أفتجحدونَه.
حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد بن الجهم. قالَ: حدثنا الفراء قالَ: حدثنى قيس بنُ الربيع عن مغيرة عن إبراهيم قال: "أَفَتَمروْنَه" ـ أفتجحدونَه، "أَفَتُمَارُونَهُ" ـ: أفتجادِلُونَه [حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال حدثنى] حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قرأها: "أَفَتَمرُونَهُ".
حدثنا محمد بن الجهم قالَ: حدثنا الفراء قال: حدثنا قيسٌ عن عبدالملك بن الأبجر عن الشعبى عن مسروق أنه قرأ: "أفَتَمرُونَه" وعن شُريح أنه قرأ: "أفَتُمَارُونَه". وهى قراءة العوامِ وأهل المدينة، وعاصم بن أبى النَّجودِ والحسنِ.

{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }

وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى...}.
يقولُ: مَرةً أخرى.

{ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى }

وقولُه تبارك وتعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى...}.
حدثنا محمد بن الجهم قال: [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال: حدثنا] الفراءُ؛ قال: حدثنى حِبانُ عن أبى إِسحاق الشيبانى قالَ:
سُئِلَ زِرُّ بنُ حُبَيْش، وأنا أسمَعُ: عندها جَنةُ المأوى، أو جَنَةُ المأوى، فقالَ: جنة من الجنان.
حدثنا محمد بن الجهم قالَ حدثنا الفراءُ قال: وحدثنى بعض المشيخةِ [/ب] عن العَرْزَمِىِّ عن ابن أبى مُلَيْكةَ عن عائشة أنها قالت: جنةٌ من الجنان.
قالَ: وقالَ الفراءُ: وقد ذُكر عن بعضهم: {جَنَّةُ الْمَأْوَى} يُريدُ: أجَنَّة، وهى شاذة، وهى: الجنةُ التى فيها أرواحُ الشهداء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }

وقوله تبارك وتعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ...}.
بصرُ محمد صلى اللهُ عليه ما زاغ بقلبِهِ يميناً وشِمالاً ولا طغى ولا جاوزَ ما رأى.

{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى }

وقوله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى...}.
قرأها الناسُ بالتخفيف فى لفظِ قوله: {وَلاَتَ حِينَ مَنَاص} ـ وفى وَزْنِ ـ شاةٍ، وكان الكسائىُّ يَقِفُ عليها بالهاء {أفَرَأَيْتُمُ الّلأهْ}.
[/ب] قالَ وقالَ الفراءُ: وأنا أقفُ على التاء.
[حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء] قال: وحدثنى القاسمُ بن مَعْنٍ عن المنصور بن المعتمر عن مجاهد قَالَ:
كانَ رجلاً يُلتُّ لهم السَّويق، وقرأها: الَّلاتَّ والعُزى فشدَّدَ التاء.
[حدثنا محمد بن الجهم قال]: حدَّثنا الفراءُ قالَ: حدثنى حبَّان عن الكَلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس قال:
كانَ رجلٌ من التُّجار يلُتُّ السَّويقَ لَهم عندَ اللاَّت وهُو ـ الصَّنَمُ ويبيعُه؛ فسَمَّيْت بذلِكَ الرَّجل، وكانَ صنماً ـ لثقيف، وكانت العزى سُمرَةً ـ لِغطفانَ يَعْبدُونها.

{ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى }

وقوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى...}.
كَانَتْ مَناةُ صَخْرَةً لِهذَيلٍ، وخُزاعة يَعبدُونها.
[حدثنا محمد بن الجهم قال]: حدَّثنا الفراء قالَ: وحدثنى حِبَّان عن الكَلْبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: بعثَ رسولُ الله صلى اللهُ عليه خالدَ بن الوليدَ إلى العُزَّى ليقْطَعَهَا قال: فَفَعَل وهوَ يقولُ:
يا عُزَّ كفرانَك لا سُبْحانَك * إنِّى رأيتُ اللهَ قد أهَانك

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى }

وقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى...}.

لأنهم قالوا: هذه الأصنام والملائكةُ بنات الله، فقالَ: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى... تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى...} جَائِرة.
والقراء جميعاً لم يَهْمِزُوا ـ ضِيزى، ومنَ العَرب من يَقُولُ: قِسْمَة ضَيْزَى، وبعضُهُم يقولُ: قِسْمة ضَأزَى، وضُؤزَى بالهَمْز، ولم يقرأ بها أحدٌ نَعْلَمهُ وَضِيزَى: فُعْلَى.
وإن رأيتَ أولها مَكْسُوراً هى مثل قولهم: بيضٌ: وعِينٌ ـ كانَ أولُها مَضْمُوماً فَكرَِهُوا أن يُتركَ على ضَمَّتهِ، فيقالُ: بُوضٌ، وعُونٌ.
والواحِدةُ: بَيضاءُ، وعَيناءُ: فَكَسرُوا أولَها ليكُونَ بالياء ويتألف الجَمْعُ والاثنان والواحدَة.
كذلِكَ كرهُوا أن يَقولوا: ضُوزَى، فتصيرُ واواً، وهَى من الياء، وإنّما قضيتُ على أوّلها يالضَّم لأنّ النُّعوتَ للمؤنّث تأتى إمّا: بفَتْح وإمَّا بِضَمٍّ:
فالمفتُوح: سَكْرى، عَطْشَى، والمضمومُ: الأُنثى، والحُبُلْى؛ فإذا كانَ اسماً ليس بنعتٍ كُسِرَ أوله كقوله: {وَذَكِّر فإِنَّ الذِّكرى}، الذِّكرى اسم لذلِكَ كسرتْ، ولَيستْ بنَعْتٍ، وكذلِكَ (الشِّعْرَى) كُسرَ أولها لانها اسمٌ ليست بنعتٍ.
وحَكَى الكِسائِى عن عيسى: ضِيزَى.

{ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى }

وقوله: {أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى...} ما اشتَهى.

{ فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى }

وقوله: {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى...} ثَوابهما.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى }

وقوله: {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ...}: ثم قال {لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً...}.

فَجَمعَ، وإنّما ذَكَرَ مَلَكاً واحداً، وذلِك أن (كَمْ) تَدُلُّ على أنَّهُ أرادَ جمعاً، والعَربُ تذْهَب بأحد وبالواحد إلى الجمع فى المعنى يقولونَ: هَلْ اختصمَ أحدٌ اليومَ. والأختصامُ لا يَكُونُ إلا للاثنين، فما زادَ.
وقد قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}، فبيْنَ لا تَقعُ إلاّ عَلى الاثنين فما زادَ.
وقولهُ: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين} مما دل على أَن أحداً يكُونُ للجمع وللواحد.
و [معنى] قوله: {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ}.
مما تعبُدونه وتزعمونَ أنهم بناتُ الله لا تغنى شفاعتهم عنكم شيئا.

{ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }

وقوله: {وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً...}.
من عذاب الله فى الآخرة.

{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى }

وقوله: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ...} [/ا].
صغَّرَ بهم [يقول] ذلِكَ قدْر عُقُولهم، ومَبْلَغُ عِلْمِهم حينَ آثروا الدنيا على الآخرة، ويقالُ: ذلك مَبلَغهمُ منَ العلم أن جَعَلوا الملائكةَ، والأصنامَ بنات اللهِ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }

وقوله: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ...}.
قرأها يحيى، وأصحابُ عبداللهِ، وذكروا: أَنّهُ الشِّرك.
وقوله: {إِلاَّ اللَّمَمَ...}.

يقولُ: إلاّ المتقاربَ من صغير الذنُوب، وسمعتُ العرب تقولُ: ضَرَبَهُ ما لمَمَ القتل، (ما) صِلةٌ يُريدُ: ضربَه ضَرْباً مُتَقارِباً للقَتْل، وسمعْتُ من آخر: ألَمَّ يفْعَلُ ـ فى مَعْنى ـ كادَ يفَعلُ.
وذكر الكلَبىّ بإسناده أنّها النظرَةُ عن غير تعَمُدٍ، فهىَ لَممٌ وهى مغفورَةٌ، فإن أعادَ النظَرَ فليس بلَمَمٍ هو ذَنبٌ
وقوله: {إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ...}.
يُرُيدُ: أنشأ أباكمُ آدَمَ من الأرض.
وقوله: {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ...}.
يقول: هو أعلمُ بكم أوّلاً وآخراً؛ فلا تُزكُّوا أنفسكمُ لا يقولنَّ أحدكمُ: عملت كذا، أو فعْلتُ كذا، هُوَ أَعْلَمُ بمَن اتقى.

{ وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى }

وقوله: {وَأَكْدَى...}.
أى: أعطى قليلاً، ثم أمسكَ عن النفقة.

{ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }

{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى...} حالَه فى الآخرة، ثم قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ...} المعنى: ألم.
{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى...}: بَلَّغَ ـ أنْ ليست تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أخرى، لا تحتمل الوازرةُ ذنب غيرها.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }

وقوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى...}.
قراءة الناس ـ (وأنَّ)، ولو قُرىء، إِنّ بالكسر على الاستئناف كانَ صواباً.
[حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراءُ قالَ: حدثنى الحسنُ بن عياشٍ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس: أنّه قرأ ما فى النجم، وما فى الجنّ، (وأنّ) بفتح إنّ.
[حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا ـ الفراء قال: حدثنى قيسٌ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بمثلِ ذلِكَ.

{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }

وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى...}.
أضحَك أهلَ الجنة بدخول الجنة، وأبكَى أهلَ النار بدخول النار.
والعَرَبُ تقولهُ فى كلامها إذا عِيب على أحدهم الجَزَع والبكاء يقول: إنّ الله أضحكَ، وأبكى. يذهبونَ به إِلى أفاعيل أهل الدنيا.

{ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى }

وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى...} رضَّى الفقيرَ بما أغناهُ به {وَأَقْنَى} من القُنية والنشَب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى }

وقوله: {رَبُّ الشِّعْرَى...} الكَوْكب الذى يَطلعُ بعد الجوزاء.

{ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى }

وقوله: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى...}.
قرأ الأعمشُ وعاصمٌ (عاداً) يخفضان النونَ، وذكرَ القاسم بن معن: أنّ الأعمشَ قرأ (عادَ لُّولى)، فجزمَ النونَ، ولم يهمز (الأولى).
وهى قراءةُ أهل المدينة: جَزمُوا النونَ لمّا تحرّكَت الَّلام، وخفضَها مَن خفضَها لأن البناء على جزم اللام التى مَع الألف فى ـ الأولى والعربُ تقولُ: قُمْ لآن، وقُمِ الآن، وصُمِ الاثنين وصُمْ لثنين على ما فسرتُ لك.
وقوله: {عاداً الاولَى} بغير [/ب] هَمْز: قومُ هُودٍ خاصةً بقَيتْ مِنْهم بقيةٌ نَجوْا معَ لُوطٍ، فسُمّى أصحابُ هودٍ عادا الأولى.

{ وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَى }

وقوله: {وَثَمُودَا فَمَآ أَبْقَى...}.
ورأيتها فى بعض مصاحف عبدالله (وثمودَ فما أبقى) بغير ألفٍ وهى تجرى فى النصب فى كل التنزيل إلاّ قولهُ: {وآتينا ثمودَ النَّاقةَ مُبْصِرةً} فإِنّ هذه ليس فيها ألفٌ فَتُرِك إجراؤهَا.

المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى }

وقوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى...}.

يُريدُ: وأهوى المؤتفكةَ؛ لأنّ جبريلَ ـ عليه السلامَ ـ احتمل قَريات قَوم لُوط حتى رفعها إلى السماء، ثم أهْوَاها وأتبعَهمُ الله بالحجارةَ، فذلك قولهُ: {فغَشّاها ما غشّى} من الحِجارة.

{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى }

وقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى...}.
يقولُ: فبأىّ نِعَم رَبِّكَ تكذبُ أنها ليست منه، وكذلك قولهُ: {فتَمارَوْا بالنُّذُر}.

{ هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُوْلَى }

وقوله: {هَذَا نَذِيرٌ...}. يَعْنى: مُحمداً صلى اللهُ عليه.
{مِّنَ النُّذُرِ الأُوْلَى...} يقول القائلُ: كيفَ قالَ لمُحمدٍ: من النذُر الأولى، وهو آخِرهُم؟، فهذا فى الكلام كما تقول: هذا واحدٌ من بَنى آدم وإن كان آخرهمُ أو أولهمُ، ويقالُ: هذا نَذيرٌ من النُّذرِ الأُولى فى الّلوح المحفوظ.
المعاني الواردة في آيات سورة ( النجم )

{ أَزِفَتِ الآزِفَةُ }

وقوله: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ...} قَرُبَت القيامة.

{ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ }

وقوله: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ...}.
يقولُ: ليس يعلمها كاشفٌ دونَ الله ـ أى لا يعلمُ عِلمَها غيرُ ربىِّ، وتأنيثُ (الكاشفة) كقولِكَ: ما لِفلانٍ باقيةٌ. أى بَقَاءٌ والعافَية والعاقبة، وليسَ له ناهَيةٌ، كل هذا فى معنى المصدر.

{ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ }

وقوله: {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ...} لاهونَ.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( القمر )

{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }

قوله عزَّ وجلَّ:
{وَانشَقَّ الْقَمَرُ...} ذُكرَ: أنّهُ انشقَّ، وأَنَّ عبدَالله بن مسعودٍ رأى حراء من بَيْن فِلقتيه فلقتى القمر.

{ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ }

وقوله: {وَإِن يَرَوْاْ آيَةً...}. يعنى القمرَ {يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ...}.
أى: سيبطل ويذهَبُ.
وقَالَ بَعْضهم: سِحْر يُشبهُ بعضُه بعضاً.

{ وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }

وقوله: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ...}.
سيقر قرار تكذيبهم، وقرارُ قولِ المصدّقينَ حتَّى يَعْرِفوا حقيقَتهُ بالعقاب والثواب.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ }

وقوله: {مُزْدَجَرٌ...} مُنتهىً.

{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }

وقوله: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ...}.
مرفوعٌ على الردّ على (ما فيه مُزْدجَر)، و (ما) فى موضع رفع، ولو رفعته على الاستئناف كأنّكَ تُفَسِّرُ به (ما) لكانَ صواباً، ولو نُصبَ على القطع لأنّهُ نكرَة، وما معرفة كانَ صواباً.
ومثله فى رَفْعه: {هذا ما لدىَّ عتيدٌ} ولو كان (عتيدٌ) منصوباً كان صواباً.
وقوله: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ...}.
إن شئت جعلتَ (ما) جحداً تُريدُ: ليْسَت تُغنى عَنْهم النذُرُ، وإن شئتَ جعلتها فى موضع أىّ ـ كأنكَ قلتَ. فأىّ شىء تُغنى النذرُ. [/ا]

{ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ }

وقوله: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ...}.
إذا تقدَّمَ الفِعلُ قبل اسمٍ مؤنثٍ، وهوَ لَهُ أو قبل جمع مؤنثٍ مثل: الأبصارِ، والأعمار وما أشبهُهَا ـ جَازَ تأنيثُ الفِعْل وتذكيرهُ وجَمْعُهُ، وقد أتى بذلك فى هذا الحرف، فقرأهُ ابن عباس(خاشعاً).
[حدثنى محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراءُ قالَ: وحدثنى هشيمٌ وأبو معاوية عن وائل ابن داودَ عن مُسلم بن يسارٍ عن ابن عباسٍ أنَّه قرأها (خاشعاً).

[حدثنى محمد قال] حدثنا الفراء قالَ: وحدثنى هُشيمٌ عن عوفٍ الأعرابى عن الحسن وأبى رجاء العُطاردىّ أن أحدَهُما قال: (خاشعاً) والآخر (خُشَّعاً).
قال الفراءُ: وهى فى قراءة عبداللهِ (خاشِعةً أبصارُهُم) . وقراءةُ الناس بَعْدُ (خُشعاً أبصارُهم).
وقد قال الشاعرُ:
وشبَابٍ حَسنٍ أوجُهُهُمْ * من إياد بن نزار نب مَعَدِّ
وقال الآخرُ.
يرمى الفِجاجَ الركبانُ مُعترضاً * أعناقَ بُزَّلِهَا مُرْخًى لها الجدُلُ
قال الفراءُ: الجدُلُ: جَمْعُ الجَديلِ، وهوَ الزمَامُ، فلو قالَ: مُعترضاتٍ، ، أو مُعترضةً لكان صواباً، مُرْخاةً ومرخياتٍ.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَاذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

وقوله: {مُّهْطِعِينَ...}. ناظِرينَ قِبلَ الداع.

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ }

وقوله: {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ...}.
زُجِرَ بالشتم، وازْدُجِر افْتعل من زَجَرْتُ، وإذا كانَ الحرف أَولُهُ زاىٌ صارتْ تاء الافتِعال فيه دالاً؛ مِنْ ذلِكَ: زُجِرَ، وازْدُجِرَ، ومُزْدَجَرٌ، ومن ذَلِكَ: المُزْدَلِفُ ويزدادَ هىَ من الفِعل يَفتعِلُ فَقِس عليه ما وردَ.

{ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }

وقوله: {فَالْتَقَى المَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ...}.
أرادَ الماءين: ماء الأرض، وماء السماء، ولا يَجُوزُ التقاءٌ إلاّ لاسمين، فما زاد، وإِنّما جَازَ فِى الماء، لأن الماءَ يكُونُ جمعاً ووَاحداً.
وقوله: {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. قُدر فى أمّ الكتاب.
ويقال: قد قُدِرَ أَن الماءين كانَ مقدَارُهُما واحداً. ويقال: قد قُدرَ لِما أرادَ اللهُ من تعذيبهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }

وقوله: {وَحَمَلْنَاهُ...}.
حَملْنا نُوحاً على ذاتِ ألواحٍ يعنى: السفينة، {وَدُسُرٍ...} مَسامِيرُ السفينة، وشُرُطُها التى تُشَد بها.

{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ }

وقوله: {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ...}.
أى: جُحِدَ.
يقولُ: فَعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لِما صُنَع بنوحٍ وأصحابه، فقال: لِمَنْ يُريدُ القَومَ، وفيه مَعْنى ما. ألا تَرى أنَّك تقولُ: غُرّقوا لنوحٍ ولِما صُنعَ بنُوح، والمعنى واحد.

{ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

وقوله: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً...}.
يقولُ: أبقيناهَا من بعد نُوح آيَةً.
وقوله: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ...}.
المعنى: مُذتَكرٍ، وإذا قلتَ: مُفْتعلٌ فيما أوّلهُ ذالٌ صارت الذالُ وتاءُ الإفتعال دالاً مُشدَّدة وبعض بنى أسدٍ يقولونَ: مُذّكرٌ، فيُغُلَبُونَ الذَّال فتصيرُ ذالاً مشددةً.
[حدثنا محمد بن الجهم قال]: حدثنا الفراء قال: وحدثنى الكسائى ـ [وكان والله ما علمته إلاّ صدوقا] ـ عن إسرائيلَ والقَرْزمىّ عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد قال: قلنا لعبدالله: فهلم من مُذَّكرٍ، أو مُدَّكرٍ، فقال: أقرأنى رسول الله [/ب] صلى الله عليه: (مُدَّكِرٌ) بالدال.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ }

وقوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ...}.
النذرُ ها هُنا مصدَرٌ معناهُ: فكيْفَ كانَ إِنذارى، ومثلُهُ {عذراً أو نذراً} يُخفّفانِ ويثقلان كما قال {إلى شَىء نُّكُرٍ} فثُقّلَ فى "اقتربَتْ" وخفف فى سورة النساء القصرَى فقيل "نُكْراً".

{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ...}.

يقولُ: هوّناه ولولا ذلِكَ ما أطاقَ العبادُ أن يتكلمُوا بكلام الله. ويقال: ولقد يسرنا القرآن للذكر: للحِفْظ، فليس من كتاب يُحفَظُ ظاهراً غيرُه.

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }

وقوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ...}. استمر عليهم بنُحُوسَتِه.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ }

وقوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ...} أسَافلُهَا. مُنقَعِرٌ المصُرَّعُ منَ النخل.

{ فَقَالُواْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ }

وقوله: {إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ...}. أرادَ بالسُّعُر: العَنَاء لِلعَذاب:

{ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ }

وقوله: {كَذَّابٌ أَشِرٌ...} قرأ مُجاهدٌ وحدَهُ: الأَشُر.
[حدثنا محمد بن الجهم قال:] حدثنا الفراء قال: وحدثنى سفيان بن عيينَة عن رجلٍ عن مجاهدٍ أنه قرأ (سَيَعْلَمُونَ) بالياء كذا قال سفيانُ {مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ...} وهو بمنزلة قولك فى الكلام: رجل حَذِر، وحَذُرٌ، وفطِنٌ، وفطُنٌ. وعجِل، وعَجُلٌ.
[حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبدالرحمن عن على بن أبى طالب أنه قرأ: سيعلمون غدا ـ بالياء.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ }

وقوله: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ...}.
للناقة يوم، ولهم يوم، فقال: بينهم وبين الناقة.
وقوله: {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ...}. يحتضره أهله ومن يستحقه.

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ }

وقوله: {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ...}.
الذى يحتظرُ على هشيمه، وقرأ الحسن وحده: كهشيم المحتظَر، فتح الظاء فأضاف الهشيم إلى المحتظَر، وهو كما قال: {إِنَّ هذا لهو حقُّ اليقين}، والحق هو اليقين، وكما قال: {ولَدَارُ الآخِرةِ خَيْرٌ} فأضاف الدار إلى الآخرة، وهى الآخرة، والهشيم: الشجر إذا يبس.

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ }

وقوله: {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ...}.
سحر ههنا يجرى؛ لأنه نكرة، كقولك: نجيناهم بليلٍ، فإذا ألقت منه العرب الباء لم يجروه، فقالوا: فعلت هذا سحر يا هذا، وكأنهم فى تركهم إجراءه أنّ كلامهم كان فيه بالألف واللام، فجرى على ذلك، فلما حذفت الألف واللام، وفيه نيتهما لم يصرف. كلام العرب أن يقولوا: ما زال عندنا مذ السحر، لا يكادون يقولون غيره.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِالنُّذُرِ }

وقوله: {فَتَمَارَوْاْ بِالنُّذُرِ...}. كذّبوا بما قال لهم.

{ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ }

وقوله: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ...}:
العرب تجرى: غدوة، وبكرة، وَلا تجريمها، وأكثر الكلام فى غدوة ترك الإجراء وأكثره فى بكرة أن تُجرَى.
قال: سمعت بعضهم يقول: أتيته بكرةَ باكرا، فمن لم يجرها جعلها معرفة؛ لأنها اسم تكون أبداً فى وَقت واحد بمنزلة أمسِ وغدٍ، وأكثر ما تجرى العرب غدوة إذا قرنت بعشية، فيقولون: إنى لآتيك غُدوةً وَعشيةً، وَبعضهم غدوةً وعشيةَ، ومنهم من لا يجرى عشية [/ا] لكثرة ما صحبت غدوةَ.
وقوله: {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ...}.
يقول: عذابٌ حق.

{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }

وقوله: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ...}.
يقول: أكفاركم يأهل مكة خير من هؤلاء الذين أصابهم العذاب أم لكم براءة فى الزبر؟ يقول: أم عندكم براءة من العذاب، ثم قال: أم يقولون: أى أيقولون: نحن جميع كثير منتصر، فقال الله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ...} وهذا يوم بدر.
وقال: الدبر فوحّد، ولم يقل: الأدبار، وكلّ جائز، صواب أن تقول: ضربْنا منهم الرءوس والأعين، وضربنا منهم الرأس واليد، وهو كما تقول: إنه لكثير الدينار والدرهم، تريد الدنانير والدراهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ }

وقوله: {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ...} يقول: أشد عليهم من عذاب يوم بدر، وَأمرُّ من المرارة.

{ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ }

وقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ...}.
وفى قراءة عبدالله "يوم يسحبون إلى النار على وجوههم".
وقوله: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ...}. سقر: اسم من أسماء جهنم لا يجرى، وكل اسم كان لمؤنث فيه الهاء أو ليس فيه الهاء فهو يجرى إلا أسماء مخصوصة خفت فأجريت، وترك بعضهم إجراءها، وهى: هند، ودعد، وجُمل، ورئم، تُجرى ولا تُجرى. فمن لم يُجرها قال: كل مؤنث فحظه ألا يجرى، لأن فيه معنى الهاء، وإن لم تظهر ألا ترى أنك إذا حقّرتها وصغرتها قلت: هنيدة، ودعيدة، ومن أجراها قال: خفت لسكون الأوسط منها، وأسقطت الهاء، فلم تظهر فخفّفت فجرت.

{ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ }

وقوله: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ...} أى: مرة واحدة هذا للساعة كلمح خطفة.

المعاني الواردة في آيات سورة ( القمر )

{ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ }

وقوله: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ...}. يريد: كل صغير من الذنوب أو كبير فهو مكتوب.

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ }

وقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ...} معناه: أنهار، وهو فى مذهبه كقوله: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُولُّونَ الدُّبُرَ} . وزعم الكسائى أنه سمع العرب يقولون: أتينا فلاناً فكنّا في لحمةٍ ونبيذة فوحد ومعناه الكثير.
ويقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} فى ضياء وسعة، وسمعت بعض العرب ينشد:
إِن تك ليليا فإنى نَهِرُ * متى أرى الصبح فلا أنتظرُ
ومعنى نهر: صاحب نهار وقد روى "وما أمْرُنا إلاَّ وَحدةً" بالنصب وكأنه أضمر فعلا ينصب به الواحدة، كما تقول للرجل: ما أنت إلا ثيابَك مرة، وَدابتك مرة، وَرأسك مرة، أى: تتعاهد ذاك.
وَقال الكسائى: سمعت العرب تقول: إنما العامرى عِمَّتَه، أى: ليس يعاهد من لباسه إلا العمة، قال الفراء: وَلا أشتهى نصبها فى القراءة.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الرحمن )

{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }

قوله عز وجل: {بِحُسْبَانٍ...}. حساب ومنازل [/ب] للشمس والقمر لا يعدوانها.

{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ }

وقوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ...}. النجم: ما نجم مثل: العشب، وَالبقل وشبهه. والشجر: ما قام على ساق. ثم قال: يسجدان، وسجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت، ثم يميلان معها حتى ينكسر الفىء، والعرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل: السدر، والنخل جعلوا فعلهما واحداً، فيقولون: الشاء والنعم قد أقبل، وَالنخل والسدر قد ارتوى، فهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.

قال الكسائى: سمعت العرب تقول: مرت بنا غنمان سودان وَسود.
قال الفراء: وسود أجود من سودان؛ لأنه نعت تأتى على الاثنين، فإذا كان أحد الاثنين مؤنثاً مثل: الشاء والإبل قالوا: الشاء والإبل مقبلة؛ لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت: مقبلان لجاز، ولو قلت: مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مع تأنيث الإبل كان صواباً، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.
فإذا قلت: هؤلاء قومك وإبلهم قد أقبلوا ذهب بالفعل إلى الناس خاصة؛ لأن الفعل لهم، وهم الذين يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هؤلاء وهؤلاء لجاز ـ قد أقبلوا؛ لأن الناس إذا خالطهم شىء من البهائم، صار فعلهم كفعل الناس كما قال:
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} فصارت الناقة بمنزلة الناس.
ومنه قول الله عز وجل: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ}، و "مَنْ" إنما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله: {وَاللهُ خَالِقُ كُلِّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ} فسرهم بتفسير الناس.

{ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ }

وقوله: {وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا...} فوق الأرض {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ...}. فى الأرض وهو العدل.
وفى قراءة عبدالله: وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان فى المعنى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ }

وقوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ...}.
وفى قراءة عبدالله: لا تطغوا بغير أن فى الوزن وأقيموا اللسان.
وقوله: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ} إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهى، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قال الله: {إِنِّى أمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكونَنَّ} وأن تكون ـ (تطغوا) فى موضع جزم أحبُّ إلىّ؛ لأن بعدها أمراً.

{ وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ * وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ }

وقوله: {وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ...}.
{وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ...}. لجميع الخلق.

{ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ }

وقوله: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ...}. خفضها الأعمش، ورفعها الناس. فمن خفض أراد: ذو العصف وذو الريحان، ومن رفع الريحان جعله تابعاً لذو، والعصف، فيما ذكروا: بقل الزرع؛ لأن العرب تقول: خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك فذلك العصف، والريحان هو رزقه، والحب هو الذى يؤكل منه. والريحان فى كلام العرب: الرزق، ويقولون: خرجنا نطلب ريحان الله. الرزق عندهم، وقال بعضهم: ذو العصف المأكول من الحب، والريحان: الصحيح الذى لم يؤكل.
ولو قرأ قارىء: "والحبّ ذا العصف والريحانَ" لكان جائزاً، أى: خَلَقَ ذا وذا، وهى فى مصاحف أهل الشام: والحبّ ذا العصف، وَلم نسمع بها قارئا، كما أن فى بعض مصاحف أهل الكوفة:
{والجار ذا القربى} [/ا] ولم يقرأ به أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو فى ذلك يقرأ بالوجوه.
وبلغنى: أن كتاب على بن أبى طالب رحمه الله كان مكتوبا: هذا كتاب من على بن أبو طالب كتابها: أبو. فى كل الجهات، وهى تعرّب فى الكلام إذا قرئت.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

وقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ...}. وإنما ذكر فى أول الكلام: الإنسان ففى ذلك وجهان:
أحدهما: أن العرب تخاطب بفعل الاثنين، فيقال: ارحلاها، ازجراها يا غلام.
والوجه الآخر: أن الذِّكر أريد فى الإنسان والجان، فجرى لهما من أول السورة إلى آخرها.

{ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ }

وقوله: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ...}.

وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، ويقال: من صلصال منتن يريدون به: صلّ، فيقال: صلصال كما يقال: صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر، والعرب تردد اللام فى التضعيف فيقال: كركرت الرجلَ يريدون: كررْته وكبكبته، يريدون: كببته.
وسمعت بعض العرب يقول: أتيت فلانا فبشبش بى من البشاشة، وإنما فعلوا ذلك كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.

{ وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ }

وقوله: {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ...}.
والمارج: نار دون الحجاب ـ فيما ذكر الكلبى ـ منها هذه الصواعق، ويُرى جلد السماء منها.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ }

وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ...}.
اجتمع القراء على رفعه، ولو خفض يعنى فى الإعراب على قوله: فبأى آلاء ربكما، ربّ المشرقين كان صوابا.
والمشرقان: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان.

{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ }

وقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ...}. يقول: أرسلهما ثم يلتقيان بعد.

{ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ }

وقوله: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ...}.
حاجز لا يبغيان: لا يبغى العذب على الملح فيكونا عذبا، ولا يبغى الملح على العذب فيكونا ملحا

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ }

وقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ...}.
وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر من اللؤلؤ.

{ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ }

وقوله: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ...}.

قرأ عاصم ويحيى بن وَثاب: (المنشِئات) بكسر الشين، يجعلن اللاتى يُقبلن وَيدبرن فى قراءة عبدالله بن مسعود (المنشآت)، وَكذلك قرأها الحسن وأهل الحجاز يفتح الشين يجعلونهن مفعولاً بهن أُقْبِل بهن وأُدْبر.
وقوله: {كَالأَعْلاَمِ...}.
كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو عَلَم.

{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }

وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ...}.
هذه، والتى فى آخرها ذى ـ كلتاهما فى قراءة عبدالله ـ ذى ـ تخفضان فى الإعراب؛ لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهى فى قراءتنا: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}
[ذو] تكون من صفة وجه ربنا ـ تبارك وتعالى.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }

وقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ...} غير مهموز.
قال: وسألت الفراء [/ب] عن (شان) فقال: أَهمِزه فى كل القرآن إلاّ فى سورة الرحمن، لأنه مع آيات غير مهموزات، وشانه فى كل يوم أن يميت ميتاً، ويولد مولوداً، ويغنى ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل.

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ }

وقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ...}.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو إسرائيل قال: سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ: "سَيَفْرغُ لكم" ويحيى بن وثاب كذلك والقراء بعد: "سَنَفْرُغُ لكم" وبعضهم يقرأ "سيُفرغ لكم".
وهذا من الله وعيد لأنه عز وجل لا يشغله شىء عن شىء، وأنت قائل للرجل الذى لا شغل له: قد فرغت لى، قد فرغت لشتمى. أى: قد أخذت فيه، وأقبلت عليه.

{ يامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ }

وقوله: {يامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ...}.
ولم يقل: إن استطعتما، ولو كان لكان صوابا، كما قال: (يُرسل عليكما)، ولم يقل: عليكم شُواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فثنّى فى: عليكما، وفى: تنتصران لِلَّفظ، والجمعُ على المعنى، والنحاس: يرفع، ولو خفض كان صوابا يراد: من نار ومن نحاس.
والشواظ: النار المحضة. والنحاس: الدخان: أنشدنى بعضهم:
يضىء كضوء سراج السلي * ط لم يجعل الله منه نحاسا
قال الفراء: قال لى أعرابى من بنى سليم: السليط: دهن السنام، وليس له دخان إذا استصبح به. وسمعت أنه الخَلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أنه الزيت. والزيت أصوب فيما أرى.
وقرأ الحسن: (شِواظ) بكسر الشين كما يقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }

وقوله: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ...}.
أراد بالوردة الفَرس، الوردةَ تكون فى الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة فى اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.
ويقال: إن الدهان الأديم الأحمر.

{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ }

وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ...}.
والمعنى: لا يسأل إنس عن ذنبه، ولا جان عن ذنبه؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف الله: فالكافر يعرف بسواد وجهه، ورزقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه.

{ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ }

وقوله: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: هذه جهنم التى كنتما بها تكذبان، تَصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ }

وقوله: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا...}.
بين عذاب جهنم وبين الحميم إذا عطشوا، والآنى: الذى قد انتهت شدّة حره.

{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }

وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ...}.
ذكر المفسرون: أنهما بستانان من بساتين الجنة، وقد يكون فى العربية: جنة تثنيها العرب فى أشعارها؛ أنشدنى بعضهم:
ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين * قطعته [بالأََمِّ] لا بالسَّمْتين
يريد: مهمها وسمتا واحدا، وأنشدنى آخر:
يسعى بكيداء ولهذمين * قد جعل الأرطاة جنتين
وذلك أن الشعر له قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام.
قال الفراء: الكيداء: القوس، ويقال: لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم.

{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ }

وقوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ...}
الإستبرق: ما غلظ من الديباج، وقد تكون البطانة: ظهارة، والظهارة بطانة فى كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [/ا] قد يكون وجها، وقد تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذى تراه.
قال: وأخبرنى بعض فصحاء المحدثين عن ابن الزبير يعيب قتلة عثمان رحمه الله فقال: خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب. يريد: هربوا ليلا، فجعل ظهور الكواكب بطونا، وذلك جائز على ما أخبرتك به.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }

وقوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنسٌ]...}.
قرأت القراء كلهم بكسر الميم فى يطمثهن. حدثنا الفراء قال: وحدثنى رجل عن أبى اسحق قال: كنت أصلى خلف أصحاب على، وأصحاب عبدالله فاسمعهم يقرءون (لم يطمُثهن) برفع الميم. وكان الكسائى يقرأ: واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما: لم يطمِثهن، لم يفتضضهن (قال وطمثها أى: نكحها، وذلك لحال الدم)

{ مُدْهَآمَّتَانِ }

وقوله: {مُدْهَآمَّتَانِ...} يقول: خضراوان إلى السواد من الرى.

{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }

وقوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ...}.
يقول بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وقد ذهبوا مذهباً، ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة.
فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟
قلت: ذلك كقوله: {حَافِظُوا على الصَّلواتِ والصلاةِ الوُسْطَى}. وقد أمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديداً لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيباً لأهل الجنة، ومثله قوله فى الحج: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاواتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ} ثم قال: {وكَثيرٌ مِّن الناسِ، وكثيرٌ حَقَّ عليه الْعَذابُ}. وقد ذكرهم فى أول الكلمة فى قوله: {مَنْ فِى السّماواتِ ومَن فِى الأرضِ}، وقد قال بعض المفسرين: إنما أراد بقوله: {مَنْ فِى السماواتِ ومن فى الأرضِ} الملائكة، ثم ذكر الناس بعدهم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الرحمن )

{ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }

وقوله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ...}.
رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فقال: فيهن، والعرب تقول: أعطنى الخَيْرَة منهن، والخِيرة منهن، والخيّرة منهن، ولو قرأ قارىء، الخَيراتُ، أو الخيرات كانتا صوابا.

{ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ }

وقوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ...}.
قُصرن عن أزواجهن، أى حُبِسَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن إلى سواهم، والعرب تسمى الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة:
وقال الشاعر:
لعمرى لقد حببِت كلَّ قَصورة * إلىّ وما تدرى بذاك القصائر
عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد * قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر
والبهاتر: وهما جميعاً القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية.

{ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }

وقوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ...}.
ذكروا أنها رياض الجنة، وقال بعضهم: هى المخاد، {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ...} الطنافس الثخان.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال] حدثنا الفراء قال: وحدثنى معاذ بن مسلم بن أبى سادة قال:
كان [/ب] جارك زهير القُرقُبى يقرأ: متكئين على رفارف خضر وعباقرى حسان.
قال: الرفارف ـ قد يكون صوابا، وأما العباقرى فلا؛ لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.

المعاني الواردة في آيات

سورة ( الواقعة )

{ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ }

قوله عز وجل: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ...}.
يقول: ليس لها مردودة ولا رد، فالكاذبة ها هنا مصدر مثل: العاقبة، والعافية. قال: وقال لى أبو ثروان فى كلامه: إن بنى نمير ليس لحدهم مكذوبة، يريد: تكذيب، ثم قال: {خافِضَةٌ رافِعةٌ} على الاستئناف: أى الواقعة يومئذ خافضة لقومٍ إلى النار، ورافعة لقوم إلى الجنة، ولو قرأ قارىء: خافضةً رافعةً يريد إذا وقعت خافضة لقوم. رافعةً لآخرين، ولكنه يقبح لأن العرب لا تقول: إذا أتيتى زائراً حتى يقولوا: إذا أتيتنى فأتنى زائراً أو ائتنى زائراً، ولكنه حسن فى الواقعة؛ لأنّ النصب قبله آية يحسن عليها السكوت، فحسن الضمير فى المستأنف.

{ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً }

وقوله: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً...}.
إذا زلزلت حتى ينهدم كل بناء على وجه الأرض.

{ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً }

وقوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً...}.
صارت كالدقيق، وذلك قوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ}، وسمعت العرب تنشد:
لا تَخْبِزا خَبْزا وبُسّا بَسّا * مَلْسا بذَوْدا لحلَسِّ مَلْسا
والحُمّسِ أيضا والبسيسة عندهم الدقيق، أو السويق يُلَت، ويتخذ زاداً.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَائِكَ الْمُقَرَّبُونَ }

وقوله: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ...} ثم فسرهم فقال: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ...}.
عجّب نبيّه منهم فقال: ما أصحاب الميمنة؟ أى شىء هم؟ وهم أصحاب اليمين، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ...}، عجّبه أيضا منهم، وهم أصحاب الشمال، ثم قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ...}. فهذا الصنف الثالث، فإن شئت رفعت السابقين بالسابقين الثانية وهم المهاجرون، وكل من سبق إلى نبى من الأنبياء فهو من هؤلاء، فإذا رفعت أحدهما بالآخر، كقولك الأول السابق، وإن شئت جعلت الثانية تشديداً للأُولى، ورفعتْ بقوله: {أُوْلَائِكَ الْمُقَرَّبُونَ...}.

{ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ }

وقوله: {عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ...}.
موضونه: منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضيناً لأنه منسوج، وقد سمعت بعض العرب يقول: فإذا الآجر موضون بعضه على بعض يريد: مُشْرَج، [قال الفراء: الوضين الحِزام].

{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ }

وقوله: {وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ...}.

يقال: إنهم على سن واحدة لا يتغيرون، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يَشمَط: إنهُ لمخلّد، وإذا لم تذهب أسنانه عن الكبر قيل أيضاً: إنه لمخلد، ويقال: مخلّدون مقرّطون، ويقال: مسوَّرون.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ }

[/ا] وقوله: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ...}.
والكُوب: ما لا أذن له ولا عروة له. والأباريق: ذوات الآذان وَالعُرَا.

{ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ }

وقوله: {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا...} عن الخمر {وَلاَ يُنزِفُونَ...} أى: لا تذهب عقولهم.
يقال للرجل إذا سكر؛ قد نُزِف عقله، وإذا ذهب دمه وغشى عليه أو مات قيل: منزوف.
ومن قرأ "يُنْزِفون": يقول: لا تفنى خمرهم، والعرب تقول للقوم إذا فنى زادهم: قد أنْزَفُوا وأقتروا، وأنفضوا، وأرمَلوا، وَأملقوا.

{وَحُورٌ عِينٌ}

وقوله: {وَحُورٍ عِينٍ...}.
خفضها أصحاب عبدالله وهو وجه العربية، وإن كان أكثر القراء على الرفع؛ لأنهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهن، فرفعوا على قولك: ولهم حور عين، أو عندهم حور عين. والخفض على أن تتبع آخر الكلام بأوله، وإن لم يحسن فى أخره ما حسن فى أوله، أنشدنى بعض العرب:
إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْماً * وزَجّجن الحواجب والعيونا
بالعَين لا تزجج إنما تكحَّل، فردَّها على الحواجب؛ لأن المعنى يعرف، وَأنشدنى آخر:
ولقيتُ زوجك فى الوغى * متقلداً سيفاً ورمحاً
والرمح لا يتقلد، فردّه على السيف
وقال آخر:
تسمع للأحشاء منه لغطاً * ولليدين جُسْأَةً وبَدَدا
وأنشدنى بعض بنى دبير:
علفتها تِبناً وماءً بارداً * حتى شَتَتْ همالةً عيناها

والماء لا يعتلف؛ إنما يُشرب، فجعله تابعاً للتبن، وقد كان ينبغى لمن قرأ: وحورٌ عين لأنهن ـ زعم ـ لا يطاف بهن أن يقول: "وفاكهةٌ ولَحْم طير"؛ لأن الفاكهة واللحم لا يطاف بهما ـ ليس بطاف إلاَّ بالخمر وحدها ففى ذلك بيان؛ لأن الخفض وجه الكلام. وفى قراءة أبى بن كعب: وحورا عيناً أراد الفعل الذى تجده فى مثل هذا من الكلام كقول الشاعر:
جئنى بمثل بنى بَدْرٍ لقومهم * أو مثلَ أسرة منظور بن سيار

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

وقوله: {إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً...}.
إن شئت جعلت السلام تابعاً للقيل، وهو هو، وَإن شئت أردت ـ إلاّ قيل سلامٍ سلامٍ، فإذا نونت نصبت، لأن الفعل واقع عليه، ولو كان مرفوعاً ـ قيلا سلامٌ سلامٌ لكان جائزاً . وأنشدنى بعض العرب وهو العقبلى:
فقلنا السلام فاتقت من أميرها * فَما كان إلا ومؤها بالحواجب
أراد حكاية المبتدى بالسلام، وسمع الكسائى العرب يقولون: التقينا فقلنا: سلام سلام، ثم تفرقنا أراد. قلنا: سلام عليكم فردوا علينا.

{ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ }

وقوله: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ...}.
لا شوك فيه.

{ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ }

وقوله: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ...}.
ذكر الكلبى: أنه الموز، ويقال: هو الطلح الذى تعرفون.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ }

وقوله: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ...}.
لا شمس فيه كظل ما بين طلوع [/ب] الفجر إلى أن تطلع الشمس.

{ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ }

وقوله: {وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ...}.
جارٍ غير منقطع.

{ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ }

وقوله: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ... لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ...}.
لا تجىء فى حين وتنقطع فى حين، هى أبداً دائمة وَلا ممنوعة كما يمنع أهل الجنان فواكههم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ }

وقوله: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ...}.
بعضها فوق بعض.

{ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً }

وقوله: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً...}.
يقول: أنشأنا الصَّبية والعجوز، فجعلناهن أتراباً أبناء ثلاث وثلاثين.

{ عُرُباً أَتْرَاباً }

وقوله: {عُرُباً...}.
واحدهن: عَروب، وهى المتحببة إِلى زوجها الغَنِجة.
حدثنا الفراء قال وحدثنى شيخ عن الأعمش قال: كنتُ أسمعهم يقرءون: "عُرْباً أتراباً" بالتخفيف، وهو مثل قولك: الرسْل والكتب فى لغة تميم وبكر بالتخفيف ولتثقيل وجه القراءة، لأن كلّ فعول أو فعيل أو فِعال جمع على هذا المثال، فهو مثقّل مذكراً كان أو مؤنثاً، والقراء على ذلك.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ لاًّصْحَابِ الْيَمِينِ }

وقوله: {لاًّصْحَابِ الْيَمِينِ...}.
أى: هذا لأصحاب اليمين.

{ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ }

وقوله ها هنا: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ... وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ...}.
وقد قال فى أول السورة: {ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين} :
وذكروا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا وشق عليهم.
قوله: {وقليل من الآخرين}، فأنزل الله جل وعز هذه {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}. ورفعها على الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول: ولأصحاب اليمين ثلتان: ثلة من هؤلاء، وثلة من هؤلاء، والمعنى: هم فرقتان: فرقة من هؤلاء، وفرقة من هؤلاء.

{ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ }

وقوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ...}.
واليحموم: الدخان الأسود.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ }

وقوله: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ...}.

وجه الكلام أن يكون خفضاً متبعاً لما قبله،
ومثله: {زَيْتُونَةٍ لا شرقيةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}. وكذلك: {وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطُوعةٍ ولا ممنوعةٍ}، ولو رفعت ما بعد لكان صوابا من كلام العرب، أنشدنى بعضهم:
وتُريكَ وجهاً كالصحيفةِ، لا * ظمآنُ مختلجٌ، ولا جَهْمُ
كعقيلةِ الدُّرِّ استضاءَ بها * محراب عرْش عزيزها العُجْمُ
وقال آخر:
ولقد أبِيت من الفتاة بمنزلٍ * فأبيت لا زانٍ ولا محروم
يستأنفون بلا، فإذا ألقوها لم يكن إلاّ أن تتبع أول الكلام بآخره، والعرب تجعل الكريم تابعاً لكل شىء نفت عنه فعلا تنوى به الذم، يقال: أسمينٌ هذا؟ فتقول: ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ }

وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ...}.
متنعمين فى الدنيا.

{ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ }

وقوله: {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ...}.
الشرك: هو الحنث العظيم.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ }

وقوله: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ...}.
وهى فى قراءة عبدالله: الآكلون من شجرة من زقوم، فمعنى شجر وشجرة وَاحد، لأنك إذا قلت: أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك فهو جائز.

{ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ }

ثم قال: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا...}.
من الشجرة، ولو قال: فمالئون منه إذ لم يذكر الشجرة كان صواباً يذهب إلى الشجر فى منه، وتؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر، والشجر تؤنث ويذكر مثل الثمر.

{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ }

وقوله: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ...}.
إن شئت كان على الشجر، وإن شئت فعلى الأكل.

المعاني الواردة في آيات سورة ( الواقعة )

{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ }

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8