كتاب :الأمالي في لغة العرب
المؤلف :أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي


والربع الفصيل الذي نتج في أول الربيع قال الأصمعي أنشدني عيسى بن عمر قال سمعت بعض العرب ينشد
( وعلبة نازعتها رباعي ** وعلبة عند مقيل الراعي )
وناقة مربع إذا كان يتبعها ربع فإذا كان من عادتها أن تنتج في ربعية النتاج فهي مرباع والجمع مرابيع ويقال مكان مرباع إذا كان ينبت في أول ما تنبت الأرض قال ذو الرمة
( بأول ما هاجت لك الشوق دمنة ** بأجرع مرباع مرب محلل )
ومكان مربوع إذا أصابه مطر الربيع قال ذو الرمة
( إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ** بأفنان مربوع الصريمة معبل )
والمربع المنزل الذي يقام فيه في الربيع يقال هذه مصايفنا ومرابعنا أي حيث نرتبع ونصيف ويقال ربع الرجل يربع ربعا فهو مربوع إذا كان يحم ربعا وأربع أيضا قال الهذلي
( من المربعين ومن آزل ** إذا جنه الليل كالناحط )
ويقال ربعنا إذا أصابنا مطر الربيع ويقال امتار فلان في الميرة الربعية أي في أول الزمن ويقال تربعنا بمكان كذا وكذا أي كنا فيه في الربيع وارتبعنا نرتبع ارتباعا وأربع فلان إبله إذا رعاها في الربيع وأربع فلان يربع إرباعا إذا ولد له في حداثته وولده ربعيون ويقال ارتبع البعير يرتبع ارتباعا وما أشد ربعته وهو أشد ما يكون من العدو قال وأنشدني رجل من أهل العالية
( واعرورت العلط العرضي تركضه ** أم الفوارس بالدئداء والربعة )
والدئداء دون الربعة وحي من الأسد يقال لهم الربعة متحركة الباء والربعة ساكنة الباء الجونة يقال ما أوسع ربع بني فلان لمحلهم والجمع رباع وربوع ويقال ما في بني فلان من يضبط رباعته غير فلان كأنه أمره وشأته قال الأخطل


( ما في معد فتى تغنى رباعته ** إذا يهم بأمر صالح فعلا ) وقال غيره زباعته قبيلته وقومه قال الأصمعي يقال رجل مربوع ومرتبع إذا كان وسطا لا بالطويل ولا بالقصير قال العجاج رباعيا مرتبعا أو شوقبا ويقال أربع إذا جاءت إبله روابع أي ترد في ربع فهو مربع وأربع الدابة يربع ارباعا إذا طلعت رباعيته ويقال أرض مربعة إذا كانت ذات يرابيع وقال ابن الأعرابي الربيع بلغة أهل الحجاز الساقية الصغيرة وجمعه ربعان والربيعة الصخرة والربيعة أيضا بيضة الحديد والمربعة عصية يأخذ رجلان بطرفيها فيلقيان الحمل على البعير وأنشد الأصمعي
( أين الشظاظان وأين المربعه ** وأين وسق الناقة الجلنفعه )
الشظاظ عود يدخل في عروتي الجواليق ليثبت على البعير والجلنفعة الجافية ويقال المسنة والوسق الحمل ويقال رابعت الرجل وهو أن تأخذ بيده ويأخذ بيدك تحت الحمل حتى ترفعاه على البعير قال الراجز
( يا ليت أم الفيض كانت صاحبي ** مكان من أنشا على الركائب )
( ورابعتني تحت ليل ضارب ** بساعد فعم وكف خاضب )
وندشرد والذود ما بين الثلاثة إلى العشرة والعرب تقول الذود إلى الذود إبل يقول إذا اجتمع القليل إلى القليل صار كثيرا وبغاؤها طلبها والشجير الكثير الشجر والأين الكلال ورسغت شددت رسغه والنياف العالي والكثاف الكثيف والجرم الجسد والخفاف الخفيف والعلا كد الصلاب والكوم العظام الأسنمة يقال ناقة كوماء وبعير أكوم والواحد من علا كدعلكد والصلاخد العظام الشداد واحدها صلاخد وفيه لغات يقال بعير صلاخد وصلخد وصلخدي وناقة صلخداة والمقاحد جمع مقحاد وهي الغليظة السنام والقحدة السنام ويقال أصل السنام والجدائد جمع جدود وهي التى انقطع لبنها قال الأصمعي الشاسف أشد ضمرا من الشازب والصمارد جمع صمرد والصمرد والبكيئة والدهين القليلة اللبن والفرع جمع فرعة


وهي أعلى الجبل والكرع ماء السماء ينزل فيستنقع وسمى كرعا لأن الماشية تكرع فيه والعقدات جمع عقدة والعقدة والضفرة ما تعقد من الرمل والغائط المطمئن من الأرض والملا الفضاء والصحصح الصحراء وسدير وأملح موضعان والأجرع والجرعاء دعص لا ينبت شيأ وأبرح أشد والكثب القرب والعرج نحو خمسمائة من الإبل والعكابس والعكامس جميعا الكثير وأسحفتها استأصلتها والرغس البركة والنماء قال رؤبة
( دعوت رب العزة القدوسا ** دعاء من لا يقرع الناقوسا )
( حتى أرانا وجهك المرغوسا ** )
والقوادح واحدتها قادحة وهي العيب في العود والسن وأقسس أتبع والروازح التي قد سقطت من الهزال والحدابير التي قد تقوست من الهزال واحدها حدبار وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قدم وفد على أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك وفيهم رجل من قريش يقال له إسماعيل بن أبي الجهم وكان أكبرهم سنا وأفضلهم رأيا وحلما فقام متوكئا على عصا وقال يا أمير المؤمنين إن خطباء قريش قد قالت فيك فأطنبت وأثنت عليك فأحسنت ووالله ما بلغ قائلهم قدرك ولا أحصى مثنيهم فضلك أفتأذن لي في الكلام قال تكلم قال أفأوجز أم أطنب قال بل أوجز قال تولاك الله أمير المؤمنين بالحسنى وزينك بالتقى وجمع لك خير الآخرة والأولى إن لي حوائج أفأذكرها قال نعم قال كبرت سني وضعفت قواي واشتدت حاجتي فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبركسرى وينفي فقري قال يا ابن أبي الجهم ما يجبر كسرك وينفي فقرك قال ألف دينار وألف دينار وألف دينار قال هيهات يا ابن أبي الجهم بيت المال لا يحتمل هذا قال كأنك آليت يا أمير المؤمنين أن لا تقضي لي حاجة مقامي هذا قال ألف دينار لماذا قال أقضي بها دينا قد فدحني حمله وأرهقني أهله قال نعم


المسلك أسلكنها دينا قضيت وأمانة أديت قال وألف دينار لماذا قال أزوج بها من أدرك من ولدي فأشد بهم عضدي ويكثر بهم عددي قال ولا بأس أغضضت طرفا وحصنت فرجا وأمرت نسلا وألف دينار لماذا قال أشتري بها أرضا فأعود بفضلها على ولدي وبفضل فضلها على ذوي قراباتي قال ولا بأس أردت ذخرا ورجوت أجرا ووصلت رحما قد أمرنا لك بها فقال الله المحمود على ذلك وجزاك الله يا أمير المؤمنين والرحم خيرا فقال هشام تالله ما رأيت رجلا ألطف في سؤال ولا أرفق في مقال من هذا وهكذا فليكن القرشي قال أرهقني أعجلني ورهقني غشينى يقال رهق فلانا دين يرهقه إذا غشيه ورهقت الكلاب الصيد إذا غشيته ولحقته ورهقنى فلان أي لحقني ويقال فلان عطوف على المرهق أى على المدرك وأرهقت الرجل إذا أدركته ويقال هو يعدو الرهقي وهو أن يسرع حتى يكاد أن يرهق الذي يطلبه وفي فلان رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم قال ابن أحمر
( كالكوكب الأزهر انشقت دجنته ** في الناس لا رهق فيه ولا بخل )
ويقال إنه لمرهق إذا غشيه الأضياف والسؤال قال ابن هرمة
( خير الرجال المرهقون كما ** خير تلاع البلاد أكلؤها )
وفلان يرهق في دينه إذا أثني عليه قلة ورع وأرهق القوم الصلاة إذا أخروها حتى يدنو وقت الأخرى قال أبو زيد أرهقته عسرا وإثما حتى رهقه رهقا غيره وراهق الغلام إذا قارب الاحتلام وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو العابس أحمد بن يحي النحوي قال أنبأنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال أنشدنا إسماعيل بن أبي أويس والزبير بن أبي بكر وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ومحمد بن طالوت الوادي قال أنشدني أبي وقال كل هؤلاء أنشدني لأبي صخر الهذلي يزيد بعضهم على بعض قال أبو علي وأنشدنا أبو بكر بن دريد هذه القصيدة لأبي صخر
( لليلى بذات الجيش دار عرفتها ** وأخرى بذات البين آياتها سطر )


( كأنهما ملآن لم يتغيرا ** وقد مر للدارين من بعدنا عصر )
( وقفت برسميها فعي جوابها ** فقلت وعيني دمعها سرب همر )
( ألا أيها الركب المخبون هل لكم ** بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر )
( فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ** به بعض من تهوى فما شعر السفر )
قال أبو العباس قال عبد الله بن شبيب حدثتني أم المغوار الباهلية قالت كنت بفناء بيتي في السحر فمر بنا ركب فتمثلت بهذا البيت
( ألا أيها الركب المخبون هل لكم ** بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر )
فأجابنا غلام من صدر راحلته فقال
( فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ** به بعض من تهوى فما شعر السفر )
( خليلي هل يستخبر الرمث والغضا ** وطلح الكدا من بطن مروان والسدر )
هكذا أنشدناه أبو بكر بن الأنباري عن أبي العباس بفتح الكاف وقال هو اسم موضع قال أبو علي أحسبه أراد كداء فقصر للضرورة وأنشدنا أبو بكر بن دريد كدى بضم الكاف وقال هو جمع كدية
( أما والذي أبكى وأضحك والذي ** أمات وأحيا والذي أمره الأمر )
( لقد كنت آيتها وفي النفس هجرها ** بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر )
( فما هو إلا أن أراها فجاءة ** فأبهت لا عرف لدي ولا نكر )
( وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها ** كما قد تنسى لب شاربها الخمر )
( وما تركت لي من شدا أهتدي به ** ولا ضلع إلا وفي عظمهما وقر )
( وقد تركتني أغبط الوحش أن أرى ** أليفين منها لا يروعهما الذعر )
( ويمنعني من بعض انكار ظلمها ** إذا ظلمت يوما وإن كان لي عذر )
( مخافة أني قد علمت لئن بدا ** لي الهجر منها ما على هجرها صبر )
( وأني لا أدري إذا النفس أشرفت ** على هجرها ما يبلغن بي الهجر )


قال عبد الله بن شبيب حدثني الزبير قال لما أنشد أبو السائب هذا البيت قال الموت الأحمر والله يا ابن أخي ما دونه شيء
( أبى القلب إلا حبها عامرية ** لها كنية عمرو وليس لها عمرو )
( تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ** وينبت في أطرافها الورق النضر )
( وإني لتعروني لذاكراك هزة ** كما انتفض العصفور بلله القطر )
( تمنيت من حبي علية أننا ** على رمث في البحر ليس لنا وفر )
( على دائم لا يعبر الفلك موجه ** ومن دوننا الأهوال واللجج الخضر )
( فنقضى هم النفس في غير رقبة ** ويغرق من نخشى نميمته البحر )
( عجبت لسعى الدهر بيني وبينها ** فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر )
قال عبد الله وأنشدني ابن أبي أويس
( فيا حب ليلى قد بلغت بي المدى ** وردت على ما ليس يبلغه الهجر )
( ويا حبها زدني جوي كل ليلة ** ويا سلوة الأيام موعدك الحشر )
( فليست عشيات الحمى برواجع ** لنا أبدا ما أبرم السلم النضر )
( ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى ** نبا ركب ما تقدر يقع ولك الشكر )
قال أبو بكر وزادني أبي عن أحمد بن عبيد
( هجرتك حتى قلت لا يعرف القلى ** وزرتك حتى قلت ليس له صبر )
( صدقت أنا الصب المصاب الذي به ** تباريح حب خامر القلب أو سحر )
( فيا حبذا الأحياء ما دمت فيهم ** ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر )
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه أو أبو حاتم الشك من أبي علي عن الأصمعي قال اشترى أعرابي خمرا بجزة من صوف فغضبت عليه امرأته فأنشأ يقول
( عصبت على لأن شربت بصوف ** ولئن غضبت لأشربن بخروف )
( ولئن غضبت لأشربن بنعجة ** دهساء مالئة الأناء سحوف )


( ولئن غضبت لأشربن بناقة ** كوماء ناوية العظام صفوف )
( ولئن غضبت لأشربن بسابح ** نهد أشم المنكبين منيف )
( ولئن غضبت لأشربن بواحدى ** ولأجعلن الصبر منه حليفي )
( ولقد شهدت الخيل تعثر بالقنا ** وأجبت صوت الصارخ الملهوف )
( ولقد شهدت إذا الخصوم تواكلوا ** بخصام لا نزق ولا علفوف )
قال أبو علي الصفوف التي تصف بين رجليها عند الحلب ويقال التي تصف بين محلبيها والسحوف التي لها سحفتان من الشحم أي طبقتان والسحف القشر يقال سحفت الشيء قشرته والعلفوف الجافي وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن عرفة لذي الرمة
( كأن أعجازها والريط يعصبها ** بين البرين وأعناق العواهيج )
( أنقاء سارية حلت عزاليها ** من آخر الليل ريح غير حرجوج )
يصف نساء يقول كان أعجازهن أنقاء سارية والأنقاء جمع نقا والنقاقطعة من الرمل مستطيلة محدودبة والسارية السحابة التي تمطر ليلا فأضاف النقا إليها لأنها أمطرته والريط جمع ريطة ويعصبها يلتاث بها يقول هذه الرياط دقاق ناعمة فإذا هبت لها أدنى ريح التفت على سوقها وأعجازها والبرين الخلاخيل واحدها برة والعواهيج الطوال الأعناق من الظباء واحدها عوهج فكأنه قال كأن بين أسؤقها وأعناقها كثبانا جادتها سحابة ليل حلت عزاليها سحابة لينة والعزالي مخارج مائها مستعارة من المزادة لان العزلاء فم المزادة وهذا مثل والحرجوج الريح الشديدة الهبوب قال الأصمعي من أمثال العرب رب عجلة تهب ريثا يراد به ربما استعجل الرجل فألقاه استعجاله في بطء ويقال جزاني جزاء سنمار وسنمار إنسان كان عمل أطما لبعض الملوك فقال له إن نزع هذا الحجر تداعى بناؤك فأمر به فرمي من فوق الأطم لئلا يعلم به أحد غيره يضرب مثلا للرجل يحسن فيجزى بإحسانه سوأ وأنشد الأصمعي
( جزاء سنمار


بما كان يعمل ** ) ويقال بفلان تقرن الصعبة يراد به أنه يذل المستصعب ويقال حيث لا يضع الراقي أنفه يراد به أن ذلك الأمر لا يقرب ولا يدني منه وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعا لسع في آسته فلم يقدر الراقي أن يقرب أنفه مما هناك قال أبو زيد يقال هو أشخم الرأس بالخاء المعجمة وأشهب الرأس ويقال كلا أشخم إذا علا البياض الخضرة وقد اشخام واشهاب النبت والرأس ويقال ليستغن أحدكم ولو بضوز سواكه أي بمضغة يقال ضاز الشيء يضوزه ضوز إذا مضغه وأنشد أبو زيد
( طوال الأيادي والحوادي كأنها ** سماحيج قب طار عنها نسالها )
قال الحوادي الأرجل التي تحدو الأيدي وتتلوها قال ويقال ما أعظبه عليه أي ما أصبره وقد عظب يعظب عظبا وعظوبا إذا صبر عليه وعظبته عليه تعظيبا ومرنته تمرينا وأنشد
( لو كنت من زوفن أو بنيها ** قبيلة قد عظبت أيديها )
( معودين الحفر حفاريها ** لقد حفرت نبثة ترويها )
النبثة الركية التي تخرج نبيثتها وقال قال بعض بني عقيل وبنى كلاب هو الأكرم والأفضل وألأجمل وألأحسن والأرذل والأنذل والأسفل والألأم وهي الكرمى والفضلى والحسنى والجملى والرذلى واللؤمى وهن الرذل والنذل واللؤم وقال الأصمعي يقال كثر ولد فلان وقد أبق ونتق فهو ناتق وكله سواء وامرأة ناتق إذا كثر ولدها وأنشد للنابغة
( لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ** طفحت عليك بناتق مذكار )
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن أبي عمرو ابن العلاء قال كان لرجل من مقاول حميرا بنان يقال لأحدهما عمرو وللآخر ربيعة وكانا قد برعا في الأدب والعلم فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى على الفناء دعاهما ليبلو عقولهما


ويعرف مبلغ علمهما فلما حضرا قال لعمرو وكان الأكبر أخبرني عن أحب الرجال إليك وأكرمهم عليك قال السيد الجواد القليل الأنداد الماجد الأجداد الراسي الأوتاد الرفيع العماد العظيم الرماد الكثير الحساد الباسل الذواد الصادر الوراد قال ما تقول يا ربيعة قال ما أحسن ما وصف وغيره أحب إلي منه قال ومن يكون بعد هذا قال السيد الكريم المانع للحريم المفضال الحليم القمقام الزعيم الذي إن هم فعل وإن سئل بذل قال أخبرني يا عمرو بأبغض الرجال إليك قال البرم اللئيم المستخذي للخصيم المبطان النهيم العي البكيم الذي إن سئل منع وإن هدد خضع وإن طلب جشع قال ما تقول يا ربيعة قال غيره أبغض إلي منه قال ومن هو قال النؤوم الكذوب الفاحش الغضوب الرغيب عند الطعام الجبان عند الصدام قال أخبرني يا عمرو أي النساء أحب إليك قال الهركولة اللفاء الممكورة الجيداء التي يشفي السقيم كلامها ويبرى الوصب إلمامها التي إن أحسنت إليها شكرت وإن أسأت إليها صبرت وإن استعتبتها أعتبت الفاترة الطرف الطفلة الكف العميمة الردف قال ما تقول يا ربيعة قال نعت فأحسن وغيرها أحب إلي منها وقال ومن هي قال الفتانة العينين الأسيلة الخدين الكاعب الثديين الرداح الوركين الشاكرة للقليل المساعدة للحليل الرخيمة الكلام الجماء العظام الكريمة الأخوال والأعمام العذبة اللثام قال فأي النساء إليك أبغض يا عمرو قال القتاتة الكذوب الظاهرة العيوب الطوافة الهبوب العابسة القطوب السبابة الوثوب التي إن ائتمنها زوجها خانته وإن لان لها أهانته وإن أرضاها أغضبته وإن أطاعها عصته قال ما تقول يا ربيعة قال بئس والله المرأة ذكر وغيرها أبغض إلي منها قال وأيتهن التي هي أبغض إليك من هذه قال السليطة اللسان المؤذية للجيران الناطقة بالبهتان التي وجهها عابس وزوجها من خيرها آيس التي إن عاتبها زوجها وترته وإن ناطقها انتهرته قال ربيعة وغيرها أبغض إلي منها قال ومن هي قال التي شقي صاحبها وخزي


خاطبها وافتضح أقاربها قال ومن صاحبها قال مثلها في خصالها كلها لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها قال فصفه لي قال الكفور غير الشكور اللئيم الفجور العبوس الكالح الحرون الجامح الراضي بالهوان المختال المنان الضعيف الجنان الجعد البنان الفؤول غير العقول الملول غير الوصول الذي لا يرع عن المحارم ولا يرتدع عن المظالم قال أخبرني يا عمرو أي الخيل أحب إليك عند الشدائد إذا التقى الأقران للتجالد قال الجواد الأنيق الحصان العتيق الكفيت العريق الشديد الوثيق الذي يفوت إذا هرب ويلحق إذا طلب قال نعم الفرس والله نعت قال فما تقول يا ربيعة قال غيره أحب إلى منه قال وما هو قال الحصان الجواد السلس القياد الشهم الفؤاد الصبور إذا سرى السابق إذا جرى قال فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو قال الجموح الطموح النكول الأنوح الصؤل الضعيف الملول العنيف الذي إن جاريته سبقته وإن طلبته أدركته قال ما تقول يا ربيعة قال غيره أبغض إلي منه قال وما هو قال البطيء الثقيل الحرون الكليل الذي إن ضربته قمص وإن دنوت منه شمس يدركه الطالب ويفوته الهارب ويقطع بالصاحب قال ربيعة وغيره أبغض إلي منه قال وما هو قال الجموح الخبوط الركوض الخروط الشموس الضروط القطوف في الصعود والهبوط الذي لا يسلم الصاحب ولا ينجو من الطالب قال أخبرني يا عمرو أي العيش ألذ قال عيش في كرامه ونعيم وسلامه واغتباق مدامه قال ما تقول يا ربيعة قال نعم العيش والله وصف وغيره أحب إلي منه قال وما هو قال عيش في أمن ونعيم وعز وغنى عميم في ظل نجاح وسلامة مساء وصباح وغيره أحب إلى منه قال وما هو قال غنى دائم وعيش سالم وظل ناعم قال فما أحب السيوف إليك يا عمرو قال الصقيل الحسام الباتر المجذام الماضي السطام المرهف الصمصام الذي إذا هززته لم يكب وإن ضربت به لم ينب قال ما تقول يا ربيعة قال نعم السيف نعت وغيره أحب إلي قال وما هو قال الحسام الفاطع ذو الرونق اللامع الظمآن الجائع الذي إذا هززته هتك وإذا ضربت


به بتك قال فما أبغض السيوف إليك يا عمرو قال الفطار الكهام الذي إن ضرب به لم يقطع وإن ذبح به لم ينخع قال فما تقول يا ربيعة قال بئس السيف والله ذكر وغيره أبغض إلي منه قال وما هو قال الطبع الددان المعضد المهان قال فأخبرني يا عمرو أي الرماح أحب إليك عند المراس إذا اعتكر الباس واشتجر الدعاس قال أحبها إلي المارن المثقف المقوم المخطف الذي إذا هززته لم ينعطف وإذا طعنت به لم ينقصف قال ما تقول يا ربيعة قال نعم الرمح نعت وغيره أحب إلي منه قال وما هو قال الذابل العسال المقوم النسال الماضي إذا هززته النافذ إذا همزته قال فأخبرني يا عمرو عن أبغض الرماح إليك قال الأعصل عند الطعان المثلم السنان الذي إذا هززته انعطف وإذا طعنت به انقصف قال ما تقول يا ربيعة قال بئس الرمح ذكر وغيره أبغض إلى منه قال وما هو قال الضعيف المهز اليابس الكز الذي إذا أكرهته انحطم وإذا طعنت به انقصم قال انصرفا الآن طاب لى الموت قال أبو علي قوله وإن طلب جشع الجشع أسوأ الحرص وقد جشع الرجل فهو جشع واللفاء الملتفة الجسم والممكورة المطوية الخلق والرداح الثقيلة العجيزة الضخمة الوركين والرخيمة اللينة الكلام قال ذو الرمة
( لها بشر مثل الحرير ومنطق ** رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر )
والجماء العظام التي لا يوجد لعظامها حجم بمنزلة الجماء من البقر فأما قوله العذبة اللثام فإنه أراد موضع اللثام فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والقتاتة النمامة وقال اللحياني القتات والنمام والهماز واللماز والغماز والقساس والدراج والمهينم والمهتمل والمائس والمؤوس مثال معوس والممأس مثال ممعس وقد مأس يمأس مأسا إذا مشى بينهم بالنميمة والفساد ويقال مأس بين الناس ومسأ بينهم يمسأ مسأ مثل معسا وكله واحد ويقال إنه لذو نيرب ومئبرة وإبرة إذا كان نماما كله عن اللحياني والهبوب الكثيرة الانتباه قال الأصمعي يقال هب من نومه يهب هبوبا وأهببته أي أنبهته وهبت


الريح تهب هبوبا وهبيبا كذا روى أبو نصر عنه هبيبا في الريح وهب التيس يهب هبابا وهبيبا إذا هاج وطلب السفاد وهب السيف هبة وهو صوته عند وقعه وثوب هبايب وخبايب إذا كان متقطعا والحصان الذكر من الخيل وقال الأصمعي الكفت والكفيت السريع والنكول الذي ينكل عن قرنه والأنوح الكثيرالزحير والآنح من الرجال على مثال فاعل الذي إذا سئل تنحنح من لؤمه وقد أنح يأنح والمجذام مفعال من الجذم وهو القطع والسطام حد السيف وغيره وفي الحديث العرب سطام الناس أي حدهم والفطار الذي لا يقطع وهو مع ذلك حديث الطبع وقوله لم ينخع لم يبلغ النخاع والطبع الصدأ والددان الذي لا يقطع وهو نحو الكهام والمعضد القصير الذي يمتهن في قطع الشجر وغيرها والدعاس الطعان يقال دعسه إذا طعنه والمداعسة المطاعنة والعسال الشديد الاضطراب إذا هززته ومنه العسلان وهو عدو فيه اضطراب والنسلان قريب منه وأنشدني أبو بكر بن دريد
( عسلان الذئب أمسى قاربا ** برد الليل عليه فنسل )
والأعصل الملتوى المعوج وقرأت على أبي بكر بن دريد للحسن بن مطير الأسدي
( فيا عجبا للناس يستشرفونني ** كأن لم يروا بعدي محبا ولا قبلي )
( يقولون لي اصرم يرجع العقل كله ** وصرم حبيب النفس أذهب للعقل )
( ويا عجبا من حب من هو قاتلى ** كانى أجازيه المودة من قتلى )
( ومن بينات الحب أن كان أهلها ** أحب إلى قلبي وعيني من أهلي )
قال أبو علي استشرفت الشىء واستكففته كلاهما أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظل من الشمس وينظر هل يراه وأنشدنا أبو بكر ولم يسم قائلا
( إن التي زعمت فؤادك ملها ** خلقت هواك كما خلقت هوى لها )
( بيضاء باكرها النعيم فصاغها ** بلبانه فأرقها وأجلها )


( حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ** ما كان أكثرها لنا وأقلها )
( وإذا وجدت لها وساوس سلوة ** شفع الضمير لها إلى فسلها )
وقرأت عليه لعبد الله بن الدمينة الخثعمي
( ولما لحقنا بالحمول ودونها ** خميص الحشا توهي القميص عواتقه )
( قليل قذى العينين يعلم أنه ** هو الموت ان لم تلق عنا بوائقه )
( عرضنا فسلمنا فسلم كارها ** علينا وتبريح من الغيط خانقه )
( فسايرته مقدارميل وليتني ** بكرهي له مادام حيا أرافقه )
( فلما رأت أن لا وصال وأنه ** مدى الصرم مضر وباعليه سرادقه )
( رمتني بطرف لو كميارمت به ** لبل نجيعا نحره ونبائقه )
( ولمح بعينيها كأن وميضه ** وميض حيا نهدى لنجد شقائقه )
وحدثني أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد البصري المقدمي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب الثقفي قال دخلنا على خلف الأحمر نعوده في مرضه الذي مات فيه فقلنا له كيف تجدك يا أبا محرز فأنشأ يقول
( يا أيها الليل الطويل ذنبه ** كأن دينا لك عندي تطلبه )
( أما لهذا الليل صبح يقربه ** )
ثم أنشد يقول
( لا يبرح المرء يستقرى مضاجعه ** حتى يبيت بأقصاهن مضطجعا )
قال أبو علي كان أبو محرز أعلم الناس بالشعر واللغة وأشعر الناس على مذاهب العرب حدثني أبو بكر بن دريد أن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها
( أقيموا بني أمى صدور مطيكم ** فإنى إلى قوم سواكم لأميل )
له وهي من المقدمات في الحسن والفصاحة والطول فكان أقدر الناس على قافية


حدثني أبو بكر بن أبي حاتم عن الأصمعي قال قال يوما خلف لأصحابه ما تقولون في بيت النابغة الجعدي
( كأن مقط شرا سيفه ** إلى طرف القنب فالمنقب )
لو كان موضع فالمنقب فالقهبلس كيف كان يكون قوله
( لطمن بترس شديد الصفاق ** من خشب الجوز لم يثقب )
فقالوا لا نعلم فقال والابنس وقال لهم مرة أخرى ما تقولون في بيت النمر بن تولب
( ألم بصحبتي وهم هجود ** خيال طارق من أم حصن )
لو كان موضع من أم حصن من أم حفص كيف كان يكون قوله
( لهاما تشتهي عسل مصفى ** اذا شاءت وحوارى بسمن )
قالوا لا نعلم فقال وحوارى بلمص وهو الفالوذ قال أبو بكر والقهبلس ذكر الرجل وقد يستعار لغيره وقال محمد بن سلام في كتاب طبقات العلماء كنا اذا سمعنا الشعر من أبي محرز لا نبالي أن لا نسمعه من قائله وقرأت على أبي بكر بن دريد لأبي كبير الهذلي
( وأخو الأباءة إذ رأي خلانه ** تلى شفاعا حوله كالاذخر )
الأباءة الأجمة يعني رجلا صار في أجمة وخلانه أصحابه الذين يودهم وتلى صرعى وشفاعا اثنين اثنين وهو جمع شفع وقوله كالاذخر قال الأصمعي لا تكاد تجد من الأذخر واحدة على حدة إنما تجد الأرض مستحلسة منه والمستحلسه الكثيرة النبات التي غطاها النبات أو كاد يغطيها فشبه كثرة القتلى بالاذخر لذلك قال الأصمعي ومن أمثالهم أهون هالك عجوز في عام سنة مثل للشىء يستخف بهلاكه ويقال خله درج الضب أي خله يذهب حيث شاء ويقال لا يدري المكروب كيف يأتمر يراد أن المكروب يغطى عليه الشأن فلا يدري كيف ينفذ أمره ويقال لا تعجب للعروس عام هدائها يراد أن الرجل اذا استأنف أمره تجمل لك ويقال ناب وقد تقطع الدوية يراد أن المسن تبقى منه بقية ينتفع بها وقال أبو زيد ومثل من الأمثال الشر ألجأه إلى مخ العراقيب


يقال ذلك عند مسئلة اللئيم أعطاك أومنعك قال الأصمعي خلف فلان فهو يخلف خلوفا اذا فسد ولم يفلح وهو خالف وهي خالفة ويقال هو خالفة أهل بيته اذا كان أحمقهم والخالفة عمود في مؤخر البيت وقال اللحياني عبد خالف أي لا خير فيه وقال ابن الأعرابي يقال أبيعك العبد وأبرأ اليك من خلفه ورجل ذو خلفته ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة وفيه خلفناة وقال أبو زيد الخالف الفاسد الأحمق وقد خلف يخلف خلافة قال ويقال جاء فلان خلافي وخلفي وهما واحد قال ويقال اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهن وقال الأصمعي خلف فلان عن خلق أبيه إذا تغير وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته وقال اللحياني يقال نوم الضحى مخلفة للفم وقال أبو زيد خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض ثم أطيل إنقاعه ففسد وقال أبو زيد والاصمعى خلفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض وقال أبو زيد لا يقال ذلك إلا من المرض وقال أبو نصر عن الأصمعي خلف خلف صدق بإسكان اللام إذا ترك عقبا ويقال خذ هذا خلفا من مالك بتحريك اللام أي بدلا منه وهو خلف من أبيه أي بدل منه وقال اللحياني الخلف الولد الصالح والخلف الرديء يقال بقيت في خلف سوء أي في بقية سوء قال الله عز وجل { فخلف من بعدهم خلف } وأنشد للبيد
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب )
والخلف المربد يكون وراء البيت وأنشد اللحياني
( وجيأ من الباب المجاف تواترا ** وإن تقعدا بالخلف فالخلف واسع )
وقال الأصمعي واللحياني الخلف الرديء من الكلام المحال وقال ابن الأعرابي جلس أعرابي مع قوم فحبق فتشور فأشار بإبهامه إلى استه وقال إنها خلف نطقت خلفا وحدثني أبو عمرو غلام ثعلب عن أبي العباس أنه قال في قولهم سكت ألفا ونطق خلفا أي سكت


عن ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة قال الأصمعي الخلفة الاستقاء يقال من أين خلفتكم أي من أين تستبقون وأنشد لذي الرمة
( ومستخلفات من بلاد تنوفة ** لمصفرة الأشداق حمر الحواصل )
يعني القطا يحملن الماء في حواصلهن ويقال نتاج فلان خلفة أي عام ذكر وعام أنثى والخلفة الشيء من الثمر يخرج بعد الشيء وقال غيره الخلفة النبت في الصيف والخلفة الليل والنهار لاختلافهما والخلفة اختلاف البهائم وغيرها ويقال حلب الناقة خليف لبثها يعني الحلبة التي بعد ذهاب اللبا وروى أبو عبيد عن الأصمعي الخليف الطريق فى الجبل وقال أبو نصر الخليف الطريق وراء الجبل أو في أصله وقال اللحيانى الخليف الطريق وراء الجبل أو بين الجبلين وقال اللحياني المخلفة الطريق أيضا يقال عليك المخلفة الوسطى والخوالف النساء إذا غاب عنهن أزواجهن قال الله عز وجل { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } وقال الأصمعي حي خلوف أي غيب وخلوف حضور قال والاخلاف أن تعبد على الناقة فلا تلقح والاخلاف أن تعد الرجل عدة فلا تنجزها والاخلاف أن تضرب يدك إلى قراب السيف لتأخذه والأخلاف أن تجعل الحقب وراء الثيل والثيل وعاء مقلمة وهو قضيبه يقال أخلف عن بعيرك وحدثنا أبو بكر قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد ابن عباد عن العباس بن هشام قال سأل معاوية رحمه الله بعد الاستقامة عبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان وكان عبد الحجر وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله فقال له كيف علمك بقومك قال كعلمي بنفسي قال ما تقول في مراد قال مدر كوالا وتار وحماة الذمار ومحرز الخطار قال فما تقول في النخع قال مانعوا السرب ومسعرو الحرب وكاشفوا الكرب قال وما تقول في بني الحرث بن كعب قال فرجوا للكاك وفرسان العراك ولزاز الضكاك تراك تراك قال فما تقول في سعد العشيرة قال مانعوا الضيم وبانوا الريم وشافوا الغيم قال ما تقول في جعفي قال فرسان الصباح ومعلمو الرماح ومبارزو الرياح قال ما تقول في بني زبيد قال كملة أنجاد سادات


أمجاد وقر عند الذياد صبر عند الطراد قال ما تقول في جنب قال كفاة يمنعون عن الحريم ويفرجون عن الكظيم قال فما تقول في صداء قال سمام الأعداء ومساعير الهيجاء قال فما تقول في رهاء قال ينهنهون عادية الفوارس ويردون الموت ورد الخوامس قال أنت أعلم بقومك قال أبو علي كل ما حميته فهو ذمار والسرب الإبل وما رعى من المال واللكاك الزحام والضكاك مثل اللكاك سواء والريم الدرجة قال أبو عمرو بن العلاء أتيت دار قوم باليمن أسأل عن رجل فقال لي رجل منهم اسمك في الريم أي اعل في الدرجة والريم الزيادة يقال لي عليك ريم على كذا وكذا قال الشاعر
( فأقع كما أقعى أبوك على أسته ** رأى أن ريما فوقه لا يعادله )
والريم القبر قال مالك بن الريب المازني
( اذا مت فاعتادى القبور وسلمى ** على الريم أسقيت السحاب الغواديا )
والريم عظم يفضل اذا اقتسم القوم الجزور وهذا قول الشيباني وأنشدنا غيره
( فكنت كعظم الريم لم يدر جازر ** على أى بد أى مقسم اللحم يجعل )
والغيم العطش وقال لي أبو بكر بن الأنباري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعوذ بالله من الأيمة والعيمة والغيمة والكزم والقرم وقال الأيمة الخلو من النساء والعيمة شهوة اللبن والغيمة العطش وقال الكزم فيه قولان يقال فلان أكزم البنان إذا كان بخيلا ويقال ان الكزم الأكل الشديد والقرم شهوة اللحم والأمجاد الأشراف وينهنهون يكفون والكظيم المكظوم وهو الذي قد رد نفسه إلى جوفه وقرأنا على أبي بكر ابن دريد لحكيم بن معية
( اذا علون أربعا بأربع ** في جعجع موصية بجعجع )
( أنن تأنان النفوس الوجع ** )


يعنى الإبل علون أربعة أوظفة باربع أذرع وكأنه أنث على الكراع وأنن من الأنين يعنى أنهن اذا بركن أنن ومثله قول كعب بن زهير
( ثنت أربعا منها على ظهر أربع ** فهن بمثنياتهن ثمان )
ومثله قول هيت تقبل بأربع وتدبر بثمان يعنى أنها تقبل بأربع عكن فإذا رأيتها من خلف رأيت لك عكنة طرفين فصارت ثمانية وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن العتبى قال أقام معاوية رحمه الله الخطباء لبيعة يزيد فقامت المعدية فشققوا الكلام ثم قام رجل من حمير فقال لسنا إلى رعاء هذه الجمال عليهم تشقيق المقال وعلينا صدق الصيال أما والله إنا لصبر تحت البوارق مراقيل في ظل الخوافق لا نسأم الضراس ولا نشمئز من المراس وإن واحدنا لألف وألفنا كهف فمن أبدى لنا صفحته حططنا علاوته ثم قام رجل من ذي الكلاع فأشار إلى معاوية فقال هذا أمير المؤمنين فإن مات فهذا وأشار إلى يزيد فمن أبى فهذا وأشار إلى السيف ثم قال
( معاوية الخليفة لا تمارى ** فإن تهلك فسائسنا يزيد )
( فمن غلب الشقاء عليه جهلا ** تحكم في مفارقه الحديد )
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا الرياشي للعرجى
( وما أنس ملا شياء لا أنس موقفا ** لنا ولها بالسفح دون ثبير )
( ولا قولها وهنا وقد بل جيبها ** سوابق دمع لا يجف غزير )
( أأنت الذي خبرت أنك باكر ** غداة غد أوراحل بهجير )
( فقلت يسير بعض شهر أغيبه ** وما بعض يوم غبته بيسير )
( أحين عصيت العاذلين إليكم ** ونازعت حبلى في هواك أميري )
( وباعدني فيك الأقارب كلهم ** وباح بما يخفى اللسان ضميري )
( وقلت لها قول امرىء شفه الهوى ** إليها ولوطال الزمان فقير )


فما أنا ان شطت بك الدار أونأت ** بي الدار عنكم فاعلمي بصبور ) وقرأت على أبي بكر رحمه الله
( وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ** وأدمعها يذرين حشوا لمكاحل )
تمتع بذا اليوم القصير فإنه ** رهين بأيام الشهور الأطاول )
وقرأت على أبي بكر أيضا
( شيب أيام الفراق مفارقي ** وأنشزن نفسي فوق حيث تكون )
( وقد لان أيام اللوى ثم لم يكد ** من العيش شيء بعدهن يلين )
( يقولون ما أبلاك والمال غامر ** عليك وضاحي الجلد منك كنين )
( فقلت لهم لا تعذلوني وانظروا ** إلى النازع المقصور كيف يكون )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا الرياشي عن بعض أصحابه قال أخبرني رجل قال أتيت المجنون فجلست إليه في ظل شجرة فقلت ما أشعر قيسا حيث يقول
( يبيت ويضحي كل يوم وليلة ** على منهج تبكي عليه القبائل )
( قتيل للبنى صدع الحب قلبه ** وفي الحب شغل للمحبين شاغل )
فقال أنا أشعر منه حيث أقول
( سلبت عظامي لحمها فتركتها ** معرقة تضحى لديك وتخصر )
( وأخليتها من مخها فكأنها ** قوارير في أجوافها الريح تصفر )
( إذا سمعت ذكر الفراق تقطعت ** علائقها مما تخاف وتحذر )
( خذي بيدي ثم انهضي بي تبيني ** بي الضر إلا أنني أتستر )
قال أبو علي ويروى تقعقعت مفاصلها من هول ما تتنظر ثم مر فأجمز في الصحراء فلما كان في اليوم الثاني أتيته فجلست في ذلك الموضع فلما أحسست به قلت ما أشعر قيسا حيث يقول
( تبا كر أم تروح غدا رواحا ** ولن يسطيع مرتهن براحا )


( سقيم لا يصاب له دواء ** أصاب الحب مقتله فباحا )
( وعذبه الهوى حتى براه ** كبرى القين بالسفن القداحا )
( وكاد يذيقه جرع المنايا ** ولو سقاه ذلك لاستراحا )
فقال أنا أشعر منه حيث أقول قال أبو علي وأنشدناها ابن الأنباري عن أبيه ولم ينسبه إلى أحد وفي الروايتين اختلاف وأنا أذكرهما إن شاء الله
( فما وجد مغلوب بصنعاء موثق ** بساقيه من ثقل الحديد كبول )
وروى ابن الأنباري
( فما وجد مسجون بصنعاء عضه ** بساقيه من صنع القيود كبول )
( قليل الموالي مستهام مروع ** له بعد نومات العشاء عويل )
وروى ابن الأنباري
( ضعيف الموالي مسلم بجريرة ** له بعد نومات العيون عويل )
( يقول له الحداد أنت معذب ** غداة غد أو مسلم فقتيل )
( بأعظم مني روعة يوم راعني ** فراق حبيب ما إليه سبيل )
وروى ابن الأنباري بأوجع مني لوعة
( غداة أسير القصد ثم يردني ** عن القصد لوعات الهوى فأميل )
وروى ابن الأنباري غداة أريد القصد وروى ميلات الهوى فأميل ثم قام هاربا وتركني فعدت بعد ذلك مرارا فلم أره فأخبرت أنه قد مات وأنشد الأخفش
( أقول لمقلتي يوم التقينا ** وقد شرقت مآقيها بماء )
( خذن اليوم من نظر بحظ ** فسوف توكلين إلى البكاء )
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحي لابن أبي مرة المكي
( ساعة ولى شمت العاذل ** أذاك منه الفرج العاجل )
( لم أنس إذ ودعته والتقى ** ذا البدن الناعم والناحل )


( كأنما جسمي على جسمه ** غصنان ذاغض وذاذابل )
( يارب ما أطيب ضمى له ** الى لولا أنه راحل )
وأنشدنا أحمد بن يحيى النديم قال أنشدنا أبى قال أنشدنا الجاحظ عمرو بن بحر
( أزف البين المبين ** قطع الشك اليقين )
( حنت العيس فأبكاني ** من العيس الحنين )
( لم أكن لا كنت أدري ** أن ذا البين يكون )
( علموني كيف أشتاق ** اذا خف القطين )
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال أتيت الزبير لأودعه وأخرج من المدينة فقال لي بلغني أنك لما أتيت هشام بن ابراهيم لتودعه قال لا أودعك حتى أغنيك
( وأنا بكيت من الفراق ** فهل بكيت كما بكيت )
( ولطمت خدي خاليا ** ومرسته حتى اشتفيت )
( وعواذلي ينهينني ** عمن هويت فما انتهيت )
قال الزبير وأنالا أودعك حتى أنشدك
( أزف البين المبين ** وجلا الشك اليقين )
( لم أكن لا كنت أدري ** أن ذا البين يكون )
( علموني كيف أشتاق ** اذا خف القطين )
وأنشدنا الأخفش قال أنشدنا ابن المدبر للمجنون وقال لي ما سمعت أغزل من هذين البيتين
( أمزمعة ليلى ببين ولم تمت ** كأنك عما قد أظلك غافل )
( ستعلم ان شطت بهم غربة النوى ** وزالوا بليلى أن قلبك زائل )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه


( نحن غادون من غد لافتراق ** وأراني أموت قبل يكون )
( فلئن مت فاسترحت من البين ** لقد أحسنت إلي المنون )
قال أبو بكر وأنشدنا أبو الحسن المظفر بن عبد الله
( ما يريد الفراق لا كان منا ** أشمت الله بالفراق التلاقي )
( لو وجدنا على الفراق سبيلا ** لأذقنا الفراق طعم الفراق )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد لأعرابي وغيره يقول أنها لحبيب
( لو كان في البين اذبانوا لهم دعة ** لكان بينهم من أعظم الضرر )
( فكيف والبين موصول به تعب ** تكلف البيد في الادلاج والبكر )
( لو أن ما يبتليني الحادثات ** به يكون بالماء لم يشرب من الكدر )
( أو كان بالعيس ما بي يوم رحلتهم ** أعيت على السائق الحادي فلم تسر )
( كأن أيدي مطاياهم إذا وخدت ** يقعن في حر وجهي أو على بصري )
وقرأت على أبي بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدي وفي نوادر ابن الأعرابي وفي الروايتين زيادة ونقصان وأنا آتي بهما إن شاء الله تعالى
( لقد كنت جلدا قبل أن توقد النوى ** على كبدي نارا بطيئا خمودها )
( ولو تركت نار الهوى لتضرمت ** ولكن شوقا كل يوم يزيدها )
( وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي ** إذا قدمت أيامها وعهودها )
( فقد جعلت في حبة القلب والحشا ** عهاد الهوى تولي بشوق يعيدها )
( لمرتجة الأطراف هيف خصورها ** عذاب ثناياها عجاف قيودها )
( بسود نواصيها وحمر أكفها ** وصفر تراقيها وبيض خدودها )
وروى ابن الأنباري
( وصفر تراقيها وحمرأ أكفها ** وسود نواصيها وبيض خدودها )
( مخصرة الأوساط زانت عقودها ** بأحسن مما زينتها عقودها )


يمنيننا حتى ترف قلوبنا ** رفيف الخزامى بات طل يجودها )
( وفيهن مقلاق الوشاح كأنها ** مهاة بتر بان طويل عقودها ) يريد موضع العقود وهو العنق قال وقوله ولو تركت نار الهوى لتضرمت أجود لأنها كانت تضرم وحدها فكيف إذا زادها غيرها وأوقدها وقرأت عليه لابن ميادة
( كأن فؤادي في يد ضبثت به ** محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه )
( وأشفق من وشك الفراق وإنني ** أظن لمحمول عليه فراكبه )
( فوالله ما أدري أيغلبني الهوى ** إذا جد جد البين أم أنا غالبه )
( فإن أستطع أغلب وأن يغلب الهوى ** فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحي النحوي
( قد قلت والعبرات تسفحها ** على الخد المآقي )
( حين انحدرت إلى الجزيرة ** وانقطعت عن العراق )
( وتخبطت أيدي الرفاق ** مهامه البيد الرقاق )
( يا بؤس من سل الزمان ** عليه سيفا للفراق )
وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدني ابن غالب
( ذكر الحبيب حبيبه ففؤاده ** مثل الجناح من الصبابة يخفق )
( عمرا زمانا يكتمان هواهما ** وكلاهما بادي الهوى متشوق )
( حتى إذا اجتمعا بأحسن ألفة ** ما منهما في وده متخلق )
( كر الزمان عليهمابفراقه ** وكذاك لم يزل الزمان يفرق )
وأنشدنا أبو بكر التاريخي قال أنشدني البحتري لنفسه
( الله جارك في انطلاقك ** تلقاء شامك أو عراقك )
( لا تعذلني في مسيرك ** يوم سرت ولم ألاقك )


إني خشيت مواقفا ** للبين تسفح غرب ماقك )
( وعلمت ما يلقى المتيم عند ضمك واعتناقك ** )
( وعلمت أن لقاءنا ** سبب اشتياقي واشتياقك )
( فتركت ذاك تعمدا ** وخرجت أهرب من فراقك )
وقرأ أبو غانم الكاتب على أبي عبد الله نفطويه في المسجد الجامع بالمدينة قبل الصلاة وأنا أسمع لتوبة بن الحمير
( قالت مخافة بيننا وبكت له ** فالبين مبعوث على المتخوف )
( لو مات شىء من مخافة فرقة ** لأماتني للبين طول تخوفي )
( ملأ الهوى قلبي فضقت بحمله ** حتى نطقت به بغير تكلف )
وقرأ عليه
( راعك البين والمشوق يراع ** حين قالوا تشتت وانصداع )
( لست أنسى مقالها يوم ولت ** وقصارى المشيعين الوداع ) وقرأ عليه
بكيت دما حتى القيامة والحشر ** ولا زلت مغلوب العزيمة والصبر
( أتطعن طوع النفس عمن تحبه ** وتبكي كما يبكي المفارق عن صغر )
( أقم لا تسر والهم عنك بمعزل ** ودمعك باق في جفونك ما يجري )
وقرأ عليه أيضا
( أتظعن عن حبيبك ثم تبكي ** عليه فمن دعاك إلى الفراق )
( كأنك لم تذق للبين طعما ** فتعلم أنه مر المذاق )
( أقم وانعم بطول القرب منه ** ولا تظعن فتكبت باشتياق )


فما اعتاض المفارق من حبيب ** ولو يعطى الشآم مع العراق )
وقرأ عليه أيضا
( تطوى المراحل عن حبيبك دائبا ** وتظل تبكيه بدمع ساجم )
( كذبتك نفسك لست من أهل الهوى ** تشكو الفراق وأنت عين الظالم )
( ألا أقمت ولو علي جمر الغضى ** قلبت أوحد الحسام الصارم )
أنشدني جحظة بعض هذه الأبيات وأنشدناها بتمامها الأخفش علي بن سليمان لمسلم ابن الوليد
( وإني واسمعيل يوم وداعه ** لكالغمد يوم الروع فارقه النصل )
( أما والحبالات الممرات بيننا ** وسائل أدتها المودة والوصل )
( لما خنت عهدا من إخاء ولا نأى ** بذكرك نأى عن ضميري ولا شغل )
( وانى في مالي وأهلي كأنني ** لنأيك لا مال لدى ولا أهل )
( يذكرنيك الدين والفضل والحجا ** وقيل الخنا والحلم والعلم والجهل )
( فألقاك عن مذمومها متنزها ** وألقاك في محمودها ولك الفضل )
( وأحمد من أخلاقك البخل انه ** بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل )
( أمنتجعا مروا بأثقال همة ** دع الثقل واجل حاجة مالها ثقل )
( ثناء كعرف الطيب يهدى لأهله ** وليس له الابنى خالد أهل )
( فان أغش قوما بعدهم أو أزورهم ** فكالوحش يستدنيه للقنص المحل )
وروى جحظة يدنيه من الآنس المحل وأنشدنا بعض أصحابنا قال أنشدني عمرو بن بحر الجاحظ
( أنا أبكي خوف الفراق لأني ** بالذي يفعل الفراق عليم )
( أنا مستيقن بأن مقامي ** ومسير الحبيب لا يستقيم )
قال أبو على وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل


( رحل الخليط جمالهم بسواد ** وحدا على أثر البخيلة حادى )
( ما إن شعرت ولا سمعت ببينهم ** حتى سمعت به الغراب ينادي )
( لما رأيت البين قلت لصاحبي ** صدعت مصدعة القلوب فؤادي )
( بانوا وغودر في الديار متيم ** كلف بذكرك يابثينة صادى )
وقال أبو زيد من أمثال العرب تفزع من صوت الغراب وتفترس الأسد المشبم وهو الذي قد شدفوه وذلك أن امرأة افترست أسدا وسمعت صوت غراب ففزعت منه يقال ذلك للذي يخاف اليسير من الأمور وهو جرىء على الجسيم ويقال كالمشترى القاصعاء باليربوع يقال ذلك للذي يدع العين ويتبع الأثر ويختار مالا ينبغي له ويقال روغى جعار وانظرى أين المفر يضرب مثلا للذي يهرب ولا يقدر أن يفلت صاحبه ويقال كلب اعتس خير من كلب ربض يقال ذلك اذا طلب رجل الخير وقعد آخر فلم يطلب وقال يعقوب بن السكيت يقال قطب يقطب قطوبا وهو قاطب اذا جمع مابين عينيه واسم ذلك الموضع المقطب ومنه قيل الناس قاطبة أي الناس جميع ويقال قطب شرابه اذا مزجه فجمع بين الماء والشراب ويقال عبس يعبس عبوسا وبسر يبسر بسورأ ويقال رجل أبسل وباسل أي كريه المنظر ويقال تبسل في عينيه أي كرهت مرآته قال أبو ذؤيب
( فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ** وسر بلت أكفاني ووسدت ساعدي )
قال أبو زيد يقال دهيت الرجل أدهاه دهيا أي عبته واعتبته واغتبته ونقصته ويقال نجهت الرجل أنجهه نجها وجبهته أجبهه جبها والاسم الجبيهة والنجه والمعنى واحد وهو استقبالك الرجل بما يكره وهو ردك الرجل عن حاجة طلبكها وأنشد
( حييت عنا أيها الوجه ** ولغيرك البغضاء والنجه )
ويقال ندهت الإبل أندهها ندها وهو السوق للإبل مجتمعة والثلاث من الإبل تنده إلى


ما بلغت وإذا سيق البعير وحده فقد يقتاس له من النده فيقال بعير مندوه ويقال عند فلان ندهة من صامت أو ماشية وندهة وهي العشرون من الغنم ونحوها والمائة من الإبل أو قرابتها ومن الصامت الألف أو نحوه وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال هانىء بن قبيصة الشيباني لقومه يوم ذي قار وهو يحرضهم يا معشر بكر هالك معذور خير من ناج فرور ان الحذر لا ينجي من القدر وان الصبر من أسباب الظفر المنيه ولا الدينه استقبال الموت خير من استدباره الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور ياآل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد وقرأت على أبي بكر بن دريد لحميد بن ثور الهلالي
( ولقد نظرت إلى أغر مشهر ** بكر توسن بالخميلة عونا )
( متسنم سنماتها متفجس ** بالهدر يملا أنفسا وعيونا )
( لقح العجاف له لسابع سبعة ** وشربن بعد تحلؤ فروينا )
يعنى بأغر سحابا فيه برق أو هو ابيض وبكر لم يمطر قبل ذلك وتوسن طرقها ليلا عند الوسن أي وقت اختلاط النعاس بعيون الناس يقال توسنت الرجل أي أتيته وهو وسنان والخميلة رمله كثيرة الشجر وعون جمع عوان وهي الأرض التي قد اصابها المطر مرة وهذا مثل وأصله في النساء قال الكسائي العوان التي قد كان لها زوج ومنه قيل حرب عوان وقوله متسنم شبهه بالبعير الذي يتسنم أسنمة الإبل أي يعلوها والسنمات العظام السنام يريد أن هذا السحاب كأنه يتسنم التلال والآكام أي يلعوها وهو مثل ومتفجس متكبر بالهدر يعني رعده وقوله يملأ أنفسا تعجبا منه وقال بعضهم لهولها ولقحت نبت عشبها والعجاف الأرضون التي لم تمطر وهو مثل بعد تحلؤ بعد منع من الماء قال أبو علي
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن قال سمعت عمي يحدث سران أبا العباس ابن عمه وكان من أهل العلم قال سهرت ليلة من ليالي بالبادية وكنت نازلا عند رجل من بني الصيدا من أهل القصيم وكان


والله واسع الرحل كريم المحل فأصبحت وقد عزمت على الرجوع إلى العراق فأتيت أبا مثواي فقلت إني قد هلعت من الغربة واشتقت أهلي ولم أفد في قدمتي هذه إليكم كبير علم وإنما كنت أغتفر وحشة الغربة وجفاء البادية للفائدة فأظهر توجعا ثم أبر زغداء له فتغديت معه وأمر بناقة له مهرية كأنها سبيكة لجبن فارتحلها واكتفلها ثم ركب وأردفني وأقبلها مطلع الشمس فما سرنا كبير مسير حتى لقينا شيخ على حمار له جمة قد ثمغها كالورس فكأنها قنبيطة وهو يترنم فسلم عليه صاحبي وسأله عن نسبه فاعتزى أسديا من بني ثعلبة فقال أتنشد أم تقول فقال كلا فقال أين تؤم فأشار إلى ماء قريب من الموضع الذي نحن فيه فأناخ الشيخ وقال لي خذ بيد عمك فأنزله عن حماره ففعلت فألقى له كيسا قد كان اكتفل به ثم قال أنشدنا رحمك الله وتصدق على هذا الغريب بأبيات يعيهن عنك ويذكرك بهن فقال إي ها الله إذا ثم أنشدني
( لقد طال يا سوداء منك المواعد ** ودون الجد المأمول منك الفراقد )
( إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد ** بفضل الغنى ألفيت مالك حامد )
( تمنيننا غدا وغيمكم غدا ** ضباب فلا صحو ولا الغيم جائد )
( وقل غناء عنك مال جمعته ** إذا صار ميراثا وواراك لاحد )
( إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ** يريب من الأدنى رماك الأباعد )
( إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل ** عليك بروق جمة ورواعد )
( إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل ** جنيبا كما استتلى الجنيبة قائد )
( إذا أنت لم تترك طعاما تحبه ** ولا مقعدا تدعى إليه الولائد )
( تجللت عارا لا يزال يشبه ** سباب الرجال نقرهم والقصائد )
وأنشدني أيضا
( تعزفان الصبر بالحر أجمل ** وليس على ريب الزمان معول )
( فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا ** لنازلة أو كان يغني التذلل )


( لكان التعزي عند كل مصيبة ** ونازلة بالحر أولى وأجمل )
( فكيف وكل ليس بعد وحمامه ** وما لامرئ عما قضى الله مزحل )
( فإن تكن الأيام فينا تبدلت ** ببؤس ونعمى والحوادث تفعل )
( فما لينت منا قناة صليبة ** ولا ذللتنا للذي ليس يجمل )
( ولكن رحلناها نفوسا كريمة ** تحمل ما لا يستطاع فتحمل )
( وقينا بعزم الصبر منا نفوسنا ** فصحت لنا الأعراض والناس هزل )
قال أبو بكر قال عبد الرحمن قال عمي فقمت والله وقد أنسيت أهلي وهان علي طول الغربة وشظف العيش سرورا بما سمعت ثم قال لي يا بني من لم تكن استفادة الأدب أحب إليه من الأهل والمال لم ينجب وأنشدنا أبو بكر قال أنشدني أبو عثمان
( إذا ما فقدتم أسود العين كنتم ** كراما وأنتم ما أقام ألائم )
اسود العين جبل والجبل لا يغيب يقول فأنتم لئام أبدا وقرأت عليه لعدي بن زيد يصف فرسا
( أحال عليه بالقناة غلامنا ** فأذرع به لخله الشاة راقعا )
أذرع به أي ما أذرعه أي ما أسرعه وقوله لخلة الشاة راقعا أي يلحقها فيرقع ما بينه وبينها من الفرجة حتى لا يكون بينهما فرجة وحكى عن خلف الأحمر أنه قال يعدو الفرس وبين الشاتين خلة أي فرجة فيدخل بينهما فكأنه رقع الخلة بنفسه لما صار فيها وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال سئل أعرابي عن مطر فقال استقل سد مع انتشار الطفل فشصا واحزأل ثم اكفهرت أرجاؤه واحمومت أرحاؤه وابذعرت فوارقه وتضاحكت بوارقه واستطار وادقه وارتتقت جوبه وارتعن هيدبه وحشكت أخلافه واستقلت أردافه وانتشرت أكنافه فالرعد مرتجس والبرق مختلس والماء منبجس فأترع الغدر وانتبث الوجر وخلط الأوعال بالآجال وقرن الصيران بالرئال فللأودية هدير والشراج خرير واللتلاع زفير


وحط النبع والعتم من القلل الشم إلى القيعان الصحم فلم يبق في القلل الامعصم مجرنثم أودا حص مجرحم وذلك من فضل رب العالمين على عباده المذنبين قال أبو علي السد السحاب الذي يسد الأفق وهذا قول أبي بكر وقال أبو نصر عن الأصمعي جاءنا جراد سداذا سد الأفق والطفل العيش إلى حد المغرب وشصا ارتفع ويقال شصا برجله اذا رفعها عند الموت وشصا الزق إذا امتلأ وارتفعت قوائمه ويقال شصا بصره يشصو شصوا إذا طمح وطمح معناه ارتفع ولهذا قيل للدابة طموح إذا كان يرفع رأسه حتى يفرط وأحزأل ارتفع أيضا واكفهر واكرهف تراكم والمكفهر والمكرهف من السحاب الذي يركب بعضه بعضا وأرجاؤه نواحيه واحدها رجا مقصور واحمومت اسودت والحمة سواد تعلوه حمرة وأرحاؤه واحدها رحا وهو أوساطه وابذعرت تفرقت والفوارق واحدها فارق وهو السحاب الذي ينقطع من معظم السحاب وهذا مثل وأصله في الإبل يقال ناقة فارق وهي التي تندعن الإبل عند نتاجها قال الكسائي فرقت تفرق فروقا واستطار انتشر والوادق الذي يكون فيه الودق وهو المطر العظيم القطر ويكون الداني من الأرض يقال ودق يدق اذا دنا والوديقة من هذا وهي شدة الحر لأن حرارة الشمس تدنو من الأرض وارتتقت التأمت وجوبه فرجه وارتعن استرخى والهيدب الذي يتدلى ويدنو من الأرض مثل هدب القطيفة وحشكت امتلأت قال زهير
( كما استغاث بسى فز غيطلة ** خاف العيون فلم ينظربه الحشك )
قال الأصمعي إنما هو الحشك فحركه للضرورة كما قال رؤبة مشتبه الأعلام لماع الخفق وإنما هو الخفق والخلف ما يقبض عليه الحالب من ضرع الشاة والبقرة والناقة واستقلت ارتفعت وأردافه مآخيره والأكناف النواحي ومرتجس مصوت والرجس الصوت ومختلس كأنه يختلس البصر لشدة لمعانه ومنجس منفجر


وأترع ملأ والغدر جمع غدير وانتبث أخرج نبيثتها وهو تراب البئر والقبر يريد أن هذا المطر لشدته هدم الوجر وهي جمع وجار وهو سرب الثعلب والضبع حتى أخرج ما داخلها من التراب والأوعال واحدها وعل وهو التيس الجبلي والآجال جمع واحدها إجل وهو القطيع من البقر يريد أنه لشدته حمل الوعول وهى تسكن الجبال والبقر وهى تسكن القيعان والرمال فجمع بينهما وقوله وقرن الصيران بالرئال فالصيران واحدها صوار وصيار أيضا وهو القطيع من البقر والرئال فراخ النعام واحدها رأل مهموز فالرئال تسكن الجلد والصيران تسكن الرمال والقيعان فقرن بينهما وهدير صوت كهدير الإبل والشراج مجاري الماء من الحرار إلى السهولة والتلاع مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي فإذا اتسعت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء فإذا عظمت فوق ذلك فهي ميثاء جلواخ والنبع شجر يتخذ منه القسي ينبت في الجبال والعتم الزيتون الجبلي قال الشاعر
( تستن بالضرو من براقش أو ** هيلان أو ناضر من العتم )
تستن تستاك والضر والبطم وهو الحبة الخضراء والقلل أعالي الجبال والشم المرتفعة والقيعان واحدها قاع وهي الأرض الطيبة الطين الحرة والصحم التي تعلوها حمرة واحدها أصحم والمعصم الذي قد تمسك بالجبال وامتنع فيها ويقال للرجل الذي يمسك بعرف فرسه خوف السقوط معصم قال طفيل
( إذا ما غدا لم يسقط الروع رمحه ** ولم يشهد الهيجا بألوث معصم )
وألوث ضعيف والمجرنثم المتقبض والداحص الذي يفحص برجليه عند الموت قال علقمة بن عبدة
( رغا فوقهم سقب السماء فداحص ** بشكته لم يستلب وسليب )
والمجرجم المصروع وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال سمعت أعرابيا


من غني يذكر مطر أصاب بلادهم في غب جدب فقال تدارك ربك خلقه وقد كلبت الأمحال وتقاصرت الآمال وعكف الياس وكظمت الأنفاس العقائل وأصبح الماشي مصرما والمترب معدما وجفيت الحلائل وامتهنت العقائل فأنشأ سحابا ركاما كنهورا سجاما بروقه متألقة ورعوده متقعقعه فسح ساجيارا كدا ثلاثا غير ذي فواق ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه وفرقت جهامه فانقشع محمودا وقد أحيا وأغنى وجاد فأروى والحمد لله الذى لا تكت نعمه ولا تنفد قسمه ولايخيب سائله ولا ينزر نائله قال أبو علي قوله صاب جاد والصوب المطر الجود وكلبت اشتدت وكذلك كلب الشتاء والأمحال جمع محل وهو القحط وعكف أقام قال الراجز
( محلها إن عكف الشفيف ** الرزب والعنة والكنيف )
الشفيف البرد والعنة الحظيرة يحبس فيها الإبل ومنه قيل للبعير معنى وهو الذي قد هاج فحبس في العنة ويكون معنى من التعنية وهو الحبس وهذا هو الوجه لأنه إذا جعل معنى من العنة وجب أن يكون الأصل معننا ثم أبدل من النون الأخير ياء كما فعل بتظنيت وأصله تظننت وكظمت ردت إلى الأجواف يقال كظم غيظه إذا حبسه والماشي صاحب الماشية يقال مشى الرجل وأمشى إذا كثرت ماشيته قال الشاعر
( وكل فتى وان أمشى وأثرى ** ستخلجه عن الدنيا منون )
والمصرم المقارب المال المقل كذا قال أبو زيد والأصمعي وأنشدنا الأصمعي للمعلوط
( يصد الكرام المصرمون سقواءها ** وذو الحق عن أقرانها سيحيد )
والمترب الغنى الذي له المال مثل التراب كثرة يقال أترب الرجل إذا استغنى وترب إذا افتقركأنه لصق بالتراب وامتهنت استخذمت واعتملت يقال مهنت القوم أمهنهم مهنة ومهنة ومهنا أتى بها اللحياني ثلاثتها والعقائل الكرائم واحدتها عقيلة وأنشأ أحدث والنشء السحاب أول ما يخرج والكنهور قطع كأنها الجبال واحدتها


كنهوورة وسجام صباب ومتألقة لامعة ومتقعقعة مصوته والقعقعة صوت السلاح وما أشبهه ويقال أن قعيقعان وهو جبل بمكة سمى بذلك لتقعقع السلاح لحرب كانت فيه وسح صب سححته أسحه سحا أنشدني أبو بكر بن دريد قال أنشدني عبد الرحمن عن عمه
( وربت غارة أوضعت فيها ** كسح الهاجري جريم تمر ) وساج ساكن يقال ليلة ساجية وساكرة وساكنة بمعنى واحد قال الحادي
( ياحبذا القمراء والليل الساج ** وطرق مثل ملأ النساج )
ورا كد ثابت والفواق أن يصب صبة ثم يسكن ثم يصب أخرى ثم يسكن مأخوذ من فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين كأنه يحلب حلبة ثم يسكن ثم يحلب أخرى ثم يسكن وطحرت أذهبت وأبعدت ومنه قيل سهم مطحر إذا كان بعيد الذهاب قال أبو كبير الهذلي
( لما رأى أن ليس عنهم مقصر ** قصر الشمال بكل أبيض مطحر )
وركامه ماتراكم منه والجهام السحاب الذي قد هراق ماءه وتكت تحصى أنشدني أبو بكر بن دريد
( إلا بجيش لا يكت عديده ** سود الجلود من الحديد غضاب )
وينزر يقل ومنه قيل امرأة نزور إذا كانت قليلة الولد وحدثني غير واحد من أصحاب أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي أنه قال كل شىء يعز حين ينزر إلا العلم فإنه يعزحين يعزر وقال الأصمعي من أمثال العرب أسمع جعجعة ولا أرى طحنا أي أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع قال أبو علي الجعجعة صوت الرحا وما أشبه ذلك الصوت والطحن الدقيق ويقال كلا جانبي هرشى لهن طريق يضرب مثلا للأمرين يشتبهان ويستويان أي مأخذ أخذتهما ويقال حرة تحت قرة يضرب مثلا للأمر يظهر وتحته أمر خفى غيره قال أبو علي الحرة حرارة العطش والقرة


البرد ويقال ضعث على إبالة يضرب مثلا للرجل تكلفه الثقل ثم تزيده على ذلك قال أبو علي الابالة الحزمة من الحطب والضغث القبضة من الحشيش وقال الأصمعي يقال جيء به من حسك وبسك أي من حيث كان ولم يكن وروى أبو نصر من حيث شئت والمعنى واحد والحس والحسيس الصوت قال الله عز وجل { لا يسمعون حسيسها } والحس وجع يأخذ المرأة بعد الولادة والحس برد يحرق الكلأ ويقال أصابتنا حاسة ويقال البرد محسه للنبت أي يحرقه ويقال ضربه فما قال حس مكسور وهي كلمة تقال عند الجزع قال الراجز
( فما أراهم جزعا بحس ** عطف البلايا المس بعد المس ) ويقال اشتر لي محسة للدابة والحساس سمك صغار يجفف يكون بالبحرين وقال اللحياني الحساس الشؤم والنكد وأنشدنا أبو زيد
( رب شريب لك ذي حساس ** أقعس يمشي مشية النفاس )
( ليس بريان ولا مواسي ** )
ويقال انحست أسنانه إذا تكسرت وتحاتت قال العجاج فى معدن الملك القديم الكرس ** ليس بمقلوع ولا منحس )
ويقال حسستهم إذا قتلتهم قال الله تعالى { إذ تحسونهم بإذنه } ويقال أحسست بالخبر وحسست به وأحست به وحسيت به قال أو زبيد
( خلا أن العتاق من المطايا ** حسين به فهن إليه شوس )
ويقال حسست له أحس أي رققت له يقال إني لأحس له أي أرق له وأرحمه قال القطامي
( أخوك الذي لا تملك الحس نفسه ** وترفض عند المحفظات الكتائف )
و الكتائف جمع كتيفة وهي ههنا الحقد والكتيفة أيضا ضبة الحديد وقال أبو نصر الكتيفة بيضة الحديد ولا أعرف هذه الكلمة عن غيره يقول أخوك الذي إذا

رآك في شدة لم يملك أن يرق لك وقال الأصمعي يقال إن البكري ليحس للسعدي أي يرق له وقرأنا على أبي بكر بن دريد
( إذا تجافين عن النسائج ** تجافي البيض عن الدمالج )
يعني إبلا يقول بهن جراح من حزمهن فهن تتجافن عنها كما تجافى النساء عن دمالجهن إذا بردت عليهن وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه وقرأته على أبي عمر المطرز في أمالي أبي العباس أحمد بن يحي للحسين بن مطير الأسدي
( مستضحك بلوامع مستعبر ** بمدامع لم تمرها الأقذاء )
( كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ** فإذا تحلب فاضت الأطباء )
( فله بلا حزن ولا بمسرة ** ضحك يراوح بينه وبكاء )
( وكأن عارضه حريق يلتقى ** أشب عليه وعرفج وألاء )
( لو كان من لجج السواحل ماؤه ** لم يبق في لجج السواحل ماء )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أنشدنا الرياشي عن أبي عبيدة لعبيد ابن الأبرص
( يا من لبرق أبيت الليل أرقبه ** في عارض كمضيء الصبح لماح )
( دان مسف فويق الأرض هيدبه ** يكاد يدفعه من قام بالراح )
( كأن ريقه لما علا شطبا ** أقراب أبلق ينفي الخيل رماح )
( ينزع جلد الحصى أجش مبترك ** كأنه فاحص أو لاعب داحي )
( فمن بنجوته كمن بمحفله ** والمستكن كمن يمشي بقرواح )
( كأن فيه عشارا جلة شرفا ** شعثا لها ميم قد همت بارشاح )
( هدلا مشافرها بحا حناجرها ** ترخي مرابعها في صحصح ضاحي )
وأنشدنا بعض أصحابنا الكثير


( فالمستكن ومن يمشى بمروته ** سيان فيه ومن بالسهل والجبل )
وأنشدنا للحماني
( دمن كأن رياضها ** يكسين أعلام المطارف )
( وكأنما غدرانها ** فيها عشور في مصاحف )
( وكأنما أنوارها ** تهتز بالريح العواصف )
( طرر الوصائف يلتقين ** بها إلى طرر الوصائف ** )
( باتت سواريها تمخض في رواعدها القواصف ** )
( ثم انبرت سحا ** كباكية بأربعة ذوارف )
( وكأن لمع بروقها ** في الجو أسياف المثاقف )
وأنشدنا أبو بكر لعبيد
( سقى الرباب مجلجل ** الأ كناف لماع بروقه )
( جون تكفكفه الصبا ** وهنا وتمريه خريقه )
( مرى العسيف عشاره ** حتى إذا درت عروقه )
( ودنا يضىء ربابه ** غابا يضرمه حريقمه )
( حتى إذا ماذرعه ** بالماء ضاق فما يطيقه )
( هبت له من خلفه ** ريح شآمية تسوقه )
( حلت عزاليه الجنوب ** فثج واهية خروقه )
وقرأت على أبي بكر لكثير
( تسمع الرعد في المخيلة منها ** مثل هزم القروم في الأشوال )
( وترى البرق عارضا مستطيرا ** مرح البلق جلن في الأجلال )


( أو مصابيح راهب في يفاع ** سغم الزيت ساطعات الذيال )
وقرأت عليه لكثير
( أهاجك برق آخر الليل واصب ** تضمنه فرش الجبا فالمسارب )
( يجر ويستأني نشاصا كله ** بغيقة حاد جلجل الصوت جالب )
( تالق واحمومي وخيم بالربا ** أحم الذرى ذو هيدب متراكب )
( إذا حركته الريح أرزم جانب ** بلا هزق منه وأومض جانب )
( كما أومضت بالعين ثم تبسمت ** خريع بدا منها جبين وحاجب )
( يمج الندى لا يذكر السير أهله ** ولا يرجع الماشي به وهو جادب )
وأنشدنا بعض أصحابنا لعبد الله بن المعتز
( ومزنة جاد من أجفانها المطر ** فالروض منتظم والقطر منتثر )
( ترى مواقعه في الأرض لائحة ** مثل الدراهم تبدو ثم تستتر )
وأنشدني له أيضا
( ما ترى نعمة السماء على الأرض ** وشكر الرياض للأمطار )
( وكأن الربيع يجلو عروسا ** وكأنا من قطره في نثار )
وأنشدني له أيضا
( وموقرة بثقل الماء جاءت ** تهادى فوق أعناق الرياح )
( فجادت ليلها وبلا وسحا ** وهطلا مثل أفواه الجراح )
ولابن المعتز في وصف السحاب
( كأن الرباب الجون والفجر ساطع ** دخان حريق لا يضيء له جمر )
وأنشدني بعض أصحابنا لأبي الغمر الجبلي
( نسجته الجنوب وهو صناع ** فترقى كأنه حبشي )
( وقرى كل قرية يقروها ** قرى لا يجف منه القرى )


وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى في صفة سحابة
( كأنه لما وهي سقاؤه ** وانهل من كل غمام ماؤه )
( حم اذا حمشه قلاؤه ** )
قال أبو علي الحم ما بقي من الشحم اذا أذيب وحمشه أحرقه وأنشدنا محمد ابن السري السراج
( بدا البرق من أرض الحجاز فشاقني ** وكل حجازي له البرق شائق )
( سرى مثل نبض العرق والليل دونه ** وأعلام أبلى كلها والأسالق )
قال أبو علي أخذه منه الطائي فقال
( إليك سرى بالمدح ركب كأنهم ** على الميس حيات اللصاب النضانض )
( تشيم بروقا من نداك كأنها ** وقد لاح أولاها عروق نوابض )
وأنشدني بعض أصحابنا
( أرقت لبرق آخر الليل يلمع ** سردى دائبا منها يهب ويهجع )
( سرى كافتذآء الطير والليل ضارب ** بأرواقه والصبح قد كاد يسطع )
وأنشدني أيضا بعض أصحابنا
( أرقت لبرق سرى موهنا ** خفى كغمزك بالحاجب )
( كأن تألقه في السما ** يدا حاسب أو يدا كاتب )
ولابن المعتز
( رأيت فيها برقها منذ بدت ** كمثل طرف العين أو قلب يجب )
( ثم حدت بها الصبا حتي بدا ** فيها لي البرق كأمثال الشهب )
( تحسبه فيها إذا ما انصدعت ** أحشاؤها عنه شجاعا يضطرب )
( وتارة تحسبه كأنه ** أبلق مال جله اذا وثب )


( حتى إذا ما رفع اليوم الضحى ** حسبته سلا سلا من الذهب )
وينشد أصحاب المعاني
( نار تجدد للعيدان تضرمها ** والنار تلفح عيدانا فتحترق )
وللطائي
( يا سهم للبرق الذي استطارا ** ثاب على رغم الدجى نهارا )
( آض لنا ماء وكان نارا ** )
وأنشدني بعض أصحابنا لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( أما ترى اليوم قد رقت حواشيه ** وقد دعاك إلى اللذات داعيه )
( وجاد بالقطر حتى خلت أن له ** إلفانأه فما ينفك يبكيه )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن أبيه عن أشياخ من بني الحرث بن كعب قالوا أجدبت بلاد مذحج فأرسلوا روادا امن كل بطن رجلا فبعثت بنو زبيد رائد أوبعثت النخع رائدا وبعثت جعفى رائدا فلما رجع الرواد قيل لرائد بني زبيد ما وراءك قال رأيت أرضا موشمة البقاع ناتجة النقاع مستحلسة الغيطان ضاحكة القريان واعدة وأحر بوفائها راضية أرضها عن سمائها وقيل لرائد جعفى ما وراءك قال رأيت أرضا جمعت السماء أقطارها فأمرعت أصبارها وديثت أوعارها فبطنانها غمقه وظهرانها غدقه ورياضها مستوسقه ورقاقها رائخ وواطئها سائخ وماشيها مسرور ومصرمها محسور وقيل للنخعي ما وراءك فقال مداحي سيل وزهاء ليل وغيل يواصي غيلا قد ارتوت أجرازها ودمث عزازها وقال مرة ودمث والتبدت أقوازها فرائدها أنق وراعيهاسنق فلاقضض ولا رمض عاز بها لا يفزع وواردها لا ينكع فاختاروا مراد النخعى قال أبوعلي قال الأصمعي أوشمت السماء إذا بدا فيها برق وأوشمت الأرض إذا بدا فيها نبت وأنشد ( كم من كعاب كالمهاة الموشم ** ) وهي التي قد نبت لها وشم من النبات ترعى فيه هذا


قوله في كتاب الصفات وقال في كتاب النبات أو شمث الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات وناتحة راشحة كدا قال أبو بكر وقال المستحلسة التي قد جللت الأرض بنباتها وقال الأصمعي أستحلس النبت إذا غطى الأرض أوكاد يغطيها والمعنى واحد والقريان مجاري الماء إلى الرياض واحدها قري وقرأت على أبي بكر في كتاب الصفات للعجاج ماء قري مدة قرى وواعدة تعد تمام بناتها وخيرها وأنشد لأصمعي
( رعى غير مذعور بهن وراقه ** لعاع تهاداه الدكادك واعد )
وأحر أخلق والسماء المطر ههنا يريد أن المطر جاد بها فطال النبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه وأنشد ابن قتيبة
( إذا سقط السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا )
وقال أبو بكر يقال ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم أي مواقع الغيث وأمرعت أعشبت وطال نباتها يقال أمرع المكان ومرع فهو ممرع ومريع قال الشاعر
( يقيم أمورها ويذب عنها ** ويترك جدبها أبدا مريعا )
والأصبار نواحي الوادي ما علا منه وديثت لينت والأوعار جمع وعر وهو الغلظ والخشونة والبطنان جمع بطن وهو ما غمض من الأرض وغمقة ندية كذا قال أبو بكر وروى أبو عبيد عن الأصمعي في صفة الأرضين فإن أصابها ندى وثقل ووخامة فهي غمقة وذكر الحديث إن الأردن أرض غمقة وإن الجابية أرض نزهة أي بعيدة من الوباء والظهران جمع ظهر وهو ما ارتفع يسيرا وغدقة كثيرة البلل والماء ومستوسقة منتظمة والرقاق الأرض اللينة من غير رمل ورائخ مفرط اللين يقال ريخت العجين إذا كثرت ماءه وراخ العجين يريخ وقوله وواطئها سائخ أي تسوخ رجلاه في الأرض من لينها تسوخ وتثوخ بمعنى واحد وحدثني أبو بكر قال قال الأصمعي لم يكن لأبي ذؤيب بصر بالخيل لقوله
( قصر الصبوح لها فشرج لحمها ** بالني فهي تثوخ فيها الاصبع )


قال وهذا عيب في الفرس أن يكون رخو اللحم
والماشي صاحب الماشية
والمصرم المقل المقارب المال
ومداحى مفاعل من دحوته إذا بسطته قال الله تبارك وتعالى { والأرض بعد ذلك دحاها } أي بسطها ودحوت الكرة إذا ضربتها حتى تسير على وجه الأرض
وقوله وزهاء ليل فالزهاء الشخص وانما جعل نباتها زهاء ليل لشدة خضرته
والغيل الماء الجاري على وجه الأرض وفي الحديث ( ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر
ويواصى يواصل
والأجراز جمع جرز وهي التي لم يصبها المطر ويقال التي قد أكل نباتها
ودمث لين ودمث لان
والعزاز الصلب السريع السيل وكذلك النزل والجلد
والأقواز جمع قوز قال الأصمعي القوز نقى يستدير كالهلال وجمعه أقواز وقيزان وأنشد الأصمعي قول الراجز
( لما رأى الرمل وقيزان الغضى ** والبقر الملمعات بالشوى ** بكى وقال هل ترون ما أرى )
أنق معجب بالمرعى
وراعيها الذي يرعاها
والسنق البشم
والقضض الحصى الصغار يريد أن النبات قد غطى الأرض فلا ترى هناك قضضا قال أبو ذؤيب
( أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا ** إلا أقض عليك ذاك المضجع )
والرمض أن يحمى الحصى والحجارة من شدة الحر يقول فليس هناك رمض لأن النبات قد غطى الأرض
والعازب الذي يعزب بإبله أي يبعد بها في المرعى
وينكع يمنع بقول الذي يردها لا يمنع وقرأنا على أبي بكر بن الأنباري
( مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ** يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى )
يقول انهم اجتمعوا للصلح عند الطمأنينة لما أخذوا الدية ورضوا بها فمسحوا لحاهم ثم قال بعضهم لبعض سالموا وذلك أن الرجل لا يمسح لحيته إلا عند الرضا فقال يا ليتني كنت فيهم حتى لا أرضى بما يصنعون وأنشدنا ابن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي عن ابن الأعرابي


( سقى الله حيا بين صارة والحمى ** حمى فيد صوب المدجنات المواطر )
( أمين فأدى الله ركبا إليهم ** بخير ووقاهم حمام المقادر )
( كأني طريف العين يوم تطالعت ** بنا الرمل سلاف القلاص الضوامر )
( حذارا على القلب الذي لا يضيره ** أحاذر وشك البين أم لم يحاذر )
( أقول لقمقام بن زيد أما ترى ** سنى البرق يبدو للعيون النواظر )
( فان تبك للبرق الذي هيج الهوى ** أعنك وان تصبر فلست بصابر )
وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء قال أنشدنا إبراهيم بن سهيل لجميل بن معمر العذري
قال أبو علي وليست هذه الأبيات في شعر جميل
( خليلي هل في نظرة بعد توبة ** أداوي بها قلبي علي فجور )
( إلى رجح الأكفال هيف خصورها ** عذاب الثنايا ريقهن طهور )
( تذكرت من أضحت قرى اللد دونه ** وهضب لتيما والهضاب وعور )
( فظلت لعينيك اللجوجين عبرة ** يهيجها برح الهوى فتمور )
( على أنني بالبرق من نحو أرضها ** إذا قصرت عنه العيون بصير )
( وإني إذا ما الريح يوما تنسمت ** شآمية عاد العظام فتور )
( ألا يا غراب البين لونك شاحب ** وأنت بروعات الفراق جدير )
( فإن كان حقا ما تقول فأصبحت ** همومك شتى والجناح كسير )
( ودرت بأعداء حبيبك فيهم ** كما قد تراني بالحبيب أدور )
( وكيف بأعداء كأن عيونهم ** إذا حان إتياني بثينة عور )
( فإنى وإن أصبحت بالحب عالما ** على ما بعيني من قذى لخبير )
قال الأصمعي من أمثال العرب إن البغاث بأرضنا يستنسر يضرب مثلا للرجل يكون ضعيفا ثم يقوى
قال أبو علي سمعت هذا المثل في صباي من أبي العباس وفسره لي فقال يعود الضعيف بأرضنا قويا ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد رحمه الله فقال


البغاث ضعاف الطير والنسر أقوى منها فيقول إن الضعيف يصير كالنسر في قوته ويقال لو أجد لشفرة محزا أي لو أجد للكلام مساغا ويقال كأنما قد سيره الآن يقال للشيخ إذا كان في خلقة الأحداث
ويقال يجري بليق ويذم يضرب مثلا للرجل يحسن ويذم
ويقال خذ ما قطع البطحاء أي خذ ما استطاع أن يمشي فيخوض الوادي والبطحاء بطن الوادي ويقال ما يندي رضفة أي لا يخرج منه من البلل ما يندي الرضفة ويقال لا يبض حجره أي لا يخرج منه خير يقال بض الماء إذا خرج قليلا قليلا والبضوض من الآبار التي يخرج ماؤها قليلا قليلا وكذلك البروض والرشوح والمكول
والعرب تقول قد اجتمعت في بئرك مكلة فخذها أي ماء قليل قال الأصمعي عقبت الخوق وهي حلقة القرط وهو أن يشد بالعقب إذا خشوا أن يزيغ وأنشد
( كأن خوق قرطها المعقوب ** على دباة أو على يعسوب )
وعقبت القدح بالعقب مثله
وقال أيو نصر عن الأصمعي عقب قدحه يعقبه تعقيبا إذا شد عليه عقبا وقال اللحياني عقب قدحه يعقبه عقبا إذا انكسر فشده بعقب وكذلك كل ما تكسر فشد وقال أبو نصر عن الأصمعي عقب يعقب عقبا وهو ماء يجيء بعد ماء أو جري بعد جري ويقال لهذا الفرس عقب وحدثني أصحاب أبي العباس قالوا قال أبو العباس أحمد بن يحيى قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جريرفي قول سلامة
( ولى الشباب وهذا الشيب يطلبه ** لو كان يدركه ركض اليعاقيب )
قال اليعاقيب ذوات العقب من الخيل وقال اللحياني فرس ذو عقب إذا كان له عدو بعد عدو
وقال أبو نصر عن الأصمعي عاقب يعاقب معاقبة إذا راوح يقال عاقب بين رجليه وعاقب زميله ويقال متى عقبتك قال ذو الرمة
( ألهاه آء وتنوم وعقبته ** من لائح المرو والمرعى له عقب )


وقوله وعقبته يقول يرعى في هذا مرة وفي هذا مرة وقال اللحياني أعقبت فلانا من الركوب إذا نزلت ركب ويقال عاقبته في هذا المعنى إذا ركبت عقبة وحملته عقبة وقال أبو عبيد رحمه الله عن الأصمعي أعقبت الرجل إذا ركبت عقبة وركب عقبة وقال قال غير واحد عاقبت الرجل من العقبة قال وقال الأصمعي ويقال أكل أكلة أعقبته سقما والعقب الولد يبقى بعد الإنسان وعقب القدم مؤخرها وفرس ذو عقب قال ومن العرب من يجزم القاف في هذه الثلاث وقال أبو زيد جئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد مضى الشهر كله وجئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيام من آخره وقال أبو نصر عن الأصمعي عقب يعقب تعقيبا إذا ما غزا ثم ثنى من سنته قال طفيل الغنوي
( عناجيج من آل الوجيه ولا حق ** مغاوير فيها للإريب معقب )
وأعقب يعقب إعقابا إذا ترك عقبا قال طفيل
( كريمة حر الوجه لم تدع هالكا ** من القوم هلكا في غد غير معقب )
قال أبو بكر وروى أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر وروى أبو العباس ثعلب عن أبي نصر غير معقب يقول لم تقل وافلاناه قط إلا وقد بقي من يقوم مكانه قال أبو عبيد عن الأصمعي عقبت الرجل في أهله إذا بغيته بشر وخلفته وعقبت الرجل ضربت عقبه وعقبه جميعا وقال أبو نصر عن الأصمعي العقاب الراية قال الأصمعي يقال للحجر النادر في طي البئر العقاب أيضا والعقبة ما بقي في القدر من المرق وجمعها عقب قال دريد بن الصمة
( إذا عقب القدور عددن مالا ** يحب حلائل الأبرام عرسي ) وقال اللحياني يقال لما التصق في أسفل القدر من محترق التابل وغيره عقبة وقال أبو نصر عن الأصمعي العقب العاقبة قال الله تعالى { وخير عقبا } ويقال إحذر عقوبة الله وعقابه


وعقبه وعقبة الجمال أثره وهيئته وقال اللحياني عليه عقبة السرو والكرم إذا كان عليه سيما ذلك قال وعقبة القمر عودته وأنشد ( لا يطعم الغسل والأدهان لمته ** ولا الذريرة الاعقبة القمر )
وحدثني أبو عمر المطرز وعبد الله الوراق قالا حدثنا أبو عمرو بن الطوسي أن أباه قال سمعنا عقبة القمر بالضم ويقال العقبى لك في الخير والعقبى إلى الله أي المرجع إلى الله وحكى الكسائي وهو خير لك في العقبى والعقبان أي في العاقبة ويقال أعقب الرجل يعقب إعقابا إذا رجع إلى خير وعقب الشيب بعد السواد يعقب عقوبا إذا جاء بعده ويقال فيه أيضا عقب يعقب تعقيبا إذا جاء بعده فخلفه وكذلك كل شيء خلف شيأ فقد عقبه وعقبه ويقال عقبت الإبل إذا تحولت من مكان إلى مكان ترعى فيه ويقال أعقبته خيرا وشرا بما صنع ويقال عاقبته بذنبه عقابا شديدا ويقال عقب فلان يعقب عقبا إذا طلب مالا أو شيأ وأعقب هذا هذا إذا ذهب الأول فلم يبق منه شيء وصار الآخر مكانه ويقال عقب هذا هذا إذا جاء وقد بقي من الأول شيء ويقال جئت على عقب ذلك بالتثقيل وعقب ذلك بالتخفيف وعلى عقب ذلك بالتثقيل وعقب ذلك بالتخفيف وعقبان ذلك قال والعاقبة الولد أنشدنا أبو بكر بن الانباري قال أنشدني ابن الأعرابي ( أيا والي سجن اليمامة أشرفا ** بي القصر أنظر نظرة هل أرى نجدا ) ( فقال اليماميان لما تبينا ** سوابق دمع ما ملكت لها ردا ) ( أمن أجل أعرابية ذات بردة ** تبكي على نجد وتبلى كذا وجدا ) ( لعمري لأعرابية في عباءة ** تحل دماثا من سويقة أو فردا )
( أحب إلى القلب الذي لج في الهوى ** من اللابسات الريط يظهرنه كيدا )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لمعدان بن مضرب الكندي
( إن كان ما بلغت عني فلامني ** صديقي وشلت من يدي الأنامل )


( وكفنت وحدي منذرافي ردائه ** وصادف حوطا من أعادي قاتل )
وأنشدني الرياشي لأعرابي
( وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ** غزال أحم المقلتين ربيب )
( فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ** ولكن من تنأين عنه غريب )
وقرأت عليه لأعرابي
( هجرتك أياما بذي الغمر إنني ** على هجر أيام بذي الغمر نادم )
( وإني وذاك الهجر لو تعلمينه ** كعازبة عن طفلها وهي رائم )
الرائم التي ترأم ولدها
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس ابن ذريح
( هبيني امرأ إن تحسني فهو شاكر ** لذاك وإن لم تحسني فهو صافح )
( وإن يك أقوام أساؤا وأهجروا ** فإن الذي بيني وبينك صالح )
( ومهما يكن فالقلب يا لبن ناشر ** عليك الهوى والجيب ما عشت ناصح )
( وإنك من لبنى العشية رائح ** مريض الذي تطوى عليه الجوانح )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال اجتمع خمس جوار من العرب فقلن هلممن نصف خيل آبائنا
فقالت الأولى فرس أبي وردة وما وردة ذات كفل مزحلق ومتن أخلق وجوف أخوق ونفس مروح وعين طروح ورجل ضروح ويد سبوح بداهتها إهذاب وعقبها غلاب
وقالت الثانية فرس أبي اللعاب وما اللعاب غبية سحاب واضطرام غاب مترص الأوصال أشم القذال ملاحك المحال فارسه مجيد وصيده عتيد إن أقبل فظبي معاج وإن أدبر فظليم هداج وإن أحضر فعلج هراج
وقالت الثالثة فرس أبي حذمة وما حذمة إن أقبلت فقناة مقومه وإن أدبرت فأثفية ململمه وإن أعرضت فذئبة معجرمه أرساغها مترصه وفصوصها ممعصه جريها انثرار وتقريبها انكدار
وقالت الرابعة


فرس أبي خيفق وما خيفق ذات ناهق معرق وشدق أشدق وأديم مملق لها خلق أشدف ودسيع منفنف وتليل مسيف وثابة زلوج خيفانة رهوج تقريبها إهماج وحضرها ارتعاج
وقالت الخامسة فرس أبي هذلول وما هذلول طريده محبول وطالبه مشكول رقيق الملاغم أمين المعاقم عبل المحزم مخد مرجم منيف الحارك أشم السنابك مجدول الخصائل سبط الغلائل غوج التليل صلصال الصهيل أديمه صاف وسبيبه ضاف وعفوه كاف قال أبو علي المزحلق المملس الذي كأنه زحلوقة وهي آثار تزلج الصبيان من فوق إلى أسفل والأخلق الأملس ومنه قيل صخرة خلقاء
وأخوق واسع وقال أبو عبيدة عن أبي عمرو الخوقاء الصحراء التي لا ماء بها ويقال الواسعة
ومروح كثيرة المرح
وطروح بعيدة موقع النظر
وضروح دفوع يريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عدت وسبوح كأنها تسبح في عدوها من سرعتها وبداهتها فجاءتها والبداهة والبديهة واحد
والإهذاب السرعة يقال أهذب الفرس إهذابا فهو مهذب
والعقب جري بعد جري
وغلاب مصدر غالبته مغالبة وغلابا كأنها تغالب الجري
والغبية الدفعة من المطر
والغاب جمع غابة وهي الأجمة
ومترص محكم أترصت الشيء أحكمته
وأشم مرتفع
والقذال معقد العذار
وملاحك مداخل كأنه دوخل بعضه في بعض
والمحال جمع محالة وهي فقار الظهر وواحدة الفقار فقارة وحدثني أبو بكر قال ذكر الأصمعي أنه رأى فقار فرس ميت فإذا ثلاث فقر من عظم واحد وكذا تكون العراب فيما ذكروا
ومجيد صاحب جواد
وعتيد حاضر
قال أبو عبيدة معج الفرس إذا اعتمد على إحدى عضادتي العنان مرة في الشق الأيمن ومرة في الشق الأيسر
وقال الأصمعي يقال معج في سيره وعمج إذا أسرع وهداج فعال من الهدج وقال الأصمعي الهدج المشي الرويد ويكون السريع قال أبو علي وقال لي أبو بكر الهدج والهدجان مشي الشيخ إذا أسرع


عن غير إرادة قال وحدثنا أبو حاتم قال نهض أبو العباس سران ابن عم الأصمعي من عنده يوما فأتبعه بصره فقال هدج أبو العباس هدج ثم أنشدنا
( ويأخذه الهداج إذا هداه ** وليد الحي في يده الرداء )
وأنشدني أبو بكر
( وهدجا لم يكن من مشيتي ** كهدجان الرأل خلف الهيقت )
قال أبو نصر هرج الفرس يهرج هرجا إذا كان كثير الجري وإنه لمهرج وهراج قال أوس
( فأعقب خيرا كل أهوج مهرج ** وكل مفداة العلالة صلدم )
أهوج يعني فرسا أي أعقب خيرا مما أقاموا عليه وصنعوه
والأهوج الذي يركب رأسه فيمضي
ومفداة العلالة والعلالة الجري الذي بعد الجري الأول فيقال لها إذا طلبت علالتها ويها فدا لك
والصلدم الشديدة قال الراجز
( من كل هراج نبيل محزمه ** )
والعلج الحمار الغليظ
وحذمة فعلة من الحذم قال أبو بكر الحذم السرعة وقال غيره الحذم القطع ومنه قول عمر رحمه الله في الأذان فإذا أقمت فاحذم
وقولها فقناة مقومة تريد أنها دقيقة المقدم وهو مدح في الإناث
والأثفية واحدة الأثافي
وململمة مجتمعة تريد أنها مدورة المؤخر لأن الأثافي تختار مدورة
وقولها معجرمة قال أبو بكر العجرمة وثب كوثب الظبي ولا أعرف عن غيره في هذا الحرف تفسيرا
وممحصة قليلة اللحم قليلة الشعر ومحص الجلد إذا سقط شعره واملاس
وانثرار قال أبو بكر انضباب كأنه يثره ثرا
وخيفق فيعل من الخفق وهو السرعة وقال أبو بكر والخفق أيضا اضطراب السراب في الهاجرة قال أبو علي ويقال خفق النجم إذا غاب وخفق الرجل إذا اضطرب رأسه من شدة النعاس
والناهقان العظمان الشاخصان في خدي الفرس
ومعرق قليل اللحم
وقال أبو عبيدة النواهق من الحمار مخرج نهاقه
وأشدق واسع الشدق
ومملق مملس


وحدثت عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال الملقات الحبال الملس
والشدف الشخص والأشدف العظيم الشخص
والدسيع مركب العنق في الحارك
ومنفنف واسع وهو مفعلل من النفنف وهو الهواء بين السماء والأرض
والتليل العنق
ومسيف كأنه سيف
وزلوج سريعة قال الأصمعي الزليج والزلجان السرعة
والخيفانة الجرادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها وإنما قيل للفرس خيفانة لسرعتها لأن الجرادة إذا ظهر فيها تلك النقط كان أسرع لطيرانها
ورهوج كثيرة الرهج والرهج الغبار
وإهماج مبالغة في العدو وقال الأصمعي أهمج الفرس إهماجا إذا اجتهد في عدوه
والإرتعاج كثرة البرق وتتابعه
ومحبول في حبالة
ومشكول موثق في شكال
والملاغم أرادت ههنا الجحافل وإنما الملاغم من الإنسان ما حول الفم ومنه قيل تلغمت بالطيب إذا جعلته هناك
والمعاقم المفاصل
وعبل غليظ
والمحزم موضع الحزام
ومخد يخد الأرض أي يجعل فيها أخاديد والأخاديد الشقوق وأحدها أخدود
ومرجم يرجم الحجر بالحجر كما قال رؤبة يصف الحمار
( يرمي الجلاميد بجلمود مدق ** وقد يكون أن ترجم الأرض بحوافرها )
والتفسير الأول أحب إلي
ومنيف مرتفع
والحارك منسج الفرس
والسنابك أطراف الحوافر واحدها سنبك
ومجدول مفتول
والسبيب شعر الناصية
وضاف سابغ
والفليل الشعر المجتمع وحدثني أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد قال يقال للقطعة من الشعر الفليلة وللقطعة من الصوف العميتة
والغوج اللين المعطف
والصلصلة صوت الحديد وكل صوت حاد وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن الأصمعي للصمة بن عبد الله القشيري
( حننت إلى ريا ونفسك باعدت ** مزارك من ريا وشعبا كمامعا )
( فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ** وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا )


( قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى ** وقل لنجد عندنا أن يودعا )
( ولما رأيت البشر أعرض دوننا ** وجالت بنات الشوق يحنن نزعا )
( بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ** عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا )
( تلفت نحو الحي حتى أوجدتني ** وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا )
( وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ** على كبدي من خشية أن تصدعا )
( وليست عشيات الحمى برواجع ** إليك ولكن خل عينيك تدمعا )
قال وأنشدني الرياشي
( فإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ** يقينا ونروى بالشراب فننقعا )
( فردوا هبوب الريح أو غيروا الجوى ** إذا حل ألواذ الحشا فتمنعا )
( تلفت نحو الحي حتى وجدتني ** وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا )
وأنشدني نفطويه
( أحن إلى نجد وإني ليائس ** طوال الليالي من رجوع إلى نجد )
( فإنك لا ليل ولا نجد فاعترف ** بهجر إلى يوم القيامة والوعد )
وأنشدني أيضا نفطويه
( يا ليت شعري عن الحي الذين غدوا ** هل بعد فرقتهم للشمل مجتمع )
( وكل ما كنت أخشى قد فجعت به ** فليس لي بعدهم من حادث جزع )
قال وأنشدنا أيضا قال أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي
( ألا أيها البيتان بالأجرع الذي ** بأسفل مفضاه غضا وكثيب )
( هجرتكما هجر البغيض وفيكما ** من الناس إنسان إلي حبيب )
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا الرياشي لرجل طلق امرأتين من أهل الحمى
( ألا تسألان الله أن يسقي الحمى ** بلى فسقى الله الحمى والمطاليا )
( وأسأل من لاقيت هل سقي الحمى ** وهل يسألن عني الحمى كيف حاليا )


( وإني لأستسقي لثنتين بالحمى ** ولو تملكان البحر ما سقتانيا )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد
( لا تعذلينا في الزيارة إننا ** وإياك كالظمآن والماء بارد )
( يراه قريبا دانيا غير أنه ** يحول المنايا دونه والرواصد )
وقال الأصمعي من أمثال العرب ذكرني الطعن وكنت ناسيا يضرب مثلا للرجل يسمع الكلمة فيتذكر بها شيأ قال ويقال الحسن أحمر أي من أراد الحسن صبر على أشياء يكرهها وقال أبو زيد يقال من حفنا أو رفنا فليترك زعموا أن امرأة كان قوم يعطونها فوجدت نعامة قد غصت بصعرور فعمدت إلى ثوب فغطت به رأسها ثم أتت القوم الذين كانوا يصلونها فقالت لهم هذا الكلام أي أني قد استغنيت عما كنتم تصلونني به والصعرور صمغ السمر ولا يسمى صعرورا حتى يلتوي وقال الأصمعي من أمثالهم يداك أوكتا وفوك نفخ يقال للرجل إذا فعل فعلة أخطأ فيها يراد بذلك أنك من قبلك أتيت وزعموا أن أصل ذلك أن رجلا قطع بحرا بزق فانفتح فقيل له ذلك وقال أبو نصر عن الأصمعي يقال فلان كريم الخلة والخل والمخالة أي كريم الإخاء والمصادقة وزاد اللحياني والخلالة والخلال وأنشد للنابغة
( وكيف تصادق من أصبحت ** خلالته كأبي مرحب )
وغيره يروي وكيف تواصل وقال أبو عبيد الخلة الصداقة ومنه الخليل وقال أبو نصر عن الأصمعي واللحياني فلان خلتي وفلانة خلتي الذكر والأنثى فيها سواء وقال أبو بكر بن الأنباري في كتاب أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر وخلي وأنشد أبو نصر واللحياني لأوفى بن مطر
( ألا أبلغا خلتي جابرا ** بأن خليلك لم يقتل )
وأنشد اللحياني قال أنشدنا أبو الدينار
( شبعت من نوم وزاحت علتي ** وطرقتني في المنام خلتي )


( وما علمت أنها ألمت ** حتى قضت حاجتها وولت )
قال اللحياني زاحت ذهبت
قال وقال أبو الدينار أشد الزيحان
قال وحكى الكسائي أشد الزيوح بضم الزاي قال ويقال خاللته مخالة وخلالا قال أبو عبيد ومنه قول امرئ القيس
( ولست بمقلي الخلال ولا قالي ** )
وقال أبو نصر المختل الجسم النحيف الجسم وقال اللحياني يقال للمهزول القليل اللحم إنه لخل الجسم وخليل الجسم ومختل الجسم وقال أبو عبيد عن الأصمعي الخل القليل اللحم
قال وقال الكسائي مثله وزاد خل لحمه يخل خلا وخلولا وقال أبو نصر يقال ما أخلك إلى هذا أي ما أحوجك إليه والخلة الحاجة ويقال للرجل إذا مات اللهم اخلف على أهله بخير واسدد خلته يريد الفرجة قال أوس بن حجر
( لهلك فضالة لا تستوي ** الفقود ولا خلة الذاهب )
يريد الفرجة التي ترك والثلمة يقول كان سيدا فلما مات بقيت ثلمته
وقال اللحياني الزق بالأخل فالأخل أي بالأفقر فالأفقر والعرب تقول الخلة تدعو إلى السلة قال أبو علي قال أبو بكر بن دريد والسلة السرقة ويقال فلان مختل الحال وقال أبو نصر وأبو عبيد عن الأصمعي الخليل الفقير المحتاج قال زهير
( وإن أتاه خليل يوم مسئلة ** يقول لا غائب مالي ولا حرم )
وقال أبو نصر يقال في فلان خلة حسنة أي خصلة وقال اللحياني يقال أن شراب بني فلان ليست بخمطة ولا خلة أي ليست بحامضة قال وجمع خلة خل
والخمطة التي أخذت شيأ من الريح كريح النبق والتفاح ويقال خلل الشراب إذا صار خلا وكذلك كل شيء من الأشربة حمض فقد خلل وقال الأصمعي الخلة ما حلا من النبت والعرب تقول الخلة خبز الإبل والحمض لحمها أو فاكهتها ويقال جاءت إبل بني فلان مختلة أي قد أكلت الخلة وجاؤا مخلين إذا جاؤا وقد أكلت إبلهم الخلة قال العجاج


( جاؤا مخلين فلاقوا حمضا ** )
قال أبو علي وقال أبو بكر بن دريد هذا البيت يضرب مثلا لكل من أتى متهددا فصادف ما يقمع تهدده
قال والعرب تقول أنت مختل فتحمض وقال اللحياني يقال قد عم فلان وخل وخلل والمخلل الذي يخص وأنشد
( قد عم في دعائه وخلا ** وخط كاتباه واستملا )
وأنشد أيضا
( عهدت بها الحي الجميع فأصبحوا ** أتوا داعيا لله عم وخللا )
وقال أبو نصر وأبو عبيدة واللحياني عن الأصمعي خل كساءه وثوبه يخله خلا إذا شكه بالخلال وقال اللحياني يقال طعنته فاختللت فؤاده وأنشد
( نبذا لجؤار وضل هدية روقه ** لما اختللت فؤاده بالمطرد )
وقال أبو نصر أخل بموعده إذا لم يوف به
وقال اللحياني الخلة جفن السيف وجمعها خلل قال ويقال وجدت في فمي خلة فتخللت وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام والجمع خلل ويقال أكل خلالته وقال أبو نصر الخلة والخلالة واحد وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام والجمع خلل وقال اللحياني خلل بين أصابعه بالماء وخلل لحيته إذا توضأ ويقال خل الفصيل يخله خلا إذا جعل في أنفه عودا لئلا يرضع والخل الطريق في الرمل والخل والخمر الخير والشر يقال ما فلان بخل ولا خمر أي ليس عنده خير ولا شر قال النمر بن تولب
( هلا سألت بعادياء وبيته ** والخل والخمر التي لم تمنع )
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال معاوية الفرصة خلسة والحياء يمنع الرزق والهيبة مقرون بها الخيبة والكلمة من الحكمة ضالة المؤمن وحدثنا قال أنبأنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا من بني مرة يعظ ابنا له وقد


أفسد ماله في الشراب فقال لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك والساعات تعد عليك والأنفاس تعد منك أحب أمريك إليك أردهما بالمضرة عليك قال وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول لأخ له اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برويته ونظره ومثل لك الأحوال المخوفة عليك وخلط الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفاء رجائك وشكرك إزاء النعمة عليك وأن الغاش لك والحاطب عليك من مد لك في الاغترار ووطأ لك مهاد الظلم تابعا لمرضاتك منقادا لهواك وحدثنا أ بو بكر بن الأنباري رحمه الله قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال قال شبيب بن شبة لخالد بن صفوان من أحب إخوانك إليك قال من سد خللي وغفر زللي وقبل عللي وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو عيسى الختلي قال حدثنا أبو يعلى الساجي قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال كان يقال عليك بدينك ففيه معادك وعليك بمالك ففيه معاشك وعليك بالعلم ففيه زينك وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى
( فلما مضى شهر وعشر لعيرها ** وقالوا تجيء الآن قدحان حينها )
( أمرت من الكتان خيطا وأرسلت ** جريا إلى أخرى قريبا تعينها )
هذه امرأة تنتظر عيرا تقدم وزوجها فيها فارادت أن تنتف بالخيط وتتهيأ له والجري الرسول يقول أرسلته إلى جارة لها تنتفها لتزين وبعد هذا قال
( فما زال يجري السلك في حر وجهها ** وجبهتها حتى ثنته قرونها )
ثنته كفته
وقرونها ذوائبها وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر ابن أبي ربيعة
( يا ليتني قد أجرت الحيل نحو كم ** حبل المعرف أو جاوزت ذا عشر ) إن الثواء بأرض لا أراك بها ** فأستيقنيه ثواء حق ذي كدر )


( وما مللت ولكن زاد حبكم ** ولا ذكرتك إلا ظلت كالسدر )
( أذري الدموع كذي سقم يخامره ** وما يخامرني سقم سوى الذكر )
( كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم ** يا أشبه الناس كل الناس بالقمر )
( إني لأجذل أن أمسي مقابله ** حبا لرؤية من أشبهت في الصور )
وأنشدني أبو بكر بن دريد للبعيث الهاشمي
( ألا طرقت ليلى الرفاق بغمرة ** ومن دون ليلى يذبل فالقعاقع )
( على حين ضم الليل من كل جانب ** جناحيه وانصب النجوم الخواضع )
( طمعت بليلى أن تريع وإنما ** يقطع أعناق الرجال المطامع )
( وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن ** شهود على ليلى عدول مقانع )
( وما كل ما منتك نفسك مخليا ** يكون ولا كل الهوى أنت تابع )
( فما أنت من شيء إذا كنت كلما ** تذكرت ليلى ماء عينيك دامع )
وقرأت على أبي بكر بن دريد ليزيد بن الطثرية
( عقيلية أما ملاث إزارها ** فدعص وأما خصرها فبتيل )
( تقيظ أكناف الحمى ويظلها ** بنعمان من وادي الأراك مقيل )
( أليس قليلا نظرة إن نظرتها ** اليك وكلا ليس منك قليل )
( فيا خلة النفس التي ليس فوقها ** لنا من أخلاء الصفاء خليل )
( ويا من كتمنا حبه لم يطع به ** عدو ولم يؤمن عليه دخيل )
( أما من مقام أشتكي غربة النوى ** وخوف العدا فيه إليك سبيل )
( فديتك أعدائي كثير وشقتي ** بعيد وأشياعي لديك قليل )
( وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ** فأفنيت علاتي فكيف أقول )
( فما كل يوم لي بأرضك حاجة ** ولا كل يوم لي إليك رسول )
قال أبو علي أخذ من هذا إسحق بن إبراهيم الموصلي حدثنا جحظة قال حدثني


حماد بن أبيه إسحق بن إبراهيم قال أنشدت الأصمعي
( هل إلى نظرة إليك سبيل ** يرو منها الصدى ويشف الغليل )
( إن ما قل منك يكثر عندي ** وكثير ممن تحب القليل )
قال فقال لي هذا والله الديباج الخسرواني فقلت إنهما لليلتهما فقال أفسدتهما وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه
( والله لا نظرت عيني إذا نظرت ** إلا تحدر منها دمعها دررا )
( ولا تنفست إلا ذاكرا لكم ** ولا تبسمت إلا كاظما عبرا )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا الاشنانداني عن التوزي لطهمان بن عمرو من بني بكر بن كلاب
( ولو أن ليلى الحارثية سلمت ** علي مسجى في الثياب أسوق )
( حنوطي وأكفاني لدي معدة ** وللنفس من قرب الوفاة شهيق )
( إذا لحسبت الموت يتركني لها ** ويفرج عني غمه فأفيق )
( ونبئت ليلى بالعراق مريضة ** فماذا الذي تعني وأنت صديق )
( شفى الله مرضى بالعراق فإنني ** على كل شاك بالعراق شفيق )
قال وقرأت عليه لتوبة بن الحمير
( ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ** علي ودوني تربة وصفائح )
( لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ** إليها صدى من جانب القبر صائح )
( وأغبط من ليلى بما لا أناله ** ألا كل ما قرت به العين صالح )
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت رجلا يقول الحسد ماحق الحسنات والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين والعجب صارف عن الازدياد من العلم داع إلى التخمط والجهل والبخل أذم الأخلاق وأجلبها السوء الأحدوثة قال وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت رجلا يوصي


آخر وأراد سفرا فقال آثر بعملك معادك ولا تدع لشهوتك رشادك وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى ويعصمك من الردى ألجم هواك عن الفواحش وأطلقه في المكارم فإنك تبر بذلك سلفك وتشيد شرفك وحدثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يوصي ابنه فقال ابذل المودة الصادقة تستفد إخوانا وتتخذ أعوانا فإن العداوة موجودة عتيده والصداقة مستعرزة بعيده جنب كرامتك اللئام فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا وإن نزلت شديدة لم يصبروا قال أبو علي مستعرزة منقبضة شديدة يقال رأيت فلانا اعترز مني أي انقبض واستعرزت الجلدة في النار إذا تقبضت قال الشماخ
( وكل خليل غيرها ضم نفسه ** لوصل خليل صارم أو معارز )
يقول كل من لم يظلم نفسه لأخيه ويحمل عليها فإنه قاطع أو منقبض وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال قال رجل لعبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى يا أمير المؤمنين هززت ذوائب الرحال إليك فلم أجد معولا إلا عليك أمتطي الليل بعد النهار وأقطع المجاهل بالآثار يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى والنفس راغبة والاجتهاد عاذر وإذا بلغتك فقدني قال احطط عن راحلتك فقد بلغت وحدثنا أبو بكر قال حدثنا الرياشي عن العتبي قال سئل أعرابي عن امرأة فقال هي أرق من الهواء وأطيب من الماء وأحسن من النعماء وأبعد من السماء وحدثنا قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال العرب تقول لا ثناء مع الكبر ولا صديق لذي الحسد ولا شرف لسيئ الأدب قال وكان يقال شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عند الإعطاء وحدثني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد قال حدثنا أحمد بن عبيد الجوهري قال سمعت أحمد بن عبد العزيز يقول سمعت أبي يقول قام رجل إلى معاوية فقال له سألتك بالرحم الذي بيني وبينك فقال أمن قريش أنت قال لا قال أفمن سائر العرب قال لا قال فأية رحم بيني وبينك قال رحم آدم قال


رحم مجفوة والله لأكونن أول من وصلها ثم قضى حاجته وحدثنا أبو بكر قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال قيل لأعرابي قدم الحضرة ما أقدمك فقال الحين الذي يغطي العين وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا محمد بن موسى السامي قال حدثنا الأصمعي قال مات ولد لرجل من الأعراب فصلى عليه فقال اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجدين سهل الخدين فاغفر له وإلا فلا وحدثنا قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي عن ابن الأعرابي قال ضلت ناقة أبي السمال فقال والله لئن لم يردها الله علي لا أصلي أبدا قال فوجدها متعلقة بزمامها بشجرة فقال علم الله أنها مني صري أي عزيمة وحدثني أيضا قال حدثني أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال قيل لابنة الخس ما أحد شيء قالت ضرس جائع يقذف في معى ضائع قيل فما ألذ شيء قالت قبلة فتاة فتى وعيشك ما ذقتها
وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر
( وخمار عانية شددت برأسها ** أصلا وكان منشرا بشمالها )
هذه امرأة فزعة أخذت خمارها بيدها فلما أدركها أمنت فاختمرت ونحو منه بيت عنترة
( ومرقصة رددت الخيل عنها ** وقد همت بإلقاء الزمام )
مرقصة امرأة قد ركبت بعيرا فهي ترقصه أي تنزيه وتحثه وقد همت أن تلقي زمامها وتستسلم وحدثنا الأخفش قال بلغني أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون قبل رضاه عنه فقال يا أمير المؤمنين ولي الثأر محكم في القصاص ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الرخاء أمن عادية الدهر وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن تأخذ فبحقك وإن تعف فبفضلك ثم قال
( ذنبي إليك عظيم ** وأنت أعظم منه )
( فخذ بحقك أولا ** فاصفح بفضلك عنه )
( إن لم أكن في فعالي ** من الكرام فكنه )


فقال القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة وعفو الله بينهما وهو أكبر ما يحاول يا إبراهيم لقد حببت إلي العفو حتى خفت أن لا أوجر عليه لا تثريب عليك يغفر الله لك وعفا عنه وأمر برد ماله وضياعه فقال
( رددت مالي ولم تبخل علي به ** وقبل ردك مالي قد حقنت دمي )
( فأبت منك وما كافأتها بيد ** هما الحياتان من وفر ومن عدم )
( وقام علمك بي فاحتج عندك لي ** مقام شاهد عدل غير متهم )
( فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ** والمال حتى أسل النعل من قدمي )
( ما كان ذاك سوى عارية رجعت ** إليك لو لم تهبها كنت لم تلم )
قال الأصمعي ومن أمثال العرب حر انتصر يضرب مثلا للرجل يظلم فينتقم ويقال أصرد من عنز جرباء يضرب مثلا للرجل يجد البرد ويقال خرقاء عيابة يضرب مثلا للرجل العاجز عن الشيء وهو يعيب العجز ويقال أنجد من رأى حضنا أي من بلغ من الأمر هذا المبلغ فقد بلغ معظمه وحضن جبل بنجد ويقال جن قدح ليس منها يضرب مثلا للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم قال وبلغني أن عمر رضي الله عنه لما قال ابن أبي معيط أأقتل من بين قريش قال حن قدح ليس منها فلا أدري أقاله مبتدئا أم قيل قبل
وقال أبو زيد يقال ربضك منك وإن كان سمارا يقول منك فصيلتك وهم بنوا أبيه وإن كانوا قوم سوء ويقال منك عيصك وإن كان أشبا يقول منك أصلك وإن كان غير صحيح ويقال أعييتني من شب إلى دب أي أعييتني من لدن شببت إلى أن دببت على العصا يقال ذلك للمرأة والرجل ويقال أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر يقول أعييتني وأنت شابة باردة الأسنان فكيف أرجوك إذا سقطت أسنانك
والدردر مكان السن من اللحى
وقال أبو نصر عن الأصمعي ذرئ رأس الرجل يذرأ ذرأ وقد علته ذرأة أي


بياض وأنشد
( وقد علتني ذرأة بادي بدي ** )
وأنشد أبو بكر بن دريد بعد هذا البيت
( ورثية تنهض في تشدد ** )
وقوله بادي بدي أي في أول الأمر ويقال جدي أذرأ وعناق ذرآء إذا كان في رأسه ورأسها بياض ومنه قيل ملح ذرآني أي شديد البياض وقال غيره وذرآني أيضا وقال اللحياني يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم والله البارئ الذارئ والخلق مذروءون ومبروءون وقال أبو نصر ذرا يذر وذروا إذا مر مرا سريعا وذرا ناب الجمل يذر وذروا إذا انكسر حده وقال أوس بن حجر
( وإن مقرم منا ذرا حد نابه ** تخمط فينا ناب آخر مقرم )
وذرت الريح التراب تذروه ذروا ومنه قيل ذرى الناس الحنطة قال ويقال ذرت الريح التراب تذريه بمعنى ذرته تذروه وطعنه فأذراه عن فرسه أي رمى به وقلعه عن السرج وقال الأصمعي أذرته إذا قلعته من أصله قلعا وذرته طيرته قال ابن أحمر
( لها منخل تذري إذا عصفت به ** أهابي سفساف من الترب توأم )
وقال اللحياني ذرت الريح القرآن تذروه وتذريه إذا سحفته وأذهبته قال وقال الكسائي ذروت وذريت وذريت بمعنى واحد أي نقيتها في الريح قال أبو نصر فلان يذري فلانا أي يرفع من شأنه ويمدحه قال الراجز
( عمدا أذري حسبي أن يشتما ** بهدر هدار يمج البلغما )
وقال أبو زيد ذريت الشاة إذا جززتها وتركت على ظهرها شيأ منه لتعرف به ولا يكون ذلك إلا في الضأن وقال أبو نصر وغيره ذروة كل شيء أعلاه ويقال فلان في ذرى فلان أي في دفئه وظله ويقال استذر بهذه الشجرة أي كن في دفئها وهو الذرى مقصور ويقال جاء ينفض مذرويه إذا جاء باغيا يتهدد قال والمذروان الناحيتان قال بعض هذيل يذكر القوس
( على كل هتافة المذروين ** صفراء مضجعة في الشمال )


يعني الجانبين اللذين يقع عليهما الوتر من أسفل ومن أعلى قال أبو علي وهذا القول مشتمل على من سمى ناحيتي الرأس مذروين وعلى ما رواه أبو عبيد عن أبي عبيدة أن المذروين أطراف الأليتين وأنشد لعنترة
( أحولي تنفض استك مذرويها ** لتقتلني فها أنا ذا عمارا )
قال وليس لهما واحد لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذرى لقيل في التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو وقال أبو نصر يقال بلغني عنه ذرء من خبر أي طرف ولم يتكامل
وأنشدنا أبو بكر بن دريد لمعقر بن حمار البارقي
( إذا استرخت عماد الحي شدت ** ولا يثنى لقائمة وظيف )
يقول هم سائرون وبيوتهم على ظهور إبلهم فإذا استرخى منها شيء شد من غير أن ينيخوا بعيرا ويثنوا وظيفه وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه
( أما والله ثم الله حقا ** يمين البر أتبعها يمينا )
( لقد حلت أميمة من فؤادي ** تلاعا ما أبحن وما رعينا )
( ولكن الخليل إذا قلانا ** وآثر بالمودة آخرينا )
( صددت تكرما عنه بنفسي ** وإن كان الفؤاد به ضنينا )
وأنشدنا قال أنشدني عبيد الله بن إسحق بن سلام
( نزلت بمكة في قبائل نوفل ** ونزلت خلف البئر أبعد منزل )
( حذرا عليها من مقالة كاشح ** ذرب اللسان يقول ما لم أفعل )
وأنشدني نفطويه لنفسه
( أتخالني من زلة أتعتب ** قلبي عليك أرق مما تحسب )
( قلبي وروحي في يديك وإنما ** أنت الحياة فأين عنك المذهب )


وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري البيت الأول من هذين البيتين عن أبي العباس أحمد بن يحيى وقرأت القصيدة بأسرها على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري
( وقالوا لا يضيرك نأي شهر ** فقلت لصاحبي فمن يضير )
( يطول اليوم إن شحطت نواها ** وحول نلتقي فيه قصير )
وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس المبرد قال أنشدنا الزبير لبثينة
( وإن سلوي عن جميل لساعة ** من الدهر ما حانت ولا حان حينها )
( سواء علينا يا جميل بن معمر ** إذا مت بأساء الحياة ولينها )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال أنشدني أبي
( لما تبدت من الأستار قلت لها ** سبحان سبحان ربي خالق الصور )
( ما كنت أحسب شمسا غير واحدة ** حتى رأيت لها أختا من البشر )
( كأنها هي إلا أن يفضلها ** حسن الدلال وطرف فاتر النظر )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لابن الدمينة
( ألا لا أرى وادي المياه يثيب ** ولا النفس عن وادي المياه تطيب )
( أحب هبوط الواديني وإنني ** لمستهتر بالواديين غريب )
( أحقا عباد الله أن لست واردا ** ولا صادرا إلا علي رقيب )
( ولا زائرا وحدي ولا في جماعة ** من الناس إلا قيل أنت مريب )
( وهل ريبة في أن تحن نجيبة ** إلى إلفها أو أن يحن نجيب )
( وأن الكثيب الفرد من جانب الحمى ** إلي وإن لم آته لحبيب )
وقرأت عليه أيضا
( صفراء من بقر الجواء كأنما ** ترك الحياء بها رداع سقيم )
( من محذيات أخي الهوى جرع الأسى ** بدلال غانية ومقلة ريم )


( وقصيرة الأيام ود جليسها ** لو دام مجلسها بفقد حميم )
وقرأت عليه أيضا
( لك الله إني واصل ما وصلتني ** ومثن بما أوليتني ومثيب )
( فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ** من الوجد قد كادت عليك تذوب )
( وإني لأستحييك حتى كأنما ** علي بظهر الغيب منك رقيب )
وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري وأنشدني البيتين الأولين أبو معاذ عبدان المتطبب
( فلو أرسلت يوما بثينة تبتغي ** يميني ولو عزت علي يميني )
( لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ** وقلت لها بعد اليمين سليني )
( سلينى مالى يا بثين فانما ** يبين عند المال كل ضنين )
( فمالك لما خبر الناس أنني ** أسأت بظهر الغيب لم تسليني )
( فأبلي عذرا أو أجيء بشاهد ** من الناس عدل أنهم ظلموني )
( ولست وإن عزت علي بقائل ** لها بعد صرم يا بثين صليني )
( ونبئت قوما فيك قد نذروا دمي ** فليت الرجال الموعدين لقوني )
( إذا ما رأوني مقبلا عن جنابة ** يقولون من هذا وقد عرفوني )
وأنشدنا أبو بكر بن السراج هذين البيتين الأخيرين
( فليت رجالا فيك نذروا دمي ** وهموا بقتلي يا بثين لقوني )
( إذا ما رأوني طالعا من ثنية ** يقولون من هذا وقد عرفوني )
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد والعباس بن هشام قالا حرم رجال الخمر في الجاهلية تكرما وصيانة لأنفسهم منهم عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وقال في ذلك
( سألة للفتى ما ليس في يده ** ذهابة بعقول القوم والمال )


( أقسمت بالله أسقيها وأشربها ** حتى يفرق ترب القبر أوصالي )
( مورثة القوم أضغانا بلا إحن ** مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي )
وحرم قيس بن عاصم الخمر وقال في ذلك
( لعمرك إن الخمر مادمت شاربا ** لسالبة مالي ومذهبة عقلي )
( وتاركتي من الضعاف قواهم ** ومورثتي حرب الصديق بلا نبل )
قال وحرم صفوان بن أمية بن محرث الكناني الخمر في الجاهلية وقال في ذلك
( رأيت الخمر صالحة وفيها ** مناقب تفسد الرجل الكريما )
( فلا والله أشربها حياتي ** ولا أشفي بها أبدا سقيما )
قال وحرم عفيف بن معد يكرب عم الأشعث بن قيس الخمر وقال
( وقائلة هلم إلى التصابي ** فقلت عففت عما تعلمينا )
( وودعت القداح وقد أراني ** بها في الدهر مشعوفا رهينا )
( وحرمت الخمور علي حتى ** أكون بقعر ملحود دفينا )
وقال عفيف بن معد يكرب أيضا
( فلا والله لا ألفى وشربا ** أنازعهم شرابا ما حييت )
( أبى لي ذاك آباء كرام ** وأخوال بعزهم ربيت )
قال وحرم سويد بن عدي بن عمرو بن سلسلة الطائي ثم المعني الخمر وأدرك الإسلام فقال
( تركت الشعر واستبدلت منه ** إذا داعى منادي الصبح قاما )
( كتاب الله ليس له شريك ** وودعت المدامة والندامى )
( وحرمت الخمور وقد أراني ** بها سدكا وإن كانت حراما )
قال أبو علي الشعف حرقة يجدها الرجل مع لذة في قلبه ولذلك قال امرؤ القيس


( أيقتلني وقد شعفت فؤادها ** كما شعف المهنوءة الرجل الطالي )
لأن المهنوءة تجد للهناء لذة مع حرقة والثغف أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه والشغاف أيضا داء يكون في أحد شقي البطن ولذلك قال النابغة
( وقد حال هم دون ذلك والج ** ولوج الشغاف تبتغيه الأصابع )
يعني أصابع الأطباء يلمسنه هل وصل إلى القلب أم لا لأنه إذا اتصل بالقلب تلف صاحبه
ويقال سدك به وعسك وعسق ولكد ولكي وحلس وعبق ولذم وغري إذا لصق به ولزمه وكذلك درب به وضري به ولهج به وأعصم به وأخلد به وعض به وأزم به وألظ به قال الحرث بن حلزة
( طرق الخيال ولا كليلة مدلج ** سدكا بأرحلنا ولم يتعرج )
وقال الآخر
( وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم ** من الناس ذنبا جاءه وهو مسلما )
أراد وما كنت أخشى الدهر إلزام مسلم مسلما ذنبا جاءه وهو أي جاآه معا وقال رؤبة
( والملغ يلكى بالكلام الأملغ ** )
الملغ الماجن
والأملغ الأمجن وقال كعب بن زهير يمدح الأنصار
( دربوا كما دربت أسود خفية ** غلب الرقاب من الأسود ضواري )
وقال العجاج
( يقتسر الأقران بالتقمم ** قسر عزيز بالأكال ملذم )
والأكال ما أكل وقال أوس بن حجر
( فما زال حتى نالها وهو معصم ** على موطن لو زل عنها تفصلا )
قال أبو علي حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن العتبي قال سمعت أعرابيا يقول أسوأ ما في الكريم أن يكف عنك خيره وخير ما في اللئيم أن يكف عنك شره وحدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن الأخفش سعيد بن مسعدة قال كتب رجل


من أهل البصرة إلى أخ له أما بعد فإنه يسهل علي طلب الحاجة أمران فيك وأمران لي وأمر من قبل الله وبه تمامها فأما اللذان فيك فاجتهادك في النجح ومبالغتك في الاعتذار وأما اللذان لي فأني لا أضيق عليك بعذري ولا أصون عنك شكري وأما الذي من قبل الله عز وجل فإيماني بأن كل مقدور كائن والسلام وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال مر رجل من أهل الشام بامرأة من كلب فقال هل من لبن يباع فقالت إنك للئيم أو حديث عهد بقوم لئام هل يبيع الرسل كريم أو يمنعه إلا لئيم إنا لندع الكوم لأضيافنا تكوس إذا عكف الزمان الضروس ونغلي اللحم غريضا ونهينه نضيجا قال أبو علي الرسل اللبن وأنشدنا أبو بكر
( فتى لا يعد الرسل يقضي مذمة ** إذا نزل الأضياف أو ينحر الجزرا )
وكذلك أيضا الرسل في المشي بكسر الراء وهو الهين الرفيق قال صخر الغي
( لو أن حولي من تميم رجلا ** لمنعوني نجدة أو رسلا )
يقول لمنعوني بأمر شديد أو بأمر هين والرسل بفتح الراء والسين الإبل قال الأعشى
( يبغي ديارا لها قد أصبحت غرضا ** زوراء تجانف عنها القود والرسل )
القود الخيل
وتكوس تمشي على ثلاث
ونغلي من الغلاء قال أبو علي وحدثنا أبو بكر عن العكلي عن ابن أبي خالد قال قال زياد ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله فيه وما رأيت مثل الربيع بن زياد رجلا ما كتب إلي كتابا قط إلا في جر منفعة أو دفع مضرة ولا سألته عن شيء قط إلا وجدت منه عنده علما ولا نظرته في شيء إلا وجدته قد سبق على الناس فيه ولا سايرني قط فمست ركبته ركبتي وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا الأصمعي قال توضأ أعرابي فبدأ بوجهه ورجليه ثم استنجى فقيل له أخطأت السنة فقال لم أكن لأبدأ بالخبيثة قبل جوارحي وحدثنا أيضا قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال حدثنا عبد الله بن


شبيب قال حدثني القروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال كان المجنون لما أصابه ما أصابه يخرج فيأتي الشأم فيقول أين أرض بني عامر فيقال له أين أنت عن أرض بني عامر عليك بنجم كذا وكذا فينصرف حتى يأتي أرض بني عامر فيقف عند جبل لهم يقال له التوباذ وينشد
( وأجهشت للتوباذ حين رأيته ** وكبر للرحمن حين رآني )
( فأذريت دمع العين لما رأيته ** ونادى بأعلى صوته فدعاني )
( فقلت له أين الذين عهدتهم ** حواليك في أمن وخفض زمان )
( فقال مضوا واستودعوني بلادهم ** ومن ذا الذي يبقى على الحدثان )
( وإني لأبكي اليوم من حذري غدا ** فراقك والحيان مجتمعان )
( سجالا وتهتانا ووبلا وديمة ** وسحا وتسكابا وتنهملان )
ثم يمضي حتى يأتي العراق فيقول مثل ذلك ثم يأتي اليمن فيقول مثل ذلك
وأنشدنا أبو بكر ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد عن أبي عمرو الشيباني للمجنون
( ذد الدمع حتى يظعن الحي إنما ** دموعك إن فاضت عليك دليل )
( كأن دموع العين يوم تحملوا ** جمان على جيب القميص يسيل )
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أحمد بن يحيى
( ومستنجد بالحزن دمعا كأنه ** على الخد مما ليس يرقأ حائر )
( إذا ديمة منه استقلت تهللت ** أوائل أخرى ما لهن أواخر )
( ملا مقلتيه الدمع حتى كأنه ** لما انهل من عينيه في الماء ناظر )
وأنشدنا هذه الأبيات أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي عن أبي العباس محمد بن يزيد الثمالي وقال قال أبو العباس هذه الأبيات أحسن ما قيل في الدموع وزاد في آخرها بيتا


( وينظر من بين الدموع بمقلة ** رمى الشوق في إنسانها فهو ساهر )
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله
( نظرت كأني من وراء زجاجة ** إلى الدار من ماء الصبابة أنظر )
( فعيناي طورا تغرقان من البكا ** فأعشى وحينا تحسران فأبصر )
وأنشدني أبو عبد الله نفطويه عن أحمد بن يحيى لذي الرمة
( وما شنتا خرقاء واهيتا الكلى ** سقى بهما ساق ولما تبللا )
( بأضيع من عينيك للدمع كلما ** تذكرت ربعا أو توهمت منزلا )
وحدثني أبو بكر التاريخي قال قال بشار ما زال غلام من بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها منا حتى قال
( نزف البكاء دموع عينك فاستعر ** عينا لغيرك دمعها مدرار )
( من ذا يعيرك عينه تبكي بها ** أرأيت عينا للبكاء تعار )
وأنشدني أيضا قال أنشدني البحتري لنفسه
( وقعنا والعيون مشعلات ** يغالب دمعها نظرا كليل )
( نهته رقبة الواشين حتى ** تعلق لا يغيض ولا يسيل )
وأنشدني بعض أصحابنا لدعبل الخزاعي
( يا ربع أين توجهت سلمى ** أمضت فمهجة نفسه أمضى )
( لا أبتغي سقي السحاب لها ** في مقلتي عوض من السقيا )
وأنشدني جحظة لنفسه
( ومن طاعتي إياه أمطر ناظري ** له حين يبدي من ثناياه لي برقا )
( كأن دموعي تبصر الوصل هاربا ** فمن أجل ذا تجري لتدركه سبقا )
وكان أبو بكر بن دريد يستحسن قول أبي نواس في هذا المعنى
( لا جزى الله دمع عيني خيرا ** وجزى الله كل خير لساني )


( نم دمعي فليس يكتم شيأ ** ورأيت اللسان ذا كتمان )
( كنت مثل الكتاب أخفاه طي ** فاستدلوا عليه بالعنوان )
وأنشدنا نفطويه لنفسه
( قلبي عليك أرق من خديكا ** وقواي أوهى من قوى جفنيكا )
( لم لا ترق لمن تعذب نفسه ** ظلما ويعطفه هواه عليكا )
وأنشدنا أبو بكر لنفسه
( إن الذي أبقيت من جسمه ** يا متلف الصب ولم يشعر )
( صبابة لو أنها دمعة ** تجول في جفنك لم تقطر )
قال الأصمعي من أمثال العرب لا يعدم شقي مهرا أي لا يعدم شقي عناء ويقال لا تعدم الحسناء ذاما يراد لا يخلو الرجل من أن يكون به ما يعاب ويقال ليس عليك نسجه فاسحب وجر يضرب مثلا للرجل يفسد ما لم يتعن فيه ويقال الليل أخفى للويل أي الستر أستر من المكاشفة ويقال قبل الرماء تملأ الكنائن يراد به قبل وقوع الأمر يعدله
وأنشدني أبو المياس البيت الأول من هذين البيتين فأنشدته أبا بكر بن دريد فزادني البيت الثاني
( ولذ كطعم الصرخدي تركته ** بأرض العدا من خشية الحدثان )
( ومبد لي الشحناء بيني وبينه ** دعوت وقد طال السرى فدعاني )
لذ يعني النوم
والصرخدي العسل كذا قال أبو المياس
والعدا الأعداء
والحدثان ما يحدث من الأمور وقال أبو بكر اللذ اللذيذ يعني النوم والصرخدي الخمر
وقوله ومبد لي الشحناء يعنى كلبا وذلك أن الرجل إذا تحير فى الليل فلم يدر أين البيوت نبح فتسمعه الكلاب فتنبح فيقصد أصواتها وهذا الذي تقول له العرب المستنج ثم أنشدني


( ومستنج بات الصدى يستتيهه ** فتاه وجوز الليل مضطرب الكسر )
( رفعت له نارا ثقوبا زنادها ** تليح إلى الساري هلم إلى قدري )
( فلما أتى والبؤس رادف رحله ** تلقيته مني بوجه امرئ بشر )
( فقلت له أهل كأهل فلم يجر ** بك الليل إلا للجميل من الأمر )
( وكادت تطير الشول عرفان صوته ** ولم تمس إلا وهي خائفة العقر )
قال أبو علي بشر مصدر بشرته أبشره بشرا والبشر الاسم أراد بوجه امرئ ذي بشر فحذف المضاف وفي بشرت لغات قال الكسائي يقال بشرت فلانا بخير أبشره تبشيرا وبشرته أبشره بشرا وبشرته أبشره بشرا وبشورا وأبشرته أبشره إبشارا في معنى واحد وحكى عن بعضهم أنه قال دخلت على الناطفي فبشرني ببشر حسن قال وسمعت أبا ثروان ورجلا من غني يقولان بشرني فلان بخير وبشرته بخير قال ويقال أبشر فلان بخير أي استبشر وهو قول الله عز وجل { وأبشروا بالجنة } أي استبشروا وكذا كلام العرب إذا أخبروا عن أنفسهم قالوا قد أبشرنا أي فرحنا قال ويقال أيضا بشرت بهذا الأمر أبشر بشورا أي فرحت واستبشرت على معنى أبشرت وهي في قضاعة وقرأ أبو عمرو إن الله يبشرك بالتخفيف
وقال اللحياني خفيت الشيء أخفيه خفيا وخفيا إذا استخرجته وأظهرته وأنشد
( خفاهن من أنفاقهن كأنما ** خفاهن ودق من سحاب مركب )
قال أبو علي وغيره يروي من عشي مجلب أي مصوت ويقال اختفيت الشيء أي أظهرته وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي لأنه يستخرج أكفان الموتى وأخفيت الشيء أخفيه إخفاء إذا سترته قال الله عز وجل { أكاد أخفيها } وهي قراءة العامة والناس وروى عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ أكاد أخفيها أي أظهرها وقال أبو عبيدة أخفيت الشيء كتمته وأظهرته ويقال دعوت الله خفية وخفية أي في


خفض قال الله عز وجل { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وهي قراءة الناس والمجتمع عليها وكان عاصم يقرأ تضرعا وخفية في جميع القرآن وقال اللحياني وأبو نصر الخافي الجن قال اللحياني يقال أصابته ريح من الخوافي وأصابته ريح من الخافي وهو واحد الخوافي وقال أبو نصر الخوافي جمع الجمع وسمعت أبا بكر بن دريد يقول إنما قيل لهم خاف لخفائهم واستتارهم عن العيون وقال اللحياني الخوافي من السعف ما دون القلبة واحدتها خافية والخوافي من ريش الطائر ما دون المناكب وهي أربع ريشات قال ويقال لأربع ريشات في مقدم الجناح القوادم ثم تليها أربع ريشات مناكب ثم تليها أربع ريشات خواف ثم يلي الخوافي أربع أباهر وقال غيره في جناح الطائر عشرون ريشة مما يلي الجنب فأربع قوادم وأربع مناكب وأربع كلى وأربع خواف وأربع أباهر ويقال برح الخفاء أي ظهر الأمر وصار كأنه في براح وهو المكان المستوي المتسع وقال اللحياني قال بعضهم برح الخفاء أي ذهب السر وظهر والخفاء ههنا السر وقال الخفاء مصدر خفي يخفى خفاء وقال بعضهم الخفاء المتطأطئ من الأرض والبراح المرتفع الظاهر فيقول ارتفع المتطأطئ حتى صار كالمرتفع الظاهر وقال أبو نصر الخفاء ما غاب عنك
وقال اللحياني يقال الناس أخياف في هذا الأمر أي مختلفون لا يستوون ويقال خيفت المرأة أولادها إذا جاءت بهم أخيافا أي مختلفين ويقال تخيفت الإبل وتبرقطت إذا اختلفت وجوهها في الرعي والخيف ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل ومنه مسجد الخيف بمنى ويقال أخاف الرجل فهو مخيف إذا أتى الخيف والقوم مخيفون
والخيف جلد ضرع الناقة يقال ناقة خيفاء والجمع خيفاوات وخيف ويقال بعير أخيف إذا كان واسع الخيف وهو جلد الثيل وأنشدنا أبو نصر
( صوى لهاذا كدنة جلذيا ** أخيف كانت أمه صفيا )
وقال اللحياني يقال خيفت الناقة تخيف خيفا إذا اتسع جلد ضرعها ويقال فرس


أخيف والأنثى خيفاء والجمع خيف إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء والخيفان الجراد إذا صارت فيها ألوان مختلفة واحدتها خيفانة وبه سميت الفرس خيفانة لسرعتها وقال أبو بكر إنما قيل للفرس خيفانة لأن الجرادة إذا ظهرت فيها تلك الألوان كان أسرع لطيرانها وقال اللحياني تخوفت الشيء تنقصته قال الله عز وجل { أو يأخذهم على تخوف } أي على تنقص ويقال تخوفت الشيء بالحاء غير معجمة إذا أخذت من حافاته وقال أبو نصر وجمع مخيف إذا أخاف من ينظر إليه وحائط مخوف وثغر مخوف وطريق مخوف إذا كان يفرق منه وقال اللحياني وقد يقال ثغر مخيف إذا كان يخيف أهله ويقال خفت من الشيء أخاف خوفا وخيفة وخيفا وهو جمع خيفة قال الهذلي
( فلا تقعدن على زخة ** وتضمر في القلب وجدا وخيفا )
والزخة الدفعة يقال زخ في صدره يزخ زخا أي دفع ومنه قيل للمرأة مزخة ويقال فلان خائف والقوم خائفون وخوف وخيف قال الله تبارك وتعالى { أن يدخلوها إلا خائفين } وفي حرف أبي وابن مسعود أن يدخلوها إلا خيفا والخافة خريطة من أدم ضيقة الرأس واسعة الأسفل تكون مع مشتار العسل إذا صعد ليشتار وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن حماد بن إسحق عن أبيه قال حدثني عمي صباح بن خاقان قال قال خالد بن صفوان لبعض الولاة قدمت فأعطيت كلا بقسطه من وجهك وكرامتك حتى كأنك لست من أحد أو حتى كأنك من كل أحد
وأنشدني أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي عن أحمد بن عبيد
( ما لرسولي أناني منك بالياس ** وقال أظهرت بعدي جفوة القاسي )
( إني أحبك حبا لفاحشة ** والحب ليس به في الله من باس )
وقرأت على أبي بكر بن دريد
( ولما أبى إلا جماحا فؤاده ** ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل )


( تسلى بأخرى غيرها فإذا التي ** تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي )
وأنشدنا أبو عبد الله
( يا منية النفس إن أعطيت منيتها ** وسؤلتي أن دنونا أو نأيناك )
( هل بعتنا ببديل منذ لم نركم ** فما بشيء من الأشياء بعناك )
( إن كنت لم تذكرينا عند فرقتنا ** فيشهد الله أنا ما نسيناك )
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال تذاكر قوم صلة الرحم وأعرابي جالس فقال منسأة في العمر مرضاة للرب محبة في الأهل وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال وصف أعرابي ناقة فقال إذا اكحالت عينها وأللت أذنها وسجح خدها وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فهي الكريمة قال أبو علي سجح سهل وحسن وهدل استرخى وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن قال سمعت عمي يقول سمعت أعرابية تقول لرجل رماك الله بليلة لا أخت لها أي لا تعيش بعدها وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال قال أكثم بن صيفي سوء حمل الفاقة يحرض الحسب ويقوي الضرورة ويذئر أهل الشماتة قال أبو علي يذئر يحرش يقال أذأرته بأخيه إذا حرشته عليه وأولعته به وقد ذئر هو ذأرا حين أذأرته قال الشاعر
( ولقد أتاني عن تميم أنهم ** ذئر والقتلى عامر وتغضبوا )
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال بعض العرب أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله وأعون الأشياء على تذكية العقل التعلم وأدل الأشياء على عقل العاقل حسن التدبير وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال رجل من العرب ما رأيت كفلان إن طلب حاجة غضب قبل أن يرد عنها وإن سئل حاجة رد صاحبها قبل أن يفهمها وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قال بعض


الأعراب لا أعرف ضرا أوصل إلى نياط القلب من الحاجة إلى من لم تثق بإسعافه ولا تأمن رده وأكلم المصائب فقد خليل لا عوض منه وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال ذكر رجل حاتما الطائي فقال كان إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا أسر أطلق وحدثنا قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قيل لأعرابي أي شيء أمتع فقال ممازحة المحب ومحادثة الصديق وأماني تقطع بها أيامك وحدثنا قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول من لم يرض عن صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه ومن عاتب على كل ذنب كثر عدوه ومن لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه وأنشدنا أبو عبد الله
( الرمح لا أملأ كفي به ** واللبد لا أتبع تزواله )
يقول لا أقاتل بالرمح وحده فأشغل كفي به دون غيره من السلاح ولكني أقاتل به وبغيره وإذا زال اللبد عن متن الفرس أم أزل معه وثبت يصف نفسه بالفروسية وحدثنا أبو بكر ابن الأنباري قال حدثنا عبد الله بن خلف عن موسى بن صالح عن معاوية بن صدقة الجحدري قال كان رجل من مجاشع يقال له سعد بن مطرف يهوى ابنة عم له يقال لها سعاد فكان يأتيها ويتحدث إليها ولا يعلمها بما هو عليه من حبها حتى سل جسمه ونحل بدنه فبينا هو ذات يوم معها جالس إذ نظر إليها وأنشأ يقول
( وما عرضت لي نظرة مذ عرفتها ** فأنظر إلا مثلت حيث أنظر )
( أغار على طرفي لها فكأنني ** إذا رام طرفي غيرها لست أبصر )
( وأحذر أن تصغى إذا بحت بالهوى ** فأكتمها جهدي هواي وأستر )
فلما سمعت ذلك منه ساءها وكرهت أن ينشر خبرهما فأقصته وأظهرت هجره فكتب إليها


( مت شوقا وكدت أهلك وجدا ** حين أبدى الحبيب هجرا وصدا )
( بأبي من إذا دنوت إليه ** زادني القرب منه نأيا وبعدا )
( لا وحبيه لا وحق هواه ** ما تناسيته ولا خنت عهدا )
( حاش لله أن أكون خليا ** من هواه وقد تقطعت وجدا )
( كيف لا كيف عن هواه سلوي ** وهو شمس الضحى إذا ما تبدى )
فكانت تحب مواصلته وتشفق من الفضيحة فتظهر هجره وتبعده فلم يزل عليل البدن والقلب وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي
( ألمت وهل إلمامها لك نافع ** وزارت خيالا والعيون هواجع )
( بنفسي من تنأى ويدنو خيالها ** ويبذل عنها طيفها ويمانع )
( خليلي أبلاني هوى متمنع ** له شيمة تأبى وأخرى تطاوع )
( وإن شفاء النفس لو تعلمينه ** حبيب موات أو شباب مراجع )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد للمجنون
( وإني لأستغشي وما بي نعسة ** لعل خيالا منك يلقى خياليا )
( وأخرج من بين البيوت لعلني ** أحدث عنك النفس في السر خاليا )
( أصبرا ولما تمض لي غير ليلة ** رويد الهوى حتى يغب لياليا )
( أرى الدهر والأيام تفنى وتنقضي ** وحبك ما يزداد إلا تماديا )
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه للمجنون
( وعلقت ليلى وهي غر صغيرة ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم )
( صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ** إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم )
وأنشدنا أبو عبد الله أيضا في هذا المعنى لخالد بن المهاجر
( أمست منازلكم بمكة منكم ** قفرا وأصبحت المعالم خالية )
( لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ** قد كنتم زيني بها وجماليه )


( علقتها غرا غلاما ناشئا ** غض الشباب وعلقتني جاريه )
( حتى استوينا لم تزل لي خلة ** أبكي إذا ظعنت بعين باكيه )
وأنشدنا أيضا
( إذا حجبت لم يكفك البدر فقدها ** وتكفيك فقد البدران حجب البدر )
( وحسبك من خمر تفوتك ريقها ** ووالله ما من ريقها حسبك الخمر )
وأنشدنا أيضا
( قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا ** يا بدر ما فيك لي من وجهها خلف )
( تبدو لنا كلما شئنا محاسنها ** وأنت تنقص أحيانا وتنكسف )
( وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري
( تنادى آل بثنة بالرواح ** وقد تركوا فؤادك غير صاح )
( فيالك منظرا ومسير ركب ** شجاني حين أمعن في الفياح )
( ويالك خلة ظفرت بعقلي ** كما ظفر المقامر بالقداح )
( أريد صلاحها وتريد قتلي ** فشتى بين قتلي والصلاح )
( لعمر أبيك لا تجدين عهدي ** كعهدك في المودة والسماح )
( ولو أرسلت تستهدين نفسي ** أتاك بها رسولك في سراح )
وقرأت عليه له أيضا
( فإن يك جثماني بأرض سواكم ** فإن فؤادي عندك الدهر أجمع )
( إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ** على صرمها ظلت لها النفس تشفع )
( وإن رمت نفسي كيف آتي لصرمها ** ورمت صدودا ظلت العين تدمع )
وكتبت من كتاب أبي بكر بن دريد رحمه الله وقرأت عليه أيضا قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه


ألا يا كأس قد أفنيت قولي ** فلست بقائل إلا رجيعا )
( ولست بنائم إلا بهم ** ولا مستيقظ إلا مروعا )
( أومل أن ألاقي آل كأس ** كما يرجو أخو السنة الربيعا )
( وإنك لو نظرت فدتك نفسي ** إلى كبدي وجدت بها صدوعا )
وقرأت عليه أيضا
( ولما بدا لي منك ميل مع العدى ** سواي ولم يحدث سواك بديل )
( صددت كما صد الرمي تطاولت ** به مدة الأيام وهو قتيل )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الوراق
( نزفت دمعي وأزمعت الفراق غدا ** فكيف أبكي ودمع العين منزوف )
( واسوأتا من عيون العاشقين غدا ** إذا رحلت ودمع العين موقوف )
وأنشدنا قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهدي
( لم ينسينك سرور لا ولا حزن ** وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن )
( مازلت مذ كلفت نفسي بحبكم ** كلي بكلك مشغول ومرتهن )
( نور تجسم من شمس ومن قمر ** حتى تكامل منه الروح والبدن )
قال أبو بكر ويروي
( ولا خلا منك قلبي لا ولا بدني ** كلي بكلك مشغول ومرتهن )
قال أبو بكر وأنشدني أبي للحسن بن وهب
( بأبي كرهت النار لما أوقدت ** فعرفت ما معناك في إبعادها )
( هي ضرة لك بالتماع ضيائها ** وبحسن صورتها لدى إيقادها )
( وأرى صنيعك بالقلوب صنيعها ** بسيالها وأراكها وعرادها )
( شركتك في كل الأمور بحسنها ** وضيائها وصلاحها وفسادها )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لأبي الشيص


( وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ** متأخر عنه ولا متقدم )
( أجد الملامة في هواك لذيذة ** حبا لذكرك فليلمني اللوم )
( أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ** إذ صار حظي منك حظي منهم )
( وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ** ما من يهون عليك ممن أكرم )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهدي
( إذا كلمتني بالعيون الفواتر ** رددت عليها بالدموع البوادر )
( فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ** وقد قضيت حاجاتنا بالضمائر )
( أقاتلتي ظلما بأسهم لحظها ** أما حكم يعدي على طرف جائر )
( فلو كان للعشاق قاض من الهوى ** إذا لقضى بين الفؤاد وناظري )
قال أبو بكر وسرق هذا المعنى خالد الكاتب فقال
( أعان طرفي على جسمي وأحشائي ** بنظرة وقفت جسمي على دائي )
( وكنت غرا بما يجني على بدني ** لا علم لي أن بعضي بعض أدوائي )
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو الحسن بن البراء لبعض شواعر الأعراب
( ولو نظروا بين الجوانح والحشا ** رأوا من كتاب الحب في كبدي سطرا )
( ولو جربوا ما قد لقيت من الهوى ** إذا عذروني أو جعلت لهم عذرا )
( صددت وما بي من صدود ولا قلى ** أزورهم يوما وأهجرهم شهرا )
وأنشدني أيضا قال أنشدني علي بن محمد المدائني قال أنشدنا أبو الفضل الربعي الهاشمي قال أنشدنا إسحق بن إبراهيم الموصلي
( أخاف عليها العين من طول وصلها ** فأهجرها الشهرين خوفا من الهجر )
( وما كان هجراني لها عن ملالة ** ولكنني أملت عاقبة الصبر )
( أفكر في قلبي بأي عقوبة ** أعاقبه فيكم لترضوا فما أدري )
( سوى هجركم والهجر فيه دماره ** فعاقبته فيكم من الهجر بالهجر )


( فكنت كمن خاف الندى أن يبله ** فعاذ من الميزاب والقطر بالبحر )
وقال أبو زيد من أمثال العرب برق لمن لا يعرفك يضرب مثلا للذي يوعد من يعرفه يقول اصنع هذا بمن لا يعرفك وقال الأصمعي ومن أمثالهم حرك خشاشه إذا عمل بما يؤذيه ويقال ضرب لذلك الأمر جروته أي وطن عليه نفسه ويقال لوى عنه عذاره أي عصاه فلم يطعه في أمره ويقال شراب بأنقع أي معاود للأمور يأتيها مرة بعد مرة
وسألنا أبا عبد الله عن بيت أبي العميثل بعد أن قرأناه على أبي بكر بن دريد مصححين له
( أيام ألحف مئزري عفر الملا ** وأغض كل مرجل ريان )
فأخبرنا عن أحمد بن يحيى بهذا التفسير قال ألحف ألبس
والعفر التراب يقول أجره عليه من الخيلاء والنشاط
والملا الفضاء
وأغض أنقصه وأشرب ما فيه
والمرجل زق سلخ من قبل رجله
وريان ممتلئ قال وقال سعدان أنشدنيه أبو العميثل وهذا معناه وقال ابن الأعرابي أغض أكف والمرجل الشعر يرجل ويهيأ وريان من الدهن وهو كقول الأعشى
( ولقد أرجل جمتي بعشية ** للشرب قبل سنابك المرتاد )
ولم ينكر القول الأول وقال قد سمعته من قائله
وقال أبو نصر إنه لذو أكلة في الناس أي ذو نميمة ووقيعة وقال أبو عبيدة عن الأصمعي أنه لذو أكلة في الناس وأكلة أي ذو غيبة يغتابهم وقال اللحياني إنه لذو أكلة وإكلة للحوم الناس وقالوا جميعا الأكلة اللقمة يقال ما أكلت إلا أكلة والأكلة الفعلة الواحدة من الأكل والإكلة الحال التي تأكل عليها قاعدا أو متكئا وقال اللحياني الأكال ما يؤكل يقال ما ذقت اليوم أكالا والأكلة غير ممدود والإكلة والأكال الحكة يقال إنه ليجد أكلة على فعلة وإكلة وأكالا ويقال أكلت الناقة تأكل أكلا إذا نبت وبر جنينها في بطنها فوجدت لذلك


حكة وأذى وناقة أكلة على فعلة وقال الأصمعي بأسنانه أكل إذا كانت متأكلة وقال أبو نصر يقال كثرت الآكلة في أرض بني فلان أي الراعية وقال اللحياني الأكلة على فعلة وقال الأصمعي تأكل السيف تأكلا إذا توهج من الحدة قال أوس بن حجر
( وأبيض صوليا كأن غراره ** تلألؤ برق في حبي تأكلا )
وزاد اللحياني والتأكل شدة بريق الكحل إذا كسر أو الفضة أو الصبر وقالوا جميعا فلان ذو أكل إذا كان ذا حظ ورزق في الدنيا والجميع الآكال وقال اللحياني يقال أكل بستانك دائم أي ثمره وقال أبو نصر والأصمعي ثوب ذو أكل إذا كان كثير الغزل صفيقا وإنه لذو أكل إذا كان ذا رأي وعقل وقال اللحياني فيهما بالتثقيل أكل وقال اللحياني الأكيل الطعام المأكول والأكيل الذي يأكل معك رجلا كان أو امرأة يقال هذا أكيلي وهذه أكيلي ولغة أبي الجراح هذه أكيلتي ورجل أكول وقوم أكال وأكلة يقال هم أكلة رأس أي قليل بقدر ما يشبعهم رأس وقال اللحياني والمئكلة ضرب من البرام وضرب من الأقداح وكل ما أكل فيه فهو مئكلة والجمع مآكل ورجل وكل أي ضعيف ليس بنافذ ورجل أكلة أي كثير الأكل
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه
( أيا زينة الدنيا الني لا ينالها ** مناي ولا يبدو لقلبي صريمها )
( بعيني قذاة من هواك لو أنها ** تداوى بمن أهوى لصح سقيمها )
( وبرء قذاة العين إن لم يكن لها ** طبيب يداوي نظرة تستديمها )
( فما صبرت عن ذكرك النفس ساعة ** وإن كنت أحيانا كثيرا ألومها )
( علي نذور يوم تبرز خاليا ** لعيني وأيام كثير أصومها )
وحدثني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد قال حدثني محمد بن الحسن عن المفضل بن محمد بن العلاف قال لما قدم بغاء ببني نمير أسرى كنت كثيرا ما أذهب إليهم فأسمع منهم


وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم فأتيتهم يوما في عقب مطر وإذا فتى حسن الوجه قد نهكه المرض ينشد
( ألا يا سنى برق على قلل الحمى ** لهنك من برق علي كريم )
( لمعت اقتذاء الطير والقوم هجع ** فهيجت أسقاما وأنت سليم )
( فهل من معير طرف عين خلية ** فإنسان طرف العامري كليم )
( رمى طرفه البرق الهلالي رمية ** بذكر الحمى وهنا فبات يهيم )
فقلت له يا هذا إنك لفي شغل عن هذا فقال صدقت ولكن أنطقني البرق ثم اضطجع فما كان ساعة حتى مات فما يتوهم عليه غير الحب
وكان أبو بكر بن دريد رحمه الله كثيرا ما ينشد آخر بيت من هذه الأبيات ثم أنشدني يوما
( ثقي بجميل الصبر مني على الدهر ** ولا تثقي بالصبر مني على الهجر )
( وإني لصبار على ما ينوبني ** وحسبك أن الله أثنى على الصبر )
( ولست بنظار إلى جانب الغنى ** إذا كانت العلياء في جانب الفقر )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس للمجنون
( أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها ** أثنتين صليت الضحى أم ثمانيا )
( أراني إذا صليت يممت نحوها ** بوجهي وإن كان المصلي يمانيا )
( وما بي إشراك ولكن حبها ** كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال وصفت أعرابية زوجها بمكارم الأخلاق عند أمها فقالت يا أمه من نشر ثوب الثناء فقد أدى واجب الجزاء وفي كتمان الشكر جحود لما وجب من الحق ودخول في كفر النعم فقالت لها أمها أي بنية أطبت الثناء وقمت بالجزاء ولم تدعي للذم موضعا إني وجدت من عقل لم يعجل بذم ولا ثناء إلا بعد اختبار فقالت يا أمه ما مدحت حتى اختبرت ولا وصفت حتى


عرفت وحدثنا أيضا عن العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم قال كتب مالك بن أسماء ابن خارجة إلى الهيثم بن الأسود النخعي يشكر له قيامه بأمر رجل من آل حذيفة بن بدر عند الحجاج حتى خلصه منه أما بعد فإنه لما كلت الألسن عن بلوغ ما استحققت من الشكر كان أعظم الحيل عندي في مكافأتي إخلاصك صدق الضمير وكما لم نعرف الزيادة في العلا إذ جريت غاية طولك جهلنا غاية الثناء عليك فليس لك من الناس إلا ما ألهموا من محبتك فأنت كما وصف الواصف إذ يقول
( فما تعرف الأوهام غاية مدحه ** يقينا كما ليست بغايته تدري )
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن بعض أصحابه قال وقع جعفر بن يحيى ابن خالد بن برمك في كتاب صديق له ما جاوزتني نعمة خصصت بها ولا قصرت دوني ما كان بك محلها
قال ووقع إلى عمرو بن مسعدة إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا وإذا كان الإيجاز كافيا كان إلا كثار عيا وحدثنا أيضا عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال أخبرنا العتبي عن أبيه قال أتت رملة بنت معاوية مراغمة لزوجها عمرو بن عثمان بن عفان فقال مالك يا بنية أطلقك زوجك قالت لا الكلب أضن بشحمته ولكنه فاخرني فكلما ذكر رجلا من قومه ذكرت رجلا من قومي حتى عدا بني منه فوددت أن بيني وبينه البحر الأخضر فقال لها يا بنية آل أبي سفيان أقل خطا في الرجال من أن تكوني رجلا وحدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال مر أعرابي برجل يكنى أبا الغمر وكان ضخما جسيما وكان بوابا لبعض الملوك فقال أعن الفقير الحسير فقال ما ألحف سائلكم وأكثر جائعكم أراحنا الله منكم فقال له الأعرابي لو فرق قوت جسمك في جسوم عشرة منا لكفانا طعامك في يوم شهرا وإنك لعظيم السرطه شديد الضرطه لو ذري بحبقتك بيدر لكفته ريح الجربياء وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثنا محمد بن موسى السامي قال حدثنا الأصمعي قال دخل رجل من الأعراب على رجل من أهل الحضر فقال له الحضري هل لك إلى أن أعلمك سورة من كتاب الله فقال إني أحسن من كتاب الله


ما إن عملت به كفاني قال وما تحسن قال أحسن سورا قال اقرأ فقرأ فاتحة الكتاب و { قل هو الله أحد } و { إنا أعطيناك الكوثر } فقال له الرجل اقرأ السورتين يريد المعوذتين فقال قدم علي ابن عم لي فوهبتهما له ولست براجع في هبتي حتى ألقى الله وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال سمع يونس رجلا ينشد
( استودع العلم قرطاسا فضيعه ** وبئس مستودع العلم القراطيس )
فقال قاتله الله ما أشد صبابته بالعم وصيانته للحفظ إن علمك من روحك ومالك من بدنك فصن علمك صيانتك روحك ومالك صيانتك بدنك
وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب
( أودى الشباب وحب الخالة الخلبه ** وقد برئت فما بالصدر من قلبه )
( وقد تثلم أنيابي وأدركني ** قرن علي شديد فاحش الغلبه )
( وقد رمى بسراه اليوم معتمدا ** في المنكبين وفي الساقين والرقبة )
أودى ذهب وهلك
والخالة جمع خائل مثل بائع وباعة
والخلبة جمع خالب مثل كافر وكفرة يخبر أنه شيخ قد ترك صحبة الشباب والفتيان وهم الخالة الخلبة الذين يختالون في مشيتهم ويخلبون النساء ثم قال برئت أي برئ صدري من ودهم والعلاقة بهم فما به قلبة من ودهم يقال للإنسان وغيره من الحيوان ما به قلبة أي ما به وجع ولا مكروه وأصله من القلاب قال الأصمعي القلاب أن تصيب الغدة القلب فإذا أصابته لم يلبث البعير أن تقتله وقوله وأدركني قرن يعني الهرم وقوله وقد رمى بسراه اليوم معتمدا فالسرى جمع سروة مثل رشوة ورشى وهو نصل السهم إذا كان مدورا مدملكا ولا عرض له يريد أن الهرم قد رمى بسهامه في جميع جسده فأضعفه كما قال
( في المنكبين وفي الساقين والرقبة ** )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم قال سمعت الأصمعي كثيرا ما يقول من قعد به نسبه نهض به أدبه


وأنشدنا أبو بكر بن دريد لخارجة بن فليح المللى
( أحن إلى ليلى وقد شط وليها ** كما حن محبوس عن الإلف نازع )
( إذا خوفتني النفس بالنأي تارة ** وبالصرم منها أكذبتها المطامع )
( أكل هواك الطرف عن كل بهجة ** وصمت عن الداعي سواك المسامع )
وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري
( ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني ** أظل إذا لم أسق ماءك صاديا )
( ومازلت بي يا بثن حتى لوانني ** من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا )
( وددت على حب الحياة لوأنها ** يزاد لها في عمرها من حياتيا )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى
( ومستوحش للبين يبدي تجلدا ** كما أوحش الكفين فقد الأصابع )
( وكم قد رأينا من قتيل لخلة ** بسهم التجني أو بسهم التقاطع )
( وكم واثق بالدهر والدهر مولع ** بتأليف شتى أو بتفريق جامع )
وأنشدنا أيضا قال أنشدنا إبراهيم بن عبد الله لعلية بنت المهدي
( تجنب فإن الحب داعية الحب ** وكم من بعيد وهو مستوجب القرب )
( تفكر فإن حدثت أن أخا هوى ** نجاسا لما فارج النجاة من الحب )
( فأحسن أيام الهوى يومك الذي ** تروع بالتحريش منه وبالعتب )
( إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ** فأين حلاوات الرسائل والكتب )
وقال الأصمعي من أمثال العرب إنه لساكن الريح يقال ذلك للرجل الوادع ويقال إنه لواقع الطائر مثل للرجل الساكن الأمر ويقال في رأسه نعرة مثل للرجل الطامح الرأس الذي لا يستقر ويقال الخرق شؤم يراد به أن الرجل إذا خرق في أمر دخل عليه شؤمه ويقال الرفق يمن وهو خلافه وقال أبو نصر يقال كل بصره يكل كلولا وكل لسانه يكل كلة وكلولا وكل السيف كلة وكلا إذا لم


يقطع وكل في الإعياء كلالا وكلل يكلل تكليلا إذا حمل على القوم يقال كال تكليلة السبع والكلالة ما دون الوالد والولد وانكلت المرأة إذا ما تبسمت وانكل السحاب إذا ما تبسم بالبرق
وكلا يكلئ تكلئة وتكليأ وكلى تكلية إذا أتى مكانا فيه مستتر والكلاء والمكلأ مكان ترفأ فيه السفن وهو ساحل كل نهر قال أبو علي وقال أبو زيد كلأ القوم السفينة تكليا إذا حبسوها وكلأت في الطعام تكليأ وأكلأت إكلاء إذا أسلفت فيه وما أعطيت فيه من الدراهم نسيئة فهي الكلأ قال أبو علي وقال أبو نصر الكالئ الدين المؤخر لم يهمزه الأصمعي وهمزه غيره وأنشدني الأصمعي
( وإذا تباشرك الهموم ** فإنها كال وناجز )
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكالئ بالكالئ كأنه نهى عن الدين بالدين وهو النسيئة بالنسيئة وأبو عبيدة يهمز الكالئ ويقال تكلأت كلأة إذا استنسأت ويقال بلغ الله بك أكلأ العمر يعنى آخره ويقال أكتلأت من الرجل اكتلاء إذا احترست منه واكتلأت عيني اكتلاء إذا لم تنم وسهرت وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الوراق قال حدثنا المفضل بن حازم قال حدثنا منصور البرمكي قال كان لهارون الرشيد جارية غلامية يعني وصيفة على قد الغلام وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمر دفوقفت يوما تصب على يد الرشيد من ابريق معها والمأمون جالس خلف الرشيد فأشار المأمون إليها كأنه يقبلها فأنكرت ذلك بعينيها وأبطأت في الصب على مقدار نظرها إلى المأمون وإشارتها إليه فقال الرشيد ما هذا ضعي الإبريق من يدك ففعلت فقال والله لئن لم تصدقيني لأقتلنك فقالت يا سيدي أشار إلي عبد الله كأنه يقبلني فأنكرت ذلك فالتفت إلى المأمون ونظر إليه كأنه ميت لما دخله من الجزع والخجل فرحمه وضمه إليه وقال يا عبد الله أتحبها قال


نعم يا أمير المؤمنين قال هي لك قم فادخل في تلك القبة ففعل ثم قال هل قلت في هذا الأمر شعرا قال نعم يا سيدي ثم أنشد
( ظبي كتبت بطرفي ** من الضمير إليه )
( قبلته من بعيد ** فاعتل من شفتيه )
( ورد أخبث رد ** بالكسر من حاجبيه )
( فما برحت مكاني ** حتى قدرت عليه )
ومن أحسن ما قيل في العناق ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا عبد الله بن خلف قال أنشدني أحمد بن يحيى بن أبي فنن
( خلوت فنادمتها ساعة ** على مثلها يحسد الحاسد )
( كأنا وثوب الدجى مسبل ** علينا لمبصرنا واحد )
قال أبو بكر وسرق هذا المعنى ابن المعتز فقال
( ما أقصر الليل على الراقد ** وأهون السقم على العائد )
( يفديك ما أبقيت من مهجتي ** لست لما أوليت بالجاحد )
( كأنني عانقت ريحانة ** تنفست في ليلها البارد )
( فلو ترانا في قميص الدجى ** حسبتنا من جسد واحد )
وأحسن في هذا المعنى علي بن العباس الرومي وأنشدناه الناجم عنه
( أعانقها والنفس بعد مشوقة ** إليها وهل بعد العناق تدان )
( وألثم فاها كي تموت حرارتي ** فيشتد ما ألقى من الهيمان )
( ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ** ليسفيه ما ترشف الشفتان )
( كان فؤادي ليس يشفي غليله ** سوى أن يرى الروحان يمتزجان )
ولبعضهم في هذا المعنى


( رأيت شخصك في نومي يعانقني ** كما يعانق لام الكاتب الألفا )
ولبشار
( فبتنا معا لا يخلص الماء بيننا ** إلى الصبح دوني حاجب وستور )
أخذ منه علي بن الجهم فقال
( فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ** من الخمر فيما بيننا لم تسرب )
ومن أحسن ما قيل في الشعر قول ابن الرومي أنشدناه الناجم عنه
( وفاحم وارد يقبل ممشاة ** إذا اختال مرسلا غدره )
( أقبل كالليل من مفارقه ** منحدرا لا يذم منحدره )
( حتى تناهى إلى مواطئه ** يلثم من كل موطئ عفره )
( كأنه عاشق دنا شغفا ** حتى قضى من حبيبه وطره )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطاح
( بيضاء تسحب من قيام فرعها ** وتغيب فيه وهو وحف أسحم )
( فكأنها فيه نهار ساطع ** وكأنه ليل عليها مظلم )
ولمسلم
( أجدك ما تدرين أن رب ليلة ** كأن دجاها من قرونك تنشر )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله لعبد الله بن المعتز
( سقتني في ليل شبيه بشعرها ** شبيهة خديها بغير رقيب )
( فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى ** وشمسين من خمر وخد حبيب )
ومن أحسن ما قيل في فتور الطرف قول أبي نواس
( ضعيفة كر الطرف تحسب أنها ** قريبة عهد بالإفاقة من سقم )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه
( ليس السليم سليم أفعى حرة ** لكن سليم المقلة النجلاء )


( نظرت ولا وسن يخالط عينها ** نظر المريض بسورة الإغفاء )
ولعبد الله بن المعتز
( وتجرح أحشائي بعين مريضة ** كما لان متن السيف والحد قاطع )
( عليم بما يخفى فؤادي من الهوى ** جواد بهجراني وللوصل مانع )
وأنشدنا أبو بكر التاريخي قال أنشدني البحتري لنفسه
( وفي القهوة أشكال ** من الساقي وألوان )
( حباب مثل ما يضحك عنه وهو جذلان ** )
( وسكر مثل ما أسكر طرف منه وسنان ** )
( وطعم الريق إذ جاد ** به والصب هيمان )
( لنا من كفه راح ** ومن رياه ريحان )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لعدي بن الرقاع
( وكأنها وسط النساء أعارها ** عينيه أحور من جآذر طاسم )
( وسنان أقصده النعاس فرنقت ** في عينه سنة وليس بنائم )
ومن أحسن ما قيل في الريق ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري لبشار
( يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ** الاشهادة أطراف المساويك )
( منيتنازورة في النوم واحدة ** فأثني ولا تجعليها بيضة الديك )
( يا رحمة الله حلى في منازلنا ** حسبي برائحة الفردوس من فيك ) وأبلى بن العباس الرومي أنشدناه الناجم عنه
( تعلك ريقا يطرد النوم برده ** ويشفى القلوب الحائمات الصواديا ) وهل ثغب حصباؤه مثل ثغرها ** يصادف الأطيب الطعم صافيا )
وله أيضا أنشدناه الناجم عنه
( يا رب ريق بات بدر الدجى ** يمجه بين ثناياكا )


( يروى ولا ينهاك عن شربه ** والماء يرويك وينهاكا )
ومن أحسن ما قيل في طروق الخيال قول البحتري وهو أحد المحسنين فيه حتى قيل طيف البحتري أنشدنيه التاريخي عنه
( ألمت بنا بعد الهدوء فسامحت ** بوصل متى تطلبه في الجد تمنع )
( وولت كأن البين يخلج شخصها ** أوان تولت من حشاي وأضلعي )
وأنشدنا بعض أصحابنا للمؤمل
( أتاني الكرى ليلا بشخص أحبه ** أضاءت له الآفاق والليل مظلم )
( فكلمني في النوم غير مغاضب ** وعهدي به يقظان لا يتكلم )
وذكر العباس بن الأحنف ما العلة في طروق الخيال فقال
( خيالك حين أرقد نصب عيني ** إلى وقت انتباهي لا يزول )
( وليس يزورني صلة ولكن ** حديث النفس عنك به الوصول )
وتبعه الطائي فقال
( زار الخيال لهالا بل أزاركه ** فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم )
( ظبى تقنصته لما نصبت له ** في آخر الليل أشرا كامن الحلم )
وأنشدنا علي بن هارون المنجم لعلي بن يحيى المنجم
( بأبي والله من طرقا ** كابتسام البرق إذ خفقا )
( زارني طيف الحبيب فما ** زاد أن أغرى بي الأرقا )
ومن أحسن ما قيل في مشي النساء ما أنشدناه صاحبنا أبو علي بن الأعرابي
( شبهت مشيتها بمشية ظافر ** يختال بين أسنة وسيوف )
( صلف تناهت نفسه في نفسه ** لما أنثني بسنانه المرعوف )
وقرئ على أبي بكر بن الأنباري في شعر ابن مقبل وأنا أسمع


( يهززن للمشي أوصالا منعمة ** هز الجنوب معا عيدان يبر بنا )
( أو كاهتزاز رديني تناوله ** أيدي التجار فزادوا متنه لينا )
( يمشين هيل النقا مالت جوانبه ** ينهال حينا وينهاه الثرى حينا )
ولعمر بن أبي ربيعة قرأته على أبي عبد الله نفطويه
( أبصرتها غدوة ونسوتها ** يمشين بين المقام والحجر )
( بيضا حسانا خرائدا قطفا ** يمشين هونا كمشية البقر )
( قد فزن بالحسن والجمال معا ** وفزن رسلا بالدل والخفر )
وللعباس بن الأحنف
( شمس مقدرة في خلق جارية ** كأنما كشحها طي الطوامير )
( كأنها حين تمشي في وصائفها ** تمشي على البيض أوزرق القوارير )
ومما قيل في الحسن
( إذا عبتها شبهتها البدر طالعا ** وحسبك من عيب لها شبه البدر )
وأنشدنا الناجم لنفسه في غير هذا المعنى
( طالبت من شرد نومي وذعر ** بقبلة تحسن في القلب الأثر )
( فقال لي مستعجلا وما أنتظر ** ليس لغير العين حظ في القمر )
أخذه من علي بن الجهم حيث يقول
( وقلن لنا نحن الأهلة إنما ** نضيء لمن يسري بليل ولا نقري )
( فلا نيل إلا ما تزود ناظر ** ولا وصل إلا بالخيال الذي يسري )
ومن أحسن ما قيل في قينة
( من كف جارية كأن بنانها ** من فضة قد طرفت عنابا )
( وكأن يمناها إذا نطقت بها ** تلقي على يدها الشمال حسابا ) وحدثنا أبو عبد الله نفطوية قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال سمع بعض العرب


صوت العود فقيل له ما تسمع فقال حسنا ولكن اقطع هذا الأبح فانى أشنؤه يريد البم ومن أحسن ما قيل في العود
( فكأنه في حجرها ولد لها ** ضمته بين ترائب ولبان )
( طورا تدغدغ بطنه فإذا هفا ** عركت له أذنا من الآذان )
ومن أحسن ما شبه به العود ما أنشدناه بعض أصحابنا
( كأن تمثاله ساق إلى قدم ** نيطت إلى فخذ بانت عن الكفل )
( آذانه منه قد جمعن أربعة ** تجيب أربعة في كف معتمل )
( فذا أغن وهذا فيه زمزمة ** وذاك صاف وهذا فيه كالصحل )
وللحمدوني
( وناطق بلسان لا ضمير له ** كأنه فخذ نيطت إلى قدم )
( يبدي ضمير سواء في الحديث كما ** يبدي ضمير سواه الخط بالقلم )
ومن أحسن ما قيل في وصف مغنيات قول ابن الرومي وأنشدناه الناجم عنه
( وقيان كأنها أمهات ** عاطفات على بنيها حواني )
( مطفلات وما حملن جنينا ** مرضعات ولسن ذات لبان )
( ملقمات أطفالهن ثديا ** ناهدات كأحسن الرمان )
( مفعمات كأنها حافلات ** وهي صفر من درة الألبان )
( كل طفل يدعى بأسماء شتى ** بين عود ومزهر وكران )
( أمه دهرها تترجم عنه ** وهو بادي الغنى عن الترجمان )
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال بعض الحكماء لابنه يا بني اقبل وصيتي وعهدي أن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار كسرعة اختلاط قطر المطر بماء الأنهار وبعد قلوب الفجار من الائتلاف كبعد البهائم من التعاطف وان طال اعتلافها على آري واحد كن يا بني بصالح الوزراء أغنى منك بكثرة عدتهم فان اللؤلؤة


خفيف محملها كثير ثمنها والحجر فادح حمله قليل غناؤه وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبي زيد قال حدثنا هشام بن حسان الفردوسي عن الحسن قال قال الأحنف ابن قيس الكذوب لا حيلة له والحسود لا راحة له والبخيل لا مروءة له والملول لا وفاء له ولا يسود سيء الأخلاق ومن المروءة إذا كان الرجل بخيلا أن يكتم ذلك ويتجمل وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم قال قيل للأحنف بم بلغت ما بلغت قال لو عاب الناس الماء ما شربته قال وقال من لم يسنح نفسا عن الحظ الجسيم للعيب الصغير لم يعد شفيقا على نفسه ولا صائنا لعرضه وقال الأصمعي من أمثال العرب دع بنيات الطريق أي اقصد لمعظم الشأن ويقال لا توبس الثرى بيني وبينك أي لا تقطع الود الذي بيننا ويقال السعيد من اتعظ بغيره يراد من رأى غيره فاتعظ سعد ويقال طويته على بللته يراد استبقيته قبل أن يبلغ فساده وذلك أن السقاء إذا طويته وهو مبتل تثنى وإذا طوي وهو يابس تكسر أي فقد طلبت مصلحته وقال أبو زيد يقال لا ترى ذلك يا فلان ما سمر ابنا سمير وهما الليل والنهار وأنشدنا ابن الأعرابي
( وشبابي قد كان من لذة العيش ** فأودى وغاله ابنا سمير ) وقال أبو زيد ولا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته وهو تحريكه شفتيه حين يريد أن تقوم له وقال ابن الأعرابي وإبساسه استدراره إياها للحلب وخدعه لها ولطفه بها وأنشدني لأبي زبيد
( فلحا الله صاحب الصلح منا ** ما أطاف المبس بالدهماء )
وقال أبو زيد يدولا أفعل ذلك ما غرد الطائر تغريدا
ولا أفعل ذلك آخر الأوجس وهو الدهر وأنشدني أبو بكر بن دريد لمرار الفقعسي
( لا يشترون بهجعة هجعوا بها ** ودواء أعينهم خلود الأوجس )


وقال اللحياني لا أفعل ذلك سجيس الأوجس
وسجيس عجيس وزاد ابن الأعرابي وما غبا غبيس وأنشد
( قد ورد الماء بليل قيس ** نعم وفي أم البينين كيس )
( عن الطعام ما غبا غبيس ** )
ولا أفعله السمر والقمر
ولا أفعله ما حدا الليل النهار
وما أرزمت أم حائل والحائل الأنثى من أولاد الإبل قال أبو ذؤيب
( فتلك التي لا يبرح القلب حبها ** ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل )
ولا أفعله يد المسند وهو الدهر قال الشاعر
( لقلت من القول ما لا يزال ** يؤثر عني يد المسند )
ولا أفعله يد الدهر
ولا أفعله ما أن في السماء نجما معناه ما كان في السماء نجم ولا أفعله ما سجع الحمام
وما حملت عيني الماء
وما بل بحر صوفة
ولا افعل ذلك ما أطت الإبل وأطيطها حنينها
وقال أبو عبيد أطيط الإبل نقيض جلودها عند الكظة قال الأعشى
( وقال اللحياني ولا أفعل ذلك ما لألأت الفور والعفر والظباء أي ما حركت أذنابها ولا أفعل ذلك ما حنث الدهماء وهي ناقة ولا أفعل ذلك ما حنت النيب قال أبو علي وقال أبو زيد لا أفعل ذلك ما اختلف الملوان والأجدان وهما الليل والنهار وزاد اللحياني والجديدان وهما الليل والنهار وقال يعقوب والفتيان وهما الليل والنهار أيضا وكذلك العصران وغيره يقول العصران الغداة والعشي وهو الأجود عندنا وزاد ابن الأعرابي ولا أفعله القرتين وأنشدنا ابن الأعرابي للصلتان العبدي في الفتيين
( ما لبث الفتيان أن عصفا بهم ** ولكل حصن يسرا مفتاحا )
وأنشد أيضا في العصرين


( ولا يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما )
( وأنشد يعقوب في الملوين لابن مقبل
( ألا يا ديار الحي بالسبعان ** أمل عليها بالبلى الملوان )
وقال أبو زبد لا أفعل ذلك ما هدهد الحمام أي ما غرد
وما خالفت درة جرة وما اختلفت الدرة والجرة واختلافهما أن الدرة تسفل إلى الرجلين والجرة تعلو إلى الرأس ولا آتيك حتى يبيض القار
ولا آتيك سجيس الليالي وأنشد ابن الأعرابي
( ذخرت أبا عمرو ولقومك كلهم ** سجيس الليالي عندنا أكرم الذخر )
وقال أبو زيد ولا أفعل ذلك حتى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة ولا أفعل ذلك أبد الأبيد وأبد الآبدين وأبد الأبدية وزاد اللحياني وأبدا الآباد وقال أبو زيد ويقال لا آتيك سن الحسل أي حتى يسقط فوه وهو لا يسقط أبد إنما أسنانه كالمئشار وأنشد ابن الأعرابي وغيره
( تسألني عن السنين كم لي ** فقلت لو عمرت عمر الحسل )
( أو عمر نوح زمن الفطحل ** والصخر مبتل كطين الوحل )
وسألت أبا بكر بن دريد رحمه الله عن زمن الفطحل فقال تزعم العرب أنه زمان كانت فيه الحجارة رطبة وقال الأصمعي الحتار الوتر الذي يكون في القوس وحتار كل شيء وترته وهو حرفه ووترة كل شيء حرفه ووترة الأنف حرفه ويقال ما زال على وتيرة واحدة أي على طريقة واحدة والوتيرة حلقة يتعلم عليها الطعن وأنشد
( تباري قرحة مثل الوتيرة ** لم تكن مغدا )
قال أبو علي المغد النتف والوتيرة شيء مستطيل من الأرض ينقاد قال الهذلي
( فذاحت بالوتائر ثم بدت ** يديها عند جانبها تهيل )
وقال الأصمعي فذاحت أسرعت
وبدت فرقت
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري عن


أبيه عن أحمد بن عبيد قال قال أبو عمرو الشيباني داحت حفرت والوتيرة الفترة والتواني قاله أبو نصر وأنشد لزهير
( نجاء مجد ليس فيه وتيرة ** وتذبيبها عنه بأسحم مذود )
وقال أبو نصر سمعت من غير الأصمعي الوتائر ما بين الأصابع الواحدة وتيرة وقال الأصمعي الوتر الفرد وأهل الحجاز يفتحون الواو في الفرد ويكسرونها في الذحل ومن تحتهم من قيس وتميم يسوونهما في الكسر ويقولون في الفرد أوترت أوتر إيتارا وفي الذخل وترته فأنا أتره ترة وترا ويقال تواترت الإبل والقطا إذا جاءت بعضها خلف بعض ولم يجئن مصطفات وأنشد
( قرينة سبع أن تواترن مرة ** ضربن فصفت أرؤس وجنوب )
ومنه واتر كتبك والمواترة أن يجيء الشيء بعد الشيء وبينهما هنية فإن تتابعت فليست بمتواترة ويقال وترقوسه وأوترها وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب
( أشلقتك أطلال دوارس من دعد ** خلاء مغانيها كحاشية البرد )
( على أنها قالت عشية زرتها ** هبلت ألم ينبت لذا حلمه بعدي )
أشاقتك هيجتك وشوقتك
والمغاني المنازل التي كانوا يغنون بها أي يقيمون بها واحدها مغنى
وهبلت ثكلت والعرب يقول لأمك الهبل أي الثكل
وقوله ألم ينبت لذا حلمه بعدي يعني ضرس حمله وهو أقصى الأضراس وآخرها نباتا
وقال يعقوب يقال ساينته وفانيته وصاديته وداليته وراديته وهي المساناة والمفاناة والمصاداة والمدالاة والمراداة وهي المساهلة وأنشد للبيد
( وسانيت من ذى بهجة ورقيته ** عليه السموط عابس متغضب )
( وفارقته والود بيني وبينه ** وحسن الثناء من وراء المغيب )
وأنشد إذا الله سنى عقد أمر تيسرا وأخبرنا الغالبي قال قال لنا ابن كيسان أبو الحسن أنشدني هذا البيت المبرد


( فلا تيأسا واستغور الله إنه ** إذا الله سنى عقد أمر تيسرا )
استغوراه سلاه الغيرة وهي الميرة أي سلاه الرزق وأنشد يعقوب لنصيب في المفاناة
( تقيمه تارة وتقعده ** كما يفاني الشموس قائدها )
وأنشد في المصاداة لمزرد
( ظللنا نصادى أمنا عن حميتها ** كأهل الشموس كلهم يتودد )
وقال العجاج في المدالاة
( يكاد ينسل من التصدير ** على مدالاتي والتوقير )
وقرأت على أبي بكر في المراداة لطفيل الغنوي
( يرادى على فأس اللجام كأنما ** يرادى به مرقاة جذع مشذب )
وقال غير يعقوب راديته وداريته واحد وقرأنا على أبي بكر بن دريد للغنوي
( ظللنا معا جارين نحترس الثأى ** يسائرني من نطفة وأسائره )
وصف سبعا
نحترس الثأى أي كل واحد منا يخاف صاحبه أن يغدر به
والثأى الفساد وأصله في الخزز وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة فيتسع الثقب فيفسد ثم جعل مثلا لكل فساد
ويسائرني من السؤر وهي البقية أي يرد قبلي فيشرب فيبقي لي وأرد قبله فأبقي له وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو عثمان عن العتبي عن أبيه عن هشام بن صالح عن سعيد قال حج عتبة سنة إحدى وأربعين والناس قريب عهدهم بفتنة فصلى بمكة الجمعة ثم قال أيها الناس أنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف فيه للمحسن الأجر وعلى المسيء فيه الوزر ونحن على طريق ما قصدنا فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا فإنها تنقطع دوننا ورب ممتن حتفه في أمنيته فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم وإياكم ولوا فانها أتعبت من كان قبلكم ولن تريح من بعدكم وأنا أسأل الله أن يعين كلا


على كل فصاح به أعرابي أيها الخليفة فقال لست به ولم تبعد فقال يا أخاه فقال سمعت فقل فقال تا لله إن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيؤا وقد أحسنا وإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه وإن كان منا فما أولاكم بمكافأتنا رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة ويقرب إليكم بالخؤلة قد كثره العيال ووطئه الزمان وبه فقر وفيه أجر وعنده شكر فقال عتبة أستغفر الله منكم وأستعينه عليكم قد أمرنا لك بغناك فليت اسرا عنا إليك يقوم بابطائنا عنك وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا العكلي قال حدثنا أحمد بن محمد المزني قال قال أبو جهم بن حذيفة لمعاوية نحن عندك يا أمير المؤمنين كما قال عبد المسيح لإبن عبد كلال
( نميل على جوانبه كأنا ** نميل إذا نميل على أبينا )
( نقلبه لنخبر حالتيه ** فنخبر منهما كرما ولينا )
فأمر له بمائة ألف وحدثنا أبو بكر بن شقير النحوي في منزله في غلة صافي ونحن يومئذ نقرأ عليه كتب الواقدي في المغازي وكان يرويها عن أحمد بن عبيد عن الواقدي قال حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال كان أسيد بن عنقاء الفزاري ومن أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولسانا فطال عمره ونكبه دهره واختلت حالته فخرج عشية يتبقل لأهله فمر به عميلة الفزاري فسلم عليه وقال يا عم ما أصارك إلى ما أرى من حالك فقال بخل مثلك بماله وصوني وجهي عن مسألة الناس فقال والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أرى من حالك فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة فقالت له لقد غرك كلام غلام جنح ليل فكأنما ألقمت فاه حجرا فبات متململا بين رجاء ويأس فلما كان السحر سمع رغاء الإبل وثغاء الشاء وصهيل الخيل ولجب الأموال فقال ما هذا فقالوا هذا عميلة ساق إليك ماله قال فاستخرج ابن عنقاء ثم قسم ماله شطرين وساهمه عليه فأنشأ ابن عنقاء يقول


( رآني على ما بي عميلة فاشتكى ** إلى ماله حالى أسر كما جهر )
( دعاني فآساني ولو ضن لم ألم ** على حين لا بد ويرجى ولا حضر )
( فقلت له خيرا وأثنيت فعله ** وأوفاك ما أبليت من ذم أو شكر )
( ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ** تردى رداء سابغ لذيل وأتزر )
( غلام رماه الله بالخير مقبلا ** له سيماء لاتشق على البصر )
( كأن الثريا علقت فوق نحره ** وفي أنفه الشعرى وفي خده القمر )
( إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ** ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر )
وأنشدنا أبو عبد الله قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي
( كريم يغض الطرف فضل حيائه ** ويدنو وأطراف الرماح دواني )
( وكالسيف أن لا ينته لان متنه ** وحداه أن خاشنته خشنان )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد
( يشبهون ملوكا في تجلتهم ** وطول أنضية الأعناق والأمم )
( إذا غد المسك يجري في مفارقهم ** راحوا كأنهم مرضى من الكرم )
وأنشدنا أبو بكر بن الانباري قال أنشدنا أحمد بن يحيى
( تخالهم للحلم صما عن الخنا ** وخرسا عن الفحشاء عند التهاتر )
( ومرضى إذا لاقوا حياء وعفة ** وعند الحروب كالليوث الخوادر )
( لهم ذل انصاف ولين تواضع ** بهم ولهم ذلت رقاب المعاشر )
( كأن بهم وصما يخافون عاره ** وما وصمهم إلا اتقاء المقابر )
وأنشدنا أيضا عن أبي العباس
( أحلام عاد لا يخاف جليسهم ** إذا نطقوا العوراء غرب لسان )
( إذا حدثوا لم تخش سوء استماعهم ** وأن حدثوا أدوا بحسن بيان )
وأنشدنا أيضا قال أنشدني أبي


( يصم عن الفحشاء حتى كأنه ** إذا ذكرت في مجلس القوم غائب )
( له حاجب عن كل ما يصم الفتى ** وليس له عن طالب العرف حاجب )
وأنشدنا أيضا قال أنشدني أبي لبكر بن النطاح يمدح خربان بن عيسى قال وكان أبو عبيدة يقول لم أسمع لهؤلاء المحدثين مثل هذا
( لم ينقطع أحد إليك بوده ** إلا اتقته نوائب الحدثان )
( كل السيوف يرى لسيفك هيبة ** وتخافك الأرواح في الأبدان )
( قالت معد والقبائل كلها ** إن المنية في يدي خربان )
( ملك إذا أخذ القناة بكفه ** وثقت بشدة ساعد و بنان )
وقرأت على أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة عن أبيه للأسدي
( ولائمة لامتك يا فيض في الندى ** فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر )
( أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ** ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر )
( مواقع جود الفيض في كل بلدة ** مواقع ماء المزن في البلد القفر )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن أبيه عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء قال لما توج النعمان واطمأن به سريره دخل عليه الناس وفيهم أعرابي فأنشأ يقول
( إذا سست قوما فاجعل الجود بينهم ** وبينك تأمن كل ما تتخوف )
( فان كشفت عند الملمات عورة ** كفاك لباس الجود ما يتكشف )
فقال مقبول منك نصحك ممن أنت قال أنا رجل من جرم فأمر له بمائة ناقة وهي أول جائزة أجازها وقرأت على أبي بكر وأنشدناه أبو عبد الله نفطويه عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لقيس بن عاصم المنقري
( إني امرؤ لا يعتري حسبي ** دنس يفنده ولا أفن )
( من منقر في بيت مكرمة ** والفرع ينبت حوله الغصن )
( خطباء حين يقول قائلهم ** بيض الوجوه مصاقع لسن )


( لا يفطنون لعيب جارهم ** وهم لحفظ جواره فطن )
وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة للعرندس أحد بني بكر بن كلاب يمدح بني عمرو الغنويين قال وكان الأصمعي يقول هذا المحال كلابي يمدح غنويا
( هينون لينون أيسار ذو وكرم ** سواس مكرمة أبناء أيسار )
( إن يسألوا الخير يعطوه وأن خبروا ** في الجهد أدرك منهم طيب أخبار )
( فيهم ومنهم يعد الخير متلدا ** ولا يعد نثا خزي ولا عار )
( لا ينطقون عن الأهواء أن نطقوا ** ولا يمارون أن ماروا بإكثار )
( من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ** مثل النجوم التي يسري بها الساري )
وقرأت عليه للنمر بن تولب
( ثم استمرت تريد الريح مصعدة ** نحو الجنوب فعزتها على الريح )
قوله تريد الريح يعني الطريدة تستقبل الريح أبدا وإنما تفعل ذلك لتبرد أجوافها باستقبال الريح
وعزتها غلبتها يعني فرسه غلبت الطريدة والدليل على ذلك قوله قبل هذا البيت
( لقد غدوت بصهبى وهي ملهبة ** إلهابها كضرام النار في الشيح )
وصهبى اسم فرسه ثم قال
( جاءت لتسنحني يسرا فقلت لها ** على يمينك إني غير مسنوح ) جاءت يعني الطريدة لتسنحني أي لتمضي على يساري ثم قال ثم استمرت تريد الريح وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال قال بعض الحكماء إن مما سنحا بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأن الأرزاق فيها لم تقسم على قدر الأخطار وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال حدثنا عمر بن شبة أبو زيد قال


حدثنا الأصمعي قال حدثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة قال قال عروة لبنيه يا بني لا يهدين أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يهديه إلى حريمه فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له قال وكان يقول يا بني تعلموا العلم فأنكم أن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبراءهم واسوأتا ماذا أقبح من شيخ جاهل وكان يقول إذا رأيتم خلة رائعة من شر من رجل فاحذروه وان كان عند الناس رجل صدق فإن لها عنده أخوات وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إناتكم منه وان كان عند الناس رجل سوء فإن لها عنده أخوات وقال الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال وجد فى حكمة فارس انى وجدت الكرماء والعقلاء يبتغون إلى كل صلة ومعروف سببا ورأيت المودة بين الصالحين سريعا اتصالها بطيأ انقطاعها ككوب الذهب سريع الإعادة أن أصابه ثلم أوكسر ورأيت المودة بين الأشرار بطيأ اتصالها سريعا انقطاعها ككوب الفخار أن أصابه ثلم أو كسر فلا إعادة له ورأيت الكريم يحفظ الكريم على اللقاءة الواحدة ومعرفة اليوم ورأيت اللئيم لا يحفظ إلارغبة أو رهبة وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن العتبي عن أبيه عن هشام بن صالح عن سعد قال كنا بمصر فبلغنا أمور عن أهلها فصعد عتيبة المنبر مغضبا فقال أيا حاملين الأم أنوف ركبت بين أعين إنما قلمت أظفاري عنكم ليلين مسي إياكم وسألتكم صلاحكم لكم إذ كان فسادكم راجعا عليكم فأما إذ أبيتم إلا الطعن في الولاة والتنقص للسلف فوالله لأقطعن على ظهوركم بطون السياط فان حسمت داءكم وإلا فالسيف من ورائكم فكم من موعظة منا لكم مجتها قلوبكم وزجرة صمت عنها آذانكم ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذ جدتم لنا بالمعصية ولا أويسكم من مراجعة الحسنى أن صرتم إلى التي هي أبر وأتقى
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم بن الأصمعي قال قال الأحنف بن قيس إن الله جعل أسعد عباده عنده وأرشدهم


لديه وأحظاهم يوم القيامة أبذلهم للمعروف يدا وأكثرهم على الإخوان فضلا وأحسنهم له على ذلك شكرا وحدثنا أبو بكر بن الانباري رحمه الله قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وداعة عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة فمر رجل وهو يقول
( يا أيها الرجل المحول رحله ** ألا نزلت بآل عبد الدار )
( هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ** منعوك من عدم ومن إقتار )
قال فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال أهكذا قال الشاعر قال لا والذي بعثك بالحق لكنه قال
( يا أيها الرجل المحول رحله ** ألا نزلت بآل عبد مناف )
( هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ** منعوك من عدم ومن إقراف )
( الخالطين فقيرهم بغنيهم ** حتى يعود فقيرهم كالكافي )
( ويكللون جفانهم بسديفهم ** حتى تغيب الشمس في الرجاف )
( منهم علي والنبي محمد ** القائلان هلم للاضياف )
قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هكذا سمعت الرواة ينشدونه وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي عن بعض موالي بني أمية قال خرج دواد بن سلم إلى حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية فلما قدم عليه قام غلمانه إلى متاعه فأدخلوه وحطوا عن راحلته فلما دخل أنشده
( ولما دفعت لأبوابهم ** ولاقيت حربا لقيت النجاحا )
( وجدناه يحمده المعتفون ** ويأبى على العسر إلا سماحا )
( ويغشون حتى ترى كلبهم ** يهاب الهرير وينسى النباحا )
فأمر له بجوائز كثيرة ثم استأذنه في الانصراف فأذن له وأعطاه ألف دينار فلما خرج


من عنده وغلمانه جلوس لم يقم إليه أحد منهم ولم يعنه فظن أن حربا ساخط عليه فرجع إليه وقال أواجد أنت علي قال لا ولم ذلك فأخبره خبر الغلمان قال ارجع إليهم فسلهم فرجع إليهم فسألهم فقالوا إنا ننزل الضيف ولا نرحله فلما قدم المدينة سمع الغاضري بحديثه فأتاه فقال إني أحب أن أسمع هذا الحديث منك فحدثه فقال هو يهودي أو نصراني إن لم يكن فعل الغلمان أحسن من شعرك
وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب
( تضمنت أدواء العشيرة بينها ** وأنت على أعواد نعش تقلب )
قوله تضمنت أدواء العشيرة بينها أي ضمنت ما كان في العشيرة من داء أو فساد إذ كنت فيهم حيا وأنت اليوم على أعواد نعش وقال الأصمعي تضمنت أصلحت والمعنى عندي أنه كان يضمن دماء العشيرة فيصلح بينها وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا عبد الله ابن خلف قال حدثنا اسحق بن محمد النخعي قال حدثني محمد بن سهل قال حدثني المدائني قال امتدح أبو العتاهية عمر بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهدي فأمر له بسبعين ألف درهم وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه فخلعوا عليه حتى لم يقدر على القيام لما عليه من الثياب ثم إن جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر فقال بعضهم با عجبا للأمير يعطي أبا العتاهية سبعين ألف درهم فبلغ ذلك عمر فقال علي بهم فأدخلوا عليه فقال ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء أن أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبب في قصيدته بصديقته بخمسين بيتا فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره وقد أتانا أبو العتاهية فشبب ببيتين ثم قال
( إني أمنت من الزمان وريبه ** لما علقت من الأمير حبالا )
( لو يستطيع الناس من إجلاله ** لحذوا له حر الوجوه نعالا )
( ما كان هذا الجود حتى كنت يا ** عمرا ولو يوما تزول لزالا )
( إن المطايا تشتكيك لأنها ** قطعت إليك سباسبا ورمالا )


( فإذا أتين بنا أتين مخفة ** وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا )
فقال له عمر حين مدحه أقم حتى أنظر في أمرك فأقام أياما ولم ير شيأ وكان عمر ينتظر مالا يجيء من وجه فأبطأ عليه فكتب إليه أبو العتاهية
( يا ابن العلاء ويا ابن القرم مرداس ** إني امتدحتك في صحبي وجلاسي )
( أثني عليك ولي حال تكذبني ** فيما أقول فأستحي من الناس )
( حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ** طأطأت من سوء حال عندها رأسي )
فقال عمر لحاجبه اكفنيه أياما فقال له الحاجب كلا ما دفعه به وقال له تنتظر فكتب إليه أبو العتاهية
( أصابت علينا جودك العين يا عمر ** فنحن لها نبغي التمائم والنشر )
( أصابتك عين في سخائك صلبة ** ويا رب عين صلبة تفلق الحجر )
( سنرقيك بالأشعار حتى تملها ** فإن لم تفق منها رقيناك بالسور )
قال فضحك عمر وقال لصاحب بيت ماله كم عندك قال سبعون ألف درهم قال ادفعها إليه ويقال إنه قال له اعذرني عنده ولا تدخله علي فأني أستحي منه قال أبو علي قال الأصمعي من أمثال العرب العبد من لا عبد له أي من لم يكن له عبد ولا كاف امتهن نفسه ويقال لو كويت على داء لم أكره أي لو عوتبت على ذنب ما امتعضت ويقال كمبتغي الصيد في عربسة الأسد يضرب مثلا للرجل يطلب الغنيمة في موضع الهلكة ويقال أجود من لافظة وأراد بلافظة البحر ويقال أجبن من صافر وأراد بصافر ما يصفر من الطير وإنما يوصف بالجبن لأنه ليس من سباعها
وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الراجز
( قد علمت إن لم أجد معينا ** لأخلطن بالخلوق طينا )
يعني امرأته يقول قد علمت إن لم أجد معينا يعينني على سقيها سأستعين بها وأستعملها حتى يختلط ما عليها من الخلوق بالطين والماء
وقال يعقوب بن السكيت يقال أخذه بأجمعه


وأجمعه وأخذه بحذافيره وقال أبو عبيدة عن الكسائي أخذه بحذافيره وجذاميره وجزاميره وجراميزه وحكى عن أبي عبيدة بربانه بفتح الراء في معناها وعن الأصمعي بربانه أي بجميعه
قال وقال الفراء أخذه بصنايته وسنايته مثله وقال يعقوب وأخذه بجلمته وقال لي أبو بكر بن الأنباري وبجلمته أيضا وقال يعقوب وأخذه بزغبره وقال لي أبو بكر بن الأنباري ويقال بزغبره وأظنني سمعت اللغتين جميعا من أبي بكر بن دريد وقال يعقوب وأخذه بزوبره وأنشد لابن أحمر
( وإن قال غاو من تنوخ قصيدة ** بها جرب عدت علي بزوبرا )
وقال أبو عبيدة وأخذه بزأبره وقال يعقوب وأخذه بصبرته وبأصباره وأخذه بزأبجه وبزأمجه وأخذه بأصيلته وأخذه بظليفته وأخذه مكهملا قال وحكى أبو صاعد أخذه بزوبرة وبأزمله كله أخذه جميعا وأخذه بربغه وبحداثته وبربانه قال أبو الحسن بن كيسان هذه الثلاثة معناها بأوله وابتدائه وأنشد لابن أحمر
( وإنما العيش بربانه ** وأنت من أفنانه مقتفر )
أخبرني بذلك الغالبي عن ابن كيسان وروى أبو عبيدة في بيت ابن أحمر
وأنت من أفنانه معتصروقال أبو نصر وغيره عن الأصمعي إنه قال بربانه بحداثته
وقال الأصمعي جلوت العروس أجلوها فهي مجلوة وجلوت المرآة أجلوها فهي مجلوة ومصدرهما جميعا جلاء ويقال أعط العروس جلوتها وقد جلاها زوجها وصيفة أي أعطاها حين سئل الجلوة وزوجها يجليها تجلية وجلى الطائر تجلية إذا أبصر الصيد من مكان بعيد وجل القوم يجلون جلولا وجلا القوم يجلون جلاء إذ اخرجوا من بلد إلى بلد ومنه قيل استعمل فلان على الجالة والجالية وهو أن يجعل على قوم خرجوا من بلد إلى بلد فالجالة من جللت والجالية من جلوت وجل البعر يجله جلا إذا التقطه والجلة البعر والإبل الجلالة التي تأكل الجلة ويقال خرج الاماء يجتللن أي يأخذن الجلة وأنشد لعمر بن لجأ يصف ناقة


( يحسب مجتل الاماء الحرم ** من هدب الضمران لم يحزم )
يحسب أي يكفي
والمجتلة التي تلقط الجلة
وقوله من هدب الضمران أي من بعر ابل رعت هدب الضمران فبعرت وذكر الضمران لأنه من أجود ما يرعى
وقوله لم يحزم أي هو بعر منثور لم يحزم كما يحزم الضمران إذا احتطب
وجل الرجل يجل جلة إذا عظم وغلظ وكذلك الصبي والعود
وابل جلة أي مسنة وقد جلت إذا أسنت ومشيخة جلة أي مسان والواحد جليل
والمجلة صحيفة كان يكتب فيها شيء من الحكم وأنشد بيت النابغة الذبياني
( مجلتهم ذات الإله ودينهم ** قويم فما يرجون غير العواقب )
( قال أبو حاتم يروي مجلتهم ومحلتهم فمن روى مجلتهم أراد الصحيفة ومن روى محلتهم أراد بلادهم الشام
والجلل الصغير اليسير والجليل العظيم وقال أبو نصر والجلل العظيم أيضا وقال أبو بكر بن الانباري وجدت في كتاب أبي عن أحمد بن عبيد عن أبي نصر كان الأصمعي يقول الجلل الصغير اليسير ولا يقول الجلل العظيم قال أبو علي قال الأصمعي لا يقال الجلال إلا في الله عز وجل وقال أبو حاتم وقد يقال وأنشد
( فلا ذا جلال هبنه لجلاله ** ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر )
وجل كل شيء العظيم منه
وقرأت على أبي بكر بن دريد في كتاب الأبواب للأصمعي فعلت ذك من جلل كذا وكذا أي من عظمه في صدري وقال أبو نصر فعلت ذاك لجللك وجلالك أي لعظمتك في صدري وأنشد الأصمعي لجميل
( رسم دار وقفت في طلله ** كدت أقضي الغداة من جلله )
ورويت من غير هذا الوجه تفسير من جلله من أجله ويقال فعلت ذاك من أجلك وجللك وجلالك وأنشد الأصمعي في جلالك
( وغيد نشاوى من كرى فوق شزب ** من الليل قد نبهتهم من جلالكا )


أي من أجلك والجلي الأمر العظيم وجمعها جلل والجليل الثمام واحدته جليلة أنشد الأصمعي
( إلا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** بواد وحولي إذ خر وجليل )
وذكر شيوخنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بلال ينشد هذا البيت فقال حننت يا ابن السوداء ويقال هو ابن جلا أي المنكشف المشهور الأمر وأنشد الأصمعي
( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني )
قال وابن أجلى مثله وأنشد للعجاج
( لا قوا به الحجاج والأصحارا ** به ابن أجلى وافق الأسفارا )
قال ولم أسمع بابن أجلى إلا في بيت العجاج
وقوله لا قوا به أي بذلك المكان وقوله الاصحارا أي وجدوه مصحراو وجدوا به ابن أجلى كما نقول لقيت به الأسد أي كأني لقيت بلقائي إياه الأسد
وقوله وافق الأسفار أي واضحا مثل الصبح وقال غيره عين جلية أي بصيرة قال أبو داود الأيادي
( بل تأمل وأنت أبصر مني ** قصددير السوى بعين جليه )
والجلية أيضا الأمر البين الواضح قال النابغة
( فآب مضلوه بعين جلية ** وغودر بالجولان حزم ونائل )
وقال الأصمعي والجلا انحسار الشعر من مقدم الرأس رجل أجلى وامرأة جلواء وقد جلى يجلى جلا مقصور وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطاح
( ولو خذلت أمواله جود كفه ** لقاسم من يرجوه شطر حياته )
( ولو لم يجد في العمر قسما لزائر ** لجادله بالشطر من حسناته )
وأنشدني بعض أصحابنا لبكر بن النطاح
( وإذا بدا لك قاسم يوم الوغى ** يختال خلت أمامه قنديلا )


وإذا تعرض للعمود وليه ** خلت العمود بكفه منديلا )
( قالوا وينظم فارسين بطعنة ** يوم اللقاء ولا يراه جليلا )
( لا تعجبوا فلو أن طول قناته ** ميل إذا نظم الفوارس ميلا )
وأنشدني بعض أصحابنا له
( يا عصمة العرب التي لو لم تكن ** حيا إذا كانت بغير عماد )
( إن العيون إذا رأتك حدادها ** رجعت من الإجلال غير حداد )
( وإذا رميت الثغر منك بعزمة ** فتحت منه مواضع الأسداد )
( فكأن رمحك منقع في عصفر ** وكأن سيفك سل من فرصاد )
( لو صال من غضب أبو دلف على ** بيض السيوف لذبن في الأغماد )
( أذكى وأوقد للعداوة والقرى ** نارين نار وغى ونار رماد )
وقرأت على أبي بكر بن دريد لليلى الأخيلية وقال لي كان الأصمعي يرويها لحميد ابن ثور الهلالي قال أبو علي فكذا وجدته بخط ابن زكريا وراق الجاحظ في شعر حميد
( يا أيها السدم الملوي رأسه ** ليقود من أهل الحجاز بريما )
( أتريد عمرو بن الخليع ودونه ** كعب إذا لوجدته مرؤما )
( إن الخليع ورهطه في عامر ** كالقلب ألبس جؤجؤا وخريما )
( لا تغزون الدهر آل مطرف ** لا ظالما أبدا ولا مظلوما )
( قوم رباط الخيل وسط بيوتهم ** وأسنة زرق تخال نجوما )
( ومخرق عنه القميص تخاله ** وسط البيوت من الحياء سقيما )
( حتى إذا رفع اللواء رأيته ** تحت اللواء على الخميس زعيما )
( لن تستطيع بأن تحول عزهم ** حتى تحول ذا الهضاب يسوما )
( إن سالموك فدعهم من هذه ** وارقد كفى لك بالرقاد نعيما )


قال أبو علي البريم الخيط فيه سواد وبياض ويقال للقطيع من الغنم إذا كان فيه معز بريم وسألت أبا بكر بن دريد عن معنى قول المتنخل الهذلي
( عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ** ثم استفاؤا وقالوا حبذا الوضح )
فقال يقال عقي بسهم إذا رمى به نحو السماء لا يريد به أحدا وإذا اجتمع الفريقان للقتال ثم بدا لأحد الفريقين وأرادوا الصلح رموا بسهم نحو السماء فعلم الفريق الثاني أنهم يريدون الصلح فتراسلوا في ذلك
واستفاؤا رجعوا عما كانوا عليه
وقالوا حبذا الوضح أي اللبن أي حبذا الإبل والغنم نأخذها في الدية كما قال الآخر
( ظفرت بهجمة سود وحمر ** تسر بما يساء به اللبيب )
أي فرحت بالدية وحدثنا أبو بكر قال حدثنا الحسن بن خضر عن أبيه قال كتب الحسن بن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي أما بعد فإني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال الخير ذي عفة ونزاهة طعمة قد هذبته الآداب وأحكمته التجارب ليس بظنين في رأيه ولا بمطعون في حسبه أن أؤتمن على الأسرار قام بها وإن قلدمهما من الأمور أجزأ فيه له سن مع أدب ولسان تقعده الرزانة ويسكنه الحلم قد فر عن ذكاء وفطنة وعض على قارحة من الكمال تكفيه اللحظة وترشده السكتة قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها وقام في أمورهم فخمد فيها له أناة الوزراء وصولة الأمراء وتواضع العلماء وفهم الفقهاء وجواب الحكماء لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه دلائل الفضل عليه لائحة وأمارات العلم له شاهده مضطلعا بما استنهض مستقلا بما حمل وقد آثرتك بطلبه وحبوتك بارتياده ثقة بفضل اختيارك ومعرفة بحسن تأتيك فكتب إليه إني عازم أن أرغب إلى الله عز وجل حولا كاملا في ارتياد مثل هذه الصفة وأفرق الرسل الثقات في الآفاق لالتماسه وأرجو أن يمن الله بالإجابة فأفوز لديك بقضاء حاجتك والسلام
وأخبرنا أبو عبد الله قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال حدثت عن إسحق بن إبراهيم الموصلي


قال وصف رجل رجلا فقال كان والله سمحا سحا يمر سهلا بينه وبين القلب نسب وبين الحياة سبب إنما هو عيادة مريض وتحفة قادم وواسطة قلادة قال أبو عبد الله وحدثنا أبو العباس قال وصف أعرابي رجلا فقال كان والله مطلول المحادثة ينبذ إليك الكلام على أدراجه كأن في كل ركن من أركانه قلبا يقد قال أبو علي يعني مستحدث الحديث
وقال يعقوب بن السكيت يقال ما بالدار أحد وما بها دوي ودعوى وطهوى ودبي ولاعى قرو قال أبو علي وقال لى الغالبي قال لنا ابن كيسان دوي منسوب إلى الداوية وقال اللحياني دعوى من دعوت ودبي من دببت وزاد نمى من نمت الأصمعي يقال ما بالدار عريب قال أبو علي معناه معرب أي ما بها أحد قال عبيد
( فعردة فقفا حبر ** ليس بها منهم عريب ) وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس
( أميم أمنك الدار غيرها البلى ** وهيف بجولان التراب لعوب )
( بسابس لم يصبح ولم يمس ثاويا ** بها بعد بين الحي منك عريب )
وما بها دبيج ودبيج فعيل من الدبج وهو النقش والتزييني وأصله فارسي مأخوذ من الديباج وأنشد ابن الأعرابي
( هل تعرف المنزل من ذات الهوج ** ليس بها من الأنيس دبيج )
وما بها دوري وقال اللحياني دوري ودؤري يهمز ولا يهمز قال أبو علي دوري منسوب إلى الدور فأما دؤري بالهمز فهو عندنا غلط وما بها طوري قال أبو علي منسوب إلى الطورة وفي بعض اللغات الطيرة
وما بها وابر وما بها نافخ ضرمة وما بها صافر وما بها ديار وأنشد غيره لجرير
( وبلدة ليس بها ديار ** تنشق في مجهولها الأبصار )


وقال اللحياني وما بها أرم على فعل
وقال أبو زيد ما بها أرم ولا أريم على فعيل وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري
( تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ** فما يحس عليها منهم ارم )
وقال ابن الأعرابي ما بها آرم على فاعل وما بها أيرمي وإرمى وقال اللحياني ما بها وابن ووابر وأنشد ابن الأعرابي
( يمينا أرى من آل زبان وابرا ** فيفلت مني دون منقطع الحبل )
وقال ابن الأعرابي وما بها أمر
وقال الأصمعي والكسائي وما بها شفر وأنشدني ابن الأنباري
( فوالله لا تنفك منا عداوة ** ولا منهم ما دام من نسلنا شفر )
وقال اللحياني ما بها شفر ولا شفر
وقال غيره ما بها طؤوي على مثال قولك طعوي وأم بها طوئي على مثال طوعي وأنشدني أبو بكر بن دريد وأبو بكر بن الأنباري للعجاج
( وبلدة ليس بها طوئي ** ولا خلا الجن بها إنسي ) وزاد اللحياني ما بها طاوي غير مهموز
أبو زيد ما بها تأمور مهموز أي ما بها أحد ويقال ما في الركية تأمور يعني الماء وهو قياس على الأول
الأصمعي ما بها كراب ولا كتيع أنشدني ابن الانباري
( أجد الحي فاحتملوا سراعا ** فما بالدار اذ ظعنوا كتيع )
ولا بها داري قال الأصمعي وأبو عمرو الداري الذي لا يبرح ولا يطلب معاشا قال الراجز
( لبث قليلا يلحق الداريون ** ذوو الجباب البدن المكفيون )
( سوف ترى أن حضروا ما يغنون ** )
وحقيقته انه منسوب إلى الدار للزومه لها
وحكى يعقوب عن غيرهم ما بها عين ولا عين وقال الأصمعي العين الجماعة وأنشد


( إذا راني واحدا أو في عين ** يعرفني أطرق إطراق الطحن )
والطحن دويبة تكون في الرمل مثل العظاءة وزاد أبو عبيد عن الفراء ما بها عائن وزاد اللحياني ما بها عائنة وقال غيره ما بها طارف ولا أنيس وقال اللحياني ما بها تامور ولا تومور وقال ابن الأعرابي ما بها عائرة عينين وقال غيره يقال أن له من المال عائرة عينين أي مال يعير فيه البصر ههنا وههنا من كثرته
وقال أبو عبيدة عليه مال عائرة عين يقال هذا للكثير لأنه من كثرته يملأ العينين حتى يكاد يفقؤهما من كثرته
وسألت أبا بكر عن معنى قول المتنخل
( لكن كبر بن هند يوم ذلكم ** فتخ الشمائل في أيمانهم روح )
فقال فتخ الشمائل مفتوخة الشمائل لأنهم قد أمسكوا بها الدرق وأصل الفتخ اللين والاسترخاء وقوله في إيمانهم روح أي تباعد عن الجنب لأنهم قد رفعوها بالسيوف وأمالوها للضرب وأنشدنا أبو بكر قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه
( العهد عهدان فعهد امرئ ** يأنف أن يغدر أو ينقضا )
( يرعى بظهر الغيب اخوانه ** حفظا ويستقبلهم بالرضا )
( لو قابل السيف على حده ** في بعض ما فيه أخوه مضى )
( وعهد ذي لونين ملالة ** يوشك إن ودك أن يبغضا )
( ليس له صبر على صاحب ** إلا قليلا ريث أن يرفضا )
( خلته مثل الخضاب الذي ** بينا تراه قانيا إذ نضا )
( إن لم تزره قال قد ملني ** و ى بالحرى إن زرت أن يعرضا )
( فان أسا يوما فعاتبته ** قال عفا ربك عما مضا )
( ولن تراه الدهر في حالة ** الأعبوس الوجه قد حمضا )
قال أبو علي أنشدنا أبو بكر عن أبي حاتم
( وإن سعيد الجد من بات ليلة ** وأصبح لم يؤشب ببعض الكبائر )


( فمولاك لا يهضم لديك فإنما ** هضيمة مولى المرء جدع المناخر )
( وجارك لا يذممك إن مسبة ** على المرء في الأدنين ذم المجاور )
( وإن قلت فاعلم ما تقول فأنه ** إلى سامع ممن يغادي وآثر )
( فإنك لا تستطيع رد مقالة ** شأتك وزلت عن فكاهة فاغر )
( كما ليس رام بعد إرسال سهمه ** على رده قبل الوقوع بقادر )
( إذا أنت عاديت الرجال فلا تزل ** على حذر لا خير في غير حاذر )
( ومن لا يصانع في أمور كثيرة ** يضرس بأنياب ويوطأ بحافر )
( ترى المرء مخلوقا وللعين حظها ** وليس بأحناء الأمور بخابر )
( فذاك كماء البحر لست مسيغه ** ويعجب منه ساجيا كل ناظر )
( وتلقى الأصيل الفاضل الرأي جسمه ** إذا ما مشى في القوم ليس بقاهر )
( كذلك جفن رث عن طول مكثه ** على حد مفتوق الغرارين باتر )
( وعاش بعينيه لما لا يناله ** كساع برجليه لإدراك طائر )
( ومستنزل حربا على غير ثروة ** كمقتحم في البحر ليس بماهر )
( وملتمس ودا لمن لا يوده ** كمعتذر يوما إلى غير عاذر )
( ومتخذ عذرا فعاد ملامة ** كوالي اليتامى مالهم غير وافر )
( فسارع إذا سافرت في الحمد وأعلمن ** بأن ثناء الركب حظ المسافر )
( وطاوعهم فيما أرادوا وقل لهم ** فدي للذي رمتم كلال الأباعر )
( فإن كنت ذاحظ من المال فالتمس ** به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر )
( فإني رأيت المال يفنى وذكره ** كظل يقيك الظل حر الهواجر )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري
( سميت معنا بمعن ثم قلت له ** هذا سمي فتى في الناس محمود )
( أنت الجواد ومنك الجود أوله ** فإن فقدت فما جود بموجود )


( من نور وجهك تضحي الأرض مشرقة ** ومن بنانك يجري الماء في العود )
( أضحت يمينك من جود مصورة ** لا بل يمينك منها صورة الجود )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال ولى جعفر بن سليمان أعرابيا بعض مياههم فخطبهم يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا دار بلاغ والآخرة دار قرار فخذوا والمقركم من ممركم ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها حييتم ولغيرها خلقتم أن الرجل إذا هلك قال الناس ما ترك وقالت الملائكة ما قدم فالله آباؤكم قدموا بعضا يكن لكم قرضا ولا تخلفوا كلا لكن عليكم كلا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قلت لأعرابي ما تقول في المراء قال ما عسى أن أقول في شيء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة أقل ما فيه أن يكون دربة للمغالبة والمغالبة من أمتن أسباب الفتنة وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو والحسن بن خضر عن حماد بن اسحق الموصلي قال سمعت أبي يقول قال رجل من العجم لملك كان في دهره أوصيك بأربع خلال ترضي بهن ربك وتصلح بهن رعيتك لا يغرنك إرتقاء السهل إذا كان المنحدر وعرا ولا تعدن عدة ليس في يدك وفاؤها وأعلم أن لله نقمات فكن على حذر وأعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب
وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر
( وعازب قد علا التهويل جنبته ** لا تنفع النعل في رقراقه الحافي )
( باكرته قبل أن تلغى عصافره ** مستخفيا صاحبي وغيره الخافي )
عازب بعيد لا يأتيه أحد
والتهاويل الألوان المختلفة من الحمرة والشقرة والصفرة
والجنبة ضرب من النبات
وقوله لا تنفع النعل يقول لا تنفعه النعل من كثرة نداه
ورقراقه ما ترقرق منه
وتلغى تصيح وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان هارون الرشيد كثيرا ما يستنشد أبي لعبد الله بن مصعب


( وإني وإن أقصرت عن غير بغضة ** لراع لأسباب المودة حافظ )
( وما زال يدعوني إلى الصرم ما أرى ** فآبى وتثنيني عليك الحفائظ )
( وأنتظر الإقبال بالود منكم ** وأصبر حتى أوجعتني المغايظ )
( وأنتظر العتبى وأغضى على القذى ** ألاين طورا مرة وأغالظ )
( وجربت ما يسلى المحب عن الصبا ** فأقصرت والتجريب للمرء واعظ )
وأنشدني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد قال أنشدني أحمد بن عبيد الجوهري قال أنشدت لمخلد الموصلي
( أقول لنضو أنفذ السيرنيها ** فلم يبق منها غير عظم مجلد )
( خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ** وشاقك تحنان الحمام المغرد )
( فمرت حذارا خوف دعوة عاشق ** تشق بي الظلماء في كل فدفد )
( فلما ونت في السير ثنيت دعوتي ** فكانت لها سوطا إلى ضحوة الغد )
وقرأت على أبي بكر بن دريد قصيرة ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن محرب وأملاها علينا الأخفش وأولها في الروايتين
ولي ابن عم على ما كان من خلق
وقرأنا على أبي بكر بن الأنباري فزادنا عن أبيه عن أحمد بن عبيد قبل هذا البيت الأول أبياتا أولها
( يا من لقلب طويل البث محزون ** أمسى تذكر ريا أم هارون )
( أمسى تذكرها من بعد ما شحطت ** والدهر ذو غلظة حينا وذو لين )
( فان يكن حبها أمسى لنا شجنا ** وأصبح الوأى منها لا يواتينى )
( فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا ** أطيع ريا و ريا لا تعاصينى )
( نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم ** بصادق من صفاء الود مكنون )
( ولى ابن عم على ما كان من خلق ** مختلفان فأقليه ويقليني )


( أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ** فخالني دونه بل خلته دوني )
( لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ** عني ولا أنت دياني فتخزوني )
( ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ** ولا بنفسك في العزاء تكفيني )
( فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ** فإن ذلك مما ليس يشجيني )
( ولا يرى في غير الصبر منقصة ** وما سواه فإن الله يكفيني )
( لولا أواصر قربى لست تحفظها ** ورهبة الله في مولى يعاديني )
( إذا بريتك بريا لا انجبار له ** إني رأيتك لا تنفك تبريني )
( إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ** إن كان أغناك عني سوف يغنيني )
( ألله يعلمني والله يعلمكم ** والله يجزيكم عني ويجزيني )
( ماذا على وان كنتم ذوي رحمي ** أن لا أحبكم إذ لم تحبوني )
( لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ** ولا دماؤكم جمعا ترويني )
( ولي ابن عم لو أن الناس في كبد ** لظل محتجرا بالنبل يرميني )
( يا عمرو وإن لا تدع شتمي ومنقصتي ** أضربك حيث تقول الهامة اسقوني )
( عنى إليك فما أمي براعية ** ترعى المخاض ولا رأيى بمغبون )
( إني أبي أبي ذو محافظة ** وابن أبى أبى من أبيين )
( لا يخرج القسر مني غير مأبية ** ولا ألين لمن لا يبتغي ليني )
( عف ندود إذا ما خفت من بلد ** هونا فلست بوقاف على الهون )
( كل امرئ صائر يوما لشيمته ** وإن تخلق أخلاقا إلى حين )
( والله لو كرهت كفى مصاحبتي ** لقلت إذ كرهت قربي لها بيني )
( إني لعمرك ما بابي بذي غلق ** عن الصديق ولا خيري بممنون )
( وما لساني على الأدنى بمنطلق ** بالمنكرات ولا فتكي بمأمون )


( عندي خلائق أقوام ذوي حسب ** وآخرين كثير كلهم دوني )
( وأنتم معشر زيد على مائة ** فأجمعوا أمركم طرا فكيدوني )
( فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا ** وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني )
( يا رب ثوب حواشيه كأوسطه ** لا عيب في الثوب من حسن ومن لين )
( يوما شددت على فرغاء فاهقة ** طورا من الدهر تارات تماريني )
( قد كنت أعطيكم ما لي وأمنحكم ** ودي على مثبت في الصدر مكنون )
( يا رب حي شديد الشغب ذي لجب ** دعوتهم راهن منهم ومرهون )
( رددت باطلهم في رأس قائلهم ** حتى يظلوا جميعا ذا أفانين )
( يا عمرو لو لنت لي ألفيتني يسرا ** سمحا كريما أجازي من يجازيني )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال قال معاوية لصعصعة بن صوحان صف لي الناس فقال خلق الناس أخيافا فطائفة للعبادة وطائفة للتجارة وطائفة خطباء وطائفة للبأس والنجدة
ورجرجة فيما بين ذلك يكدرون الماء ويغلون السعر ويضيقون الطريق
قال أبو علي الرجرجة شرار الناس ورذالهم وأصل الرجرجة الماء الذي قد خالطه لعاب وجمعه رجارج قال هميان بن قحافة
( فأسأرب في الحوض حضجا حاضجا ** قد عاد من أنفاسها رجارجا )
وقال اللحياني الرجرج اللعاب قال ابن مقبل
( كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ** ورجرج بين لحييها خناطيل )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال كان قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النعمان اللخمي بالعراق وسنة إلى الحرث بن أبي شمر الغساني بالشام فقال له يوما وهو عنده يا ابن رفاعة بلغني أنك تفضل النعمان علي قال وكيف افضله عليك أبيت اللعن فوالله لقفاك أحسن من وجهه ولأمك أشرف من أبيه ولأبوك


أشرف من جميع قومه ولشمالك أجود من يمينه ولحرمانك أنفع من نداه ولقليلك أكثر من كثيره ولثمادك أغزر من غديره ولكرسيك أرفع من سريره ولجدولك اغمر من بحوره وليومك أفضل من شهوره ولشهرك أمد من حوله ولحولك خير من حقبه ولزندك أورى من زنده ولجندك أعز من جنده وإنك لمن غسان أرباب الملوك وإنه لمن لخم الكثيري النوك فكيف أفضله عليك وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال حدثني عبد الله بن شبيب قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال قال معاوية لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين غير مرة فما يمنعني من الانهزام إلا أبيات ابن الأطنابة
( أبت لى عفتي وأبى بلائي ** وأخذي الحمد بالثمن الربيح )
( وإعطائي على الإعدام مالي ** وضربي هامة البطل المشيح )
( وقولي كلما جشأت وجاشت ** رويدك تحمدي أو تستريحي )
( لأدفع عن مآثر صالحات ** وأحمي بعد عن عرض صحيح )
قال أبو علي المشيح المبادر المنكمش ويقال بطل مشيح أي حامل وقال الأصمعي شايحت في لغة تميم وقيس حاذرت وفي لغة هذيل جددت في الأمر وحدثنا أبو بكر عن أبي حاتم عن أبي زيد عن المفضل الضبي قال كنت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صاحب أبي جعفر في اليوم الذي قتل فيه فلما رأى البياض يقل والسواد يكثر قال لي يا مفضل أنشدني شيأيهون علي بعض ما أرى فأنشدته
( إلا أيها الناهي فزارة بعدما ** أجدت لغز وإنما أنت حالم )
( أرى كل ذي تبل يبيت بهمه ** ويمنع منه النوم إذا أنت نائم )
( قعوا وقعة من يحي لم يخز بعدها ** وإن يخترم لم تتبعه الملاوم )
قال فرأيته يتطالل على سرجه ثم حمل حملة كانت آخر العهد به وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبي سعيد المخزومي


( من لي برد الصبا واللهو والغزل ** هيهات ما فات من أيامك الأول )
( طوى الجديدان ما قد كنت أنشره ** وأنكرتني ذوات الأعين النجل )
( وقد نهاني النهى عنها وأدبني ** فلست أبكي على رسم ولا طلل )
( ما لي وللدمنة البوغاء أندبها ** وللمنازل من خوف ومن ملل )
( متى ينال الفتى اليقظان همته ** إذ المقام بدار اللهو والغزل )
( في الخيل والخافقات السود لي شغل ** ليس الصبابة والصهباء من شغلى )
( ما كان لي أمل في غير مكرمة ** والنفس مقرونة بالحرص والأمل )
( ذنبي إلى الخيل كرى في جوانبها ** إذا مشى الليث فيها مشى مختبل )
( ولي من الفيلق الجأواء غمرتها ** إذا تقحمها الأبطال بالحيل )
( كم جأنب خشن صبحت عارضه ** بعارض للمنايا مسبل هطل )
( وغمرة خضت أعلاها وأسفلها ** بالضرب والطعن بين البيض والأسل )
( سل الجرادة عني يوم تحملني ** هل فاتني بطل أو خمت عن بطل )
( وهل شآني إلى الغايات سابقها ** وهل فزعت إلى غير القنا الذبل )
( ما لي أرى ذمتي يستمطرون دمى ** ألست أولاهم بالقول والعمل )
( كيف السبيل إلى ورد خبعثنة ** طلائع الموت في أنيابه العصل )
( وما يريدون لولا الحين من أسد ** بالليل مشتمل بالجمر مكتحل )
( لا يشرب الماء إلا من قليب دم ** ولا يبيت له جار على وجل )
( لولا الإمام ولولا حق طاعته ** لقد شربت دما أحلى من العسل )
وقرأت على أبي بكر بن دريد للفند الزماني واسمه سهل بن شيبان
( صفحنا عن بني ذهل ** وقلنا القوم إخوان )
( عسى الأيام أن يرجعن قوما كالذي كانوا ** )


( فلما صرح الشر ** فأمسى وهو عريان )
( ولم يبق سوى العدوان ** دناهم كما دانوا )
( مشينا مشية الليث ** غدا والليث غضبان )
قال أبو علي يروي عدا وغدا بالعين والغين ويروي شددنا شدة الليث فمن روى شددنا فالأجود عدا بالعين غير المعجمة ومن روى مشينا فالأجود غدا بالغين المعجمة
( بضرب فيه توهين ** وتخضيع وإقران )
وأنشدنا أبو بكر عن أبيه عن أبي رسم مستملي يعقوب هذا البيت
( بضرب فيه تأييم ** وتفجيع وإرنان )
( وطعن كفم الزق ** غدا والزق ملآن )
( وفي الشر نجاة حين ** لا ينجيك إحسان )
( وبعض الحلم عند الجهل ** للذلة إذعان )
وقرأت عليه لأبي الغول الطهوي وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه إلى آخر بيت فيه
( فدت نفسي وما ملكت يميني ** فوارس صدقوا فيهم ظنوني )
( فوارس لا يملون المنايا ** إذا دارت رحى الحرب الزبون )
( ولا يجزون من حسن بسئ ** ولا يجزون من غلظ بلين )
( ولا تبلى بسالتهم وإن هم ** صلوا بالحرب حينا بعد حين )
( هم منعوا حمى الوقبى بضرب ** يؤلف بين أشتات المنون )
( فنكب عنهم درء الأعادي ** وداووا بالجنون من الجنون )
( ولا يرعون أكناف الهوينا ** إذا حلوا ولا روض الهدون )
وحدثني أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال رأيت رجلا بالجفر من بني العنبر به لوثة بل هوج ظاهر أحفظ خلق الله للشعر وكان إذا قال له قائل أنشدنا تنمر له


وشتمه وإذا أنشد وحدث اندفق منه ثبج بحر مع فصاحة وحسن انشاد فأنشدني يوما من غير أن أستنشده
فدت نفسي وما ملكت يميني
الأبيات كلها
وحدثنا أبو بكر عن أبي حاتم قال لم يرث أحد قتيلا قتله قومه إلا قيس بن زهير فإنه رثى حذيفة بن بدر وبنو عبس تولت قتله
( ألم تر أن خير الناس أضحى ** على جفر الهباءة ما يريم )
( ولولا بغيه ما زلت أبكي ** عليه الدهر ما بدت النجوم )
( ولكن الفتى حمل بن بدر ** بغى والبغي مرتعه وخيم )
( أظن الحلم دل علي قومي ** وقد يستجهل الرجل الحليم )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال نزلت على امرأة من بني عامر بن صعصعة وقد مات ابن لها وهي من القلق على مثل الرضفة فقامت تعالج لى طعاما فقلت لها يا هذه إنك لفي شغل عن هذا فقالت والله لا تجوز بيتي إلا مقريا ولكن أنشدني أبياتا أسلو بهن فإني أراك لو ذعيا فأنشدتها أبيات نويرة بن حصين المازني يرثي ابنه
( إني أرى للشامتين تجلدي ** وإني كالطاوي الجناح على كسر )
( يرى واقعا لم يدر ما تحت ريشه ** وإن ناء لم يسطع نهوضا إلى وكر )
( فلولا سرور الشامتين بكبوتي ** لما رقأت عيناي من واكف يجري )
( على من كفاني والعشيرة كلها ** نوائب ريب الدهر في عثرة الدهر )
( ومن كانت الجارات تأمن ليله ** إذا خفن من باتت غوائله تسري )
( بصير بما فيه لهن حصانة ** غبي عن المحجوب بالباب والستر )
( يكف أذاه بعد ما بذل عرفه ** ويحلم حلما لا يذم ولا يزرى )
( ويأخذ ممن رام بالهصر هيضه ** إذا ما أراد الأخذ بالهصر والقسر )
( ولا ينظر الأيسار أن نال يسره ** ولا ينثني عن فعل خير لدي العسر )


( ولا يتأرى للعواقب أن رأي ** له فرصة يشفى بها وحر الصدر )
( ولكنه ركاب كل عظيمة ** يضيق بها صدر الحسود على الأمر )
( ولست وإن خبرت أن قد سليته ** بناس أبا سوداء إلا على ذكر )
( شمائل منه طيبات يعدنني ** وأخلاق محمود لدى الزاد والقدر )
( فتى شعشع يروي السنان بكفه ** ويجمع للمولى العطاء مع النصر )
قال فكأني والله زبرت الأبيات في صدرها فما زالت تنشدها وتصلح طعامي حتى قرتني ورحت من عندها وقرأت على أبي بكر لقيس بن زهير
( شفيت النفس من حمل بن بدر ** وسيفي من حذيفة قد شفاني )
( فإن أك قد بردت بهم غليلي ** فلم أقطع بهم إلا بناني )
وقال وقرأت عليه للحرث بن وعلة الجرمي
( قومي هم قتلوا أميم أخي ** فإذا رميت يصيبني سهمي )
( فلئن عفوت لأعفون جللا ** ولئن سطوت لأوهنن عظمي )
( لا تأمنن قوما ظلمتهم ** وبدأتهم بالشغم والرغم )
( أن يأبروا نخلا لغيرهم ** والشيء تحقره وقد ينمي )
( وزعمتم أن لا حلوم لنا ** إن العصا قرعت لذي الحلم )
( ووطئتنا وطأ على حنق ** وطء المقيد نابت الهرم )
( وتركتنا لحما على وضم ** لو كنت تستبقي من اللحم )
وقرأت عليه لأعرابي قتل أخوه أبنه فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وهو يقول
( أقول للنفس تأساء وتعزية ** إحدى يدي أصابتني ولم ترد )
( كلاهما خلف من فقد صاحبه ** هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي )


وأملاهما علينا نفطويه
وأنشدنا أبو بكر عن أبي عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة لهشام أخي ذي الرمة
( تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ** عزاء وجفن العين ملأن مترع )
( نعى الركب أوفى حين وافت ركابهم ** لعمري لقد جاؤا بشر وأوجعوا )
( نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه ** تكاد الجبال الصم منه تصدع )
( خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ** وأمسى بأوفي قومه قد تضعضعوا )
( فلم ينسني أوفى المصبيات بعده ** ولكن نكء القرح بالقرح أوجع )
قال أبو علي قال أبو نصر يقال كان ذلك في غرارتي وحدثتي أي في غرتي وعيش غريرا إذا كان لا يفزع أهله وامرأة غريرة إذا لم تجرب الأمور ورجل غرو امرأة غر إذا كانا غير مجربين للأمور ويقال ما غرك بفلان أي كيف اجترأت عليه قال الله عز وجل { ما غرك بربك الكريم } ويقال من غرك من فلان أي من أوطأك عشوة وفي عشوة ثلاث لغات يقال عشوة وعشوة وعشوة ويقال أنا غريرك من فلان أي لن يأتيك منه ما تغتر به كأنه قال أنا القيم لك بذاك ويقال أتانا على غرار وغشاش أي على عجلة ويقال ما نومه إلا غرار أي قليل ويقال غارت الناقة تغار غرارا إذا رفعت لبنها والغرور مكاسر الجلد واحدها غر قال دكين بن رجاء الفقيمي
( كأن غرمتنه إذ تجنبه ** سير صناع في خريز تكلبه )
يعني أن تثني الشعرة أو الليفة ثم تدخل السير في ثني الشعرة المثنية ثم تجذبه فتخرج السير مع الشعرة وزعموا أن رؤبة بن العجاج اشترى ثوبا من بزاز فلما استوجبه قال اطوه على غره أي على كسورطيه ويقال ضرب نصله على غرار واحد أي على مثال واحد قال الهذلي
( سديد العير لم يدحض عليه الغرار ** فقدحه زعل دروج )
ويقال ليت هذا اليوم غرار شهر في الطول أي مثال شهر في الطول والغرار أن ما عن


يمين النضل وشماله وغرار السيف حده قال الأصمعي يقال بنى بنو فلان بيوتهم على غرار واحد أي على سطر واحد
ويقال غر الطائر فرخه يغره غرا إذا زقه وقرأت على أبي بكر للشماخ
( ولما رأيت الأمر عرش هوية ** تسليت حاجات الفؤاد بشمرا )
قوله ولما رأيت الأمر عرش هوية مثل
والعرش الخشب الذي يطوى به أعلى البئر قال أبو زيد البئر المعروشة التي طويت قدر قامة من أسفلها بالحجارة ثم طوى سائرها بالخشب وحده وذلك الخشب هو العرش قال الأصمعي المعروشة المطوية بالخشب والساقي إذا قام على العرش فهو على خطر أن زلق وقع في البئر
والهوية البئر يقول لما رأيت الأمر شديدا ركبت شمر وشمر اسم ناقته
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد المهلبي قال قيل للهلب إن فلانا عين للخوارج في عسكرك وإنه يتكفن بالسلاح إذا دعوا للحرب ليغتالك ويلحق بالخوارج فبعث إليه فأتي به فقال له قد تقرر عندنا كيدك لنا ولم نقدم من أمرك على ما عزمنا عليه إلا بعد ما لم يدع اليقين للشك معترضا فاختر أي قتلة تحب أن أقتلك فقال سيف مجهز أو عطفة كريم محتقر لضغن ذوي الضغائن قال فإنها عطفة كريم محتقر للذنوب فخلى سبيله فكان بعد ذلك من أوثق أصحابه عنده وحدثنا أيضا قال حدثنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قال أوفد المهلب كعب بن معدان الأشعري حين هزم عبد ربه الأصغر وأجلى قطريا حتى أخرجه من كرمان نحو أرض خراسان فقال له الحجاج كيف كانت محاربة المهلب للقوم قال كان إذا وجد الفرصة سار كما يسور الليث وإذا دهمته الطحمة راغ كما يروغ الثعلب وإذا ماده القوم صبر صبر الدهر قال وكيف كان فيكم قال كان لنا منه اشفاق الوالد الحدب وله منا طاعة الولد البر قال فكيف أفلتكم قطري قال كادنا ببعض ما كدناه به والأجل أحصن جنة وأنفذ عدة قال فكيف اتبعتم عبد ربه وتركتموه قال آثرنا الحد على الفل وكانت سلامة الجند أحب إلينا من شجب العدو فقال له الحجاج أكنت أعددت هذا


الجواب قبل لقائي قال لا يعلم الغيب إلا الله وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو حاتم قال أتيت أبا عبيدة ومعي شعر عروة بن الورد فقال لي ما معك فقلت شعر عروة فقال فارغ حمل شعر فقير ليقرأه على فقير فقلت له ما معي غيره فأنشدني أنت ما شئت فأنشدني
( يا رب ظل عقاب قد وقيت بها ** مهري من الشمس والأبطال تجتلد )
( ورب يوم حمى أرعيت عقوته ** خيلي اقتصارا وأطراف القناقصد )
( ويوم لهو لأهل الخفض ظل به ** لهوى اصطلاء الوغى وناره تقد )
( مشهرا موقفي والحرب كاشفة ** عنها القناع وبحر الموت يطرد )
( ورب هاجرة تغلي مراجلها ** مخرتها بمطايا غارة تخد )
( تجتاب أودية الأفزاع آمنة ** كأنها أسد تقتادها أسد )
( فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمدا ** على الطعان وقصر العاجز الكمد )
( ولم أقل لم أساق الموت شاربه ** في كأسه والمنايا شرع ورد )
ثم قال هذا الشعر لا ما تعللون به أنفسكم من أشعار المخانيث قال أبو بكر والشعر لقطري ابن الفجاءة وحدثنا قال حدثنا أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل الضبي قال دخلت على المهدي فقال لي قبل أن أجلس أنشدني أربعة أبيات لا تزد عليهن وعنده عبد الله ابن مالك الخزاعي فأنشدته
( وأشعث قدقد الشفار قميصه ** يجر شواء بالعصا غير منضج )
( دعوت إلى ما نابني فأجابني ** كريم من الفتيان غير مزلج )
( فتي يملأ الشيزى ويروى سنانه ** ويضرب في رأس الكمي المدجج )
( فتي ليس بالراضي بأدنى معيشة ** ولا في بيوت الحي بالمتولج )
فقال المهدي هو هذا وأشار إلى عبد الله بن مالك فلما انصرفت بعث إلي بألف دينار وبعث إلي عبد الله بأربعة آلاف درهم وقرأت على أبي بكر لعبد الرحمن بن زيد


( يؤسى عن زيادة كل حي ** خلي ما تأوبه الهموم )
( فلو كنت القتيل وكان حيا ** لطالب لا ألف ولا سؤم )
( ولا هيابة بالليل نكس ** ولا ضرع إذا أمسى نؤوم )
( وكيف تجلد الأقوام عنه ** ولم يقتل به الثار المنيم )
( غشوم حين يبصر مستقاد ** وخير الطالبي الترة الغشوم )
وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد قال أنشدنا الزبير لأبي الهيذام المرى في أخيه
( سأبكيك بالبيض الرقاق وبالفنا ** فإن بها ما يدرك الماجد الوترا )
( ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ** يعصرها من جفن مقتله عصرا )
( وإنا أناس ما تفيض دموعنا ** على هالك منا وإن قصم الظهرا )
وأنشدنا أبو بكر بن الانباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى
( ولقد رأيت مطية معكوسة ** تمشي بكلكلها وتزجيها الصبا )
( ولقد رأيت سبيئة من أرضها ** تسبى القلوب وما تنيب إلى هوى )
( ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ** تثنى معطفة إذا ما تجتلى )
( ولقد رأيت جواريا بمفازة ** تجري بغير قوائم عند الجرا )
( ولقد رأيت غضيضة هركولة ** رود الشباب غريرة عادت فتى )
( ولقد رأيت مكفرا ذا نعمة ** جهدوه بالأعمال حتى قد ونى )
قال أبو العباس المطية المعكوسة سفينة
والسبيئة من أرضها خمر
والخيل أو أشباهها
عنى بها تصاوير في وسائد
وجواريا بمفازة عني بهن السراب
والغضيضة الهركولة امرأة
وعادت من العيادة
ومكفر إذا نعمة عنى به السيف وأنشدنا أبو بكر بن السراج لعلي بن العباس الرومي
( خجلت خدود الورد من تفضيله ** خجلا توردها عليه شاهد )


( لم يخجل الورد المورد لونه ** إلا وناحله الفضيلة عاند )
( للنرجس الفضل المبين وإن أبى ** آب وحاد عن الطريقة حائد )
( فصل القضية أن هذا قائد ** زهر الرياض وأن هذا طارد )
( شتان بين اثنين هذا موعد ** بتسلب الدنيا وهذا واعد )
( وإذا احتفظت به فأمتع صاحب ** بحياته لو أن حيا خالد )
( ينهى النديم عن القبيح بلحظه ** وعلى المدامة والسماع مساعد )
( أطلب بعيشك في الملاح سميه ** أبدا فإنك لا محالة واجد )
( والورد أن فتشت فرد في اسمه ** ما في الملاح له سمي واحد )
( هذي النجوم هي التي ربتهما ** بحيا السحاب كما يربي الوالد )
( فتأمل الأخوين من أدناهما ** شبها بوالده فذاك الماجد )
( أين الخدود من العيون نفاسة ** ورياسة لولا القياس الفاسد )
وأنشدني أبو المياس قال أنشدني الأخيطل لنفسه بواسط
( سقيا لأرض إذا ما شئت نبهني ** بعد الهدوء بها قرع النواقيس )
( كأن سوسنها في كل شارقة ** على الميادين أذناب الطواويس )
وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدنا الزبير
( نجوم وأقمار من الزهر طلع ** لذي اللهو في أكنافها متمتع )
( نشاوى تثنيها الرياح فتنثني ** ويلثم بعض بعضها ثم ترجع )
( كأن عليها من مجاجة ظلها ** لآلئ إلا أنها هي ألمع )
( ويحدرها عنها الصبا فكأنها ** دموع مراها البين والبين يفجع )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو عثمان عن سعيد بن مسعدة الأخفش قال اعتذر رجل من العرب إلى بعض ملوكهم فقال إن زلني وإن كانت قد أحاطت بحرمتي فإن فضلك يحيط بها وكرمك يوفي عليها ثم قال


( إني إليك سلمت كانت رحلتي ** أرجو الإله وصفحك المبذولا )
( إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي ** فأحط بذنبي عفوك المأمولا )
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان قال حدثنا أبو قلابة الجرمي قال تخلفت عن حلقة العتبي أياما فكتب إلي تركتنا ترك رجل أوحده جرم أو أغناه علم فإن كان عن جرم فعن غير إرادة بقلب ولا تعمد بلسان وإن كان عن علم غنيت به فتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن العتبي قال قال عبد الله بن على بعد قتله من قتل من بني أمية لاسمعيل بن عمرو بن سعيد بن العاصي أساءك ما فعلت بأصحابك فقال كانوا يدا فقطعتها وعضدا ففتتها ومرة فنقضتها وركنا فهدمته وجناحا فهضته فقال إني الخليق أن ألحقك بهم قال إني إذا لسعيد
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن العتبي قال تذاكر قوم في مجلس الأحنف الطعام والنساء فقال الأحنف جنبوا مجالسكم النساء والطعام فإني أكره للرجل السري أن يكون وصافا لبطنه وقد عرف ما يحور إليه ولفرجه وقد علم أين مجلسه قال أبو علي وقرأت على أبي بكر للسمو أل بن عادياء اليهودي
( إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ** فكل رداء يرتديه جميل )
( إذا المرء لم يحمل على النفس ضيمها ** فليس إلى حسن الثناء سبيل )
( تعيرنا أنا قليل عديدنا ** فقلت لها أن الكرام قليل )
( وما قل من كانت بقاياه مثلنا ** شباب تسامى للعلى وكهول )
( وما ضرنا أنا قليل وجارنا ** عزيز وجار الأكثرين ذليل )
( لنا جبل يحتله من نجيره ** منيع يرد الطرف وهو كليل )
( رسا أصله تحت الثرى وسما به ** إلى النجم فرع لا يرام طويل )
( وأنا لقوم ما نرى القتل سبة ** إذا ما رأته عامر وسلول )


( يقرب حب الموت آجالنا لنا ** وتكرهه آجالهم فتطول )
( وما مات منا سيد حتف أنفه ** ولا طل منا حيث كان قتيل )
قال أبو علي وهذا مثل قول عمرو بن شأس
( لسنا نموت على مضاجعنا ** بالليل بل أدواؤنا القتل )
( تسيل على حد الظبات نفوسنا ** وليست على غير السيوف تسيل )
( صفونا فلم نكدر وأخلص سرنا ** إناث أطابت حملنا وفحول )
( علونا إلى خير الظهور وحطنا ** لوقت إلى خير البطون نزول )
( فنحن كماء المزن ما في نصابنا ** كهام ولا فينا يعد بخيل )
( وننكر أن شئنا على الناس قولهم ** ولا ينكرون القول حين نقول )
( إذا سيد منا خلا قام سيد ** قؤول لما قال الكرام فعول )
( وما اخمدت نار لنا دون طارق ** ولا ذمنا في النازلين نزيل )
( وأيامنا مشهورة في عدونا ** لها غرر معلومة وحجول )
( وأسيافنا في كل غرب ومشرق ** بها من قراع الدارعين فلول )
( معودة أن لا تسل نصولها ** فتغمد حتى يستباح قبيل )
( سلى أن جهلت الناس عنا وعنهم ** وليس سواء عالم وجهول )
( فإن بني الديان قطب لقومهم ** تدور رحاهم حولهم وتجول )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى للفرزدق
( يفلقن ها من لم تنله سيوفنا ** بأسيافنا هام الملوك القماقم )
قال أبو العباس ها تنبيه والتقدير يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم ثم قال ها للتنبيه ثم قال مستفهما من لم تنله سيوفنا
قال أبو بكر وسمعت شيخا منذ حين يعيب هذا الجواب ويقول يفلقن هاما جمع هامة وهام الملوك مردود على هاما كما قال جل ثناؤه { إلى صراط مستقيم صراط الله } فاحتججت عليه بقوله لم تنله وقلت


له لو أراد الهام لقال لم تنلها لأن الهام مونثة لم يؤثر عن العرب فيها تذكير لم يقل أحد منهم الهام فلقته قالوا النخل قطعته والتذكير والتأنيث لا يعمل قياسا إنما يبنى فيه على السماع واتباع الأثر
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لمطيع ابن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي
( وينادونه وقد صم عنهم ** ثم قالوا وللنساء نجيب )
( ما الذي غال أن تحير جوابا ** أيها المصقع الخطيب الأديب )
( فلئن كنت لا تحير جوابا ** لبما قد ترى وأنت خطيب ) ( في مقال وما وعظت بشيء ** مثل وعظ بالصمت إذ لا تجيب )
وقرأت على أبي بكر في أشعار هذيل ولم أر أحدا يقوم بإشعار هذيل غيره لأبي خراش الهذلي
( حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ** خراش وبعض الشر أهون من بعض )
( فو الله لا أنسى قتيلا رزئته ** بجانب قوسي ما مشيت على الأرض )
( بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ** نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي )
( ولم أدر من ألقى عليه رداء ** خلا أنه قد سل عن ماجد محض )
( ولم يك مثلوج الفؤاد مهجبا ** أضاع الشباب في الربيلة والخفض )
( ولكنه قد لوحته مخامص ** على أنه ذو مرة صادق النهض )
( كأنهم يشبثون بطائر ** خفيف المشاش عظمه غير ذي محض )
( يبادر قرب الليل فهو مهابذ ** يحث الجناح بالتبسط والقبض )
قال أبو علي
المثلوج البليد ومثله قول الآخر
ولكن قلبا بين جنبيك بادر والمهج المنتفح ويروي مهبلا وهو الثقيل الجافي
والربيلة الخفض والدعة ويروي الربالة وهو كثرة اللحم لا اللحم نفسه
والمهابذ المجاهد في العدو والسير


ويقال أهذب وأهبذ إذا اجتهد في الإسراع
وقرأت عليه لأبي عطاء السدي في ابن هبيرة
( إلا إن عينا لم تجد يوم واسط ** عليك بجاري دمعها الجمود )
( عشية قام النائحات وشققت ** جيوب بأيدي مأتم وخدود )
( فإن تمس مهجور الفناء فربما ** أقام به بعد الوفود وفود )
( فإنك لم تبعد على متعهد ** بلى كل من تحت التراب ببعيد )
وأملى علينا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل قال وقرأتها على أبي بكر بن دريد في شعر جميل وفي الروايتن اختلاف في تقديم الأبيات وتأخيرها وفي ألفاظ بعض البيوت
( ألا ليت أيام الصفاء نعود ** ودهرا تولى يا بثين جديد )
( فنغنى كما كنا نكون وأنتم ** صديق واذ ما تبذلين زهيد )
( وما أنس ملأ شيأ لا أنس قولها ** وقد قربت بصري أمصر تريد )
( خليلي ما أخفي من الوجد ظاهر ** فدمعي بما أخفي الغداة شهيد )
( إلا قد أرى والله أن رب عبرة ** إذا الدار شطت بيننا سترود )
( إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ** من الحب قالت ثابت ويزيد )
( وإن قلت ردى بعض عقلي أعش به ** مع الناس قالت ذاك منك بعيد )
( فلا أنا مردود بما جئت طالبا ** ولا حبها فيما يبيد يبيد )
( جزتك الجوازي يا بثين ملامة ** إذا ما خليل راح وهو حميد )
( وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ** من الله ميثاق لنا وعهود )
( وقد كان حبيكم طريفا وتالدا ** وما الحب إلا طارف وتليد )
( وإن عروض الوصل بيني وبينها ** وإن سهلته بالمنى لكؤد )


( فأفنيت عيشى بانتظاري نوالها ** وأبلت بذاك الدهر وهو جديد )
( فليت وشاة الناس بيني وبينها ** نذوف لهم سما طماطم سود )
وحدثني أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال أنشدنا أحمد بن عبيد لامرأة من الأعراب
( لعمرك ما الرزية فقد مال ** ولا شاة تموت ولا بعير )
( ولكن الرزية فقد قوم ** يموت بموته بشر كثير )
قال أبو علي وأنشدنيهما بعض أصحابنا وقال في البيت الأول هلك مال وقال في الثاني هلك ميت وخلق كثير
وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي
( خير ما استعصمت به الكف عضب ** ذكر حده أنيث المهز )
( ما تأملته بعينيك إلا ** أرعشت صفحتاه من غير هز )
( مثله أفزع الشجاع إلى الدرع ** فغالى بها على كل بز )
( ما ابالي أصممت شفرتاه ** في محز أم جارتا عن محز )
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال قعد المأمون الحارثي في نادي قومه فنظر إلى السماء والنجوم ثم أفكر طويلا ثم قال أرعوني أسماءكم وأصغوا إلي قلوبكم يبلغ الوعظ منكم حيث أريد طمح بالأهواء الأشر وران على القلوب الكدر وطخطخ الجهل النظر إن فيما ترى لمعتبرا لمن اعتبر أرض موضوعه وسماء مرفوعه وشمس تطلع وتغرب ونجوم تسري فتعزب وقمر تطلعه النحور وتمحقه أدبار الشهور وعاجز مثر وحول مكد وشاب مختضر ويفن قد غبر وراحلون لا يؤبون ومؤقوفون لا يفرطون ومطر يرسل بقدر فيحيى البشر ويورق الشجر ويطلع الثمر وينبت الزهر وماء يتفجر من الصخر الأير فيصدع المدر عن أفنان الخضر فيحيى الأنام ويشبع السوام وينمى الأنعام إن في ذلك لأوضح الدلائل على المدبر


المقدر البارئ المصور يا أيها العقول النافره والقلوب النائرة أنى تؤفكون وعن أي سبيل تعمهون وفي أي حيرة تهيمون والى أي غاية توفضون لو كشفت الأغطية عن القلوب وتجلت الغشاوة عن العيون لصرح الشك عن اليقين وأفاق من نشوة الجهالة من استولت عليه الضلاله قال أبو علي قوله طمح ارتفع وعلا
وران غلب قال عبدة بن الطيب
( أوردته القوم قدران النعاس بهم ** فقلت اذنهلوا من جمه قيلوا )
( ران بهم غلب قال الله تعالى { كلا بل ران على قلوبهم } وطخطخ أظلم
والمختضر الذي يموت حدثا وهو مأخوذ من الخضرة كأنه حصد أخضر وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال كان شاب من العرب يلقى شيخا منهم فيقول استحصدت يا عماه فيقول له الشيخ يا ابن أخي وتختضرون فمات الشاب قبل الشيخ بمدة طويلة
ويفرطون يقدمون
وقال أبو عبيدة قال الأموي الحجر الأير على مثال الأصم الصلب
وتوفضون تسرعون يقال أوفض يوفض ايفاضا إذا أسرع قال الله عز وجل { كأنهم إلى نصب يوفضون } فأما يفيضون فيدفعون قال الأصمعي يقال أفاض من عرفة إلى مني أي دفع وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا الرياشي عن العتبي عن رجل من الأنصار من أهل المدينة قال قال معاوية لعرابة بن أوس بن حارثة الأنصاري بأي شيء سدت قومك يا عرابة قال أخبرك يا معاوية بأني كنت لهم كما كان حاتم لقومه قال وكيف كان فأنشدته
( وأصبحت في أمر العشيرة كلها ** كذي الحلم يرضى ما يقول ويعرف )
( وذاك لأني لا أعادي سراتهم ** ولا عن أخي ضرائهم أننكف )
( وإني لأعطي سائلي ولربما ** أكلف ما لا أستطيع فأكلف )
( وإني لمذموم إذا قيل حاتم ** نبا نبوة إن الكريم يعنف )


ووالله إني لأعفو عن سفيهم وأحلم عن جاهلهم وأسعى في حوائجهم وأعطى سائلهم فمن فعل فعلى فهو مثلي ومن فعل أحسن من فعلى فهو أفضل منى ومن قصر عن فعلى فأنا خير منه فقال معاوية لقد صدق الشماخ حيث يقول فيك
( رأيت عرابة الأوسي يسمو ** إلى الخيرات منقطع القرين )
( إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين )
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم
( ألوم النائبات من الليالي ** وما تدري الليالي من ألوم )
( ولكن المنية لو أصيبت ** بمصرعه هي الثأر المنيم )
( وكان أخي زعيم بني حيى ** وكل قبيلة لهم زعيم )
( وكنت إذا الشدائد أرهقتني ** يقوم بها وأقعد لا أقوم )
وأنشدنا أبو بكر عن أبي حاتم للعجير السلولي
( تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبا ** بمير ومردى كل خصم يجادله )
( تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه ** إذا ما نوى في أرحل القوم قاتله )
( فتى قد قد السيف لا متضائل ** ولا رهل لباته وبادله )
( إذا القوم أموا بيته فهو عامد ** لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله )
( جواد بدنياه بخيل بعرضه ** عطوف على المولى قليل غوائله )
( فتى ليس لابن العم كالذئب أن رأى ** بصاحبه يوما دما فهو آكله )
( إذا جد عند الجد أرضاك جده ** وذو باطل أن شئت أرضاك باطله )
( يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ** وكل الذي حملته فهو حامله )
قال أبو علي قال الفراء البأدلة ما بين العنق إلى الترقوة وجمعه با دل وقال أبو عمرو واحدها بأدل بغير هاء
وقال قطرب البآدل ويقال البهادل أصول الثديين
وقرأت على أبي بكر رحمه الله للحسين بن مطير الأسدي


( ألما على معن وقولا لقبره ** سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا )
( فيا قبر معن أنت أول حفرة ** من الأرض خطت للسماحة مضجعا )
( ويا قبر معن كيف واريت جوده ** وقد كان منه البر والبحر مترعا )
( بلى قد وسعت الجود والجود ميت ** ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا )
( فتى عيش في معروفه بعد موته ** كما كان بعد السيل مجراه مرتعا )
( ولما مضى معن مضى الجود وانقضى ** وأصبح عزيني المكارم أجدعا )
وقرأت عليه لبعض الشعراء
( ماذا أحال وثيرة بن سماك ** من دمع باكية عليك وباك )
( ذهب الذي كانت معلقة به ** حدق العناة وأنفس الهلاك )
قال أبو علي أحال صب يقال إنه ليحيل الماء من البئر في الحوض أي يصب وقال لبيد
يحيلون السجال على السجال
وقرأت عليه لمسلم بن الوليد
( قبر بحلوان أسر ضريحه ** خطرا تقاصر دونه الأخطار )
( نقضت بك الأحلاس نقض إقامة ** واستعجلت نزاعها الأمصار )
( فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ** أثنى عليها السهل والأوعار )
( سلكت بك العرب السبيل إلى العلى ** حتى إذا سبق الردى بك حاورا )
( وأنشدني أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي قال أنشدنا عبد الله بن جوان صاحب الزيادي ولم يسم قائلها وأملاها علينا أبو سعيد السكري لأبي العتاهية في بعض إخوانه
( وقد كنت أغدو إلى قصره ** فقد صرت أغدو إلى قبره )
( أخ طالما سرني ذكره ** فقد صرت أشجى لدى ذكره )
( وكنت أراني غنيا به ** عن الناس لو مد في عمره )
( وكنت إذا جئت في حاجة ** فأمري يجوز على أمره )


( فتى لم يمل الندى ساعة ** على عسره كان أو يسره )
( تظل نهارك في خيره ** وتأمن ليلك من شره )
( فصار علي إلى ربه ** وكان علي فتى دهره )
( أتم وأكمل ما لم يزل ** وأعظم ما كان في قدره )
( أتته المنية مغتالة ** رويدا تخلل من ستره )
( فلم تغن أجناده حوله ** ولا المزمعون على نصره )
( وخلى القصور التي شادها ** وحل من القبر في قعره )
( وبدل بالفرش بسط الثرى ** وطيب ندى الأرض من عطره )
( وأصبح يهدى إلى منزل ** عميق تؤنق في حفره )
( تغلق بالترب أبوابه ** إلى يوم يؤذن في حشره )
( أشد الجماعة وجدا به ** أشد الجماعة في طمره )
( فلست مشيعه غازيا ** أميرا يسير إلى ثغره )
( ولا متلقيه قافلا ** بقتل عدو ولا أسره )
( وتطريه أيامنا الباقيات ** لدينا إذا نحن لم نطره )
( فلا يبعدن أخي ثاويا ** فكل سيمضى على إثره )
قال الأصمعي من أمثال العرب خل سبيل من وهي سقاؤه يراد به من لم يستقم أمره فلا تعبأ به ويقال يشوب ولا يروب مثل للرجل يخلط
ويقال أذل من فقع بقرقر والفقع الكمء الأبيض
والقرقر القاع الأملس
ويقال شر الرأي الدبرى يراد به الذي يجيء بعد أن فات الأمر وقال أبو نصر يقال قد جبأ عليه الأسود يجبأ جبأ وجبؤا إذا خرج عليه وجبأت عن كذا وكذا إذا هبته وارتدعت عنه ومنه قيل رجل جبأ وقال رجل من بني شيبان


( وما أنا من ريب المنون بجبا ** ولا أنا من سيب الإله بآيس )
ويقال للمرأة إذا كانت كريهة المنظر لا تستحلى إنها التجبأ عنها العين وقال حميد ابن ثور
( ليست إذا سمنت بجابئة ** عنها العيون كريهة المس )
والجبأة خشبة الحذاء
والجبء الكمء والجمع جبأة وقال أبو زيد الجبأة منها الحمر والكمء واحد الكمأة
والجأب الحمار الغليظ
والجأب المغرة
والجبا مقصور مكسور ما جمعت في الحوض من الماء
والجبا مفتوح مقصور ما حول البئر
والجبء نفرة في الجبل تمسك الماء وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال كان عبد الله بن عامر بن كريز من فتيان قريش جودا وحياء وكرما فدخل أعرابي البصرة فسأل عن دار ابن عامر فأرشد إليها فجاء حتى أناخ بعيره بفنائها فاشتغل عنه الحاجب والعبيد فبات القفر فلما أصبح ركب ناقته ووقف على الحاجب وأنشأ يقول
( كأني ونضوى عند باب ابن عامر ** من الجوع ذئبا قفرة هلعان )
( وقفت وصنبر الشتاء يلفني ** وقد مس برد ساعدي وبناني )
( فما أوقدوا نارا ولا عرضوا قرى ** ولا اعتذروا من عثرة بلسان )
فقال بعض شعراء البصريين
( كم من فتى تحمد أخلاقه ** وتسكن العافون في ذمته )
( قد كثر الحاجب أعداءه ** وأحقد الناس على نعمته )
فبلغ ذلك ابن عامر فعاقب الحاجب و أمر أن لا يغلق بابه ليلا ولا نهارا وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان المغيرة بن شعبة أعور دميما آدم فهجاه رجل من أهل الكوفة فقال
( إذا راح في قبطية متأزرا ** فقل جعل يستن في لبن محض )


( فأقسم لو خرت من استك بيضة ** لما انكسرت من قرب بعضك من بعض )
قال أبو بكر فقلت لأبي حاتم ما أظن أحد يسبقه إلى قوله جعل يستن في لبن محض فقال بلى كان إبراهيم بن عربي والى اليمامة فصعد المنبر يوما وعليه ثياب بيض فبدا وجهه وكفاه فقال الفرزدق
( ترى منبرا العبد اللئيم كأنما ** ثلاثة غربان عليه وقوع )
قال فهذا يشبه ذلك وإن لم يكنه
قال أبو حاتم وخرج نصيب من عند هشام وعليه ثياب بيض فنظر إليه الفرزدق فقال
( كأنه لما بدا للناس ** أير حمار لف في قرطاس )
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله
( شنئتكم حتى كأنكم الغدر ** وعفتكم حتى كأنكم الهجر )
( وما زلت أرشو الدهر صبرا على التي ** تسوء إلى أن سرني فيكم الدهر )
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي
( أما إذ قد بليت بسوء رأي ** فمالك عند ربك من خلاق )
( ستعلم أن حر الشعر أمضى ** وأبلغ فيك من حر الحلاق )
( سمجت فكنت أقبح من شقاق ** تشاب به الدناءة أو نفاق )
( وأظلم منك حر الوجه حتى ** كأن سواده ليل المحاق )
( ولولا وقفة للبين فيها ** متاع من وداع واعتناق )
( وآمال مسوفة لقلنا ** كأنك قد خلقت من الفراق )
وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي قال أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذل يهجو ابن أخيه أحد
( لو كان يعطى المنى الأعمام في ابن أخ ** أصبحت في جوف قرقور إلى الصين )
( قد كان هم طويل لا ينام له ** لو أن رؤيتنا إياك في الحين )


( فكيف بالصبر إذ أصبحت أكثر في ** مجال أعيننا من رمل يبرين )
( يا أبغض الناس في فقر وميسرة ** وأقذر الناس في دنيا وفي دين )
( تيه الملوك إذا فلس ظفرت به ** وحين تفقده ذل المساكين )
( لو شاء ربي لأضحى واهبا لأخى ** بمض ثكلك أجرا غير ممنون )
( وكان أحظى له لو كان مترزا ** في السالفات على غرمول عنين )
( وقائل لي ما يضنيك قلت له ** شخص ترى عينه عيني فيضنيني )
( إن القلوب لتطوى منك يا ابن أخي ** إذا رأتك على مثل السكاكين )
وقرأنا على أبي بكر بن دريد لرجل يصف جملا
( تبين القرنين فأنظر ما هما ** أحجرا أم مدرا تراهما )
( إنك لن تذل أو تغشاهما ** وتبرك الليل إلى ذراهما )
القرنان اللذان يبنيان على البئر يعرض عليهما الخشب فالبعير ينفر منه أول ما يراه ثم يذل حتى يجيء فيبرك عنده من الأنس به
وذراهما كنفهما وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي وأهدي قدحا إلى يحيى بن المنجم
( وبديع من البدائع يسبي ** كل عقل ويطبى كل طرف )
( دق في الحسن والملاحة حتى ** ما يوفيه واصف حق وصف )
( كفم الحب في الملاحة أو أشفى ** وإن كان لا يناغى بحرف )
( تنفذ العين فيه حتى تراها ** أخطأنه من رقة المستشف )
( كهواء بلا هباء مشوب ** بضياء أرقق بذاك وأصف )
( وسط القدر لم يكبر لجرع ** متوال ولم يصغر لرشف )
( لا عجول على العقول جهول ** بل حليم عنهن في غير ضعف )
( ما أرى الناظرون قدا وشكلا ** فارسا مثله على بطن كف )
( فيه لوز معقرب عطفته ** حكماء الغيوب أحسن عطف )


مثل عطف الأصداغ في وجنات ** من غزال يزهى بحسن وظرف )
وقرأت على أبي بكر بن دريد للمقنع الكندي
( يعاتبني في الدين قومي وإنما ** ديوني في أشياء تكسبهم حمدا )
( ألم ير قومي كيف أوسر مرة ** وأعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا )
( فما زادني الإقتار منهم تقربا ** ولا زادني فضل الغنى منهم بعدا )
( أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ** ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا )
( وفي جفنة ما يغلق الباب دونها ** مكللة لحما مدفقة ثردا )
( وفي فرس نهد عتيق جعلته ** حجابا لبيتي ثم أخدمته عبدا )
( وإن الذي بيني وبين بني أبي ** وبين بني عمي لمختلف جدا )
( أراهم إلى نصري بطاء وإن هم ** دعوني إلى نصر أتيتهم شدا )
( فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا )
( وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ** وإن هم هوواغي هويت لهم رشدا )
( وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي ** زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا )
( ولا أحمل الحقد القديم عليهم ** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا )
( لهم جل ما لي أن تتابع لي غنى ** وإن قل ما لي لم أكلفهم رفدا )
( وإني لعبد الضيف ما دام نازلا ** وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا )
( قال أبو علي كان أبو بكر بن دريد يقول كسبت المال وكسبته غيري ولا يجيز أكسبته وغيره يقول كسبت المال وأكسبته غيري وهما عندي جائزان كسبته وأكسبته
وأنشدنا أبو بكر عن الأشنانداني لحجد وكان لصا مبرا فأخذه الحجاج فحبسه فقال في الحبس
( تأوبني فبت لها كنيعا ** هموم ما تفارقني حواني )
( هي العواد لا عواد قومي ** أطلن عيادتي في ذا المكان )


( إذا ما قلت قد أجلين عني ** ثنى ريعانهن علي ثاني )
( وكان مقر منزلهن قلبي ** فقد أنفهنه والهم آني )
( أليس الله يعلم أن قلبي ** يحبك أيها البرق اليماني )
( وأهوى أن أرد إليك طرفي ** على عدواء من شغلى وشاني )
( نظرت وناقتاي على تعاد ** مطاوعة الأزمة ترحلان )
( إلى نار يهما وهما بعيد ** تشوقان المحب وتوقدان )
( ومما هاجني فازددت شوقا ** بكاء حمامتين تجاوبان )
( تجاوبتا بلحن أعجمي ** على غصنين من غرب وبان )
( فكان البان أن بانت سليمى ** وفى الغرب اغتراب غير دان )
( أليس الليل يجمع أم عمرو ** وإيانا فذاك لنا تداني )
( نعم وترى الهلال كما أراه ** ويعلوها النهار كما علاني )
( فما بين التفرق غير سبع ** بقين من المحرم أو ثماني )
( فيا أخوى من كعب بن عمرو ** أقلا اللوم أن لم تنفعاني )
( إذا جاوزتما سعفات حجر ** وأودية اليمامة فانعياني )
( وقولا حجدر أمسى رهينا ** يحاذر وقع مصقول يماني )
( يحاذر صولة الحجاج ظلما ** وما الحجاج ظلام لجاني )
( إلى قوم إذا سمعوا بقتلي ** بكى شبانهم وبكى الغواني )
( فإن أهلك فرب فتى سيبكي ** علي مهذب رخص البنان )
( ولم أك قد قضيت حقوق قومي ** ولا حق المهند والسنان )
قال أبو علي المبر الغالب
والكنيع المنقبض
وأنفهنه أعيينه وأنشدني بعض أصحابنا أحسبه قال لأبي العتاهية
( لا تفخرن بلحية ** كثرت منابتها طويله )


( تهوى بها هوج الرياح ** كأنها ذنب الحسيلة )
( قد يدرك الشرف الفتى ** يوما ولحيته قليلة )
قال أبو علي الحسيله العجلة
وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال قدم وفد العراق على ابن الزبير وهو في المسجد الحرام فسلموا عليه فسألهم عن مصعب فقالوا أحسن الناس سيرة وأقضاه بحق وأعدله في حكم فلما صلى الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
( قد جربوني ثم جربوني ** من غلوتين ومن المئين )
( حتى إذا شابوا أو شيبوني ** خلوا عناني ثم سيبوني )
أيها الناس إني سألت الوفد عن مصعب فأحسنوا الثناء عليه وذكروا ما أحبه وإن مصعبا أطبى القلوب حتى ما تعدل به والأهواء حتى ما تحول عنه واستمال الألسن بثنائها والقلوب بنصحها والنفوس بمحبتها فهو المحبوب في خاصته المحمود قي عامته بما أطلق الله به لسانه من الخير وبسط يده من البذل ثم نزل وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال قدم أعرابي البصرة فنزل على قوم من بني العنبر وكان فصيحا فكنا نسير إليه فلا نعدم منه فائدة فجدر ثم برأ فأتيناه يوما فأنشدنا
( ألم يأتها أني تلبست بعدها ** مفوفة صناعها غير أخرقا )
( وقد كنت منها عاريا قبل لبسها ** فكان لباسيها أمر وأعلقا )
قال أبو علي أعلق أشد مرارة وهذه الكلمة أول كلمة سمعتها من أبي بكر بن دريد دخلت عليه وهو يملي على الناس العرب تقول هذا أعلق من هذا أي أمر منه وأنشدنا
( نهار شراحيل بن طودير يبني ** وليل أبي ليلى أمر وأعلق )
أي أشد مرارة وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال قدم أعرابي من بني ضبة البصرة فخطب امرأة من قومه فشطوا عليه في المهر فأنشأ يقول


خطبت فقالوا هات عشرين بكرة ** ودرعا وجلبابا فهذا هو المهر )
( وثوبين مرويين في كل شتوة ** فقلت الزنا خير من الجرب القشر )
وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدني أبو عثمان سعيد بن هارون
( وشعثاء غبراء الفروع منيفة ** بها توصف الحسناء أو هي أجمل )
( دعوت بها أبناء ليل كأنهم ** وقد أبصروها معطشون قد انهلوا )
يصف نارا وجعلها شعثاء لتفرق لهبها
وغبراء الفروع لدخانها
والفروع الأغالي
ومنيفة مرتفعة يريد أنها على جبل أوفي مكان عال
وقوله بها توصف الحسناء أي بها تشبه الجارية
وذلك أن العرب تصف الجارية فتقول كأنها شعلة نار أو كأنها بيضة أدحى
وقوله دعوت بها أبناء ليل يعني النار دعا بضوئها أبناء ليل أي قوما سروا ليلا فجاروا عن القصد وقوله كأنهم وقد أبصروها معطشون يعني أنهم من فرحهم بهذه النار كأنهم قوم كانت عطشت إبلهم فأنهلوا أي رويت إبلهم
تم الجزء الأول من كتاب الأمالي ويليه الجزء الثاني وأوله وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي الخ

الأمالي في لغة العرب ج 2 2

بسم الله الرحمن الرحيم

وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال قدم متمم بن نويرة العراق فأقبل لا يرى قبرا إلا بكى عليه فقيل له يموت أخوك بالملا وتبكى أنت على قبر بالعراق فقال
( لقد لامني عند القبور على البكا ** رفيقي لتذراف الدموع السوافك )
( أمن أجل قبر بالملا أنت نائح ** على كل قبرأ وعلى كل هالك )
ويروى هذا البيت
( فقال أتبكى كل قبر رأيته ** لقبر ثوى بين اللوى والدكادك )
( فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ** فدعني فهذا كله قبر مالك )
( ألم تره فينا يقسم ماله ** وتأوي إليه مرملان الضرائك )


وقرأت على أبي بكر رحمه الله لبعض طيء يرثي الربيع وعمارة ابنى زياد العبسيين وكانت بينهم مودة
( فإن تكن الحوادث جربتني ** فلم أر هالكا كإبني زياد )
( هما رمحان خطيان كانا ** من السمر المثقفة الصعاد )
( تهال الأرض أن يطآ عليها ** بمثلهما تسالم أو تعادى )
ومما قرأت عليه لفاطمة بنت الأحجم بن دندنة الخزاعية
( قد كنت لي جبلا ألوذ بظله ** فتركتني أضحى بأجرد ضاحي )
( قد كنت ذات حمية ما عشت لي ** أفشى البراز وكنت أنت جناحي )
( فاليوم أخضع للذليل وأتقى ** منه وأدفع ظالمي بالراح )
( وإذا دعت قرية شجنا لها ** يوما على فنن دعوت صباح )
وأغض من بصرى وأعلم أنه ** قد بان حد فوارسي ورماحي )
فقال لي أبو بكر رحمه الله هذه الأبيات تمثلت بها عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقرأت على أبي عبد الله نفطويه هذه الأبيات في قصيدة للنابغة الجعدي وقت قراءتي عليه شعر النابغة
( الم تعلمي أني رزئت محاربا ** فمالك منه اليوم شيء ولا ليا )
( ومن قبله ما قدر رزئت بوحوح ** وكان ابن أمي والخليل المصافيا )
( فتى كملت خيراته غير أنه ** جواد فما يبقي من المال باقيا )
( فتى تم فيه ما يسر صديقه ** على أن فيه ما يسوء الأعاديا )
وأنشدني أبو محمد بن درستويه النحوي قال أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد
( أيا عمرو لم أصبر فيك حيلة ** ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر )
( تصبرت مغلوبا أواني لموجع ** كما صبر الظمآن في البلد القفر )


وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أبو عبد الله بن المطيحي قال قرئ على قبر بالمدينة
( يا مفردا سكن الثرى وبقيت ** لو كنت أصدق اذبليت بليت )
( الحي يكذب لا صديق لميت ** لو صح ذاك ومت كنت أموت )
وقرأت على أبي بكر لكعب بن زهير
( لقد ولى أليته جوي ** معاشر غير مطلول أخوها )
( فإن تهلك جوى فإن حربا ** كظنك كان بعدك موقدوها )
( ولو بلغ القتيل فعال قوم ** لسرك من سيوفك منتضوها )
( كانك كنت تعلم يوم بزت ** ثيابك ما سيلقى سالبوها )
قال أبو علي وقرأت عليه للأحوص
( إني على ما قد علمت محسد ** أنمى على البغضاء والشنآن )
( ما تعتريني من خطوب ملمة ** إلا تشرفني وتعظم شاني )
( فإذا تزول تزول عن متخمط ** تخشى بوادره لدى الأقران )
إني إذا خفى الرجال وجدتني ** كالشمس لا تخفى بكل مكان )
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري عن أبي العباس أحمد بن يحيى إلا البيت الأول من هذه الأبيات فإني قرأته على أبي بكر بن دريد
( رأيت رباطا حين تم شبابه ** وولى شبابي ليس في بره عتب )
( إذا كان أولاد الرجال حزازة ** فأنت الحلال الحلو والبارد العذب )
( لنا جانب مئة دميت وجانب ** إذا رامه الأعداء ممتنع صعب )
وروى ابن الأنباري
( لنا جانب منه يلين وجانب ** ثقيل على الأعداء مركبه صعب )
( يخبرني عما سألت بهين ** من القول لا جافى الكلام ولا لغب )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6