كتاب : المغرب في حلى المغرب
المؤلف : ابن سعيد المغربي

من نثره: لو قرنت أيده الله بذوي التأميل له لفضلت، أو وزنت بذوي المحبة فيه لرجحت، وقد بعثت أعزه الله بما يجمل فقرى قدرته، وضراعتي إلى علاه في الأمر بقبوله تشريفاً وتنويهاً من منازعة الكريمة لإعلاء شأني، وترفيع مكاني. وقوله: ولما ترادفت على تك الأمواج، وأغرقني ذلك البحر العجاج، أظفرني بسفينة الدعاء، فوصلت إليها ونجوت عليها.

النحوي أبو العباس أحمد بن سيد اللص
أثنى عليه ابن الإمام وذكر: أنه كان في من أنشد عبد المؤمن بجبل الفتح عند جوازه البحر إلى الأندلس.
وأنشد له:
الليل إن هجرت كالليل إن وصلت ... أشكو من الطول ما أشكو من القصر
وقوله:
كلني إلى أدمع تسح تكتب شرح الهوى وتمحو
أفدي التي لو بغت فساداً ... ما كان بين الأنام صلح
صاحية والجفون سكرى ... من أسكرته فليس يصحو
جار عليك الأنام ظلماً ... سموك ليلى وأنت صبح
وقوله من قصيدة في مدح أبي بكر بن مزدلى:
نداك الغيث إن محل توالى ... وأنت الليث إن شهدوا القتالا
غصبت الليث شدة ساعديه ... نعم، وسلبت عينيه الغزالا
ومنها:
وما أفنى السؤال لكم نوالا ... ولكن جودكم أفنى السؤالا
نوال طبق الآفاق حتى ... جرى مثلاً بها وغدا مثالا
النحوي أبو بكر محمد بن طلحة الإشبيلي
وكان مصدراً للإقراء بإشبيلية، اجتمع به والدي وأخبرني: أنه كان لطيفاً كثير الحب للغلمان والتغزل فيهم. ومن شعره قوله:
بدا الهلال فلما ... بدا نقصت وتما
كأن جسمي فعل ... وسحر عينيه لما
الأديب أبو جعفر أحمد بن الأبار الخولاني
ذكر ابن بسام: أنه ممن صنف وأبدع، وكان في زمن المعتضد بن عباد. وأنشد له فيه:
ملك إذا الهبوات أظلم جنحها ... جعل الحسام إلى الحمام دليلا
إن كنت الأسد الضواري لم تخف ... من بأسه فلم اتخذن الغيلا؟
أو كانت البيض الصوارم لم تهم ... في حبه فلم اكتسين نحولاً؟
الأديب أبو القاسم بن العطار
ذكر صاحب القلائد: أنه أحد أدباء إشبيلية، ووصفه بكثرة الارتياح والفرح، والانتهاك في حب الغلمان، وبذلك وصفه الحجاري، وأنشد له قوله:
ركبنا على اسم الله نهراً كأنه ... جمان على عطفيه وشي حباب
وإلا حسام جال فيه فرنده ... له من مديد الظل أي قراب
وقوله:
لله بهجة منزه ضربت به ... فوق الغدير رواقا الأنسام
فمع الأصيل النهر درع سابغ ... ومع الضحى يلتاح فيه حسام
وقوله:
لحاظه أسهم وحاجبه ... قوس وإنسان عينه رامى
وقوله في أبي حفص الهوزني، وقد مات في نهر طلبيرة:
فيا عجباً للبحر غالته نطفة ... وللأسد الضرغام أرداه أرقم
الأديب أبو نصر
الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي
من المسهب: الدهر من رواة قلائده، وحملة وسائطه وفرائده. وجعل ابن بسام أكثر تقييداً، وعلماً مفيداً، والفتح أقدر على البلاغة، وكلامه أكثر تعلقاً بالأنفس، وذكر: أنه عرف بابن خاقان لاتهامه في الخلوة، وأن ذلك وما اشتهر به من الوقوع في الأعراض صده عن أن يكون علماً من أعلام كتاب الدولة المرابطية. قال: وقد رماه الله بما رمى به إمام علماء الأندلس ابن باجة، فوجد في فندق بمراكش، قد ذبحه عبد أسود خلا معه... وتركه.
ومن سمط الجمان أن التكلم في شأنه، وإعمال القلم في وصف تجلفه وخذلانه، إخلال بالبيان، و إضاعة للزمان، فآثرنا في أمره الاختصار، وتمثلنا قول القائل: كل الثمار، وخل العود للنار. وأما سهمه في الكتابة، وعلمه المرفوع في ميادين الخطابة، فسهم إصابة، وعلم عرابة. وأحسن ما أنشده من شعره قوله:
سقى أرض حمص بالأصيل وبالضحى ... سحاب كدمعي يستهل ويسجم
ومدت بها للروض أبراد سندس ... تطرزها كف الغمام، وترقم
وحيا الحيا أرض الغروس وروضها ... بحيث التوى فيه من النهر أرقم
وما ورد ويرد في أثناء كتاب المغرب من نثره في القلائد عنوان بلاغته.

الأديب الأستاذ
أبو الحسن علي بن جابر الدباج
شيخ جليل القدر، قدمه أهل إشبيلية للصلاة بهم في جامع العدبس، مشهور بالفضل، وهو مع هذا في نهاية منن اللطافة، والمداعبة للغلمان والتندير في شأنهم، قرأت عليه بإشبيلية، ومن شعره قوله:
لما تبدت وشمس الأفق بادية ... أبصرت شمسين: من قرب ومن بعد
من عادة الشمس تعشي عين ناظرها ... وهذه نورها يشفي من الرمد!
وقوله في المجبنات:
أحلى مواقعها إذا قربتها ... وبخارها فوق الموائد سامي
إن أحرقت لمساً فإن أوارها ... في داخل الأحشاء برد سلام
وتركته في قيد الحياة.
؟؟
الطبيب الفيلسوف
أبو الصلت أمية بن أبي الصلت الإشبيلي
يقال إن عمره كان ستين سنة: عشرون في إشبيلية، وعشرون في المهدية، وعشرون في مصر محبوساً في خزانة الكتب.
ومن الخريدة: كان واحد زمانه، وأفضل أوانه، متبحراً في العلم، منشئاً للمنثور والمنظوم، وله الباع الطويل في الأصول، والتصانيف الحسنة، منها كتاب الحديقة، على أسلوب كتاب اليتيمة، وتوفي سنة ست وأربعين وخمسمائة في المحرم. وأحسن ما وقفت عليه في ديوانه قوله:
لا غرو أن سبقت يداك مدائحي ... وتدفقت جدواك ملء إنائها
يكسي القضيب ولم يحن إثماره ... وتطوق الورقاء قبل غنائها
وقوله:
تخذوا القنا أشطانهم واستنبطوا ... في كل قلب للطعان قليبا
ومنها:
تعطى الذي أعطتكه سمر القنا ... أبداً فتغدو سالباً مسلوبا
وكان قد خرج من إشبيلية، فصحب بالمهدية ملوكها الصنهاجيين، وتوجه في رسالة إلى مصر، فسجن في القاهرة في خزانة البنود، وكان فيها خزائن من أصناف الكتب، فأقام بها نحو عشرين سنة، فخرج منها وقد برع في علوم كثيرة، من حديثة وقديمة. وصنف كتاب الحديقة، على منزع كتاب اليتيمة، في فضلاء عصره، وصنف الرسالة المصرية، وصنف في الطب والتنجيم والألحان، وعنه أخذ أهل إفريقية الألحان التي هي الآن بأيديهم. وعاد إلى المهدية، فجل قدره، وعظم عند ملوكها ذكره، وأعقب هنالك عقباً نابهاً. وقد تقدمت أبياته في بركة الحبش والأهرام. ووجدت في ديوانه منسوباً له:
أشهر الصوم ما مثل ... ك عند الله من شهر
على أنك قد حرم ... ت فينا لذة الخمر
وقرع الكاس بالكاس ... ورشف الثغر للثغر
وإني والذي شر ... ف أوقاتك بالذكر
لمسرور بأن تفنى ... على أنك من عمري!
الأديب
الهيثم بن أحمد بن أبي غالب بن الهيثم
حافظ إشبيلية، لم ألق بها أحفظ منه، و كان والدي يتعجب منه، ومن أعجب عجائبه أنه كان يملي على شخص شعراً، وعلى ثان موشحة، وعلى ثالث زجلاً، وكل ذلك ارتجال دون توقف. وتنبه ذكره في مدة مأمون بني عبد المؤمن، وكتب له مدة، وقد نشأ بينه وبين فلاح من أهل الشرف ما ذكره:
تعرض لي بالبدو أهوج طائش ... أتى مسرعاً نحوي تأبط لي شرا
وذكرى عجوزي وهي تبكي تأسفاً ... علي بكا الخنساء ذكرني صخرا
فبادرت من حيني صفاة كقلبه ... فإن يفتتح باعاً فتحت بها شبرا
فأقسم لو لا أن نحوت له بها ... لقد كان لي زيداً وكنت له عمرا
وقوله وقد نظر إلى باب غني معموراً وبابه إلى جانبه خالياً:
يجفى الفقير ويغشى الناس قاطبة ... باب الغني كذا حكم المقادير!
وإنما الناس أمثال الفراش فهم ... بحيث تبدو مصابيح الدنانير!
الطبيب الوشاح أبو الحجاج يوسف بن عتبة
اجتمعت به في إشبيلية، وكان طبيباً أديباً وشاحاً مطبوعاً، ثم سافر إلى إفريقية، ثم إلى مصر، فمات في مارستان القاهرة قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ومن شعره قوله، وقد شرب مع ندمائه تحت قصب فارسي:
انظر إلى القصب الذي تهفو به ... ريح الصبا وتميله نحو الكئوس
أو ما كفاه شربه من طله ... أولا فلم جعلت ذوائبه تنوس
أسهمه من أكوابنا ولو أنه ... سكران يطفح حق ما لثم الرءوس

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
محمد بن ديسم الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه من شعراء الدولة المعتضدية، وأنشد له ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح:
تجافيت عن شربي لها لا لعفة! ... لم يك إقصائي لها عن تحرج
وإن أك قد عرجت عن حق حبها ... فما أنا عن تفضيلها بمعرج
أحمد بن محمد الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه من شعراء الدولة المعتضدية، وأنشد له صاحب كتاب فصل الربيع:
أما ترى النرجس الغض الزكي بدا ... كأنه عاشق شابت ذوائبه
أو المحب بكى لما أضر به ... طول السقام فعادته حبائبه
وقوله:
رب نيلوفر غدا مخجل الرا ... ني إليه نفاسة وغرابه
كمليك للزنج في قبة بي ... ضاء يبدو الدجى فيغلق بابه
أبو إسحق إبراهيم بن خيرة بن الصباغ
ذكر الحجاري: أنه من الشعراء المعتضديين، وأنشد له ابن بسام ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح:
يوم كأن سحابه ... لبست غمامي المصامت
حجبت به شمس الضحى ... بمثال أجنحة الفواخت
فالغيث يبكي فقدها ... والبرق يضحك مثل شامت
والرعد يخطب مفصحاً ... والجو كالمحزون ساكت
والروض يسقيه الحيا ... والنور ينظر مثل باهت
أبو بكر عبد الله بن حجاج الإشبيلي
ذكر الحجاري: أنه شاعر بعيد الصوت، معدود في شعراء المعتضد، وكان قد هجر وطنه، وانتبذ إلى صاحب الجزيرة الخضراء محمد بن القاسم بن حمود، ومدحه عندما وفد عليه بقصيدة منها:
ألا أيها الوادي الذي رف ظله ... وفاحت خزاماه وغرد طائره
أتذكر أيامي بدوحك والحمى ... يباكرنا منه بجزعك زائره
وقد رق نسج العتب بيني وبينه ... وما زاد منا الحب عفت سرائره
فقال له وزيره: اسأل ابن الخليفة: هل أنت من بني حجاج أصحاب السيرة بإشبيلية؟ فقال: لو كنت منهم طلبت بالسيف، ولم أطلب بالشعر، فقال ابن حمود: لافُضَّ فُوه! يا شد ما امتعض لأعيان بلده.
أبو القاسم بن مرزقان
مولى المعتمد بن عباد
ذكر صاحب الذخيرة: أنه قتل يوم دخول الملثمين إشبيلية على المعتمد، وأنشد له قوله في شمعة على صفة مدينة أهديت للمعتمد:
مدينة في شمعة صورت ... قامت حماها فوق أسوارها
وما رأينا قبلها روضة ... تتقد النار بنوارها
تصير الليل نهاراً إذا ... ما أقبلت تضحك في نارها
كأنها بعض الأيادي التي ... تحت الدجى تسري بأنوارها
من ملك معتمد أصبحت ... بلاده أوطان زوارها
أبو بكر
محمد بن أحمد بن حجاج
الغافقي الإشبيلي
من نبهاء الشعراء في صدر الدولة المصمودية، أنشد له صفوان في زاد المسافر:
من مبلغ موسى المليح رسالة ... بعثت له من كافري عشاقه؟
ما كان خلق راغباً عن دينه ... لو لم تكن توراته من ساقه
وقوله:
ومحرم من شعره وحده ... يا ليته من ثوبه أحرما!
حتى أراه مثل ما ينبغي ... ومن لمثلي أن يرى مثل ما؟
عبيد الله بن جعفر الإشبيلي
كان وشاحاً مطبوعاً، ظريفاً لطيفاً، وكان يكثر من زيارة صديق له، وذلك الصديق لا يزوره فكتب مرة على بابه:
يا من يزار على بعد المحل ولا ... يزورنا مرة ما بين مرات
زر من يزورك واحذر قول عاتبة ... تقول عنك: فتى يؤتى ولا ياتي
أبو الحسن علي بن جحدر
كان زجالاً مطبوعاً، صحب والدي مدة، ولقيته أنا بإشبيلية، وله من الشعر ما عنوانه قوله:
كيف أصبحت أيهذا الحبيب ... نحن مرضى الهوى وأنت الطبيب
لا تزيد الزمان إلا نفاراً ... ويحها يا علي منك القلوب؟!
أبو بكر
محمد بن أحمد بن الصابوني الإشبيلي

اجتمعت به في إشبيلية، والناس يجعلونه شاعرها المشار إليه، وكان قد تقدم عند مأمون بني عبد المؤمن ثم رأى أن يقصد سلطان إفريقية فلقيه في مليانة ومدحه بقصيدته التي أولها:
الله جارك في حل ومرتحل ... يا معلياً ملة الإسلام في الملل
ثم رحل إلى مصر، فلم يجد فيها من قدره، وعاجلته بها منيته، فمات بالإسكندرية، قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ومما أنشدنيه من شعره قوله: - وقد بعث إلى محبوب بمرآة - :
بعثت بمرآة إليك بديعة ... فأطلع بسامي أفقها قمر السعد
لتنظر فيها حسن وجهك منصفاً ... وتعذرني فيما أقاسي من الوجد
مثالك فيها منك أقرب ملمساً ... وأكثر إحساناً وأبقى على العهد
وقوله:
أقبل في حلة موردة ... كالبدر في حلة من الشفق
تحسبه كلما أراق دماً ... يمسح في ثوبه ظبا الحدق

ومن نصاراها ويهودها
ابن المرعزي النصراني الإشبيلي
من المسهب: أنه من نصارى إشبيلية، ظهر في دولة المعتمد بن عباد، وان من مداحه، وله الأبيات المشهورة في كلبة الصيد، وهي قوله:
لم أر ملهى لذي اقتناص ... ومقنع الكاسب الحريص
كمثل خطلاء ذات جيد ... أغيد تبرية القميص
كالقوس في شكلها، ولكن ... تنفذ كالسهم للقنيص
إن تخذت أنفها دليلاً ... دل على الكامن العويص
أو أرسلوها وراء برق ... لم يجد البرق من محيص
أبو إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي
قرأت معه في إشبيلية على أبي الحسن الدباج وغيره، وكان من عجائب الزمان في ذكائه على صغر سنه، يحفظ الأبيات الكثيرة من سمعة، وبلغني أنه الآن شاعر خليفتهم بمراكش، وعنوان طبقته قوله في ابن هود، يصف راياته السود:
أعلامه السود إعلام بسؤدده ... كأنها فوق خد الملك خيلان
وقوله في غلام أصفر اللون، التحى فذهبت بهجته، وقصد هجاءه:
كان محياك له بهجة ... حتى إذا جاءك ما حي الجمال
أصبحت كالشمعة لما خبا ... فيها الضياء اسود منها الذبال
الحلة
عبد الملك بن زهر
هو صاحب التيسير في الطب والأغذية المشهورة، أبوه أبو العلاء المتقدم الترجمة، وابنه أبو بكر الوشاح، وقد تقدمت ترجمته.
الأستاذ النحوي هذيل
كان لطيفاً كثير النوادر، أخبرني عنه تلميذه الشيخ أبو العباس النيار، بإشبيلية، قال: جاءه يوماً للقراءة صبي متخلف، فكان أول ما قرأ عليه بيت كثير: " حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت " . فقال مصحفاً له: جئتك عرة، فقال الشيخ: وأكثر! بالله يا ولدي تروح، ولو قريت سنة. فأضحك الحاضرين.
وكان يقرأ عليه بربري جعد الشعر قبيح الوجه. فوقف يوماً على: قل إن كان للرحمن ولد فأنا ... فقال: لأي شيء بالله؟ لحسن وجهك، وطيب شعرك؟
الأهداب
أحسن موشحات ابن زهر موشحته التي أولها:
مد الخليج ورف الشجر ... لقد تعانقا منظر ومختبر
وقد تقدمت في المتنزهات.
وموشحته التي أولها:
ما للمولهمن سكره لا يفيقيا له سكران
وقد تقدمت في المتنزهات.
وموشحته:
أيها الساقي إليك المشتكى ... كم دعوناك وإن لم تسمع
ونديم همت في غرته
وسقاني الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
جذب الزق إليه واتكى ... وسقاني أربعاً في أربع
غصن بان مال من حيث استوى
بات من يهواه من خوف النوى
خافق الأحشاء مضعوف القوى
كلما فكر في البين بكى ... يا له يبكي لما لم يقع
أيها المعرض عما أصف
تعرف الذنب ولا تعترف
كبد حرى ودمع يكف
مثل حالي حقه أن يشتكي ... كمد اليأس وذل الطمع
ما لعيني شقيت بالنظر
أنكرت بعدك ضوء القمر
فإذا ما شئت فاسمع خبري
عشيت عيناي من طول البكا ... وبكى بعضي على بعضي معي
قد براني في هواك الكمد
يا لقومي عذلوا واجتهدوا
أنكروا شكواي مما أجد
قد نما حبك عندي وزكا ... لا يظن الحب أني مدعي
موشحته:

يا صاحبي نداء مغتبط بصاحب
لله ما ألقاه من فقد الحبائب
قلب أحاط به الهوى من كل جانب
أي قلب هائم ... لا يستفيق من اللواح
أنحى على رشدي وأعدمني صلاحي
ثغر ثنى الأبصار عن نور الأقاح
يسقي بمختلطين من مسك وراح
كالحباب العائم ... في صفحة الماء القراح
من لي به بدر تجلى في الظلام
علقت من وجناته بدر التمام
وعلقت من أعطافه لدن القوام
كالقضيب الناعم ... لم يستطع حمل الوشاح
يا من أعانقه بأحناء الضلوع
وأقيمه بدلاً من القلب الصديع
أنا للغرام وأنت للحسن البديع
وكلام اللائم ... شيء يمر مع الرياح
حملتني في الحب ما لا يستاطع
وجداً يراع بذكره من لا يراع
ولأنت أجور من له أمر مطاع
ومع أنك ظالم ... أت ه مناى واقتراحي
وموشحته:
جنت مقل الغزلان ... جنايا الشمول
على عالم الإنسان ... جيلاً بعد جيل
أهيم بمن يطغيه ... على الجمال
أداريه أسترضيه ... فيأبى الدلال
لقد عذلوني فيه ... وقالوا وقالوا
على حين قد ألهاني ... عن قال وقيل
ليل الصد والهجران ... ويوم الرحيل
إلى كم أداري اللوام ... مثنى وفرادى
وتالله أخرى الأيام ... لا أعطى قيادا
لهفي صرت بين الأقوام ... حديثاً معادا
وقد قعدت أشجاني ... بكل سبيل
ولا عهد بالسلوان ... ولا ينبغي لي
هو الحسن لا أختار ... مطلوباً عليه
وجه تشرق الأنوار ... على صفحتيه
وتستبق الأبصار ... إليه إليه
وقد كغصن البان ... في حقف مهيل
فذاك الذي يلحاني ... عليه عذولي
يا بن الناصر المنصور ... يا بن المجد أجمع
أنت الأمن للمذعور ... مما يتوقع
فكم جذل مسرور ... يقول ويسمع
أبو حفص هُ سلطاني ... الهل يحرزو لي
هُ آمني هُ أغناني ... هُ بلغني سولي
وموشحته:
لأتبعن الهوى ... إلى أقاصيه
حتى يقول فريق ... رقت حواشيه
ما عيل مصطبري ... لولاك يا يحيى
أموت بالنظر ... وتارة أحيا
ما شئت من خبر ... يا بدع في الأشيا
صب يقاسي النوى ... فيما يقاسيه
يفيض وادي العقيق ... على مآقيه
من لي بوجه جمع ... محاسن الصور
يغني إذا ما طلع ... عنن مطلع القمر
ومبسم لم يدع ... صبراً لمصطبر
مثل الأقاح استوى ... فبات يسقيه
ريق كأن الرحيق ... مشعشع فيه
دمعي جرى فنطق ... عن بعض ما أجد
ومسعدي في الأرق ... والناس قد رقدوا
نجم ضعيف الرمق ... حيران منفرد
يلوح ضعف القوى ... على توانيه
مثل التماس الغريق ... ما ليس ينجيه
وجه كمثل الهلال ... يبدو على غصن
رصعته بالجمال ... وتحفة الحسن
فعند ذلك قال ... قولوا له عني
لس نرتضي لو سوى ... وصفي وتشبيهي
يريد نكون لُ صديق يصبر على تيهي
وموشحته التي منها:
عبرة تسيل ... ودم على الأثر
قد صبرت حتى ... لات حين مصطبري

لا أطيق كتما ... ضقت بالأسى ذرعا
زائر ألما ... يلبس الدجى درعا
حجبوه لما ... صار صورة بدعا
وكذا الأفول ... من عوائد القمر
قلما تأتى أمل ... بلا كدر
وموشحته:
صادني ولم يدر ما صادا
شادن سبى الليث فانقادا
يا له لقد ضم بالبدر أزراره ... وبالحقف زناره
لو أجاز حكمي عليه
لاقترحت تقبيل نعليه
لا أقول ألثم خديه
أنا من يعظم والله مقداره ... ويلزم إكباره
يا سناك حسبك أو حسبي
قد قضيت في حبكم نحبي
واحتسبت نفسي في الحب
إنها نفس لدى الحب محتاره ... وبالسوء أماره
عرض الفؤاد لأشجانه
ومضى على حكم سلطانه
فانبريت في بعض أوطانه
تارة أقبل آثاره ... وأندبه تارة
أيها المدل بأجفانه
كم وفيت والغدر من شانه
وأصح، من طول هجرانه
وعلش حبيب قطعت الزياره ... وعينيك سحاره
وموشحته:
حي الوجوه الملاحا ... وحي نجل العيون
هل في الهوى من جناح
أو في نديم وراح
رام النصيح صلاحي
وكيف أرجو صلاحا ... بين الهوى والمجون
أبكى العيون البواكي
تذكار أخت السماك
حتى حمام الأراك
بكى شجوني وناحا ... على فروع الغصون
ألقى إليها زمامه
صب يداري غرامه
ولا يطيق اكتتامه
غدا بشوق وراحا ... ما بين شتى الظنون
يا غائباً لا يغيب
أنت البعيد القريب
كم تشتكيك القلوب
أثخنتهن جراحا ... فاترك سهام الجفون
يا راحلاً لم يودع
رحلت بالأنس أجمع
والفجر يعطي ويمنع
مرت عيناك الملاحا ... سحراً فما ودعوني
وموشحته التي منها:
نبه الصبح رقدة النائم ... فانتبه للصبوح
وأدر قهوة لها شان ... ذات عرف يفوح

موشحة لابن حنون
الذي تقدمت ترجمته
أبى أن يجود بالسلام ... فكيف يجود بالوصال
من كانت تحية الوداع ... منه قبلة عند الزوال
عناء المتيم المعنى
أثاب إليه أو تجنى
يروقك منظراً وحسناً
كالغصن النضير في القوام ... كالبدر المنير في الكمال
يروعك وهو ذو ارتياع ... كالليث الهصور كالغزال
تذكر عهدي الملول
وقد أخذت منه الشمول
فجاد بزورة بخيل
أتى حين عب في المدام ... كالغصن هفت به الشمال
يمشي بين ميل واضطلاع ... فمنه انثنا واعتدال
محمد عبدك المنيب
يدعوك وأنت لا تجيب
لقد شقيت منك القلوب
بسهل الهوى صعب المرام ... هي الشمس نيلها محال
تلقى العيون بالشعاع ... فيمنعها من أن تنال
ألم يأن أن يلين قلبك
فيلتذ بالكرى محبك
فلو أنه ينام صبك
وتعتنقان في المنام ... لأقنع ذلك الخيال
من بات بذاك الاجتماع ... على ثقة من الليال
تفوق سهم كل حين
بما شئت من يد وعين
وتنشد في القضيتين
خلقت مليح علمت رام ... فلس نخله ساعه عن قتال
وتعمل بذي العينين متاع ... ما تعمل أرباب النبال
موشحة لابن عتبة
الروض في حلل خضر عروس
والليل قد أشرقت فيه الكئوس
تجلى بكفي غلام ... كالغصن لدن القوام
ريقه سلسبيل يشفي لهيب أوامى
يا حبذا يومنا يوم الخليج
والموج تركض أطراف المروج
أحبب به وبمرآه البهيج
يفتر ثغر الكمام عن باكيات الغمام
والغصون تميل سكراً بغير مدام
فقم نباكرها للاصطباح
والشهب تنثر من خيط الصباح
والقضب ترقص في أيد الرياح
على غناء الحمام ... والكاس ذات ابتسام

والظلام قتيل ... والصبح دامي الحسام
وقد وقع له تأليف هذا المعنى وقوعاً عجيباً، كما وقع لابن الفرس الغرناطي قوله:
نفض مسك الختام ... عن عسجدي المدام
ورداء الأصيل ... تطويه كف الظلام
وكلاهما كان يزهى بالمعنيين

موشحة لابن عيسى الإشبيلي
عرف الروض فاح والطير قد غنى ... والصبح أضا فباكر الدنا
خذها كالرجا في عقب الياس
إذا صبها الإبريق في الكاس
مشعشعة تضيء للناس
كالنجم ألاح في أفقه وهنا هوى فمضى أن يخطف الجنا
ألا بأبي نورية البرد
بلبتها لآلئ العقد
تطوف بها مليحة القد
تخال الصباح في وجهه عنا ... وإن أعرضا حسبته غصنا
غزال كأن البدر يحكيه
أذوب حذاراً من تجنيه
فمن لي به حتى أدانيه
قليل السماح ويكثر المنا وقد ارتضى في الحب أن أفنى
تلفت به في الهجر إذ جدا
ولم ألف من صبر له بدا
لو شاء من كنت له عبدا
كثير المزاح يقتلني ظنا فهلا قضى علي إذا ضنا
أجر هوى في الحب أذيالي
وما إن دنا والموت أدنى لي
ولكنما أشدو لعذالي
سلطان الملاحيا قد رضى عناولولا الرضاولش كن يكون منا
أعلام الزجالين من إشبيلية
أبو عمرو بن الزاهر
ذكره ابن الدباغ في كتاب ملح الزجالين وأثنى عليه وأورد من ملحه قوله:
إش عليك آت يا بن يقلق
دعن نشرب دعن نعشق
حتى نمشي سكران أحمق
في دراعي مقبض خماس ... وفي صدري قيس المجنون
وقوله:
إذا وصفت جمال ذاك الخد
قلت الحسن على كاس ينشد
وإن مدحت شعرك الأسود
فالمتنبيينشدلكافور
وقوله:
يا من هُ مجد والسها
جاوزت حد الانتها
وقد عطيت من النها
أوفى نصيب
أبو بكر الحصار
ذكره الدباغ، وأنشد من ملحه قوله:
حن نلتقيه يحتشم
وينصبغ كل دم
كم من مليح وكم
تتمنى ذاك الخجل عن خضاب
وقوله في المدح والظفر
لقدل فالحلاب نهار
ولا نجا إلا الفرار
حتى استحت فيها الشفار
من الجراح
وله الزجل المشهور الذي منه:
الذي نعشق مليح ... والذي نشرب عتيق
المليح أبيض سمين ... والشراب أصفر رقيق
لا شراب إلا قديم ... لا مليح إلى وصول
إذ نقول روحك نريد ... لس يخالف ما نقول
والزيارة كل يوم ... لا ملول ولا بخيل
من زيارة بعد ... قد رجع بحل صديق
أبو عبد الله بن خاطب
ذكره الدباغ، و أنشد له من ملحه قوله:
إن كان تسافر انتا يزيد مالك
لصحرا تمضي خفف أحمالك
فمن جمالك تكون أجمالك
ومن وقارك تكون أوقارك
وقوله:
حظاه أن يقول مع ذا الصغار
في طلب الدنيا والافتخار
مش على الدنيا وحالها
فجات تخضع لُ وجالها
أبو بكر بن صارم الإشبيلي
له الزجل المشهور:
حقاً نحب العقارفالدير طول النهارنرتهن
خلع أنا لس قداً عن فلان
نشرب بشقف القدح كف ما كن
للدير مر وتراني عيان
قد التويت فالغبار ... وماع كانون بنار فالدكان
ومذهبي فالشراب القديم
وسكرا من هُ المنى والنعيم
ولس لي صاحب ولا لي نديم
فقدت أعيان كبارواخلطن مع ذا العيارالزمن
لا تستمع من يقول كان وكان
وانظر حقيق الخبر والعيان
بحال خيالي رجع ذا الزمان
فأحلى ما يوريك ديارغيبها واخرج جواراليمن
وشاعت زندقته، فطلب أ، يقتل، فهرب إلى الشرف، واختفى في بيت، فوقع النار فيه فاحترق
الحكايات

قد تقدم في نهر إشبيلية ومتنزهها من النوادر المضحكات ما فيه كفاية، وهو ميدان لهوهم ومضحكاتهم وتنديرهم، قال الحجاري في كتاب المسهب: أهل إشبيلية أكثر العالم طنزاً وتهكماً، قد طبعوا على ذلك. وكان المعتمد ابن عباد كثيراً ما يتستر، ويشاركهم في واديهم وفي ظان مجتمعاتهم، ويمازجهم، ويصقل صدأ خاطره بما يصدر عنهم. ومر المعتمد ليلة بباب شيخ منهم مشهور بكثرة التندير والتهكم يمزج ذلك بحرد يضحك الثكلى، فقال المعتمد لوزيره ابن عمار: تعال نضرب على هذا الشيخ الساقط الباب، حتى نضحك معه، فضربا عليه بابه، فقال: من هو؟ فقال ابن عباد: إنسان يرغب أن تقد له هذه الفتيلة، فقال: والله لو ضرب ابن عباد بابي في هذا الوقت ما فتحته، قال: فإني ابن عباد، قال: امض بنا قبل أن يتعدى القول إلى الفعل، فهذا شيخ ركيك. ولما كان من غد تلك الليلة وجه له ألف درهم، وقال لموصلها يقول له: هذا حق الألف صفعة متاع البارحة.

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني من الكتب التي تشتمل عليها كورة إشبيلية، وهو
كتاب النسرينة في حلى قرية مقرينة
قرية في نطاق حضرة إشبيلية، منها:
أبو العباس أحمد الكساد
كان في إشبيلية في مدة منصور بني عبد المؤمن، وكان يهوى موسى بن عبد الصمد، مليح إشبيلية في ذلك الأوان، ولما مات قال فيه:
هتف الناعي بشجو الأبد ... إذ نعى موسى بن عبد الصمد
ما عليهم ويحهم لو دفنوا ... في فؤادي قطعة من كبدي
وقال فيه أيضاً:
رد إلى الجنة حوريها ... وارتفع الحسن من الأرض
وأصبح العشاق في مأتم ... بعضهم يبكي على بعض
وله أزجال كثيرة، وبها اشتهر:
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي تشتمل عليها الكورة الإشبيلية، وهو:
كتاب ورق العريش في حلى قرية منيش
من قرى إشبيلية، منها على ما ذكره الحجاري:
أبو القاسم بن أبي طالب الحضرمي المنيشي
المعروف بعصا الأعمى
لقب بعصا الأعمى، لأنه كان يقود الأعمى التطيلي، وقال في وصفه ابن الإمام: أحد الأفراد، ورأس الجهابذة النقاد، وأنشد له قوله:
صاغت يمين الرياح محكمة ... في نهر واضح الأسارير
وكلما ضعفت به حلقاً ... قام لها القطر بالمسامير
وقوله:
وخشفية الألحاظ واليد والحشا ... ولكن لها فضل الفيول على الخشف
تثنى على مثل العنان إذا انثنى ... وقد عقدوها للفهوق على النصف
وليس كما قال الجهول تقسمت ... فبعض إلى غصن وبعض إلى حقف
سعت في سبيل الهتك والفتك بيننا ... إشارات لحظ تخلط النكر بالعرف
فما شئت من عض الحلى ورضه ... وما شئت من صك الخلاخل والشنف
وقوله:
وعجزاء لفاء وفق الهوى ... تحيرت فيها وفي أمرها
غلامية ليس في جسمها ... مكان رقيق سوى خصرها
إذا أقبلت أو إذا أدبرت ... ففي فرها الموت أو كرها
ولما خلونا ورق الكلام ... ودفعت بكفي في صدرها
ومن لا أسميه مثل القناة ... قد ألقت ذراعاً على عشرها
وصارفتها العين هذا بذاك ... وقد شدت السوق من أزرها
وما زلت أجمع ضرباً وطعناً ... على زيدها وعلى عمرها
فأعطيتها المحض من فضتي ... وأعطتني المحض من تبرها
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من كتب الكورة الإشبيلية، وهو:
كتاب وشي المحابر في حلى قلعة جابر
على قرب من إشبيلية، وكثيراً ما يتفرج فيها أعيانها لحسنها في المروج والمياه وكثرة الطير، منها:
عامر بن خدوش القلعي
أنشدت له:

ألا يا سقي الرحمن قلعة جابر ... فكم لي فيها من ليال زواهر
محلى الذي لا زلت أشدو بذكره ... إذا ما شدا مغري بهند وساحر
فلله منها كل غصن وطائر ... ولله فيها كل خذ وناظر
ضمنت لها أن لا تزال مدامعي ... على فقدها مثل السحاب المواطر

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي تشتمل عليها
الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب العذار المطل في حلى جزيرة قبطل
جزيرة كبيرة مشهورة في نهر إشبيلية، والماء عندها غير عذب، لقرب البحر المحيط منها، وخيلها تجلب إليها من إشبيلية، وهي خصبة؛ منها:
الحسيب أبو عمرو بن حكم القبطلي
حسنة بني حكم، أعيان قبطل. أخبرني والدي: أنه طلع إلى حضرة مراكش في هذه المدة الأخيرة، وأمل أحد وجوه الدولة، فطال عليه وعده، وظهر له أ، يرجع إلى بلده خائباً، فكتب له:
حاشا لمن أملكم أن يخيب ... وينثني نحو العدا مستريب
هذا وكن أقرأني بشركم ... نصر من الله وفتح قريب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي تشتمل عليها
كورة إشبيلية وهو
كتاب الحانة في مدينة طريانة
هذه مدينة ممتدة على شاطئ النهر الأعظم في مقابلة النصف من حضرة إشبيلية، وهي مسورة من جهة الصحراء، وفيها الحمامات والأسواق الضخمة. وقد بنيت على تاج مطل على النهر، ومناظرها التي من جهة النهر سن فيها المعتمد بن عباد أن تبيض بالكلس لئلا تنبو العين عنها، ومن لا ينهض إلى ذلك فيبنى من جهة الصحراء، ولا يترك يبنى من جهة النهر. فجاءت بديعة فتانة المنظر، أكثر شراجيبها منقوشة مذهبة تخطف الأبصار، ويكون فيها من أصناف الطرب في الليالي القمرية ما هو مشهرو في البلاد. ومنها:
الشيخ النحوي الأديب
أبو عمران موسى الطرياني
سكن قصر عبد الكريم من بر العدوة، وهنالك قرأت عليه، ووجدت فيه من اللطافة والظرف ما لم أزل أحدث به. وأنشدني من شعره قوله في المدينة التي يعملها أهل المغرب من العجين بأصناف الألوان في النوروز المعروف عندهم بينير:
مدينة مصوره ... تحار فيها السحره
لم تبنها إلا يدا ... عذراء أو مخدره
بدت عروساً تجتلى ... من درمك مزعفره
وما لها مفاتح ... إلا البنان العشرة
وقوله:
شكوت لها الغرام عسى رضاها ... يريني بعد شقوتي النجاحا
فقالت لي: إذا ما الليل أرخى ... ستائره فسل عني البطاحا
فيممت البطاح ولا دليل ... سوى عرف تضمنه الرياحا
فقالت: نم، فقلت: أمثل طرفي ... ينام وقد رأى ذاك السماحا؟
فقالت: بل تناوم إن وجهي ... إذا استيقظت يذكرك الصباحا
فتمسى طول ليلك في عذاب ... تراع وما صباح الروع لاحا
وتركته في قيد الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي تشتمل عليها الكورة الإشبيلية وهو
كتاب الحبابة في حلى قرية الغابة
من القرى التي على نهر إشبيلية، منها:
محمد بن سليمان بن ربيع
الخولاني الغابي
أنشد له صاحب الحدائق:
أمثل شوقي إليك ينفرج ... وهل بروحي في الجسم يمتزج
أين لقلبي من الهوى فرج ... ولوعة الشوق فيه تعتلج
وابأبي من يذيب نفسي بالتك ... ريه منه الدلال والغنج
علم طرفي السهاد من طرفه الس ... احر ذاك الفتور والدعج
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن

من الكتب التي يشتمل عليها:

كتاب الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب وشاح المصر في حلى حصن القصر
من الحصون المذكورة المشهورة، التي في الشرف، وكان ابن عباد كثيراً ما يتفرج في وادي الطلح بجهته، وهو نهر مليح في نهاية الحسن. وينسب إليه:
ابن حبيب القصري الفيلسوف
برع في العلم القديم، واشتهر اشتهار البدر في الليل البهيم، فلاحظته الأعين، وخاضت فيه الألسن، وصادف اشتهاره إظهار مأمون بني عبد المؤمن طلب الزنادقة وتطهير الأرض منهم، فكان فيمن ضرب عنقه وصلبه. وله شعر أنشدت منه قوله:
جلت في علم ترفع ... ت به عن ذي البريه
وترقيت إلى أن ... صح لي الذات العليه
ثم إنا نجرع المو ... ت جميعاً بالسويه
فأبن لي العدل يا جا ... هل في هذي القضيه
وقوله:
هنيئاً خلعة الملك الذي قد ... رآك لها من العظماء أهلا
حباك بها من النعمى سحاباً ... ومن جاه يمد عليك ظلا
ول موشحات، منها موشحة أولها:
اشرب على ضفة الغدير ... وبهجة الروض في المطر
وانظر إلى الكوكب المنير ... يسعى بكاس لها شرر
لا تشرب الكاس دون ساق ... تسبيك من وجهه فتن
مهفهف الخصر ذو نطاق ... يجول منه بكل فن
وقف على اللثم والعناق ... يصلح في مذهب الحسن
يهتز في قده النضير ... على كثيب يسبي البصر
يا قوم هل فيه من مجير ... فليس لي عنه مصطبر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
؟
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الإشبيلية وهو:
كتاب النورة في حلى حصن لورة
من حصون نهر إشبيلية، ينسب إليه:
عبد الغفار بن مليح اللوري
إن كان ضعيف الشعر فقد صدر له قوله:
بتنا وبرد الليل ينسجه الدجى ... لكن تمزقه الكؤوس اللمع
والنهر مثل الصب يشكو بعده ... عن روضه وتراه فيه يطبع
وإذا أتاه المد راجع وصله ... رغماً فتلقاه الغصون فيركع
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحركات المجونية في حلى الكورة القرمونية
كورة مشهورة بكثرة المحرث طيبه، والحالي منها مدينة قرمونة، وهي مدينة من جهة ضخامة الأسواق والحمامات، ومعقل عظيم من جهة الارتفاع والمنعة، لا ترام بقتال. وهي من حصون الإسلام المشهورة. وقد كان امتنع فيها يحيى بن علي بن حمود الفاطمي، وجعل يقاتل ابن عباد في إشبيلية حتى ضاق ابن عباد به، ولم يكن له فيه حيلة لمنعة معقله، إلى أن خرج ليلة، وهو سكران، بخيل ضربت من إشبيلية على قرمونة، فوقع في أيديهم فقتلوه.
السلك
أبو الحسن علي بن الجعد القرموني
لحق دولتي الملثمين والمصامدة، وكان فقيهاً، ورحل إلى المشرق، ومن شعره قوله:
خلني والغصون مهما تثنت ... فلقلبي هناك أمر عجيب
أتراها تكون أطرب مني ... حين يشدو بها الحمام الطروب
لا تلمني على انهتاكي في الح ... ب إذا قيل قد جفاك الحبيب
؟أنا الله لا أطيق اصطباراً ... وإذا ما صبرت إني كذوب
وقوله:
إياك من زلل اللسان فإنما ... قدر الفتى في لفظه المسموع
فالمرء يختبر الإناء بنقره ... ليرى الصحيح به من المصدوع
البلارج القرموني
ممن لقيته بقرمونة، وأنشدني أشعاراً ضعيفة تعلق منها بخاطري قوله:
لنا معقل سامي الذرى قارب السما ... إذا رامه من رامه ليس يظفر
وأعيانه زهر كرام أعزة ... وسل عنهم فالذكر بالجود يخبر
ومن زجل:
حبيب إيك تغيب عن عيني
فإن بعدك يولد حيني
أهوى دنوك وتهوى بيني

يا رب إش حظ بين العشاق

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الدرة المخزونة في حلى كورة شذونة
من أجل كور إشبيلية محرثاً، وشجرة، ومياهاً، وضياعاً، وماشية، وهي إلى جانب البحر المحيط.
وكتابها ينقسم إلى أربعة كتب: كتاب التعريش في حلى مدينة شريش كتاب انعطاف السكرانة في حلى قرية شرانة
كتاب ابتسام العابس في حلى جزيرة قادس
كتاب عقلة العجلان في حلى معقل خولان
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب كورة شذونة وهو
كتاب التعريش في حلى مدين شريش
هي حالية، لها بساط، وسلك، وعصابة:
البساط
من مدن الأندلس المليحة ظاهراً وباطناً، دخلتها وتفرجت فيها كثيراً، وهي في نهاية من العمارة وكثة الأرزاق، ولها رؤساء أغنياء، لهم نعم واسعة. ومن متفرجاتها الجانة وهي على النهر بهجة المنظر، فيها يقول أبو عمرو ابن غياث:
باكر الجانة مع روح الجنان ... واصطبح فيها على نقر المثان
حبذاها من عروس تجتلي ... في برود لم يحكهن البنان
رقمتها الشمس في رأد الضحى ... وكأن الطل أسلاك الجمان
جنة زيدت لأمر ألفاً ... وسلوني إنني رب المعان
هي فأل للذي قد عودت ... معشر العشاق من إلف الحسان
ومرج السندسية، ونهر لك وهو نهر مستحسن، عليه بساتين، ومناظر ملاح، وكأنه مختصر نهر إشبيلية.
العصابة
ولاتها تتردد عليها من إشبيلية. وقد ثار فيها محمد بن القاسم بن حمود الفاطمي في مدة ملوك الطوائف، وخطب لنفسه بالخلافة، واتسعت رقعته، فملك الجزيرة الخضراء، وأخذها المعتضد بن عباد من ابن أبي قرة.
السلك
من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو الحسن
علي بن أحمد بن علي بن فتح
؟؟
المشهور بابن لبال من بني أمية
من مطرب ابن دحية: هو عين ذلك المصر، وفارسه في الفقه والنظم والنثر، ولي القضاء به، فحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، وسارت في العدل أخباره، ومن شعره قوله في الجلمين:
ومعتنقين ما اتهما بعشق ... وإن وصفا بضم واعتناق
لعمر أبيك ما اجتمعا لأمر ... سوى سعى القطيعة والفراق
وقوله في محبرة عناب محلاة بفضة:
منعلة بالهلال ملجمة ... بالنسر مجدولة من الشفق
كأنما جمرها تميع في ... قرصتها سائلاً من الغسق
فأنت مهما ترد شبيهتها ... في كل حال فانظر إلى الأفق
وله أمداح وتشوق في النبي صلى الله عليه وسلم
أبو جعفر أحمد بن أبي محمد
كان في مدة منصور بني عبد المؤمن، وبيته مشهور إلى الآن.
ومن شعره قوله:
على حسن نور الباقلاء أدرهما ... على الصب كأس خمرة وجفون
يذكرني بلق الحمام، وتارة ... يذكر للأشجان شهل عيون
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أحمد بن شكيل
من شعراء شريش في مدة منصور بني عبد المؤمن.
أنشدني له والدي قوله:
وقالوا: أتهواه على قلح به؟! ... فقلت: هناني دون غيري مورد
متى أبصرت عيناك في الماء عرمضاً ... إذا كان في كل الأحايين يورد؟
وقوله:
تفاحة بت بها ليلتي ... أبثها سرى والشكوى
أضمها معتنقاً لاثماً ... إذ ذكرت سرة من أهوى
أبو عمرو بن غياث
شاعر مشهور من شعراء المائة السابعة، اجتمع به والدي في سبتة وغيرها. ومن مشهور شعره ومستحسنه قوله:
صبوت وهل عار على الحر إن صبا ... وقيد بعشر الأربعين إلى الصبا
يرى أن حب الحسن في الله قربة ... لمن شاء بالأعمال أن يتقربا
وقالوا: مشيب قلت واعجبا لكم ... أينكر صبح قد تخلل غيهبا

وليس بشيب ما ترون وإنما ... كميت الصبا مما جرى عاد أشهبا
وقوله:
كأنك لم تبصر كميت الدجى ... يدركه من صبحه أشهب

الأهداب
وصف الحضرمي أهل شريش بالنذالة المفرطة، وفيها يقول ابن رفاعة الساكن بها في عصرنا:
شريش ما هي إلا ... تصحيف شر يبين
فارحل فديتك عنها ... إن كنت ممن تدين
فقلما ساد فيها ... حر ولا من يعين
من موشحة لابن غياث:
طال عنكم مغيبي ... فلم تراعوا ودادي
ذاك شأن الغريب ... ينسى بطول البعاد
لم يكن باختياري ... لكن بحكم القضاء
رحلتي عن دياري ... فصرت في الغرباء
إن سلوت نهاري ... أطلت ليلي بكائي
ليس لي من مجيب ... في الليل حين أنادي
غير دمع سكيب ... ولاعج في ازدياد
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يحتوي عليها
كتاب الكورة الشذونية وهو
كتاب انعطاف السكرانة في حلى قرية شرانة
من قرى مدينة شريش، وهي حالية بترجمة الوزير الكاتب:
أبي بكر محمد بن عبد العزيز
ذكر ذلك الحجاري وأورد ما في الذخيرة من أن بني عبد العزيز يعرفون ببني المرخى، ونسبهم في لخم، وهم حملة فضل، ونبتة نبل، وذكر أنه كاتب العصر، وكان أبوه يكتب للمأمون بن المعتمد بن عباد ملك قرطبة، ونشأ أبو بكر في حجر تلك الدولة، وكان بقرطبة سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وبينهما مخاطبة.
من رسالة ابن المرخي في جواب ابن بسام: وقفت أعزك الله من كتابك الكريم، المهدى من البر العميم، ما أيسره يثقل الظهر، ويستنفد الشكر، ويستعبد الحر، ورأيتك - رأيت أملك - تخطب من مودتي ما ليس بكفء لخطبتك، ولا بإزاء رتبتك، لكنه فضل، ملكت زمامه، وأعطيت مقوده وخطامه.
ومن السمط: إنه بحر البلاغة إذا طم ومسك الفصاحة إذا نم، وبدر الكتابة إذا تم. وما أورد من نظمه قوله في مخاطبة ابن خفاجة:
أما طل فيك الشوق وهو غريم ... وأطلب فيض الدمع وهو كريم
ولو أنه ماء لبرد غلتي ... ولكن دمع العاشقين حميم
ومنه:
ومن يحمد الإصباح في عقب السرى ... فإن صباحي بالمشيب ذميم
ومن نثره: ما العين بكراها، ولا النفوس ببشراها، ولا الغريب بوطنه، ولا اللبيب بإصابة فطنه، بآنس متى بكتاب عمادي الأعلى، وقد ورد فأهدى مبرة لم يبعد بأمثالها عهدي، وجدد مسرة لا أزال أعمل في شكرها جهدي.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من كتب
الكورة الشذونية وهو
كتاب ابتسام العابس في حلى جزيرة قادس
جزيرة منقطعة في البحر المحيط، وفي بحرها من جهة البر آثار قنطرة كان يدخل عليها الماء الحلو من البر في مدة النصارى. وفيها كرمات وبساتين، وقد صبحها النصارى من الشمال فأحرقوها.
علي بن أحمد الكتاني القادسي
لقيت بالقدس على زي الفقراء، وقد صدر من الحج، وأنشدني لنفسه:
ذاك العذار المطل ... دمى عليه يطل
كأنما الخد ماء ... وقد جرى فيه ظل
عقود صبري عليه ... مذ حل فيه تحل
جرت دموعي عليه ... فقلت آس وطل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب الكورة الشذونية وهو
كتاب غفلة العجلان في حلى قلعة خولان
قلعة منيعة، كالمائدة منقطعة، ولها كروم وبساتين ونهر صغير، وأهلها لهم رجلة وشدة ودعارة مفرطة، ولعبهم في أكثر الأوقات في ظاهر بلدهم بالرماح والسيوف.
أبو عمران بن سالم القلعي
فاضل ذو بيت مشهور هنالك، أخرج أهل القلعة بيته بأسره لما ثاروا على المصامدة، لأن نسبهم في هسكورة. ومن شعره قوله:

أقسم لا جفت له دمعة ... ما غبت عنه وجفا ربعه
أظلمت الآفاق من بعدها ... كأنما كانت له شمعه
وقوله:
طلعت علي والأحوال سود ... كما طلع الصباح على الظلام
فقل لي كيف لا أوليك شكري ... وإخلاص التحية والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب فجأة السرور في حلى كورة مورور
ذكر الرازي: أنها اشتملت على فوائد كثيرة، ومنها:
أمية بن غالب الموروري
ذكر الحجاري: أنه من شعراء المنصور بن أبي عامر وأن صاحب الجذوة أنشد له:
أعدوا غداً ليكون الفراق ... ولم يعلموا ذا هوى بانطلاق
فنم الرغاء بإعدادهم ... وجمع الركاب دليل افتراق
أسروا نوى البين في ليلهم ... فأظهره الصبح قبل انفلاق
ويوم الفراق على قبحه ... يذكرنا الشوق حسن التلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب نفحة الورد في حلى قلعة ورد
لهذه القلعة عمل جليل كثير الخير والجباية والحالي منه قرية مغيلة، منها:
أبو بر المغيلي
على ما ذكره الحجاري، واختص بجعفر المصحفي وأنشد له صاحب الجذوة:
تبين فقد وضح المعلم ... وبان لك الأمر لو تفهم
هو الدهر لست له آمناً ... ولا أنت من صرفه تسلم
وإن أخطأتك له أسهم ... أصابتك بعد له أسهم
لياليه تدني إليك الردى ... دوائب في ذاك ما تسأم
أتفرح بالبرء بعد الضنا ... وفي البرء داؤك لو تعلم
فأين الملوك وأشياعهم ... ودنياهم أدبرت عنهم
فهذي القبور بهم عمرت ... وتلك القصور خلت منهم
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي تشتمل عليها
المملكة الإشبيلية وهو
كتاب شفاء التعطش في حلى كورة أركش
كورة كثيرة الأرزاق، والحالي منها معقل أركش، من معاقل الأندلس المنيعة المستورة. وقد ثار فيه ولد المعتمد بن عباد، فأذاق إشبيلية شراً، حتى قتل بسهم.
السلك
من كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو جعفر أحمد بن عبيد
بيته مشهور معظم في أركش. وأبو جعفر من أعيان كتاب ملوك الدولة المصمودية، واجتمعت به في إشبيلية، وبها تركته، وبلغني الآن أنه وفد على تونس، فتقدم عند سلطانها. واشتهر من شعره قوله:
قالوا: خليلك ملتاث، فقلت لهم: ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت بي ما به من علة وله ... أجري وأني فيها غير مأجور
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو زكريا يحيى بن محمد الأركشي
من حفاظ الأدب، طال عمره، وهو راوية ابن خفاجة وبينه وبين ابن الزقاق مخاطبة بالشعر. وأنشد له الشقندي:
لا تبكين لإخوان تفارقهم ... فإنني قبلك استخبرت إخواني
فما حمدتهم في حال قربهم ... فكيف في حال إبعاد وهجران
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الدروع المسنونة في حلى كورة أشونة
من كور إشبيلية فيما بينهما وبين غرناطة، منها:
غانم بن الوليد بن عمر بن غانم
الأشوني الساكن بمالقة
عالم جليل مذكور في المائة الخامسة ذكره صاحب الذخيرة والمسهب، ومن مشهور شعره قوله:
صير فوادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للمحبين

ولا تسامح بغيضاً في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين
وقوله:
وإذا الديار تتكرت حالاتها ... فدع الديار وأسرع التحويلا
ليس المقام عليك حتماً واجباً ... في بلدة تدع العزيز ذليلا
لا يرتضى حر بمنزل ذلة ... لو لم يجد في الخافقين مقيلا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن من الكتب التي يحتوي عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب بغية الظريف في حلى جزيرة طريف
ليست بجزيرة، وإنما هي مدينة صغيرة أمامها جزيرة في البحر، نزل بها طريف مولى بني أمية أول فتح الأندلس، فنسبت له. وأهلها من كرام الناس وأحسنهم إقبالاً على الغريب.
كثير الطريفي
شاعر أدركه والدي، وأنشدني له:
سلام على أطلالهم بعد بينهم ... فكيف بها لو أنهم في جنابها
مررت بها أرتاد منها مرورهم ... عليها وأستشفي بلثم ترابها
وخاطبتها حين استقلوا فلم تبن ... ولا سمحت لحظاً برد جوابها
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحلة الحمراء في حلى الجزيرة الخضراء
من كتاب الرازي: مدينة الجزيرة الخضراء، من أرشق المدن وأطيبها، وأرفقها بأهلها، و أجمعها لخير البر والبحر، وقرب المنافع من كل جهة، توسطت مدن السواحل وأشرفت بسورها على البحر، ومرساها أحسن المراسي للجواز، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج.
قال ابن سعيد: لما رجعت إشبيلية إلى ابن هود ولي على الجزيرة الخضراء والدي فأقمنا بها مدة في عيش يجب ذكره والحنين إليه، وفيها أقول:
رعى الله أياماً إذا سر غيرها ... فإن سروري بعدها متكلف
وعند ما يخرج الإنسان من بابها، يجد المياه الجارية والبساتين النضرة، ونهرها يعرف بوادي العسل، سمي بذلك لحلاوته، وعليه موضع سهل، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهاية من الحسن، يعرف بالحاجبية.
ومن متنزهاتها النقا. ومقابرها حسنة، في نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة. وولاتها تتردد عليها من إشبيلية.
السلك
من كتاب أردية الشباب
أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري
كاتب المنصور بن أبي عامر ثم ولده المظفر، ذكره صاحب الذخيرة والمسهب، وكلاهما عظم محله، وذكرا: أنه كان يشبه بمحمد بن عبد الملك الزيات في البلاغة والعبقرية. وسجنه المنصور، ثم عفا عنه، وكتب له، وقد أتبع العفو بإحسان:
عجبت من عفو أبي عامر ... لا بد أن تتبعه منه
كذلك الله إذا ما عفا ... عن عبده أدخله الجنة
فاستحسن ذلك، وصرفه إلى حاله، ثم كتب بعده للمظفر، فلما قتل صهره ابن سعيد اتهمه، فسجنه في برج من طرطوشة، ثم قتله هنالك. ودخل صاعد البغدادي على المنصور في ويوم عيد، فازدحم على حافة الصهريج، فسقط في الماء، فضحك المنصور، وأمر بإخراجه، وخلع عليه، وقال له: هل حضرك شيء؟ فقال: شيئان كانا في الزمان. فاستبردوا ما أتى به فقال الجزيري: هلا قلت:
سروري بغرتك المشرقة ... وديمة راحتك المغدقه
ثناني نشوان حتى غرق ... ت في لجة البركة المطبقة
لئن ظل عبدك فيها الغريق ... فجودك من قبلها أغرقه
فقال المنصور : لله درك يا أبا مروان قسناك بأهل بغداد ففضلتهم، فبمن تقاس بعد؟ وأنهضه يومئذ للشرطة.
وشرب ليلة مع المنصور فكان ما أوجب أن ارتجل:
أرى بدر السماء يلوح حيناً ... فيبدو ثم يلتحف السحابا
وذلك أنه لما تبدى ... وأبصر وجهك استحيا وغابا
وله في اعتقاله القصيدة المشهورة الطويلة التي يوصى بها ولده؟ منها:
وبضمر الأقلام يبلغ أهلها ... ما ليس يبلغ بالجياد الضمر
؟
ومن كتاب الياقوت
أبو عمر أحمد بن النسره

من بيوتات الجزيرة، كان له أموال طائلة من الورث، فأفناها في الغبوق والصبوح وما يتبع ذلك. لقيته وهو بسبلة بيضاء، وقد اشتهر بما ينطق ب قوله:
يعيبون حملي عصى الخصا ... وما زلت مذ كنت حمالها
ولا بأس للمرء في لذة ... على أي جارحة نالها
وتركت في قيد الحياة.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن عبد الله الجزيري
برع في العلم وجال، وثار في رأسه أن يحيى سنة مهدي الغرب، وزعم أن أصحابه غيروا أمره، وقال:
في أم رأسي سر ... يبدو لكم بعد حين!
لأطلبن مرادي ... إن كان سعدي معيني
أولا فأكتب ممن سعى لإظهار ديني
واشتهر أمره، وعظم في النفوس خبره، ووضعت عليه العيون في جميع بلاد بني عبد المؤمن، وشاع عند الناس أنه يتصور في صورة قط. وكلب، وكانت العامة ترجم الكلاب والسنانير بسبب ذلك، إلى أن قبض عليه في عمل بسطة وحمل رأسه إلى مراكش.
عباس بن ناصح الثقفي الجزيري
ذكره أبو بكر الزبيدي في كتاب طبقات العلماء، وقال: إنه كان منجباً في الولادة، قد ولى قضاء بلده مع شذونة، ووليه من بيته علماء شعراء ومن كتاب المفضل المذحجي نسابة أهل الجزيرة: أن ناصحاً والد عباس كان عبداً لمزاحمة بنت مزاحم الثقفي الجزيري.
قال ابن حيان: كان عالماً شاعراً أثيراً عند الخلفاء المروانيين، ووفد مرة على قرطبة في مدة الحكم الربضي، فجاءه أدباؤها للأخذ عنه، فمرت عليهم قصيدة:
لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم ... إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم
حتى انتهى القارئ إلى قوله:
تجاف عن الدنيا، فما لمعجز ... ولا حازم إلا الذي خط بالقلم
فقال له يحيى الغزال وهو حدث أيها الشيخ، وما الذي يصنع مفعل مع فاعل؟! فقال: فكيف تقول أنت؟ قال: تجاف عن الدنيا فليس لعاجز. فقال عباس: والله لقد طلبها عمك ليالي فما وجدها! وجعله الرازي فحل شعراء الأندلس وله مشاركة في التعاليم.
أبو الحسن علي بن حفص الجزيري
ذكر الحجاري: أنه لم يلق بالجزيرة الخضراء مثله مروءة وكرم نفس، وتعشقاً لأهل الأدب، مع نظم تميل إليه النفوس، وتسر به سرورها بالكئوس.
وأنشد من شعره:
بأبي الذي صافحته فتوردت ... وجناته وانآد نحوي قده
قمر بدا كلف السرى في خده ... لما توالى في الترحل جهده
لكن معالم حسنه نمت كما ... قد نم عن صدإ الحسام فرنده
وقوله:
كم قد بكرت إلى الرياض وقضبها ... قد ذكرتني موقف العشاق
يا حسنها والريح تلحف بعضها ... بعضاً كأعناق إلى أعناق
والورد خد والأقاحي مبسم ... وغدا البهار ينوب عن أحداق
لم أنفصل عنها بكأس مدامة ... حتى حملت محاسن الأخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة الجزيرة الخضراء وهو
كتاب الإبلال في حلى قرية بني بلال
من القرى المشهورة في عمل الجزيرة الخضراء. منها:
أبو العباس أحمد بن بلال
لقيته بالجزيرة، فلقيت خير من يلقى تأنيساً وبراً وكرماً، مع تصرف في الأدب، ومعرفة بالشعر، وقول له، وتركته هنالك. ثم بلغني أنه سعى به إلى السلطان، فنفي من البلد، وفرق بينه وبين الأهل والولد. ومات طريداً غريباً، رحمة الله عليه، فقد كان مألفاً ومقصداً لغرباء الأدب. ولقد مر لي معه أيام لا يزال يتمثلها الضمير، فتميد عليها أغصانه، ويتذكرها فتشوقه أكثر مما تشوقه أوطانه. كتبت إليه في يوم أنس سمح به الزمان فكمله، وبلغ من ساعده ما تمناه وأمله:
أبا العباس لو أبصرت حولي ... ندامي بادروا العيش الهنيا
يبيحون المدام ولا انتقاد ... وقارهم ويزدادون غيا
وهم مع ما بدا لك من عفاف ... يحبون الصبية والصبيا
ويهوون المثالث والمثاني ... وشرب الراح صبحاً أو عشيا

على الروض الذي يهدي الطرف ... وأنف منظراً بهجاً وريا
وقد صدح الحمام ومال غصن ... وأمسى النهر صباً أريحيا
فلا تلم السرى على ارتياح ... حكى طرباً بجانبه سريا
ويرتاح ارتياحاً بالمثاني ... ولا ينفك بالنعمى يحيا
فبادر نحو ناد ما خلا من ... نداك فقد عهدتك لوذعيا
فكان جوابه:
أبيت سوى المعالي يا عليا ... فما تنفك دهرك أريحيا
تميل إذا النسيم سرى كغصن ... وتسرى للمكارم مشرفيا
وترتاح ارتياحاً بالمثاني ... وتقتنص الصبية والصبيا
وتهوى الروض قلده نداه ... وألبسه مع الحلل الحليا
وإن غنى الحمام فلا اصطبار ... وإن خفق الخليج فنيت حيا
تذكرني الشباب فلست أدري ... أصبحاً حين تذكر أم عشيا
فلو أدركتني والغصن غض ... لأدركت الذي تهوى لديا
ولم أترك وحقك قدر لحظ ... وقد ناديتني ذاك النديا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب كورة الجزيرة الخضراء وهو
كتاب الأهلة في حلى قرية قسطله
من قرى الجزيرة الخضراء. منها:
أبو الوليد يونس بن محمد القسطلي
شاعر مشهرو رحل إلى المشرق، وكان بالقاهرة في المائة السادسة. ومن أحسن ما سمعته هل قوله:
وفوق الدوحة الغنا غدير ... تلألأ صفحة وصفا قرارا
إذا ما انصب أزرق مستطيلاً ... تدور في البحيرة واستدارا
يجرده فم الأنبوب صلتاً ... حساماً ثم يفلته سوارا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب العاشر
من الكتب التي يحتوي عليها
كتاب المملكة الإشبيلية
وهو
كتاب الرندة، في حلى كورة رندة
كورة خصيبة كانت أولاً من كور قرطبة، ثم صارت في الأخير من كور إشبيلية، وفيها مزارع القطن كثيرة.
وينقسم كتابا على ثلاثة كتب: كتاب المعنى في حلى مدينة تاكرنا كتاب الزبدة في حلى معقل رنده كتاب رونق الجده في حلى حصن أنده
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الرنده في كورة رندة
وهو
كتاب المعنى في حلى مدينة تاكرنا
هي كانت قصبة هذه الكورة، ثم خربت. ومنها:
من كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
محمد بن سعيد الزجالي
من بني يطفت برابر تاكرنا
ذكره الحجاري وأخبر: أنه كان يلقب بالأصمعي لذكائه وحفظه، وساد بقرطبة وفشا فيها نسله، وعظم عقبه، وكان أول من استكتبه عبد الرحمن الأوسط. وذكر ابن حيان: أنه سبب سعادته أن عبد الرحمن عثرت به دابته وهو سائر في بعض الأسفار، فكاد يكبو لوجهه، فتمثل:
وما لا ترى مما يقي الله أكثر
وطلب صدر البيت فلم يوجد إلا في حفظ الزجالي، فأنشد:
ترى الشيء مما يتقي فتهابه
وكان يكتب عن الأمير، وتشاركه فيه وزراؤه على العادة، فأنف من ذلك، وكتب إليه كتاباً، منه: إن من وسم بميسم كتابته أعزه الله وشرف باسمها لجدير أن يعتلى عن كتابة وزرائه، ويزدهي بحصانة أسراره. فأفرده لكتابته، فجرت عادة. وحفظ قصيدة من سمعة. ثم استوزره محمد بن عبد الرحمن. وله في رسالة يشكو بها نصراً الخصي إلى عبد الرحمن: قد علم ما خصني به دون نظرائي من المنزلة الرفيعة التي أصبحت علماً من أجلها محسوداً، مرمياً بالحدق، تسلقني الألسن وتجول في الأفكار، وعندما استوى بناؤها، وقام عمودها، واسترخت أطنابها، سعى في هدمها من لا أزال أوثل شرف ذكره، وأجل رفيع قدره.
ابنه حامد

سلك مسلكه وارتقى إلى الكتابة عن سلطان الأندلس محمد بن عبد الرحمن ووزارته، وكان أهلاً لذلك لبلاغته، وحسن معرفته. وأثنى عليه ابن حيان، خلا أنه كان يوصف بالبخل، قال: وقيل لمؤمن بن سعيد الشاعر: ما بالك لا تسامر الوزير حامداً حسبما نراك تفعله مع الوزراء من أصحابه مع قديم اتصالك به؟ فقال: ذاك جنازة غريب لا يصحبها من صحبها إلا الله. ونمت كلمته إلى حامد، فحقدها، وشيعه مؤمن بعد أيام في خروجه من قصر السلطان إلى الدار، وهو لا ينكر منه شيئاً مما كان يعرفه، فلما أراد مؤمن الانصراف قال له حامد: أعظم الله أجرك أبا مروان، وكتب خطاك! كما يدعي لمشيع الموتى. وغلط أمامه ليلة في بعض قراءته في التراويح، فقال مكان " والزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما " فانكحوهما فقال حامد:
أبدع القارئ معنى ... لم يكن في الثقلين
أمر الناس جميعاً ... بنكاح الزانيين

أبو عامر التاكرني
كاتب المنصور بن أبي عامر الأصغر ملك بلنسية
ذكر ابن بسام: أنه كاتب مجيد، وأن أباه ساد في الدولة العامرية. ومن عنوان ما أورده من نثره قوله من رسالة عن المنصور المذكور يخاطب مجاهداً العامري، وقد أظلم بينهما الأفق: إن أولى الناس بالإصطلاح نفوس جبلت على صفو ودادها، وأحق الذنوب بالإطراح ذنوب بنيت على غير اعتقادها، وإن رسولك الكريم ورد فلم يتردد عندي إلا ريثما يقدح زند الوداد ولم يبد من إشارتك الرفيعة، سوى برق أسرى به في ظلماء القطيعة.
وكتب مجاهد إلى المنصور رقعة لم يضمنها غير قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فأحرجت المنصور، وأقامته وأقعدته، وأحضر أبا عامر فكتب عنه:
شتمت مواليها عبيد نزار ... شيم العبيد شتيمة الأحرار
فسلا المنصور عما كان فيه.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
عباس بن فرناس التاكرني
ذكر ابن حيان: أنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون. وهو مولى بني أمية، وبيته في برابر تاكرنا. وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً مفلقاً، مع علم التنجيم. وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها كتاب العروض للخليل، وكان صاحب نيرنجات، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل، حتى نسب إليه السحر وعمل الكيمياء. وكثر عليه الطعن في دينه، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة، وقال فيه مؤمن:
يطم على العنقاء في طيرانها ... إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم
وتوفي في أعقاب أيام محمد بن عبد الرحمن سنة أربع وسبعين ومائتين. فتداول صحبة السلاطين الثلاثة، ومدحهم أجمعين. وعمل المنقانه لمعرفة الأوقات، ورفعها للأمير محمد. ونشأ بينه وبين مؤمن بن سعيد مهاجاة، فأفحش الاثنان، ومن قول ابن فرناس فيه:
ترى أثر الأعراد في جحر مؤمن ... كآثار قضب في رماد مغربل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الرندية وهو
كتاب الزبدة في حلى معقل رنده
من كتاب القلائد: أحد معاقل الأندلس الممتنعة، وقواعدها السامية المرتفعة، تطرد منها على بعد مرتقاها، ودنو النجم من ذراها، عيون لانصبابها دوي كالرعد القاصف، والريح العواصف، ثم يتكون واد يلتوي بجانبها التواء الشجاع، ويزيدها في التوعر والامتناع، لا يتعذر فيها مطلب، ولا يتسور بها عدو إلا علقه ناب أو مخلب.
ومن المسهب: معقل رنده الذي تعمم بالسحاب، وتوشح بالأنهار العذاب. ووصف أهلها بالجفاء.
وأخبرني والدي موسى بن سعيد: أن أبا الفتح بن فاخر التونسي حدث له بها وحشة، فقال:
قبحاً لرندة مثلما ... قبحت مطالعة الذنوب
بلد عليه وحشة ... ما إن يفارقه القطوب
ما حلها أحد فين ... وي بعد بين أن يؤوب

لم أتها عند الضحى ... إلا وخيل لي الغروب
أفق أغم وساحة ... تملا القلوب من الكروب
لم يجر لي طرف بها ... إلا وعاجله النكوب!

السلك
من كتاب الإحكام في حلى الحكام
القاضي الكاتب أبو القاسم
أخيل بن إدريس الرندي
من المسهب: لقيته فألفيته قد برع في الآداب، وتغلغل في محاسن الشعراء والكتاب، قال: فمما أعجبني من نثره قوله من رسالة: قد تخيلت أن الهوى لا يبلغ إلى هذا الحد، كما تخيلت أنك لا تنتهي في الجفاء إلى هذا الإعراض والصد، فبت أرقب الكواكب، كأني منجم حاسب، منشداً لأفق السماء، وقد تخيل أني علقت بقمره وقاسيت منه أشد العناء:
لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك
وأنشد له قوله:
وددت أن المدام حل ... فأصرف الهم بالمدام
لكنني خائف عقاباً ... مجانب لذة الملام
يا ليتني قد خلقت من قب ... ل حرموها بألف عام
وقوله:
إلى الله أشكو ما أقاسيه من رشا ... يبين على عمد ويدنو بلا عمد
إذا غاب لم يذكر، وإن كان حاضراً ... تلون ما بين الملامة والصد
وأخبرني والي: أنه جالس تاشفين أمير الملثمين، وجالس عبد المؤمن، ونفاه عبد المؤمن إلى مكناسة، ثم عفا عنه. وهو ممن مدحه بجبل الفتح بقصيدة أولها:
ما الفخر إلا فخر عبد المؤمن
؟
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
إلياس بن صدود اليهودي الطبيب
في المسهب: أنه كان في صدر المائة السادسة، وأنشد له قوله:
لا تخدعن فما تكون مودة ... ما بين مشتركين أمراً واحدا
انظر إلى القمرين حين تشاركا ... بسناهما كان التلاقي فاسدا
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
حبلاص الشعر الرندي
كان شاعراً برندة، لا يؤبه به لاختلال عقله، وكان ساقط الهمة، لا يتعدى صلة الدرهم والدرهمين، إلى أن حل برندة أحد رؤساء الملثمين، فمدحه بقصيدة، وقع له فيها:
ولو لم تكن كالبدر نوراً ورفعة ... لما كنت عزاً بالسحاب ملثما
وما ذاك إلا للنوال علامة ... كذا القطر مهما لثم الأفق أتهما
فأعجبه هذا، وأمر له بكسوة وعشرة دنانير، فهرب حبلاص حين حصل ذلك في يده من يومه، فقيل له بعد ذلك: لم فررت بالكسوة والذهب وما ذاك إلا دليل الخير ومبشر بما بعده؟ فقال: والله ما رأيت قط في يدي ديناراً واحداً، وما حسبت أن في الدنيا من يعطي هذا العدد، فلما حصل في يدي ظننت أنه سكران أو مجنون، فبادرت الهرب خوفاً من أن يبدو له فيها!.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الكورة الرندية وهو
كتاب رونق الجده في حلى حصن أنده
من حصون رنده.
أبو بكر محمد بن عمر الأندي
قرأ معي على أبي علي الشلوبيني إمام نحاة المغرب، وشاهدت منه ذكاء مفرطاً، وإن طال به الأمد، فسيستولي على المدى، وتركته قد رجع من إشبيلية إلى بلده، ومما يستدل به على طبقته قوله:
لا تذكرن ما غاب عني من ثنا ... أطنبت فيه فليس ذلك يجهل
فمتى حضرت بمجلس وجرى به ... خبري فإن الذكر فيه يجمل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الحادي عشر من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب نيل القبلة في حلى كورة لبله
الحالي منها قعدة لبله
البساط
من كتاب الرازي: جامعة لكل وجه من الفوائد، محبوة بصنوف الخيرات، لم يبعد عنها شيء من المرافق، جمعت البر والبحر، والزرع والضرع، والنحل والنتاج، وأجناس الثمار، وكثرة الزيتون والأعناب، وأرضها يجود فيها العصفر، ويوجد في بحرها القندس، وفيها عين تنبعث بالشب، وعين تتدفق بالزاج.
العصابة

ثار فيها في مدة الملثمين البطروجي، وقاسى معه ابن غانية شدة عظيمة، ولم يقدر عليه. وثار بها في مدة ابن هود شعيب، وحاصره بها، فنزل على الأمان بعد مدة طويلة، وأغرى عليه من قتله.

السلك
من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
بيت بني الجد
بيت جليل، وهم فهريون، سكنوا لبلة، وسادوا أيضاً بإشبيلية.
أبو الحسن بن محمد بن الجد
نبه ابن بسام على أصله وذاته، وأن معاقرة الدنان غضت منه. وقد استكتبه ابن عمار لما ملك مرسية.
ومما أنشده من شعره قوله:
فطولك في إرعاء سمعك ساعة ... لتسمع ما شطت به عنك أزمان
وراجع ولو في صفحة الماء راقماً ... وطالع فيكفيني من الطرس عنوان
ووصفه الحجاري بحب الغلمان.
أبو القاسم بن الجد محمد بن عبد الله
من الذخيرة: قريع وقتنا، ووحيد عصرنا. وأنثى عليه ذاتاً وأصلاً. وذكر: أن أهل لبلة ولوه خطة الشورى. وكان قد تقلد وزارة الراضي ابن المعتمد بن عباد. وأورد من نثره ونظمه ما هو مندمج فيما نورده.
ومن كتاب القلائد: راضع ثدي المعالي، المتواضع العالي، آية الإعجاز، في الصدور والأعجاز، جمع طبع العراق وصنعة الحجاز، وأقطع استعارته جانبي الحقيقة والمجاز، وأنشد من شعره قوله:
أما ونسيم الروض طاب به فجر ... وهب له من كل زاهرة نشر
تحامى له عن سره زهر الربا ... ولم يدر أن السر في طيه نشر
ففي كل سهب من أحاديث طيبه ... تمائم لم يعلق بحاملها وزر
لقد فغمتني من ثنائك نفحة ... ينافسني في طيب أنفاسها الزهر
تضوع منها العنبر الورد فانثنت ... وقد أوهمتني أن منزلها الشحر
سرى الكبر في نفسي بها ولربما ... تجانف عن مسرى ضرائبها الكبر
وشيب بها معنى من الراح مطرباً ... فخيل لي أن ارتياحي بها سكر
أبا عامر أنصف أخاك فإنه ... وإياك في محض الهوى الماء والخمر
أمثلك يبغي في سمائي كوكباً ... وفي جوك الشمس المنيرة والبدر
ويلتمس الحصباء في ثغب الحصى ... ومن بحرك الفياض يستخرج الدر
ومن نثره: مرحباً أيها البر الفاتح، والروض النافح، فما أحسن تولجك، وأعطر تأرجك، لقد فتحت للمخاطبة باباً، طالما كنت له هياباً، ورفعت حجاباً، ترك قلبي وجابا، وما زلت أحوم عليها شرعة، فلا أسيغ منها جرعة.
أبو عامر أحمد بن عبد الله بن الجد
من سمط الجمان: بدر تطلع في سماء الجلالة، وغصن تفرع في أرومة الشرف والأصالة، لم يدنس ثوب شبيبته براح، ولا أنفق أيام غرارته في لهو ولا أفراح.
وأنشد من شعره قوله:
لله ليلة مشتاق ظفرت بها ... قطعتها بوصال اللثم والقبل
نعمت فيها بأوتار تعللني ... أحلى من الأمن أو أمنية الغزل
وأكؤس نتعاطاها على مقة ... حتى الصباح فيا للأنس والجذل
أحبب إلي بها إذ كلها سحر ... صممت فيها عن العذال والعذل
وقوله:
ظلمتني بهجرها ثم قالت ... أنت مني بكل هجر حقيق
حين لم تكتم الهوى، قلت: كلا ... إن عهدي في كتم ما بي وثيق
ليس إلا قتلى أردت وإلا ... كيف يبدي هواك صب شفيق؟
أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد
جل قدره في إشبيلية، وكان يعرف بالحافظ، لكونه كان أعجوبة في سرعة ما يحفظه، وبلغ به العلم إلى مرتبة علية، بحيث أن كان يوسف بن عبد المؤمن ينزل له عن فرسه إذا خرج للقائه. ولم يشتهر بالشعر، وإنما اشتهر بحفظ المذهب المالكي والحديث، وكان بينه وبين عظيمة عدواة، فقال فيهم:
وا عجباً كيف لان قلبي ... من بعد ما قسوة عظيمه
صيرني الحب بعد عقلي ... كأنني من بني عظيمه
وعقبه في إشبيلية إلى الآن في نهاية من النباهة.
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن عياض اللبلي

كان نحوياً أديباً، مصدراً للإقراء في قرطبة في صدر دولة بني عبد المؤمن. وله المقامة المشهورة بالدوحية، ترجمت عن لطافته ومعرفته وانطباعه.
أولها: قال ميزان الأشواق، ومعيار المحبين والعشاق: نبت بي معاهد الأحباب، في ريعان الشباب، لقينة أذكت نيرانها، وألقت بمسقط الرأس جرانها، فامتطيت الليل طرفاً، ومزقت السنان طرفاً، وجعلت أمسح الأرض نجداً ووهداً، وأستطعم الآمال صاباً وشهداً، كالعنز لا يستقر بمنزل، ولا وجد عن رحلة بمعزل، أصعد من خصور القيعان، إلى روادف الرعان، وأنحدر من متون الهضاب، إلى بطون اليباب، حتى عجمتني أنياب النوائب، وتقاذفت بي صدور المشارق إلى أعجاز المغارب، وقد حللت من الاغتراب بين الذروة والغارب، وكنت أكلف بالبلدة الحمراء، كلف الكمي بالصعدة السمراء، وأحن إلى جوارها، حنين الناقة إلى حوارها، للذي اشتهر من حسنها وطيبها وخصبها، واختيالها في حلل شربها وعصبها، فهداني إليها حادي الاغتراب، وتطاوحت بي إليها طوائح الاضطراب، ولا أمل إلا اعتلاق خل ظريف، والإصغا إلى نبأ طريف. وأنشد فيها:
عربد بالهجر والعتاب ... نشوان من خمرة الشباب
طفا على ريقه حباب ... فاحتجب الخمر بالحباب
أنكرت إلا سقام طرف ... وأي سيف بلا ذباب
إن أنا لاحظته توارى ... من دمعة العين في حجاب
أبصرته جدولاً وورقاً ... من دمع عيني وانتحابي
لم تستبق سلوة وحب ... إلا وطرف السلو كابي
ومن أخرى:
تقاذفت الأيام بي وسط لجة ... من الهجر لا يبدي لها الوصل ساحلا
لعل الرضا يدني من القمر السها ... ويجمعنا غصنين: غضا وذابلا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني عشر من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الإشبيلية وهو
كتاب الحلة المعجبة في حلى كورة أونبة
من الكور البحرية الغربية
ينقسم كتابها إلى: كتبا الأصوات المطربة في حلى مدينة أونبة كتاب عهد الصحبة في حلى مدينة ولبة كتاب الترقيش في حلى جزيرة شلطيش كتاب المقلة الساجية في حلى قرية الزاوية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب الحلة المعجبة في حلى كورة أونبة وهو
كتاب الأصوات المطربة في حلى مدينة أونبة
هي حالية
البساط
غرب من مدينة لبلة إلى جهة البحر، وهي قاعدة عملها
العصابة
توارث إمارتها البكريون، ورئيسهم المشهور أبو زيد عبد العزيز بن محمد البكري. ومنه أخذها المعتضد بن عباد، ولحق هو بقرطبة.
السلك
أبو عبيد عبد الله بن صاحب أونبة
أبي زيد عبد العزيز البكري
من الذخيرة: كان بأفقنا آخر علماء الجزيرة بالزمان، وأجلهم في البراعة والإحسان. كأن العرب استخلفته على لسانها، أو الأيام ولته زمام حدثانها. وأثنى على سلفه، ووصفه بمعاقرة الراح، وأنشد له:
خليلي إني قد طربت إلى الكاس ... وتقت إلى شم البنفسج والأس
فقوما معي نلهو ونستمع الغنا ... ونسرق هذا اليوم سراً من الناس
ومن القلائد: عالم الأوان ومصنفه، ومقرط البيان ومشنفه، بتواليف كأنها الخرائد، وتصانيف أبهى من القلائد، حلى بها من الزمان عاطلاً، وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً، ووضعها في فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع. وأما الأدب فهو كان منتهاه، ومحل سهاه، وقطب مداره، وفلك تمامه وإبداره، وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرى، والآذان للبشرى. وأنشد له في خط ابن مقلة:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو بدت مقلا
ومن رسالة: وله المنة في ظلام كان أعزه الله صبحة، ومستبهم غدا شرحه.
أبو الحسن حكم بن محمد
غلام أبي عبيد البكري

من الذخيرة: أبو الحسن في وقتنا بحر من بحور الكلام، قذف بدر النظام، فقلده أعناق الأيام، أحسن من أطواق الحمام. وذكر: أنه من شعراء الدولة العبادية، وزهد بعدها في الشعر. وهو مولى البكريين. وأنشد له ما يبين الغرض منه فيما اخترته منه.
من كتاب القلائد: ذو الخاطر الجائش، الباري لنبل المحاسن الرائش، الذي اخترع وولد، وقلد الأوان من إحسانه ما قلد، طلع في سماء الدولة العبادية نجماً، وصار لمسترق سمعها رجماً، وكان له فيها مقام محمود، وتوقد لا يشوبه خمود، ثم استوفى طلقه، ولبس العمر حتى أخلقه، فصحب الدولة المرابطية برهة من الزمان، لا يألو نحرها تقليد لآلئ وفرائد جمان. وأنشد من شعره قوله:
أرقني بعدك البعاد ... فناظري كحله سهاد
يا غائباً وهو في فؤادي ... إن كان لي بعده فؤاد
الله يدري وأنت تدري ... أن اعتقادي لك اعتقاد
تذكر والحادثات بله ... ليس لها ألسن حداد
ونحن في مكتب المعالي ... يصبغ أفواهنا المداد
يسدل ستر الصبا علينا ... والأمن من تحتنا مهاد
لا نتهدي لما خلقنا ... نجهل ما الكون والفساد
تكلؤنا من حفاظ بكر ... لواحظ ما لها رقاد
وهمة ناصت الثريا ... تقود صعباً ولا تقاد
أذمة بيننا لعمري ... يحفظها السيد الجواد
حسب العدا منك ما رأوه ... لا وريت للعدا زناد
لم يعلم الصائدون منهم ... أنك عنقاء لا تصاد
وأن في راحتيك سعداً ... تندق من دونه الصعاد

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة وهو
كتاب عهد الصحبة في حلى مدينة ولبة
من عمل أونبة، ينسب إليها:
ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن سليمان
المعروف بابن القصيرة الولبي
من الذخيرة: هو في وقتنا جمهور البراعة، وقدوة أهل الصناعة، نشأ في دولة المعتضد، واعتنى به أبو الوليد بن زيدون فقدمه عنده، ثم تقدم عند المعتضد، وصيره سفيراً بينه وبين يوسف بن تاشفين، إلى أن نكب مع المعتمد، ثم اشتمل عليه أمير الملثمين.
ومن القلائد: غرة في جبين الملك، ودرة لا تصلح إلا لذلك السلك، باهت به الأيام، وتاهت في يمينه الأقلام، واشتملت عليه الدول اشتمال الكمام على النور، وانسربت إليه الأماني انسراب الغمام إلى الغور.
فمن نثره قوله: وافتني أطال الله بقاءك أحرف كأنها الوشم في الخدود تميس في حلل إبداعها، وإنك لسابق الحلبة لا يدرك غبارك في مضمارها، ولا يضاف سرارك إلى إبدارها، وما أنت في أهل البلاغة إلا نكتة فلكها، ومعجزة تشرف، الدول بتملكها، وما كان أخلقك بملك يدنيك، وملك يقتنيك، ولكنها الحظوظ لا تعتمد من تتجمل به وتتشرف، ولا تقف إلا على من توقف، ولو أنفقت بحسب الرتب لما ضربت عليك إلا قبابها، ولا عطفت عليك إلا أثوابها، وأما ما عرضته فلا أرى إنفاذه قواما، ولا أرى لك أن تترك عيون رأيك نياما، ولو كففت عن هذا الخلق، وانصرفت عن تلك الطرق، لكان الأليق بك، والأذهب مع حسن مذهبك.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة هو
كتاب الترقيش في حلى جزيرة شلطيش
جزيرة في البحر المحيط. فيها مدينة صغيرة حصينة. منها:
الفقيه الكاتب أبو بكر
محمد بن يحيى الشلطيشي
المعروف بابن القابلة
من السمط: ذو المنزع اللطيف، والتلون الظريف، وسالك مهيع ابن العريف، وملبس سوقة المعاني حلل اللفظ الشريف. كان حين تهدل غصون آدابه، وترفل أيام شبابه في ذيول أرابه، يندى مجلسه بقطر الأدب الغض، ويفري الفرى لسانه وعيناه لا يبرح مغرزها من الأرض. عنوان ما أورده من نثره: من رسالة كتب بها إلى يحيى بن غانية:

أما بعد، فإن الله تعالى يقول: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " إنه قد عمت الرزايا والمصائب، وشملت الفتن المشارق والمغارب، وهلك فيها إلا ما شاء الله الشاب والشائب، وعادت زاهرات الأمصار موحشة خرائب، وعامرات الأقطار مقفرة سباسب، بما كسبت أيدي الناس ولولا حلم الله وإمهاله ليتوب إلهي عبيد ه، ويرجع عما يكرهه إلى ما يريده، لكان الإبلاس، ولرفع من الرحمة المساس.
ومن أخرى: الحمد لله عالم السر والعلن، والصلاة على سيدنا محمد رسوله شارع الفرض والسنن، ورضي الله عن الصحابة الذين شاهدوا من النبوة أعلامها، وصاحبوا كيفما تقلبت أيامها، والتزموا من غير أن يجدوا في أنفسهم حرجاً أحكامها، وعن التابعين وتابعيهم المحسنين الذين نالوا من الولاية حالها ومقامها، وإيجادها فناء وبقاء وإعدامها، وإثباتها على فلك واصطلامها.

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب كورة أونبة.
وهو
كتاب المقلة الساجية في حلى قرية الزاوية
ذكر الحجاري: أنها ما أعمال أونبة. نسب إليها بنو حزم
الوزير العالم الحافظ
أبو محمد علي بن الوزير
أبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي مولى بني أمية
من الذخيرة: كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمكن نائله. وقال ابن حيان في المتين: كان حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، له في بعض تلك الفنون كتب كثيرة، غير أنه لم يخل فيها من غلط وسقط، لجراءته في التسور على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسططاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض في كتبه. ومال أولاً به النظر في الفقه إلى رأي الشافعي، وناضل عن مذهبه، وانحرف عما سواه حتى وسم به، ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر، إلى قول أصحاب الظاهر، مذهب داود بن علي ومن ابتعه من فقهاء الأمصار، فنقحه، ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله، رحمه الله. وكان يجادل عن علمه هذا من خالفه، على استرسال في طباعة، ومذل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " فلم يك يلطف بما عنده بتعريض، ولا يزفه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه أحر من الخردل، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره، بقرية بلده، من بادية لبلة. وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وكان متشيعاً في بني أمية منحرفاً عمن سواهم من قريش، وادعى أنه من الفرس، وهو خامل الأبوة من عجم لبلة. وصله من ابن عمه أبي المغيرة رسالة فيها ما أوجب أن جاوبه بهذه: سمعت وأطعت لقول الله تعالى: " وأعرض عن الجاهلين " وأسلمت وانقدت لقول نبيه عليه السلام: " صل من قطعك، واعف عمن ظلمك " ، ورضيت بقول الحكماء: كفاك انتصاراً ممن تعرض لأذاك إعراضك عنه، وأقول:
تبغ سواي امرءاً يبتغي ... سبابك، إن هواك السباب
فإني أبيت طلاب السفاه ... وصنت محلى عما يعاب
وقل ما بدا لك من بعد ذا ... فإن سكوتي عنه خطاب
وأقول:
كفاني بذكر الناس لي ومآثري ... ومالك فيهم يا ابن عمي ذاكر
عدوي وأشياعي كثير، كذاك من ... غدا وهو نفاع المساعي وضائر
وإني وإن آذيتني وعققتني ... لمحتمل ما جاءني منك صابر
قال قصيدة منها:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ... أجد علا ما ضاع من علمي النهب
وله على مذهبه:
وذي عذل فيمن سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول:
أمن أجل وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت عليل

فقلت له: أسرفت في اللوم فاتئد ... فعندي رد لو أشاء طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ... على ما أرى حتى يقوم دليل
وله:
يقول أخي: شجاك رحيل جسمي ... وقلبي عندكم أبداً مقيم
فقلت له: المعاين مطمئن ... لذا سأل المعاينة الكليم
وله في غلام ناحل:
وإن غصناً أبداً لا تزول ... عليه شمس لحر بالذبول

ابن عمه أبو المغيرة عبد الوهاب
ابن أحمد بن عبد الرحمن
بن سعيد بن حزم
من الذخيرة: لحق ببلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في النظم والنثر، وكتب عن عدة من الملوك ونال حظاً عريضاً من دنياهم، إلا أنه اعتبط شاباً بعد أن ألف عدة تواليف. وشجر الأمر بينه وبين ابن عمه أبو محمد ابن حزم، وجرت بينهما هنات ظهر فيها أبو المغيرة، وبكته، حتى أسكته.
جواب أبي المغيرة للرسالة المتقدمة: قرأت هذه الرقعة العاقة، فحين استوعبتها أنشدتني:
نحنح زيد وسعل ... لما رأى وقع الأسل
فأردت قطعها، وترك المراجعة عنها، فقالت لي نفس قد عرفت مكانها: بالله لا قطعتها إلا يده، فأثبت على ظهرها، ما يكون سبباً إلى صونها، وقلت:
نعقت ولم تدر كيف الجواب ... وأخطأت حتى أتاك الصواب
وأجريت وحدك في حلبة ... نأت عنك فيها الجياد العراب
وبت من الجهل مستنبحاً ... لغير قرى فأتتك الذئاب
مملكة بطليوس
كتاب الفردوس في حلى مملكة بطليوس
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث من الكتب التي يحتوي عليها غرب الأندلس وهو
كتاب الفردوس في حلى مملكة بطليوس
مملكة جليلة في شمال الأندلس، وقد استولى عليها النصارى، وكتابها ينقسم إلى: كتاب الأمثال الشاردة في حلى مدينة ماردة كتاب نزع القوس في حلى مدينة بطليوس كتاب نغم المغردين في حلى حصن مدلين كتاب الجنة في حلى حصن قلنة كتاب الروضة المزهرة في حلى مدينة يابره كتاب وشي الحلة في حلى مدينة ترجلة كتاب حسن الغانية في حلى حصن جلمانية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب الأمثال الشاردة في حلى مدينة ماردة
المنصة
من كتاب الرازي: إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار، وفيها من إظهار القدرة الماء المجتلب المحجوب عليه بأبنية، أعجزت الصانعين صنعتها. ويحكى أنه كان في كنيستها حجر يضيء الموضع من نوره، فأخذته العرب أول دخولها.
التاج
قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريراً لسلطنة الأندلس، وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء بيتهم، وكثيراً ما تخالف عليهم، ثم صار الكرسي بطليوس، وهي الآن للنصارى.
السلك
أبو الربيع سليمان بن محمد
بن أصبغ بن وانسوس
أصله من البربر، ولآبائه رئاسة في مدينة ماردة، وساد هو في حضرة قرطبة وصار وزيراً، وجل قدره وله نثر متأخر الطبقة، ونظم، منه قوله:
كيف لي أن أعيش دونك يا بد ... ر الدياجي وأنت مني بعيد
إن يوماً أراك فيه ليوم ... في حسابي مدى الزمان سعيد
ومرادي ألا أراك تداني ... غير وصلي وذاك مالا تريد
وقوله:
الحب علم مقلتي أن تسهرا ... وقضي علي بأن أذل وأصبرا
يا مشبه القمرين مالك معرضاً ... عني وإني لا أزال محيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب نزع القوس في حلى مدينة بطليوس
المنصة
من كتاب الرازي: مدينة عظيمة كثيرة الحذق، جامعة للخلق، أرضها كريمة، وهي على نهر أنة.

ومن المسهب: حاضرة بلاد الجوف التي تمصرت فيها، و تأهلت بتوارث المملكة الأفطسية على جميع ما يليها، قد خطت في بسيط من الأرض، مخضر الأبراد، منفسح المراد، وأوفت على النهر الأعظم المعروف بنهر أنة، وليس الآن في بلاد الجوف قاعدة أعظم منها. وبنى فيها المتوكل بن الأفطس المباني الطيبة، والمصانع الجليلة. وفيها يقول ابن الفلاس:
بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد ... فلله غور من جنابك أو نهد
ولله دوحات يحفك بينها ... تفجر واديها كما شقق البرد

التاج
ذكر ابن حيان: أن الذي أحدث هذه المدينة، وكان أول بان لها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليقي. وكان ابتداء خلافه على سلاطين بني مروان سنة إحدى وستين ومائتين، وتوارثها ولده.
وصارت في مدة ملوك الطوائف بعد انقراض دولة بني أمية من الأندلس إلى بني الأفطس. وأولهم: المنصور عبد الله الأفطس بن سلمة، ثم ورثها عنه ابنه المظفر أبو بكر محمد، وكان قريع المعتضد بن عباد ومحاربه، وهو الذي صنف كتاب المظفري في الأدب والتاريخ، نحو مائة مجلد. وورثها بعده ابنه:
المتوكل عمر بن المظفر
من المسهب: كان المتوكل في حضرة بطليوس، كالمعتمد بن عباد في حضرة إشبيلية، فكم أحييت الآمال بحضرتهما، وشدت الرحال إلى ساحتهما.
ومن القلائد: ملك جند الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته المال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافدين وساحة، ونظم شعر يزري بالدر النظيم، و نثر تسرى رقته سرى النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع. وآل أمره إلى أن حصره الملثمون، وقتلوه مع ولديه الفضل والعباس. وعنوان طبقته في النظم قوله يستدعي الوزير أبا غانم لمنادمته:
انهض أبا غانم إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا
فنحن عقد من غير وسطى ... ما لم تكن حاضراً لدينا
وعنوان نثره قوله لولده العباس: قبولي لتنصلك من ذنوبك موجب لجراءتك علي، وعودتك إليها. واتصل ما كان من خروج فلان عنك، ولم تثبت في أمره، ولا تحققت صحيح خبره، حين فر عن أهله ووطنه، والعجلة من النقصان، وليس يحمد قبل النضج بحران، وهذا الذي أوجبه إعجابك بأمرك، وانفردك برأيك، ومتى ما لم ترجع عما عودت به نفسك، فأنا والله أريح نفسي من شغبك.
السلك
من كتاب تلقيح الآراء في حلى الكتاب والوزراء
ذو الوزارتين أبو الوليد الحضرمي
استوزره المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس، فداخله عجب، وتيه، وتجبر مفرط، كرهه من أجله أصحاب الدولة، فعزله المتوكل.
ومن شعره قوله:
كيف لا أعشق الملاح إذا ما ... كان عشق الملاح يحي السرورا
وأحث الكؤوس بين البساتي ... ن وأدعو هناك بما وزيرا؟!
ذو الوزارتين أبو عبد الله محمد بن أيمن
هو مذكور في الذخيرة، استوزره المتوكل. من نثره: ما تحول إلا إلى أعمالك، ولا انتقل إلا من يمينك إلى شمالك، وعنده تذكر لحسن معاهدة، وطيب مشاهدة، ولا يزال يشكر سوالف نعمك، وينشر مطاوي منازعك الجميلة وهممك.
ابنه
أبو الحسن محمد بن أيمن
من السمط: له، وهو عنوان طبقته:
وليلة خضت فيها لجة الظلم ... وقد جعلت حسامي موضع القلم
إلى التي فتكت في القلب مقلتها ... حتى فشا سقمي من طرفها السقم
لما حللت بها قالت وقد وجلت: ... أما اتقيت أسود الغاب والأجم
فقلت: أهلاً بما يجري القضاء به ... لم أشر وصلك حتى بعت فيه دمي
فبت شربي ونقلي طول ليلتنا ... عض الثدي ورشف الأشنب الشبم
فيا لها ليلة ما كان أطيبها! ... نامت عيون العدا فيها ولم أنم
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
بنو القبطورنة
أبو بكر عبد العزيز
وأبو محمد طلحة
وأبو الحسن محمد
من القلائد: هم للمجد كالأثافي، وما منهم إلا موفور القوادم والخوافي، إن ظهروا زهروا، وإن تجمعوا تضوعوا، وإن نطقوا صدقوا، ما وهم صفو، وكلهم كفو.
وذكر: أنهم باتوا ليلة على راحة، فلما هم رداء الفجر أن يندى، وجبين الصبح أن يتبدى قام أبو محمد فقال:

يا شقيقي أتى الصباح بوجه ... ستر الليل نوره وبهاؤه
فأصطبح، واغتنم مسرة يوم ... ليس تدري بما يجئ مساؤه
ثم استيقظ أخوه أبو بكر، وقال:
يا أخي قم تر النسيم عليلاً ... باكر الروض والمدام الشمولا
لا تنم، واغتنم مسرة يوم ... إن تحت التراب نوماً طويلا
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن، فقال:
يا صاحبي ذرا لومي ومعتبتي ... قم نصطبخ خمرة من خير ما ذخروا
وبادرا غفلة الأيام واغتنما ... فاليوم خمر ويبدو في غد خبر
ومن محاسن أبي بكر قوله:
دعاك خليلك واليوم طل ... وعارض وجه الثرى قد بقل
لقدرين فاحا وشمامة ... وإبريق راح، ونعم المحل
ولو شاء زاد ولكنه ... يلام الصديق إذا ما احتفل
وقوله:
هلم إلى روضنا يا زهر ... ولح في سماء العلا يا قمر
إذا لم تكن عندنا حاضراً ... فما لعيون الأماني ممر
وقعت من القلب وقع المنى ... وحسنت في العين حسن الحور
ولأبي الحسن:
ذكرت سليمى، وحرى الوغى ... كجسمي ساعة فارقتها
وأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
الأديب الأعلم
أبو إسحاق إبراهيم البطليوسي
قرأ عليه بإشبيلية، ولم أر في أشياخ الأدباء أصعب خلقاً منه، ومما يدلك على ذلك قوله في إشبيلية جنة الدنيا:
يا حمص لا زلت داراً ... لكل بؤس وساحه!
ما فيك موضع راحة ... إلا وما فيه راحه!
الأديب أبو الأصبغ القلمندر
وصفه الحجاري بمعاقرة المدام، وملازمة الندام، وأنشد له قوله:
جرت مني الخمر مجرى دمي ... فجل حياتي من سكرها!
ومهما دجت ظلمات الهموم ... فتمزيقها بسنا بدرها
وكان يقول: أنا أولى الناس بألا يترك الخمر، لأنني طبيب أحبها عن علم بمقدار منفعتها. وأمر المظفر بن الأفطس بقطع لسانه لكثرة أذيته.
ومن كتاب مصابيح الظلام
أبو عبيد الله محمد بن البين البطليوسي
من الذخيرة: أنه كان مشغوفاً بطريقة ابن هانئ الأندلسي، كقوله:
غصبوا الصباح فقسموه خدوداً ... واستوهبوا قضب الأراك قدودا
ورأوا حصى الياقوت ودون محلهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا
واستودعوا حدق ألمها أجفانهم ... فسبوا بهن ضراغماً وأسودا
لم يكف أن سلبوا الأسنة والظبي ... حتى استعانوا أعيناً ونهوداً
وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا
وهو من شعراء المائة الخامسة.
الأهداب
من موشحات الكميت
سرى طيف الخيال ... من أم جندب
لتجديد الوصال ... والعهد الأول
فطال ما منعت ... طيف خيالها
وعز ما حرمت ... عطف وصالها
حتى إذا خطرت ... يوماً ببالها
هبت ريح الشمال ... من نشر طيب
بالمسك والغوالي ... ونشر مندل
بقيتم لا عدمتم ... يا أهل مسلمه
وليتم فأوليتم ... نعمي ومكرمه
ومن هذا لبستم ... ثياباً معلمه
من الطراز العالي ... من نسج يعرب
فيها طرز المعالي ... بأعلى منزل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب المغردين في حلى حصن مدلين
من حصون بطليوس. منه:
الوزير الكاتب
أبو زيد بن عبد الرحمن بن مولود
من المسهب: بنو مولود أعيان مدلين. ونجب منهم أبو زيد، وعلا إلى درجات الوزراء والكتاب عند المتوكل بن الأفطس. ومن شعره قوله:
أرني يوماً من الده ... ر على وفق الأماني

ثم دعني بعد هذا ... كيفما شئت تراني

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب الجنة في حلى حصن قلنة
من الحصون البطليوسية، وهو الآن للنصارى. منه:
الكاتب أبو زكريا يحيى بن سعيد
ابن مسعود الأنصاري
من علية الكتاب وذوي الجاه الطويل العريض فيهم، اشتهر وجل قدره بالكتابة عن أبي العلاء بن يوسف بن عبد المؤمن سلطان إفريقية، ومن شعره قوله:
تكلفني بعض الذي لو طلبته ... لديك لما أبصرتني آخر الدهر
فكن منصفاً، أولا، فدعني جانباً ... فليس لطبع الماء مكث مع الجمر
عليك سلام بعد يأس وحسرة ... وماذا الذي يبقى الرجاء مع الخبر
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليهما كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب الروضة المزهرة في حلى مدينة يابرة
البساط
مدينة يابرة من المدن المشهورة في المملكة البطليوسية، وكثيراً ما يذكرها ابن عبدون في شعره.
العصابة
كان المظفر بن الأفطس قد حصن بها ابنه المنصور، وكذلك وليها المتوكل أيضاً، وابن المتوكل. وهي الآن للنصارى.
السلك
أبو محمد بن عبدون اليابري
من القلائد: منتمى الأعيان، ومنتهى البيان، والمطاول لسحبان، والمقارع لصعصعة ابن صوحان، الذي أطلع الكلام زاهراً، ونزع فيه منزعاً باهراً، نخبة العلاء، وبقية أهل الإملاء، الشامخ الرتبة، العالي الهضبة، فاق الأفراد والأفذاذ، ومشى في طرق الإبداع الوخد والإغذاذ. الغرض مما أورده من نظمه قوله:
سقاها الحيا من مغان فساح ... فكم لي بها من معان فصاح
وحلى أكاليل تلك الربا ... ووشي معاطف تلك البطاح
فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجرى فيها ذيول المراح
ونومي على حبرات الرياض ... يجاذب بردي مر الرياح
بحيث لم أعط النهى طاعة ... ولم أصغ فيها إلى لحي لاح
وليل كرجعة طرف المريب ... لم أدر له شفقاً من صبح
وقوله:
أقول لصاحبي قم لا لأمر ... تنبه إن شأنك غير شاني
لعل الصبح قد ولى وقامت ... على الليل النوائح بالأذان
وقوله:
ولم أنس ليلتنا والعنا ... ق قد مزج الكل منا بكل
إلى أن تقوس ظهر الظلام ... وأشمط عارضه واكتهل
ومس رداء رقيق النسي ... م في عاتق الليل بعض البلل
وقوله:
هل تذكر العهد الذي لم أنسه ... ومودتي ممزوجة بصفاء
ومبيتنا في نهر حمص والدجى ... قد حل عقد حباه بالصهباء
ودموع طل الليل تخلق أعيناً ... ترنو إلينا من عيون الماء
والقصيدة الجليلة التي له في رثاء المتوكل بن الأفطس وولديه:
ما لليالي أقال الله عثرتنا ... من الليالي وخانتا يد الغير
تسر بالشيء لكن كي تضر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر
كم دولة وليت بالنصر خدمتها ... لم تبق منها، وسل ذكراك من خبر
ثم أخذ يقص دول الجاهلية والإسلام، إلى أن قال:
وليتها إذ فدت عمراً بخارجة ... فدت علياً بما شاءت من البشر
ومنها:
وأوثقت في عراها كل معتمد ... وأشرقت بقذاها كل مقتدر
وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر
بني المظفر والأيام لا نزلت ... مراحلاً والورى منها على سفر
سحقاً ليومكم يوماً ولا حملت ... بمثله ليلة في سالف العصر
من للأسرة؟ أو من للأعنة؟ أو ... من للأسنة يهديها إلى الثغر؟

من للبراء؟ أو من لليراعة؟ أو ... من للسماحة؟ أو للنفع والضرر؟
ويح السماح وويح الناس لو سلما ... وا حسرة الدين والدنيا على عمر
سقى ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزى إليهم سماحاً لا إلى المطر
ثلاثة ما رأى السعدان مثلهم ... تجهزوا فغدوا في اللحد والغير
ثلاث ما رقى النسران حيث رقوا ... وكل ما طار من نسر ولم يطر
ومر من كل شيء فيه أطيبه ... حتى التمتع بالآصال والبكر
على الفضائل إلا الصبر بعدهم ... سلام مرتقب للأجر منتظر

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
؟
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب وشي الحلة في حلى مدينة ترجلة
من مدن الجوف المشهورة، وهي الآن للنصارى. ينسب إليها:
أبو محمد عبد الله بن البنت الترجلي
من المسهب: أنه كان في جملة شعراء المظفر بن الأفطس ملك بطليوس، وله فيه من قصيدة قوله:
فتح تبسمت المنى عن ثغره ... والدهر يبصر واضحاً عن بشره
لما دجا ليل القتام بدا لنا ... منه كما انسلخ الدجى عن فجره
ومن شعره قوله:
سقنيها على النواقيس خمرا ... جمعت للعيان ماء وجمرا
من يكن منكراً لسحر فإني ... قد أرتني على الحقيقة سحرا
ولكم قد شربتها جنح ليل ... فأرتني من الزجاجة فجرا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة البطليوسية وهو
كتاب حسن الغانية في حلى حصن جلمانية
أبو زكريا محمد بن زكي الجلماني
من المسهب: كان سكناه بأشبونة، وهو من جلمانية، وكان شاعراً متجولاً على الأقطار، مستجدياً بالأشعار. له من قصيدة في المأمون بن ذي النون:
خبرت ملوك الأرض شرقاً ومغرباً ... فلم أر كالمأمون في الشرق والغرب
مقالة معضود اللسان بقلبه ... ولا خير في قول يكون بلا قلب
وقوله:
إذا خجل الورد فاشرب عليه ... وإن نظرت أعين النرجس
ولا تستمع من نصيح فما ... قوام الحياة سوى الأكؤس
مملكة شلب
كتاب الخلب في حلى مملكة شلب
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب غرب الأندلس وهو كتاب الخلب في حلى مملكة شلب
مملكة تجاور مملكة إشبيلية وهي في غربها وشمالها ويخرج في سواحلها العنبر من البحر المحيط. وينقسم كتابها على: كتاب الشرب في حلى مدينة شلب كتاب حلة الطاووس في قرية شنبوس كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمرية كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا كتاب الكواكب المطلة في حلى مدينة قسطلة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الشلبية وهو كتاب
الشرب في حلى مدينة شلب هي عروس.
المنصة
من كتاب الرازي: مبناها على نهر يمد من البحر المحيط، وبين شلب وقرطبة للراكب تسعة أيام. قال ابن سعيد: هي مدينة مستحسنة مشهورة بالأدباء، وفيها نشأ المعتمد بن عباد، وفيها قصر الشراجيب الذي قال ابن عمار فيه:
وسلم على قصر الشراجيب عن فتى ... له أبداً شوق إلى ذلك القصر
التاج
قد تقدم أن المعتمد بن عباد نشأ فيها، وولاه أبوه المعتضد مملكتها، ولما استقل المعتمد بإشبيلية ولى على شلب ابنه المعتد. وولاتها الآن من إشبيلية.
السلك من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو بكر محمد بن وزير

بنو وزير أعيان شلب، وساد أبو بكر وصار بإشبيلية من قواد الأعنة المذكورين. وله من شعر يخاطب به المنصور من بني عبد المؤمن:
ولما تلاقينا جرى الطعن بيننا ... فمنا ومنهم قائم وحصيد
فلا صدر إلا فيه صدر مثقف ... وحول الورد للحسام ورود
صبرنا ولا كهف سوى البيض والقنا ... كلانا على حر الجلاد جليد
ولكن شددنا شدة فتبلدوا ... ومن يتبلد لا يزال يحيد

ابنه
أبو محمد بن وزير
ساد في دولة بني عبد المؤمن. وهو القائل وقد ولى ابن غمر أشراف إشبيلية:
لا تيأسن من الخلافة بعدما ... ولى ابن غمر خطة الأشراف
تباً لدهر هذه أفعاله ... يضع النوافج في يدي كناف
وقتله ابن هود.
أبو الوليد بن أبي حبيب
بنو أبي حبيب من أعيان شلب
من السمط: نكتة الزمان، ونخبة الأعيان، الذي ملك الحيا عنانه، وأيدت الحكمة لسانه: وذكر: أنه عاشره بشلب، وأنشد من شعره قوله في جواب رسالة:
أهلاً بزائرة أرانا حسنها ... وجه المسرة والوفاء صقيلا
لبست من الإبداع أحسن حلة ... وغدت تجر من الوفاء ذيولا
ما زلت ألحظها بعين مهابة ... وأمد كفي نحوها تبجيلا
وأقوم إجلالاً لها لما دعت ... مني القبول وزدتها تقبيلا
وأطنب في الثناء عليه.
أبو بكر محمد بن الملح
من القلائد: حل كنف العلم والعليا، وأخذ بطريقي الدين والدنيا، وأنشد له قوله:
والروض يبعث بالنسيم كأنما ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا
سكران من ماء النعيم فكلما ... غناه طائره وأطرب رددا
يأوي إلى زهر كأن عيونه ... رقباء تقعد للأحبة مرصدا
زهر يبوح به اخضرار بنانه ... كالزهر أسرجها الظلام وأوقدا
وقوله:
حسب القوم أنني عنك سالي ... أنت تدري قضيتي ما أبالي
قمري أنت كل يوم وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
وأنشد له صاحب الذخيرة وقد حضر مع المعتضد بن عباد على راحة:
كأن سراجي شربنا في التظائه ... وأنبوب ماء الحوض في سيلانه
كريم تولى كبره من كليهما ... لئيمان في إنفاقه يعذلانه
أبنه
أبو القاسم أحمد
نشأ على عفة وطهارة وزهد، فكان أبوه يلومه على إفراطه في الزهد والاقتصار على كتب المتصوفين، ويحضه على الأدب، إلى أن اشتهر في الانخلاع، وفر إلى إشبيلية، وتزوج هنالك عاهراً ترقص في الأعراس، فكتب له أبوه شعراً، أوله:
يا سخنة العين يا بنيا ... ليتك ما كنت لي بنيا
فأجابه:
أوجفت خيل العتاب نحوي ... وقبل زينتها إليا
وقلت هذا قصير عمر ... فاربح من الدهر ما تهيا
قد كنت أرجو المتاب مما ... فتنت جهلاً به وغيا
لولا ثلاث شيوخ سوء: ... أنت وإبليس والحميا
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو الوليد حسان بن المصيصي
من الذخيرة: كان هو وابن عمار وابن الملح في شلب أتراباً متمازجين، فلما سمت الحال بابن عمار أنف ابن الملح من خدمته، ورضيها ابن المصيص، فقربه من المعتمد بن عباد، واستكتبه المأمون بن المعتمد لما ولاه أبوه مملكة قرطبة. وعنوان طبقته في النظم قوله من قصيدة في المعتمد بن عباد:
من استطال بغير السيف لم يطل ... ولم يخب من نجاح سائل الأسل
أعدتك صحبتك الأرماح شيمتها ... فانفذ نفوذ القنا في الأمر واعتدل
وإن أتتك أمور لم تعد لها ... فانهض برأيك بين الريث والعجل
اقدم على حذر وارغب على زهد ... واغلظ على رقة واسفر على خجل
جر الذيول ولكن من جحافله ... على القتاد ولكن من شبا الأسل
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو محمد عبد الله بن السيد

أحد من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية، وهو من شلب، ولازم مدينة بطليوس فعرف بالبطليوسي، وله شرح كتاب الجمل، وتصانيف في النحو، ومن شعره قوله:
إذا سألوني عن حالتي ... وحاولت عذراً فلم يمكن
أقول: بخير ولكنه ... كلام يدور على الألسن
وربك يعلم ما في الصدور ... ويعلم خائنة الأعين
وقوله:
خليلي ما للريح أضحى نسميها ... يذكرني ما قد مضى ونسيت
أبعد نذير الشيب إذ حل عارضي ... صبوت بأحداق المها وسبيت
تلاحظني العينان منها برحمة ... فأحيا، ويقسو قلبها فأموت
فيا قمراً أغرى بي النقص واكتسى ... كمالاً ووافى سعده وشقيت

ومن كتاب مصابيح الظالم في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو بكر محمد بن الروح
من شعراء دولة اللثام المذكورين، وممن تضمنه كتاب السمط وعنوان طبقته في الشعر قوله من قصيدة:
ما للزمان على محاربتي يد ... عرضي أشد من الخطوب وأنجد
من كان يحذر من غد فأنا الذي ... من بعد هذا اليوم يحذرن غد
يا ليت قومي يعلمون بأنني ... في حيث سوق الشعر ليست تكسد
ورأيت كيف هززت أجنية المنى ... لما رأيت غصونها تتأود
أبو بكر محمد بن إبراهيم
بن منخل الشبلي
ذكره صفوان في كتاب زاد المسافر، وكان بينه وبين ابن الملاح من بلده مباعدة، ونشأ ابناهما على ذلك، فعتب ابن المنخل ولده على شمته ولد ابن الملاح، فأنشده هجاء فيه لولد ابن الملاح، وكانا على واد تنق ضفادعه، فقال أبو بكر أجز: تنق ضفادع الوادي.
فقال ابنه: بصوت غير معتاد.
فقال أبو بكر: كأن ضجيج معولها.
فقال ابنه: بنو الملاح في النادي.
الأهداب
موشحة لا بن أبي حبيب
عسى لديك يا ربة القلب ... زاد لراحل
فودعي فديتك هيمانا
لا يستطيع دونك سلوانا
إذا تذكر البين أو بانا
بكى وحن إلى شلب ... حنين ثاكل
ومنها:
ما هيج الغليل على الصب ... غير الغلائل
ومنها:
فدلنا على الصبح في الحجب ... برد الخلاخل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من كتب المملكة الشلبية وهو
كتاب حلة الطاووس في حلة قرية شنبوس
من أحسن القرى وأصغرها. منها:
ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار
من القلائد: مقذف حصا القريض وجماره، ومطلع شمسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفاً عطراً ونفساً، وأثبته في شفاه الأيام لعسا.
وتلخيص أمره من القلائد والذخيرة والمسهب: أنه من هذه القرية الخاملة تأدب بشلب، وصحب المعتمد بن عباد من الصبا، ونهاه المعتضد أبوه عن صحبته، ثم خوفه ففر ابن عمار إلى سرقسطة. ثم لما استقل المعتمد بعد أبيه جاءه ابن عمار مذكراً بمودته، فتلقاه بأعظم قبول، وصار عنده كجعفر عند الرشيد، إلى أن داخل ابن عمار العجب، وسمت به نفسه إلى مجاذبة رداء الملك، فوثب على مرسية لما أخذها لابن عباد، وانفرد فيها بنفسه، و هجا ابن عباد وزوجه الرميكية، و اشتهر من ذلك قوله من القصيدة الطائرة:
ألا حي بالغرب حيا حلالا ... أناخوا جمالاً وحازوا جمالا
ومنها:
فيا عامر الخليل يا زيدها ... منعت القرى وأبحت العيالا
وأفحش غاية الفحش، ولم يفكر في العواقب. ثم إنه خرج من مرسية لإصلاح بعض الحصون فثار عليه في مرسية ابن رشيق وأغلق أبوابها في وجهه، فعدل إلى المؤتمن بن هود، ورغبه في أن يوجه معه جيشاً ليأخد له شقورة من يد عتاد الدولة فخدعه عتاد الدولة حتى حصل في سجنه، وبعث فيه ابن صمادح مالاً لعداوته له، وكذلك ابن عباد، فقال ابن عمار:
أصبحت في السوق ينادي على ... رأسي بأنواع من المال
تالله لا جار على ماله ... من ضمن بالثمن الغالي

وآل أمره إلى أن باعه من ابن عباد، فجاء به ابنه الراضي إلى إشبيلية على أسوإ حال، وسجنه ابن عباد في بيت في قصره، و لم يزل يستعطفه وهو لا ينعطف له إلى أن كان ليلة يشرب، فذكرته الرميكية به، وأنشدته هجاءه فيه، وقالت له: قد شاع أنك تعفو عنه، وكيف يكون ذلك بعد ما نازعك ملكك، ونال من عرض حرمك؟ وهذان لا تحتملهما الملوك. فثار عند ذلك، وقصد البيت الذي هو فيه، فهش إليه ابن عمار، فضربه بطبرزين شق به رأسه، ورجع إلى الرميكية، وقال: قد تركته كالهدهد. قال ابن بسام: ولذلك يقول فيه صنيعته ابن وهبون:
لله من أبكيه ملء مدامعي ... وأقول لا شلت يمين القاتل
وأجل قصائده قصيدته التي يمدح بها المعتضد بن عباد، ومن فرائدها قوله:
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى
الصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا
والروض كالحسنا كسا زهره ... وشياً وقلده نداه جوهرا
أو كالغلام زها بورد رياضه ... خجلاً وتاه بآسهن معذرا
روض كأن النهر فيه معصم ... صاف أطل على رداء أخضرا
وتهزه ريح الصبا فتخاله ... سيف ابن عباد يبدد عسكرا
عباد المخضر نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الأغبرا
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
قداح زند المجد لا ينفك من ... نار الوغى إلا إلى نار القرى
أيقنت أني من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا
ومنها:
أثمرت رمحك من رءوس ملوكهم ... لما رأيت الغصن يعشق مثمرا
وصبغت درعك من دماء كماتهم ... لما رأيت الحسن يلبس أحمرا
وقوله من قصيدة:
أذكيت دونك للعدى حدق القنا ... وخصمت عنك بألسن الأغماد
ومنها:
يفدي الصحيفة ناظري فبياضها ... بياضه وسوادها بسواد

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة
ذكر الحجاري: أنها من قرى شلب. منها:
أبو عمر
يوسف بن هارون الرمادي الكندي
من الجذوة: كثير الشعر، سريع القول، مشهور عند العامة والخاصة لسلوكه في فنون المنظوم، ومن فرائد ما أنشده من شعره قوله:
خليلي عيني في الدموع فعاينا ... إلى أين يقتاد الفراق الظعائنا
ولم أر أحلى من تبسم أعين ... غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا
وقوله:
لا تنكروا غزر الدموع فكل ما ... ينحل من جسم يصير دموعا
والعيد قد يعصي وأحلف أنني ... ما كنت إلا سامعاً ومطيعا
قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلماً ... يمنن على برده مصدوعا
وقوله:
بدر بدا يحمل شمساً بدت ... فحدها في الحسن من حده
تغرب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده
وقوله:
صد عني فليس يعلم أني ... كنت في كربة ففرج عني
وتجنى علي من غير ذنب ... فتجنى على كثير التجني
حسن ظني قضى علي بهذا ... حكم الله لي على حسن ظني
وقوله:
قفوا تشهدوا بثي وإنكار لائمي ... على بكائي في الرسوم الطواسم
أيأمن أن يغدو حريق تنفسي ... وإلا غريقاً في الدموع السواجم
فهذا حمام الأيك يبكي هديله ... بكائي فليفزع للوم اللوائم
وما هي إلا فرقة تبعث الأسى ... إذا نزلت بالناس أو بالبهائم
خلا ناظري من نومة بعد خلوة ... متى كان مني النوم ضربة لازم
وقوله:
قالوا اصطبر وهو شيء لست أعرفه ... من ليس يعرف صبراً كيف يصطبر
أوص الخلى بأن يغضي الملاحظ عن ... غر الوجوه ففي إهمالها غرر

وفاتن الحسن قتال الهوى نظرت ... عيني إليه فكان الموت والنظر
ثم انتصرت بعيني وهي قاتلتي ... ماذا تريد بقتلي حين تنتصر
يا شقة النفس واصلها بشقتها ... فإنما أنفس الأعداء تهتجر
ظلمتني ثم إني جئت معتذراً ... يكفيك أني مظلوم ومعتذر
وهو من مداح المنصور بن أبي عامر.

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمرية
مدينة مشهورة تعرف بشنتمرية الغرب، لأن هنالك شنتمرية الشرق، وهي الآن للمسلمين.
السلك
أبو الحسن بن هارون
كان بنو هارون قد ملكوا شنتمرية، وتوارثوها، وأخذها منهم المعتضد بن عباد. وأبو الحسن ممن ذكره صاحب الذخيرة وأنشد له قوله:
وحديقة شرقت بغمر نميرها ... يحكي صفاء الجو صفو غديرها
تجري المياه بها أسود أحكمت ... من خالص العقيان في تصويرها
فكأنها أسد الشرى في شكلها ... وكأن وقع الماء صوت زئيرها
وذكره الحجاري، وأنشد له هذه الأبيات.
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
أبو الفضل جعفر بن محمد بن الأعلم
من السمط: ذو اللسان الذلق، و الجبين الطلق، والدال على كرم الخلق بكمال الخلق، الذي سابق فبذ وأشرف، وناضل قادة الكلام فأنصف، وساجل بحور النثار والنظام فما تلعثم ولا توقف. وأثنى على أصله وذاته، وأنشد له قوله:
قالت وقد أقبلت ألثمها ... والخرص لا يلوي على الدهش
أفضحت نفسك؟ قلت: وا حربا ... أأموت في غرق من العطش؟
وقوله:
كتبت ولا عج البرحاء يملي ... ونار الشوق تستمري الدموعا
ولو نفسي أطاوعها لقضت ... إليكم يا أحبتي الضلوعا
وقوله:
هذا الخليج وهذه أدواحه ... جسم نسيم رياضه أرواحه
سيف إذا ركد الهواء بصفحه ... درع إذا هبت عليه رياحه
وقوله:
انظر إلى الأزهار كيف تطلعت ... بسماوة الروض المجود نجوما
وتساقطت فكأن مسترقاً دنا ... للسمع فانقضت عليه رجوما
وإلى مسيل الماء قد رقمت صنا ... ع الريح فيه من الحباب رقوما
ترمى الرياض له نثير أزاهر ... فتعيده في ضفتيه نظيما
ومدح أبا إسحاق بن أمير الملثمين يوسف.
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو الحسن صالح بن صالح الشتنمري
من شعراء المائة الخامسة المشهورين المذكورين في كتاب الذخيرة، وأحسن ما وقفت عليه من شعره قوله، على أنه قد روى لأبي محمد بن سارة، وهو أولى به:
أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ... لم يخل فيها الكاس من إعمال
فرقت فيها بين عيني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال
وقوله:
أملي من الدنيا تستر خلوة ... أبكي بها وأبث سر هواك
حول وحولك أعين ومسامع ... أخفي الهوى عنهن إذ ألقاك
حذراً عليك فديت بي ومخافة ... أن يقصروك ويحجبوا مرآك
لولا الحياء وأن تشيع سريرتي ... بددت شمل الدمع حين أراك
وقوله:
إذا هب النسيم فلا تسلني ... عن الوجد المبرح والغرام
وإن ناح الحمام فدع فؤادي ... وما أبداه من طرق الحمام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا
من المدن الغربية الشمالية.
كثير العلياوي
أديب مشهور في عصرنا، كان بإشبيلية ورحل إلى بجاية، فأكثر كلامه فيما لا يعنيه، فضرب وجرس، ونفي في البحر، فاستقر بجزيرة منورقة عند صاحبها سعيد بن حكم. ومن شعره قوله:

ليس المدامة مما أستريح له ... ولا مجاوبة الأوتار والنغم
وإنما لذتي كتب أطالعها ... وصارمي أبداً في نصرتي قلمي
وقوله:
طار الغراب لبينهم فحسبته ... إذ طار مشتملاً صميم فؤادي

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الشلبية وهو
كتاب الكواكب المطلة في حلى مدينة قسطلة
تعرف بقسطلة الغرب. منها:
أبو علي إدريس بن اليمان العبدري
أطال الإقامة في جزيرة يابسة حتى عرف منها، وله أمداح كثيرة في ملوك الطوائف. وقد ذكر صاحب الذخيرة: أن صلته على القصيدة كانت مائة دينار، ولا يمدح أحداً إلا بهذا الشرط. وأبدع شعره قوله:
ثقلت زجاجات أتتنا فرغاً ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت تستطير بما حوت ... إن الجسوم تخف بالأرواح
وقوله في لحية طويلة عريضة:
لو أنها دون السماء سحابة ... لم تخترقها دعوة المظلوم
مملكة باجة
كتاب الديباجة في حلى مملكة باجة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب الديباجة في حلى مملكة باجة
مملكة غربية شمالية قد استولى عليها النصارى، وينقسم كتابها إلى كتابين: كتاب الكواكب الوهاجة في حلى مدينة باجة كتاب الأقراط المكللة في حلى حصن مارتلة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتابين اللذين يشتمل عليهما:
كتاب مملكة باجة وهو
كتاب الكواكب الوهاجة في حلى مدينة باجة
من كتاب الرازي: مدينة باجة من أقدم مدائن الأندلس ابتنيت أيام جاسر أول القياصرة، وهو الذي ابتدأ بتذريع الدنيا وتكسيرها، وأرضها أرض زرع، وضرع، ونوارها يحسن للنحل، ويكثر عنه العسل، ولمائها خاصية في دباغ الأدم، لا يبلغه دباغ.
السلك
من كتاب الياقوت
أبو عمرو بن طيفور الباجي
بنو طيفور أعيان باجة، وقد ملكوها في وقت. وكان أبو عمرو بن طيفور في عصرنا، وهو القائل في الهيثم حافظ إشبيلية:
إنما الهيثم سفر ... من كلام الناس ضخم
لا تطالبه بفهم ... ليس للديوان فهم
ومن كتاب العلماء
أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف
من القلائد: بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يزحم، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم، كان إمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أنجاده وأغواره، وقد كان رحل إلى المشرق، فعكف على الطلب ساهراً، وقطف من العلم أزاهراً، وتغالى في اقتنائه، وثنى إليه عنان اعتنائه، حتى غدا مملوء الوطاب، وعاد بلح طلية إلى الإرطاب، فكر إلى الأندلس بحراً لا تخاض لججه، وفجراً لا يطمس منهجه، فتهادته الدول، وتلقته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدل من يانع لناضر. وأنشد له قوله:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة
وقوله يرثي ابنيه وقد ماتا مغتربين:
رعى الله قلبين استكانا ببلدة ... هما أسكناها في السواد من القلب
يقر بعيني أن أزور ثراهما ... وألصق مكنون الترائب في الترب
وأبكي وأبكي ساكنيها لعلني ... سأنجد من صحب وأسعد من سحب
فما ساعدت ورق الحمام أخا أسى ... ولا روحت ريح الصبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ... ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحن ويثنى اليأس نفسي عن الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصعب
وله كتاب المنتقى في الفقه المالكي. وناظر ابن حزم، ففل من غربه، وكان سبباً لإحراق كتبه.
الفقيه أبو عمر يوسف بن جعفر الباجي

فقيه جليل القدر رحل إلى المشرق وحج وولى قضاء حلب، وعاد إلى الأندلس فجل قدره عند المقتدر بن هود ملك سرقسطة. ومن شعره قوله يخاطب إخوانه:
سلام على صفحات الكرم ... على الغرر الفارجات الغمم
فلا أنس لا انس ذاك الحيا ... وتلك المعالي وتيك الشيم
ودنيا بكم طلقة المجتلى ... ودهراً بكم واضح المبتسم
وساعات أنس تجول النفوس ... لديها مجال حمام الحرم
أحن إليكم من شاقه ... تذكر عهدكم لم يلم
وأنشر من فضلكم ما علمت ... على أنه ظاهر كالعلم

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتابين اللذين يشتمل عليهما كتاب المملكة الباجية وهو
كتاب الأقراط المكللة في حلى حصن مارتلة
من حصون باجة، وهو معقل جليل، كان في أيدي المسلمين حين كانت بالأندلس.
منه:
الزاهد أبو عمران
موسى بن عمران المارتلي
سار بإشبيلية في طريق الزهادة، وكان الملوك يزورونه ولا يلتفت إليهم، وله نثر ونظم في الزهد والحكم مدون مشهور. ومن نثره: كل ما يفني ما له معنى. من خف لسانه وقدمه كثر ندمه. التغافل عن الجواب من فعل ذوي الألباب. من أعطاك رفده فقد منحك وده. ملك فؤاد من أفادك. ومن نظمه قوله:
إلى كم أقول ولا أفعل ... وكم ذا أحوم ولا أنزل
وأزجر عيني فلا ترعوى ... وأنصح نفسي فلا تقبل
وكم ذا تعلل لي ويحها ... بعل وسوف وكم تمطل
وكم ذا أومل طول البقا ... وأغفل والموت لا يغفل
وفي كل يوم ينادي بنا ... منادى الرحيل: الأ فانزلوا
آمن بعد سبعين أرجو البقا ... وسبع أتت بعدها تعجل
كأن بي وشيكاً إلى مصرعي ... يساق بنعشي ولا أمهل
فيا ليت شعري بعد السؤال ... وطول المقام لما أنقل
وكان ملتزماً لما ينطق به من قوله:
اسمع أخي نصيحتي ... والنصح من محض الديانة
لا تقربن إلى الشها ... دة والوساطة والأمانة
تسلم من أن تعزى لزو ... ر أو فضول أو خيانة
ومات في آخر مدة ناصر بني عبد المؤمن.
مملكة اشبونة
كتاب الرياض المصونة في حلى مملكة أشبونة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب الرياض المصونة في حلى مملكة أشبونة
مملكة جليلة على البحر المحيط في غرب إشبيلية وشمالها، وقد حصلت في يد النصارى.
وينقسم كتابها إلى: كتاب الغرة الميمونة في حلى مدينة أشبونة كتاب حديقة الأحداق في حلى دولة القبذاق كتاب النكهة العطرة في حلى مدينة شنترة كتاب عرف النسرين في حلى شنترين
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب الغرة الميمونة في حلى مدينة أشبونة
هي عروس
المنصة
من كتاب الرازي: مدينة قديمة في غرب باجة، ولها أثرة فاضلة في طيب الثمرات وتمكن في ضروب الصيد براً وبحراً، وبزاتها الجبلية أطير البزاة وأعتقها، وفي جبالها شورة النحل، وهو العسل الخالص البياض كالسكر، ويوضع في خرقة، فلا يكون له رطوبة.
التاج
كانت في مدة ملوك الطوائف للمتوكل بن الأفطس وقد ولي عليها أبا محمد بن هود المهاجر إليه من سرقسطة. وأخذها النصارى في آخر مدة الملثمين.
السلك
محمد بن سوار الأشبوني
شاعر مشهور مذكور في كتاب الذخيرة أسره النصارى وجرت عليه محن، وفداه منهم ابن عشرة كريم سلا، فله فيه أمداح كثيرة، منها قوله:
رأيتك أندى الناس كفاً وكل ما ... تجود به فالله ينميه للأخرى

ولولاك ما فك السلاسل ضاغط ... وما فارقت عيناي سلسلة الأسرى
وصيرت عيشي في جنابك بالذي ... مننت به حلواً وكم ذقته مرا
على ذاك لا أنفك أخلص داعياً ... إلى الله أن ينمي لك الجاه والعمرا
وقوله:
أحب سلا من أجل كونك من سلا ... فكل سلاوي إلى حبيب
لصيرتها مصراً ونيلك نيلها ... وكفك بطحاها وأنت خصيب

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب حديقة الأحداق في حلى قرية القبذاق
من قرى أشبونة.
أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا
الأشبوني القبذاقي
شاعر مشهور مذكور في الذخيرة، سافر إلى حضرة مالقة ومدح بها الخليفة إدريس بن يحيى بن علي بن حمود الفاطمي بالقصيدة المشهورة في الآفاق التي منها:
ألبرق لائح من أندرين ... ذرفت عيناك بالدمع المعين
ولصوت الرعد زجر وحنين ... ولقلبي زفرات وأنين
لعبت أسيافه عارية ... كمخاريق بأيدي اللاعبين
وأنادي في الدجى عاذلتي ... ويك! لا أسمع قول العاذلين
عيرتني بسقام وضني ... إن هذين لزين العاشقين
قد بدا لي وضح الصبح المبين ... فاسقنيها قبل تكبير الأذين
مزة صافية مشمولة ... لبثت في دنها بضع سنين
نثر المزج على مفرقها ... درراً عامت فعادت كالبرين
مع فتيان كرام نجب ... يتهادون رياحين المجون
ويسقون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأس من معين
شربوا الراح على خد رشا ... نور الورد به والياسمين
رجلت داياته عامدة ... سبج الشعر على عاج الجبين
فانثنى غصن على دعص نقاً ... ودجا ليل على صبح مبين
وجناح الجو قد بلله ... ماء ورد الصبح للمصطبحين
والندى يقطر من نرجسه ... كدموع أسبلتهن الجفون
وانبرى جنح الدجى عن صبحه ... كغراب طار عن بيض كنين
وكأن الشمس لما أشرقت ... فانثنت عنها عيون الناظرين
وجه إدريس بن يحيى بن ... علي بن حمود أمير المؤمنين
قال الحجاري: أنشده هذه القصيدة خلف حجاب على عادتهم في ذلك، فلما بلغ إلى قوله:
كتب الجود على أبوابه ... ادخلوها بسلام آمنين
انظرونا نقتبس من نوركم ... إنه من نور رب العالمين
أمر برفع الحجاب، حتى نظر إليه، وأفرغ سابغ إحسانه عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب النكهة العطرة في حلى مدينة شنترة
البساط
هي مدينة مشهورة بالخصب وبها التفاح العجيب الذي حكى ابن اليسع وغيره: أنه لا تحمل الدابة منه إلا ثلاث حبات، وهي الآن للنصارى.
السلك
بكار بن داود المرواني
ذكر صاحب سفط. اللآلي: أنه من ولد عبد الله بن عبد الملك بن مروان. مولده في صفر سنة أربعين وأربعمائة في مدينة شنترة، ثم انتقل إلى قرطبة، ثم استوطن أشبونة، وكان غاية في الزهد، مطرحاً لنفسه، ومات في جهاد العدو. واجتمع به، وأنشده من شعره، فأنشده صاحب السفط لنفسه قوله:
أبطأت عني وإني ... لفي اشتياق شديد
وفي يدي لك شيء ... قد قام مثل العمود
لو ذقته مرة لم ... تعد لهذا الصدود
فقال له بكار: أما في شعرك أطهر من هذا؟ فأنشده:
ولما وقفت على ربعهم ... فجرعت وحدي بالأجرع
وأرسل جفني سرار الدموع ... لنار تأجج في الأضلع

فقال عذولي لما رأى ... بكائي: رفقاً على الأدمع
فقلت له: هذه سنة ... لمن حفظ العهد في الأربع
قال: فاختلط لبه، وجعل يجيء ويذهب، ثم استنشده صاحب السفط من شعره، فأنشده بكار:
ثق بالذي سواك من ... عدم فإنك من عدم
وانظر لنفسك قبل قر ... ع السن من فرط الندم
واحذر وقيت من الورى ... واصحبهم أعمى أصم
قد كنت في تيه إلى ... أن لاح لي أهدى علم
فاقتدت نحو ضيائه ... حتى خرجت من الظلم
لكن قناديل الهوى ... في نور رشدي كالحمم
وقوله:
أيها الشادن الذي ... حسنه في الورى غريب
لحظ ذاك الجمال يط ... في ما بي من اللهيب
وعليه أقوم ده ... ري ولكنني أخيب
كلما رمت زورة ... قيض الله لي رقيب

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الأشبونية وهو
كتاب عرف النسرين في حلى مدينة شنترين
هي حالية.
البساط
من كتاب الرازي: غرب باجة، مبناها على نهر تاجه، بمقربة من انصبابه في البحر، وأرضها غاية من الكرم والطيب.
العصابة
كانت ولاتها تتردد عليها من أشبونة، وهي الآن للنصارى.
السلك
من كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
الأديب أبو الحسن علي بن بسام
التغلبي الشنتريني
من المسهب: العجب أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سيبعث من شنترين، قاصية الغرب، ومحل الطعن والضرب، من ينظمها قلائد في جيد الدهر، ويطلعها ضرائر للأنجم الزهر. ولم ينشأ بحضرة قرطبة ولا بحضرة إشبيلية ولا غيرهما من الحواضر العظام من يمتعض امتعاضه لأعلام عصره، ويجهد في جمع حسنات نظمه ونثره. وسل الذخيرة، فإنها تعنون عن محاسنه الغزيرة، وأعلى شعره قوله:
ألا بادر فلا ثان سوى ما ... عهدت: الكأس والبدر التمام
ولا تكسل برويته ضباباً ... تغص به الحديقة والمدام
فإن الروض ملتثم إلى أن ... توافيه فينحط اللثام
وهذا من الطبقة العالية. ونثره في كتاب الذخيرة يدل على علو طبقته، وأما ما أنشده فيها لنفسه من الشعر فنازل.
ومن كتاب مصابيح الظلام
أبو عبد الله
محمد بن عبد البر الشنتريني
ممن ذكره في المسهب الحجاري، وأنشد له قوله:
أحب الذي يهوى عذابي دائماً ... وما لي فيه ما حييت نصيب
هلال على غصن يميس على نقاً ... وكل معاني حسنه فغريب
أبو محمد عبد الله بن سارة الشنتريني
من القلائد: نادرة الدهر وزهرة الأيام، المثبت في الأعناق من ذمه أو مدحه مياسم كأطواق الحمام. إلى تفنن في الآداب، وولوج في مدينة الشعر من كل باب. إن شبه فالمعتزيات واجمة، أو أغرب ببديعه فالمغريات راغمة. والغرض مما أنشده من شعره قوله:
أما الرياض فإنهن عرائس ... لم يحتجبن حذار عين الكالي
جاد الربيع لها بنقد مهورها ... دفعاً ولم يبخل بوزن الكالي
تثنى الصبا منها أكف زبرجد ... منظومة أطرافها بلآلي
وقوله:
لابنة الزند في الكوانين جمر ... كالدراري في دجى الظلماء
خبروني عنها ولا تكذبوني ... ألديها صناعة الكيمياء
سبكت فحمها سبائك تبر ... رصعتها بالفضة البيضاء
كلما ولول النسيم عليها ... رقصت في غلالة حمراء
لو ترانا من حولها قلت: شرب ... يتعاطون أكؤس الصهباء
وقوله:
قد شابت النار بتنورها ... لما تناهى عمرها واكتهل
كأنها لما خبا جمرها ... مطيب الورد إذا ما ذبل
وقوله في النارنج:
أجمر على الأغصان دارت نضارة ... به، أم خدود أبرزتها الهوادج
كرات عقيق في غصون زبرجد ... بكف نسيم الريح منها صوالج

وقوله وقد قعد إلى جانبه غلام وسيم، فقام وقعد مكانه أسود قبيح:
مضت جنة المأوى وجاءت جهنم ... فها أنا أشقى بعد ما كنت أنعم
وما كان إلا الشمس حان غروبها ... فأعقبها جنح من الليل مظلم

مملكة مالقة
كتاب خدع الممالقة في حلى مملكة مالقة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع من الكتب التي يشتمل عليها كتاب غرب الأندلس وهو
كتاب خدع الممالقة في حلى مملكة مالقة
مملكة بين مملكتي إشبيلية وغرناطة، على بحر الزقاق، وهي كثيرة التين واللوز وينقسم كتابها إلى: كتاب النفحة الزهرية في حلى مدينة رية كتاب الترييش في حلى مدينة بليش كتاب نخبة الريحانة في حلى مدينة بزليانة كتاب الراية في حلى مدينة لماية كتاب فرحة المسرور في حلى حصن مورور
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب النفحة الزهرية في حلى مدينة رية
المنصة
من المسهب: تعرف الآن بمالقة، وفي القديم برية، وهي بحرية برية ولها الوادي الربيعي الذي يأتي زائراً مغباً، فيزداد أهلها فيه غبطة وحباً، وعلى مذانبه المتفرعة كسبائك اللجين، ما ترتاح بمرآه النفس والعين، وفيه أقول:
بوادي رية عرج فإني ... رأيت الحسن عنه لا يميل
وهات الخمر صرفاً دون مزج ... بحيث الماء والظل الظليل
غدا متقسماً في كل وجه ... كما سلت على خز نصول
تجول لواحظي ما دمت فيه ... بحيث ترى مذانبه تجول
ولمالقة مما فضلت به ما حفها من شجر اللوز وشجر التين، إذ هو بها طوفان لا تزال تحمل منه الركاب والسفين، وهو مفضل على سائر تين الأندلس، إلا شعري إشبيلية، فإن بعضهم يفضله، ولا سيما في دخوله في الأدوية ومنفعته. ويكفيها عن الإطناب ما يتضمن شرح اسمها، إذ معنى رية عند النصارى: سلطانة فهي سلطانة البلاد. ولها القلعة المنيعة التي تتقلد من المجرة بنجاد. قال ابن سعيد: دخلت مدينة مالقة وأقمت فيها إقامة أرضت الشباب، وأمتعت مجالس الآداب. وكان والدي يفضلها ويعجب بها ولا سيما في أيام فرحهم وخروجهم إلى كروم العنب والتين، ولقد خرجنا إلى كرم أقمنا فيه مدة منفعته، فعددنا ذلك من أيام النعيم، إذ بياض أبراجها في خضرة شجرها مع تناسقها وكثرتها كما قال الكاتب أبو العباس الشلبي:
نظرت لمالقة مرة ... وقد زينوا أرضها بالبروج
فقلت سماء بدت زهرها ... تضاهي نجوم السما والبروج
وخمر مالقة مشهورة بالأندلس مفضلة، وفيها من ضروب الوشي العجائب، ويصنع بها الفخار المذهب والزجاج، ولأبي الحسين بن مسلمة موشحة في واديها، وهي:
بوادي رية ... اخلع عذار التصابي
أما تراه مفرع
مثل الصباح المرصع
بالروض عاد مجزع
سقاه ريه ... من صفو ماء السحاب
عليه حث المدامه
وانظره في شكل لامه
خاف الرياض حمامه
فكم خطيه ... مدت له كالحراب
دعني من العشق دعني
فكم به هاج حزني
فالآن أعشق دني
وأقصي ميه ... مع الممنى والرباب
الكاس أعشق عمري
لله ساعات سكرى
ما بين ورد وزهر
فما لي نيه ... في غير هذا الحساب
إلا إذا كان شادن
يسبيك منه محاسن
حلو الهوى متماجن
ينادي سيه ... يا عم إحرز ثيابي
وهذه من اصطلاح الصبيان الذين يسبحون هنالك.
التاج
أول من ثار بها في مدة ملوك الطوائف عامر بن الفتوح، وخدعه على بن حمود، فأخذها منه، فصارت قطباً لخلافة ولده حين أخرجوا من قرطبة. وأشهرهم بها إدريس بن يحيى بن علي الملقب بالعالي. وصارت إلى باديس ابن حبوس صاحب غرناطة. ثم تداولت عليها ولاة الملثمين وولاة المصامدة وولاة ابن هود. وهي الآن لابن الأحمر ملك غرناطة.
السلك

من كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء

أبو عمرو بن هاشم
وزير العالي الإدريسي
من المسهب: كان له خلال توجب له الوزارة، أخبرت أنه كان يوماً في بيت وزارته، فدخل عليه غلام جميل بقل عذاره، فقال:
أتاني وقد خط العذار بخده ... كما خط من جمر على مهرق سطرا
فقلت له: لم يقتنع بحيائه ... محياك حتى زاد من شعر سترا
ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب
أبو محمد عبد الله بن أبي العباس
الجذامي المالقي
قال والدي: بنو أبي العباس من بيوتات مالقة، وهو بيت علم وأدب وحسب ورياسة، وكان أبو محمد هذا من أعلامهم قد برع في النثر والنظم، وحسبك أن الرصافي شاعر زمانه يقول في رثائه:
أبني البلاغة! فيم حفل النادي؟ ... هبها عكاظ فأين قس إياد
ومن شعره قوله من قصيدة في يوسف بن عبد المؤمن:
جللتم فماذا يبلغ القول فيكم ... وأفعالكم هن النجوم الزواهر
وإني وإن أطنبت جئت مقصراً ... وما تبلغ الأوصاف والبحر زاخر
وقوله من قصيدة:
وكأن سمرهم غصون فوقها ... طير ترفرف فوق أفئدة العدا
أبو الحسن رضي بن رضا المالقي
أخبرني والدي: أنه أدركه في مدة ناصر بني عبد المؤمن وكان يكتب عن ملوكهم ووصفه بالانهماك في شرب الخمر، حتى إنه كان لا يكاد يصحو منها. ومن شعره قوله:
اشرب على البحر بحرا ... والثم على الزهر زهرا
وانظر لدهر تأتى ... فكم تشكيت دهرا
ولا تمل لمميل ... لا يقبل الدهر عذرا
خلعت في الكأس عذري ... فاخلع فديتك عذرا
أولا فدعني فإني ... أمحق العمر سكرا
وسافر من مالقة، فغاب خبره، وشاع أنه قتل، سامحه الله.
ابنه أبو جعفر
أحمد بن رضي
أخبرني أبو الحجاج البياسي مورخ الأندلس: أنه كان مدمناً للخمر كثير القول فيها، وأنه حضر معه يوماً على شراب، فدخل شيخ ضخم الجثة مستثقل، فقال أبو الحجاج:
اسقني الكأس صاحيه ... ودع الشيخ ناحيه
فقال:
إن تكن ساقياً له ... ليس ترويه ساقيه
أبو عبد الله محمد بن عبد ربه
من ولد أبي عمر بن عبد ربه صاحب كتاب العقد، رحل إلى المشرق، وله رسالة في صقلية، ذكر فيها ما جرى له بمصر. وكان كاتباً لأبي الربيع ابن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان الغرب الأوسط. ومن شعره قوله:
كأنما الشمس وقد قابلت ... بدر الدجى والأفق الأهيف
عينا هزبر كلف وجهه ... ينظر في عطفيه لا يطرف
فإن تقل ما لونها واحد ... قلت: وهذا سبع أخيف
وحذر في رسالته من الأسفار، لما قاسى فيها.
أبو عبد الله محمد بن محمد بن طالب
قال والدي: كان يكتب عن ولاة مالقة، وأدركه ابن عمي أبو محمد بمالقة، وأنشدني له قوله:
جفوتني من بعد ذاك الرضا ... والليل يأتي في عقيب النهار
وصار أنسي وحشة منكم ... والخمر لا بد لها من خمار
وله:
هذا النهار قد أضحى ... يبكي لفقد المدام
فانهض لنبديه بالكا ... س في اتصال ابتسام
ومن كتاب بلوغ الآمال في حلى العمال
أبو القاسم بن السقاط المالقي
من القلائد: مستعذب المقاطع، كأنما صور من نور ساطع، أبهى من محيا الظبي الخجل، وأحلى من الأمن عند الخائف الوجل، يهب عطراً نشره، ولا يغب حيناً بشره. الغرض مما أثبته من نظمه قوله:
سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغر صوب السحاب
إذا الحب يا بثن ريحانة ... تجاذبها خطرات العتاب
وإذ أنت نوارة تجتنى ... بكف المنى من رياض التصابي
ليالي والعيش سهل الجنا ... نضير الجوانب طلق الجناب
رميتك طيراً بدوح الصبا ... وصدتك ظبياً بوادي الشباب
وقوله:
ويوم ظللنا للمنى تحت ظله ... تدور علينا بالسعادة أفلاك
بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق بتاك

توسدنا الصهباء أضغاث آسه ... كأنا على خضر الأرائك أملاك
تطاعننا فيه ثدي نواهد ... نهدن لحربي والسنور أفناك
وتجلى لنا فيه وجوه نواعم ... يخلن بدوراً والغدائر أفلاك
وذكر أنه حضر معه مواضع أنس. وهو ممن أثنى عليه صاحب المسهب، وأخبر: أنه ولي أعمال مالقة.

أبو علي بن يبقى
ولي أعمال مالقة حين كان واليها أبو العلاء مأمون بني عبد المؤمن وكان له جارة قد أدبها وعلمها الغناء، فطلبها منه أبو العلاء، فلم يسعفه بها، فأمسك له ذلك مع أشياء، كانت عليه في نفسه، فلما خطب لنفسه بالخلافة في إشبيلية أحضره، وضرب عنقه.
وكتب إلى والدي وقد جاز على مالقة فلم يجتمع به:
أكذا يجوز القطر لا يثني على ... أرض توالى جدبها من بعده
الله يعلم أنها ما أنبتت ... زهراً ولا ثمراً لمدة فقده
عرج علينا ساعة يا من له ... حسب يفوق العالمين بمجده
ومن كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت
أبو العباس أحمد بن مؤمل
من بيت كبير بمالقة، وأبو العباس من سراتهم وساداتهم في الأدب والشعر: ومن شعره قوله:
وكأس على وجه الحبيب شربتها ... كأني أسقي الشمس أو أنظر البدرا
سقيت بها من لا أبوح بذكره ... ثلاثاً فهز السكر معطفه النضرا
وشعشعتها كيما تغض جماحمها ... وقد وردت من خده ذلك الزهرا
فقال وقد زادت بخديه حمرة ... كما أبصرت عيناك في الشفق الفجرا
خلعت عليها للحباب قلادة ... فعوض خدي سكرها حلة حمرا
ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام
أبو علي الحسن بن حسون
من المسهب: عين مالقة. ورب حلها وعقدها، وعلم بردها وواسطة عقدها، وكان من أئمة العلماء، ولى قضاء مالقة في مدة العالي بن يحيى بن حمود الفاطمي.
ومن شعره قوله:
خلعت عذاري في هواها وعند ما ... تبدت نجوم الشيب في غسق الشعر
ثنيت عناني وارتجعت إلى النهى ... وعاودني حلمي وراجعني صبري
وأصبحت لا أبغي سوى العمل خطة ... ففيه الذي أرجوه في موقف الحشر
ولولاه ما أصبحت أقضي على الألى ... صبحتهم في عنفوان من العمر
وقاسى شدة من اختلاف الخلفاء على بلده.
أبو محمد عبد الله بن الوحيدي
قاضي حضرة مالقة
من المسهب: جرى في صباه طلق الجموح، ولم يزل يعاقب بين غبوق وصبوح، خالعاً عذاره في الملاح، هائماً بانثناء الغصن فوق الحقف الرداح، لا يثنيه عاذل، ولا يرعوى عن باطل، إلى أن دعاه النذير، فاقتدى منه بسراج منير، وعوض ذلك الاستهتار بما استمال به قلوب العامة.
وله:
ولما بدا شيبي عطفت على الهدى ... كما يهتدي حلف السرى بنجوم
وفارقت أشياع الصبابة والطلا ... وملت إلى أهلي علاً وعلوم
أبو عبد الله محمد بن عسكر
قاضي مالقة
اجتمعت به في مالقة، وحضرت مجلسه، وكان متبحراً في العلوم، وكتب إلى والدي رسالة فيها:
أفاتح من قلبي بعلياه واثق ... وإن كانت الأبصار لم تفتح الودا
وقلت: أرى فأل انساب ينيلني ... بقربك في نيل المنى والعلا السعدا
عسى الله أن يدني لنا بعد داركم ... ويفري حجاباً بيننا للنوى مداً
وله:
أهواك يا بدر وأهوى الذي ... يعذلني فيك وأهوى الرقيب
والجار والدار ومن حلها ... وكل من مر بها من قريب
ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء
أبو عبد الله محمد بن الفخار
الأصولي المالقي
من القلائد: صاحب لسن، وراكب هواه من قبيح أو حسن، لا يصد إذا صمم، ولا يرد عما يمم. ومن شعره قوله:
بأي حسام، أم بأي سنان ... أنازل ذاك القرن حين دعاني
لئن عرى اليوم الجواد لعلة ... فبالأمس شدوا سرجه لطعان
وإن عطل السهم الذي كنت رائشاً ... ففيه دم الأعداء أحمر قاني
ألا إن درعي نثرة تبعية ... وسيفي صدق إن هززت يمان

وقد علم الأقوام من صح وده ... ومن كان منا دائم الشنآن
وقوله:
إذا ما خليلي أسا مرة ... وقد كان فيما مضى مجملا
ذكرت المقدم من فعله ... فلم يفسد الآخر الأولا

أبو عبد الله محمد بن معمر اللغوي
المعروف بابن أخت غانم
من المسهب: من علماء مالقة المشهورين، وهو متفنن في علوم شتى، إلا أن الأغلب عليه علم اللغة، وفيه أكثر تواليفه، وكان قد وصل من مالقة إلى المرية، فجل عند ملكها المعتصم بن صمادح. وهو القائل في أبي الفضل بن شرف:
قولوا لشاعر برجة: هل جاء من ... أرض العراق فحاز طبع البحتري
وافى بأشعار تضج بكفه ... وتقول: هل أعزى لمن لم يشعر؟
يا جعفراً! رد القريض لأهله ... واترك مباراة لتلك الأبحر
لا تزعمن ما لم تكن أهلاً له ... هذا الرضاب لغير فيك الأبخر
أبو عمرو سالم بن سالم النحوي
من نحاة مالقة المشهورين، كان يقرئ فيها العربية. ومن شعره المشهور قوله:
يا ماطلاً قد لوى بديني ... مالي على الصبر من يدين
ويا غزالاً غزا فؤادي ... بسهم ألحاظ ناظرين
أطلت سقمي أخفيت رسمي ... أسهرت طرفي أجريت عيني
مالك ترنو إلي شزراً ... بمقلة تستجيز حيني
كأنني من بني زياد ... وأنت من شيعة الحسين
الأديب أبو الحسن سلام بن سلام المالقي
قال والدي: هو سلام بن سلام، مخفف اللام، وكان أديباً، وله مقامات سبع مشهروة. وأعلى شعره قوله:
لما ظفرت بليلة من وصله ... والصب غير الوصل لا يشفيه
أنضجت وردة خده بتنفسي ... وطفقت أرشف ماءها من فيه
وله:
كيف لي بالسلو عنكم، وأنتم ... موضع السؤل والمنى والمراد؟!
باعدوني إن شئتم واهجروني ... يستبن قدر ما لكم في فؤادي
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام
أبو عبد الله محمد بن السراج
من الذخيرة: محسن في أهل عصره معدود، وشاعر بني حمود له في الهزار:
ومسمعة غنت فهاجت لنا هوى ... جنينا به منها ثمار المنى جنيا
دعوت لها سقيا، فما استكمل الرضا ... دعائي لها حتى سقاها الحيا سقيا
وكأن على طيب استماعي لصوتها ... شربت، ودمع العين يسعدني جريا
ولو أقلعت أولى عزالية لانبرت ... رياح النوى تمري دموع الهوى مريا
خليلي هذا اليوم لو بيع طيبه ... بما حوت الدنيا، لقلت له الدنيا
وقال في ديك صدح سحراً:
رعى الله ذا صوت أنسنا بصوته ... وقد بان في وجه الظلام شحوب
دعا من بعيد صاحباً فأجابه ... يخبرنا أن الصباح قريب
علي له لو كنت أملك عمره ... حياة على طيب الزمان تطيب
وقال:
تأمل سقوط الغيث ماذا أثار من ... هوى، هو في قلب المحب كمين
رأى لي جفوناً دمعها غير ذائب ... فذابت على الإسعاد منه جفون
أبو علي الحسن بن الغليظ
ذكر صاحب الذخيرة: أنه كان صاحب ابن السراج ومنادمه، كتب إلى ابن السراج:
يا خليلاً صفا وكدر يومي ... هل إلى الطيب في غد من سبيل
لتمنيت أن ترى حسن الور ... د بعينيك بالجناب الظليل
يا خليلاً مثاله نصب عيني ... لو خلونا إذن شفيت غليلي
وحسن الورد: هي محبوبة ابن السراج. وكتب إليه:
يا من أقلب طرفي في محاسنه ... فلا أرى مثله في الناس إنسانا
لو كنت تعلم ما لاقيت بعدك ما ... شربت كأساً ولا استحسنت بستانا
وبينهما مخاطبات كثيرة بالشعر، وهما من شعراء ملوك الطوائف.
أبو محمد الباهلي
قال والدي: كان عارفاً بطريقي الناظم في المعرب والملحون. ومن شعره قوله:
أخيى، يا أخيى، يا أخيى ... تداركني فإني شر شي!
تداركني بمعصال وكأس ... لسكران الضحى صاحي العشي

شرابكم وعرض الناس طراً ... وحسبي من غنى شبعي وريي

الرميلي
الرميلة: حاضر من أرباض مالقة، نسب إليه، وكان قد خدم علي بن غانية الميورقي الذي خرج من ميورقة وملك بجاية، وصلب ببجاية بسبب ذلك على قوله:
أنتم صباح الدين يجلو غيهب ال ... إلحاد والدنيا بكم ستنير
أبو عبد الله محمد بن الحمامي
شاعر مشهور في مدة مستنصر بني عبد المؤمن من مشهور شعره قوله:
جيش التجلد يوم البين مهزوم ... وإن موجود أنسى فيه معدوم
وعاقني عن تشفي العين إذ رحلوا ... سحاب دمع من الأجفان مركوم
يا قلب إنك نشوان بغير طلاً ... كما بغير سلاح أنت مكلوم
يا حادي الركب لا تعجل ببينهم ... إن المعين على التفريق مأثوم
هم أتلفوا مهجتي يوم الغرام وما ... لمتلف بغريم الحب مغروم
أبو شهاب المالقي
قال والدي: هو ممن صحبته في أيام الشباب، وكان خليع العذار، في شرب العقار. ومن شعره قوله:
زارتكم أكؤس الحميا ... تسحب ذيل السرور زيا
رأت طلي الإنس دون حلي ... فانتظمت حوله حليا!
وقوله:
الراح روحي فلا والله أتركه ... ما دام جسمي مشتاقاً إلى روح
وكان في المائة السابعة.
أبو النعيم رضوان بن خالد
من شعراء عصرنا المشهورين، لقيته بمالقة، وهو من أظرف الأدباء زيا ومجالسة، ومن مشهور شعره قوله:
وجه نضير لنا رياض ... فكلنا ناظر إليه!
فالزهر فيه من زهر فيه ... والورد توريد وجنتيه
والجيد جيد القطيع حسناً ... والوجه تفاحة عليه
والقطيع عند أهل المغرب: قنينة طويلة العنق وقوله:
أيا من حبه سرى وجهري ... ويا من عفتي فيه رقيب
ويا من لا أسميه لأني ... إذا ما قلت أحمد يستريب
وبعد انفصالي من إفريقية بلغني أنه مات. ولم يكن بمالقة أشهر في الشعر منه، وأشعاره يغني بها كثيراً.
الأهداب
لغرض من أزجال أبي علي الحسن بن أبي نصر الدباغ
لما عبرت على مالقة، كان حينئذ هنالك، وهو إمام في الهجو على طريقة الزجل، والقول في اللياطة، وله كتاب في مختار ما للزجالين المطبوعين.
زجل له:
لا مليح إلا مهاود ... لا شراب إلا مروق
اتكي واربح زمانك ... بالخلاعا والمعيشق
لا شراب إلا في بستان ... والربيع قد فاح نوار
يبكي الغمام ويضحك ... أقحوان مع بهار
والمياه مثل الثعابين ... فذاك السواق دار
والنسيم عذري الأنفاس ... قد نحل جسمو وقد رق
وعشية مليحة فتن ... عنها المسك ينشق
الطيور تحكي المثاني ... وتسقها أحسن سياقا
في ثماراً يلهمون ... لزمان العشق طاقا
فغصن لا خَرْ يقبل ... وقضيب لا خَرْ يعنق
وشعاع الشمس قد غاب ... وبقا فالجو نور
والشفق فالغرب ممدود ... قد كتب بزنجفور
أحرفاً تقرى وتفهم ... فتراهم في سطور
السماك ميماً مدور ... والهلال نوناً معرق
ونحن في طيب مدام ... قوم جلوس وآخر يميل
ونديم يستقى نديم ... وخليل يهوي خليل
وعذار الليل قد شاب ... لما أن دنا رحيل
ودليل الصبح قدام ... قد ركب جواداً أبلق
زجل هجو في حكيم:
إن ريت من عداك ... يشتكي من تلطيخ
وتريد أن يقبر ... احمل للمريخ
قد حلف ملك الموت بجميع أيمان
ألا يبرح ساعة من جوار دكان
ويريح روح ويعظم شان
وفساد النيا تحت ... ذاك التوبيخ
بقياس الفاسد وبدين الحمروج
يخذ الصفراوي ويرد مفلوج
للصحيح لس يسمح بمريقة فروج
ويحيل المحموم على ... أكل البطيخ
وغني إن طب فيرد يسعى

والمنى يطلق في مروج ترعى
يسقى ما يسقيه يحتبس في الأمعا
احتباس أيدي العار بحبال التوبيخ
قوة تتنقى من عطاه تنقياً
ويرى أكباده في الطسيس مرميا
تنبري أنياط وتقع ملويا
مثل شعر العانا إن حلق بالزرنيخ
وشراب الممدوح مثل سكر ذباح
فالزجاج يتقليط لخروج الأرواح
نقط أو ما جني على صلب التمساح
وبدا يتناثر ... بالعفن والتزنيخ
الوزير أبجعفر قد كثر تبجيلك
واش يقول البربر حن يروا تعجيلك
سو الأدب علمنا ذا الدوا أديلك
الطفل يتقدم للقبر قبل الشيخ

زجل هجو في الجرنيس النيار الزجال وموت أمه:
عزوا ابليس ونوح يا كفار
ماتت أم الجرنيس النيار
أي عجوز لقد فجع فيها!
كل شاطر إن كان في ذا الجيها
حلف الموت ألا يخليها
وأي رزياً جرت على الشطار
بيها كان الربض يفوح ....
إن دعت للفسوق تقول لبيك
وتزين قبح المعاصي إليك
بحل إبليس حتى تقع فالعار
خلت أولاد بحل فراخ البوم
السموجا والقرنسا والشوم
نفستهم في طالعا مذموم
من رآهم رأي وجوه أطيار
لم تخلى لهم في قاع الدير
غير بطناً وقف مع لغطير
وعرم من خروق لمسح ....
وقدير تهيج الأسحار
موتاً ماتت ما لا يمتها بشر
عينان أزرق ووجه مثل القدر
واللسان قد خرج لنصف الصدر
أذكر الله وهي تصيح النار
خرج الروح على دين الربى
وأبو مراً يصيح أيا حزبي
في جهنم تركب على ....
مع ابنة القلا وذيك العيار
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب الترييش في حلى مدينة بليش
مدينة في شرقي مالقة، عامرة، آهلة، ضخمة الأسواق؛ الحضارة أغلب عليها من البادية، وليس في قواعد أعمال مالقة مثلها في الحضارة، وحولها ضياع كثيرة، وقد مررت بها مع والدي وسألت: هل فيها من له نظم؟ فلم نجد من يؤبه به، وذكر لنا أحد أدبائها أن منها شاعرين.
عبد العزيز بن الطراوة
هو أحد الشاعرين، كان في زمن أبي سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة ومالقة، وأنه وفد عليه ومدحه بقصيدة مطلعها:
لا تسقني الكأس إلا من دم البطل ... ولا تغن بغير البيض والأسل
ومنها:
قد كنت أثني من الآمال جامحة ... فعند ما لحت لي لم يبق من أمل
وكان شغلي بهذا الدهر مذ زمن ... فليس لي الآن غير المدح من شغل
وقوله:
من لي به بدوي لا يهذبه ... لين الكلام ولا يرتاح للغزل
وكلما رمت لثماً منه قيض لي ... وجهاً يريني فيه اليأس من أملي
واهاً له من غزال ضاع في بقر ... اللثم عندهم كالطعن بالأسل
صالح بن جابر
هو الشاعر الثاني. عاصر ابن الطراوة المذكور وهاجاه، ومن شعره قوله:
لبكائي تبكي الغمام وإني ... لست راض عن دمع تلك الغمام
لو وفت بالذي أريد لدامت ... أبد الدهر في توالي انسجام
لست أرضى بغير دمعي دمعاً ... إنه ناثر دمي من نظام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب تحية الريحانة في حلى مدينة بزليانة
من حصون مالقة على بحر الزقاق. منها:
أبو عبد الله محمد بن عامر
البزلياني الكاتب
من الذخيرة: كان في ذلك الأوان أحد شيوخ الكتاب، وجهابذة أهل الآداب، ممن أدار الملوك ودبرها، وطوى الممالك ونشرها. والى بني عباد، صارت مصائره بعد تقلبه في البلاد. عنوان من نثره: من رقعة خاطب بها ابن عبد الله صاحب قرمونة عن حبوس ملك غرناطة:

من النصح تقريع، ومن الحفاظ تضييع، ولكل مقام مقال، إذا عدى به عنه استحال، ووصل منك كتاب طمست منحاه، وغممت معناه، وأومأت فيه إلى النصح، ودللت على سبيل النجح، وقفت على فصوله ومعانيه، وأحطت علماً بما فيه، ولم يكن لمن أوحشت جهته، وتغيرت مودته، أن يدخل مدخل الناصحين، وقد خرج من جملة المشفقين.

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب الراية في حلى مدينة لماية
من حصون مالقة. منها:
أبو جعفر أحمد المائي الكاتب
من الذخيرة: أنه كان أحد أئمة الكتاب وشهب الآداب.
فصل من نثره: غصن ذكرك عندي ناضر، وروض ودك عاطر، وريح إخلاصي لك صبا، وزمن آمالي فيك صبا.
ومن نظمه قوله:
قد قلت إذ سار السفين به ... والبين ينهب مهجتي نهبا
لو أن لي ملكاً أصول به ... لأخذت كل سفينة غصبا
وقوله:
غني وللإيقاع فو ... ق بيان منطقه بيان
وكأنما يده فم ... وقضيبه فيها لسان
وكان في زمان ملوك الطوائف.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة المالقية وهو
كتاب فرحة السرور في حلى حصن مورور
من حصون عمل سهيل من أعمال مالقة الغربية. منه:
العالم المتفنن أبو القاسم
عبد الرحمن بن عبد الله
السهيلي الأعمى
صاحب كتاب الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، وهو مشهور في علم النحو وفنون الأدب. وأغار الفرنج على سهيل، وخربوه وقتلوا أهله وأقاربه، وكان غائباً عنهم فاستأجر من أركبه دابة وأتى به إليه، فوقف بإزائه، وقال:
يا دار أين البيض والآرام ... أم أني جيران علي كرام
راب المحب من المنازل أنه ... حيي فلم يرجع إليه سلام
لما أجابني الصدى عنهم ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام
طارحت ورق حمامها مترنماً ... بمقال صب والدموع سجام
يا دار ما فعلت بك الأيام ... ضامتك والأيام ليس تضام
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي انقسمت إليها سلطنة الأندلس وهو
كتاب الشفاه اللعس في حلي موسطة الأندلس
فيها ممالك جليلة ستقف على تفسيرها وينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب النفحة المندلية، في حلي المملكة الطليطلية كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية كتاب الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المرية
كتاب النفحة المندلية في حلي المملكة الطليطلية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول من الكتب التي يشتمل عليها
كتاب موسطة الأندلس
وهو
كتاب النفحة المندلية في حلي المملكة الطليطلية
مملكة طليطلة
مملكة بين مملكة قرطبة وثغر سرقسطة، وقد حصل جميعها في يد النصارى، وينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب البدور المكملة، في حلي مدينة طليطلة كتاب الطرس المرقش، في حلي قرية وقش كتاب الغيرة، في حلي مدينة طلبيرة كتاب الغرارة، في حلي مدينة وادي الحجارة كتاب صفقة الرباح، في حلي قلعة رباح كتاب نقش السكة، في حلي مدينة طلمنكه كتاب التغبيط، في حلي مدينة مجريط كتاب السعاده، في حلي قرية مكاده
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب المملكة الطليطلية وهو
كتاب البدور المكملة في حلي مدينة طليطلة
المنصة

من التاريخ الرومي: أنها إحدى المدن الأربع التي بنيت في مدة قيصر أكتبيان الذي يؤرخ من مدته مدة الصفر، وتأويل اسمها أنت فارح وهي في الإقليم الخامس موسطة، منها إلى الحاجز الذي هو درب الأندلس نحو نصف شهر، وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب ومنها إلى قرطبة، وإلى غرناطة وإلى مرسية، وإلى بلنسية نحو سبعة أيام، ونهر تاجه قبليها وأطنب الحجاري في وصفها. ووصفها بعظم الامتناع، وإحداق الشجر بها من كل جهة، وأنه كان يتفرج من باب شقرا في الجلنار الذي لم ير مثله، إذ الجلنارة تقارب الرمانة. وفيها من ضروب التركيب والفلاحة ما تفضل به غيرها. وابن بصال، صاحب الفلاحة، منها.
قال: ورأيت فيها الشجرة تكون فيها أنواع من الثمر، وذكر أنه صحب عيسى بن وكيل إليها، وقد توجه رسولا، فقال ابن وكيل فيها:
زَادَتْ طُلَيْطُلَةٌ على ما حَدَّثوا ... بَلَدٌ عليهِ نضَارَةٌ ونعيمُ
الله رَيَّنَهُ، فَوَشَّحَ خَصْرَهُ ... نَهْرُ المجرَّةِ، والقُصُورُ نُجُومُ
ويصنع فيها من آلات الحرب العجائب، وكان فيها المباني الذنونية الجليلة: منها قبة النعيم، التي صنعت للمأمون بن ذى النون، تنسدل فيها خيمة من ماء، يشرب في جوفها مع من أحب من خواصه في أيام الصيف، فلا تصل إليه ذبابة، وهي في بستان الناعورة.
وفيها القصر المكرم الذي بناه، واحتفل فيه، وأطنبت البلغاء والشعراء في وصفه.
وذكر الحجاري أن فيها صنفاً من التين، النصف أخضر، والنصف أبيض، في نهاية الحلاوة

التاج
كثيراً ما قامت بها الثوار في مدة السلطنة المروانية، ونهض إليها سلاطينهم، وحاصروها، فرجعوا خائبين. وملكوها، فعاثوا في أهلها. ومن وليها:
حبيب بن عبد الملك
بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان
من السقط: أنه من صدور الداخلين الأندلس المتميزين بالمعرفة، والدهاء، والشجاعة، والأدب وقول الشعر، دخل قبل عبد الرحمن الداخل، وكان له عنده مكانة علية، وممن يشار إليه بالطمع في الأمر، ومات قبل عبد الرحمن عن أحد عشر ذكراً، وفشا نسله. وهو القائل:
السَّعْدُ يبلغُ بالفتى فوقَ الذي ... يَسْعَى له، والجَدُّ من أَعْوَانِهِ
مع أَنَّ ذاك مَعَ المقادرِ زَائِدٌ ... فلكمْ جَموحٍ رُدَّ في مَيْدَانِهِ
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد
بن سعد الخير بن الأمير الحكم الربضي المرواني
من السقط: أنه كان جليل القدر، عظيم الذكر، يعرف بالحجر، ولى مملكة طليطلة للمنصور بن أبي عامر، وعصى عليه، فحصل في يده، فحبسه.
ومن شعره قوله:
هل منكَ حَظٌّ لنا يا أَيُّها القَمَرُ ... فإِنما حَظُّنا من وَجْهكَ النَّظَرُ
رآكَ ناسٌ فقالوا إِنَّ ذا قَمَرٌ ... فقلتُ: كُفُّوا، فعندي منهما خَبَرُ
الْبدْرُ ليس بغَيْر النِّصْفِ بَهْجَتُهُ ... حتى الصباح، وهذا كلُّه قَمَرُ
دولة بني ذى النون
ثار بها في مدة ملوك الطوائف ابن يعيش قاضيها، ولم تطل مدته، وصارت منه إلى:
الظافر اسماعيل بن ذى النون
فدارى سليمان المستعين. قال ابن حيان: وكانت نباهة بني ذى النون من جدهم ذى النون في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن. فقد خلف عنده خصياً بحصن أقليش ، فعالجه حتى برئ.
وقال ابن حيان: إن اسماعيل كان أول الثوار إيثاراً لمفارقة الجماعة. ووصفه بشدة البخل. لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، فما أعملت إليه مطية، ولا استخرج من يده درهم في حق ولا باطل. ومنه تفجر ينبوع الفتن، وكان ينال من السلف الصالح . قال ابن غالب: إنه توفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وولى بعده:
ابنه
المأمون يحيى بن اسماعيل
قال الحجري: لم يكن فيهم أعظم قدراً، ولا أشهر ذكراً منه، اجتمع في مجلسه أبو عبد الله محمد بن شرف حسنة القيروان، وعبد الله بن خليفة المصري الحكيم، وأبو الفضل البغدادي الأديب. ولم يجتمع عند ملك من ملوك الأندلس ما اجتمع عنده من الوزراء والكتاب الجلة: منهم أبو عيسى بن لبون، وابن سفيان، وأبو عامر بن الفرج، وأبو المطرف بن مثنى. ومات فولى بعده ابن ابنه وهو:
القادر يحيى بن اسماعيل
بن المأمون بن ذى النون

وكان سيئ الرأي، إن حزم لم يعزم، وإن سدى لم يلحم، واستدرج ابن الحديدي بالأمان، واستفزه إلى مصرعه بمزورات الإيمان إلى أن زحف ابن الحديدي للقصر، والدولة يومئذ متعلقة بأذياله، فانخدع للقادر انخداعاً آل به إلى أن قتله أصحاب القادر في القصر.
وأمر بنهب دور بني الحديدى، فاشتغلت العامة بها، ففغر أذفونش بن فرذلند فاه على ثغوره، وجعل يطويها طي السجل للكتاب، وينهض فيها نهوض الشيب في الشباب، إلى أن ثار عليه أهل طليطلة، وهرب إلى بعض حصونه، فصارت للمتوكل بن الأفطس، ثم أسلمها المتوكل، فاستعان القادر بأذفونش على حصارها، فملكها ابن ذى النون قهراً، وأسلمها لأذفونش سنة خمس وسبعين.

السلك
من كتاب الياقوت في حلي ذوي البيوت
الأمير أرقم بن عبد الرحمن بن اسماعيل
بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن عامر بن مطرف بن موسى بن ذى النون
من كتاب المسهب: يعرف بابن المضراس، وأخوه اسماعيل هو أول من ملك طليطلة من بني ذى النون، وكان المأمون ابن أخيه ينفيه ويبغضه، ويحسده على أدبه، ففر عنه إلى الثغر الأعلى لمملكته. ومن شعره قوله :
إذا لمْ يَكُنْ لي جانبٌ في ذُرَاكُمُ ... فما العذرُ لي أَلاَّ يكونَ التجنُّبُ
وكان قد قرأ في قرطبة على الرمادي الشاعر. وآل أمره إلى أن حصل عند النصارى، فدس إليهم ابن أخيه المأمون من نصحهم في شأنه بأنه جاسوس من قبل ابن أخيه، ليتكشف على بلادهم، فقتلوه، فقال المأمون: الحمد لله ! هذه نعمة من جهتين: فقد عدو، ووجوب ثأر نطلب به.
ومن كتاب تلقيح الآراء، في حلي الحجاب والوزراء.
الوزير أبو المطرف عبد الرحمن
ذكر الحجاري أنه من أهل ... ... ولكنه أورد ترجمته في مدينة طليطلة.
وأنشد له قوله:
يا مَنْ أَبَى غير مرأَى حُسْنه النَّظَرُ ... من بعد وجهك لا شمسٌ ولا قمَرُ
لا تحسبنِّي إذا ما غبتَ مُصْطَبِرا ... فما على بُعْد ذاك الوجه أَصْطَبرُ
طال انتظاري، ولا وعدٌ يُعَلِّلُني ... ولا كتابٌ، ولا رُسْلٌ، ولا خبرُ
ومن نثره: الوُدُّ - أبقاكَ الله - كما علمْتَ غُصْنٌ ناضِرٌ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ وما برحْتَ تنقَّلُ مِنْ قَلْبٍ إلى ناظرِ، والذِكْرُ لا يبرحُ مَعْقُوداً باللِّسانِ، ومنَ الواجبِ أَلاَّ يُنْسَى ذِكْرُ مُولٍ للإحْسَانِ.
ومن كتاب الكتاب
كاتب الظافر بن ذى النون
من المسهب أنه كان متخلفاً كتب عن الظافر إلى أهل حصن بلغه أن النصارى يريدون غرته بالتحذير كتاباً طويلاً، فيه: وقد قرع أسماعنا أن شرذمةً من بني الأصفر، صفر وطابهم، ونكس عقابهم عزموا أن يغزوا حوزتكم، فكونوا على أهبة لصدمتهم، وأعدوا لهم مائة من أذمار الوغا الزبون.
وأتبع ذلك بألفاظ مستغلقة لم يفهمها جند الحصن، وكتبوا إلى الظافر يستفسرونه عنها. وفي أثناء ذلك ضرب النصارى على الحصن، وصادفوا فيه الغرة.
الكاتب ابن عيطون التجيبي
أبو الخطاب عمر بن أحمد
جيد الصناعة، وكان أبي النفس، غير متكسب بالشعر، وكان في جلة الفضلاء الذين وفدوا على المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس. وكان المتوكل قد اعتل، ومع ذلك فخرجت منه جوائز للشعراء، فقال:
وما اعتلَّ عنا جودُهُ باعتلالهِ ... ولكنْ وَجَدْنا بِرَّه لا يُهَنَّاُ
تُنَغصُ شكواهُ بجدواهُ عندَنَا ... كأَنَّا عطاشُ البحرِ في الماء نَظْمَأُ
وجال على ملوك الطوائف.
ومن كتاب الياقوت في حلي ذوي البيوت
الأسعد بن إبراهيم بن بليطه
له:
يومٌ تكاثَفَ غيمُهُ فكأَنَّهُ ... دونَ السماءِ دخانُ عودٍ أَخضَرِ
والطلُّ مثلُ برادةٍ منْ فضَّةٍ ... منثورةٍ في بردةٍ منْ عنبرِ
والشمسُ أَحياناً تلوحُ كأَنَّها ... أَمَةٌ تعرِّض نفسها للمُشتري
ولديَّ صِرْفُ مُدامةٍ مَشمولةٍ ... تَلْقَى الظلامَ بوجهٍ صبحٍ مسفرِ
وكأَنَّها ممَّا تُحبّكَُ أَقْسَمَتْ ... أَلاَّ تَطيبَ لنا إذا لمْ تَحْضُرِ
ومن الذخيرة أنه تردد على ملوك الطوائف، فارس جحفل، وشاعر محفل، وأنشد له قوله :

أَحْبِبْ بنَوْر الأَقاحِ نُوَّارَا ... عَسْجَدُهُ في لُجَيْنِهِ حارا
أَيُّ عيونٍ صُوِّرْنَ منْ ذهبٍ ... رُكِّبَ فيها اللُّجَيْنُ أَشفارا
إذا رأَى النَّاظرونَ بهجتَهَا ... قالوا نجومٌ تحفُّ أَقمارا
كأَنَّ ما اصفرَّ منْ موسَّطِهِ ... عليلُ قومٍ أَتوه زُوَّارا

أبو بكر محمد بن أرفع رأسه
نبه الحجاري على بيته بطليطلة، وأن المأمون بن ذى النون اشتمل عليه، وشهر عنده ذكره، وقال في المأمون:
دَعُوا الملوكَ وأَبناءَ الملوكِ فمَنْ ... أَضْحى على البَحْرِ لم يَشَتَقْ إلى نَهَرِ
يا واحداً ما على علياهُ مختَلَفٌ ... مُذْ جادَ كفُّكَ لمْ نَحْتَجْ إلى المَطَرِ
ومُذْ طلعْتَ لنا شمساً فما نظرَتْ ... عيني إلى كوكبٍ يَهْدِي ولا قَمَرِ
وله موشحات مشهورة يغنى بها في بلاد المغرب، منها في مدح المأمون بن ذى النون.
أبو بكر يحيى بن بقى الطليطلي
من القلائد: رافع راية القريض، وصاحب آية التصريح فيه .
والتعريض، أقام شرائعه، وأظهر روائعه، وكان عصيه طائعه، إذا نظم أزرى بنظم العقود، وأتى بأحسن من رقم البرود، ضفا عليه حرمانه، وما صفا له زمانه، فصار قعيد صهوات، وقاطع فلوات، ومع توهم لا يظفره بأمان، وتقلب دهر كواهي الجمان.
الغرض من نظمه قوله:
عندي حُشَاشَةُ نفسٍ في سبيل ردىً ... إِنْ شِئْتَهَا اليومَ لمْ أَمْطُل بها لِغَدِ
وكيفَ أَقْوَى عَلَى السُّلْوَان عنْكَ وقَدْ ... رَبَّيْتُ حُبَّكَ حتَّى شِبْتَ في خَلَدِي
خُذْها وهاتِ ولا تَمْزُجْ فَتُفْسِدَها ... فالماءُ في النارِ أَصْلٌ غَيْرُ مطَّرِدِ
وقوله:
فهلاَّ أَقاموا كالبكاءِ تنهُّدِي ... إذا ما بَكَى القُمْرِيُّ قالوا تَرنَّما
وقوله:
إلى الله أَشكوها نَوًى أَجْنَبيَّةً ... لها مِنْ أَبيها الدَّهرِ شيمةُ ظالمِ
إذا جاشَ صَدْرُ الأَرضِ بي كنْتُ مُنْجِداً ... وإِنْ لمْ يَجِشْ بي كنتُ بينَ التَهَائِمِ
أَكلُّ بني الآدابِ مثليَ ضائعٌ ... فأَجْعَلَ ظُلْمي أسوةً في المظالِمِ
ستبكي قوافي الشعرِ ملءَ جفونِهَا ... عَلَى عَرَبيٍّ ضاعَ بيْنَ الأعاجِمِ
وقوله:
أَمُصْطَبِرٌ أَنْتَ إِنْ قَوَّضوا ... وأَمّوا المَصِيفَ مِنَ المَرْبَعِ
سَتَجْزَعْ إنْ صِرْتَ في رَكْبِهمْ ... وإِنْ لا تَسِرْ فيهمُ تَجْزَعِ
تَخَيَّرْ لنفسِكَ في حالتي ... نِ فاقْضِ بإِحداهُمَا واصْدَعِ
فإِمَّا علَى نيَّةٍ فاعتزِمْ ... وإِمَّا عَلَى ظَلْعٍ فارْبَعِ
قدِ ابتكروا واستقلَّتْ بِهِمْ ... قلائصُ مشدودةُ الأَنْسُعِ
قليلاً عَلَيْنا فإِنَّا على ... أَسىً مُؤلِمٍ، وهَوىً مُضْرِعِ
نُشَيِّعُكُمْ ولعلَّ الغَنا ... ءَ للصَبِّ نظرةُ مستمتِعِ
وبي كَمَدٌ لوْ غدا بالصَّفَا ... لَذُبْنَ، وبالوُرْقِ لمْ تَسْجَعِ
وَجَدْنا بِكُمْ وعلى بَيْنِكُمْ ... ومِنْ أَجلِكُمْ فوقَ ما نَدَّعي
وقوله:
بأَبي غزالٌ غازلتْهُ مُقْلَتي ... بَيْنَ العُذَيْبِ وبَيْنَ شَطَّيْ بارِقِ
وسأَلْتُ مِنْهُ قُبْلَةً تَشْفي الجَوَى ... فأًجابَنِي فيها بوَعْدٍ صادِقِ
بِتْنَا ونحنُ مِنَ الدَُجَى في لُجَّةٍ ... ومِنَ النجومِ الزُّهْرِ تحتَ سُرَادِقِ
حتَّى إِذا مالَتْ بِهِ سِنَةُ الكَرَى ... زَحْزَحَتْهُ شيئاً وكانَ مُعَانقي
باعَدْتُهُ عنْ أَضْلُعٍ تشتاقُهُ ... كيلا ينامَ على وسادِ خافِقِِ
ومن كتاب نجوم السماء، في حلي العلماء
أبو محمد عبد الله العسال
زاهد طليطلة المشهور بالكرامات، وإجابة الدعوات، وهو القائل لما أخذت طليطلة من المسلمين وقد رحل عنها إلى غرناطة وهنالك قبره مكرم مزور إلى الآن، وقد زرته:

ياأَهْلَ أَنْدَلُسٍ حُثُّوا مَطِيَّكُمُ ... فما المقامُ بها إلاَّ مِنَ الغَلَطِ
الثوبُ يَنْسِلُ مِنْ أَطْرافِهِ، وأَرى ... ثَوْبَ الجزيرةِ مَنْسولاً مِنَ الوَسَطِ

الفقيه أبو القاسم بن الخياط
من المسهب: أقام خمسين سنة على العفاف والخير، لا تعرف له زلة، فلما أخذ النصارى طليطلة، حلق وسط رأسه وشد الزنار، فقال له أحد أصحابه في ذلك وقال له: أين عقلك؟ ! فقال: ما فعلت هذا إلا بعد ما كمل عقلي.
وقال شعراً منه:
تلوَّنَ كالحِرْباء حينَ تَلَوُّنٍ ... وأَبصرَ دنياه بملْءِ جفونِهِ
وكلٌّ إلى الرَّحْمَنِ يُومِي بِوَجْهِهِ ... ويذكُرُهُ في جَهْرِهِ ويقينهِ
ولوْ أَنَّ دِيناً كانَ نَفْياً لخالقي ... لمَا كُنْتُ يوماً داخلاً في فنونِهِ
وذكر ابن اليسع له رسالة كتبها عن أذفونش ملك النصارى إلى المعتمد بن عباد بالإرهاب.
المنجم مروان بن غزوان
كان متصلاً بعبد الرحمن الأوسط، وخرج في بعض سفراته، فبشره بالسلامة، وافتتاح ثلاثة معاقل من بلاد العدو، فكان ذلك، وأعطاه ألف دينار.
وكان قد هجا هاشم بن عبد العزيز وزير محمد بن عبد الرحمن، فأغراه به، وأنشد لمحمد أبياتاً كان مروان قد قالها متغزلاً في محمد لما كان غلاماً:
أعلِّلُ نفسي بالمَوَاعِدِ والمُنَى ... وما العيشُ واللَّذَّاتُ إِلاَّ محمَّدُ
بذاكَ سَبَى عقلي وهاجَ لِيَ الجوَى ... ولمْ يَسْبِهِ حُورٌ أَوانسُ نُهَّدُ
ولكنْ غزالٌ عَبْشَمِيٌّ سمَا بِهِ ... أَبٌ ماجدُ الآباءِ قَرْمٌ ممجَّدُ
فأمر له بمائة سوط لكل بيت، وسجنه.
الطبيب
أبو إسحاق إبراهيم بن الفخار اليهودي
ساد في طليطلة، وصار رسولاً من ملكها النصراني أذفونش إلى أثمة بني عبد المؤمن بحضرة مراكش، وكان والدي يصفه بالتفنن في الشعر ومعرفة العلوم القديمة والمنطق وقد أبصرته في إشبيلية وله جاه عريض وأنشدني لنفسه قوله في أذفونش:
حَضْرَةُ الأَذْفُونْش لا بَرِحَتْ ... غَضةً أَيامُها عُرُسُ
فاخلَعِ النَّعْلَينِ تَكْرمَةً ... في ثَرَاها إِنَّها قُدُسُ
ومن كتاب مصابيح الظلام في حلي الناظمين لدر الكلام.
غربيب بن عبد الله الطليطلي
من الجذوة: شاعر قديم مشهور الطريقة في الفضل والخير، ومما يتداول الناس من شعره:
يُهَدِّدُني بمخلوقٍ ضَعِيفٍ ... يهابُ مِنَ المنيَّةِ مَا أَهَابُ
ولَيْسَ إلَيْهِ محْيَا ذي حَيَاةٍ ... وليسَ إلَيْهِ مَهْلكٌ مَنْ يَصَابُ
لَهُ أَجَلٌ ولي أَجَلٌ وكلٌّ ... سَيَبْلُغُ حَيْثُ يَبْلُغُهُ الكِتَابُ
وما يَدْري لَعَلَّ المَْتَ مِنْهُ ... قَرِيبٌ أَيُّنا قبلُ المُصَابُ
لَعَمْرُكَ ما يَردُّ المَوْتَ حِصْنٌ ... إذا انْتَابَ المُلوكَ ولا حِجَابُ
لَعَمْرُكَ إنَّ مَحْيايَ ومَوْتي ... إلى مَلِكٍ تذلُّ لَهُ الصِّعَابُ
الحلة
عيسى بن دينار الغافقي الطليطلي
من الجذوة: كان ابن القاسم يجله ويكرمه، وروى عيسى عنه، وكان إماماً في المذهب المالكي، وعلى طريقة عالية من الزهد والعبادة، ويقال إنه صلى أربعين سنة الصبح بوضوء العتمة، وكان يعجبه ترك الرأي والأخذ بالحديث وقيل إنه كان قد أجمع في آخر أيامه على أن يدع الفتيا بالرأي ويحيل الناس على ما رواه من الحديث، فأعجلته المنية في سنة اثنتي عشرة ومائتين.
الأهداب
الغرض من موشحات ابن بقى موشحة له مشهورة
مَا الشَّوْقُ إلاَّ زِنَادْ ... يُورِي بقلبي كلَّ حينٍ نِيرَانا
ومَنْ بُلِيَ بالفِرَاقْ ... يَبُتْ بِهِ ليلُ السَّليمِ حَرَّانا
دُنْيَا تجلَّتْ عروسْ ... على بساطِ السُّنْدُسِ
فاشْرَبْ وهَاتِ الكُوْس ... فهيَ حياةُ الأَنْفُسِ
وإِنْ أَتَيْتَ العَرُوسْ ... فاعطِفْ بها ولْتَجْلِسِ

حَيْثُ الرِّياضُ النِجَادْ ... لِصارمٍ راقَ العُيونْ عُرْيَانا
أَمْوَاجُهُ في اصْطِفَاقْ ... أَنْ جَرَّدَتْ خَيْلُ النَّسيمِ فُرْسَانَا
سلْ أَيَّةً سَلَكَا ... عَهْدُ الشَّبَابِ المُسْتَحيلْ
أَضلَّ أَمْ هَلَكَا ... أَمْ هَلْ إِليْهِ مِنْ سبيلْ
لا تَلْحَنِي في البكا ... إِن أَخَذَتْ منِّي الشَّمولْ
وَجْدِي على الوَجْدِ زَادْ ... ذَكَرْتُ، والذكرى شُجُونُ إِخوانا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها كتاب:
المملكة الطليطلية
وهو
كتاب الغرارة في حلي مدينة وادي الحجارة ... التاج ...
السلك
من زينة وادي الحجارة من كتاب الياقوت، في حلي ذوي البيوت
أبو محمد
القاسم بن عبد الرحمن بن مسعدة الأوسي
كان سكناه بغرناطة، وبيته عظيم بوادي الحجارة وساد بنفسه وكان متفنناً في العلوم، وقال فيه ابن دحية: صاحب لواء العربية، وذو الأنساب السرية. وتوفي بمالقة خمس وسبعين وخمسمائة، ومن شعره قوله:
حَنَانَيْكَ مَدْعُوَّاً ولَبَّيْكَ داعيا ... فكلٌّ بِما ترضاهُ أَصْبَحَ رَاضِيَا
طَلَعْتَ على أَرْجَائِنَا بَعْدَ فَتْرَةٍوقَدْ بَلَغَتْ مِنَّا النُّفُوسُ التَّراقِيا
وقَدْ مُطِلَتْ مِنَّا ديونٌ لدى العِدَاومِنْ سَيْفِكَ السفَّاحِ نَبْغِي التَّقَاضِيَا
؟
أحمد بن عائش
ذكر الحجاري أنه من أعيان وادي الحجارة الذين تحلوا بالأدب، ووصفه بالجود والارتياح إلى سماع الأمداح، وكان في زمان المأمون بن ذى النون ملك طليطلة، ومن شعره قوله:
قِفُوا إِنَّها سُنَّةُ العاشقينا ... لِنَشْكُوَ للرَّبْع ما قَدْ لَقِينَا
ولا تُنْكِرُوا بَعْدَهُمْ وَقْفَةً ... تُفَجِّرُ في العَيْنِ عَيْناً مَعِينَا
أَقِلُّوا فكمْ ذا تَلُومُونَنَا ... سَلِمْتُمْ ولَكِنَّنَا قَدْ بُلِينا
بَلَغْنَا بأَنفُسِنَا في الهوى ... لمَا لَيْسَ يبْلُغُ الأَعداءُ فينا
وكَمْ ذا نُنَادِيهُمُ في الدُّجَى ... رَجَاءَ التفاتٍ فَمَا يَسْمَعُونا
أبو علي الحسن بن علي بن شعيب
من بيت جليل في وادي الحجارة، أثنى عليه الحجاري وأنشد له قوله:
أَجِرْني مِنْ ضَعْفِ اللِّحَاظِ وَخَلِّنِي ... وشدَّةَ بيضِ الهِنْدِ في مَعْرَكِ الحَرْبِ
فما عَبِثَتْ بي غيرُ كَرَّةِ لَحْظِهِ ... أُعِدُّ لها دِرْعِي فتنفُذُ في قَلْبِي
وقوله:
اتْركُيني حتَّى أُقَبِّلَ ثَغْراً ... لَذَّ فيهِ اللَّمَى وطابَ الرُّضَابُ
وعجيبٌ أَنْ تَهْجُريني ظُلْماً ... وشفيعي إلى صِبَاكِ الشَّبَابُ
أخوه أبو حامد
الحسين بن علي بن شعيب
أثنى عليه صاحب المسهب ووصفه بالأدب والفروسية. ومن شعره قوله:
أَحِبَّةَ قَلْبي يعلمُ الله أَنَّني ... أَبَيْتُ على رَغْمِ النُّجومِ مُوَكَّلا
وقَدْ نالَ عَزْمِي كلَّ شيءٍ أَرُومُهُ ... وَأَمَّا مَرامُ الصبرِ عَنْ قُرْبِكُمْ فَلا
وعِبْتُمْ بأَنِّي قَدْ تَسَلَّيْتُ بَعْدَكُمْوعِنْدَ التلاقي سَوْفَ يَظْهَرُ مَنْ سَلا
فذي كَبِدِي مِنْ بَعْدِكُمْ قَدْ تَصَدَّعَتْ ... وَجَفْنِيَ أَضْحَى بالدُّمُوعِ مُبَلَّلا
وقوله وقد كبا به فرسه، فحصل في أسر العدو:
وكنتُ أُعِدُّ طِرْفي للرَّزَايا ... يُخَلِّصُنِي إِذا جَعَلَتْ تَحُومُ
فأَصْبَحَ للعِدَا عَوْناً لأَنِّي ... أَطَلْتُ عَنَاءَهُ فأَنَا الظَّلُومُ
أبو بكر محمد بن أزراق
ذكره صاحب المسهب وأثنى على بيته وذاته، وكان مستوطناً مدينة وادي آش من عمل غرناطة. قال: وله شعرٌ حسنٌ، ألذ عند إنشاده من غفوة الوسن، فمن ذلك قوله:

هَلْ عَلِمَ الطَّائِرُ في أَيْكِهِ ... بأَنَّ قلبي للحِمى طائِرُ
ذكَّرَني عَهْدَ الصِّبا شَدْوُهُ ... وكلُّ صَبٍّ للصِّبا ذاكِرُ
سَقَى عُهُوداً لَهُمُ بالحِمَى ... دَمْعاً لَهُ ذِكْرُهُمُ نَاثِرُ
ووجدت في تقييد سلفى قال عبد الملك بن سعيد: أنشدني أبو بكر بن أزراق لنفسه:
يارَاحِلاً نَحْوَ العَلا ... ءِ أَقِمْ لَعَلَّكَ تَستَرِيحْ
فالغيثُ قَدْ يُسْقَى بِهِ ... مَنْ لَيْسِ مُرْتَاداً طَليحْ
كَمْ ذا تَهُبُّ على البِلا ... دِ كمَا هَفَتْ نَكْبَاءُ ريحْ

أبو جعفر بن أزراق
وجدت في تقييد سلفي أنه من بني أزراق أعيان وادي الحجارة في المائة السادسة، ومن شعره قوله:
أَرَاكَ مَلَكْتَ الخَافِقَيْنِ مَهَابةً ... لهَا ما تَلِجُّ الشُّهْبُ في الخَفَقَانِ
وتُغْضِي العُيونُ عَنْ سَناكَ كأَنَّها ... تُقابلُ مِنْكَ الشَّمْسَ في اللَّمَعَانِ
وتَصْفَرُّ أَلْوَانُ العُداةِ كأَنَّما ... رُمُوا مِنْكَ طُولَ الدَّهْرِ باليَرَقَانِ
ومن كتاب الوزراء
أبو مروان عبد الملك بن حصن
ذكر الحجاري أنه من أعيان الوزراء وأعلام الكتاب والشعراء. هجا المأمون بن ذى النون بقوله:
سُطُورُ المخازي دُونَ أَبْوَابِ قَصْرِهِ ... بِحجَّابِهِ للقَاصِدِينَ مُعَنْوَنَهْ
فلما تمكن منه المأمون سجنه، فكتب إلى ابن هود من أبيات:
أَيا راكبَ الوَجْناءِ بَلِّغْ تحيَّةً ... أَميرَ جُذَامٍ مِنْ أَسِيرٍ مُقَيَّدِ
غَرِيبٍ عَنِ الأَهْلِينِ والدَّارِ والعُلَىفَرِيدٍ وكَمْ أَبْصَرَتْهُ غَيْرَ مُفْرَدِ
تَلُوذُ بِهِ الأَعْلامُ تَحْتَ رِكابِهِ ... وتلثمُ مِنْهُ في الرِّكَابِ وفي اليَدِ
فرق له، وسعى في تخليصه.
ومن كتاب الكتاب
أبو بكر محمد بن قاسم أشكهباط
من المسهب: أصله من وادي الحجارة ونشأ بقرطبة وساد فيها، وجارى حلبة الأعيان والكتاب في تلك الفتنة التي قلبت أسافلها أعاليها. وأطنب في ذمه، وأورد له من النثر ما عنوانه: أستوهِبُ اللهَ الذي تَقَدَّسَتْ أسْمَاؤُهُ وعَمَّتْ آلاؤُهُ، وأسألُهُ أنْ يَتَفَضَّلَ بمطالَعَةِ أخيهِ بحَالِهِ، وكَيْفَ أمْرُهُ في أشْغَالِهِ.
ومن شعره قوله وقد اجتاز بحلب:
أَيْنَ أَقْصَى الغَرْبِ مِنْ أَرْضِ حَلَبْ ... أَمَلٌ في الغَرْبِ مَوْصُولُ التَّعَبْ
حَنَّ مِنْ شَوْقٍ إلى أَوْطَانِهِ ... مَنْ جَفَاهُ صَبْرُهُ لمَّا اغْتَرَبْ
جالَ في الأَرْضِ لَجاجاً حَائِراً ... بَيْنَ شَوْقٍ وعَنَاءٍ ونَصَبْ
ومنها:
يا أَحبَّائي اسْمَعُوا بَعْضَ الذي ... يَتَلَقَّاهُ الطَّرِيدُ المُغْتَرِبْ
ولْيَكُنْ زَجْراً لَكُمْ عَنْ غُرْبَةٍ ... يَرْجَعُ الرَّأْسُ لَدَيْهَا كالذَّنَبْ
واصِلُوا طَعْناً وضَرْباً دَائِمَاً ... هُوَ عِندي بَيْنَ قَوْمِي كالضَّربْ
ولَئِنْ قاسَيْتُ ما قاسَيْتُهُ ... فبِمَا أَبْصَرَ لَحْظِي مِنْ عَجَبْ
وأحسن شعره قوله في ملك:
وكَمْ قَدْ لَقِيْتُ الجَّهْدَ قَبْلَ مُجَاهِدٍ وكَمْ أَبْصَرَتْ عَيْني وكَمْ سَمِعَتْ أُذْني
ولاقَيْتُ مِنْ دَهْرِي صُرُوفَ خُطُوبِهِكمَا جَرَتِ النَّكْبَاءُ في مَعْطِفِ الغُصْنِ
فلا تَسْأَلوني عَنْ فِراقِ جَهَنَّمٍ ... ولَكِنْ سَلوني عَنْ دُخُولِي إِلى عَدْنِ
راشد بن عريف
ذكر الحجاري أنه من أعيان وادي الحجارة وساد في الكتابة.
حضر عنده شربٌ، فاحتاج أحدهم للقيام، فقام له، ثم تسلسل ذلك حتى ضجر، فلم يقم، فاغتاظ الذي لم يقم له، فقال راشد ارتجالاً:
جُمِّعَ في مَجْلِسِي نَدَامَى ... تَحْسُدُنِي فِيهُمُ النُّجُومُ
فقَالَ لي مِنْهُمُ خَليلٌ ... مَالَكَ إذْ قُمْتُ لا تَقُومُ
فَقُلْتُ إِنْ قُمْتُ كلَّ حِينٍ ... فإِن خَطْبِيَ بِكُمْ عَظِيمُ

ولَيْسَ عندي إذَنْ نَدَامَى ... بَلْ عِنْدِيَ المُقْعِدُ المُقيمُ

ومن كتاب العلماء
الأديب أبو مروان
عبد الملك بن غصن الحجاري
من المسهب: هذا الرجل يفخر به إقليمٌ لا بلد، ويقوم بانفراده مقام الكثير من العدد، فإنه كان أحد أعلامها في الأدب والتاريخ والتأليفات الرائقة التي تبهر الألباب. وكان ملوك الطوائف يتهادونه تهادي الريحان يوم السباسب، ويلحفونه أثواب الكرامة من كل جانب. ومن شعره قوله:
فَدَيْتُكَ لا تَخَفْ مِنِّي سُلُواً ... إذا مَا غَيَّرَ الشَّعْرُ الصِّغارَا
أهِيمُ بدَنِّ خَلٍّ كانَ خَمْراً ... وأَهْوَى لِحْيَةً كانَتْ عِذَارَا
الأديب أبو إسحاق
إبراهيم بن وزمر الصنهاجي الحجاري
من المسهب: هو جدي وتسمى ابنه والدي على اسمه، لأنه تركه في البطن، وكان ممن ولع بعلوم التواريخ والآداب، وتنبه في خدمة المأمون بن ذى النون، ومن شعره قوله:
لَئِنْ كَرِهُوا يَوْمَ الوَدَاعِ فإِنَّنِي ... أَهيمُ بِهِ وَجْداً لأَجْلِ عِنَاقِهِ
أُصَافِحُ مَنْ أَهْواهُ غَيْرَ مُسَاترٍ ... وسِرُّ التلاقي مُودَعٌ في فِرَاقِهِ
وقوله:
أَلا إنَّها والله إِحدى الكَبَائرِ ... تَعُقُّونَ أَسْلاَفاً لَكُمْ بالمَآَثِرِ
مَتَى كانَ مِنْكُمْ مَنْ يَجُودُ لِقَاصِدٍ؟مَتَى كانَ مِنْكُمْ مَنْ يَهَشُّ لِشَاعِرِ؟
ابنه
الأديب أبو محمد عبد الله
صاحب كتاب الحديقة في البديع هو عم صاحب المسهب، أجلته محنة بلده في شبابه، وقصد إقبال الدولة ملك دانية، ومدحه.
ومن شعره قوله في أبي بكر بن عبد العزيز مدبر أمر بلنسية:
رُدُّوا عَلَيَّ رِكَابَهُمْ بالأَجْرَعِ ... حتَّى يُقَضِّي الشَّوْقُ حَقَّ مُوَدِّعِ
وأَبُثُهُمْ ما قَدْ أَثاروا مِنْ جَوىً ... بِفِرَاقِهِمْ واسْتَقْطَرُوا مِنْ أَدْمُعِ
وأنشد لنفسه في الحديقة:
وشَادِنٍ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ ... أَمَّنَنِي مِنْ سَطْوةِ الدَّهْرِ
يَنَامُ للشَّرْبِ على جَنْبِهِ ... وَيَصْرِفُ الذَّنْبَ عَلَى الخَمْرِ
جاحظ المغرب صاحب المسهب
أبو محمد
عبد الله بن إبراهيم بن إبراهيم الحجاري
هو أول من أسمى هذا التصنيف، وفتح بابه لمن بعده من بني سعيد.
وقد أطنب والدي في الثناء عليه من طريق البلاغة نظماً ونثراً ومعرفة التصنيف، وقال فيه: وبم أصفه، وقدرة اللسان لا تنصفه. وفد على عبد الملك بن سعيد، وهو حينئذ صاحب القلعة المنسوبة إلى سلفه، وأنشده قصيدة منها:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي الذِّكْرُ الجَّمِيلُ ... فَجِئْتُ ومِنْ ثَنَائِكَ لي دَلِيلُ
أَتَيْتُ ولَمْ أُقَدِّمْ مِنْ رَسُولٍ ... لأَنَّ القَلْبَ كانَ هُوَ الرَّسُولُ
ومنها في شكله البدوي:
أَجِلْ طَرْفاً لَدَيَّ فإِنَّ عِنْدِي ... مِنَ الآدَابِ ما يَحْوِي الخَلِيلُ
وَمَثِّلْنِي بدَنٍّ فيهِ سِرٌّ ... يَخِفُّ بِهِ ومَنْظَرُهُ ثَقِيلُ
فاختبره عبد الملك، فأحمده، وصنف له كتاب المسهب في فضائل المغرب، وهو أصل هذا الكتاب، كما تقدم في الخطبة. وقد تقدم من نثره في أوصاف من يذكرهم في كتابه، ما يدل على مكانه في النظم، وأحسن نظمه قوله:
مَلِكٌ طُفَيْلِيُّ السَّمَا ... حِ على الأَقَارِبِ والأَبَاعِدْ
ما فُرِّجَتْ أَبْوَابُهُ ... إِلاَّ تَفَرَّجَتْ الشَّدَائدْ
وقوله في بني سعيد:
وَجَدْنَا سَعِيداً مُنْجِباً خَيْرَ عُصْبَةٍ ... هُمُ في بني أَزْمانِهِمْ كالمَوَاسِمِ
مشَنَّفَةٌ أَسْمَاعُهُمْ بفضائلٍ ... مُسَوَّرَةٌ أَيْمَانُهُمْ بالصَّوارِمِ
فَكَمْ لَهُمُ في الحَرْبِ مِنْ فَضْلِ نَاثِرٍوَكَمْ لَهُمُ في السِّلْمِ مِنْ فَضْلِ نَاظِمِ
وقوله:
زَارَتْكَ في اللَّيْلِ البَهِيمْ ... كالغُصْنِ يَثْنِيهِ النَّسِيمْ
سَلبَتْ ظَلامَ اللَّيْلِ مَا ... أَبْصَرْتَ في العِقْدِ النَّظِيمْ

فلِذَاكَ أَمْسِى عَاطِ ... لُ الآفَاقِ مُسْوَدَّ الأَدِيمْ
لوْلا الُمدَامُ لمَا اهْتَدَى ... فيهِ إلى كأسٍ نَدِيمْ

الطبيب أبو حاتم الحجاري
ذكره صاحب المسهب وأخبر: أنه كان متقلباً بين شاعر وخطيب وطبيب وجندي، وأنشد له قوله يستهدي خمراً:
يا سَيِّدي والنَّهَارُ تُبْصِرُهُ ... مُنْسَجِمَ الدَّمْعِ مُطْبَقَ الأُفُقِ
وعِنْدِيَ البَدْرُ قَدْ خَلَوْتُ بِهِ ... وفَوْقَ خَدَّيْهِ حُمْرَةُ الشَّفَقِ
جاذبْتُهُ الجُلَّ فاسْتَقَادَ وَكَمْ ... جَرَيْتُ خَلْفَ الجَمُوحِ في طَلَقِ
والخَمْرُ نِعْمَ العِتَادُ جَامِعَةً ... لشارِبيهَا مِسْكِيَّةَ العَبَقِ
وقَدْ هَزَزْنَاكَ كيْ تَجُودَ بِهَا ... في الشِّعْرِ هَزَّ الغُصُونِ في الوَرَقِ
الشعراء
الحسن بن حسان السناط
من المسهب: شاعر زمانه، وواحد أوانه، اشتهر بقرطبة في مدح الخليفة الناصر، وأصله من وادي الحجارة، وعنوان طبقته قوله:
أَدِرْ نَجْمَيْكَ يا قَمَرَ النَّدِىِّ ... فَقَدْ نَامَ الخَلِيُّ عَنِ الشَّجِيِّ
كَفَى بِكَ والمُدَامَةِ لي صَبَاحَاً ... يُفَرِّقُ عَسْكَرَ اللَّيْلِ الدَّجِيِّ
فَخُذْ ذَهَباً ورُدَّ لنَا لُجَيْناً ... تَكُنْ في النَّاسِ أَرْبَحَ صَيْرَفيِّ
وقتل نفسه غيظاً، لأنه وجد امرأته مع رجل.
حفصة بنت حمدون الحجارية
من المسهب: إن بلدها يفخر بها، وكانت في المائة الرابعة. ولها شعر كثير، منه قولها:
لي حَبِيبٌ لا يَنْثَنِي بِعِتَابِ ... وإِذا مَا تَرَكْتُهُ زَادَ تِيهَا
قالَ لي هَلْ رَأَيْتِ لي مِنْ شَبِيهٍ ... قُلْتُ أَيْضَاً وهَلْ تَرَى لي شَبِيهاً
وقولها:
يا رَبِّ إِنِّي مِنْ عَبيدي على ... جَمْرِ الغَضَى ما فِيهُمُ مِنْ نَجِيبْ
إِمَّا جَهُولٌ أَبْلَهٌ مُتْعِبٌ ... أَوْ فَطِنٌ مِنْ كَيْدِهِ لا أَخِيبْ
أم العلاء بنت يوسف الحجارية البربرية
من المسهب: أنها ممن تفخر به بلدها وقبيلها، وأنشد لها قولها:
لله بُسْتاني إِذا ... يَهْفُو بِهِ القَصَبُ المُنَدَّى
فَكَأَنَّمَا كَفُّ الرِّيا ... حِ قدْ أَسَنَدَتْ بَنْدَا فَبَنْدَا
وقولها:
لوْ لا مُنَافَرَةُ المُدا ... مَةِ للصَّبَابةِ والغِنَا
لَعَكَفْتُ بَيْنَ كُؤُوسِهَا ... وجَمَعْتُ أَسْبَابَ المُنَى
وقولها:
كُلُّ ما يَصْدُرُ عَنْكُمُ حَسَنُ ... وبُعلْيَاكُمُ يُحلي الزَّمَنُ
تَعْكُفُ العَيْنُ عَلَى مَنْظَرِكُمْ ... وبِذَاكِرِكُمْ تَلَذُّ الأُذُنُ
مَنْ يَعِشْ دُونَكُمُ في عُمُرِهِ ... فَهْوَ في نَيْلِ الأَمَاني يُغْبَنُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الطليطلية
وهو:
كتاب صفقة الرباح في حلي قلعة رباح
هي أحد معاقل الأندلس. وولاتها كانت تتردد عليها من طليطلة، ثم أخذت طليطلة، فصارت تتردد عليها من قرطبة، وقد وليها:
القائد أبو الحسن علي بن فتح
ذكر الحجاري أنه ساد فيها وتعب في تشييد الرياسة حتى استراح، وتقدم في قرطبة زمن الفتنة، وأنجب الأعيان المشهورين بها. وله شعرٌ يستعبد الشعراء إحسانه، من ذلك قوله:
حَنَقاً أَصَابَتْنَا المَوَا ... ضي و اللَّبِيبُ لهَا غَدِيرُ
فَبِطُولِ ما أَتْعَبْتُهَا ... مَهْمَا أُبَارِزُ أَوْ أُغِيرُ
وقوله:
أَقُولُ لهَا لَوْ كَانَ يَنْفَعُ عِنْدَهَامَقَالٌ وَنَارُ الوَجْدِ تَقْدَحُ في صَدْرِي
إلَى كَمْ تُعِينُ الدَّهْرَ وهُوَ مُسَلَّطٌعَلَيْنَا بِطُولِ العَتْبِ والصَدِّ والهَجْرِ
أبو تمام غالب بن رباح
المعروف بالحجام

من المسهب: شاعر القلعة الذي نوه بقدرها، ورفع من رأس فخرها، لا أحاشي حديثاً ولا قديماً، لا أخص لئيماً ولا كريماً. وكان مدة ملوك الطوائف.
ومن شعره قوله:
صِغَارُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمْ فَسَاداً ... ولَيْسَ لَهُمْ لِصَالِحَةٍ نُهُوضُ
أَلَمْ تَرَ في طِبَاعِ الطَّيْرِ سِرّاً ... تُسَالِمُنَا ويأْكُلُنَا البَعُوضُ
وقوله:
لِيَ صَاحِبٌ لا كَانَ مِنْ صَاحِبٍ ... كأَنَّهُ في كَبِدِي جَرْحَةْ
يَحْكِي إذا أَبْصَرَ لِي زَلَّةً ... ذُبَابَةً تَضْرِبُ في قَرْحَةْ
وقوله:
فَيَا لَلْمَلْكِ لَيْسَ يَرَى مَكَانِي ... وَقَدْ كَحَّلْتُ ناظِرَه بِنُورِي
كَمَا المِسْوَاكُ مُطَرَّحاً مُهَاناً ... وَقَدْ أَبْقَى جِلاءً في الثُّغُورِ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الطليطلية
وهو:
كتاب نقش السكة، في حلي مدينة طلمنكة
ذكر الرازي أنها من عمل وادي الحجارة، وهن الآن للنصارى. ينسب إليها:
غانم بن ألسقطير الطلمنكي
ذكره الحجاري وأخبر: أنه مال إلى العلم الرياضي وشغف بالكيمياء وأفسد عليها جملة، وتحيل على ابن ذى النون من طريقها، وسقى غلاماً له جميل الصورة مرقداً ............، وكتب على حائط الدار التي كان فيها، وهرب:
نَعَمْ إِنَّنِي بالكِيمْيَاءِ لَعَالِمٌ ... ... بِهَا مَنْ دُونُهُ أَلْفُ حَاجِبِ
وأَخْلِسُ أَمْوَالاً، وأَضْحَكُ خَالِياً ... على مَلِكٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بالتَّجَارِبِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الطليطلية
وهو: كتاب التغبيط، في حلي مدينة مجريط من أعمال طليطلة، ينسب لها:
الكاتب أبو عبد الله المجريطي
فاضل، ذكره صاحب السمط، وقال: تارةً هو أويسٌ القرني، وآونة إبراهيم الموصلي، وما خلا قلبه عن غرام، ولا أزال يده من يد غلام، ومما أنشد له قوله:
لاعُذْرَ أَوْضَحُ مِنْ أَسِيلٍ وَاضِحٍ ... صَقَلَ الشَّبَابُ أَديمَهُ المَشْبُوبَا
لمَّا نَظرْتُ إلى الفِرنْدِ بصَفْحِهِ ... أَبْصَرْتُهُ بِدَمِ القُلُوبِ خَضِيبَا
وَرَمَى عَنِ اللَّحْظِ العَلِيلِ إلى الحَشَا ... سَهْمَ المَنُونِ فَكَانَ فيهِ مُصِيبَا
هَلاَّ سَأَلْتَ لِحَاظَهُ يَوْمَ النَّوَى ... هَلْ غَادَرَتْ لَكَ في الحَيَاةِ نَصِيبَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الطليطلية
وهو:
كتاب السعادة، في حلي قرية مكادة
من مدن المملكة الطليطلية. حصلت في أيدي النصارى. ينسب إليها الشاعر الزجال:
أبو العباس أحمد المكادي
الذي كان يسكن مدينة باغة. من شعره قوله:
شَرِبْنَا وَبُرْدُ اللَّيْلِ فَوَّفَهُ سَناًمِنَ الصُّبْحِ والأَطْيَارُ تُنْشِدُ في القُضْبِ
وَقَدْ أَبْرَزَتْ شَمْسُ السَّمَاءِ مَطَارِفاًمِنَ الوَشْيِ أَلْقَتْهَا على الأُفُقِ الرَّحْبِ
وله الزجل المشهور في الزجال القرطبي، الذي منه:
يا قُرْطُبِيُّ يُمْسِيكْ ... نَحْساً مُعَجَّلْ
إذا خَرَجْ رُوحَكْ ... بي زَحْفِ تُحْمَلْ
ومنه:
إِنْ كانْ ذرَاعي فيكْ ... قَدْ جَالْ صَيْقَلْ
مملكة جيان
كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب موسطة الأندلس

وهو:

كتاب النفحة البستانية، في حلي المملكة الجيانية
مملكةٌ جليلةٌ بموسطة الأندلس، معروفة بالمحارث والأخشاب، وهي بين غرناطة وطليطلة ومرسية ينقسم كتابها إلى أحد عشر كتاباً: كتاب الغصن الريان، في حلي حضرة جيان كتاب السراج، في حلي قسطلة دراج كتاب وشي الخياطة، في حلي مدينة قيجاطة كتاب الفوائد المسطورة، في حلي معقل شقورة كتاب البستان، في حلي سمنتان كتاب الآسة، في حلي بياسة كتاب الوجنة الموردة، في حلي أبدة كتاب الغبطة، في حلي بسطة كتاب الخيزرانة، في حلي برشانة كتاب الفرائد المفصلة، في حلي تاجلة كتاب المسرات المسلية، في حلي قولية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب الغصن الريان، في حلي حضرة جيان
هي عروس، لها منصة وتاج ملك
المنصة
من كتاب الرازي: جمعت تناهى طيب الأرض وكثرة الثمر، وغزر السقيا، واطراد العيون، وكثرة الحرير. قال ابن سعيد: مدينة جيان من أعظم مدن الأندلس في المنعة، لا ترام بقتال وأكثرها خصباً ورخصاً للحوم والحبوب، وتعرف بجيان الحرير، لكثرته فيها.
التاج
كانت في مدة ملوك الطوائف تارة لبني عباد، وتارة لصهناجة ملوك غرناطة، واشتهر بها في صدر دولة عبد المؤمن:
أبو إسحاق إبراهيم بن همشك
وكان يضرب به المثل في السطوة والقتل، وكان يردي أهل الجنايات من حافة عظيمة.
وقد حصلت الآن في يد النصارى بعد حصار عظيم سلمها لهم ابن الأحمر، ملك غرناطة الآن.
السلك
الكتاب
أبو العباس أحمد بن السعود
كاتب ابن همشك المذكور. من نظمه قوله:
إلَيْكَ وإِلاَّ مَنْ على الأَرْضِ يَفْضُلُ ... وَيُطْلَبُ مِنْهُ جَاهُهُ وَيُؤْمَلُ
لَكَ الخَبَرُ المَتْلُوُّ في كُلِّ بَلْدَةٍ ... لأَنَّكَ في كُلِّ الأُمُورِ مُكَمَّلُ
ولوْلاكَ ما سَارَ اشتهاريَ في العُلاَ ... ولا كُنْتُ في آفَاقِهَا أَتَوَقَّلُ
أبو الحجاج يوسف بن العم
كان قد أخذ نفسه بالجندية والأدب، وكتب عن ابن همشك المذكور. ومن شعره قوله:
سَلِي بي إِذا ما الخَيْلُ جَاَلتْ فإِنَّنِي ... أَكُونُ لَهَا صَدْراً أمَامَ الطَّوَالِعِ
وَأَثْنِي عِنانِي ظَافِراً نَحْوَ بَلْدَةٍ ... إِليَّ بِهَا تُومِي جَميعُ الأَصَابِعِ
ذوو البيوت
أبو ساكن حامد بن سمجون
ذكر الحجاري: أنه من بيت جليل، كانوا بدور مجالس وليوث كتائب، وصحب أبو ساكن الظافر بن ذى النون. ومن شعره قوله:
كلَّفْتَنِي الصَّبْرَ وأَنْتَ الذي ... أَنْفَقْتَهُ حَتَّى أَطَعْتَ الجِمَاحْ
أَشْكُو ولا تَرْحَمْنِي دَائِماً ... كَمَا شَكَا البَحْرُ لِعَصْفِ الرِّيَاحْ
وَتُظْهِرُ الخَجْلَةَ مَكْراً كَمَا ... تَخْجَلُ عِنْدَ القَطْع بِيضُ الصِّفاحْ
أبو الحسن علي بن السعود
اجتمع به والدي بحضرة مراكش، ومن شعره قوله في مطلع قصيدة يمدح بها منصور بن عبد المؤمن:
بِعَوْدَتِكَ الغَرَّاءِ عَاوَدَنَا السَّعْدُ ... عَظُمَتْ فَلاَ قَبْلٌ سِوَاكَ ولا بَعْدُ
يَرُومُ أُناسٌ عَدَّ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ ... فَصَبْرُهُمُ يَفْنَى ومَا فَنِيَ العَدُّ
وقوله:
انْظُرْ إلى البَدْرِ بَدَا ضَاحِكاً ... في أَوْجُهِ الأَكْؤُسِ وهِيَ العُبُوسْ
قَبَّلَهَا البَدْرُ غَرَاماً بِهَا ... فَكُلُّ كأْسٍ بِحُلاهُ عَرُوسْ
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَهُوَ أَدْرَى بِهَا ... ثُغُورُ غِيدٍ هَذِهِ أَمْ كُؤُوسْ
فَلا تَسَلْ عَمَّا أَنَارَتْ بِمَا ... بَيْنَهُمَا مِنْ طَرَبٍ في النُّفُوسْ
العلماء
العالم المتفنن أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن ثعلبة الخشني

عالم جليل ذكره ابن حيان و في كتاب المسهب: كان زاهداً، لغوياً، نحوياً، شاعراً، رحل إلى المشرق، ولقي أبا حاتم السجستاني، وجاء إلى الأندلس بعلم كثير. ومن مشهور شعره قوله:
كَأَنْ لَمْ يكُنْ بَيْنٌ وَلَمْ تَكُ فُرْقَةٌٌ ... إذا كانَ مِنْ بَعْدِ الفِرَاقِ تَلاَقي
كأَنْ لَمْ تُؤَرِّقْ بالعِرَاقَيْنِ مُقْلَتِيولَمْ تَمْرِ كَفُّ الشَّوْقِ مَاءَ مَآقِي
ولَمْ أَزُرِ الأَعْرَابَ في خَبْتِ أَرْضِهِمْ ... بِذَاتِ اللِّوَى مِنْ رَامَةٍ وبُراقِ

النحوي أبو بكر محمد بن مسعود الخشني
من سمط الجمان، بقية العظماء، وأحد الجلة العلماء، أحد من تاهت الجزيرة بأدواته، وباهت بمعداته، وألطف شعره قوله:
يا نَائِياً قَدْ نَأَى عنِّي بِمُصْطَبَري ... وَثَاوِياً في سَوَادِ القَلْبِ والبَصَرِ
إِمَّا تَنَاسَيْتَ عَهْداً مِنْ أخي ثِقَةٍفاذْكُرْ عُهُودِي فَمَا أُخْلِيكَ مِنْ ذِكَرِي
وارْدُدْ إِليَّ تَحِيَّاتِي بأَحْسَنِها ... ترْدُدْ عَلَيَّ حَيَاتِي آخِرَ العُمُرِ
النحوي أبو ذر
مصعب بن أبي بكر بن مسعود
ذكر والدي أنه كان من عظماء نحاة الأندلس، اجتمع به والده محمد بن سعيد. ومن شعره قوله:
كَأَنَّمَا عِمْرَانُ إِذْ حَكَّنِي ... قَدْ أُودِعَتْ كَفَّاهُ أَفْنَاكَا
فَقُلْتُ يا جِسْمُ تَنَعَّمْ بِهِ ... فطالَمَا بالهَجْرِ أَفْنَاكَا
الأديب أبو عمر أحمد بن فرج
صاحب كتاب الحدائق ألفها للستنصر المرواني، ورفع له أن هجاه، فسجنه ومات في سجنه، وذكر الحجاري: أنه لم يكن في المائة الرابعة أشد اعتناءً منه بتأليف شعر أهل الأندلس، وأحسن شعره قوله:
وَطَائِعَةِ الوِصَالِ عَفَفْتُ عَنْهَا ... ومَا الشَّيْطَانُ فيها بالمُطَاعِ
بَدَتْ في اللَّيْلِ سَافِرةً فَبَاتَتْ ... دياجي اللَّيْلِ سَافِرَةَ القِنَاعِ
وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ إلاَّ وفيها ... إلى فِتَنِ القُلُوبِ بِهَا دَوُاعِ
فَمَلَّكَتْ النُّهَى حُجَّابَ شَوْقِي ... لأجْرِيَ في العَفَافِ على طِبَاعِي
وَبِتُّ بِهَا مَبيتَ السَّقْبِ يَظْمَا ... فَيَمْنَعُهُ الكِعَامُ مِنَ الرِّضَاعِ
كَذَاكَ الرَّوْضُ مَا فيهِ لمِثْلِي ... سِوَى نَظَرٍ وشَمٍّ مِنْ مَتَاعِ
وَلَسْتُ مِنَ السَّوَائِمِ مُهْمَلاَتٍ ... فأَتَّخِذَ الرِّيّاضَ مِنْ المَرَاعِي
أخوه
أبو عثمان سعيد
ذكره الحميدي في الجذوة ووصفه بالأدب، وأنشد له قوله:
الرَّوْضُ زَاهٍ فَقِفْ عَلَيْهِ ... وَاصْرِفْ عَنَانَ الهَوَى إلَيْهِ
أمَا تَرَى نَرْجِساً نَضِيراً ... يُومِي إلَيْنَا بمُقْلَتَيْهِ
نَشْرُ حَبِيبِي حَكَى شَذَاهُ ... وَصُفْرَتِي فَوْقَ وَجْنَتَيْهِ
فَهُوَ أنَا تَارَةً وَحُبِّي ... أُخْرَى وِفَاقَاً لِحَالَتَيْهِ
أخوهما
أبو محمد عبد الله
مذكور في كتب الجذوة. ومن شعره قوله:
تَدَارَكْتُ مِنْ خَطَئِي نَادِمَاً ... أأرْجُو سِوَى خَالِقِي رَاحِمَا
فَلاَ رُفِعَتْ ضَرْعَتِي إنْ رَفَعْتُ ... يَدَيَّ إلَى غَيْرِ مَوْلاَهِمَا
الأديب يحيى بن حكم الغزال
شاعر أديب حكيم أرسله عبد الرحمن الأوسط إلى صاحب القسطنطينية رسولاً، وحصل له أنسٌ مع السلطان وزوجته، فجاءته ليلة بخمر، وقالت له اشرب هذه مع ابني هذا، وكان غلاماً بديع الجمال، فذكر أن ذلك لا يجوز في دينه، ثم ندم، وقال:
وَأَغْيَدَ ليِّنِ الأَعْطَافِ رَخْصٍ ... كَحِيلِ الطَّرْفِ ذي عُنْقٍ طَوِيلِ
تَرَى مَاءَ الشَّبَابِ بِوَجْنَتَيْهِ ... يَلُوحُ كَرَوْنَقِ السَّيْفِ الصَّقيلِ
يَحِنُّ إليَّ مُطَرِّفاً لشَكْلِي ... ويُكْثِرُ لِيَ الزِّيَارَةَ بالأَصِيلِ
أتَى يَوْمَاً إلَيَّ بِزِقِّ خَمْرٍ ... شَمُولِ الرِّيحِ كالمِسْكِ الفَتِيلِ

لِيَشْرَبَهَا مَعِي وَيَبيتَ عِنْدِي ... فَيَثْبُتَ بَيْنَنَا وُدُّ الخَلِيلِ
فَقُلْتُ حَمَاقَةً مِنِّي ونُوْكاً ... فَدَيْتُكَ لَسْتُ مِنْ أهْلِ الشَّمُولِ
فأيَّةُ غِرَّةٍ سُبْحَانَ رَبِّي ... لَوْ أنِّي كُنْتُ مِنْ أهْلِ العُقُولِ
ورجع من عنده بذخائر ملوكية.

الشعراء
أحمد بن محمد الكناني
ديك تيس الجن
هو مذكور في الجذوة والمسهب، وكان يهاجي مؤمن بن سعيد. ومن شعره قوله:
قُمْ هَاتِهَا قَدْ حَانَ وَقْتُ الإصْطِبَاحْأوَ مَا رَأيْتَ الوُرْقَ تُنْذِرُ بالصَبَاحْ
قَدْ نِمْتَ خِلِّي مَا كَفَاكَ فَقُمْ بِنَامَا العَيْشُ إلاَّ أنْ تَقُومَ لِكَأسِ رَاحْ
والنَّوْمُ يَكْسُرُ أعْيُناً وحَوَاجِباً ... والكَفُّ تُرْعَشُ والنُّفُوسُ لَهَا مِرَاحْ
أغلب بن شعيب
من شعراء المسهب. كان في المائة الرابعة ومن شعره قوله:
ياسَاكِنِيْ وادِي النَّقَا ... فَارَقْتُمُ فَمَتَى اللِّقَا
لا صَبْرَ لِي مِنْ بَعْدِكُمْ ... بَلْ لَسْتُ أطْمَعُ في البَقَا
أبو عبد الله محمد بن فرج
من شعراء الذخيرة، وصفه بالبديهة. مر به غلام وسيم، به بعض صفرة، فقال:
قَالوا بِهِ صَفْرَةٌ عَلَتْ مَحَاسِنَهُ ... فَقُلْتُ مَا ذَاكُمُ عَابٌ بِهِ نَزَلا
عَيْنَاهُ تُطْلَبُ في أثآرِ مَنْ قَتَلَتْ ... فَلَيْسَ تَلْقَاهُ إلاَّ خَائِفَاً وَجِلا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب السراج، في حلي قسطلة دراج
مدينة من أعمال جيان، تداول دراج وبنوه على رياستها، ومن هذا البيت متنبي الأندلس:
أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج
كفاه من الافتخار أن الثعالبي ذكره في كتاب اليتيمة، وقال: هو بالصقع الأندلسي كالمتنبي بصقع الشام. وهو مذكور في الذخيرة، والمتين والسهب وكل أشاد بذكره، ونبه على قدره، وكان قد جل عند المنصور بن أبي عامر سلطان الأندلس، وله فيه أمداح جليلة، وعاش إلى الفتنة في المائة الخامسة، وتطارحت به النوى، فقاسى شدة في التغرب، وأكثر من ذكره، ومن فرائد نظمه قوله من قصيدة:
وَمِنْ شيمَةِ المَاءِ القَرَاحِ وَإنْ صَفَاإذا اضْطَرَمَتْ مِنْ تَحْتِهِ النَّارُ أنْ يَغْلِيَ
وقوله:
وَلَئِنْ جَنَيْتُ عَلَيْكَ تَرْحَةَ رَاحِلٍ ... فَأنَا الضَمِينُ لَهَا بِفَرْحَةِ آيِبِ
هَلْ أبْصَرَتْ عَيْنَاكَ بَدْرَاً طَالِعَاً ... في الأُفْقِ إلاَّ مِنْ هِلالٍ غَارِبِ
وقوله:
يَجُرُّ سُكْراً وسُكْرُ الدَلِّ عَاطِفُهُ وقَارَهُ وانْثِنَاءُ الوَشْيِ لاذِعُهُ
فَفَرَّعَ الخَصْرُ كَثْبَاناً تُبَاعِدُهُ ... وأنْبَتَ الصَّدْرُ رُمَّاناً تُدَافِعُهُ
ابنه الفضل
ذكر صاحب الجذوة: أنه أديب شاعر حذا حذو أبيه، وكان بعد أربعمائة وأربعين ببلنسية، ومن شعره قوله في إقبال الدولة بن مجاهد، صاحب الجزر ودانية:
وَإِذَا مَا خُطُوبُ دَهْرٍ أطَافَتْ ... وأنَافَتْ كَأنَّهَا الجِنَّ تَسْعَى
كَلأتْنَا مِنْ لَسْعِهِنَّ أيَادِي ... مِلْكٍ يَكْلأُ الأنَامَ ويَرْعَى
مَلِكٌ إنْ دَعَاهُ لِلْنَصْرِ يَوماً ... مَسْتَضَامٌ كَفَاهُ نَصْرَاً وَمَنْعا
أَوْ عَرَاهُ السَّلِيبُ صِفْراً يَدَاهُ ... جَمَعَ الرِّزْقَ مِنْ يَدَيْهِ وأَوْعَى
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب وشي الخياطة، في حلي مدينة قيجاطة
مدينة نزهة في نهاية من الحسن والخصب، كانت الولاة تتردد عليها من جيان، ودخلها النصارى بالسيف، فأهلكوا من فيها. ومنها:

أبو المعالي أحمد بن أبي البركات
الملقب بالقلطي
اجتمع به والدي وأنشده لنفسه في قيجاطة لما أخنى عليها العدو:
أَبْكَى جُفُونِي بِدَمٍ مَنْظَرٌ ... لَمْ يَكُ أَهْلاً لِخِلافِ النَّعِيمْ
صَبَّحْتُهُ بَعْدَ الرَزَايَا فَمَا ... أَجَابَنِي في رَبْعِهِ مِنْ حَمِيمْ
فَظَلْتُ أَقْرُو مَوْضِعَاً مَوْضِعَاً ... بِمُقْلَةٍ عَبْرَى وخَدٍّ لَطِيمْ
وَقُلْتُ يا مَرْبَعُ أَيْنَ الذي ... أَحْبَبْتُهُ فِيكَ وأَيْنَ النَّدِيمْ
فَقَالَ عِقْدٌ قَدْ غَدَا شَمْلُهُ ... كَمِثْلِ مَا يُنْثَرُ دُرٌّ نَظِيمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب الفوائد المسطورة، في حلي معقل شقورة
البساط
قال الحجازي: هي إحدى معاقل الأندلس التي يتعب البصر في استقصاء سمكها، ويرتد حسيراً عن آفاق ملكها، لا يأخذها قتال، ولا يبالي من اعتصم بها إلا بالآجال، وفيها يقول الوزير ابن عمار:
عَالٍ كَأَنَّ الجِنَّ إذْ مَرَدَتْ ... جَعَلَتْهُ مِرْقاةً إِلى السُّحُبِ
العصابة
عتاد الدولة أبو محمد عبد الله بن سهل
من المسهب: بطل أديب، يؤخذ من ماله وأدبه، ملكها في مدة ملوك الطوائف، وعنده حصل الوزير ابن عمار أسيراً، ومن شعره قوله:
خُذْ مَا أَتَاكَ مِنْ الزَّمَانِ المُدْبرِفَالطَّلُ يُقْنِعُ كُلَّ مَنْ لَمْ يُمْطَرِ
كَمْ ذَا التَأَوُّهُ طُولَ دَهْرِكَ حَسْرَةً ... لمَّا تَعَدَّاكَ الذي لَمْ يُقْدَرِ
لا تَطْمَحَنَّ لِمَا خُلِقْتَ لِدُونِهِ ... لِلبَدْرِ قَدْرٌ لَمْ يَنَلْهُ المُشْتَرِي
السلك
الكتاب
ذو الوزارتين
أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال
كاتب أمير المسلمين
مذكور بأجل ذكرٍ في الذخيرة والقلائد والمسهب والسقط، إلا أن صاحب القلائد غض من أصله. وقد تقدمت رسالته السراجية في صدر الكتاب، وهي أعلى نثره، ومن كلماته قوله:
لوْلا الظَّلامُ مَاسَطَعَ السِّرَاجُ، ولوْلاَ الصَّبْرُ مَانَفَعَ الإفْرَاجُ
أعْفِ صَدِيقَكَ مِنْ رِيحِ العِتَابِ وَإنْ كَانَتْ نَسِيماً، وأقْبِلْهُ مِنَ الرِّضَا وَجْهاً وَسِيماً
مَنْ أمَّلَكَ، فَقَدْ حَمَّلَكَ، وأَوْجَبَ عَلَيْكَ احْتِمَالُ مَا حَمَّلَكَ
حَقُّ الأدِيبِ عَلَى الأدِيبِ، حَقُّ الوَابِلِ عَلَى المَكَانِ الجَدِيبِ
الأدِيبُ مَعَ الأدِيبِ زِنْدٌ يُصَافِحُ زِنْداً، وَرَنْدٌ يُفَاوِحُ رَنْداً
الشَّوُقُ مَا اقْتَادَ العَصِيّ وَألْزَمَ التِسْيَارَ للمَكَانِ القَصِيّ
رُبَّ شَوْقٍ أبْدَعَ بِالمَطِيّ، وخَطَا عَلَى صُدُورِ الخَطِيّ
لا يُعْدَمُ مَالُ الكَرِيمِ غَارَةً مِنَ الإفْضَالِ تُشَنُّ، وَعَادَةً مِنَ الإحْسَانِ تُسَنُّ
ومن نظمه قوله:
وَلَيْلَةٍ عَنْبَرِيَّةِ الأُفُقِ ... رَوَيْتُ فِيهَا السُّرُورَ مِنْ طُرُقِ
وَافَتْ بِنَا عَاطِلاً وَقَدْ لَبِسَتْ ... غِلالَةً فُصِّلَتْ مِنَ الحَدَقِ
فَاجَا بِهَا الدَّهْرُ مِنْ بَنِيهِ دُجَىً ... بفِتْيَةٍ كَالصَّبَاحِ في نَسَقِ
قَامَتْ لَنَا في المَقَامِ أَوجُهُهُمْ ... وَرَاحُهُمْ بالنُّجُومِ والشَّفَقِ
وَاطَّلَعَ البَدْرُ مِنْ ذُرَا غُصْنٍ ... تَهْفُو عَلَيْهِ القُلُوبُ كَالوَرَقِ
مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ بَدَا سَنَاهُ وَهَلْ ... ذَا البَدْرُ إِلاَّ لِذَلِكَ الأُفُقِ
مَدَّ بِحَمْرَاءَ مِنْ مُدَامَتِهِ ... بَيْضَاءَ كَفٍّ مِسْكِيَّةَ العَبَقِ
يَشْرَبُ في الرَّاحِ حِينَ يَشْرَبُهَا ... مَا غَادَرَتْ مُقْلَتَاهُ مِنْ رَمَقي
أخوه الوزير الكاتب
أبو مروان عبد الملك

أثنى عليه صاحب السمط. وله الرسالة المشهورة عن أمير المسلمين علي بن يوسف إلى جماعة الملثمين الذين انهزموا عن النصارى. منها: أما بعد يا فرقة خبثت سرائرها، وانتكشت مرائرها، وطائفة انتفخ سحرها، وغاض على حين مدها بحرها، فقد آن للنعم أن تفارقكم، وللأقدام أن تطأ مفارقكم.

الشعراء
حكم بن الخلوف المشهور بالعجل
من المسهب: من شعراء شقورة في المائة الخامسة، كان مختصاً بخدمة صاحبها عتاد الدولة بن سهل مداحاً له إلى أن حصل الوزير ابن عمار في أسره، فأكثر العجل من زيارته، واستراح معه في شأن عتاد الدولة، فأمر بطلبه، ففر عنه وقال في شأن بيع عتاد الدولة ابن عمار من ابن عباد:
بِعْتَ ابْنَ عَمَّارٍ بِمَالٍ وَهَلْ ... مِثْلُ ابْنِ عَمَّارٍ بِمَالٍ يُبَاعْ
عُمُرِي لَقَدْ تابَعْتَ فِيهِ الذي ... قَدْ جَاءَهُ مِنْ قَبْلُ أَهْلُ الطَّمَاعْ
فَوَطِّنِ النَّفْسَ عَلَى سُنَّةٍيَنْبُو إِذا تُذْكَرُ عَنْهَا السَّمَاعْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب البستان، في حلي سمنتان
من المسهب: جبل سمنتان له حصون وقرى من أعمال جيان، واستولى عليه في إمارة عبد الله بن محمد المرواني عبيد الله بن الشالية، واستفحل أمره، واشتهر ذكره، ومدح وقصد.
عبيديس بن محمود السمنتاني
من المسهب: كان انقطع إلى خدمة ابن الشالية المذكور، وصار يكتب عنه، وجرى بينهما تغير، ففر إلى ابن حفصون فشفع فيه، ومن أمداحه فيد قوله من قصيدة:
أيَا مَلِكاً طَاعَتْ لَهُ الإِنْسُ وَالجِنُّوَقَدْ مَالَ مِنْ تِيهٍ بأيَّامِهِ الغُصْنُ
عَلاؤُكَ فَوْقَ النَّجْمِ أضْحَى مُخَيِّماًوَأَنْتَ عَلَى مَا نِلْتَ مِنْ رِفْعَةٍ تَدْنُو
وذكره ابن حيان في المقتبس.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو
كتاب الآسة، في حلي مدينة بياسة
طيبة الأرض، كثيرة الزرع والأشجار والزعفران الذي يحمل إلى الآفاق، وهي على النهر الأعظم المفضي إلى إشبيلية، وهي الآن في أيدي النصارى. منها:
أبو جعفر أحمد بن قادم
ذكره الحجاري، وأثنى عليه، وعلى بيته، وذكر أنه يقلب بفلفل، أنشد له قوله:
وَدَّعْتُ مَنْ أحْبَبْتُهُ وَتَرَكْتُهُ ... وَاللهُ يَعْلَمُ مَا ألاقِي بَعَدَهُ
كُنْتُ أحْمِلُ صَدَّهُ فِي قُرْبِهِ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ أحْمِلُ بَعْدَهُ
يَا هَلْ تُرَاهُ مَنْ يَقَبِّلُ ثَغْرَهُ ... أوْ يَجْتَنِيهِ أوْ يُعَانِقُ قَدَّهُ
أوْ مَنْ يُنَادِمُهُ بِخَمْرَةِ لَحْظِهِ ... وَيَرُودُ وَجْنَتَهُ وَيَجْنِى وَرْدَهُ
وقوله:
وَكُلُّ زَمَانٍ لَهُ شَكْلُهُ ... فَخَلِّ قِفَا نَبْكِ للأَكْؤُسِ
وَعُدِّ عَنِ الشَّيْخِ وَاعْدِلْ إلَى ... مُخَاطَبَةِ الوَرْدِ وَالنَّرْجِسِ
أبو بكر حازم بن محمد بن حازم
ذكر الحجاري: أنه ولي قضاء بياسة، وكان فيها ذا أموالٍ عريضةٍ، وله حسبٌ وارفٌ، وشعرٌ لطيف، منه قوله:
شَابَ الظَّلامُ وَشَبَّ الصُّبْحُ فَاقْتَبِلِعَيْشاً جَدِيداً بَدَا في طَالِعِ الأمَلِ
أبْدَى لَكَ الرَّوْضُ مَوْشِيًّا وَأغْصُنُهُسَكْرَى وَطَائِرُهُ الغرِّيدُ مِنْ جَذَلِ
وَللثُرَيَّا انْهِزَامٌ مِنْ طَوَالِعِهِ ... كَأنَّهَا عَذْلٌ حَفَّتْ بِذِي خَبَلِ
النحوي أبو بكر محمد بن أبي دوس البياسي
جعله الحجاري من حسنات بياسة في علوم العربية، وذكر أنه أولع بالتنقل والتغرب، وأنه أقام مدة في خدمة المعتصم بن صمادح بالمرية. وأنشد له قوله:
هِمَّتِي فَوْقَ السَّمَاكَيْ ... نِ وَرِجْلِي في الصَّعِيدِ

وَكَذَاكَ السَّيْفُ فِي الغِمْ ... دِ وَيَعْلُو كُلَّ جِيدِ

المؤرخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البياسي
له تاريخ ذيل به على تاريخ ابن حيان إلى عصرنا. وهو الآن عند سلطان إفريقية في حظوة وراتب شهري. أنشدني لنفسه في غلام جميل الصورة كان يقرأ عليه:
قَدْ سَلَوْنَا عَنِ الذي تَدْرِيهِ ... وَجَفَوْنَاهُ إذْ جَفَا بِالتِيهِ
وَتَرَكْنَاهُ صَاغِراً لأُنَاسٍ ... خَدَعُوهُ بِالزُّورِ وَالتَمْوُيهِ
لُمِضِلٍ يَهْدِيهِ نَحْوَ مُضِلٍ ... وَسَفِيهٍ يَقُودُهُ لِسَفِيهِ
أبو سعيد عثمان بن عابدة
أخبرني والدي: أن الحضرمي لما توجه إلى أبدة وبياسة قبل كائنة العقاب سنة تسع وستمائة اجتمع بابن عابدة هذا وشاهد منه ظرفاً وأدباً، ونادمه وأكثر صحبته. قال: وكتب لي مستدعياً إلى راحة:
يَا أَسْخَفَ النَّاسِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِسَبْقاً لأَلأَمِ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
سَبْقاً إلَى كَأْسِ رَاحٍ لا هُنِيتَ بِهَا ... وَنُغْبَةٍ هِيَ لَذَّاتٌ لِكُلِّ فَمِ
وَعِنْدَنَا أَمْرَدٌ قَدْ جَاءَ مُحْتَسِباً ... ......... لِذَوي الآدَابِ وَالفَهَمِ
مُصَنَّفٌ بِعِذَارٍ كَالعِذَارِ لَهُ ... وَرُبَّمَا فِيهِ حَاجَاتٌ لِذِي قَطَمِ
قال: فكان جوابي: يا سيدي وصلت ورقتك الذميمة، من عند النفس اللئيمة، ولو كنت شاعراً لأجبتك بمثل قولك، وأنا في أثر خطي، فلا سلم الله على جميعكم، ولا نظم إلا على المخزيات شملكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب الوجنة الموردة، في حلي مدينة أبدة
ذكر الرازي: أنها من بنيان عبد الرحمن الأوسط المرواني الكائن في المائة الثالثة، وهي مجاورة لبياسة لكنها ليست على النهر، ولها عين عظيمة تسقي الزعفران وغيره، وهي كثيرة الخصب. ولأنها تتردد عليها من جيان، وأخذها النصارى في عصرنا وسلطنة ابن هود.
؟أبو عبد الله محمد بن الخشاب ذكر الحضرمي: أنه اجتمع به في أبدة، ونال من إحسانه وكان عميدها وشيخها، وأخذ في الأسر، وكان له أموال عظيمة. ومن شعره قوله لأحد بني عبد المؤمن:
مَوْلايَ قَدْ أفْسَدَ مَا بَيْنَنَا ... إمَالَةُ السَّمْعِ لِقَوْلِ الحَسُودْ
مَاذَا تُرَاهُ قَائِلاً بَعْدَمَا ... أَبْصَرَنِي بِالرَّغْمِ مِنْهُ أَسُودْ
؟؟
أبو الحسن علي بن مالك الأبدي الفقيه
مذكور في السمط، وأنشد له قوله من قصيدة في الوزير أبي الحسن بن الإمام:
إيَابٌ كَمَا وَافَى الوِصَالُ عَلَى الهَجْرِوَعُقْبَى جَرَتْ بِالنَّفْعِ فِي عَقِبِ الصَّبْرِ
وبُشْرَى جَلَتْها لِلْعُيُونِ مُلِمَّةٌفَكَانَتْ كَمَا انْشَقَّ الظَّلامُ عَنِ الفَجْرِ
فَأَهْدَيْتُ قَلْبِي لِلْبِشِيرِ وَزِدْتُهُبَقِيَّةَ عُمُرِي وَالضَّنَانَةُ بِالعُمُرِ
عَرَفْنَا بِعَرْفِ الرِّيحِ أنَّكَ خَلْفَهَاوَقَبْلَ لِقَاءِ الرَّوْضِ يُعْرَفُ بالنَّشْرِ
أَتَيْتَ عَلَى يَأْسٍ فَزِدْتََ نَفَاسَةًكَمَا انْهَلَّ بَعْدَ المَحْلِ مُنْسَكِبَ القَطْرِ
وَلُحْتَ فَلَمْ يَطْمَحْ لِغَيْرِكَ نَاظِرٌوَفِي البَدْرِ مَا يُغْنِي عَنِ الأَنْجُمِ الزُّهْرِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب الغبطة، في حلي مدينة بسطة
البساط
قال الحجاري: بسطة مما آتاه الله في الحسن بسطة. لها خارج يأخذ بالأعين والأنفس، وفيها يقول شعبان الغزي وإليها:
سَقَى اللهُ صَوْبَ الغَيْثِ أَكْنَافَ بَسْطَةٍفَفِيهَا انْبِسَاطُ النَّفْسِ وَالعَيْنِ وَالقَلْبِ
العصابة
أبو مروان عبد الملك بن ملحان

نبه أبو محمد الحجاري على بيت بني ملحان ببسطة، وأن أهلها أكرهوا أبا مروان على الإمارة بها، ولم يكن قائماً بأعباء الفتنة، لكونه نشأ على حفظ فقهٍ ورواية حديثٍ ومذاكرة في أدبٍ وقول شعرٍ. ومن يديه أخذها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. ومن شعره قوله:
يَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَنْسَانِي ... مَنْ ذِكرُهُ، عُمْري، مِنْ شَانِي
أَجْهَدُ في وِدِّي لَهُ دَائِباً ... وَكُلُّ خِلٍّ عَنْهُ يَنْهَانِي

السلك
أبو عامر أحمد بن دريد الكاتب
مذكور في السمط والمسهب وبينه وبين صاحب السمط مراسلة، وأحسن شعره قوله في رجل يلقب بالفار تاب عن شرب الخمر:
أَتَانِي عَنِ الفَارِ الحَقِيرِ بِأَنَّهُ ... تَحَرَّجَ عَنْ شِرْبِ الكُؤُوسِ الدَوَائِرِ
فَقُلْتُ لَهُمْ سِرٌّ جَهِلْتُمْ مُرَادَهُ ... وَإنِّي لَعَلاَّمٌ بِغَيْبِ السَّرَائِرِ
فَمَا عَابَ شُرْبَ الخَمْرِ إلاَّ لأنَّهَا ... تَلُوحُ بِأَعْلاهَا عُيُونُ السَّنَانِرِ
المقرئ أبو الحسن
علي بن عبد العزيز بن شفيع البسطي
من المسهب: أنه عالم بسطة وكان متصدراً بالمرية يقرأ عليه القرآن. ومن شعره قوله:
لِيَ نَفْسٌ لَوْ أنَّهَا تَرِدُ النَّا ... رَ لمَّا كَلَّفَتْ سِوَاهَا الشَّفَاعَةْ
قَنِعَتْ بِالعَفَافِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ... فَاسْتَرَاحَتْ مِنْ دَهْرِهَا بِالقَنَاعَةْ
الأفوه الخراز البسطي
من المسهب: أنه كان خرازاً ببسطة، وتولع بالأدب وصار ينظم، ومدح الأعيان، فاشتهر اسمه. ومن نظمه قوله من قصيدة يمدح بها وزير ابن حبوس ملك غرناطة:
إلَيْكَ رَحَلْنَاهَا قَلائِصَ ضُمَّرَا ... لِنَبْغِي بِهَا المَجْدَ المُؤَثَّلَ وَالغِنَى
فَأُقْسِمُ لا يَنْتَابُ رَبْعَكَ قَاصِدٌوَيَرْجَعَ عَنْهُ دُونَ أَنْ يَبْلُغَ المُنَى
وَكَمْ رُمْتُ أَنْ أَبْغِي سِوَاكُمْ وَإنَّمَاثَنَانِي لَكُمْ مَا سَارَ عَنْكُمُ مِنَ الثَنَا
وقوله:
أيُّ قَلْبٍ إذَا رَحَلْتُمْ يُقِيمُ ... سِرْ فَإنِّي خَلْفَ الرِّكَابِ أَهِيمُ
لا نَعِيمٌ إلاَّ بِحَيْثُ حَلَلْتُمْ ... وَإذَا غِبْتُمُ فَلَيْسَ نَعِيمُ
كَلِّمُونِي وَعَلِّلُونِي بِوَعْدٍ ... وَصِلُونِي فَإنَّ قَلْبِي كَلِيمُ
أبو الحسن علي بن شفيع البسطي
شاعر مشهور من شعراء عصرنا، وقد توفي، اشتهر من شعره قوله:
شَرِيعَةُ الحُبِّ شَرْعَي وَالهَوَى دِينِي ... بِهِ أَدِينُ لِيَوْمِ الحَشْرِ وَالدِّينِ
قُلُوبُ أَهْلِ الهَوَى في الحُبِّ خَافِقَةٌمِثْلَ العَصَافِيرِ في أَيْدِي الشَّوَاهِينِ
أَوْ كَالعَبِيدِ تَعَدَّوْا مَا بِهِ أُمِرُواأَوْ كَالجُنَاةِ بِأَبْوَابِ السَّلاطِينِ
قَالُوا عَلِقْتَ صَغِيراً قُلْتُ وَيْحَكُمُمَا رَقَّتِ القُضْبُ رَقَّتْ عَطْفَةُ اللِّيَنِ
وَالسَّهْمُ أَمْضَى مِنَ الخَطِيِّ إنَّ لَهُبَأْسَاً يُرَوِّعُ أَبْطَالَ المَيَادِينِ
قَالُوا فَصِفْ حُسْنَهُ إنْ كُنْتَ تُحْسِنُهُفَقُلْتُ يَمْلأُ أَوْرَاقَ الدَّوَاوِينِ
الغُصْنُ قَامَتُهُ، وَالبَدْرُ طَلْعَتُهُوَالنَّجْمُ يَرْقُبُهُ عَنْ لَحْظِ ذِي هَوْنِ
كَأنَّهُ كَانَ صِنْوَ الشَّمْسِ فَاقْتَسَمَامَا أَبْرَزَ الكَوْنُ مِنْ حَسْنٍ وَتَحْسِينِ
فَسَلَّمَتْ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ لَهُشَرْعاً وَقَالَتْ أخِي وَالثُّلْثُ يَكْفِينِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الجيانية
وهو:
كتاب الخيزرانة، في حلي حصن برشانة
من حصون بسطة، على نهر المنصورة المشهور بالحسن، لما عليه من الضياع والحصون والجنان.
أبو عبد الله محمد بن عياش
كتب عن منصور بني عبد المؤمن ثم عن ابنه الناصر ثم عن المستنصر بن الناصر. وقد تقدمت له رسالة في صدر الكتاب تدل على علوِّ طبقته في النثر.

أخبرني والدي: أنه كان في أول حاله، يخدم الرشيد أبا حفص بن يوسف بن عبد المؤمن فلما سخط على الرشيد أخوه المنصور وضرب عنقه طلب أصحابه فكان ابن عياش في جملتهم، فاختفى مدة، وقاسى شدة، وقال:
بِئْسَ الحَيَاةِ لِخَائِفٍ مُتَرَقِّبِ ... لَمْ يُلْفِ في تَخْليصِهِ مِنْ مَذْهَبِ
قدْ غُلِّقَتْ أبْوَابُ كُلِّ شَفَاعَةٍ ... في وَجْهِهِ جَوْراً وَلمَّا يُذْنِبِ
مَا ذَنْبُ مَنْ وَفَّى بِخِدْمَةِ مَنْ بِهِعَرَفَ النَّعيمَ وَذَاقَ عَذْبَ المَشْرَبِ
يَا شَمْسُ قَدْ أثَّرْتِ في بَدْرِ الدُّجَى ... وَخَسَفْتِهِ لا تَحْفِلِنَّ بكوكَبِ
فوقف المنصور على هذه الأبيات، فعملت فيه، وعفا عنه، واستكتبه. قال والدي: وأنشدني لنفسه:
قَالُوا حَبِيبُكَ أَقْلَحْ ... فَقُلْتُ ذَلِكَ أَمْلَحْ
وَكَيْفَ يُنْكَرُ رَوْضٌ ... غَبَّ النَّدَى قَدْ تَفَتَّحْ
وكان والدي يصفه بالمروة ويثني عليه.

الكاتب أبو العباس أحمد بن أحمد البرشاني
ذكر والدي: أنه من صدور الكتاب، كتب عن أبي زيد بن بوجان ملك تلمسان. وله من رسالة يخاطب بها ابن عياش المذكور: يا سيدي ولا ينادي غير الكرام، وعمادي ولا يعتمد إلا على من يصرف صروف الأيام، نداء من يمت بالجوار القديم، ويشفع بنسب الأدب الذي لا يرعاه إلا كريم، مع ولاءٍ لو والى به الصباح ما غرب عن ناظره، وصفاءٍ لو صافى به الدهر ما كدر من خاطره.
وأحسن شعره قوله:
قُمْ هَاتِهَا ذَهَبِيَّةً ... تَجْلُو دُجَى اللَّيْلِ البَهِيمْ
تُجْلَى كَمَا تُجْلَى العَرُو ... سُ وَفَوْقَهَا عِقْدٌ نَظِيمْ
حَلَبُ الكُرُومِ وَمَا يُخَ ... صُّ بِشِرْبِهَا إلاَّ كَرِيمْ
مَا زِلْتُ فِيهَا بَاذِلاً ... نَشَبِي الحَدِيثَ مِنَ القَدِيمْ
وَأعَدُّهَا ذُخْرَاً لِمَا ... ألْقَى مِنَ الأَلَمِ الأَلِيمْ
عَجَبَاً لَهَا تَشْفِي السَّقَا ... مَ وَلَوْنُهَا لَوْنُ السَّقِيمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة جيان
وهو:
كتاب الفرائد المفصلة، في حلي حصن تاجلة
من عمل بسطة على وادي المنصورة
الكتاب
أبو القاسم بن طفيل
سكن مالقة، وكان يكتب عن ولاتها من ملوك بني عبد المؤمن، اجتمع به والدي، ومما أنشده من شعره قوله في رثاء جارية:
أَمْسَيْتُ أَنْدُبُ في الفِرَاشِ مَكَانَهَا ... وَكَأنَّهُ مَا كَانَ مِنْهَا عَامِرَا
وَكَأنَّنِي لَمْ أَجْنِ مِنْهَا رَوْضَةً ... وَكَأنَّنِي لَمْ أَثْنِ غُصْناً نَاضِرَا
وَكَأنَّنِي وَاللَّيْلُ أَرْخَى سِتْرَهُ ... لَمْ يُبْدِ لِي مِنْهَا هِلالاً زَاهِرَا
عبد الله بن ابي بكر بن طفيل
أبو محمد عبد الله بن العالم أبي بكر بن طفيل
من كلام والدي فيه، من أعيان كتاب الأوان، ومشاركهم في الأدب والبيان، وله تواليف، منها تأليفه معجم بلده الأندلس على منزع الحجاري، وكتب عن عادل بني عبد المؤمن. ومن نثره:
أيها الفريق الذين تمسكوا بالضلال، ولم يصغوا نحو موعظةٍ ولا توقعوا فجأة نكال، تيقظوا لما آثرتموه، وأصيخوا لما دعوتموه، فكأني بخيل الله تصبحكم وساء صباح المنذرين، فتترككم في دياركم جاثمين، هنالك يخسر المبطلون، ويتلهف المفرطون، وهذا طلٌّ يتبعه وابلٌّ، وحركة يعقبها زلازل.
ومن شعره قوله:
وَغَدَوْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ وَلَكِنْ ... لَيْسَ في كَفِّنَا سِوَى التُّرَّهَاتِ
وَهُمُ ألْكَنُ الأنَامِ بِهَاكٍ ... وَهُمُ أفْصَحُ الأنَامِ بِهَاتِ
العلماء
الطبيب الفيلسوف أبو بكر محمد بن طفيل

قال والدي: لقيت علماء كثيرةً يفضلونه على فيلسوف الأندلس أبي بكر بن باجة، وناهيك مدحاً وتقديماً، وكان يوسف بن عبد المؤمن يجالسه ويستفيد منه، ولما مات يوسف اتهم بأنه سمه وقد خاف منه فجرت عليه محنةٌ وخلد في منزله مسجوناً في تاجله، وكان له دارٌ لمن يجتاز به من الأضياف وأصحاب الآلام.
وأشهر شعره وأحسنه قوله:
أَلَمَّتْ وَقَدْ هَامَ المُشيحُ وَهَوَّمَاوأسْرَتْ إلَى وَادِي العَقِيقِ مِنَ الحِمَى
وَرَاحَتْ عَلَى نَجْدٍ فَرَاحَ مُنَجَّداً ... وَمَرَّتْ بِنُعْمَانٍ فَأضْحَى مُنَعَّمَا
وَجَرَتْ عَلَى ذَيْلِ المُحَصَّبِ ذيلَهَافَمَا زَالَ ذَاكَ التُّرْبُ نَهْباً مُقَسَّمَا
تُقَسِّمُهُ أَيْدِي التُّجَارِ لَطِيمَةً ... وَيَحْمُلُهُ الدَّارِيُّ أيَّانَ يَمَّمَا
وَلمَّا رَأَتْ أَنْ لا ظَلامَ يُكِنُّها ... وَأَنَّ سُرَاهَا فِيهِ لَنْ يِتَكَتَّمَا
أَزَاحَتْ غَمَامَ العَصْبِ عَنْ حُرِّ وَجْهِهَافَأَلْقَتْ شُعَاعَاً يُدْهِشُ المُتَوَسِّمَا
فَكَانَ تَجَلِّيهَا حِجَابَ جَمَالِهَاكَشَمْسِ الضُّحَى يَعْشَى بِهَا الطَّرْفُ كُلَّمَا

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة جيان
وهو:
كتاب المسرات المسلية، في حلي حصن قولية
من عمل بسطة، ينسب له بنو اليسع الأعيان
الأمير أبو الحسن بن اليسع
قال في وصف صاحب القلائد: عامر أندية النشوة وطلاع ثنايا الصبوة، وأنشد له في مخاطبة أبي بكر بن اللبانة الشاعر، وكانا على طريقين فلم يلتقيا:
تُشَرِّقُ آمَالِي وَسَعْيِ يُغَرِّبُ ... وَتَطْلَعُ أَوْجَالِي وَأُنْسِيَ يَغْرُبُ
سَرَيْتُ أبَا بَكْرٍ إِلَيْكَ وَإنَّمَا ... أنَا الكَوْكَبُ السَّارِي تَخَطَّاهُ كَوْكَبُ
فَبِاللهِ إلاَّ مَا مَنَحْتَ تَحِيَّةً ... تَكُرُّ بِهَا السَّبْعُ الدَّرَارِي وَتَذْهَبُ
وَبَعْدُ فَعِنْدِي كُلُّ ذُخْرٍ تَصُونُهُ ... خَلائِقُ لا تَفْنَى وَلا تَتَقَلَّبُ
ووفد على المعتمد بن عباد في إشبيلية، وولاه مملكة مرسية. وكتب إلى أبي بكر بن القبطورنة ببطليوس في يوم نفيرٍ للعدو:
عَطِشْتُ أبَا بَكْرٍ وَكَفُّكَ دِيمَةٌ ... وَذُبْتُ اشْتِياقاً وَالمَزَارُ قَرِيبُ
فَخَفِّفْ وَلَوْ بَعْضَ الذي أنَا وَاجِدٌ ... فَلَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ يُضَاعَ غَرِيبُ
وَأَهْدِ لنَا مِنْ تِلْكَ حَظاًّ نُرَى بِهِ نَشَاوَى وَبَعْدَ الغَزْوِ سَوْفَ نَتُوبُ
فوجه له ما طلب، وكتب مع ذلك:
أَبَا حَسَنٍ مِثْلِي بِمِثْلِكَ عَالِمٌ ... وَمِثْلُكَ بَعْدَ الغَزْوِ لَيْسَ يَتُوبُ
أبو يحيى اليسع بن عيسى بن اليسع
هو مصنف كتاب المعرب في آداب المغرب، صنفه بمصر، وطرزه بالدولة الصلاحية الناصرية، وكان بالأندلس يكتب عن المستنصر بن هود.
ونثره كزٌّ ثقيلٌ، ونظمه مغسول، ليس عليه طلاوة، وكأنه أراد معارضة كتاب القلائد، فنهق إثر صاهلٍ، ولم يأت في جميع ما أورد بطائل. وأول خطبة كتابه: الحمد لله الذي أحاط بكل شيءٍ علماً، ووسع العصاة رحمةً وحلما.
مملكة البيرة
كتاب
الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب موسطة الأندلس
وهو:
كتاب الكواكب المنيرة، في حلي مملكة إلبيرة
مملكة جليلة بين مملكتي قرطبة والمرية ومملكتي جيان ومالقة، وهي كثيرة الكتان والأشجار والأنهار وما يطول ذكره من صنوف الخيرات.
وينقسم كتابها إلى اثني عشر كتاباً: كتاب الدرر النثيرة، في حلي حضرة إلبيرة كتاب الإحاطة، في حلي حضرة غرناطة كتاب الحوش، في حلي قرية شوش كتاب السحب المنهلة، في حلي قرية عبلة كتاب نقش الراحة، في حلة قرية الملاحة

أقسام الكتاب
1 2 3 4