كتاب : المغرب في حلى المغرب
المؤلف : ابن سعيد المغربي

كتاب مؤانسة الأخدان، في حلي قرية همدان كتاب ، في حلي حصن شلوبينية كتاب المسرات، في حلي البشرات كتاب الرياش، في حلي وادي آش كتاب حلي الصباغة، في حلي مدينة باغة كتاب ، في حلي مدينة لوشة كتاب الطالع السعيد، في حلي قلعة بني سعيد

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة إلبيرة
وهو:
كتاب الدرر النثيرة، في حلي حضرة إلبيرة
المنصة
قال الحجاري: إلبيرة كانت قاعدة المملكة في القديم، ولها ذكر شهير، ومحل عظيم، إلا أن رسمها قد طمس ولم يبق منها إلا بعض أثر، وصارت غرناطة كرسياً.
التاج
فيها كانت ولاة المملكة تتواتر إلى أن وقع بين العرب والمولدين من العجم، فاتصل القتال، وانحاز العرب إلى غرناطة، وكان الظفر للعرب، فخربت إلبيرة من حينئذٍ.
السلك
الوزراء
أبو خالد هاشم بن عبد العزيز بن هاشم
وزير محمد بن عبد الرحمن المرواني سلطان الأندلس
أصله من موالي عثمان بن عفان الذين حازوا الرياسة والجلالة بإلبيرة، وعظم قدره بقرطبة، عند سلطان الأندلس محمد بن عبد الرحمن، حتى صيره أخص وزرائه وأسند إليه أمور بلاده وعساكره، وكان تياهاً معجباً كثير الاعتماد على ما يحقد به قلوب العباد،حتى ملأ الصدور من بغضه. وقدمه محمد على جيشٍ توجه به إلى غرب الأندلس، فهزم، وحصل في الأسر، واضطربت الأندلس بسوء تدبيره، ثم فداه السلطان، عاد إلى مكانه، وكان قد ملأ صدر المنذر بن محمد غيظاً عليه، فلما مات محمد وولي المنذر قتله المنذر شر قتلةٍ، بعد السجن والعذاب.
وذكره الحجاري، وأنشد له قوله:
أَهْوُى مُعَانَقَةَ المِلا ... حِ وَشِرْبَ أَكْوَاسِ الطِّلا
وَيَسُرُّنِي حُسْنُ الرِّيَا ... ضِ وَقَدْ تَوَشَّتْ بِالحلي
وَأَذُوبُ مِنْ طَرَبٍ إذَا ... مَا الصُّبْحُ جَرَّدَ مُنْصُلا
وَأَهِيمُ في قَوْدِ الجُيُو ... شِ وَنَيْلِ أسْبَابِ العُلا
وَأَهُزُّ مُرْتَاحَاً إذَا ... سَرَتِ المَوَاضِي في الطُّلَى
قُلْ للَّذي يَبْغِي مَكَا ... ني هَكَذَا أوْ لا فَلا
من كتاب الرؤساء
أبو عمر أحمد بن عيسى الإلبيري
ذكر صاحب الذخيرة: أن أمر مدينة إلبيرة كان دائراً عليه مع زهده وورعه، ووصفه بالأدب والنظم والنثر وذكر أنه أنشد في مجلسه هذان البيتان:
وَإذَا الدِّيَارُ تَنَكَّرَتْ عَنْ حَالِهَا ... فَذَرِ الدِّيَارَ وَأَسْرِعِ التَّحْوِيلا
لَيْسَ المُقامُ عَلَيْكَ حَتْماً وَاجِباً ... في بَلْدَةٍ تَدَعُ العَزِيزَ ذَلِيلا
وسئل الزيادة عليهما، فقال:
لايَرْتَضِي حُرٌّ بِمَنْزِلِ ذِلَّةٍ ... لَوْ لَمْ يَجِدْ في الخَافِقَيْنِ مَقِيلا
فَارْضَ الوَفَاءَ بِعِزِّ نَفْسِكَ لا تَكُنْ ... تَرْضَى المَذَلَّةَ مَا وَجَدْتَ سَبِيلا
وَاخْصُصْ بِوِدِّكَ مَنْ خَبَرْتَ وَفَاءَهُ ... لا تَتَّخِذْ إلاَّ الوَفِيَّ خَلِيلا
ومن كتاب العلماء
أبو مروان عبد الملك بن حبيب
السلمي الإلبيري
فقيه الأندلس الذي يضرب به المثل، حج وعاد إلى الأندلس بعلمٍ جمٍ، وجل قدره عند سلطان الأندلس عبد الرحمن الأوسط المرواني، وعرض عليه قضاء القضاة فامتنع. وهو نابه الذكر في تاريخ ابن حيان والمسهب وغيرهما. ومن شعره قوله وقد شاع أن السلطان المذكور غنى زرياب بين يديه بشعرٍ أطربه، فأعطاه ألف دينار:
مِلاكُ أَمْرِي وَالذي أَرْتَجِي ... هَيِّنٌ عَلَى الرَّحْمُنِ في قُدْرَتِهْ
أَلْفٌ مِنَ الشُّقْرِ وَأَقْلِلْ بِهَا ... لِعَالِمٍ أَرْبَى عَلَى بُغْيَتِهْ
يَأْخُذُهَا زِرْيَابُ في دَفْعَةٍ ... وَصَنْعَتِي أَشْرَفُ مِنْ صَنْعَتِهْ
وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ومن كتاب الشعراء
أبو القاسم محمد بن هانئ الازدي

أصله من بني المهلب الذين ملكوا إفريقية، وانتقل أبوه منها إلى جزيرة الأندلس، وسكن إلبيرة، فولد له بها محمد بن هانئ المذكور، وبرع في الشعر، واشتهر ذكره، وقصد جعفر بن علي الأندلسي ملك الزاب من الغرب الأوسط، فوجد بابه معموراً بالشعراء وعلم أن وزيره وخواصه فضلاء، لا يتركون مثله يقرب من ملكهم: فتحيل بأن تزيا بزي بربري، وكتب على كتف شاةٍ مجرودٍ من اللحم:
اللَّيْلُ لَيْلٌ وَالنَّهَارُ نَهَارُ ... وَالبَغْلُ بَغْلٌ وَالحِمَارُ حِمَارُ
وَالدِّيكُ دِيكٌ وَالدَّجَاجَةُ زَوْجُهُ ... وَكِلاهُمَا طَيْرٌ لَهُ مِنْقَارُ
ووقف بهذا الشعر للوزير، وقال أنا شاعرٌ مفلقٌ أريد أنشد الملك هذا الشعر، فضحك الوزير وأراد أن يطرف الملك به فبلغه ذلك فأمر بوصوله إليه ومجلسه غاصٌ، فلما دخل عليه قام وعدل عن ذلك الشعر، وأنشد قصيدته الجليلة التي يصف فيها النجوم:
ألَيْلَتَنَا إذْ أَرْسَلَتْ وَارِداً وَحْفَا وَبِتْنَا نَرَى الجَوْزَاءَ في أَذْنِهَا شَنْفَا
وَبَاتَ لَنَا سَاقٍ يَصُولُ عَلَى الدُّجَى ... بِشَمْعَةِ صُبْحٍ لا تُقَطُّ وَلا تُطْفَا
أَغَنُّ غَضِيضٌ خَفَّفَ اللِّينُ قَدَّهُوَأَثْقَلَتِ الصَّهْبَاءُ أَجْفَانَهً الوُطْفَا
وَلَمْ يُبْقِ إرْعَاشُ المُدامِ لَهُ يَداًوَلَمْ يُبْقِ إعْنَاتُ التَثَنِّي لَهُ عِطْفَا
نَزِيفٌ قَضَاهُ السَّكْرُ إلاَّ ارْتِجَاجَةٌ إذَا كَلَّ عَنْهَا الخَصْرُ حَمَّلَهَا الرِّدْفَا
يَقُولُونَ حِقْفٌ فَوْقَهُ خَيْزَرَانَةٌ أمَا يَعْرِفُونَ الخَيْزَرَانَةَ وَالحِقْفَا
ثم مر فيها في وصف النجوم إلى أن قال:
كَأَنَّ لِوَاءَ الشَّمْسِ غُرَّةُ جَعْفَرٍرَأَى القِرْنَ فَازْدَادَتْ طَلاقَتُهُ ضِعْفَا
فقام إليه جعفر، وقال له بالله أنت ابن هانئٍ؟ قال: نعم، فعانقه، وأجلسه إلى جانبه، وخلع عليه ماكان فوقه من الثياب الملوكية، وجل عنده من ذلك الحين، إلى أن كتب المعز الإسماعيلي الخليفة بالقيروان إليه في توجيهه لحضرته، فوجهه للقيروان، فأول قصيدةٍ مدحه بها، قصيدته التي ندر له فيها قوله:
وَبَعُدَتَ شَأْوَ مَطَالِبٍ وَرَكَائِبٍ ... حَتَّى رَكِبْتَ إلَى الغَمَامِ الرِّيحَا
وكان مغرماً بحب الصبيان وفي ذلك يقول:
يَا عَاذِلِي لا تَلْحَنِي أنَّنِي ... لَمْ تُصْبِني هِنْدٌ وَلا زَيْنَبُ
لَكِنَّنِي أصْبُو إلى شَادِنٍ ... فِيهِ خِصَالٌ جَمَّةٌ تُرْغَبُ
لا يَرْهَبُ الطَّمْثَ وَلا يَشْتَكِي ... حَمْلاً، وَلا عَنْ نَاظِرٍ يُحْجَبُ
ولما رحل المعز إلى مصر رجع لتوصيل عياله فقتل في برقة في مشربةٍ على صبي، ومن أشهر شعره في الآفاق قوله:
فُتِقَتْ لَكُمْ رِيحُ الجِلادِ بِعَنْبَرِ ... وَأَمَدَّكُمْ فَلَقُ الصَّبَاحِ المُسفِرِ
وَجَنَيْتُمُ ثَمْرَ الوَقَائِعِ يَانِعَاً ... بِالنَّصْرِ مِنْ وَرَقِ الحَدِيدِ الأخْضَرِ

أبو أحمد عبد العزيز بن خيرة المنفتل
من أعلام شعراء إلبيرة في مدة ملوك الطوائف، نابه الذكر في الذخيرة والمسهب، ومن عنوان طبقته قوله:
سَكْرَانُ لا يَدْرِي وَقَدْ وَافَى بِنَا ... أَمِنَ المَلاحَةِ أَمْ مِنَ الجِرْيَالِ
تَتَضَوَّعُ الصَّهْبَاءُ مِنْ أنْفَاسِهِ ... كَتَضَوُّعِ الرَّيْحَانِ بِالآصَالِ
وَكَأنَّمَا الخِيلانُ في وَجَنَاتِهِ ... سَاعَاتُ هَجْرٍ في زَمَانِ وِصَالِ
وقوله:
في خَدِّ أحْمَدَ خَالٌ ... يَصْبُو إليْهِ الخَلِيُّ
كَأنَّهُ رَوْضُ وَرْدٍ ... جنَّانُهُ حَبَشيُّ
خلف بن فرج الإلبيري السميسر
من أعلام شعراء إلبيرة في مدة ملوك الطوائف، مشهور بالهجاء مذكور في الذخيرة والمسهب.
ومن مشهور شعره قوله:
يَا آكِلاً كُلَّ مَا اشَتَهَاهُ ... وَشَاتِمَ الطِّبِّ والطَّبِيبِ
ثِمَارَ مَا قَدْ غَرَسْتَ تَجْنِي ... فَانْتَظِرِ السَّقْمَ عَنْ قَرِيبِ

يَجْتَمِعُ الدَّاءُ كُلَّ يَوْمٍ ... أَغْذِيَةُ السُّوءِ كَالذُنُوبِ
وقوله:
تَحَفَّظْ مِنْ ثِيَابِكَ ثُمَّ صُنْهَا ... وَإلاَّ سَوْفَ تَلْبُسُهَا حِدَادَا
وَظُنَّ بِسَائِرِ الأجْنَاسِ خَيْراً ... وَأَمَّا جِنْسُ آدَمَ فَالبِعَادَا
أَرَادُونِي بِجَمْعِهُمُ فَرُدُّوا ... عَلَى الأعْقَابِ قَدْ نَكَصُوا فُرَادَى
وَعَادوا بَعْدَ ذَا إخْوَانَ صِدْقٍ ... كَبَعْضِ عَقَارِبٍ عَادَتْ جَرَادَا
وأنشد له الحجاري قوله:
وَقَدْ حَانَ تَرْحَالِي فَقُلْ لِيَ عَاجِلاً ... عَلَى أَيِّ حَالٍ تَنْقَضِي عَزَمَاتِي
أَأُثْنِي بِخَيْرٍ أَمْ أَقُولُ تَمَثُّلاً ... كَمَا قَالَتِ الخَنْسَاءُ فِي السَّمُرَاتِ
إذَا لَمْ يَكُنْ فيكُنَّ ظِلٌ وَلا جَنَىً ... فَأَبْعَدَكُنَّ اللهُ مِنْ شَجَرَاتِ
وقوله:
وَأَنْحَلَنِي شَوْقِي لَكُمْ فَلَوْ أنَّنِيأَكُونُ مِنَ المَحْسُوسِ هبَّتْ بِيَ الرِّيحُ
فَمَنْ كَانَ ذَا رُوحٍ شَكَا فَقْدَ جِسْمِهِ ... فَهَا أنَا لا جِسْمٌ لَدَيَّ وَلا رُوحُ
فَيَا لَهَفَ نَفْسِي أَيْنَ سَلْعُ وَحَاجِرٌوَأَيْنَ النَّقَا وَالرَّنْدُ وَالبَانُ وَالشِّيحُ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب الإحاطة، في حلي حضرة غرناطة
المنصة
من مسهب الحجاري: غرناطة، وما أدراك ما غرناطة، حيث أدارت الجوزاء وشاحها وعلق النجم أقراطه، عقاب الجزيرة، وغرة وجهها المنيرة.
ومر في الثناء عليها. وأنا أقول إنها وإن سميت دمشق الأندلس، أحسن من دمشق، لأن مدينتها مطلة على بسيطها متمكنة في الإقليم الرابع المعتدل، مكشوفة للهواء من جهة الشمال مياهها تنصب إليها من ذوب الثلج دون مخالطة البساتين والفضلات، والأرحاء تدور في داخلها، وقلعتها عاليةٌ شديدة الامتناع، وبسيطها يمتد فيه البصر مسيرة يومين بين أنهار وأشجار وميادين مخضرة، فسبحان مبديها في أحسن حلةٍ، لا يأخذها وصف ولا ينصف في ذكرها إلا الرؤية، وبها ولدت ولي فيها ولوالدي وأقاربي أشعار كثيرة ونهرها الكبير يقال له شنيل، وفيه أقول:
كَأَنَّمَا النَّهْرُ صَفْحَةٌ كُتَبَتْ ... أَسْطُرُهَا وَالنَّسِيمُ مُنْشِئُهَا
لَمَّا أبَانَتْ عَنْ حَسْنِ مَنْظَرِهِ ... مَالَتْ عَلَيْهِ الغُصُونُ تَقْرَؤُهَا
وفيه أقول:
انْظُرْ لِشَنَّيلٍ يُقَابِلُ وَجْهَهُ ... وَجْهَ الهِلالِ كَقَارِئٍ أَسْطَارَهُ
لَمَّا رَآهُ مِعْصَماً قَدْ زَانَهُ ... وَشْيُ الصِّبَا أَلْقَى عَلَيْهِ سِوَارَهُ
وفي بسيطها يقول أبو جعفر عم والدي:
سَرِّحْ لِحَاظَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإنَّهُ ... في كُلِّ مَوْقِعِ لَحْظَةٍ مُتَأَمَّلُ
ومن متنزهاتها المشهورة حور مؤمل واللشتة والزاوية والمشايخ. وقد ذكر أبو جعفر بن سعيد الحور في شعر تقدم إنشاده، وذكره في موشحته البديعة، وهي:
ذَهَّبَتْ شَمْسُ الأصِيلِ فِضَّةَ النَّهْرِ
أَيَّ نَهْرٍ كَالمُدَامَهْ
صَيَّرَ الظِّلَّ فِدَامَهْ
نَسَجَتْهُ الرِّيحُ لامَهْ
وَثَنَتْ لِلْغُصْنِ لامَهْ
فَهُوَ كَالعَضْبِ الصَّقِيلِ حُفَّ بالسُّمْرِ
مُضْحِكاً ثَغْرَ الكِمَامِ
مُبْكِياً جَفْنَ الغَمَامِ
مُنْطِقاً وُرْقَ الحَمَامِ
دَاعِياً إلَى المُدَامِ
فَلِهَذَا بِالقُبُولِ خُطَّ كَالسَّطْرِ
حَبَّذَا بِالحَوْرِ مَغْنَى
هِيَ لَفْظٌ وَهُوَ مَعْنَى
مُذْهِبُ الأشْجَانِ عَنَّا
كَمْ دَرَيْنَا كَيْفَ سِرْنَا
ثُمَّ في وَقْتِ الأصِيلِ لَمْ نَكُنْ نَدْرِي
قُلْتُ وَالمَزْجُ اسْتَدَارَا
بِذُرَى الكَأسِ سِوارَا
سَالِباً مِنَّا الوَقَارَا
دَائِراً مِنْ حَيْثُ دَارَ

صَادَ أطْيَارَ العُقُولِ شَبَكُ الخَمْرِ
وَعَدَ الحِبُّ فَأَخْلَفْ
وَاشْتَهَى المُطِلَ فَسَوَّفَ
وَرَسولِي قَدْ تَعَرَّفْ
مِنْهُ مَا أدْرِي فَحَرَّفْ
بِاللهِ قُلْ يَا رَسُولِي لِشْ يَغِبْ بَدْرِي
ونجد: مكان مطل على بسيطها، من أشرف متنزهاتها، فيه يقول عالمها أبو الحسن سهل بن مالك:
كُلُّ وَجْدٍ سَمِعْتُمْ دُونَ وَجْدِي ... لأّصِيلٍ يَفُوتُ طَرْفِي بِنَجْدِ
حَيْثُ جَرَّرْتُ ذَيْلَ كُلِّ مُجُونٍ ... بَيْنَ حُورٍ تَمِيسُ فيهِ وَرَنْدِ
وَسَوَاقٍ كَأنَّهُنَّ سُيُوفٌ ... جُرِّدَتْ في الرِّيَاضِ مِنْ كُلِّ غِمْدِ

التاج
كانت قاعدة المملكة إلبيرة، فلما وقع ما بين العرب والعجم في مدة عبد الله المرواني سلطان الأندلس انحاز العرب إلى غرناطة، وقام بملكهم سوار بن أحمد المحاربي، فقتله أهل إلبيرة، فقام بهم بعده.
سعيد بن سليمان بن جودي السعدي
وكان فارساً جواداً شاعراً ومن شعره قوله يخاطب عبد الله المرواني:
قُلْ لِعَبْدِ اللهِ يَشْدُدْ في الهَرَبْ ... نَجَمَ الثَّائِرُ مِنْ وَادِي القَصَبْ
يَا بَنِي مَرْوَانَ خَلُّوا مُلْكَنَا ... إنَّمَا المُلْكُ لأبْنَاءِ العَرَبْ
قَرِّبُوا الوَرْدَ المُحلي بِالذَهَبْ ... وَاسْرِجُوهُ إنَّ نَجْمِي قَدْ غَلَبْ
وآل أمره إلى أن غدر به قومٌ من أصحابه وقتلوه. وثار بها بعده محمد بن أضحى الهمداني.
دولة صنهاجة
كانت في مدة ملوك الطوائف، وأول ملوكهم بغرناطة:
زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي
كان داهية البربر، خرب أصحابه مدينة إلبيرة وعاثوا فيها، وأظهر هو الإنكار لذلك والعدل وقام بالمملكة، واقتعد مدينة غرناطة، وهزم المرتضى المرواني، وعظم قدره، ثم خاف الكرة من أهل الأندلس، فرحل بما حازه من الذخائر العظيمة إلى إفريقية وبقي بغرناطة ابن أخيه:
؟
حبوس بن ماكسن بن زيري
فاستبد بملكها، قال ابن حيان: وكان على ما فيه من القسوة يصغي الأدب، وكان غليظ العقاب، فارساً شجاعاً جباراً مستكبراً كامل الرجولية، ولما مات ورث الملك ابنه:
باديس بن حبوس
وكان من أبطال الحروب وشجعانها، يضرب به المثل في شدة القسوة بسفك الدماء، وعظم ملكه بهزيمة زهير ملك المرية، وقتله واستيلائه على مكائنه، وكان على ما فيه من القسوة حسن السياسة منصفاً حتى من أقاربه. أتت له يوماً عجوزٌ فشكت عقوق ابنها، وأنه مد يده إلى ضربها، فأحضره وأمر بضرب عنقه، فقالت له يا مولاي ما أردت إلا ضربه بالسوط، فقال: لست بمعلم صبيانٍ، وضرب عنقه.
ومات، فورث الملك بعده ابن أخيه:
عبد الله بن بلقين بن حبوس
ومن يده أخذها أمير المسلمين يوسف ين تاشفين حين استولى على ملوك الطوائف فتداول عليها ولاة الملثمين إلى أن انقرضت دولتهم فقام بها من الأندلسيين:
أبو الحسن علي بن أضحى الهمداني
من بيت عظيم بها، قد صح له ملكها فيما تقدم، وكان قد ولي قضاء القضاة بغرناطة، واشتهر بالجود، وجل قدره، فصح له القيام بملك غرناطة. إلا أنه لم يبق إلا قليلا، وتوفي حتف أنفه. ومن شعره قوله وقد دخل مجلساً غاصَّاً، فجلس في أخريات الناس، وأراد التنبيه على قدره:
نَحْنُ الأهِلَةُ في ظَلامِ الحِنْدِسِ ... حَيْثُ احْتَلَلْنَا فَهُوَ صَدْرُ المَجْلِسِ
إنْ يَذْهَبِ الدَّهْرُ الخَؤُونُ بِعِزِّنَا ... ظُلْماً فَلَمْ يَذْهَبْ بِعِزِّ الأنْفُسِ
وولي بعده أمر غرناطة ابنه أضحى، ثم صارت للمستنصر بن هود، ووقع فيها تخليط إلى أن ملكها المصامدة وتداول عليها ولاتهم، ثم صارت لابن هود المتوكل الذي ملك الأندلس في عصرنا وتداولت عليها ولاته، ثم مات ابن هود فاتخذها كرسياً:
أمير المسلمين أبو عبد الله
محمد بن يوسف بن الأحمر المرواني
وهو إلى الآن بها مثاغراً لعساكر النصارى الكثيرة بدون ألف فارس، وهو من عجائب الدهر في الفروسية والإقدام والسعادة في لقاء العدو. ويفهم الشعر ويكثر مطالعة التاريخ، وقد ملك إشبيلية وقتل ملكها المعتضد الباجي، وكنت حينئذٍ هنالك وأنشدته قصيدة أولها:

لِمِثْلِكَ تَنْقَادُ الجَيَوشُ الجَّحَافِلُ ... وَتُذْخَرُ أبْنَاءُ القَنَا وَالقَنَابِلُ

ذوو البيوت
أبو الحسن علي بن جودي
من ولد سعيد بن جودي المذكور في ملوك غرناطة، قرأ على أبي بكر بن باجة فيلسوف الأندلس فاشتهر بذلك واتهم في دينه، فطلب، ففر، وصار مع قطاع طريق بين الجزيرة الخضراء وقلعة خولان، وقال في ذلك:
أَرُومُ بِعَزْمَانِي تَنَاسِيَ عَهْدِكُمْ ... فَتَأْبَى عَلَيْنَا فيكُمُ العَزَمَاتُ
فَأُقْسِمُ لَوْ لا البُعْدُ مِنْكُمُ لَسَرَّنِي ... ثَوَانِي بِالغَابَاتِ وَهِيَ فَلاَةُ
فَإنَّ بِهَا مِنْ رَهْطِ كَعْبٍ وَعَامِرٍ ... سَرَاةً نَمَتْهُمْ لِلْعَلاءِ سَرَاةُ
أَبَوْا أَنْ يَحُلُّوهَا بَلادَ حَضَارَةٍ ... مَخَافَةَ ضَيْمٍ وَالكُفَاةُ أُبَاةُ
فَخَطُّوا بِأُمِّ القَفْرِ دَارَاً عَزِيزَةً ... تُمَارُ عَلَى حُكْمِ القَنَا وَتُقَاتُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي وَالمُنَى تَخْدَعُ الفَتَىوَدَأَبُ اللَّيَالِي مُلْتَقَىً وَشَتَاتُ
أَفُرْقَتُنَا هَذِي تَكُونُ لِقَاءَةً ... أَمِ الدَّهرُ يَأْسٌ بَعْدَكُمْ وَبَتَاتُ
وأنشد له والدي:
نَبَّهْتُهُ وَعُيونُ الزَّهْرِ نَائِمَةٌوَالطَّلُّ يَبْكِي وَثَغْرُ الكَاسِ يَبْتَسِمُ
وَالبَرْقُ يَرْقُمُ مِنْ بُرْدِ الدُّجَى عَلَماًوَالزَّهْرُ عِقْدٌ بِجِيدِ النَّهْرِ مُنْتَظِمُ
حَتَّى بَدَتْ رَايَةُ الإصْبَاحِ زَاحِفَةً ... في كَفِّ ذِي ظَفَرٍ وَاللَّيْلُ مُنْهَزِمُ
؟
جودي بن جودي
من أعلام هذا البيت، سكن مدينة وادي آش وبينه وبين والدي مخاطبات وأنشدني والدي من شعره قوله:
شَرِبْنَا وَبُرْدُ اللَّيْلِ يَطْويهِ صَبْحُهُوَأَرْدِيَةُ الشَّمْسِ المُنِيرَةِ تُنْشَرُ
وَقَدْ هَتَفَتْ وُرْقَ الحَمَامِ بِدَوْحِهَاوَكَفُّ الصَّبَا زَهْرَ الحَدَائِقِ تَنْثُرُ
مُشَعْشَعَةً رَقَّتْ وَرَاقَتْ كَأنَّمَايُصَاغُ لَهَا مِنْ صَنْعَةِ المَزْجِ جَوْهَرُ
إذَا قَهْقَهَ الإبْرِيقُِ قَالُوا تَكَلَّمَتْكَمَا أنَّهَا عَنْ أَعْيُنِ المَزْجِ تُنْظَرُ
وَإنْ لُمِحَتْ في كَأْسِهَا رَفْرِفَتْ هَوَىًعَلَيْهَا نُفُوسٌ بِالتَنَسُّمِ تَسْكَرُ
عبد الرحيم بن الفرس يعرف بالمهر
قرأ مع والدي وكان يصفه بالذكاء المفرط والتفنن والتقدم في الفلسفة، وآل أمره إلى أن سمت نفسه لطلب الهداية، فأظهر أنه القحطاني الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقود الناس طوع عصاه، وكان قيامه في برابر لمطة في قبلة مراكش، وقال يخاطب بني عبد المؤمن شعراً اشتهر منه:
قُولُوا لأبْنَاءِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بِنِ عَلِيّْتَأَهَّبُوا لُوُقُوعِ الحَادِثِ الجَلَلِ
قَدْ جَاءَ سَيِّدُ قَحْطَانٍ وَعَالِمُهَاوَمُنْتَهَى القَوْلِ وَالغَلاَّبِ لِلْدُوَلِ
النَّاسُ طَوْعُ عَصَاهُ وَهُوَ سَائِقُهُمْبِالأَمْرِ وَالنَهْيِ نَحْوَ العِلْمِ وَالعَمَلِ
فَبَادِرُوا أَمْرَهُ فَاللهُ نَاصِرُهُ ... وَاللهُ خَاذِلُ أَهْلِ الزِّيْغِ وَالمَيَلِ
وآل أمره معهم إلى أن قتلوه، وأرسلوا رأسه إلى مراكش، فعلق على باب الشريعة.
أبو بكر
عبد الرحمن بن أبي الحسن بن مسعدة
بيت رفيع في غرناطة، أخبرني والدي: أنه كان من كتاب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة، ولما قتل عثمان المذكور أبا جعفر بن سعيد كتب بن مسعدة إلى أبيه عبد الملك بن سعيد رسالة، منها:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ أَجْمِلِي جَزَعَا ... إنَّ الذي تَحْذَرِينَ قَدْ وَقَعَا
سيدي الأعلى: نداء من كاد قلمه لا يطيعه، ومن تمحو ما كتبه دموعه، مثلك لا يعلم التعزي ومثل المفقود، رحمة الله عليه، لا يؤمر بالصبر عنه:
إذَا قَبَحَ البَكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ ... رَأَيْتُ بُكَاءَكَ الحَسَنَ الجَمِيلا

ولا أقلَّ من أن تدمع العين، ويحزن القلب، و لا يفعل ما يوهن المجد، ولا يقال ما يسخط الرب. وسيدي وإن كان المرحوم نجله، فإني في الحزن عليه لا يبعد أن أكون مثله، فذكره الحسن لأخلاقه وأفعاله التي كانت تدل على طيب أعراقه:
كَأَنَّكً لَمْ تَكُنْ إِلْفِي وَخِلِّي ... وَلَمْ أَقْطَعْ بِكَ اللَّيْلَ الطَّوِيلا

أخوه
أبو يحيى محمد
ذكر لي والدي: أنه كان يكتب مع أخيه المذكور لعثمان بن عبد المؤمن، وأنشدني من شعره قوله:
لا تَدْعُنِي إلاَّ لِشَدْوٍ وَرَاحْ ... وَشَادِنٍ كَالمُهْرِ جَمِّ المُرَاحْ
مُهَفْهَفٍ هَمَّتْ لَهُ وَجْنَةٌ ... تُسْفِرُ في جُنْحِ الدُّجَى عَنْ صِيَاحْ
أَسْكَتَنِي الخَوْفُ كَخِلْخَالِهِ ... لَكِنْ هَوَاهُ رَدَّنِي كَالوِشَاحْ
عبد الرحمن بن الكاتب
تأثل هذا البيت بغرناطة إلى الآن، وكان عبد الرحمن هذا يكتب عن محمد بن سعيد صاحب القلعة، وإياه يخاطب بقوله:
يَا أيُّهَا القَائِدُ المُعَلَّى ... وَمَنْ لَدَيْهِ النَّوَالُ نَهْبُ
لَيْسَ عَلَى غَيْرِكَ اتِّكَالِي ... وَأَنْتَ بَدْرِي الذي أُحِبُّ
وَقَدْ تَرَقَّى بِكُمُ أُنَاسٌ ... أَلْسُنُهُمْ بِالثَنَاءِ رَحْبُ
وَهَا أنَا في الحَضِيضِ ثَاوٍ ... وَهُمْ بِأُفْقِ العَلاءِ شُهْبُ
ابنه
أبو عبد الله محمد
ذكر والدي: أنه اجتمع به وكان من أظرف الناس، واستكتبه منصور بني عبد المؤمن، ومن شعره قوله:
يُعِدُّ رِجَالٌ آخَرِينَ لِدَهْرِهِمْ ... وَمِنْ بَعْدُ لا يَحْظَوْنَ مِنْهُمُ بِطَائِلِ
وَقَلَّ غَنَاءً عَنْكَ قَوْلُكَ صَاحِبِي ... وَمَالَكَ مِنْهُ غَيْرُ عَضِّ الأنَامِلِ
إسماعيل بن يوسف بن نغرلة اليهودي
من بيت مشهور في اليهود بغرناطة، آل أمره إلى أن استوزره باديس بن حبوس ملك غرناطة، فاستهزأ بالمسلمين، وأقسم أن ينظم جميع القرآن في أشعارٍ وموشحات يغني بها، فآل أمره إلى أن قتله صنهاجة أصحاب الدولة، بغير أمر الملك، ونهبوا دور اليهود وقتلوهم.
ومن شعره الذي نظم فيه القرآن قوله:
نَقَشَتْ في الخَدِّ سَطْراً ... مِنْ كِتَابِ اللهِ مَوْزُونْ
لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى ... تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونْ
وأنشد له صاحب المسهب قوله:
يَا غَائِباً عَنْ نَاظِرِي لَمْ يَغِبْ ... عَنْ خَاطِرِي رِفْقاً عَلَى الصَّبِّ
فَمَا لَهُ في البُعْدِ مِنْ سَلْوَةٍ ... وَمَا لَهُ سُولٌ سِوَى القُرْبِ
صُوِّرَتْ في قَلْبِي فَلَمْ تَبْتَعِدْ ... عَنْ نَاظِرِ الفِكْرَةِ بِالحُبِّ
مَا أَوْحَشَتْ طَلْعَةُ مَنْ لَمْ يَزَلْ ... يُنْقَلُ مِنْ طَرْفٍ إِلَى قَلْبِ
ابنه يوسف
كان صغيراً لما قتل أبوه بغرناطة وصلب في نهر سنجل، فهرب إلى إفريقية، وكتب من هنالك إلى أهل غرناطة شعره المشهور الذي منه:
أَقَتِيلاً بِسَنْجَلٍ لَيْسَ تَخْشَى ... حَشْرَ جِسْمٍ وَقَدْ سَمِعْتَ النَّصِيحَا
غَودِرَ الجِسْمُ في التُّرَابِ طَرِيْحاً ... وَغَدَا الرُّوحُ في البَسِيطَةِ رِيحَا
أَيُّهَا الغَادِرُونَ هَلاَّ وَفَيْتُمْ ... وَفَدَيْتُمْ شِبْهَ الذَّبِيحِ الذَّبِيحَا
إنْ لَمْ يَكُنْ قَتْلُكُمْ لَهُ دُونَ ذَنْبٍقَدْ قَتَلْنَا مِنْ قَبْلِ ذَاكَ المَسِيحَا
وَنَبِيَّاً مِنَ هَاشِمٍ قَدْ سَمَمْنَا ... خَرَّ مِنْ أَكْلَةِ الذِّرَاعِ طَرِيحَا
الوزراء
عبد الرحيم بن عبد الرزاق
وزير عبد الله بن بلقين ملك غرناطة
ذكره صاحب الذخيرة، وأنشد له قوله:
صَبَّ عَلَى قَلْبِي هَوَىً لاعِجُ ... وَدَبَّ في جِسْمِي ضَنَىً دَارِجُ
في شَادِنٍ أَحوَرَ مُسْتَأْنِسٍ ... لِسَانُ تَذْكَارِي بِهِ لاهِجُ

مَا قَدْرُ نُعْمَانَ إذَا مَا مَشَى ... وَمَا عَسَى تَبْلُغُهُ عَالِجُ

أبو الحسن علي بن الإمام
كاتب تميمٍ بن يوسف بن تاشفين ملك غرناطة، وتغرب بعد هروبه من غرناطة وسافر إلى مصر.
ومن شعره قوله:
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالأمَانِي كُلُّها ... زُورٌ يَغُرُّكّ أوْ سَرَابٌ يَلْمَعُ
هَلْ تَرْبَعَنَّ رَكَائِبِي في بَلْدَةٍ ... أمْ هَكَذَا خُلِقَتْ تَخُبُّ وَتُوضِعُ
في كُلِّ يَوْمٍ مَنْزِلٌ وَأَحِبَةٌ ... كَالظِلِّ يُلْبَسُ لِلْمَقِيلِ وَيُخْلَعُ
الكتاب
أبو بكر محمد بن الجراوي
من أعيان كتاب غرناطة في مدة الملثمين، ومن شعره قوله في رثاء:
حَنَانَيْكَ قَدْ أَبْكَيْتَ حَتَّى الغَمَائِمَاوَشَقَّقْتَ عَنْ أَزْهَارِهِنَّ الكَمَائِمَا
وَأَدْمَيْتَ خَداً لِلْبُرُوقِ بِلَطْمِهَاوَخَلَّفْتَ مِنْ نَوْحِ الرُّعُودِ مَآتِمَا
وَلَمْ يَبْقَ قَلْبٌ لا يُقَلِّبُهُ الأَسَىوَأَشْجَيْتَ في أَغْصَانِهِّنَ الحَمَائِمَا
العمال
أبو محمد عبد الرحمن بن مالك
صاحب مختص أمير المسلمين يوسف بن تاشفين في غرناطة وغيرها من بلاد الأندلس.
ذكره الحجاري وأثنى عليه وقال في وصفه: ناهيك من سيدٍ لم يقتنع إلا بالغاية، ولا وقف إلا عند النهاية، وأنشد له قوله وقد طرب في سماعٍ فشق ثيابه:
لا تَلُمْنِي بِأَنْ طَرِبْتُ لِشَدْوٍ ... يَبْعَثُ الأُنْسَ فَالكَرِيمُ طَرُوبُ
لَيْسَ شَقُّ الجُيُوبِ حَقاً عَلَيْنَا ... إنَّمَا الحَقُّ أَنْ تُشَقَّ القُلُوبُ
القضاة
أبو محمد عبد الحق بن عطية
قاضي غرناطة
مذكور في القلائد والمسهب وهو صاحب التفسير الكبير في القرآن، وقد ولي أبوه أيضاً قضاء غرناطة، ومن أحسن شعره قوله:
وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ جِبَالَ رَضْوَى ... تَزُولُ وَأَنَّ وِدَّكَ لا يَزُولُ
وَلَكِنَّ الزَّمَانَ لَهُ انْقِلابٌ ... وَأَحْوَالُ ابْنِ آَدَمَ تَسْتَحِيلُ
فَإِنْ يَكُ بَيْنَنَا وَصْلٌ جَمِيلٌ ... وَإلاَّ فَلْيَكُنْ هَجْرٌ جَمِيلُ
العلماء
أبو عمرو حمزة بن علي
الغرناطي المؤرخ
ذكر والدي: أن له كتاباً في تاريخ الفتنة التي انقرضت بها دولة الملثمين. ومن شعره قوله:
يَا وَاحِدَاً في العَالِي مَا لَهُ تَالِي ... حَسِّنْ بِفَضْلِكَ يَا مَوْلايَ أَحْوَالِي
فَقَدْ ظَمِيتُ إلَى وَرْدٍ وَلَيْسَ سِوَى ... نَدَاكَ يَرْوِي غَلِيلاً شَفَّ أَوْصَالِي
فَلَسْتُ أَبْرَحُ طُولَ الدَّهْرِ مُجْتَهِدَاًأَثْنِي عَلَيْكَ بِمَا تَسْتَطِيعُ أَقْوَالِي
أبو بكر يحيى بن الصيرفي
المؤرخ الغرناطي
أخبرني والدي: أن له تاريخاً، وموشحاته مشهورة، ومن شعره قوله:
أَجْرَتْ دَمِي تَحْتَ اللِّثَامِ لِثَامَا ... وَسَقَتْ وَلَمْ تَدُرِ الكُؤُوسُ مُدَامَا
شَمْسٌ إذَا سَرَقَتْ مَعَاطِفَ بَانَةٍ ... في ثَوْبِهَا سَجَعَ الحُلِيُّ حَمَامَا
وَتَنَفَّسَتْ في الصُّبْحِ مِنْهَا رَوْضَةٌ ... بَاتَتْ تُنَادِمُ بَارِقَاً وَغَمَامَا
نَجْدٌ بِهِ عَثَرَ النَّسِيمُ بِمِسْكَةٍ ... في تُرْبِهَا فَتَفَرَّقَتْ أَنْسَامَا
أبو بكر محمد بن الحسين بن باجة
فيلسوف الأندلس وإمامها في الألحان، ذمه صاحب القلائد بالتعطيل، وقال في وصفه: رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين. وأطنب في الثناء عليه صاحب المسهب والسمط، وكان جليل المقدار وقد استوزره أبو بكر بن تيفاويت ملك سرقسطة، وأكثر ابن باجة من رثائه، وغنى بها في ألحان ميكية، من ذلك قوله:
سَلامٌ وَإِلْمَامٌ وَرُوحٌ وَرَحْمَةٌ ... عَلَى الجَّسَدِ النَّائِي الذي لا أَزُورُهُ
أَحَقَّاً أَبَا بَكْرٍ تَقَضَّى فَمَا يُرَى ... تَرُدُّ جَمَاهِيرَ الوُفُودِ سُتُورُهُ
لَئِنْ أَنِسَتْ تِلْكَ القُبُورُ بِقَبْرِهِ ... لَقَدْ أَوْحَشَتْ أَمْصَارُهُ وَقُصُورُهُ
وقوله:

يَا صَدَىً بِالثَغْرِ جَاوَرَهُ ... رِمَمٌ بُورِكْنَ مِنْ رِمَمِ
صَبَّحَتْكَ الخَيْلُ غَادِيَةً ... وَأَثَارَتْكَ فَلَمْ تَرِمِ
قَدْ طَوَى ذَا الدَّهْرُ بِزَّتَّهُ ... عَنْكَ فَالْبِسْ بِزَّةَ الكَرَمِ

تلميذه أبو عامر
محمد بن الحمارة الغرناطي
برع في علم الألحان، واشتهر عنه أنه كان يعمد للشعراء ، فيقطع العود بيده، ثم يصنع منه عوداً للغناء، وينظم الشعر، ويلحنه، ويغني به، ومن شعره قوله وهو غايةٌ في علو الطبقة:
إذَا ظَنَّ وَكْرَاً مُقْلَتِي طَائِرُ الكَرَىرَأَى هُدْبَهَا فَارْتَاعَ خَوْفَ الحَبَائِلِ
وقوله في رثاء زوجته:
وَلَمَّا أَنْ حَلَلْتِ التُّرْبَ قُلْنَا ... لَقَدْ ضَلَّتْ مَوَاقِعَهَا النُّجُومُ
أَلا يَا زَهْرَةً ذَبُلَتْ سَرِيعاً ... أَضَنَّ المُزْنُ أَمْ رَكَدَ النَّسِيمُ
الشعراء
مطرف بن مطرف
اجتمع به والدي، وأثنى عليه في طريقة الشعر، وذكر أنه قتله النصارى في الوقعة التي كانت سنة تسع وستمائة ، وأنشد له قوله:
أَنَا صَبُّ كَمَا تَشَاءُ وَتَهْوَى ... شَاعِرٌ مَاجِنٌ خَلِيعٌ جَوَّادُ
أَرْضَعَتْنِي العِرَاقُ ثَدْيَ هَوَاهَا ... وَغَذَتْنِي بِظَرْفِهَا بَغْدَادُ
رَاحَتِي لَوْعَتِي وَإِنْ طَالَ سُقُمٌ ... وَتَوَالَى عَلَى الجُفُونِ سُهَادُ
سُنَّةٌ سَنَّهَا قَدِيمَاً جَمِيلٌ ... وَأَتَى المُحْدَثُونَ مِثْلِي فَزَادُوا
نزهزن بنت القلاعي
شاعرة ماجنة كثيرة النوادر، وهي التي قالت لأبي بكر بن قزمان الزجال، وقد أتى بغفارة صفراء، وكان قبيح المنظر: أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تسر الناظرين، ودخل الكتندي على الأعمى المخزومي، وهي تقرأ عليه، فقال للمخزومي أجز:
لو كنت تبصر من تكلمه .
فأفحم الأعمى ولم يحر جواباً.
فقالت نزهون:
... لَغَدَوْتَ أَخْرَسَ مِنْ خَلاَخِلِهِ
البَدْرُ يَطْلَعُ مِنْ أَزِرَّتِهِ ... وَالغُصْنُ يَمْرَحُ في غَلائِلِهِ
الأهداب
موشحة مشهورة لعبد الرحيم بن الفرس الغرناطي
يَا مَنْ أُغَالِبُهُ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
وَأَرْتَجِي وَصْلَهُ وَالنَّجْمُ أَقْرَبُ
سَدَدْتَ بَابَ الرِّضَا عَنْ كُلِّ مَطْلَبٍ
زُرْنِي وَلَوْ في المَنَامِ وَجُدْ وَلَوْ بِالسَّلامِ
فَأَقَلُّ القَلِيلِ يَبْقَي ذَمَاءَ المُسْتَهَامِ
كَمْ ذَا أُدَارِي الهَوَى وَكَمْ أُعَانِيهِ
وَلَوْ شَرَحْتُ القَلِيلَ مِنْ مَعَانِيهِ
أَمْلَلْتُ أَسْمَاعَكُمْ مِمَّا أُرَانِيهِ
هَيْهَاتَ بَاعُ الكَلامِ مَا إنْ يَفِي بِغَرَامِ
أَيْنَ قَالٌ وَقِيلْ عَنْ زَفْرَتِي وَهُيَامِي
أَمَّا هَوَاكُمْ فَفِي قَلْبِي مَصُونُ
لَيْسَتْ مُرَجَّمَةً فِيهِ الظُّنُونْ
إِنْ لَمْ أَصُنْهُ أَنَا فَمَنْ يَكُونْ
نَزَّهْتُ فِيهِ مَقَامِي عَنْ خَوْضِ أَهْلِ المَلامِ
أَيْنَ مِنِّي جَمِيلْ وَعُرْوَةُ بْنِ حِزَامِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة إلبيرة
وهو:
كتاب الحوش، في حلي قرية شوش
قرية مشهورة على نهر كبير يمر على مدينة إستجة ويصب في نهر قرطبة، منها:
أبو المخشي عاصم بن زيد
بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن زيد التميمي ثم العبادي
من المسهب: أن أباه دخل الأندلس من المشرق مع جند دمشق، فنزل بقرية شوش، ونشأ ابنه على قول الشعر، واشتهر به، إلا أنه كان جسوراً على الأعراض، فقطع لسانه هشام بن عبد الرحمن سلطان الأندلس، وانجبر قليلاً، واقتدر على الكلام، وكان الشعراء يطعنون في نسبه بالنصرانية، ولما قال فيه ابن هبيرة:
أقُلْفَتُكَ الَّتِي قُطِعَتْ بِشَوْشٍ ... دَعَتْكَ إلَى هَجَائِي وَانْتِضَالِي
أجابه بقوله:

سَأَلْتَ وَعَنْدَ أُمِّكَ مِنْ خِتاني ... بَيَانٌ كَانَ يَشْفِي مِنْ سُؤَالِي
فغلب عليه.
وكان الذي غاظ عليه هشام بن عبد الرحمن أنه قال في مدح أخيه سليمان المباين له:
وَلَيْسَ كَمِثْلِ مِنْ إنْ سِيْمْ عُرْفاً ... يُقَلِّبُ مُقْلَةً فِيهَا اعْوِرَارُ
وكان هشام أحول، فاغتاظ، وركب منه ما ركب من المثلة، وكبر ذلك على أبيه عبد الرحمن وعنفه عليه، وأحسن إلى أبي المخشي.
وذكر ابن حيان: أنه مات في دولة الحكم بن هشام، وأنشد له الحميدي:
وَهَمٍّ ضَافَنِي في جَوْفِ يَمٍّ ... كِلاَ مَوْجَيْهِمَا عِنْدِي كَبِيرُ
فَبِتْنَا وَالقُلُوبُ مُعَلَّقَاتٌ ... وَأَجْنِحَةُ الرِّيَاحِ بِنَا تَطِيرُ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب السحب المنهلة، في حلي قرية عبلة
من قرى غرناطة، ينسب إليها:
عبد الله العبلي
شاعر جاء ذكره في كتاب المقتبس لابن حيان، كان يناضل أهل غرناطة عن شعراء إلبيرة في تلك الفتن، ومما قاله فيها قوله:
مَنَازِلُهُمْ مِنْهُمْ قِفَارٌ بَلاقِعُتُجَارِي السَّفَا فِيهَا الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ
وَفي القَلْعَةِ الحَمْرَاءِ تَبْدِيدُ جَمْعِهِمْوَمِنْهَا عَلَيْهِمْ تَسْتَدِيرُ الوَقَائِعُ
كَمَا جَدَّلَتْ آبَاءَهُمْ في خَلائِهَا ... أَسنَّتُهَا وَالمُرْهَفَاتُ القَوَاطِعُ
فهاجت هذه القصيدة أحقادهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة إلبيرة
وهو:
كتاب نقش الراحة، في حلي قرية الملاحة
من قرى غرناطة، ينسب إليها:
أبو القاسم محمد بن عبد الواحد الملاحي
مؤرخ غرناطة وأديبها، وأدركه والي، وله تاريخ غرناطة ومن شعره قوله:
أَهْلاً وَسَهْلاً بِالحَبِيبِ الزَّائِرِ ... يَفْدِيهِ سَمْعِي وَالفُؤَادُ وَنَاظِرِي
مَا ضَرَّ لَيْلاً زَارَنِي في جُنْحِهِ ... أَنْ لَيْسَ يُسْفِرُ عَنْ هِلالٍ زَاهِرِ
عَانَقْتُهُ فَكَأَنَّ كَفِّي لَمْ تَزَلْ ... مِنْ نَشْرِهِ في زَهْرِ رَوْضٍ عَاطِرِ
حَتَّى إذَا مَا الصُبْحُ لاحَ وَغَرَّدَتْ ... طَيْرٌ أَثَرْنَ بِشُجُونِهِنَّ سَرَائِرِي
وَلَّى انْفِصَالاً عَنْ مَسَارِحِ نَاظِرِي ... لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ خَاطِرِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة إلبيرة
وهو:
كتاب الروض المزدان، في حلي قرية همدان
قرية كبيرة في نطاق غرناطة، نزلها همدان. منها:
أبو بكر محمد بن أحمد
الأنصاري المشهور بالأبيض
من المسهب. أصله من قرية همدان، وتأدب بإشبيلية وقرطبة، وهو شاعر مشهور وشَّاح، حسن التصرف هجَّاء، وولع بهجاء الزبير الملثم صاحب قرطبة، فمن ذلك قوله:
عَكَفَ الزُّبَيْرُ عَلَى الضَلاَلَةِ جَاهِداً وَوَزِيرُهُ المَشْهُورُ كَلْبُ النَّارِ
مَازَالَ يَأْخُذُ سَجْدَةً في سَجْدَةٍ ... بَيْنَ الكُؤُوسِ وَنَغْمَةِ الأَوْتَارِ
فَإِذَا اعْتَرَاهُ السَّهْوُ سَبَّحَ خَلْفَهُ ... صَوْتُ القِيَانِ وَرَنَّةُ المِزْمَارِ
وقوله:
قَالُوا الزُّبَيْرُ مُبَرَّصٌ فَأَجَبْتًهُمْ ... لاتُنْكِرُوهُ ، فَدَاؤُهُ مِنْ عِنْدِهِ
رَضِعَتْ مَبَاعِرُهُ.. فَأَكْثَرَتْ ... حَتَّى بَدَا رَشْحُ... بِجِلْدِهِ
ويخرج من كلامه أن الزبير قتله .
وهجا ابن حمدين قاضي قرطبة بقوله:
يُرِيدُ ابْنُ حَمْدِينَ أَنْ يُعتَفَى ... وَجَدْوَاهُ أَنْأَى مِنَ الكَوْكَبِ

إذَا ذُكِرَ الجُودُ حَكَّ أَسْتَهُ ... لِيُثْبِتَ دَعْوَاهُ في تَغْلِبِ
يشير بهذا إلى قول جرير في الأخطل التغلبي:
وَالتَّغْلِبِيُّ إذَا تَنَحْنَحَ لِلْقِرَى ... حَكَّ أَسْتَهُ وَتَمَثَّلَ الأَمْثَالا
ومن أحسن شعره قوله في مولود:
يَا خَيْرَ مَعْنٍ وَأَوْلاهَا بِعَارِفَةٍللهِ نُعْمَاءُ عَنْهَا الدَّهْرُ قَدْ نَعَسَا
لِيَهْنِكَ الفَارِسُ المَيْمُونُ طَائِرُهُ ... للهِ أنْتَ لَقَدْ أَذْكَيْتَهُ قَبَسَا
أَصَاخَتِ الخَيْلُ آَذَاناً لِصَرْخَتِهِ ... وَارْتَاعَ كُلُّ هِزَبْرٍ عِنْدَمَا عَطَسَا
تَعَلَّمَ الرَّكْضَ أَيَّامَ المَخَاضِ بِهِفَمَا امْتَطَى الخَيْلَ إِلاَّ وَهُوَ قَدْ فَرَسَا
تَعَشَّقَ الدِّرْعَ إذْ شُدَّتْ لَفَائِفُهُوَأَنْكَرَ المَهْدَ لَمَّا عَايَنَ الفَرَسَا
بَشِّرْ قَبَائِلَ مَعْنٍ أَنَّ سَيِّدَهَاقَدْ أَثْمَرَ المُلْكَ بِالمَجْدِ الذي غَرَسَا
؟

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
؟؟؟؟؟
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب في حلي حصن شلوبينية
من حصون غرناطة البحرية، منها:
أبو علي عمر بن محمد الشلوبيني
إمام نحاة المغرب. قرأت عليه بإشبيلية وله شرح الجزولية وغيرها، وشعره على تقدمه في العربية في نهايةٍ من التخلف، وأحسن ما سمعته منه قوله في غلام كان يهواه ويتغزل فيه، اسمه قاسم:
وَمِمَّا شَجَا قَلْبِي وَفَضَّ مَدَامِعِيهَوَىً قَدَّ قَلْبِي إِذْ كَلِفْتُ بِقَاسِمِ
وَكُنْتُ أَظُّنُّ المِيمَ أَصْلاً فَلَمْ تَكُنْوَكَانَتْ كَمِيمٍ أُلْحِقَتْ في الزَّرَاقِمِ
والزراقم: الحيات مشتقةٌ من الزرقة . وله في إقرائه نوادر مضحكة أعجبها أن ابن الصابوني شاعر إشبيلية كان يلقب بالحمار، ويحرد، فلاججه يوماً في مسألةٍ، فقال له: كذا هي يا حمار يا حمار، إلى أن تدرج حتى قال يا ملْ السموات والأرض حميرا، ثم جعل إصبعيه في أذنيه وزحف إلى أذيال الحصر وهو ينهق كالحمار، وقد بلغني أنه مات رحمه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب المسرات، في عمل البشرات
ينقسم إلى: كتاب الثنايا العذاب، في حلي حصن العقاب كتاب البلور، في حلي حصن بلور كتاب الربوع المسكونة، في حلي قرية ركونة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب عمل البشرات
وهو: كتاب الذهب المذاب، في حلي حصن العقاب ينسب إليه:
أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود
من المسهب: هو من حصن العقاب، وكان قد اشتهر في غرناطة اسمه، وشاع علمه، وارتسم بالصلاح، وكان ينكر على ملكها كونه استوزر ابن نغرلة اليهودي وعلى أهل غرناطة انقيادهم له، فسعى في نفيه إلى إلبيرة، فقال شعره المشهور :
أَلا قُلْ لِصِنْهَاجَةٍ أَجْمَعِينْ ... بُدُورِ الزَّمَانِ وَأُسْدِ العَرِينْ
لَقَدْ زَلَّ سَيِّدُكُمْ زَلَّةً ... أَقَرَّ بِهَا أَعْيُنَ الشَّامِتينْ
تَخَيَّرَ كَاتِبَهُ كَافِرَاً ... وَلَوْ شَاءَ كَانَ مِنَ المُسْلِمِينْ
فَعَزَّ اليَهُودُ بِهِ وَانْتَخَوْا ... وَكَانُوا مِنَ العِتْرَةِ الأَرْذَلِينْ
فاشتهر هذا الشعر وثارت صنهاجة على اليهودي فقتلوه، وعظم قدر أبي إسحاق. وفي ملازمته سكنى العقاب يقول:
أَلِفْتُ العُقَابَ حَذَارِ العِقَابِ ... وَعِفْتُ المَوَارِدَ خَوْفَ الذُّبَابِ
وَأَبْغَضْتُ نَفْسِي لِعِصْيَانِهَا ... وَعَاقَبْتُهَا بِأَشَدِّ العِقَابِ

فَكَمْ خَدَعَتَنْي عَلَى أنَّنِي ... بَصِيرٌ بِطُرُقِ الخَطَا وَالصَّوَابِ
فَلَسْتُ عَلَى الأمْنِ مِنْ غَدْرِهَا ... وَلَوْ حَلَفَتْ لِي بِآَيِ الكِتَابِ
وقوله:
قَالُوا أَلا تَسْتَجِيدُ بَيْتاً ... تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِ البُيُوتُ
فَقُلْتُ مَا ذَاكُمُ صَوَابٌ ... حَفْشٌ كَثِيرٌ لَنْ يَمُوتُ
لَوْ لا شِتَاءٌ وَلَفْحُ قَيْظٍ ... وَخَوْفُ لِصٍّ وَحِفْظُ قُوتٍ
وَنِسْوَةٍ يَبْتَغِينَ سِتْرَاً ... بَنَيْتُ بِنْيَانَ عَنْكَبُوتٍ
وله ديوان ملآن من أشعار زهدية، ولأهل الأندلس غرام بحفظها.

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب أعمال البشرات
وهو:
كتاب البلور، في حلي حصن بلور
منها:
أبو عبد الله محمد بن عبادة
المعروف بابن القزاز
من الذخيرة: من مشاهير الأدباء والشعراء، وأكثر ما اشتهر في الموشحات، الغرض من نظمه قوله في المعتمد بن عباد وقد جرحت كفه يوم الزلاقة الذي كان على النصارى:
ثَنَاؤُكَ لَيْسَ تَسْبِقُهُ الرِّيَاحُ ... يَطِيرُ وَمِنْ نَدَاكَ لَهُ جَنَاحُ
لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الدُّنْيَا وَشَبَّتْ ... فَغَنَّتْ وَهِيَ نَاعِمَةٌ رَدَاحُ
تَطِيبُ بِذِكْرِكَ الأَفْوَاهُ حَتَّى ... كَأَنَّ رِضَابَهَا مِسْكٌ وَرَاحُ
مَلَكْتَ عَنَانَ دَهْرِكَ فَهُوَ جَارٍ ... كَمَا تَهْوَى فَلَيْسَ لَهُ جِمَاحُ
ومنها:
جَلَبْتَ إلَى الأَعَادِي أُسْدَ غَابٍ ... بَرَاثِنُهَا الأسِنَّةُ وَالصِّفَاحُ
وَقَفْتَ وَمَوْقِفُ الهَيْجَاءِ ضَنْكٌ ... وَفِيهِ لِبَاعِكَ الرَّحْبِ انْفِسَاحُ
وَأَلْسِنةُ الأَسِنَّةِ قَائِلاتٌ ... إذَا ظَهَرَ المُؤَيَّدُ لابَرَاحُ
ومنها:
وَقَالُوا كَفُّهُ جُرِحَتْ فَقُلْنَا ... أَعَادِيهِ تُوَافِقُهَا الجِرَاحُ
وَمَا أَثَرُ الجِرَاحةِ مَا رَأَيْتُمْ ... فَتُوهِنَهَا المَنَاصِلُ وَالرِّمَاحُ
وَلَكِنْ فَاضَ سَيْلُ الجُودِ فيهَا ... فَأَمْسَى في جَوَانِبِهَا انْسِيَاحُ
وَقَدْ صَحَّتْ وَسَحَّتْ بِالأَمَانِي ... وَفَاضَ الجُودُ مِنْهَا وَالسَّمَاحُ
ومن شعره قوله:
يَا دَوْحَةً بِظِلالِهَا أَتَفَيَأُ ... بَلْ مَعْقِلاً آوِي إِلَيْهِ وَأَلْجَأُ
رَمَدَتْ جُفُونِي مُذْ حَلَلْتُ هُنَا وَلَوْكُحِّلَتْ بِرُؤْيَتِكُمْ لَكَانَتْ تَبْرَأُ
ومنها:
لَمْ أَخْتَرِعْ فيكَ المَدِيحَ وَإنَّمَا ... مِنْ بَحْرِكَ الفيَّاضِ هَذَا اللُؤْلُؤُ
ومن موشحاته قوله:
أَذَابَ الخَلَدْ ... نَهْدٌ مُنَهَّدْ
وَغُصْنٌ تَأَوَّدْ ... في دِعْصٍ مُلَبَّدْ
عَنْ سُقْمٍ مُكْمَدْ
لاهْ
فَدَعْ عَذْلِي ... يَا مَنْ يَلُومُ
فَلَوْمُكَ لِي ... في الحُبِّ لُوْمُ
أَقْصَى أَمَلِي ... ظَبْيٌ رَخِيمُ
ابْتَزَّ الجَلَدْ ... بِلَحْظٍ مُرَقَّدْ
ولِمَّةٍ عَسْجَدْ ... قَتْلَى قَدْ تَعَمَّدْ
دَمِي تَقَلَّدْ
آهْ
وَلَمَّا انْبَرَى ... لِلْعَامِرِيِّ
خَيَالٌ سَرَى ... فَعَلَ الكَمِيِّ
شَدَوْتُ الوَرَى ... شَدْوَ الشَّجِيِّ
البَدْرُ سَجَدَ ... وَالرِّيمُ أسْجَدْ
لِنَعْلَى مُحَمَّدْ ... بِالخَدِّ المُوَرَّدْ
وَالجِيدِ الأَغْيَدْ
تاهْ
وموشحته:
صِلْ يَا مُنَى المُتَيَّمِ مَنْ رَاحْ ... مَقْصُوصَ الجَنَاحْ
صَاغَ الجَمَالَ مِنْ كُلِّ لأْلاءِ
خَدٌ أَدِيمُهُ مِنَ الصَّهْبَاءِ

وَوَجْنَةٌ أَرَقُّ مِنَ المَاءِ
كَأنَّهَا شَقِيقَةُ تُفَّاحْ ... لَمْ تُلْمَسْ بِرَاحْ
ومنها:
لَمَّا صَدَرْتَ عَنْ مَوْقِفِ الزَّحْفِ
غَازَلْتَ شَادِناً جَائِرَ الطَّرْفِ
وَقُلْتَ ثَابِعاً سُنَّةَ الظَّرْفِ
بِالحَرَمْ يَا رَشَا مَنْ سَقَا الرَّاحْ ... عَيْنَيْكْ المِلاحْ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من
كتب عمل البشرات
وهو:
كتاب الربوع المسكونة، في حلي قرية راكونة
منها:
حفصة بنت الحاج الركونية
ذكر الملاحي في تاريخه: أنها دخلت على عبد المؤمن وأنشدته، وقد استنشدها من شعرها:
امْنُنْ عَلَيَّ بِطِرْسٍ ... يَكُونُ في الدَّهْرِ عُدَّهْ
تَخُطُّ يُمْنَاكَ فيهِ ... الحَمْدُ للهِ وَحْدَهْ
وقد تقدم شعرها مع أبي جعفر بن سعيد الذي كان يهواها ويتغزل فيها وبسببها قتل، قتله عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة وكان مشاركاً له في هواها.
ومن رقيق شعرها قولها:
سَلامٌ يُفَتَّحُ عَنْ زَهْرِهِ ال ... كِمَامُ وَيُنْطِقُ وُرْقَ الغُصُونْ
عَلَى نَازِحٍ قَدْ ثَوَى في الحَشَا ... وَإِنْ كَانَ تُحْرَمُ مِنْهُ الجُفُونْ
فَلا تَحْسَبُوا البُعْدَ يُنْسِيكُمُ ... فَذَلِكَ وَاللهِ مَا لا يَكُونْ
وقولها:
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَجْماً لَمَا كَانَ نَاظِرِيوَقَدْ غِبْتَ عَنْهُ مُظْلِماً بَعْدَ نُورِهِ
سَلامٌ عَلَى تِلْكَ المَحَاسِنِ مِنْ شَجٍ ... تَنَاءَتْ بِنُعْمَاهُ وَطِيبِ سُرُورِهِ
وقولها:
سَلُوا البَارِقَ الخَفَّاقَ وَاللَّيْلُ سَاكِنٌأَظَلَّ بِأَحْبَابِي يُذَكِّرُنِي وَهْنَا
لَعَمْرِي لَقَدْ أَهْدَى لِقَلْبِيَ حَفْقَهُوَأَمْطَرَ عَنْ مُنْهَلِّ عَارِضِهِ الجَفْنَا
وكتبت إلى عثمان بن عبد المؤمن وقد استأذنت عليه في يوم العيد:
يَا ذَا العُلا وَابْنَ الخَلِي ... فَةِ وَالإِمَامِ المُرْتَضَى
يَهْنِيكَ عِيدٌ قَدْ جَرَى ... مِنْهُ بِمَا تَهْوَى القَضَا
وَافَاكَ مَنْ تَهْوَاهُ في ... طَوْعِ الإِجَابَةِ وَالرِّضَا
واستأذنت على أبي جعفر بن سعيد بقولها:
زَائِرٌ قَدْ أتَى بِجِيدِ الغَزَالِ ... مُطْلِعٌ تَحْتَ جُنْحِهِ لِلْهِلالِ
بِلِحَاظٍ مِنْ سِحْرِ بَابِلَ صِيغَتْ ... وَرُضَابٍ يَفُوقُ بِنْتَ الدَّوَالِي
يَفْضَحُ الوَرْدَ مَا حَوَى مِنْهُ خَدٌّ ... وَكَذَا الثَّغْرُ فَاضِحٌ لِلآَلِي
مَا تَرَى في دُخُولِهِ بَعْدَ إِذْنٍ ... أَوْ تَرَاهُ لِعَارِضٍ في انْفِصَالِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب الرياش، في حلي وادي آش
ينقسم إلى أربعة كتب: كتاب...، في مدينة آش كتاب الجمانة، في حلي حصن جليانة كتاب انعطاف الخمصانة في حلى حصن منتانة كتاب مطمع الهمة، في حلي قرية جمة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب وادي آش
وهو:
كتاب...، في مدينة آش
السلك
من الوزراء
الوزير أبو محمد عبد الله بن شعبة
كان لأبي محمد عبد الله بن شعبة الوادي آشي ابنٌ شاعر فعرض عليه شعراً نظمه فأعجبه، فقال:
شِعْرُكَ كَالبُسْتَانِ في شَكْلِهِ ... يَجْمَعُ بَيْنَ الآسِ وَالوَرْدِ
فَاصْنَعْ بِهِ إِنْ كُنْتَ لِي طَائِعَاً ... مَا يَصْنَعُ الفَاِرسُ بِالبَنْدِ
ومن شعره قوله:

أَبَى لِيَ ذَاكَ اللَّحْظُ أَنْ أَعْرِفَ الصَّبْرَافَأَبْدَيْتُ أَشْجَانِي وَلَمْ أَكْتُمِ السِّرَّا
وَبِتُّ كَمَا شَاءَ الغَرَامُ مُسَهَّداًوَلِي مُقْلَةٌ عَبْرَى، وَلِي مُهْجَةٌ حَرَّى
وَلامُوا عَلَى أَنْ أَرْقُبَ النَّجْمَ حَائِراًوَمَا ذَاكَ إلاَّ أَنْ فَقَدْتُ بِكَ البَدْرَا
ومن نثره:
كَتَبْتُ أيُّهَا السَيِّدُ الأعْلَى، وَالقَدَحُ المُعَلَّى، عَنْ شَوْقٍ يَنْثُرُ الدُّمُوعْ، وَوَجْدٍ يَقُضُّ الضُّلُوعْ، وَوِدٍّ كَالمَاءِ الزُّلالِ لا يَزَالُ صَافِياً، وَشُكْرٍ مِنَ الأيَّامِ وَاللَّيِالِي لا يَبْرَحُ ضَافِيَا:
وَكَيْفَ أَنْسَى أَيَادٍ عِنْدَكُمُ سَلَفَتْوَالدَّهْرُ في نَوْمِهِ وَالسَّعْدُ يَقْظَانُ

الوزير أبو محمد عبد البر بن فرسان
كان جليل القدر، شهير الذكر، خدم أبا الحسن علي بن غانية الميورقي الذي شهرت فتنته بإفريقية، وحضر معه ومع أخيه يحيى بعده الوقائع الصعبة، وضجر، فكتب إلى يحيى :
امْنُنْ بِتَسْرِيحٍ عَلَيَّ فَعَلَّهُ ... سَبَبُ الزِّيَارَةِ لِلْحَطِيمِ وَيَثْرِبِ
وَلَئِنْ تَقَوَّلَ كَاشِحٌ أنَّ الهَوَى ... دَرَسَتْ مَعَالِمُهُ وَأَنْكَرَ مَذْهَبِي
فَمَقَالَتِي مَا إنْ مَلَلْتُ وَإنَّمَا ... عُمْرِي أَبَى حَمْلَ النِّجَادِ بِمَنْكِبِي
وَعَجِزْتُ عَنْ أَنْ أَسْتَثِيرَ كَمِينَهَاوَأَشُقَّ بِالصَّمْصَامِ صَدْرَ المَوْكِبِ
ومن نثره:
وَلَمَّا تَلاقَيْنَا مَعَ القَوْمِ الذِينَ دَعَاهُمُ شَيْطَانُ الفِتْنَةِ إلَى أَنْ يَسْجِدُوا لِلْشِفَارِ وَيَحْمِلُهُمْ سَيْلُ المِحْنَةِ إلَى دَارِ البَوَارْ، أَقْبَلْنَا إقْبَالَ الرِّيحِ العَقِيمِ، مَا تَذَرْ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَمِيمِ، فَانْجَلَتْ الحَرْبُ عَنْ تَمْزِيقِ الأعْدَاءِ كَلَّ مُمَزَّقٍ، وَأبْصَرْنَاهُمُ كَصَرْعَى السَّكَارَى مِنْ مُدَامِ السَّيْفِ، وَخَفَقَتْ بُنُودُنَا وَسَعْيُهُمْ أَخْفَقَ.
ومن العلماء
أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن الحداد القيسي
من السمط: المستولي على الآماد، المجلي في حلبات الأفذاذ والأفراد، ووصفه الحجاري وابن بسام بالتفنن في العلوم ولا سيما القديمة، وديوان شعره كبير جليل، وكان أكثر عمره عند المعتصم بن صمادح ملك المرية، ثم فر عنه إلى ابن هود صاحب سرقسطة ثم عاد.
ومن قصائده الجليلة قصيدته التي منها قوله:
دَعْنِي أَسِرْ بَيْنِ الأَسِنَّةِ وَالظُّبَا ... فَالقَلْبُ في تِلْكَ القِبَابِ رَهِينُ
فَلَعَلَّهُ يَرْوِي صَدَايَ بِلَحْظِهِ ... وَجْهٌ بِهِ مَاءُ الجَّمَالِ مَعِينُ
أَنْتَ الهَوَى لَكِنَّ سَلْوَانَ الهَوَى ... قَصْرُ ابْنِ مَعْنٍ وَالحَدِيثُ شُجُونُ
فَالحُسْنُ أَجْمَعُ مَا يُرِيكَ عِيَانُهُ ... لا مَا أرَتْهُ سَوَالِفٌ وَعُيونُ
وَالرَّوْضُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ سُهُولُهُ ... لا مَا أَرَتْهُ أبَاطِحٌ وَحُزُونُ
قَصْرٌ تَبَيَّنَتِ القُصُورُ قُصُورَهَا ... عَنْهُ وَفَضْلُ الأفْضَلِينَ يَبِينُ
هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيَا تَبَوَّأَ ظِلَّهَا ... مَلِكٌ تَمَلَّكَهُ التُّقَى وَالدِينُ
فَمَنِ ابْنُ ذِي يَزْنٍ وَمَا غُمْدَانُهُ ... النَّقْلُ شَكُّ وَالعَيَانُ يَقِينُ
وفي ابن صمادح قصيدته التي أولها:
لَعَلَّكَ بِالوَادِي المُقَدَّسِّ شَاطِئٌ ... فَكَالعَنْبَرِ الهِنْدِيِّ مَا أنَا وَاطِئُ
وَلِي في السُّرَى مِنْ نَارِهِمْ وَمَنَارِهِمْ ... حَوَادٍ هَوَادٍ وَالنُّجُومُ طَوَافِئُ
وأعلى شعره قوله:
سَامِحْ أَخَالُ إذَا أَتَاكَ بِزَلَّةٍ ... فَخَلُوصُ شَيءٍ قَلَّمَا يَتَمَكَّنُ
في كُلِّ شَيءٍ آفَةٌ مَوْجُودَةٌ ... إنَّ السِّرَاجَ عَلَى سَنَاهُ يُدَخِّنُ
وكان يهوى رومية يكنى عنها بنويرة، وله فيها شعر كثير منه:

وَارَتْ جُفُونِي مِنْ نُوَيْرَةٍ كَاسِمَهَا ... نَاراً تُضِلُّ وَكُلُّ نَارٍ تُرْشِدُ
وَالمَاءُ أَنْتِ وَمَا يَصُحُّ لِقَابِضٍ ... وَالنَّارُ أَنْتِ وَفي الحَشَا تَتَوَقَّدُ

ومن الشعراء
ناهض بن إدريس
أخبرني والدي: أنه اجتمع به، وكان من مداح ناصر بن عبد المؤمن، قال: وأنشدني لنفسه من قصيدة في ابن جامع وزير مراكش:
أَدْنُو إلَيْكَ وَأَنْتَ مِنِّي تَبْعُدُ ... وَتَنَامُ وَالجَفْنُ القَرِيحُ مُسَهَّدُ
وَتُطِيلُ عُمُرَ الوَجْدِ لا مِنْ عِلَّةٍ ... وَالدَّارُ دَانِيَةٌ، وَدَهْرُكَ مُسْعِدُ
هَلاَّ اخْتَلَسْتَ مِنَ اللَّيَالِي فُرْصَةًفَالحَمْدُ يَبْقَى، وَاللَّيَالِي تَنْفَذُ
وَتَقُولُ لِي مَهْمَا أَتَيْتُ إلَى غَدٍ ... يَا رَبِّ كَمْ يَأْتِي بِإِخْلافٍ غَدُ
ومن الشواعر
حمدة بنت زياد المؤدب
قال والدي: هي شاعرة جميع الأندلس، وكان عمي أحمد يقول: هي خنساء المغرب وذكرها الملاحي في تاريخ غرناطة. وأنشد لها قولها، وقد خرجت إلى وادي مدينة وادي آش مع جوار، فسبحت معهن وكان لها منهن هوىً:
أَبَاحَ الدَّمْعُ أسْرَارِي بَوَادِي ... لَهُ في الحُسْنِ آَثَارٌ بَوَادِي
فَمِنْ نَهْرٍ يَطُوفُ بِكُلِّ رَوْضٍ ... وَمِنْ رَوْضٍ يَطُوفُ بِكُلِّ وَادِ
وَمِنْ بَيْنِ الظِّبَاءِ مَهَاةُ إِنْسٍ ... لَهَا لُبِّي وَقَدْ سَلَبَتْ فُؤَادِي
لَهَا لَحْظٌ تُرَقِّدُهُ لأمْرٍ ... وَذَاكَ الأَمْرُ يَمْنَعُنِي رُقَادِي
إذَا سَدَلَتْ ذَؤَائِبَهَا عَلَيْهَا ... رَأَيْتَ البَدْرَ في أُفْقِ الدَآَدِ
كَأَنَّ الصُبْحَ مَاتَ لَهُ شَقِيقٌ ... فَمِنْ حُزْنٍ تَسَرْبَلَ بِالسَوَادِ
وأحسن شعرها قولها:
وَلَمَّا أَبَى الوَاشُونَ إلاَّ فُرَاقَنَا ... وَمَا لَهُمْ عِنْدِي وَعِنْدَكَ مِنْ ثَارِ
وَشَنُّوا عَلَى أَسْمَاعِنَا كُلَّ غَارَةٍ ... وَقَلَّ حُمَاتِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَنْصَارِي
غَزَوْتُهُمُ مِنْ مُقْلَتَيْكَ وَأَدْمُعِيوَمِنْ نَفْسِي بِالسَّيْفِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ
الأهداب
موشحة لابن نزار ، وتروى لابن حزمون
اشْرَبْ عَلَى نَغْمَةِ المَثَانِي ثَانِ
وَلا تَكُنْ في هَوَى الغَوَانِي وَانِ
وَقُلْ لِمَنْ لامَ في مَعَانِ عَانِ
مَاذَا مِنَ الحُسْنِ في بُرُودِ رُودِ
يَهِيجُ وَجْدِي إذَا الأَنَامُ نَامُوا
قَوْمٌ إذَا عَسْعَسَ الظَّلامُ لامُوا
وَمَا بِهِ هَامَ مُسْتَهَامُ هَامُوا
فَقُلْ لِعَيْنٍ بِلا هُجُودِ جُودِي
أَفْنَيْتُ في الرَّوْنَقِ الصَّقِيلِ قِيلِي
يَا رَبَّةَ المَنْظَرِ الجَّمِيلِ مِيلِي
فَإنَّمَا أَنْتِ وَالرَّسُولِ سولِي
رَأَيْتُ في وَجْهِكِ السَّعِيدِ عِيدِي
وَلَيْلَةٍ قَدْ لَثَمْتُ شَارِبْ شَارِبْ
سُرَّ فَتَىً في عُلَى المَرَاتِبِ رَاتِبْ
فَقُلْتُ وَالنَّجْمُ في المَغَارِبِ غَارِبْ
يَا لَيْلَةَ الوَصْلِ وَالسُّعُودِ عُودِي
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
عمل وادي آش
وهو:
كتاب الجمانة، في حلي حصن جليانة
خصه الله بالتفاح الذي يضرب به المثل في الأندلس، ومنه:
أبو محمد عبد الله بن عذرة
أخبرني والدي: أن هذا البيت له حسب شهير، ومال غزير، ونجب منه أبو محمد بالكرم والأدب، وجرى عليه أن أسره النصارى، وطالبوه بجملة عظيمة، فكتب في ذلك لناصر بني عبد المؤمن فأمر ألا يسمع منه في إعطاء هذا المال العظيم، فإن فيه تقوية للعدو، فبات في طليطلة أسيراً، وكتب من موضع أسره إلى بلده:
لَوْ كُنْتَ حَيْثُ تُجِيبُنِي ... لأَذَابَ قَلْبَكَ مَا أقُولْ
يَكْفِيكَ مِنِّي أنَّنِي ... مَا أسْتَقِلُّ مِنَ الكُبُولْ

وَتِجَاهَ لَحْظِي أَلْفُ لَحْ ... ظٍ كَيْ أَقَرَّ وَلا أَزُولْ
وَإذَا أَرَدْتُ رِسَالَةً ... لَكُمُ فَمَا أُلفِي رَسُولْ
هَذَا وَكَمْ بِتْنَا وَفِي ... أَيْمَانِنَا كَأْسُ الشَّمُولْ
وَالعُودُ يَخْفِقُ وَالدُّخَا ... نُ العَنْبَرِيُّ بِهِ يَجُولْ
حَالَ الزَّمَانُ وَلَمْ أَزَلْ ... مُذْ كُنْتُ أَعْهَدُهُ يَحُولْ
ومن شعره:
يَعُضُّ بِرِجْلِيَّ الحَدِيدُ وَلَيْسَ لِي ... حَرَاكٌ لِمَا أَبْغِي وَلا أَتَنَقَّلُ
وَقَدْ مَنَعَ السُّلْطَانُ مَالِي لِفِدْيَةٍفَمَاذَا الذي يُغْنِي الغِنَى وَالتَحَوُّلُ

أبو عمرو محمد بن علي بن البراق
أخبرني والدي: أن بني البراق أعيان جليانة، فإن أبا عمرو هذا من سراتهم، خصه الله بالأدب.
وأنشد له الملاحي في تاريخه قوله:
يَا سَرْحَةَ الحَيِّ يَا مَطُولُ ... شَرْحُ الذي بَيْنَنَا يَطُولُ
وَلِي دُيُونٌ عَلَيْكَ حَلَّتْ ... لَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُ الحُلُولُ
وأنشدني والدي قوله، وقد قعد مع أحد الأعيان على نهرٍ لراحة:
انْظُرْ إلَى الوَادِي الذي مُذْ غَرَّدَتْ ... أَطْيَارُهُ شَقَّ النَّسِيمُ ثِيَابَهُ
أَتُرَاهُ أَطْرَبَهُ الهَدِيلُ وَزَادَهُطَرَبَاً وَحَقِّكَ أَنْ حَلَلْتَ جَنَابَهُ
أبو الحسن على بن مهلهل الجلياني
أخبرني والدي: أنه وجد له قصيدة يمدح بها أبا بكر بن سعيد صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثمين.
ومنها:
لَوْلا النُّهُودُ لَمَا بَرَاكَ تَنَهُّدُ ... وَعَلَى الخَدُودِ القَلْبُ مِنْكَ يُخَدَّدُ
يَا نَافِذَاً قَلْبِي بِسَهْمِ جُفُونِهِ ... مَالِي عَلَى سَهْمٍ رَمَيْتَ تَجَلُّدُ
ومنها في المدح:
وَإذَا بَلَغْتَ إلَى السَّمَاءِ فَزدْ عُلاً ... كَيْمَا يُغَاظَ بِكَ العَلا وَالحُسَّدُ
أَجْرُوا حَدِيثَكَ في قُلُوبٍ تَلْتَظِي ... وَرَنَوْا إِلَيْكَ بِأَعْيُنٍ لا تَرْقُدُ
كَمْ أَوْقَدُوا لَكَ مِنْ لَظَىً بِسِعَايَةٍ ... وَاللهُ يُطْفِيءُ كُلَّ نَارٍ تَوقَدُ
وَأَرَاكَ تَبْلُغُ مَا تُرِيدُ بِرَغْمِهِمْ ... وَنُفُوسُهُمْ مِنْ حَسْرَةٍ تَتَصَعَّدُ
وَكَفَاهُمُ دَمٌ يُنَاطُ بِذِكْرِهِمْ ... وَكَفَاكَ أَنَّكَ في المَحَافِلِ تُحْمَدُ
فَتَرَاهُمُ مَعَ كَدِّهِمْ في وَهْدَةٍ ... وَتَرَاكَ دُونَ الكَدِّ دَهْرَكَ تَصْعَدُ
ومنها:
قَالَ العُدَاةُ وَقَدْ لَهَجْتُ بِحَمْدِهِ ... مَنْ ذَا الذي تَعْنِي فَقُلْتُ مَحَمَّدُ
الأهداب
من موشحة لابن مهلهل
النَّهْرُ سَلَّ حُسَامَاً عَلَى قُدُودِ الغُصُونِ
وَلِلْنَّسِيمِ مَجَالُ
وَالرَّوْضُ فِيهِ اخْتِيَالُ
مُدَّتْ عَلَيْهِ ظِلالُ
وَالزَّهْرُ شَقَّ كِمَامَا وَجْداً بِتِلْكَ اللُّحُونِ
أَمَا تَرَى الطَّيْرَ صَاحَا
وَالصُّبْحَ في الأُفْقِ لاحَا
وَالزَهْرَ في الرَّوْضِ فَاحَا
وَالبَرْقَ سَاقَ الغَمَامَا تَبْكِي بِدَمْعٍ هَتُونِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث:
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب وادي آش
وهو:
كتاب انعطاف الخمصانة، في حلي حصن منتانة
منه:
أبو الوفاء زياد بن خلف
من فضلاء عصرنا، رأس في بلده، وهو موصوف بالكرم والجود والأدب.
ومن شعره قوله:
دَعُونِي إِذَا مَا الخَيْلُ جَالَتْ فَإنَّ لِي ... هُنَاكَ بِسَيْفِي جِيئَةٌ وَذَهَابُ
إذَا المَرْءُ لَمْ يَسْمَحْ لَدَى الحَرْبِ سَاعَةًبِعِيشَتِهِ فَلْيُصْغِ حِينَ يُعَابُ
لِيَ اللهُ لِمْ أَوْرَدْتُ طَرْفِي مَوَارِداًيُصِيبُ لَدَيْهَا المَرْءُ حِينَ يُصَابُ

أَقلُّوا عَلَيْنَا فَالحَيَاةُ خَسِيسَةٌ ... وَعُمْرُ الفَتَى دُونَ العَلاءِ خَرَابُ
سَيَبْلُغُ ذِكْرِي الخَافِقَيْنِ بَسَالةً ... وَجُودَاً وَإِلاَّ فَالثَنَاءُ كِذَابُ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب عمل وادي آش
وهو:
كتاب مطمح الهمة، في حلي قرية جمة
في نهاية من الحسن، منها:
أبو الوليد إسماعيل بن عبد الدائم
أخبرني والدي: أنه كان شاعراً حسن النادرة، مداحاً لأبي سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة، ومن شعره قوله:
السَّعْدُ يُدْنِي كُلَّ شَيْءٍ رُمْتَهُ ... وَبِنَاؤُهُ هَيْهَاتَ أَنْ يَتَهَدَّمَا
وَالجُودُ يَجْذِبُ كُلَّ مَنْ أَبْصَرْتَهُ ... لا تُنْكِرَنْ حَوْلَ المَوَارِدِ حَوَّمَا
لَوْ تَسْتَجِيزُ صَلاتَنَا وَصِيَامَنَا ... صَلَّى إِذَنْ كُلُّ الأَنَامِ وَسَلَّمَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب حلي الصياغة، في حلي باغة
البساط
ذكر الرازي: أنها طيبة الزرع، كثيرة الثمار، غزيرة المياه، منبسجة بالعيون،ولمائها خاصية ينعقد حجراً في حافات جداوله، التي يتمادى فيها جريه، ويجود فيه الزعفران. قال ابن شهيد: هي كثيرة الأعناب، وخمرها مشهورة.
العصابة
ذكر الحجاري: أنه ثار فيها على عبد الله بن بلقين صاحب المملكة الغرناطية أيوب بن مطروح ولما أن أخذها منه يوسف بن تاشفين أدخل رأسه تحته، وحرك، فوجد قد مات كمداً.
السلك
من كتاب ذوي البيوت
أبو زكريا يحيى بن مطروح
من المسهب: من بيت إمارة، انحاز إلى مالقة، ولم يزل حيث حل في رتبة عالية، وهن ممن اجتمع به عمي، وكان يثني عليه، ومن شعره قوله:
يَا حُسْنَهُ كَاتِباً قَدْ خَطَّ عَارِضُهُ ... في خَدِّهِ حَاكِيَاً مَا خَطَّ بِالقَلَمِ
لامَ العَذُولُ عَلَيْهِ حِينَ أَبْصَرَهُفَقُلْتُ دَعْنِي فَزَيْنُ البُرْدِ بِالعَلَمِ
وَانْظُرْ إلَى عَجَبٍ مِمَّا تَلُومُ بِهِ ... بَدْرَاً لَهُ هَالَةٌ قُدَّتْ مِنَ الظَلَمِ
قُولُوا عَنِ السِّحْرِ مَا شِئْتُمْ وَلا عَجَبٌمِنْ عَنْبَرِ الشِّحْرِ أَوْ مِنْ دَنِّ مُبْتَسِمِ
ومن شعره:
تَعَالَ إلَى رَوْضٍ تَقَلَّدَ بِالنَدَى ... عُقُودَاً وَمِنْ أَزْهَارِهِ ظَلَّ كَاسِيَا
وَلَمْ أَصْطَحِبْ فيهِ بِخُلْقٍ سِوَى العُلاوَبَدْرِ تَمَامٍ يَتْرُكُ البَدَرَ دَاجِيَا
الكتاب
أبو بكر محمد بن أبي عامر
بن نصر الأوسي
كتب عن ملوك بني عبد المؤمن، وكان مختصاً بالوزير أبي جعفر بن عطية وفيه يقول:
أَبَا جَعْفَرٍ نِلْتَ الذي نَالَ جَعْفَرُ ... وَلا زِلْتَ بِالعُلْيَا تُسَرُّ وَتُجْبَرُ
وَإِنْ نِلْتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ تَرَقِيَاًفَإنَّكَ مِمَّا نِلْتَ أَعْلَى وَأَكْبَرُ
عَلَيْكَ لَنَا فَضْلٌ وَمَنٌّ وَأَنْعُمٌ ... وَنَحْنُ عَلَيْنَا كُلُّ مَدْحٍ يُحَبَّرُ
وتطير أبو جعفر من مطلع هذا الشعر ، وآل أمره إلى أن قتل.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب في حلي مدينة لوشة
العصابة
بينها وبين غرناطة مرحلة من أحسن المراحل، بين أنهارٍ، وظلال أشجار، في بساط ممتد، تبارك الله الذي أبداه بديعاً في حسنه.
قال الحجاري: فلو كان للدنيا عروس من أرضها لكان ذلك الموضع. وهي على نهر شنيل.
السلك
قاضيها الفقيه العالم
أبو عبد الله محمد بن عبد المولى

من المسهب: يكفي لوشة من الفخر أن كان منها هذا السيد الفاضل، فهو في كل مكرمة وفضيلة كامل، نشأ على درس علوم الشريعة، فورد منها في أعذب شريعة، وترقى إلى خطة القضاء ببلده، فأقام عزه بين أهله وولده، وذكر أنه اجتمع به، وبخل عليه بشيءٍ من شعره، فكتب له:
يَا مَانِعَاً شِعْرَهُ مِنْ سَمْعِ ذِي أَدَبِنَائِي المَحَلِّ فَرِيدِ الشَّخْصِ مُغْتَرِبِ
يَسِيرُ عَنْكَ بِهِ في كُلِّ مُتَّجَهٍ ... كَمَا يَسِيرُ نَسِيمُ الرِّيحِ في العَذَبِ
إِنِّي وَحَقِّكَ أَهْلٌ أَنْ أَفُوزَ بِهِوَاسْأَلْ فَدَيْتُكَ عَنْ ذَاتِي وَعَنْ نَسَبِي
قال فكان جوابه:
يَا طَالِباً شِعْرَ مَنْ لَمْ يَسْمُ في الأَدَبِمَاذَا تُرِيدُ بِنَظْمٍ غَيْرِ مُنْتَخَبِ
إنِّي وَحَقِّكَ لَمْ أَبْخَلْ بِهِ صَلَفاً ... وَمَنْ يَضُنُّ عَلَى جِيِّدٍ بِمَخْشَلَبِ
لَكِنَّنِي صُنْتُ قَدْرِي عَنْ رِوَايَتِهِ ... فَمِثْلُهُ قَلَّ عَنْ سَامٍ إلَى الرُّتَبِ
خُذْهُ إِلَيْكَ كَمَا أَكْرَهْتَ مُضْطَرِباً ... مُخَلِّداً ذَمَّ مَوْلاهُ إلَى الحِقَبِ
ثم كتب له من نظمه:
بِي إِلَيْكُمْ شَوْقٌ شَدِيدٌ وَلَكِنْ ... لَيْسَ يَبْقَى مَعَ الجَفَاءِ اشْتِيَاقُ
إِنْ يُغَيِّرُكُمُ الفِرَاقُ فَوِدِّي لَوْ جَزَيْتُمْ يَزِيدُ فِيهِ الفِرَاقُ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة الإلبيرية
وهو:
كتاب الطالع السعيد، في حلي عمل قلعة بني سعيد
ينقسم هذا الكتاب إلى: كتاب الصبيحة العيدية، في حلي القلعة السعيدية كتاب الإشراق، في حلي حصن القبذاق كتاب الصبح المبين، في حلي حصن العقبين
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب الطالع السعيد، في حلي أعمال قلعة بني سعيد
وهو:
كتاب الصبيحة العيدية، في حلي القلعة السعيدية
البساط
فيها ألف الحجاري كتاب المسهب لصاحبها عبد الملك بن سعيد، وقال في وصفها: عقاب الأندلس الآخذ بأزرار السماء، عن غرر المجد والسناء، وهي رباط جهاد، وحصن أعيانٍ وأمجاد، وفيها يقول أبو جعفر بن سعيد:
إِلَى القَلْعَةِ الغَرَّاءِ يَهْفُو بِي الجَوَىكَأَنَّ فُؤَادِي طَائِرٌ زُمَّ عَنْ وَكْرِ
هِيَ الدَّارُ لا أَرْضٌ سِوَاهَا وَإِنْ نَأَتْوَحَجَّبَهَا عَنِّي صُرُوفٌ مِنَ الدَّهْرِ
أَلَيْسَتْ بِأَعْلَى مَا رَأَيْتُ مَنَصَّةًتَحَلَّتْ بِحَلْيٍ كَالعَرُوسِ عَلَى الخِدْرِ
لَهَا البَدْرُ تَاجٌ وَالثُّرَيَّا شُنُوفُهَاوَمَا وَشْحُهَا إلاَّ مِنَ الأَنْجُمِ الزُّهْرِ
أَطَلَّتْ عَلَى الفَحْصِ النَّضِيرِ فَكُلُّ مَنْرَأَى وِجْهَةً مِنْهَا تَسَلَّى عَنِ الفِكَرِ
العصابة
من المسهب: أن أول من حل بهذه القلعة من ولد عمار بن ياسر عبد الله بن سعد بن عمار، وقد ذكره ابن حيان في المقتبس، وأخبر: أن يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس، كتب له أن يدافع عبد الرحمن المرواني الداخل، وكان حينئذٍ أميراً على اليمانية من جند دمشق، وآل أمره إلى أن ضرب عنقه عبد الرحمن، ولما كانت الفتنة وثار ملوك الطوائف كان أول من ظهر منهم بالقلعة واستبد:
خلف بن سعيد
ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر العبسي، ولما مات خلفه ابنه سعيد، ثم ابنه أبو مروان:
عبد الملك بن سعيد
وصادف الفتنة على الملثمين، فامتنع فيها إلى أن تولى لعبد المؤمن، وخطب له فيها، وسجنه عبد المؤمن في مراكش، ثم سرحه وجل قدره عنده.
وفي مدة الملثمين، وفد عليه أبو محمد عبد الله الحجاري بقصيدته التي أولها:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي الذِّكْرُ الجَّمِيلُ ... فَجِئْتُ وَمِنْ ثَنَائِكَ لِيَ دَلِيلُ

وصنف له كتاب المسهب في غرائب المغرب، وهذبه عبد الملك وزاد عليه، ثم عقبه بعده، فكان منه هذا الكتاب على ما تقدم ذكره، وكان ولى عهده والمقدم على جنده:

أبو عبد الله محمد بن عبد الملك
وكان مقدماً عند يحيى بن غانية في مدة الملثمين، ثم ولاه بنو عبد المؤمن أعمال إشبيلية وأعمال غرناطة وأعمال سلا وعلى يديه بني الجامع الأعظم بإشبيلية وقد مدحه الرصافي شاعر الأندلس في عصره بقصيدته التي منها:
إِنَّ الكِرَامَ بَنِي سَعِيدٍ كُلَّمَا ... وَرِثُوا العُلا وَالمَجْدَ أَوْحَدَ أَوْحَدَا
قَسَمُوا المَعَالِي بِالسَّوَاءِ وَفَضَّلُوا ... فِيهَا عِمَادَهُمُ الكَبِيرَ مُحَمَّدا
ولم يسمع من نظمه إلا قوله:
فَلا تُظْهِرَنْ مَا كَانَ فِي الصَّدْرِ كَامِنَاًوَلا تَرْكَبَنْ بِالغَيْظِ فِي مَرْكِبٍ وَعْرِ
وَلا تَبْحَثَنْ فِي عُذْرِ مَنْ جَاءَ تَائِبَاًفَلَيْسَ كَرِيمَاً مَنْ يُبَاحِثُ في العُذْرِ
وكان مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة، وتوفي في غرناطة سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
وإلى الآن القلعة بيد بني سعيد، منهم فيها عبد الملك بن سعيد.
السلك
سائر بني سعيد
أبو بكر محمد بن سعيد
صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثمين.
من المسهب: حسب القلعة كون هذا الفاضل منها، فقد رقم برد مجده بالأدب، ونال منه بالاجتهاد والسجية القابلة أعلى سبب، وله من النظم ما تقف عليه، فتعلم أن زمام الإحسان ملقى في يديه. أنشدني لنفسه قوله:
يَا هَذِهِ لا تَرُومِي ... خِدَاعَ مَنْ ضَاقَ ذَرْعُهْ
تَبْكِي وَقَدْ قَتَلَتْنِي ... كَالسَّيْفِ يَقْطُرُ دَمْعُهْ
وقوله:
فَخْرُنَا بِالحَدِيثِ بَعْدَ القَدِيمِ ... مِنْ مَعَالٍ تَوَاتَرَتْ كَالنُّجُومِ
نَحْنُ في الحَرْبِ أجْبُلٌ رَاسِيَاتٌ ... وَلَنَا في النَّدَيِّ لُطْفُ النَّسِيمِ
وقوله:
لَقَدْ صَدَعَتْ قَلْبِي حَمَامَةُ بَانَةٍ ... أَثَارَتْ غَرَامَاً مَا أَجَلَّ وَأَكْرَمَا
وَرَقَّ نَسِيمُ الرِّيحِ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْوَلُطِّفَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
أبو جعفرأحمد بن عبد الملك بن سعيد
هو عم والدي، وأحد مصنفي هذا الكتاب، وكان والدي كثير الإعجاب بشعره، مقدماً له على سائر أقاربه، واستوزره عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة، فقال شعراً منه :
فَقُلْ لِحَرِيصٍ أَنْ يَرَانِي مُقَيَّداًبِخِدْمَتِهِ: لا يُجْعَلُ البَازُ في القَفَصِ
وانضاف إلى ذلك اشتراكهما في هوى حفصة الشاعرة، وكان عثمان أسود اللون، فبلغه أن أبا جعفر قال لها: ما تحبين في ذلك الأسود وأنا أقدر أشتري لك من السوق بعشرين ديناراً خيراً منه؟ ثم إن أخاه عبد الرحمن فر إلى ملك شرق الأندلس ابن مرذنيش، فوجد عثمان سبباً إلى الإيقاع بأبي جعفر، فضرب عنقه.
وأول حضور أبي جعفر عند عبد المؤمن أنشده:
عَلَيْكَ أَحَالَنِي دَاعِي النَّجَاحِ ... وَنَحْوَكَ حَثَّنِي هَادِي الفَلاحِ
وَكُنْتُ كَسَاهِرٍ لَيْلاً طَوِيلاً ... تَرَنَّحَ حِينَ بُشِّرَ بِالصَّبَاحِ
وَذِي جَهْدٍ تَغَلْغَلَ فِي قِفَارٍ ... شَكَا ظَمَأً فَدُلَّ عَلَى القَرَاحِ
دَعَانَا نَحْوَ وَجْهِكَ طِيبُ ذِكْرٍ ... وَيَدْعُو لِلْرِّيَاضِ شَذَا الرِّيَاحِ
وأنشده وهو بقصره في رباط الفتح أمام سلا على البحر المحيط، قصيدة منها:
تَكَلَّمْ فَقَدْ أَصْغَى إلَى قَوْلِكَ الدَّهْرُوَمَا لِسِوَاكَ الآنَ نَهْيٌ وَلا أَمْرُ
ومنها:
أَلا إِنَّ قَصْراً قَدْ بَدَا لِي بِأُفْقِهِمُحَيَّاكَ أَهْلٌ أَنْ يَخِرَّ لَهُ البَدْرُ
أَطَلَّ عَلَى البَحْرِ المُحِيطِ مُرَفَّعاًفَخَتَّمَهُ الشِّعْرِيُّ وَتَوَّجَهُ النَّسْرُ
وَوَافَتْ جُيُوشُ البَحْرِ تَلْثُمُ عَطْفَهُ ... مُرَادِفَةً لِمَا تَنَاهَى بِهِ الكِبْرُ
وَمَا صَوْتُهَا إِلاَّ سَلامٌ مُرَدَّدٌ ... وَفِي كُلِّ قَلْبٍ مِنْ تَصَعُّدِهَا ذُعْرُ

أَلا قُلْ لَهُ يَعْلُو الثُرَيَّا فَإِنَّهُ ... أَطَلَّ عَلَى بَحْرٍ وَحَلَّ بِهِ بَحْرُ
مُحِيطَانِ بِالدُّنْيَا فَلَيْسَ لِفَخْرِهِإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلْقَ اللِّسَانِ بِهِ عُذْرُ
ومن شعره قوله:
أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ يَحْسُدُهُ الدَّهْرُأَمَا حِبْرَهُ لَيْلٌ، أَمَا طِرْسَهُ فَجْرُ
وقوله:
يَقُومُ عَلَى الآَدَابِ حَقَّ قِيَامِهَا ... وَيَكْبُرُ عَمَّا يُظْهِرُونَ مِنَ الكِبْرِ
كَصَوْبِ الحَيَا إِنْ ظَلَّ يُسْمَعُ وَهُوَ إِنْغَدَا سَامِعَاً مِثْلَ المُصِيخِ إلَى الشُّكْرِ
وقوله:
وَلَمَّا رَأَيْتُ السَّعْدَ لاحَ بِوَجْهِهِ مُنِيرَاً دَعَانِي مَا رَأَيْتُ إِلَى الذِّكْرِ
فَأَقْبَلَ يُبْدِي لِيَ غَرَائِبَ نُطْقِهِوَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَهَا مَنْزِعَ السِّحْرِ
فَأَصْغَيْتُ إِصْغَاءَ الجَدِيبِ إلَى الحَيَاوَكَانَ ثَنَائِي كَالرِّيَاضِ عَلَى القَطْرِ
وكتبت له حفصة الشاعرة:
أَزُورُكَ أَمْ تَزُورُ فَإِنَّ قَلْبِي ... إِلَى مَا مِلْتُمْ أَبَدَاً يَمِيلُ
وَقَدْ أُمِّنْتَ أَنْ تَظْمَى وَتَضْحَى ... إِذَا وَافَى إِلَيَّ بِكَ القُبُولُ
فَثَغْرِي مَوْرِدٌ عَذْبٌ زُلالٌ ... وَفَرْعُ ذَوَائِبِي ظِلٌّ ظَلِيلُ
فَعَجِّلْ بِالجَوَابِ فَمَا جَمِيلٌ ... أَنَاتُكَ عَنْ بُثَيْنَةَ يَا جَمِيلُ
وقال في جوابها:
أُجِلُّكُمْ مَا دَامَ بِي نَهْضَةٌ ... عَنْ أَنْ تَزُورُوا إِنْ وَجَدْتُ السَّبِيلْ
مَا الرَّوْضُ زَوَّارَاً وَلَكِنَّمَا ... يَزُورُهُ هَبُّ النَّسِيمِ العَلِيلْ
وقال:
زَارَهَا مَنْ غَدَا سَقِيمَ هَوَاهَا ... وَبَرَاهُ شَوْقاً إِلَيْهَا النُّحُولُ
وَكَذَا الرَّوْضُ لا يَزُورُ وَيَأْتِي ... أَبَدَاً نَحْوَهُ النَّسِيمُ العَلِيلُ
وكتبت له حفصة:
سَارَ شِعْرِي لَكَ عَنِّي زَائِراً ... فَأَعِرْ سَمْعَ المَعَالِي شِنْفَهُ
وَكَذَاكَ الرَّوْضُ إِذْ لَمْ يَسْتَطِعْ ... زَوْرَةً أَرْسَلَ عَنْهُ عَرْفَهُ
فكتب إليها:
قَدْ أَتَانَا مِنْكِ شِعْرٌ مِثْلَمَا ... أَطْلَعَ الأُفْقُ لَنَا أَنْجُمَهُ
وَفَمٌ فَاهَ بِهِ قَدْ أَقْسَمَتْ ... شَفَتِي بِاللهِ أَنْ تَلْثُمَهُ
وقال في يوم اجتمع فيه مع الرصافي والكتندي على راحة، ومسمع بجنك:
للهِ يَوْمُ مَسَرَةٍ ... أَضْوَى وَأَقْصَرُ مِنْ ذُبَالَهْ
لَمَّا نَصَبْنَا لِلْمُنَى ... فِيهِ بِأَوْتَارٍ حُبَالَهْ
طَارَ النَّهَارُ بِهِ كَمُرْ ... تَاعٍ وَأَجْفَلَتِ الغَزَالَهْ
وقوله:
بَدَا ذَنَبُ السَّرْحَانِ يُنْبِيءُ أنَّهُ ... تَقَدَّمَ سَبَقَاً وَالغَزَالَةُ خَلْفَهُ
وَلَمْ تَرَ عَيْنِي قَبْلَهَا مِنْ مُتَابِعٍلِمَنْ لا يِزَالُ الدَّهْرُ يَطْلُبُ حَتْفَهُ
وقوله:
في الرَّوْضِ مِنْكِ مَشَابِهٌ مِنْ أَجْلِهَايَهْفُو لَهَا طَرْفِي وَقَلْبِي المُغْرَمُ
الغُصْنُ قَدٌّ وَالأَزَاهِرُ حُلْيَةٌ ... وَالوَرْدُ خَدٌّ، وَالأَقَاحِي مَبْسِمُ
وقوله في والده وقد شد عليه درعاً، وخرج بجنده غازياً:
أَيَا قَائِدَ الأَبْطَالِ في كُلِّ وُجْهَةٍتَطِيرُ قُلُوبُ الأُسْدِ فِيهَا مِنَ الذُّعْرِ
لَقَدْ قُلْتُ لَمَّا أَنْ رَأَيْتُكَ دَارِعاًأَيَا حُسْنَ مَا لاحَ الحَبَابُ عَلَى النَّحْرِ
وَأَنْشَدْتُ وَالأَبْطَالُ حَوْلَكَ هَالَةٌأَيَا حُسْنَ مَا دَارَ النُّجُومُ عَلَى البَدْرِ
فَسِرْ مِثْلَمَا سَارَ الصَّبَاحُ إلَى الدُّجَىوَأُبْ مِثْلَمَا آَبَ النَّسِيمُ عَنِ الزَّهْرِ
وقال وقد جاز على قصر من قصور الخلافة:
قَصْرَ الخِلافَةِ لا أُخْلِيتَ مِنْ كَرَمٍوَإِنْ خَلَوْتَ مِنَ الأَعْدَادِ وَالعُدَدِ
جُزْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَنْقُصْ مَهَابَتُهُوَالغَيْلُ يَخْلُو وَتَبْقَى هَيْبَةُ الأَسَدِ
وقوله:

يَا حُسْنَ يَوْمِ المَهْرَجَانِ وَطِيبَهِ ... يَوْمٌ كَمَا تَهْوَى أَغَرُّ مُحَجَّلُ
سَرِّحْ لِحَاظَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ ... في كُلِّ مَوْقِعٍ لِخِطَّةٍ مُتَأَمَّلُ
وقوله:
لا تُعَيِّنْ لَنَا مَكَانَاً وَلَكِنْ ... حَيْثُمَا مَالَتِ اللَّوَاحِظُ مِلْنَا

حاتم بن سعيد بن حاتم بن سعيد
من أبطال بني سعيد وفضلائهم، صحب أبا عبد الله بن مرذنيش ملك شرق الأندلس، وكان فيه لطافة وتدبير، ومن شعره قوله:
يَا دَانِياً مِنِّي وَمَا هُوَ زَائِرٌ ... لا أَنْتَ مَعْذُورٌ وَلا أَنَا عَاذِرُ
مَاذَا يَضُرُّكَ إِذْ ظَلَلْتَ بِظُلْمَةٍ ... أَلا يُطَالِعَ مِنْكَ نُورٌ زَاهِرُ
أبو عبد الله محمد بن الحسين
بن سعيد بن الحسن بن سعيد
اجتماعنا معه في سعيد بن خلف، وهو الآن بإفريقية وزير الفضل سلطانها، مع ما أضاف إليه من قود الكتائب، وغير ذلك من المراتب، وهو في نهاية من الكرم والسماحة والفروسية والخط والنظم والنثر، ومن نثره:
تُدَرُّ عَلَيْهِ أَخْلافُ السَّحَائِبِ، وَتَرُقُّ أَنْفَاسُ الصِّبَا وَالجَنَائِبُ. قَدْ غَنَوْا عَنْ ظِلالِ الأَفْنِيَةِ بِظِلالِ الخَوَافِقِ، وَعَنِ النُّطَفِ العِذَابِ بِمَوَارِدَ هِيَ الرَّيْحَانُ تَحْتَ الشَّقَائِقِ. وَالشَّقِيُّ يَتَوَقَّفُ لَهُمْ وَيَتَطَارَدُ تَطَارُدَ الخَاتِلْ، وَيَحَارُ بَيْنَ الوِرْدِ وَالصَّدَرِ وَلَمْ يَحْزِرْ أَنَّ الحُسَامَ بِيَدِ القَاتِلْ.
ومن نظمه قوله، وقد نزل بشخص قدم له في الضيافة شراباً أسود خاثراً وخروباً، وقدمت عجوزٌ زبيباً أسود صغيراً فيه غضون:
وَيَوْمَ نَزَلْنَا بِعَبْدِ العَزِيزِ ... فَلا قَدَّسَ اللهُ عَبْدَ العَزِيزِ
سَقَانَا شَرَابَاً كَلَوْنِ الهِنَاءِ ... وَأَنْقَلَنَا بِقُرُونِ العَنُوزِ
وَجَاءَتْ عَجُوزٌ فَأَهْدَتْ لَنَا ... زَبِيبَاً كَخِيلانِ خَدِّ العَجُوزِ
وقوله في دولاب:
وَمَحْنِيَّةَ الأَصْلابِ تَحْنُو عَلَى الثَّرَىوَتَسْقِي بَنَاتِ التُّرْبِ دَمْعَ التَرَائِبِ
تَظُنُّ مِنَ الأَفْلاكِ أَنَّ مِيَاهَهَا ... نُجُومٌ لِرَجْمِ المَحْلِ ذَاتِ ذَوَانِبِ
وَأَطْرَبَهَا رَقْصُ الغُصُونِ ذَوَابِلاًفَدَارَتْ بِأَمْثَالِ السُّيُوفِ القَوَاضِبِ
وَمَا خِلْتُهَا تَشْكُو بِتَحْنَانِهَا الصَّدَىوَمَا بَيْنَ مَتْنَيْها اطِّرَادُ المُذَانِبِ
فَخُذْ مِنْ مَجَارِيهَا وَدُهْمَةَ لَوْنِهَابَيَاضَ العَطَايَا في سَوَادِ المَطَالِبِ
موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد
لولا أنه والدي لأطنبت في ذكره، ووفيته حق قدره. وله في هذا الكتاب الحظ الأوفر، وكان أشغفهم بالتاريخ، وأعلمهم به، وجال كثيراً إلى أن انتهى به العمر بالإسكندرية، وقد عاش سبعاً وستين سنة لم أره يوماً يخلي مطالعة كتاب أو كتب ما يحلو حتى أيام العيد، وفي ذلك يقول:
يَا مُفْنِياً عُمُرَهُ في الكَأْسِ وَالوَتَرِوَرَاعِياً في الدُّجَى للأَنْجُمِ الزُّهُرِ
يَبْكِي حَبِيبَاً جَفَاهُ أَوْ يُنَادِمُ مَنْيَهْفُو لَدَيْهِ كَغُصْنٍ بَاسِمِ الزَّهَرِ
مُنَعَّمَاً بَيْنَ لَذَّاتٍ يُمَحِّقُهَا ... وَلا يُخَلِّدُ مِنْ فَخْرٍ وَلا سِيَرِ
وَعاَذِلاً لِيَ فِيمَا ظِلْتُ أَلْزَمُهُ يُبْدِي التَعَجُّبَ مِنْ صَبْرِي وَمِنْ فِكَرِي
يَقُولُ مَالَكَ قَدْ أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ فيحِبْرٍ وَطِرْسٍ عَنِ الأَعْصَارِ وَالخَبَرِ
وَظِلْتَ تَسْهَرُ طُولَ اللَّيْلِ في تَعَبٍ ... وَلا تَرَى أَبَدَ الأَيَّامِ في ضَجَرِ
أَقْصِرْ فَإِنِّي أَدْرَى بِالذِي طَمَحَتْ ... لأُفْقِهِ هِمَّتِي وَاسْأَلْ عَنِ الأثَرِ
وَاسْمَعْ لِقَوْلِ الذِي تُتْلَى مَحَاسِنُهُمِنْ بَعْدِ مَا صَارَ مِثْلَ التُرْبِ كَالسُّوَرِ
جَمَالُ ذِي الأَرْضِ كَانُوا في الحَيَاةِ وَهُمْبَعْدَ المَمَاتِ جَمَالُ الكُتْبِ وَالسِّيَرِ
ومن حسناته قوله، وقد نظر إلى غلام حسن الصورة وهو يعظ:

وَشَادِنٍ ظَلَّ لِلْوَعْ ... ظِ تَالِيَاً بَيْنَ جَمْعِ
مَتَّعْتُ طَرْفِي بِمَرْآَ ... هُ في حَفَاوَةِ سَمْعِي
وتوفي يوم الإثنين الثامن من شوال عام أربعين وستمائة وكان مولده في الخامس من رجب سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

أخوه
مالك بن محمد بن عبد الملك بن سعيد
جال في بلاد الأندلس وبر العدوة، وآل به الأمر إلى أن كتب ليحيى الميورقي صاحب الفتنة الطويلة بإفريقية، وهنالك مات وترك عقبا بودان .
وأحسن شعره قوله في محبوب له مرض واصفر لونه:
غَدَا وَرْدُ مَنْ أَهْوَاهُ بِالسُّقْمِ نَرْجِسَاًفَفَجَّرَ عَيْنِي عِنْدَ ذَاكَ عِيَانُهُ
فَقُلْتُ لِخَدَّيْهِ عَزَاءً فَقَالَ لِي ... كَذَا كُلُّ وَرْدٍ لا يَدُومُ أَوَانُهُ
وقوله:
الخَيْلُ وَاللَّيْلُ تَدْرِي ... صُنْعِي إذَا افْتَرَّ فَجْرُ
مَا مَرَّ لِي قَطُّ يَوْمٌ ... إلاَّ وَلِي فِيهِ كَرُّ
لا تُخْدَعَنْ بِالأَمَانِي ... فَمَا سِوَاهَا يَغُرُّ
لا تُفَكِّرَنْ في أَوَانٍ ... مَا دُمْتَ فِيهِ تُسَرُّ
أخوهما
عبد الرحمن بن محمد
كان صعب الخلق، كثير الأنفة، لا صبر لأحدٍ على صحبته، فجرى بينه وبين أقاربه ما أوجب خروجه عن المغرب الأقصى إلى أقصى المشرق، ووصلت رسالته من بخارى فيها هذه الأبيات:
إذَا هَبَّتْ رِيَاحُ الغَرْبِ طَارَتْ ... إِلَيْهَا مُهْجَتِي نَحْوَ التَّلاقِ
وَأَحْسَبُ مَنْ تَرَكْتُ بِهِ يُلاقِي ... إِذَا هَبَّتْ صَبَاهَا مَا أُلاقِي
فَيَا لَيْتَ التَفَرُّقَ كَانَ عَدْلاً ... فَحُمِّلَ مَا نُطِيقُ مِنَ اشْتِيَاقِ
وَلَيْتَ العُمْرَ لَمْ يَبْرَحْ وِصَالاً ... وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْنَا بِالفِرَاقِ
وقتله التتر في بخارى، رحمه الله.
علي بن موسى بن محمد
بن عبد الملك بن سعيد
هو مكمل تصنيف هذا الكتاب، ولد بغرناطة في شوال سنة عشر وستمائة، ورحل منها فجال مع أبيه في بر الأندلس وبر العدوة والغرب الأوسط وإفريقية إلى الإسكندرية، وترك والده بالإسكندرية، ورحل إلى القاهرة، ثم عاد إليها، فحضر وفاته، ثم رجع إلى القاهرة، ثم رحل إلى حلب في صحبة الصاحب الكبير المحسن كمال الدين بن أبي جرادة، ثم عزم على الحج في هذه السنة، وهي سنة سبع وأربعين وستمائة، يسر الله ذلك بمنه. ومن نظمه قوله:
كَأَنَّما النَّهْرُ صَفْحَةٌ كُتِبَتْ ... أَسْطُرُهَا وَالنَّسِيمُ مُنْشِئُهَا
لَمَّا أَبَانَتْ عَنْ حُسْنِ مَنْظَرِهِ ... مَالَتْ عَلَيْهَا الغُصُونُ تَفْرَؤُهَا
وقوله من قصيدة:
بَحْرٌ وَلَيْسَ نَوَالُهُ بِمَشَقَّةٍ ... المَالُ فِي يَدِهِ شَبِيهُ غُثَاءِ
وقوله:
بُرْءٌ كَمَا آَبَ الغَمَامُ الصَيِّبُ ... فَتَرَاجَعَ الرَّوْضُ الهَشِيمُ المُذْنِبُ
عَطَفَتْ بِهِ النُّعْمَى عَلَى أُلاَّفِهَاوَاسْتَرْجَعَ الزَّمَنُ المُسِيءُ المُذْنِبُ
مَا كُنْتَ إِلاَّ السَّيْفَ يَصْدَأُ مَتْنُهُ ... وَغِرَارُهُ مَاضٍ إِذَا مَا يَضْرِبُ
وقوله وقد دوعب بسرقة سكين:
أَيَا سَارِقاً مِلْكَاً مَصُونَاً وَلَمْ يَجِبْ ... عَلَى يَدِهِ قَطْعٌ وَفِيهِ نِصَابُ
سَتَنْدُبُهُ الأَقْلامُ عِنْدَ عِثَارِهَا ... وَيَبْكِيهِ أَنْ يَعْدُو الصَّوَابَ كِتَابُ
وقوله في فرس أصفر أغر أكحل الحلية:
وَأَجْرَدَ تِبْرِيٍّ أَثَرْتُ بِهِ الثَّرَى ... وَلِلْفَجْرِ فِي خَصْرِ الظَّلامِ وِشَاحُ
لَهُ لَوْنُ ذِي عِشْقٍ وَحُسْنُ مُعَشَّقٍ ... لِذَلِكَ فِيهِ دَلَّةٌ وَمِرَاحُ
عَجِبْتُ لَهُ وَهُوَ الأَصِيلُ، بِعَرْفِهِ ... ظَلامٌ وَبَيْنَ النَاظِرَيْنَ صَبَاحُ
وقوله:
خَجِلَتْ وَالسَتْرُ يَحْجِبُهَا ... كَيْفَ تُخْفِي الخَمْرَةَ القَدَحُ
وقوله:
رَقَّ الأَصِيلُ فَوَاصِلِ الأَقْدَاحَا ... وَاشْرَبْ إلَى وَقْتِ الصَّبَاحِ صَبَاحَا

وَانْظُرْ لِشَمْسِ الأُفْقِ طَائِرَةً وَقَدْ ... أَلْقَتْ عَلَى صَفْحِ الخَلِيجِ جَنَاحَا
وقوله:
يَا سَيِّداً قَدْ زَادَ قَدْرَاً إذَا غَدَا ... بِرَاً لِمَنْ هُوَ دُونَهُ يَتَوَدَّدُ
وَالغُصْنُ مِنْ فَوْقِ الثَّرَى لَكِنَّهُ ... كَرَماً يَمِيلُ إلَى ذَرَاهُ وَيَسْجُدُ
وقوله:
بِعَيْشِكَ سَاعِدْنِي عَلَى حَثِّ كَاسِهَاإذَا مَا بَدَا لِلْصُبْحِ بَتْرُ المَوَاعِدِ
وَشَقَّ عَمُودُ الفَجْرِ ثَوْبَ ظَلامِهِ ... كَمَا شَقَّ ثَوْباً أَزْرَقاً صَدْرُ نَاهِدِ
وقوله من قصيدة ناصرية:
خَطَرْتُ إِلَيْهِ السَّمْهَرِيَّ مُسَدِّدَاًفَعَانَقْتُهُ شَوْقاً إلَى ذَلِكَ القَدِّ
خَفِيٌّ وَسِتْرُ اللَّيْلِ فَوْقِي مُسْبَلٌكَأَنِّي حَيَاءً فَوْقَ وَجْنَةِ مَسْوَدِّ
وَلَيْلِي بَخِيلٌ بِالنُّجُومِ وَصُبْحِهِ ... وَنَجْمِي فِي رِمْحِي وَصُبْحِي فِي غِمْدِي
وَتَحْتِي مِثْلُ اللَّيْلِ أَهْدِي مِنَ القَطَابَدَا طَالِعَاً مِنْ وَجْهِهِ كَوْكَبٌ يَهْدِي
إلَى أَنْ وَصَلْتُ الحَيَّ وَالقَلْبُ مَيِّتٌحَذَارَ الأَعَادِي وَالمُثَقَّفَةِ المُلْدِ
فَعَانَقْتُ غُصْنَ البَانِ فِي دَوْحَةِ القَنَاوَقَبَّلْتُ بَدْرَ التِّمِّ فِي هَالَةِ الجُرْدِ
كَذَا هِمَّتِي فِيمَنْ أَهِيمُ بِحُبِّهِوَمَنْ أَبْتَغِي مِنْ وَجْهِهِ طَالِعَ السَّعْدِ
خَزَائِنُ أَرْضِ اللهِ في يَدِ يُوسُفٍ ... فَهَلْ لِسِوَاهُ فِي المُلُوكِ يُرَى قَصْدِي
مَلِيكٌ تَرَى فِي وَجْهِهِ آَيَةَ الرِّضَاوَتَقْرَأُ مِنْ أَمْدَاحِهِ سُورَةَ الحَمْدِ
وفي طالع قصيدة:
نَظِيرُ قَوَامِكَ الغُصْنُ النَّضِيرُ ... وَحُبِّي فِيكَ لَيْسَ لَهُ نَظِيرُ
وقوله من قصيدة:
جُدْ لِي بِمَا أَلْقَى الخَيَالَ مِنَ الكَرَىلا بُدَّ لِلْضَّيْفِ المُلِمِّ مِنَ القِرَى
وَاخَجْلَتِي مِنْهُ وَمِنْكَ مَتَى أنَمْ ... عَيَّرْتَنِي وَمَتَى سَهِرْتُ تَنَكَّرَا
ومنها:
قُمْ سَقِّنِيهَا وَالسَّمَاءُ كَأنَّهَا ... لَبِسَتْ رِدَاءً بِالبُرُوقِ مُشَهَّرَا
وَكَأَنَّمَا زُهْرُ النُّجُومِ بِأُفْقِنَا ... خِيَمٌ طَوَاهَا بَنْدُ صُبْحٍ نُشِّرَا
ومنها:
مِنْ كُلِّ مَنْ جَعَلَ السُّرُوجَ أَرَائِكاًوَالسُّمْرَ قُضْبَاً وَالقَوَاضِبَ أَنْهُرَا
مِنْ مَعْشِرٍ خَبِرُوا الزَّمَانَ رِيَاسَةًوَسِيَاسَةً حَلُّوا الذُّرَى حُمْرَ الذَّرَا
سُمُّ العُدَاةِ عَلَى حَيَاءٍ فِيهُمُ ... لاتَعْجَبَنَّ كَذَاكَ آَسَادُ الشَّرَى
كَادُوا يُقِيلُونَ العُدَاةَ مِنَ الرَّدَىلَوْ لَمْ يَمُدُّوا كَالحِجَابِ العِثْيَرَا
حَتَّى ظِبَاهُمْ فِي الحَيَاءِ مِثَالُهُمْأَبْدَتْ وَقَدْ أَرْدَتْ مُحَيَّاً أَحْمَرَا
جَعَلُوا خَوَاتِمَ سُمْرِهِمْ مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُعَانِدٍ حَسِبَ المُثَقَّفَ خِنْصَرَا
وَبِبِيضِهِمْ قَدْ تَوَّجُوا أَعْدَاءَهمْ ... حَتَّى العِدَا حَلُّوا لِكَيْمَا تَشْكُرَا
لَوْ لَمْ يَخَافُوا تِيهَ سَارٍ نَحْوَهُمُوَهَبُوُا الكَوَاكِبَ وَالصَّبَاحَ المُسْفِرَا
ومنها:
فَاثْنِ المَسَامِعَ نَحْوَ نَظْمٍ كُلَّمَا ... كَرَّرْتَهُ أَحْبَبْتَ أَنْ يَتَكَرَّرَا
إِنْ كَانَ طَالَ فَإِنَّهُ مِنْ حُسْنِهِ ... لَيْلُ الوِصَالِ بِأُنْسِهِ قَدْ قُصِّرَا
مِنْ بَعْدِهِ الشَّعَرَاءُ تَحْكِي وَاصِلاً ... تَتَجَنَّبُ الرَاءَاتِ كَيْ لا تَعْثُرَا
وقوله من قصيدة:
بِاللهِ يَا حَابِسَهَا أَكْؤُسَاً ... شَابَتْ لِطُولِ الحَبْسِ، وَلَّى النَّهَارْ
فَلْتَغْتَنِمْ شَرْباً عَلَى صُفْرَةِ الشَّ ... مْسِ وَقَابِلْ بِالنُّضَارِ النُّضَارْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْجُبَ جُنْحُ الدُّجَى ... ثَغْرَ الأَقَاحِي وَخُدُودَ البِهَارْ
وقوله من قصيدة:

الرَّوْضُ بُرْدٌ بِالنَّدَى مَطْرُوزُ ... وَالنَّهْرُ سَيْفٌ بِالصَّبَا مَهْزُوزُ
كُتِبَتْ بِهِ خَوْفَ النَّوَاظِرِ أَسْطُرٌ ... فَعَلَيْهِ مِنْ خَطِّ النَّسِيمِ حَرُوزُ
وَرَمَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَضْلَ رِدَائِهَا ... فَعَلاَ مُذَابَ لُجَيْنِهِ إِبْرِيزُ
وَالغُصْنُ إِنْ رَكَدَ النَّسِيمُ كَأَنَّهُ ... أَلِفَ بِهَمْزَةِ طَيْرِهِ مَهْمُوزُ
وَكَأَنَّمَا الأَزْهَارُ فِيهِ قَلائِدٌ ... وَكَأَنَّمَا الأَوْرَاقُ فِيهِ خَزُوزُ
وَالرَّاحُ تَنْظُمُ شَمْلَنَا بِجِنَابِهِ ... وَعَقِيْقُنَا مِنْ دِرِّهَا مَفْرُوزُ
تُبْدِي لَنَا خَجَلَ العَرُوسِ وَحَلْيَهَا ... فِي مِثْلِ زِيِّ البِكْرِ وَهِيَ عَجُوزُ
شَمَطُ الحَبَابِ يُبَيِّنُ كِبْرَةَ سِنِّهَا ... فَعَلامَ تَحْمِلُ حِلْيَهَا وَيَجُوزُ
هِيَ كَالغَزَالَةِ لا تَزَالُ جَدِيْدَةً ... وَالطَّرْفُ دُونَ ضَبَابِهَا مَغْمُوزُ
وقوله:
أَلا هَاتِهَا وَالنَّرْجِسُ الغَضُّ قَدْ رَنَاإِلَيْكَ كَمَا تَرْنُو العُيُونُ النَّوَاعِسُ
وَأَرْدَافُ مَوْجِ النَّهْرِ فَوْقَ خُصُورِهِتَمِيلُ عَلَيْهِنَّ الغُصُونُ المَوَائِسُ
وقوله:
يَضِيعُ الذِي أَسْدَى إِلَيْكَ كَأَنَّهُ ... حَيَاءٌ بِوَجْهٍ أَسْوَدِ اللَّوْنِ ضَائِعُ
وقوله:
إِنْ غُيَّبَتْ شَمْسُهُ فَالرَّعْدُ زَفْرَتُهُوَقَلْبُهُ البَرْقُ، وَالأَمْطَارُ مَدْمَعَهُ
وقوله:
لا خَيَّبَ اللهُ أَجْرَ عِيسَى ... فَكَمْ يُدَانِي إِلْفاً مِنْ إِلْفِ
يَقْرِنُ هَذَا بِذَاكَ فَضْلاًكَأَنَّهُ الدَّهْرَ وَاوُ عَطْفِ
وقوله:
كَأَنَّكَ لَمْ تَجْلِ القِتَامَ وَقَدْ دَجَا ... بِشُهْبٍ عَوَالٍ أَوْ بُرُوقِ سُيُوفِ
وقوله:
فَلا تُنْكِرَنْ صَوْبَ الدِّمَاءِ إذَا دَجَتْ ... سَحَابُ قَتَامٍ وَالسُّيُوفُ بَوَارِقُ
وقوله:
هَلاَّ نَظَرْتَ إلَى الأَغْصَانِ تَعْتَنِقُظَلَّتْ تُلاقِي غَرَامَاً ثُمَّ تَفْتَرِقُ
نَادِ الصَّبُوحَ عَسَى فِي القَوْمِ مُغْتَنَمٌيُبَاكِرُ الرَّاحَ صُبْحاً ثُمَّ يَعْتَبِقُ
ومنها:
قَدْ زَيَّنَ اللهُ قُطْرَاً أنْتَ سَاكِنُهُكَمَا يُزَانُ بِبَدْرِ الغَيْهَبِ الفَلَقُ
وقوله:
للهِ فُرْسَانٌ غَدَتْ رَايَاتُهُمْ ... مِثْلَ الطُّيُورِ عَلَى عِدَاكَ تُحَلِّقُ
وَالسُّمْرُ تَنْقُطُ مَا تُسَطِّرُ بِيضُهُمْ وَالنَّقْعُ يُتْرِبُ وَالدِّمَاءُ تُخَلِّقُ
وقوله:
أَفَمَ الخَلِيجِ أَتَذْكُرَنْ بِكَ لَيْلَةً ... أَفْنَيْتَ فِيهَا مِنْ عَفَافِي مَا بَقِي
وَاللَّيْلُ بَحْرٌ مُزْبِدٌ بِنُجُومِهِ ... وَالسُّحْبُ مَوْجٌ وَالهِلالُ كَزَوْرَقِ
وقوله من قصيدة:
وَهَبْتُ فُؤَادِي لِلْمَبَاسِمِ وَالحَدَقْوَحَكَّمْتُ فِي جَفْنِي المَدَامِعَ وَالأَرَقْ
وَلَمْ أَسْتَطِعْ إِلاَّ الوَفَاءَ لِغَادِرٍوَيَا لَيْتَنِي لَمَّا وَفَيْتُ لَهُ رَفَقْ
وَمِنْ أَجْلِهِ قَدْ رَقَّ جِسْمِي صَبَابَةًوَيَا لَيْتَهُ لَمَّا رَآَهُ عَلَيْهِ رَقْ
مَتَى اشْتَكَى فَيْضُ المَدَامِعِ قَالَ لِيخِلافُكَ قَدْ قَاسَى المَدَامِعَ وَالحُرَقْ
إذَا لاحَ فِي المُحْمَرِّ فَالبَدْرُ فِي الشَّفَقْوَإنْ لاحَ فِي المُخْضَرِّ فَالغُصْنُ فِي الوَرَقْ
تُحَمِّلُهُ أَرْدَافُهُ فَوْقَ طَاقَةٍ ... وَمِنْ هَيَفٍ لَوْ شَاءَ بِالخَاتِمِ انْتَطَقْ
فَيَا عَاذِلِي فِيمَا جَنَتْهُ لِحَاظُهُأَتَعْذِلُنِي وَالسَّيْفُ لِلْعَذْلِ قَدْ سَبَقْ
وقوله:
قُمْ سَقِّنِي شَفَقَ الشَّمُولِ بِسُحْرَةٍ ... وَكَأَنَّمَا شَفَقُ الصَّبَاحِ شَمُولُ
وَالبَرْقُ قُضْبٌ وَالسَّحَابُ كَتَائِبٌ ... وَالقَطْرُ نَبْلٌ وَالرُّعُودُ طُبُولُ

وَلْتَعْذُرِ الأَنْهَارُ فِي تَدْرِيعِهَا ... وَكَذَلِكَ الأَغْصَانُ حِينَ تَمِيلُ
وقوله:
أَدِرْ كُؤُوسَكَ إِنَّ الأُفْقَ فِي عُرُسٍوَحَسْبُنَا أنْتَ تَرْعَى حُسْنَكَ المُقَلُ
البَرْقُ كَفٌّ خَضِيبٌ وَالحَيَا دُرَرٌوَالأُفْقُ يُجْلَى وَطَرْفُ الصُّبْحِ مُكْتَحِلُ
وقوله:
دَعِ اللَّحْظَ يَسْرَحْ بِوَرْدِ الخَجَلْ ... فَقَدْ مَنَعَتْهُ سَيَوفُ المُقَلْ
ومنها:
فَكَمْ أَغْصُنٍ قَدْ نَعِمْنَا بِهَا ... وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَادَتْ أَسَلْ
وَكَمْ دَنِّ خَمْرٍ طَرِبْنَا بِهِ ... وَعُدْنَا لَهُ فَوَجَدْنَاهُ خَلْ
وقوله:
وَخَيْرُ الشِّعْرِ مَا أَوْلاهُ تَبْدُو ... كَأَسْحَارٍ وَآَخِرُهُ أَصَائِلْ
وقوله:
وَأَشْقَرَ مِثْلِ البَرْقِ لَوْناً وَسُرْعَةًقَصَدْتُ عَلَيْهِ عَارِضَ الجُودِ فَانْهَمَى
وقوله في سلطان إفريقية:
فَهُمُ سِهَامٌ وَالقِسِيُّ جِيَادُهُمْ ... وَعِدَاهُمُ هَدَفٌ وَعَزْمُكَ رَامِي
وقوله:
وَتَحْتِي لَيْلٌ قَدْ تَرَقَّى بِسَمْعِهِفَوَاجَهَهُ مَا امْتَدَّ مِنْ كَوْكَبِ الرَّجْمِ
وَقَدْ أَنْعَلُوهُ بِالأَهِلَّةِ هَلْ تَرَىاتِّخَاذَ هِلالٍ لِلْظَلامِ مِنَ الظُّلْمِ
وقوله:
ظُبَاهُمُ الحُمْرُ كَالنِيرَانِ حِينَ قِرَىًبِأُفْقِهِمْ فَلِذَاكَ الطَّيْرُ تَغْشَاهَا
وقوله:
سَتَرَ الجَمْرَةَ بِالآَ ... سِ فَلَمْ تَعْدُ عَلَيْهِ
إنَّمَا ذَلِكَ سِحْرٌ ... أَصْلُهُ مِنْ نَاظِرَيْهِ

أبو عبد الله محمد بن رشيق
من أعيان القلعة، له حظ من النظم والنثر. قال والدي: لم أر أوسع منه صدراً، ما عليه من الدنيا أقبلت أو أدبرت، وهو القائل:
لَيْسَ عِنْدِي مِنَ الهُمُومِ حَدِيثٌ ... كُلَّمَا سَاءَنِي الزَّمَانُ سَدِرْتُ
أَتُرَانِي أَكُونُ لِلْدَّهْرِ عَوْناً ... فَإِذَا مَسَّنِي بِضُرٍّ ضَجِرْتُ
غَمْرَةٌ ثُمَّ تَنْجَلِي فَكَأَنِّي ... عِنْدَ إِقْلاعِ هَمِّهَا مَا ضُرِرْتُ
العلماء
أبو عيسى لب بن عبد الوارث
اليحصبي النحوي
من المسهب: أنجبته قلعة بني سعيد، وكان تهذيبه وتخريجه يإشبيلية، ونظر في الفقه، ثم مال إلى العربية، فبلغ منها إلى غاية نبيهة. وكان أبناء الأعيان من الملثمين يقرؤون عليه بمراكش، وهنالك اجتمعت به، ومن شعره قوله:
بَدَا أَلِفُ التَّعْرِيفِ في طِرْسِ خَدِّهِ ... فَيَا هَلْ تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْكَرُ
وَقَدْ كَانَ كَافُورَاً فَهَلْ أَنَا تَارِكٌلَهُ بَعْدَ مَا حَيَّاهُ مِسْكٌ وَعَنْبَرُ
وَمَا خَيْرُ رَوْضٍ لا يَرِفُّ نَبَاتُهُوَهَلْ أَحْسَنُ الأَثْوَابِ إلاَّ المُشَهَّرُ
الأهداب
نادرة للمسن بن دور يده القلعي كان بالقلعة رجل غث، بارد، لا تكاد تقع العين على أغث وأثقل منه، وكان المسن يكرهه، ويركب عليه الحكايات، ومن نوادره معه: أنه سافر المسن إلى مرسية، وتركه بغرناطة، فلما عاد إلى غرناطة، وقف على باب من أبوابها وجعل يسأل عن الثقيل المذكور هل هو بغرناطة؟ إلى أن عرفه أحد من يدريه أنه بها، فثنى عنان فرسه وعدل إلى القلعة، وقال لايطيب بلد يكون فيه فلان.
وخرج مرة مع أبي محمد عبد الله بن سعيد إلى سوق الخيل فاشترى ابو محمد فرساً وقال للمسن: اركبه، فركبه، فجعل أبو محمد يقول لكل من يلقاه: هذا الفرس اشتريته اليوم، ويذكر الثمن، ويكثر وصفه، والمسن عليه لا يزال يخجله بهذا إلى أن لمح المسن عجوزاً، خرجت من فرن بطبق فيه خبز، في نهاية من الفاقة والضعف، فركض الفرس إليها، وقال لها: قفي حتى أخبرك فوقفت، فقال لها: هذا الفرس اشتراه القائد أبو محمد بكذا وكذا، وأخذ يصف على منزع أبي محمد فقال له: ألهذي العجوز يقال مثل هذا؟ فقال: ما بقي في الدنيا من لا يعرف حديث هذا الفرس إلا هذه العجوز، فأردت ألا يفوتها، ثم قال: علي لعنة الله إن ركبت لك فرساً ما عشت، ونزل عنه، فشرد، وتعب أبو محمد في تحصيله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:

الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب أعمال القلعة السعيدية
وهو:
كتاب الإشراق، في حلي حصن القبذاق
من حصون قلعة بني سعيد، منه:
الأخفش بن ميمون القبذاقي
من المسهب: يعرف بابن الفراء، أصله من القيذاق، وتأدب في قرطبة، وله أمداح في ابن نغرلة اليهودي وزير غرناطة، ومن شعره قوله:
أَهْوَى الذِي تَيَّمَنِي حُبُّهُ ... وَمَا دَرَى أَنِّي أَهْوَاهُ
أَكَادُ أَفْنَى مِنْ غَرَامٍ بِهِ ... لا سِيَّمَا سَاعَةَ أَلْقَاهُ
وَاللهِ مَا يَذْكُرُنِي سَاعَةً ... وَلا حَقِّ اللهِ أَنْسَاهُ
وقوله:
غَنَّتِ الوَرْقُ فِي الغُصُونِ سُحَيْراً ... فَأَبَاحَتْ مِنِّي غَرَامَاً مَصُونَا
لَمْ تَفِضْ عَيْنُهَا بِدَمْعٍ وَلَكِنْ ... فَجَّرَتْ لِي فِيمَنْ أَحِبُّ عُيُونَا
وقوله:
إِذَا مَدَحْتَ فَلا تَمْدَحْ سِوَاهُ فَفِييُمْنَاهُ بَحْرٌ مُحِيطٌ لِلْعُفَاةِ زَخَرْ
يُصْغِي إلَى المَدْحِ مِنْ جُودٍ وَمِنْ أَدَبٍكَمُشْتَكِي الجَدْبِ قَدْ أَصْغَى لِصَوْبِ مَطَرْ
وقوله:
بِاللَّيَالِي الَّتِي تَوَلَّتْ وَأَوْلَتْ ... مُهْجَتِي حَسْرَةً بِهَا لا أُفِيقُ
أَتُرَى لِي إلَى رِضَاكَ وَإِقْصَا ... ءِ وُشَاتِي عَنْ جَانِبَيْكَ طَرِيْقُ
آَهِ مِنْ لَوْعَتِي وَمِنْ طُولِ وَجْدِي ... سَالَ دَمْعِي وَفِي فُؤَادِي حَرِيْقُ
وقوله:
كَيْفَ لِي صَبْرٌ وَقَدْ هَجَرَتْ ... مَنْ لَهَا رَوحِي وَتَظْلِمُنِي
غَادَةٌ كَالغُصْنِ فِي هَيَفٍ ... وَتَثَنٍّ عَادَ كَالوَثَنِ
كَلُّنَا مِنْ جَاهِلِيَّتِهَا ... أَبَدَاً لا زِلْتُ فِي فِتَنِ
وقوله:
نَاحَ الحَمَامُ عَلَى غُصْنٍ تَلاعِبُهُ ... كَفُّ النَّسِيمِ فَأَبْكَانِي وَأَشْجَانِي
ذَكَرْتُ قَداً لِمَنْ أَهْوَاهُ مُنْعَطِفاً ... هَذَا عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَنْسَانِي
وفيه قال ابن زيدون :
فَإِذَا مَا قَالَ شِعْرَاً ... نَفَقَتْ سُوقُ أَبِيهِ
وهجاه المنفتل شاعر إلبيرة بقوله:
إِنْ كُنْتَ أَخْفَشَ عَيْنٍ ... فَإِنَّ قَلْبَكَ أَعْمَى
فَكَيْفَ تَنْثُرُ نَثْرَاً ... أَمْ كَيْفَ تَنْظُمُ نَظْمَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب أعمال القلعة السعيدية
وهو:
كتاب الصبح المبين، في حلي حصن العقبين
حصن من حصون القلعة على وادي فرجة ونضارة، أخبرني والدي: أنه كان كثيراً ما يلم به للصيد في صباه مع أقاربه وأصحابه، وكان لهم على الوادي قصر جروا فيه ذيول الصبا، وهبوا في جنباته هبوب الصبا، وله فيه شعر. ومنه:
أحمد بن لب العقبيني
كان كبير اللحية، مضحك الطلعة، كثيراً ما يمدح محمد بن سعيد صاحب القلعة بمثل قوله:
يَا قَائِدَاً لا يُسَاوِي عِنْدَهُ أَسَدٌمِقْدَارَ ذِئْبٍ إذَا مَا الحَرْبُ تَدْعُوهُ
أَنْتَ الذِي حَرَسَ الإِسْلامَ صَارِمُهُ ... لِذَاكَ مَدْحُكَ فِي السَّاعَاتِ نَتْلُوهُ
وقوله:
أَبَا عَبْدِ الإِلَهِ أَلَسْتَ فَرْعاً ... زَكِيَّاً مِنْ أُصُولٍ طَاهِرَاتِ
وَيَزْعُمُ آَخَرُونَ لَكَ اشْتِكَالاً ... لَقَدْ نَطَقُوا بِمَحْضِ التُّرَّهَاتِ

وأهل العقبين يوصفون بالجهل الكثير، قد غلبت عليهم البداوة، وبعدت عنهم آداب الحضارة، اتفقوا مرة على أن يجمعوا فريضة، يبنون بها ما وهى من جامعهم، فبقي منها فاضلاً قدر خمسة دنانير، فاجتمعوا لإبداء الرأي فيما يصرفونها فيه، فتكلم كل أحد بما عنده، ورأى الأكثر منهم أن يشترى بها منبر للجامع، فإن منبره العتيق قد تكسر، فتحرك فلاح منهم وقال دعوا الهذيان واشتروا كلباً يحفظ غنمكم من السباع، فقالوا له: نحن نقول منبر، وأنت تقول كلب، واتفق رأيهم على المنبر، فلما كان في يوم ضباب خرجت غنم البلد فهجمت عليها السباع، ووقع الصياح بذلك فجرى البدوي إلى الجامع مع من استعان به من أهل الجهل، وأخذوا المنبر على أعناقهم وأخرجوه إلى أمام البلد وقال البدوي: قولوا لهذا المنبر يخلص غنمكم من السباع.

مملكة المرية
كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المرية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
موسطة الأندلس
وهو:
كتاب النشوة الخمرية، في حلي مملكة المرية
هي بين مملكتي مالقة ومرسية، وينقسم كتابها إلى: كتاب المجانة، في حلي مدينة بجانة كتاب النفحة العطرية، في حلي حضرة المرية كتاب الجمانة، في حلي حصن مرشانة كتاب نقش الحنش، في حلي حصن شنش كتاب لحظ الجؤذر، في حلي حصن دوجر كتاب البهجة، في حلي مدينة برجة كتاب إيضاح الغبش، في حلي مدينة أندرش
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة المرية
كتاب المجانة، في حلي حضرة بجانة
المنصة
هي محدثة، بنيت في دولة بني أمية، وهي كانت كرسي المملكة إلى أن ضعفت، وعظمت المرية فصارت تابعة، وبينها وبين المرية ستة أميال.
التاج
ذكر ابن حيان: أن بانيها وصاحب المملكة ابن أسود بأمر محمد بن عبد الرحمن المرواني سلطان الأندلس، وبنو أسود إلى الآن أعيان المرية.
السلك
أبو محمد بن قلبيل البجاني
من المسهب: أظنه من شعراء المائة الرابعة، له:
ضَحِكَ الرَّبِيعُ بِرَوْضِهِ وَغَدِيرِهِ ... وَافْتَرَّ عَنْ نُورٍ أَنِيقٍ يَزْهَرُ
وَكَأَنَّهُ زُهْرُ النُّجُومِ إذَا بَدَتْ ... وَكَأَنَّهَا فِي التُّرْبِ وَشْيٌ أَخْضَرُ
وَكَأَنَّ عَرْفَ نَسِيمِهَا عِنْدَ الصِّبَاعَرْفُ العَبِيرِ يَفُوحُ مِنْهُ العَنْبَرُ
أبو عبد الله محمد بن مسعود
الغساني البجاني
أجرى ذكره صاحب الذخيرة وإن كان قبل عصره، وقال: إنه كان كثير الغوص على دقيق المعاتي، ونسبت عند المنصور بن أبي عامر إلى الزندقة، فسجنه في المطبق مع الشريف الطليق، وكان الطليق غلاماً وسيماً، وكان ابن مسعود كلفاً به، وفيه يقول:
غَدَوْتُ في الحَبْسِ خِدْناً لابْنِ يَعْقُوبٍوَكُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا في التَّكَاذِيبِ
رَامَتْ عُدَاتِي تَعْذِيبي وَمَا شَعَرَتْ ... أَنَّ الذِي فَعَلُوهُ ضِدَّ تَعْذِيبِي
لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ سِجْنِي لا أَبَا لَهُمْ قَدْ كَانَ غَايَةَ مَأْمُولِي وَمَرْغُوبِي
وانطلق سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، ومات بعد مديدة.
الشاعرة الغسانية البجانية
ذكر الحجاري: أنها كانت في مدة ملوك الطوائف، ومن شعرها قولها:
أَتَجْزَعُ أَنْ قَالُوا سَتَرْحَلُ أَظْعَانُوَكَيْفَ تُطِيقُ الصَّبْرَ وَيْحَكَ إِذْ بَانُوا
فَمَا بَعْدُ إِلاَّ المَوْتُ عِنْدَ رَحِيلِهِمْوَإِلاَّ فَصَبْرٌ مِثْلَ صَبْرٍ وَأَحْزَانُ
عَهِدْتُهُمُ العَيْشُ في ظِلِّ وَصْلِهِمْأَنِيقٌ وَرَوْضُ الوَصْلِ أَخْضَرُ فَيْنَانُ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي، وَالفِرَاقُ يَكُونُ، هَلْيَكُونُونَ مِنْ بَعْدِ الفِرَاقِ كَمَا كَانُوا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني:
من الكتب التي يشتمل عليها:

مملكة المرية
وهو:
كتاب النفحة العطرية، في حلي حضرة المرية
المنصة
من كتاب الرازي: سورها على ضفة البحر، وبها دار الصناعة، وهي باب الشرق، ومفتاح الرزق.
ومن المسهب: وأما المرية فلها على غيرها من نظرائها أظهر مزية، بنهرها الفضي، وبحرها الزبرجدي، وساحلها التبري، وحصاها المجزع، ومنظرها المرصع، وأسوارها العلية الراسخة، وقلعتها المنيعة الرفيعة الشامخة، وبنى فيها خيران العامري قلعته العظيمة المنسوبة إليه. ومما تفضل به اعتدال الهواء وحسن مزاج أهلها وطيب أخلاقهم، ولطف أذهانهم، قال ابن فرج: حدث فيها من صنعة الوشي والديباج على اختلاف أنواعه، ومن صنعة الخز وجميع ما يعمل من الحرير، ما لم يبصر مثله في المشرق ولا في بلاد النصارى. وأعظم مبانيها الصمادحية التي بناها المعتصم بن صمادح. ومن متفرجاتها منى عبدوس، ومنى غسان، والنجاد، وبركة الصفر، وعيد النطية. ونهرها من أحسن الأنهار.
التاج
أول من شهر بها وعرف مكانه من الملوك:
خيران مولى المنصور بن أبي عامر
ذكر الحجاري: أنه كان من خيرة الموالي العامرية، وممن تخرج في تلك الفتنة، وهو الذي وجه بعلي بن خمود العلوي إلى سبتة، وقام بدعوته، ووصل معه إلى أن حصلت له قرطبة، فاستشعر منه خيران الغدر به، ففر، وقام بدعوة المرتضى المرواني، ثم وضع على المرتضى من قتله ، وتوفي خيران سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وصارت المرية وجيان لصاحبه:
زهير العامري
فحالف حبوس بن ماكس صاحب غرناطة، ودام ملكه إلى أن مات حبوص، وولي ولده باديس فاستصغره زهير، ونهض لأخذ غرناطة من يده، وكانت الدائرة عليه، وقتل في المعركة، وصارت المرية للمنصور بن أبي عامرالأصغر، فاستناب فيها صهره ووزيره:
معن بن أبي يحيى صمادح التجيبي
فلما اشتغل المنصور بالحرب مع مجاهد العامري صاحب دانية غدره معن، وثار في المرية، وورثها ولده وهو:
المعتصم أبو يحيى محمد بن معن
وفاتن المعتصم عبد الملك بن المنصور صاحب بلنسية، قال ابن بسام: ولم يكن من فحول الملوك، بل أخلد إلى الدعة، واكتفى بالضيق عن السعة، واقتصر على قصر يبنيه، وعلق يقتنيه، وميدان من اللذة يجرى عليه، ويبرز فيه، غير أنه كان رحب الفناء، جزل العطاء، حليماً عن الدماء والدهماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال ، وآل أمره مع أمير المسلمين إلى أن حصره جيشه، وهو ينازع حشاشة نفسه، فمات على فراشه، وفر أولاده بمالهم في البحر إلى سلطان بجاية، وملك الملثمون البلد. وقال وهو ينازع الموت وقد سمع اختلاط الأصوات في حصار بلده: لا إله إلا الله، نغص علينا كل شيء حتى الموت، فدمعت عين حظية له، قالت: فلا أنس طرفاً إلي رفعه، وإنشاده بصوت لا أكاد أسمعه:
تَرَفَّقْ بِدَمْعِكَ لا تَفْنِهِ ... فَبَيْنَ يَدَيْكَ بُكَاءٌ طَوِيلْ
قال الحجاري: وكانت مدة المملكة الصمادحية نحو خمسين سنة ونيف، ملك المعتصم منها إحدى وأربعين وهو ابن أربع عشرة سنة، وقال في وصفه: ملك تملكه الإحسان، وأطلعه الفضل غرة في وجه الزمان، فكأن أبا تمام عناه بقوله:
تَحْمِلُ أَشْبَاحَنَا إِلَى مَلِكٍ ... نَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ
فهتفت باسمه المداح، ومن المجد له عطف ارتياح. ومن شعره قوله:
انْظُرْ إِلَى الأَعْلامِ خَفَّاقَةً ... قَدْ عَبَثَتْ فِيهَا أَكُفُّ الشَّمَالْ
كَأَنَّهَا وَهِيَ لَنَا زِينَةٌ ... أَفْئِدَةُ الأَعْدَاءِ يَوْمَ القِتَالْ
وقوله عند موته:
تَمَتَّعْتُ بِالنَّعْمَاءِ حَتَّى مَلِلْتُهَاوَقَدْ أَضْجَرَتْ عَيْنَيَّ مِمَّا سَئِمْتُهَا
فَيَا عَجَبَاً لَمَّا قَضَيْتُ قَضَاءَهَا ... وَمُلِّيتُهَا عُمْرِي تَصَرَّمَ وَقْتُهَا
قال: وأما تورعه وعدله فله فيهما حكايات، وكان يرتاح للشعر كثيراً.
وقال في وصفه الفتح:

ملك أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظامها واتساقها، وأوضح رسمها، وأنبت في جبين أوانه وسمها، ولم تخل أيامه من مناظرة، ولا عمرت إلا بمذاكرة ومحاضرة. قال: ومن بديع أفعاله أن النحلي دخل المرية وعليه أسمالٌ لا تقتضيها الآداب، ولا يرتضيها إلا الانتحاب والانتداب، والناس قد لبسوا البياض، وتصرفوا من خضرتهم في مثل قطع الرياض، والنحلي ظمآن يسعره جواره، حين لا يستره إلا سواده، فكتب إليه:
أَيَا مَنْ لا يُضَافُ إِلَيْهِ ثَانٍ ... وَمَنْ وَرِثَ العُلَى بَابَاً فَبَابَا
أَيَجْمُلُ أَنْ تَكُونَ سَوَادَ عَيْنِي ... وَأُبْصِرَ دُونَ مَا أَبْغِي حِجَابَا
وَيَمْشِي النَّاسُ كُلُّهُمْ حَمَامَاً ... وَأَمْشِي بَيْنَهُمْ وَحْدِي غُرَابَا
فأدر له حباه، ووصله وحباه، وبعث إليه من البياض ما لبسه، وجلل مجلسه، وكتب مع ذلك:
وَرَدْتَ وَلِلَّيْلِ البَهِيمِ مَطَارِفٌ ... عَلَيْكَ وَعِنْدِي لِلْصَبَاحِ بُرُودُ
وَأَنْتَ لَدَيْنَا مَا بَقِيتَ مُقَرَّبٌ ... وَعَيْشُكَ سَلْسَالُ الجَمَامِ بُرُودُ
وارتجل في ماء تسلسل في قصره:
انْظُرْ إِلَى حُسْنِ هَذَا المَاءِ في صَبَبِهْكَأَنَّهُ أَرْقَمٌ قَدْ جَدَّ في هَرَبِهْ
وكتب إلى ابن عمار، وقد بلغه عنه ما أوجب ذلك من سوء الاغتياب:
وَزَهَّدَنِي في النَّاسِ مَعْرِفَتِي بِهِمْوَطُولُ اخْتِيَارِي صَاحِبَاً بَعْدَ صَاحِبِ
فَلَمْ تُرَنِي الأَيَامُ خِلاًّ تَسُرُّنِي ... مَبَادِيهِ إِلاَّ سَاءَنِي فِي العَوَاقِبِ
وَلا قُلْتُ أَرْجُوهُ لِدَفْعِ مُلِمَّةٍمِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ كَانَ إِحْدَى المَصَائِبِ
وأطال الإقامة عنده مرة ابن عمار فكتب إليه:
يَا وَاضِحَاً فَضَحَ السَحَا ... بَ الجَوْنَ فِي مَعْنَى السَّمَاحِ
وَمُطَابِقاً يَأْتِي وُجُو ... هَ الجِدِّ مِنْ طُرُقِ المِزَاحِ
أَسْرَفْتَ فِي بِرِّ الضِيَا ... فِ فَجُدْ قَلِيلاً بِالسَّرَاحِ
فراجعه المعتصم:
يَا فَاضِلاً فِي شُكْرِهِ ... أَصِلُ المَسَاءِ مَعَ الصَّبَاحِ
هَلاَّ رَفَقْتَ بِمُهْجَتِي ... عِنْدَ التَّكَلُّمِ فِي السَّرَاحِ
إِنَّ السَّمَاحَ بِبُعْدِكُمُ ... وَاللهِ لَيْسَ مِنَ السَّمَاحِ

فصل
وتوالت على المرية ولاة الملثمين إلى أن أخذها يوسف بن مخلوف من أصحاب عبد المؤمن، فاستصعب أهل المرية سيرته، فثاروا عليه، وقام بأمرهم أحد أعيانهم:
أبو يحيى بن الرميمي
ومنه أخذها النصارى، ثم استنقذها منهم عثمان بن عبد المؤمن، وتوالى بها ولاة بني عبد المؤمن إلى أن ثار بها:
محمد بن عبد الله بن أبي يحيى
بن الرميمي
وخطب لابن هود وصار وزيره، ثم غدر بابن هود فقتله في بلده ، واستبد بالمرية ثم خرج منها إلى تونس ، وهي الآن لابن الأحمر صاحب غرناطة.
السلك
ذوو البيوت
بيت بني صمادح
رفيع الدولة
أبو يحيى بن المعتصم بن صمادح
قال ابن الإمام في وصفه: ذو الخلق الكريم، والشرف الباذخ الصميم، راضع لبان الرياسة، ومرتشف مياه تلك الجلالة والنفاسة.
وقال الحجاري فيه: فرعٌ زاكٍ من تلك الشجرة الكريمة، وعارض جودٍ من صوب تلك الديمة. طاب بين نوائب الدهر، طيب المسك بين الحجر والفهر ، وأقام في ظلال أمير المسلمين، مدرعاً من حمايته بدرع حصين، إلا أنه لم يفارقه تذكر ما قضى في تلك الممالك، مرتاحاً إلى ما قضاه الشباب هنالك. وكان ينادم أبا يحيى بن مطروح، واستدعاه يوماً بقوله:
يَا أَخِي بَلْ سَيِّدِي بَلْ سَنَدِي ... فِي مُهِمَّاتِ الزَّمَانِ الأَنْكَدِ
لُحْ بِأُفْقٍ غَابَ عَنْهُ بَدْرُهُ ... فِي اخْتِفَاءٍ مِنْ عُيُونِ الحُسَّدِ
وَتَعَجَّلْ فَحَبِيبِي حَاضِرٌ ... وَفَمِي سَاقٍ وَكَأْسِي فِي يَدِي
ومما أنشد له صاحب السمط قوله:
لَئِنْ مَنَعُوا عَنِّي زِيَارَةَ طَيْفِهِمْوَلَمْ أُلْفِ فِي تِلْكَ الطُّلُولِ مَقِيلاَ

فَمَا مَنَعُوا رِيحَ الصَّبَا سَوْقَ عَرْفِهِمْ وَقَدْ بَكَرَتْ تَنْدَى عَلَيَّ بَلِيلاَ
وَلا مَنَعُونِي أَنْ أَعُلَّ بِذِكْرِهِمْ ... فُؤَادَاً بِمَا يَجْنِي الصُدُودُ عَلِيلاَ
وقوله:
أَخَذْتُ أَبَا عَمْرٍو، وَإِنْ كَانَ جَانِيَاًعَلَيَّ ذُنُوبَاً لا تُعَدَّدُ، بِالعَتَبِ
فَمَا كَانَ ذَاكَ الوِدُّ إِلاَّ كَبَارِقٍأَضَاءَ لِعَيْنِي ثُمَّ أَظْلَمَ فِي قَلْبِي

أخوه
أبو جعفر أحمد
من المسهب: جرى في طلق أبيه وإخوته، فأحسن في النظام إحساناً أوجب أن ينبه عليه، فمن ذلك قوله:
أَتَى بِالبَدْرِ مِنْ فَوْقِ القَضِيبِ ... فَطَارَتْ نَحْوَهُ طَيْرُ القُلُوبِ
وَأَشْرَقَ مَا بِأُفْقِي مِنْ ظَلامٍ ... لِنُورٍ مِنْهُ فِي أُفُقِ الجُيُوبِ
وَوَلَّى بَعْدَ تَأْنِيسٍ وَبِرٍّ ... كَمِثْلِ الشَّمْسِ وَلَّتْ لِلْمَغِيبِ
أخوهما
الواثق عز الدولة أبو محمد عبد الله
من المسهب: قمر عاجله المحاق قبل التمام، فنشر من يديه ما كان عقده أبوه من ذلك النظام، وقد كان خصه بولاية عهده، ورشحه للملك من بعده، وآل أمره إلى أن حل ببجاية في دولة بني حماد مستوحشاً، وقال:
لَكَ الحَمْدُ بَعْدَ المُلْكِ أُصْبِحُ خَامِلاًبِأَرْضِ اغْتِرَابٍ لا أُمِرُّ وَلا أُحْلِي
وَقَدْ أَصْدَأَتْ فِيهَا الهَوَادَةُ مُنْصُلِيكَمَا نَسِيَتْ رَكْضَ الجِّيَادِ بِهَا رِجْلِي
وَلا مَسْمَعِي يُصْغِي لِنَغْمَةِ شَاعِرٍوَكَفِّيَ لا تَمْتَدُّ يَوْمَاً إِلَى بَذْلِ
طَرِيْدَاً شَرِيْدَاً لا أُؤَمِّلُ رَجْعَةًإِلَى مَوْطِنٍ بُوعِدْتُ عَنْهُ وَلا أَهْلِ
وَقَدْ كُنْتُ مَتْبُوعَاً فَأَمْسَيْتُ تَابِعَاًلَدَى مَعْشَرٍ لَيْسُوا بِجِنْسِي وَلا شَكْلِي
يَخُوضُونَ فِيمَا لا أَرَى فِيهِ خَائِضَاًوَقَبْلَهُمُ قَدْ أَقْصَدَتْ مَقْتَلَ النُّبْلِ
وَقَوْلِي مَسْمُوعٌ وَفِعْلِي مُحْكَمٌ ... وَهَا أَنَا لا قَوْلِي يَجُوزُ وَلا فِعْلِي
وَقَدْ كُنْتُ غِرّاً بِالزَمَانِ وَصَرْفِهِفَقَدْ بَانَ قَدْرُ العِزِّ عِنْدِي وَالذُّلِّ
عَزَاءً فَكَمْ لَيْثٍ يُصَادُ بِغِيلِهِوَيُصْبِحُ مِنْ بَعْدِ النَّشَاطِ لَفِي حَبْلِ
قال: وما أظن أحداً قال في عظم الهم مثل قوله:
إِنْ يَسْلَمِ النَّاسُ مِنْ هَمٍّ وَمِنْ كَمَدٍفَإِنَّنِي قَدْ جَمَعْتُ الهَمَّ وَالكَمَدَا
لَمْ أُبْقِ مِنْهُ لِغَيْرِي مَا يُحَاذِرُهُفَلَيْسَ يَقْصِدُ دُونِي فِي الوَرَى أَحَدَا
ومن شعره قوله:
أَهْوَى قَضِيبَ لُجَيْنٍ ... قَدْ أُطْلِعَ البَدْرُ فِيهِ
إِنْ كَانَ مَوْتِي بِلَحْظٍ ... مِنْهُ فَعَيْشٌ يَلِيهِ
يَارَبِّ كَمْ أَتَمَنَّى ... لُقْيَاهُ كَمْ أَشْتَهِيهِ
وَلا أَرَى مِنْهُ شَيْئَاً ... سِوَى جَفَاءٍ وَتِيهِ
طُوبَى لِدَارٍ حَوَتْهُ ... وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ
بَلْ أَلْفُ طُوبَى لِعَبْدٍ ... فِي مَوْضِعٍ يَلْتَقِيهِ
وقال فيه ابن اللبانة: كان الواثق كأن الله لم يخلقه إلا للملك والرياسة وإحياء الفضائل، ونظرت إلى همته تنم من تحت خموله، كما ينم فرند السيف وكرمه من تحت صدئه.
أختهم
أم الكرم بنت المعتصم
من المسهب: كان المعتصم قد اعتنى بتأديبها، لما رآه من ذكائها، حتى نظمت الشعر والموشحات، وعشقت الفتى المشهور بالسمار، وقالت فيه:
يَا مَعْشَرَ النَّاسِ أَلا فَاعْجَبُوا ... مِمَّا جَنَتْهُ لَوْعَةُ الحُبِّ
لَوْلاهُ لَمْ يَنْزِلْ بِبَدْرِ الدُّجَى ... مِنْ أُفْقِهِ العُلْوِيِّ لِلْتُرَبِ
حَسْبِي بِمَنْ أَهْوَاهُ لَوْ أنَّهُ ... فَارَقَنِي تَابَعَهُ قَلْبِي
وقولها:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ سَبِيلٌ لِخَلْوَةٍ ... يُنَزَّهُ عَنْهَا سَمْعُ كُلِّ مُرَاقِبِ

وَيَا عَجَبَاً أَشْتَاقُ خَلْوَةَ مَنْ غَدَاوَمَثْوَاهُ مَا بَيْنَ الحَشَا وَالتَّرَائِبِ
وبلغ المعتصم خبره، فخفي أمره من ذلك الحين.

ومن سائر البيوت
أبو بحر يوسف بن عبد الصمد
أثنى عليه صاحب السمط والمسهب. وكان في زمان ملوك الطوائف.
ورثا المعتمد بن عباد بما تقدم إنشاده في ترجمته. وذكر ابن بسام أنه من ولد السمح بن مالك بن خولان أحد سلاطين الأندلس قال: ونشأ أبو البحر كاسمه، في نشره ونظمه، ومن جيد شعره قوله:
عَزْمٌ تَضِيقُ بِجَيْشِهِ البَيْدَاءُ ... وَمُنَىً أَقَلُّ مَرَامِهَا الجَوْزَاءُ
وَصَرَامَةٌ لَوْ أنَّهَا لِي لأْمَةٌ ... لَمْ تَمْضِ فِيهَا الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ
فِي عِفَةٍ لَوْ أَصْبَحَتْ مَقْسُوْمَةً ... فِي النَّاسِ لَمْ تَتَلَفَّعِ الحَسْنَاءُ
فَلْتَلْحَظِ الغُزْلانُ، وَلْتَتَمَايَلِ ال ... أَفْنَانُ، وَلْتَتَرَنَّحِ الأَنْقَاءُ
ومنها:
دَارَتْ كُؤُوسُ الطَّلِّ وَانْتَشَتِ الرُّبَى ... وَمَشَى القَضِيبُ وَحَنَّتِ الوَرْقَاءُ
وَالقُضْبُ تَخْضَعُ لِلْغَدِيرِ كَأَنَّهُ ... يَحْيَى وَقَدْ خَضَعَتْ لَهُ الأُمَرَاءُ
وقوله في المعتمد بن عباد:
خَضَعَتْ لِعِزَّتِكَ المُلُوكُ الصِّيَدُ ... وَعَنَتْ لَكَ الأَبْطَالُ وَهِيَ أُسُودُ
فَاطْعُنْ وَلَوْ أَنَّ الثُّرَيَّا ثَغْرَةٌ ... وَاضْرُبْ وَلَوْ أَنَّ السِّمَاكَ وَرِيدُ
وَافْتَحْ وَلَوْ أَنَّ السَّمَاءَ مَعَاقِلٌ ... وَاهْزِمْ وَلَوْ أَنَّ النُّجُومَ جُنُودُ
أبو مروان عبد الملك بن سميدع
لحق الدولتين، وتميز عند الفرقتين، وكان له أدب يحاضر به، ومن شعره قوله:
أَلا فَاعْذُرُونِي فِي انْقِطَاعِي عَنْكُمُوَلا تَعْذِلُونِي فِي الصُّدُودِ إِلَى الحَشْرِ
صَحِبْتُكُمُ قَبْلَ اخْتِبَارٍ فَعِنْدَمَاخَبِرْتُكُمُ عَجَّلْتُ بِالبُعْدِ وَالهَجْرِ
جَفَوْتُكُمُ لَمَّا رَأَيْتُ جَنَابَكُمْ ... يُمَزَّقُ فِيهِ لَحْمُ كُلِّ امْرِئٍ حُرِّ
وقوله:
هَلُمُّوا إِلَى رَاحٍ يَطُوفُ بِهَا بَدْرُعَلَى مِثْلِ مَرْآَهُ تَطِيْبُ لَنَا الخَمْرُ
هُوَ الرَّوْضُ حَقاً فَالأَرَاكَةُ قَدُّهُ ... وَوَجْنَتُهُ وَرْدٌ وَمَبْسَمُهُ زَهْرُ
أبو عبد الله محمد بن حبرون
كان في دولة بني عبد المؤمن وكان بينه وبين ابن صقلاب صاحب أعمال المرية صداقة، ثم تغيرت، ومن شعره قوله:
عَزَمْتُ عَلَى أَمْرٍ سَيَظْهَرُ عِنْدَمَايُشَيَّبُ مِنْ أَحْدَاثِهِ المَرْءُ يَافِعَا
وَإِنِّي مِنَ القَوْمِ الذِينَ عَزِيمُهُمْيَرُدُّ سَوَادَ اللَّيْلِ أَبْيَضَ نَاصِعَا
ومن كتاب الوزراء
الوزير الكاتب
أبو جعفر أحمد بن عباس
من الذخيرة: كان قد بذ الناس في وقته في أربعة أشياء: المال، والبخل، والعجب، والكتابة. وعنوان نثره : لم أعقر ناقة رضاكم فأسخط، ولا أكلت من شجرة عقوقكم فأشحط، وإنما أعطيتكم صفقة الصاغية لأكرم، وانحرفت كي لا أهان، ونمت على مهاد الفتنة بكم لئلا أتهم، فاليوم يقال جعلنا قنطرةً، وكتب إلى صديقه كتباً مسترةً ، وكان ابن أبي موسى مواتاً نفخنا فيه الروح، وعيالاً علينا فاستأثرتم به وجعلتموه مركز دولتكم في اللفظ، وعين سعايتكم في القصد، فضربتم في آمال السؤال بمعان طوال، ألصقتم بي عارها، وطوقتموني شنارها.
وحصل ابن عباس في يد باديس بن حبوس ملك غرناطة في وقعة زهير ملك المرية، وكان كاتبه، فقتله باديس بيده، وقيل إن كتبه بلغت أربعمائة ألف مجلد، وأثر له الحجاري قوله :
لِي نَفْسٌ لا تَرْتَضِي الدَّهْرَ عَبْدَا ... وَجَمِيعَ الأَنَامِ طُرَّاً عَبِيدَا
لَوْ تَرَقَّتْ فَوْقَ السِّمَاكَيْنَ يَوْماً ... لَمْ تَزَلْ تَبْتَغِي هُنَاكَ صُعُودَا
أَنَا مَنْ تَعْلَمُونَ شَيَّدْتُ مَجْدِي ... وَمَكَانِي مَا بَيْنَ قَوْمِي وَلِيدَا
وكان يتهم بسوء الخلوة.
ومن كتاب العمال
أبو بكر يزيد بن صقلاب
صاحب أعمال المرية

أخبرني والدي أنه اجتمع به، فرآه عالي الهمة، واسع الأدب، ممتع الحديث، وأنشده من شعره قوله:
وَطِفْلَةِ الأَطْرَافِ خُمْصَانَةٍ ... فِي قَامَةِ السَّيْفِ وَشَكْلِ الغُلامْ
مَكْحُولَةِ العَيْنَيْنِ حُورِيَّةٍ ... مِنَ اللَّوَاتِي قُصِرَتْ فِي الخِيَامْ
تَكَادُ أَنْ تُعْقَدَ مِنْ لِينِهَا ... وَفَتْرَةِ العِطْفِ وَهَزِّ القَوَامْ
يَحْلِفُ مَنْ أَبْصَرَهَا أَنَّهَا ... قُدَّتْ لَهَا مِنْ خَيْزَرَانٍ عِظَامْ
قَدْ جَمَعَ اللهُ بِهَا فِتْنَةً ... حَلاوَةَ اللَّفْظِ وَسِحْرَ الكَلامْ
وَاللَّيْلَ وَالصُّبْحَ وَدِعْصَ النَّقَا ... وَالغُصْنَ وَالظَّبْيَ وَبَدْرَ التَّمَامْ
تَفْتَرُّ عَنْ ذِي أُشُرٍ بَارِدٍ ... أَشْهَى مِنَ الخَمْرِ بِمَاءِ الغَمَامْ
فَضَلَّ مَنْ لامَ عَلَى حُبِّهَا ... وَضَلَّ مَنْ يَسْمَعُ فِيهَا المَلامْ
نَعِمْتُ فِيهَا لَيْلَتِي كُلَّها ... بِأَرْشَقِ الخَلْقِ وَأَحلي الأَنَامْ

ومن الحكام قاضي المرية
أبو الحسن مختار بن عبد الرحمن
بن سهر الرعيني
من المسهب: قاضي المرية وعالمها، ورئيسها في الأمور الشرعية وحاكمها، قدمه عليها زهير العامري. ومن شعره قوله لبني حمود ملوك قرطبة:
أَلا فَأْذَنُوا لِي بِالسَّرَاحِ فَإنَّهَا ... نِهَايَةُ مَطْلُوبِي وَفِيهِ عَذَابُ
فَإِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِي أُفْقِ مَوْطِنِيفِرَاخَاً هَوَاهُمْ لَيْسَ عَنْهُ مَنَابُ
وقوله، وقد دخل حماماً فجلس شخص من جهال العامة إلى جانبه، وأساء عليه الأدب:
أَلا لُعِنَ الحَمَّامُ دَارَاً فَإِنَّهُسَوَاءٌ بِهِ ذُو الجَّهْلِ وَالعِلْمِ فِي القَدْرِ
تَضِيعُ بِهِ الآدَابُ حَتَّى كَأَنَّهَامَصَابِيحُ لَمْ تَنْفُقْ عَلَى طَلْعَةِ الفَجْرِ
ومن العلماء
أبو الحسن سليمان بن محمد
بن الطراوة النحوي
من المسهب: نحوي المرية الذي لم يكن بها في هذه الصناعة مثله، وله الذكر السائر في الآفاق، وله أمداحٌ في المعتصم بن صمادح وفي علي بن يوسف بن تاشفين. وأحسن شعره قوله وقد حضر مع ندماء، وفيهم غلام جميل، فلما داترت الكأس وجاءت نوبة الغلام هرها ، فأخذها عنه:
يَشْرَبُهَا الشَّيْخُ وَأَمْثَالُهُ ... وَكُلُّ مَنْ تُحْمَدُ أَفْعَالُهُ
وَالبَكْرُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةً ... تُلْقَى عَلَى البَازِلِ أَثْقَالُهُ
ودخل عليه غلام بكأس في يده، فقال:
أَلا بِأَبِي وَغَيْرِ أَبِي غَزَالٌ ... أَتَى وَبِرَاحِهِ لِلْشُرْبِ رَاحُ
فَقَالَ مُنَادِمِي فِي الحِينِ صِفْهُ ... فَقُلْتُ الشَّمْسُ جَاءَ بِهَا الصَّبَاحُ
وقوله وقد شرب للقمر :
شَرِبْنَا كَمِصْبَاحِ المَسَاءِ مُدَامَةً ... بِشَاطِئِ غَدِيرٍ وَالأَزَاهِرُ تَنْفَحُ
وَظَلَّ جَهُولٌ يَرْقُبُ الصُّبْحَ ضَلَّةًوَمِنْ أَكْؤُسِي لَمْ يَبْرَحِ الصُّبْحُ يُصْبِحُ
ومن الشعراء
أبو حفص بن الشهيد
من المسهب: شاعر المرية في زمانه، وكان مقتصراً على ملك بلده المعتصم بن صمادح.
ومن الذخيرة: كان فارس النظم والنثر وأعجوبة القران والعصر. وشاهدته في حدود ألربعين وأربعمائة بالمرية . ومن نظمه قوله في المعتصم:
سَبْطُ اليَدَيْنِ كَأَنَّ كُلَّ غَمَامَةٍ ... قَدْ رُكِّبَتْ فِي رَاحَتَيْهِ أَنَامِلا
لا عَيْشَ إِلاَّ حَيْثُ كُنْتَ وَإِنَّمَا ... تَمْضِي لَيَالِي العُمْرِ بَعْدَكَ بَاطِلا
تَفْدِيكَ أَنْفُسُنَا الَّتِي أَلْبَسْتَهَا ... حُلَلاً مِنَ النُّعْمَى وَكُنَّ عَوَاطِلا
وقوله:
تُكَسِّدُ سُوُقَ الدُّرِّ فِيكَ قَصَائِدِيوَتُزْرِي بِعَرْفِ المِسْكِ غُرُّ رَسَائِلِي
جَلَلْتَ فَجُلَّ القَوْلُ فِيكَ وَإِنَّمَايُعَدُّ لِقَدْرِ السَّيْفِ قَدْرُ الحَمَائِلِ
ومن الكتاب
أبو الحكم أحمد بن هرودس

كاتب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة أخبرني والدي: أنه كان بينه وبين عمه أبي جعفر مراسلة وأن أبا الحكم كتب له :
يَا سَمِيِّيِ فِي عِلْمِ مَجْدِكَ مَا يَحْ ... تَاجُ فِيهِ هَذَا النَّهَارُ المَطِيرُ
نَدَفَ الثَّلْجُ مِنْهُ قَطَنَاً عَلَيْنَا ... فَغَدَوْنَا بِعَدْلِكُمْ نَسْتَجِيرُ
وَالذِي أَبْتَغِيهِ فِي اللَّحْظِ مِنْهُ ... وَرِضَاهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَسِيرُ
يَوْمَ قَرٍّ يَوَدُّ مَنْ حَلَّ فِيهِ ... لَوْ تَبَدَّى لِمُقْلَتَيْهِ سَعِيرُ
ومن شعره قوله:
لِيَ مِنْ وَجْهِكَ بَدْرٌ ... قَصَّرَتْ عَنْهُ البُدُورُ
أَيُّ أُفْقٍ لُحْتَ فِيهِ ... جُنْحَ لَيْلٍ لا يُنِيرُ
لَيْسَ إِلاَّ بِكَ يَا مَوْ ... لايَ يُحْتَلُّ السُّرُورُ

ومن العلماء
أبو العباس
أحمد بن محمد بن العريف الصنهاجي
عالم جليل، وزاهد مشهور، في مدة الملثمين، ومن مشهور شعره - وهو في صلة ابن بشكوال - قوله:
سَلُوا عَنِ الشَّوْقِ مَنْ أَهْوَى فَإِنَّهُمُأَدْنَى إلَى النَّفْسِ مِنْ وَهْمِي وَمِنْ نَفَسِي
مَا زِلْتُ مُذْ سَكَنُوا قَلْبِي أَصُونُ لَهُمْلَحْظِي وَسَمْعِي وَنُطْقِي إِذْ هُمُ أُنُسِي
فَمَنْ رَسُولِي إِلَى قَلْبِي فَيَسْأَلَهُمْعَنْ مُشْكِلٍ مِنْ سُؤَالِ الصَبِّ مُلْتَبِسِ
حَلُّوا الفُؤَادَ فَمَا يَنْدَى وَلَوْ وَطِئُواصَخْرَاً لَجَادَ بِمَاءٍ مِنْهُ مُنْبَجِسِ
وَفِي الحَشَا نَزَلُوا وَالوَهْمُ يَجْرَحُهُمْفَكَيْفَ بَاتُوا عَلَى أَذْكَى مِنَ القَبَسِ
لأَنْهَضَنَّ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّهِمْ ... لا بَارَكَ اللهُ فِي مَنْ خَانَهُمْ فَنَسِي
ومن الشعراء
أبو الحسين محمد بن سفر
شاعر المرية في عصره، الذي يغني ما أنشده من شعره، عن الإطناب في التنبيه على قدره، فمن ذلك قوله:
لَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ زَوْرَقَ فِتْيَةٍ ... يُبْدِي بِهِمْ لُجُّ السُّرُورِ مِرَاحَهُ
وَقَدْ اسْتَدَارُوا تَحْتَ ظِلِّ شِرَاعِهِ ... كُلٌّ يَمُدُّ بِكَأْسِ رَاحٍ رَاحَهُ
لَحَسِبْتَهُ خَوْفَ العَوَاصِفِ طَائِرَاً ... مَدَّ الحَنَانُ عَلَى بَنِيهِ جَنَاحَهُ
وقوله:
يَا مَنْ رَأَى النَّهْرَ اسْتَثَارَ بِهِ الصَّبَاخَيْلاً لإِرْهَابِ الغُصُونِ المُيَّدِ
لَمَّا رَأَتْهَا سُدِّدَتْ تِلْقَاءَهُ ... قَرَنَتْ بِهِ خَيْلاً تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
وَغَدَتْ تُدَرِّعُهُ وَلَمْ تَبْخَلْ لَهَا ... شَمْسُ الضُّحَى بِمَسَامِرٍ مِنْ عَسْجَدِ
وقوله:
وَقَهْوَةٍ شُعْشِعَتْ فَثَارَتْ ... فَأَكْثَرَ القَوْلَ مُبْصِرُوهَا
لا تُنْكِرُوا غَيْظَهَا امْتِعَاضَاً ... حِيْنَ غَدَا بَعْلَهَا أَبُوهَا
وقوله:
أَلا هَاتِهَا مِنْ يَدَيْ مَائِسٍ ... يُوَافِيكَ بِالأَمْرِ مِنْ فِصِّهِ
يُغَنِّي وَيَسْقِي وَمَهْمَا انْثَنَى ... أَمَالَ القَضِيبَ عَلَى دِعْصِهِ
إِذَا أَنَا لاحَظْتُهُ رَاقِصَاً ... خَلَعْتُ الفُؤَادَ عَلَى رَقْصِهِ
أبو الحسن علي بن المريني
شاعر وشاح مشهور ببلاد المغرب صحبه والدي، ومات في مدة منصور بن عبد المؤمن، وكان كثير التجول. ومن شعره قوله في أحمد بن كمال عظيم المرية:
رُوَيْدَكَ حَتَّى تَجْتَنِي الوَرْدَ وَالزَّهْرَابِخَدٍّ أَبَى أَنْ يَعْرِفَ الهَائِمُ الصَّبْرَا
وَثَغْرٍ أَرَى أَلْحَاظَنَا مُعْجِزَاتِهِفَأَبْدَى لَنَا المُرْجَانَ بِالعَذْبِ وَالدُّرَّا
ومنها:
سَأَلْتُ مُحَيَّا الصُّبْحِ مِنْ أَيْنَ نُورُهُفَقَالَ سَلِ الشَّمْسَ المُنِيرَةَ وَالبَدْرَا
فَأَجْمَعَ كُلٌّ أَنَّهُ نُورُ أَحْمَدٍوَلَوْلا نَدَاهُ لَمْ نَرَ القَطْرَ وَالبَحْرَا
كَرِيمٌ بِهِ أَحْيَا الإلَهُ بِلاَدَنَاوَعَمَّرَهَا مِنْ بَعْدِ مَا أَصْبَحَتْ قَفْرَا
ومن شعره قوله:

رَأَيْنَاكَ مِثْلَ البَحْرِ يُوْرَدُ مَاؤُهُ ... مِرَارَاً فَلا يَفْنَى وَلا يَتَكَدَّرُ
وَنَشْكُرُ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ كُلِّ غَايَةٍوَمَا قَدْ تَرَكْنَا مِنْ أَيَادِيكَ أَكْثَرُ

أحمد بن الحاج
المعروف بمدغليس الزجال
أزجاله مطبوعة إلى نهاية، وكان في دولة بني عبد المؤمن، ومن شعره قوله:
مَا ضَرَّكُمْ لَوْ كَتَبْتُمْ ... حَرْفاً وَلَوْ بِاليَسَارِ
إِذْ أَنْتُمْ نُورُ عَيْنِي ... وَمَطْلَبِي وَاخْتِيَارِي
أبو الحسن علي بن حزمون
صاعقة من صواعق الهجاء، عاصر ابن عنين، وكان هذا في المغرب وهذا في المشرق. وأكثر قوله في طريقة التوشيح. ومن هجوه في طريقة الشعر قوله:
تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآَةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُكَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِيفَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِنَ الهَجْوِ
كَأَنَّ عَلَى الأَزْرَارِ مِنِّي عَوْرَةًتُنَادِي الوَرَى غُضُّوا وَلا تَنْظُرُوا نَحْوِي
فَلَوْ كُنْتُ مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ لَمْ أَكُنْمِنَ الرَائِقِ البَاهِي وَلا الطَّيِّبِ الحُلْوِ
وَأَقْبَحُ مِنْ مَرْآَيَ بَطْنِي فَإِنَّهُيُقَرْقِرُ مِثْلَ الرَّعْدِ فِي مَهَمَّةِ جَوِّ
وَإِلا كَقَلْبٍ بَيْنَ جَنْبَيْ مُحَمَّدٍسَلِيلِ بْنِ عِيسَى حِينَ فَرَّ وَلَمْ يَلْوِ
تَمِيلُ بِشِدْقَيْهِ إِلَى الأَرْضِ لِحْيَةٌتَظُنُّ بِهَا مَاءً يُفَرَّغُ مِنْ دَلْوِ
ثَقِيلٌ وَلَكِنَّ عَقْلَهُ مِثْلَ رِيشَةٍتُصَفِّقُهَا الأَرْوَاحُ فِي مَهَمَّةِ دَوِّ
الأهداب
موشحة لابن هرودس في عثمان بن عبد المؤمن
يَالَيْلَةَ الوَصْلِ وَالسُّعُودِ بِاللهِ عُودِي
كَمْ بِتُّ فِي لَيْلَةِ التَمَنِّي
لا أَعْرِفُ الهَجْرَ وَالتَجَنِّي
أَلْثَمُ ثَغْرَ المُنَى وَأَجْنِي
مِنْ فَوْقِ رُمَّانَتَيْ نُهُودِ زَهْرَ الخُدُودِ
يَا لائِمِي إِطَّرِحْ مَلامِي
فَلا بَرَاحٌ عَنِ الغَرَامِ
إِلاَّ انْعِكَافِي عَلَى مُدَامِ
بِسَمْعِ صَوْتٍ وَنَقْرِ عُودِ مِنْ كَفِّ خُودِ
مَدْحُ الأَمِيرِ الأَجَلِّ أَوْلَى
السَّيِّدِ المَاجِدِ المُعَلَّى
تَاجِ المُلُوكِ السَنِيِّ الأعْلَى
أَفْضَلِ مَنْ سَارَ بِالجُنُودِ تَحْتَ البُنُودِ
أَكْرِمْ بِعَلْيَاهُ مِنْ هُمَامِ
إمَامُ هَدْيٍ وَابْنُ الإِمَامِ
مُبَدِّدُ الرُومِ بِالحُسَامِ
يَعْقِدُ فِي هَامَةِ الأَُسودِ بِيضَ الهُنُودِ
للهِ يَوْمٌ أَغَرُّ زَاهِرْ
قَدْ حَلَّ بِالأَندلُسِ آمِرْ
قَالُوا وَقَدْ وَافَتِ البَشَائِرْ
بِالمَلِكِ السَّيِّدِ السَّعِيدِ أَبِي سَعِيدِ
و لابن حزمون في القاضي القسطلي:
تَخُونُكَ العَيْنَانْ ... يَا أيُّهَا القَاضِي فَتَظْلِمْ
لا تَعْرِفُ الأشْهَادْ ... وَلا الذِي يُسَطَّرْ وَيُرْسَمْ
وكان أخفش.
ومن أخرى:
يَا نَاقِصاً فِي كَمَالْ
نَقْصَ الحَرْبِ الزَائِدِ فِي الأشْبَاحْ
وله قدرة على مضايقة القوافي كقوله في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد قتله النصارى:
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا ... النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا ... كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ
مِنْ آلِ سَعْدٍ أَغَرّْ ... مِثْلُ الشِّهَابِ المُتَّقِدْ
بَكَى جَمِيعُ البَشَرْ ... عَلَيْهِ لَمَّا أَنْ فُقِدْ
والمَشْرَفِيُّ الذَّكَرْ ... والسُمْهَرِيُّ المُطَّرِدْ
شَقَّ الصُفُوفَ وكَرّْ ... عَلَى العَدُوِّ مُتَّئِدْ
لَوْ أنَّهُ مُنْعاجْ عَلَى الوَرَى ... مِنَ الثَّرَى أَوْ رَاجِعْ

عَادَتْ لَنَا الأَفْرَاحْ بِلا افْتِرَا ... وَلا امْتِرَا تُضَاِجعْ
نَضَا لِبَاسُ الزَرَدْ ... وَخَاضَ مَوْجَ الفَيْلَقِ
وَلَمْ يَرُعْهُ عَدَدْ ... ذَاكَ الخَمِيسِ الأَزْرَقِ
وَالحُورُ تَلْثُمُ خَدّْ ... أَدِيمِهِ المُمَزَّقِ
وَكَانَ ذَاكَ الأَسَدْ ... فِي كُلِّ خَيْلِ يَلْتَقِي
إِذَا رَأَى الأَعْلاجْ وَكبَّرَا ... ثُمَّ انْبَرَى يُماصِعْ
رَأَيْتَهُمْ كَالدَّجَاجْ مُنَفَّرَا ... وَسْطَ العَرَا الوَاسِعْ
جَالَتْ بِتِلْكَ الفُجُوجْ ... تَحْتَ العِجَاجِ الأكْدَرِ
خُيُولُهُمْ فِي بُروجْ ... مِنَ الحَدِيدِ الأَخْضَرِ
يَا قِفْلَ تِلْكَ الفُرُوجْ ... وَلَيْتَهُ لَمْ يُكْسَرِ
جَعَلْتَ أرْضَ العُلُوجْ ... مَجْرَى الجِيادِ الضُمَّرِ
سَلَكْتَ مِنْهَا فِجَاجْ فَلا تَرَى ... إلاَّ القُرَى بَلاقِعْ
وَالخَيْلُ تَحْتَ العَجَاجْ لَهَا انْبَرَا ... ولِلْبُرَى قَعَاقِعْ
عَهْدِي بِتِلْكَ الجِّهَاتْ ... أبَى الهَوَى أَنْ أحْصِيَهْ
يَا حَادِيَ الرَّكْبِ هَاتْ ... حَدِّثْ لَنَا بِمُرْسِيَةْ
أوْدَى أبُو الحَمَلاتْ ... يَا وَيْحَهَا بَلَنْسِيَةْ
فِي طَاعَةِ اللهِ مَاتْ ... حَاشَا لَهُ أنْ يَعْصِيَهْ
مَضَى بِنَفْسٍ تُهاجْ مُصَبِّرَا ... مُصْطّبِرَا وَطَائِعْ
وَبَاعَهَا فِي الهَيَاجْ لَقَدْ دَرَى ... مَاذَا اشْتَرَى ذَا البَائِعْ
مَاءُ المَدَامِعِ صَابْ ... عَلَيْكَ أَوْلى أنْ يَجُوْدْ
سَقَى البَرِيَّةَ صَابْ ... رِزْءٌ أحَلَّكَ اللُّحُودْ
فَكُلَّ خَلْقٍ أَصَابْ ... إلاَّ النَّصَارَى وَاليَهُودْ
نَادَيْتُ قَلْباً مُصَابْ ... يَجْرِي عَلَى المَيْتِ العُهُودْ
يَا قَلْبِيَ المُهْتَاجْ تَصَبَّرَا ... زَانَ الثَّرَى مَدَافِعْ
ابْنُ أبي الحَجَّاجْ فَهَلْ تَرَى ... لَمَّا جَرَى مُدَافِعْ
؟

موشحة لابن المريني وتروى لليكي
مَا لِبَنَاتِ الهَدِيلْ ... مِنْ فَوْقِ أغْصَانِ
هَيَّجْنَ عِنْدَ الصَّبَاحْ ... شَوْقِي وَأحْزَانِي
بِهَاتِفَاتِ الغُصُونْ ... نَهْتِفُ أوْصَابِي
بِكُلِّ سَاجِي الجُفُونْ ... هَوَاهُ يُغْرِى بِي
فِي مُقْلَتَيْهِ مَنُوْنْ ... لِلْهَائِمِ الصَّابِي
غُصْنٌ وَلَكِنْ يَمِيلْ ... فِي دَعْصِ كُثْبَانِ
مِنْ وَجْهِهِ لِلْصَبَاحْ ... وَالقَدُّ لِلْبَانِ
هَيْهَاتَ أيْنَ الأمَلْ ... مِنْ غَادَةٍ رَوْدِ
تَزْهُو بِوَرْدِ الخَجَلْ ... وَقَدِّ أمْلُودِ
أَصْمَتْ بِسَهْمِ المُقَلْ ... فُؤَادَ مَعْمُودِ
فَكَمْ لَهَا مِنْ قَتِيلْ ... بِسِحْرِ أجْفَانِ
وَمُثْخَنٍ مِنْ جِرَاحْ ... رَهِينِ أحْزَانِ
هَيْهَاتَ لَوْ أنَصَفُوا ... مِنْ طَرْفٍ مَكْحُولِ
يَرْنُو بِهِ أوْطَفُ ... عَمْداً لِتَنْكِيلِ
إنْ لَمْ يَكُنْ يُوسُفُ ... نَجْلُ البَهَالِيلِ

يُجيرُ صَبّاً عَلِيلْ ... مِنْ جَوْرِ فَتَّانِ
يَرْنُو بِمَرْضَى صِحَاحْ ... تُثِيرُ أشْجَانِي
يَا دَهْرُ عَنِّي فَقَدْ ... ظَفَرْتُ بالمَرْغُوبْ
مِنْ مَاجِدٍ يُعْتَمَدْ ... عَلَيْهِ عِنْدَ الخُطُوبْ
مَا حَاتِمٌ فِي الصَّفَدْ ... إلاَّ أبُو يَعْقُوبْ
قَدْ صَحَّ مَا عَنْهُ قِيلْ ... هَذَا هُوَ الثَّانِي
كَفَّاهُ عِنْدَ السَّمَاحْ ... والغَيْثَ سَيَّانِ
وَغَادَةٍ مَا بِهَا ... إلاَّ هَوَىً وادِّكَارْ
تَهِيمُ مِنْ حُبِّهَا ... بِيُوسُفِ بْنِ خِيَارْ
غَنَّتْ إِلَى صَبِّهَا ... إذْ رَامَ حَلَّ الإزَارْ
ارْفُقْ عَلَيَّ قَلِيلْ ... بِحَلِّ هَمْيَانِي
وَاللهِ يَا مَوْلَى المِلاحْ ... مَا تَدْرِ مَا شَانِي

زجل لمدغليس
ثَلاثَ أشْيا فِالْبَساتِينْ ... لِسْ تُجَدْ في كُلِّ مَوْضِعْ
النَّسيمْ وَالخَضْرَ وَالطَّيْرْ ... شِمْ وَاتْنَزَّهْ وإِسْمَعْ
قُمْ تَرَى النَّسِيمْ يُوَلْوِلْ ... وَالطُّيورْ عَلِهْ تِغَرِّدْ
وَالثِّمَارْ تُنْثُرْ جَوَاهِرْ ... في بِساطْ مِن الزُّمُرُّدْ
وبِوَسْطِ المرجِ الأخْضَرْ ... سقْيِ كالسِّيفِ المُجَرَّدْ
شبِّهتْ بالسيفِ لما ... شُفِتْ الغدِير مدرَّعْ
ورَذاذاً دقِّ يِنْزِلْ ... وشُعاعِ الشمسِ يِضْرَبْ
فتَرَىَ الواحِدْ يِفَضَّضْ ... وتَرَى الآخرْ يِذَهَّبْ
والنَّباتْ يِشْرَبْ ويِسْكَرْ ... والغُصُونْ تُرْقُصْ وِتِطْرَبْ
وتِرِيد تِجِي إِلِينَا ... ثُمَّ تِسْتِحِي وتِرْجَعْ
وجوارْ بِحَلْ حُور العِين ... في رِيَاضْ تُشْبِهْ لِجَنَّا
وعشيَّةً قصيرا ... تنظرَ الخُلْعَ تُجَنَّا
لِشْ تريدْ نفَارْقُوها ... وهيَّ تحْمِلْ طَاقَا عَنَّا
وكَأَنَّ الشَّمْسَ فيها ... وَجْهِ عاشقْ إِذ يِوَدَّعْ
إِسْتَمِعْ أُمْ الحُسُنْ كِفْ ... تِلْهِمَكْ إلى الخَلاعَا
بنَغَمْ تِرُدِّ الأشْياخ ... للمجونِ وللرَّقَاعَا
غَرَّدَتْ مِنْ غُدْوَ للِّيل ... ومَا كَرَّرِتْ صِنَاعا
يسْمَعِ الخُليعْ غِنَاهَا ... ويحُسْ قَلْبُ يِخَلَّعْ
زجل غيره له
قَدْ بِنْتْ نَتِخْلَعْ ... ونَحْزِمْ للعَذُولِ أنْ صَدَعْ
نِحِبّْ هَذَا الشَرَابْ مِنْ ذَاتِي
وَقَدْ نِسِيتْ بِهِ جَمِيعْ لَذَّاتِي
لَسْ نَسْتَحِي مِنْكِ يا شِيباتِي
كَاسْ يالله نِرْضَعْ ... وابْيَضْ أوْ اسْوَدْ أوْ اهْبُطْ لِي طْلَعْ
يِجِي عَلَى كَاسِ لِسْ نَغْلَقْ عَيْنْ
وَنِشْرَبُ صَافِي اثْنِينْ فِي اثْنِينْ
لأَنَّ نِخْشَى يِجِي صَحْبِ الدِّينْ
ويُقُولْ لِي إِقْلَعْ ... وَأنَا مِنَ الدُّنْيَا عَدْ لَمْ نِشْبَعْ
وله شعر ملحون على طريقة العامة منه:
صَحْبِةِ العُنْقِ المَلِيحِ المُخَلْخَلْ ... حُبِّي فِكْ ثَابِتْ ودِينِي مُخَلْخَلْ
وَعَلامَ بِعْتْ دِينِي بِحُبَّكْ ... لَوْ عَطِيتْ مَرْغُوبِي فِكْ لَسْ تِسْأَلْ
فَلَقَدْ عِنْدَكْ حَلاوَى لِي مِنَوَّعْ ... وجَمَالاً طَوْعْ إلامَ يَخْذَلْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
مملكة المرية
وهو:
كتاب الجمانة، في حلي حصن مرشانة
بينه وبين المرية ثمانية عشر ميلاً منه:
أبو إسحاق إبراهيم بن حكم

كاتب باديس بن حبوس ملك غرناطة من المسهب: كان ناظماً ناثراً حسن المحادثة لائقاً بخدمة الملوك، وترقى إلى أن استكتبه واستوزره باديس بن حبوس. ومن شعره قوله:
صَابِحْ مُحَيَّاهُ تَلْقَ النَّجَحَ فِي الأمَلِوَانْظُرْ بِنَادِيهِ حُسْنَ الشَّمْسِ وَالحَمَلِ
مَا إِنْ يُلاقِي خَلِيلٌ فِيهِ مِنْ خَلَلٍوَكُلَّمَا حَالَ صَرْفُ الدَّهْرِ لَمْ يَحُلِ
وقوله:
أَيْنَ أيَّامِي عَلَى تِلْ ... كَ الرِّيَاضِ الزَّاهِرَاتِ
وَوُرُودِي ذَلِكَ الثَّغْ ... رَ بِرَفْضِ التُرَّهَاتِ
وَسَمَاعِي كُلَّ قَوْلٍ ... غَيْرَ قَوْلِ العَاذِلاتِ
فَلَقَدْ ضَاعَفَ رَبِّي ... في ذَرَاهَا سَيِّئَاتِي
يَا تُرَى يَوْمَ حِسَابِي ... كَيْفَ ألْقَى حَسَنَاتِي
لَيْسَ بِي والله إلاَّ ... مَسْكَنٌ لِلْحَسَرَاتِ

أبو محمد عبد الله بن خالص
من تقييد سلفي: أن بني خالص أعيان برشانة هذه، وأن أبا محمد نجب منهم في طريقة الأدب، وهو من الفضلاء الذين لحقوا الدولتين.
ومن شعره قوله:
شَكَوْتُ بِمَا ألْقَاهُ مِنْ ألَمِ الهَوَىفَقَالُوا ضَعِيفُ حُبٍّ مَنْ يَظْهِرُ الشَّكْوَى
فَأَخْفَيْتُ مَا قَاسَيْتُ مِنْ لاعِجِ الجَوَىفَقَالُوا: يَدُلُّ الصَّمْتُ أنَّ بِهِ بَلْوَى
نَعَمْ صَدَقُوا لَكِنَّنِي لَسْتُ شَاكِيَاًإلَى غَيْرِ مَنْ يَحْوِي السَّرِيرَةَ والنَّجْوَى
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
مملكة المرية
وهو:
كتاب نقش الحنش، في حلي حصن شنش
على مرحلة من المرية: وفيه شجر التوت كثير، بسبب الحرير، ولهم فيه غللٌ عظيمة. منه:
الكاتب أبو محمد عبد الغني بن طاهر
كاتب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة
أخبرني والدي: أنه لم يزل مع الملك المذكور في عزٍّ ونعمةٍ إلى أن وقع له على رسالة بعثها إلى أخيه أبي حفص بن عبد المؤمن ملك إشبيلية، فغار من ذلك وسمه فمات، ومن الرسالة: وَكَانَ سَيِّدُنَا - أَسْعَدَ اللهُ بِبَقَائِهِ الكَيَانْ - ، وَحلي بِدَوْلَتِهِ جِيدَ الزَّمَانْ، قَدْ أطْعَمَنِي بِطُلُوعِ فَجْرِهِ في رُؤْيَةِ شَمْسِهِ، وَشَوَّقَنِي إلَى غَدِهِ وَيَوْمِهِ، بِمَا أَلاحَ لي مِنْ كَرَامَةِ أَمْسِهِ، وَكَنْتُ قَدْ أَخَذْتُ إلَى مَقَامِهِ العَالِي فِي الانْتِقَال، فَأَشَارَ إشَارَةَ مُنْشِطْ، وَأَسْعَفَ إِسْعَافَ مُغْتَبِطْ، فَبَقِيتُ مُتَوَقَعَاً لِلَفْظِهِ، مُتَأمِّلاً إلَى وُرُودِ الالْتِفَاتِ ولَوْ بِلَحْظِهِ.
فَلَوْ زَارَنِي مِنْ نَحْوِ أفْقِكَ بَارِقٌلَهَزَّ جَنَاحِي طَائِراً نَحْوَكَ الوِدُّ
ومَا عَلَى غَيْرِ يَدِكَ الكَرِيمَةِ، يَكُونُ مِنْ هَذَا المَكَانُ سِرَاحِي، ولا أَرْجُو مِنْ غَيْرِ الْتِفَائِكَ أنَ يَرَاشَ جَنَاحِي، فَاجْعَلْنِي بِبَالٍ مِنْ اعْتِنَائِكَ، فَإنِّي لَمْ أُوَجِّهْ وَجْهِي إلَى غَيْرِ رَجَائِكَ.
ومن شعره قوله:
تَبَسَّمَ شَيْبِي في عَذَارِي مُنَكِّباً ... فَقُلْتُ لَهُ يَا لَيْتَ طَرْفِي قَدْ عَمِي
فَقَالَ عَجِيبٌ بُغْضُ مَنْ لاحَ طَالِعاًكَصُبْحٍ وَلَمْ يُظْهِرْ خِلافَ التَّبَسُّمِ
وَلَمْ يَدْرِ أنَّ اللَّيْلَ وَالوَيْلَ طَيُّهُوَهَلْ هُوَ إِلاَّ مِثْلُ رَقْمٍ بِأَرْقَمِ
تَرَانِي أَهْوَاهُ وَقَدْ صَارَ مَنْ بِهِ ... أَهِيمُ إذَا مَا مَرَّ بِي لَمْ يُسَلِّمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الخامس
من الكتب التي يشتمل عليها:
مملكة المرية
وهو:
كتاب لحظ الجؤذر، في حلي حصن دوجر
أخبرني والدي: أنه على وادي المرية، بينهما اثنا عشر ميلاً وهي في الغرب منها، ومنه:
عبد الله بن فرة
أخبرني والدي: أنه شاعر، أظنه في المائة السادسة، ينسب له قوله:

إِنْ شِئْتَ تَعْرِفُ أَحْوَالَ الأَنَامِ فَخُذْعَنْ عَالِمٍ بِهُمُ بَحَّاثِ أَسْرَارِ
النَّاسُ في هَذِهِ الدُّنْيَا كَمَا نَشَرُوايَوْمَ القِيَامَةِ مِعْيَارَاً بِمِعْيَارِ
شَخْصٌ مِنَ الأَلْفِ في عَدْنٍ مَحِلَّتُهُ ... وَسَائِرُ النَّاسِ في بَحْبُوحَةِ النَّارِ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة المرية
وهو:
كتاب البهجة، في حلي مدينة برجة
البساط
كان والدي متولعاً بالفرجة فيها، لما خصها الله به من حسن المنظر، أخبرني أن الجنات محدقة بها، وهي على نهر بهيج، يعرف بوادي عذراء، وفيه الفواكه الجليلة، وبها معدن الرصاص.
العصابة
تارة يتكرر عليها الولاة من المرية، وتارة من غرناطة، ولكن الأغلب ولاية المرية، فلذلك أثبتناها في مملكتها.
السلك
القواد
القائد
أبو محمد عبد الله بن سوار
أخبرني والدي: أنه من بيت رياسة وإمارة، وكان أبو محمد مع سلوك طريق آبائه في الجندية، مزاحماً لأهل الفضل. ومن شعره قوله:
أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ رَقَّ وَرَاقَنِي ... وَكَانَ كَعَرْفٍ قَدْ تُنُشِّقَ عَنْ زَهْرِ
كَأَنَّ مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظَ نَثْرِهِ ... كُؤُوسٌ وَقَدْ نَمَّتْ بِصَافِيَةِ الخَمْرِ
وقوله:
لَقَدْ طَالَ عَتْبِي لِلْزَمَانِ لأَنَّهُ ... يُقَصِّرُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ نِصَابِي
وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ يُكَلِّفَنِي النَّوَى ... فَتَتْعَبَ في نَيْلِ العَلاَءِ رِكَابِي
ومن الكتاب
أبو بكر بن عمار
كاتب المتوكل بن هود سلطان الأندلس
اجتمعت به في غرناطة، وكان له حظ من الأدب، واشتهر قوله:
قُلْ لِمَنْ يَشْهَدُ حَرْبَاً ... تَحْتَ رَايَاتِ ابْنِ هُوُدِ
ثُمَّ لا يُقْدِمُ فِيهَا ... مِثْلَ إِقْدَامِ الأُسُودِ
حُرِمَ الحَظَّ مِنَ الدُّنْ ... يَا وَمِنْ دَارِ الخُلُودِ
؟
ومن العلماء
أبو الفضل جعفر بن أبي عبد الله
بن شرف
والده أبو عبد الله أديب القيروان، ذكر الحجاري: أنه ولد له في برجة، وقد قيل إنه دخل به الأندلس صغيراً.
ومن الذخيرة: ذو مرة لا تناقض، وعارضة لا تعارض، وذكر أنه حيٌ في عصره بالمرية، واشتهر بمدح المعتصم بن صمادح . الغرض مما أنشده من نظمه قوله من قصيدة فيه:
مَطَلَ اللَّيْلُ بِوَعْدِ الفَلَقِ ... وَتَشَكَّى النَّجْمُ طُولَ الأَرَقِ
وَأَلاحَ الفَجْرُ خَدَاً خَجِلاً ... جَالَ مِنْ رَشْحِ النَّدَى فِي عَرَقِ
جَاوَزَ اللَّيْلَ إِلَى أَنْجُمِهِ ... فَتَسَاقَطْنَ سُقُوطَ الوَرَقِ
وَاسْتَفَاضَ الصُّبْحُ فِيهَا فَيْضَةً ... أَيْقَنَ النَّجْمُ لَهَا بِالغَرَقِ
وقوله:
رَأَى الحُسْنُ مَا فِي خَدِّهِ مِنْ بَدَائِعٍفَأَعْجَبَهُ مَا ضَمَّ مِنْهُ وَطَرَّفَا
وَقَالَ لَقَدْ أَلْفَيْتُ فِيهِ نَوَادِرَاًفَقُلْتُ لَهُ لا بَلْ غَرِيبَاً مُصَنَّفَا
وقوله:
أَلا فَاسْقِنِيهَا وَالصَّبَاحُ كَأَنَّهُعَلَى الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ ثَوْبُ مُمَزَّقُ
ومن القلائد: الناظم الناثر، الكثير المعالي والمآثر، إن نثر رأيت بحراً يزخر، وإن نظم قلد الأجياد دراً تباهي به وتفخر. ووصفه بمعرفة علم الأوائل. وله تصانيف. ومن حكمه: العالم مع العلم كالناظر للبحر، يستعظم مايرى والغائب عنه أكثر - الفاضل في الزمان السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لولا الرياح - لتكن بالحال المتزايدة، أغبط منك بالحال المتناهية، فالقمر آخر إبداره، أول إدباره - لتكن بقليلك أغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه أقوى من الميت على أقدام الحملة، وهي ثمان - المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحر، إن أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه - ليس المحروم من سأل فلم يعط، وإنما المحروم من أعطي فلم يأخذ. وأحسن ما أثر له قوله:

تَقَلَّدَتْنِي اللَّيَالِي وَهِيَ مُدْبِرَةٌ ... كَأَنَّنِي صَارِمٌ فِي كَفِّ مُنْهَزِمِ
ومنها:
وَإِنَّ أَحْمَدَ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ عَظُمَتْ ... لَوَاحِدٌ مُفْرَدٌ فِي عَالَمٍ أُمَمِ
تُهْدَى المُلُوكُ بِهِ مِنْ بَعْدِ مَا نَكَصَتْكَمَا تَرَاجَعَ فَلُّ الجَّيْشِ بِالعَلَمِ
مِنَ المُلُوكِ الأُلَى اعْتَادَتْ أَوَائِلُهُمْسَحْبَ البُرُودِ وَمَشْجَ المِسْكِ بِاللَّمَمِ
زَادَتْ مُرُورُ اللَّيَالِي بَيْنَهُمُ شَرَفاًكَالسَّيْفِ يَزْدَادُ إِرْهَافَاً عَلَى القِدَمِ
تَسَنَّمُوا نَكَبَاتِ الدَّهْرِ وَاخْتَلَطُوامَعَ الخُطُوبِ اخْتِلاَطَ البُرْءِ بِالسُّقَمِ
وأطنب الحجاري في الثناء عليه، وعظمه في شعره، بقوله في ابن صمادح:
لَمْ يَبْقَ لِلْجُورِ فِي أَيَّامِكُمْ أَثَرٌإِلا لِلَّذِي فِي عُيُونِ الغِيدِ مِنْ حَوَرِ
وهو من شعراء المائة السادسة.

ابنه أبو عبد الله
محمد بن أبي الفضل
أخبرني والدي: أنه كان فيلسوفاً أديباً، ومن السمط: ذو السلف والشرف، والنخب والطرف. وذكر أنه اعتبط شاباً، وأنشد له:
مَلاَمَكُمَا ظُلْمٌ عَلَيَّ وَعُدْوَانُ ... فَكُفَّا وَلَوْ أَنَّ المَلاَمَةَ إِحْسَانُ
تَقُولانِ مَنْ أَضْنَاكَ شَوْقاً وَلَوْعَةًأُولَئِكَ أَحْبَابِي يَكُونُونَ مَنْ كَانُوا
هُمُ زَهْرَةُ الدُّنْيَا عَلَى أَنَّهُمْ جَفَوْاوُهُمْ مَوْضِعُ اللُّقْيَا وَلَوْ أَنَّهُمْ بَانُوا
ومنها:
حَوْلِي مِنَ الأَعْدَاءِ وَاشٍ وَكَاشِحٌ ... وَغَيْرَانُ مَرْهُوبُ اللِّقَاءَةِ شَيْحَانُ
وَصَفْرَاءُ مِرْنَانُ لِفِرْقَةِ إِلْفِهَا ... وَأَبْيَضُ مَكْسُوٌّ وَأَسْمَرُ عُرْيَانُ
الأهداب
موشحة لأبي عبد الله المذكور
يَا رَبَّةَ العِقْدِ مَتَى تَقَلَّدْ
بِالأَنْجُمِ الزُّهْرِ ذَاكَ المُقَلَّدْ
مَنْ أَطْلَعَ البَدْرَا عَلَى جَبِينِكَ
وَأَوْدَعَ السِّحْرَا بَيْنَ جُفُونِكَ
وَرَوَّعَ السُّمْرَا بِفَرْطِ لِينِكَ
يَا لَكَ مِنْ قَدِّ مَهْمَا تَأَوَّدْ
أَهْدَى إِلَى الزَّهْرِ خَداً مُوَّرَّدْ
قُمْ فَاقْتَدِحِ زَنْدَا مِنَ العُقَارِ
قَدْ قُلِّدَتْ عِقْدَا مِنَ الدَّرَارِي
وَأُلْبِسَتْ بُرْدَا مِنَ النُّضَارِ
وَاشْرَبْ عَلَى وَرْدِ عَلْيَا مُحَمَّدْ
نَاهِيكَ مِنْ سِرِّ وَطِيبِ مَوْرِدْ
النَّصْرُ يَلْتَاحُ عَلَى عُلاهُ
الزَّهْرُ يَرْتَاحُ إِلَى نَدَاهُ
مَا الصُّبْحُ وَضَّاحُ لَوْ لا سُرَاهُ
فَالْبِسْ مِنَ المَجْدِ بُرْدَاً مُعَضَّدْ
وَانْظُمْ مِنَ الشِّعْرِ دُرَّا مُنَضَّدْ
للهِ مَا أَعْلَى فِي كُلِّ حَالِ
مَلْكٌ اسْتَوْلَى عَلَى الكَمَالِ
مَقَلَّدَاً نَصْلا مِنَ الجَّلالِ
يَهُزُّ لِلْمَجْدِ نَصْلاً مُهَنَّدْ
يَهُبُّ بِالنَّصْرِ فِي كُلِّ مَشْهَدْ
أَنْعَمُ مِنَ الحُسْنَا بِكُلِّ حُسْنِ
فِي الشَّرَفِ الأَسَى وَظِلِّ أَمْنِ
يَا صِدْقَ مَنْ غَنَّى وَأَنْتَ تُغَنِّي
مَا كَوْكَبُ المَجْدِ إِلاَّ مُحَمَّدْ
فَرَايَةُ الأَمْرِ عَلَيْهِ تُعْقَدْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب المملكة المرية
وهو:
كتاب إيضاح الغبش، في حلي مدينة أندرش
من المسهب: قطعة من جنات النعيم، ذات ثغرٍ بسامٍ وخدٍ رقيم. قال ابن سعيد: جزت عليها مع والدي، فأبصرنا منظراً فتانا. وقال والدي في نهرها:
خَلِّنِي فِي نَهْرِ أَنْدَرَشِ ... كَيْ أُرَوِّي عِنْدَهُ عَطَشِي
مُدَّ مِنْهُ مِعْصَمٌ نَضِرٌ ... فِي بَسِيطٍ بِالرِّيَاضِ وُشِي
عِنْدَمَا أَبْصَرُْ بَهْجَتَهُ ... حِرْتُ مِنْ فِكْرٍ وَمِنْ دَهَشِ
أبو بكر عيسى بن وكيل

من السمط: ذو الذهن الصقيل، ومطارح الورق في ندب الهديل، المتصرف كيف شاء فيما شاء من غرادٍ وعويل. بكته الغرب، ومحي رسوم العرب. وأنشد له القصيدة القافية المشهورة التي قالها في ابن عشرة حين خلصه من السجن يسلا، وأدى عنه للسلطان ما انكسر عليه في العمل من المال:
سَلِ البَّرْقَ إِذْ يَلْتَاحُ مِنْ جَانِبِ البَلْقَاأَقِرْطَيْ سُلَيْمَى أَمْ فُؤَادِي حَكَى خَفَقَا
وَلِمْ أَسْبَلَتْ تِلْكَ الغَمَامَةُ دَمْعَهَاأَرِيْعَتْ لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ ذَاقَتِ العِشْقَا
وَلِلْرِّيحِ هَلْ جَاءَتْ بِعَرْفِ أَحِبَّتِيوِإِلاَّ فَلِمْ فَاحَ النَّسِيمُ وَلِمْ رَقَّا
ومنها:
وَلَمَّا دَهَانِي حَمْلُ مَا لا أُطِيقُهُمِنَ النُّوَبِ اسْتَمْسَكْتُ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى
ومن المسهب: أحد أعلام الزمان، وأفراد الأوان، أدب نفس، وأدب درسٍ، غذاه در العلوم، فبرع في المنثور والمنظوم، وهو من صحبته، فأحمدت صحبته، ومدحته بقصيدة منها:
إِلَى ابْنِ وَكِيلٍ وَكَلْتُ المُنَى ... ضَمَانٌ عَلَيْهِ بِأَنْ تَنْجَحَا
وقد تقدم له أبيات حسان في طليطلة.

مملكة تدمير
كتاب الأنس، في حلي شرق الأندلس
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب جزيرة الأندلس
وهو:
كتاب الأنس، في حلي شرق الأندلس
ينقسم إلى: كتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير كتاب الروضة النرجسية، في حلي المملكة البلنسية كتاب الفصوص المنقوشة، في حلي مملكة طرطوشة كتاب شفاء الغلة، في حلي مملكة السهلة كتاب ابتسام الثغر، في حلي جهات الثغر كتاب اللمعة البرقية، في حلي المملكة الميورقية
كتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يحتوي عليها:
كتاب شرق الأندلس
وهو:
كتاب التثمير، في حلي مملكة تدمير
ينقسم إلى: كتاب النغمة المنسية، في حلي حضرة مرسية كتاب رونق الجدة، في حلي قرية كتندة كتاب الاستعانة، في حلي قرية منتانة كتاب الأيكة، في حلي حصن يكة كتاب الكثب المنهالة، في حلي حصن تنتالة كتاب المودة الموصولة، في حلي مدينة مولة كتاب الليانة، في حلي مدينة بليانة كتاب الأرش، في حلي مدينة ألش كتاب النحت، في حلي مدينة لقنت كتاب النشقة، في حلي مدينة لورقة كتاب البرد المطرز، في حلي قرية برزز كتاب النعمة المبذولة، في حلي مدينة أريولة كتاب الأشهر المهلة، في حلي مدينة الرلة عدة هذه الكتب ثلاثة عشر.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب النغمة المنسية، في حلي حضرة مرسية
هي عروس لها تاج، وسلك، وأهداب.
المنصة:
من كتاب الرازي: هي من بنيان عبد الرحمن بن الحكم المرواني سلطان الأندلس.
ومن المسهب: مرسية أخت إشبيلية: هذه بستان شرق الأندلس، وهذه بستان غربها: قد قسم الله بينهما النهر الأعظم، فأعطى هذه الذراع الشرقي، وأعطى هذه الذراع الغربي، ولمرسية مزية تيسير السقيا منه، وليست كذلك إشبيلية لأن نهر مرسية يركب أرضها، وإشبيلية تركب نهرها. ولمرسية فضل ما يصنع فيها من أصناف الحلل والديباج، وهي حاضرةٌ عظيمةٌ شريفة المكان، كثيرة الإمكان.
وقال الحضرمي: كما يتجهز الفارس من تلمسان، كذلك تتجهز العروس من مرسية. ومن متفرجاتها المشهورة الرشاقة، والزنقات، وجبل أيل، وهو جبل شعبذات، وتحته بساتين، وبسيطٌ تسرح فيه العيون.
التاج
تملكها بالثيارة في مدة بانيها:
عبد الله بن سلطان الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المرواني
عبدالله بن عبد الحمن بن معاوية

ذكر صاحب السقط: أنه سمت نفسه بعد أبيه لطلب الأمر، فناقض أخاه هشام بن عبد الرحمن سلطان الأندلس، وشايع أخاه الخارج عليه سليمان بن عبد الرحمن وكان حريصاً محروماً مما طلبه، حارب أخاه هشاماً، ثم حارب ابن أخيه الحكم بن هشام ثم حارب عبد الرحمن بن الحكم.وفي مدة كل واحد منهم يهزم ويقصى، وبعد ذلك لا يني عن طلب الأمر، وآل أمره مع عبد الرحمن إلى أن خطب في جامع مرسية، ودعا على الظالم بينهما، فعاجله الله بالمنية، دون بلوغ أمنية.
وثار بها في مدة ملوك الطوائف.

المرتضي بن عبد الرحمن بن محمد
المرواني الناصري
وبايعه الموالي العامرية الذين تغلبوا على الممالك، وزحفوا به إلى غرناطة، فهزمه عليها صنهاجة، وقتل في تلك الوقعة، وصارت مرسية إلى تدبير:
أبي عبد الرحمن بن طاهر
وهو أحد أعيانها وترجمته في القلائد، ومن كلام الفتح في شأنه: به بدئ البيان وختم، وعليه ثبت الإحسان وارتسم،وعنه افتر الزمان وابتسم. وأورد له نثراً، وذكر أخذ بن عمارٍ مرسية من يده، وانحيازه إلى بلنسية، وحضوره وفاته بها سنة سبع وخمسمائة، وقد نيف على التسعين.
عنوان من نثره: من كتاب خاطب به المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة: الآنَ عَادَ الشَّبَابُ خَيْرَ مَعَادِهِ، وَابْيَضَّ الرَّجَاءُ بَعْدَ سَوَادِهِ، وَتَرَكَ الزَّمَاُن فَضْلَ عَنَانِهِ، فَلِلَّهِ الشُّكْرُ المُرَدَّدْ بِإِحْسَانِهِ، وَوَافَانِي - أَيَّدَكَ اللهُ - كِتَابٌ كَرِيمٌ، كَمَا طَرَزَ البَدْرُ النَّهَرَ، أَوْ كَمَا بَلَّلَ الغَيْثُ الزَّهَرَ، وَطَوَّقَنِي طَوْقُ الحَمَامَةِ، وَأَلْبَسَنِي ظِلَّ الغَمَامَةِ، وَأَثْبَتَ لِي فَوْقَ النَّجْمِ مَنْزِلَةً، وَأَرَانِي الخُطُوبَ نَائِيَةً عَنِي وَمُعْتَزِلَةْ، فَوَضَعْتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجْلالاً، وَلَثَمْتُ كُلَّ سُطُورِهِ احْتِفَاءً وَاحْتِفَالا.
وأخذها منه أبوبكر بن عمار وزير ابن عباد، وثار فيها لنفسه. وقد ذكرت ترجمته في جهة شلب.
وثار فيها على ابن عمار:
القائد عبد الرحمن بن رشيق
ولم يزل يدبر أمر مرسية، إلى أن ثار عليه بمعقل لورقة، صاحبها:
أبو الحسن بن اليسع
فملك مرسية باسم المعتمد بن عباد، ولاه ابن عباد مملكتها، وترجمته في القلائد. ومن ذكره فيها: عامر أندية النشوة، وطلاع ثنايا الصبوة، كلف بالحميا كلف حارثه بن بدر، وهام بفتى سماطٍ وفتاة خدر، فجعل للمجون موسماً، وأثبته في جبين أوانه ميسما.
وذكر أن أهل مرسية عزموا على قتله، ففر عنهم.
وأنشد له يخاطب أبا بكر بن اللبانة، وكانا على طؤيقين، فلم يلتقيا:
تُشْرِقُ آَمَالِي وَسَعْيِي يُغَرِّبُ ... وَتَطْلُعُ أَوْجَالِي وَأُنْسِيَ يَغْرُبُ
سَرَيْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَيْكَ وَإِنَّمَاأَنَا الكَوْكَبُ السَّارِي تَخَطَّاهُ كَوْكَبُ
فَبِاللهِ إِلاَّ مَا مَنَحْتَ تَحِيَّةًتَكُرُّ بِهَا السَّبْعُ الدَّرَارِي وَتَذْهَبُ
كَتَبْتُ عَلَى حَالَيْنِ: بُعْدٍ وَعُجْمَةٍفَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَدْنُو فَيُعْرِبُ
وذكر: أنه وصل إلى المعتمد بن عباد، ووصل إلى زيارته أبو الحسين بن سراج، وأبو بكر ابن القبطورنة، فخرج وهو دهشٌ على غفلة، ولما انصرفا كتبا إليه بما اقتضاه الحال، التي قدراها:
سَمِعْنَا خَشْفَةَ الخِشْفِ ... وَشِمْنَا طَرْفَةَ الطَّرْفِ
وَصَدَّقْنَا وَلَمْ نَقْطَعْ ... وَكَذَّبْنَا وَلَمْ نَنْفِ
وَأَغْضَيْنَا لإِجْلاَلِ ... كَ عَنْ أُكْرُومَةِ الظِرْفِ
وَلَمْ تُنْصِفْ وَقَدْ جِئْنَا ... كَ مَا نَنْهَضُ مِنْ ضِعْفِ
وَكَانَ الحَقُّ أَنْ تَحْمِ ... لَ أَوْ تُرْدِفَ فِي الرِّدْفِ
فراجعهما بقطعة منها:
أَيَا أَسَفِي على حالٍ ... سُلِبْتُ بِهَا مِنَ الظَّرْفِ
ويا لهفي على جَهْلِي ... بضَيْفٍ كانَ مِنْ صِنْفِ
وصارت مرسية بعد ذلك للملثمين، وتوالت عليها ولاتهم، إلى أن ملكها في الفتنة التي كانت عليهم:
الأمير المجاهد
أبو محمد عبد الله بن عياض

وكان من أبطال المسلمين غازياً للنصارى. وآل أمره إلى أن جاء سهم من نصراني قتله رحمة الله عليه، وقد ثار بعده صهره:

أبو عبد الله محمد بن سعد
المشهور بابن مرذنيش
وقد عظمه صاحب فرحة الأنفس، وذكر: أنه أولى من ذكرت مفاخره من ملوك تلك الفتنة، وجل قدره، حتى ملك مدينة جيان، ومدينة غرناطة وما بينهما، ومدينة بلنسية، ومدينة طرطوشة. وصادف دخول عساكر بني عبد المؤمن إلى الأندلس، فكابد منهم من العظائم والهزائم، ما ثبت له فيه صرامته، إلا أنه استحال حين اشتدت الأمور عليه، فصار يعذب على الأموال، ويرتكب في شأن تحصيلها القبائح، ويسلخ الوجوه، وينفخ في الأدبار، وقتل حتى أخته وأولادها، ولم يزل في ملكه إلى أن مات على فراشه.
وبعده صارت مرسية ليوسف بن عبد المؤمن وتوالت عليها ولاة بني عبد المؤمن، إلى أن ثار بها منهم عبد الله بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وصحت له الخلافة، إلى أن ثار بجهاتها:
المتوكل
محمد بن يوسف بن هود الجذامي
وادعى أنه من بني هود الذين كانوا ملوكاً بثغر سرقسطة، وآل أمره إلى أن ملك مرسية، ونهض إليه مأمون بني عبد المؤمن، وحصره بها، فانصرف عنه، فثارت بلاد الأندلس على المأمون، وانقادت لابن هود. وكان ذلك في سنة خمس وعشرين وستمائة، وصدرت المخاطبات عنه بأمير المسلمين المتوكل على الله. وكان عامياً جاهلاً مشؤوماً على الأندلس، كأنما كان عقوبة لأهلها، فيه زويت محاسنها، وطوي بساطها، ونثر سلكها، جبرها الله.
تحرك أول أمره إلى غربها، فهزمه النصارى على المدينة العظمى ماردة، ثم أخذوها، وسلسلوا في أخذ ما حولها، وما زالوا يأخذون المدن والمعاقل في حياته، ويهزمونه هزيمة بعد أخرى، إلى أن أراح الله منه على يد وزيره محمد بن الرميمي قتله بالليل غيلة في مدينة المرية، وقد نقب نقباً في قصره. وثار أعيان الأندلس بعده في البلاد، ولم ينقادوا لولده الذي لقبه بالواثق، وأخرجه عمه من مرسية.
وآل أمر مرسية إلى أن جعلت لعم المتوكل بن هود، بفريضةٍ للنصارى وخدمةٍ. ومما اشتهر من حكاياته المضحكة في الجهل أنه لما دخل مرسية، وبايعه أهلها على الملك، وصلى الجمعة خلف الإمام، سلم الإمام، فرد رأسه إليه ابن هود وقال بصوت عال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فأضحك من حضر.
وولى قرابته الأرذلين من بين شعار، وخباز، وقيم حمام، ومناد، على ممالك الأندلس، فقضى ذلك يتشتيت شملها، والله يعيد بهجتها.
وثار بها على بني هود:
عزيز بن خطاب
وكان عالماً مشهوراً بالزهد والانقباض عن الدنيا، فصار ملكاً جباراً سفاكاً للدماء، حتى كرهته القلوب، وغضت عن طلعته الأعين، وارتفعت في الدعاء عليه الألسن، فقتله الله على يد زيان بن مرذنيش. ثم أخرج أهل مرسية ابن مرذنيش المذكور، وصارت لبني هود والنصارى.
ومن شعر عزيز بن خطاب المذكور قوله:
ارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ مُتَابِعَاًمَا الحُرُّ إِلاَّ مَنْ يَؤُمُّ فَيُتْبَعُ
لاَ يَدْفَعَنَّ الذُلُّ عَنْكَ مُقَدَّرَاً ... مَا بِالخُضُوعِ تَنَالُ مَا يُتَوَقَّعُ
السلك
من الكتاب
أبو عامر بن عقيد
من المسهب: من جهات مرسية، ناظم ناثر غير خامل المكان، ولا منكر الإحسان، كتب عن ملك شرق الأندلس إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، ورفع عنه إليه أنه يفشي سره، ويقع فيه، فاعتقله، فكتب إليه شعراً، منه قوله:
أَتَأْخُذُنِي بِذَنْبٍ ثُمَّ تَنْسَى ... مِنَ الحَسَنَاتِ أَلْفَاً ثُمَّ أَلْفَا
وَتَتْرُكُنِي لأَسْيَافِ الأَعَادِي ... وَلَيْسَ يَهُزُّ قَوْلِي مِنْكَ عِطْفَا
كَأَنَّكَ مَا ثَنَيْتَ إِلَيَّ لَحْظَاً ... كَأَنَّكَ مَا مَدَدْتَ إِلَىَّ كَفَّا
جَعَلْتَ أَبِي عَلَى رِجْلِي وَمَا إِنْ ... لَهُ ذَنْبٌ يُهَانُ بِهِ وَيُجْفَى
فأعجبه ما داعب به في البيت الأخير وأعاده إلى ما كان عليه.

ومن كتاب فرحة الأنفس: أنه كتب عن ابن تاشفين المذكور في عبور أخيه أمير المسلمين علي بن يوسف إلى الأندلس: كان جوازه - أيده الله - من مرسى جزيرة طريف على بحر ساكن قد ذل بعد استصعابه، وسهل بعد أن أرى الشامخ من هضابه، وصار حيه ميتاً، وهدره صمتاً، وأمواجه لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وضعف تعاطيه، وعقد السلم بين موجه وشاطيه، فعبره آمناً من لهواته، متملكاً لصهواته، على جواد يقطع الخرق سبحاً، ويكاد يسبق البرق لمحاً، لم يحمل لجاماً ولا سرجاً، ولا عهد غير اللجة الخضراء مرجاً، عنانه في رجله، وهدب العين تحلي بعض شكله.

أبو يعقوب يوسف بن الجذع
كاتب ابن مرذنيش
وقع بينه وبين أخيه ما أوجب أن كتب له:
يَا أَخِي مَا الذِي يُفِيدُ الإِخَاءُ ... وَطَرِيْقُ الوِدَادِ مِنَّا خَلاَءُ
وَلَقَدْ كُنْتَ لِي كَمَا أَنَا عَضْدَاً ... فَأَحَالَتْ صَفَاءَكَ القُرْنَاءُ
فَسَلامٌ عَلَيْكَ مِنِّي يَأْسَاً ... لِي إِبَاءٌ كَمَا لَدَيْكَ إِبَاءُ
أخوه
أبو محمد عبد الله
جاوبه عن الأبيات بقوله:
يَا أَخِي لا يَضِعْ لَدَيْكَ الإِخَاءُ ... وَتَثَبَّتْ فَلَيْسَ عَنْكَ غَنَاءُ
وَكَمَا كُنْتَ لَسْتُ أَبْرَحُ عَضْدَاً ... لَمْ يُحِلْنِي عَنِ الهَوَى القُرْنَاءُ
فَعَلَيْكَ السَّلاَمُ مِنِّي وُدَّاً ... لِي انْقِيَادٌ كَمَا لَدَيْكَ إِبَاءُ
أبو جعفر أحمد السلمي
كتب عن ابن مرذنيش، وعن ابن همشك، وكان فيه لطفٌ وخفة روح، يرقيانه إلى منادمة الملوك، فنادمه ابن مرذنيش، وهو القائل في مجلسه:
أَدِرْ كُؤُوسَ المُدَامِ وَالدَّزِّ ... فَقَدْ ظَفِرْنَا بِدَوْلَةِ العِزِّ
وَمَكِّنِ الكَفَّ مِنْ قَفَا حَسَنٍ ... فَإِنَّهُ فِي لِيَانَةِ الخَزِّ
الدَّزُّ بَزُّ القَفَا وَخِلْعَتُهُ ... فَاخْلَعْ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ البّزِّ
أبو علي بن حسان كاتب ابن مرذنيش
ومن شعره قوله:
أَيَا قَوْمُ دُلُّونِي فَقَدْ حِرْتُ فِي أَمْرِيوَتُهْتُ بِلَيْلٍ لاَ يَؤُولُ إِلَى فَجْرِ
أَرَى خِدْمَةَ السُّلْطَانِ كَدَاً مُلاَزِمَاًوَحَرْبَاً لِحُسَّادٍ يَجِيشُ بِهَا صَدْرِي
وَفِي تَرْكِهَا فَقْرٌ وَطُولُ مَذَلَّةٍأَبَى اللهُ أَنْ يَصْفُو جَنَابٌ مِنَ الدَّهْرِ
أبو محمد عبد الله بن حامد
كاتب العادل من بني عبد المؤمن
وصل معه إلى إشبيلية لما فتحها، فقال قصيدة منها:
هَذِهِ حِمْصٌ فَقَدْ تَمَّ الأَمَلْ ... سَارَتِ الشَّمْسُ فَحَلَّتْ بِالحَمَلْ
كُنْتَ كَالسَّيْفِ ثَوَى فِي خِلَلٍ ... ثُمَّ لَمَّا هَمَّ لَمْ يَبْقَ خَلَلْ
العمال
أبو رجال بن غلبون
ولي أعمال مرسية في مدة يوسف بن عبد المؤمن، وأنشد له صاحب زاد المسافر من قصيدة:
بُشْرَى بِهَا تَتَهَادَى الضُمَّرُ القُوُدُ ... وَخَيْرُهَا بِنَوَاصِي الخَيْلِ مَعْقُودُ
وَأَيَّةً سَلَكَتْ مِنْ سَهْلٍ أَوْ جَبَلٍ ... طَلْعٌ نَضِيدٌ بِهَا أَوْ جَنَّةٌ رُودُ
ذوو البيوت
أبو العلاء بن صهيب
من القلائد: نبيل المشارع، جميل المنازع، كريم العهد، ذو خلائق كالشهد، مع فخر متأصل، وفهم إلى كل غامض متوصل، وذكر الفساد الذي وقع بينه وبين أبي أمية قاضي مرسية، وأهاجيه فيه، وأثر له قوله :
ذَكَرْتُ وَقَدْ نَمَّ الرِّيَاضُ بِعُرْفِهِفَأَبْدَى جُمَانَ الطَّلِّ فِي الزَّهَرِ النَّضِرِ
حَدِيثاً وَمَرْأَى لِلْسَّعِيدِ يَرُوقُنِيكَمَا رَاقَ حُسْنُ الشَّمْسِ فِي صَفْحَةِ الزَّهْرِ
سَرَيْتَ وَثَوْبُ اللَّيْلِ أَسْوَدُ حَالِكٌفَشَقَّ بِذَاكَ السَّيْرِ عَنْ غُرَّةِ البَدْرِ
فَلا أُفْقَ إِلاَّ مِنْ جَبِينِكَ نُورُهُ ... وَلا قَطْرَ إِلاَّ فِي أَنَامِلِكَ العَشْرِ
وَعِنْدِي حَدِيثٌ مِنْ عُلاَكَ عَلِقْتُهُيَسيرُ كَمَا سَارَ النَّسِيمُ عَنِ الزَّهْرِ
أبو علي الحسين بن أم الحور

كان منادماً لأبي جعفر الوقشي وزير ابن همشك، وعيناً من أعيان مرسية، ومن شعره قوله:
وَزِنْجِيٍّ أَتَى بِقَضِيب نُورٍ ... وَقَدْ حَفَّتْ بِنَا بِنْتُ الكُرُومِ
فَقَالَ فَتَىً مِنَ الفِتْيَانِ صِفْهُ ... فَقُلْتُ اللَّيْلُ أَقْبَلَ بِالنُّجُومِ

الحكام
قاضي مرسية
أبو أمية إبراهيم بن عصام
من القلائد: هضبة علاء لا تفرعها الأوهام، وجملة ذكاء لا تشرحها الأفهام، هزم الكتائب بمضائه، ونظم الرياسة في سلك قضائه، إذا عقد حباه أطرق الدهر توقيراً، وخلته من تهيبه عقيراً.
كتب إليه ابن الحاج :
مَا زِلْتُ أَضْرِبُ فِي عُلاَكَ بِمِقْوَلِيدَأْبَاً، وَأُوْرِدُ فِي رِضَاكَ وَأُصْدِرُ
وَاليَوْمَ أَعْذُرُ مَنْ يُطِيلُ مَلامَةً ... وَأَقُولُ زِدْ شَكْوَى فَأَنْتَ مُقَصِّرُ
فراجعه أبو أمية:
الفَخْرُ يَأْبَى وَالسِّيَادَةُ تَحْجُرُ ... أَنْ يَسْتَبِيحَ حِمَى الوَقَارِ مُزَوِّرُ
وَعَلَيْكَ أَنْ تُرْضِي بِسَمْعِ مِلامَةٍ ... عَيْنَ السَّنَاءِ وَعَهْدُهُ لا يُخْفَرُ
وَلَدَيَّ إِنْ نَفَثَ الصَّدِيقُ لِرَاحَةِ ... صَبْرُ الوَفَاءِ وَشِيمَةٌ لا تَغْدِرُ
ابنه أبو محمد
عبد الحق قاضي لورقة
أثنى عليه الحجاري وذكر أنه ارتجل بمحضره في غلام راعٍ لغنم:
وَا بِأَبِي أَغْيَدَ فِي قَفْرَةٍ ... كَأَنَّهُ ظَبْيٌ غَدَا شَارِدَا
أَقْسَمْتُ لَوْ لا أَعْيُنٌ حَوْلَنَا ... لَكُنْتُ فِي القَفْرِ لَهُ صَائِدَا
العلماء
أبو الحسن علي بن إسماعيل
بن سيده الأعمى اللغوي
من المسهب: لا يعلم بالأندلس أشد اعتناءً من هذا الرجل باللغة، ولا أعظم تواليف، تفخر مرسية به أعظم فخر، طرزت به برد الدهر، وهو عندي فوق أن يوصف بحافظ أو عالم، وأكثر شهرته في علم اللغة، ومن شعره قوله:
لا تَضْجَرَنَّ فَمَا سِوَاكَ مُؤَمَّلُ ... وَلَدَيْكَ يَحْسُنُ لِلْكِرَامِ تَذَلُّلُ
وَإِذَا السَّحَابُ أَتَتْ بِوَاصِلِ دَرِّهَافَمَنْ الذِي فِي الرِّيِّ عَنْهَا يَسْأَلُ
أَنْتَ الذِي عَوَّدْتَنَا طَلَبَ المُنَى ... لا زِلْتَ تَعْلَمُ فِي العُلا مَا يُجْهَلُ
وذكر الحميدي: أنه كان في خدمة الموفق مجاهد العامري ملك دانية.
أبو إسحاق إبراهيم بن عامر النحوي
لقيه والدي، وذكر: أن ابن زهر وقع له على ورقة شعرٍ، كتب له به، فلم يرضه: " وما أوتيتم من الشعر إلا قليلاً " .
وله:
لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ أَلْفَاً غَيْرَ وَاحِدَةٍيَا مَنْ دَعَانِي نَحْوَ العِزِّ وَالشَّرَفِ
مَا كُنْتُ دُونَكَ إِلاَّ الشَّمْسَ فِي سُحُبٍوَالمَاءَ فِي حَجَرٍ وَالدُّرَّ فِي صَدَفِ
أبو البحر صفوان بن إدريس
هو أنبه الأندلس في عصره، وله كتاب زاد المسافر في أعلام أوانه في النظم. وساد عند منصور بني عبد المؤمن، واشتهر أنه قصد حضرة مراكش، ومدح أعيانها، فلم يحصل منهم على طائل، فأقسم ألا يعود لمدح أحد منهم، وقصر أمداحه على أهل البيت عليهم السلام وأكثر من تابين الحسين رضي الله عنه، فرأى المنصور في منامه النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له فيه وسماه له، فقام المنصور وسأل عنه، فعرف قصته، فأغناه عن الخلق من يومئذ.
وله الأبيات التي يغنى بها في الآفاق، وهي:
يَا حُسْنَهُ وَالحُسْنُ بَعْضُ صِفَاتِهِ ... وَالسِّحْرُ مَقْصُورٌ عَلَى حَرَكَاتِهِ
بَدْرٌ لَوْ أَنَّ البَدْرَ قِيلَ لَهُ اقْتَرِحْأَمَلاً لَقَالَ أَكُونُ مِنْ هَالاتِهِ
يُعْطَى ارْتِيَاحَ الحُسْنِ غُصْنٌ أَمْلَدٌحَمَلَ الصَّبَاحَ فَكَانَ مِنْ زَهَرَاتِهِ
وَالخَالُ يَنْقُطُ فِي صَحِيفَةِ خَدِّهِ ... مَا خَطَّ مِسْكُ الصَّدْغِ مِنْ نُونَاتِهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب الاستعانة، في حلي مدينة منتانة
من قرى مرسية، منها:

أبو العباس أحمد المنتاني
كاتب أبي سعيد بن أبي حفص صاحب إفريقية
صحبه والدي. ومن شعره قوله في غلام من أبناء الفلاحين:
رُبَّ ظَبْيٍ قَدْ تَصَدَّى لِلأَسَدْ ... أَشْعَثِ الطِّمْرَيْنِ مُغْبَرَّ الجَسَدْ
لاحَ كَالسَّيْفِ عَلاهُ صَدَأْ ... فَدَرَى النَّاظِرُ مَا فِيهِ انْتَقَدْ
وقد مات رحمه الله.
وله من موشحة:
اشْرَبْ عَلَى مَبْسِمِ الزَّهْرِ ... حِينَ رَقَّ الأَصِيلْ
وَالشَّمْسُ تَجْنَحُ لِلْغَرْبِ ... وَالنَّسِيمُ عَلِيلْ
وَكُلُّنَا مِثْلُ وُرْقٍ ... لَهَا لَدَيْنَا هَدِيلْ
وَالكَأْسُ فِي كَفِّ سَاقِ ... قَدْ مَاسَ مِثْلَ القَضِيبْ
فِيهِ خَلَعْتُ عِذَارِي ... يَا حُسْنَهُ مِنْ حَبِيبْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب رونق الجدة، في حلي قرية كتندة
من قرى مرسية، منها:
أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الكتندي
قال والدي: هو من نبهاء شعراء عصره، سكن غرناطة، وانتفع به من قرأ عليه من أهلها، ولازمها حتى حسب من شعرائها، وهو ممن صحب أبا جعفر بن سعيد عم والدي، وأبا الحسن بن نزار حسيب وادي آش، وأبا عبد الله الرصافي شاعر عبد المؤمن. وكان أهل غرناطة يستحسنون له قوله في مطلع قصيدة، رثى بها عثمان بن عبد المؤمن ملكها:
يَذْهَبُ المُلْكُ وَيَبْقَى الأَثَرُ ... هَذِهِ الهَالَةُ أَيْنَ القَمَرُ
ومن مستعذب شعره قوله:
هَذَا لِسَانُ الدَّمْعِ يُمْلِي الغَرَامْ ... فِي صَفْحَةٍ أَثَّرَ فِيهَا السَّقَامْ
فَهَلْ يُمَارِي فِي الهَوَى مُنْكِرٌ ... وَالبَدْرُ لا يُنْكَرُ حِينَ التَّمَامْ
عَهْدٌ لِهِنْدٍ لَمْ يَكُنْ بِالذِي ... تَقْدَحُ فِيه نَفَثَاتُ المَلامْ
يَا نَهْرَ إِشْنِيلٍ أَلا عَوْدَةً ... لِذَلِكَ العَهْدِ وَلَوْ فِي المَنَامْ
مَا كَانَ إِلاَّ بَارِقَاً خَاطِفَاً ... مَا زِلْتُ مُذْ فَارَقَنِي فِي ظَلامْ
آَهٍ مِنَ الوَجْدِ عَلَى فَقْدِهِ ... وَلَيْسَ تُجْدِي آَهِ لِلْمُسْتَهَامْ
للهِ يَوْمٌ مِنْهُ لَمْ أَنْسَهُ ... وَذِكْرُ مَا أَوْلاهُ أَوْلَى ذِمَامْ
إِذْ هِنْدُ غُصْنٌ بَيْنَ أَغْصَانِهَا ... كَالدَّوْحِ يَثْنِيهِ هَدِيلُ الحَمَامْ
يَا هِنْدُ يَا هِنْدُ أَلا عَطْفَةً ... أَمَا لِهَذَا الصَّرْمِ حِينُ انْصِرَامْ
أَتَذْكُرِينَ الوَصْلَ لَيْلَ المُنَى ... بِمَرْقَبِ العَطْفِ وَجَزْعِ الإِكَامْ
وَإِنْ تَذَكَّرْتِ فَلا تَذْكُرِي ... إِلاَّ عَلَى سَاعَةِ وَادِي الحَمَامْ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الرابع:
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب الأيكة، في حلي يكة
حصن من حصون مرسية، منه:
أبو بكر يحيى بن سهل
اليكي هجاء المغرب
من المسهب: هذا الرجل هو ابن رومي عصرنا، وحطيئة دهرنا، لا تجيد قريحته إلا في الهجاء، ولا تنشط به في غير ذلك من الأنحاء، وقس على قوله في الهجاء ما أوردت:
أَعِدِ الوُضُوءَ إِذَا نَطَقْتَ بِهِ ... مُتَذَكِّرَاً مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْسَى
وَاحْفَظْ ثِيَابَكَ إِنْ مَرَرْتَ بِهِ ... فَالظِلُّ مِنْهُ يُنَجِّسُ الشَّمْسَا
وقوله:
أَبَا عَمْرٍو إِلَيْكَ بِهِ حَدِيْثَاً ... أَلَذَّ إِلَيْكَ مِنْ شِرْبِ العُقَارِ
أَتَذْكُرُ لَيْلَةً قَدْ بِتَّ فِيهَا ... سَلِيبَ الدَّرْعِ مَحْلُولَ الإِزَارِ

أُقَبِّلْ مِنْكَ طُغْيَانَاً وَكُفْرَاً ... مَكَانَ الرَّقْمَتَيْنِ مِنَ الحِمَارِ
وقوله:
ثَمَانِي خِصَالٍ فِي الفَقِيهِ وَعِرْسِهِوَثِنْتَانِ وَالتَّحْقِيقُ بِالمَرْءِ أَلِيقُ
.................................
وَيَكْذِبُ أَحْيَانَاً وَيَحْلِفُ حَانِثَاًوَيَكْفُرُ تَقْلِيدَاً وَيُرْشَى وَيَسْرِقُ
وَعَاشِرَةٌ وَالذَّنْبُ فِيهَا لأُمِّهِإِذَا ذُكِرَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْشَّتْمِ مَنْطِقُ
وقوله:
عِصَابَةُ سُوءٍ قَبَّحَ اللهُ فِعْلَهُمْأَتَوْا فِي رَشِيْدٍ بِالدَنَاءَةِ وَالقُبْحِ
فَزَارُوهُ مِنْ وَقْتِ الصَّبَاحِ إِلَى المَسَا... مِنْ وَقْتِ المَسَاءِ إِلَى الصُّبْحِ
إِذَا جَاءَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ كَمَا اخْتَلَفَتْ نَحْلُ الرَّبِيعِ عَلَى الجَبْحِ
وقوله في ابن الملجوم أحد أعيان فاس:
وَمَا سُمِّيَ المَلْجُومُ إِلاَّ لِعِلَّةٍوَهَلْ تُلْجَمُ الأَفْرَاسُ إِلاَّ لِتُرْكَبَا
وقوله:
فِي كُلِّ مَنْ رَبَطَ اللِّثَامَ دَنَاءَةً ... وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلُو عَلَى كِيْوَانِ
مَا الفَخْرُ عِنْدَهُمُ سِوَى أَنْ يُنْقَلُوْا ... مِنْ بَطْنِ زَانِيَةٍ لِظَهْرِ حِصَانِ
المُنْتَمُوْنَ لِحِمْيَرٍ لَكِنَّهُمْ ... وَضَعُوْا القُرُونَ مَوَاضِعَ التِيجَانِ
لا تَطْلُبَنَّ مُرَابِطَاً ذَا عِفَّةٍ ... وَاطْلُبْ شُعَاعَ النَّارِ فِي الغُدْرَانِ
ولقيه عمرو بن ينستان الملثم، فقال: يا فقيه، مدحتنا فبلغت غاية رضانا يقولك:
قَوْمٌ لَهُمُ شَرَفُ العَلا فِي حِمْيَرٍ ... وَإِذَا انْتَمَوْا صَنَهَاجَةً فَهُمُ هُمُ
لَمَّا حَوَوْا إِحْرَازَ كُلِّ فَضِيلَةٍ ... غَلَبَ الحَيَاءُ عَلَيْهُمُ فَتَلَثَّمُوا
ثم بلغنا أنك هجوتنا بقولك:
فِي كُلِّ مَنْ رَبَطَ اللِّثَامَ دَنَاءَةً... الأبيات
وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً، فقال له: إني لم أقل ذلك، ولكني أقول:
إِنَّ المُرَابِطَ لا يَكُونُ مُرَابِطَاً ... حَتَّى تَرَاهُ إِذَا تَرَاهُ جَبَانَا
تَجْلُو الرَّعِيَّةُ مِنْ مَخَافَةِ جَوْرِهِ ... لِجَلائِهِ إِذْ يَلْتَقِي الأَقْرَانَا
إِنْ تَظْلِمُونَا نَنْتَصِفْ لِنُفُوسِنَا ... يَجْنَى الرِّجَالُ فَنَأْخُذُ النِّسْوَانَا
وله يخاطب أمير الملثمين علي بن يوسف بن تاشفين في شأن بني معيشة، وكانوا قد ظهرت منهم حركة بباديس:
عَلِيٌّ حَمَىَ المُلْكَ مِنْ سَاسَةٍ ... وَمَا أَنْتَ لِلْمُلْكِ بِالْسَائِسِ
مِنَ السُوسِ أَصْبَحْتَ تَخْشَى النِّفَاقَ ... وَقَدْ جَاءَكَ النَّحْسُ مِنْ بَادِسِ
وقال في رثاء مصلوب:
حَكَمَتْ عُلاَكَ بِأَنْ تَمُوتَ رَفِيعَاً ... وَعَلَوْتَ جَذْعَاً لِلْحَمَامِ صَرِيْعَا
وَقَرَنْتَ نَفْسَكَ بِالبَرَامِكَةِ الأُلَى ... لَمَّا عَلَوْا عِنْدَ المَمَاتِ جُذُوعَا
يَا لَيْتَهُمْ صَلَبُوكَ بَيْنَ جَوَانِحِي ... فَأَضُمُّ إِشْفَاقَاً عَلَيْكَ ضُلُوعَا
وقال وقد صلب محبوب له:
سَاءَنِي أَنْ يَرَى العَدُوُّ الحَبِيبَا ... فَوْقَ جَذْعٍ مِنَ الجُذُوعِ صَلِيبَا
أَشْعَثَاً بَاسِطَاً ذِرَاعَيْهِ كَرْهَاً ... مِثْلَ مَنْ شَقَّ لِلْسُرُورِ جُيُوبَا
عَارِيَاً مِنْ ثِيَابِهِ يَتَلَقَّى ... شِدَّةَ الحَرِّ وَالصَّبَا وَالجَنُوبَا
وقوله:
قَصَدْتُ جِلَّةَ فَاسٍ ... أَسْتَرْزِقُ اللهَ فِيْهِمْ
فَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُمْ ... دَفَعْتُهُ لِبَنِيْهِمْ
وقوله:
أَيَا بْنَ خِيَارٍ بَلَغْتَ المَدَى ... وَقَدْ يُكْسَفُ البَدْرُ عِنْدَ التَّمَامْ
فَأَيْنَ الوَزِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ ... وَأَيْنَ المُقَرَّبُ عَبْدُ السَّلامْ
والصحيح أنها للجراوي. ولليكي:

يُوْسُفُ يَا بُغْيَتِي وَأُنْسِي ... صَيَّرَنِي مُغْرَمَاً هَوَاكَا
حَوَيْتَ قَلْبِي وَأَنْتَ فِيهِ ... كَيْفَ حَوَيْتَ الذِي حَوَاكَا؟
وقوله:
وَصَارِمٍ أَبْصَرْتُ ذِي فَلَّةٍ ... فَقُلْتُ يَا صَارِمُ مَنْ فَلَّكَا
فَقَالَ لِي لَحْظُ غَلامٍ رَنَا ... وَنَهْدُ عَذْرَاءٍ كَمَا فَلَّكَا
ومن ذيل الخريدة: توفي في حدود سنة ستين وخمسمائة. ومن شعره قوله:
تَسَمَّعْ أَمِيرَ المُسْلِمِينَ لَنَبْأَةٍ ... تُصَمُّ لَهَا الآَذَانُ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
بِمُرْسِيَّةٍ قَاضٍ تَجَاوَزَ حَدَّهُ ... وَأَخْطَأَ وَجْهَ الرُّشْدِ فِي كُلِّ مَقْصَدِ
يُطّالِبُهُ الأَيْتَامُ فِي جُلِّ مَالِهِمْ ... وَيَطْلُبُهُ فِي حَقِّهِ كُلُّ مَسْجِدِ
فَمَا بَيَّضَتْ كَفَّاكَ بِالعَدْلِ لَمْ تَزَلْتُسَوِّدُهُ بِالجَوْرِ كَفُّ ابْنِ أَسْوَدِ
وقوله:
وَلا تَهَبْ كُلَّ فَاسِيٍّ مَرَرْتَ بِهِوَإِنْ تَقُلْ فِيهِ خَيْرَاً حَوِّلِ الدَّرَقَةْ
وَالْعَنْهُ شَيْخَاً وَكَهْلاً إِنْ مَرَرْتَ بِهِ..... طِفْلاً وَلَوْ أَلْفَيْتَهُ عَلَقَةْ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السادس
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب المودة الموصولة، في حلي مدينة مولة
مدينة في غربي مرسية، ذات بساتين بهجة. منها:
أبو جعفر أحمد بن سعدون المولي
من المسهب: لمواة أن تفخر بانتسابه، وتشمخ بما بهر من آدابه، وكانت قراءته بمرسية وبلنسية، وتردد على ملوك الطوائف، فأنهي مكانه، معظماً شانه، وأكثر الإقامة عند ابن رزين ملك السهلة، ومن شعره قوله:
لا تَعْدَ مِنْكَ المَكْرُمَاتُ فَإِنَّهَا ... تَاجٌ عَلَيْكَ مَدَى الزَّمَانِ يَرُوقُ
أَرْوَيْتَ مَنْ أَظْمَا الزَّمَانُ جَنَابَهُ ... مِنْ عَارِضٍ لِلْبِشْرِ فِيهِ بُرُوقُ
وَلَحِظْتَهُ إِذْ غَضَّ كُلٌّ طَرْفَهُ ... إِنَّ الكَرِيْمَ عَلَى الكَرِيْمِ شَفُوقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب السابع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب الليانة، في حلي مدينة بليانة
مدينة مليحة المنظر، ذات مياه وبساتين، في الشمال من مرسية. منها:
أبو الحسن راشد بن سليمان
من المسهب: أصله من بليانة، وله فيها مال موروث، وسكن حضرة مرسية، وجل قدره، وكتب عن صاحب أمرها أبي عبد الرحمن بن طاهر. ومن شعره قوله:
وَاصِلْ نَوَاكَ فَإِنِّي ... أَغْنَانِيَ اللهُ عَنْكَا
صَوَّرْتُ عِنْدِيَ شَخْصَاً ... فَكَانَ آَنَسَ مِنْكَا
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب الأرش، في حلي مدينة ألش
قال ابن اليسع: ليس في الأندلس ثمر طيب إلا في ألش. قال ابن سعيد: وقد مررت على هذه المدينة، وأرضها تغلب عليها السبخة، ويقولون إنها تشبه مدينة النبي عليه السلام. ومنها:
أبو عبد الرحمن محمد بن غالب
أخبرني والدي: أنه كان من أعيان ألش، وولي قضاء المرية، ومات شاباً في أول دولة ابن هود، قال وأنشدني لنفسه قوله:
جَعَلَ العُذْرَ فِي لِسَانِ الإِيَابِ ... ذُو دَلالٍ قَدْ زَارَ بَعْدَ اجْتِنَابِ
فَنَسِينَا بِعَادَهُ بِالتَدَانِي ... وَغَفَرْنَا ذُنُوبَهُ بِالمُتَابِ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب البخت، في حلي مدينة لقنت

لها عمل كبير مخصوص بالتين والزيت، وخمره مذكورة، مفضلة مشهورة بالقوة، ولهذه المدينة ميناء للمراكب، وهو مرسى مرسية، يقلع الناس منه إلى إفريقية، ولها قلعة أخذت بأزرار السماء، ولم أر في الأندلس أمنع منها. ومنها:

أبو بكر محمد بن أحمد
بن محمد بن سفيان السلمي
من بني سفيان أعيان لقنت، تولع بطريقة الكتابة، فبرع فيها، وكتب عن ولاتها، وسكن مدينة تلمسان، ومن شعره قوله:
حَيْثُ لا نِسْبَةٌ إِلَيْكَ دَعَتْنِي ... بَلْ دَعَتْنَا لِلأُلْفَةِ الأَحْسَابُ
لِيَ أَصْلٌ يَحْكِيهِ أَصْلُكَ مَجْدَاً ... وَالمَعَالِي فِي أَهْلِهَا أَنْسَابُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب النشقة، في حلي مدينة ورقة
البساط
من المسهب: قد مررت على هذه المدينة، فلم أر أحسن من بساطها وبهجة واديها، وما عليه من البساتين، وأما منعة قلعتها فمشهورة معروفة يضرب بها المثل في ذلك.
العصابة
ملكها في مدة ملوك الطوائف: أبو محمد عبد الله بن لبون، وتوفي فورثها أخوه أبو عيسى بن لبون الذي ملك معقل مربيطر في أعمال بلنسية، ووليها بعده أخوه أبو الأصبغ سعد الدولة بن لبون.
وصارت للمعتمد بن عباد، إلى أن تداول عليها ولاة الملثمين، إلى أن كانت الفتنة عليهم. فقدم أهلها:
أبا محمد عبد الله بن جعفر بن الحاج
أخبرني والدي: أنه كره ذلك خوفاً من العاقبة، واستخفى من الناس عشي ذلك اليوم الذي بايعوه فيه، ولم يظهر لهم، حتى نظروا في خلعه، فظهر، ورجع إلى ما كان بسبيله من معاقرة المدام. ومن شعره قوله:
لَسْتُ أَرْضَى إِلاَّ النُّجُومَ سَمِيرَا ... لا أَرَى غَيْرَهَا لِمَجْدِي نَظِيْرَا
بَيْنَنَا فِي الظَّلامِ أَسْرَارُ وَحْيٍ ... يَرْجِعُ اللَّيْلُ مِنْ سَنَاهَا مُنِيْرَا
وَلَقَدْ أَفْهَمَتْ وَأُفْهِمْتُ عَنْهَا ... وَجَعَلْنَا حَدِيثَنَا مَسْتُورَا
وقال في وصفه صاحب السمط: روض الأدب الزاهر، وطود الشرف الباهر، الذي ملأ الزمان زينا، وأعاد آثار المكارم عينا.
وتوالى عليها ولاة بني عبد المؤمن، ثم ولاة بني هود، وثار بها الآن ابن أحلي وهو من أعيانها، وقد رزق حظاً عظيماً في النصارى والنيل منهم، أعانه الله.
السلك
ذوو البيوت
أبو الحسن جعفر بن الحاج
هو والد أبي محمد عبد الحق، الذي ارتضاه أهل لورقة للقيام بأرضهم، فلم يرض. ومن القلائد: شيخ الجلالة وفتاها، ومبدأ الفضائل ومنهاها، مع كرم كانسجام الأمطار، وشيم كالنسيم المعطار، أقام زمناً على المدامة معتكفاً، ولثغور البطالة مرتشفاً، وجوده أبداً هاطل، وجيده إل من المعالي عاطل، ثم فاء عن تلك الساحة، واختار تعب النسك على تلك الراحة. ومن شعره قوله في أبي أمية بن عصام:
لِي صَاحِبٌ عَمِيَتْ عَلَيَّ شُؤُونُهُ ... حَرَكَاتُهُ مَجْهُولَةٌ وَسُكُونُهُ
يَرْتَابُ بِالأَمْرِ الجَلِيِّ تَوَهُّمَاً ... وَإِذَا تَيَقَّنَ نَازَعَتْهُ ظُنُونُهُ
مَا زِلْتُ أَحْفَظُهُ عَلَى شَرَفِي بِهِ ... كَالشَيْءِ تَكْرَهُهُ وَأَنْتَ تَصُونُهُ
وقوله:
أَسْهَرَ عَيْنِي وَنَامَ فِي جَذَلِ ... مُدْرِكُ حَظٍّ سَعَى إِلَى أَمَلِ
قَدْ لُفِّقَتْ بِالمُحَالِ نِعْمَتُهُ ... مِنْ خُدَعٍ جَمَّةٍ وَمِنْ حِيَلِ
كَمْ مِحْنَةٍ قَدْ بُلِيْتُ مِنْهُ بِهَا ... وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا يَدٌ قِبَلِي
وقوله:
أَخٌ لِيَ كُنْتُ آَمَنُهُ غُرُورَاً ... يُسَرُّ بِمَا أُسَاءُ بِهِ سُرُورَا
هُوَ السُّمُّ الزُّعَافُ لِشَارِبِيهِ ... وَإِنْ أَبْدَى لَكَ الأَرْيَ المَشُورَا
وَيُوسِعُنِي أَذَىً فَأَزِيْدُ حِلْمَاً ... كَمَا جُذَّ الذُّبَالُ فَزَادَ نُورَا
ومن شعره قوله:

مَنْ عَذِيرِي مِنْ فَاتِرٍ ذِي جُفُونِ ... صُلْنَ بِي صَوْلَةَ القَدِيرِ الضَّعِيفِ
فَرْعُ مَجْدٍ عُلِّقْتُهُ وَقَدِيْمَاً ... هِمْتُ بِالحُسْنِ فِي النِّصَابِ الشَّرِيفِ
يُطْلِعُ الشَّمْسَ فِي الظَّلامِ وَيُهْدِي ... زَهَرَ الوَرْدِ فِي زَمَانِ الخَرِيْفِ
يَا مُدِيرَاً مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْهِ خَمْرَاً ... أَنَا مِمَّا أَدَرْتَ جِدُّ نَزِيْفِ
عَلِّلِ المُسْتَهَامَ مِنْكَ بِوَعْدٍ ... وَإِلَيْكَ الخَيَارُ فِي التَّسْوِيفِ
وقوله:
آَهِ لِمَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ الجُيُوبْ ... مِنْ زَفَرَاتٍ وَقُلُوبٍ تَذُوبْ
جَاءَ بِي الحُبُّ إِلَى مَصْرَعِي ... فِي طُرُقٍ سَالِكُهَا لا يَئُوبْ
وَاسْتَلَبَتْ عَقْلِيَ خُمْصَانَةٌ ... نَابَتْ مَنَابَ الشَّمْسِ عِنْدَ الوُجُوبْ
يَسْحَرُنِي مِنْهَا إِذَا كَلَّمَتْ ... وَجْهٌ مَلِيحٌ وَلِسَانٌ خَلُوبْ
تَقُولُ إِذْ أَشْكُو إِلَيْهَا الهَوَى ... سُبْحَانَ مَنْ أَلَّفَ بَيْنَ القُلُوبْ
وقوله:
أَزُورُكَ مُشْتَاقَاً وَأَرْجَعُ مُغْرَمَا ... وَأَفْتَحُ بَابَاً لِلْصَبَابَةِ مُبْهَمَا
أَمُدَّعِيَ السَّقْمِ الذِي آَدَ حَمْلُهُ ... عَزِيزٌ عَلَيْنَا أَنْ نَصِحَّ وَتَسْقَمَا
مَنَعْتَ مُحِبَّاً مِنْكَ أَيْسَرَ لَحْظَةٍتَبُلُّ غَلِيلَ الشَّوْقِ أَوْ تَنْفَعُ الظَّمَا
وَمَا رُدَّ ذَاكَ السِّجْفُ حَتَّى رَمَيْتَهُعَنِ القَلْبِ سَيْفَاً مِنْ هَوَاكَ مُصَمِّمَا
هَوَىً لَمْ تُعِنْ عَيْنٌ عَلَيْهِ بِنَظْرَةٍوَلَمْ يَكُ إِلاَّ سَمْعَةً وَتَوَهُّمَا
وَمُلْتَقَطَاتٍ مِنْ حَدِيثٍ كَأَنَّمَا ... نَثَرْنَ بِهِ سِلْكَ الجُمَانِ المُنَظَّمَا
دَعَوْنَ إِلَيْكَ القَلْبَ بَعْدَ نُزُوعِهِفَأَسْرَعَ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مُتَلَوَّمَا
وقوله لابن عصام:
تَقَلَّصَ ظِلٌّ مِنْكَ وَازْوَرَّ جَانِبُ ... وَأَحْرَزَ حَظِّي مِنْ رِضَاكَ الأَجَانِبُ
وَأَصْبَحَ طَرْقَاً مِنْ صَفَائِكَ مَشْرَبِيوَأَيُّ صَفَاءٍ لَمْ تَشُبْهُ الأَشَائِبُ
رُوَيْدَاً فَلِيَ قَلْبٌ عَلَى الخَطْبِ جَامِدٌوَلَكِنْ عَلَى عَتْبِ الأَحِبَّةِ ذَائِبُ
وَحَسْبُكَ إِقْرَارِي بِمَا أَنَا مُنْكِرٌ ... وَأَنِّي مِمَّا لَسْتُ أُنْكِرُ تَائِبُ
أَعِدْ نَظَرَاً فِي سَالِفِ العَهْدِ إِنَّهُ ... لأَوْكَدَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ المَنَاسِبُ
وَلا تُعْقِبِ العُتْبَى بِعَتْبٍ فَإِنَّمَا ... مَحَاسِنُهَا فِي أَنْ تَتِمَّ العَوَاقِبُ
وَأَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّ عِنْدَكَ غَيْرَ مَا ... تُرّجِّمُهُ تِلْكَ الظُنُونُ الكَوَاذِبُ
لَكَ الخَيْرُ هَلْ رَأْيٌ مِنَ الصُّلْحِ ثَابِتٌلَدَيْكَ وَهَلْ عَهْدٌ مِنَ السَّمْحِ آَيِبُ
يُخِبُّ رِكَابِي أَنَّنِي بِكَ هَائِمٌ ... وَيَثْنِي عِنَانِي أَنَّنِي لَكَ هَائِبُ
سوءْْتَنِي بِالسَّخْطِ مِنْ غَيْرِ مُعْظَمٍفَهَا أَنَا مِنْكَ اليَوْمَ نَحْوَكَ هَارِبُ
وقوله:
عَجَبَاً لِمَنْ طَلَبَ المَحَا ... مِدَ وَهُوَ يَمْنَعُ مَا لَدَيْهِ
وَلِبَاسِطٍ آَمَالَهُ ... فِي المَجْدِ لَمْ يَبْسِطْ يَدَيْهِ
لِمَ لا أُحِبُّ الضَّيْفَ أَوْ ... أَرْتَاحُ مِنْ طَرَبٍ إِلَيْهِ
وَالضَّيْفُ يَأْكُلُ رِزْقَهُ ... عِنْدِي وَيَحْمِدُنِي عَلَيْهِ
وقوله:
كُلُّ مَنْ تَهْوَى صَدِيْقٌ مُمْحِضٌ ... لَكَ مَا لا تَتَّقِي أَوْ تَرْتَجِي
فَإِذَا حَاوَلْتَ نَصْرَاً أَوْ جَدَاً ... لَمْ تَقِفْ إِلاَّ بِبَابِ مُرْتَجِ
وقوله:
وَبَيْضَاءَ يَنْبُو اللَّحْظُ عِنْدَ لِقَائِهَا وَهَلْ تَسْتَطِيعُ العَيْنُ تَنْظُرُ فِي الشَّمْسِ

وَهَبْتُ لَهَا نَفْسَاً عَلَيَّ كَرِيْمَةًوَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الضَنَانَةَ بِالنَّفْسِ
أُعَالِجُ مِنْهَا السَّخْطَ فِي حَالَةِ الرِّضَاوَلا أَعْدَمُ الإِيْحَاشَ فِي حَالَةِ الأُنْسِ
وقوله مع تفاح:
بَعَثْتَ بِهَا وَلا آَلُوكَ حَمْدَاً ... هَدِيَّةَ ذِي اصْطِنَاعٍ وَاعْتِلاقِ
خُدُودَ أَحِبَّةٍ وَافَيْنَ صَبًّا ... وَعُدْنَ عَلَى ارْتِمَاضٍ وَاحْتِرَاقِ
فَحَمَّرَ بَعْضَهَا خَجَلُ التَّلاقِي ... وَصَفَّرَ بَعْضَهَا وَجَلُ الفِرَاقِ
وقوله في المعتمد بن عباد:
تَعَزَّ عَنِ الدُّنْيَا وَمَعْرُوفِ أَهْلِهَاإِذَا عُدِمَ المَعْرُوفُ مِنْ آَلِ عَبَّادِ
أَقَمْتُ بِهِمْ ضَيْفَاً ثَلاثَةَ أَشْهُرٍبِغَيْرِ قِرَىٍ ثُمَّ ارْتَحَلْتُ بِلا زَادِ
وقوله:
كَفَى حُزْنَاً أَنَّ المَشَارِعَ جَمَّةٌ ... وَعِنْدِي إِلَيْهَا غُلَّةٌ وَأُوَامُ
وَمِنْ نَكَدِ الأَيَّامِ أَنْ يَعْدَمَ الغِنَىكَرِيْمٌ وَأَنَّ المُكْثِرِيْنَ لِئَامُ
وقوله:
أَبَا جَعْفَرٍ مَاتَ فِيكَ الجَّمَالُ ... فَأَظْهَرَ خَدُّكَ لِبْسَ الحِدَادِ
وَقَدْ كَانَ يُنْبِتُ زَهْرَ الرِّيَاضِ ... فَأَصْبَحَ يُنْبِتُ شَوْكَ القَتَادِ
أَبِنْ لِي مَتَى كَانَ بَدْرُ السَّمَا ... ءِ يُدْرَكُ بِالكَوْنِ أَوْ بِالفَسَادِ
وَهَلْ كُنْتَ فِي المُلْكِ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ ... فَأَخْشَى عَلَيْكَ ظُهُورَ السَّوَادِ

الشعراء
أبو بكر بن ظهار اللورقي
من الذخيرة: كان من فتيان الأدباء في ذلك الأوان، ولولا أنه اعتبط - وماء معرفته غير مماح ، وغصن ابتداعه غير مراح، في شبيبته وأوان ظهوره - لبذ أهل الآفاق، رقة وحسن مساق. وأكثر ماله من النظم ، في مدح أبي المغيرة بن حزم. وأخبر شخص أنه انتجع إلى ابن ظهار هذا بخمسة أبيات وصادفه مقلاً، فباع ابن ظهار ثوبه، وبعث بثمنه إليه، وكتب مع ذلك إليه:
يَعِزُّ عَلَى الآَدَابِ أَنَّكَ رَبُّهَاوَأَنَّكَ فِي أَهْلِ الغِنَى خَامِدُ النَّارِ
وَخَمْسَةُ اَبْيَاتٍ كَأَنَّكَ قُلْتَهَابَهَاءً وَإِشْرَاقَاً مِنَ القَمَرِ السَّارِي
طَلَبْتُ لَهَا كُفْؤاً كَرِيْمَاً مِنَ القِرَىفَقَصَّرَ بَاعُ المَالِ عَنْ نَيْلِ أَوْطَارِي
سِوَى فَضْلَةٍ لا تُسْتَقَلُّ بِنَفْسِهَاوَأَقْلِلْ بِهَا لَوْ أَنَّهَا أَلْفُ دِينَارِ
بَعَثْتُ بِهَا لا رَاضِيَاً لَكَ بِالذِي ... بَعَثْتُ بِهَا إِلاَّ فِرَارَاً مِنَ العَارِ
وقوله:
صَبَغُوا غِلالَتَهُ بَحُمْرَةِ خَدِّهِ ... وَكَسُوْهُ ثَوْبَاً مِنْ لَمَى شَفَتَيْهِ
فَتَخَالُهُ فِي ذَا وَتِلْكَ كَأَنَّمَا ... نُثْرَ البَنَفْسَجِ وَالشَّقِيقِ عَلَيْهِ
وقوله:
أَمَا تَرَى وَجْهَ الدُّجَى ضَاحِكَاً ... يَبْسِمُ مِنْ نُورٍ بِلا ضِحْكِ
كَأَنَّمَا يَنْثُرُ مِنْ نُورِهِ ... فِي الأَرْضِ كَافُورَاً عَلَى مِسْكِ
وقوله:
إِذَا أَرَدْتَ صَبَاحَاً ... فَانْظُرْ إِلَى وَجْهِ سَاقَيْكْ
فَقَدْ أَطَلْتَ سُؤَالاً ... يَا قَوْمُ هَلْ غَرَّدَ الدِّيْكْ
مَاذَا تُرِيْدُ بِصُبْحٍ ... وَأَيْنَ تَرْقَى أَمَانِيْكْ
وَلِلْنُّجُومِ مَدَارٌ ... عَلَيْكَ وَالبَدْرُ يَسْقِيْكْ
وقوله:
وَاللهِ مَا أَمَلِي مِنَ الدُّنْيَا ... إِلاَّ المُدَامُ وَوَجْهُ مَنْ أَهْوَى
فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى صَفَائِهِمَا ... لَمْ يَبْقَ لِي أَمَلٌ وَلا دَعْوَى
وقوله:
مَنْ لِي بِدَانِي المَحَلِّ نَاءٍ ... تَرَاهُ عَيْنَيْ وَلا أَنَالُهْ
لا وَصْلَ لِي مِنْهُ غَيْرَ أَنِّي ... أَقُوْلُ لِلْنَّاسِ كَيْفَ حَالُهْ
الأهداب
أبو عبد الله بن محمد بن ناجية اللورقي

من أئمة الزجالين، كان رقاماً بالمرية، وقال في ذكره الدباغ في كتاب الأزجال: شيخ الزمان، وخليفة الإمام، ابن قزمان، وأنشد له قوله من زجل:
كُلَّمَا ذَكَرْتُ فِيْهَ ... وَالذِي بَقَى لِي أَبْدَعْ
لَمْ يُرَا قَطْ مِنُّ أَمْلَحْ ... لَمْ يُرَا قَطْ مِنُّ أَشْجَعْ
رِيِتْ ذَاكَ عَنْتَرْ وَمَا كَانْ ... كَانْ يَرَى الثُّعْبَانْ وَيَفْزَعْ
وَهِيّ تَأْخُذْ سِتّ ... ثَعَابِينْ وَتَرَاهُمْ صَغِيرَا
وقوله:
نَخَلِيْهْ وَكِفْ نِقْدِرِ أَنْ نَخَلِيْهْ
وَلِسْ جَمَالاً يُقَالْ بِتَشْبِيْهْ
جَمَعَ البَيَاضْ وَالتَّعْنِينْ جَمَعَ فِيْهْ
قَدْ اسْتَلَفْ لِلْبُسْتَانْ قَضِيْبْ ... وِاسْوَدّْ فِي عَيْنْ اللَّبَّانِ حَلِيْبْ
وقوله:
ذَهَبْ وَاللهِ هُ مَعْمُوْلْ مِنْ ذَهَبْ
يُفْرِحِ القَاصِدْ إِذَا جَاهْ عَنْ سَبَبْ
وَالذِي يُعْجِبْنِي مِنُّ هُ العَجَبْ
اهْتِزَازْ هَذَا المَدْحْ لِلْغِنَا ... مِنْ بَعِيْدْ وَلَكِنْ نَوَالُ اقْتَرَبْ
زجل له مشهور:
قَالُوا عَنِّي وَالحَقَّ مَا قَالُوا ... إِنُّ نِعْشَقْ فُلانْ
وَاتُّهِمْنَا بِسِرْقَةِ الكِتَّانْ ... وَكَذَاكْ بِاللهْ كَانْ
سُبْحَانَ اللهْ لِغْزْ فِي ذَا الأَشْيَا ... آَيَ لِلْسَائِلِيْنْ
سُرّْ فِي قَلْبِي قَلَبْ فِي صَدْرِيْ ... صَدْرِيْ حِصْنَا حَصِيْنْ
وَعَلَيْهْ مِنْ ضُلُوعْ سَبْعِ أَقْفَالُ ... وَهُ تَمّْ فِي كَمِيْنْ
وَبِحَالْ مَنْ يَحِلّْ أَقْفَالُ ... وَيَرَاهْ ثَمَّ عَيَانْ
وَيُبَيِّنْ أُمُورِي لِلإِخْوُانْ ... بِأَشَدّْ البَيَانْ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الحادي عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب البرد المطرز، في حلي قرية برزز
قرية كبيرة تزاحم المدن، لها بساتين. ومنها:
الكاتب أبو عبد الله محمد بن مسعود
كاتب أبي عبد الله محمد بن أبي يحيى بن أبي حفص صاحب إشبيلية، ومن شعره قوله:
أَهَاجُ إِلَيْكُمُ كُلَّمَا الْتَاحَ بَارِقٌوَيَتْبَعُهُ مِنْ دَمْعِ مُقْلَتَيَّ القَطْرُ
وَذِكْرُكُمُ عِنْدِي مَدَى الدَّهْرِ قَهْوَةٌيُرَنِّحُنِي مِنْ صِرْفِهَا أَبَدَاً سُكْرُ
لَعَمْرُكَ مَا يَنْسَى المَشُوقُ دِيَارَهُوَإِنْ بَعُدَتْ عَنْهُ فَمَا يَبْعُدُ الذِّكْرُ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب النعمة الموصولة، في حلي مدينة أريولة
لما رحلت من مرسية إلى البحر مررت بأريولة، فرأيتها في موضع كأنه اقتطع من جنة الخلود، نهر سائل، ودواليب نعارة، وطيور شادية، وأشجار متعانقة. ولها قلعة في نهاية من الامتناع. ومنها:
أبو الحسن علي بن الفضل
هو ممن لقيته بحضرة إشبيلية، وكان بينه وبين والدي صداقة متمكنة، وسكن إشبيلية وساد فيها، وولي بها خطة الزكاة والمواريث، وهي نبيهة، هنالك، وأحسن معاشرة أهلها، فعاش سعيداً، ومات فقيداً، رحمه الله.
وبنو افضل أعيان أريولة، وهو عينهم. وأنشد مأمون بني عبد المؤمن - أول ما بويع في إشبيلية بالخلافة، وقد صدرت عنه الكتب والكتائب إلى البلاد - قصيدة مطلعها خدمتك السيوف والأقلام فلم يرض هذه البدأة وانتقدها. وقال حين توجه إلى غرناطة في أول دولة ابن هود، ولم يسله حسنها عن إشبيلية:
سَئِمْتُ المَقَامَ بِغَرْنَاطَةٍ ... وَأَلْسُنُ حَالِي بِذَا تَنْطُقُ
وَمَا أَنْكَرَتْ مُقْلَتِي حُسْنَهَا ... وَلَكِنَّهَا غَيْرَهَا تَعْشَقُ

ومن شعره قوله:
فَيَا أَسَفِي أَتُدْرِكُنِي المَنَايَا ... وَلَمْ أَبْلُغْ مِنَ الدُّنْيَا مُرَادِي
وَمَا هُوَ غَيْرُ أَنْ أُدْعَى وَحَسْبِي ... حَيَا الإِخْوَانِ أَوْ مَوْتُ الأَعَادِي
وقوله من قصيدة يخاطب بها صفوان بن إدريس:
أَنْكَرْتَ أَنْ رَاعَ الزَّمَانُ أَدَبِي ... وَهَلْ رَأَيْتَ ذَا نُهَىً مُؤَمَّنَا
وَفِيْكَ لَمْ تَقْضِ الفُرُوضُ حَقَّهَا ... أَفِيَّ تَرْجُو أَنْ تُقِيْمَ السُّنَنَا
ومنها:
وَصَاحِبٍ حُلْوِ المُزَاحِ مُمْتِعٌ ... يُحْيِى السُّرُورَ وَيُمِيْتُ الحَزَنَا
أَضْحَكَنَا لَمَّا غَدَا مَا بَيْنَنَا ... مُحْتَجِنَاً لِقَوْسِهِ مُضْطَغِنَا
يُبْدِي لَنَا مَا شَاءَهُ مِنْ ظَرْفِهِ ... وَيَزْدَهِي بِرَمْيِهِ تَمَجُّنَا
وَيَدَّعِيْ التَّصْمِيْمَ فِي أَغْرَاضِهِ ... وَلَوْ رَمَى بَغْدَادَ أَصْمَى عَدَنَا
حَتَّى تَدَلَّى طَائِرٌ مِنْ أَيْكَةٍ ... لَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يَقُوْلَ هَا أَنَا
قُلْنَا لَهُ قَدْ أَكْثَبَ الصَّيْدُ فَقُمْ ... فَأَرِنَا مِنْ بَعْضِ مَا حَدَّثْتَنَا
فَقَامَ كَسْلاَنَ يَمُطُّ حَاجِبَاً ... وَيَتَمَطَّى بَيْنَ أَيْنٍ وَوَنَى
وَبَيْنَمَا أَوْتَرَهَا وَبَيْنَمَا ... عَادَتْ تَشَظَّى فِي يَدَيْهِ إِحَنَا
وَعِنْدَمَا رَمَى حَمَامَ أَيْكَةٍ ... أَخْطَأَهُ وَمَا أَصَابَ الفَنَنَا
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ ... أَطْعَمَنَا الصَّيْدَ فَقَدْ أَضْحَكَنَا

أبو محمد عبد الله بن تابجة
من شعراء المائة السابعة، ذكر والدي: أنه رحل إلى مراكش، ومدح بها ناصر بني عبد المؤمن، ثم ابنه المستنصر، ومن شعره قوله:
مَدَدْتُ لِرَاحَةٍ بِذَرَاكَ رَاحِيْ ... وَحَثَّ الشَّوْقُ نَحْوَكُمُ جَنَاحِي
فَجِئْتُ لِكَيْ أُفَسِّرَ مَا أُلاقِي ... وَلا يَشْفِي الغَلِيْلَ سِوَى القَرَاحِ
وقوله:
دَعَوْتُكَ لِلْغِيَاثِ فَكُنْ مُجِيبِي ... وَسَكِّنْ مَا بِقَلْبِي مِنْ لَهِيبِ
فَإِنِّي مَا شَكَوْتُ لِغَيْرِ أَهْلٍ ... وَهَلْ يُشْكَى الضَّنَى لِسِوَى طَبِيبِ
الأهداب
موشحة لابن الفضل
أَلا هَلْ إَلَى مَا تَقَضَّى سَبِيْلْ ... فَيُشْفِى الغَلِيْلُ وُتُوْسَى الكُلُوْمْ
رَعَى اللهُ أَهْلَ اللِّوَى وَاللِّوَى
وَلا رَاعَ بِالبَيْنِ أَهْلَ الهَوَى
فَوَاللهِ مَا المَوْتُ إِلاَّ النَّوَى
عَرَفْتُ النَّوَى بِتَوَالِي الجَوَى
وَمِمَّا تَخَلَّلَ جِسْمِي النَّحِيْلْ ... لَقَدْ كِدْتُ أُنْكِرُ حَشْرَ الجُسُوْمْ
فَوَاحَسْرَتَا لِزَمَانٍ مَضَى
عَشِيَّةَ بَانَ الهَوَى وَانْقَضَى
وَأُفْرِدْتُ بِالرَّغْمِ لا بِالرِضَا
وَبِتُّ عَلَى جَمَرَاتِ الغَضَا
أُعَانِقُ بِالفِكْرِ تِلْكَ الطُّلُولْ ... وَأَلْثَمُ بِالوَهْمِ تِلْكَ الرُّسُومْ
حُبَيِّبَةَ النَّفْسِ أُمَّ العُلَى
سَقَاكِ الهَوَى كَأْسَهُ سَلْسَلا
وَخَصَّ بِهِ عَهْدَنَا الأَوَّلا
فَيَامَا أَلَذَّ وَمَا أَجْمَلا
إِذِ الوَصْلُ ظِلٌّ عَلَيْنَا ظَلِيْلْ ... تَقِيْنَا القَطِيْعَةُ وَهْيَ السُّمُومْ
لأَصْمَيْتِ يَوْمَ النَّوَى مَقْتَلِي
بِلَحْظِكِ وَالثَّغْرِ وَالأَنْمُلِ
وَأَشْمَتِّ عِنْدَ الجَفَا عُذَّلِي
وَبَعْدَ التَعَتُّبِ غَنَّيْتِ لِي
أَطَلْتَ التَّعَتُّبَ يَا مُسْتَطِيْلْ ... وَلَحْظِي يُغَنِّيْكِ قَالَتْ ظَلُوْمْ
غيرها له:
عَرِّجْ بِالحِمَىوَاسْأَلْ بِالكَثِيْبِعَنْهُمُ أَيْنَمَا
هَذِي الأَرْبُعُ
مِنْهُمُ بَلْقَعُ
أَيْنَ الأَدْمُعُ
ضَرِّجْهَا دَمَاوَقُمْ بِالنَّحِيْبِنُقِمْ مَأْتَمَا

شَاقَتْنِي البُرُوْقْ
لِثَغْرٍ يَرُوْقْ
فَمَنْ لِلْمَشُوْقْ
بِأَنْ يَلْثَمَاوَمَنْ لِلْجَدِيْبِبِمَاءِ السَّمَا
لَمْ يَدْرِ الكَئِيْبْ
مِنْ أَيْنَ أُصِيْبْ
لَكِنَّ الحَبِيْبْ
دَرَى إِذْ رَمَىيَا عَيْنَيْ حَبِيِبْيمَوْتِي أَنْتُمَا
دَهْرِي فِي اغْتِرَابْ
وَشَأْنِي عُجَابْ
أَظْمَا فِي الشَّبَابْ
لِوَصْلِ الدُّمَىفَهَلْ فِي المَشِيْبِيَزُوْلُ الظَّمَا
بَيْنٌ مُسْتَدَامْ
وَأَخْشَى الحِمَامْ
يَا رَبَّ الأَنَامْ
تَدْرِي قَدْرَ مَابِقَلْبِ الكَئِيْبِفَارْحَمْ مُغْرَمَا
ومن غيرها:
فِي طَرْفِ مَنْ أَهْوَاهْ ... سَيْفُ المَنُوْنْ
وَالقَلْبُ فِي بَلْوَاهْ ... مِمَّنْ يَخُوْنْ
يَا قَدَّ غُصْنِ البَانْ ... إِذَا انْثَنَى
الرَّاحُ وَالرَّيْحَانْ ... بَلِ المُنَى
فِي ذَلِكَ الوَسْنَانْ ... إِذَا رَنَا
يَا رَبِّ مَا أَقْسَاهْ ... تُرَى يَهُوْنْ
وَالصَبُّ مَا أَرْجَاهْ ... مَا لا يَكُوْنْ

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثالث عشر
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة تدمير
وهو:
كتاب الأشهر المهلة، في حلي قرية الحرلة
هي حسنة المنظر على نهر مرسية. منها:
أبو بكر محمد بن عبد المجيد
من المسهب: من علماء مذهب مالك رحمه الله، وهو من ذوي التعين في مرسية والمال والعلم والأصل. ومن شعره قوله:
أَيَا حَاسِدَاً عَبْدَ العَزِيْزِ وَحَاكِيَاًلَهُ مَنْزَعَاً قَدْ سَارَ فِيْهِ عَلَى أَصْلِ
فَهْبَكَ تُحَاكِيْهِ بِعَبْدٍ وَبَغْلَةٍفَمَنْ لَكَ أَنْ تَحْكَيْهِ فِي القَوْلِ وَالفِعْلِ
تَرُومُ مَكَانَ البَدْرِ دُونَ تَصَاعُدٍوَتَهْوَى ثَنَاءَ النَّاسِ مِنْ دُوْنِ مَا فَضْلِ
مملكة بلنسية
كتاب الروضة النرجسية، في حلى المملكة البلنسية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الثاني:
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب شرق الأندلس
وهو:
كتاب الروضة النرجسية ، في حلى مملكة بلنسية
هي بين مملكة مرسية ومملكة طرطوشة، وقد حصلت للنصارى في هذه المدة، أعادها الله للإسلام، وينقسم كتابها إلى: كتاب الألحان المنسية، في حلى حضرة بلنسية كتاب الحلة السندسية، في حلى الرصافة البلنسية كتاب الخصر الأهيف، في حلى قرية المنصف كتاب الورق المرنة، في حلى قرية بطرنة كتاب المنة، في حلى قرية بنة كتاب الحال المغبوطة، في حلى حصن متيطة كتاب الكواكب الزهر، في حلى جزيرة شقر كتاب السحر المسطر، في حلى حصن مربيطر كتاب المراعي العازبة، في حلى كورة شاطبة كتاب حصن البونت كتاب حنين السانية، في حلى أعمال دانية الجميع أحد عشر كتاباً، ومنها كتابان ينقسمان إلى غيرهما، وهما كتاب كورة شاطبة، وكتاب أعمال دانية، وستقف على ذلك هنالك.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه، فهذا:
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها:
كتاب مملكة بلنسية
وهو:
كتاب الألحان المنسية، في حلى حضرة بلنسية
المنصة
هي عروس.

من المسهب: مطيب الأندلس، ومطمح الأعين والأنفس، قد خصها الله بأحسن مكان، وحفها بالأنهار والجنان، فلا ترى إل مياهاً تتفرع، ولا تسمع إلا أطياراً تسجع، ولا تستنشق إلا أزهاراً تنفح، وما أجلت لحظاً بها في شيء إلا قلت هذا أملح، ولها البحيرة التي تزيد في ضياء بلنسية صحو الشمس عليها. ويقال إن ضوء بلنسية يزيد على ضوء سائر بلاد الأندلس، وجوها صقيل أبداً، لا ترى فيه ما يكدر خاطراً ولا بصراً، لأن الجنات والأنهار أحدقت بها، فلم يثر بأرجائها تراب من سير الأرجل وهبوب الرياح، فيكدر جوها. وهواؤها حسن لتمكنها من الإقليم الرابع، وأخذها من كل حسن بنصيب. ولها البحر على القرب، والبر المتسع، وحيث خرجت من جهاتها لا تلقى إلا منازه ومسارح، ومن أبدعها وأشهرها الرصافة، ومنية ابن أبي عامر.
وهي مدينة متمكنة الحضارة، جليلة القدر.
ومن كتاب الرازي: منافعها لأهلها عظيمة ولمن انتجعها من الناس، بين البر والبحر، والزرع والضرع، وتعرف بمدينة التراب، وفيها يقول شاعرها الذي لها أن تفخر به بملء فيها، ابن غالب أبو عبد الله الرصافي:
خَلِيْلَيَّ مَا لِلْبِيدِ قَدْ عَبَقَتْ نَشْرَاوَمَا لِرُؤُوسِ الرَّكْبِ قَدْ رُنِّحَتْ سُكْرَا
هَلْ المِسْكُ مَفْتُوقَاً بِمَدْرَجَةِ الصِّبَاأَمِ القَوْمُ أَجْرُوا مِنْ بَلَنْسِيَةِ ذِكْرَا
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا بِي عَلَيْهَا فَإِنَّهُحَدِيثٌ كَبَرْدِ المَاءِ فِي الكَبِدِ الحَرَّا
قِفَا غَيْرَ مَأْمُورَيْنِ وَلْتَصْدَيَا بِهَاعَلَى ثِقَةٍ لِلْغَيْثِ فَاسْتَقِيَا القَطْرَا
بِجِسْرِ مَعَانٍ وَالرَّصَافَةِ إِنَّهُعَلَى القَطْرِ أَنْ يَسْقِى الرَّصَافَةَ وَالجِسْرَا
بِلادِي التِي رِيشَتْ قُوَيْدِمَتِي بِهَا ... فُرَيْخَاً وَآَوَتْنِي قَرَارَتُهَا وَكْرَا
مَبَادِيَ لَيْنِ العَيْشِ فِي رَيِّقِ الصِّبَاأَبَى اللهُ أَنْ أَنْسَى لَهَا أَبَدَاً ذِكْرَا
أَكُلَّ مَكَانٍ راح فِي الأَرْضِ مَسْقَطَاًلِرَأْسِ الفَتَى يَهْوَاه مَا عَاشَ مُضْطَرَّا
وَلا مِثْلِ مَدْحُوٍٍّّ مِنَ المِسْكِ تُرْبَةًتُمَلِّيْ الصَّبَا فِيها حَقِيبَتُهَا عِطْرَا
نَبَاتٌ كَأَنَّ الخَدَّ يَحْمِلُ نُورَهُتَخَالُ لُجَيْنَاً فِي أَعَالِيهِ أَوْ تِبْرَا
وَمَاءٍ كَتَرْصِيعِ المَجَرَّةِ جَلَّلَتْنَوَاحِيهِ الأَزْهَارُ فَاشْتَبَكَتْ زُهْرَا
أَنِيقٍ كَرَيْعَانِ الحَيَاةِ التِي حَلَتْ ... طَلِيقٍ كَرَيَّاِن الشَبَابِ الذِي مَرَّا
بَلَنْسِيَةٌ تِلْكَ الزَّبَرْجَدَةُ التِي ... تَسِيلُ عَلَيْهَا كُلُّ لُؤْلُؤَةٍ نَهْرَا
كَأَنَّ عَرُوسَاً أَبْدَعَ اللهُ حُسْنَهَافَصَيَّرَ مِنْ شَرْخِ الشَّبَابِ لَهَا عُمْرَا
تُؤّبِّدُ فِيها شَعْشَعَانِيَّةُ الضُّحَىإِذَا ضَاحَكَ الشَّمْسُ البُحَيْرَةَ وَالنَّهْرَا
تُزَاحِمُ أَنْفَاسُ الرِّيَاحِ بِزَهْرِهَانُجُومَاً فَلا شَيْطَانَ يَقْرُبُهَا ذُعْرَا
هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ حَيْثُ جِئْتَهَاأَضَاءَتْ وَمَنْ لِلْدُرِّ أَنْ يُشْبِهَ البَدْرَا

التاج
ملكها في مدة ملوك الطوائف خادمان من الموالي العامرية، وهما مبارك ومظفر ، وكان من العجائب اشتراكهما في الملك، حتى إنهما لم يمتازا إلا في الحرم خاصة، ولا تنافس بينهما وفيهما يقول ابن دراج شاعر الأندلس من قصيدة :
وَأَظْفَرْتُ آَمَالِي بِقَصْدِ مُظَفَّرٍ ... وَبُوْرِكَ لِي فِي حُسْنِ رَأْيٍ مُبَارَكِ
واشتد أمرهما وحرصهما في الجباية، وأضرا بالناس، فاستغاثوا إلى الله، فهلك مبارك متردياً عن فرسه، وضعف مظفر بعده، فأخرجه أهل بلنسية، فانزوى بشاطبة، فأسند أهل بلنسية أمرهم إلى:
المنصور عبد العزيز بن الناصر
بن المنصور بن أبي عامر
وصفه صاحب الذخيرة بأنه كان من أوصل الناس لرحمه، وأحفظهم لقرابته، بعثه الله رحمة للمجتثين من أهل بيته. وخاطب المأمون القاسم بن حمود الذي خطب له بالخلافة في قرطبة، وبعث له بهدية، فولاه على ما بيده، وامتدت دولته في نعمة متصلة، ودامت إلى أن توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وولي بعده:
ابنه المظفر عبد الملك

ودبر دولته أبو بكر بن عبد العزيز الكاتب، ثم جرت ببلنسية خطوب، وقبل عليها ابن ذى النون الذي أخرجه النصارى من طليطلة، وحصرها النصارى حتى دخلوها، وعاثوا فيها أشد العيث واستنقذها منهم مزدلي وابناه عبد الواحد وعبد الله من ملوك الملثمين. ولما ثارت الفتنة على الملثمين، انحاز إليها عبد الله بن غانية، فأخرجه منها رئيسها أبو عبد الملك مروان بن عبد الله بن عبد العزيز إلى أن قام عليه جند بلنسية في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وبايعوا لابن عياض ملك مرسية، وحمل ابن عبد العزيز إلى المرية، وبها ابن ميمون صاحب البحر، فرفعه في شيني إلى جزيرة ميورقة وهي حينئذ لعبد الله بن غانية خصمه الذي أخرجه من بلنسية، فسجنه في بيت، ذكر ذلك ابن اليسع، ثم تخلص فكان في حضرة مراكش.
أملى علي والدي في شأنه: ملكٌ لم يرث الإمارة عن كلالة، وبدر لم يطلع بغير هالة، إذ كانت تقدمت ببلنسية رياسة جده أبي بكر بن عبد العزيز، وأوى منه أهلها في تلك الخطوب إلى حرز حريز، فظن الناس أن التيتل في المخبر مثل الأسد، فقلدوه تلك القلادة، فذب عن نظامها واجتهد، فهزم جموع الملثمين وأخرج عن بلاده أميرهم عبد الله بن غانية، وطلع على تلك الظلم كالصبح المبين، إلا أنه صادف في شرق الأندلس الأمير أبا محمد بن عياض أسد الحروب، وقطب الخطوب، رجل الثغر شهرة وشجاعة، قد ألقى جميع تلك البلاد له بالسمع والطاعة، فهوت قلوب أهل بلنسية إليه، ورام ابن عبد العزيز صرفهم عن ذلك فثاروا عليه، فخضعت أقلامه للسيوف، ودارت عليه الفتن صروف، فلم ير إلا الفرار، قائلا ليس على زأر الأسد قرار، فجاءت به المقادر إلى أن حصلته في يد عدوه عبد الله بن غانية، فسجنه في جزيرة ميورقة إلى أن يسر الله سراحه على أيدي الموحدين، فحل بمراكش تحت نعمة ضافية ملحوظا بعين الرعاية، متفقدا من الأمر العزيز بأجزل جزاية.
أخبرني أحد الأدباء الأعيان، ممن كان يمازجه ويركن إليه، أنه كان دائم الحسرة على كونه لم يطل ملكه، وكان انجعافه مرة، وأنه كان يستريح في ذلك بما ينظمه، قال: ومما أنشدنيه لنفسه من ذلك قوله:
عَلِمْتُ بِأَنَّ الدَّائِرَاتِ تَدُوْرُ ... وَقَدْ كُسِفَتْ مِنَّا هُنَاكَ بُدُوْرُ
وَنَادَى مُنَادِي البَيْنِ فِيْنَا تَرَحَّلُوا ... فَطَارَ فُؤَادٌ لِلْفِرَاقِ صَبُوْرُ
وَنُثِّرَ سِلْكٌ طَالَ فِي المُلْكِ نَظْمُهُ ... كَذَا كُلُّ نَظْمٍ بِالزَمَانِ نَثِيْرُ
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَكَانَتْ بِأَسْرِهَا ... تُصِيْخُ لِمَا نُومِي بِهِ وَنُشِيْرُ
نَهَضْنَا بِهَا مَا دَامَ فِي السَّعْدِ نَجْمُنَافَلَمَّا هَوَى جَارَتْ وَلَيْسَ مُجِيْرُ
فَلا يَنْسَ تَسْلِيْمَ السِّمَاطِيْنِ مَسْمَعِيْبِحَيْثُ القَنَا وَالمُرْهَفَاتُ سُطُوْرُ
وَحَيْثُ بَنُوْ الآَمَالِ تَكْرَعُ كَالقَطَا ... وَقَدْ زَخَرَتْ لِلْمَكْرُمَاتِ بُحُوْرُ
وَقَدْ قَامَتِ المُدَّاحُ تَنْثُرُ نَظْمَهَا ... وَدَارَتْ عَلَيْنَا لِلْثَنَاءِ خُمُوْرُ
وَللهِ يَوْمٌ قَدْ نَهَضْتُ بِصَدْرِهِ ... وَحَوْلِي مِنْ صِيْدِ الكُمَاةِ صُقُوْرُ
أَثَارَ بِهِ رَكْضُ الفَوَارِسِ قَسْطَلاً ... يُرَصِّعُهُ لِلْبَاتِرَاتِ قَتِيْرُ
وَقَدْ جَالَ جَرَّارُ الذُيُوْلِ مُمَاصِعٌ ... وَطَارَ إِلَى نَهْبِ النُّفُوْسِ مُغِيْرُ
وَقَدْ صُمَّتِ الأَسْمَاعُ إِذْ طَاشَتِ النُّهَىوَحَامَتْ عَلَى مَا عُوِّدَتْهُ طُيُوْرُ
وَأُصْدِرَتِ الرَّايَاتُ حُمْرَاً كَأَنَّهَا ... صُدُوْرُ حِسَانٍ مَسَّهُنَّ عَبِيْرُ
أَلا بِأَبِي ذَاكَ الزَّمَانُ الذِي قَضَى ... وَتَعْسَاً لِدَهْرٍ جَاءَ وَهُوَ عَثُوْرُ
تُصَابِحُنَا فِيْهِ الرَّزَايَا فَتَارَةً ... تُصِمُّ صِمَاخَاً أَوْ تُجِيْشُ صُدُوْرُ
لَقَدْ أَسْخَنَ المِقْدَارُ طَرْفِيَ بَعْدَهُوَكَمْ قَرَّ بِالآَمَالِ وَهُوَ قَرِيْرُ
أَيَا مُهْدِيَاً نَحْوِي التَّحِيَّةَ عَنْ نَوَىًتُسَائِلُنِي، إِنَّ الزَّمَانَ خَبِيْرُ

فَسَلْهُ عَنِ المَاضِيْنَ قَبْلِي فَإِنَّهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ لا يَزَالُ يَجُوْرُ
فَلَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ هَمِّي حَالِكَاًوَشُهْبُ الدَّيَاجِي فِي السَّمَاءِ تُنِيْرُ
وَمِنْ أَدْمُعِي زَهْرٌ تَنَاثَرَ غُصْنُهُ ... بِنَكْبَاءَ يُزْجِيْهَا جَوَىً وَزَفِيْرُ
لأَنْشَدْتَ مِنْ طُوْلِ التَّفَجُّعِ وَالأَسَىوَقَدْ قَصُرَتْ عَنِّي مُنَىً وَقُصُوْرُ
غَرِيْبٌ بِأَرْضِ المَغْرِبَيْنِ أَسِيْرٌ ... سَيَبْكِي عَلَيْهِ مِنْبَرٌ وَسَرِيْرُ

فصل:
وتداولت على بلنسية ولاة ابن مرذنيش ثم ولاه عبد المؤمن إلى أن ثار ابن هود في الأندلس فثار ببلنسية قائد اعنتها:
زيان بن يوسف بن مرذنيش
وأخرج منها أبا زيد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن، ورامها ابن هود فلم يقدر عليها إلى أنا مات بحسرتها. وبعده حصرها النصارى، فخرج منها المسلمون على صلح، وآل الأمر بزيان أنه الآن عند سلطان إفريقية في نعمة وكرامة.
السلك
الوزراء
ذو الوزارتين أبو عامر بن الفرج
وزير المأمون بن ذى النون ملك طليطلة ثم وزير ابن ابنه القادر
من الذخيرة: من بيت الرياسة، وعترة نفاسة، ما منهم إلا من تحدى بالإمارة، وتردى بالوزارة، فطلع في آفاق الدول، ونهض بين الخيل والخول.
ووقفت على نسخة من القلائد ، فوجدت فيها من ذكر أبي عامر هذا ما وجدته في الذخيرة سواء.
ومن المسهب: بنو الفرج من أعيان بلنسية الذين توارثوا الحسب، وجدوا عن أن يحيط بهم نظم من الشعر أو نثر من الخطب، ما منهم إلا من تهادته الملوك، وطلع بآفاقهم طلوع الشمس عند الدلوك. وكان أبو بكر بن عبد العزيز يقصدهم، لمكانهم من بلده، ويخفي لهم ما أظهره بعد من حسده، فتصدى لهم بالموبقات وأخرجهم عن بلنسية، فتفرقوا على حواضر ملوك الطوائف، وكل صادف محلا قابلا، وصار أبو عامر وزيراً للمأمون بن ذى النون.
ومن شعره قوله في أبي عبد الرحمن بن طاهر صاحب مرسية:
قَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ الذِي قَدْ سَمِعْنَا ... فَغَدَا الخُبْرُ عَاضِدَ الأَخْبَارِ
إِذْ وَرَدْنَا لَدَيْكَ بَحْرَاً نَمِيْرَاًوَارْتَقَيْنَا حَيْثُ النُّجُوْمُ الدَّرَارِي
وَلَكَمْ مَجْلِسٍ لَدَيْكَ انْصَرَفْنَا ... عَنْهُ مِثْلَ الصَّبَا عَنِ الأَزْهَارِ
قال: وله في التوشيح طريقة حسنة.
ذو الوزارتين أبو القاسم بن فرج
كاتب أبي محمد بن القاسم صاحب البونت
من المسهب: أنه من هذا البيت المذكور، وأبو القاسم مقلة إنسانه، وفارس ميدانه، وهو من أشعر بني الفرج طرا، ولذلك اشتمل عليه ابن القاسم المذكور لحبه في الشعر، ومعرفته به، مع ما فيه من الخلال الموجبة لعلو المنزلة، وما زال يحمد اختباره، إلى أن قلده الوزارة فاستقل بأعبائها، وطلع بدرا في آفاق سمائها. ومما يستدل به على طبقته في الشعر قوله:
تَأَمَّلْ لِجَفْنِ اللَّيْلِ بِالبَرْقِ أَرْمَدَاتَأَلَّمَ حَتَّى أَسْبَلَ القَطْرَ بَاكِيَا
وَأَحْسَبُهُ إِذْ بِنْتَ عَنِّي فَأَصْبَحْتْجُفُوْنِي قَرْحَى بِالدُّمُوْعِ حَكَانِيَا
وقوله:
الرَّاحُ لا تَحْجِبُوْا عَنِّي مُحَيَّاهَا ... بَيَّا الإِلَهُ مَغَانِيْهَا وَحَيَّاهَا
مَا أَصْبَحَتْ مُهْجَتِي كَالرَّوْضِ مَيِّتَةًإِلاَّ هَفَا بَارِقٌ مِنْهَا فَأَحْيَاهَا
طُوْبَى لِمَنْ طَلَعَتْ شَمْسَاً بِمَجْلِسِهِوَبِالنُّجُوْمِ مِنَ النُّدْمَانِ حَلاَّهَا
الوزير أبو جعفر أحمد بن جرج
وزير ابن عمار لما ثار بمرسية
من الذخيرة: كان أبو جعفر في وقته أحد الأعلام، وفرسان الكلام، وحل عند ملوك الطوائف بأفقنا من الدول، محل الشمس من الحمل ، فحملها على كاهله، وصرف أعنتها بين أنامله، حسن شارة، وكرم إشارة، وعلو همة، وظهور نعمة. وله رسائل مطبوعة، ومنازع في الأدب بديعة. ومن نثره قوله يخاطب ابن طاهر لما خلع عن ملك مرسية، ثم خلص من يد ابن عباد:

ما أعجب الأيام، أعقب الله منها السلامة والسلام، فيما يقضي، وكيف يمضي، تتعاقب بتلوين، وتتراءى بين تقبيح وتحسين، فهي تعتب وتعتب، وتعتذر كما تذنب، وتصدع وتشعب، كما تجد وتلعب، وإن صنيعها عندنا فيك وإن كان ألأم ، فقد أخمد الدهر ما أوقد، وعاد غيث على ما أفسد، وإن يكن - حمى الله ذراك، وحزس علاك - كشف إليك صفحة اعتداء، وتخطى إليك بقدم أعداء، فقد تراجع يمشي على استيحاء، متنصلا مما اقترف، متأسفا على ما سلف ، وعند مثلك للقدر التسليم، فأنت الخبير العليم، أنه ما اختلف الليل والنهار، إلا بنقض وإمرار، ولا دار الفلك المدار، إلا لأمر واختيار ، كنت في الأرض من أسنى مطالعها مشرق الأنوار، فلا غرو أن يدركك ما يدرك القمر من الأفول حينا والسرار، فقد يخسف البدر ثم يعاوده الإضاءة والنور، والحمد لله الذي أخرجك من ظلمائك الغماء خروج السيف من الجلاء والبدر بعد الانجلاء، نقي الأثواب من تلك الطخياء. ومن نظمه قوله:
سَارُوْا فَوَدَّعَهُمْ طَرْفِي وَأُوْدِعُهُمْقَلْبِي فَمَا بَعِدُوْا عَنِّي وَلا قَرِبُوْا
هُمُ الشُّمُوْسُ فَفِي عَيْنِي إِذَا طَلَعُوْافِي القَادِمِيْنَ وَفِي قَلْبِي إِذَا غَرَبُوْا
وقوله في رثاء ابن عمار:
قَدْ طَالَمَا عُمِّرَ المَرْءُ ابْنَ عَمَّارِ ... مُمْتَدَحَاً بِأَمَانِيٍ وَأَخْطَارِ
يُمْلَى لَهُ وَيُمَلِّي كُلَّ مَا وَطَرٍ ... وَلِلْمَقَادِيْرِ فِيْهِ أَيُّ أَوْطَارِ
اسْتَدْرَجَتْهُ لِمَا قَدْ أَدْرَجَتْهُ بِهِ ... حَتَّى أَتَى لِمَنَايَاهُ بِمِقْدَارِ
مَكَارِهٌ خَفِيَتْ عَنْهُ مَصَادِرُهَا ... وَالحَيْنُ مَا بَيْنَ إِيْرَادٍ وَإِصْدَارِ
مُسْتَوْزَرٌ لَمْ يَؤُلْ مِنْهَا إِلَى وَزْرٍوَكَمْ تَحَمَّلَ مِنْ أَعْبَاءِ أَوْزَارِ
تَأْتِي الأُمُوْرُ إِذَا أَقْبَلْنَ مُشْكِلَةًلَكِنَّ تَفَاسِيْرَهَا تُغْرِي بِإِدْبَارِ

الكتاب
أبو جعفر أحمد بن أحمد
من المسهب: من أعيان كُتّاب بَلَنْسية، رفيع الهمة، غير مُنْخَرِق الحُرْمة، له أخلاق تأْبى له من كل خدمة. ونظمه ونثره غير مُنَاهَزَيْن. وأورَدله ما في كتاب القلائد.
ومن الكتاب المذكور: كاتب مجيد وفاضل مجيد انخفض عن الإرتفاع ونفض يده عن الإنتفاع فلم يلمح في سماء ولم يرد ورود ماء وكانت له نفس أبية وسجية سنية وذكر أنه كتب له: استكمل لمثنى الوزارة سعادة واستوصل له من سموها عادة وأسأله المسرة بدنوه معاده كيف لا أراقب مراقب النجوم وأطالب مآقي العين بالسجوم وقد أنذر بالفراق منذر وحذر من لحاق البين محذر وياليت ليلنا غير محجوب وشمسنا لا تطلع بعد وجوب فلا تروع بانصداع ولا تفجع ليلنا بوداع حسبنا الله كذا بنيت الدار ورأى سبحانه أن تصل شَمْلَنا الأقدار، ولعلها تجود بعد لأي، وتعود إلى أحسن رأي، فتنظر نظراً جميلاً، وتَعْمُرَ رَبْعاً مُحيلاً، إن شاء الله. وأنشد له الحجاريّ في مُنية المنصور بن أبي عامر ببلنسية:
قُمْ سَقِّني والرياضُ لابسةٌ ... وَشْياً من النَّوْر حاكَهُ القَطْرُ
والشمسُ قد عَصْفَرَتْ غَلائلها ... والأرض تَنْدَى ثيابُها الخُضْرُ
في مجلِس كالسماءِ لاحَ بهِ ... من وجه مَنْ قد هَوِيتهُ بَدْرُ
والنهرُ مثلُ المجرِّ حفَّ به ... من النواحي كَواكبٌ زُهْرُ
أبو القاسم محمد بن نوح
أملى عليَّ والدي في شأنه: كاتب بليغ النثر، غير قاصر في النظم، كتب عن أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ملك بلنسية، ومدح منصورهم بأمداح كثيرة. قال: وهو ممن صحبتُه وذاكرته ومازجته، وأنشدني لنفسه قوله:
خليلٌ لا يدوم له خليلُ ... يميل مع الزمان كما يميلُ
سمينٌ جسمه والعِرْضُ مُضْنىً ... يُكَثِّرُ نفسه وهو القليلُ
يَنَال صديقَه ويُنَال منه ... وإن يُحتَجْ إليه فلا يُنيلُ
وقوله:
ألا لله بستانٌ غَدَوْنا ... عليه وزَهْرُهُ مُلقَى الإزارِ
وللبَسْبَاس أعلامٌ أرَتْنا ... قريبَ الهُلْبِ أذناب المهارِ
أبو عمرو بن سيدهم

كاتب أبي عنوان بن أبي حفص ملك المرية له الأبيات التي يُغَنَّى بها:
يا دارُ فيكِ حبيبٌ لا أُسَمِّيهِ ... شُحّاً عليه وخوفاً من تَجَنِّيهِ
البدرُ طَلْعَتُهُ والغُصْنُ قامتُهُ ... والشمس أحسِبُها كانت تُرَبِّيه
طوبى لرَبَّتِهِ ما كان أسْعَدها ... ووالديه وما أشقَى محبِّيه
قال العواذلُ إذ أبصرْنَ طَلْعَتَهُ ... من ذا الذي جَلَّ عن وَصْفٍ وتَشْبيهِ
فقلت والوجدُ يَطْويني ويَنْشُرُني ... هذا الغزالُ الذي لمُتنَّني فيهِ
أبو عبد الله محمد بن الأبّار
كاتب زَيّان بن مَرْذَنيش ملك بَلَنْسِية، وقد كتب عن سلطان أفريقية. اجتمعت به، ورأيته فاضلاً في النظم والنثر والتاريخ ومُلَح الآداب. وممّا أنشدني من شعره قوله:
حديقة ياسمينٍ لا ... تَهيمُ بغيرها الحَدَقُ
إذا جَفْنُ الغمام بكى ... تبسّم ثَغْرُها اليَقَقُ
كأطراف الأهلَّة سا ... لَ في أثنائها الشَّفَقُ
وقوله:
نظرتُ إلى البدر عند الخسوفِ ... وقد شِينَ مَنْظَرُهُ الأزْيَنُ
كما سَفَرت صفحةٌ للحبيبِ ... فحجَّبَها بُرْقُعٌ أدكَنُ
وقوله:
عجبتُ من الخُسُوف وكيف أوْدَى ... ببَدْرِ التِّمِّ لمّاع الضِّيَاء
كمرآة جلاها الصَّقْلُ حَتَّى ... أنارتْ ثُمَّ رُدَّتْ في غِشاء
وقوله:
لك الخيرُ أتحفني بخيرِيَّ روضةٍ ... لأنفاسه عند الهجوع هُبوبُ
أليس أديبَ النَّوْرِ يجعل ليله ... نهاراً فيذكو تحته ويَطيبُ
ويطْوى مع الإصباح منثورَ نَشْره ... كما بان عن رَبْع المحبِّ حبيبُ
أهيم به عن نِسْبَةٍ ... ولا غَرْوَ أن يهوى الأديبَ أديبُ
وقوله:
لقد غَضِبَت حتى على السِّمْطِ نَخْوةً ... فلم تتقلَّد غيرَ مَبْسِمِها سِمْطَا
وأنكرتِ الوخْطَ الملمَّ بلمَّتي ... ومن عرف الأيام لم يُنْكر الوَخْطَا
وقوله:
يا حبذا بحديقة دُولابُ ... سكنتْ إلى حركاته الألبابُ
غَنَّى ولم يَطْرَبْ وسَقَّى وهْوَ لَمْ ... يشربْ ومنه العودُ والأكوابُ
لو يدّعى لُطفَ الهواءِ أو الهَوَى ... ما كنتَ في تصديقه ترتابُ
وكأنه مما شَدا مُسْتَهْترٌ ... وكأنّه مما بكى أوّابُ
وقوله:
وقالوا ألِفْتَ الكَرى نُطْفَةً ... وبتَّ على ظمأٍ للكَرَى
فقلتُ الهوى ضافني طاوياً ... إليّ المراحلَ يشكو السُّرَى
فبوّأته مُقْلَتي مَنْزِلاً ... وقدَّمتُ نومي إليه قِرَى
وقوله:
تَراءى له أفْقُ البُحَيْرَةِ والبحرِ ... فراح بماء القَلْب مُختَضِبَ النَّحْرِ
وقد مَنَعَ التهويمَ أنِّيَ هائمٌ ... بعيش مَضَى بين الرُّصافة والجَسْرِ
وجنَّةِ دُنْيا لا نظير لحُسْنها ... تفجَّرتِ الأنهارُ من تحتها تَجْري
إذا الناسُ حَنَّوا للربيع وجَدْتنا ... بها في ربيعٍ كلَّ حين من الدَّهْر
تهبُّ نُعامَاها فَيَفْغَمُ أنْفَنَا ... بأنفاسها الملذوذة البَرْدُ في الحَرِّ
كأنّيَ من قلبي المتيَّم قادحٌ ... عَفاراً لتذكاري لكُثْبانها العُفْرِ
وأياميَ الزُّهر الوجوه خِلالها ... ولا خُلَّةٌ غير الحديقة والنَّهْر
فمِنْ بُكَراتٍ أدْبرتْ وأصائلٍ ... جنيتُ بها الإقبال في غُرَّة العمر
عَشايا كساها التِّبْرُ فضلً شُنُوفهِ ... ألا يا لها فضل الشُّنُوف على التِّبْرِ
وقوله:
أبُسْتانَ الرُّصافة لا ... هويتُ سواك بُسْتانا
تخال الدَّوْحَ مُجْتَمعاً ... به شِيباً وشبَّانا
وقد لبستْ مَفَارقُهُ ... من الأنداءِ تيجانا

تجولُ به جداولُهُ ... وتَغْشى النهرَ إدْمانا
فتحسِبها إذا انسابتْ ... أراقمَ زُرْنَ ثُعْبانا
وقوله:
من عاذري من بابلي طرفُهُ ... ولعمرُه ما حَل يوماً بَابِلا
أعتدُّهُ خُوطاً لعيشِيَ ناعماً ... فيعودُ خَطِّيَّاً لقتليَ ذابِلا
وقوله:
أين المَذانِبُ لا تزال تأَسُّفاً ... يَجْري عليها من دموعي مِذْنَبُ
من كل بسّام الحَباب كأنَّهُ ... ثَغْرُ الحبيب وريقُهُ المُسْتَعْذَبُ
كالنَّصْل إلا أنّه لا يُتَّقى ... كالصِّلِّ إلا أنه لا يُرهَبُ
ومنها في الدولاب:
تقتادنا أقدامُنا وجِيادُنا ... لجنابه وهو النَّضيرُ المُعْجِبُ
كَلَفاً بدولابٍ يدورُ كأنّهُ ... فَلَكٌ ولكن ما ارتقاهُ كوكبُ
نَصَبَتْهُ فوق النهر أيْدٍ قَدَّرَتْ ... تَرْويحَهُ الأرواحَ ساعة يُنْصَبُ
فكأنَّهُ وهو الطليقُ مقيَّدٌ ... وكأنَّهُ وهو الحبيسُ مُسَيَّبُ
للماء فيه تَصَعُّدٌ وتحدُّرٌ ... كالمُزْنِ يَسْتَسْقِي البحارَ ويَسْكُبُ

العمال
أبو الحسن بن سابق
صاحب أعمال بلنسية
من المسهب: من النجباء الذين أطلعهم الأفق البلنسي، كان في أول حاله مستجدياً بالشعر متجولاً في الآفاق، ما بين ظَفَر وإخفاق، إلى أن تَرقّى إلى ولاية السوق ببَلَنْسِيَة، فظهرت منه دُرْبَة في الشغل، وبان عليه استقلال، فوليَ خُطَّةَ الأشراف ولحظَه السَّعد بطرْفه كله، فنال أمنيَّته. وهو معدود في نُبَهاء الكتاب والشعراء. ومن شعره قوله وقد جاءه غلام جميل الصورة من البُدَاة، يشتكي بأن العمال كتبوا عليه أعشاراً لا يحتملها، وأن زَرْعه دون ما قدّروا، وبكى وأظهر خضوعاً، فتحمّلها عنه:
أتَى شاكياً أعباءَ أعْشاره التي ... تحمَّلها عنه المشوقُ الذي بُلِي
فقلت وقد أبدى لديَّ خضوعَهُ ... وأسبَلَ دمعاً كالجُمان المفَضَّلِ
وما ذرفتْ عيناكِ إلا لتقدحي ... بسهميك في أعشار قلب مُقَتَّل
فليتك قد أمسيتَ سِرّاً مُعانقي ... وبتُّ على خَمْرٍ كريقك سَلْسَل
أعاطيكها حتى الصباح وبيننا ... حديثٌ كماء الورد شِيبَ بمَنْدَل
أبو عبد الله محمد بن عائشة
صاحب أعمال بلنسية. من الذخيرة: أي فتىً طهارة أثواب، ورقّة آداب، وأكثرُ ما عوَّل على الحساب، فهو اليوم فيه آيةٌ لا يُقاس عليها، وغايةٌ لا يُضاف إليها. وله من الأدب حظ وافر، وفي أهله اسم طائر، يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع، وسعة الذَّرْع، كان يوماً مع أبي إسحاق بن خفاجة وجماعة من الأدباء تحت خوخةٍ منورة، فهبّت ريح صَرْصَر أسقطت عليهم جميع زَهْرها، فقال ابن عائشة:
ودَوْحة قد عَلَتْ سماءً ... تطلُع أزهارُها نجوما
كأنما الجوُّ غارَ لمَّا ... بَدَتْ فأغْرى بها النسيما
هفا نسيمُ الصَّبَا عليها ... فخلتُها أرسَلَتْ رُجُوما
من المسهب: ممن أنشأته بلنسية من الأعلام، وأظهرته من السادة الكرام، لكنه عاش زماناً، وما عُلِمَ أنه من الجماهير، إلى أن نبّه السعد عليه أميرَ الملثّمين فأشرقت به تلك الدياجير، واستدعاه فقدمه على حُسْبانات جميع المغرب، ووضع في يديه مقاليد الأعمال، وحكَّمه في الأموال، فعظُم قدره ونَبُه ذكره. وله نظم أرقّ من دمعة مهجور، تُدار عليك به صافية الخمور.
ومن السمط: ذو الجانب السهل، والرحب والأهل، والمنتهى في السيادة، وحسن الإراغة والإرادة. ومن نثره: أطال الله - يا عِياذِيَ الأعلى وعَتَادِيَ الأقوى - بقاءك، وأحسن في هذا الملمِّ المبهَم عزاءك، وسرّك ولا ساءك، كتبته. دام عزك، وإن يدي لا تكاد تطاوعني إشفاقاً، ونفسي لا تكاد تملي علي ارتماضاً واحتراقاً، لما ورد فأصْمى وأوجع، وأصمَّ به الناعي، وإن كان أسمع. وأنشد له من قصدية قوله:
كم له عنديَ من مكرُمةِ ... أنفذتْ شكري وأعْيَتْ مَنْطِقِي
أثقَلَتْ تلك المساعي كاهلي ... طوَّقن تلك الأيادي عُنُقي
ومنها:

لم تكن علياؤهُ فيمن مضى ... لا، ولا آلاؤه فيمن بَقِي
سَلِيلُ المجد أغنى نجلَهُ ... مُدرِكٌ غايَةَ ذاك الطَّلَقِ

البيوت
أبو محمد عبد الله بن واجب
من المسهب: بنو واجب ذكرهم في كل مكرمة واجب، حازوا بحضرة بلنسية شهرة الذكر، وجلالة القدر، من بين صاحب أحكام، وعلم أعلام، ووزير مدير، وحسيب شهير. وأبو محمد أديبهم الكامل، وشاعرهم المجيد الفاضل، وقد وفد على أمير الملثَّمين علي بن يوسف بن تاشفِين، وأنشده قصيدة، منها:
بربعهمُ عرِّجْ فذلك مطلبي ... ودَعْ ذكر نَعمانٍ وسَلْعٍ وغُرَّبِ
نَأَوْا لا نأى عني تذكُّرُ عَهْدهم ... وقلبيَ في غير الجَوَى لم يُقَلَّبِ
وأحسبهم يَرْعَونَ عهدي كمثل ما ... رعيتُ ولا يُصْغُون نحو تجنُّب
ومنها:
لقد نصر الرحمنُ أُمّةَ أحمدٍ ... بمُلْك عليٍّ بين شرقِ ومَغْربِ
هو الملك الأعلى الذي امتدَّ ظِلُّهُ ... وفاض نداهُ الغَمْرُ في كل مذهبِ
إذا اطَّلعتْ سودُ الخطوبِ فإنّنا ... لنَلْمَحُ من أضوائه نورَ كوكبِ
ومن جيد شعره قوله:
أنا الذي يَعْرفُهُ دَهْرُهُ ... ما إن يَهُزُّ الخطبُ لي مَنْكِبَا
وقد قَسَا قلبي لِمَا أبصَرَتْ ... عيني ولا يُخْدَعُ من جَرَّبَا
فما أبالي من أخٍ مِخلِص ... أمَشْرقاً يَمَّمَ أم مَغْربَا
وذكره ابن اليسع، وأطنب في الثناء عليه.
العلماء
أبو الربيع سليمان بن سالم الكَلاعيّ
من أئمة المحدّثين، وأعلام العلماء المشهورين في عصرنا، أنشدني له كاتب سلطان إفريقية أبو عبد الله بن الأبار، وهو أحد من روى عنه وقرأ عليه، في مُشْط فضّة:
تَهْوى مَحَلِّي النجومُ ... يا بُعْد ما قد ترومُ
كم لِمَّةٍ لكعاب ... بها النفوسُ تَهيمُ
سَرَيْتُ فيها شِهاباً ... حواهُ ليلٌ بَهيمُ
ما صاغني من لُجَيْنٍ ... إلا ظريفٌ حكيمُ
مَشْطُ الحسانِ بعَظْمٍ ... ظُلْمٌ لعمري عَظِيمُ
أبو الحسن علي بن سعد الخير
أخبرني والدي: أنه كان شهير الذكر، جليل القدر، منصدراً لإقراء العربية ببلنسية في مدة منصور بني عبد المؤمن، وقد ذكره صفوان في زاد المسافر، وأنشد له قوله:
للهِ دولابٌ يفيض بسلسلٍ ... في دَوْحَة قد أيْنَعَتْ أفْنانا
قد طارحتْه بها الحمائمُ شَجْوَها ... فتجيبه وتُرَجِّعُ الألحانا
وكأنّه دنِفٌ أطاف بمَعْهَدٍ ... يبكي ويسأل فيه عَمَّنْ بانا
ضاقتْ مجاري طَرْفِهِ عن دمعه ... فتفتَّحت أضلاعه أجفانا
وقوله:
جَزى إلهُ العَرْشِ يومَ النَّوَى ... بشرِّ ما يجزيه يوم الحسابْ
كم وقفةٍ قلبيَ أضحى بها ... يخفق في الصدر خفوق السَّرابْ
والعِيسُ قد ولَّتْ بأحبابنا ... تَمرُّ في البيداء مَرَّ السحابْ
أبو الحسن علي بن حريق
أخبرني والدي: أنه اجتمع به في سَبْتَة في مدة مستنصر بني عبد المؤمن، وقد قصد صاحب أعمالها ابن عبد الصمد مادحاً، للذائع من كرمه، فرأى خير من يُجتمَع به أدباً وشعراً وظرفاً وحُسْن زيّ، قال: وشهدت له بحفظ الآداب والتاريخ، ومما قيَّدته عنه من شعره قوله:
يا وَيْحَ من بالمغرب الأقصى ثَوَى ... حِلْفَ النَّوى وحَبِيبُه بالمشرقِ
لولا الحذارُ على الورى لملأت ما ... بيني وبينك من زَفيرٍ مُحْرِقِ
وسكبتُ دمعي ثمَّ قلت لسكْبهِ ... من لم يَذُبْ من زفرةٍ فَلْيَغْرَقِ
لكن خشيتُ عقاب ربّي إن أنا ... أغرقتُ أو أحرقت من لم أخلُقِ
وقوله:
يا صاحبيّ وما البخيل بصاحبٍ ... هذي الديارُ فأين تلك الأدْمُعُ
أتمرُّ بالعَرَصات لا تبكي بها ... وهيَ المعاهدُ منهمُ والأرْبُعُ

هيهات لا ريحُ اللواعج بعدهمْ ... رَهْوٌ ولا طَيْرُ الصَّبابةِ وُقَّعُ
يا سَعْدُ ما هذا المُقامُ وقد مَضَوا ... أَتُقِيمُ من بعد القلوب الأضْلُعُ
جاروا على قلبي بسِحْر جفونهم ... لا زال يَشْعَبُه الأسى ويُصَدِّعُ
وأبى الهَوَى إلا الحلولَ بلَعْلَعٍ ... وَيْحَ المطايا أين منها لَعْلَعُ
لم يَدْرِ أين ثَوَوْا فلم يسأل بهمْ ... ريحاً تهبُّ ولا بُرَيقاً يلمع
وكأنهم في كل مَدْرَجِ ناسمٍ ... فعليه منهم رقَّةٌ تتضَوَّعُ
فإذا منحتُهمُ السلامَ تبادرتْ ... تبليغه عني الرياحُ الأربعُ
وقوله:
كلَّمْتُه فاحمرَّ من خَجَل ... حتى اكتسى بالعَسْجَد الوَرقُ
وسألته تقبيلَ راحتِه ... فأبى وقال أخاف أحترقُ
حتى زفيري عاقَ عن أملي ... إن الشقيَّ بريقه شَرِقُ
وقوله وقد شرب عنده محبوبه عشية، وعزم على أن ينفصل عنه لداره، فمنعه من ذلك سيل، فبات عنده:
يا ليلةً جادتِ الليالي ... بها على رغم أنْفِ دهري
للسَّيل فيها عليّ نُعْمى ... يقصُر عنها لسانُ شكري
أباتَ في منزلي حبيبي ... وقام في أهله بعُذْر
فبتُّ لا حالهُ كحالي ... ضجيعَ بدرٍ صريعَ سُكْرِ
يا ليلة القَدْر في الليالي ... لأنت خيرٌ من ألْفِ شَهْرِ
وقوله:
لم تبق عندي للصِّبا لذَّةٌ ... إلا الأحاديثَ على الخَمْرِ
وقوله:
وما بقيتْ من اللَّذات إلا ... محادثةُ الرجال على الشراب
لَثْمُكَ وجْنَتَيْ قَمرٍ منيرٍ ... يجولُ بخدّهِ ماءُ الشباب
وقوله:
إنَّ ماءً كان في وَجْنَتها ... شَرِبتْه السِّنُّ حتى نَشِفَا
وذَوَى العُنّابُ من أنْمُلها ... فأعادتْهُ الليالي حَشَفَا
وقوله في النشواني:
وكأنما سَكنَ الأراقمُ جَوْفَها ... من عهد نوحٍ مُدَّةَ الطوفانِ
فإذا رأَيْنَ الماءَ يَطفَحُ نَضْنَضَت ... من كل خُرتٍ حَيَّةٌ بلسان
وقوله:
بَلَنْسِيَةٌ قرارةُ كلِّ، حُسْنٍ ... حديثٌ صحَّ في شَرْقٍ وغَرْبِ
فإن قالوا محلٌ غلاءِ سعرٍ ... ومَسْقَطُ دِيمَتَيْ طَعْنٍ وضرْبِ
فقل هيَ جَنَّةٌ حُفَّتْ رُباها ... بمكروهين من جوعٍ وحَرْبِ
قال صفوان: اجتمع مَرْجُ كُحْلٍ وابنُ حريق في مجلس أحد الوزراء، فابتدأ مرج كحل ينشد قصدية في الفخر أولها:
هكذا كل جزيريّ النَّسَبْ
فقال ابن حريق:
يا بَس الراحة مبلول الذَّنَبْ

الحكيم الفيلسوف
أبو جعفر أحمد بن عتيق بن جُرْج
المعروف بابن الذهبي
أخبرني والدي: أنه كان من أعيان بلنسية وإنما عرف بالذهبيّ، لأن جده كان مولعاً بالكَتْب بالذهب والتصوير به، واجتمعت به في مراكش، فرأيت بحراً زاخراً، وروضاً ناضراً، قال: وكان مشاركاً في الآداب وعلوم الشريعة، ولكن الغالب عليه علم الفلسفة، وكان أيضاً طبيباً ماهراً، وكان من أصحاب ابن رُشْد، فلما سَخِط المنصور على ابن رشد طلب أصحابه، فاختفى ابن الذهبيّ إلى أن عفا عنه، ثم ما زال يترقّى إلى أن قدّمه على الطلبة، فجلَّ قدره، واشتهر ذكره، وكفاك عُنواناً على علو طبقته في النظم قولُه:
أيها الفاضل الذي قد هداني ... نحو من قد حَمِدْتُه باختياري
شَكَرَ اللهُ ما أتيت وجازا ... ك ولا زلتَ أيَّ نجمٍ لسَار
أيّ برقٍ أفاد أيَّ غمامٍ ... وصباحٍ أدّى لضوء نَهَار
وإذا ما غدا النسيم دليلي ... لم يُحِلُني إلا على الأزهار
وقوله في وزير مراكش أبي سعيد بن جامع وقد عاده:
أنت عَيْنُ الزمان لا تُنْكِر السُّقْ ... م فما ذاك مُنْكَرٌ في العيونِ
عبد الودود البلنسيّ الطبيب

من الخريدة: رحل إلى العراق وخُرَاسان وعُرف عند السلاطين، وكان في عصر السلطان محمد بن مَلِكْشاه. ومن شعره قوله فيما يكتب بالذهب على بيضة نَعامة:
قبيحٌ لمثلي أن يُحَلَّى بعَسْجَد ... وألْبَسَ أثواباً ومَلْبَسيَ الدُّرُّ
ولو كنتُ في بَحْرٍ لعزَّتْ مطالبي ... ولكنّ عَيْبي أن مَسْكَنِيَ البرُّ

الشعراء
أبو جعفر أحمد بن الدَّوْدين
من الذخيرة: هو أحد من لقيته، وأملى عليَّ نظمه ونثره بأشْبونة سنة سبع وسبعين وأربعمائة. ومما أنشدني من شعره قوله:
علَّمني في الهوى عليٌّ ... كيف التَّصابي على وَقاري
أطلعَ لي من دُجاهُ بَدْراً ... لم يدرِ ما ليلةُ السِّرَار
فحاد بي عن طريق نُسْكي ... وظَلْتُ مُسْتأهلاً لنار
وقوله:
خَطَّ العِذَارُ بصفحتيه كتاباً ... مَشَقَتْ به أيدي المشيب جَوابا
فغدَتْ غواني الحيِّ عنك غوانياً ... وأسَلْنَ ألحاظ الرَّباب رَبابا
فلأَبكينَّ على الشباب وطيبه ... ولأجعلنّ دَمَ الفؤاد خِضابا
أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عطية
المشهور بابن الزَّقَّاق
من سمط الجمان: المطبوع بالإصْفاق، ذو الأنفاس السحرية الرقاق، المتصرف بين مطبوع الحجاز ومصنوع العراق، الذي حكى بأشعاره زهر الرياض، وأخْجَل بإشاراته عَثَرات الجفون المِراض، وراض طبعه على شأو الرِّضا وطَلْقِ السُّرى الموطّأ فانقاد له وارتاض.
ومن المسهب: من فتيان عصرنا الذين اشتهر ذكرهم، وطار شعرهم، وهو جدير بذلك، فلشعره تعشُّق بالقلوب، وتعلُّقٌ بالسمع، وأعانه على ذلك مع الطبع القابل، كونه استمدَّ من خاله أبي إسحاق بن خفاجة، ونَزَع منزَعه، وأنت إذا سمعت قوله:
وأغيَدٍ طافَ بالكئوس ضُحىً ... وَحَثَّها والصباحُ قد وضَحَا
والرَّوْضُ أهْدى لنا شقائقَه ... وآسُهُ العنبريّ قد نَفحا
قلنا وأيْن الأقاحُ؟ قال لنا ... أوْدَعْتُهُ ثغْرَ مَنْ سَقَى القَدَحا
فظلَّ ساقي المُدامِ يَجْحَدُ ما ... قال فلما تبسَّم افتضحا
وقوله:
ورياض من الشقائق أضحى ... يَتهادَى بها نسيمُ الرياحِ
زُرْتُها والغمامُ يجلد منها ... زَهَراتٍ تروق لون الرَّاحِ
قلت ما ذنبها؟ فقال مجيباً ... سَرَقَتْ حُمْرةَ الخدود الملاحِ
لم تحتج معه إلى شاهد غيره، على حسن تهدّيه واحتياله، على أن يُظهر الخَلَقَ في حِلْية الجديد، فلله درّه. الفرض من ديوانه: قوله من قصيدة:
والطيفُ يَخْفى في الظلام كما اختفى ... في وَجْنَةِ الزّنجيِّ مِنه حياءُ
طلعتْ بحيث الباتراتُ بوارقٌ ... والزُّرْقُ شُهْبٌ والقتام سماءُ
ومنها:
هذي القصائدُ قد أتتْكَ برودُها ... مَوْشيَّةً وقريحتي صنْعَاءُ
ومديحُ مثلِك مادحي ولرُبّما ... مُدِحَتْ بمن تتمدّح الشعراءُ
وقوله:
أفديكِ من نَبْعيَّةٍ زَوْرَاءِ ... مشغوفةٍ بمقاتل الأعداءِ
ألِفَتْ حَمام الأيك وَهْيَ نضيرةٌ ... واليوم تألُفُها بكَسْر الحاءِ
وقوله:
يا شَمْسَ خِدْرٍ ما لها مغربُ ... أرامةٌ دارُك أم غُرَّبُ
ذهَبْتِ فاستعبر طرْفي دماً ... مُفَضَّضُ الدمع به مَذْهَبُ
اللهَ في مُهْجَةِ ذي لوعةِ ... تَيَّمَهُ يوم النَّقَا الرَّبْرَب
شام بروقاً لِلِّوَى فامْتَرى ... أضوْءه أم ثَغْرُكِ الأشنبُ
أشبَه فيها ليلَهُ يومُهُ ... حتى استوى الأدهَمُ والأشهَبُ
سُرُورُهُ بعدكمُ ترْحَةٌ ... وصُبْحه بعدكمُ غَيْهَبُ
ناشدتك الله نسيمَ الصَّبَا ... أين استقلَّتْ بعدنا زينبُ
لم تَسْرِ إلاّ بشَذَا عَرفها ... أولاَ فماذا النَّفَسُ الطَّيِّبُ
ويا سحابَ المُزْن ما بالُنا ... يشوقنا ذيلُكَ إذ تَسْحَبُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4