الكتاب : الآداب الشرعية
المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيّ

فَصْل ( فِيمَا يَقُولُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ) .
مَنْ غَلَطَ فَتَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ : " أُنْسِيتُ ذَلِكَ " أَوْ أَسْقَطَهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَفِيهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : { بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ } وَلِلْبُخَارِيِّ { لِأَحَدِهِمْ يَقُول : نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ } .
وَلِمُسْلِمٍ { لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ } نُسِّيَ : بِتَشْدِيدِ السِّينِ ، وَقِيلَ : وَتَخْفِيفِهَا .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : إنَّمَا نَهَى عَنْ نَسِيتُهَا ، وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا وَالتَّغَافُلَ عَنْهَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَوْلَى مَا يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّ مَعْنَاهُ ذَمُّ الْحَالِ لَا ذَمُّ الْقَوْلِ ، أَيْ بِئْسَ الْحَالَةُ حَالَةَ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى نَسِيَهُ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ { : فَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ } .

فَصْلٌ ( فِي تَطَيُّبِ الْمُصْحَفِ وَكُرْسِيِّهِ وَكِيسِهِ ) .
لَا يُكْرَهُ تَطَيُّبُ الْمُصْحَفِ وَلَا جَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ أَوْ كِيسٍ حَرِيرٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، بَلْ يُبَاحُ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ بِالْأَرْضِ وَعَلَّلَهُ الْآمِدِيُّ فَقَالَ : إنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ يَسِيرِهِ ، وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهُ كَلُبْسِهِ فِي الْحَرْب وَتُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ كَبَقِيَّةِ الْكُتُبِ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ عَلَاقَتُهُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا جَمِيعَهُ لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ فِيهِ شَيْءٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ .

فَصْلٌ ( فِي الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ ) تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَجَوَابُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ .
قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْن حَمْدَانَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ هُمَا سُنَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ قِيلَ : بَلْ وَاجِبَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَيُسَنُّ أَنْ يُغَطِّيَ الْعَاطِسُ وَجْهَهُ وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَسْمَعُ جَلِيسُهُ لِيُشَمِّتَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَأَحْمَدَ بْنِ أَصْرَمَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيَبْعُدُ مِنْ النَّاسِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَغْدَادِيُّ غَرِيبٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ : وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَهْرًا .

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ مِنْ إفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ الرَّازِيّ : مِنْ الْأَطِبَّاءِ : الْعُطَاسُ لَا يَكُونُ أَوَّلَ مَرَضٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ زُكْمَةٌ قَالَ ابْن هُبَيْرَةَ : فَإِذَا عَطَسَ الْإِنْسَانُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوْدَةِ هَضْمِهِ وَاسْتِقَامَةِ قُوَّتِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ .
وَكَذَلِكَ الطَّنِينُ فِي الْأُذُنِ فَإِنَّهُ مِنْ حَاسَّةِ السَّمْعِ فَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُ الْإِنْسَانِ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى مُثْنِيًا عَلَيْهِ بِمَا أَرَاهُ مِنْ دَلِيلِ حُسْنِ صَنْعَتِهِ فِيهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَبْدَانِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّنِينَ لَا يَعْرِضُ لِمَنْ قَدْ فَسَدَ سَمْعُهُ كَذَلِكَ لَا يَعْرِضُ لِلشُّيُوخِ إلَّا نَادِرًا انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ : الدَّوِيُّ وَالطَّنِينُ فِي الْأُذُنِ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَاسَّةِ السَّمْعِ وَلَا خَطَرَ فِيهِ ، وَيَكُونُ مِنْ أَرْيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُحْتَبِسَةٍ فِي الدِّمَاغِ أَوْ كَيْمُوسَاتٍ غَلِيظَةٍ فِيهِ ، وَعِلَاجُهُ إسْهَالُ الْبَطْنِ بِالْإِيرَاحَاتِ الْكِبَارِ وَكَبِّ الْأُذُنِ عَلَى بُخَارِ الرَّيَاحِينِ اللَّطِيفَةِ وَهَجْرِ الْأَطْعِمَةِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي تَمْلَأُ الرَّأْسَ مِثْلَ الْفُومِ وَالْكُرَّاتِ وَالْجَوْزِ ، وَيُقَطِّرُ فِي الْأُذُنِ دُهْنَ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَيَكُونُ الْغِذَاءُ اسفيدناجات أَوْ مَاءَ الْحِمَّصِ انْتَهَى كَلَامُهُمْ .

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : { وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ ذَكَرَنِي بِخَيْرٍ } ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا ، وَهَذَا الْخَبَرُ مَوْضُوعٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ } ؛ لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَدُلّ عَلَى خِفَّةِ بَدَنٍ وَنَشَاطٍ وَالتَّثَاؤُبَ غَالِبًا لِثِقَلِ الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ فَيَمِيلُ إلَى الْكَسَلِ فَأَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُرْضِيهِ أَوْ مِنْ تَسَبُّبِهِ لِدُعَائِهِ إلَى الشَّهَوَاتِ وَيَقُولُ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَيَقُول هُوَ : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَزَادُوا { وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } أَوْ يَقُول : يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ ، وَقِيلَ : بَلْ يَقُولُ : مِثْلَ مَا قِيلَ : لَهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ : لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ : يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : التَّشْمِيتُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَاطِسُ وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا فَيَقُولُ : آمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَإِنْ قَالَ الْمُشَمِّتُ الْمُسْلِمُ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ فَحَسَنٌ ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَّا قَوْلَهُ : وَإِنْ كَانَ الْمُشَمِّتُ كَافِرًا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظَانِ ( أَحَدُهُمَا ) : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ .
( وَالثَّانِي ) : يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ .
كَذَا قَالَ : وَصَوَابُهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي : وَيَخْتَارُ أَصْحَابُنَا يَهْدِيكُمْ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُدِيمُ اللَّهُ هُدَاكُمْ ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ .

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْكَافِرِ فَإِنْ شَمَّتَهُ أَجَابَهُ بِآمِينَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ تَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ { كَانَتْ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : رَحِمَكُمْ اللَّهُ ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ دَيْلَمٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَحَكِيمٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ : شَيْخٌ صَدُوقٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الذِّمِّيِّ ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ عَطَسَ يَهُودِيٌّ قُلْتُ لَهُ : يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ قُلْتُ : أَيُّ شَيْءٍ يُقَالُ لِلْيَهُودِيِّ ؟ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ تَشْمِيتَهُ ؛ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ تَحِيَّةٌ لَهُ فَهُوَ كَالسَّلَامِ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ كَذَلِكَ التَّشْمِيتُ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّ خِصَالٍ إنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ شَيْئًا تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ ، إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَإِذَا مَرِضَ أَنْ يَعُودَهُ ، وَإِذَا مَاتَ أَنْ يَحْضُرَهُ ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ أَنْ يَنْصَحَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ أَنْ يُشَمِّتَهُ أَوْ يُسَمِّتَهُ } فَلَمَّا خَصَّ الْمُسْلِمَ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ بِخِلَافِهِ ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ إلَّا قَوْلَهُ " حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ " ،

وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ } وَذَكَرَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : التَّخْصِيصُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ إنَّمَا يَنْفِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي النَّصِيحَةِ ، وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لَا تَنْفِي جَوَازَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ وَلَا كَرَاهَةٍ كَإِجَابَةِ دَعَوْتِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ تَعَاطُسِ الْيَهُودِ عِنْدَ النَّبِيِّ وَكَانَ يُجِيبُهُمْ بِالْهِدَايَةِ ، وَإِذَا كَانَ فِي التَّهْنِئَةِ وَالتَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ رَاوِيَتَانِ فَالتَّشْمِيتُ كَذَلِكَ انْتَهَى كَلَامهُ .
فَظَهَرَ فِي تَشْمِيتِ الْكَافِرِ أَقْوَالٌ : الْجَوَازُ ، وَالْكَرَاهَةُ ، وَالتَّحْرِيمُ .

وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ وَالسِّينِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ قَالَ ثَعْلَبُ : مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَكَ اللَّهُ عَنْ الشَّمَاتَةِ .
وَبِالْمُهْمَلَةِ هُوَ السَّمْتُ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْهُدَى قَالَ اللَّيْثُ : التَّشْمِيتُ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُكَ لِلْعَاطِسِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ مَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى السَّمْتِ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَاطِسِ مِنْ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ عَلَى اللُّغَتَيْنِ .
وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَيْضًا : يُقَالُ سَمَّتْ الْعَاطِسَ وَشَمَّتَهُ إذَا دَعَوْتَ لَهُ بِالْهُدَى وَقَصْدِ السَّمْتِ وَالْمُسْتَقِيمِ قَالَ : وَالْأَصْلُ فِيهِ السِّينُ الْمُهْمَلَةُ فَقُلِبَتْ شِينًا مُعْجَمَةً وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ يُقَالُ : شَمَّتَهُ وَسَمَتَ عَلَيْهِ إذَا دَعَوْتُ لَهُ بِخَيْرٍ ، وَكُلُّ دَاعٍ بِالْخَيْرِ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ : التَّشْمِيتُ بِالشِّينِ وَالسِّينِ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَالْمُعْجَمَةُ أَعْلَاهَا يُقَال : شَمَّتَ فُلَانًا وَشَمَّتَ عَلَيْهِ تَشْمِيتًا فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الشَّوَامِتِ ، وَهِيَ الْقَوَائِمُ كَأَنَّهُ دَعَا لِلْعَاطِسِ بِالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَبْعَدَكَ اللَّهُ عَنْ الشَّمَاتَةِ وَجَنَّبَكَ مَا يُشَمَّتُ بِهِ عَلَيْكَ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : قَالَ ثَعْلَبٌ : الِاخْتِيَارُ بِالسِّينِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْحُجَّةُ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الشِّينُ أَعْلَى فِي كَلَامِهِمْ وَأَكْثَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : : كُلُّ دَاعٍ لِأَحَدٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ وَالشَّوَامِتُ قَوَائِمُ الدَّابَّةِ وَهُوَ اسْمٌ لَهَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو يُقَالُ : لَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُ شَامِتَةً أَيْ : قَائِمَةً .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ فِيهِ كَلَامًا ، وَلَعَلَّهُ حَسَّنَ الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعِنْدَهُ { فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ } .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ حَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ } .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَكَرَاهَةُ تَشْمِيتِ مَنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ إنْ شَمَّتَهُ غَيْرُهُ فَلْيُشَمِّتْهُ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَشْمِيتِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ لَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ } .
قَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ الْمَلَكُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : رَبِّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ الْحَمْدُ قَالَ الْمَلَكُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ رَبُّكَ } فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذِكْرَهُ عَلَى الْآدَمِيِّ ، وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا عَطَسَ

أَحَدُكُمْ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَإِذَا قَالَ : رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ .
} وَرَوَى سَعِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ وَهُوَ وَحْدَهُ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلْيَقُلْ يَرْحَمْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ فَإِنَّهُ يُشَمِّتُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي السَّلَامِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ } شَكَّ الرَّاوِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا { إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلْيَقُلْ يَغْفِرْ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ { أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالَ : سَالِمٌ وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمَّا قُلْتُ : لَكَ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ قَالَ : إنَّمَا قُلْتُ : لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ثُمَّ قَالَ : إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ الْحَدِيث } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ { فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَضْرَمِيِّ مَوْلَى الْجَارُودِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : { عَطَسَ رَجُلٌ إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ : الْحَمْدُ

لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَأَنَا أَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ إذَا عَطَسْنَا إنَّمَا عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادَةَ .

فَصْل قِيلَ : لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ إنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يَقْتَضِي الْجَوَابَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ سُنَّتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَوَابِ وَبَيْنَ مَا يَقْتَضِيه كَالسَّلَامِ وَرَدِّهِ وَحَمْدِ الْعَاطِسِ وَتَشْمِيتِهِ ، فَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ : وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ : إنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْجَوَابَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَأْمُرُ بِالْحَمْدِ ، وَإِنَّمَا هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَعْنَاهُ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ .
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ فَإِنَّ السَّلَامَ يَقْتَضِي الْجَوَابَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ التَّشْمِيتُ فَلِهَذَا لَمْ يُسَنَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَابَ مِنْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يُوجَدُ مِنْهُ الْجَوَابُ .
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : وَإِنْ عَطَسَ كَافِرٌ وَحَمِدَ اللَّهَ قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ عَافَاكَ اللَّهُ .

( فَصْلٌ ) : قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ لَا يُشَمِّتُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لِلرَّجُلِ أَنْ يُشَمِّتَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقِيلَ : عَجُوزًا وَشَابَّةً بَرْزَةً وَلَا تُشَمِّتُهُ هِيَ وَقِيلَ : لَا يُشَمِّتُهَا .
وَقَالَ السَّامِرِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يُشَمِّتَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعَجُوزِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعُبَّادِ فَعَطَسَتْ امْرَأَةُ أَحْمَدَ فَقَالَ لَهَا الْعَابِدُ : يَرْحَمُكِ اللَّهُ فَقَالَ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ : عَابِدٌ جَاهِلٌ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ حَرْبٌ قُلْتُ : لِأَحْمَدَ الرَّجُلُ يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ ؟ فَقَالَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْطِقَهَا وَيَسْمَعَ كَلَامَهَا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِتْنَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشَمِّتَهُنَّ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهِ عُمُومٌ فِي الشَّابَّةِ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : إنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُشَمِّتُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ قَالَ : نَعَمْ قَدْ شَمَّتَ أَبُو مُوسَى امْرَأَتَهُ قُلْتُ : فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً تَمُرُّ أَوْ جَالِسَةً فَعَطَسَتْ أُشَمِّتُهَا قَالَ : نَعَمْ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَيُشَمِّتُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْبَرْزَةَ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ الْبَزْرَةَ وَتُشَمِّتُهُ وَلَا يُشَمِّتُ الشَّابَّةَ وَلَا تُشَمِّتُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ : وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَشْمِيتُ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَالْعَجُوزِ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ الْخَفِرَةِ فَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ هَلْ يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهَا أَمْ لَا وَيُشَمِّتُهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا وَسَبَقَتْ نُصُوصُهُ فِي التَّسْلِيمِ عَلَيْهَا مِثْلُ هَذَا ، وَلَا فَرْقَ وَسَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ النَّظْمِ سَوَّى بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ ، وَقِيلَ : يُشَمِّتُ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً بَرْزَةً وَمَنْ قُلْنَا :

يُشَمِّتُهَا فَإِنَّهَا تُشَمِّتُهُ وَعَلَى مَا فِي الرِّعَايَةِ لَا .

فَصْل ( فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ كُلَّمَا عَطَسَ إلَى ثَلَاث فَإِنْ عَطَسَ رَابِعَةً لَمْ يُشَمِّتْهُ ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ رِوَايَةَ صَالِحٍ وَمُهَنَّا وَقِيلَ : أَوْ ثَالِثَةً .
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ ، وَقِيلَ : أَوْ مَرَّتَيْنِ ، وَيُقَالُ : لَهُ عَافَاكَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ رِيحٌ قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ : تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي مَجْلِسهِ ثَلَاثَةً قَالَ : أَكْثَرُ مَا فِيهِ ثَلَاثٌ ، وَهَذَا مَعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ التَّشْمِيتِ لَا بِعَدَدِ الْعَطَسَاتِ ، فَلَوْ عَطَسَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ شَمَّتَهُ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ تَشْمِيتٌ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَالْأَدِلَّةُ تُوَافِقُ هَذَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ مُهَنَّا : لِأَحْمَدَ أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُكَ فِي الْعَاطِسِ يُشَمَّتُ إلَى ثَلَاثٍ مِرَارًا ؟ فَقَالَ إلَى قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قُلْتُ : مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ : هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : الْعَاطِسُ بِمَنْزِلَةِ الْخَاطِبِ يُشَمَّتُ إلَى ثَلَاثٍ مِرَارًا فَمَا زَادَ فَهُوَ دَاءٌ فِي الرَّأْسِ ، وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْهُ يُشَمَّتُ إلَى ثَلَاثٍ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا { يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثَةً فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ } وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا ، وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ { سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ مَزْكُومٌ } وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ قَالَ لَهُ : فِي الثَّالِثَةِ " أَنْتَ مَزْكُومٌ " قَالَ :

وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حُمَيْدَةَ أَوْ عُبَيْدَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَكُفَّ } مُرْسَلٌ وَعُبَيْدَةُ تَفَرَّدَ عَنْهَا ابْنُهَا قَالَ بَعْضهمْ : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيُقَالُ : لِلصَّبِيِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ : بُورِكَ فِيكَ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَزَادَ وَجَبَرَكَ اللَّهُ .

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ يَعْطِسُ قَالَ : يُقَالُ : لَهُ بُورِكَ فِيكَ وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : إنْ عَطَسَ صَبِيٌّ يَعْنِي عَلِمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قِيلَ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ بُورِكَ فِيكَ وَنَحْوُهُ وَيَعْلَمُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا حَمِدَ اللَّهَ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ حَضَرَهُ وَقِيلَ لَهُ : نَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ أَمَّا كَوْنُهُ يَعْلَمُ الْحَمْدَ فَوَاضِحٌ ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ الرَّدَّ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي رَدِّ السَّلَامِ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُدْعَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : الدُّعَاءُ لَهُ تَشْمِيتٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ كَالْبَالِغِ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ فِي كَلَامِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ الْعَاطِسِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى غَيْرِهِ وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ لَا يُخَاطَبُ ، فَفِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْخِطَابِ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَا فِعْلَ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ الْمَحْضَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَا تُفْعَلُ عَنْ الْحَيِّ بِاتِّفَاقِنَا .
وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ يَقُولُهُ : الْوَلِيُّ فَقَطْ وَيَتَوَجَّهُ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَكْلٍ وَشُرْبٍ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ .
وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِعُطَاسِ الْمَجْنُونِ كَمَا لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ يُشْرَعُ الدُّعَاءُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الطِّفْلِ كَذَلِكَ خُولِفَ لِلْأَثَرِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمَجْنُونِ احْتِمَالٌ كَالطِّفْلِ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَوْ شُرِعَتْ عَنْهُ التَّسْمِيَةُ لِذَلِكَ لَشَاعَ وَلَنَقَلَهُ الْخَلْفُ عَنْ السَّلَفِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَالْحَاجَةِ فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ

وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ ، بَلْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَنْقُولِ مِنْ تَحْنِيكِ الْأَطْفَالِ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَذْكُرْهَا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ } وَهَذِهِ أَوْجَاعٌ اُخْتُلِفَ فِي تَعْيِينهَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِير وَغَيْره ، وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَذْكَرُ هَذَا الْخَبَرَ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ ، وَلَعَلَّ الْخَبَرَ فِي تَشْمِيتِ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَإِلَّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَبَ إلَيْهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَخْضَر فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَحْمَد قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : إنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْد أَبِي عَبْد اللَّه فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَانْتَظَرَهُ أَنْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَيُشَمِّتهُ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه : كَيْف تَقُولُ إذَا عَطَسْتَ ؟ قَالَ : أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَهَذَا يُؤَيِّد مَا سَبَقَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ .

فَصْلٌ ( فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُجَشِّي ) .
وَلَا يُجِيب الْمُجَشِّي بِشَيْءٍ ، فَإِنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
قِيلَ لَهُ : هَنِيئًا مَرِيئًا ، أَوْ هَنَّأَكَ اللَّهُ وَأَمْرَاك ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ تَمِيم ، وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ .
وَقَالَ : لَا نَعْرِفُ فِيهِ سُنَّةً ، بَلْ هُوَ عَادَة مَوْضُوعَة ، وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آدَابِ الْآكِل .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ : يَنْفَعُ فِيهِ السَّذَابُ أَوْ الْكَرَاوْيَا أَوْ الْأَنِيسُونَ أَوْ الْكُسْفُرَةُ أَوْ الصَّعْتَرُ أَوْ النَّعْنَاعُ أَوْ الْكُنْدُرُ مَضْغًا وَشُرْبًا .
رَوَى أَبُو هُرَيْرَة { أَنَّ رَجُلًا تَجَشَّأَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيب .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِب : إذَا تَجَشَّى وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيحُ ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ آذَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ رِيحِهِ ، قَالَ : وَهَذَا مِنْ الْأَدَبِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : إذَا تَجَشَّى الرَّجُلُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقِهِ لِكَيْ لَا يَخْرُجَ مِنْ فِيهِ رَائِحَةٌ يُؤْذِي بِهَا النَّاسَ .

فَصْلٌ ( فِي التَّثَاؤُب وَمَا يَنْبَغِي فِيهِ ) .
مَنْ تَثَاءَبَ كَظَمَ مَا اسْتَطَاعَ لِلْخَبَرِ ، وَأَمْسَكَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ أَوْ غَطَّاهُ بِكُمِّهِ أَوْ غَيْرِهِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّثَاؤُبُ ؛ لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ الشَّيْطَانُ } وَفِيهِ { : إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ : هَاهْ هَاهْ فَإِنَّ ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ } .
رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلِلْبُخَارِيِّ وَعِنْده { : إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ } وَرَوَى أَيْضًا وَحَسَّنَهُ { : الْعُطَاسُ مِنْ اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ } رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَة : إنَّمَا أَحَبَّ الْعُطَاسَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ خِفَّةِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحِ الْمَسَامِّ وَتَيْسِيرِ الْحَرَكَاتِ ، وَالتَّثَاؤُبُ بِخِلَافِهِ ، وَسَبَب هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْإِقْلَالُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيد { : إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ } وَلَهُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : وَلَا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ هَاهْ وَلَا مَا لَهُ هِجَاءٌ وَلَا يُزِيلُ يَدَهُ عَنْ فَمِهِ حَتَّى يَفْرُغَ تَثَاؤُبُهُ } وَيُكْرَه إظْهَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى كَفِّهِ وَإِنْ احْتَاجَهُ تَأَخَّرَ عَنْ النَّاسِ وَفَعَلَهُ وَعِنْده يُكْرَه التَّثَاؤُبُ مُطْلَقًا .

فَصْلٌ ( فِي حُكْمِ التَّدَاوِي مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ) .
يُبَاحُ التَّدَاوِي وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : الْعِلَاجُ رُخْصَةٌ وَتَرْكُهُ دَرَجَة أَعْلَى مِنْهُ ، وَسَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْن إبْرَاهِيم بْن هَانِئٍ فِي الرَّجُلِ يَمْرَضُ يَتْرُكُ الْأَدْوِيَةَ أَوْ يَشْرَبُهَا قَالَ : إذَا تَوَكَّلَ فَتَرَكَهَا أَحَبُّ إلَيَّ .
وَذَكَرَ أَبُو طَالِب فِي كِتَابِ التَّوَكُّلِ عَنْ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَحَبُّ لِمَنْ عَقَدَ التَّوَكُّلَ وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ تَرْكُ التَّدَاوِي مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ كَانَتْ تَكُونُ بِهِ عِلَلٌ فَلَا يُخْبِرُ الطَّبِيبَ بِهَا إذَا سَأَلَهُ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَكَاهُ عَمَّنْ حَكَاهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ، وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ : " هُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ " وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادَهُ ثِقَاتٌ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَى سَعِيد ثنا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنْ أَرْقَى وَاسْتَرْقَى } إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَقَالَ سَعِيدٌ : ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ " عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ : سَبَقَكُمْ الْأَوَّلُونَ بِالتَّوَكُّلِ ، كَانُوا لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ فَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " عُبَيْدٌ أَدْرَكَ عُمَرَ وَأُبَيًّا .
وَقِيلَ :

بَلْ فِعْله أَفْضَل وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلَف ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَاخْتَارَهُ الْوَزِيرُ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاح قَالَ : وَمَذْهَب أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُؤَكَّد حَتَّى يُدَانِي بِهِ الْوُجُوب ، قَالَ : وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ عِلْمَ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْفِلَاحَة فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : " لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ " ، قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسْتَرْقَى الرَّجُلُ بِالْكَلِمَاتِ الْخَبِيثَةِ فَيُوهِمهُ الرَّاقِي فِي ذَلِكَ ، وَفِي الْكَيِّ أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدًا ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالْحِجَامَةُ سُنَّةٌ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى فِعْل التَّدَاوِي ، احْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُبَاح لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُدَاوِي مَغَابِنَهُ مِنْ إبِطَيْهِ لِيَقْطَع ضَرَرَ بُخَارِهِمَا عَنْ النَّاسِ وَعَنْهُ فِي نَفْسِهِ كَذَا قَالَ ، وَلَا أَحْسَب هَذَا مَحِلَّ وِفَاقٍ وَلَوْ كَانَ فَهُوَ لَا يَرَى وُجُوبَ التَّدَاوِي ، قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَارِكٌ جُرْحَهُ يَسِيلُ دَمُهُ فَلَمْ يَعْصِبهُ حَتَّى سَالَ مِنْهُ الدَّمُ فَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى قَاتِلًا لِنَفْسِهِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا .
وَقَالَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ : وَهُوَ نَحْو حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّم رَوَاهُ مُسْلِمٌ يَعْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغ بِهِمْ الذَّهَابُ فِي التَّدَاوِي إلَى أَنْ يَكْتَوُوا وَهُوَ آخِرُ الْأَدْوِيَة وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَلَا يَسْتَرْقُونَ " رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَمَّا الِاسْتِشْفَاءُ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا .
وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا } قَالَ : فَمَنْ تَدَاوَى بِنِيَّةِ أَنْ

يَتَّبِعَ فِي التَّدَاوِي السُّنَّةَ وَيُدَبِّرَ بَدَنَهُ الْمُودَعَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَصْوَبِ التَّدْبِيرِ ، فَهَذَا إيمَانٌ وَتَوْفِيقٌ إنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ أَوْ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ إذَا لَمْ يَتَدَاوَى رُبَّمَا يَهْلَكُ وَيُوهِمُهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَجَلِهِ فَيَتَدَاوَى بِهَذَا الْعَزْمِ فَيَكُونَ كَافِرًا ، كَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْد جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا أَوْجَبَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ انْتَهَى كَلَامه .
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ فَاتِحَة الْعِلْم : أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنَّهُ لَا يَجُوز تَرْكُ الْمُدَاوَاةِ ، وَقَدْ قَالَ حَرْمَلَةُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : شَيْئَانِ أَغْفَلَهُمَا النَّاسُ : الْعَرَبِيَّةُ وَالطِّبُّ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُول : الْعِلْمُ عِلْمَانِ : عِلْمُ الْأَدْيَانِ ، وَعِلْمُ الْأَبَدَانِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا أُرِيدَتْ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ يَتَحَقَّقُ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ هَذَا .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ وَاجِبٌ ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ إنْ ظَنَّ نَفْعَهُ .
قَالَ الْقَاضِي : رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَتْ أَسَقَامُهُ فَكَانَ يَقْدُمُ عَلَيْهِ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيَصِفُونَ لَهُ فَنُعَالِجُهُ } .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ : أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يَقُولُ لِعَائِشَةَ : " يَا أُمَّتَاهُ لَا أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِكَ ، أَقُولُ : زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَلَا أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ ، أَقُولُ : ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ كَيْفَ هُوَ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ

: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، وَقَالَتْ : أَيْ عُرَيَّةُ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ ، وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَتْ تُنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتُ وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا ؛ فَمِنْ ثَمَّ عَلِمْتُ } .
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَسَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَن جَيِّد عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ اكْتَوَى مِنْ اللَّقْوَةِ ، وَاسْتَرْقَى مِنْ الْحَيَّةِ .
وَاللَّقْوَةُ : مَرَضٌ يَعْرِض لِلْوَجْهِ فَيَمِيلهُ إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْوَاسِطِي ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونِ أَنْبَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ؛ فَتَدَاوَوْا ، وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَن وَثَعْلَبَةُ شَامِيٌّ وَابْنُ عَيَّاشٍ إذَا رَوَى عَنْ الشَّامِيِّينَ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { : إنَّ اللَّهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا } قِيلَ : مَعْنَى أَنْزَلَ اللَّهُ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَخَلَقَهُمَا لِهَذَا الْخَبَر .
وَقِيلَ : إعْلَامُ النَّاسِ بِهِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ { : عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ } وَقِيلَ : أَنْزَلَهَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِمُبَاشَرَةِ الْخَلْقِ ، وَقِيلَ : أَنْزَلَ الْمَطَرَ لِيُوَلِّدَهُمَا عَنْهُ أَوْ مِنْ الْجِبَالِ ، وَدَخَلَ غَيْرهمَا تَبَعًا ، وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ كَمَا هُوَ شَائِعٌ أَنَّهُ سُبْحَانه إذَا ابْتَلَى أَعَانَ فَابْتَلَى بِالدَّاءِ وَأَعَانَ بِالدَّوَاءِ ، وَابْتَلَى بِالذَّنْبِ وَأَعَانَ بِالتَّوْبَةِ

، وَابْتَلَى بِالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ الشَّيَاطِين ، وَأَعَانَ بِالْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ الْمَلَائِكَة ، وَابْتَلَى بِالْمُحَرَّمَاتِ وَأَعَانَ بِإِبَاحَةِ نَظِيرهَا .
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : { قَالَتْ الْأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : نَعَمْ عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ { : دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرِيضٍ لِيَعُودَهُ فَقَالَ : أَرْسِلُوا إلَى الطَّبِيبِ فَقَالَ قَائِلٌ : وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً } .
مُرْسَلٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ .

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ { : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى ، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا عَنْ الْعَقْرَبِ فَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ } ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
{ : فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ } ، وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { : كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا .
} وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ } وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَارِيَةٍ فِي بَيْتِهَا رَأَى فِي وَجْهِهَا سَفْعَةً يَعْنِي صُفْرَةً فَقَالَ : إنَّهَا نَظْرَةٌ اسْتَرْقُوا لَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
قَوْله : " إنَّهَا نَظْرَةٌ " أَيْ : عَيْنٌ ، وَقِيلَ : عَيْنٌ مِنْ نَظَرِ الْجِنِّ ، وَعَنْ عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِينِي فَقَالَ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ .
رَوَاهُ مَالِكٌ .
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ { : أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ

مَرَّاتٍ وَقُلْ : أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ : فَفَعَلْتُ هَذَا فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي ، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ ، وَلِمُسْلِمٍ : ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَقُلْ : سَبْعَ مَرَّاتٍ } وَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ : " وَأُحَاذِرُ " وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا { : إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ أَلَمًا فَلْيَضَعْ يَدَهُ حَيْثُ يَجِدُ الْأَلَمَ ثُمَّ لِيَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ : قَالَ لِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ : { يَا مُحَمَّدُ إذَا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي ثُمَّ قُلْ : أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِد مِنْ وَجَعِي هَذَا ، ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْرًا فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .

وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ وَفِي نُسْخَة عَمْرِو بْنِ سَوْدَةَ قَالَ : جَلَسَ الْمَأْمُونُ لِلنَّاسِ مَجْلِسًا عَامًّا ، فَكَانَ فِيمَنْ حَضَرَهُ منجه وهنجه طَبِيبَا الرُّومِ وَالْهِنْدِ إلَى أَنْ قَالَ : فَأَقْبَلَ الْمَأْمُونُ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : ذَكَرَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَشْتَكِي فَقَالَ لَهَا : يَا عَائِشَةُ الْحِمْيَةُ دَوَاءٌ ، وَالْمَعِدَةُ بَيْتُ الْأَدْوَاءِ : وَعَوِّدُوا بَدَنًا مَا اعْتَادَ } فَأَقْبَلَ الْمَأْمُونُ عَلَى منجه وهنجه فَقَالَ : مَا تَقُولَانِ ؟ فَقَالَ : هَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ وَهُوَ أَصْلُ الطِّبِّ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الطِّبِّ ، وَالْعَادَة طَبْع ثَانٍ فَعَوِّدُوا بَدَنًا مَا اعْتَادَ .
قَالَ شِهَابُ بْنُ عُطَارِدِ بْنِ شِهَابٍ فَحَدَّثْتُ بِهِ بَعْضَ عُلَمَاءِ مُطَبِّبِي هَذَا الزَّمَانِ فَقَالَ : مَا تَرَكَ لَنَا مَا نَتَكَلَّم عَلَيْهِ أَبْلَغ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا أَوْجَزَ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : جَمَعَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَرْبَعَةً مِنْ الْأَطِبَّاء : عِرَاقِيٍّ وَرُومِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَسَوَادِيٍّ ، فَقَالَ : لِيَصِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ الدَّوَاءَ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ ، فَقَالَ الرُّومِيُّ : هُوَ حَبُّ الرَّشَادِ الْأَبْيَضِ .
وَقَالَ الْهِنْدِيُّ : الْمَاءُ الْحَارُّ .
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ : الْهَيْلَجُ الْأَسْوَد ، وَكَانَ السَّوَادِيُّ أَبْصَرَهُمْ فَقَالَ لَهُ تَكَلَّمَ ، فَقَالَ : حَبُّ الرَّشَادِ يُوَلِّد الرُّطُوبَة ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ يُرْخِي الْمَعِدَةَ ، وَالْهَيْلَجُ الْأَسْوَد يُرِقُّ الْمَعِدَة .
فَقَالُوا لَهُ : فَأَنْتَ مَا تَقُول ؟ قَالَ : أَقُولُ الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ فِيهِ أَنْ تَقْعُدَ عَلَى الطَّعَامِ وَأَنْتَ تَشْتَهِيه وَتَقُومَ عَنْهُ وَأَنْتَ تَشْتَهِيه .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ : وَنُقِلَ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ لَهُ طَبِيبٌ نَصْرَانِيٌّ

حَاذِقٌ ، فَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ : لَيْسَ فِي كِتَابكُمْ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ شَيْءٌ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنُ وَهُوَ ابْنُ وَاقِدٍ : قَدْ جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ فِي نِصْفِ آيَةٍ مِنْ كِتَابنَا فَقَالَ : مَا هِيَ ؟ قَالَ قَوْله تَعَالَى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا } .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : لَا يُؤْثَرُ عَنْ نَبِيِّكُمْ شَيْءٌ مِنْ الطِّبِّ ، فَقَالَ : قَدْ جَمَعَ رَسُولُنَا فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ ، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ { : الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ ، وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ ، وَعَوِّدُوا كُلَّ بَدَنٍ مَا اعْتَادَ } فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : مَا تَرَكَ كِتَابكُمْ وَلَا نَبِيُّكُمْ لِجَالِينُوسَ طِبًّا .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ : هَكَذَا نُقِلَتْ هَذِهِ الْحِكَايَة إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَثْبُت .
وَقَالَ غَيْرُهُ : هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ الثَّقَفِيِّ طَبِيب الْعَرَبِ وَكَانَ فِيهِمْ كَالطَّبِيبِ أَبُقْرَاط فِي قَوْمِهِ .

فَصْلٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ { أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى .
قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي ، فَقَالَ : إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ .
فَقَالَتْ أَصْبِرُ ، قَالَتْ : فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا .
} أَمَّا الصَّرَعُ عَنْ أَخْلَاطٍ رَدِيئَةٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّة عَنْ الْأَفْعَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالِانْتِصَابِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ ، وَلَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَة ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاء وَذَكَرُوا عِلَاجَهُ .
وَأَمَّا الصَّرَعُ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ فَهُوَ قَوْلنَا وَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَخَالَفَ فِيهِ الْمُعْتَزِلَة .
وَأَمَّا الْأَطِبَّاء فَاعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَقِيلَ أَئِمَّتهمْ بِأَنَّ عِلَاجَهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْوَاحِ الْخَيِّرَة الشَّرِيفَة الْعُلْوِيَّة لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ الْخَبِيثَة فَتُعَارِض أَفْعَالَهَا وَتُبْطِلُهَا .
قَالَ أَبُقْرَاطُ بَعْد أَنْ ذَكَرَ عِلَاجَ الصَّرَعِ الْأَوَّلِ قَالَ : وَأَمَّا الصَّرَعُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْأَرْوَاحِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ هَذَا الْعِلَاج .
وَأَنْكَرَ هَذَا الصَّرَعَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ ، وَقُدَمَاءُ الْأَطِبَّاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ هَذَا الصَّرَعَ الْمَرَضَ الْإِلَهِيَّ لِكَوْنِ هَذِهِ الْعِلَّة تَحْدُث فِي الرَّأْسِ فَتَضُرُّ بِالْجُزْءِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي مَسْكَنه الدِّمَاغ .
وَعِلَاجُ هَذَا الصَّرَعِ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ بِصِدْقِ تَوَجُّهِهِ وَقْتَ إفَاقَتِهِ إلَى خَالِقِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَالتَّعَوُّذُ الصَّحِيحُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَإِمَّا مِنْ جِهَة مَنْ يُعَالِجهُ بِذَلِكَ .
وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَخْتَلِف فِي ذَاتهَا وَصِفَاتهَا ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ قَدْ يَخْرُج بِأَيْسَرِ شَيْءٍ أَوْ بِوَعْظٍ أَوْ بِتَخْوِيفٍ ، وَقَدْ لَا يَخْرُج إلَّا

بِالضَّرْبِ عَلَى اخْتِلَافِهِ أَيْضًا فَيُفِيقَ الْمَصْرُوع وَلَا أَلَمَ بِهِ .
وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُعَالِجُ هَذَا الصَّرَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَتَارَةً بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَيَأْمُر الْمَصْرُوعَ بِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهَا وَكَذَا مَنْ يُعَالِجهُ بِهَا وَبِقِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ ، وَفِي الْغَالِب أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ لَا تَتَسَلَّطُ إلَّا عَلَى فَاعِلٍ غَيْرِ مُتَيَقِّظٍ وَلَا مُعَامِلٍ لِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَصَرَعُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَم مِنْ الصَّرَعِ الْأَوَّلِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّدَاوِي أَفْضَلُ وَفِيهِ أَنَّ التَّوَجُّه إلَى اللَّهِ سُبْحَانه يَجْلُب مِنْ النَّفْعِ وَيَدْفَع مِنْ الضُّرِّ مَا لَا يَفْعَلهُ عِلَاج الْأَطِبَّاءِ ، وَإِنَّ تَأْثِيرَهُ وَتَأَثُّر الطَّبِيعَةِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَتَأَثُّر الطَّبِيعَةِ عَنْهَا .
وَعُقَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْقُوَى النَّفْسِيَّة وَانْفِعَالَاتهَا فِي شَقَاءِ الْأَمْرَاضِ عَجَائِب ، وَأَمَّا الصَّرَعُ بِمَلَاهِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعهَا وَعَدَم التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَغَلَبَة الْغَفْلَةِ وَالْهَوَى حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْقُلُوبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ { : لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا آثَرَ مِنْ هَوَاهُ } نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا الصَّرَعُ مِمَّا عَمَّ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى النَّاسِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ ، وَالنَّاسُ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ جِدًّا عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف ، وَيَأْتِي آخِر فُصُولِ الطِّبِّ دَوَاءُ الْعِشْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .

فَصْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ الْفَصْلِ قَبْلَهُ ذِكْرُ الْحِمْيَةِ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَا بَأْسَ بِالْحِمْيَةِ .
وَكَانَ هَذَا مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَاوِي .
وَالْأَوْلَى عِنْدَهُ تَرْكُهُ فَعَلَى هَذَا حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْحِمْيَةِ حُكْمُ مَسْأَلَةِ التَّدَاوِي عَلَى مَا سَبَقَ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ إذَا ظَنَّ الضَّرَرَ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ .
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا ، وَأَمَّا إنْ احْتَمَلَ الضَّرَرَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ فَهَذَا مُرَادُ الْإِمَامِ .
يَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهَا إذًا احْتِيَاطًا وَتَحَرُّزًا وَإِنْ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّدَاوِي ؛ وَلِهَذَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُ مَا يَظُنُّ ضَرَرَهُ ، وَلَا يَجِبُ التَّدَاوِي إذَا ظَنَّ نَفْعَهُ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ : { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ ، وَعَلِيٌّ نَاقِهٌ مِنْ مَرَضٍ ، وَلَنَا دَوَالِي مُعَلَّقَةٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهَا ، وَقَامَ عَلِيٌّ يَأْكُلُ مِنْهَا فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ : إنَّكَ نَاقِهٌ حَتَّى كَفَّ ، قَالَتْ : وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِيٍّ : مِنْ هَذَا أَصِبْ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لَكَ وَفِي لَفْظٍ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .

وَالدَّوَالِي : أَقْنَاءٌ مِنْ الرُّطَبِ تُعَلَّقُ فِي الْبَيْتِ لِلْأَكْلِ .
وَالنَّاقِهُ طَبِيعَتُهُ مَشْغُولَةٌ بِدَفْعِ آثَارِ الْعِلَّةِ .
فَالْفَاكِهَةُ تَضُرُّهُ لِسُرْعَةِ اسْتِحَالَتِهَا وَضَعْفِ طَبِيعَتِهِ عَنْ دَفْعِهَا لَا سِيَّمَا وَفِي الرُّطَبِ ثِقَلٌ ، وَأَمَّا السِّلْقُ وَالشَّعِيرُ فَنَافِعٌ لَهُ ، وَيُوَافِقُ لِمَنْ فِي مَعِدَتِهِ ضَعْفٌ ، وَفِي مَاءِ الشَّعِيرِ تَبْرِيدٌ وَتَغْذِيَةٌ وَتَلْطِيفٌ وَتَلْيِينٌ وَتَقْوِيَةُ الطَّبِيعَةِ لَا سِيَّمَا مَعَ السِّلْقِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا فِي الْمُفْرَدَاتِ .
وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ خُبْزٌ وَتَمْرٌ فَقَالَ : اُدْنُ فَكُلْ .
فَأَخَذْتُ تَمْرًا فَأَكَلْتُ فَقَالَ : أَتَأْكُلُ تَمْرًا وَبِك رَمَدٌ ؟ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَمْضُغُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الْأَثَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ إنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ .
} كَذَا قِيلَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَلَفْظُهُ { كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي نَفْسَهُ الْمَاءَ } وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مَحْمُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَى مَرِيضًا لَهُ حَتَّى إنَّهُ مِنْ شِدَّةِ مَا حَمَاهُ كَانَ يَمُصُّ النَّوَى ، فَالْحِمْيَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ وَهِيَ عَمَّا يَجْلِبُ الْمَرَضَ حِمْيَةُ الْأَصِحَّاءِ ، وَعَمَّا يَزِيدُهُ حِمْيَةُ الْمَرْضَى ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا احْتَمَى وَقَفَ مَرَضُهُ فَلَمْ يَتَزَايَدْ وَأَخَذَتْ الْقُوَى فِي دَفْعِهِ .
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ كِلْدَةَ : الطِّبُّ الْحِمْيَةُ ،

وَالْحِمْيَةُ عِنْدَهُمْ لِلصَّحِيحِ فِي الْمَضَرَّةِ كَالتَّخْلِيطِ لِلْمَرِيضِ وَالنَّاقِهِ .
وَأَنْفَعُ الْحِمْيَةِ لِلنَّاقِهِ ، فَإِنَّ طَبِيعَتَهُ لَمْ تَرْجِعْ إلَى قُوَّتِهَا ، فَقُوَّتُهَا الْهَاضِمَةُ ضَعِيفَةٌ ، وَالطَّبِيعَةُ قَابِلَةٌ ، وَالْأَعْضَاءُ مُسْتَعِدَّةٌ فَتَخْلِيطُهُ يُوجِبُ انْتِكَاسَةً أَصْعَبَ مِنْ ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ .
وَلَا يَضُرُّ تَنَاوُلُ يَسِيرٍ لَا تَعْجَزُ الطَّبِيعَةُ عَنْ هَضْمِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ صُهَيْبٍ الْمَذْكُورُ ، وَقَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ لِشِدَّةِ الشَّهْوَةِ فَتَتَلَقَّاهُ الطَّبِيعَةُ وَالْمَعِدَةُ بِالْقَبُولِ فَيُصْلِحَانِ مَا يَخَافُ مِنْهُ ، وَلَعَلَّهُ أَنْفَعُ مِمَّا تَكْرَهُهُ الطَّبِيعَةُ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ : مَا تَشْتَهِي ؟ فَقَالَ أَشْتَهِي خُبْزَ بُرٍّ } وَفِي لَفْظٍ { أَشْتَهِي } كَعَطَاءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ فَلْيَبْعَثْ إلَى أَخِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا اشْتَهَى مَرِيضُ أَحَدِكُمْ شَيْئًا فَلْيُطْعِمْهُ } .
وَلَا يَنْبَغِي إكْرَاهُ الْمَرِيضِ عَلَى طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ .
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ إمَّا لِاشْتِغَالِ طَبِيعَتِهِ بِمُجَاهَدَةِ الْمَرَضِ أَوْ لِسُقُوطِ شَهْوَتِهِ أَوْ نُقْصَانِهَا لِضَعْفِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ أَوْ خُمُودِهَا ، فَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْغِذَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، وَالْجُوعُ طَلَبُ الْأَعْضَاءِ لِلْغِذَاءِ ، لِتُخْلِفَ الطَّبِيعَةُ بِهِ عَلَيْهَا عِوَضَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهَا فَتَجْذِبُ الْأَعْضَاءُ الْبَعِيدَةُ مِنْ الْقَرِيبَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْجَذْبُ إلَى الْمَعِدَةِ فَيُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِالْجُوعِ ، فَيَطْلُبُ الْغِذَاءَ ، فَإِذَا وَجَدَهُ الْمَرِيضُ اشْتَغَلَتْ الطَّبِيعَةُ بِمَادَّتِهِ وَإِنْضَاجِهَا ، أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ طَلَبِ الْغِذَاءِ أَوْ الشَّرَابِ ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ عَلَى ذَلِكَ تَعَطَّلَتْ بِهِ الطَّبِيعَةُ عَنْ فِعْلِهَا ، وَاشْتَغَلَتْ بِهَضْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ عَنْ إنْضَاجِ مَادَّةِ الْمَرَضِ

وَدَفْعِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَهُ لِضَرَرِ الْمَرِيضِ لَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْبُخَارَيْنِ أَوْ ضَعْفِ الْحَارِّ الْغَرِيزِيِّ أَوْ خُمُودِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي هَذَا الْحَالِ إلَّا مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ قُوَّتَهُ وَيُقَوِّيهَا بِمَا لَطُفَ قَوَامُهُ وَاعْتَدَلَ مِزَاجُهُ مِنْ شَرَابٍ وَغِذَاءٍ ، وَهَذَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ مُزْعِجٍ لِلطَّبِيعَةِ ، فَإِنَّ الطَّبِيبَ خَادِمٌ لِلطَّبِيعَةِ وَمُعِينُهَا لَا مُعِيقُهَا .
وَالدَّمُ الْجَيِّدُ هُوَ الْمُغَذِّي لِلْبَدَنِ ، وَالْبَلْغَمُ دَمٌ فَجٌّ قَدْ نَضِجَ بَعْضَ النُّضْجِ ، فَإِذَا عَدِمَ الْغِذَاءَ مَرِيضٌ فِيهِ بَلْغَمٌ كَثِيرٌ عَطَفَتْ الطَّبِيعَةُ عَلَيْهِ وَطَبَخَتْهُ وَأَنْضَجَتْهُ وَصَيَّرَتْهُ دَمًا وَغَذَّتْ بِهِ الْأَعْضَاءَ وَاكْتَفَتْ بِهِ ، وَالطَّبِيعَةُ هِيَ الْقُوَّةُ الَّتِي وَكَّلَهَا اللَّهُ بِتَدْبِيرِ الْبَدَنِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تُكْرِهُوا مَرَضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ يُحْتَاجُ إلَى إجْبَارِ الْمَرِيضِ عَلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ فِي أَمْرَاضٍ مَعَهَا اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا أَوْ مُقَيَّدًا .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرِيض يَعِيشُ بِلَا غِذَاءٍ أَيَّامًا ، لَا يَعِيشُ الصَّحِيحُ فِي مِثْلِهَا .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ بِنَحْوِهِ ، وَفِي قَوْلِهِ : " فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ " مَعْنًى لَطِيفٌ يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَحْكَامِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرِهَا فِي طَبِيعَةِ الْبَدَنِ وَانْفِعَالِ الطَّبِيعَةِ عَنْهَا كَمَا تَنْفَعِلُ هِيَ كَثِيرًا عَنْ الطَّبِيعَةِ ، فَالنَّفْسُ إذَا اشْتَغَلَتْ بِمَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ

اشْتَغَلَتْ بِهِ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، بَلْ وَعَنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ مُفْرِحًا قَوِيَّ التَّفْرِيحِ قَامَ لَهَا مَقَامَ الْغِذَاءِ ؛ فَشَبِعَتْ بِهِ وَانْتَعَشَتْ قُوَاهَا وَتَضَاعَفَتْ وَجَرَتْ الدَّمَوِيَّةُ فِي الْجَسَدِ حَتَّى تَظْهَرَ فِي سَطْحِهِ فَإِنَّ الْفَرَحَ يُوجِبُ انْبِسَاطَ دَمِ الْقَلْبِ فَيَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ فَتَمْتَلِئُ بِهِ .
وَالطَّبِيعَةُ إذَا ظَفِرَتْ بِمَا تُحِبُّ آثَرَتْهُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا وَنَحْوَهُ اشْتَغَلَتْ بِمُحَارَبَتِهِ أَوْ مُقَاوَمَتِهِ وَمُدَافَعَتِهِ عَنْ طَلَبِ الْغِذَاءِ ، فَإِنْ ظَفِرَتْ فِي هَذِهِ الْحَرْبِ انْتَعَشَتْ قُوَاهَا ، وَأَخْلَفَتْ عَلَيْهَا نَظِيرَ مَا فَاتَهَا مِنْ قُوَّةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَإِلَّا انْحَطَّ مِنْ قُوَاهَا بِحَسَبِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا الْعَدُوِّ سِجَالًا ، فَالْقُوَّةُ تَظْهَرُ تَارَةً وَتَخْتَفِي أُخْرَى ، فَالْمَرِيضُ لَهُ مَدَدٌ مِنْ اللَّهِ يُغَذِّيه بِهِ زَائِدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَغْذِيَتِهِ بِالدَّمِ ، وَهَذَا الْمَدَدُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُرْبِ الشَّخْصِ مِنْ رَبِّهِ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ وَيَقُولُ : لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي } .
وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْخَوْفُ مَنَعَنِي الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَا أَشْتَهِيهِ .
وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَلِيلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيُنْشِدُ كَثِيرًا .
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا عَنْ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنْ الزَّادِ وَأَمَّا مَا سَبَقَ مِنْ الْكَلَامِ : " وَعَوِّدُوا كُلَّ بَدَنٍ مَا اعْتَادَ " فَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ فِي الْعِلَاجِ وَأَعْظَمِهِ ، فَإِنَّ مُلَاءَمَةَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ لِلْأَبْدَانِ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهَا وَقَبُولِهَا ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَشْهَدُ

لِذَلِكَ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَمَنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا يَجِدُهُ فِي كُتُبِهِمْ فَذَلِكَ لِجَهْلِهِ وَيَضُرُّ الْمَرِيضَ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ فَالْمَادَّةُ كَالطَّبِيعَةِ لِلْإِنْسَانِ .
وَفِي كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ وَغَيْرِهِمْ : الْعَادَةُ طَبْعٌ ثَانٍ ، وَهِيَ قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْبَدَنِ حَتَّى إنَّهُ إذَا قِيسَ أَمْرٌ وَاحِدٌ إلَى أَبْدَانٍ مُخْتَلِفَةِ الْعَادَاتِ مُتَّفِقَةٍ فِي الْوُجُوهِ الْأُخَرِ ، كَانَ مُخْتَلِفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا مِثَالُهُ : ثَلَاثَةُ شَبَابٍ أَمْزِجَتُهُمْ حَارَّةٌ ، أَحَدُهُمْ تَعَوَّدَ الْحَارَّ ، وَالْآخَرُ الْبَارِدَ ، وَالْآخَرُ الْمُتَوَسِّطَ ، فَالْعَسَلُ لَا يَضُرُّ بِالْأَوَّلِ وَيَضُرُّ بِالثَّانِي وَيَضُرُّ بِالثَّالِثِ قَلِيلًا .
وَقَدْ قَالَ الْحَارِثُ بْن كِلْدَةَ : الْأَزْمُ دَوَاءٌ .
الْأَزْمُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ ، وَمُرَادُهُ الْجُوعُ وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ الْأَدْوِيَةِ فِي شِفَاءِ الْأَمْرَاضِ الِامْتِلَائِيَّةِ كُلِّهَا ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي عِلَاجِهَا مِنْ الْمُسْتَفْرِغَاتِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ كَثْرَةِ الِامْتِلَاءِ وَهَيَجَانِ الْأَخْلَاطِ وَحِدَّتِهَا وَغَلَيَانِهَا .
وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { صُومُوا تَصِحُّوا } .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ وَغَيْرُهُمْ صِفَةَ الْمَعِدَةِ أَنَّهَا عُضْوٌ عَصَبِيٌّ مُجَوَّفٌ كَالْقَرْعَةِ فِي شَكْلِهِ ، مُرَكَّبٌ فِي ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ شَظَايَا دَقِيقَةٍ عَصَبِيَّةٍ تُسَمَّى اللِّيفَ ، يُحِيطُ بِهَا لَحْمٌ وَلِيفٌ ، إحْدَى الطَّبَقَاتِ بِالطُّولِ وَالْأُخْرَى بِالْعَرْضِ ، وَالثَّالِثَةُ بِالْوِرَابِ .
وَفَمُ الْمَعِدَةِ أَكْثَرُ عَصَبًا .
وَقَعْرُهَا أَكْثَرُ لَحْمًا وَفِي بَاطِنِهَا خَمْلٌ ، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي وَسَطِ الْبَطْنِ وَأَمْيَلُ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَهِيَ بَيْتُ الدَّاءِ .
وَكَانَتْ مَحِلًّا لِلْهَضْمِ الْأَوَّلِ ، وَفِيهَا يَنْطَبِخُ الْغِذَاءُ ثُمَّ يَنْحَدِرُ مِنْهَا إلَى الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ ، وَيَتَخَلَّفُ فِيهَا مِنْهُ فَضْلَةٌ عَجَزَتْ

الْقُوَّةُ الْهَاضِمَةُ عَنْ تَمَامِ هَضْمِهِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى تَقْلِيلِ الْغِذَاءِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْفَضْلَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يُخَافُ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الْغِذَاءِ النَّافِعِ ، وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : يَكُفُّ عَنْهُ وَهُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَلَا يَمِيلُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ " الْبَرَدَةُ بِالتَّحْرِيكِ التُّخَمَةُ وَثِقَلُ الطَّعَامِ عَلَى الْمَعِدَةِ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُبَرِّدُ الْمَعِدَةَ فَلَا تَسْتَمْرِئُ الطَّعَامَ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْمَعِدَةُ لِلْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ الْكِرْشِ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ ، وَيُقَالُ : مِعْدَةٌ وَمَعِدَةٌ .
وَلْيُجْتَهَدْ فِي الْعِلَاجِ بِأَلْطَفِ الْغِذَاءِ الْمُعْتَادِ لِذَلِكَ الْمَرِيضِ ؛ وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّهَا كَانَتْ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا اجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إلَى أَهْلِهِنَّ ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةِ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ وَصُنِعَتْ ثَرِيدًا ثُمَّ صَبَّتْ التَّلْبِينَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ : كُلُوا مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { : التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحَزَنِ } وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { عَلَيْكُمْ بِالْبَغِيضِ النَّافِعِ } يَعْنِي الْحَسَاءَ .
قَالَتْ { : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ تَزَلْ الْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ يَعْنِي يَبْرَأُ أَوْ يَمُوتُ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ أَوَّلُهُ مِنْ قَوْلِهَا : وَعَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قِيلَ لَهُ : إنَّ فُلَانًا وَجِعٌ لَا يَطْعَمُ الطَّعَامَ ، قَالَ : عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إيَّاهَا وَيَقُولُ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا تَغْسِلُ

بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا تَغْسِلُ إحْدَاكُنَّ وَجْهَهَا مِنْ الْوَسَخِ .
} وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعْكُ أَمَرَ بِالْحَسَاءِ فَصُنِعَ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : إنَّهُ لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ أَمَرَهُمْ بِالْحَسَاءِ مِنْ الشَّعِيرِ .
يُقَالُ : رَتَاهُ يَرْتُوهُ أَيْ يَشُدُّهُ وَيُقَوِّيهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَيُرَادُ أَيْضًا إرْخَاؤُهُ وَأَوْهَاهُ ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ ، وَيُقَالُ : سَرَوْتُ الثَّوْبَ عَنِّي سَرْوًا إذَا أَلْقَيْتَهُ عَنْكَ وَسَرَيْتُ لُغَةً : مَجَمَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ ، وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَعْنَاهُ مُرِيحَةٌ لَهُ مِنْ الْإِجْمَامِ وَهِيَ الرَّاحَةُ ، وَالتَّلْبِينَةُ وَالتَّلْبِينُ بِفَتْحِ التَّاءِ حَسَاءٌ رَقِيقٌ مِنْ دَقِيقٍ وَنُخَالَةٍ ، وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهَا عَسَلٌ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِاللَّبَنِ لِبَيَاضِهَا وَرِقَّتِهَا .
وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَضْلُ مَاءِ الشَّعِيرِ ، وَكَانُوا يَتَّخِذُونَهَا مِنْهُ ، وَهِيَ أَنْفَعُ مِنْ مَاءِ الشَّعِيرِ لِطَبْخِهَا مَطْحُونًا فَتَخْرُجُ خَاصِّيَّةُ الشَّعِيرِ بِالطَّحْنِ ، وَمَاءُ الشَّعِيرِ يُطْبَخُ صِحَاحًا ، فَعَلَ ذَلِكَ أَطِبَّاءُ الْمُدُنِ لِيَكُونَ أَلْطَفَ لِرِقَّتِهِ ، فَلَا يَثْقُلُ عَلَى طَبِيعَةِ الْمَرِيضِ ، وَشُرْبُ ذَلِكَ حَارًّا أَبْلَغُ فِي فِعْلِهِ .
وَقَوْله : " وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحَزَنِ " قَدْ يَكُونُ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهَا وَقَدْ يَكُونُ لِزَوَالِ مَا حَصَلَ بِالْحَزَنِ مِنْ الْيُبْسِ وَبَرُدَ الْمِزَاجُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَقَوِيَتْ الْقُوَى وَقَوِيَ الْحَارُّ الْغَرِيزِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحِمْيَةِ مِنْ التَّمْرِ لِلرَّمَدِ ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ { دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ يَأْكُلُهُ وَعَلِيٌّ أَرْمَدُ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ تَشْتَهِي ؟ وَرَمَى إلَيْهِ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ بِأُخْرَى حَتَّى رَمَى إلَيْهِ سَبْعًا .
ثُمَّ قَالَ : حَسْبُكَ يَا عَلِيُّ } وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَمِدَتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ لَمْ يَأْتِهَا حَتَّى تَبْرَأَ عَيْنُهَا } .
الرَّمَدُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الطَّبَقَةِ الْمُلْتَحِمَةِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَهُوَ بَيَاضُهَا الظَّاهِرُ ، وَسَبَبُهُ انْصِبَابُ أَحَدِ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ رِيحٌ حَارَّةٌ تَكْثُرُ كَمِّيَّتُهَا فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ فَيَنْبَعِثُ مِنْهَا قِسْطٌ إلَى جَوْهَرِ الْعَيْنِ أَوْ يَضْرِبُهُ نَصِيب الْعَيْنِ فَتُرْسِلُ الطَّبِيعَةُ إلَيْهَا مِنْ الدَّمِ وَالرُّوحِ مِقْدَارًا كَثِيرًا تَرُومُ بِذَلِكَ شِفَاءَهَا مِمَّا عَرَضَ لَهَا ؛ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَوْرَمُ الْعُضْوُ الْمَضْرُوبُ ، وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ ضِدَّهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إلَى الْجَوِّ بُخَارَانِ : أَحَدُهُمَا حَارٌّ يَابِسٌ ، وَالْآخَرُ حَارٌّ رَطْبٌ فَيَنْعَقِدَانِ سَحَابًا مُتَرَاكِمًا وَيَمْنَعَانِ أَبْصَارَنَا مِنْ إدْرَاكِ السَّمَاءِ فَكَذَلِكَ يَرْتَفِعُ مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ إلَى مُنْتَهَاهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَيَمْنَعَانِ الْفِكْرَ وَيَتَوَلَّدُ عَنْهُمَا عِلَلٌ شَتَّى ، فَإِنْ قَوِيَتْ الطَّبِيعَةُ عَلَى ذَلِكَ وَرَفَعَتْهُ إلَى الْخَوَاشِيمِ أَحْدَثَ الزُّكَامَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى اللَّهَاةِ وَالْمَنْخَرَيْنِ أَحْدَثَ الْخُنَاقَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الْجَنْبِ أَحْدَثَ الشَّوْصَةَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الصَّدْرِ أَحْدَثَ النَّزْلَةَ ، وَإِنْ انْحَدَرَ إلَى الْقَلْبِ أَحْدَثَ الْخَبْطَةَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى الْعَيْنِ أَحْدَثَ رَمَدًا ، وَإِنْ انْحَدَرَ إلَى الْجَوْفِ أَحْدَثَ السَّيَلَانَ ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ إلَى مَنَازِلِ الدِّمَاغِ أَحْدَثَ النِّسْيَانَ ،

وَإِنْ تَرَطَّبَتْ أَوْعِيَةُ الدِّمَاغِ مِنْهُ وَامْتَلَأَتْ بِهِ عُرُوقُهُ أَحْدَثَ النَّوْمَ الشَّدِيدَ ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّوْمُ رَطْبًا وَالسَّهَرُ يَابِسًا ، وَإِنْ طَلَبَ الْبُخَارُ النُّفُوذَ مِنْ الرَّأْسِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَعْقَبَهُ الصُّدَاعُ وَالسَّهَرُ .
وَإِنْ مَال الْبُخَارُ إلَى أَحَدِ شِقَّيْ الرَّأْسِ أَعْقَبَهُ الشَّقِيقَةُ ، وَإِنْ مَلَكَ قِمَّةَ الرَّأْسِ وَوَسَطَ الْهَامَةِ أَعْقَبَهُ دَاءُ الْبَيْضَةِ ، وَإِنْ بَرَدَ مِنْهُ حِجَابُ الدِّمَاغِ أَوْ سَخِنَ أَوْ تَرَطَّبَ وَهَاجَتْ مِنْهُ أَرْيَاحٌ أَحْدَثَ الْعُطَاسَ ، وَإِنْ أَهَاجَ الرُّطُوبَةَ الْبَلْغَمِيَّةَ فِيهِ حَتَّى غَلَبَ الْحَارُّ الْغَرِيزِيُّ أَحْدَثَ الْإِغْمَاءَ وَالسُّكَاتَ ، وَإِنْ أَهَاجَ الْمِرَّةَ السَّوْدَاءَ حَتَّى أَظْلَمَ هَوَادُ الدِّمَاغِ أَحْدَثَ الْوَسْوَاسَ ، وَإِنْ أَفَاضَ ذَلِكَ إلَى مَجَارِي الْعَصَبِ أَحْدَثَ الصَّرْعَ الطَّبِيعِيَّ ، وَإِنْ تَرَطَّبَتْ مَجَامِعُ عَصَبِ الرَّأْسِ وَفَاضَ ذَلِكَ فِي مَجَارِيهِ أَعْقَبَهُ الْفَالِجُ ، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارُ مِنْ مِرَّةٍ صَفْرَاءَ مُلْتَهِبَةٍ مَحْمِيَّةِ الدِّمَاغِ أَحْدَثَ الْبِرْسَامَ ، فَإِنْ شَرِكَهُ الصَّدْرُ فِي ذَلِكَ صَارَ سِرْسَامًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَخْلَاطَ هَائِجَةٌ وَقْتَ الرَّمَدِ وَالْجِمَاعُ يَزِيدُهَا فَإِنَّهُ حَرَكَةٌ كُلِّيَّةٌ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالطَّبِيعَةِ فَالْبَدَنُ يَسْخَنُ بِالْحَرَكَةِ ، وَالنَّفْسُ تَشْتَدُّ حَرَكَتُهَا طَلَبًا لِلَّذَّةِ وَكَمَالِهَا .
وَالرُّوحُ تَتَحَرَّك تَبَعًا لِحَرَكَةِ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ ، فَإِنَّ أَوَّلَ تَعَلُّقِ الرُّوحِ مِنْ الْبَدَنِ بِالْقَلْبِ ، وَمِنْهُ تَنْشَأُ الرُّوحُ وَتَنْبَثُّ فِي الْأَعْضَاءِ ، وَأَمَّا حَرَكَةُ الطَّبِيعَةِ فَلِأَنَّهَا تُرْسِلَ مَا يَجِبُ إرْسَالُهُ مِنْ الْمَنِيِّ ، وَكُلُّ حَرَكَةٍ فَهِيَ مُثِيرَةٌ لِلْأَخْلَاطِ مُرَقِّقَةٌ لَهَا تُوجِبُ دَفْعَهَا وَسَيَلَانَهَا إلَى الْأَعْضَاءِ الضَّعِيفَةِ ، وَالْعَيْنُ أَضْعَفُ مَا تَكُونُ حَالَ رَمَدِهَا فَعِلَاجُ الرَّمَدِ بِالْحِمْيَةِ مِمَّا يُهَيِّجُ الرَّمَدَ .
وَتَرْكُ الْحَرَكَةِ ، وَأَضَرُّهَا حَرَكَةُ الْجِمَاعِ وَتَرْكُ مَسِّ الْعَيْنِ بِالرَّاحَةِ .

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مِثْلُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مَثَلُ الْعَيْنِ وَدَوَاءُ الْعَيْنِ تَرْكُ مَسِّهَا ، وَفِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ { : عِلَاجُ الرَّمَدِ تَقْطِيرُ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْعَيْنِ } وَهُوَ لِلرَّمَدِ الْحَارِّ مِنْ أَعْظَمِ الدَّوَاءِ ، وَيَأْتِي خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمَدَ وَرَمُ الْمُلْتَحِمِ أَوْ تَكَدُّرُهُ ، وَقَدْ يَكْفِي فِي نَوْعِ التَّكَدُّرِ تَقْطِيرُ لَبَنِ النِّسَاءِ ، وَبَيَاضُ الْبَيْضِ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : وَيُدَبَّرُ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الرَّمَدِ بِالتَّدْبِيرِ اللَّطِيفِ ؛ فَيُغَذَّى الْمُزَوِّدَاتِ وَيُسْقَى شَرَابَ اللُّوفَرِ مَعَ السَّكَنْجَبِينِ .
وَيُمْنَعُ مِنْ الْحَوَامِضِ الصِّرْفَةِ وَالْقَابِضَةِ وَالْمَالِحَةِ وَعَنْ كُلِّ مَا يُرَطِّبُ وَمِنْ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ الْكَيْمُوسُ وَإِنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى الْفَاكِهَةِ فَمِنْ السَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى .
وَيُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ الْحَلْوَى وَيُجْعَلُ فِي بَيْتٍ لَيْسَ قَوِيَّ الضَّوْءِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ وَرَقُ الْخِلَافِ ، وَالْآسُ الرَّطْبُ رَائِحَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ وَيَأْتِي مَا يُسَكِّنُ الْوَجَعَ فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ ، قَالَ وَالتَّمْرُ حَارٌّ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : رَطْبٌ غَلِيظٌ كَثِيرُ الْإِغْذَاءِ يُورِثُ إدْمَانُهُ غِلَظًا فِي الْأَحْشَاءِ وَيُورِثُ السَّدَدَ وَيُفْسِدُ الْأَسْنَانَ وَيَزِيدُ فِي الدَّمِ وَالْمَنِيِّ لَا سِيَّمَا مَعَ حَبِّ الصَّنَوْبَرِ ، وَيُصَدِّعُ وَيُصْلِحُهُ اللَّوْزُ وَالْخَشْخَاشُ وَبَعْدَهُ سَكَنْجَبِينُ سَاذَجٌ وَهُوَ مُقَوٍّ لِلْكَبِدِ وَيُبْرِئُ لِلطَّبْعِ مُلَيِّنٌ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ ، وَأَكْلُهُ عَلَى الرِّيقِ يُضْعِفُ الدُّودَ وَيَقْتُلُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ .
وَبَاقِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ .
وَفِي الرَّمَدِ مَنَافِعُ كَالْحِمْيَةِ وَالِاسْتِفْرَاغِ وَزَوَالِ الْفَضْلَةِ وَالْعُفُونَةِ وَالْكَفِّ عَمَّا يُؤْذِي النَّفْسَ وَالْبَدَنَ كَحَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ وَغَضَبٍ وَهَمٍّ وَحُزْنٍ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا تَكْرَهُوا الرَّمَدَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عِرْقَ الْعَمَى .

فَصْلٌ ( فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهَا ) .
اعْلَمْ أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ ، وَقِوَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى .
فَالْحَرَارَةُ تَحْفَظُ الرُّطُوبَةَ وَتَمْنَعُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَتَدْفَعُ فَضَلَاتِهَا وَتُلَطِّفُهَا وَإِلَّا أَفْسَدَتْ الْبَدَنَ ، وَالرُّطُوبَةُ تَغْذُو الْحَرَارَةَ وَإِلَّا أَحْرَقَتْ الْبَدَنَ وَأَيْبَسَتْهُ ، وَيَنْحَرِفُ مِزَاجُ الْبَدَنِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا .
وَلَمَّا كَانَتْ الْحَرَارَةُ تُحَلِّلُ الرُّطُوبَةَ احْتَاجَ الْبَدَنُ إلَى مَا يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا حَلَّلَتْهُ الْحَرَارَةُ ضَرُورَةَ بَقَائِهِ ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فَمَتَى زَادَ عَلَى مِقْدَارِ التَّحَلُّلِ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ عَنْ تَحْلِيلِ فَضَلَاتِهِ فَاسْتَحَالَتْ مَوَادَّ رَدِيئَةً فَتَنَوَّعَتْ الْأَمْرَاضُ لِتَنَوُّعِ مَوَادِّهَا وَقَبُولِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِعْدَادِهَا ؛ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا } .
فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِدْخَالِ مَا يُقِيمُ الْبَدَنَ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَابِ عِوَضَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ ، فَمَتَى جَاوَزَهُ أَسْرَفَ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْغِذَاءِ وَالْإِسْرَافِ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ جَالِبٌ لِلْمَرَضِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ الطِّبُّ حِفْظُ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِ آيَةٍ ، فَالْبَدَنُ فِي التَّحَلُّلِ وَالِاسْتِخْلَافِ دَائِمًا ، فَكُلَّمَا كَثُرَ التَّحَلُّلُ ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ لِفَنَاءِ الرُّطُوبَةِ وَهِيَ مَادَّةُ الْحَرَارَةِ ، وَإِذَا ضَعُفَتْ الْحَرَارَةُ ضَعُفَ الْهَضْمُ وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَفْنَى الرُّطُوبَةُ وَتَنْطَفِئَ الْحَرَارَةُ جُمْلَةً فَيَمُوتُ ، فَغَايَةُ الطَّبِيبِ أَنْ يَحْمِيَ الرُّطُوبَةَ عَمَّا يُفْسِدُهَا مِنْ الْعُفُونَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالْحَرَارَةَ عَمَّا يُضْعِفُهَا وَيَعْدِلُ بَيْنَهَا بِالْعَدْلِ فِي التَّدْبِيرِ الَّذِي قَامَ بِهِ الْبَدَنُ فَالْمَخْلُوقَاتُ قِوَامُهَا بِالْعَدْلِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَنْ النَّبِيِّ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمَا

كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ : الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مُحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ { : مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جِسْمِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا .
} سَلَمَةُ فِيهِ جَهَالَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نَصِحَّ جِسْمَكَ وَنَرْوِكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ غَرِيبٌ .
{ وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَائِشَةَ إنْ عَلِمَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .

وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، قَالُوا : فَمَاذَا نَقُولُ ؟ قَالَ : سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : { مَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ } وَلِابْنِ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَعَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : سَلْ رَبَّك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ .
ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعَادَهُ وَزَادَ : فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ } .
مُخْتَصَرٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، { وَسَأَلَهُ الْعَبَّاسُ : عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ .
قَالَ : فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ سَأَلَهُ .
فَقَالَ : يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا .
{ سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْمُعَافَاةِ } وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْرًا مِنْ مُعَافَاةٍ } فَالشَّرُّ الْمَاضِي يَزُولُ بِالْعَفْوِ وَالْحَاضِرُ بِالْعَافِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالْمُعَافَاةِ لِتَضَمُّنِهَا دَوَامَ الْعَافِيَةِ مِنْ أَجْلِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ ؛ فَيَتَعَيَّنُ مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَكْمَلُ الطُّرُقِ وَحَالُهُ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ .

فَصْلٌ ( فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلَاجِ وَفِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ دَفْعُ ضَرَرِ شَيْءٍ بِمُقَابِلِهِ كَالْبَارِدِ بِالْحَارِّ وَالرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَبِالضِّدِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْدِيلِ وَدَفْعِ ضَرَرِ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُقَابِلُهَا وَمِنْ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْت عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السِّمَنِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَالرُّطَبُ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ وَيَغْذُو وَهُوَ مُعَطِّشٌ ، مُكَدِّرٌ لِلدَّمِ ، مُصَدِّعٌ ، مُوَلِّدٌ لِلسَّدَدِ ، وَوَجَعُ الْمَثَانَةِ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ ، سَرِيعُ التَّعَفُّنِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ ، وَالْقِثَّاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يُسَكِّنُ الْحَرَارَةَ وَالصَّفْرَاءَ وَالْعَطَشَ ، يُقَوِّي الْمَعِدَةَ فَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْمُوسُهُ رَدِيءٌ مُسْتَعِدٌّ لِلْعُفُونَةِ ، وَيُهَيِّجُ حُمَّيَاتٍ صَعْبَةً لِذَهَابِهِ فِي الْعُرُوقِ ، وَهُوَ مُنْعِشٌ لِلْقُوَى مُدِرٌّ لِلْبَوْلِ مُوَافِقٌ لِلْمَثَانَةِ .
وَفِي مَعْنَى هَذَا عَنْ عَائِشَةَ : قَالَتْ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ ، يَقُولُ يَدْفَعُ حَرَّ هَذَا بَرْدُ هَذَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَالْمُرَادُ بِالْبِطِّيخِ فِي هَذَا الْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ ، وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ نَافِعٌ لِلْأَمْرَاضِ الْحَادَّةِ وَالْحُمَّيَاتِ الْمُحْرِقَةِ

وَالْأَمْزِجَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ مَعَ السَّكَنْجَبِينَ .
وَيُدِرُّ الْبَوْلَ وَيَغْسِلُ الْمَثَانَةَ ، وَمَاؤُهُ مَعَ السُّكَّرِ أَبْلَغُ فِي التَّبْرِيدِ وَهُوَ يُسِيءُ الْهَضْمَ وَيَضُرُّ بِالْمَشَايِخِ وَالْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَفْجُجُ الْأَخْلَاطَ ، وَيَصْلُحُ السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ أَوْ عَقِبَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ : يُؤْكَلُ قَبْلَ الطَّعَامِ .
وَيُتْبَعُ بِهِ وَإِلَّا غَثِيَ وَقَيَأَ ، قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : هُوَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَغْسِلُ الْبَطْنَ غَسْلًا ، وَيَذْهَبُ بِالدَّاءِ أَصْلًا .
وَفِي الْبِطِّيخِ أَحَادِيثُ لَا تَصِحُّ وَأَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا مَوْضُوعَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَوْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُهُ .
وَأَمَّا الْبِطِّيخُ الْأَصْفَرُ فَبَارِدٌ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي آخِرِهَا ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ حَارٌّ وَهُوَ مُبَرِّدٌ يُدِرُّ وَيَقْطَعُ وَيَجْلُو وَيَنْفَعُ مِنْ حِصِيِّ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ الصِّغَارِ ، وَيُرْخِي الْأَحْشَاءَ ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ مِنْهُ الْهَيْضَةُ وَيُثَوِّرُ الْمِرَّةَ الصَّفْرَاءَ ، وَأَيُّ خَلْطٍ صَادَفَهُ فِي الْمَعِدَةِ اسْتَحَالَ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَهُ السَّكَنْجَبِينُ وَنَحْوُهُ كَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَأَنْ يُؤْكَلَ بَيْنَ طَعَامَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يُخْلَطُ بِالطَّعَامِ وَإِذَا فَسَدَ صَارَ كَالسُّمِّ فَلَا يُتْرَكُ وَيُتَّقَى ، وَلْيَحْذَرْ الْبِطِّيخَ مَنْ كَانَتْ بِهِ حُمَّى وَهُوَ يُصَفِّي ظَاهِرَ الْبَدَنِ يَقْلَعُ الْبَهَقَ وَالْكَلَفَ وَالْوَسَخَ خُصُوصًا إنْ دُقَّ بِزْرُهُ وَنُخِلَ وَاسْتُعْمِلَ غَسُولًا .
وَقِشْرُهُ يُلْزَقُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَيَمْنَعُ النَّوَازِلَ إلَى الْعَيْنِ وَدِرْهَمَانِ مِنْ أَصْلِهِ يُحَرِّكُ الْقَيْءَ بِلَا عُنْفٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَإِذَا كَانَ الْبِطِّيخُ فِي بَيْتٍ

لَا يَخْتَمِرُ فِيهِ الْعَجِينُ أَصْلًا وَبَذْرُ الْبِطِّيخِ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَة يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُكْثِرُ الْجِمَاعَ وَيُقَوِّي عَلَيْهِ ، وَقِشْرُ الْبِطِّيخِ إذَا يَبِسَ كَانَ صَالِحًا لِجَلَاءِ الْآنِيَةِ مِنْ الزُّهُومَةِ قَالَ أَبُقْرَاطُ : قِشْرُهُ إذَا جُفِّفَ وَرُمِيَ مَعَ اللَّحْمِ أَنْضَجَهُ بِخَاصَّتِهِ .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ } .
وَرَوَاهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا : { إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْمَ يُخْلِي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ فَتَضْعُفُ الْكَبِدُ وَالْقُوَى ، وَالْحُلْوُ تَجْذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ فَتَقْوَى بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ يُطْفِئُ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَلَهَبَ الْمَعِدَةِ فَتَأْخُذُ الْغِذَاءَ بِشَهْوَةٍ ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ غَيْرَ التَّمْرِ مِنْ الْحُلْوِ كَالتَّمْرِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَاءُ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ، وَيَكُونُ خِطَابُ الشَّارِعِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ .
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا : { كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ ، وَيَقُول : بَقِيَ ابْنُ آدَمَ حَتَّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ { : إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْزَنُ بَدَلَ الْغَضَبِ } وَمَدَارُ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَبِي زُكَيْرٍ يَحْيَى بْنِ

مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ، وَالْمُرَاد : كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ بَعْضُ أَطِبَّاءِ : الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَلَحَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتَّمْرَ حَارٌّ رَطْبٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهَا إصْلَاحٌ لِلْآخَرِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَارٌّ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَوَّلُ التَّمْرِ طَلْعٌ ثُمَّ خِلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ الْوَاحِدَة بَلَحَةٌ وَبُسْرَةٌ ، وَقَدْ أَبْلَحَ النَّخْلُ وَأَبْسَرَ أَيْ : صَارَ مَا عَلَيْهِ بَلَحًا وَبُسْرًا قَالَ الْأَطِبَّاءُ : الْبَلَحُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يُغْزِرُ الْبَوْلَ ، وَشَرَابُهُ يَعْقِلُ الطَّبْعَ خَاصَّةً مَعَ شَرَابٍ قَابِضٍ وَيَمْنَعُ النَّزْفَ وَالسَّيَلَانَ وَالْبَوَاسِيرَ وَيَدْبُغُ الْفَمَ وَاللِّثَةَ وَالْمَعِدَةَ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ يُوقِعُ فِي النَّافِضِ وَالْقُشَعْرِيرَةُ وَيَنْفُخُ خَاصَّةً إذَا شُرِبَ الْمَاءُ عَلَى أَثَرِهِ ، وَتُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ بِالتَّمْرِ أَوْ الْعَسَلِ ، وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهُ الْبَنَفْسَجُ الْمُرَبَّى بَعْدَهُ وَهُوَ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ يَسِيرُ التَّغْذِيَةِ قَالُوا : وَالْبُسْرُ حَارٌّ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالْحُلْوُ مِنْهُ يَمِيلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَفِيهِ قَبْضٌ وَكَذَلِكَ طَبِيخُهُ يَحْبِسُ الطَّبْعَ وَيُسْكِنُ اللَّهْثَ مَعَ حِفْظِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ .
وَالْأَخْضَرُ مِنْهُ أَشَدُّ حَبْسًا لِلطَّبْعِ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَنْفَعُ اللِّثَةَ وَالْفَمَ .
قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مُضِرٌّ بِالْفَمِ وَالْأَسْنَانِ عَسِرُ الْهَضْمِ وَيُوَلِّدُ رِيحًا وَسَدَادًا وَيُصْلِحُهُ السَّكَنْجَبِينُ السَّاذَجُ وَمِنْ ذَلِكَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَشْرَبُ نَقِيعَ التَّمْرِ إذَا أَصْبَحَ وَيَوْمَهُ ذَلِكَ وَعِشَاءً } ، وَدَعَاهُ أَبُو أَسِيدٍ السَّاعِدِيُّ فِي عُرْسِهِ وَامْرَأَتُهُ

وَهِيَ الْعَرُوسُ خَادِمُهُمْ ، وَكَانَتْ أَنْقَعَتْ لَهُمْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ وَإِيَّاهُ ، وَفِي لَفْظٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّعَام أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ .
وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً } وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ } " اُمْقُلُوهُ " اغْمِسُوهُ لِيَخْرُجَ الشِّفَاءُ كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ ، يُقَال لِلرَّجُلَيْنِ : هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَى فِي الْمَاءِ ، وَفِي الذُّبَابِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ كَالسِّلَاحِ فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيه أَلْقَاهُ بِسِلَاحِهِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِّكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا ، وَسَكَّنَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّفَاءِ ، وَإِذَا دُلِّكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمَّى شُعَيْرَةٌ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِ الذُّبَابِ أَبْرَأَهُ .

وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : يُكْرَهُ الْجَمْعُ فِي الْمَعِدَةِ بَيْنَ حَارَّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ أَوْ لَزِجَيْنِ أَوْ مُسْتَحِيلَيْنِ إلَى خَلْطٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْفَخَيْنِ أَوْ قَابِضَيْنِ أَوْ مُسَهِّلَيْنِ أَوْ غَلِيظَيْنِ أَوْ مُرْخِيَيْنِ ، أَوْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ كَقَابِضٍ وَمُسَهِّلٍ وَسَرِيعِ الْهَضْمِ وَبَطِيئِهِ ، وَشِوَاءٍ وَطَبِيخٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ وَسَمَكٍ ، وَبَيْنَ لَحْمٍ طَرِيٍّ وَقَدِيدٍ ، وَبَيْنَ الْحَامِضِ وَاللَّبَنِ ، قَالُوا : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْضِ وَالسَّمَكِ يُوَلِّدُ الْبَوَاسِيرَ وَالْقُولَنْجَ وَالْفَالِجَ وَاللَّقْوَةَ وَوَجَعَ الضِّرْسِ ، وَالْجَمْعُ بَيْن السَّمَكِ وَاللَّبَنِ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالْبَهَقَ وَالْجُذَامَ وَالنِّقْرِسَ ، وَاللَّبَنُ وَالنَّبِيذُ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالنِّقْرِسَ ، وَالْبَصَلُ النَّيْءُ وَالسَّمَكُ يُوَلِّدَانِ السَّوَادَ فِي الْوَجْهِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَأَكْلِ الْمُلُوحَةِ زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْد الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْجَرَبَ وَالْبَهَقَ .
وَالنُّزُولُ فِي الْمَاءِ الْبَارِد عَقِيبَ أَكْلِ السَّمَكِ رُبَّمَا وَلَّدَ الْفَالِجَ ، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ رُبَّمَا أَوْرَثَ الِاسْتِرْخَاءَ ، وَالْحَامِضُ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَدِيءٌ وَالنَّوْمُ بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ عَقِيبَ غَيْظٍ أَوْ جِمَاعٍ رُبَّمَا وَلَّدَ اللَّقْوَةَ ، وَكَذَا لَبَنُ الْحَلِيبِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ بَعْدَهُ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ يُوَلِّدُ الطِّحَالَ وَكَذَلِكَ الْكَبُّودَ ، قَالُوا وَيُكْرَهُ الْخَلُّ بَعْدَ الْأَرُزِّ ، وَالرُّمَّانُ بَعْدَ الْهَرِيسِ ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ بَعْدَ الْأَغْذِيَةِ الْمَالِحَةِ ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ عَقِيبَ الْفَاكِهَةِ ، أَوْ الْحُلْوِ أَوْ الطَّعَامِ الْحَارِّ ، وَلَا يُشْرَبُ بَعْدَ الْأَكْلِ إلَى أَنْ يَخِفَّ أَعَالِي الْبَطْنِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَسْكُنُ بِهِ الْعَطَشُ ، وَلَا يُشْرَبُ الْمَاءُ الْبَارِدُ دَفْعَةً وَاحِدَةً عَقِيبَ حَمَّامٍ وَلَا فِيهِ وَجِمَاعٍ وَشِوَاءٍ وَحَرَكَةٍ ثَقِيلَةٍ يَتَجَرَّعُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا ، وَلَا يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ إذَا انْتَبَهَ إذَا كَانَ الْعَطَشُ كَاذِبًا ،

وَلَا عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ يَقْرَعُ الْمَعِدَةَ ، وَيُبَرِّدُ الْكَبِدَ .
وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْبَصَلِ ، قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُورِثُ الْكَلَفَ وَالتُّخَمَةَ مَنْ أَكَلَ الْبَيْضَ تَوَرَّثَ الطِّحَالَ .
قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ : مَنْ تَمَلَّأَ مِنْ بَيْضٍ مَسْلُوقٍ بَارِدٍ فَأَصَابَهُ رَبْوٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ .
قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : مَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لَيْلًا فَأَصَابَهُ لَقْوَةٌ أَوْ دَاءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ .
وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تَتَحَيَّرُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ وَتَعْجَزُ عَنْ تَمَامِ هَضْمِهَا ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الْمَالِحَةِ وَالْعَفِنَةِ كَالْكَامِخِ ، وَالْمُخَلَّلِ ، وَلَا طَعَامًا شَدِيدَ الْحَرَارَةِ ، وَلَا طَبِيخًا بَائِتًا يُسَخَّنُ لَهُ بِالْغَدِ ، لَكِنَّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَيْسَ لِضَرَرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ طَعَامِ أَهْلِ بَلَدِهِ .
وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : إنَّ الْقَابِضَ يُصْلِحُ الدَّسَمَ وَالْحُلْوَ وَيُصْلِحَانِهِ ، وَالْحَامِضُ يُصْلِحُ الْمَالِحَ ، وَإِنَّ الْحُلْوَ مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ تَجْتَذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ وَيُعَطِّشُ ، وَالْمَالِحُ حَارٌّ يَمْنَعُ التَّعَفُّنَ ، وَالْحِرِّيفُ قَوِيُّ الْحَرَارَةِ يُلَطِّفُ ، وَالْحَامِضُ يُوَلِّدُ الرِّيَاحَ وَيَضُرُّ الْعَصَبَ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْعَشَاءِ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ تَمْرٍ ، وَيَقُولُ : تَرْكُ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ } وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ النَّوْمِ عَلَى الْأَكْلِ } ، وَكَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ : حِفْظُ الصِّحَّةِ الْحَرَكَةُ بِاعْتِدَالٍ لَا السُّكُونُ الدَّائِمُ ، وَكَذَا النَّوْمُ الْكَثِيرُ وَإِنْ كَانَ يُسْرِعُ الْهَضْمَ ، وَكَذَا

الْحَرَكَةُ الْعَنِيفَةُ بَعْدَ الطَّعَام ، وَإِنْ أَسْرَعَ الْهَضْمَ فَإِنَّهُ جَالِبٌ لِصُنُوفِ الْأَمْرَاضِ .
وَالِامْتِلَاءُ مِنْ الطَّعَام يَضُرُّ بِالْعَيْنِ ، وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى الِامْتِلَاءِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : أَنْ يَمْشِي نَحْوَ خَمْسِينَ خُطْوَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُصَلِّي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِيَسْتَقِرَّ الْغِذَاءُ بِقَعْرِ الْمَعِدَةِ .
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَنْ أَرَادَ الصِّحَّةَ فَلْيُجَوِّدْ الْغِذَاءَ ، وَلْيَأْكُلْ عَلَى نَقَاءٍ ، وَلْيَشْرَبْ عَلَى ظَمَإٍ ، وَلْيُقْلِلْ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ ، وَيَتَمَدَّدْ بَعْدَ الْغَدَاءِ ، وَيَتَمَشَّى بَعْدَ الْعَشَاءِ ، وَلَا يَنَامُ حَتَّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ ، وَلْيَحْذَرْ الْحَمَّامَ عَقِبَ الِامْتِلَاءِ ، وَمَرَّةٌ فِي الصَّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَأَكْلُ الْقَدِيدِ الْيَابِسِ بِاللَّيْلِ مُعِينٌ عَلَى الْفَنَاءِ ، وَمُجَامَعَةُ الْعَجُوزِ تُهْرِمُ وَتُسْقِمُ .
وَهَذَا بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ طَبِيبِ الْعَرَبِ ، وَقَالَ الْحَارِثُ وَهُوَ ابْنُ كِلْدَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ : مُرْنَا بِأَمْرٍ نَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ بَعْدِك ، فَقَالَ : لَا تَتَزَوَّجُوا مِنْ النِّسَاءِ إلَّا شَابَّةً ، وَلَا تَأْكُلُوا الْفَاكِهَةَ إلَّا فِي أَثَرِ أَوَانِ نُضْجِهَا ، وَلَا يَتَعَالَجَنَّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدَّاءَ ، وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ ، مُهْلِكَةٌ لِلْمِرَّةِ ، مُنْبِتَةٌ لِلَّحْمِ ، وَإِذَا تَغَذَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنَمْ عَلَى أَثَرِ غَدَائِهِ ، وَإِذَا تَعَشَّى فَلِيَمْشِ أَرْبَعِينَ خُطْوَةً .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ نَحْوَ هَذِهِ الْأُمُورَ .
وَقَالَ : خَمْسِينَ خُطْوَةً ، وَقَالَ عَلَيْك فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقِّي جِسْمَكَ ، وَلَا تُخْرِجْ الدَّمَ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَعَلَيْك بِدُخُولِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إلَى إخْرَاجِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَرْبَعَةٌ تُقَوِّي الْبَدَنَ ، أَكْلُ اللَّحْمِ ، وَشَمُّ الطِّيبِ ، وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ، وَلُبْسُ

الْكَتَّانِ .
وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَدَنَ : كَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَكَثْرَةُ الْهَمِّ ، وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرِّيقِ وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ ، وَأَرْبَعَةٌ تُقَوِّي الْبَصَرَ : الْجُلُوسُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ ، وَالْكُحْلُ عِنْدَ النَّوْمِ ، وَالنَّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَتَنْظِيفُ الْمَجْلِسِ ، وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَصَرَ : النَّظَرُ إلَى الْقَذَرِ وَإِلَى الْمَصْلُوبِ وَإِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالْقُعُودُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ ، وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْجِمَاعِ : أَكْلُ الْعَصَافِيرِ والأطريفل وَالْفُسْتُقِ وَالْخَرُّوبِ .
وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ : تَرْكُ الْفُضُولِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ ، وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ .
كَذَا رَأَيْتُهُ عَنْهُ وَالْخَرُّوبُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غِذَاءَهُ رَدِيءٌ وَهُوَ قَابِضٌ بَارِدٌ يَابِسٌ ، وَقِيلَ حَارٌّ .
وَقِيلَ لِجَالِينُوسَ : مَالَكَ لَا تَمْرَضُ ؟ فَقَالَ : لِأَنِّي لَا أَجْمَعُ بَيْنَ طَعَامَيْنِ رَدِيئَيْنِ ، وَلَمْ أُدْخِلْ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ ، وَلَمْ أَحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذَّيْتُ مِنْهُ .
وَقَالَ أَبُقْرَاطُ : كُلُّ كَثِيرٍ فَهُوَ مُعَادٍ لِلطَّبِيعَةِ ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : الْكَلَامُ الْكَثِيرُ يُقَلِّلُ مُخَّ الدِّمَاغِ وَيُضْعِفُهُ وَيُعَجِّلُ الشَّيْبَ .
وَالنَّوْمُ الْكَثِيرُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ ، وَيُهَيِّجُ الْعَيْنَ ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْعَمَلِ ، وَيُوَلِّدُ الرُّطُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ ، وَيُعْمِي الْقَلْبَ .
وَقَالَ طَبِيبُ الْمَأْمُونِ : عَلَيْك بِخِصَالٍ مَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَعْتَلَّ إلَّا عِلَّةَ الْمَوْتِ : لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامًا تُتْعِبُ أَضْرَاسَك فِي مَضْغِهِ فَتَعْجِزُ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ : وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَقْتَبِسُ نُورَ الْحَيَاةِ ، وَإِيَّاكَ وَمُجَامَعَةَ الْعَجُوزِ فَإِنَّهُ يُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ ، وَإِيَّاكَ وَالْفَصْدَ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَلَيْكَ بِالْقَيْءِ فِي الصَّيْفِ .
وَقَالَ أَفْلَاطُونُ : خَمْسٌ يُذِبْنَ الْبَدَنَ وَرُبَّمَا قَتَلْنَ : قِصَرُ

ذَاتِ الْيَدِ ، وَفِرَاقُ الْأَحِبَّةِ ، وَتَجَرُّعُ الْمَغَائِظِ وَرَدُّ النُّصْحِ ، وَضَحِكُ ذَوِي الْجَهْلِ بِالْعُقَلَاءِ .
وَقَالَ جَالِينُوسُ لِأَصْحَابِهِ : اجْتَنِبُوا ثَلَاثًا ، وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى الطَّبِيبِ : اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ وَالنَّتِنَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالدَّسَمِ وَالطِّيبِ .
وَالْحَلْوَى وَالْحَمَامِ ، وَلَا تَأْكُلُوا فَوْقَ شِبَعِكُمْ ، وَلَا تَتَحَلَّلُوا بِالْبَاذَرُوجِ وَالرَّيْحَانِ ، وَلَا تَأْكُلُوا الْجَوْزَ عِنْدَ الْمَسَاءِ ، وَلَا يَنَامُ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ ، وَلَا يَأْكُلُ مَنْ بِهِ غَمٌّ حَامِضًا ، وَلَا يُسْرِعُ الْمَشْيَ مَنْ افْتَصَدَ فَإِنَّهُ مَخَاطِرُ الْمَوْتِ ، وَلَا يَتَقَيَّأُ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي الصَّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا .
وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمَّى الْبَارِدَةِ فِي الشَّمْسِ ، وَلَا تَقْرَبُوا الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزَّرَ .
وَمَنْ شَرِبَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ حَارٍّ أَمِنَ مِنْ الْإِعْلَالِ ، وَمَنْ دَلَّكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمَّامِ بِقُشُورِ الرُّمَّانِ أَمِنَ مِنْ الْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ .
وَمَنْ أَكَلَ خَمْسَ سُوسَاتٍ مَعَ قَلِيلِ مُصْطَكَى رُومِي وَمِسْكٍ وَعُودٍ خَامٍ بَقِيَ طُولَ عُمْرِهِ لَا تَضْعُفُ مَعِدَتُهُ وَلَا تَفْسُدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَرْبَعَةٌ تَضُرُّ بِالْفَهْمِ وَالذِّهْنِ : إدْمَانُ أَكْلِ الْحَامِضِ وَالْفَوَاكِهِ ، وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا ، وَالْهَمُّ ، وَالْغَمُّ .
وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْفَهْمِ : فَرَاغُ الْقَلْبِ وَقِلَّةُ التَّمَلُّؤِ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَابِ ، وَحُسْنُ تَدْبِيرِ الْغِذَاءِ بِالْحُلْوِ وَالدَّسَمِ ، وَإِخْرَاجُ فَضْلَةٍ مُثْقِلَةٍ لِلْبَدَنِ .
وَيَضُرُّ بِالْعَقْلِ : إدْمَانُ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَالزَّيْتُونِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَالْوَحْدَةُ وَالْأَفْكَارُ وَالسُّكْرُ وَالْهَمُّ وَالْغَمُّ وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ : قُطِعْتُ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ عِلَّةً إلَّا أَنِّي أَكْثَرْتُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَمِنْ

الزَّيْتُونِ فِي الْآخَرِ وَمِنْ الْبَاقِلَّا فِي الثَّالِثِ .
وَيَضُرُّ بِالْعَيْنِ الْأَغْذِيَةُ الْغَلِيظَةُ وَالْمُبَخِّرَةُ كَالسُّكَّرِ وَالشَّرَابُ الْغَلِيظُ الْحُلْوُ وَالْمُصَدِّعَةُ وَالْكُسْفُرَةُ وَالْفُجْلُ وَالْخَسُّ وَالْعَدَسُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا وَالنَّظَرُ إلَى الضَّوْءِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُشَتِّتُ الْبَصَرَ وَإِلَى الظُّلْمَةِ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ وَالْبُكَاءُ وَاسْتِقْبَالُ رِيحٍ بَارِدَةٍ وَالْغُبَارُ وَالدُّخَانُ وَالسَّهَرُ وَالتَّعَبُ وَالْمَالِحَةُ كَالتَّمْرِ وَالسَّمَكِ لَا سِيَّمَا الْمَالِحِ مِنْهُ وَكَذَا الْقَيْءُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَرْفُقُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : وَيَعْصِبُ عَيْنَيْهِ .
وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي الِاسْتِفْرَاغَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحِجَامَةِ .
وَالدَّارَصِينِيُّ وَالسَّذَابُ ، وَالزَّنْجَبِيلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ أَكْلًا وَكُحْلًا وَالْقُرُنْفُلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَالْفِلْفِلُ يَنْفَعُ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالدَّمْعَةِ وَالْعَسَلُ يُقَوِّي السَّمْعَ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرَ وَالِاكْتِحَالُ بِمَاءِ الرازيانج عَلَى الدَّوَامِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ وَغَيْرُهُ : هُوَ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَخُصُوصًا مَضْغُهُ ، وَالِاكْتِحَالُ بِالْحَضَضِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَقُوَّتَهَا ، وَكَذَلِكَ الْهَلِيلَجُ إذَا أُخِذَ عَلَى الْمِسَنِّ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَدُلِّكَ الْأَعْضَاءُ السُّفْلَى مَعَ الرِّيَاضَةِ فَإِنَّ بِذَلِكَ تَنْحَطُّ الْبُخَارَاتُ الصَّاعِدَةُ إلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ ، وَقَدْ يَنْفَعُ فِي ذَلِكَ الْغَوْصُ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالتَّحْدِيقُ فِيهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ ، وَتَعَاهُدُ قِرَاءَةِ الْكُتُبِ غَيْرِ الدَّقِيقَةِ وَحَمْلُهَا عَلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّقِيقَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ .
قَالَ جَالِينُوسُ : وَالْخَسُّ يَجْلُو الْبَصَرَ الْمُظْلِمَ ، وَيُحْدِثُ فِي الصَّحِيحِ ظُلْمَةً وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ غَالِبًا بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ مَوْجُودٍ اشْتَهَاهُ ،

فَحَبْسُ النَّفْسِ وَقَسْرُهَا عَلَى مُطْعَمٍ أَوْ مَشْرُوبٍ خِلَافُ عَادَتِهِ .
وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَوَّدَ شَيْئًا وَيُلَازِمَهُ وَلَا النَّوْمَ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالتَّدْرِيجِ إنْ كَانَ أَلِفَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ فَيَنْضَرُّ بِتَرْكِهِ وَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَشْتَهِيه ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ ، وَلِهَذَا { لَمْ يَأْكُلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ الضَّبَّ الْمَشْوِيَّ ، وَقِيلَ لَهُ : أَحَرَامٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ } .
" وَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مَنْ اشْتَهَاهُ وَأَكَلَهُ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ { : مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ ، وَإِلَّا تَرَكَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
{ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحِبُّ اللَّحْمَ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ الذِّرَاعُ } وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ } ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّحِيحَيْنِ وَمَعْنَاهُ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَعَنْ { ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ : أَنَّهَا ذَبَحَتْ فِي بَيْتِهَا شَاةً فَأَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَطْعِمِينَا مِنْ شَاتِكُمْ ، قَالَتْ لِلرَّسُولِ : مَا بَقِيَ عِنْدَنَا إلَّا الرَّقَبَةُ وَإِنِّي لِأَسْتَحْيِيَ أَنْ أُرْسِلَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ إلَيْهَا قُلْ لَهَا : أَرْسِلِي بِهَا فَإِنَّهَا هَادِيَةُ الشَّاةِ وَإِنَّهَا أَقْرَبُ الشَّاةِ إلَى الْخَيْرِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْأَذَى } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ

الْفَضْلُ بْنُ الْفَضْلِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : تَفَرَّدَ عَنْهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ .
الْهَادِيَةُ وَالْهَوَادِي الْعُنُقُ وَالرَّقَبَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ الْبَدَنَ وَلِأَنَّهَا تَهْدِي الْجَسَدَ ، وَإِنَّمَا أَحَبَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَسْرَعُ هَضْمًا وَأَكْثَرُ نَفْعًا ، وَهَذَا أَفْضَلُ الْغِذَاءِ ، وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : مَقَادِمُ الْحَيَوَانِ أَخَفُّ وَأَسْخَنُ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مَرْفُوعًا : { أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ ضَعْفٌ أَوْ ضَعِيفٌ { ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْعَسَلِ وَسَبَقَ كَلَامُ الْأَطِبَّاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْحُلْوَ تَجْتَذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ وَأَنَّهُ مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : الْحُلْوُ حَارٌّ رَطْبٌ يُكَثِّرُ الصَّفْرَاءَ وَالدَّمَ وَيُوَلِّدُ السَّدَادَ وَالْوَرَم فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ، وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُرْخِي الْمَعِدَةَ وَهُوَ صَالِحٌ لِلصَّدْرِ وَالرِّئَةِ مُخْصِبٌ لِلْبَدَنِ مُكْثِرٌ لِلْمَنِيِّ ، وَالْحَامِضُ بَارِدُهُ يَقْمَعُ الصَّفْرَاءَ وَالدَّمَ وَيَعْقِلُ إذَا كَانَتْ الْمَعِدَةُ نَقِيَّةً وَيُطْلِقُ إذَا كَانَ فِيهَا بَلْغَمٌ كَثِيرٌ : وَيُوهِنُ قُوَّةَ الْهَضْمِ عَنْ الْكَبِدِ وَيَضُرُّ الْعَصَبَ وَيُخَفِّفُ الْبَدَنَ إلَّا أَنَّهُ يُنَبِّهُ قُوَّةَ الشَّهْوَةِ ، وَالدَّسَمُ يُرْخِي الْمَعِدَةَ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُسَخِّنُ لَا سِيَّمَا الْمَحْمُومِينَ وَأَصْحَابِ الْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ وَالْأَكْبَادِ الْحَارَّةِ ، وَيُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُلَيِّنُهُ وَيَزِيدُ فِي الْبَلْغَمِ وَيُنَوِّمُ ، وَالْحِرِّيفُ يُسَخِّنُ وَيُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ

وَيَمِيلُ بِالْبَدَنِ أَوَّلًا إلَى الصَّفْرَاءِ ثُمَّ إلَى السَّوْدَاءِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا : الْإِكْثَارُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْجَافَّةِ يَذْهَبُ بِالْقُوَّةِ وَبِاللَّوْنِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الدَّسَمِ يُذْهِبُ الشَّهْوَةَ وَمِنْ الْمَالِحِ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ ، وَمِنْ الْحِرِّيفِ وَالْحَامِضِ يَجْلِبُ الْهَرَمَ ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَأْدُمُ الْخُبْزَ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ ، وَنُقِلَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَشْيَاءُ فَمِنْهُ : تَمْرٌ وَخُبْزٌ وَشَعِيرٌ وَهُوَ مِنْ التَّدْبِيرِ الْحَسَنِ لِحَرَارَةِ التَّمْرِ وَرُطُوبَتِهِ .
وَخُبْزُ الشَّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ قَالَ بَعْضُهُمْ : سُمِّيَ الْأُدْمُ أُدْمًا لِإِصْلَاحِهِ الْخُبْزَ وَجَعْلِهِ مُلَائِمًا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ .
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْإِدَامُ وَالْأُدْمُ مَا يُؤْدَمُ بِهِ ، تَقُولُ مِنْهُ : أَدَم الْخُبْزَ بِاللَّحْمِ يَأْدِمُهُ بِالْكَسْرِ ، وَالْأُدْمُ الْأُلْفَةُ وَالِاتِّفَاقُ ، يُقَالُ : أَدِمَ اللَّهُ وَآدَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فَعَلَ وَافْعَلَّ ، بِمَعْنَى أَيْ : أَصْلَحَ وَأَلْفَتَ .
.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { : كُنْت جَالِسًا فِي دَارِي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إلَيَّ فَقُمْتُ إلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ فَدَخَلَ ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْت الْحِجَابَ عَلَيْهَا فَقَالَ : هَلْ مِنْ غَدَاءٍ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ فَأَخَذَ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ مِنْ أُدُمٍ ؟ قَالُوا : لَا إلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ .
فَقَالَ : هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ } وَفِي لَفْظٍ قَالَ جَابِرٌ : فَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُذْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ : وَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ نَبِيٌّ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُشَدَّدَةٍ

مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ أَيْ : مَائِدَةٌ مِنْ خُوصٍ ، وَقِيلَ إنَّهُ بَتِّيٌّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ ، وَالْبَتُّ : كِسَاءٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ ، قِيلَ : هُوَ مَدْحٌ لِلْخَلِّ مُطْلَقًا .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إنَّمَا هُوَ مَدْحٌ لَهُ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرِ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَوْلَا فَهْمُ جَابِرٍ كَقَوْلِ أَنَسٍ مَا زِلْت أُحِبُّ الدُّبَّاءَ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ : مَعْنَاهُ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ وَلَا يَعِزُّ وُجُودُهُ ، كَذَا قَالَا ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ فِي الْجُمْلَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَأَنَّهُ يُضَادُّ الْبَلْغَمَ وَأَنَّهُ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ الرَّطْبَةِ .
وَفَهْمُ جَابِرٍ قَدْ لَا يُعَارِضُ هَذَا ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ تَأْتِي قَالَ الْأَطِبَّاءُ : الْخَلُّ قَوِيُّ التَّجْفِيفِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادِ ، وَيُلَطِّفُ بِقَمْعِ الصَّفْرَاءِ ، وَيَمْنَعُ ضَرَرَ الأدية الْقَتَّالَةِ وَيُحَلِّلُ اللَّبَنَ وَالدَّمَ إذَا جَمَدَ فِي الْجَوْفِ ، وَيَنْفَعُ الطِّحَالَ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَعْقِلُ الطَّبِيعَةَ وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ ؛ وَلِهَذَا إذَا قَلَّ الْمَاءُ فَلْيُمْزَجْ بِقَلِيلِ خَلٍّ فَإِنَّ قَلِيلَهُ يَكْفِي فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيَمْنَعُ الْوَرَمَ حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَحْدُثَ ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَيُلَطِّفُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ وَيَرِقُّ الدَّمَ ، وَإِذَا شُرِبَ بِالْمِلْحِ نَفَعَ مَنْ أَكَلَ الْفِطْرَ الْقَتَّالَ .
وَإِذَا حُسِيَ قَلَعَ الْعَلَقَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَصْلِ الْحَنَكِ نَافِعٌ لِلدَّاحِسِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَالنَّمِلَةِ وَالْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ وَحَرْقِ النَّارِ مِنْهُ لِلْأَكْلِ مُطَيِّبٌ لِلْأَطْعِمَةِ صَالِحٌ لِلشَّبَابِ فِي الصَّيْفِ وَلِسُكَّانِ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ الْإِكْثَارُ مِنْهُ يُضْعِفُ الْبَصَرَ وَيَضُرُّ بِالْعَصَبِ ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الِاسْتِسْقَاءِ ، وَيُقِلُّ ضَرَرَهُ مَزْجُهُ بِالْمَاءِ

وَالسُّكَّرِ ، وَيُهْزِلُ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ وَيُقَوِّي السَّوْدَاءَ .
وَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { : نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْخَلِّ فَإِنَّهُ كَانَ إدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَلَمْ يَفْقَرْ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِلَا خِلَافٍ .
وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ أَكْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهِيَ دَوَاءٌ نَافِعٌ إذَا أُكِلَتْ عَلَى مَا يَنْبَغِي ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَا يُنَاسِبُهُمْ ، وَمَنْ احْتَمَى عَنْهَا مُطْلَقًا إنْ انْتَفَعَ بِذَلِكَ فَضَرَرُهُ أَكْثَرُ .

وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إلَيْهِ الْحُلْوَ الْبَارِدَ } قَالَتْهُ عَائِشَةُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الشَّرَابِ أَطْيَبُ ؟ قَالَ : الْحُلْوُ الْبَارِدُ .
} قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَهَذَا أَصَحُّ .
وَهَذَا مِنْ أَلَذِّ شَيْءٍ وَأَنْفَعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ رَطْبٌ ، رُطُوبَتُهُ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ ، وَشُرْبُهُ بَعْدَ الطَّعَامِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ ، وَيُنْهِضُ الشَّهْوَةَ ، وَيُجْزِئُ قَلِيلُهُ ، وَيُخْلِفُ عَلَى الْبَدَنِ مَا تَحَلَّلَ مِنْ رُطُوبَاتِهِ ، وَيَرْفُقُ الْغِذَاءَ وَيُسْرِعُ نُفُوذَهُ وَإِيصَالَهُ إلَى الْأَعْضَاءِ ، لَكِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ يُورِثُ هُزَالًا .
يُقَال : هَزِلَ لَحْمُهُ بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ : اضْطَرَبَ وَاسْتَرْخَى ، وَيُحْدِثُ كِرَازًا وَسُبَاتًا وَرَعْشَةً وَنِسْيَانًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يَرْوِي ، وَقِيلَ عَلَى نِصْفِهِ .
وَالْمَاءُ رَدِيءٌ لِلْقُرُوحِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْطَشَ ، فَإِنَّهُ يُوهِنُ الشَّهْوَةَ وَالْقُوَّةَ ، وَيُجَفِّفُ ، وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ لَا يُغَذِّي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الْأَعْضَاءَ وَلَا يُخْلِفُ عَلَيْهَا بَدَلَ مَا حَلَّلَتْهُ الْحَرَارَةُ كَالطَّعَامِ ، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ بَدَلَ الطَّعَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُغَذِّي الْبَدَنَ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ زَمْزَمَ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ ، وَزَادُوا فِيهِ { : وَشِفَاءُ سَقَمٍ } أَيْ : تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَالطَّعَامِ .
وَمَا سَبَقَ مِنْ نَفْعِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَإِنَّ مَنْ ضَعُفَ عَصَبُهُ ، أَوْ مَعِدَتُهُ وَكَبِدُهُ بَارِدَتَانِ لَا

يَنْبَغِي لَهُ شُرْبُ مَاءِ الثَّلْجِ ، وَكَذَا الْمَشَايِخُ وَمَنْ يَتَوَلَّدُ فِيهِمْ الْأَخْلَاطُ الْبَارِدَةُ ، وَيُهَيِّجُ السُّعَالَ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ وَحَذَّرُوا مِنْهُ فِي أَمْرَاضٍ كَوَجَعِ الْمَفَاصِلِ .
وَقَوْلُ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ : الثَّلْجُ حَارٌّ غَلِيظٌ وَهُوَ يُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ ؛ فَلِذَلِكَ يُعَطِّشُ لَا أَنَّهُ حَارٌّ فِي نَفْسِهِ ، وَتَوَلُّدُ الْحَيَوَانِ فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى حَرَارَتِهِ كَتَوَلُّدِهِ فِي خَلٍّ وَفَاكِهَةٍ بَارِدَةٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ } وَإِنَّمَا سَأَلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخَطَايَا تُضْعِفُ الْقَلْبَ وَتَكْسِيهِ حَرَارَةً ، وَهَذَا الْمَاءُ يُقَوِّيه وَيُصْلِبُهُ وَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّدُهُ .
وَلَا يَتَنَاوَلُ بَارِدًا بَعْدَ حَارٍّ وَلَا عَكْسَهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْأَسْنَانِ وَقُوَّتِهَا وَذَلِكَ مَعْلُومٌ .
وَمِنْهُ تَرْكُ كَسْرِ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَة بِهَا وَمَضْغُ الْأَشْيَاءِ الْعَلِكَةِ كَالْحُلْوِ وَالتَّمْرِ وَالْمُحَذِّرَةِ كَالثَّلْجِ وَالْمُضَرِّسَةِ كَالْحَوَامِضِ ، وَكَثْرَةُ الْقَيْءِ يُفْسِدُهَا .
وَإِذَا تَوَجَّعَ السِّنُّ مِنْ مَسِّ شَيْءٍ بَارِدٍ فَلْيَعَضَّ عَلَى خُبْزٍ حَارٍّ وَنَحْوِهِ ، وَإِذَا كَانَ وَجَعُ السِّنِّ مِنْ حَرَارَةٍ سَكَنَ مِنْ بَارِدٍ ، وَيُفِيدُ فِي وَجَعِهَا الْمَضْمَضَةُ بِحَامِضٍ وَمَضْغُ الطَّرْخُونِ وَالْغِذَاءُ حُمُوضَاتٌ ، وَيُمْسَكُ فِي الْفَمِ آسٌ رَطْبٌ أَوْ وَرَقُ زَيْتُونٍ غَضٍّ أَوْ خَلٌّ طُبِخَ فِيهِ جَوْزُ السَّرْوِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ طُبِخَ فِيهِ عَفْصٌ .
هَذَا إذَا كَانَ مِنْ بُخَارِ الدَّمِ : فَإِنْ كَانَ مِنْ بُخَارِ الْبَلْغَمِ أَمْسَكَ فِي الْفَمِ دُهْنًا مُسَخَّنًا وَيُدَلَّكُ السِّنُّ بِالْفِلْفِلِ وَالثُّومِ وَنَحْوِهِ .
قَالَ ثَابِتٌ الطَّبِيبُ : أَجْمَعَ الْأَوَائِلُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْفَمَ فِي عِلَاجِ الْأَسْنَانِ خَيْرٌ مِنْ الْخَلِّ وَالْمِلْحِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُسَكِّنَانِ الْوَجَعَ وَيُخَفِّفَانِ الْبَلَمَةَ الزَّائِدَةَ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْحَارَّةِ

الْخَلُّ وَحْدَهُ وَسَوَادُ الْأَسْنَانِ لِرَدَاءَةِ مَا يَتَغَدَّى بِهِ فَيُدَلَّكُ بِالْفِلْفِلِ وَنَحْوِهِ وَيَزُولُ الضِّرْسُ بِمَضْغِ الْبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ وَهِيَ الفرفحين أَوْ اللَّوْزِ ، وَيُمْسَكُ دُهْنُ اللَّوْزِ مُفَتَّرًا فِي الْفَمِ وَالْعِلْكِ ، وَالشَّمْعِ وَالزِّفْتِ إذَا مُضِغَ .
وَالسِّوَاكِ وَمَنَافِعِهِ ، وَمَا يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَمْنَعُ ارْتِقَاءَ الْبُخَارِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ السِّوَاكِ مِنْ الْفِقْهِ ، وَإِنْ وُضِعَتْ الْيَدَانِ أَوْ الرِّجْلَانِ الَّتِي تَثَلَّجَتْ وَتَفَتَّحَتْ عَلَى الْبَلَاطِ الشَّدِيدِ الْحَرَارَةِ فِي الْحَمَّامِ وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ ، وَالتَّثَلُّجُ الَّذِي لَمْ يَنْفَتِحْ يُؤْخَذُ قَلِيلُ فِلْفِلٍ فَيُسْحَقُ نَاعِمًا وَيُغْلَى فِي الزَّيْتِ ثُمَّ يُدْهَنُ بِهِ التَّثَلُّجُ قَبْلَ فَتْحِهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَإِنَّهُ يَزُولُ وَلَا يُفْتَحُ ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْفَاتِرُ وَالْحَارُّ فَفِعْلُهُ عَكْسُ فِعْلِ الْمَاءِ الْبَارِدِ .
لَكِنْ إذَا شَرِبَ عَلَى الرِّيقِ مَاءً حَارًّا غَسَلَ الْمَعِدَةَ مِنْ فُضُولِ الْغِذَاءِ الْمُتَقَدِّمِ وَرُبَّمَا أَطْلَقَ ، وَالسَّرَفُ فِي اسْتِعْمَالِهِ يُوهِنُ الْمَعِدَةَ ، وَأَمَّا إذَا خَالَطَ الْمَاءُ الْبَارِدُ مَا يُحَلِّيهِ فَإِنَّهُ يُوَصِّلُ الْغِذَاءَ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَيُغَذِّي الْبَدَنَ وَيُسَخِّنُهُ وَيَنْشُرُ حَرَارَتَهُ الْغَرِيزِيَّةَ إلَى سَائِرِهِ وَيُجَوِّدُ الْهَضْمَ .
وَالْمَاءُ الْبَارِدُ بَعْضُهُ أَنْفَعُ .
وَلِهَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا .
} وَفِي مُسْلِمٍ { : أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ النَّبِيذِ فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً فَقَالَتْ : سَلْ هَذِهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ الْحَبَشِيَّةُ : كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَأُوكِيهِ وَأُعَلِّقُهُ ، فَإِذَا

أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ } وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهُ أَلَذُّ وَأَنْقَعُ لِصَفَائِهِ وَبُرُودَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَكِّدُ وَيُرَشِّحُ الْمَاءَ مِنْ مَسَامِّهَا الْمُتَفَتِّحَةِ فِيهَا .
وَفِي الْخَبَرِ جَوَازُ الْكَرْعِ وَهُوَ الشُّرْبُ بِالْفَمِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بَابَ الْكَرْعِ فِي الْحَوْضِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد بَابُ الْكَرْعِ : وَهَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَوْضُ مُرْتَفِعًا فَيَجْلِسُ عَلَى شَيْءٍ وَيَكْرَعُ مِنْهُ ، أَوْ يَكْرَعُ مِنْهُ قَائِمًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَّكِئًا وَلَا غَيْرَ مُنْتَصِبٍ ، وَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ بُيِّنَ الْجَوَازُ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرِبَ خَالِصًا وَمَشُوبًا وَفِي ذَلِكَ حِفْظُ الصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيَرْوِي الْكَبِدَ لَا سِيَّمَا لَبَنُ الدَّوَابِّ الَّتِي تَرْعَى الشِّيحَ وَغَيْرَهُ فَإِنَّ لَبَنَهَا شَرَابٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِيمَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ .
} طَارِقٌ لَهُ رُؤْيَةٌ وَيَزِيدُ هُوَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ : ابْنُ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ لِينٌ وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ : لَا يُتَابَعُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فُضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ بْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا .
وَعَنْ ابْنِ مُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ

بْنِ الْحَسَنِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ لُوطٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَقَصَهُ اللَّيِّنُ .
قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى بِهِ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ بِهِ مُرْسَلًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَخْزَمَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا : { أَلْبَانُ الْبَقَرِ شِفَاءٌ } وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَسْلَمَ بِإِسْنَادٍ مَرْفُوعًا .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا : { عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ شِفَاءٌ وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ ، وَلُحُومُهَا دَاءٌ } .
رِفَاعٌ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى هُوَ ابْنُ بُزَيْغٍ الْجَرِيرِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً فِي ثِقَاتٍ وَلَا ضُعَفَاءَ وَيَخْطِرُ عَلَى بَالِي أَنَّ الْعُقَيْلِيَّ قَالَ : لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ حَسَنٌ ، وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ بِذَاكَ الضَّعِيفِ الْوَاهِي ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَثْبُتُ ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ إخْرَاجُ حَاصِلٍ يَضُرُّ الْبَدَنَ بَقَاؤُهُ وَفِعْلُ مَا احْتَاجَهُ الْبَدَنُ مِنْ نَوْمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِ الْعُقَلَاءِ وَيَأْتِي فِي آدَابِ الْأَكْلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ يَضُرُّ مَعَ التَّكْرَارِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ : حَبْسُ الرِّيحِ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ يُورِثُ الْحَصْرَ وَظُلْمَةَ الْعَيْنِ وَوَجَعَ الْفُؤَادِ وَالرَّأْسِ ، وَحَبْسُ الْبَوْلِ يُورِثُ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْحَصَاةِ .
وَحَبْسُ الْبِرَازِ يُورِثُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَطُولُ الْمُكْثِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ يُوَلِّدُ الدَّاءَ الدَّوِيَّ ، وَحَبْسُ الْجُشَاءِ يُورِثُ الْفِرَاقَ ، وَحَبْسُ الْبَاءَةِ يُورِثُ وَجَعَ الذَّكَرِ وَالْفُؤَادِ وَسَيَلَانَ النُّطْفَةِ وَالْحَصَاة وَالْأُدْرَةِ ، وَحَبْسُ النَّوْمِ يُورِثُ الثِّقَلَ فِي الرَّأْسِ وَوَجَعَ الْعَيْنِ .
وَمِنْ مَقَاصِدِ الْجِمَاعِ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الَّذِي يَضُرُّ بَقَاؤُهُ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَتَكْثِيرُ النَّسْلِ إلَى أَنْ تَتَكَامَلَ الْعِدَّةُ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ ظُهُورَهَا إلَى الْعَالَمِ .
وَكَانَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ يَرَوْنَ الْجِمَاعَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ .
وَمِزَاجُ الْمَنِيِّ حَارٌّ رَطْبٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّمِ الْمُغَذِّي لِلْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلَّا لِشِدَّةِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ يُطْفِئُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَيُشْعِلُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيبَةَ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ وَيُضْعِفُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيُسِيءُ الْهَضْمَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ وَيُجِفُّ الْأَعْضَاءَ الْأَصْلِيَّةَ وَيُسْرِعُ إلَيْهَا الْهَرَمَ وَالذُّبُولَ وَيُبَرِّدُ الْبَدَنَ وَيُجَفِّفُهُ وَيُضْعِفُهُ وَيُخَلْخِلُهُ وَيَهْرَمُ سَرِيعًا وَيُجَفِّفُ الدِّمَاغَ وَيَضُرُّ بِالْعَصَبِ وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ وَيُورِثُ الرَّعْشَةَ وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَالْكُلَى وَيُهْزِلُهَا ، وَيَضُرُّ مَنْ يَعْتَرِيهِ الْقُولَنْجُ وَوَجَعُ الْمَفَاصِلِ وَمَنْ بِهِ مَرَضٌ

بَارِدٌ وَمَنْ بِهِ جَرَبٌ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يُحَرِّكُ الْمَوَادَّ إلَى خَارِجٍ ، وَالْمَخْمُورُ فَإِنَّهُ يَمْلَأُ الرَّأْسَ بُخَارًا دُخَّانِيًّا وَيَضُرُّ بِالْعَيْنِ وَالْخَاصِرَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَقَدْ قِيلَ : هُوَ نُورُ عَيْنِكَ ، وَمُخُّ سَاقَيْكَ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُلْتَقَطِ الْمَنَافِعِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ .
وَالْأَوْلَى بِالْحَذَرِ مِنْهُ أَصْحَابُ الْأَبْدَانِ النَّحِيفَةِ وَالْأَمْزِجَةِ الْيَابِسَةِ ؛ فَإِنَّهُ يُسْرِعُ بِهِمْ إلَى الذُّبُولِ .
وَالْأَبْدَانُ الْبِيضُ الشَّحْمِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ عَنْ الذُّبُولِ إلَّا أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَمْرَاضِ الْعَصَبِ لِكَثْرَةِ الْفُضُولِ .
وَمَنْ مَنِيُّهُ قَلِيلٌ وَدَمُهُ قَلِيلٌ فَشَهْوَتُهُ لَهُ ضَعِيفَةٌ ، وَالْأَقْوَى عَلَيْهِ مَنْ كَثُرَ شَعْرُ أَسْفَلِ بَدَنِهِ مِمَّا يَلِي الْعَانَةَ وَالْفَخِذَيْنِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَرَارَةِ مِزَاجِ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْقَضِيبِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْهُ حَذَرَ الْعَدُوِّ الشَّيْخُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْكَهْلُ وَمَنْ فَقَدَ شَعْرَ إبْطَيْهِ لِكِبَرِهِ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ وَنَسْلُهُ ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِلَّ إخْرَاجَ الدَّمِ وَالتَّعَبَ وَالْحَمَّامَ وَيَزِيدَ فِي الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ وَالنَّوْمِ وَالطِّيبِ وَالِادِّهَانِ ، وَلْيَتَنَقَّلْ بِاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالسُّكَّرِ وَيَتَعَاهَدُ مَا يُكَثِّرُ الْمَنِيَّ .
وَالْأَغْذِيَةُ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ ، وَاَلَّذِي يَجْمَعُ ذَلِكَ مَا لَهُ غِلَظٌ وَرُطُوبَةٌ فَضْلِيَّةٌ وَحَرَارَةٌ ، وَاجْتَمَعَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَمْضِ وَاللِّفْتِ وَالْجَزَرِ ، وَمَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ بَعْدَهُ جِدًّا يَتَدَارَكُ بِالْأَغْذِيَةِ السَّرِيعَةِ النُّفُوذَ كَاللَّحْمِ الْمُطَيَّبِ وَالْبِيضِ النِّيمَرِشْتِ .
قَالَ جَالِينُوسُ : الْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْقُوَّةُ قَوِيَّةً يَنْفَعُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيَّةِ ، وَمِنْ مَنَافِعِهِ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَالَيْخُولِيَا وَطَرَبُ النَّفْسِ وَقُوَّةُ النَّشَاطِ وَيُخَفِّفُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْحَوَاسِّ وَإِزَالَةُ

دَاءِ الْعِشْقِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ النَّفْسِ وَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَنْفَعُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ ، وَقَدْ رَغَّبَ الشَّرْع فِيهِ ، وَحَضَّ عَلَيْهِ ، وَأَمَرَ بِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَخْبَارِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ .
وَمِمَّا يَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ اللَّوْزُ الْحُلْوُ وَالْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ وَحَبُّ الصَّنَوْبَرِ وَالسُّكَّرُ وَالسِّمْسِمُ الْمَقْشُورُ وَلُبْسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ وَكَثْرَةُ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْعِنَبُ الْحُلْوُ وَالتِّينُ وَصُفْرَةُ الْبَيْضِ وَلِسَانُ الْعَصَافِيرِ ، وَالدَّارَصِينِيّ ، وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْمَسُ فِيهِ الْحَدِيدُ الْمَحْمِيُّ وَسَمْنُ الْبَقَرِ وَالْعَصَافِيرُ وَالْعَسَلُ وَالْهِلْيُونُ وَاللَّبَنُ الْحَلِيبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَلَا يَدَعُ الْجِمَاعَ دَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ .
وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ : مَنْ هَجَرَهُ ضَعُفَتْ قُوَى أَعْضَائِهِ وَاسْتَدَّتْ مَجَارِيهَا وَتَقَلَّصَ ذَكَرُهُ ، وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً تَرَكُوهُ لِنَوْعٍ مِنْ التَّقَشُّفِ فَبَرَدَتْ أَبْدَانُهُمْ ، وَعَسُرَتْ حَرَكَاتُهُمْ ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ كَآبَةٌ وَقَلَّتْ شَهَوَاتُهُمْ وَهَضْمُهُمْ ، وَأَنْفَعُ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْهَضْمِ عِنْدَ اعْتِدَالِ الْبَدَنِ ، وَشِدَّةِ الشَّهْوَةِ لَا مَعَ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ يَنْبَغِي لِحَاجَةِ الْبَدَنِ إلَيْهِ لَا لِشَوْقِ النَّفْسِ إلَيْهِ .
وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَدْنَى شَوْقٍ وَإِلَّا فَإِذَا أَشْتَدَّ شَوْقُهُ ضَرَّهُ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ .
وَلَا يَنْبَغِي الْجِمَاعُ عَلَى الْجُوعِ فَإِنَّهُ يُوقِعُ فِي الدِّقِّ وَلَا عَلَى الِامْتِلَاءِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْهَضْمَ مَعَ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْجُوعِ وَلَا عَلَى عَطَشٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَقِبَ سَهَرٍ أَوْ تَعَبٍ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ عَقِبَ إسْهَالٍ .
وَمِمَّا يُضْعِفُ الْبَاءَةَ كُلُّ حَارٍّ لَطِيفٍ مِنْ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ كَالسَّذَابِ وَنَحْوِهِ ، وَكُلُّ قَوِيِّ التَّجْفِيفِ يَابِسٍ كَالْأَرُزِّ وَالْعَدَسِ ، وَكُلُّ بَارِدٍ مُجَمِّدٍ لِلْمَنِيِّ

كَالنَّيْلُوفَرِ وَالْخِلَافِ وَالْوَرْدِ وَالْأَشْيَاءِ الْقَابِضَةِ وَالْحَامِضَةِ وَالْمُزَّةِ كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالْخَلِّ ، وَشَرُّهَا مَا جَمَعَ إلَى الْحُمُوضَةِ قَبْضًا مِثْلُ الْحِصْرِمِ وَالسُّمَّاقِ وَالرُّمَّانِ وَالْحَامِضِ ، وَكُلُّ مَالَهُ مَائِيَّةٌ كَثِيرَةٌ بَارِدَةٌ مِنْ الْبُقُولِ كَالْخَسِّ وَالْقَرْعِ وَبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ وَهِيَ الفرفحين وَالطَّرْخُونُ وَالْهِنْدَبَا وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالتَّخَمُ وَإِتْيَانُ الْحَائِضِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الَّتِي لَا شَهْوَةَ لَهَا وَالْكَرِيهَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْمَرِيضَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْحَائِلِ الَّتِي لَمْ تُؤْتَ زَمَانًا طَوِيلًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْعَاقِرِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَجِمَاعُ الثَّيِّبِ أَنْفَعُ مِنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ وَأَحْفَظُ لِلصِّحَّةِ ؛ وَعُلِّلَ بِأَنَّ جِمَاعَ الْبِكْرِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُنَّ يُضْعِفُ قُوَّةَ أَعْضَاءِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْبِكْرِ مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ بَخْتَيَشُوعَ وَغَيْرُهُ : وَطْءُ الْحَائِضِ يُوَلِّدُ الْجُذَامَ .
قَالَ جَالِينُوسُ فِي النَّيْلُوفَرِ خَاصِّيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْمَنِيِّ فَشَمُّهُ يُضْعِفُهُ وَشُرْبُهُ يَقْطَعُهُ ، وَقَالَ : الْإِكْثَارُ مِنْ إدْرَارِ الْبَوْلِ يَنْقُضُ الْبَاءَةَ ؛ لِأَنَّهُ يُهْزِلُ الْكُلَى وَمَنْ يَعْتَرِيه عَقِبَهُ نَافِضٌ فَمِنْ الْمُرَارِ الْأَصْفَرِ ، وَمَنْ تَأْتِيه رَعْشَةٌ فَيُقَوِّي دِمَاغَهُ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالطُّيُورِ الْحَارَّةِ ، وَمَنْ يَرْتَفِعُ إلَى رَأْسِهِ بُخَارٌ فَيَصْعَدُ فَيُقَوِّي رَأْسَهُ بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ الْبَارِدِ .
قَالَ أَبُقْرَاطُ : السِّمَانُ لَا يَشْتَهُونَ الْبَاءَةَ وَلَا يَقْوُونَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ ، قَالَ : وَالْمُقْعَدُونَ أَكْثَرُ جِمَاعًا لِقِلَّةِ تَعَبِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَمْشُونَ كَثِيرًا وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ حَارًّا رَطْبًا انْتَفَعَ بِالْجِمَاعِ لِكَثْرَةِ الْمَنِيِّ الْمُتَوَلِّدِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ تَعَفَّنَ

وَوَلَّدَ أَمْرَاضًا .
وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ حَارًّا يَابِسًا كَانَ كَثِيرَ الشَّبَقِ إلَّا أَنَّهُ يَمَلُّ الْجِمَاعَ سَرِيعًا بِسَبَبِ قِلَّةِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَنِيِّ لِغَلَبَةِ الْيُبْسِ ، وَهَذَا مَتَى جَامَعَ كَثِيرًا اسْتَضَرَّ بِهِ ، وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ بَارِدًا رَطْبًا كَانَتْ نَهْضَتُهُ إلَى الْجِمَاعِ بَطِيئَةً ، وَهَذَا يَسْتَضِرُّ بِالْجِمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ مِزَاجُهُمَا بَارِدًا يَابِسًا كَانَ عَدِيمَ الشَّهْوَةِ بِالْجُمْلَةِ .
وَمَادَّةُ الْمَنِيِّ مِنْ الْهَضْمِ الرَّابِعِ ، وَنَقْضُ الْمَنِيِّ مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ ، وَعَدَمُ انْتِشَارِ الذَّكَرِ ، وَقُوَّةُ حَرَكَتِهِ مِنْ قِبَلِ الْقَلْبِ ، وَفَقْدُ شَهْوَةِ الذَّكَرِ مِنْ قِبَلِ الْكَبِدِ .
وَأَحْرَصُ مَا يَكُونُ أَشَدُّ غِلْمَةً إذَا احْتَلَمَ ، وَكُلَّمَا دَخَلَ فِي السِّنِّ نَقَصَ ذَلِكَ ، وَالْمَرْأَةُ يَشْتَدُّ حِرْصُهَا عَلَى ذَلِكَ حِين تَكْتَهِلُ ، وَلِلْأَطِبَّاءِ قَوْلَانِ أَيُّهُمَا أَشَدُّ شَهْوَةً الرِّجَالُ أَمْ النِّسَاءُ ؟ وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { فُضِّلَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ اللَّذَّةِ أَوْ قَالَ مِنْ الشَّهْوَةِ ، لَكِنَّ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ } وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : قَالَ فَقِيهٌ : شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ أَجْزَاءٍ ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ : لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ وَيَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنْ الْإِمَاءِ .
وَلَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَجُلٍ ، وَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ الرُّبُعُ وَحَاشَا حِكْمَتَهُ أَنْ تَضِيقَ عَلَى الْأَحْوَجِ .
وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الْجِمَاعِ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ مُقَدِّمَاتُهُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُدَاعَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَتَحَرَّكَ الشَّهْوَةُ مِنْهَا .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ : أَنَّ الرَّجُلَ إذَا فَرَكَ حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ اغْتَلَمَتْ ثُمَّ يَعْلُوهَا مُسْتَفْرِشًا لَهَا قَالَ تَعَالَى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } وَهَذِهِ الْحَالُ أَسْبَغُ اللِّبَاسِ

وَأَكْمَلُهُ .
وَأَمَّا عُلُوُّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ فَخِلَافُ مُقْتَضَى الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ وَهُوَ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ قَالُوا : يُورِثُ الْأُدْرَةَ وَالِانْتِفَاخَ وَقُرُوحَ الْإِحْلِيلِ وَالْمَثَانَةِ ؛ لِأَجْلِ مَا يَسِيلُ مِنْ مَنِيِّهَا وَيَدْخُلُ الْإِحْلِيلَ وَهُوَ حَارٌّ ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إنَّمَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ عَلَى حَرْفٍ : وَيَقُولُونَ هُوَ أَسْتَرُ لِلْمَرْأَةِ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تُشَرِّحُ النِّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنَّ فَعَابَتْ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْمَرْأَةِ تَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهَا ، وَقَالَ : يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ حَالِ الْمُجَامَعَةِ مَعَ أَنَّ كَرَاهَتَهُ ، تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ : أَنَّ الْجِمَاعَ عَلَى جَنْبٍ مُضِرٌّ رُبَّمَا أَوْرَثَ وَجَعَ الْكُلَى وَأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ قُعُودٍ يَضُرُّ بِالْعَصَبِ .
قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ : وَمَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى وَطِئَ أَهْلَهُ فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْتَبَلًا فَلَا يَلُومَنِّ إلَّا نَفْسَهُ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي بَقَاءِ الْبَدَنِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْغِذَاءِ فَضْلَةٌ عِنْدَ كُلِّ هَضْمٍ فَيَجْتَمِعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ شَيْءٌ يَضُرُّ الْبَدَنَ بِثِقَلِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ اسْتَفْرَغَ بِدَوَاءٍ تَأَذَّى الْبَدَنُ بِهِ إمَّا بِسُمْنَةٍ أَوْ لِإِخْرَاجِهِ صَالِحًا مُنْتَفَعًا بِهِ ، وَقَدْ يَضُرُّ بِكَيْفِيَّتِهِ بِأَنْ يَسْخَنَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْعَفَنِ أَوْ يَبْرُدَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُضْعِفَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ عَنْ إنْضَاجِهِ ، وَالْحَرَكَةُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي مَنْعِ تَوَلُّدِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تُسَخِّنُ الْأَعْضَاءَ وَتُسِيلُ فَضَلَاتِهَا فَلَا تَجْتَمِعُ ، وَتُعَوِّدُ الْبَدَنَ الْخِفَّةَ وَالنَّشَاطَ

وَتَجْعَلُهُ قَابِلًا لِلْغِذَاءِ وَتُصَلِّبُ الْمَفَاصِلَ وَتُقَوِّي الْأَوْتَارَ وَالرِّبَاطَاتِ .
وَتُؤْمَنُ جَمِيعُ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَأَكْثَرُ الْمِزَاجِيَّةِ إذَا اسْتَعْمَلَ الْقَدْرَ الْمُعْتَدِلَ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ وَكَانَ بَاقِي التَّدْبِيرِ صَوَابًا ، وَوَقْتُ الرِّيَاضَةِ بَعْدَ انْحِدَارِ الْغِذَاءِ وَكَمَالِ الْهَضْمِ ، وَالرِّيَاضَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي تَحْمَرُّ فِيهَا الْبَشَرَةُ وَتَرْبُو وَيَتَنَدَّى بِهَا الْبَدَنُ ، فَأَمَّا الَّذِي يَلْزَمُهَا سَيَلَانُ الْعَرَقِ فَمُفْرِطَةٌ .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ : وَكُلُّ عُضْوٍ يَقْوَى بِالرِّيَاضَةِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرِّيَاضَةِ ، بَلْ كُلُّ قُوَّةٍ .
فَهَذَا شَأْنُهَا فَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ ، وَمِنْ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ ، فَلِلصَّدْرِ الْقِرَاءَةُ فَيَبْتَدِئُ فِيهَا مِنْ الْخُفْيَةِ إلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ ، وَرِيَاضَةُ السَّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ ، وَالْكَلَامِ بِالتَّدْرِيجِ فَيَنْتَقِلُ مِنْ الْأَخَفِّ إلَى الْأَثْقَلِ ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ وَقَدْ سَبَقَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ .
وَرِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَرَمْيِ النُّشَّابِ وَالصِّرَاعِ .
وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ رِيَاضَةُ الْبَدَنِ كُلِّهِ ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِقَاءِ وَالْقُولَنْجِ .
وَرِيَاضَةُ النُّفُوسِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّأَدُّبِ ، وَالْفَرَحِ ، وَالصَّبْرِ ، وَالثَّبَاتِ وَالْإِقْدَامِ وَالسَّمَاحَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ ، وَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَ عَادَةً وَطَبِيعَةً ثَانِيَةً .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الْعَوَائِدَ طَبَائِعُ ثَوَانٍ ، وَمِنْ أَبْلَغِ ذَلِكَ وَأَنْفَعِهِ الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ .
وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذِي النُّونِ وَتَضَمُّنِهِ عِلَاجَ زَوَالِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ

فِي الصَّبْرِ نَحْوَ نِصْفِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْكَلَامِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَالزُّهْدِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الصَّوْمِ وَالْجُوعِ فِي ذِكْرِ الْحِمْيَةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إذَا نَامَ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ } قَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرَهُ ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ .
وَهَذِهِ الْعُقَدُ قِيلَ : حَقِيقَةٌ كَعُقَدِ السِّحْرِ ، وَقِيلَ : هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ ، فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ بِبَقَاءِ اللَّيْلِ ، وَقِيلَ : هُوَ مَجَازٌ كَنَّى بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَإِلَّا دَخَلَ فِيمَنْ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ : وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَعْضِ ذَلِكَ ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي بَاتَ عِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ إذَا اسْتَيْقَظَ وَيُصَلِّي قَبْلَ نَوْمِهِ مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلِهَذَا كَانَتْ التَّرَاوِيحُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا خَلْقٌ ، فَلَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَدُعَاءٍ حَتَّى تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، أَوْ اشْتَغَلَ بِرِبَاطٍ

أَوْ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، أَوْ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ } فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُصْبِحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ .
فَإِنْ قِيلَ فَفِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ { : أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ : ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ ، أَوْ قَالَ : فِي أُذُنَيْهِ } فَلَمْ يُعْذَرْ بِالنَّوْمِ ، قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي رَجُلٍ خَاصٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ الْعِشَاءِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ هُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ .
وَلَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ حُجَّةً فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ، فَيُقَالُ : لَا عُقُوبَةَ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْهُ فَثَبَّطَهُ عَنْ فِعْلِ الْمُبْرَزِينَ فِي الْخَيْرَاتِ بِنَوْمِهِ ، وَأَمَّا هُنَا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ .
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَظُنُّ فِي مُسْلِمٍ وَأَبَا ذَرٍّ فِي النَّسَائِيّ بِالْوَتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ ، وَبِصَلَاةِ الضُّحَى بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِمَا سِوَاهُمْ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ، وَلَا يُظَنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَدَبِ ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا مُسَعَّرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : قَالَ

رَجُلٌ قَالَ مُسَعَّرٌ : أَرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ وَاسْتَرَحْتُ ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا } .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنْبَأَ إسْرَائِيلُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبِي إلَى صِهْرٍ لَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ : يَا جَارِيَةُ ائْتُونِي بِوَضُوءٍ لَعَلِّي أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ فَقَالَ : فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ فَقَالَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يَا بِلَالُ أَقِمْ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ } إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ : وَلَمْ يَقُلْ أَرِحْنَا مِنْهَا .

فَصْلٌ ( فِي الْأَكْحَالِ وَفَضِيلَةِ الْإِثْمِدِ مِنْهَا ) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ : خَيْرُ أَكْحَالِكُمْ الْإِثْمِدُ ، إنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَفْظُهُمْ مِنْ خَيْرِ .
وَابْنُ خُثَيْمَ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فِي عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَفِيهِ { كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ } ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورِ النَّاجِي وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقِيلَ رَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا يَبْتَدِئُ بِهَا وَيَخْتِمُ بِهَا وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ .
وَرَوَى وَكِيعٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَفِي الْيُسْرَى مَرَّتَيْنِ } .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ : لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسُئِلَ أَحْمَدُ الْإِمَامُ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَأَبُوهُ تَفَرَّدَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمُرَوَّحُ الْمُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ .
وَفِي الْكُحْلِ حِفْظُ صِحَّةِ الْعَيْنِ ، وَتَقْوِيَةٌ

لِلنُّورِ الْبَاصِرِ وَجَلَاؤُهَا وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا .
وَعِنْدَ النَّوْمِ أَفْضَلُ لِعَدَمِ الْحَرَكَةِ الْمُضِرَّةِ وَخِدْمَةِ الطَّبِيعَةِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ زِينَةٌ .
وَالْإِثْمِدُ هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ وَأَفْضَلُهُ مَا يَأْتِي مِنْ أَصْفَهَانَ وَيَأْتِي مِنْ الْغَرْبِ أَيْضًا ، وَأَجْوَدُهُ سَرِيعُ التَّفَتُّتِ لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ وَلَا وَسَخَ فِيهِ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَيَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوِّيهَا وَيَشُدُّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحَّتَهَا وَيُذْهِبُ اللَّحْمَ الزَّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيَدْمُلُهَا ، وَيُنَقِّي أَوْسَاخَهَا وَيَجْلُوهَا وَيُذْهِبُ الصُّدَاعَ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيِّ الرَّقِيقِ ، وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا سِيَّمَا لِلْمَشَايِخِ وَمَنْ ضَعُفَ بَصَرُهُ إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِسْكِ وَإِذَا دُقَّ وَخُلِطَ بِبَعْضِ الشُّحُومِ الطَّرِيَّةِ وَلُطِخَ عَلَى حَرْقِ النَّارِ لَمْ يُعَوَّضْ فِيهِ خشكريشة وَنَفَعَ مِنْ النَّقْطِ الْحَادِثِ بِسَبَبِهِ .

فَصْلٌ ( فِي الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَفَائِدَتِهَا فِي الصِّحَّةِ ) .
وَلِلرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ أَثَرٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا غِذَاءُ الرُّوحِ ، وَالرُّوحُ مَطِيَّةُ الْقُوَى ، وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطِّيبِ وَهُوَ يَنْفَعُ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ كَالدِّمَاغِ وَالْقَلْبِ وَيَسُرُّ النَّفْسَ ، وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرُّوحِ وَأَشَدُّهُ مُلَاءَمَةً ، وَلِهَذَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبَخَّرَ { بِالْأَلْوَةِ } بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا ، وَهِيَ الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَهَا .
وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَطَّيَّبُ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ ، } وَفِي الصَّحِيحِ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ لِإِحْرَامِهِ وَلِحِلِّهِ مِنْهُ بِالْمِسْكِ } .
رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى الْقُومِسِيُّ عَنْ عَفَّانَ عَنْ سَلَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { حُبِّبَ إلَى مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ عَنْ سَلَامٍ .
وَسَلَامٌ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : صَدُوقٌ .
وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ حَدِيثُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ أَيْضًا .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَيَّارِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ } .
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ { : مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ ؛ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ

أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ } وَرَوَى هَؤُلَاءِ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمِسْكِ : هُوَ أَطْيَبُ طِيبِكُمْ } وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ وَتَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ ، وَالشَّيَاطِينُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ عَكْسُهُمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ { إنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ } أَيْ : بِالشَّيَاطِينِ .
وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ، فَنَظِّفُوا أَفْنَاءَكُمْ وَسَاحَاتِكُمْ ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ يَجْمَعُونَ الْأَكْبَاءَ فِي دُورِهِمْ } الْكِبَا بِكَسْرِ الْكَافِ مَقْصُورٌ : الْكُنَاسَةُ ، وَالْجَمْعُ الْأَكْبَاءُ مِثْلُ : مِعًى وَأَمْعَاءَ ، وَالْكُبَةُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ كُبُونَ .

ذِكْرُ أَنْوَاعِ مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ شَمًّا أَوْ بَخُورًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : أَظْفَارُ الطِّيبِ هِيَ أَظْفَارٌ تُشْبِهُ الْأَظْفَارَ عَطِرَةُ الرَّائِحَةِ ، حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، مُلَطِّفٌ إذَا تَبَخَّرَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ ، وَدُخَانُهُ يَنْفَعُ مَنْ بِهَا اخْتِنَاقُ الرَّحِمِ ، وَإِذَا شُرِبَ حَرَّكَ الْبَطْنَ .
( بَانٌ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : حَرَارَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : رَطْبٌ وَقِيلَ قِشْرُهُ قَابِضٌ .
وَهُوَ يَجْلُو وَيَقْطَعُ وَيَقْلَع الثَّآلِيلَ وَالْكَلَفَ وَالْبَهَقَ وَيَنْفَعُ الْأَوْرَامَ الصُّلْبَةَ مَعَ الْمَرْهَمِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَالْبُثُورِ ، وَيُسَخِّنُ الْعَصَبَ وَيَقْطَعُ الرُّعَافَ بِقَبْضِهِ وَيَفْتَحُ سَدَدَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ، وَيُلَيِّنُ صَلَابَتَهُمَا ضِمَادًا مَعَ دَقِيقِ الْكِرْسِنَّةِ وَيَنْفَعُ مِنْ السَّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْهُ يُسَهِّلُ الْبَلْغَمَ وَهُوَ يُؤْذِي الْمَعِدَةَ وَيُغْثِي وَيُصْلِحُهُ الرازيانج وَبَدَلُهُ وَزْنُهُ فُوهُ ، وَنِصْفُ وَزْنِهِ قُشُورُ السَّلِيخَةِ وَعُشْرُ وَزْنِهِ بَسْبَاسَةٌ .
( الْبَنَفْسَجُ ) بَارِدٌ فِي الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الثَّالِثَةِ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَيُسَكِّنُ الصُّدَاعَ الْحَارَّ .
( رَيْحَانٌ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [ الْوَاقِعَةَ ] .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ } .
وَسَبَقَ الْحَدِيثُ عَنْهُ ، وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا ، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ ، وَفَاكِهَةٍ وَخَضِرَةٍ وَحَبْرَةٍ وَنِعْمَةٍ فِي مَحِلِّهِ ، عَالِيَةٌ بَهِيَّةٌ .
قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ

قَالَ : قُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَقَالَ الْقَوْمُ : إنْ شَاءَ اللَّهُ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
أَهْلُ الْمَغْرِبِ يَخُصُّونَ الرَّيْحَانَ بِالْآسِ وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ الرَّيْحَانِ ، وَهُوَ بَارِدٌ فِي الْأَوَّلِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالْأَكْثَرُ فِيهِ الْجَوْهَرُ الْأَرَاضِي الْبَارِدُ وَفِيهِ مَعَ هَذَا شَيْءٌ حَارٌّ لَطِيفٌ ، فَهُوَ لِذَلِكَ يُجَفِّفُ تَجْفِيفًا قَوِيًّا ، قُوَّتُهُ قَابِضَةٌ حَابِسَةٌ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ مَعًا ، قَاطِعٌ لِلْإِسْهَالِ الصَّفْرَاوِيِّ ، وَهُوَ يُنَشِّفُ الرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَالْقَلْبَ ، وَيُذْهِبُ الْخَفَقَانَ وَيُوَلِّدُ السَّهَرَ ، إصْلَاحُهُ بِالْبَنَفْسَجِ الطَّرِيِّ نَافِعٌ لِلْبُخَارِ الْحَارِّ الرَّطْبِ إذَا شُمَّ وَأُكِلَ حَبُّهُ ، وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ جِدًّا وَشَمُّهُ نَافِعٌ لِلْوَبَاءِ ، وَكَذَلِكَ افْتِرَاشُهُ فِي الْبَيْتِ ، وَيُبْرِئُ الْأَوْرَامَ الْحَادِثَةَ فِي الْحَالِبَيْنِ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا ، وَإِذَا دُقَّ وَرَقُهُ غَضًّا وَضُرِبَ بِالْخَلِّ وَوُضِعَ عَلَى الرَّأْسِ قَطَعَ الرُّعَافَ ، وَإِذَا سُحِقَ وَرَقُهُ الْيَابِسُ وَذُرَّ عَلَى الْقُرُوحِ ذَوَاتِ الرُّطُوبَةِ نَفَعَهَا ، وَتَقْوَى الْأَعْضَاءُ الْوَاهِنَةُ إذَا ضُمِّدَ بِهِ ، وَيَنْفَعُ الدَّاحِسَ وَفِي الْآبَاطِ وَالْأُرْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا الْمُتَغَيِّرِ الرَّائِحَةِ ، وَيَقْطَعُ عَرَقَ مَنْ بِهِ خَفَقَانٌ وَيُقَوِّيهِ .
وَيُؤْكَلُ حَبُّهُ رَطْبًا وَيَابِسًا لِنَفْثِ الدَّمِ ، وَطَبِيخُ ثَمَرِهِ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ ، وَحَبُّهُ صَالِحٌ لِلسُّعَالِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَلَاوَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَلَيْسَ بِضَارٍّ لِلصَّدْرِ وَلَا الرِّئَةِ .
قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ ذَاهِبٌ بِالْقَيْءِ وَلَيْسَ فِي الْأَشْرِبَةِ مَا يَعْقِلُ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الرِّئَةِ وَالسُّعَالِ غَيْرُ شَرَابِهِ ، وَإِذَا جُلِسَ فِي طَبِيخِهِ نَفَعَ مِنْ خُرُوجِ الْمَقْعَدَةِ وَالرَّحِمِ وَمِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ ، وَإِذَا صُبَّ عَلَى كَسُوَرِ الْعِظَامِ الَّتِي لَمْ تُلْحَمُ

نَفَعَهَا .
وَيَجْلُو قُشُورَ الرَّأْسِ وَبُثُورَهُ .
وَيُمْسِكُ الشَّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَيُسَوِّدُهُ إذَا دُقَّ وَرَقُهُ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَسِيرٌ وَخُلِطَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ زَيْتِ أَوْ دُهْنِ الْوَرْدِ وَضُمِّدَ بِهِ وَافَقَ الْقُرُوحَ الرَّطْبَةَ وَالنَّمِلَةَ وَالْجَمْرَةَ وَالْأَوْرَامَ الْحَارَّةَ وَالْبِئْرَةَ وَالْبَوَاسِيرَ ، وَهُوَ مُدِرٌّ لِلْبَوْلِ نَافِعٌ مِنْ لَدْغِ الْمَثَانَةِ وَعَضِّ الرتيلا وَلَسْعِ الْعَقْرَبِ ، وَرَقُهُ يَمْنَعُ سَيَلَانَ الْفُضُولِ إلَى الْمَعِدَةِ ، وَلْيُحْذَرْ التَّحَلُّلُ بِعُرْفِهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ لَحْمَ الْفَمِ وَيُهَيِّجُ الدَّمَ ، وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ يُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ } ، وَمِنْ الْخَوَاصِّ أَنَّهُ إذَا اُتُّخِذَتْ حَلْقَةٌ مِثْلُ الْخَاتَمِ مِنْ قَضِيبِ الْآسِ الطَّرِيِّ وَأُدْخِلَ فِيهَا خِنْصَرُ الرَّجُلِ الَّذِي فِي أَرْنَبَتِهِ وَرَمٌ سَكَّنَهُ ، وَمِنْ الْمُجَرَّبِ أَنْ يُؤْخَذَ عُودٌ مِنْ آسٍ وَيُحْرَقَ طَرَفُهُ وَيُوضَعَ عَلَى طَرَفِ الدُّمَّلِ أَوَّلَ مَا يَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَا يَتَزَيَّدُ .
وَأَمَّا الْآسُ الْمُعْتَصَرُ وَالْمُسْتَقْطَرُ فَقَطَعَ الْعَرَقَ ، وَإِذَا جُفِّفَ وَرَقُهُ وَبُخِّرَتْ بِهِ الْبَوَاسِيرُ الْبَارِزَةُ أَضْمَرَهَا وَشُفِيَ مِنْهَا ، وَإِنْ خُلِطَ مَعَهُ سندروس كَانَ أَقْوَى ، وَإِذَا طُبِخَ حَبُّهُ فِي زَيْتِ إنْفَاقٍ وَيُدَّهَنُ بِهِ قَطَعَ الْعَرَقَ الْكَثِيرَ وَأَصْلَحَ نَسِيمَ الْعَرَقِ .
وَالْآسُ يُقَوِّي الْعَيْنَ وَيَقْطَعُ دَمْعَتَهَا وَيَمْنَعُ مَا يَنْحَدِرُ إلَيْهَا إذَا طُلِيَ عَلَى الْجَبْهَةِ .
( وَأَمَّا الرَّيْحَانُ غَيْرُ الْآسِ فَيُطْلَقُ عَلَى الْحَبَقِ ) قَالَ بَعْضُهُمْ : أَهْلُ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ يَخُصُّونَهُ بِهِ .
قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : قِيلَ هُوَ وَرَقُ الْخِلَافِ وَهُوَ جَبَلِيٌّ وَبُسْتَانِيٌّ وَنَهْرِيٌّ ، وَهُوَ نَبَاتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ جَيِّدُ الطَّعْمِ مُرَبَّعُ السَّاقِ ، وَرَقُهُ نَحْوُ وَرَقِ الْخِلَافِ : وَالْجَبَلِيُّ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ ، وَالْبُسْتَانِيُّ حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى ، وَالنَّهَرِيُّ أَقْوَى أَنْوَاعِهِ وَهُوَ يَذْهَبُ

بِنَفْخِ الْعَدَسِ وَالْبَاقِلَّا إذَا خُلِطَ بِهِ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا أُكِلَ مَعَ التِّينِ حَبُّهُ .
وَقَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : رَيْحَانُ هُوَ الشاهسفرم أَجْوَدُهُ الصُّغْرَى حَارٌّ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ وَقِيلَ بَارِدٌ ، وَهُوَ يُحَلِّلُ الْفَضَلَاتِ مِنْ الدِّمَاغِ وَيَمْلَأُ الدِّمَاغَ الْبَارِدَ بُخَارًا وَإِصْلَاحُهُ بِالنَّيْلُوفَرِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيُّ الَّذِي يُسَمَّى الْحَبَقُ قِيلَ حَارٌّ يَنْفَعُ شَمُّهُ مِنْ الصُّدَاعِ الْحَارِّ إذَا رُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُبَرَّدُ وَيُرَطَّبُ بِالْغَرَضِ ، وَقِيلَ بَارِدٌ وَقِيلَ رَطْبٌ وَقِيلَ يَابِسٌ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَبَذْرُهُ حَابِسٌ لِلْإِسْهَالِ الصَّفْرَاوِيِّ مُقَوٍّ لِلْقَلْبِ نَافِعٌ لِلْأَمْرَاضِ السَّوْدَاوِيَّةِ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ : الرَّيْحَانُ كُلُّ نَبْتٍ مَشْمُومٍ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ .
وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَطُولُ .
( سُكٌّ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ نَابِضٌ مُقَوٍّ لِلْأَحْشَاءِ وَفِي الطِّيبِ مِنْهُ تَحْلِيلٌ وَتَفْتِيحٌ ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِأَوْجَاعِ الْمَفَاصِلِ ، وَقِيلَ : يَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ الطَّبْعَ إذَا ضُمِّدَ بِهِ الْبَطْنُ وَيَمْنَعُ النَّزِيفَ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْقَلْبِ ، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَشَمُّهُ يُصَدِّعُ الرَّأْسَ الْحَارَّ ، وَيُصْلِحُهُ الْكَافُورُ .
( سُنْبُلُ الطِّيبِ ) حَارٌّ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : فِي أَوَّلِ الثَّالِثَةِ مُفَتِّحٌ مُحَلِّلٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ غَسُولٌ لِلْيَدِ طَيِّبٌ وَذَرِيرَتُهُ تَمْنَعُ الْعَرَقَ وَهُوَ يُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ وَيُقَوِّي الدِّمَاغَ وَيُثَبِّتُ أَهْدَابَ الْعَيْنَيْنِ ، إذَا وَمَعَ فِي الْأَكْحَالِ وَيَنْفَعُ الْخَفَقَانَ وَيُنَقِّي الصَّدْرَ وَالرِّئَةَ وَيَفْتَحُ سَدَدَ الْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ وَيُقَوِّيهِمَا ، وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَمْنَعُ مِنْ الْيَرْقَانِ وَوَجَعِ الطِّحَالِ ، وَيُمْسِكُ الطَّبْعَ ، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ دِرْهَمٌ .
( الْعَنْبَرُ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ

يَنْفَعُ الْمَشَايِخَ ، مُلَطِّفٌ نُسْخَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ وَالْحَوَاسَّ وَالْقَلْبَ تَقْوِيَةً عَجِيبَةً وَيَزِيدُ فِي الرُّوحِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مُقَوٍّ لِجَوْهَرِ كُلِّ رُوحٍ فِي الْأَعْضَاءِ ، وَإِذَا تَبَخَّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ الزُّكَامِ وَالصُّدَاعِ وَالشَّقِيقَةِ الْبَارِدَةِ .
وَأَجْوَدُ أَلْوَانِهِ الْأَشْهَبُ ثُمَّ الْأَزْرَقُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ .
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عُنْصُرِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَيَضُرُّ مَنْ يَعْتَادُهُ الْمَاشِرُ وَيُصْلِحُهُ الْكَافُورُ وَالْخِيَارُ .
( غَالِيَةٌ ) تُلَيِّنُ الْأَوْرَامَ الصُّلْبَةَ وَمَعَ دُهْنِ الْبَانِ تُقَطَّرُ فِي الْأُذُنِ الْوَجِعَةِ وَشَمُّهَا يَنْفَعُ الْمَصْرُوعَ وَيُنْعِشُهُ وَلِلْمَسْكُوتِ ، وَتُسَكِّنُ الصُّدَاعَ الْبَارِدَ وَشَمُّهَا يُفْرِحُ الْقَلْبَ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الرَّحِمِ الْبَارِدَةِ حُمُوًّا وَمِنْ أَوْرَامِهَا الصُّلْبَةِ وَالْبَلْغَمِيَّةِ وَتُدِرُّ الْحَيْضَ وَتَنْفَعُ مِنْ اخْتِنَاقِ الرَّحِمِ وَيُنَقِّيهَا وَيُهَيِّئُهَا لِلْحَبَلِ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مِسْكٍ وَسُكٍّ وَمِثْلِ نِصْفِ الْمِسْكِ عَنْبَرٌ وَيُخْلَطُ الْجَمِيعُ بِدُهْنِ بَانٍ أَوْ دُهْنِ النَّيْنُوفَرِ وَالْعُودُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَمِزَاجُهُ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَيَضُرُّ شَمُّهُ بِأَمْرَاضِ الدِّمَاغِ الْحَارِّ وَمَضْغُهُ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ ، وَأَجْوَدُهُ الْهِنْدِيُّ ثُمَّ الصِّينِيُّ ثُمَّ الْقَمَارِيّ بِفَتْحِ الْقَافِ ثُمَّ الْمَذَرِيُّ وَأَجْوَدُهُ الْأَسْوَدُ وَالْأَزْرَقُ الصُّلْبُ ، وَأَقَلُّهُ جَوْدَةً مَا خَفَّ وَطَفَا عَلَى الْمَاءِ وَفِي خَلْطِ الْكَافُورِ بِهِ إصْلَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَفِي التَّبَخُّرِ وَهُوَ التَّجَمُّرُ مُرَاعَاةُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ وَإِصْلَاحُهُ .
فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْبَدَنِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْعُودِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ .
( الْفَاغِيَةُ ) وَالْفَغْوُ نَوْرُ الْحِنَّاءِ وَأَفْغَى النَّبَاتُ أَيْ خَرَجَتْ فَاغِيَتُهُ ، رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { كَانَ أَحَبُّ الرَّيَاحِينِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاغِيَةَ } ، وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ بُرَيْدَةَ يَرْفَعُهُ { سَيِّدُ الرَّيَاحِينِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفَاغِيَةُ } وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ عَنْ سَلْمَانَ .
( زَبَّادُ ) حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ مُعْتَدِلٌ فِي الرُّطُوبَةِ مُحَلِّلٌ يَنْفَعُ لِلصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَيُسَكِّنُ وَجَعَ الْأُذُنِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَوْلِ الْعَارِضِ فِي الْفِرَاشِ مَحْلُولًا بِدُهْنِ بَنَفْسَجٍ أَوْ يُعْمَلُ عَلَى وَرِقِهِ مَقْشُورَةُ فَتِيلَةٍ وَتُحْمَلُ فِي الْقَضِيبِ ، وَإِذَا أُمْسِكَ فِي الْفَمِ جَفَّفَ الْمَنِيَّ وَقِيلَ يُلَذِّذُ الْجِمَاعَ طِلَاءً ، وَفِي عُنْصُرِهِ خِلَافٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ .
( زَعْفَرَانٌ ) حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى فِيهِ قَبْضٌ وَهُوَ مُحَلِّلٌ مُنْضِجٌ يُصْلِحُ الْعُفُونَةَ وَالْبَلْغَمَ وَيُقَوِّي الْأَحْشَاءَ وَيُحَسِّنُ اللَّوْنَ وَيَجْلُو الْبَصَرَ وَالْغِشَاوَةَ وَيُكْتَحَلُ بِهِ لِلزُّرْقَةِ الْمُكْتَسَبَةِ فِي الْأَمْرَاضِ وَيُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ وَيُنَوِّمُ صَاحِبَ الشَّقِيقَةِ وَيُهَيِّجُ الْبَاهَ ، يُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيُسَهِّلُ الْوِلَادَةَ إذَا شُرِبَ بِمُحِّ الْبَيْضِ ، وَيُنْفِذُ الْأَدْوِيَةَ الَّتِي يُخْلَطُ بِهَا إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَى دِرْهَمٍ ، وَهُوَ مُصَدِّعٌ مُضِرٌّ بِالرَّأْسِ مُنَوِّمٌ مُظْلِمٌ لِلْحَوَاسِّ ، وَيُسْقِطُ الشَّهْوَةَ وَيُغْثِي وَيَضُرُّ بِالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهُ الْأَيْنِيسُونَ وَيُقَالُ ثَلَاثَةُ مَثَاقِيلَ مِنْهُ تَقْتُلُ بِالتَّفْرِيحِ .
{ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ لِلرَّجُلِ } قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ .
وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ { مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ } وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { مِسْكٌ أَذْفَرُ } الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ شَافَّتِي الْبِنَاءِ يُمَلَّطُ بِهِ

الْحَائِطُ وَالذَّفَرُ بِالتَّحْرِيكِ كُلُّ رِيحٍ ذَكِيَّةٍ مِنْ طِيبٍ أَوْ دُهْنٍ يُقَالُ مِسْكٌ أَذْفَرُ بَيِّنُ الذَّفَرِ وَقَدْ ذَفِرَ بِالْكَسْرِ يَذْفَرُ ، وَرَوْضَةٌ ذَفِرٌ ، وَالذَّفَرُ الصُّنَانُ وَهَذَا رَجُلٌ ذَفِرٌ أَيْ لَهُ صُنَانٌ وَخُبْثُ رِيحٍ .
( الْقُرُنْفُلُ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَحِدُّ الْبَصَرَ وَيُقَوِّي الْكَبِدَ وَرَائِحَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ الْبَارِدَ وَهُوَ مُفْرِحٌ .
قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُقَوٍّ لِلْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ وَالْقَلْبِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْقَيْءِ وَالْغَثَيَانِ وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى دِرْهَمٍ .
( كَافُورٌ ) بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ يَمْنَعُ الْأَوْرَامَ الْحَادَّةَ وَالرُّعَافَ مَعَ عَصِيرِ الْبَنْجِ أَوْ مَاءِ الْبَاذَرُوجِ وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ الْحَارَّ وَيُقَوِّي حَوَاسَّ الْمَحْرُورِينَ وَيَنْفَعُ فِي أَدْوِيَةِ الرَّمَدِ الْحَارَّةِ ، وَدَانَقٌ مِنْهُ يَنْفَعُ مِنْ الْوَرَمِ الْحَارِّ وَدِرْهَمٌ مِنْهُ يُخَلِّصُ مِنْ مَضَرَّةِ الْعَقْرَبِ الْحَرَّارَةِ مَعَ مَاءِ التُّفَّاحِ الْحَامِضِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُسْرِعُ الشَّيْبَ وَيَقْطَعُ الْبَاءَةَ ، وَيُوَلِّدُ حَصَاةَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ ، وَشَمُّهُ يُسَهِّرُ فِي الْحُمَّيَاتِ : وَيُصْلِحُهُ الْبَنَفْسَجُ وَالنَّيْلُوفَرُ ، وَيُجْعَلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ وَيُصَلِّبُ وَيُبَرِّدُ فَلَا يُسْرِعُ الْفَسَادُ .
( النَّيْلُوفَرُ ) بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ بَرْدُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْبَنَفْسَجِ ، وَقِيلَ بَارِدٌ فِي الثَّالِثَةِ أَصْلُهُ يَنْفَعُ إذَا جُعِلَ عَلَى الْبَهَقِ بِالْمَاءِ ، وَمِنْ الْأَوْرَامِ الْحَادَّةِ ضِمَادًا وَبَزْرُهُ يَمْنَعُ النَّزْفَ ، وَإِذَا غُلِيَ وَصُبَّ عَلَى رَأْسِ مَنْ نَالَهُ حَرَارَةٌ نَفَعَهُ .
قَالَ ابْنُ سِينَا فِي كِتَابِ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ النَّيْلُوفَرُ يَقْرُبُ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ الْكَافُورِ إلَّا أَنَّهُ أَرْطَبُ مِنْهُ وَرُطُوبَتُهُ لِكَثْرَتِهَا تُحْدِثُ لِجَوْهَرِ الرُّوحِ الَّذِي فِي الدِّمَاغِ كَلَالًا وَفُتُورًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى تَرْطِيبٍ وَتَبْرِيدٍ لِيَعْتَدِلَ وَيُعْدَلُ بَرْدُهُ بِالدَّارِ صِينِيٍّ .

وَقَالَ غَيْرُهُ يَقْرَبُ مِنْ الْكَافُورِ الصَّنْدَلُ وَهُوَ بَارِدٌ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ وَالْخَفَقَانِ الْعَارِضِ فِي الْحُمَّيَاتِ الْحَادَّةِ وَلِلْكَبِدِ الْحَارَّةِ وَلِلْفَمِ الْحَارِّ وَالْمُحَرَّكُ مِنْهُ يُفِيدُ الْحَكَّ يَسِيرَ حَرَارَةٍ كَمَا يَسْتَفِيدُ الدَّقِيقُ مِنْ الْعَجْنِ وَإِنْ خُلِطَ مَعَ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ لِتَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَتَبْرِيدِهِمَا نَفَعَ وَيَضُرُّ بِالصَّوْتِ وَيُصْلِحُهُ الْجُلَّابُ وَأَجْوَدُهُ الْمُقَاصِرِيُّ وَقِيلَ الْأَبْيَضُ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ الْأَحْمَرِ ، وَقِيلَ أَضْعَفُ وَالْأَحْمَرُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ بَارِدٌ فِي الثَّالِثَةِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادِّ وَيُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ الْحَادَّةَ وَيُطْلَى عَلَى الْحُمْرَةِ وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ .
( لُبَانٌ ) الَّذِي يُقَالُ لَهُ حَصَى لُبَانٍ وَهُوَ الْكُنْدُرُ حَارٌّ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا يَنْفَعُ مِنْ قَذْفِ الدَّمِ وَنَزْفِهِ وَيَحْبِسُ الْقَيْءَ وَمِنْ وَجَعِ الْمَعِدَةِ وَاسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ وَيَهْضِمُ الطَّعَامَ وَيَطْرُدُ الرِّيَاحَ وَيَجْلُو قُرُوحَ الْعَيْنِ وَيُنْبِتُ اللَّحْمَ فِي سَائِرِ الْقُرُوحِ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ الضَّعِيفَةَ وَيُسَخِّنُهَا وَيُجَفِّفُ الْبَلْغَمَ وَيُنَشِّفُ رُطُوبَاتِ الصَّدْرِ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرِ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنْ الِانْتِشَارِ وَفِيهِ قَبْضٌ يَسِيرٌ وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِلْكِ وَإِذَا مُضِغَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الصَّعْتَرِ الْفَارِسِيِّ جَلَبَ الْبَلْغَمَ وَنَفَعَ مِنْ اعْتِقَالِ اللِّسَانِ وَيَزِيدُ فِي الذِّهْنِ وَيُذْكِيهِ وَإِنْ بُخِّرَ بِهِمَا نَفَعَ مِنْ الْوَبَاءِ وَطَيَّبَ رَائِحَةَ الْهَوَاءِ .
وَيُرْوَى فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَوْ مَوْضُوعٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَخِّرُوا بُيُوتَكُمْ بِاللُّبَانِ } وَهُوَ يُجَوِّدُ الْحِفْظَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ النِّسْيَانَ عَلَيْك بِاللُّبَانِ فَإِنَّهُ يُشَجِّعُ

الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِالنِّسْيَانِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ شُرْبَهُ مَعَ السُّكَّرِ عَلَى الرِّيقِ جَيِّدٌ لِلْبَوْلِ وَالنِّسْيَانِ ، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ النِّسْيَانَ فَقَالَ : عَلَيْكَ بِالْكُنْدُرِ انْقَعْهُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ اشْرَبْهُ عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلنِّسْيَانِ وَهَذَا إذَا كَانَ النِّسْيَانُ حَدَثَ مِنْ الْبَلْغَمِ الرَّطْبِ الَّذِي يَرْبِطُ مُقَدَّمَ الدِّمَاغِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ قَبُولِ مَا يُودِعهُ فِيهِ فَيَبْقَى كَالشَّمْعِ الذَّائِبِ وَلَا يَقْبَلُ الطَّابَعَ وَيَنْفَعُ فِيهِ شَمُّ الْمِسْكِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَجَمِيعِ الطِّيبِ الْحَارِّ وَالتَّغَذِّي فِيهِ بِمَاءِ الْحَمْضِ مَعَ الْخَرْدَلِ وَالْحَسَاءِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ اللَّوْزِ مَعَ الْعَسَلِ وَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ الِانْكِبَابُ عَلَى الْمِيَاهِ اللَّطِيفَةِ الْمُحَلِّلَةِ كَمَاءِ الْبَابُونَجِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ ، وَلِلْكُنْدُرِ خَاصِّيَّةٌ فِي تَجْفِيفِ الدِّمَاغِ وَقُوَّتِهِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْحِفْظِ وَكَذَا الزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى وَيَزِيدُ فِي الْحِفْظِ وَجَوْهَرِ الدِّمَاغِ وَقُوَّتِهِ بِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ .
( النَّارْجِيلُ ) وَهُوَ جَوْزُ الْهِنْدِ وَمَرَقَةُ الدَّجَاجِ وَلَحْمُهَا وَاَلَّذِي يَضُرُّ الذِّهْنَ الْكُسْفُرَةُ الرَّطْبَةُ وَالتُّفَّاحُ الْحَامِضُ وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ الْحَامِضُ وَإِدْمَانُ السُّكَّرِ وَكَثْرَةُ الْهَمِّ وَالْفِكْرِ وَالْغَمِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَالنَّظَرُ فِي الْمَاءِ الْوَاقِفِ وَالْبَوْلُ فِيهِ وَالنَّظَرُ إلَى الْمَصْلُوبِ ، وَقِرَاءَةُ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ ، وَالْمَشْيُ بَيْنَ جَمَلَيْنِ مَقْطُورَيْنِ ، وَإِلْقَاءُ الْقَمْلِ بِالْحَيَاةِ وَحِجَامَةُ النُّقَرَةِ ، وَأَكْلُ سُؤْرِ الْفَأْرِ وَيَكُونُ النِّسْيَانُ مِنْ السَّوْدَاءِ الَّتِي تُيَبِّسُ الدِّمَاغَ وَتُجَفِّفُهُ فَلَا يَقْبَلُ مَا يُودَعُ فِيهِ مِثْلُ الشَّمْعِ الشَّدِيدِ الْيُبْسِ وَالتَّغَذِّي بِلُحُومِ الدَّجَاجِ وَالْجِدَاءِ وَالْخِرْفَانِ وَمَرَقِهِمَا نَافِعٌ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : النِّسْيَانُ عَنْ يُبْسٍ يَتْبَعُهُ سَهَرٌ ، وَحِفْظٌ لِلْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْحَالِيَّةِ ،

وَالنِّسْيَانُ عَنْ رُطُوبَةٍ بِالْعَكْسِ .
( مَرْزَنْجُوشُ ) وَيُسَمَّى الْمَرْدَقُوشَ ، يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ فِي الرَّابِعَةِ وَقِيلَ فِي الثَّالِثَةِ مُلَطِّفٌ يَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ عَنْ بَرْدٍ وَبَلْغَمٍ وَسَوْدَاءَ وَزُكَامٍ وَرِيَاحٍ غَلِيظَةٍ ، وَيَفْتَحُ السَّدَدَ الْحَادِثَةَ فِي الرَّأْسِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَيُحَلِّلُ أَكْثَرَ الْأَوْرَامَ وَالْأَوْجَاعَ الْبَارِدَةَ الرَّطْبَةَ ، وَإِذَا اُحْتُمِلَ آدَر الطَّمْثَ وَأَعَانَ عَلَى الْحَبَلِ ، وَإِذَا طُلِيَ مَاؤُهُ عَلَى الْعُضْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجْمِ مَنَعَ الْآثَارَ الْحَادِثَةَ عَنْ الشَّرْطِ بَعْدَ الْحَجْمِ وَيُطْلَى يَابِسُهُ عَلَى الدَّمِ وَاخْضِرَارُهُ وَخُصُوصًا تَحْتَ الْعَيْنِ فَيُحَلِّلُهُ وَطَبِيخُهُ يَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنْهُ يَنْفَعُ مِنْ الشَّرَى الْبَلْغَمِيِّ وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ عُسْرِ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ ، وَيُضَمَّدُ بِهِ لَسْعُ الْعَقْرَبِ مَعَ الْخَلِّ ، وَدُهْنُهُ نَافِعٌ لِوَجَعِ الظَّهْرِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَيَذْهَبُ بِالْإِعْيَاءِ وَمَنْ أَدَمْنَهُ شَهْرًا يَنْزِلُ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءُ وَإِذَا اسْتَعَطَ بِمَائِهِ مَعَ دُهْنِ اللَّوْزِ الْمُرِّ فَتَحَ سَدَدَ الْمَنْخَرَيْنِ وَنَفَعَ مِنْ الرِّيحِ الْعَارِضَةِ فِيهِمَا وَفِي الرَّأْسِ ، وَذَكَرَ حُنَيْنٌ أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَثَانَةِ وَأَنَّهُ يُصْلِحُهُ بَزْرُ الْبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ .
( الْمِسْكُ ) قَالَ تَعَالَى : { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ } وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَيَسُرُّ النَّفْسَ وَيُقَوِّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ جَمِيعًا شُرْبًا وَشَمًّا وَالظَّاهِرَةَ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَافِعٌ لِلْمَشَايِخِ وَالْمَبْرُودِينَ لَا سِيَّمَا زَمَنَ الشِّتَاءِ جَيِّدٌ لِلْغَشْيِ وَالْخَفَقَانِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ بِإِنْعَاشَةِ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَيَجْلُو بَيَاضَ الْعَيْنِ وَيُنَشِّفُ رُطُوبَتَهَا وَيُنَفِّسُ الرِّيَاحَ مِنْهَا وَمِنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَيُبْطِلُ عَمَلَ السُّمُومِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي وَيُوَصِّلُ الْأَدْوِيَةَ إلَى دَاخِلِ طَبَقَاتِ الْعَيْنِ وَيُقَوِّي

الْقَلْبَ وَيُفْرِحُ وَيُذْكِي وَشَمُّهُ يَضُرُّ بِالدِّمَاغِ الْحَارِّ وَيُورِثُ الصُّفَارَ وَيُصْلِحُهُ الْكَافُورُ .
وَذَكَرَ ابْنُ جَزْلَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ يُبَخِّرُ الْفَمَ إذَا وَقَعَ فِي الطَّبِيخِ وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْمَذْكُورَ فِي أَخْبَارِ صِفَةِ الْجَنَّةِ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ { تُرَابُهَا الْمِسْكُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ { وَطِينُ نَهْرِ الْكَوْثَرِ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ { وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ ، وَمَنْ قَدَّمَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْعَنْبَرَ عَلَى الْمِسْكِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَوْنُ الْعَنْبَرِ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَهُوَ كَالذَّهَبِ فَهَذِهِ خَاصِّيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْعَنْبَرِ لَا تُقَاوِمُ مَا فِي الْمِسْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَيْعَةٌ ) فِيهَا قَبْضٌ وَتَجْفِيفٌ حَارَّةٌ يَابِسَةٌ وَقِيلَ رَطْبَةٌ تُسَخَّنُ وَتُلَيَّنُ وَتُنْضَحُ ، وَقِيلَ تُنَقِّي الدِّمَاغَ وَتَنْفَعُ الْجُذَامَ ، وَتُمْسِكُ الطَّبْعَ ، يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَى مِثْقَالٍ ، وَتَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ ، وَالزُّكَامِ ، وَالنَّزَلَاتِ ، وَالْبُحُوحَةِ مِنْ رُطُوبَةٍ وَتَحْدُرُ الْحَيْضَ شُرْبًا وَحَمْلًا وَهِيَ مُصَّدِّعَةٌ ، وَقِيلَ تَضُرُّ بِالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهَا الْمُصْطَكَا .
( نَدٌّ ) يُسَخَّنُ وَإِذَا بُخِّرَ بِهِ وَالْبَخُورُ بِهِ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيَنْفَعُ مِنْ السُّمُومِ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ عُودٍ هِنْدِيٍّ وَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ يُعْجَنُ بِهِمَا وَقَدْ يُعْمَلُ مِنْ عَنْبَرٍ وَمِسْكٍ وَقَدْ يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْكَافُورُ .
( نَرْجِسُ ) يُرْوَى فِيهِ وَفِي الْمَرْزَنْجُوشِ وَالْبَنَفْسَجِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يَصِحُّ وَبَعْضُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَهُوَ فِي مَوْضُوعَاتِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالنِّرْجِسُ مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرِّ وَالْيُبْسِ يُلَطِّفُ وَقِيلَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ فِي

الثَّالِثَةِ فِيهِ تَحْلِيلٌ قَوِيٌّ وَيَنْفَعُ الزُّكَامَ الْبَارِدَ وَيَفْتَحُ سُدَدَ الدِّمَاغِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَيَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ عَنْ رُطُوبَةٍ أَوْ سَوْدَاءَ وَيُصَدِّعُ الرُّءُوسَ الْحَارَّةَ ، وَيُصْلِحُهُ الْبَنَفْسَجُ أَوْ الْكَافُورُ .
وَأَصْلُهُ وَهُوَ بَصَلٌ يُدْمِلُ الْقُرُوحَ الْغَائِرَةَ إلَى الْعَصَبِ وَلَهُ قُوَّةٌ جَالِيَةٌ جَاذِبَةٌ تَجْذِبُ مِنْ الْقَمَرِ وَيَجْلُو وَيُخْرِجُ الشَّوْكَ وَيَجْلُو الْكَلَفَ وَيَنْفَعُ مِنْ دَاءِ الثَّعْلَبِ وَيُهَيِّجُ الدينلات ، وَأَكْلُهُ يُهَيِّجُ الْقَيْءَ وَيَجْذِبُ الرُّطُوبَةَ مِنْ قَعْرِ الْبَدَنِ وَالْمُحْدَقُ مِنْهُ إذَا شُقَّ بَصَلُهُ صَلِيبًا وَغُرِسَ صَارَ مُضَاعَفًا وَمَنْ أَدَمْنَ شَمَّهُ فِي الشِّتَاءِ أَمِنَ الْبِرْسَامَ فِي الصَّيْفِ ، وَفِيهِ مِنْ الْعِطْرِيَّةِ مَا يُقَوِّي الْقَلْبَ وَالدِّمَاغَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ شَمُّهُ يَذْهَبُ بِصَرْعِ الصِّبْيَانِ .
( وَرْدٌ ) مُرَكَّبٌ مِنْ جَوْهَرَيْنِ مَائِيٍّ وَأَرْضِيٍّ فِيهِ حَرَافَةٌ وَقَبْضٌ وَمَرَارَةٌ وَمَرَارَتُهُ تَقِلُّ إذَا يَبِسَ ، بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ فِي الثَّالِثَةِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْغِلَظِ وَاللَّطَافَةِ ، تَجْفِيفُهُ أَقْوَى مِنْ قَبْضِهِ ، يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَاللِّثَةَ وَالْأَسْنَانَ وَيُصْلِحُ نَتَنَ الْعَرَقِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَمَّامِ وَيَقْطَعُ الثَّآلِيلَ .
وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ مَسْحُوقًا يَنْفَعُ مِنْ الْقُرُوحِ وَالسُّجُوحِ فِي الْمُعَلَّى وَيُنْبِتُ اللَّحْمَ فِي الْقَرْحَةِ الْعَمِيقَةِ ، مُسَكِّنٌ لِلصُّدَاعِ الْحَارِّ ، مُهَيِّجٌ لِلزُّكَامِ وَالْعِطَاشِ وَأَقْمَاعُهُ تَنْفَعُ مِنْ نَفْثِ الدَّمِ وَهُوَ نَافِعٌ لِلْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ .
وَيُسَكِّنُ أَوْجَاعَ السَّفْلِ طِلَاءً بِرِيشَةٍ وَيُحْتَقُّ بِطِّيخُهُ لِقُرُوحِ الْأَمْعَاءِ ، وَالطَّرِيُّ مِنْهُ يُسْهِلُ .
عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْهُ عَشَرَةُ مَجَالِسَ ، وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْهُ تَنْفَعُ مِنْ حَرَارَةِ حُمَّى الرَّبِيعِ ، وَيَابِسُهُ لَا يُسَهِّلُ ، وَإِذَا طُبِخَ مَعَ الْعَدَسِ وَضُمِّدَتْ بِهِ الْمَعِدَةُ نَفَعَ قُرُوحَهَا وَإِذَا أُمْسِكَ فِي الْفَمِ نَفَعَ مِنْ النَّتْنِ

وَالْقِلَاعِ لَا سِيَّمَا إذَا خُلِطَ مَعَهُ الْعَدَسُ .
وَالْكَافُورُ ، وَشَمُّ الطَّرِيِّ يُقَوِّي الدِّمَاغَ وَالْقَلْبَ وَهُوَ يَقْطَعُ شَهْوَةَ الْبَاهِ إذَا اُضْطُجِعَ عَلَى الْمَفْرُوشِ مِنْهُ أَوْ أُكِلَ لِتَبْرِيدِهِ وَتَجْفِيفِهِ ، وَمَاءُ الْوَرْدِ بَارِدٌ وَقِيلَ حَارٌّ يَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُسَكِّنُ وَجَعَ الْعَيْنِ مِنْ حَرَارَةٍ وَإِذَا تَجَرَّعَ مِنْهُ نَفَعَ مِنْ الْغَشْيِ وَنَفْثِ الدَّمِ وَقَوِيٌّ لِلْقُوَّةِ وَآلَاتِهَا ، وَالْمَعِدَةِ خَشِنُ الصَّدْرِ وَيُصْلِحُهُ نَبَاتُ الْجُلَّابِ مِنْ الْوَرْدِ نَوْعٌ حَارٌّ مُحْرِقٌ .
( وَرْدٌ صِينِيٌّ ) وَهُوَ وَرْدُ النِّسْرِينِ هُوَ كَالْيَاسَمِينِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَضْعَفَ مِنْهُ وَدَهْنُهُ كَدُهْنِ النِّرْجِسِ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الْأُولَى وَقِيلَ فِي الثَّالِثَةِ مُنَقٍّ مُلَطِّفٌ يَنْفَعُ مِنْ بَرْدِ الْعَصَبِ وَيَقْتُلُ الدِّيدَانَ فِي الْأُذُنِ وَيَنْفَعُ مِنْ طَنِينِهَا وَدَوِيِّهَا وَيَفْتَحُ سَدَدَ الْمِنْخَرَيْنِ وَيُسَكِّنُ الْقَيْءَ وَالْفَوَاقَ .
( وَرْدُ الْخِلَافِ ) وَوَرْدُ التُّفَّاحِ وَوَرْدُ الْكُمَّثْرَى وَوَرْدُ السَّفَرْجَلِ بَارِدٌ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَالدِّمَاغَ ( وَرْدُ الْجُورِيِّ ) أَجْوَدُهُ الْأَصْفَرُ حَارٌّ فِي الْأُولَى مُعْتَدِلٌ فِي الْيُبْسِ مُلَطِّفٌ مُحَلِّلٌ شَمُّهُ يَنْفَعُ الدِّمَاغَ الْبَارِدَ .
الرَّطْبُ يُحَلِّلُ الرِّيَاحَ الْغَلِيظَةَ وَمَاؤُهُ الْمَطْبُوخُ إذَا شُرِبَ أَدَرَّ الْحَيْضَ وَأَسْقَطَ الْمَشِيمَةَ وَيُحَلِّلُ أَوْرَامَ الرَّحِمِ إذَا طُلِيَ عَلَى الْعَانَةِ .
( لَاذَنُ ) هُوَ رُطُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِشَعْرِ الْمِعْزَى وَلِحَاهَا إذَا رَعَتْ نَبَاتًا مَعْرُوفًا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلٌّ وَتَرْتَكِمُ عَلَيْهِ نَدَاوَةٌ فَإِذَا عَلِقَ بِشَعْرِ الْمِعْزَى أُخِذَ عَنْهَا وَكَانَ اللَّاذَنُ .
وَالرَّدِيءُ مِنْهُ مَا يَعْلَقُ بِأَظْلَافِهَا وَأَجْوَدُهُ الدَّسَمُ الرَّزِينُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ الَّذِي لَوْنُهُ إلَى الصُّفْرَةِ وَهُوَ حَارٌّ فِي آخِرِ الْأُولَى وَقِيلَ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ رَطْبٌ وَقِيلَ يَابِسٌ وَهُوَ لَطِيفٌ جِدًّا وَفِيهِ يَسِيرُ قَبْضٍ ، مُنْضِجٌ لِلرُّطُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ اللَّزِجَةِ ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ الْمُنْتَثِرَ

وَيُكَثِّفُهُ وَيَحْفَظُهُ مَعَ دَهْنِ الْآسِ وَيُخْرِجُ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ وَالْمَشِيمَةَ تَدْخِينًا فِي قَمْعٍ ، وَإِنْ شُرِبَ بِشَرَابٍ عَقَلَ الْبَطْنَ وَأَدَرَّ الْبَوْلَ وَهُوَ يُنَقِّي الْبَلْغَمَ وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَيُلَيِّنُ صَلَابَةَ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَيُقَوِّيهِمَا إذَا كَانَ قَدْ نَالَهُمَا ضَعْفٌ مِنْ بَرْدٍ .
( يَاسَمِينٌ ) وَيُقَالُ لَهُ يَاسَمُونُ وَهُوَ أَبْيَضُ وَأَصْفَرُ وَأُرْجُوَانِيٌّ ، وَالْأَبْيَضُ أَسْمَنُهُ وَبَعْدَهُ الْأَصْفَرُ وَهُوَ يَابِسٌ حَارٌّ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ وَيُلَطِّفُ الرُّطُوبَاتِ وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ وَيُحَلِّلُ الصُّدَاعَ الْبَلْغَمِيِّ إذَا شُمَّ وَيَنْفَعُ أَصْحَابَ اللَّقْوَةِ وَالْفَالِجِ وَيَفْتَحُ السَّدَدَ وَيَنْفَعُ مِنْ عِرْقِ النَّسَا وَكَثِيرُهُ يَنْفَعُ الطِّحَالَ وَيُوَرِّثُ الصَّفَّارَ وَرَائِحَتُهُ مُصَدِّعَةٌ وَيُصْلِحُهُ الْكَافُورُ .

فَصْلٌ ( فِي عِرْقِ النَّسَاءِ وَمَا وَرَدَ فِي دَوَائِهِ ) .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { دَوَاءُ عِرْقِ النَّسَا أَلْيَةُ شَاةٍ أَعْرَابِيَّةٍ تُذَابُ ثُمَّ تُجَزَّأُ فِي ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ ثُمَّ تُشْرَبُ عَلَى الرِّيقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءٌ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِأَحْمَدَ { أَلْيَةُ كَبْشٍ عَرَبِيٍّ أَسْوَدَ لَيْسَ بِالْعَظِيمِ وَلَا الصَّغِيرِ } .
( عِرْقُ النَّسَا ) وَجَعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ وَيَنْزِلُ مِنْ خَلْفٍ عَلَى الْفَخِذِ وَرُبَّمَا امْتَدَّ عَلَى الْكَعْبِ وَكُلَّمَا طَالَتْ مُدَّتُهُ زَادَ نُزُولُهُ وَتَهْزِلُ مَعَهُ الرِّجْلُ وَالْفَخِذُ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَسْمِيَةُ هَذَا الْمَرَضِ بِعِرْقِ النَّسَاءِ أَعَمُّ مِنْ النَّسَاءِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَكُلِّ الدِّرْهَمِ أَوْ بَعْضِهَا ، وَإِنَّ النَّسَا هُوَ الْمَرَضُ الْحَالُّ بِالْعِرْقِ فَهُوَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى مَحَلِّهِ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ : النَّسَا هُوَ الْعِرْقُ نَفْسُهُ فَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ، وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَلَمَهُ يُنْسِي مَا سِوَاهُ .
وَهَذَا الْخَبَرُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَا قَارَبَهُمْ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَرَضَ يَحْدُثُ مِنْ يُبْسٍ أَوْ مَادَّةٍ غَلِيظَةٍ أَوْ لَزِجَةٍ فَعِلَاجُهَا بِالْإِسْهَالِ وَالْأَلْيَةُ فِيهَا الْخَاصَّتَانِ الْإِنْضَاجُ وَالْإِخْرَاجُ وَتَعْيِينُ الشَّاةِ بِالْأَعْرَابِيَّةِ لِقِلَّةِ فُضُولِهَا وَرَعْيِهَا نَبَاتَ الْبَرِّ الْحَارِّ كَالشِّيحِ ، وَالْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ اسْتِعْمَالُ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ ، وَغَالِبُ أَطِبَّاءِ الْهِنْدِ وَالرُّومِ وَالْيُونَانِ يَعْتَنُونَ بِالْمُرَكَّبَةِ وَالتَّحْقِيقُ اخْتِلَافُ الدَّوَاءِ بِاخْتِلَافِ الْغِذَاءِ فَالْعَرَبُ وَالْبَوَادِي غِذَاؤُهُمْ بَسِيطٌ فَمَرَضُهُمْ بَسِيطٌ ، فَدَوَاؤُهُمْ بَسِيطٌ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا بِمَاذَا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ ؟ قَالَتْ بِالشُّبْرُمِ قَالَ حَارٌّ حَارٌّ ثُمَّ قَالَتْ اسْتَمْشَيْت بِالسَّنَا فَقَالَ لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَشْفِي مِنْ الْمَوْتِ لَكَانَ السَّنَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ { عَلَيْكُمْ بِالسَّنَا وَالسَّنُّوتِ فَإِنَّ فِيهِمَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ قِيلَ وَمَا السَّامُ ؟ قَالَ الْمَوْتُ } بَعْضُ الْأَعْرَابِ يَقُولُونَ فِي السَّنُّوتِ تَسْمِينٌ أَيْ تَلْيِينُ الطَّبْعِ ، وَيُسَمِّي الدَّوَاءَ الْمُسْهِلَ مَشْيًا عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَسْهُولَ يُكْثِرُ الْمَشْيَ لِلْحَاجَةِ .
( وَالشُّبْرُمُ ) قِشْرُ عِرْقِ شَجَرَةٍ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الرَّابِعَةِ لَمْ يَرَ الْأَطِبَّاءُ اسْتِعْمَالَهُ لِفَرْطِ إسْهَالِهِ وَهُوَ يُسْهِلُ الدَّوَاءَ وَالْكَيْمُوسَ الْغَلِيظَ وَالْمَاءَ الْأَصْفَرَ وَالْبَلْغَمَ ، مُكْرِبٌ مُغِثُّ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَقْتُلُ .
وَيَنْبَغِي إذَا اُسْتُعْمِلَ أَنْ يُنْقَعَ فِي اللَّبَنِ الْحَلِيبِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَيُغَيَّرُ عَلَيْهِ اللَّبَنُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَيُخْرَجُ وَيُجَفَّفُ فِي الظِّلِّ وَيُخْلَطُ مَعَهُ الْوَرْدُ وَالْكَثِيرَا أَوْ يُشْرَبُ بِمَاءِ الْعَسَلِ أَوْ عَصِيرِ الْعِنَبِ .
وَالشَّرْبَةُ مِنْهُ مِنْ دَانَقَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ ، وَقِيلَ إنَّ الشُّبْرُمَ لَا خَيْرَ فِيهِ قَتَلَ بِهَا أَطِبَّاءُ الطُّرُقَاتِ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ ، وَقَوْلُهُ { حَارٌّ حَارٌّ } وَيُرْوَى { حَارٌّ بَارٌّ } .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ بِالْبَاءِ قِيلَ الْحَارُّ الشَّدِيدُ الْإِسْهَالِ ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ الِاتِّبَاعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ فِي الْحَارِّ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الَّذِي يَحَرُّ مَا تُصِيبُهُ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ ، وَأَمَّا بَارٌّ فَلُغَةٌ فِي حَارٍّ كَصِهْرِيجٍ وَصِهْرِي وَالصَّهَارِي وَالصَّهَارِيجُ أَوْ اتِّبَاعٌ .
وَأَمَّا السَّنَا فَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ نَبْتٌ حِجَازِيٌّ أَفْضَلُهُ الْمَكِّيُّ

مَأْمُونٌ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى يُسَهِّلُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ وَيُقَوِّي جُرْمَ الْقَلْبِ ، وَخَاصِّيَّتُهُ النَّفْعُ مِنْ الْوَسْوَاسِ السَّوْدَاوِيِّ وَمِنْ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ وَيَفْتَحُ الْعَضَلَ وَانْتِشَارَ الشَّعْرِ ، وَمِنْ الْقَمْلِ وَالصُّدَاعِ الْعَتِيقِ وَالْجَرَبِ وَالْبُثُورِ وَالْحَكَّةِ وَالصَّرَعِ ، وَشُرْبُ مَائِهِ مَطْبُوخًا أَصْلَحُ مِنْ شُرْبِهِ مَدْقُوقًا وَقَدْرُ الشَّرْبَةِ مِنْهُ إلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَمِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسَةٍ ، وَإِنْ طُبِخَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ زَهْرِ الْبَنَفْسَجِ وَالزَّبِيبِ الْأَحْمَرِ الْمَنْزُوعِ الْعَجَمِ كَانَ أَصْلَحَ ، وَقِيلَ الشَّرْبَةُ مِنْهُ مِنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ إلَى سَبْعَةٍ .
وَأَمَّا السَّنُّوتُ فَقِيلَ الْعَسَلُ وَقِيلَ رُبُّ عُكَّةِ سَمْنٍ ، وَقِيلَ الْكَمُّونَ ، وَقِيلَ حَبٌّ يُشْبِهُهُ وَقِيلَ الرازيانج وَقِيلَ الشَّبِتُّ وَقِيلَ التَّمْرُ وَقِيلَ الْعَسَلُ الَّذِي يَكُونُ فِي زِقَاقِ السَّمْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا أَقْرَبُ ، فَيُخْلَطُ السَّنَا مَدْقُوقًا بِعَسَلٍ مُخَالِطٍ لِسَمْنٍ ثُمَّ يُلْعَقُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ إصْلَاحِ السَّنَا وَإِعَانَتِهِ عَلَى الْإِسْهَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ الْهِنْدِيِّ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ ) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { تَدَاوَوْا مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ وَالزَّيْتِ } وَعَنْهُ أَيْضًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْعَتُ الزَّيْتَ وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ } قَالَ قَتَادَةُ يَلِدُ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي يَشْتَكِيهِ .
رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ { وَذَاتُ الْجَنْبِ يَعْنِي السُّلَّ } وَلِأَحْمَدَ { بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ وَالزَّيْتِ } وَلِابْنِ مَاجَهْ { وَرْسًا قُسْطًا وَزَيْتًا } .
وَذَاتُ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ وَغَيْرُ الْحَقِيقِيِّ وَجَعٌ يُشْبِهُهُ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ عَنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُؤْذِيَةٍ تُحْتَقَنُ بَيْنَ الصِّفَاقَاتِ وَالْوَجَعُ فِي هَذَا مَمْدُودٌ وَفِي الْحَقِيقِيِّ نَاخِسٌ .
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ قَدْ يَعْرِضُ فِي الْجَنْبِ وَالصِّفَاقَاتِ وَالْعَضَلِ الَّذِي فِي الصُّدُورِ وَالْأَضْلَاعِ وَنَوَاحِيهَا أَوْرَامٌ مُوجِعَة تُسَمَّى شُوصًا وَبِرْسَامًا وَذَاتَ الْجَنْبِ وَقَدْ تَكُونُ أَوْجَاعٌ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَيْسَتْ مِنْ وَرَمٍ وَلَكِنْ مِنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ فَيَظُنُّ أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يَكُونُ .
قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَجَعٍ فِي الْجَنْبِ قَدْ يُسَمَّى ذَاتَ الْجَنْبِ اشْتِقَاقًا مِنْ مَكَانِ الْأَلَمِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَاتِ الْجَنْبِ صَاحِبَةُ الْجَنْبِ وَالْغَرَضُ هَهُنَا وَجَعُ الْجَنْبِ فَإِذَا عَرَضَ فِي الْجَنْبِ أَلَمٌ عَنْ أَيْ سَبَبٍ كَانَ نُسِبَ إلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ كَلَامُ أَبُقْرَاطَ فِي قَوْلِهِ إنَّ أَصْحَابَ ذَاتِ الْجَنْبِ يَنْتَفِعُونَ بِالْحَمَّامِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ بِهِ وَجَعُ جَنْبٍ أَوْ وَجَعُ رِثَّةٍ مِنْ سُوءِ مِزَاجٍ أَوْ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ أَوْ لَذَّاعَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَمٍ وَلَا حُمَّى .
قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى ذَاتِ الْجَنْبِ فِي لُغَةِ الْيُونَانِ وَرَمُ الْجَنْبِ الْحَادِّ أَوْ وَرَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ

الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَيَلْزَمُ ذَاتَ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ وَالسُّعَالُ وَالْوَجَعُ النَّاخِسُ وَضِيقُ النَّفَسِ وَالنَّبْضِ الْمُتَسَاوِي وَالْعِلَاجُ الْمَوْجُودُ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ بَلْ الْكَائِنُ عَنْ الرِّيحِ الْغَلِيظَةِ فَإِنَّ الْقُسْطَ الْبَحْرِيَّ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ إذَا دُقَّ نَاعِمًا وَخُلِطَ بِهِ الزَّيْتُ الْمُسَخَّنُ وَدُلِكَ بِهِ مَكَانُ الرِّيحِ الْمَذْكُورِ أَوْ لُعِقَ كَانَ دَوَاءً مُوَافِقًا لِذَلِكَ نَافِعًا مُحَلِّلًا مُقَوِّيًا لِلْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَيَطْرُدُ الرِّيحَ وَيَفْتَحُ السَّدَدَ نَافِعٌ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَيُذْهِبُ فَضْلَ الرُّطُوبَةِ ، وَالْعُودُ الْمَذْكُورُ جَيِّدٌ لِلدِّمَاغِ .
قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَعَ الْقُسْطُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ إذَا كَانَ حُدُوثُهَا عَنْ مَادَّةٍ بَلْغَمِيَّةٍ لَا سِيَّمَا وَقْتَ انْحِطَاطِ الْعِلَّةِ ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْأَطِبَّاءَ تُنْكِرُ مُدَاوَاةَ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ لِحَرَارَتِهِ الشَّدِيدَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ وَيَنْفَعُ مِنْ السَّمُومِ وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَقْتُلُ الدُّودَ وَحَبَّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إذَا شُرِبَ بِعَسَلٍ وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ إذَا طُلِيَ عَلَيْهِ وَيَنْفَعُ مِنْ بَرْدِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالْبَرْدِ وَمِنْ حُمَّى الدَّوْرِ وَالرُّبْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ صِنْفَانِ ، وَقِيلَ أَكْثَرُ ، بَحْرِيٌّ وَهُوَ الْأَبْيَضُ ، وَهِنْدِيٌّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَحْرِيُّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَقَلُّ حَرَارَةً ، وَقِيلَ هُمَا حَارَّانِ يَابِسَانِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ .
وَالْهِنْدِيُّ أَشَدُّ حَرًّا وَقِيلَ الْقُسْطُ حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ يَنْفَعُ مِنْ الْكُزَازِ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالزَّايِ دَاءٌ يَأْخُذُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَإِنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْجَبِينِ .
وَأَمَّا الزَّيْتُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا

يُضِيءُ } .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَسَأَلَ أَبُو طَالِبٍ لِأَحْمَدَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ { كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } وَفِيهِ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ خَطَأٌ لَيْسَ فِيهِ عُمَرُ إنَّمَا لَقَّنُوهُ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ عَنْ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَعْنِي كَذَلِكَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِذِكْرِ عُمَرَ فِيهِ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ الزَّيْتُ حَارٌّ بِاعْتِدَالٍ إلَى رُطُوبَةٍ وَقِيلَ حَارٌّ رَطْبٌ وَقِيلَ يَابِسٌ وَالْمُعْتَصَرُ مِنْ الزَّيْتُونِ النَّضِيجِ أَعْدَلُ وَأَجْوَدُ مِنْ الْفَجِّ مِنْهُ فِيهِ بَرْدٌ وَيُبْسٌ وَمِنْ الزَّيْتُونِ الْأَحْمَرِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الزَّيْتَيْنِ وَمِنْ الْأَسْوَدِ يُسَخَّنُ وَيُرَطِّبُ بِاعْتِدَالٍ وَيَنْفَعُ مِنْ السَّمُومِ وَيَنْفَعُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدُّودَ ، وَالْعَتِيقُ مِنْهُ أَشَدُّ إسْخَانًا وَتَحْلِيلًا يُطْلَى بِهِ النِّقْرِسُ .
وَالْمَغْسُولُ مِنْ الزَّيْتِ يُوَافِقُ أَوْجَاعَ الْأَعْصَابِ وَالنَّسَاءِ ، وَغَسْلُهُ أَنْ يُضْرَبَ مَعَ الْمَاءِ الْعَذْبِ الْمُفْتِرِ مَرَّاتٍ وَيُطْفِي زَيْتَ الْإِنْفَاقِ أَنْ يُعْتَصَرَ مِنْ الزَّيْتُونِ الْأَخْضَرِ قَالَ بَعْضُهُمْ : بِالْمَاءِ خَيْرُ أَنْوَاعِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ أَقَلُّ حَرَارَةً وَأَلْطَفُ وَأَبْلَغُ فِي النَّفْعِ .
وَذَكَرَ ابْنُ جَزْلَةَ أَنَّ هَذَا بَارِدٌ يَابِسٌ وَجَمِيعُ الزَّيْتِ مُلَيِّنٌ لِلْبَشَرَةِ وَيُبْطِئُ بِالشَّيْبِ .
وَأَمَّا الزَّيْتُونُ الْمَالِحُ يَمْنَعُ مِنْ نُقَطِ حَرْقِ النَّارِ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَوَرَقُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالنَّمْلَةِ وَالْقُرُوحِ وَالْبُشْرِيِّ وَيَمْنَعُ الْعَرَقَ وَيَنْفَعُ مِنْ الدَّاحِسِ وَمَنَافِعُهُ

كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا الْوَرْسُ فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ { كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنْ الْكَلَفِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي حُسْنِهِ وَضَعْفِهِ .
( الْوَرْسُ ) يُجْلَبُ مِنْ الْيَمَنِ قِيلَ يُنْتَحَتُ مِنْ أَشْجَارِهِ وَقِيلَ يُزْرَعُ بِهَا وَلَا يَكُونُ مِنْهُ شَيْءٌ بَرِيءٌ وَيُزْرَعُ سَنَةً فَيَبْقَى عَشْرَ سِنِينَ يَنْبُتُ وَيُثْمِرُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ : فِي أَوَّلِهَا .
وَأَجْوَدُهُ الْأَحْمَرُ اللَّيِّنُ فِي الْيَدِ الْقَلِيلُ النُّخَالَةِ ، قَابِضٌ لَطِيفٌ يَمْنَعُ مِنْ الْكَلَفِ وَالنَّمَشِ وَالْحَكَّةِ وَالْبُثُورِ فِي سَطْحِ الْبَدَنِ وَالْبَهَقِ وَالسَّفْعَةِ طِلَاءٌ ، وَإِذَا شُرِبَ مَنَعَ الْوَضَحَ وَفَتَّتَ الْحَصَاةَ وَنَفَعَ مِنْ أَوْجَاعِ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ الْبَارِدَةِ وَقَدْرُ مَا يُشْرَبُ مِنْهُ دِرْهَم وَقِيلَ يَضُرُّ بِالْمَثَانَةِ وَيُصْلِحُهُ الْعَسَلُ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَنَافِعُهُ تَقْرُبُ مِنْ مَنَافِعِ الْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ .

فَصْلٌ ( فِي الصُّدَاعِ وَأَسْبَابِهِ وَفَائِدَةِ الْحِجَامَةِ وَالْحِنَّاءِ فِيهِ ) عَنْ سَلْمَى خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ { مَا سَمِعْتُ أَحَدًا قَطُّ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا فِي رَأْسِهِ إلَّا قَالَ لَهُ احْتَجِمْ وَلَا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إلَّا قَالَ اخْضِبْهُمَا بِالْحِنَّاءِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَلِأَحْمَدَ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ بِالْإِسْنَادِ الْحَسَنِ قَالَ { كُنْت أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَتْ تُصِيبُهُ قَرْحَةٌ وَلَا نَكْبَةٌ إلَّا أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ } وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا صُدِعَ غَلَّفَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ وَيَقُولُ إنَّهُ نَافِعٌ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ الصُّدَاعِ } .
( الصُّدَاعُ ) وَجَعٌ فِي الرَّأْسِ فَمَا كَانَ لَازِمًا فِي أَحَدِ شِقَّيْهِ سُمِّيَ شَقِيقَةٌ وَإِنْ كَانَ شَامِلًا لِجَمِيعِهِ لَازِمًا سُمِّيَ بَيْضَةً وَخُوذَةً تَشْبِيهًا بِبَيْضَةِ السِّلَاحِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى الرَّأْسِ كُلِّهِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ وَفِي مُقَدَّمِهِ ، وَحَقِيقَةُ سُخُونَةِ الرَّأْسِ وَاحْتِمَاؤُهُ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْبُخَارِ يَطْلُبُ النُّفُوذَ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يَجِدُ مَنْفَذًا فَيُصَدِّعُهُ كَمَا يَتَصَدَّعُ الْوِعَاءُ إذَا حُمِّي مَا فِيهِ وَطَلَبَ النُّفُوذَ ، وَكُلُّ رَطْبٍ إذَا حُمِّي طَلَبَ مَكَانًا أَوْسَعَ مِنْ مَكَانِهِ لِلَّذِي كَانَ .
وَلِلصُّدَاعِ أَسْبَابٌ أَحَدُهَا مِنْ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ وَمِنْ قُرُوحٍ فِي الْمَعِدَةِ وَمِنْ رِيحٍ غَلِيظَةٍ فِيهَا وَعَنْ وَرَمٍ فِي عُرُوقِهَا وَعَنْ امْتِلَائِهَا وَبَعْدَ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْقَيْءِ وَعَنْ الْجَرِّ وَعَنْ الْبَرْدِ وَعَنْ السَّهَرِ وَعَنْ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ عَلَيْهِ وَعَنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ وَعَنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ وَعَنْ عَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ كَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَعَنْ شِدَّةِ الْجُوعِ وَعَنْ وَرَمٍ فِي صِفَاتِ الدِّمَاغِ ( السَّبَبُ الْعِشْرُونَ ) الْحُمَّى لِاشْتِعَالِ حَرَارَتِهَا فِيهِ فَيَتَأَلَّمُ .

وَسَبَبُ صُدَاعِ الشَّقِيقَةِ مَادَّةٌ فِي شَرَايِينِ الرَّأْسِ وَحْدَهَا حَاصِلَةٌ فِيهَا أَوْ مُرْتَقِيَةٌ إلَيْهَا فَيَقْبَلُهَا الْجَانِبُ الْأَضْعَفُ مِنْ جَانِبَيْهِ ، وَتِلْكَ الْمَادَّةُ إمَّا بُخَارِيَّةٌ وَإِمَّا أَخْلَاطٌ حَارَّةٌ أَوْ بَارِدَةٌ وَعَلَامَتُهَا الْخَاصَّةُ بِهَا ضَرْبَانِ لِلشَّرَايِينِ وَخَاصَّةً فِي الدَّمَوِيِّ ، وَإِذَا ضُبِطَتْ بِالْعَصَائِبِ وَمُنِعَتْ مِنْ الضَّرْبَانِ سَكَنَ الْوَجَعُ ، وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ عَصَّبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ فِي مَرَضِهِ } فَعَصْبُهُ يَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِهِ .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ عِلَاجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ فَالْحِنَّاءُ عِلَاجُ بَعْضِ أَسْبَابِهِ فَيَنْفَعُ نَفْعًا ظَاهِرًا مِنْ حَرَارَةٍ مُلْهِبَةٍ لَا مِنْ مَادَّةٍ يَجِبُ اسْتِفْرَاغُهَا وَإِنْ ضُمِّدَتْ بِهِ الْجَبْهَةُ مَعَ خَلٍّ سَكَنَ الصُّدَاعُ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْعَصْبِ إذَا ضُمِّدَ بِهِ سَكَّنَ أَوْجَاعَهُ وَهَذَا يَعُمُّ الْأَعْضَاءَ ، وَفِيهِ قَبْضٌ تَشْتَدُّ بِهِ الْأَعْضَاءُ ، وَإِذَا ضُمِّدَ بِهِ مَوْضِعُ الْوَرَمِ الْحَارِّ الْمُلْتَهِبُ سَكَّنَهُ ، وَالْحِنَّاءُ بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ مُعْتَدِلُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَقُوَّةُ شَجَرِهِ مُرَكَّبَةٍ مِنْ قُوَّةٍ مُحَالَةٍ اكْتَسَبَتْهَا مِنْ جَوْهَرٍ فِيهَا مَائِيٍّ حَارٍّ بِاعْتِدَالٍ ، وَمِنْ قُوَّةٍ قَابِضَةٍ اكْتَسَبَهَا مِنْ جَوْهَرٍ فِيهَا أَرْضِيٍّ بَارِدٍ وَهُوَ مُحَلِّلٌ نَافِعٌ مِنْ حَرْقِ النَّارِ ، وَيَنْفَعُ مَضْغُهُ مِنْ قُرُوحِ الْفَمِ وَالسُّلَاقِ الْعَارِضِ فِيهِ ، وَإِذَا خُلِطَ نُورُهُ مَعَ الشَّمْعِ الْمُصَفَّى ، وَدَهْنِ الْوَرْدِ نَفَعَ مِنْ أَوْجَاعِ الْجَنْبِ وَيَفْعَلُ فِي الْجُرْحِ فِعْلَ دَمِ الْأَخَوَيْنِ .
وَمِنْ خَوَاصِّهِ إذَا لُطِخَ بِهِ أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ أَوَّلَ خُرُوجِ الْجُدَرِيِّ أُمِنَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ مِنْهُ صَحِيحٌ مُجَرَّبٌ ، وَإِذَا جُعِلَ نُورُهُ بَيْنَ طَيِّ ثِيَابِ الصُّوفِ طَيَّبَهَا وَمَنَعَ السُّوسَ عَنْهَا ، وَدَهْنُهُ يُحَلِّلُ الْإِعْيَاءَ وَيُلَيِّنُ الْعَصَبَ ، وَإِذَا نُقِعَ وَرَقُهُ فِي مَاءٍ عَذْبٍ يَغْمُرُهُ

ثُمَّ عَصَرَهُ وَشَرِبَ مِنْ صَفْوِهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ عِشْرِينَ يَوْمًا مَعَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَكَرَ وَتَغَدَّى عَلَيْهِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ الصَّغِيرِ نَفَعَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْجُذَامِ بِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ عَجِيبَةٍ وَيَنْفَعُ الْأَظْفَارَ مَعْجُونًا وَيُحَسِّنُهَا وَيُعْجَنُ بِسَمْنٍ وَيُضَمَّدُ بِهِ بَقَايَا وَرَمٍ حَارٍّ الَّذِي يَرْشَحُ مَاءً أَصْفَرَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْجَرَبِ الْمُتَقَرِّحِ مَنْفَعَةً بَلِيغَةً وَهُوَ يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيُقَوِّيهِ وَيُحَسِّنُهُ وَيُقَوِّي الرَّأْسَ وَيَنْفَعُ مِنْ النُّفَّاخَاتِ وَالْبُثُورِ الْعَارِضَةِ فِي الْبَدَنِ ، وَشَرْبُ نِصْفَ مِثْقَالٍ مِنْهُ يَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ وَمِنْ خَوَاصِّهِ إذَا خَضَبَ بِهِ الرَّجُلُ أَصْبَحَ الْبَوْلُ أَحْمَرَ كَبَوْلِ الْمَحْمُومِ .

فَصْلٌ ( فِي الْعُذْرَةِ - أَمْرَاضِ الْحَلْقِ - وَمَا وَرَدَ فِي عِلَاجِهَا ) .
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ { أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْعُذْرَةِ قَالَ يُونُسُ أَعْلَقَتْ غَمَزَتْ فَهِيَ تَخَافُ أَنْ يَكُونَ بِهِ عُذْرَةٌ فَقَالَ عَلَامَ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلَاقِ ؟ } وَفِي لَفْظٍ { الْأَعْلَاقِ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ يَعْنِي بِهِ الْكُسْتَ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنْ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا { اتَّقُوا اللَّهَ عَلَامَ تَدْغَرُونَ أَوْلَادَكُمْ ؟ } وَوَصَفَ سُفْيَانُ الْغُلَامَ يُحَنَّكُ بِالْأُصْبُعِ فَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِي حَنَكِهِ إنَّمَا يَعْنِي رَفْعَ حَنَكِهِ بِإِصْبَعِهِ وَقَالَ فِي الْعُودِ الْهِنْدِيِّ يُرِيدُ الْقُسْطَ ، وَلِمُسْلِمٍ ( عَلَامَهْ ؟ ) أَثْبَتَ هَاءَ السَّكْتِ هُنَا فِي الدَّرْجِ وَالْوَصْلِ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ تَنْبَعِثُ مَنْخِرَاهُ دَمًا فَقَالَ مَا لِهَذَا ؟ قَالُوا بِهِ الْعُذْرَةُ قَالَ عَلَامَ تُعَذِّبْنَ أَوْلَادَكُنَّ ؟ إنَّمَا يَكْفِي إحْدَاكُنَّ أَنْ تَأْخُذَ قُسْطًا هِنْدِيًّا فَتَحُكَّهُ بِمَاءٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تُوجِرَهُ إيَّاهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَبَرَّأَ ، } قَوْلُهَا أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ كَذَا فِي مُسْلِمٍ وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَعْلَقَتْ عَنْهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَعْلَاقُ الدَّغْرَةُ يُقَالُ أَعْلَقَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا مِنْ الْعُذْرَةِ إذَا رَفَعَتْهَا بِيَدِهَا ، وَالْعَلَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْإِعْلَاقُ أَشْهَرُ لُغَةً وَقِيلَ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَصْدَرُ أَعْلَقَتْ عَنْهُ أَيْ أَزَالَتْ عَنْهُ الْعَلُوقَ مُعَالَجَةُ الْعُذْرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاقُ وَهُوَ الِاسْمُ مِنْهُ ، وَفِي كَلَامِ

بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَيْءٌ كَانُوا يُعَلِّقُونَهُ عَلَى الصَّبِيَّانِ كَذَا قَالَ .
وَالْعُذْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ يَهِيجُ مِنْ الدَّمِ يُقَالُ فِي عِلَاجِهَا عَذَرْتُهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَقِيلَ هِيَ قَرْحَةٌ تَخْرُجُ فِي الْخَرْمِ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْفِ وَالْحَلْقِ تَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ غَالِبًا عِنْدَ طُلُوعِ الْعُذْرَةِ وَهِيَ الْعَذَارَى خَمْسَةُ كَوَاكِبَ قِيلَ فِي وَسَطِ الْمَجَرَّةِ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي آخِرِهَا وَتُعَالِجُ الْمَرْأَةُ الْعُذْرَةَ عَادَةً بِفَتْلِ خِرْقَةٍ تُدْخِلُهَا فِي أَنْفِ الصَّبِيِّ وَتَطْعَنُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ وَرُبَّمَا أَقْرَحَتْهُ وَذَلِكَ الطَّعْنُ يُسَمَّى دَغْرًا وَعَذْرًا فَمَعْنَى { تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ } أَنَّهَا تَغْمِزُ حَلْقَ الْوَلَدِ بِأُصْبُعِهَا فَتَرْفَعُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَتَكْبِسُهُ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الدَّغْرُ أَنْ تَرْفَعَ لَهَاةَ الْمَعْذُورِ وَقَالَ الْعُذْرَةُ وَجَعُ الْحَلْقِ مِنْ الدَّمِ وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَيْضًا عُذْرَةٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهَاةِ وَعَذَرَهُ اللَّهُ مِنْ الْعُذْرَةِ فَعُذِرَ وَعُذِرَ فَهُوَ مَعْذُورٍ ، أَيْ هَاجَ بِهِ وَجَعُ الْحَلْقِ مِنْ الدَّمِ قَالَ الْأَخْطَلُ : غَمَزَ ابْنُ مُرَّةَ يَا فَرَزْدَقُ كَيْنَهَا غَمْزَ الطَّبِيبِ نَقَائِعَ الْمَعْذُورِ أَمَّا نَقْعُ السُّعُوطِ مِنْهَا بِالْقُسْطِ الْمُحْدَلِ فَلِأَنَّ الْعُذْرَةَ مَادَّتُهَا دَمٌ يَغْلِبُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ تَوَلُّدِهِ فِي أَبْدَانِ الصِّبْيَانِ وَفِي الْقُسْطِ تَجْفِيفٌ يَشُدُّ اللَّهَاةَ وَيَرْفَعُهَا إلَى مَكَانِهَا وَقَدْ يَكُونُ نَفْعُهُ فِي هَذَا الْبَدَاءِ بِالْخَاصِّيَّةِ ، وَقَدْ يَنْفَعُ فِي الْأَدْوَاءِ الْحَارَّةِ وَالْأَدْوِيَةِ الْحَارَّةِ بِالذَّاتِ تَارَةً وَبِالْعَرْضِ أُخْرَى ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَانُونِ فِي مُعَالَجَةِ سُقُوطِ اللَّهَاةِ الْقُسْطُ مَعَ الشَّبِّ الْيَمَانِي وَبَزْرِ الْمَرْوِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَطَ } وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ الْفَصْلِ قَبْلَهُ مَنَافِعُ الْقُسْطِ ، وَفِي

الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { إنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ } أَوْ قَالَ { مِنْ أَفْضَلِ دَوَائِكُمْ } وَفِي لَفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ وَلَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ } .

فَصْلٌ ( فِي ذَرِّ الرَّمَادِ عَلَى الْجُرْحِ وَفَوَائِدِ نَبَاتِ الْبَرْدِيِّ ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ جُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَهُشِّمَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُ الدَّمَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ الدَّمَ لَا يَزِيدُ إلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا حَتَّى إذَا صَارَتْ رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ عَلَى الْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ } .
( الْبَرْدِيُّ ) بِالْفَتْحِ نَبْتٌ مَعْرُوفٍ بَارِدٌ يَابِسٌ قَوِيُّ التَّجْفِيفِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ التَّجْفِيفِ إذَا كَانَ فِيهِ لَذْعٌ هَيَّجَ الدَّمَ فَهُوَ يَمْنَعُ النَّزْفَ وَيَقْطَعُ الرُّعَافَ وَيُذَرُّ عَلَى الْجُرْحِ الطَّرِيِّ فَيُدْمِلُهُ ، وَالْقِرْطَاسُ الْمِصْرِيُّ كَانَ قَدِيمًا يُعْمَلُ مِنْهُ وَيَنْفَعُ رَمَادُهُ مِنْ أَكَلَةِ الْقَمْلِ وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ أَنْ تَسْعَى .

فَصْلٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ { كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى } وَلِمُسْلِمٍ { فَاحْلِقْهُ وَاذْبَحْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ } .
( الْقَمْلِ ) يَتَوَلَّدُ .
مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ الْبَدَنِ وَهُوَ الْوَسَخُ فِي سَطْحِ الْجَسَدِ مِنْ خَلْطٍ رَدِيءٍ عَفِنٍ تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ فَتُعَفِّنُ الرُّطُوبَةَ الدَّمَوِيَّةَ فِي الْبَشَرَةِ بَعْدِ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَسَامِّ فَيَكُونُ مِنْهُ الْقَمْلُ .
وَالْقَمْلُ فِي الصِّبْيَانِ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ رُطُوبَتِهِمْ وَتَعَاطِيهمْ السَّبَبَ الَّذِي يُوَلِّدُهُ ، وَلِذَلِكَ { حَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُءُوسَ بَنِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ } وَحَلْقُهُ مِنْ أَكْبَرِ عِلَاجِهِ لِتَتَفَتَّحَ مَسَامُّ الْأَبْخِرَةِ فَتَتَصَاعَدُ فَتَقِلُّ مَادَّةُ الْخَلْطِ وَيَنْبَغِي طَلْيُ الرَّأْسِ بَعْدِ حَلْقِهِ بِدَوَاءٍ يَقْتُلُ الْقَمْلَ وَيَمْنَعُ تَوَلُّدَهُ ، وَأَكْلُ التِّينِ الْيَابِسِ يُوَلِّدُ دَمًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَلِذَلِكَ يَقْمَلُ .
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : سَبَبُ تَوَلُّدِ الْقَمْلِ رُطُوبَةٌ فَاسِدَةٌ تَغْلُظُ عَنْ مِقْدَارِ الْعَرَقِ قَلِيلًا فَلَا تَنْفُذُ فِي الْمَسَامِّ فَيَتَوَلَّدُ فِي عُمْقِ الْجِلْدِ لَا فِي سَطْحِهِ .
فَيُطْلَى الرَّأْسُ أَوْ الْمَكَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ فِيهِ الْقَمْلُ بِصَبِرٍ وَبِوَرَقٍ وَمُرٍّ فِي الْحَمَّامِ وَيُتْرَكُ سَاعَةً ثُمَّ يُغْسَلُ أَوْ يُطْلَى بِالزِّئْبَقِ الْمَقْتُولِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَيُكْثِرُ الِاسْتِحْمَامَ وَلُبْسَ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ الثِّيَابِ إقْمَالًا أَوْ يَتْرُكُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ الْحَارَّةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا صَاحِبُ الْقَمْلِ تَعْرِضُ لَهُ صُفْرَةٌ فِي وَجْهِهِ وَقِلَّةُ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَيَنْحُفُ بَدَنُهُ وَتَضْعَفُ قُوَّتُهُ .

فَصْلٌ : يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي النَّخْلِ وَثَمَرِهِ وَفَوَائِدِهِ وَتَشْبِيهُهُ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِالْأُتْرُجِّ ( فِي النَّخْلِ وَثَمَرِهِ وَفَوَائِدِهِ وَتَشْبِيهِهِ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِالْأُتْرُجِّ ) .
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ { الْفَاجِرُ بَدَلُ الْمُنَافِقِ } وَرَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَهُ فِي لَفْظِ { الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ ، وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا يَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تُسْتَحْصَدَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَخَامَةِ الزَّرْعِ تَفِي وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الرِّيحُ تُكْفِئُهَا فَإِذَا سَكَنَتْ اعْتَدَلَتْ ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنِ يُكْفَأُ بِالْبَلَاءِ ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إذَا شَاءَ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا

مِثْلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ قَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَفِيهِمَا أَيْضًا { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ } وَلِلْبُخَارِيِّ { : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا وَفِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ } وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ( بَابُ مَا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ مِنْ الْحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ } فَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابَ ( إكْرَامِ الْكَبِيرِ وَبَابَ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ ) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاقْرَءُوهُ وَارْقُدُوا فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ كُلَّ مَكَان ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَرَقَدَ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمِثْلِ جِرَابٍ أُوكِئَ عَلَى مِسْكٍ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
( الْخَامَةُ ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ خَفِيفَةٍ الطَّاقَةُ الْغَضَّةُ اللَّيِّنَةُ مِنْ الزَّرْعِ وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَتَسْتَحْصِدُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ لَا تَتَغَيَّرُ حَتَّى تَنْقَلِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالزَّرْعِ الَّذِي انْتَهَى يُبْسُهُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الصَّادِ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِ تَشْبِيهِ النَّخْلَةِ بِالْمُسْلِمِ

فَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا إذَا قُطِعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ وَقِيلَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِكَثْرَةِ خَيْرِهَا ، وَطِيبِ ثَمَرِهَا ، وَدَوَامِ ظِلِّهَا وَوُجُودِهِ دَائِمًا ، وَأَكْلِهِ عَلَى صِفَاتٍ وَأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ مُخْتَلِفَةٌ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ مِنْ حَشِيشِهَا ، وَوَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا خَشَبًا وَجُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا ، وَمَخَاصِرَ وَحُصُرًا وَقِفَّانًا وَلِيفًا وَحِبَالًا وَغَيْرَ ذَلِكَ ، وَنَوَاهَا عَلَفٌ لِلْإِبِلِ ، فَهِيَ كُلُّهَا مَنَافِعُ وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ كَالْمُؤْمِنِ خَيْرٌ كُلُّهُ لِإِيمَانِهِ وَكَثْرَةِ طَاعَاتِهِ .
وَالْجُمَّارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ قَلْبِ النَّخْلِ يَكُونُ لَيِّنًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجُمَّارُ شَحْمُ النَّخْلِ وَجَمَّرْتُ النَّخْلَةَ قَطَعْتُ جُمَّارَهَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ هُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ : قَابِضٌ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَالْإِسْهَالِ وَالنَّزْفِ وَغَلَبَةِ الْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ وَثَائِرَةِ الدَّمِ وَلَحْمِ الْقُرُوحِ وَيَنْفَعُ مِنْ لَسْعِ الزُّنْبُورِ ضِمَادًا وَيُقَوِّي الْأَحْشَاءَ وَلَيْسَ بِرَدِيءِ الْكَيْمُوسِ ، وَيَغْذُو غِذَاءً يَسِيرًا وَيُبْطِئُ فِي الْمَعِدَةِ وَيُؤْلِمُهَا وَيُصْلِحُهُ التَّمْرُ وَالشُّهْدُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالْحَلْقِ وَأَجْوَدُهُ الْحُلْوُ الرَّطْبُ وَسَبَقَ الْكَلَامُ قَرِيبًا فِي التَّمْرِ وَالرَّيْحَانِ وَالْمِسْكِ .
وَأَمَّا الْأُتْرُجُّ فَبِهَمْزَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَتَيْنِ وَتَاءٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ الْوَاحِدَةِ أُتْرُجَّةٌ وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ : يَحْمِلْنَ أُتْرُجَّةً نَضْحُ الْعَبِيرِ بِهَا كَأَنَّ تَطَيُّبَهَا فِي الْأَنْفِ مَشْمُومُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ تُرُنْجَةٌ وَتُرُنْجٌ ، لَهُ قُوًى مُخْتَلِفَةٌ أَجْوَدُهُ الْكِبَارُ السُّوسِيُّ قِشْرُهُ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَلَحْمُهُ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ بَارِدٌ وَبَذْرُهُ حَارٌّ فِيهِ يَسِيرُ رُطُوبَةٍ ، وَقِيلَ بَارِدٌ فِي الثَّانِيَةِ

وَهُوَ يَابِسٌ وَحَمْضُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ رَائِحَتُهُ تُصْلِحُ فَسَادَ الْهَوَاءِ وَالْوَبَاءِ وَتَضُرُّ بِالدِّمَاغِ الْحَارِّ وَيُصْلِحُهُ الْبَنَفْسَجُ وَقِشْرُهُ مِنْ الْمُفْرِحَاتِ التِّرْيَاقِيَّةِ وَيُجْعَلُ فِي الثِّيَابِ يَمْنَعُ السُّوسَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ إذَا جُعِلَ فِي الْفَمِ ، وَيُحَلِّلُ الرِّيَاحَ ، وَإِذَا جُعِلَ فِي الطَّعَامِ كَالْأَبَازِيرِ أَعَانَ عَلَى الْهَضْمِ .
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : وَعُصَارَةُ قِشْرِهِ تَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْأَفَاعِي شُرْبًا ، وَقِشْرُهُ ضِمَادًا وَحُرَاقَةُ قِشْرِهِ طِلَاءٌ جَيِّدٌ لِلْبَرَصِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : وَلَحْمُهُ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيءُ الْهَضْمِ يُوَرِّثُ الْقُولَنْجَ وَالضَّرَبَانَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مُلَطِّفٌ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ قَامِعٌ لِلْبُخَارَاتِ الْحَادَّةِ قَالَ الْغَافِقِيُّ أَكْلُ لَحْمِهِ يَنْفَعُ الْبَوَاسِيرَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَأَمَّا حُمَاضُهُ فَيَجْلُو الْكَلَفَ وَاللَّوْنَ وَيُذْهِبُ الْقُوبَا طِلَاءً ، وَلِهَذَا يُقْلِعُ صَبْغَ الْحِبْرِ طِلَاءً وَيَقْمَعُ الصَّفْرَاءَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَيَنْفَعُ الْخَفَقَانَ مِنْ حَرَارَةٍ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ مَشْرُوبًا ، عَاقِلٌ لِلطَّبِيعَةِ نَافِعٌ مِنْ الْإِسْهَالِ الصَّفْرَاوِيِّ قَاطِعٌ لِلْقَيْءِ الصَّفْرَاوِيِّ وَيُوَافِقُ الْمَحْمُومِينَ ، وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالْعَصَبِ وَيُصْلِحُهُ شَرَابُ الْخَشْخَاشِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ شُرْبًا وَاكْتِحَالًا وَيُسَكِّنُ غُلْمَةَ النِّسَاءِ وَالْعَطَشِ قَالَ بَعْضُهُمْ : الْبَلْغَمِيُّ لِأَنَّهُ يُلَطِّفُ وَيَقْطَعُ وَيُبَرِّدُ وَيُطْفِئُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيُقَوِّي الْقَلْبَ الْحَارَّ الْمِزَاجِ وَفِيهِ تِرْيَاقِيَّةٌ .
وَأَمَّا بَزْرُهُ فَلَهُ قُوَّةٌ مُحَلِّلَةٌ مُجَفِّفَةٌ مُلَيِّنٌ مُطَيِّبٌ لِلنَّكْهَةِ وَخَاصَّةً لِلنَّفْعِ مِنْ السَّمُومِ الْقَاتِلَةِ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِلَسْعِ الْعَقَارِبِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ وَزْنُ مِثَالَيْنِ بِمَاءٍ فَاتِرٍ أَوْ طِلَاءٍ مَطْبُوخٍ ، وَكَذَا إنْ دُقَّ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ اللَّسْعَةِ .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ

إذَا بُخِّرَتْ شَجَرَتُهُ بِالْكِبْرِيتِ تَنَاثَرَ ، قَالُوا وَإِذَا يَبُسَ وَأُحْرِقَ وَسُحِقَ نَاعِمًا وَجُعِلَ فِي خِرْقَةِ كَتَّانٍ وَدُفِعَتْ إلَى امْرَأَةٍ تَشَمُّهَا فَإِنْ أَخَذَهَا الْعُطَاسُ فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ .
وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَكَاسِرَةِ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ فَأَمَرَ بِحَبْسِهِمْ وَخَيَّرَهُمْ أُدْمًا لَا مَزِيدَ لَهُمْ عَلَيْهِ ، فَاخْتَارُوا الْأُتْرُجَّ فَقِيلَ لَهُمْ لِمَ اخْتَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِهِ ؟ قَالُوا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَاجِلِ رَيْحَانٌ وَنَظَرُهُ مُفَرِّحٌ وَقِشْرُهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَلَحْمُهُ فَاكِهَةٌ وَحَمْضُهُ أُدْمٌ وَحَبُّهُ تِرْيَاقٌ وَفِيهِ دَهْنٌ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُحِبُّ النَّظَرَ إلَيْهِ لِمَا فِي مَنْظَرِهِ مِنْ التَّفْرِيحِ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ وَرَقُ الْأُتْرُجِّ حَارٌّ يَابِسٌ فِيهِ تَحْلِيلِ وَتَجْفِيفٌ وَعُصَارَتُهُ إذَا شُرِبَتْ نَفَعَتْ مِنْ رُطُوبَةِ الْمَعِدَةِ وَبَرْدِهَا وَإِذَا مُضِغَ طَيَّبَ النَّكْهَةَ وَقَطَعَ رَائِحَةَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ فَلِهَذِهِ الْمَنَافِعِ الْعَظِيمَةِ الْكَثِيرَةِ حَصَلَ تَشْبِيهُ الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ .
( وَأَمَّا الْحَنْظَلُ ) وَهُوَ الْعَلْقَمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ طَعْمَهُ مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهُ } وَهَذَا حَقٌّ مَعْلُومٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِيهِ مَنَافِعَ وَمَضَارَّ وَإِنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ قَالُوا مِنْهُ ذَكَرٌ وَمِنْهُ أُنْثَى فَالذَّكَرُ لِيفِيٌّ وَالْأُنْثَى رَخْوٌ أَبْيَضُ سَلِسٌ وَالْأَسْوَدُ مِنْهُ رَدِيءٌ ، وَإِذَا لَمْ تَنْسَلِخْ خُضْرَتُهُ عَنْهُ فَهُوَ رَدِيءُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَجَرَتِهِ إلَّا حَنْظَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَهِيَ رَدِيئَةٌ قَتَّالَةٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَصْفَرُ الْهِنْدِيُّ الْمُدْرَكُ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ وَهُوَ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَهُوَ مُحَلِّلٌ مُقَطِّعٌ جَاذِبٌ إذَا دُلِكَ بِهِ الْجُذَامُ وَدَاءُ الْفِيلِ ، نَافِعٌ مِنْ أَوْجَاعِ الْعَصَبِ وَالْمَفَاصِلِ وَالنَّسَاءِ وَالنِّقْرِسِ الْبَارِدِ وَيُنَقِّي الدِّمَاغَ وَيَنْفَعُ مِنْ

بُدُوِّ الْمَاءِ فِي الْعَيْنِ وَأَصْلُهُ نَافِعٌ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَهُوَ يُسَهِّلُ الْبَلْغَمَ مِنْ الْمَفَاصِلِ وَالْعَصَبِ وَيُسَهِّلُ الْمِرَارَ الْأَسْوَدَ وَيَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ الرَّيْحِيِّ ، وَالشَّرْبَةُ مِنْهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ مَعَ عَسَلٍ وَدَانَقٍ وَنِصْفٌ مَعَ الْأَدْوِيَةِ وَأَصْلُهُ يَنْفَعُ مِنْ لَدْغِ الْأَفَاعِي وَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ لِلَدْغِ الْعَقْرَبِ طِلَاءً وَشُرْبًا وَيَتَبَخَّرُ مِنْهُ لِلْبَوَاسِيرِ وَشُرْبُهُ رُبَّمَا أَسْهَلَ الدَّمَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمَعِدَةِ وَتُصْلِحُهُ الْكَثِيرَةُ وَإِذَا اُحْتُمِلَ قَتَلَ الْجَنِينَ .
وَالْمُجْتَنَى أَخْضَرُ يُسَهِّلُ بِإِفْرَاطٍ وَيُقَيِّئُ بِإِفْرَاطٍ وَكَرْبٍ حَتَّى إنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ ، وَالْمُفْرَدُ الثَّابِتُ فِي أَصْلِهِ وَحْدَهُ رُبَّمَا قَتَلَ مِنْهُ وَزْنُ دَانَقَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ مِثْلَ هَذَا عَلَى كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى خَطَرٍ إلَّا مَنْ اجْتَهَدَ فِيهِ فَاجْتَنَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَاعْتَبَرَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صِفَاتِهِ وَاحْتَاطَ مَعَ تَعْجِيلِ أَلَمٍ بِأَكْلِهِ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَذَى وَعَلَى يَقِينٍ مِنْ الْأَلَمِ ، وَنَفْعُهُ مُحْتَمَلٌ وَغَايَتُهُ الظَّنُّ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْأُتْرُجِّ ؟ ( وَأَمَّا الْأَرْزُ ) فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ الْأَرْزَنُ ، يُشْبِهُ شَجَرَ الصَّنَوْبَرِ بِفَتْحِ الصَّادِ يَكُونُ بِالشَّامِ وَبِلَادِ الْأَرْمَنِ وَقِيلَ هُوَ الصَّنَوْبَرُ ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالْأَرَزَةُ بِالتَّحْرِيكِ شَجَرُ الْأَرْزَنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْأَرْزَةُ بِالتَّسْكِينِ شَجَرُ الصَّنَوْبَرِ .
وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ هُوَ ذَكَرُ شَجَرِ الصَّنَوْبَرِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُثْمِرُ وَكَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَاضِحٌ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ مَنَافِعَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بِذَلِكَ وَصِحَّتِهِ .

فَصْلٌ ( فِي اللُّحُومِ وَأَنْوَاعِهَا وَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَمُعَالَجَتِهَا ) .
يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ قَالَ تَعَالَى { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { أَنَّ النَّبِيَّ أَكَلَ اللَّحْمَ وَأَكَلَ لَحْمَ دَجَاجٍ } وَسَبَقَ فِيهِ كَلَامٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَسَيَأْتِي فِي آدَابِ الْأَكْلِ إنْكَارُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مُطْلَقًا وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { سَيِّدُ أُدْمِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مُحْتَجًّا بِهِ .
وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يَصِحُّ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا { سَيِّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ } وَعَنْهُ أَيْضًا { مَا دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى لَحْمِ قَطُّ إلَّا أَجَابَ وَلَا أُهْدِيَ إلَيْهِ لَحْمٌ قَطُّ إلَّا قَبِلَهُ } رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْجَزَرِيِّ وَهُوَ وَاهٍ عِنْدَهُمْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
وَفِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ } أَيْ ثَرِيدُ كُلِّ طَعَامٍ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ فَثَرِيدُ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { كَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّرِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَالثَّرِيدُ مِنْ الْحَيْسِ } وَقَالَ الشَّاعِرُ : إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدُمُهُ بِلَحْمٍ فَذَاكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ فَاللَّحْمُ سَيِّدُ الْإِدَامِ وَالْخُبْزُ أَفْضَلُ الْقُوتِ ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ اللَّحْمَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ طَعَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِجَوْهَرِ الْبَدَنِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } الْأَشْهَرُ أَنَّ الْمَنَّ مَاءٌ يَقَعُ

عَلَى الشَّجَرِ أَوْ الْعَسَلُ أَوْ شَرَابٌ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ أَنَّهُ خُبْزٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السَّلْوَى طَائِرٌ وَقِيلَ الْعَسَلُ ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْفُومَ الْحِنْطَةُ أَوْ الْحُبُوبُ لَا الثُّومُ فَظَهَرَ أَنَّ عَلَى الْأَشْهَرِ أَنَّ اللَّحْمَ خَيْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْحَبِّ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْخُبْزِ أَكْثَرُ وَيَأْتِيَ فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْخُبْزِ بَعْدِ هَذَا الْفَصْلِ .
وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كُلُوا اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يُصَفِّي اللَّوْنَ وَيَخْمُصُ الْبَطْنَ وَيُحَسِّنُ الْخُلُقَ ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَنْ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاءَ خُلُقُهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ : أَكْلُ اللَّحْمِ يَزِيدُ فِي الْبَصَرِ وَقَالَ الزُّهْرِيِّ أَكْلُ اللَّحْمِ يَزِيدُ سَبْعِينَ قُوَّةً ، وَأَمَّا إدْمَانُ اللَّحْمِ فَلَيْسَ هُوَ بِطَرِيقٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ أَكْرَهُ إدْمَانَ اللَّحْمِ .
وَقَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عُمَرُ إذَا كَانَ رَمَضَانُ لَمْ يَفُتْهُ اللَّحْمُ وَإِذَا سَافَرَ لَمْ يَفُتْهُ اللَّحْمُ يَعْنِي لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَقَاءِ الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ وَلِلتَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَفِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضَ أَهْلَ الْبَيْتِ اللَّحْمِيِّينَ قِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْلَ لَحْمِ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ } .
رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْلَ اللَّحْمِ وَيُدْمِنُونَهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَشْبَهُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ يَعْنِي إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ .
وَمِنْهُ كَلْبٌ ضَارِي وَمِثْلُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ صَرِيحًا أَنَّهُ

يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ اللَّحْمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً تَحْتَ مُوسِرٍ وَذَلِكَ مُحَرَّرٌ فِي النَّفَقَاتِ ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ كَمْ يَأْكُلُ الرَّجُلُ اللَّحْمَ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَلَعَلَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَحُكَّ رَأْسَكَ إلَّا بِأَثَرٍ فَافْعَلْ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَكْثَرُ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ ، وَمُرَادُهُ مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ أَبُقْرَاطُ لَا تَجْعَلُوا أَجْوَافَكُمْ مَقْبَرَةً لِلْحَيَوَانِ يَعْنِي إدْمَانَ اللَّحْمِ .
وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ اللُّحُومُ لَا تَصْلُحُ لِلْمُبْتَلَى ، وَإِدْمَانُ اللَّحْمِ يُوَرِّثُ الِامْتِلَاءَ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَصْدِ ، وَاللَّحْمُ الْأَحْمَرُ أَغْذَى مِنْ السَّمِينِ وَأَقَلُّ فُضُولًا وَالْأَجْوَدُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ السَّمِينِ وَالْهَزِيلِ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ اللَّحْمُ يُنْبِتُ اللَّحْمَ ، وَالشَّحْمُ لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا الشَّحْمَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَأَبْعَدُ اللَّحْمِ مِنْ أَنْ يُعَفَّنَ أَقَلُّهُ شَحْمًا وَأَيْبَسُهُ جَوْهَرًا ، أَوْ اللَّحْمُ مُقَوٍّ لِلْبَدَنِ وَأَقْرَبُ اسْتِحَالَةً إلَى الدَّمِ .
( لَحْمُ الْجَدْيِ ) مُعْتَدِلٌ يُبْرِئُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ لَا سِيَّمَا الرَّضِيعِ وَهُوَ أَسْرَعُ هَضْمًا لِقُوَّةِ اللَّبَنُ فِيهِ : مُلَيِّنٌ لِلطَّبْعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُوَافِقُ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ ، وَلَحْمُ الْحُمْلَانِ أَغْلَظُ مِنْهُ وَأَسْخَنُ وَأَكْثَرُ فُضُولًا ، وَهُوَ تَالٍ لِلَحْمِ الْجَدْيِ فِي الْجَوْدَةِ وَقَالَ ابْنُ جَزْلَةَ تَضُرُّ بِالْقُولَنْجِ إذَا كَانَتْ مَشْوِيَّةً وَيُصْلِحُهُ حُلْوُ السُّكَّرِ .
( لَحْمُ الْمَاعِزِ ) يَابِسٌ قَلِيلُ الْحَرَارَةِ وَخَلْطَةُ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ لَيْسَ بِفَاضِلٍ وَلَا جَيِّدِ الْهَضْمِ وَلَا مَحْمُودِ الْغِذَاءِ وَلَحْمُ التَّيْسِ رَدِيءٌ مُطْلَقًا .
وَقَالَ الْجَاحِظُ قَالَ لِي فَاضِلُ مِنْ الْأَطِبَّاءِ يَا أَبَا عُثْمَانَ إيَّاكَ وَلَحْمَ الْمَعْزِ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْغَمَّ وَيُحَرِّكُ السَّوْدَاءَ وَيُوَرِّثُ النِّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ ، وَهُوَ وَاَللَّهِ يَخْبِلُ

الْأَوْلَادَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : الْمَذْمُومُ مِنْهُ الْمُسِنُّ لَا سِيَّمَا لِلْمُسِنِّينَ وَلَا رَدَاءَةَ فِيهِ لِمَنْ اعْتَادَهُ ، وَجَالِينُوسُ جَعَلَ الْحَوْلِيُّ مِنْهُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْمُعَدِّلَةِ الْكَيْمُوسَ الْمَحْمُودَ ، وَإِنَاثُهُ أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِهِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ مَا يَضُرُّ مِنْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ، فَيَضُرُّ مَعَ ضَعْفِ الْمِزَاجِ وَالْمَعِدَةِ وَعَدَمِ اعْتِيَادِهِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَحْمُ ( الضَّأْنِ ) حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي الْأُولَى يُوَلِّدُ دَمًا قَوِيًّا مَحْمُودًا لِمَنْ جَادَ هَضْمُهُ ، يَصْلُحُ لِمَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ وَمُعْتَدِلٌ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الْمُرَّةِ السَّوْدَاءِ يُقَوِّي الذِّهْنَ وَالْحِفْظَ ، وَحَرَاقَةُ لَحْمِهِ تُطْلَى عَلَى الْبَهَقِ وَالْقَوَابِي وَرَمَادُ لَحْمِ الْبِيضِ يَنْفَعُ بَيَاضَ الْعَيْنِ وَلَحْمُهُ الْمُحْتَرَقُ لِلَسْعِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَيُوَلِّدُ أَكْلُهُ بَلْغَمًا فَيَتْبَعُ بِمَا يُحَلِّلُهُ وَيَنْفُذُهُ كَحُلْوِ السُّكَّرِ ، وَيَضُرُّ لِمَنْ اعْتَادَهُ الْغَثَيَانُ فَيَعْمَلُهُ بِأَمْرَاقٍ قَابِضَةٍ .
وَلَحْمُ النِّعَاجِ وَالْهَرِمِ وَالْعَجِيفُ رَدِيءٌ وَالْأَسْوَدُ مِنْ لَحْمِ الذَّكَرِ أَجْوَدُ وَأَخَفُّ وَأَلَذُّ وَأَنْفَعُ ، وَالْخَصِيّ أَنْفَعُ وَأَجْوَدُ ، وَأَفْضَلُ اللَّحْمِ الْمُتَّصِلُ بِالْعَظْمِ وَالْأَيْمَنُ أَخَفُّ وَأَجْوَدُ مِنْ الْأَيْسَرِ ، وَمَقَادِمُ الْحَيَوَانِ أَخَفُّ وَأَسْخَنُ وَكُلُّ مَا عَلَا مِنْهُ سِوَى الرَّأْسِ كَانَ أَخَفَّ وَأَجْوَدَ مِمَّا سَفُلَ وَأَعْطَى الْفَرَزْدَقُ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ لَحْمًا وَقَالَ لَهُ خُذْ الْمَقْدَمَ ، وَإِيَّاكَ وَالرَّأْسَ وَالْبَطْنَ فَإِنَّ الدَّاءَ فِيهِمَا .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا { اتَّخِذِي غَنَمًا فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ { الْإِبِلُ عِزٌّ

لِأَهْلِهَا وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ ، وَالْخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَرَوَاهُ الْيَرَقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { الشَّاةُ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ } .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَحْسِنُوا إلَى الْمَعْزِ وَأَمِيطُوا عَنْهَا الْأَذَى فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ } .
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَحْسِنْ إلَى غَنَمِكَ وَامْسَحْ الرُّعَامَ عَنْهَا وَأَطِبْ مُرَاحَهَا وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ مِنْ الْغَنَمِ أَحَبُّ إلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ : الرُّعَامُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَاطُ .
( لَحْمُ الْبَقَرِ ) بَارِدٌ يَابِسٌ أَكْثَرُ مِنْ لَحْمِ الْمَعْزِ ، وَقِيلَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الرَّابِعَةِ كَثِيرُ الْغِذَاءِ وَأَفْضَلُ مَا أُكِلَ مِنْهُ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ غَلِيظٌ عَسِرُ الْهَضْمِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ يُوَلِّدُ دَمًا غَلِيظًا مُنْتِنًا سَوْدَاوِيًّا ، لَا يَصْلُحُ لِأَهْلِ الْكَدِّ وَالتَّعَبِ الشَّدِيدِ ، وَيُوَرِّثُ إدْمَانُهُ الْأَمْرَاضَ السَّوْدَاوِيَّةَ كَالْجَرَبِ .
وَالْبَهَقِ وَالْجُذَامِ وَالْقُوبَا وَدَاءِ الْفِيلِ وَالسَّرَطَانِ وَالْوَسْوَاسِ وَحُمَّى الرِّبْعِ وَكَثِيرًا مِنْ الْأَوْرَامِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ أَوْ لِمَنْ لَمْ يَدْفَعْ ضَرَرَهُ بِالثُّومِ وَالدَّارَصِينِيِّ وَالْفُلْفُلِ وَالزَّنْجَبِيلِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ جَزْلَةَ الْعَادَةَ وَإِنَّمَا قَالَ يُقَلِّلُ ضَرَرَهُ وَيُصْلِحُهُ بَعْضَ الْإِصْلَاحِ الدَّارَصِينِيِّ وَالزَّنْجَبِيلُ وَالْفُلْفُلُ ، وَلَحْمُ الْأُنْثَى أَقَلُّ يُبْسًا وَلَحْمُ الذَّكَرِ أَقَلُّ بَرْدًا وَلَحْمُ الْعِجْلِ لَا سِيَّمَا السَّمِينِ قَالَ بَعْضُهُمْ : الْقَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ حَارٌّ رَطْبٌ مُعْتَدِلُ الْغِذَاءِ طَيِّبٌ لَذِيذٌ مَحْمُودٌ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ خَيْرٌ مِنْ الْكِبَاشِ قَالَ وَيَضُرُّ

بِالْمَطْحُولِينَ ، وَيُصْلِحُهُ الرِّيَاضَةُ وَالِاسْتِحْمَامُ .
( لَحْمُ الْجَزُورِ ) شَدِيدُ الْحَرَارَةِ وَالْإِسْخَانِ يَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْكَدِّ الشَّدِيدِ وَالرِّيَاضَةِ الْقَوِيَّةِ غَلِيظُ الْغِذَاءِ يُوَلِّدُ السَّوْدَاءَ وَيُصْلِحُهُ الزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَنْ اعْتَادَهُ لَا يَضُرُّهُ بَلْ هُوَ كَلَحْمِ الضَّأْنِ لِمَنْ اعْتَادَهُ وَمِثْلُهُ لَحْمُ الْخَيْلِ .
( لَحْمُ الْغَزَالِ ) أَصْلَحُ الصَّيْدِ وَأَحْمَدُهُ عَلَى أَنَّهَا بِأَسْرِهَا رَدِيئَةٌ تُوَلِّدُ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيًّا ، وَالْغَزَالُ أَقَلُّهَا غِذَاءً وَأَجْوَدُهُ الْخَشَفُ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ يَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ وَالْفَالِجِ وَيَصْلُحُ لِلْبَدَنِ الْكَثِيرِ الْفُضُولِ وَهُوَ يُجَفَّفُ وَيُسَخَّنُ وَتُصْلِحُهُ الْأَدْهَانُ وَالْحَوَامِضُ .
( لَحْمُ الْأَرْنَبِ ) بَعْدَ الْغَزَالِ فِي الْجَوْدَةِ وَأَجْوَدُهُ مَا تَصِيدُ الْكِلَابُ حَارٌّ يَابِسٌ يَجْلِسُ فِي مَرَقِهِ صَاحِبُ النِّقْرِسِ وَوَجَعِ الْمَفَاصِلِ وَيُقَارِبُ مَنْفَعَتُهُ مَرَقَ الثَّعْلَبِ ، وَلَحْمُهُ الْمَشْوِيُّ جَيِّدٌ لِقُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَهُوَ يَعْقِلُ الطَّبْعَ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ وَيُفَتِّتُ الْحَصَاةَ وَهُوَ غَلِيظٌ يُحْدِثُ حُمَّى رِبْعٍ وَأَكْلُ رُءُوسِهَا يَنْفَعُ مِنْ الرَّعْشَةِ .
لَحْمُ الْكِبَاشِ الْجَبَلِيَّةِ وَالْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ ) حَارَّةٌ يَابِسَةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ رَدِيءُ الْغِذَاءِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ وَحِمَارُ الْوَحْشِ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يُوَلِّدُ دَمًا غَلِيظًا سَوْدَاوِيًّا وَشَحْمُهُ نَافِعٌ مَعَ دُهْنِ الْقُسْطِ لِوَجَعِ الظَّهْرِ ، وَالرِّيحِ الْغَلِيظَةِ الْمُرْخِيَةِ لِلْكُلَى .
وَشَحْمُهُ جَيِّدٌ لِلْكَلَفِ طِلَاءً .
( لَحْمُ الضَّبِّ ) حَارٌّ يَابِسٌ يُقَوِّي شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَبَعْرُهُ يُطْلَى بِهِ الْكَلَفُ وَالنَّمَشُ وَيَقْلَعُ بَيَاضَ الْعَيْنِ ، وَإِذَا دُقَّ لَحْمُهُ وَوُضِعَ عَلَى مَوْضِعِ الشَّوْكَةِ اجْتَذَبَهَا ( لَحْمُ الْأَجِنَّةِ ) غَيْرُ مَحْمُودٍ لِاخْتِنَاقِ الدَّمِ وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ .
الرُّءُوسُ غَلِيظَةٌ كَثِيرَةُ الْإِغْذَاءِ تُؤْكَلُ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ مُسَخَّنَةً كَثِيرًا مَا

تَهِيجُ مِنْهَا الْحُمَّى وَالْقُولَنْجُ لَكِنَّهَا تُقَوِّي غَايَةَ الْقُوَّةِ وَتَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ .
( الْأَكَارِعُ ) تُوَلِّدُ دَمًا أَبْرَدَ وَأَلْزَجَ وَأَخَفَّ مِمَّا يُوَلِّدُ اللَّحْمُ .
( الْأَلْيَةُ ) رَدِيئَةُ الْغِذَاءِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَيُصْلِحُهَا الْأَبَازِيرُ الْحَارَّةُ وَهِيَ حَارَّةٌ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ مُتْخِمَةٌ تُوَلِّدُ الصَّفْرَاءَ .
( وَالشَّحْمُ ) حَارٌّ رَطْبٌ أَقَلُّ رُطُوبَةً مِنْ السَّمْنِ وَلِهَذَا لَوْ أُذِيبَا كَانَ الشَّحْمُ أَسْرَعَ جُمُودًا يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَيُرْخِي وَيُعَفِّنُ وَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِاللَّيْمُونِ الْمَمْلُوحِ وَالزَّنْجَبِيلِ ، وَشَحْمُ الْمِعْزَى أَقْبَضُ الشُّحُومِ ، وَشَحْمُ التَّيْسِ أَشَدُّ تَحْلِيلًا وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ ، وَشَحْمُ الْعَنْزِ أَقْوَى فِي ذَلِكَ وَيُحْتَقَنُ بِهِ لِلزَّحِيرِ .
( اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ ) كَثِيرُ الْإِغْذَاءِ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَيُغَذِّيهِ بِسُرْعَةٍ وَيَصْلُحُ لِمَنْ اسْتَفْرَغَ بَدَنُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عَسِرُ الْهَضْمِ لَا يَكَادُ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْهَضْمُ عَنْ آخِرِهِ وَلَا يَنْبَغِي عَلَى طَعَامٍ وَلَا يُخْلَطُ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُشْرَبُ عَلَيْهِ سَاعَةَ الْأَكْلِ ، إلَّا قَلِيلًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْمَطْبُوخُ أَرْطَبُ وَأَخَفُّ وَأَنْفَعُ .
وَأَرْدَؤُهُ الْمَشْوِيُّ فِي الشَّمْسِ وَالْمَشْوِيُّ عَلَى الْجَمْرِ وَالرَّضَفِ وَهُوَ الْحَنِيذُ خَيْرٌ مِنْ الْمَشْوِيِّ بِاللَّهَبِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : { أَكَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمًا فِي الْمَسْجِدِ قَدْ شُوِيَ فَمَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالْحَصْبَاءِ ثُمَّ قُمْنَا نُصَلِّي وَلَمْ نَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ : الشِّوَاءُ غَلِيظٌ كَثِيرُ الْإِغْذَاءِ لَا يَسْتَمْرِئُهُ إلَّا الْمَعِدَةُ الْحَارَّةُ الْقَوِيَّةُ يُمْسِكُ الْبَطْنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ مَعَهُ مَا يُلَطِّفُهُ وَكَثِيرًا مَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْقُولَنْجُ وَخُصُوصًا إذَا أُكِلَ مَعَهُ بَقْلٌ كَثِيرٌ وَشُرِبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ .
( الْمُطَجَّنَةُ ) أَغْذَاؤُهَا رَدِيءٌ قَلِيلٌ يَصْلُحُ

لِمَنْ يَتَجَشَّى جُشَاءً حَامِضًا .
( الْقَلَايَا ) حَارَّةٌ مُعْتَدِلَةُ الْيُبْسِ فَإِنْ كَانَتْ مَقْلُوَّةً بِالسَّمْنِ فَهِيَ بَطِيئَةٌ تُجَوِّدُ الْحِفْظَ وَتَقْطَعُ الْبَلَاغِمَ وَهِيَ تَضُرُّ بِفَمِ الْمَعِدَةِ لِبُطْءِ هَضْمِهَا وَتُصْلِحُهَا الْمُحْمِضَاتُ وَكُلُّ ضَرْبٍ مِنْ الْمُطَجَّنَاتِ وَالْقَلَايَا قَلِيلَةُ الْإِغْذَاءِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأَلْوَانِ الَّتِي لَهَا ثُرُدٌ وَأَمْرَاقٌ تَصْلُحُ لِمَنْ يَشْكُو رُطُوبَةً وَيَجِبُ تَخْفِيفُ بَدَنِهِ وَتَلْطِيفُهُ .
( قَدِيدٌ ) أَكَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَنْفَعُ مِنْ الْمَكْسُودِ يُقَوِّي الْأَبْدَانَ قَلِيلُ الْغِذَاءِ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْبَخَ بِالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ وَيَنْفَعُ الْمُسْتَسْقِي الْمُتَرَهِّلُ سِيَّمَا الْمَنْقُوعُ فِي الْخَلِّ لِقِلَّةِ تَعْطِيشِهِ وَكَذَا يُطْبَخُ الْمَكْسُودُ بِالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ يَضُرُّ بِالْقُولَنْجِ .
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ { : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { لَقَدْ كُنَّا نَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَيَأْكُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْأَضَاحِيِّ } .
( قُلُوبٌ ) حَارَّةٌ صَالِحَةٌ لِأَصْحَابِ الْكَدِّ وَتَضُرُّ بِآلَاتِ الْهَضْمِ لِعُسْرِ انْهِضَامِهَا وَلِهَذَا تُعْمَلُ بِخَلٍّ ، وَفُلْفُلٍ ، وَكَمُّونٍ ، وَصَعْتَرٍ ، وَيُسْتَعْمَلُ بَعْدَهَا الزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى .
( كَبِدٌ ) حَارَّةٌ رَطْبَةُ الدَّمِ الْمُتَوَلَّدُ مِنْهَا مَحْمُودٌ يَنْبَغِي أَنْ تُعْمَلَ بِمَا يُلَطِّفُهَا كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ كُبُودُ الْمَوَاشِي فَإِنْ أُكِلَ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيُتْبَعْ بِبَعْضِ الجوارشنات ، وَإِذَا انْهَضَمَ الْقَلْبُ وَالْكَبِدُ غَذَّى كَثِيرًا .
( كُلًى ) مُعْتَدِلَةُ الْحَرِّ وَالْيُبْسُ وَقِيلَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ تَحْبِسُ الطَّبْعَ

خَلْطُهَا رَدِيءٌ عَسِرُ الْهَضْمِ فَلِهَذَا تُنْضَجُ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ بَخْتَيَشُوعَ إدَامَةُ أَكْلِ كُلَى الْغَنَمِ يُعَفِّنَ الْمَثَانَةَ .
( رِئَةٌ ) حَارَّةٌ رَطْبَةٌ سَهْلَةُ الْهَضْمِ تَحْبِسُ الطَّبْعَ يُعَلَّلُ بِهَا النَّاقِهُونَ لِلَطَافَتِهَا وَسُرْعَةِ انْحِدَارِهَا ، قَلِيلَةُ الْغِذَاءِ ، تَضُرُّ بِأَصْحَابِ الْكَدِّ ، وَقِيلَ هِيَ يَابِسَةٌ عَسِرَةُ الْهَضْمِ .
( كُرُوشٌ ) بَارِدَةٌ عَسِرَةُ الْهَضْمِ رَدِيئَةُ الْكَيْمُوسِ يَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّلَ بِفُلْفُلٍ وَنَحْوِهِ .
( وَأَمَّا لَحْمُ الطَّيْرِ ) فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الطَّيْرِ } وَيُوَافِقُ ذَلِكَ تَخْصِيصُهُ تَعَالَى لَحْمَ الطَّيْرِ بِقَوْلِهِ : { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } .
( لَحْمُ دَجَاجٍ ) حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ مُعْتَدِلُ الْحَرِّ يَزِيدُ فِي الدِّمَاغِ وَالْعَقْلِ وَالْمَنِيِّ يُصَفِّي الصَّوْتَ ، وَيُحَسِّنُ الصَّوْتَ ، وَيُحَسِّنُ اللَّوْنَ .
وَهِيَ مِنْ أَغْذِيَةِ النَّاقِهِينَ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُدَاوَى بِهَا صَاحِبُ الرِّيَاضَةِ وَالْكَدِّ ، وَيُقَالُ أَكْلُهُ دَائِمًا يُوَرِّثُ النَّقْرَسَ وَلَا يَصِحُّ هَذَا ، وَلَحْمُ الدُّيُوكِ أَسْخَنُ مِزَاجًا وَأَقَلُّ رُطُوبَةٍ ، وَالْعَتِيقُ مِنْهُ دَوَاءٌ يَنْفَعُ الْقُولَنْجَ وَالرَّبْوَ وَالرِّيَاحَ الْغَلِيظَةَ إذَا طُبِخَ بِمَاءِ الْقُرْطُمِ وَالشِّبِتِّ ، وَخَصِيُّهَا مَحْمُودُ الْغِذَاءِ سَرِيعُ الْهَضْمِ ، وَالْفَرَارِيجُ سَرِيعَةُ الْهَضْمِ مُلَيِّنَةٌ لِلطَّبْعِ دَمُهَا لَطِيفٌ جَيِّدٌ .
( لَحْمُ الدُّرَّاجِ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ خَفِيفٌ لَطِيفٌ سَرِيعُ الْهَضْمِ ، دَمُهُ مُعْتَدِلٌ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَحِدُّ الْبَصَرَ ، وَهُوَ أَعْدَلُ وَأَفْضَلُ وَأَلْطَفُ مِنْ لَحْمِ الْحَجَلِ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُمْسِكُ الطَّبْعَ ، وَيَصْلُحُ لِلنَّاقِهَيْنِ .
( لَحْمُ الْحَجَلِ ) وَهُوَ الْقَبَجُ مِنْ أَلْطَفِ اللُّحُومِ حَارٌّ رَطْبٌ يَعْقِلُ الطَّبْعَ وَيُسْمِنُ وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُغَذِّي كَثِيرًا إذَا اُسْتُمْرِئَتْ ؛ لِأَنَّهَا بَطِيئَةُ الْهَضْمِ .
( لَحْمُ الْإِوَزِّ ) كِبَارُ

الطَّيْرِ جَمِيعًا غَلِيظَةُ اللَّحْمِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلَى قَبْلَ شَيِّهِ بِزَيْتٍ لِيُذْهِبَ سَهُوكَتَهُ ، حَارٌّ رَطْبٌ أَوْ رَطْبُ الطَّيْرِ الْحَضَرِيِّ يُخْصِبُ التَّحْفَاءَ وَلَكِنَّهُ يَمْلَأُ الْبَدَنَ فُضُولًا غَلِيظَةً ، وَيُطْبَخُ بِأَبَازِيرَ حَارَّةٍ .
( بَطٌّ ) أَجْنِحَتُهُ أَخَفُّ كَثِيرُ الرُّطُوبَةِ وَالْحَرَارَةِ ، وَلَعَلَّهُ أَرْطَبُ الطَّيْرِ الْحَامِي وَشَحْمُهُ أَفْضَلُ شُحُومِ الطَّيْرِ ، يُسَكِّنُ الْأَوْجَاعَ وَاللَّذَغَ فِي عُمْقِ الْبَدَنِ ، وَلَحْمُهُ يُصَفِّي اللَّوْنَ وَالصَّوْتَ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ إذَا انْهَضَمَ غَذَّى كَثِيرًا ، بَطِيءُ الْهَضْمِ ، ثَقِيلٌ كَثِيرُ الْفُضُولِ سَرِيعٌ إلَى حُدُوثِ الْحُمَّيَاتِ ، وَيُطْبَخُ بِأَبَازِيرَ حَارَّةٍ ، وَيُطْلَى بِزَيْتٍ قَبْلَ شَيِّهِ .
( حُبَارَى ) رَطْبَةٌ بَيْنَ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فِي الْغِلَظِ : يُسَكِّنُ الرِّيَاحَ يَضُرُّ بِالْمَفَاصِلِ وَالْقُولَنْجِ ، عَسِرَةُ الْهَضْمِ يُعْمَلُ بِدَارَصِينِيِّ وَخَلٍّ وَزَيْتٍ ، وَيُؤْكَلُ بَعْدَهَا عَسَلٌ أَوْ زَنْجَبِيلٌ مُرَبَّى .
( لَحْمُ الْكُرْكِيِّ ) يَابِسٌ وَالْأَصَحُّ حَارٌّ ، يَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْكَدِّ سَيِّئُ الِاسْتِمْرَاءِ ، وَلِهَذَا يُعْمَلُ بِأَبَازِيرَ حَارَّةٍ وَبَعْدَهَا عَسَلٌ .
( طَاوُسِ ) أَجْوَدُهَا الْحَدِيثَةُ السِّنِّ حَارَّةٌ تَصْلُحُ لِلْمَعِدَةِ الْجَيِّدَةِ الْهَضْمِ رَدِيئَةِ الْمِزَاجِ أَعْسَرُ الطَّيْرِ هَضْمًا ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ بَعْدِ ذَبْحِهَا يَوْمَيْنِ وَتُشَدُّ فِي أَرْجُلِهَا الْحِجَارَةُ وَتُعَلَّقُ ثُمَّ تُطْبَخُ بِالْخَلِّ قَالَ بَعْضُهُمْ : الطَّاوُسُ إذَا نَظَرَ إلَى طَعَامٍ مَسْمُومٍ أَوْ شَمَّ رَوَائِحَ السُّمِّ نَشَرَ جَنَاحَهُ وَصَاحَ وَرَقَصَ ، وَهَذِهِ حِكْمَةُ اتِّخَاذِ الْمُلُوكِ لَهُ فِي مَجَالِسِهِمْ لَا كَمَا يَظُنُّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ لِحُسْنِ رِيشِهِ ، وَكَذَلِكَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالْبَبَّغَاءِ .
( لَحْمُ الْعُصْفُورِ ) حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ عَاقِلٌ لِلطَّبِيعَةِ وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَخَاصَّةً أَدْمِغَةُ الْعَصَافِيرِ ، وَتَضُرُّ بِالرُّطُوبَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَتُوَلِّدُ خَلْطًا صَفْرَاوِيًّا وَيَنْبَغِي أَنْ

يُعْمَلَ بِدُهْنِ اللَّوْزِ ، وَمَرَقُهُ يُلَيِّنُ الطَّبْعَ وَالْمَفَاصِلَ .
لَحْمُ الْقَنَابِرِ ) نَحْوَ ذَلِكَ لَكِنْ غِذَاؤُهَا مَحْمُودٌ وَمَرَقُهَا يَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ ( لَحْمُ الْحَمَامِ ) حَارٌّ قَالَ بَعْضُهُمْ : رَطْبٌ وَنَاهِضُهُ أَجْوَدُ مِنْ فِرَاخِهِ وَفِي فِرَاخِهِ حَرَارَةٌ وَرُطُوبَةٌ فَضْلِيَّةٌ تَضُرُّ بِالدِّمَاغِ وَالْعَيْنِ ، جَيِّدٌ لِلْبَاهِ وَالْكُلَى يَزِيدُ فِي الدَّمِ .
( لَحْمُ الْقَطَا ) شَدِيدُ الْيُبْسِ قَلِيلُ الْحَرَارَةِ عَسِرُ الْهَضْمِ ، يُوَلِّدُ السَّوْدَاءَ رَدِيءُ الْغِذَاءِ يَقِلُّ ضَرَرُهُ بِالدُّهْنِ لَكِنَّهُ يَنْفَعُ الِاسْتِسْقَاءَ .
( لَحْمُ السُّمَانَى ) حَارٌّ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْمَفَاصِلَ مِنْ بَرْدٍ وَيَضُرُّ بِالْكَبِدِ الْحَارَّةِ وَدَفْعُ مَضَرَّتِهِ بِالْخَلِّ وَالْكُسْفُرَةِ وَمَا كَانَ مِنْ الطَّيْرِ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَفِنَةِ وَالْآجَامِ فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُ لَحْمِهِ ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ أَسْرَعُ هَضْمًا مِنْ الْمَوَاشِي وَأَسْرَعُهُ مَا قَلَّ غِذَاؤُهُ وَهُوَ الرِّقَابُ وَأَدْمِغَتُهُ أَحْمَدُ مِنْ أَدْمِغَةِ الْمَوَاشِي .
( جَرَادٌ ) حَارٌّ يَابِسٌ قَلِيلُ الْغِذَاءِ يُهْزِلُ ، وَإِذَا تُبُخِّرَ بِهِ نَفَعَ مِنْ نُقْطَةِ الْبَوْلِ وَعُسْرِهِ وَخَاصَّةً النِّسَاءَ ، وَتُبَخَّرُ بِهِ الْبَوَاسِيرُ ، وَيُشْوَى وَيُؤْكَلُ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ ، وَيَضُرُّ أَصْحَابَ الصَّرَعِ ، وَخَلْطُهُ رَدِيءٌ ، وَالْمَرَقُ نَافِعٌ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثِّقَلُ يَعْنِي ثِقَلَ الْمَرَقِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَى أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { إذْ عَمِلْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ } وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { إذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لَحْمًا فَلْيُكْثِرْ مَرَقَتَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُ لَحْمًا أَصَابَ مَرَقًا وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ .

فَصْلٌ ( فِي الْخُبْزِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ ؛ وَأَنْوَاعِهِ وَخَوَاصِّهَا ) .
وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْأَلْبَانِ فِي فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ وَذِكْرُ مُفْرَدَاتٍ وَرَدَ فِيهَا شَيْءٌ وَمِنْهَا الْجُبْنُ وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ .
وَأَمَّا ذِكْرُ الْخُبْزِ فَسَبَقَ فِيهِ شَيْءٌ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ } عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { كَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّرِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَالثَّرِيدُ مِنْ الْحَيْسِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي خُبْزَةً بَيْضَاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ مَقْلِيَّةٍ بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَاتَّخَذَهُ ، فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ فِي أَيْ شَيْءٍ كَانَ هَذَا السَّمْنُ ؟ فَقَالَ فِي عُكِّ ضَبٍّ قَالَ ارْفَعْهُ ، } وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { أَكْرِمُوا الْخُبْزَ وَمِنْ كَرَامَتِهِ أَنْ لَا تَنْتَظِرَ بِهِ الْأُدْمَ } وَلَا يَصِحُّ هَذَا وَأَظُنُّ وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ ذِكْرُ الْخُبْزِ فِي أَحَادِيثَ .
وَأَحْمَدُ أَنْوَاعِ الْخُبْزِ أَجْوَدُهُ اخْتِمَارًا وَعَجْنًا ثُمَّ خُبْزُ التَّنُّورِ أَجْوَدُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ خُبْزُ الْفُرْنِ ثُمَّ خُبْزُ الْمَلَّة لِاحْتِرَاقِ ظَاهِرِهِ وَقِلَّةِ نُضْجِ بَاطِنِهِ وَيُسِيءُ الْهَضْمَ .
وَأَجْوَدُهُ الْخُبْزُ الَّذِي مِنْ الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ يُسْمِنُ بِسُرْعَةٍ ، وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِهِ تَغْذِيَةً خُبْزُ السَّمِيدِ الْمُتَّخَذِ مِنْ لِبَابِ الْحِنْطَةِ وَأَبْطَؤُهُ هَضْمًا لِقِلَّةِ نُخَالَتِهِ وَلِذَلِكَ يُوَلِّدُ سَدَادًا وَالْقَرِيبُ الْعَهْدِ بِالطَّحْنِ يَحْبِسُ الْبَطْنَ وَالْبَعِيدُ بِالْعَكْسِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِ أَكْلِهِ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الَّذِي خُبِزَ فِيهِ وَاللَّيِّنُ مِنْهُ أَكْثَرُ تَلْيِينًا وَغِذَاءً وَتَرْطِيبًا وَأَسْرَعُ انْحِدَارًا وَالْيَابِسُ بِخِلَافِهِ ، وَالْخُبْزُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14