الكتاب : الآداب الشرعية
المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيّ

الْحَارُّ يُعَطِّشُ وَيُصَفِّرُ لِرُطُوبَتِهِ الْبُخَارِيَّةِ وَيُشْبِعُ بِسُرْعَةٍ لِذَلِكَ ، وَهُوَ أَسْرَعُ انْهِضَامًا وَأَبْطَأُ انْحِدَارًا وَالْخُبْزُ الْيَابِسُ يَعْقِلُ .
وَالْفَطِيرُ إذَا جُعِلَ فِي الْمَاءِ رَسَبَ وَالْمُخْتَمَرُ جِدًّا يَطْفُو وَالْمُتَوَسِّطُ يُتَوَسَّطُ ، وَالْفَطِيرُ بَطِيءُ الْهَضْمِ يُوَلَّدُ الرِّيَاحَ وَالْحَصَى وَالسَّدَادَ ، وَقَدْ يَقَعُ مَنْ يُدَاوِمُهُ فِي أَمْرَاضٍ خَطِرَةٍ لَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا ، وَمِمَّا يُقَلِّلُ ضَرَرَهُ الزَّنْجَبِيلُ والأطريفل بَعْدَهُ أَوْ مَاءُ الْعَسَلِ وَالرِّيَاضَةُ وَالِاسْتِحْمَامُ ، وَالْفَتِيتُ نَفَّاخٌ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَالْمَعْمُولُ بِاللَّبَنِ مُسَدِّدٌ كَثِيرُ الْغِذَاءِ بَطِيءُ الِانْحِدَارِ ، وَخُبْزُ الْأَبَازِيرِ الَّذِي يُعْجَنُ بِشَيْرَجٍ وَسِمْسِمٍ يُتْخِمُ وَيُؤْذِي الْمَعِدَةَ وَيُوَلِّدُ خَلْطًا رَدِيئًا ، وَيُصْلِحُهُ اللَّبَنُ أَوْ السُّكَّرُ أَوْ الْعَسَلُ ، وَالْخُبْزُ حَارٌّ فِي وَسَطِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ قَرِيبٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الرُّطُوبَةِ وَالْيُبْسِ يَغْلِبُ عَلَى مَا جَفَّفَتْهُ النَّارُ مِنْهُ وَالرُّطُوبَةُ عَلَى ضِدِّهِ .
وَالْقَطَائِفُ غَلِيظَةٌ مُسَمِّنَةٌ مُغَذِّيَةٌ لِلْبَدَنِ جِدًّا .
وَالزَّلَابِيَّةُ أَخَفُّ مِنْهَا وَأَسْرَعُ هَضْمًا تَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ الرَّطْبِ وَرُطُوبَةِ الصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَتُوَلِّدُ سُخُونَةً ، وَيُصْلِحُهَا أَنْ يُؤْخَذَ مَعَهَا السَّكَنْجَبِينَ أَوْ الرُّمَّانُ الْمُزُّ ، وَقَدْ يُوَلِّدُ سَدَدًا .
وَخُبْزُ الشَّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأَوَّلِ قَلِيلُ الْغِذَاءِ رَدِيئُهُ يُصْلِحُهُ الْأَشْيَاءُ الدَّهِنَةُ ، وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ يُنَقِّي الْوَجْهَ .

فَصْلٌ ( فِي اسْتِطْبَابِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَائْتِمَانِهِمْ وَنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ وَالطَّبِيبَاتِ إلَى الْعَوْرَاتِ ) .
يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ وَكَذَا مَا وَصَفَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَوْ عَمَلِهِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَذَكَرُوا أَلَّا تَطِبَّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَا تَقْبَلْهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ تَطِبُّهَا أَوْ تَقْبَلْهَا ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْرِيمِ نَظَرِ الذِّمِّيَّةِ لِلْمُسْلِمَةِ وَإِلَّا جَازَ ، وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَقْبَلْهَا .
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِبَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ نَظَرِ الذِّمِّيَّةِ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِبَّ ذِمِّيًّا إذَا لَمْ يَجِدُ غَيْرَهُ عَلَى احْتِمَالٍ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ أَدْخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلَ يَصِفُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ مَا وَصَفَهُ ثُمَّ أَمَرَنِي فَاشْتَرَيْتُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلدَّاءِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَلَا حَرَجَ فِي تَنَاوُلِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشَارَ بِالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ ، وَالصَّلَاةِ جَالِسًا وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ فَتَعَلَّقَ بِالدِّينِ فَلَا يُقْبَلُ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ التِّرْمِذِيِّ : يُكْرَهُ شُرْبُ دَوَاءِ الْمُشْرِكِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ لَا أَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَصِفُ لَهُ النَّصَارَى وَلَا يَشْرَبُ مِنْ أَدْوِيَتِهِمْ وَلِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْلِطُوا بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ السُّمُومَاتِ وَالنَّجَاسَاتِ فَهَذَا مِنْ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُ دَوَاءِ ذِمِّيٍّ لَمْ تُعْرَفْ مُفْرَدَاتُهُ وَسَبَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكَرَاهَةُ وَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَفِيمَا كَرِهَهُ الْخِلَافَ الْمَشْهُورُ

هَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إذَا كَانَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ خَبِيرًا بِالطِّبِّ ثِقَةً عِنْدَ الْإِنْسَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ الْمَالَ وَأَنْ يُعَامِلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ } .
وَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا مُشْرِكًا هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ وَائْتَمَنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ ، } وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يَسْتَطِبَّ الْحَارِثُ بْنُ كِلْدَةَ وَكَانَ كَافِرًا ، } وَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُودِعَهُ أَوْ يُعَامِلَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ ، وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى ائْتِمَانِ الْكِتَابِيِّ أَوْ اسْتِطْبَابِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَإِذَا خَاطَبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَانَ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي حَدِيثِهِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ { وَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةُ وَقَبُولُهُ خَبَرَهُ } إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ قَبُولُ الْمُتَطَبِّبِ الْكَافِرِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ وَوَجْهِ الْعِلَاجِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِيمَا يَصِفُهُ وَكَانَ غَيْرَ مَظْنُونٍ بِهِ الرِّيبَةُ .
فَإِنْ مَرِضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَطِبُّهَا غَيْرُ رَجُلٍ جَازَ لَهُ مِنْهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرَهُ مِنْهُ حَتَّى الْفَرْجَيْنِ وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ

ابْنُ حَمْدَانَ : وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَطِبُّهُ سِوَى امْرَأَةٍ فَلَهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرِهِ مِنْهُ حَتَّى فَرْجَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَحَرْبٍ وَالْأَثْرَمِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَالْمَرُّوذِيِّ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَيُشَاهِدُ مِنْهَا عَوْرَةً فِي حَالِ الْمَرَضِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَنْ يَلِيَ بَعْضَهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ وَإِسْمَاعِيلَ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْأَةُ يَكُونُ بِهَا الْكَسْرُ فَيَضَعُ الْمُجَبِّرُ يَدَهُ عَلَيْهَا قَالَ : هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُجَبِّرٌ يَعْمَلُ بِخَشَبَةٍ فَقَالَ لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَكْشِفَ صَدْرَ الْمَرْأَةِ وَأَضَعَ يَدِي عَلَيْهَا ، قَالَ قَالَ طَلْحَةُ يُؤْجَرُ قُلْتُ ابْنُ مُضَرِّسٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ فَأَيْشٍ تَقُولُ ؟ قَالَ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَالْكَحَّالُ يَخْلُو بِالْمَرْأَةِ وَقَدْ انْصَرَفَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ النِّسَاءِ هَلْ هَذِهِ الْخَلْوَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا قَالَ أَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ إنَّمَا الْخَلْوَةُ تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ .

فَصْلٌ ( فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ ) .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ وَنَقْلِهِ إلَّا ضَرُورَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَنَحْوَهُمَا .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ أَتَّخِذ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : لَا تَرْفَعُوهُمْ إذْ وَضَعَهُمْ اللَّهُ ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ مَا لَا يَخْفَى وَهِيَ مَا يَلْزَمُ عَادَةً أَوْ مَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيرِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ ، وَالْقِيَامِ لَهُمْ وَجُلُوسِهِمْ فَوْقَ الْمُسْلِمِينَ وَابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرَدِّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَأَكْلِهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَمْكَنَهُمْ لِخِيَانَتِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ حِلِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْجِهَادِ مَعَ حُسْنِ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمْنِ مِنْهُمْ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا سِيَّمَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ عَلَى قَوْلٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى لِلُزُومِهِ وَإِفْضَائِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ هَذَا ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ التَّحْرِيمُ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ بِطَانَةً لَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } .
وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ تَشْبِيهُهُ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي بَطْنَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ، وَقَوْلُهُ { مِنْ دُونِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {

لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } أَيْ لَا يُبْقُونَ غَايَةً فِي إلْقَائِكُمْ فِيمَا يَضُرُّكُمْ وَالْخَبَالُ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } أَيْ يَوَدُّونَ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ مِنْ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَالْهَلَاكِ ، وَالْعَنَتِ الْمَشَقَّةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُعْنِتُ فُلَانًا أَيْ يَقْصِدُ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ وَالْأَذَى عَلَيْهِ .
{ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } قِيلَ بِالشَّتْمِ وَالْوَقِيعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَمُخَالِفَةِ دِينِكُمْ ، وَقِيلَ بِاطِّلَاعِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَسْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أَيْ أَعْظَمُ { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ [ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ ] فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سَأَلَهُ يُسْتَعْمَلُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْخَرَاجِ ؟ فَقَالَ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ .
فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْعُمُومِ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَظَرًا مِنْهُ إلَى رَدِيءِ الْمَفَاسِدِ الْحَاصِلَةِ بِذَلِكَ وَإِعْدَامِهَا وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً مِنْ وِلَايَتِهِمْ وَلَا رَيْبَ فِي لُزُومِهَا فَلَا رَيْبَ فِي إفْضَائِهَا إلَى ذَلِكَ ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ اعْتِبَارُ الْوَسَائِلِ وَالذَّرَائِعِ ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا مِنْ إذْلَالِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَمَرَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكَةِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى هَذَا مِمَّا لَا

إشْكَالَ فِيهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَاتٌ بِلَا شَكٍّ ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَفْوِيضُهَا مَعَ الْفِسْقِ وَالْخِيَانَةِ ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بِدَلِيلِ سَائِرِ الْوِلَايَاتِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ يَصِحَّ تَفْوِيضُهَا إلَى فَاسِقٍ فَإِلَى كَافِرٍ أَوْلَى بِلَا نِزَاعٍ .
وَلِهَذَا قَدْ نَقُولُ يَصِحُّ تَفْوِيضُهَا إلَى فَاسِقٍ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ ضَمِّ أَمِينٍ إلَيْهِ يُشَارِفُهُ كَمَا نَقُولُ فِي الْوَصِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إلَى كَافِرٍ فِي النَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ أَوْ تَفْرِيقِ ثُلُثِهِ مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ الْعَدْلَ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ يَقِلُّ حُصُولُ الضَّرَرِ فِيهَا فَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى هَذَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَأْوِيلٍ وَنَظَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } .
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ السَّبِيلِ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كَاتِبِ الْحَاكِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً } .
وَبِقَضِيَّةِ عُمَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي أَوَّلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ: وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْوِلَايَاتِ فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ مَا لَكَ قَاتَلَكَ اللَّهُ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا ؟ قَالَ قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ قَالَ لَا

أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ وَلَا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ وَلَا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعِنْدَهُ " فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ عَلَى فَخِذِي " وَعِنْدَهُ أَيْضًا " فَقَالَ أَبُو مُوسَى وَاَللَّهِ مَا تَوَلَّيْتُهُ إنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ .
فَقَالَ عُمَرُ لَهُ أَمَا وَجَدْتَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَكْتُبُ ؟ لَا تُدْنِهِمْ إذَا أَقْصَاهُمْ اللَّهُ وَلَا تَأْمَنْهُمْ إذَا أَخَانَهُمْ اللَّهُ وَلَا تُعِزَّهُمْ بَعْدِ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَسْتَعْمِلُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الرِّشَاءَ فِي دِينِهِمْ وَلَا تَحِلُّ الرِّشَاءُ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ ثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَامّ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ لَا تَرْفَعُوهُمْ إذْ وَضَعَهُمْ اللَّهُ وَلَا تُعِزُّوهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ .
كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ لَكِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ ، وَقَطَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ الْوِلَايَاتِ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ : أَيْضًا الْوِلَايَةُ إعْزَازٌ وَأَمَانَةٌ وَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لِلذُّلِّ وَالْخِيَانَةِ ، وَاَللَّهُ يُغْنِي عَنْهُمْ الْمُسْلِمِينَ ، فَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَجْعَلُوا فِي دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ يَهُودِيًّا أَوْ سَامِرِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِنْ إعْلَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ خِلَافً مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، { وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى أَنْ يُبْدَءُوا بِالسَّلَامِ } { وَأَمَرَ إذَا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ } .
{ وَقَالَ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ ، } وَقَدْ مُنِعُوا مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ إذَا كَانُوا وُلَاةً عَلَى

الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يُقْبَضُ مِنْهُمْ وَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ وَفِيمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ وَيُقْبَلُ خَبَرُهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُونَ هُمْ الْآمِرِينَ الشَّاهِدِينَ عَلَيْهِمْ ؟ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنْ مُخَالِفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَقَدْ قَدِمَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِحِسَابِ الْعِرَاقِ فَقَالَ اُدْعُ يَقْرَؤُهُ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ وَقَالَ لَا تُعِزُّوهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ وَلَا تُصَدِّقُوهُمْ إذْ كَذَبَهُمْ اللَّهُ وَلَا تَأْمَنُوهُمْ إذْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ .
وَكَتَبَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ بِالشَّامِ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا لَا يَقُومُ خَرَاجُ الشَّامِ إلَّا بِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ لَا تَسْتَعْمِلْهُ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ وَإِنَّا مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ يَعْنِي قَدِّرْ مَوْتَهُ ، فَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ ، إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ يُشِيرُونَ عَلَيْهِمْ بِالرَّأْيِ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهَا مَصْلَحَةٌ وَيَكُونُ فِيهَا مِنْ فَسَادِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَهُوَ يَتَدَيَّنُ بِخِذْلَانِ الْجُنْدِ وَغِشِّهِمْ يَرَى إنَّهُمْ ظَالِمِينَ ، وَأَنَّ الْأَرْضَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّصَارَى وَيَتَمَنَّى أَنْ يَتَمَلَّكَهَا النَّصَارَى .
وَقَالَ أَيْضًا كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ يُذِلُّونَ النَّصَارَى وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْهُمْ أَحَدًا .
وَلِهَذَا كَانُوا مُؤَيَّدِينَ مَنْصُورِينَ عَلَى الْأَعْدَاءِ مَعَ قِلَّةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ ، وَإِنَّمَا قَوِيَتْ شَوْكَةُ النَّصَارَى وَالتَّتَارِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَادِلِ حَتَّى قَامَ بَعْضُ الْمُلُوكِ أَعْطَاهُمْ بَعْضَ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ وَحَدَثَتْ حَوَادِثُ بِسَبَبِ التَّفْرِيطِ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } .
إلَى أَنْ قَالَ وَهُمْ إلَى مَا فِي

بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَحْوَجُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَا فِي بِلَادِهِمْ ، بَلْ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ لَا تَقُومُ إلَّا بِمَا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمُونَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مُسْتَغْنُونَ عَنْهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، فَفِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى وَرُهْبَانِهِمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَلَيْسَ عِنْدَ النَّصَارَى مُسْلِمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مَعَ أَنَّ افْتِدَاءَ الْأَسْرَى مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ .
وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتَّجِرُونَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لِأَغْرَاضِهِمْ لَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ مَنَعَهُمْ مُلُوكُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ حِرْصُهُمْ عَلَى الْمَالِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الطَّاعَةِ فَإِنَّهُمْ أَرْغَبُ النَّاسِ فِي الْمَالِ وَلِهَذَا يَتَقَامَرُونَ فِي الْكَنَائِسِ وَهُمْ طَوَائِفُ كُلُّ طَائِفَةٍ تَضَادُّ الْأُخْرَى ، وَلَا يُشِيرُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ بِمَا فِيهِ إظْهَارُ شِعَارِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ تَقْوِيَةِ أَيْدِيهِمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا رَجُلٌ مُنَافِقٌ أَوْ لَهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ أَوْ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ لَا يَعْرِفُ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي تَنْصُرُ سُلْطَانَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ .
وَلْيَعْتَبِرْ الْمُعْتَبِرُ بِسِيرَةِ نُورِ الدِّينِ وَصَلَاحِ الدِّينِ ثُمَّ الْعَادِلِ كَيْفَ مَكَّنَهُمْ اللَّهُ وَأَيَّدَهُمْ وَفَتَحَ لَهُمْ الْبِلَادَ وَأَذَلَّ لَهُمْ الْأَعْدَاءَ لَمَّا قَامُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَامُوا وَلْيَعْتَبِرْ بِسِيرَةِ مَنْ وَالَى النَّصَارَى كَيْفَ أَذَلَّهُ وَكَبَتَهُ إلَى أَنْ قَالَ : وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُشْرِكًا لَحِقَهُ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ إنِّي لَا أَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ } وَكَمَا أَنَّ اسْتِخْدَامَ الْجُنْدُ الْمُجَاهِدِينَ إنَّمَا يَصْلُحُ إذَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَكَذَلِكَ الَّذِينَ يُعَاوِنُونَ الْجُنْدَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ إلَى أَنْ قَالَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ }

وَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } .
وَذَكَرَ سَبَبَ نُزُولِهَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عَرَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ يُكَاتِبُونَ أَهْلَ دِينِهِمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَرُبَّمَا يَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَسْرَارِهِمْ وَعَوْرَاتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ : كُلُّ الْعَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى مَوَدَّتُهَا إلَّا عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاكَ فِي الدِّينِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ { لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ لَا تَسْتَشِيرُوهُمْ وَلَا تَأْخُذُوا آرَاءَهُمْ .
جَعَلَ الضَّوْءَ مَثَلًا الرَّأْيَ عِنْدَ الْحِيرَةِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَاحْتَجَّ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } وَكَذَا فَسَّرَهُ غَيْرُهُ ، وَفَسَّرَ الْحَسَنُ { وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا } أَيْ لَا تَنْقُشُوا فِيهَا مُحَمَّدًا وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ نَقْشَ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ { لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ الْعَرَبِيَّةَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُنْقَشَ فِي الْخَاتَمِ الْقُرْآنُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّصْرَانِيِّ يُسْتَكْتَبُ ؟ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَاتِبَ يُسْتَشَارُ ، فَيُسْتَشَارُ النَّصْرَانِيُّ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ؟ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَكْتَبَ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى الْمَأْمُونِ بَعْضُ شُيُوخِ الْفُقَهَاءِ فَأَذِنَ

لَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يَهُودِيًّا كَاتِبًا كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةٌ وَقُرْبَةٌ لِقِيَامِهِ بِمَا يَصْرِفُهُ فِيهِ وَيَتَوَلَّاهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فَلَمَّا رَآهُ الْفَقِيهُ قَالَ ، وَقَدْ كَانَ الْمَأْمُونُ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِالْجُلُوسِ ، فَقَالَ ، أَتَأْذَنُ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إنْشَادِ بَيْتٍ حَضَرَ قَبْلَ أَنْ أَجْلِسَ قَالَ نَعَمْ ، فَأَنْشَدَهُ : إنَّ الَّذِي شَرُفْتَ مِنْ أَجْلِهِ يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ وَأَشَارَ إلَى الْيَهُودِيِّ .
فَخَجِلَ الْمَأْمُونُ وَوَجَمَ ثُمَّ أَمَرَ حَاجِبَهُ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِيِّ مَسْحُوبًا عَلَى وَجْهِهِ فَأَنْفَذَ عَهْدًا بِإِطْرَاحِهِ وَإِبْعَادِهِ وَأَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : كَيْفَ يُؤْتَمَنُ عَلَى سِرٍّ ، أَوْ يُوثَقُ بِهِ فِي أَمْرِ مَنْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ ، وَكَذَّبَ النَّبِيَّ ؟ وَقَدْ أَمَرَ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ أَنْ لَا يُسْتَخْدَمَ فِي الدِّيوَانِ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ : ابْنُ رُطَيْنَا النَّصْرَانِيُّ إنَّا لَا نَجِدُ كَاتِبًا يَقُومُ مَقَامَهُ ، فَقَالَ : نُقَدِّرُ أَنَّ رُطَيْنَا مَاتَ هَلْ كَانَ يَتَعَطَّلُ الدِّيوَانُ ؟ فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ ، فَأَمَّا [ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ فَهَلْ يُسْتَعَانُ بِهِمْ ؟ ] الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ الْمَنْعُ ، وَإِنْ جَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ .

فَصْلٌ ( فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْعِلْمِ ) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِأَعْلَمِ أَهْلِهِ كَمَا عَلَيْهِ نَظَرُ عُقَلَاءِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَمَ أَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ .
وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ { أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُرِحَ فَاحْتَقَنَ الدَّمُ وَإِنَّ الرَّجُلَ دَعَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارٍ يَنْظُرَانِ إلَيْهِ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا أَيُّكُمْ أَطَبُّ ؟ فَقَالَا أَوَ فِي الطِّبِّ خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ } فَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَسْتَعِينُ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ جُهَّالُ الْأَطِبَّاءِ هُمْ الْوَبَاءُ فِي الْعَالِمِ ، وَتَسْلِيمُ الْمَرْضَى إلَى الطَّبِيعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَسْلِيمِهِمْ إلَى جُهَّالِ الطِّبِّ .
وَإِنْ اسْتَطَبَّ جَاهِلًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ ظَنَّ ضَرَرًا لَمْ يَجْزِ ، وَإِنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ بِقَرِينَةٍ لَمْ يُحَرَّمُ ، وَإِنْ اسْتَوَى الْحَالُ عِنْدَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَاسْتِوَاءِ الْحَالِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ ، وَفِي الْجَوَازِ قَوْلَانِ هُنَاكَ .
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُغْنِي مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ إنْ تَطَبَّبَ غَيْرُ حَاذِقٍ فِي صِنَاعَتِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلِهَذَا لَمْ يَنْفِ الْأَصْحَابُ عَنْهُ الضَّمَانَ إلَّا مَعَ عِلْمِ الْحَذْقِ مِنْهُ وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ .
الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ } .
وَقَالَ ابْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَبُو دَاوُد لَمْ يَرْوِهِ إلَّا الْوَلِيدُ لَا نَدْرِي هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ

الْوَلِيدِ وَكَذَا النَّسَائِيُّ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَلَامُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ .
قَوْلُهُ { مَنْ تَطَبَّبَ } وَلَمْ يَقُلْ مِنْ طَبَّ لِأَنَّ لَفْظَ التَّفَعُّلَ يَدُلُّ عَلَى تَكَلُّفِ الشَّيْءِ ، وَالدُّخُولِ فِيهِ بِكُلْفَةٍ وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ كَتَكَلُّفٍ وَتَشَجُّعٍ وَتَحَلُّمٍ وَتَصَبُّرٍ ، وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حِذْقُهُ وَإِذَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَحِلُّ تَمْكِينُهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ يَضْمَنُ ، وَلَوْ عَلِمَ مَنْ اسْتَطَبَّهُ جَهْلَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي طِبِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ جَهْلِهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي زَمَانِنَا لَا يَضْمَنُ هَذَا وَمَا قَالَهُ مُتَوَجَّهٌ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ الْمُبَاشَرَةُ لَكِنَّ الْإِذْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِجَهْلِهِ مَانِعٌ مِنْ الضَّمَانِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي فَفَعَلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ الْمَنْصُوصِ .
وَأَمَّا الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ جَنَتْ يَدُهُ وَأَخْطَأَتْ فَجِنَايَتُهُ خَطَأٌ مَضْمُونَةٌ وَإِنْ وَصَفَ دَوَاءً فَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ فَتَلِفَ الْمَرِيضُ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْمُفْتِي إذَا بَانَ خَطَؤُهُ فِي إتْلَافٍ إنْ خَالَفَ قَاطِعًا ضَمَنَ لَا مُسْتَفْتِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ فَيُضَمِّنُ الطَّبِيبَ عَاقِلَتَهُ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِنَا يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي خَطَأِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ إحْدَاهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَذَا قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ كَسَائِرِ

الْوُكَلَاءِ وَلِهَذَا لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَزْلُ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّبِيبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَضْمَنُ الْحَاذِقُ إلَّا إذَا جَنَتْ يَدُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا لَكِنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ طِبُّهُ عَمَلًا وَقَدْ أَخْطَأَ هُنَا بِلِسَانِهِ بِمُخَالِفَةِ قَاطِعٍ فَهُوَ كَالْمُفْتِي .
وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُعَالِجَ إذَا تَعَدَّى فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدٍّ فَإِذَا تَوَلَّدَ مَنْ فِعْلِهِ التَّلَفُ ضُمِّنَ الدِّيَةَ وَلَا قَوَدَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ دُونَ إذْنِ الْمَرِيضِ .
وَجِنَايَةُ الْمُتَطَبِّبِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالطَّبِيبُ يَتَنَاوَلُ لُغَةً مَنْ يَطِبُّ الْآدَمِيَّ وَالْحَيَوَانَ وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمَا أَيْضًا كَمَا يَتَنَاوَلُ الطَّبَايِعِيَّ وَالْكَحَّالَ وَالْجَرَائِحِيَّ أَنْوَاعَهُ وَالْحَاقِنَ وَالْكَوَّاءَ .
وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ مَنْ يُرَاعِي نَوْعَ الْمَرَضِ وَسَبَبَهُ وَقُوَّةَ الْمَرِيضِ هَلْ تُقَاوِمُ الْمَرَضَ فَإِنَّ مُقَاوَمَتَهُ تَرْكُهُ وَمِزَاجَ الْبَدَلِ الطَّبِيعِيِّ مَا هُوَ ؟ وَالْمِزَاجَ الْحَادِثَ عَلَى غَيْرِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ وَسِنَّ الْمَرِيضِ وَبَلَدَهُ وَعَادَتَهُ وَمَا يَلِيقُ بِالْوَقْتِ الْحَاضِرِ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ وَحَالَ الْهَوَاءِ وَقْتَ الْمَرَضِ وَالدَّوَاءِ وَقُوَّتَهُ وَقُوَّةَ الْمَرِيضِ وَإِزَالَةَ الْعِلَّةِ مَعَ أَمْنِ حُدُوثِ أَصْعَبَ مِنْهَا وَإِلَّا تَلَطَّفَ ، وَالْعِلَاجَ بِالْأَسْهَلِ فَالْغِذَاءِ ثُمَّ الدَّوَاءِ الْبَسِيطِ ثُمَّ الْمُرَكَّبِ ، وَهَلْ الْعِلَّةُ مِمَّا تَزُولُ بِالْعِلَاجِ أَوْ تَقِلُّ وَالْأَحْفَظُ صِنَاعَتُهُ وَحُرْمَتُهُ عَنْ عِلَاجٍ لَا يُفِيدُ ، وَلَا يَسْتَفْرِغُ الْخَلْطَ قَبْلَ نُضْجِهِ وَيُرَاعِي أَحْوَالَ الْمَرِيضِ بِمَا يُنَاسِبُهُ .
وَمِنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِاعْتِلَالِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَأَدْوِيَتِهَا وَمَنْ يَتَلَطَّفُ بِالْمَرِيضِ وَيَرْفُقُ بِهِ كَالصَّغِيرِ ، وَيَسْتَعِينُ

عَلَى الْمَرَضِ بِكُلِّ مُعِينٍ وَيَحْتَمِلُ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ وَيُفَوِّتُ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ طَبِيبٌ لَا حَكِيمٌ لِاسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ هُنَا وَفِي أَوَّلِ الْفُصُولِ وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْحَكِيمُ الْعَالِمُ وَصَاحِبُ الْحِكْمَةِ ، وَالْحَكِيمُ الْمُتْقِنُ لِلْأُمُورِ ، وَقَدْ حَكَمَ أَيْ صَارَ حَكِيمًا ، وَيَأْتِي فِي عِلَاجِ السِّحْرِ الْكَلَامُ فِي الطِّبِّ وَالطَّبِيبِ .

فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّمَائِمِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْكِتَابَةِ لِلْمَرَضِ وَاللَّدْغِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهِ ) تُكْرَهُ التَّمَائِمُ وَنَحْوُهَا كَذَا قِيلَ تُكْرَهُ ، وَالصَّوَابُ مَا يَأْتِي مِنْ تَحْرِيمِهِ لِمَنْ لَمْ يُرْقَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ أَوْ دُعَاءٌ وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ ، وَيَأْتِي أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَنَّ الْمَنْعَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَتُبَاحُ قِلَادَةٌ فِيهَا قُرْآنٌ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ وَتَعْلِيقُ مَا هُمَا فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَا التَّعَاوِيذُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُهُ فِي إنَاءٍ خَالٍ بِالْعَرَبِيِّ ثُمَّ يُسْقَى مِنْهُ الْمَرِيضُ وَالْمُطَلَّقَةُ ، وَأَنْ يُكْتَبَ لِلْحُمَّى وَالنَّمْلَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالصُّدَاعِ وَالْعَيْنِ مَا يَجُوزُ ، وَيُرْقَى مِنْ ذَلِكَ بِقُرْآنٍ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَتَحْرُمُ الرُّقَى وَالتَّعَوُّذُ بِطَلْسَمٍ وَعَزِيمَةٍ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قَالَ الْمَأْمُونُ وَهُوَ صَاحِبُ الزِّيجِ الْمَأْمُونِيُّ لَوْ صَحَّ الْكِيمْيَاءُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْخَرَاجِ : وَلَوْ صَحَّ الطَّلْسَمُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْأَجْنَادِ وَالْحَرَسِ ، وَلَوْ صَحَّتْ النُّجُومُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْبَرِيدِ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ شَكَتْ امْرَأَةٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا مُسْتَوْحِشَةٌ فِي بَيْتٍ وَحْدَهَا فَكَتَبَ لَهَا رُقْعَةً بِخَطِّهِ بِسْمِ اللَّهِ ، وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَقَالَ كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْحُمَّى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ : { يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ } اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ اشْفِ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَجَبَرُوتِكَ إلَهَ الْحَقِّ آمِينَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّ يُونُسَ بْنَ حَبَّابٍ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ

قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة مِنْهَا فِي الرَّجُلِ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يَسْقِيهِ لِلْمَرِيضِ قَالَ لَا بَأْسَ قَالَ مِنْهَا قُلْت لَهُ فَيَغْتَسِلُ بِهِ قَالَ مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ .
قَالَ الْخَلَّالُ إنَّمَا كُرِهَ الْغُسْلُ بِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَاءَ الْغُسْلِ يَجْرِي فِي الْبَلَالِيعِ وَالْحُشُوشِ فَوَجَبَ أَنْ يُنَزَّهَ مَاءُ الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِشْفَاءِ .
وَقَالَ صَالِحٌ رُبَّمَا اعْتَلَلْتُ فَيَأْخُذُ أَبِي قَدَحًا فِيهِ مَاءٌ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لِي اشْرَبْ مِنْهُ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ وَيَدَيْكَ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يُعَوِّذُ فِي الْمَاءِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيَشْرَبُهُ وَيَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَأَيْتُهُ قَدْ أَخَذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَهَا فِي جُبِّ الْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَ فِيهَا وَرَأَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَشْرَبُ مَاءَ زَمْزَمَ فَيَسْتَشْفِي بِهِ وَيَمْسَحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ .
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُؤْتَى بِالْكُوزِ وَنَحْنُ بِالْمَسْجِدِ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيُعَوِّذُ .
قَالَ أَحْمَدُ يُكْتَبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا عُسِرَ عَلَيْهَا وَلَدُهَا فِي جَامٍ أَبْيَضَ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ } { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ وَيُنْضَحُ مَا بَقِيَ عَلَى صَدْرِهَا .
وَرَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَفَعَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .
وَرَوَى ابْنُ مَرْوَانَ فِي الْمُجَالَسَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عِيسَى مَرَّ بِبَقَرَةٍ قَدْ اعْتَرَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَتْ يَا رُوحَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي .
فَقَالَ

اللَّهُمَّ يَا مُخْرِجَ النَّفْسِ وَيَا خَالِقَ النَّفْسِ مِنْ النَّفْسِ خَلِّصْهَا فَخَلَصَتْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ قَالَهُ عَلَى امْرَأَةٍ خَلَّصَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكْتُبُ عَلَى جَبْهَةِ الرَّاعِفِ : { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَك وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } قَالَ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا بِدَمٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ فَإِنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ .
وَيُكْرَهُ التَّفْل بِالرِّيقِ وَالنَّفْخُ بِلَا رِيقٍ وَقِيلَ فِي كَرَاهَةِ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ وَإِبَاحَتِهِ مَعَ الرِّيقِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَانِ .
وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَ التَّفْلَ فِي الرُّقَى وَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّفْخِ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُكْرَهُ التَّفْلُ فِي الرُّقْيَةِ قَالَ أَلَيْسَ يُقَال إذَا رَقَى نَفَخَ وَلَمْ يَتْفُلْ ؟ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ .
وَجَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ بِاسْتِحْبَابِ النَّفْخِ وَالتَّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَوِيَتْ كَيْفِيَّةُ نَفْسِ الرَّاقِي كَانَتْ الرُّقْيَةُ أَتَمُّ تَأْثِيرًا وَأَقْوَى فِعْلًا وَلِهَذَا تَسْتَعِينُ بِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ وَالْخَبِيثَةُ فَيَفْعَلُهُ الْمُؤْمِنُ وَالسَّاحِرُ ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْهُورَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ اسْتَحَبُّوا النَّفْثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَنْفُثُ إذَا رَقَى نَفْسَهُ وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدِ وَالْمِلْحِ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ .
وَالْعَقْدُ عِنْدنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ .

فَصْلٌ ( فِي الْكَيِّ وَالْحُقْنَةِ وَتَعَالِيقِ التَّمَائِمِ ) وَيُبَاحُ الْكَيُّ وَالْحُقْنَةُ ضَرُورَةً وَيُكْرَهَانِ بِدُونِهَا قَالَ الْقَاضِي هَلْ تُكْرَهُ الْحُقْنَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا نَقَلَهَا حَرْبٌ وَغَيْرُهُ وَبِهَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسُ وَعَامِرٌ .
( وَالثَّانِيَةُ ) لَا تُكْرَهُ وَلِلضَّرُورَةِ نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ وَالْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَبُو طَالِبٍ وَصَالِحٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الْكِنْدِيُّ وَبِهَا قَالَ إبْرَاهِيمُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَعَطَاءٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ كَانَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَبَاحَهَا عَلَى مَعْنَى الْعِلَاجِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ وُصِفَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَفَعَلَهُ يَعْنِي الْحُقْنَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ مَا يُعْجِبُنِي الْكَيُّ ، وَلِلْحَاقِنِ وَنَحْوِهِ نَظَرُ مَوْضِعِ الْحُقْنَةِ وَلِلْقَابِلَةِ وَنَحْوِهَا نَظَرُ مَوْضِعِ الْوِلَادَةِ وَنَحْوِهِ وَعَنْهُ لَا .
وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْكَيُّ مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ يُبَاحُ بَعْدَ الْأَلَمِ لَا قَبْلَهُ وَهِيَ أَصَحُّ ، قَالَهَا ابْنُ حَمْدَانَ .
وَكَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ وَالتَّمَائِمِ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدَئِينَ وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَكَذَا الطَّلْسَمُ ، وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَلْ تُعَلِّقُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ التَّعْلِيقُ كُلُّهُ مَكْرُوهٌ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ وَقَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ هَلْ تُعَلِّقُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ التَّعْلِيقُ كُلُّهُ مَكْرُوهٌ .
كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشَدِّدُ فِيهِ .
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ سَمِعْتُ مَنْ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ التَّمَائِمِ تُعَلَّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ قَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ

حَرْبٌ قُلْت لِأَحْمَدَ تَعْلِيقُ التَّعْوِيذِ فِيهِ الْقُرْآنُ وَغَيْرُهُ قَالَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُمْ سَهَّلُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُشَدِّدْ فِيهِ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو دَاوُد رَأَيْتُ عَلَى ابْنٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ صَغِيرٌ تَمِيمَةً فِي رَقَبَتِهِ فِي أَدِيمٍ قَالَ الْخَلَّالُ قَدْ كَتَبَ هُوَ مِنْ الْحُمَّى بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ تَعْلِيقِ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ فِي مَوْضِعٍ يُكْرَهُ الْكَيُّ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ وَيُبَاحُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ وَتَشْرِيطُ الْآذَانِ وَالْكُحْلُ وَمُدَاوَاةُ أَمْرَاضِ الْعَيْنِ بِالْيَدِ وَالْحَدِيدِ وَقَالَ الْقَاضِي هَلْ يُكْرَهُ فَصْدُ الْعُرُوقِ أَمْ لَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ مِنْهُمْ صَالِحٌ وَجَعْفَرٌ .
وَالثَّانِيَةُ : يُكْرَهُ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا تَفْعَلُ لَا تَتَعَوَّدُوهُ وَقَالَ : مَا فَصَدْتُ عِرْقًا قَطُّ ، وَيُبَاحُ قَطْعُ الْبَوَاسِيرِ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ حُرِّمَ ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ تَرْكِ قَطْعِهَا التَّلَفُ جَازَ إنْ لَمْ يَضُرَّ الْقَطْعُ غَالِبًا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
قَالَ السَّامِرِيُّ وَالنَّهْيُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَقَالَ غَيْرُهُ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً أَخْشَى أَنْ يَمُوتَ فَيَكُونَ قَدْ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَيُبَاحُ الْبَطُّ ضَرُورَةً مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ غَالِبًا وَكَذَا قَطْعُ عُضْوٍ فِيهِ آوَكِلَةً تَسْرِي نَصَّ عَلَى مَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ كَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ الْبَطَّ وَلَكِنَّ عُمَرَ رَخَّصَ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَكَذَا مُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ كُلِّهَا وَمُدَاوَاتُهَا وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { دَخَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ نَعُودُهُ بِظَهْرِهِ وَرَمٌ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ مُدَّةٌ قَالَ بُطُّوا عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى بُطَّتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ } .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ طَبِيبًا أَنْ يَبُطَّ بَطْنَ رَجُلٍ أَجْوَى الْبَطْنِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُ الْبَطُّ قَالَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الشِّفَاءَ فَبِمَا شَاءَ } .
الْوَرَمُ عِنْدَهُمْ مَادَّةٌ فِي حَجْمِ الْعُضْوِ لِفَصْلِ مَادَّةٍ غَيْرِ طَبِيعِيَّةٍ تَنْصَبُّ إلَيْهِ وَتُوجَدُ فِي أَجْنَاسِ الْأَمْرَاضِ وَالْمَوَادِّ الَّتِي تَكُونُ عَنْهَا مِنْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمَائِيَّةِ وَالرِّيحِ وَإِذَا جُمِعَ الْوَرَمُ يُسَمَّى خُرَّاجًا وَكُلُّ وَرَمٍ حَارٌّ إمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَمْرُهُ إلَى تَحَلُّلِهِ لِقُوَّةِ الْقُوَّةِ فَتَسْتَوْلِي عَلَى مَادَّةِ الْوَرَمِ وَتُحَلِّلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ حَالَاتِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ دُونَ ذَلِكَ أَنْضَجَتْ الْمَادَّةَ وَأَحَالَتْهَا مُدَّةً بَيْضَاءَ وَفَتَحَتْ لَهَا مَكَانًا أَسَالَتْهَا مِنْهُ ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ أَحَالَتْ الْمَادَّةَ مُدَّةً غَيْرَ مُسْتَحِيلَةِ النُّضْجِ وَعَجَزَتْ عَنْ فَتْحِ مَكَان فِي الْعُضْوِ تَدْفَعُهَا مِنْهُ فَيَخَافُ عَلَى الْعُضْوِ الْفَسَادَ لِطُولِ لُبْثِهَا فِيهِ فَتَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى إعَانَةِ الطَّبِيبِ بِالْبَطِّ أَوْ غَيْرِهِ لِإِخْرَاجِ تِلْكَ الْمَادَّةِ فَهَذَا فَائِدَةُ الْبَطِّ وَلَهُ فَائِدَةٌ أُخْرَى مَنْعُ اجْتِمَاعِ مَادَّةٍ أُخْرَى إلَيْهَا تُقَوِّيهَا .
( أَجْوَى ) يُقَالُ عَلَى أَشْيَاءَ ( أَحَدُهَا ) الْمَاءُ الْمُنْتِنُ فِي الْبَطْنِ يَحْدُثُ عَنْهُ الِاسْتِسْقَاءُ وَمِنْ الْأَطِبَّاءِ مَنْ مَنَعَ بَذْلَهُ لِبُعْدِ السَّلَامَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا عِلَاجَ لَهُ سَوَاءً ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الضِّمَادِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخِفُّ مِنْ الْبَدَنِ كَثِيرًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنْ خَفَّفَ فَيَسِيرٌ

عَلَى طُولٍ ، وَهَذَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ الزُّرَقِيِّ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الطَّبْلِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِخُ مِنْهُ الْبَطْنُ بِمَادَّةٍ رِيحِيَّةٍ إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِ لَهَا صَوْتٌ كَصَوْتِ الطَّبْلِ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ اللَّحْمِيُّ وَقِيلَ هُوَ أَرْدَؤُهَا ، وَقِيلَ أَرْدَؤُهَا الزُّرَقِيُّ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَطِبَّاءِ .
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَرَجَ فِي إصْبَعِي بَثْرَةٌ فَقَالَ عِنْدَك ذَرِيرَةٌ قُلْت نَعَمْ قَالَ ضَعِيهَا وَقُولِي : اللَّهُمَّ مُصَغِّرَ الْكَبِيرِ ، وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّرْ مَا بِي } ( الْبَثْرَةُ ) وَالْبُثُورُ خُرَّاجٌ صِغَارٌ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَاحِدَتُهَا بَثْرَةٌ وَقَدْ بَثِرَ وَجْهُهُ يَبْثَرُ وَبَثَرٌ بِتَثْلِيثِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، وَتَبَثَّرَ جِلْدُهُ تَنَفَّطَ ، وَالْبَثْرَةُ عَنْ مَادَّةٍ حَادَّةٍ تَدْفَعُهَا الطَّبِيعَةُ فَتَسْتَرِقَّ مَكَانًا مِنْ الْبَدَنِ تَخْرُجُ مِنْهُ فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَا يُنْضِجُهَا وَيُخْرِجُهَا ، وَالذَّرِيرَةُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ دَوَاءٌ هِنْدِيٌّ يُتَّخَذُ مِنْ قصطب يُجَاءُ بِهِ مِنْ الْهِنْدِ وَهِيَ حَارَّةٌ يَابِسَةٌ تَنْفَعُ مِنْ وَرَمِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ ، وَتُقَوِّي الْقَلْبَ لِطِيبِهَا وَفِيهَا تَبْرِيدٌ لِنَارِيَّةِ تِلْكَ الْمَادَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : لَا أَفْضَلَ لِحَرْقٍ مِنْ الذَّرِيرَةِ بِدُهْنِ اللَّوْزِ وَالْخَلِّ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ } .

فَصْلٌ ( فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْأَلْبَانِ وَالسُّمُومِ ) .
وَتَحْرُمُ الْمُدَاوَاةُ وَالْكُحْلُ بِكُلِّ نَجِسٍ وَطَاهِرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُضِرٍّ وَنَحْوِهِ وَبِسَمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي وَنَحْوِ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ يُتَدَاوَى بِالْخَمْرِ ؟ فَقَالَ هَذَا قَوْلُ سُوءٍ وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ فَتًى اُعْتُلَّ فَوَصَفُوا لَهُ دَوَاءً يَشْرَبُهُ بِنَبِيذٍ فَأَبَى الْفَتَى أَنْ يَشْرَبَهُ فَحَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ مِنْ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَشْرَبْهُ ؟ ؟ فَقَالَ لَا يَشْرَبُهُ حَرَامٌ شُرْبُهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ الضُّفْدَعُ لَا يَحِلُّ فِي الدَّوَاءِ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا } .
وَرَوَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ { أَنَّ طَبِيبًا ذَكَرَ ضُفْدَعًا فِي دَوَاءٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا } .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ .
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ مَنْ أَكَلَ مِنْ دَمِ ضُفْدَعٍ أَوْ جُرْمِهِ وَرِمَ بَدَنُهُ ، وَكَمِدَ لَوْنُهُ ، وَقَذَفَ الْمَنِيَّ حَتَّى يَمُوتَ ، وَلِذَلِكَ تَرَكَ الْأَطِبَّاءُ اسْتِعْمَالَهُ خَوْفًا مِنْ ضَرَرِهِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ مَائِيَّةٌ وَتُرَابِيَّةٌ ، وَالتُّرَابِيَّةُ تَقْتُلُ آكِلَهَا .
وَيُدَاوَى الْقَيْءُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَالْعَسَلِ وَالْمِلْحِ فَإِذَا تَنَظَّفَتْ الْمَعِدَةُ سُقِيَ السَّكَنْجَبِينَ ، وَأَكَلَ الْإِسْفَانَاخَ بِدَارَصِينِيٍّ وَيَنْفَعُ كُلُّ مَا نَفَعَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَحُرَاقَةُ لَحْمِهِ تَنْفَعُ مِنْ دَاءِ الثَّعْلَبِ طِلَاءً ، وَرَمَادُهُ يَحْبِسُ الدَّمَ إذَا جُعِلَ عَلَى مَوْضِعِهِ ، وَإِذَا رُضِّضَ وَجُعِلَ عَلَى لَسْعِ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ نَفَعَ وَهُوَ يُسْقِطُ الْأَسْنَانَ حَتَّى أَسْنَانِ الْبَهَائِمِ إذَا نَالَتْهُ فِي الرَّعْيِ وَالْعَلَفِ .
وَقَالَ

فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي أَلْبَانِ الْأُتُنِ : لَا تُشْرَبُ وَلَا لِضَرُورَةٍ ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَجَمَاعَةٌ فِي مَرِيضِ وُصِفَ لَهُ دَوَاءٌ يَشْرَبُهُ مَعَ أَلْبَانِ الْأُتُنِ : لَا تَشْرَبْهُ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَلْبَانِ الْأُتُنِ فَقَالَ { حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَهَا وَأَلْبَانَهَا } .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ لَبَنَ الْأُتُنِ قَلِيلُ الدُّسُومَةِ ، رَقِيقٌ يَشُدُّ الْأَسْنَانَ وَاللِّثَةَ إذَا تَمَضْمَضَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ ، جَيِّدٌ لِلسُّعَالِ وَالسُّلِّ وَنَفَثَ الدَّمَ إذَا شُرِبَ حَلِيبًا جَبَّنَ يَخْرُجُ مِنْ الضَّرْعِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَتَّالَةِ وَالزَّحِيرِ وَقُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِأَصْحَابِ الصُّدَاعِ وَالطَّنِينِ وَالدُّودِ ، وَلَحْمُهَا لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَفْعًا بَلْ قَالُوا هِيَ أَرْدَأُ مِنْ سَائِرِ اللُّحُومِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ الِاكْتِحَالِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ وَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ لِنُدْرَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ : وَلَا يُؤْكَلُ الدِّرْيَاقُ إلَّا لِحَاجَتِهِ لِمَرَضٍ لِأَنَّ فِيهِ لُحُومَ الْحَيَّاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالدِّرْيَاقُ لُغَةٌ فِي التِّرْيَاقِ وَذُكِرَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الْقَاتِلَةَ كَالدِّفْلَى وَغَيْرِهَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا أَكْلًا وَشُرْبًا وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : الْمَيْلُ لِلِاكْتِحَالِ ذَهَبًا وَفِضَّةً عَلَى سَبِيلِ الْمُدَاوَاةِ مُبَاحٌ لِحُصُولِ الْمُدَاوَاةِ لَا لِشَرَفِ الْأَعْضَاءِ رُخْصَةٌ ، وَيُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ .
وَيَجُوزُ شُرْبُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِلضَّرُورَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيِّ وَالْأَثْرَمِ

وَجَمَاعَةٍ .
وَأَمَّا شُرْبُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا ؟ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَمَّا مَنْ بِهِ عِلَّةٌ وَسَقَمٌ فَنَعَمْ رَجُلٌ صَحِيحٌ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَشْرَبَ أَبْوَالَ الْإِبِلِ قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطِّبِّ لَهُ : وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ .
وَإِمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ هُوَ طَاهِرٌ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ .
وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا لِغَيْرِ التَّدَاوِي وَهُوَ أَشْهُرُ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { إنَّ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
الذَّرَبُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْرِيكِ الرَّاءِ : الدَّاءُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمَعِدَةِ فَلَا يُهْضَمُ وَلَا تُمْسِكُهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا } .
وَلِمُسْلِمٍ { إنَّهُمْ قَالُوا إنَّا اجْتَوَيْنَا الْمَدِينَةَ فَعَظُمَتْ بُطُونُنَا وَارْتَهَنَتْ أَعْضَاؤُنَا ، } وَهَذَا مَرَضُ الِاسْتِسْقَاءِ .
وَهُوَ مَرَضٌ مَادِّيٌّ سَبَبُهُ مَادَّةٌ غَرِيبَةٌ بَارِدَةٌ تَتَخَلَّلُ الْأَعْضَاءَ فَتُزْكَمُ لَهَا الْأَعْضَاءُ الظَّاهِرَةُ كُلُّهَا وَهُوَ أَقْسَامٌ ، وَيَحْتَاجُ فِي عِلَاجِهِ إلَى إطْلَاقٍ وَإِدْرَارٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا .
وَفِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ جَلَاءٌ وَتَلْيِينٌ وَإِدْرَارٌ وَتَلْطِيفٌ وَتَفْتِيحٌ لِلسُّدَدِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ رَعْيِهَا الْأَدْوِيَةَ النَّافِعَةَ لِلِاسْتِسْقَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ : وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ قَالَ إنَّ طَبِيعَةَ اللَّبَنِ مُضَادَّةٌ لِعِلَاجِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ

لَبَنَ النُّوقِ دَوَاءٌ نَافِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَلَاءِ بِرِفْقٍ وَمَا فِيهِ مِنْ خَاصَّةٍ وَأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ شَدِيدُ الْمَنْفَعَةِ .
وَأَنْفَعُ الْأَبْوَالِ أَبْوَالُ الْجَمَلِ الْأَعْرَابِيِّ وَقَالَ ابْنُ جَزْلَةَ لَبَنُ اللِّقَاحِ وَهِيَ النُّوقِ أَقَلُّ الْأَلْبَانِ دُسُومَةً وَجُبْنِيَّةً وَهُوَ رَقِيقٌ جِدًّا مَانِيٌّ لَا يُحْدِثُ سَوْدَاءَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ لِقِلَّةِ جُبْنِيَّتِهِ يَنْفَعُ مِنْ الرَّبْوِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَمْرَاضِ الطِّحَالِ وَالْبَوَاسِيرِ ، وَأَجْوَدُ مَا يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِسْقَاءِ مَعَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ يُسَهِّلُ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ وَهُوَ سَرِيعُ الِانْحِدَارِ عَنْ الْمَعِدَةِ وَهُوَ أَقَلُّ غِذَاءً مِنْ سَائِرِ الْأَلْبَانِ .
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا فَلَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ ثنا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَسْتَشْفُونَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا } ، ، وَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ اللِّبَاسِ .
وَالْحَرِيرُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَالْحَرِيرُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ لِخُرُوجِهِ مِنْ حَيَوَانٍ .
وَمِنْ خَاصَّتِهِ تَقْوِيَةُ الْقَلْبِ ، وَتَفْرِيحُهُ ، يَنْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهِ ، وَمِنْ عِلَّةِ الْمُرَّةِ السَّوْدَاءِ ، وَالدَّاءِ الْحَادِثِ عَنْهَا ، وَهُوَ مُقَوٍّ لِلْبَصَرِ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ ، وَالْخَامُ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي صِنَاعَةِ الطِّبِّ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : رَطْبٌ فِيهَا ، وَقِيلَ : مُعْتَدِلٌ يُرَبِّي اللَّحْمَ ، وَكُلُّ لِبَاسٍ حَسَنٍ ، فَإِنَّهُ يُهْزِلُ ، وَيُصَلِّبُ الْبَشَرَةَ ، وَبِالْعَكْسِ ، وَالصُّوفُ ، وَالْوَبَرُ يُسَخِّنُ الْبَدَنَ ، وَيُدَفِّئُهُ فَثِيَابُهُ حَارَّةٌ يَابِسَةٌ ، وَالْكَتَّانُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ ، وَالْقُطْنُ مُعْتَدِلَةٌ ، وَالْحَرِيرُ أَقَلُّ حَرَارَةً مِنْهُ ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَة تُدْفِئُ ، وَلَا تُسْخِنُ ، وَكُلُّ لِبَاسٍ صَقِيلٍ أَمْلَسَ أَقَلُّ إسْخَانًا لِلْبَدَنِ ، وَأَقَلُّ عَوْنًا فِي تَحَلُّلِ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ ، وَأَحْرَى أَنْ يُلْبَسَ فِي الصَّيْفِ ، وَفِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ .
وَالْحَكَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ حَرَارَةٍ ، وَيُبْسٍ ، وَخُشُونَةٍ ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ ثِيَابُ الْحَرِيرِ نَافِعَةً فِيهَا ، وَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ قَبُولِ تَوَلُّدِ الْقُمَّلِ فِيهَا إذَا كَانَ مِزَاجُهَا مُخَالِفًا لِمِزَاجِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْقُمَّلُ ، وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْحَدِيدِ ، وَالرَّصَاصِ ، وَالْخَشَبِ ، وَالتُّرَابِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُدْفِئُ ، وَلَا يُسْخِنُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَم .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْعَجْوَةِ وَالْكَمْأَةِ وَالْحُلْبَةِ ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَصَبَّحَ بِثَلَاثِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ ، وَلَا سِحْرٌ } .
زَادَ الْبُخَارِيُّ { ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ } ، وَفِي لَفْظٍ { مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ } ، وَفِي لَفْظٍ { مِمَّا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ } مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ .
، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً ، وَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ } .
السُّمُّ مُثَلَّثُ السِّينِ ، وَفَتْحُهَا أَفْصَحُ ، ، وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ ، وَالْمُرَاد لَابَتَا الْمَدِينَةِ ، وَالتِّرْيَاقُ بِضَمِّ التَّاءِ ، وَكَسْرهَا ، وَيُقَالُ دِرْيَاقٌ ، وَطِرْيَاقٌ ، وَأَوَّلَ الْبُكْرَةِ بِنَصْبِ أَوَّلَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ : مَنْ تَصَبَّحَ ، وَالْعَالِيَةُ الْعِمَارَاتُ الْقُرَى مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي نَجْدَ ، وَالسَّافِلَةُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى .
مِمَّا يَلِي تِهَامَةَ ، وَأَدْنَى الْعَالِيَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ ، وَأَبْعَدُهَا ثَمَانِيَةٌ .
.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدٍ قَالَ : { مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيِي حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي ، وَقَالَ لِي : إنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ فَأْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ مِنْ ثَقِيفٍ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يُطَبِّبُ فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ ثُمَّ لِيَلُدّكَ بِهِنَّ } الْمَفْئُودَ الَّذِي أُصِيبَ فُؤَادُهُ فَهُوَ يُسَكِّنُهُ قَالَ : الْأَصْمَعِيُّ اللَّدِيدَانِ جَانِبَا الْوَادِي ، وَمِنْهُ أُخِذَ اللَّدُودُ ، وَهُوَ مَا يُصَبُّ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْفَمِ جَمْعُهُ أَلِدَّةٌ .
وَقَدْ لَدَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مَلْدُودٌ ، وَأَلْدَدْتُهُ أَنَا ، وَالْتَدَّ هُوَ ، وَاللَّدِيدُ

مِثْلُ اللَّدُودِ .
اخْتَارَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتِصَاصَ مَا سَبَقَ بِعَجْوَةِ الْمَدِينَةِ كَخَاصِّيَّةِ السَّبْعِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إلَّا بِالْوَحْيِ .
وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد بَابٌ فِي تَمْرَةِ الْعَجْوَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمَدِينَةِ .
، وَلِأَحْمَدَ ، وَالتِّرْمِذِيِّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ، وَالْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلسُّمِّ } زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَأَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمَاءٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا ، وَعَصَرْتُهُنَّ ، وَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ ، وَكَحَّلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي عَمْشَاءَ فَبَرَأَتْ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ مَعًا كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، ، وَلِابْنِ مَاجَهْ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ أَيْضًا ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، " وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " ، وَعِنْدَهُ فِي الْعَجْوَةِ ، " وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ " لَمْ يَقُلْ " وَمَاؤُهَا " .
كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ } ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَجْوَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ كَالْكَمْأَةِ ، وَفِيهِ " إنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ " وَفِيمَا سَبَقَ أَنَّهَا تَمْنَعُ تَأْثِيرَهُ .
وَالتَّمْرُ حَارٌّ فِي الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : رَطْبٌ فِيهَا ، وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ ، وَهُوَ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ اعْتَادَهُ ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ ، وَالْحَارَّةِ الَّتِي حَرَارَتُهَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ ، وَهُوَ لَهُمْ أَنْفَعُ مِنْهُ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِبُرُودَةِ مَوَاطِنِ سُكَّانِهَا ، وَحَرَارَةِ بُطُونِ سُكَّانِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ ، وَلِذَلِكَ يُكْثِرُ أَهْلُ الْحِجَازِ ، وَالْيَمَنِ وَمَا يَلِيهِمْ مِنْ

الْبِلَادِ الْمُشَابِهَةِ لَهَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْحَارَّةِ مَا لَا يَتَأَتَّى لِغَيْرِهِمْ .
وَتَمْرُ الْعَالِيَةِ مِنْ أَجْوَدِ ثَمَرِهِمْ ، وَيَدْخُلُ التَّمْرُ فِي الْأَدْوِيَةِ ، وَالْأَغْذِيَةِ ، وَالْفَوَاكِهِ ، وَيُوَافِقُ أَكْثَرَ الْأَبْدَانِ ، مُقَوٍّ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ ، وَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنْ الْفَضْلَةِ الرَّدِيئَةِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَاكِهَةِ ، وَالْأَغْذِيَةِ بَلْ يَمْنَعُ مَنْ اعْتَادَهُ مِنْ بَعْضِ الْخَلْطِ ، وَفَسَادِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هَذَا الْحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَمَنْ جَاوَرَهُمْ ، كَذَا قَالَ .
وَلِلْأَمْكِنَةِ اخْتِصَاصٌ يَنْفَعُ كَثِيرًا فَيَكُونُ الدَّوَاءُ الَّذِي يَنْبُتُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَافِعًا مِنْ الدَّاءِ ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ النَّفْعُ إذَا نَبَتَ فِي مَكَان غَيْرِهِ لِتَأْثِيرِ نَفْسِ التُّرْبَةِ ، وَالْهَوَاءِ أَوْ هُمَا ، فَإِنَّ فِي الْأَرْضِ خَوَاصَّ ، وَطَبَائِعَ تُقَارِبُ اخْتِلَافَهَا ، وَاخْتِلَافَ طَبَائِعِ الْإِنْسَانِ .
كَثِيرٌ مِنْ النَّبَاتِ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ غِذَاءً مَأْكُولًا ، وَفِي بَعْضِهَا سُمًّا قَاتِلًا ، وَرُبَّ أَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ أَغْذِيَةٌ لِآخَرِينَ ، وَأَدْوِيَةٍ لِقَوْمٍ مِنْ أَمْرَاضٍ ، وَهِيَ أَدْوِيَةٌ لِآخَرِينَ فِي أَمْرَاضٍ سِوَاهَا ، وَأَدْوِيَةٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ لَا تُنَاسِبُ غَيْرَهُمْ .
وَالسَّبْعُ مِنْ الْعَدَدِ لَهُ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ ، وَهُوَ يَجْمَعُ مَعَانِي الْعَدَدِ ، وَخَوَاصَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَفْعٌ ، وَوِتْرٌ ، وَشَفْعٌ أَوَّلُ ، وَثَانٍ ، وَالْوِتْرُ كَذَلِكَ ، فَالشَّفْعُ الْأَوَّلُ اثْنَانِ ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ ، وَالْوِتْرُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ ، وَالثَّانِي خَمْسَةٌ ، وَالْأَطِبَّاءُ تُعْنَى بِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِحَارَيْنِ .
وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ عَادَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ فَقَالَ : اُدْعُوا لَهُ طَبِيبًا فَدُعِيَ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ ، وَاِتَّخِذُوا لَهُ فَرِيقَةً مَعَ تَمْرِ عَجْوَةٍ رَطْبَةٍ يُطْبَخَانِ فَتَحَسَّاهَا

فَفَعَلَ ذَلِكَ فَبَرَأَ } ، وَالْفَرِيقَةُ الْحُلْبَةُ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ ، وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٌ ذَاتُ نُقْطَتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ ثُمَّ قَافٌ ثُمَّ هَاءٌ تَمْرٌ يُطْبَخُ بِحُلْبَةٍ ، وَهُوَ طَعَامُ النُّفَسَاءِ قَالَ أَبُو كَثِير : وَلَقَدْ وَرَدْتُ الْمَاءَ لَوْنَ حَمَامَةٍ لَوْنَ الْفَرِيقَةِ صُفِّيَتْ لِلْمُدْنِفِ وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَشْفُوا بِالْحُلْبَةِ } ، وَالْحُلْبَةُ حَارَّةٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : فِي آخِرِ الْأُولَى ، يَابِسَةٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَا تَخْلُو مِنْ رُطُوبَةٍ فَضْلِيَّةٍ إذَا طُبِخَتْ بِالْمَاءِ لِتَلْيِينِ الْحَلْقِ ، وَالصَّدْرِ ، وَالْبَطْنِ نَافِعَةٌ لِلْحَصْرِ ، وَتُسَكِّنُ السُّعَالَ ، وَالْخُشُونَةِ ، وَالرَّبْو ، وَعُسْرِ النَّفَسِ .
مُنْضِجَةٌ مُلَيِّنَةٌ ، وَتُزِيدُ فِي الْبَاهِ جَيِّدَةٌ لِلرِّيحِ ، وَالْبَلْغَمِ ، وَالْبَوَاسِيرِ مُحْدِرَةٌ لِلْكَيْمُوسَاتِ الْمُتَرَكِّبَةِ فِي الْأَمْعَاءِ ، وَتَجْلُبُ الْبَلْغَمَ اللَّزِجَ مِنْ الصَّدْرِ ، وَتَنْفَعُ مِنْ الرَّتِيلَاتِ ، وَأَمْرَاضِ الرِّئَةِ ، وَتُسْتَعْمَلُ لِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ فِي الْأَحْشَاءِ مَعَ السَّمْنِ ، وَالسُّكَّرِ ، وَإِذَا شُرِبَتْ مَعَ وَزْنِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فُوَّهً أَدَرَّتْ الْحَيْضَ ، وَدَمَ النِّفَاسِ إذَا طُبِخَتْ بِعَسَلٍ ، وَإِذَا طُبِخَتْ ، وَغُسِلَ بِهَا الشَّعْرُ جَعَّدَتْهُ ، وَأَذْهَبَتْ الْحَرَارَةَ .
وَدَقِيقُهَا إذَا خُلِطَ بِالنَّطْرُونِ ، وَالْخَلِّ ، وَضُمِّدَ بِهِ حُلَلُ وَرَمِ الطِّحَالِ ، وَإِنْ جَلَسَتْ امْرَأَةٌ فِي مَاءٍ طُبِخَتْ فِيهِ الْحُلْبَةُ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الرَّحِمِ الْعَارِضِ مِنْ وَرَمٍ فِيهِ .
وَإِذَا ضُمِّدَتْ بِهِ الْأَوْرَامُ الصُّلْبَةُ الْقَلِيلَةُ الْحَرَارَةِ نَفَعَتْهَا ، وَحَلَّلَتْهَا ، وَيُشْرَبُ مَاؤُهَا لِرِيحٍ عَارِضٍ ، وَلِزَلَقِ الْأَمْعَاءِ ، وَإِنْ أُكِلَتْ مَطْبُوخَةً بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ تِينٍ عَلَى الرِّيقِ حَلَّلَتْ الْبَلْغَمَ اللَّزِجَ الْعَارِضَ فِي الصَّدْرِ ، وَالْمَعِدَةِ ، وَنَفَعَتْ مِنْ السُّعَالِ الْمُتَطَاوِلِ زَمَنُهُ ، وَأَكْلُ

الْحُلْبَةِ يُقَلِّلُ رَائِحَةَ الْبَرَازِ ، وَيُسَهِّلُ الْإِوْلَادِ لِلرَّحِمِ الْعَسِرَةِ الْوِلَادَةِ بِجَفَافٍ ، وَدُهْنُهَا إذَا خُلِطَ بِالشَّمْعِ يَنْفَعُ مِنْ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ مِنْ الْبَرْدِ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَنَافِعَهَا لَاشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُوَلِّدُ كَيْمُوسًا رَدِيئًا ، وَتُصَدِّعُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْكَمْأَةِ ) .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَفِيهِ مِنْ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ، وَغَيْرُهُ : الْكَمْأَةُ جَمْعُ وَاحِدَةٍ كَمْءِ ، وَهُوَ خِلَافُ قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَإِنَّ مَا فُرِّقَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ وَاحِدِهِ التَّاءُ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ بِالتَّاءِ ، وَإِذَا حُذِفَتْ كَانَ الْجَمْعُ ، وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ إلَّا كَمْأَةٌ ، وَكَمْءٌ ، وَحَبَأَةٌ ، وَحَبَءٌ .
وَقَالَ غَيْرُهُمْ : هِيَ عَلَى الْقِيَاسِ الْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ ، وَالْكَمْءُ لِلْكَثْرَةِ ، وَقِيلَ : الْكَمْأَة تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ، وَسُمِّيَتْ كَمْأَةً لِاسْتِتَارِهَا ، وَمِنْهُ كَمَأَ شَهَادَتَهُ يَكْمَؤُهَا إذَا كَتَمَهَا ، وَانْكَمَأَ أَيْ : اسْتَخْفَى ، وَتَكَمَّأَ تَغَطَّى ، وَالْكَمِيُّ الشُّجَاعُ الْمُتَكَمِّي فِي سِلَاحِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَأَ نَفْسَهُ أَيْ : سَتَرَهَا بِالدِّرْعِ ، وَالْبَيْضَةِ ، وَالْجَمْعُ الْكُمَاةُ ، كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا كَامِئٍ ، فِي مِثْلِ قَاضٍ ، وَقُضَاةٍ قَالَ الشَّاعِرُ : قَهَرْنَاكُمْ حَتَّى الْكُمَاةَ فَإِنَّكُمْ لَتَخْشَوْنَنَا حَتَّى بَنِينَا الْأَصَاغِرَا وَيُرْوَى حَتَّى الْحُمَاةَ ، وَلَا تُزْرَعُ الْكَمْأَةُ ، وَمَادَّتُهَا مِنْ جَوْهَرٍ أَرْضِ بُخَارَى يَحْتَقِنُ فِي الْأَرْضِ نَحْوُ سَطْحِهَا يَحْتَقِنُ بِبَرْدِ الشِّتَاءِ ، وَتُنَمِّيهِ أَمْطَارُ الرَّبِيعِ فَيَتَوَلَّدُ .
وَلِهَذَا يُقَالُ لَهَا : جُدَرِي الْأَرْضِ تَشْبِيهًا بِالْجُدَرِيِّ فِي صُورَتِهِ ، وَمَادَّتِهِ ؛ لِأَنَّ مَادَّتَهُ رُطُوبَةٌ دَمَوِيَّةٌ يَنْدَفِعُ عِنْدَ سِنِّ التَّرَعْرُعِ فِي الْغَالِبِ ، وَفِي ابْتِدَاءِ اسْتِيلَاءِ الْحَرَارَةِ ، وَنَمَاءِ الْقُوَّةِ ، وَهِيَ مَا تُوجَدُ فِي الرَّبِيعِ ، وَتُؤْكَلُ شَيًّا ، وَمَطْبُوخًا ، وَسَمَّتْهَا نَبَاتَ الرَّعْدِ لِكَثْرَتِهَا بِكَثْرَتِهِ ، وَتَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ ،

وَتَكْثُرُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهَا رَمْلَةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ ، وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الْحُمْرَةِ .
قِيلَ : هِيَ مِنْ الْمَنِّ حَقِيقَةً عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَقِيلَ : شَبَّهَهَا بِهِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا كُلْفَةٍ ، وَلَا مُعَالَجَةٍ .
وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ مَاءَهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ ضَعْفِ الْبَصَرِ ، وَالرَّمَدِ الْحَادِّ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْمَسِيحِيُّ ، وَصَاحِبُ الْقَانُونِ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدْ اكْتَحَلَ بِمَائِهَا مُجَرَّدًا بَعْضُ مَنْ عَمِيَ مُعْتَقِدًا مُتَبَرِّكًا فَشَفَاهُ اللَّهُ بِحَوْلِهِ ، وَقُوَّتِهِ ، وَأَظُنُّ قَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي زَمَنِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ .
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى الْخَبَرَ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَاهُ .
وَقِيلَ : يُخْلَطُ مَاؤُهَا بِدَوَاءٍ ، وَيُعَالَجُ بِهِ ، وَقِيلَ : هَذَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرَارَةٍ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ فَمَاؤُهَا مُجَرَّدُ شِفَاءٍ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِمَائِهَا الْمَاءُ الَّذِي تَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْمَطَرِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَطَرٍ يَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ فَيَكُونُ إضَافَةَ اقْتِرَانٍ لَا إضَافَةَ جُزْءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الْكَمْأَةَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ تُوَرِّثُ الْقُولَنْجَ ، وَعُسْرَ الْبَوْلِ ، وَتُوَلِّدُ خَلْطًا رَدِيئًا ، وَيُخَافُ مِنْهُ الْفَالِجُ ، وَالسَّكْتَةُ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْمَل بِالدَّارَصِينِيِّ ؛ لِأَنَّ جَوْهَرَهَا أَرْضِيٌّ غَلِيظٌ ، وَغِذَاؤُهَا رَدِيءٌ لَكِنْ فِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيٌّ لَطِيفٌ يَدُلّ عَلَى خِفَّتِهَا ، وَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا مِنْ الْمَنِّ أَوْ أَنَّ مَاءَهَا يَنْفَعُ الْعَيْنَ عَدَمُ الضَّرَرِ فِيهَا وَقْتَ حَلْقِهَا فَالْعَسَلُ ، وَغَيْرُهُ فِيهِ ضَرَرٌ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّفْعِ .

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : الْآفَاتُ ، وَالْعِلَلُ حَادِثَةٌ ، وَالْفَسَادُ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ لِمُجَاوَرَةٍ أَوْ امْتِزَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ ، وَمُخَالَفَةَ الرُّسُلِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ ، وَغَيْرَهُ قَالَ تَعَالَى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } وَقَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ { إنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ } .
وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْقَحْطِ ، وَقِلَّةِ الْبَرَكَاتِ { وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا { وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ خَزَائِنِ بَنِي أُمَيَّة صُرَّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالُ نَوَى التَّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيَّامَ الْعَدْلِ .

فَصْلٌ ( فِي ذِكْرِ مُفْرَدَاتٍ فِيهَا أَخْبَارٌ مِنْ ذَلِكَ ) .
( حَرْفُ الْأَلِفِ ) خَوَاصُّ الْأُرْزِ يُذْكَرُ فِي الْأُرْزِ خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ حَلِيمًا وَالْآخَرُ : كُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ دَاءٌ ، وَشِفَاءٌ إلَّا الْأُرْزَ ، فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لَا دَاءَ فِيهِ } قِيلَ : الْأُرْزُ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ ، وَقِيلَ : حَارٌّ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : مُعْتَدِلٌ ، وَقِيلَ : بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرِّ ، وَالْبَرْدِ شَدِيدُ الْيُبْسِ يَحْبِسُ الطَّبْعَ .
وَالْمَطْبُوخُ بِالْأَلِيَّةِ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ وَلَا يُمْسِكُ ، وَالْأُرْزُ يَنْفَعُ مِنْ قِيَامِ الدَّمِ وَيُوَلِّدُ الدَّمَ ، وَمِنْ عِلَلِ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ ، وَمِنْ كَثْرَةِ إنْزَالِ الْحَيْضَةِ ، وَيُسَكِّنُ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْبَلْغَمِ الْمَالِحِ الَّذِي مِنْهُ الْبَوَاسِيرُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الزَّحِيرِ وَالْعِلَلِ الْعَارِضَةِ فِي أَسْفَلِ الْبَدَنِ ، وَيَحْبِسُ دَمَ الطَّمْثِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ النَّزْفِ الْعَارِضِ لِلنِّسَاءِ ، وَمِنْ اضْطِرَابِ الْجَنِينِ فِي الْجَوْفِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ يَزِيدُ فِي نَضَارَةِ الْوَجْهِ وَيُخَصِّبُ الْبَدَنَ وَيُرِي أَحْلَامًا جَيِّدَةً ، رَدِيءٌ لِلْقُولَنْجِ يُصْلِحُهُ الْعَسَلُ وَالسُّكَّرُ الْأَحْمَرُ ، وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى يَنْهَرِي ، وَيَصِيرَ مِثْلَ مَاءِ الشَّعِيرِ وَشُرِبَ كَانَ جَيِّدًا لِلَّذْعِ فِي الْبَطْنِ عَنْ أَخْلَاطٍ مَرَارِيَّةٍ ، وَالْمَطْبُوخُ بِاللَّبَنِ وَدُهْنِ اللَّوْزِ وَالْحُلْوِ وَالسُّكَّرِ يُقَوِّي الْبَاهَ ، وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَلَا يَعْقِلُ ، وَالْأَرُزُّ غِذَاؤُهُ جَيِّدٌ وَقَدْ يُعَطِّشُ مَنْ كَبِدُهُ حَارَّةٌ وَهُوَ يَدْفَعُ الْمَعِدَةَ .
وَيَزْعُمُ الْهِنْدُ أَنَّهُ أَجْوَدُ الْأَغْذِيَةِ وَأَنْفَعُهَا إذَا طُبِخَ بِحَلِيبِ الْبَقَرِ الْحُمْرِ .
وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاغْتِذَاءِ بِهِ طَالَ عُمْرُهُ وَصَحَّ جِسْمُهُ وَلَمْ يَنَلْهُ فِي بَدَنِهِ عِلَّةٌ وَلَا صُفْرَةٌ .
وَفِيهِ جَلَاءٌ لِظَاهِرِ الْجَسَدِ وَأَكْلُهُ يَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ

، وَيَقِلُّ عَلَى أَكْلِهِ الْبَوْلُ وَالنَّجْوُ وَالرِّيحُ وَقِيلَ : لَيْسَ خَلْطُهُ بِحَسَنٍ وَإِذَا طُبِخَ بِلَبَنِ الْمَاعِزِ اعْتَدَلَ وَقِشْرُهُ يُعَدُّ مِنْ السُّمُومِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْبَيْضِ وَأَنْوَاعِ طَبْخِهِ ) .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ شَكَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِ شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ : الْأَطِبَّاءُ الْبَيْضُ الطَّرِيُّ أَجْوَدُ مِنْ الْعَتِيقِ .
وَأَفْضَلُهُ بَيْضُ الدَّجَاجِ ، وَأَفْضَلُهُ مُخُّهُ ، وَأَفْضَلُهُ نِيمَرِشْتُ ، وَبَيَاضُهُ إلَى الْبَرْدِ ، وَصُفْرَتُهُ إلَى الْحَرِّ ، وَجُمْلَتُهُ إلَى الِاعْتِدَالِ بَيْنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ رَطْبٌ غَلِيظٌ ، وَالنِّيمَرِشْتُ أَسْرَعُ انْهِضَامًا وَأَجْوَدُهُ غِذَاءً يَنْفَعُ الْحَلْقَ وَالسُّعَالَ وَالسُّلَّ وَيُزِيدُ فِي الْبَاهِ وَمُخُّهُ الْمَشْوِيُّ قَابِضٌ يُسَكِّنُ الْأَوْجَاعَ اللَّذَّاعَةَ .
وَالصُّفْرَةُ الْمَشْوِيَّةُ يُطْلَى بِهَا الْكَلَفُ مَعَ الْعَسَلِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ حَرْقِ النَّارِ وَمِنْ حَرْقِ الْمَاءِ الْحَارِّ إذَا جُعِلَ عَلَيْهِ بِصُوفَةٍ ، وَيَنْفَعُ مِنْ جِرَاحَاتِ السُّفْلِ وَلِلْقَانَّةِ .
وَالْمَطْبُوخُ فِي الْخَلِّ يُحَسِّنُ الطَّبْعَ وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ خَاصَّةً الْمُنْعَقِدُ مِنْهُ وَيُوَرِّثُ الْكَلَفَ إذَا أُدْمِنَ أَكْلُهُ .
وَالْمُطَجَّنُ رَدِيءٌ جِدًّا يُوَلِّدُ الْحِجَارَةَ وَتُخْمًا وَقَولَنْجًا .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صُفْرَةٍ أَوْ يُخْلَطَ بِهِ فُلْفُلٌ وَكَمُّونٌ وَيُسْتَعْمَلُ بَعْدَ الزَّنْجَبِيلِ الْمُرَبَّى .
قَالَ بَعْضُهُمْ : بَيَاضُهُ إذَا قُطِّرَ فِي الْعَيْنِ الْوَارِمَةِ وَرَمًا حَارًّا بَرَّدَهُ وَسَكَّنَ الْوَجَعَ ، وَإِذَا لُطِّخَ بِهِ حَرْقُ النَّارِ أَوَّلَ مَا يُعَرَّضُ لَهُ لَمْ يَدَعْهُ يَنْفِطُ ، وَإِذَا لُطِّخَ بِهِ الْوَجْهُ مُنِعَ مِنْ الِاحْتِرَاقِ الْعَارِضِ مِنْ الشَّمْسِ ، وَإِذَا خُلِطَ بِالْكُنْدُرِ وَلُطِّخَ عَلَى الْجَبْهَةِ نَفَعَ مِنْ النَّزْلَةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَانُونِ فِي الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُلَطِّفَةِ ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَقْوِيَتِهِ جِدًّا أَعْنِي : الصُّفْرَةَ تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : سُرْعَةَ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الدَّمِ ، وَقِلَّةَ

الْفَضْلِ ، وَكَوْنَ الدَّمِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ مُجَانِسًا لِلدَّمِ الَّذِي يَغْذُو الْقَلْبَ خَفِيفًا مُنْدَفِعًا إلَيْهِ بِسُرْعَةٍ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْبَصَلِ وَالثُّومِ ) .
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْبَصَلِ فَقَالَتْ : إنَّ آخِرَ طَعَامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِ بَصَلٌ .
وَالْبَصَلُ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ وَفِيهِ رُطُوبَةٌ فَضْلِيَّةٌ ، وَقِيلَ : رَطْبٌ فِي آخِرِ الثَّالِثَةِ يَنْفَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمِيَاهِ ، وَيَدْفَعُ رِيحَ السَّمُومِ وَيُفَتِّقُ الشَّهْوَةَ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيُهَيِّجُ الْبَاهَ ، وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُحَسِّنُ اللَّوْنَ ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ ، وَيَجْلُو الْمَعِدَةَ ، وَإِذَا شَمَّهُ مَنْ شَرِبَ دَوَاءً مُسْهِلًا مَنَعَهُ مِنْ الْقَيْءِ وَالْغَثَيَانِ ، وَأَذْهَبَ رَائِحَةَ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَإِذَا سَعَطَ بِمَائِهِ نَقَّى الرَّأْسَ ، وَيُقَطَّرُ فِي الْأُذُنِ لِثِقَلِ السَّمْعِ وَالطَّنِينِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ الْحَادِثِ فِي الْأُذُنَيْنِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْمَاءِ النَّازِلِ فِي الْعَيْنِ اكْتِحَالًا .
وَالْمَطْبُوخُ مِنْهُ كَثِيرُ الْغِذَاءِ يَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ ، وَالسُّعَالِ وَخُشُونَةِ الصَّدْرِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيُلَيِّنُ الطَّبْعَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ غَيْرِ الْكَلْبِ إذَا طُلِيَ عَلَيْهَا مَاؤُهُ بِمِلْحِ وَسَذَابٍ ، وَإِذَا احْتَمَلَ فَتْحَ الْبَوَاسِيرِ وَبَذْرُهُ يُذْهِبُ الْبَهَقَ وَيُدَلَّكُ بِهِ دَاءُ الثَّعْلَبِ فَيَنْفَعُ جِدًّا وَهُوَ بِالْمِلْحِ يَقْلَعُ الثَّآلِيلَ وَيُكْتَحَلُ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ لِبَيَاضِ الْعَيْنِ .
وَالْبَصَلُ يُصَدِّعُ الرَّأْسَ وَيُثَوِّرُ الشَّقِيقَةَ وَيُوَلِّدُ رِيَاحًا وَكَثْرَةُ أَكْلِهِ تُوَلِّدُ النِّسْيَانَ وَتُفْسِدُ الْعَقْلَ وَيُغَيِّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَالنَّكْهَةِ وَتُؤْذِي الْجَلِيسَ وَالْمَلَائِكَةَ .
وَيُذْهِبُ رَائِحَتَهُ وَرَقُ السَّذَابِ عَلَيْهِ وَإِمَاتَتُهُ طَبْخًا تُذْهِبُ هَذِهِ الْمُضِرَّاتِ مِنْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ مُعَطِّشٌ مُعِنٌّ مُلَيِّنٌ لِلْبَطْنِ يُحْدِرُ الطَّمْثَ ، وَيَشْفِي الرُّعَافَ إذَا اُسْتُعِطَ بِهِ وَإِذَا اُسْتُنْشِقَ ، وَيَنْفَعُ التَّحَنُّكُ بِهِ مِنْ الْخِنَاقِ وَإِذَا خُلِطَ بِالْخَلِّ وَيُلَطَّخُ بِهِ

فِي الشَّمْسِ أَثَرُ الْبَهَقِ أَزَالَهُ ، وَلْيَحْذَرْ إكْثَارَهُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمِرَارُ .
وَفِيهِ جَذْبُ الدَّمِ إلَى خَارِجٍ فَهُوَ مُحَمِّرٌ لِلْجِلْدِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُوَلِّدُ اللُّعَابَ ، وَالْبَصَلُ الْمُخَلَّلُ فَاتِقٌ لِلشَّهْوَةِ جِدًّا وَالْبَصَلُ يَضُرُّ بِالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلَّلًا ، وَإِذَا سُلِقَ أَوْ شُوِيَ أَصْلَحَ حِدَّتَهُ ، وَإِذَا أُذِيبَ الْأُشَّقُ فِي مَاءِ الْبَصَلِ وَطُلِيَ بِهِ الزُّجَاجُ لَمْ يَنْكَسِرْ لِشِدَّةِ صَلَابَتِهِ ، وَإِذَا وُضِعَ الْبَصَلُ فِي طَاحُونَةٍ مَنَعَهَا مِنْ الدَّوَرَانِ .
وَالثُّومُ مَذْكُورٌ مَعَ الْبَصَلِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الرَّابِعَةِ تَسْخِينُهُ وَتَجْفِيفُهُ جِدًّا يَنْفَعُ مِنْ الْبَرْدِ وَالْبَلْغَمِ لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْفَالِجُ مُجَفِّفٌ لِلْمَنِيِّ مُفَتِّحٌ لِلسُّدَدِ يَحُلُّ النَّفْخَ ، وَيَهْضِمُ الطَّعَامَ ، وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ يَقُومُ فِي لَسْعِ الْهَوَامِّ وَالْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ مَقَامَ التِّرْيَاقِ ، وَإِنْ جُعِلَ ضِمَادًا نَفَعَ وَجَذَبَ السُّمَّ ، وَيُصَفِّي الْحَلْقَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمِيَاهِ وَالسُّعَالِ الْمُزْمِنِ وَمِنْ وَجَعِ الصَّدْرِ مِنْ بَرْدٍ وَيُخْرِجُ الْعَلَقَ مِنْ الْحَلْقِ ، وَإِنْ دُقَّ مَعَ خَلٍّ وَمِلْحٍ وَعَسَلٍ وَجُعِلَ عَلَى الضِّرْسِ الْمُتَآكِلِ فَتَّتَهُ وَأَسْقَطَهُ وَعَلَى الضِّرْسِ الْوَجِعِ سَكَّنَهُ ، وَإِذَا طُلِيَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْبَهَقِ نَفَعَ ، وَيَحْفَظُ صِحَّةَ أَكْثَرَ الْأَبْدَانِ وَيُصَدِّعُ ، وَيَضُرُّ الدِّمَاغَ وَالْعَيْنَ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ وَيُعَطِّشُ الصَّفْرَاءَ ، وَيَجِيفُ رَائِحَةَ الْفَمِ وَيُذْهِبُ رَائِحَتَهُ إنْ مُضِغَ عَلَيْهِ وَرَقُ السَّذَابِ وَيُصْلِحُهُ الْحَامِضُ وَالدُّهْنُ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ يَنْفَعُ فِيهِ مَضْغُ وَرَقُ السَّذَابِ وَكَذَا السَّعْدُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْبَاذِنْجَانِ ) وَمِنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ .
} وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ وَقِيلَ : بَارِدٌ يَابِسٌ وَالْكَيْمُوسُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ مَرَارٌ أَسْوَدُ مُحْتَرِقٌ فَلِذَلِكَ يُوَلِّدُ السَّوْدَاءَ وَالْبَوَاسِيرَ وَالْكَلَفَ وَالسَّرَطَانَ وَالْجُذَامَ وَالدُّوَارَ وَالصَّرَعَ ، وَيَضُرُّ بِنَتِنِ الْفَمِ ، وَيَنْبَغِي تَشْقِيقُهُ كَالصَّلِيبِ وَيُجْعَلُ فِي جَوْفِهِ مِلْحًا مَدْقُوقًا وَبِتَرْكِهِ سَاعَةً يَمْتَصُّ الْمِلْحُ مَائِيَّتَهُ الرَّدِيئَةَ ثُمَّ يَغْسِلُهُ مَرَّاتٍ وَيُبَدِّدُ عَنْهُ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَصْفُوَ سَوَادُهُ ، وَيَطْبُخُهُ بِخَلٍّ أَوْ مَاءِ حِصْرِمٍ مَعَ دُهْنِ اللَّوْزِ وَلَحْمٍ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : لَحْمُ جَمَلٍ ، وَيَأْكُلُ بَعْدَهُ رُمَّانًا مُزًّا ، وَخَاصَّةً الْبَاذِنْجَانُ إنَّهُ يُوَرِّثُ سَوَادَ اللَّوْنِ ، وَإِصْلَاحُهُ بِالْخَلِّ وَالدُّسُومَاتِ ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الَّتِي تَقِيءُ الطَّعَامَ رَدِيءٌ لِلرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَكَثِيرًا مَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْقَوَابِي وَالْبَوَاسِيرُ وَالرَّمَدُ وَالْمَطْبُوخُ بِالْخَلِّ يُوَافِقُ ، وَيَنْفَعُ أَصْحَابَ الْأَطْحِلَةِ الْغَلِيظَةِ نَفْعًا بَيِّنًا ، وَإِذَا أُخِذَ مِنْ قطارميز الْبَاذِنْجَانِ وَخُلِطَ مَعَ مِثْلِهَا مِنْ لُبِّ اللَّوْزِ الْمُرِّ وَدُقَّا وَعُجِنَا بِدُهْنِ بَنَفْسَجٍ وَطُلِيَتْ بِهِ الْبَوَاسِيرُ نَفَعَتْ مِنْهَا مُجَرَّبٌ ، وَمِنْ الْمُجَرَّبِ أَيْضًا إذَا سُحِقَ الزِّئْبَقُ بِمَاءِ الْبَاذِنْجَانِ سَحْقًا بَلِيغًا وَكُتِبَ بِهِ كِتَابَةً وَأُحْمِيَ فِي النَّارِ بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ .
وَالْأَبْيَضُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ الْمُسْتَطِيلِ الَّذِي بِدِمَشْقَ أَصْلَحُ مِنْ الْأَسْوَدِ الَّذِي بِبِلَادِ الْعَجَمِ ، وَبِالْفَوْرِ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ وَقِيلَ : هَذَا الْأَبْيَضُ عَارٍ مِنْ مَضَارِّ الْأَسْوَدِ .
وَذَكَرَ ابْن عَبْد الْبَرِّ عَنْ عَيَّاشٍ الدَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ قَالَ : لَا يُمَلُّ الْبَاذِنْجَانُ قَالَ : وَسَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا عَمْرو فِي نُسْخَةٍ عَمْرو يَقُولُ لَوْ يَعْلَمُ الثَّوْرُ الَّذِي

يَحْمِلُ الْبَاذِنْجَانَ أَنَّهُ عَلَيْهِ تَاهَ عَلَى الثِّيرَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا لِمَنْ اسْتَطَابَهُ وَعُذْرُهُ عِنْدَهُ ، وَذَمُّهُ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مَدْحِهِ .
فَصْلٌ : قَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي الْحِمْيَةِ الْكَلَامُ عَلَى التَّمْرِ وَبَعْدَهُ قَرِيبًا فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ الْكَلَامُ وَعَلَى الْبِطِّيخِ وَالْكَلَامُ فِي الْبُسْرِ وَالْبَلَحِ وَالرُّطَبِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي التُّفَّاحِ وَفِي ذِكْرِ السَّفَرْجَلِ .

فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ التِّينِ يُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُهْدِيَ لَهُ طَبَقٌ مِنْ تِينٍ فَقَالَ : كُلُوا وَأَكَلَ مِنْهُ وَقَالَ : لَوْ قُلْتُ إنَّ فَاكِهَةً نَزَلَتْ مِنْ الْجَنَّةِ قُلْتُ : هَذِهِ ؛ لِأَنَّ فَاكِهَةَ الْجَنَّةِ بِلَا عُجْمٍ فَكُلُوا مِنْهَا ، فَإِنَّهَا تَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ } ، وَيَنْفَعُ مِنْ النِّقْرِسِ .
وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ هَذَا التِّينُ الْمَعْرُوفُ وَالزَّيْتُونُ الْمَعْرُوفُ .
وَهُوَ حَارٌّ قَلِيلًا رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : يَابِسٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ النَّاضِجُ الْمُقَشَّرُ وَهُوَ أَغْذَى مِنْ جَمِيعِ الْفَوَاكِهِ ، وَيَسْرُعُ نُفُوذُهُ وَيُسْمِنُ وَيُوَافِقُ الصَّدْرَ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ الَّذِي هُوَ بَلْغَمٌ مَالِحٌ ، وَيَنْفَعُ الْكُلَى وَالْمَثَانَةَ ، وَيَجْلُو رَمْلَهَا وَيُؤَمِّنُ مِنْ السُّمُومِ ، وَيَنْفَعُ خُشُونَةَ الْحَلْقِ وَقَصَبَةَ الرِّئَةِ ، وَيَغْسِلُ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ وَيُنَقِّي الْخَلْطَ الْبَلْغَمِيَّ مِنْ الْمَعِدَةِ ، وَيَنْفَعُ السُّعَالَ الْمُزْمِنَ ، وَيَزِيدُ الْبَوْلَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَفِي أَكْلِهِ عَلَى الرِّيقِ مَنْفَعَةٌ عَجِيبَةٌ فِي فَتْحِ مَجَارِي الْغِذَاءِ وَأَكْلُهُ مَعَ الْأَغْذِيَةِ الْغَلِيظَةِ رَدِيءٌ جِدًّا ، وَالتِّينُ فِيهِ نَفْخٌ وَيُوَلِّدُ مُرَّةً وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ ، وَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ شَرَابُ السَّكَنْجَبِينِ الصِّرْفُ بَعْدَ أَكْلِهِ ، وَيُضَمَّدُ بِالتِّينِ الْيَابِسِ الْبَهَقُ وَقُضْبَانُهُ تَهْرِي اللَّحْمَ إذَا طُبِخَ مَعَهَا .
وَالتِّينُ الْيَابِسُ حَارٌّ مُعْتَدِلٌ فِي الْيُبْسِ وَالرُّطُوبَةِ لَطِيفٌ قَوِيٌّ لِجَلَاءِ السُّدَدِ ، وَيَنْفَعُ الْعَصَبَ ، وَأَكْلُ التِّينِ يُوَلِّدُ دَمًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ مَعَهُ الْجَوْزُ أَوْ اللَّوْزُ قَالَ جَالِينُوسُ : وَإِذَا أُكِلَ مَعَ الْجَوْزِ وَالسَّذَابِ قَبْلَ أَخْذِ السُّمِّ الْقَاتِلِ نَفَعَ وَحَفِظَ مِنْ الضَّرَرِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْجُبْنِ ) .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ { فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ } رَوَاهُ دَاوُد .
وَأَكَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْجُبْنَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : الْجُبْنُ الرَّطْبُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّالِثَةِ مُسَمِّنٌ مُلَيِّنٌ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا وَهُوَ غَلِيظٌ يُزِيدُ فِي اللَّحْمِ مُوَلِّدٌ لِلْحَصَى وَالسُّدَدِ وَيُصْلِحُهُ الْجَوْزُ وَالزَّيْتُ أَوْ الْعَسَلُ قَالَ بَعْضُهُمْ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ ، وَالْحَرِيفُ مِنْهُ وَهُوَ الْعَتِيقُ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ مُلْهِبٌ مُعَطِّشٌ رَدِيءُ الْغِذَاءِ وَفِيهِ جَلَاءٌ وَيُقَوِّي فَمَ الْمَعِدَةِ إذَا تَلَقَّمَ بِهِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُوَلِّدُ الْحَصَى فِي الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُوَلِّدُ خَلْطًا مَرَارِيًّا ، وَيَهْزِلُ ، رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ عَسِرُ الْهَضْمِ وَخَلْطُهُ لِلْمُطْلَقَاتِ أَرْدَأُ بِسَبَبِ تَنْفِيذِهَا لَهُ إلَى الْمَعِدَةِ وَسَيْفُهُ يُصْلِحُهُ لِاجْتِنَابِ النَّارِ مِنْ أَجْزَائِهِ وَيُمْسِكُ الطَّبْعَ .
وَأَمَّا الزُّبْدُ فَأَجْوَدُهُ الطَّرِيُّ مِنْ لَبَنِ الضَّأْنِ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَرُطُوبَتُهُ أَكْثَرُ مُنْضِجٌ مُحَلِّلٌ إذَا طُلِيَ بِهِ الْبَدَنُ سَمَّنَهُ وَغَذَّاهُ ، وَيَنْفَعُ جِرَاحَاتِ الْعَصَبِ وَالْأَوْرَامِ ، وَيَمْلَأُ الْقُرُوحَ وَيُنَقِّيهَا وَيُسَهِّلُ نَبَاتَ الْأَسْنَانِ إذَا طُلِيَ بِهِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ الْيَابِسِ وَالْبَارِدِ مَعَ السُّكَّرِ وَاللَّوْزِ وَلِذَاتِ الْجَنْبِ وَالرِّئَةِ وَيُسَهِّلُ النَّفْثَ ، وَيَنْفَعُ نَفْثَ الدَّمِ وَقَذْفَ الْمِدَّةِ إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ بِعَسَلٍ ، وَيَحْتَقِنُ بِهِ لِلْأَوْرَامِ الصُّلْبَةِ وَيُقَاوِمُ السُّمُومَ ، وَيَنْفَعُ نَهْشَةَ الْأَفْعَى طِلَاءً وَيُرْخِي الْمَعِدَةَ ، وَتُصْلِحُهُ الْأَشْيَاءُ الْقَابِضَةُ ، وَيُذْهِبُ الْقَوَابِيَ وَالْخُشُونَةَ الَّتِي فِي الْبَدَنِ وَيُلَيِّنُ الطَّبِيعَةَ وَيُسْقِطُ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَهُوَ وَخِمٌ أَيْ : وَبِيءٌ يَطْفُوا فِي فَمِ الْمَعِدَةِ وَيُذْهِبُ بِوَخَامَتِهِ الْحُلْوُ كَالْعَسَلِ وَالتَّمْرِ .
وَلِهَذَا

رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِالْإِسْنَادِ الْجَيِّدِ عَنْ ابْنَيْ بِشْرٍ وَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ وَعَطِيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا : { دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمْنَا إلَيْهِ زُبْدًا وَتَمْرًا وَكَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ ، وَكَذَا السَّمْنُ } فَقَدْ سَبَقَ فِيهِ الْحَدِيثُ فِي فَضْلِ الصِّحَّةِ أَنَّ سَمْنَ الْبَقَرِ دَوَاءٌ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا يُسْتَشْفَى النَّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ السَّمْنِ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : السَّمْنُ يَفْعَلُ أَفْعَالَ الزُّبْدِ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْإِنْضَاجِ وَالْإِرْخَاءِ وَالتَّلْيِينِ وَكُلَّمَا عُتِّقَ كَانَ أَحَرَّ وَأَقْوَى جَلَاءً ، حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى أَكْثَرُ حَرَارَةً مِنْ الزُّبْدِ مُحَلِّلٌ مُنْضِجٌ يَفْعَلَ فِي الْأَبْدَانِ النَّاعِمَةِ دُونَ الصُّلْبَةِ وَيُنْضِجُ الْبُثُورَ وَالْأَوْرَامَ وَيُلَيِّنَ الصَّدْرَ وَيُنْضِجُ الْفُضُولَ فِيهِ خُصُوصًا مَعَ السُّكَّرِ وَاللَّوْزِ وَهُوَ تِرْيَاقُ السُّمُومِ الْمَشْرُوبَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سَمْنُ الْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إذَا شُرِبَ مَعَ الْعَسَلِ نَفَعَ مِنْ شُرْبِ السُّمِّ الْقَاتِلِ وَمِنْ لَدْغِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الثَّفَا أَيْ حَبُّ الرَّشَادِ وَالصَّبِرِ ) .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَاذَا فِي الْأَمَرَّيْنِ مِنْ الشِّفَا ؟ الصَّبِرُ وَالثُّفَّا } رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْقَيْسِيِّ مُرْسَلًا مَرْفُوعًا وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ { إنَّ الصَّبِرَ يَشُبُّ الْوَجْهَ } أَمَّا الثَّفَا فَهُوَ الْحُرْفُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ حَبُّ الرَّشَادِ .
وَقِيلَ : شَيْءٌ حِرِّيفٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ مُشَدَّدَةً وَهُوَ الَّذِي يَلْذَعُ اللِّسَانَ بِحَرَارَتِهِ وَكَذَلِكَ بَصَلٌ حِرِّيفٌ وَلَا تَقُلْ : حَرِيفٌ وَالرَّشَادُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ يُسَخِّنُ وَيُلَيِّنُ الْبَطْنَ وَيُخْرِجُ الدُّودَ وَحَبُّ الْقَرْعِ وَيُحَلِّلُ أَوْرَامَ الطِّحَالِ وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ ، وَيَجْلُو الْجَرَبَ الْمُتَقَرِّحَ وَالْقُوبَا وَإِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ حَلَّلَ وَرَمَ الطِّحَالِ وَإِذَا طُبِخَ فِي الْحِنَّاءِ أَخْرَجَ الْفُضُولَ الَّتِي فِي الصَّدْرِ وَشُرْبُهُ يَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْهَوَامِّ وَلَسْعِهَا .
وَإِذَا دُخِّنَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ طُرِدَ الْهَوَامُّ عَنْهُ وَيُمْسِكُ الشَّعْرَ الْمُتَسَاقِطَ وَإِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ نَضَّجَ الدَّمَامِلَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِرْخَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ ، وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الرَّبْوِ وَعُسْرِ النَّفَسِ وَغِلَظِ الطِّحَالِ وَيُنَقِّي الرِّئَةَ وَيُدِرُّ الطَّمْثَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ عِرْقِ النَّسَاءِ وَوَجَعِ الْوِرْكِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا شُرِبَ أَوْ احْتُقِنَ بِهِ ، وَيَجْلُوَ مَا فِي الصَّدْرِ مِنْ الْبَلْغَمِ اللَّزِجِ وَيُحَلِّلُ الرِّيَاحَ لَا سِيَّمَا وَزْنُ دِرْهَمٍ مَسْحُوقًا بِمَاءٍ حَارٍّ مَعَ إسْهَالٍ أَيْضًا ، وَيَنْفَعُ شُرْبُهُ مَسْحُوقًا مِنْ الْبَرَصِ ، وَإِنْ لُطِّخَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَهَقِ الْأَبْيَضِ بِالْخَلِّ مِنْهُمَا ،

وَيَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ عَنْ بَرْدٍ وَبَلْغَمٍ ، وَإِنْ غُلِيَ وَشُرِبَ عَقَلَ الْبَطْنَ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُسْحَقْ لِتَحَلُّلِ لُزُوجَتِهِ بِالْقَلْيِ ، وَإِنْ غُسِلَ بِمَائِهِ الرَّأْسُ نَقَّاهُ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَالرُّطُوبَاتِ اللَّزِجَةِ قَالَ جَالِينُوسُ قُوَّتُهُ مِثْلُ بِزْرِ الْخَرْدَلِ شَبِيهٌ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَعِدَةِ وَالْمَثَانَةِ ، وَإِنَّهُ يُحْدِثُ تَقْطِيرَ الْبَوْلِ ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ مَعَهُ الْهِنْدَبَا ؛ لِأَنَّ الْهِنْدَبَا بَارِدٌ مُلَطِّفٌ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَالْكَبِدِ مُحَلِّلُ السُّدَدِ .
وَأَمَّا الصَّبِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَلَا تُسَكَّنُ إلَّا ضَرُورَةً الدَّوَاءُ الْمَعْرُوفُ فَحَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : حَرَارَتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ : فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : يُبْسُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَقُوَّتُهُ قَابِضَةٌ مُجَفِّفَةٌ وَالْهِنْدِيُّ مِنْهُ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ يُجَفَّفُ بِغَيْرِ لَذْعٍ ، وَيَنْفَعُ بِالْعَسَلِ عَلَى آثَارِ الضَّرْبَةِ وَيُدْمِلُ الدَّاحِسَ وَعَلَى الشَّعْرِ الْمُتَسَاقِطِ فَيَمْنَعُهُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ السُّفْلِ وَالْمَذَاكِيرِ وَيُدْمِلُ الْقُرُوحَ الَّتِي قَدْ عَسِرَ انْدِمَالُهَا وَيُنَقِّي الْفُضُولَ الصَّفْرَاوِيَّةَ مِنْ الرَّأْسِ وَيُطْلَى عَلَى الْأَنْفِ وَيُسَهِّلُ السَّوْدَاءَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْعَيْنِ وَجَرَبِهَا وَوَجَعِ الْمَآقِ وَيُجَفِّفُ رُطُوبَتَهَا ، وَيَحِدُّ الْبَصَرَ وَيُنَقِّي الْبَلْغَمَ مِنْ الْمَعِدَةِ وَرُبَّمَا نَفَعَنَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ .
وَقَدْ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ بُكْرَةً وَعَشِيَّة حَبَّاتٌ مَخْلُوطَةٌ بِالطَّعَامِ فَتُسَهِّلُ الْبَطْنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نُفْسِدَ الطَّعَامَ ، وَقَدْرُ شَرْبَتِهِ إذَا كَانَ مُفْرَدًا مَا بَيْنَ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمَيْنِ بِمَاءٍ حَارٍّ فَيُسْهِلُ بَلْغَمًا وَصَفْرَاءَ ، وَإِذَا غُسِلَ كَانَ أَضْعَفَ إسْهَالًا وَإِذَا كَانَ مَعَ الْأَدْوِيَةِ فَشَرْبَتُهُ مِنْ دَانَقَيْنِ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمِعَى وَيُعْدَلُ بِالْكَثِيرِ أَوْ يَضُرُّ بِالْكَبِدِ وَالسُّفْلِ وَيُصْلِحُهُ الْوَرْدُ وَالْمَصْطَكَى .

وَسَقْيُ الصَّبِرِ فِي الْبَرْدِ خَطَرٌ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَسْهَلَ دَمًا ، وَالْعَرَبِيُّ مِنْ الصَّبِرِ يُكْرِبُ وَيُمْغِصُ والسنجاري مِنْ الصَّبِرِ أَسْوَدُ لَا يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ ، فَإِنَّهُ رَدِيءٌ جِدًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( فِي الْأَدْهَانِ وَخَوَاصِّ أَنْوَاعِهَا ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْحُلْبَةِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ وَسَبَقَ فِي فُصُولِ حِفْظِ الصِّحَّةِ الْكَلَامُ فِي الْخَلِّ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الدُّبَّاءِ وَهُوَ الْقَرْعُ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ { كُلُوا الزَّيْتَ وَادْهِنُوا بِهِ } وَالْكَلَامُ فِي الزَّيْتِ فِي مُدَاوَاةِ ذَاتِ الْجَنْبِ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِي كِتَابِ الشَّمَائِلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ } ، الدَّهْنُ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ اسْتِحْبَابَ الْأَدْهَانِ مُطْلَقًا وَخَصَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَأَنَّ الْحَمَّامَ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ كَالِادِّهَانِ لِغَيْرِهِمْ .
وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي بَابِ السِّوَاكِ .
وَالدُّهْنُ يَسُدُّ مَسَامَّ الْبَدَنِ ، وَيَمْنَعُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ .
وَاسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ بِمَاءٍ حَارٍّ يُحْسِنُ الْبَدَنَ وَيُرَطِّبُهُ وَيُحْسِنُ الشَّعْرَ وَيُطَوِّلُهُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا وَالْإِلْحَاحُ بِالدُّهْنِ فِي الرَّأْسِ فِيهِ خَطَرٌ بِالْبَصَرِ ، وَأَنْفَعُ الْأَدْهَانِ الْبَسِيطَةِ الزَّيْتُ ثُمَّ السَّمْنُ ثُمَّ الشَّيْرَجُ .
وَأَمَّا الْمُرَكَّبَةُ فَمِنْهَا دُهْنُ الْبَنَفْسَج ، وَمِنْ الْمَوْضُوعِ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَضْلُ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِي عَلَى سَائِرِ النَّاسِ } .
مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَدْ احْتَجَّ بِهِ .
وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ أَجْوَدُهُ الْمُتَّخَذُ بِاللَّوْزِ يَنْفَعُ الْجَرَبَ طِلَاءً وَيُلَيِّنُ صَلَابَةَ الْمَفَاصِلِ وَالْعَصَبِ ، وَيَحْفَظُ صِحَّةَ الْأَظْفَارِ طِلَاءً ، وَيَنْفَعُ مِنْ الصُّدَاعِ الْحَارِّ الْيَابِسِ وَيُرَطِّبُ

الدِّمَاغَ وَيُنَوِّمُ أَصْحَابَ السَّهَرِ لَا سِيَّمَا مَا عُمِلَ بِحَبِّ الْقَرْعِ وَاللَّوْزِ الْحُلْوِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الشِّقَاقِ وَغَلْيُهُ الْيَبَسُ وَيُسَهِّلُ حَرَكَةَ الْمَفَاصِلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُرْخِي الْبَدَنَ وَيُصْلِحُهُ دُهْنُ الزَّنْبَقِ وَيُعْتَاضُ عَنْهُ بِدُهْنِ اللِّينُوفَرِ .
وَمِنْهَا دُهْنُ الْبَانِ وَمِنْ الْمَوْضُوعِ فِيهِ .
{ ادَّهِنُوا بِالْبَانِ ، فَإِنَّهُ أَحْظَى لَكُمْ عِنْدَ نِسَائِكُمْ } .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ دُهْنَ زَهْرِهِ بَلْ دُهْنٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ حَبٍّ أَبْيَضَ أَغْبَرَ نَحْوِ الْفُسْتُقِ .
وَهُوَ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ يَنْفَعُ مِنْ صَلَابَةِ الْعَصَبِ وَتَلْبِينِهِ وَمِنْ الْبَرَصِ وَالنَّمَشِ وَالْكَلَفِ وَالْبَهَقِ يُسَهِّلُ بَلْغَمًا غَلِيظًا وَيُسَخِّنُ الْعَصَبَ وَيُلَيِّنُ الْأَوْتَارَ الْيَابِسَةَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ دَوِيِّ الْأُذُنِ مَعَ شَحْمِ الْبَطِّ ، وَيَجْلُو الْأَسْنَانَ ، وَيَقِيهَا الصَّدَأَ .
وَمَنْ مَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَأَطْرَافَهُ لَمْ يُصِبْهُ حَصًى وَلَا شِقَاقٌ .
وَمَنْ دَهَنَ بِهِ حَقْوَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا وَالَاهَا نَفَعَ مِنْ بَرْدِ الْكُلْيَتَيْنِ وَتَقْطِيرِ الْبَوْلِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَدْهَانًا كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَبَقَ فِي فُصُولِ حِفْظِ الصِّحَّةِ فِي ذِكْرِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ بَعْضُ ذَلِكَ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الذَّهَبِ ) .
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الذُّبَابِ وَفِي الذَّرِيرَةِ فِي أَوَائِلِ فُصُولِ الطِّبِّ .
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَفِي السُّنَّةِ عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّهُ قُطِعَ أَنْفُهُ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ { فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ } .
وَالذَّهَبُ مُعْتَدِلٌ لَطِيفٌ يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الْمَعْجُونَاتِ اللَّطِيفَةِ وَلِلْقُرُحَاتِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَعْدِنِيَّاتِ وَأَشْرَفُهَا ، وَإِذَا دُفِنَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّهُ التُّرَابُ وَلَمْ يَنْقُصْهُ شَيْئًا ، وَبُرَادَتُهُ إذَا خُلِطَتْ بِالْأَدْوِيَةِ نَفَعَتْ مِنْ ضَعْفِ الْقَلْبِ وَالرَّجَفَانِ وَالْخَفَقَانِ الْعَارِضِ مِنْ السَّوْدَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ جَزْلَةَ : يَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْقَلْبِ وَالْخَفَقَانِ وَيُقَوِّيهِ ، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيرَاطٌ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَالْفَزَعِ وَالْعِشْقِ وَيُسَمِّنُ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ وَيُذْهِبُ الصُّفَارَ وَيُحَسِّنُ اللَّوْنَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْجُذَامِ وَجَمِيعِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ السَّوْدَاوِيَّةِ ، وَتَدْخُلُ نِحَاتَتُهُ فِي أَدْوِيَةِ الثَّعْلَبِ وَدَاءِ الْحَيَّةِ شُرْبًا وَطِلَاءً ، وَيَجْلُو الْعَيْنَ وَيُقَوِّيهَا ، وَيَنْفَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهَا وَيُقَوِّي جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ .
وَأَفْضُلُ الْكَيِّ وَأَسْرَعُهُ مَا كَانَ بِمِكْوَى مِنْ ذَهَبٍ وَلَا يَتَنَفَّطُ مَوْضِعُهُ وَإِمْسَاكُ الذَّهَبِ فِي الْفَمِ يُزِيلُ الْبَخَرَ ، وَإِنْ اُتُّخِذَ مِنْهُ مِيلٌ وَاكْتُحِلَ بِهِ قَوَّى الْعَيْنَ وَجَلَاهَا ، وَإِنْ اُتُّخِذَ خَاتَمٌ مِنْهُ وَكَوَى بِهِ قَوَادِمَ أَجْنِحَةِ الْحَمَامِ أَلِفَتْ أَبْرَاجَهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهَا ، وَلَهُ خَاصِّيَّةٌ عَجِيبَةٌ فِي تَقْوِيَةِ النُّفُوسِ لِأَجْلِهَا أُبِيحَ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلَاحِ مِنْهُ مَا أُبِيحَ وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَبًّا لَهُ مِنْ خَادِعٍ مُمَزِّقِ أَصْفَرَ ذِي وَجْهَيْنِ كَالْمُنَافِقِ يَبْدُو بِوَصْفَيْنِ لِعَيْنِ الرَّامِقِ زِينَةِ مَعْشُوقٍ

وَلَوْنِ عَاشِقِ لَوْلَاهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُ سَارِقِ وَلَا بَدَتْ مَظْلَمَةٌ مِنْ فَاسْقِ وَلَا اشْمَأَزَّ بَاخِلٌ مِنْ طَارِقِ وَلَا شَكَا الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ وَلَا اُسْتُعِيذَ مِنْ حَسُودٍ رَاشِقِ وَشَرِّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَائِقِ أَنْ لَيْسَ يُغْنِي عَنْك فِي الْمَضَايِقِ إلَّا إذَا فَرَّ فِرَارَ الْآبِقِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ أَظُنّهُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِئْسَ الصَّاحِبُ أَوْ الصَّدِيقُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَا يَنْفَعَانِك حَتَّى يُفَارِقَانِك قَالَ تَعَالَى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } .
أَيْ الْمَرْجِعُ ، وَفِيهِ تَزْهِيدٌ فِي الدُّنْيَا وَتَرْغِيبٌ فِي الْآخِرَةِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ قَدْ تُحْسِنُ نِيَّةَ الْعَبْدِ فِي التَّلَبُّسِ بِهَا فَيُثَابُ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الذَّمُّ إلَى سُوءِ الْقَصْدِ فِيهَا وَبِهَا وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا } - إلَى قَوْلِهِ - : { وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّك لِلْمُتَّقِينَ } .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الرُّمَّانِ ) .
سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَالرَّشَادِ قَرِيبًا لِأَنَّهُ الْحُرْفِ .
وَأَمَّا الرُّمَّانُ فَقَالَ تَعَالَى : { وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ } .
وَقَالَ تَعَالَى { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : خَصَّهُمَا مِنْ الْفَاكِهَةِ لِبَيَانِ فَضْلِهِمَا كَتَخْصِيصِهِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْفَاكِهَةِ وَقَدْ قَالَهُ قَوْمٌ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَهُوَ أَشْبَهُ { مَا مِنْ رُمَّانٍ مِنْ رُمَّانِكُمْ هَذَا إلَّا وَهُوَ مُلَقَّحٌ بِحَبَّةٍ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ } .
وَذَكَرَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كُلُوا الرُّمَّانَ بِشَحْمِهِ ، فَإِنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : الْفَوَاكِهُ مُضِرَّةٌ إلَّا السَّفَرْجَلَ وَالتُّفَّاحَ وَنَحْوَهُ وَالرُّمَّانُ الْحُلْوُ وَالْحَامِضُ مَخْلُوطًا بِهِ الْحُلْوُ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
الرُّمَّانُ الْحُلْوُ أَجْوَدُهُ الْكِبَارُ الْبَالِغُ الْإِمْلِيسِيُّ بَارِدٌ فِي الْأُولَى رَطْبٌ فِي آخِرِهَا وَقِيلَ : حَارٌّ بِاعْتِدَالٍ وَقِيلَ : حَارٌّ رَطْبٌ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ مُقَوٍّ لَهَا وَفِيهِ جَلَاءٌ مَعَ قَبْضٍ لَطِيفٍ يَنْفَعُ الْحَلْقَ وَالصَّدْرَ وَالرِّئَةَ جَيِّدٌ لِلسُّعَالِ وَمَاؤُهُ مُلَيِّنٌ لِلْبَطْنِ يَغْذُو الْبَدَنَ غِذَاءً فَاضِلًا يَسِيرًا سَرِيعَ التَّحَلُّلِ لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْخَفَقَانِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيَهِيجُ الْبَاهَ ، وَيَزِيدُ فِي الْهَضْمِ وَيُحْدِثُ نَفْخًا وَرِيَاحًا فِي الْمَعِدَةِ وَقِيلَ : يُصْلِحُهُ الرُّمَّانُ الْحَامِضُ وَمَعَ كَوْنِ غِذَائِهِ غَيْرَ مَحْمُودٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِعِلَلِ الْمَعِدَةِ كُلِّهَا قَالَ بَعْضُهُمْ : وَإِدْمَانُهُ يَضُرُّ بِالْمَعِدَةِ وَيُضْعِفُهَا وَيُزِيدُ بَرْدَهَا وَرُطُوبَتَهَا وَقِيلَ : يُعَطِّشُ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَظُنُّهُ

صَاحِبَ الْقَانُونِ وَغَيْرَهُ يُوَلِّدُ فِي الْمَعِدَةِ حَرَارَةً يَسِيرَةً فَلِهَذَا يُهَيِّجُ الْبَاهَ وَلَا يَصْلُحُ لِلْمَحْمُومِينَ .
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ فِي الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ مِنْ الْمُفْرِحَاتِ رُمَّانٌ حُلْوٌ مُعْتَدِلٌ مُوَافِقٌ لِمِزَاجِ الرُّوحِ خُصُوصًا الَّتِي فِي الْكَبِدِ وَإِذَا أُكِلَ بِالْخُبْزِ مَنَعَهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْمَعِدَةِ وَحَبُّهُ مَعَ الْعَسَلِ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْأُذُنِ .
وَأَقْمَاعُهُ الْمُحْرِقَةُ تَنْفَعُ الْجِرَاحَاتِ .
وَمِنْ خَاصِّيَّةِ الرُّمَّان أَنَّ مَنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ صُفْرَةٌ شَدِيدَةٌ فَأَدْمَنَ أَكْلَهُ زَالَتْ وَإِذَا أُخِذَ الرُّمَّانُ وَنُقِعَ فِي مَاءٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرَارَةِ وَغَمَرَهُ فَوْقَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَتُرِكَ إلَى أَنْ يَبْرُدَ الْمَاءُ ثُمَّ أُخِذَ فَعَلَّقَ كُلَّ رُمَّانَةٍ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ لِلْأُخْرَى ، فَإِنَّهُ لَا يَعْفَنُ وَلَا يَتَغَيَّرُ وَلَوْ بَقِيَ سَنَةً ، وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ فَلْيَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ ، وَيَتْرُكُهُ سَاعَةً ثُمَّ يَأْكُلُهُ .
وَالرُّمَّانُ الْحَامِضُ أَجْوَدُهُ الْكِبَارُ الْكَثِيرُ الْمَائِيَّةِ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ قَابِضٌ لَطِيفٌ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ الْمُلْتَهِبَةَ وَالْكَبِدَ الْحَارَّةَ وَيُبَرِّدُهَا وَيُدِرُّ الْبَوْلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الرُّمَّانِ وَيُسَكِّنُ الصَّفْرَاءَ ، وَيَقْطَعُ الْإِسْهَالَ ، وَيَمْنَعُ الْقَيْءَ ، وَيُلَطِّفُ الْفُضُولَ ، وَيُقَوِّي الْأَعْضَاءَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْخَفَقَانِ الصَّفْرَاوِيِّ وَالْآلَامِ الْعَارِضَةِ لِلْقَلْبِ وَفَمِ الْمَعِدَةِ ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ ، وَيَدْفَعُ الْفُضُولَ عَنْهَا وَيُطْفِئُ نَارِيَّةَ الصَّفْرَاءِ وَالدَّمِ ، وَإِذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ بِشَحْمِهِ وَطُبِخَ بِيَسِيرٍ مِنْ الْعَسَلِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَرْهَمِ وَاكْتُحِلَ بِهِ قَطَعَ الطَّفْرَ مِنْ الْعَيْنِ وَنَقَّاهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ وَإِذَا لُطِّخَ عَلَى اللِّثَةِ نَفَعَ مِنْ الْأَكْلَةِ الْعَارِضَةِ لَهَا وَهُوَ مُجَفِّفٌ مُنْهِضٌ لِلشَّهْوَةِ .
وَيُسْتَعْمَلُ بَعْدَ الْغِذَاءِ لِمَنْعِ الْبُخَارِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَضُرُّ بِالْمِعَى وَالْمَعِدَةِ .

وَتُصْلِحُهُ الْحَلْوَاءُ السُّكَّرِيَّةُ .
وَإِذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُمَا بِشَحْمِهِمَا أَطْلَقَ الْبَطْنَ وَأَخَذَ الرُّطُوبَاتِ الْعَفِنَةَ الْمُرِّيَّةَ وَنَفَعَ مِنْ حُمَّيَاتِ الْغِبِّ الْمُتَطَاوِلَةِ .
وَأَمَّا الرُّمَّانُ الْمِزُّ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَمْيَلُ إلَى لَطَافَةِ الْحَامِضِ وَحَبُّ الرُّمَّانِ مَعَ الْعَسَلِ طِلَاءٌ لِلدَّاحِسِ وَالْقُرُوحِ الْخَبِيثَةِ وَأَقْمَاعُهُ لِلْجِرَاحَاتِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الزَّبِيبِ ) .
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الزَّيْتِ فِي فَصْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي مُدَاوَاةِ ذَاتِ الْجَنْبِ وَالْكَلَامُ فِي الزُّبْدِ فِي ذِكْرِ الْجُبْنِ .
وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَمَا رُوِيَ فِيهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نِعْمَ الطَّعَامُ الزَّبِيبُ مُطَيِّبُ النَّكْهَةِ وَيُذْهِبُ الْبَلْغَمَ نِعْمَ الطَّعَامُ الزَّبِيبُ يُذْهِبُ النَّصَبَ ، وَيَشُدُّ الْعَصَبَ ، وَيُطْفِئُ الْغَضَبَ ، وَيُصَفِّي اللَّوْنَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ } وَأَجْوَدُهُ مَا كَبُرَ جِسْمُهُ ، وَسَمُنَ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَرَقَّ قِشْرُهُ ، وَنُزِعَ عُجْمُهُ ، وَصَغُرَ حَبُّهُ .
وَالزَّبِيبُ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَحَبُّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَهُوَ كَالْعِنَبِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ ، الْحُلْوُ مِنْهُ حَارٌّ ، وَالْحَامِضُ وَالْقَابِضُ بَارِدٌ الْأَبْيَضُ أَشَدُّ قَبْضًا مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَافَقَ قَصَبَةَ الرِّئَةِ ، وَنَفَعَ مِنْ السُّعَالِ وَوَجَعِ الْكُلَى ، وَالْمَثَانَةِ ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيُلَيِّنُ الْبَطْنَ .
وَالْحُلْوُ اللَّحْمِ أَكْثَرُ غِذَاءً مِنْ الْعِنَبِ وَأَقَلُّ غِذَاءً مِنْ التِّينِ الْيَابِسِ وَلَهُ قُوَّةٌ مُنْضِجَةٌ هَاضِمَةٌ قَابِضَةٌ مُحَلِّلَةٌ بِاعْتِدَالٍ وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَالطِّحَالَ نَافِعٌ مِنْ وَجَعِ الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَأَعْدَلُهُ أَنْ يُؤْكَلَ بِغَيْرِ حَبِّهِ وَهُوَ يَغْذُو غِذَاءً صَالِحًا وَلَا يَشُدُّ كَمَا يَفْعَلُ التَّمْرُ وَيُعِينُ الْأَدْوِيَةَ عَلَى الْإِسْهَالِ إذَا نُزِعَ عُجْمُهُ وَهُوَ بِعُجْمِهِ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ وَالْمِعَى وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ، وَالْحُلْوُ مِنْهُ وَمَا لَا عُجْمَ لَهُ نَافِعٌ لِأَصْحَابِ الرُّطُوبَاتِ وَالْبَلْغَمِ وَهُوَ يُخَضِّبُ الْكَبِدَ ، وَيَنْفَعُهَا بِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ وَفِيهِ نَفْعٌ وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ فَلْيَأْكُلْ الزَّبِيبَ وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَذْكُرُ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : عُجْمُهُ دَاءٌ وَشَحْمُهُ دَوَاءٌ ، وَقِيلَ : يُحْرِقُ الدَّمَ وَيُصْلِحُهُ

الْخِيَارُ .
وَإِذَا لُصِقَ لَحْمُهُ عَلَى الْأَظَافِيرِ الْمُتَحَرِّكَةِ أَسْرَعَ قَلْعُهَا .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الزَّنْجَبِيلِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا } وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : { أَهْدَى مَلِكُ الرُّومِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَّةَ زَنْجَبِيلٍ فَأَطْعَمَ كُلَّ إنْسَانٍ قِطْعَةً وَأَطْعَمَنِي قِطْعَةً .
} رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ وَالزَّنْجَبِيلُ فِيهِ رُطُوبَةٌ فَضْلِيَّةٌ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ .
وَقِيلَ : رَطْبٌ فِي الْأُولَى مُسَخِّنٌ مُعِينٌ عَلَى هَضْمِ الطَّعَامِ مُلَيِّنُ الْبَطْنِ تَلْيِينًا مُعْتَدِلًا نَافِعٌ مِنْ سُدَدِ الْكَبِدِ الْعَارِضَةِ عَنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ ، وَمِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ الْحَادِثَةِ عَنْ الرُّطُوبَةِ أَكْلًا وَاكْتِحَالًا ، مُعِينٌ عَلَى الْجِمَاعِ ، مُحَلِّلُ الرِّيَاحِ الْغَلِيظَةِ صَالِحٌ لِلْكَبِدِ وَالْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ فِي الْمِزَاجِ ، وَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ مَعَ السُّكَّرِ وَزْنُ دِرْهَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ أَسْهَلَ فَضْلًا لَزِجًا لُعَابِيًّا ، وَنَفَعَ فِي الْمَعْجُونَاتِ الَّتِي تُحَلِّلُ الْبَلْغَمَ وَتُذِيبُهُ وَتَزِيدُ فِي الْحِفْظِ ، وَيَجْلُو الرُّطُوبَةَ مِنْ الْحَلْقِ وَنَوَاحِي الرَّأْسِ وَيُنَشِّفُ الْمَعِدَةَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ ، وَيَدْفَعُ ضَرَرَ الْأَطْعِمَةِ الْغَلِيظَةِ الْبَارِدَةِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ السَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتُّفَّاح ) .
سَبَقَ الْكَلَامُ فِي السَّنَا وَالسَّنُّوتِ فِي فَصْلٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَالْكَلَامُ فِي السَّمْنِ فِي كَلَامٍ عَلَى الْجُبْنِ .
وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ شَرْعًا فِيهِ فَوَائِدُ طِبِّيَّةٌ بَعْضُهَا مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَأَمَّا السَّفَرْجَلُ فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ : ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ عَنْ نَقِيبِ بْنِ حَاجِبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِيَدِهِ سَفَرْجَلَةٌ فَقَالَ دُونَكَهَا يَا طَلْحَةُ ، فَإِنَّهَا تُجِمُّ الْفُؤَادَ } إسْنَادٌ مَجْهُولٌ نَقِيبٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ وَتَفَرَّدَ نَقِيبٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَتَفَرَّدَ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ .
وَرَوَاهُ ابْنُ عَائِشَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ .
وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّلْحِيُّ عَنْ أَبِيهِ .
عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّلْحِيِّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّلْحِيِّ : عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ السَّدُوسِيُّ فِي أَحَادِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا رَوَاهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عِنْدِي صِحَاحٌ .
وَالسَّفَرْجَلُ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ وَمَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ جُرْمِهِ فِي تَقْوِيَةِ الْمَعِدَةِ وَالْحُلْوُ مِنْهُ بَارِدٌ رَطْبٌ وَقِيلٌ : مُعْتَدِلٌ يَسُرُّ النَّفْسَ وَيُدِرُّ ، وَالْحَامِضُ أَشَدُّ قَبْضًا وَيُبْسًا وَبَرْدًا وَأَكْلُهُ يُسَكِّنُ الْعَطَشَ وَالْقَيْءَ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ قُرْحَةِ

الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدَّمِ وَالْهَيْضَةِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْغَثَيَانِ ، وَيَمْنَعُ مِنْ تَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ الطَّعَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا أُكِلَ عَلَى الطَّعَامِ أَطْلَقَ وَقَبْلَهُ يُمْسِكُ قَالَ بَعْضهمْ : إذَا أُكِلَ بَعْدَ الطَّعَامِ أَسْرَعَ بِانْحِدَارِ التُّفْلِ ، وَالْحَامِضُ مِنْهُ أَبْلَغُ وَيُطْفِئُ الْمُرَّةَ الصَّفْرَاءَ الْمُتَوَلِّدَةَ فِي الْمَعِدَةِ وَرَائِحَتُهُ تُقَوِّي الدِّمَاغَ وَالْقَلْبَ وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ يُوَلِّدُ وَجَعَ الْعَصَبِ وَالْقُولَنْجِ ، وَإِنْ شُوِيَ كَانَ أَقَلَّ لِخُشُونَتِهِ ، وَأَخَفُّ وَأَجْوَدُ مَا أُكِلَ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا بِالْعَسَلِ ، وَحَبُّهُ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الْحَلْقِ وَقَصَبَةِ الرِّئَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَدُهْنُهُ يَمْنَعُ الْعَرَقَ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ ، وَيَشُدُّ الْقَلْبَ وَيُطَيِّبُ النَّفَسَ .
وَمَعْنَى " تُجِمُّ الْفُؤَادَ " تُرِيحُهُ وَقِيلَ : تَفْتَحُهُ وَتُوَسِّعُهُ مِنْ جُمَامِ الْمَاءِ وَهُوَ اتِّسَاعُهُ وَكَثْرَتُهُ ، وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ السَّفَرْجَلِ { فَإِنَّهَا تَشُدُّ الْقَلْبَ وَتُطَيِّبُ النَّفَسَ وَتُذْهِبُ بِطَخَاءِ الصَّدْرِ } .
وَالطَّخَاءُ لِلْقَلْبِ مِثْلُ الْغَيْمِ عَلَى السَّمَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الطَّخَاءُ بِالْمَدِّ ثِقَلٌ وَغُثَاءٌ ، تَقُولُ مَا فِي السَّمَاءِ طَخَاءٌ أَيْ سَحَابٌ وَظُلْمَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ وَجَدْت عَلَى قَلْبِي طَخَاءً وَهُوَ شِبْهُ الْكَرْبِ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ مَا فِي السَّمَاءِ طُخْيَةٌ بِالضَّمِّ أَيْ شَيْءٌ مِنْ سَحَابٍ قَالَ : وَهُوَ مِثْلُ الطُّخْرُورِ وَالطَّخْيَاءِ مَمْدُودٌ اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَظَلَامٌ طَاخٌ وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ طَخْيَاءَ لَا تُفْهَمُ .
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : وَالْكُمَّثْرَى قَرِيبٌ مِنْ السَّفَرْجَلِ وَهُوَ مُعْتَدِلٌ أَكْثَرُ الْفَوَاكِهِ غِذَاءً وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ ، وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ وَأَكْلُهُ بَعْدَ الْغِذَاءِ يَمْنَعُ الْبُخَارَ أَنْ يَرْتَقِيَ إلَى الرَّأْسِ بِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ مَنْعُ فَسَادِ الطَّعَامِ فِي الْمَعِدَةِ وَيُحْدِثُ الْقُولَنْجَ ، وَيَضُرُّ بِالْمَشَايِخِ ، فَيَنْبَغِي

أَنْ لَا يُؤْكَلَ عَلَى طَعَامٍ غَلِيظٍ وَلَا يُشْرَبُ فَوْقَهُ الْمَاءُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَهُ المتجرنات الْحَارَّةُ .
وَأَمَّا التُّفَّاحُ فَقَالَ اللَّيْثُ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَكْرَهُ أَكْلَ التُّفَّاحِ وَسُؤْرَ الْفَارِ ، وَيَقُولُ : إنَّهُ يُنْسِي ، وَيَشْرَبُ الْعَسَلَ ، وَيَقُولُ : إنَّهُ يُذَكِّي .
وَقَالَ صَاحِبُ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ : التُّفَّاحُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الْأُولَى خَاصِّيَّتُهُ عَظِيمَةٌ فِي تَفْرِيحِ الْقَلْبِ وَقَالَ غَيْرُهُ : التُّفَّاحُ بَارِدٌ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ يُوَافِقُ مَنْ مِزَاجُهُ حَارٌّ ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ تَقْوِيَةُ الْقَلْبِ وَإِيرَاثُ النِّسْيَانِ الشَّدِيدِ .
وَقَالَ ابْن جَزْلَةَ الْحَامِضُ بَارِدٌ غَلِيظٌ وَالْحُلْوُ أَمْيَلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَهُوَ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُقَوِّي ضَعْفَ الْمَعِدَةِ وَالْمَشْوِيُّ مِنْهُ فِي الْعَجِينِ نَافِعٌ لِقِلَّةِ الشَّهْوَةِ وَالْفَجُّ مِنْهُ يُوَلِّدُ الْعُفُونَاتِ وَالْحُمَّيَاتِ وَإِدْمَانُ أَكْلِهِ يُحْدِثُ وَجَعَ الْعَصَبِ وَخُصُوصًا الْحَامِضَ ، وَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ جوارش النُّعْنُعِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : التُّفَّاحُ جَيِّدٌ لِفَمِ الْمَعِدَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَمْلَأُ الْمَعِدَةَ لُزُوجَاتٍ ، وَلَعَلَّ الَّذِي يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ الْحَامِضُ لَا الْحُلْوُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ .
قَالَ ابْنُ الْأَثِير فِي النِّهَايَةِ : وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ { أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ النَّظَرُ إلَى الْأُتْرُجِّ وَالْحَمَامِ الْأَحْمَرِ } قَالَ مُوسَى : قَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ : هُوَ التُّفَّاحُ الْأَحْمَرُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ السِّلْقِ ) .
سَبَقَ فِي الْحِمْيَةِ حَدِيثٌ فِي السِّلْقِ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الْأُولَى وَقِيلَ : رَطْبٌ وَقِيلَ : مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَفِيهِ بِوَرَقِيَّةِ تلطفة وَتَحْلِيلٌ وَتَفْتِيحٌ ، فِي الْأَسْوَدِ مِنْهُ قَبْضٌ ، وَيَنْفَعُ مِنْ دَاءِ الثَّعْلَبِ وَالْكَلَفِ وَالْحِزَازِ وَالثَّآلِيلِ إذَا طُلِيَ بِمَائِهِ ، وَيَقْتُلُ الْقُمَّلَ وَيُطْلَى بِهِ الْقُوبَا مَعَ الْعَسَلِ ، وَيَفْتَحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ .
وَأَسْوَدُهُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَدَسِ .
وَالْأَبْيَضُ يُلَيِّنُ مَعَ الْعَدَسِ وَيُحْقَنُ بِمَائِهِ لِلْإِسْهَالِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ مَعَ الْمَرِيِّ وَالتَّوَابِلِ .
وَالسِّلْقُ قَلِيلُ الْغِذَاءِ رَدِيءُ الْكَيْمُوسِ يُحْرِقُ الدَّمَ وَيُصْلِحُهُ الْخَلُّ وَالْخَرْدَلُ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُوَلِّدُ الْقَبْضَ وَالنَّفْخَ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ السَّمَكِ ) قَدْ وَرَدَ ذِكْرُ السَّمَكِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَجْوَدُهُ مَا لَذَّ طَعْمُهُ وَطَابَ رِيحُهُ وَتَوَسَّطَ مِقْدَارُهُ رَقِيقُ الْقِشْرِ لَا صُلْبَ اللَّحْمِ وَلَا يَابِسَهُ وَكَانَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ جَارٍ عَلَى حَصْبَاءَ يَغْتَذِي بِنَبَاتِ لَا قَذَرَ فِيهِ .
وَأَصْلَحُ أَمَاكِنِهِ مَا كَانَ فِي نَهْرٍ جَيِّدِ الْمَاءِ وَكَانَ يَأْوِي الْأَمَاكِنَ الصَّخْرِيَّةَ ثُمَّ الرَّمْلِيَّةَ .
وَالْمِيَاهَ الْعَذْبَةَ الْجَارِيَةَ لَا قَذَرَ فِيهَا وَلَا حَمْأَةَ ، الْكَثِيرَةَ الِاضْطِرَابِ وَالْمَوْجِ الْمَكْشُوفَةَ لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ .
وَالسَّمَكُ الْبَحْرِيُّ فَاضِلٌ مَحْمُودٌ لَطِيفٌ .
وَالطَّرِيُّ مِنْ السَّمَكِ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ عَسِرُ الِانْهِضَامِ يُخَصِّبُ الْبَدَنَ وَيُسَمِّنُهُ ، وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ مُعَطِّشٌ ، يُرْخِي الْعَصَبَ وَيُوَرِّثُ غِشَاوَةَ الْعَيْنِ ، رَدِيءٌ لِلْقُولَنْجِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَارِدَةِ صَالِحٌ لِلْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ وَأَصْحَابِ الصَّفْرَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ بِئْسَ الْغِذَاءُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ اللُّزُوجَاتِ الرَّدِيئَةِ تَتَوَلَّدُ مِنْهُ صُنُوفُ الْأَمْرَاضِ ، وَالسَّمَكُ يُوَلِّدُ بَلْغَمًا كَثِيرًا مَائِيًّا قَالَ بَعْضُهُمْ : إلَّا الْبَحْرِيَّ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ ، فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ خَلْطًا مَحْمُودًا .
وَأَمَّا الْمَالِحُ فَأَجْوَدُهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالتَّمْلِيحِ ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ وَكُلَّمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ ازْدَادَ حَرُّهُ ، وَيَبْسُهُ ، يُذِيبُ الْبَلَاغِمَ وَيُحْدِثُ الْبَهَقَ الْأَسْوَدَ ، وَيُصْلِحُهُ السَّعْتَرُ وَالْكَرَاوْيَا وَبَعْدَهُ الْحُلْوُ وَالدُّهْنُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ مَعَ الْأَغْذِيَةِ الدَّسِمَةِ .
وَالْجَرِّيُّ ضَرْبٌ مِنْ السَّمَكِ لَا يَأْكُلهُ الْيَهُودُ كَثِيرُ اللُّزُوجَةِ وَهُوَ طَرِيٌّ مُلَيِّنٌ لِلْبَطْنِ ، وَأَكْلُ الْمَالِحِ مِنْهُ الْعَتِيقُ يُصَفِّي قَصَبَةَ الرِّئَةِ وَيُجَوِّدُ الصَّوْتَ ، وَإِذَا دُقَّ وَوُضِعَ مِنْ خَارِجٍ أَخْرَجَ السَّلَى وَالْفُضُولَ مِنْ عُمْقِ الْبَدَنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ قُوَّةً جَاذِبَةً .
وَمَاءُ مِلْحِ الْجَرِّيِّ الْمَالِحِ

إذَا جَلَسَ مَنْ بِهِ قُرْحَةُ الْأَمْعَاءِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعِلَّةِ وَافَقَهُ بِجَذْبِ الْمَوَادِّ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَإِذَا احْتُقِنَ بِهِ أَبْرَأَ مِنْ عِرْقِ النَّسَا ، وَأَجْوَدُ مَا فِي السَّمَكَةِ مَا قَرُبَ مِنْ مُؤَخِّرِهَا .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الشَّعِيرِ ) .
تَقَدَّمَ فِي الْحِمْيَةِ حَدِيثُ الشَّعِيرِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَمَاءِ الشَّعِيرِ أَفْضَلُ صِفَتِهِ أَنْ يُؤْخَذُ الشَّعِيرُ الْحَدِيثُ السَّمِينُ الرَّزِينُ فَيُنْقَعُ وَيُقَشَّرُ وَيُهْرَسُ أَيْ : يُرَضُّ وَيُلْقَى عَلَى كُلِّ صَاعٍ مِنْ الشَّعِيرِ اثْنَا عَشْرَ صَاعًا مِنْ الْمَاءِ الْعَذْبِ الصَّافِي .
وَقِيلَ : يُلْقَى عَلَيْهِ عَشْرَةُ آصُعٍ وَيُطْبَخُ بِنَارٍ مُعْتَدِلَةٍ وَيُحَرَّكُ وَتُكْشَطُ رَغْوَتُهُ فَإِذَا نَضِجَ رُفِعَ وَصُفِّيَ .
وَقِيلَ : يُلْقَى عَلَى صَاعِ شَعِيرٍ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ مَاءً وَيُطْبَخُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ خُمْسُ مَائِهِ وَيُصَفَّى ، وَهُوَ مُبَرِّدٌ مُرَطِّبٌ ، وَيَكْسِرُ حِدَةَ الْأَخْلَاطِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْحُمِّيَّاتِ الْحَادَّةِ وَيُوَلِّدُ دَمًا مُعْتَدِلًا ، وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ ، وَيَجْلُو ، وَيَسْرُعُ نُفُوذُهُ فِي الْأَعْضَاءِ ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْمَعِدَةِ وَالْمِعَى بِسُرْعَةٍ ، وَتُسْتَفْرَغُ مَعَهُ الْأَخْلَاطُ الْمُحْتَرِقَةُ ، وَهُوَ يَضُرُّ بِالْحَشَا الْبَارِدَةِ وَيُنْفَخُ وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ ، وَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ السُّكَّرُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الطِّينِ وَأَنْوَاعِهِ ) .
سَبَقَ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالصَّبْرِ بِسُكُونِ الْبَاءِ وَسَبَقَ ذِكْرُ الصَّبِرِ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي ذِكْرِ الْحُرْفِ وَهُوَ الرَّشَادُ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الطِّيبِ وَالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الضُّفْدَعِ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ وَفِي الطَّرَفَا فِي نَبْقِ ثَمَرِ السِّدْرِ .
وَأَمَّا الطِّينُ فَفِيهِ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفَةٌ أَوْ مَوْضُوعَةٌ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ فِي الْأَطْعِمَةِ يُصَفِّرُ اللَّوْنَ ، وَيَسُدُّ مَجَارِيَ الْعُرُوقِ بَارِدٌ يَابِسٌ مُجَفِّفٌ يَعْقِلُ وَيُوجِبُ نَفْثَ الدَّمِ وَقُرُوحَ الْأَمْعَاءِ وَيُطْلَى بِهِ الْمُسْتَسْقُونَ وَالْمَطْحُولُونَ فَيُنْفَعُونَ بِهِ .
وَهُوَ أَنْوَاعٌ فَمِنْهُ الطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يَحْبِسُ الدَّمَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الطَّوَاعِينِ شُرْبًا وَطِلَاءً ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَالْقِلَاعِ ، وَيَمْنَعُ النَّزْلَةَ وَالسُّلَّ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْحُمَّى الْوَبَائِيَّةِ وَهُوَ عِلَاجُ ضِيقِ النَّفَسِ مِنْ النَّوَازِلِ وَقَدْرُ مَا يَتَدَاوَى بِهِ مِثْقَالٌ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حُمَّى فَلْيُؤْخَذْ بِمَاءٍ بَارِدٍ وَمَاءِ وَرْدٍ ، وَيَنْفَعُ مِنْ كَسْرِ الْعِظَامِ مَعَ الأفانيا طِلَاءٌ ، وَمِنْهُ الطِّينُ الْقُبْرُسِيُّ فِيهِ قَبْضٌ مُعْتَدِلٌ يَمْنَعُ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَرَارَةِ وَالْأَوْرَامِ طِلَاءً وَيُجْبَرُ الْعِظَامَ ، وَيَنْفَعُهَا عِنْدَ السُّقُوطِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ ، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الثَّجَجِ الْمِعَائِيِّ وَالْكَبِدِ وَمِنْ نَفْثِ الدَّمِ وَقُرُوحِ الْمِعَى شُرْبًا وَاحْتِقَانًا وَمِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَتَّالَةِ إذَا شُرِبَ مِنْهُ دِرْهَمٌ بِمَاءٍ بَارِدٍ مَطْبُوخٍ .
طِينٌ خُرَاسَانِيٌّ .
هُوَ الطِّينُ الْمَأْكُولُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَقِيلَ : حَارٌّ لِمُلُوحَتِهِ يُقَوِّي فَمَ الْمَعِدَةِ ، وَيَذْهَبُ بِوَخَامَةِ الطَّعَامِ وَلَهُ خَاصِّيَّةٌ فِي مَنْعِ الْقَيْءِ ،

وَيَنْفَعُ مِنْ بِلَّةِ الْمَعِدَةِ وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَأَكْثَرُهُ مِثْقَالٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْمِزَاجِ مُسَدِّدٌ يُحْدِثُ حَصًى فِي الْكُلَى وَيُقَلِّلُ ضَرَرَهُ الْأَنِيسُونُ وَبِزْرُ الْكَرَفْسِ ، وَالْأَصْوَبُ تَرْكُ أَكْلِهِ ؛ لِأَنَّ إفْسَادَهُ أَكْثَرُ مِنْ إصْلَاحِهِ وَمَا يُقَالُ مِنْ تَطْيِيبِهِ النَّفَسَ فَهُوَ لِلْمُشْتَاقِينَ إلَيْهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ الظَّفْرِ بِالشَّهْوَةِ .
طِينٌ مَخْتُومٌ : مُبَرَّدٌ لَيْسَ دَوَاءٌ أَقْطَعُ مِنْهُ لِلدَّمِ حَتَّى إنَّ الْأَعْضَاءَ لَا تَحْتَمِلُ قُوَّتَهُ إذَا كَانَ بِهَا وَهْنٌ وَوَرَمٌ .
حَارٌّ وَخُصُوصًا النَّاعِمَ وَهُوَ يُدْمِلُ الْجِرَاحَاتِ الطَّرِيَّةَ وَالْقُرُوحَ الْعَسِرَةَ ، وَيَمْنَعُ الْحَرْقَ مِنْ التَّقْرِيحِ ، وَيَحْفَظُ الْأَعْضَاءَ عِنْدَ السَّقَطِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ السُّلِّ وَنَفْثِ الدَّمِ وَثَجَجِ الْأَمْعَاءِ شُرْبًا وَحَقْنًا وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذ مِنْهُ إلَى دِرْهَمَيْنِ وَيُقَاوِم السُّمُومَ وَالنُّهُوشِ شُرْبًا وَطِلَاءً بِالْخَلِّ .
وَالْحَامِضُ مِنْهُ إذَا سُقِيَ لَا يَزَالُ يَغْثِي ، وَيَقْذِفُ السُّمَّ وَمِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ الْكَلْبَ قَالَ بَعْضُهُمْ : الطِّينُ الْمَخْتُومُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَوْضِعٍ يُرْتَابُ فِيهِ بِسَقْيِ شَيْءٍ مِنْ السُّمُومِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي بَدَنِ مُتَنَاوِلِهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمُومِ ، فَإِنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَزْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِثْقَالٍ ثُمَّ أَكَلَ طَعَامًا مَسْمُومًا أَوْ شَرَابًا تَقَيَّأَهُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا مَسْمُومًا أَجَادَ هَضْمَهُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الطَّلْحِ وَهُوَ الْمَوْزُ ) .
قَالَ تَعَالَى : { وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ الْمَوْزُ وَالْمَنْضُودُ الَّذِي قَدْ نَضُدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالْمُشْطِ .
وَقِيلَ : الطَّلْحُ الشَّجَرُ ذُو الشَّوْكِ نَضُدَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ فَثَمَرَةٌ قَدْ نَضُدَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ مِثْلُ الْمَوْزِ .
وَأَجْوَدُ الْمَوْزِ الْكُبَارُ الْبَالِغُ الْحُلْوُ وَهُوَ مُعْتَدِلٌ وَقِيلَ : بَارِدٌ وَقِيلَ : حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى مُلَيِّنٌ يَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ وَالرِّئَةِ وَالسُّعَالِ وَقُرُوحِ الْكُلْيَتَيْنِ وَالْمَثَانَةِ وَيُغَذِّي كَثِيرًا وَقِيلَ : يَسِيرًا يُدِرُّ الْبَوْلَ وَيُحَرِّكُ الْبَاهَ ، وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَهُوَ ثَقِيلٌ عَلَى الْمَعِدَةِ جِدًّا يَضُرُّهَا ، وَيَزِيدُ فِي الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ بِحَسَبِ مِزَاجِ آكِلِهِ وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِالسُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَلْيُؤْكَلْ مِثْلَ الطَّعَامِ وَيُتْبَعَ بِسَكَنْجَبِينٍ الْبُزُورُ وَلَا يَتَنَاوَلُ بَعْدَهُ غِذَاءً حَتَّى يَنْحَدِرَ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ طَلْعِ النَّخْلِ ) .
سَبَقَ ذِكْرُ الطَّلْعِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَهُوَ حَارٌّ يَجْرِي مَجْرَى الْجُمَّارِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي فَصْلٍ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ تَعَالَى : { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ } وَالنَّضِيدُ الْمَنْضُودُ الَّذِي قَدْ نَضُدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ نَضِيدٌ مَا دَامَ فِي قِشْرِهِ فَإِذَا انْفَتَحَ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَالْفَرَّاءُ الْكَافُورُ الطَّلْعُ .
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَهُوَ وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْلَةِ وَكَذَلِكَ الْكَفْرِيُّ وَقَالَ تَعَالَى : { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } .
وَهُوَ الْمُنْضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَهُوَ كَالنَّضِيدِ .
وَالطَّلْعُ يَنْفَعُ مِنْ الْبَاهِ ، وَيَزِيدُ فِي الْمُبَاضَعَةِ وَهُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالتَّلْقِيحُ وَهُوَ التَّأْبِيرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الذَّكَرِ وَهُوَ مِثْلُ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ فَيُجْعَلُ فِي الْأُنْثَى فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللِّقَاحِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : مَرَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَخْلٍ فَرَأَى قَوْمًا يُلَقِّحُونَ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ قَالُوا : يَأْخُذُونَ مِنْ الذَّكَرِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي الْأُنْثَى قَالَ مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا فَبَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ فَلَمْ يَصْلُحْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ، إنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئًا فَاصْنَعُوهُ ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وَإِنَّ الظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ، وَلَكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ } وَفِي مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ } وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ { أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ } .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْعَدَسِ ) .
سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْعَجْوَةِ قَبْلَ ذِكْرِ فُصُولِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْكَلَامُ فِي الْعُودِ وَالْكَلَام فِي الْعَنْبَرِ فِي فُصُولِ حِفْظِ الصِّحَّةِ بِالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْعَسَلِ .
وَأَمَّا الْعَدَسُ فَمِنْ الْمَوْضُوعِ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَّهُ يَرِقُّ الْقَلْبَ وَيُغْزِرُ الدَّمْعَةَ ، وَإِنَّهُ مَأْكُولٌ ، وَإِنَّهُ قُدِّسَ فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا } .
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إِسْحَاقَ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الْعَدَسِ أَنَّهُ قُدِّسَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا فَقَالَ : وَلَا عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ وَاحِدٍ ، وَإِنَّهُ لَمُؤْذٍ مُنْفِخٌ ، وَإِنَّهُ قَرِينُ الْبَصَلِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ شَهْوَةُ الْيَهُودِ الَّتِي قَدَّمُوهَا عَلَى الْمَنِّ وَالسَّلْوَى ، وَفِيهِ طَبْعُ الْمَوْتِ بَارِدٌ يَابِسٌ وَفِيهِ قُوَّتَانِ مُتَضَادَّتَانِ إحْدَاهُمَا تَعْقِلُ الطَّبِيعَةَ وَالْأُخْرَى تُطْلِقُهَا وَقِشْرُهُ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ حِرِّيفٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ وَتِرْيَاقُهُ فِي قِشْرِهِ وَلِهَذَا كَانَ صِحَاحُهُ أَنْفَعَ مِنْ مَطْحُونِهِ وَأَخَفَّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَقَلَّ ضَرَرًا ، فَإِنَّ لَبَّهُ بَطِيءُ الْهَضْمِ لِبُرُودَتِهِ وَيُبُوسَتِهِ .
وَقِيلَ : الْعَدَسُ مُعْتَدِلٌ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمَقْشُورُ مِنْهُ بَارِدٌ فِي الثَّانِيَةِ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ يَعْقِلُ وَيُسَكِّنُ حِدَةَ الدَّمِ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ جَالِينُوسُ وَمَاؤُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْخَوَانِيقِ وَهُوَ مُوَلِّدٌ لِلسَّوْدَاءِ ، وَيَضُرُّ بالماليخوليا ضَرَرًا بَيِّنًا ، وَيَرَى أَحْلَامًا رَدِيئَةً وَيُغْلِظُ الدَّمَ فَلَا يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ ، رَدِيءٌ لِلْأَعْصَابِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُوَلِّدُ الْجُذَامَ وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ إذَا كَانَ بِعَيْنِ آكِلِهِ يُبْسٌ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِزَاجُ عَيْنِهِ رَطْبًا .
فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ وَهُوَ عَسِرُ الْهَضْمِ رَدِيءٌ لِلْمَعِدَةِ ، وَيَضُرُّ بِأَصْحَابِ عُسْرِ الْبَوْلِ

جِدًّا ، وَيَمْنَعُ دُرُورَ الْحَيْضِ وَيُوجِبُ الْأَوْرَامَ الْبَارِدَةَ وَالرِّيَاحَ الْغَلِيظَةَ .
وَيُقَلِّلُ ضَرَرَهُ السِّلْقُ وَالْإِسْفَانَاخُ وَإِكْثَارُ الدُّهْنِ .
وَأَرْدَأُ مَا أُكِلَ بِالْمَكْسُودِ ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُخْلَطَ بِهِ حَلَاوَةٌ ، فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ السُّدَدَ فِي الْكَبِدِ .
وَأَقْرَبُهُ الْأَبْيَضُ السَّمِينُ السَّرِيعُ النِّفَاخِ .
وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ كَانَ سِمَاطَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ وَهُوَ كَذِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْعِنَبِ وَمَنَافِعِهِ ) .
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ الْعِنَبَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْجَنَّةِ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ فِي أَحَادِيثَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَأَى الْجَنَّةَ { لَوْ أَخَذْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا أَوْ قُطُفًا لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا } وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي الصَّحِيحِ .
{ وَأَكَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْعِنَبِ الَّذِي جَاءَ بِهِ عَدَّاسٌ لَمَّا رَجَعَ مِنْ ثَقِيفٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ .
} وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ خَرْطًا } ، فِيهِ دَاوُد بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْكُوفِيُّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ يَكْذِبُ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ وَقَالَ لَا أَصْلَ لَهُ .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي الْعِنَبِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً وَيُؤْكَلُ مُتَنَوِّعًا وَهُوَ قُوتٌ وَفَاكِهَةٌ وَشَرَابٌ وَأُدْمٌ وَدَوَاءٌ وَطَبْعُهُ طَبْعُ الْحَيَاةِ الْحَرَارَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَأَجْوَدُهُ الْكُبَارُ الْمَائِيُّ ، وَالْأَبْيَضُ أَحْمَدُ مِنْ الْأَسْوَدِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحَلَاوَةِ ، وَالْمَتْرُوكُ بَعْدَ الْقَطْفِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَحْمَدُ مِنْ الْمَقْطُوفِ فِي يَوْمِهِ ، وَمُلُوكُ الْفَاكِهَةِ الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ ، جَيِّدُ الْغِذَاءِ مُقَوٍّ لِلْبَدَنِ يُسَمِّنُ بِسُرْعَةٍ وَيُوَلِّدُ دَمًا جَيِّدًا ، وَيَزِيدُ فِي الْإِنْعَاظِ ، وَيَنْفَعُ نَفْعَ الصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَهُوَ مُنْفِخٌ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ ، وَإِذَا أُلْقِيَ عُجْمُهُ أُطْلِقَ أَكْثَرَ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يُصَدِّعُ الرَّأْسَ ، وَدَفْعُ مَضَرَّتِهِ بِالرُّمَّانِ الْمُزِّ وَالْحَامِضُ مِنْهُ يُبَرِّدُ الْمَعِدَةَ وَيُكْثِرُ الْقَيْءَ .
وَالْعِنَبُ بِأَسْرِهِ يَضُرُّ بِالْمَثَانَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ الْغَلِيظِينَ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي شَجَرِهِ فِي كَرْمٍ .

( فِيمَا جَاءَ فِي الْفَالُوذَجِ وَخَوَاصِّ الْفِضَّةِ ) .
سَبَقَ ذِكْرُ فَاغِيَةٍ وَهِيَ نَوْرُ الْحِنَّاءِ فِي فَصْلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ .
فَالُوذَجُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَوَّلُ مَا سَمِعْنَا بِالْفَالُوذَجِ { أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أُمَّتَكَ تُفْتَحُ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ فَيُفَاضُ عَلَيْهِمْ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى إنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الْفَالُوذَجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا الْفَالُوذَجُ قَالَ يَخْلِطُونَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ جَمِيعًا فَشَهَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ شَهْقَةً .
} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَالُوذُ وَالْفَالُوذَقُ مُعَرَّبَانِ قَالَ يَعْقُوبُ وَلَا تَقُلْ الْفَالُوذَجُ .
وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَأَجْوَدُهَا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ غِشٌّ وَهِيَ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ ، وَقِيلَ : مُعْتَدِلَةٌ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَقِيلَ : قَابِضَةٌ جِدًّا وَهِيَ تَبْرُدُ وَتَجِفُّ وَإِذَا خُلِطَتْ سِحَالَتُهَا بِالْأَدْوِيَةِ نَفَعَتْ مِنْ الرُّطُوبَاتِ اللَّزِجَةِ وَهُوَ جَيِّدٌ لِلْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَسِحَالَتُهَا تَنْفَعُ مِنْ الْبَخَرِ مَعَ أَدْوِيَتِهِ ، وَمِنْ الْخَفَقَانِ مَعَ أَدْوِيَتِهِ ، وَلِعُسْرِ الْبَوْلِ وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهَا دَانَقٌ وَمَعَ الزِّئْبَقِ تَنْفَعُ الْبَوَاسِيرَ طِلَاءً .
قَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرِحَةِ النَّافِعَةِ لِلْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَضَعْفِ الْقَلْبِ وَخَفَقَانِهِ وَتَجْتَذِبُ بِخَاصِّيَّتِهَا مَا يَتَوَلَّدُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْأَخْلَاطِ الْفَاسِدَةِ خُصُوصًا إذَا أُضِيفَ إلَى ذَلِكَ الْعَسَلُ الْمُصَفَّى وَالزَّعْفَرَانُ ، وَمِمَّا يُسَكِّنُ الْعَطَشَ إذَا مُسِكَ فِي الْفَمِ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ أَوْ قِطْعَةُ بِلَّوْرٍ أَوْ صَدَفٍ أَوْ تَمْرٍ هِنْدِيٍّ أَوْ حَبِّ رُمَّانٍ حَامِضٍ .
الْقِثَّاءُ سَبَقَ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْقَرْعِ وَهُوَ الدُّبَّاءُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ ) .
( الْقَرْعُ ) وَهُوَ الدُّبَّاءُ بَارِدٌ رَطْبُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ : حَارٌّ رَطْبٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ غِذَاءٌ شَبِيهٌ بِمَا يَصْحَبُهُ ، فَإِنْ أُكِلَ بِالْخَرْدَلِ وَلَّدَ خَلْطًا حِرِّيفًا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، غِذَاؤُهُ يَسِيرٌ ، وَيَنْحَدِرُ سَرِيعًا جَيِّدٌ لِلصَّفْراوَتَيْنِ يَقْطَعُ الْعَطَشَ جِدًّا وَيُلَيِّنُ الْبَطْنَ وَيُوَلِّدُ بِلَّةَ الْمَعِدَةِ ، وَيَضُرُّ بِأَصْحَابِ السَّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَبِالْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ وَيُصْلِحُهُ الْفُلْفُلُ وَالصَّعْتَرُ وَالْخَرْدَلُ وَالزَّيْتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَعُصَارَتُهُ تُسَكِّنُ وَجَعَ الْأُذُنِ مَعَ دُهْنِ وَرْدٍ وَتَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الدِّمَاغِ ، وَسَوِيقُهُ يَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ وَوَجَعِ الصَّدْرِ مِنْ حَرَارَةٍ ، وَإِنْ شُرِبَ مَاؤُهُ بِتَرَنْجَبِينٍ وَسَفَرْجَلٍ مُرَبًّى أَسْهَلَ صَفْرَاءَ مَحْضَةً .
وَمَتَى صَادَفَ الْقَرْعُ فِي الْمَعِدَةِ خَلْطًا رَدِيئًا اسْتَحَالَ إلَيْهِ وَفَسَدَ وَوَلَّدَ فِي الْبَدَنِ خَلْطًا رَدِيئًا .
وَفِي الْغَيْلَانِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : يَا عَائِشَةُ إذَا طَبَخْتُمْ قِدْرًا فَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنْ الدُّبَّاءِ ، فَإِنَّهَا تَشُدُّ قَلْبَ الْحَزِينِ } ، وَيَأْتِي فِي آدَابِ الطَّعَامِ قَبْلَ فَصْلٍ قِيلَ : لِأَحْمَدَ يَعْتَزِلُ الرَّجُلُ فِي الطَّعَامِ أَوْ يُوَافِقُ حَدِيثَ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَأْكُلُ الدُّبَّاءَ وَيُعْجِبُهُ .
} وَرَوَى ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْقَرْعَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي طَالُوتَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ { دَخَلْت عَلَى أَنَسٍ وَهُوَ يَأْكُلُ قَرْعًا وَهُوَ يَقُولُ : يَا لَكِ شَجَرَةً مَا أَحَبَّكِ إلَيَّ بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاكِ .
} وَلِأَحْمَدَ

عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُعْجِبُهُ الْفَاغِيَةُ وَكَانَ أَعْجَبُ الطَّعَامِ إلَيْهِ الدُّبَّاءَ .
}

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ قَصَبِ السُّكَّرِ وَالسُّكَّرِ ) .
الْقُسْطُ وَهُوَ الْكُسْتُ هُوَ الْعُودُ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَعْظَمُ شِفَاءً وَأَكْثَرُ دَوَاءً نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا .
وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَرُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ الْحَوْضِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ { مَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ السُّكَّرِ } وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ .
وَأَمَّا الَّذِي فِي الصَّحِيحِ { فَأَبْيَضُ مِنْ الْوَرِقِ } أَيْ الْفِضَّةِ { وَأَطْيَبُ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ } وَفِي الصَّحِيحِ { أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ } وَفِي الصَّحِيحِ { أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ } وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ السُّكَّرِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا هُنَا وَلَمْ يَعْرِفْهُ مُتَقَدِّمُو الْأَطِبَّاءِ ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ الْعَسَلَ وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْأَدْوِيَةِ .
وَالسُّكَّرُ حَارٌّ فِي آخِرِ الْأُولَى رَطْبٌ فِي الْأُولَى وَالْعَتِيقُ إلَى الْيُبْسِ وَقِيلَ : السُّكَّرُ بَارِدٌ وَأَجْوَدُهُ الْأَبْيَضُ الشَّفَّافُ الطَّبَرْزَدُ ، وَكُلَّمَا عُتِّقَ كَانَ أَلْطَفَ إلَّا أَنَّهُ أَمْيَلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَهُوَ مُلَيِّنٌ جِدًّا .
قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ وَهُوَ يُقَارِبُ فِي الْجَلَاءِ وَالتَّنْقِيَةِ وَيُلَيِّنُ الصَّدْرَ وَيُزِيلُ خُشُونَتَهُ وَهُوَ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ سِوَى الَّتِي تَتَوَلَّدُ فِيهَا الْمُرَّةُ الصَّفْرَاءُ ، فَإِنَّهُ يَضُرُّهَا لِاسْتِحَالَتِهِ إلَيْهَا ، وَدَفْعُ ضَرَرِهِ بِمَاءِ اللَّيْمُونِ أَوْ النَّارِنْجِ أَوْ الرُّمَّانِ الْمُزِّ ، وَهُوَ مُفَتِّحٌ لِلسُّدَدِ وَيُسْهِلُ مَعَ دُهْنِ اللَّوْزِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْقُولَنْجِ ، وَيَنْفَعُ الْكُلَى وَالْمَثَانَةَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَيَاضِ الرَّقِيقِ الَّذِي فِي الْعَيْنِ ، وَهُوَ يُعَطِّشُ دُونَ تَعْطِيشِ الْعَسَلِ .
وَخَاصَّةً الْعَتِيقَ ، فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ دَمًا عَكِرًا وَيُهَيِّجُ الصَّفْرَاءَ ، وَيُصْلِحُهُ الرُّمَّانُ الْمُزُّ وَإِذَا طُبِخَ السُّكَّرُ وَنُزِعَتْ رَغْوَتُهُ سَكَّنَ الْعَطَشَ وَالسُّعَالَ .

وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَهُوَ فِي طَبْعِ السُّكَّرِ وَأَشَدُّ تَلْيِينًا مِنْهُ ، وَأَجْوَدُهُ الْحُلْوُ الْعَزِيزُ الْمَاءِ وَهُوَ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الْأُولَى ، وَقِيلَ : مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ وَقِيلَ : فِيهِ قَبْضٌ ، وَالْمَأْخُوذُ كَالصَّمْغِ مِنْ الْقَصَبِ يَجْلُو الْعَيْنَ وَقَصَبُ السُّكَّرِ يُعِينُ الْقَيْءَ ، وَيَنْفَعُ الصَّدْرَ وَالسُّعَالَ وَيُوَلِّدُ دَمًا مُعْتَدِلًا وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيَجْلُو رُطُوبَةَ الصَّدْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَالْمَثَانَةَ وَقَصَبَةَ الرِّئَةِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ خُشُونَةِ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ إذَا شُوِيَ .
وَالْقَصَبُ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَيُوَلِّدُ رِيَاحًا وَنَفْخًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ حَارٍّ بَعْدَ تَقْشِيرِهِ لِيَزُولَ نَفْخُهُ .
قَالَ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ : مَنْ مَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ بَعْدَ طَعَامِهِ لَمْ يَزَلْ يَوْمُهُ أَجْمَعُ فِي سُرُورٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ : سَمِعْت أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ سَمِعْت إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي : ابْنَ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا يَعْقُوبَ سَمِعْتُ أَنَّك شَرِبْتَ البلازر فَقُلْت : أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ وَاَللَّهِ مَا شَرِبْتُهُ وَلَا هَمَمْتُ بِشُرْبِهِ وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنْبَأَنِي أَبُو سَاجٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خُذْ مِثْقَالًا مِنْ كندي وَمِثْقَالًا مِنْ سُكَّرٍ فَدُقَّهُمَا ثُمَّ اسْحَقْهُمَا ثُمَّ اسْتَفَّهُمَا عَلَى الرِّيقِ ، فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلنِّسْيَانِ وَالْبَوْلِ ، فَدَعَا الْأَمِيرَ بِالدَّوَاةِ فَكَتَبَهُ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْكَبَاثِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ ) .
قَالَ الْحَاكِمُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيَّ كَانَ فِي التَّابِعِينَ لَأَقَرُّوا لَهُ بِالتَّقَدُّمِ لِحِفْظِهِ وَعِلْمِهِ وَفَهْمِهِ .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ } .
الْكَبَاثُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ وَمَنَافِعُهُ كَمَنَافِعِ الْأَرَاكِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيُجِيدُ الْهَضْمَ ، وَيَجْلُو الْبَلْغَمَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الظَّهْرِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَدْوَاءِ وَطَبِيخُهُ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيُمْسِكُ الطَّبِيعَةَ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ وَيُنَقِّي الْمَثَانَةَ .
وَإِذَا صُنِعَ مِنْ قُضْبَانِهِ لِلْعَضُدِ ، فَإِنَّهُ خِلْخَالٌ مَانِعٌ مِنْ السِّحْرِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْكَتَمِ ) .
الْكَتَمُ بِالتَّحْرِيكِ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : بِتَشْدِيدِهَا نَبْتٌ وَرَقُهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقِ الزَّيْتُونِ يَعْلُو فَوْقَ الْقَامَةِ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأَخْبَارِ فِي صَبْغِ الشَّيْبِ بِهِ وَلَهُ ثَمَرٌ فِي قَدْرِ حَبِّ الْفُلْفُلِ فِي دَاخِلِهِ نَوَى إذَا نَضَجَ اسْوَدَّ ، وَإِذَا اُسْتُخْرِجَتْ عُصَارَةُ وَرَقِهِ وَشُرِبَ مِنْهَا قَدْرُ أُوقِيَّةٍ تَقَيَّأَ قَيْئًا شَدِيدًا ، وَيَنْفَعُ مِنْ عَضَّةِ الْكَلَبِ .
وَأَصْلُ الْكَتَمِ إذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ كَانَ مِنْهُ مِدَادٌ يُكْتَبُ بِهِ ، وَبِزْرُ الْكَتَمِ إذَا اُكْتُحِلَ بِهِ حَلَّلَ الْمَاءَ النَّازِلَ فِي الْعَيْنِ وَأَبْرَأَهُ .
وَقِيلَ : الْكَتَمُ هُوَ الْوَشْمَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَالْوَشْمَةُ هِيَ وَرَقُ النِّيلِ حَارَّةٌ فِي آخِرِ الْأُولَى يَابِسَةٌ فِي الثَّانِيَةِ فِيهَا قَبْضٌ وَجَلَاءٌ وَتُخْصِبُ الشَّعْرَ .

فَصْلٌ ( فِي مَنَافِعِ الْكَرْمَةِ شَجَرَةُ الْعِنَبِ ) .
سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ فُصُولِ آدَابِ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ وَفِي لَفْظٍ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ } وَفِي لَفْظٍ { وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبَ } وَالْحَبَلَةُ أَيْ : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا شَجَرَةُ الْعِنَبِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا الْمُشْمَعِلُّ بْنُ إيَاسٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الْعَجْوَةُ وَالشَّجَرَةُ مِنْ الْجَنَّةِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَعَمْرٌو تَفَرَّدَ عَنْهُ الْمُشْمَعِلُّ لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ : ثِقَةٌ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْعَجْوَةُ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ وَالشَّجَرَةُ الْكَرْمَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنَّمَا أَرَادَ شَجَرَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهَا اسْتَوْجَبُوا الْجَنَّةَ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ الْمُشْمَعِلِّ وَلَفْظُهُ { الْعَجْوَةُ وَالصَّخْرَةُ مِنْ الْجَنَّةِ } قَالَ فِي النِّهَايَةِ : يُرِيدُ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَذَا قَالَ .
وَشَجَرَةُ الْعِنَبِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَوَرَقُهَا وَعَلَائِقُهَا وَمَرْمُوشُهَا مُبَرِّدٌ فِي آخِرِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَإِذَا دُقَّتْ وَضُمِّدَ بِهَا مِنْ الصُّدَاعِ سَكَّنَتْهُ وَمِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ وَالْتِهَابِ الْمَعِدَةِ ، وَعُصَارَةُ قُضْبَانِهِ إذَا شُرِبَتْ سَكَّنَتْ الْقَيْءَ وَعَقَلَتْ الْبَطْنَ ، وَكَذَلِكَ إذَا مُضِغَتْ عُرُوقُهَا الرَّطْبَةُ ، وَعُصَارَةُ وَرَقِهَا تَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ وَنَفْثِ الدَّمِ وَقَيْئِهِ وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ وَدَمْعَةُ شَجَرِهِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى الْقُضْبَانِ كَالصَّمْغِ إذَا شُرِبَتْ أَخْرَجَتْ الْحَصَاةَ ، وَإِذَا لُطِّخَ بِهَا أَبْرَأَتْ الْقَوَابِيَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرِّحَ وَغَيْرَهُ ، وَيَنْبَغِي

غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْمَاءِ وَالنَّطْرُونِ وَهُوَ البورق الْأَرْمَنِيُّ ، وَإِذَا تُمُسِّحَ بِهَا مَعَ الزَّيْتِ حَلَقَتْ الشَّعْرَ ، وَرَمَادُ قُضْبَانِهِ إذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالسَّذَابِ نَفَعَ مِنْ الْوَرَمِ الْعَارِضِ فِي الطِّحَالِ وَقُوَّةُ دُهْنِ زَهْرَةِ الْكَرْمِ قَابِضَةٌ شَبِيهَةٌ بِقُوَّةِ دُهْنِ الْوَرْدِ وَمَنَافِعُهَا تَقْرُبُ مِنْ مَنَافِعِ النَّخْلَةِ لِكَثْرَتِهَا .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْكُرَّاثِ ) .
الْكُرَّاثُ لَهُ أَصْلٌ فِي الصَّحِيحِ { إنَّ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ } وَالْكُرَّاثُ نَبَطِيٌّ وَشَامِيٌّ فَالنَّبَطِيُّ أَجْوَدُ وَهُوَ الْبَقْلُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْمَائِدَةِ حِرِّيفٌ لَيْسَ بِكَرِيهِ الرَّائِحَةِ كَثِيرًا وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ .
وَالشَّامِيُّ لَهُ رُءُوسٌ أَقَلَّ حَرَارَةً وَيُبْسًا .
وَقِيلَ : إنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ وَالشَّامِيُّ مَعَ السُّمَّاقِ يَنْفَعُ مِنْ الثَّآلِيلِ وَمَعَ الْمِلْحِ لِلْقُرُوحِ الْخَبِيثَةِ وَهُوَ يَقْطَعُ الرُّعَافَ وَمَعَ مَاءِ الشَّعِيرِ يَنْفَعُ مِنْ الرَّبْوِ عَنْ مَادَّةٍ غَلِيظَةٍ وَخُصُوصًا النَّبَطِيَّ مَعَ عَسَلٍ ، وَهُوَ يَقْطَعُ الْجُشَاءَ الْحَامِضَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَوَاسِيرِ الْبَارِدَةِ أَكْلًا وَضِمَادًا وَيُحَرِّكُ الْبَاهَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ صَلَابَةِ الرَّحِمِ وَانْضِمَامُهَا إذَا جَلَسَتْ الْمَرْأَةُ فِي طَبِيخِ وَرَقِهِ ، وَطَبِيخِ أُصُولِ الأسفيدناج بِدُهْنِ الغرطم وَدُهْنِ اللَّوْزِ الشَّيْرَجِيِّ نَافِعٌ مِنْ الْقُولَنْجِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ ، وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَهُوَ يُصَدِّعُ وَيُرِي أَحْلَامًا رَدِيئَةً ، وَيُفْسِدُ اللِّثَةَ وَالْأَسْنَانَ وَيُفْلِجُهَا ، وَيَضُرُّ بِالْبَصَرِ وَالْمَعِدَةِ ، وَيَنْفُخُ ، بَطِيءُ الْهَضْمِ وَالشَّامِيُّ أَدْنَى مَضَرَّةً فِي ذَلِكَ وَيُصْلِحُهُ سَلْقُهُ بِمَا بُيِّنَ وَيُجْعَلُ مَعَ الدُّهْنِ وَالْخَلِّ .
وَالنَّبَطِيُّ إذَا سُحِقَ بِزْرُهُ وَعُجِنَ بِقَطِرَانٍ وَنُجِزَتْ مِنْهُ الْأَضْرَاسُ الَّتِي فِيهَا الدُّودُ نَثَرَهَا وَأَخْرَجَهَا وَسَكَّنَ الْوَجَعَ الْعَارِضَ فِيهَا ، وَإِذَا دَخَنَتْ الْمَعِدَةُ بِبِزْرِهِ جَفَّفَتْ الْبَوَاسِيرَ ، وَالْكُرَّاثُ الْبَرِّيُّ يُقْرِحُ الْبَدَنَ وَعُصَارَةُ الْكُرَّاثِ الْيَابِسَةِ تُسَهِّلُ الدَّمَ .
وَمِنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ ثُمَّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ آمِنًا مِنْ رِيحِ الْبَوَاسِيرِ وَاعْتَزَلَهُ الْمَلَكُ لِنَتِنِ نَكْهَتِهِ حَتَّى يُصْبِحَ .
}

فَصْلٌ الْكَرَفْسُ مِنْ الْمَوْضُوعِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَكَلَهُ ثُمَّ نَامَ عَلَيْهِ نَامَ وَنَكْهَتُهُ طَيِّبَةٌ وَنَامَ آمِنًا مِنْ وَجَعِ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ } وَهُوَ رَطْبٌ وَأَصْلُهُ يَابِسٌ ، وَقِيلَ : حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ ، وَقِيلَ : فِي الثَّانِيَةِ يُحَلِّلُ النَّفْخَ وَيُفَتِّحُ وَيُسَكِّنُ الْأَوْجَاعَ الْبَرِّيُّ مِنْهُ يَنْفَعُ مِنْ دَاءِ الثَّعْلَبِ وَشُقَاقِ الْأَظْفَارِ وَشُقُوقِ الْبَرْدِ وَالثَّآلِيلِ .
وَالشَّامِيُّ مِنْهُ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ جِدًّا .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَخَرِ وَيُوَافِقُ مَنْ بِهِ عِرْقُ النَّسَا ، وَيَنْفَعُ مِنْ الرَّبْوِ وَضِيقِ النَّفَسِ وَأَوْرَامِ الثَّدْيِ وَالْحِشَاءِ ، وَالرُّومِيُّ أَجْوَدُهُ لِلْمَعِدَةِ وَهُوَ يَعْدِلُ بِزْرَ الْخَسِّ إذَا أُكِلَ مَعَهُ ، وَهُوَ يُدِرُّ الْبَوْلَ وَالطَّمْثَ .
وَالْجَبَلِيُّ مِنْهُ يُفَتِّتُ الْحَصَى وَيُخْرِجُ الْمَشِيمَةَ وَيُهَيِّجُ الْبَاهَ ، وَلِذَلِكَ قَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ تَجْتَنِبَهُ الْمُرْضِعَةُ كَيْ لَا يُفْسِدَ لَبَنَهَا لِهَيَجَانِ شَهْوَةِ الْبَاهِ وَطَبْخُهُ مَعَ الْعَدَسِ يَشْفِي مَنْ سُقِيَ سُمًّا وَهُوَ يُسَكِّنُ وَجَعَ الْأَسْنَانِ لَكِنَّهُ يُفَتِّتُهَا .
وَقِيلَ : إذَا عُلِّقَ أَصْلُهُ عَلَى الرَّقَبَةِ نَفَعَ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ ، وَإِذَا لَسَعَتْ الْعَقْرَبُ آكِلَهُ اشْتَدَّ بِهِ الْأَمْرُ ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْعَقَارِبُ .
وَهُوَ يُهَيِّجُ الصَّرَعَ بِالْمَصْرُوعِينَ وَلِذَلِكَ هُوَ رَدِيءٌ لِلصَّرَعِ ، وَقَدْ قِيلَ : يُؤْمَنُ مَضَرَّتُهُ فِيهِمْ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُهُ فِي رِقَابِهِمْ ، وَهُوَ يَضُرُّ بِالْحَبَالَى وَيُهَيِّجُ الصُّدَاعَ وَيُصْلِحُهُ الْخَسُّ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْمَاءِ ) .
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْمَاءِ وَتُعْرَفُ جَوْدَةُ الْمَاءِ بِصَفَائِهِ ، وَأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ رَائِحَةٌ ، وَأَنْ يَكُونَ عَذْبَ الطَّعْمِ حُلْوًا خَفِيفًا وَزْنُهُ ، بَعِيدَ الْمَنْبَعِ طَيِّبَ الْجَرْيِ بَارِزًا لِلشَّمْسِ وَالرِّيحِ لِيَنْقَصِرَ كَثِيرًا لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ سَرِيعَ الْحَرَكَةِ وَالْجَرْيِ ، آخِذًا إلَى الشَّمَالِ مِنْ الْجَنُوبِ أَوْ مِنْ الْغَرْبِ إلَى الشَّرْقِ ، يَسْخُنُ سَرِيعًا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ ، وَيَبْرُدُ عِنْدَ غُرُوبِهَا عَنْهُ ، وَيَنْحَدِرُ عَنْ الْمَعِدَةِ سَرِيعًا وَيُخَفِّفُ ثِقَلَ الطَّعَامِ عَلَيْهَا .
قَالَ أَبُقْرَاطُ : الْمَاءُ الَّذِي يَسْخُنُ سَرِيعًا ، وَيَبْرُدُ سَرِيعًا أَخَفُّ الْمِيَاهِ ، وَالْمَاءُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ لِعَارِضٍ ، فَالْمَكْشُوفُ لِلشَّمَالِ خَاصَّةً فِيهِ يَبَسٌ فَيُكْتَسَبُ مِنْ رِيحِ الشَّمَالِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ بِحِسِّهَا وَمَا يَنْبُعُ مِنْ مَعْدِنٍ فَلَهُ طَبِيعَةُ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ وَسَيَأْتِي .
وَنَفْعُ الْمَاءِ الْبَارِدِ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ ، وَالْحَارُّ بِالْعَكْسِ ، وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدَّمِ وَالْحُمَّيَاتِ الْمُحْتَرِقَةِ وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إلَى الرَّأْسِ ، وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمِنَةَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارَّةَ وَيُقَوِّي الْقُوَى الْأَرْبَعَ الْجَاذِبَةَ وَالْمَاسِكَةَ وَالْهَاضِمَةَ وَالدَّافِعَةَ عَلَى أَفْعَالِهَا .
وَيُقَوِّي الشَّهْوَةَ وَيُحَسِّنُ وَيُهَضِّمُ بِجَمْعِهِ الْمَعِدَةَ عَلَى الْغِذَاءِ ، وَيَحْفَظُ الصِّحَّةَ ، وَيَنْفَعُ التَّخَلْخُلَ وَالسَّيَلَانَ ، وَيَضُرُّ كُلَّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إلَى نُضْجٍ وَتَحْلِيلٍ كَالزُّكَامِ وَالْأَوْرَامِ ، وَالشَّدِيدُ الْبَرْدِ يُؤْذِي الْأَسْنَانَ وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهِ يُحْدِثُ انْفِجَارَ الدَّمِ وَالنَّزَلَاتِ وَأَوْجَاعَ الصَّدْرِ وَقَصَبَةِ الرِّئَةِ وَأَصْحَابَ السُّدَدِ يُضْعِفُ الْبَاهَ ، وَيَضُرُّ مَنْ أَفْرَطَ بِهِ الِاسْتِفْرَاغَ ،

وَلْيُجْتَنَبْ عَلَى الرِّيقِ وَعَقِبَ حَمَّامٍ وَجِمَاعٍ وَحَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ كَثِيرَةٍ وَعَطَشٍ شَدِيدٍ حَادِثٍ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ النَّوْمِ بِغَيْرِ سَبَبٍ .
مَالِحٌ أَوْ حَارٌّ يَابِسٌ ، فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمِزَاجَ وَيُوَلِّدُ الِاسْتِسْقَاءَ وَهَذَا الْمَاءُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ وَيُسَكِّنُ سَيَلَانَ الْمَنِيِّ ، وَالِاسْتِحْمَامُ بِهِ يَنْفَعُ التَّشَنُّجَ مِنْ امْتِلَاءٍ وَالْأَجْسَامَ الْمُتَخَلْخِلَةَ وَيُرَطِّبُ وَيُسَكِّنُ الْأَوْجَاعَ ، وَإِذَا صُبَّ حَوْلَ مَوْضِعٍ يَنْبَعِثُ مِنْهُ الدَّمُ قَطَعَهُ ، وَالْبَارِدُ وَالْحَارُّ بِإِفْرَاطٍ يَضُرَّانِ الْعَصَبَ وَأَكْثَرَ الْأَعْضَاءِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُحَلِّلٌ وَالْآخَرَ مُكَثِّفٌ .
وَالْمَاءُ الْحَارُّ يُسَكِّنُ لَذْعَ الْأَخْلَاطِ الْحَادَّةِ وَيُحَلِّلُ وَيُنْضِجُ وَيُخْرِجُ الْفُضُولَ وَيُرَطِّبُ وَيُسَخِّنُ ، وَيُفْسِدُ الْهَضْمَ شُرْبُهُ ، وَيَطْفُو بِالطَّعَامِ إلَى أَعَالِي الْمَعِدَةِ وَيُرْخِيهَا وَلَا يُسْرِعُ إلَى تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيُذْبِلُ الْبَدَنَ ، وَيُؤَدِّي إلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ ، وَيَضُرُّ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرَاضِ ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلشُّيُوخِ وَأَصْحَابِ الصَّرَعِ وَالصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَالرَّمَدِ ، وَأَنْفَعُ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ خَارِجٍ وَإِذَا اُغْتُسِلَ بِهِ كَثِيرُ عَادِيَةِ النَّافِضِ قَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا مُزِجَ بِمَاءٍ بَارِدٍ نَفَعَ الْمَصْرُوعَ وَأَوْرَامَ الْحَلْقِ وَاللَّهَاةِ وَالصَّدْرِ ، وَيَجْلُو خَمَلَ الْمَعِدَةِ وَيُطْلِقُ الطَّبْعَ إذَا صَادَفَ خَلْطًا خَاصَّةً إذَا شُرِبَ مَعَ سُكَّرٍ أَوْ عَسَلٍ ، وَإِذَا لَمْ يُمْزَجْ بِمَاءٍ بَارِدٍ لَا يَرْوِي وَلَا تَقْبَلُهُ الْأَعْضَاءُ ، فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَفْسَدَ الْمِزَاجَ وَأَحْدَثَ الرَّهَلَ وَأَرْخَى الْمَعِدَةَ وَمَلَأَ الدِّمَاغَ بُخَارًا وَلِفَسَادِ هَضْمِ شَارِبِيهِ يُصَفِّرُ أَلْوَانَهُمْ ، وَيُوَرِّمُ أَطْحَالَهُمْ وَأَكْبَادَهُمْ ، وَهُوَ يُهَيِّجُ الرُّعَافَ ، وَيَنْبَغِي خَلْطُهُ بِمَاءِ وَرْدٍ حَتَّى لَا يُرْخِيَ الْمَعِدَةَ ، وَالشَّدِيدُ السُّخُونَةِ يُفْسِدُ الذِّهْنَ وَيُحْدِثُ الْغَثْيَ وَيُذِيبُ شَحْمَ الْكُلَى وَاللَّحْمَ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي خَلْطُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ

وَالِاسْتِحْمَامِ وَيُلَطِّفُ الْبَلْغَمَ وَيُسَخِّنُ جِدًّا .
وَمَاءُ الْمَطَرِ أَجْوَدُهُ مَا أُخِذَ مِنْ أَرْضٍ جَيِّدَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَكَانَ قَطْرُهُ قَلِيلًا فِي شَهْرِ كَانُونَ وَكَانَ مِنْ سَحَابٍ رَاعِدٍ وَكَانَ فِي مُسْتَنْقَعَاتِ الْجِبَالِ وَهُوَ أَرْطَبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِيَاهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ فَيُكْتَسَبُ مِنْ يَبَسِ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا وَلِهَذَا يَعْفَنُ ، وَيَتَغَيَّرُ سَرِيعًا لِطَاقَتِهِ وَسُرْعَةِ انْفِعَالِهِ .
وَأُبُقْرَاطُ يَقُولُ : مَاءُ الْمَطَرِ أَجْوَدُ الْمِيَاهِ وَأَعْذَبُهَا وَأَخَفُّهَا وَزْنًا وَهُوَ أَقَلُّ بَرْدًا مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ وَهُوَ يَنْفَعُ مِنْ السُّعَالِ وَخَاصَّةً إذَا طُبِخَ بِهِ أَشْرِبَةُ السُّعَالِ وَهُوَ مُدِرٌّ لِلْعَرَقِ ، وَيَضُرُّ بِالْبُحُوحَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ عَفَنِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَطَرُ الشِّتْوِيُّ أَفْضَلُ مِنْ الرَّبِيعِيِّ لِقِلَّةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ فَلَا يُجْتَذَبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ إلَّا أَلْطَفُهُ وَالْجَوُّ صَافٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ دُخَانٍ وَغُبَارٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَطَرُ الرَّبِيعِيُّ أَلْطَفُ ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تُوجِبُ تَحَلُّلَ الْأَبْخِرَةِ الْغَلِيظَةِ وَرِقَّةَ الْهَوَاءِ وَلَطَافَتَهُ فَيَخِفُّ بِذَلِكَ الْمَاءُ لِقِلَّةِ أَجْزَائِهِ وَيُصَادِفُ وَقْتَ النَّبَاتِ وَطِيبَ الْهَوَاءِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَأَى الْمَطَرَ يَقُولُ رَحْمَةً } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهَا { اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا } وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ " اللَّهُمَّ " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ : فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا : لِمَ صَنَعْتَ هَذَا قَالَ : لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ } .
وَالْمِيَاهُ الْعَفِنَةُ كَمِيَاهِ الْآجَامِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَخْرُجُ إلَيْهَا الْأَوْسَاخُ فِيهِ حَرَارَةٌ وَيُغْلِظُ الطِّحَالَ وَالْكَبِدَ وَيُفْسِدُ الْمَعِدَةَ وَيُسَمِّحُ اللَّوْنَ وَيُوَلِّدُ الْحُمَّيَاتِ وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْمَاءِ

الْعَفِنِ فَلْيَمْزُجْهُ بِرُبُوبِ الْفَوَاكِهِ الْحَامِضَةِ كَرُبِّ الرُّمَّانِ وَالْحِصْرِمِ والريناس .
وَالْمَاءُ الْكَدِرُ الْغَلِيظُ يُحْدِثُ الْحَصَى فِي الْمَثَانَةِ وَالْكُلَى وَيُتَدَارَكُ ضَرَرُهُ بِبُقُولٍ لَطِيفَةٍ وَمُدِرَّةٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَبَصَلٍ وَيُصْلِحُهُ لِلشُّرْبِ الْخُرْنُوبُ الشَّامِيُّ وَحَبُّ الْآسِ وَالزُّعْرُورُ وَالطِّينُ الْحُرُّ وَالسَّوِيقُ وَأَنْ يُجْعَلَ مَعَ السَّوِيقِ فِي جِرَارٍ جُدُدٍ وَيُسْتَقْطَرَ وَقَدْ يَصْفُو إذَا أُلْقِيَ فِيهِ الشَّبُّ أَوْ لُبَّ نَوَى الْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِ أَوْ الْجَمْرِ الْمُلْتَهِبِ .
وَالْمِيَاهُ الرَّدِيئَةُ يُصْلِحُهَا الْخَلُّ وَنَحْوُهُ وَمَاءُ الْآبَارِ قَلِيلُ اللُّطْفِ وَمَاءُ الْقِنَى الْمَدْفُونَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ ثَقِيلٌ لِتَعَفُّنِ أَحَدِهِمَا بِانْحِقَانِهِ وَحَجْبِ الْآخَرِ عَنْ الْهَوَاءِ ، وَيَنْبَغِي تَرْكُ شُرْبِهِ حَتَّى يُضَمَّدَ لِلْهَوَاءِ ، وَيَأْتِيَ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ .
وَأَرْدَؤُهُ مَاءُ مَجَارِيهِ مِنْ رَصَاصٍ أَوْ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ خَاصَّةً إنْ كَانَتْ تُرْبَتُهَا رَدِيئَةً .
وَأَمَّا مَاءُ الْبَحْرِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } .
أَيْ خَلَّى بَيْنَهُمَا مَعْنَاهُ أَرْسَلَهُمَا فِي مَجَارِيهمَا فَمَا يَلْتَقِيَانِ ( هَذَا عَذْبٌ ) طَيِّبٌ ( فُرَاتٌ ) صِفَةٌ لِعَذْبٍ وَهُوَ أَشَدُّ الْمَاءِ عُذُوبَةً ( وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ) يُقَالُ : مَاءٌ مِلْحٌ وَاسْتَعْمَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ : هُوَ لُغَةً وَالْأُجَاجُ صِفَةُ الْمِلْحِ قَالَ الزَّجَّاجُ : وَهُوَ الْمُرُّ الشَّدِيدُ الْمَرَارَةِ .
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : هُوَ أَشَدُّ الْمَاءِ مُلُوحَةً ، وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يُخَالِطُهُ مَرَارَةٌ { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا } أَيْ حَاجِزًا وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ فَهُمَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ مُنْفَصِلَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ وَقَدْ يَكُونَانِ فِي مَرْأَى الْعَيْنِ

مُخْتَلِطَيْنِ ، وَقِيلَ : الْحَاجِزُ الْأَرْضُ وَالْيَبَسُ قَالَهُ الْحَسَنُ { وَحِجْرًا مَحْجُورًا } .
أَيْ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ سُبْحَانَهُ مَاءَ الْبَحْرِ كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ ، وَيَمُوتُ فِيهِ كَثِيرًا وَلَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْهَوَاءُ ، وَيَكْتَسِبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ الْعَالَمُ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَهُ كَذَلِكَ وَلَا يُغَيِّرُهُ شَيْءٌ أَبَدًا ، وَلِأَنَّ أَرْضَهُ سُخْنَةٌ مَالِحَةٌ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ يَنْفَعُ مِنْ الشُّقُوقِ الْعَارِضَةِ عَنْ بَرْدٍ إذَا اغْتَسَلْت بِهِ ، وَيَقْتُلُ الْقَمْلَ وَيُحَلِّلُ الدَّمَ الْمُنْعَقِدَ تَحْتَ الْجِلْدِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَالْقَوَابِي وَالْفَالِجِ وَالْخَدْرِ وَأَوْرَامِ الثَّدْيِ وَيُحْتَقَنُ بِهِ لِلْمَغَصِ وَيُسْقَى فَيُسَهِّلُ ثُمَّ يُشْرَبُ بَعْدَهُ مَرَقُ الدَّجَاجِ فَيَكْسِرُ لَذْعَهُ ، وَالْجُلُوسُ فِيهِ يَنْفَعُ مِنْ لَسْعِ الْأَفْعَى وَسَائِرِ الْهَوَامِّ الْقَتَّالَةِ وَشُرْبُهُ يُؤْذِي ، فَإِنَّهُ يُعَطِّشُ وَيُهَزِّلُ وَيُحْدِثُ حَكَّةً وَجَرَبًا وَنَفْخًا ، وَقَدْ يُتَدَارَكُ ضَرَرُهُ بِاللَّبَنِ وَالْأَشْيَاءِ الدَّسِمَةِ .
وَقَدْ يُدَبَّرُ الْمَاءُ الْمَالِحُ فَيَعْذُبُ بِأَنْ يُوضَعَ فِي إنَاءٍ كَالْقَدَحِ مِنْ شَمْعٍ ، فَإِنَّهُ يُرَشَّحُ إلَيْهِ مِنْ خَارِجِهِ مَاءٌ عَذْبٌ أَوْ يُجْعَلَ فِي قِدْرٍ وَيُجْعَلُ فَوْقَ الْقِدْرِ قُضْبَانٌ عَلَيْهَا صُوفٌ مَنْفُوشٌ وَيُوقَدُ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى يَرْتَفِعَ بُخَارُهَا إلَى الصُّوفِ فَإِذَا كَثُرَ عَصْرُهُ لَا يَزَالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهُ مَا يُرِيدُ فَيَحْصُلَ لَهُ مِنْ الْبُخَارِ فِي الصُّوفِ مَاءٌ عَذْبٌ أَوْ يَحْفِرَ إلَى جَانِبِهِ حُفْرَةً يُرَشَّحُ مَاؤُهُ إلَيْهَا ثُمَّ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا تُرَشَّحُ هِيَ إلَيْهَا ثُمَّ ثَالِثَةٌ إلَى أَنْ يَعْذُبَ وَيُخْلَطَ بِطِينٍ جَيِّدٍ أَوْ يُخْلَطَ بِسَوِيقٍ فِي جِرَارٍ جُدُدٍ وَتُسْتَقْطَرَ ، وَشُرْبُهُ عَلَيْهِ أَغْذِيَةٌ دَسِمَةٌ أَقَلُّ لِضَرَرِهِ ، فَالْمَاءُ الْمُرُّ يُمْزَجُ بِحُلْوٍ وَيُؤْكَلُ عَلَيْهِ

الْحُلْوُ ، وَالْمَاءُ الْمَالِحُ الْعَادِمُ لِلْمَرَارَةِ حَارٌّ يَابِسٌ يُسَخَّنُ وَيُجَفَّفُ وَيُطْلِقُ الطَّبْعَ ، فَإِذَا أَدَمْنَ عَلَيْهِ عَقَلَ وَهُوَ كَمَا سَبَقَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ .
وَأَمَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَمَاءٌ شَرِيفٌ مُبَارَكٌ .
أَشْرَفُ الْمِيَاهِ وَأَجَلُّهَا عِنْدَ النَّاسِ وَهُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ، وَيُسْتَحَبُّ التَّضَلُّعُ مِنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ وَسَبَقَ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي فُصُولِ الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا الْأَنْهَارُ الَّتِي مِنْ الْجَنَّةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلُّهَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ } .
وَفِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ لَمَّا ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى { أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ فِي الْجَنَّةِ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ : مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ قَالَ : أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ } .
قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فِي الْأَرْضِ بِخُرُوجِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ مِنْ أَصْلِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَنْهَارَ تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ تَسِيرُ حَيْثُ أَرَادَ اللَّهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْأَرْضِ وَتَسِيرَ فِيهَا .
وَالْفُرَاتُ بِالتَّاءِ الْمُمْتَدَّةِ فِي الْخَطِّ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ مِنْ أَجْوَدِ الْمِيَاهِ ، وَالْأَرْضُ الَّتِي يَسْقِيهَا النِّيلُ إبلين أَصْلِيَّةً إنْ أَمْطَرَ مَطَرَ الْعَادَةِ لَمْ تُرْوَ فَلَا يَتَهَيَّأُ النَّبَاتُ وَفَوْقَ الْعَادَةِ يَضُرُّ بِهَا وَبِسَاكِنِيهَا فَسَاقَ إلَيْهَا سُبْحَانَهُ هَذَا النَّهْرَ الْعَظِيمَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : أَصْلُهُ فِي أَقْصَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَمْطَارٍ

تَجْتَمِعُ هُنَاكَ وَسُيُولٍ وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ زِيَادَتَهُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَكِفَايَةِ الْبِلَادِ فَإِذَا اكْتَفَتْ أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِتَنَاقُصِهِ لِمَصْلَحَةِ الزَّرْعِ فَسُبْحَانَ مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ .
فَصْلٌ : وَأَمَّا مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ يَكْتَسِبُ مِنْ مَعْدِنِهِ وَيُؤَثِّرُ تَأْثِيرَهُ قَالَ الْأَطِبَّاءُ فِي الْمَاءِ الزِّفْتِيِّ وَالْكِبْرِيتِيِّ وَالنِّفْطِيِّ وَمَاءِ الْعِثَارِ يُسَخَّنُ وَيُجَفَّفُ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَهَقِ وَالْبَرَصِ وَالثَّآلِيلِ ، وَأَوْرَامِ الْمَفَاصِلِ ، وَالصَّلَابَاتِ ، وَالْجَرَبِ ، وَالْقَوَابِي إذَا اُسْتُحِمَّ بِهِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْعَصَبِ الْبَارِدَةِ ، وَالِاسْتِسْقَاءُ جُلُوسًا فِيهِ وَشُرْبًا وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْعَيْنِ يُحْدِثُ الْحِسِّيَّاتِ وَيُصْلِحُهُ رُبُوبُ الْفَوَاكِهِ الْحَامِضَةِ .
وَالْمَاءُ الشَّبِّيُّ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَرْضٍ شبية أَجْوَدُهُ السَّائِغُ الْقَلِيلُ الْقَبْضِ وَهُوَ يُبَرَّدُ وَيُجَفِّفُ ، وَيَمْنَعُ الْإِسْقَاطَ وَيُرِقُّ الْحَيْضَ ، وَقِيَامَ الدَّمِ وَبَعْثَهُ وَالدَّرْبَ وَالْبَوَاسِيرَ وَهُوَ يُحْدِثُ الْقُولَنْجَ وَهَذِهِ الْمِيَاهُ يُتَدَاوَى بِهَا مِنْ خَارِجٍ وَلَا تَصْلُحُ لِلشُّرْبِ .
وَالْمَاءُ الزِّئْبَقِيُّ يَجْرِي عَلَى مَعْدِنِ الزِّئْبَقِ يُغْتَسَلُ بِهِ لِلْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ .
وَالْمَاءُ الْحَدِيدِيُّ يَنْبُعُ مِنْ مَعْدِنِ الْحَدِيدِ يُسَخَّنُ وَيُجَفَّفُ ، وَيَنْفَعُ الطِّحَالَ وَالْمَعِدَةَ ، وَيَحْبِسُ الْبَطْنَ ، وَيَشُدُّ الْأَعْضَاءَ وَيُقَوِّيهَا .
وَأَمَّا الْمَطْفِيُّ فِيهِ الْحَدِيدُ ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ نَفْثِ الدَّمِ ، وَيَزِيدُ فِي الْبَاهِ .
وَالْمَاءُ النُّحَاسِيُّ يَنْبُعُ مِنْ مَعْدِنِ النُّحَاسِ يَنْفَعُ الْفَمَ وَالْآذَانَ وَالطِّحَالَ وَالْمَعِدَةَ وَرُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَفَسَادَ الْمِزَاجِ وَيُحْدِثُ عُسْرَ الْبَوْلِ .
وَالْمَاءُ الْفِضِّيُّ يَنْبُعُ مِنْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ يُبَرَّدُ وَيُجَفَّفُ بِاعْتِدَالٍ .
وَالْمَاءُ النَّطْرُونِيُّ يَجْرِي عَلَى مَعْدِنِ النَّطْرُونِ وَهُوَ البورق

الْأَرْمَنِيُّ يُطْلِقُ الطَّبْعَ .
وَمَاءُ الْكَافُورِ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ يَسْتَخْرِجُ الزَّفَرَ مِنْ الْيَدِ .
وَمِنْ خَوَاصِّهِ إذَا جُعِلَ عَلَى طَعَامٍ لَمْ تَقْرَبْهُ ذُبَابَةٌ وَرَائِحَتُهُ تَضُرُّ بِالصُّدَاعِ مِنْ حَرٍّ وَيُصْلِحُهُ خَلْطُهُ بِدُهْنِ بَنَفْسَجٍ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْمِلْحِ ) .
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ } وَفِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ مَرْفُوعًا { سَتُوشِكُونَ أَنْ تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ ، وَلَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إلَّا بِالْمِلْحِ } .
وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ : الْحَدِيدُ ، وَالنَّارُ ، وَالْمَاءُ ، وَالْمِلْحُ } قَالَ الْأَطِبَّاءُ : فِي الْمِلْحِ مَرَارَةٌ وَقَبْضٌ ، وَالْمُرُّ مِنْهُ قَرِيبٌ مِنْ البورق هَشٌّ وَمِنْهُ أندراني كَالْبَلُّورِ ، وَمِنْهُ نِفْطِيٌّ أَسْوَدُ ، وَمِنْهُ بَحْرِيٌّ يَذُوبُ كَمَا يَصُبُّهُ الْمَاءُ .
وَأَجْوَدُهُ الأندراني الْأَبْيَضُ الرَّقِيقُ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ جَلَّاءٌ مُحَلِّلٌ قَابِضٌ يُكْثِرُ مِنْ الرِّيَاحِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْعُفُونَةِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ غِلَظِ الْأَخْلَاطِ وَيُذِيبُهَا .
وَاسْتِعْمَالُ الْمِلْحِ بِالْغَدَاةِ يُحَسِّنُ اللَّوْنَ وَمَعَ الْعَسَلِ وَالزَّيْتِ يُضَمَّدُ بِهِ الدَّمَامِيلُ لِيُنْضِجَهَا وَمَعَ الفوندج وَالْعَسَلِ لِلْأَوْرَامِ الْبَلْغَمِيَّةِ ، وَهُوَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الزَّائِدَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ الْجَرَبِ الْمُتَقَرِّحِ وَالْحَكَّةِ الْبَلْغَمِيَّةِ وَالنِّقْرِسِ وَيُطْلَى بِهِ مَعَ شَجَرِ الْحَنْظَلِ بُثُورُ الرَّأْسِ .
والأندراني يُحِدُّ الْبَخَرَ ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَيُسَهِّلُ خُرُوجَ التُّفْلِ وَانْحِدَارَ الطَّعَامِ ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْمَعِدَةِ الْبَارِدَةِ وَيُسَهِّلُ الْبَلْغَمَ الْعَفِنَ وَالنُّخَامَ وَالسَّوْدَاءَ وَقَدْرُ شَرْبَتِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَيُضَمَّدُ بِهِ مَعَ بِزْرِ كَتَّانٍ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَمَعَ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ لِلزَّنَابِيرِ ، وَيُشْرَبُ مَعَ سَكَنْجَبِينٍ فَيَدْفَعُ مَضَرَّةَ الْفِطْرِ الْقَتَّالِ وَالْأَفْيُونُ وَالْمِلْحِ الْمُحَرَّقُ يَجْلُو الْأَسْنَانَ وَالْمُرُّ مِنْهُ يُسَهِّلُ السَّوْدَاءَ بِقُوَّةٍ .
وَالْمِلْحُ يَضُرُّ الدِّمَاغَ وَالْبَصَرَ

وَالرِّئَةَ وَيُصْلِحُهُ غَسْلُهُ وَشَيُّهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ الصَّعْتَرُ .
وَفِي الْمِلْحِ قُوَّةٌ تَزِيدُ الذَّهَبَ صُفْرَةً وَالْفِضَّةَ بَيَاضًا ، وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنْ الِانْتِشَارِ .
وَإِذَا دُلِّكَ بِهِ بُطُونُ أَصْحَابِ الِاسْتِسْقَاءِ نَفَعَهُمْ .
وَالْمِلْحُ الْهِنْدِيُّ حَارٌّ يَابِسٌ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْمِلْحِ إسْخَانًا وَتَلْطِيفًا .
الْمِلْحُ النِّفْطِيُّ ، أَجْوَدُهُ الْمُنْتِنُ الرَّائِحَةِ حَارٌّ يَابِسٌ يُعِينُ عَلَى الْقَيْءِ وَيُسَهِّلُ السَّوْدَاءَ ، وَقَدْرُ شَرْبَتِهِ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ ، وَيَضُرُّ بِالْمِعَى وَيُصْلِحُهُ الْهَلِيلَجُ مِلْحُ بابازير حَارٌّ يَابِسٌ يَهْضِمُ الْغِذَاءَ وَيُنْفِذُهُ وَيُجَفِّفُ الْبَدَنَ وَيُصْلِحُهُ الْخَشْخَاشُ وَالصَّعْتَرُ ، فَإِنَّ الصَّعْتَرَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّالِثَةِ مُحَلِّلٌ مُلَطِّفٌ يَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْوَرِكَيْنِ وَيُسَكِّنُ وَجَعَ الضِّرْسِ إذَا مُضِغَ ، وَيَنْفَعُ الْكَبِدَ وَالْمَعِدَةَ وَيُخْرِجُ الدِّيدَانَ وَيُدِرُّ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَيُحَلِّلُ الرِّيَاحَ وَأَكْلُهُ يَنْفَعُ مِنْ غِشَاوَةِ الْبَصَرِ الْحَادِثَةِ عَنْ رُطُوبَةٍ ، وَيَنْفَعُ الصَّدْرَ وَالرِّئَةَ دُهْنُهُ ، وَقِيلَ : يَضُرُّ بِالْأَرْنَبَةِ وَيُصْلِحُهُ الْخَلُّ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ النُّورَةِ ) .
رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي هَاشِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اطَّلَى بَدَأَ بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنُّورَةِ وَسَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ ، } وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ كَامِلٍ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَى وَوَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ } .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَالثَّانِي كَذَلِكَ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي كَامِلٍ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : كَانَ مِمَّنْ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَشْيَاءُ أَنْكَرْتُهَا وَمَعَ هَذَا أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَرَّةً لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَمَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ لَكِنْ فِي سَمَاعِ حَبِيبٍ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَمْثَلُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَنَّ مُهَنَّا قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ كَامِلٍ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْحَدِيثُ فَقَالَ : لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ { مَا اطَّلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَطَّلِي وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ : أَسْنَدَهُ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوَّلُ مَنْ صُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ سُلَيْمَانُ

بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ .
وَالنُّورَةُ مِنْ الْأَجْسَامِ الْحَرِيفِيَّةِ الْحَجَرِيَّةِ وَأَجْوَدُهَا الْبَيْضَاءُ السَّرِيعَةُ التَّحَلُّلِ وَغَيْرُ الْمُطْفَأَةِ شَدِيدَةُ الْحَرَارَةِ مُلَطِّفَةٌ مُحْرِقَةٌ جِدًّا .
وَالْمُطْفَأَةُ مِنْهَا إذَا بَقِيَتْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ، فَإِنَّهَا لَا تَحْرِقُ بَلْ تُسَخِّنُ فَقَطْ .
وَالْمَغْسُولَةُ مُعْتَدِلَةٌ يَابِسَةٌ وَالنُّورَةُ تَقْطَعُ نَزْفَ الدَّمِ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالْمَغْسُولَةُ مُجَفَّفَةٌ بِغَيْرِ لَذْعٍ وَتَأْكُلُ اللَّحْمَ الزَّائِدَ وَتُدْمِلُ وَتَنْفَعُ مِنْ حَرْقِ النَّارِ جِدًّا ، وَهِيَ تَضُرُّ بِالنَّحِيفِ إذَا طَلَى بِهَا بَدَنَهُ فِي الْحَمَّامِ وَإِذَا طَلَى بِهَا الْجِلْدَ أَبْرَزَتْ مَا تَحْتَهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُدْهَنَ بَنَفْسَجٌ وَمَاءُ وَرْدٍ وَالْعُصْفُرُ وَبَزْرُ الْبِطِّيخِ وَدَقِيقُ الْأُرْزِ مَعَ مَاءِ وَرْدٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يُطْلَى مَكَانُهَا بِالْحِنَّاءِ ، وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا تُنَقَّطُ فَيُطْلَى بِدُهْنٍ مَعَ دَقِيقِ عَدَسٍ وَخَلٍّ وَمَاءٍ بَارِدٍ ، وَشُرْبُهَا قَتَّالٌ يَعْرِضُ لِمَنْ سُقِيَ مِنْهَا يَبَسُ الْفَمِ وَوَجَعُ الْمَعِدَةِ وَحَرْقُهَا وَعُسْرُ الْبَوْلِ وَالْمَغَصُ وَاسْتِطْلَاقُ الدَّمِ مِنْ الْبَطْنِ لِتَقْرِيحِهَا الْمِعَى وَتَخْرُجُ النُّورَةُ فِي بَوْلِهِ ، وَرُبَّمَا عَرَضَ بَرْدُ الْأَطْرَافِ وَالْغَثْيُ وَرُبَّمَا عَرَضَ الْخَفَقَانُ وَيُدَاوَى بِالْقَيْءِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَالدُّهْنِ ثُمَّ بِاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَدُهْنِ اللَّوْزِ وَالْجَلَّابِ وَالْأَمْرَاقِ الدَّسِمَةِ كَمَرَقِ الدَّجَاجِ الْمُسَمَّنِ بِدُهْنِ اللَّوْزِ .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ النَّبْقِ وَهُوَ ثَمَرُ السِّدْرِ ) .
قَالَ تَعَالَى : { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ } سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى وَجْهِ وَادٍ بِالطَّائِفِ فَأَعْجَبَهُمْ سِدْرُهُ فَقَالُوا : يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ هَذَا .
وَهَلِ الْمَخْضُودُ الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ أَوْ الْمُوَقَّرُ حَمْلُهُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ : هُمَا وَقَالَ تَعَالَى : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ } قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ بِسُكُونِ الْكَافِ ، وَقَرَأَ غَيْرُهُمَا بِضَمِّهَا ، وَقَرَأَ غَيْرُ أَبِي عَمْرٍو ( أُكُلٍ ) بِالتَّنْوِينِ وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو بِإِضَافَتِهِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ : الْخَمْطُ الْأَرَاكُ ، وَقِيلَ : كُلُّ شَجَرَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ ، وَقِيلَ : نَبْتٌ طَعْمُهُ مُرٌّ فَعَلَى هَذَا الْخَمْطُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فَتَحْسُنُ قِرَاءَةُ مَنْ نَوَّنَ الْأُكُلَ وَعَلَى مَا قَبْلَهُ هُوَ اسْمُ شَجَرَةٍ وَالْأُكُلُ ثَمَرُهَا فَتَحْسُنُ قِرَاءَةُ مَنْ أَضَافَ .
وَالْأَثْلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الطَّرْفَاءُ ، وَقِيلَ : شَجَرٌ يُشْبِهُهُ ، وَقِيلَ : السَّمَرُ { وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } .
وَهُوَ شَجَرَةُ النَّبْقِ أَيْ كَانَ الْخَمْطُ وَالْأَثْلُ أَكْثَرَ مِنْ السِّدْرِ { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إلَّا الْكَفُورَ } يُقَالُ فِي أَفْصَحِ اللُّغَةِ : جَزَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ وَلَا يُقَالُ جَازَاهُ فَقِيلَ : جَازَاهُ أَيْ كَافَأَهُ فَالْكَافِرُ يُجَازَى بِسَيِّئَاتِهِ مِثْلَهَا مُكَافَأَةً لَهُ ، وَالْمُؤْمِنُ يُزَادُ فِي ثَوَابِهِ وَيُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : الْكَافِرُ لَا حَسَنَةَ لَهُ فَيُجَازَى بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِ ، وَقِيلَ : الْمُؤْمِنُ لَا يُنَاقَشُ الْحِسَابَ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ } وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ مَرْفُوعًا { أَنَّ آدَمَ لَمَّا هَبَطَ إلَى الْأَرْضِ كَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهَا النَّبْقَ } .
النَّبْقُ

بِسُكُونِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَهُوَ ثَمَرُ السِّدْرِ الْوَاحِدَةُ نَبِقَةٌ وَنَبْقٌ وَنَبَقَاتٌ مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ وَكَلِمَاتٍ ، وَالنَّبْقُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَبَرْدُهُ أَقَلُّ مِنْ بَرْدِ الرَّطْبِ وَفِيهِ تَجْفِيفٌ وَتَلْطِيفٌ وَهُوَ قَابِضٌ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ ، وَخَاصَّةً إذَا قُلِيَ وَدُقَّ مَعَ نَوَاهُ ، وَقِيلَ : النَّبْقُ رَطْبٌ ، وَقِيلَ : رَطْبُهُ رَطْبٌ وَدَفْعُ مَضَرَّتِهِ بِالشَّهْدِ وَغِذَاءُ النَّاسِ مِنْ النَّبْقِ يَسِيرٌ وَالنَّبْقُ يُسَكِّنُ الصَّفْرَاءَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَيُوَلِّدُ بَلْغَمًا وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ ، وَوَرَقُهُ وَهُوَ السِّدْرُ مُعْتَدِلٌ مُجَفَّفٌ قَابِضٌ لَطِيفٌ يُقَوِّي الشَّعْرَ ، وَيَمْنَعُ مِنْ انْتِشَارِهِ وَيُنْضِجُ الْأَوْرَامَ وَفِيهِ تَحْلِيلٌ وَالطَّرِيُّ مِنْهُ مَعَ الْخَلِّ يَنْفَعُ مِنْ تَقْشِيرِ الْجِلْدِ وَطَرِيُّهُ أَيْضًا يَلْصَقُ الْجِرَاحَاتِ وَيُقَوِّي الْعِظَامَ الْوَاهِنَةَ الْوَاهِيَةَ إذَا ضُمِّدَتْ بِهِ أَوْ نُطِلَتْ بِالْمَاءِ الْمَطْبُوخِ فِيهِ .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ : الْأَثْلُ ضَرْبٌ مِنْ الطَّرْفَاءِ بَارِدٌ يَابِسٌ فِيهِ قَبْضٌ وَتَجْفِيفٌ .
وَثَمَرَتُهُ أَشَدُّ قَبْضًا ، وَقِيلَ : إنَّهُ حَارٌّ وَطَبِيخُهُ يُسْتَعْمَلُ نُطُولًا عَلَى الْقَمْلِ فَيَقْتُلُهُ وَوَرَقُهُ لِلْأَوْرَامِ وَالرَّخْوَةِ وَدُخَانُهُ يُجَفِّفُ الْقُرُوحَ الرَّطْبَةَ وَالْجُدَرِيَّ وَرَمَادُهُ عَلَى حُرُوقِ النَّارِ وَالْقُرُوحِ الرَّطْبَةِ وَثَمَرَتُهُ مَعَ رَمَادِهِ تَأْكُلُ اللَّحْمَ الزَّائِدَ وَالْقُرُوحَ الْعَسِرَةَ الِانْدِمَالِ وَطَبِيخُ وَرَقِهِ بِالسَّذَابِ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ مَضْمَضَةً وَثَمَرَتُهُ تَنْفَعُ مِنْ النَّفْثِ الْمُزْمِنِ وَيُضَمَّدُ بِقُضْبَانِهِ الْمَطْبُوخَةِ بِالْخَلِّ حَتَّى يَتَهَرَّى الطِّحَالُ وَيُجْلَسُ فِي طَبِيخِهِ لِسَيَلَانِ الرَّحِمِ وَثَمَرَتُهُ تَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الرَّتِيلَا .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ الْهِنْدَبَا ) .
( الْهِنْدَبَا مِنْ الْمَوْضُوعِ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُوا الْهِنْدَبَاءَ وَلَا تَنْفُضُوهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ إلَّا وَقَطَرَاتٌ مِنْ الْجَنَّةِ تَقْطُرُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ أَكَلَ الْهِنْدَبَا وَنَامَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ فِيهِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ وَمَا مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ وَرِقِ الْهِنْدَبَا إلَّا وَعَلَيْهَا قَطْرَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ } ) .
وَالْهِنْدَبَا بَرِّيٌّ وَبُسْتَانِيٌّ عَرِيضُ الْوَرَقِ وَدَقِيقُ الْوَرَقِ ، وَقَدْ تَشْتَدُّ مَرَارَتُهُ فِي الصَّيْفِ فَيَمِيلُ إلَى قَلِيلِ حَرَارَةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ ، وَالْبُسْتَانِيُّ أَجْوَدُ وَأَفْضَلُهُ الشَّامِيُّ وَهِيَ بَارِدَةٌ فِي آخِرِ الْأُولَى رَطْبَةٌ فِي آخِرِهَا أَيْضًا .
وَقِيلَ : يَابِسَةٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالْبَرِّيُّ أَقَلُّ رُطُوبَةً ، وَقِيلَ : الْهِنْدَبَا فِي الشِّتَاءِ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ وَفِي الصَّيْفِ حَارَّةٌ يَابِسَةٌ وَفِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ مُعْتَدِلَةٌ ، وَالْهِنْدَبَا تَفْتَحُ سُدَدَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْعُرُوقِ وَالْأَحْشَاءِ وَتُنَقِّي مَجَارِي الْكُلَى وَأَنْفَعُهَا لِلْكَبِدِ أَمَرُّهَا ، وَفِيهَا قَبْضٌ لَيْسَ بِشَدِيدٍ وَهِيَ تُبَرِّدُ طِلَاءً مَعَ إسْفِيدَاجِ الرَّصَاصِ وَيُضَمَّدُ بِهَا لِلنِّقْرِسِ وَتَنْفَعُ لِلرَّمَدِ الْحَارِّ وَيُضَمَّدُ بِهَا الْخَفَقَانُ مَعَ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَيُسَكَّنُ الْغَثَيَانُ وَهَيَجَانُ الصَّفْرَاءِ وَحَرَارَةُ الْمَعِدَةِ وَتَعَقُّلُ الْبَطْنِ وَتَنْفَعُ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ وَلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَالْهَوَامِّ وَالزَّنَابِيرِ وَالْحَيَّةِ وَسَامٍّ أَبْرَصَ ضِمَادًا قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَ السَّوِيقِ .
وَإِذَا دُقَّتْ وَوُضِعَتْ عَلَى الْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ بَرَّدَتْهَا وَحَلَّلَتْهَا ، وَأَصْلَحُ مَا أُكِلَتْ غَيْرَ مَغْسُولَةٍ وَلَا مَنْفُوضَةٍ لِئَلَّا تُفَارِقَهَا قُوَّتُهَا بِذَلِكَ وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ قُوَّةٌ تِرْيَاقِيَّةٌ تَنْفَعُ مِنْ جَمِيعِ السُّمُومِ ، وَيَدْخُلُ وَرَقُهَا فِي التِّرْيَاقِ وَمَاؤُهَا يَنْفَعُ مِنْ الْيَرَقَانِ السددي لَا سِيَّمَا إذَا خُلِطَ بِهِ مَاءُ الرازيانج الرَّطْبِ وَشُرْبُ مَائِهَا أَيْضًا يَنْفَعُ

مِنْ لَسْعِ الْأَفَاعِي وَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ ، وَإِذَا اُكْتُحِلَ بِمَائِهَا يَنْفَعُ مِنْ الْغِشَاوَةِ ، وَإِذَا صُبَّ عَلَى مَائِهَا الزَّيْتُ خَلَّصَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْقَتَّالَةِ كُلِّهَا ، وَلَبَنُ الْهِنْدَبَا قَالَ بَعْضُهُمْ : الْبَرِّيُّ يَجْلُو بَيَاضَ الْعَيْنِ ، وَالْهِنْدَبَا بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَتَصْلُحُ بِالرَّشَادِ فَصْلٌ ( وَ ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْوَرْسِ فِي فَصْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي مُدَاوَاةِ ذَاتِ الْجَنْبِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْوَشْمَةِ وَالْكَتْمِ .

فَصْلٌ ( فِي إصَابَةِ الْعَيْنِ وَمَا يَنْفَعُ فِيهَا ) .
وَإِنْ أَصَابَ زَيْدٌ عَمْرًا بِالْعَيْنِ غَسَلَ زَيْدٌ وَجْهَهُ ، وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَصَبَّهُ عَلَى عَمْرٍو .
قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَامِرَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِذَلِكَ فَفَعَلَ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ثُمَّ لِيُلْقِ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَدَاخِلَةُ إزَارِهِ قِيلَ : فُرْجَةٌ وَقِيلَ : طَرَفُ إزَارِهِ الدَّاخِلِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَقِيلَ : بَلْ يَغْتَسِلُ الْعَائِنُ غُسْلًا كَامِلًا يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَعِينِ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ ، وَهَذَا مِنْ الطِّبِّ الشَّرْعِيِّ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ثَمَّ خَوَاصُّ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ هَذَا وَلَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَنْفَعُ مِثْلُ هَذَا غَالِبًا إلَّا مَنْ أَخَذَهُ بِقَبُولٍ وَاعْتِقَادٍ حَسَنٍ لَا مَعَ شَكٍّ وَتَجْرِبَةٍ .
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي الْخَبَرِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّظَ عَلَى عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَا بَرَّكْتَ

؟ } فَمَنْ خَافَ أَنْ يَضُرَّ غَيْرَهُ فَلْيَقُلْ ذَلِكَ وَكَانَ عُرْوَةُ إذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ } .
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ فِي أَهْلٍ وَلَا مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَقُولُ : مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ الْمَوْتِ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ } لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ " فِي نَفْسِهِ " .
وَهَذَا الْحَدِيثُ صَادِقٌ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ .
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا } ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْعَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَنَصْرَهُمْ عَلَيْهِمْ فَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُعَالَجُ الْمَعِينُ مَعَ ذَلِكَ بِالرُّقَى مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ وَلْيَحْتَرِزْ الْحَسَنُ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحَسَدِ بِتَوْحِيشِ حُسْنِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ فَقَالَ دَسِّمُوا نُونَتَهُ قَالَ ثَعْلَبٌ أَرَادَ بِالنُّونَةِ النُّقْرَةَ الَّتِي فِي ذَقَنِهِ ، وَالتَّدْسِيمُ التَّسْوِيدُ ، أَرَادَ

سَوِّدُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ ذَقَنِهِ لِيَرُدَّ الْعَيْنَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ دَسْمَاءُ أَيْ سَوْدَاءُ } وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الشَّاعِرُ قَوْلَهُ : مَا كَانَ أَحْوَجَ ذَا الْكَمَالِ إلَى عَيْبٍ يُوَقِّيهِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ عُثْمَانَ وَفَسَّرَهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ وَالدَّلِيلِ وُجُوبُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَلِلْإِمَامِ حَبْسُ الْعَائِنِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ حَتَّى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُفَّ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ ، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَكَفِّ الْأَذَى وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْبِسْهُ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لِلْوَالِي فِعْلُهُ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ لَا لِلْقَاضِي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ ، وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَبِرِزْقِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ وَالْعُلَمَاءُ بِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنْ الْمَوَاشِي الَّتِي يُؤْمَرُ بِتَغْرِيبِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا أَحَدٌ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ : هَذَا صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ .
وَهَلْ تَنْبَعِثُ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ لَا تُرَى مِنْ الْعَيْنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ أَمْ لَا بُدَّ تَنْبَعِثُ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ فَيَتَضَرَّرُ كَمَا قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى إنْسَانٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ

لَا يَتَوَقَّفُ التَّأْثِيرُ عَلَى الرُّؤْيَةِ فَقَدْ يُوصَفُ لِلْأَعْمَى الشَّيْءُ فَتُؤَثِّرُ نَفْسُهُ فِيهِ ؟ وَقَدْ يَعِينُ الْإِنْسَانُ بِإِرَادَتِهِ وَقَدْ يَعِينُ بِطَبْعِهِ وَهُوَ أَرْدَأُ ، وَهَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ وَالْفَسَادُ بِهَا أَمْ عِنْدَهَا ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْأَسْبَابِ ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ .
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ : الْقَوْلُ بِالْعَدْوَى إضَافَةُ الدَّاءِ إلَى التَّوَلُّدِ وَأَنَّ الْفَاسِدَ وُلِدَ فَاسِدًا وَفِي الْهَوَاءِ فِي الذَّاتِ السَّلِيمَةِ .
وَالْعَيْنُ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ وَلَا فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهِ وَنَظَرِهِ فَسَادُ صَالِحٍ وَلَا مَوْتُ حَيٍّ وَلَا يُنْسَبُ ذَلِكَ إلَّا إلَى اللَّهِ .
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكُلِّ حَادِثٍ مِنْ فَسَادِ الْأَجْسَادِ وَمِنْ صَلَاحِهَا وَأَنَّهُ يُحْدِثُ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ أَوْ مُقَارَنَتِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا يُولَدُ وَلَا يُحْدِثُ فَسَادًا وَلَا صَلَاحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَتَوَجَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ غَالِبًا وَقَصَدَ الْجِنَايَةَ فَعَمْدٌ .
وَإِنْ قَصَدَهَا وَلَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِلَّا فَخَطَأٌ يَضْمَنُهُ ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْعَيْنَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : دَوَاءُ إصَابَةِ الْعَيْنِ أَنْ يَقْرَأَ الْآيَةَ يَعْنِي : قَوْلَهُ : { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } وَلَمَّا كَانَ الْحَاسِدُ أَعَمَّ مِنْ الْعَائِنِ كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ اسْتِعَاذَةً مِنْ الْعَائِنِ وَنَفْسُهُمَا خَبِيثَةٌ تَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ نَحْوَ الْمَحْسُودِ وَالْمَعِينِ ، فَإِنْ صَادَفَتْهُ مُتَحَصِّنًا بِالطِّبِّ الشَّرْعِيِّ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ وَرُبَّمَا رُدَّ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَثَّرَ فِيهِ كَالرَّمْيِ

الْحِسِّيِّ ، وَإِنْ لَمْ تُصَادِفْهُ مُتَحَصِّنًا أَثَّرَتْ فِيهِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ عَلَّقَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ عَلَى حَيَوَانٍ وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْحَيَوَانُ طَاهِرًا كُرِهَ ذَلِكَ .
وَفِي التَّحْرِيمِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْثُورٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ وَمُلَابَسَةِ الْأَنْجَاسِ وَالْأَقْذَارِ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمْ لَهُمْ مَنْ يَصُونُهُمْ ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ يُقَالُ سِمَةُ الْإِمَامِ سَائِمَةُ الزَّكَاةِ بِكِتَابِ اللَّهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ تَزُولُ بِكِتَابَةِ ذَلِكَ زَكَاةً .

فَصْلٌ ( فِي خَوَاصِّ جَوَازِ قَطْعِ الْحَيْضِ وَالنَّسْلِ بِالدَّوَاءِ ) .
نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ فِي الْمَرْأَةِ تَشْرَبُ الدَّوَاءَ يَقْطَعُ عَنْهَا دَمَ الْحَيْضِ : إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ دَوَاءً يُعْرَفُ قَالَ الْقَاضِي : أَكْثَرُ مَا فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَهَذَا جَائِزٌ بِدَلِيلِ الْعَزْلِ عَنْ النِّسَاءِ قَالَ : وَذَاكَرْتُ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعًا لِلنَّسْلِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهَا إنْ شَرِبَتْ مَا تَحِيضُ بِهِ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَنْ لَهَا غَرَضٌ فِي قَصْرِ عِدَّتِهَا لِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ بِعَارِضٍ .

فَصْلٌ : قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْتُ رَجُلًا يَشْكُو إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنِّي أَجِدُ ضِرْبَانًا فِي إبْهَامِي ؟ فَقَالَ هَذَا تُخَمَةُ الْمَاءِ وَأَرَى أَنْ تُقِلَّ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ بِاللَّيْلِ قَالَ الْقَاضِي : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْ الطِّبِّ وَعَلَى جَوَازِ الطِّبِّ وَفِيمَا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَصَابَكَ بِمَكَّةَ اسْتِرْخَاءُ الرُّكَبِ حَتَّى مَا قَدِرْتَ تَمْشِي ؟ فَقَالَ : إنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا اسْتَعْذَبُوا الْمَاءَ أَصَابَهُمْ هَذَا .
وَفِي مَعْنَاهُ مَا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ كُنْتُ أَكْبِسُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخُبْزَ فِي الْقَدَحِ وَأَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَكَانَ يَأْكُلُهُ ، وَيَشْرَبُ مَاءَ الْخُبْزِ قَالَ : هُوَ يُقَوِّي .

فَصْلٌ ( فِي النُّشْرَةِ وَهُوَ مَاءٌ يُرْقَى وَيُتْرَكُ تَحْتَ السَّمَاءِ وَيُغْسَلُ بِهِ الْمَرِيضُ ) .
قَالَ جَعْفَرٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : يُكْرَهُ هَذَا كُلُّهُ ، وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا { أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : وَرَأَيْتُ فِي مَسَائِلِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ وَهْبٍ وَذَكَرَهُ كَمَا سَبَقَ إبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ ثِقَةٌ لَعَلَّهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ النُّشْرَةُ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ التَّعْزِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَنْشُرُ عَنْ صَاحِبِهَا أَيْ : تُجْلِي عَنْهُ وَأَجَازَهَا الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ : النُّشْرَةُ حَلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ السِّحْرَ ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ : لَا يُطْلِقُ السِّحْرَ إلَّا سَاحِرٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَلِّ الْعُقَدِ وَالنُّشُرِ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يُطْلِقُ السِّحْرَ عَنْ الْمَسْحُورِ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ ، وَالرُّقَى ، وَالنُّشُرَ .

فَصْلٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَنْ كَانَ هَارِبًا مِنْ عَدُوِّهِ فَلْيَكْتُبْ بِسَوْطِهِ بَيْنَ أُذُنَيْ دَابَّتِهِ : { لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } .
أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ .

فَصْلٌ ( فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ وَالْعَوْذِ وَالْعَزَائِمِ وَمَا وَرَدَ فِي كَوْنِهَا شِرْكًا ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وَفِي الصَّحِيحِ { هُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ } وَذَكَرَهُ وَفِيهِمَا عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقِي ، وَأَنَّهُ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، وَأَنَّهُ كَانَ يَنْفُثُ بِالْمُعَوِّذَاتِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ، قَالَتْ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا ، فَإِنَّهُ كَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ بِكَفِّهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدُهُ مِنْ جَسَدِهِ ، قَالَتْ : فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَوْ أَمَرَ أَنْ تَسْتَرِقَ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَقَالَتْ لَهُ زَيْنَبُ امْرَأَتُهُ : لِمَ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِيهَا فَكَانَ إذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ ؟ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَيْتهَا كَفَّ عَنْهَا ، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا } .
وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ { وَالتُّوَلَةُ شِرْكٌ قُلْتُ : فَإِنِّي خَرَجْتُ يَوْمًا فَأَبْصَرَنِي فُلَانٌ فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ قَالَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ إذَا أَطَعْتِيهِ تَرَكَكِ ، وَإِذَا عَصَيْتِيهِ طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي عَيْنَيْكِ ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلْتِ كَمَا

فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَيْرًا لَكِ وَأَجْدَرَ أَنْ تَسْتَشْفِيَ تَنْضَحِينَ فِي عَيْنِكِ الْمَاءَ ثُمَّ تَقُولِينَ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ } التُّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : هُوَ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : التَّمِيمَةُ عُوذَةٌ تُعَلَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَيُقَالُ : هِيَ خَرَزَةٌ ، وَأَمَّا الْمُعَاذَاتُ إذَا كُتِبَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ : التَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ فَأَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ حَدِيثَ عُمَرَ وَمَا أُبَالِي " وَحَدِيثَ مَنْ يُعَلِّقْ تَمِيمَةً " كَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَمَامُ الدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا شِرْكًا ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا دَفْعَ الْمَقَادِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ ، وَطَلَبُوا دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دَافِعُهُ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا أَوْدَعَ اللَّهُ لَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ } وَالْوَدَعُ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ جَمْعُ وَدَعَةٍ وَهِيَ شَيْءٌ أَبْيَضُ يُجْلَبُ مِنْ الْبَحْرِ يُعَلَّقُ فِي حُلُوقِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ، ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا مَخَافَةَ الْعَيْنِ ، وَقَوْلُهُ " لَا أَوْدَعَ اللَّهُ لَهُ " أَيْ لَا جَعَلَهُ فِي دَعَةٍ وَسُكُونٍ .
وَقِيلَ : هُوَ لَفْظٌ مَبْنِيٌّ مِنْ الْوَدَعَةِ أَيْ لَا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَخَافُهُ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَا أُبَالِي مَا رَكِبْتُ وَمَا

أَتَيْتُ إذَا أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً .
وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ يَعْنِي : التِّرْيَاقَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ .
أَمَّا شُرَحْبِيلُ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ أَيُّوبَ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ : فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ قَالَ الْقَاضِي : فَشَبَّهَ تَعْلِيقَ التَّمِيمَةِ بِمَثَابَةِ أَكْلِ التِّرْيَاقِ وَقَوْلِ الشِّعْرِ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ وَرَوَى وَكِيعٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَيْنِيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ : مَا هَذَا قَالَ : مِنْ الْوَاهِنَةِ فَقَالَ انْزِعْهَا ، فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إلَّا وَهْنًا } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي : عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : إنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ شِرْكٌ فَاجْتَنِبُوهَا .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ .
وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعَلِّقَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَلَمَسَ عَضُدَهُ فَإِذَا فِيهِ خَيْطٌ فَقَالَ : مَا هَذَا قَالَ : شَيْءٌ رُقِيَ لِي فِيهِ فَقَطَعَهُ وَقَالَ : لَوْ مِتَّ وَهُوَ عَلَيْكَ مَا صَلَّيْتُ عَلَيْك ، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ اُتْفُلْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلَا تُعَلِّقْ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعَلِّقُوا شَيْئًا مِنْ

الْقُرْآنِ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ الْقُرْآنِ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ وَضْعُ التَّمِيمَةِ مِنْ الْقُرْآنِ شِرْكٌ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ الْإِنْسَانِ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ .
وَخَبَرُ ابْنُ عُكَيْمٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ وَهُوَ مَرِيضٌ نَعُودُهُ فَقِيلَ : لَهُ لَوْ تَعَلَّقْتَ شَيْئًا فَقَالَ : أَتَعَلَّقُ شَيْئًا وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ بَعْضُهُمْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَخَبَرُ عِمْرَانَ الْمُتَقَدِّمُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَحْمَدُ ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا الْمُبَارَكُ عَنْ الْحَسَنِ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ { فَأَنْتَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ الْمُبَارَكِ وَالْمُبَارَكُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ } قَالَ فِي الْمِيزَانِ : لَا يَصِحُّ لِلِينِ عَبَّادِ وَلِانْقِطَاعِهِ ، كَذَا قَالَ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ .
وَالْمَوْضُوعُ الَّذِي نَهَى عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ النَّافِعَةُ لَهُ أَوْ الدَّافِعَةُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الدَّافِعُ ، وَلَعَلَّ هَذَا خَرَجَ

عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَّ تِلْكَ الرُّقَى كَانَتْ نَافِعَةً دَافِعَةً كَمَا يَعْتَقِدُونَ وَأَنَّ الدَّهْرَ يَضُرُّهُمْ فَكَانُوا يَسُبُّونَ الدَّهْرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي : إذَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ الْبَلَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَذَا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلٍ تُبَاحُ الْحُقْنَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ هُوَ الصَّوَابُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ فِي الرُّقَى .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ فِي الرُّقْيَةِ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إذَا كَانَتْ حُمَّى الرِّبْعِ فَلْيُؤْخَذْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْ سَمْنٍ وَرُبْعٌ مِنْ لَبَنٍ .

فَصْلٌ ( فِي الْمُعَالَجَةِ بِالْحِجَامَةِ وَالْعَسَلِ وَالْكَيِّ وَالْمُسَهِّلَاتِ ) .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ ، فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُتَّفَقٌ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَدَلَ { وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { أَنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ ، وَاللَّدُودُ ، وَالْحِجَامَةُ ، وَالْمَشْيُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
السَّعُوطُ مَا يُسْعَطُ بِهِ فِي الْأَنْفِ وَسَبَقَ مَعْنَى اللَّدُودِ فِي فَصْلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَالْمَشْيُ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِسْهَالِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلٍ عَنْ أَسْمَاءَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : أَمْرَاضُ الِامْتِلَاءِ دَمَوِيَّةٌ أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ ، أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ : فَالدَّمَوِيَّةُ شِفَاؤُهَا إخْرَاجُ الدَّمِ وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ شِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ الَّذِي يَلِيقُ بِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا .
وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ .
وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى الْفَصْدِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنْ كَانَ الْمَرَضُ حَارًّا عَالَجْنَاهُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِفْرَاغًا لِلْمَادَّةِ وَتَبْرِيدًا لِلْمِزَاجِ ، وَإِنْ كَانَ بَارِدًا عَالَجْنَاهُ بِالتَّسْخِينِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْعَسَلِ ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى اسْتِفْرَاغِ الْمَادَّةِ الرَّطْبَةِ فَالْعَسَلُ أَيْضًا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْإِنْضَاجِ وَالتَّقْطِيعِ وَالتَّلْطِيفِ وَالْجَلَاءِ وَالتَّلْيِينِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ اسْتِفْرَاغُ تِلْكَ الْمَادَّةِ بِرِفْقٍ وَأَمْنٍ مِنْ نَكَبَاتِ الْمُسَهِّلَاتِ الْقَوِيَّةِ .
وَأَمَّا الْكَيُّ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ إنْ كَانَ حَادِثًا كَانَ سَرِيعَ الِانْقِضَاءِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُزْمِنًا فَأَفْضَلُ عِلَاجِهِ بَعْدَ الِاسْتِفْرَاغِ الْكَيُّ فِي

الْأَعْضَاءِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْكَيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُزْمِنًا إلَّا عَنْ مَادَّةٍ رَطْبَةٍ غَلِيظَةٍ قَدْ رَسَخَتْ فِي الْعُضْوِ وَأَفْسَدَتْ مِزَاجَهُ وَأَحَالَتْ جَمِيعَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَى مُشَابَهَةِ جَوْهَرِهَا فَيَشْتَغِلُ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ فَيُسْتَخْرَجُ بِالْكَيِّ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِيهِ يَأْخُذُ الْجُزْءَ النَّارِيَّ الْمَوْجُودَ بِالْكَيِّ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ جَمِيعِهَا ، وَهِيَ إمَّا حَارَّةٌ أَوْ بَارِدَةٌ أَوْ رَطْبَةٌ أَوْ يَابِسَةٌ أَوْ مَا تَرَكَّبَ مِنْهَا فَهَذِهِ كَيْفِيَّاتٌ أَرْبَعُ فَالْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ فَاعِلَتَانِ ، وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ مُنْفَعِلَتَانِ ، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ } مُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ السَّاذَجَةِ الَّتِي لَا مَادَّةَ لَهَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَطْلَقَ بَطْنَهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا ، وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ اسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ : صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ أَخِي عَرِبَ بَطْنُهُ أَيْ فَسَدَ هَضْمُهُ وَاعْتَلَّتْ مَعِدَتُهُ وَالِاسْمُ الْعَرَبُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالذَّرْبُ أَيْضًا وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " صَدَقَ اللَّهُ " هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } يَرْجِعُ إلَى الْعَسَلِ .
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَرَضٍ وَقَالَ السُّدِّيُّ فِيهِ شِفَاءٌ لِلْأَوْجَاعِ الَّتِي شِفَاؤُهَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَالْغَالِبُ فِي الْعَسَلِ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِي الْأَدْوَاءِ فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْ آحَادَ الْمَرْضَى فَقَدْ وَافَقَ الْأَكْثَرِينَ ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْعَرَبِ الْمَاءُ حَيَاةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ نَرَى مَنْ يَقْتُلُهُ الْمَاءُ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى الْأَغْلَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْعَسَلُ جِلَاءٌ لِلْوَسَخِ الَّذِي فِي الْعُرُوقِ وَالْأَمْعَاءِ وَغَيْرِهَا مُحَلِّلُ الْمَرْطُوبَاتِ أَكْلًا وَطِلَاءً نَافِعٌ لِلْمَشَايِخِ وَأَصْحَابِ الْبَلْغَمِ وَمَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ رَطْبٌ ، مُغَذٍّ مُلَيِّنٌ لِلطَّبِيعَةِ حَافِظٌ لِقُوَى الْمَعَاجِينِ وَلِمَا اُسْتُوْدِعَ فِيهِ مُذْهِبٌ لِكَيْفِيَّاتِ الْأَدْوِيَةِ الْكَرِيهَةِ ، مُنَقٍّ لِلْكَبِدِ وَالصَّدْرِ ، مُدِرٍّ لِلْبَوْلِ مُوَافِقٌ لِلسُّعَالِ عَنْ بَلْغَمٍ ، وَشُرْبُهُ حَارًّا بِدُهْنِ وَرْدٍ يَنْفَعُ مِنْ نَهْشِ الْهَوَامِّ وَشُرْبِ الْأَفْيُونِ ، وَشُرْبُهُ وَحْدَهُ مَمْزُوجًا بِمَاءٍ يَنْفَعُ مِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ وَأَكْلِ الْفِطَرِ الْقَتَّالِ .
وَإِذَا جُعِلَ فِيهِ اللَّحْمُ الطَّرِيُّ حَفِظَ طَرَاوَتَهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، وَكَذَا إنْ جُعِلَ فِيهِ الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْقَرْعُ وَالْبَاذِنْجَانُ ، وَيَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَيَحْفَظُ جُثَثَ الْمَوْتَى وَيُسَمَّى الْحَافِظُ الْأَمِينُ ، وَإِذَا لُطِّخَ بِهِ الْبَدَنُ الْمُقَمَّلُ وَالشَّعْرُ قَتَلَ قَمْلَهُ وَصِئْبَانَهُ وَطَوَّلَ الشَّعْرَ وَحَسَّنَهُ وَنَعَّمَهُ ، وَإِنْ اُكْتُحِلَ بِهِ جَلَا ظُلْمَةَ الْبَصَرِ ، وَإِنْ اُسْتُنَّ بِهِ بَيَّضَ الْأَسْنَانَ وَصَقَلَهَا وَحَفِظَ صِحَّتَهَا وَصِحَّةَ اللِّثَةِ ، وَيَفْتَحُ أَفْوَاهَ الْعُرُوقِ وَيُدِرُّ الطَّمْثَ .
وَلَعْقُهُ عَلَى الرِّيقِ يُذِيبُ الْبَلْغَمَ ، وَيَغْسِلُ خَمْلَ الْمَعِدَةِ ، وَيَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ عَنْهَا وَيُسَخِّنُهَا تَسْخِينًا مُعْتَدِلًا وَيَفْتَحُ سُدَدَهَا ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْكَبِدِ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا لِسُدَدِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ وَهُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ ، وَيَضُرُّ بِالْعَرْضِ الصَّفْرَاوِيَّيْنِ يَنْدَفِعُ ضَرَرُهُ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ

فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ نَافِعًا لَهُمْ جِدًّا ، وَهُوَ غِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَشَرَابٌ وَحُلْوٌ وَطِلَاءٌ وَمُفَرِّحٌ ، فَمَا خُلِقَ لَنَا شَيْءٌ فِي مَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَمْ يُعَوِّلْ الْقُدَمَاءُ إلَّا عَلَيْهِ ، وَالسُّكَّرُ حَدِيثُ الْعَهْدِ وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ اعْتَادَ الْعَسَلَ وَلَمْ يَعْتَدْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ فَلَا تُلَائِمُهُ وَالْعَادَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الطِّبِّ .
قَالَ ابْنُ زُهَيْرٍ : الْعَسَلُ أَلْطَفُ مِنْ السُّكَّرِ وَأَسْرَعُ نُفُوذًا وَأَقْوَى تَلْطِيفًا لِلْأَخْلَاطِ وَهُوَ يَمِيلُ بِجَوْهَرِهِ إلَى اللَّطَافَةِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ طَلٌّ وَالسُّكَّرُ يَمِيلُ بِجَوْهَرِهِ إلَى الْكَثَافَةِ وَالْأَرْضِيَّةِ وَلَا يَبْلُغُ السُّكَّرُ دَرَجَتَهُ فِي جَلَائِهِ وَتَلْطِيفِهِ ، وَأَجْوَدُ الْعَسَلِ أَصْفَاهُ وَأَبْيَضُهُ وَأَلْيَنُهُ حِدَّةً وَأَحْلَاهُ وَهُوَ بِحَسَبِ مَرْعَى نَحْلِهِ ، وَفَضَّلَ بَعْضُ النَّاسِ السُّكَّرَ عَلَى الْعَسَلِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ حَرَارَةً وَهُوَ رَطْبٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَمَنَافِعُ الْعَسَلِ أَضْعَافُ مَنَافِعِ السُّكَّرِ ، وَفِي الْخَبَرِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ الْعَسَلَ بِالْمَاءِ عَلَى الرِّيقِ } .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَالِمٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ الزُّبَيْرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ مَرْفُوعًا { مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ } وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ { عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ } .
وَوَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ الَّذِي اسْتَطْلَقَ بَطْنَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ تُخْمَةٍ عَنْ امْتِلَاءٍ لِيَدْفَعَ الْفُضُولَ الْمُجْتَمِعَةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جِلَاءً وَدَفْعًا لِلْفُضُولِ وَكَانَ قَدْ أَصَابَ الْمَعِدَةَ أَخْلَاطٌ لَزِجَةٌ تَمْنَعُ اسْتِفْرَاغَ الْغِذَاءِ فِيهَا لِلُزُوجَتِهَا ، فَإِنَّ الْمَعِدَةَ لَهَا خَمْلٌ كَخَمْلِ الْمُنَشِّفَةِ وَإِذَا عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاطُ اللَّزِجَةُ أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتْ

الْغِذَاءَ فَدَوَاؤُهَا بِمَا يَجْلُوهَا مِنْ تِلْكَ الْأَخْلَاطِ وَالْعَسَلُ مِنْ أَحْسَنِهِ لَا سِيَّمَا إنْ مُزِجَ بِمَاءٍ حَارٍّ ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ سَقْيَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ حَالِ الدَّاءِ إنْ قَصُرَ لَمْ يُزِلْهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنْ جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَى فَلَمَّا كَرَّرَ السَّقْيَ بِحَسَبِ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ .
وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : مَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لَا يُعْدَلُ إلَى الدَّوَاءِ ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لَا يُعْدَلُ إلَى الْمُرَكَّبِ .
وَكُلُّ دَاءٍ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغِذَاءٍ أَوْ حِمْيَةٍ لَمْ يُحَاوَلْ دَفْعُهُ بِدَوَاءٍ وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : { فِيهِ شِفَاءٌ } .
يَرْجِعُ إلَى الِاعْتِبَارِ وَالشِّفَاءُ بِمَعْنَى الْهُدَى قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَعُودُ إلَى الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَفِيهَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ يَأْتِي بَعْضُهَا فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ فِي فِعْلِهَا وَفَضْلِهَا وَوَقْتِهَا وَفِيهَا فِعْلًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلًا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ تُوَافِقُ مَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهَا أَنْفَعُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَمَا يَلِيهِ مِنْ الرُّبْعِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ حِينَئِذٍ تَكُونُ هَائِجَةً بَائِغَةً فِي تَزَيُّدِهَا لِتَزَيُّدِ النُّورِ فِي جِرْمِ الْقَمَرِ ، يُقَالُ : تَبَوَّغَ بِهِ الدَّمُ وَتَبَغَ بِهِ أَيْ هَاجَ بِهِ ، وَيُقَالُ : أَصْلُهُ يَبْتَغِي مِنْ الْبَغْيِ فَقُلِبَ مِثْلَ جَذَبَ وَجَبَذَ ، هَذَا فِيمَا إذَا فُعِلَ احْتِيَاطًا تَحَرُّزًا مِنْ الْأَذَى وَحِفْظًا لِلصِّحَّةِ .
وَفِي هَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ : يُفْعَلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ ، وَيَجِبُ تَوْقِيتُهَا بَعْدَ الْحَمَّامِ إلَّا فِيمَنْ دَمُهُ غَلِيظٌ ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِمَّ ثُمَّ يَتَوَقَّفَ سَاعَةً ثُمَّ يَحْتَجِمَ ، قَالُوا : وَتُكْرَهُ عَلَى الشِّبَعِ ، فَإِنَّهَا رُبَّمَا أَوْرَثَتْ سَدَادًا أَوْ أَمْرَاضًا رَدِيئَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْغِذَاءُ رَدِيئًا غَلِيظًا وَفِي أَثَرٍ : الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ

دَوَاءٌ وَعَلَى الشِّبَعِ دَاءٌ ، وَفِي سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ شِفَاءٌ .
فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَتَنْفَعُ كُلَّ وَقْتٍ ، وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا .
قَالَ الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ قَالَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْتَجِمُ أَيَّ وَقْتٍ هَاجَ بِهِ الدَّمُ وَأَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَرَاهَةَ الْحِجَامَةِ فِي القمحدوة بِزِيَادَةِ الْمِيمِ مَا خَلْفَ الْقَفَا وَالْجَمْعُ قَمَاحِدُ ، وَلِهَذَا رَخَّصَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَلْقِ الْقَفَا وَقْتَ الْحِجَامَةِ .
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِالْحِجَامَةِ ، فَإِنَّهَا تَشْفِي مِنْ خَمْسَةِ أَدْوَاءٍ } ذَكَرَ مِنْهَا الْجُذَامَ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دَاءً } وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ .
وَإِنَّهَا تَنْفَعُ مِنْ جَحْظِ الْعَيْنِ وَالسُّوءِ الْعَارِضِ فِيهَا وَمِنْ ثِقَلِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْجَفْنِ وَجَرَبِهِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْقَانُونِ وَقَالَ : إنَّهَا تُورِثُ النِّسْيَانَ حَقًّا كَمَا قَالَهُ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَصَاحِبُ شَرِيعَتِنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ مَوْضِعُ الْحِفْظِ } .
وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُعْرَفُ ، وَإِنَّمَا تُضْعِفُ الْحِجَامَةُ مُؤَخَّرَ الدِّمَاغِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ .
وَرُوِيَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ احْتَاجَ إلَيْهَا فَاحْتَجَمَ فِي جَانِبَيْ قَفَاهُ وَلَمْ يَحْتَجِمْ فِي النُّقْرَةِ ، وَمَتَى اُسْتُعْمِلَتْ الْحِجَامَةُ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ تَحَرُّزًا وَاحْتِيَاطًا فَقَدْ كَرِهَهَا أَحْمَدُ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ يَعْنِي : الْبَرَصَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } مِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُسْنَدًا وَلَا يَصْلُحُ ،

وَتُوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إنَّ فِيهِ سَاعَةً لَا يَرْقَأُ فِيهَا الدَّمُ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { احْتَجِمُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجْتَنِبُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ ، وَيَوْمَ الْأَحَدِ وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ إسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ أَبِي دَاوُد عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ ، وَالْحِجَامَةُ تُنَقِّي سَطْحَ الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ الْفَصْدِ ، وَالْفَصْدُ لِأَعْمَاقِ الْبَدَنِ أَفْضَلُ وَالْحِجَامَةُ أَفْضَلُ فِي بَلَدٍ حَارٍّ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ زَمَانٍ وَسِنٍّ وَالْفَصْدُ بِالْعَكْسِ .
وَالْحِجَامَةُ تَفْرِيقٌ اتِّصَالِيٌّ إرَادِيٌّ يَتْبَعُهُ اسْتِفْرَاغٌ كُلِّيٌّ مِنْ الْعُرُوقِ وَخَاصَّةً الْعُرُوقُ الَّتِي تُفْصَدُ كَثِيرًا ، وَلِفَصْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَفْعٌ خَاصٌّ ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ ، فَفَصْدُ الْبَاسْلِيقِ يَنْفَعُ مِنْ حَرَارَةِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَوَرَمٍ فِيهِمَا مِنْ الدَّمِ وَمِنْ وَرَمِ الرِّئَةِ وَالشَّوْصَةِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الدَّمَوِيَّةِ الْعَارِضَةِ مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إلَى الْوَرِكِ ، وَفَصْدُ الْأَكْحَلِ يَنْفَعُ مِنْ الِامْتِلَاءِ الدَّمَوِيِّ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ وَمِنْ الدَّمِ الْفَاسِدِ فِي الْبَدَنِ .
وَفَصْدُ الْقِيفَالِ يَنْفَعُ مِنْ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ فِي الرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ وَإِفْسَادِهِ ، وَفَصْدُ الْوَدَجَيْنِ يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الطِّحَالِ وَالرَّبْوِ وَالْبَهَقِ وَوَجَعِ الْجَبِينِ .
وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْكَاهِلِ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ

الْمَنْكِبِ وَالْحَلْقِ وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْأَخْدَعَيْنِ تَنْفَعُ مِنْ أَمْرَاضِ الرَّأْسِ وَأَجْزَائِهِ كَالْوَجْهِ وَالْأَسْنَانِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْحَلْقِ إذَا كَانَ حُدُوثُ ذَلِكَ عَنْ كَثْرَةِ الدَّمِ أَوْ فَسَادِهِ .
وَالْحِجَامَةُ تَحْتَ الذَّقَنِ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَالْوَجْهِ وَالْحُلْقُومِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي وَقْتِهَا وَتُنَقِّي الرَّأْسَ وَالْكَتِفَيْنِ .
وَالْحِجَامَةُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ تَنُوبُ عَنْ فَصْدِ الصَّافِنِ وَهُوَ عِرْقٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الْكَعْبِ وَتَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَانْقِطَاعِ الطَّمْثِ وَالْحَكَّةِ الْعَارِضَةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ .
وَالْحِجَامَةُ عَلَى أَسْفَلِ الصَّدْرِ نَافِعَةٌ مِنْ دَمَامِيلِ الْفَخِذِ وَجَرَبِهِ وَبُثُورِهِ مِنْ النِّقْرِسِ وَالْبَوَاسِيرِ وَالْقِيلِ وَلِحَكَّةِ الظَّهْرِ .

فَصْلٌ ( فِي أَخْبَارِ أَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَمُعَالَجَةِ السُّمِّ ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَرَدْتُ لِأَقْتُلكَ قَالَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ قَالُوا : أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ : لَا فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ : فَسَأَلَهَا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ مَا زَالَ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ } .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فَقَالَ اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا فَقَالَ لَهُمْ : إنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي إنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ .
فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَبُوكُمْ فَقَالُوا أَبُونَا فُلَانٌ .
فَقَالَ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ قَالُوا صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ .
فَقَالَ لَهُمْ : هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا .
فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَهْلُ النَّارِ فَقَالُوا : نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا .
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَئُوا فِيهَا وَاَللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إنْ سَأَلْتُكُمْ

عَنْهُ فَقَالُوا : نَعَمْ .
فَقَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ سُمًّا فَقَالُوا نَعَمْ .
فَقَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا : أَرَدْنَا إنْ كُنْتَ كَذَّابًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ } .
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً بِخَيْبَرَ فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَمْسِكُوا ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ : هَلْ سَمَّيْتِ هَذِهِ الشَّاةِ ؟ قَالَتْ : مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا قَالَ : هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا وَهُوَ فِي يَدِهِ .
قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ : لِمَ ؟ قَالَتْ : أَرَدْتُ إنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ قَالَ : فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ ثَلَاثَةً عَلَى الْكَاهِلِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا فَمَاتَ بَعْضُهُمْ } ، وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى { فَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنْ الشَّاةِ حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ وَهُوَ مَوْلَى لِبَنِي بَيَاضَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ : مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنْ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنِّي فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا قَالَهُ ابْنُ عُقْبَةَ وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا .
ا هـ } اللَّهَوَاتُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ جَمْعُ لَهَاةٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ اللُّحْمَةُ الْحَمْرَاءُ الْمُعَلَّقَةُ فِي أَصْلِ الْحَنَكِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ ، وَقِيلَ : اللُّحْمَاتُ اللَّوَاتِي فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ .
وَقَوْلُهُ " مَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا " أَيِّ الْعَلَامَةَ كَأَنَّهُ بَقِيَ لِلسُّمِّ عَلَامَةٌ وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ

إذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ وَهُمَا أَبْهَرَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ الْقَلْبِ ثُمَّ يَتَشَعَّبُ مِنْهُمَا سَائِرُ الشَّرَايِينِ .
وَهَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ ، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَهِيَ امْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ قَتَلَهَا .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : أَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ مَعْمَرٌ : وَالنَّاسُ يَقُولُونَ قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَ ابْنُ سَحْنُونٍ إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهَا .
وَقَالَ جَابِرٌ : قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَتَلَهَا لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهَا إلَى أَوْلِيَاءِ بِشْرِ بْنِ مَعْرُورٍ وَكَانَ أَكَلَ مِنْهَا فَمَاتَ فَقَتَلُوهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا فِي الْحَالِ ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ سَلَّمَهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَقَتَلُوهَا قِصَاصًا } فَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ .

وَمُعَالَجَةُ السُّمِّ بِاسْتِفْرَاغٍ أَوْ دَوَاءٍ يُعَارِضُ فِعْلَهُ وَيُبْطِلُهُ بِكَيْفِيَّتِهِ أَوْ بِخَاصِّيَّتِهِ وَإِنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ فَالِاسْتِفْرَاغُ الْكُلِّيُّ ، وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ حَرِّ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ ، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي فِي الدَّمِ فَتُبْعَثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إلَى الْقَلْبِ فَيَكُونُ الْهَلَاكُ فَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ خَرَجَ مَعَهُ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا ذَهَبَ السُّمُّ أَوْ تَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ .
وَإِنَّمَا احْتَجَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْكَاهِلِ وَهُوَ الْحَارِكُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مَقْدِمُ أَعْلَى الظَّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ حَجْمُهُ إلَى الْقَلْبِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ وَالْكَاهِلِ وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ } وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ مَنْ احْتَجَمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ } .
وَالْمُرَادُ دَاءٌ سَبَبُهُ غَلَبَةُ الدَّمِ وَكَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ أَهْرَاقَ مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { نِعْمَ الدَّوَاءُ الْحِجَامَةُ تُذْهِبُ الدَّمَ وَتُجَفِّفُ الصُّلْبَ وَتَجْلُو عَنْ الْبَصَرِ } وَقَالَ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا قَالُوا عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ } وَقَالَ { إنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ قَالَ { إنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ ، فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَتَدَاوَوْنَ بِهِ خَيْرٌ فَفِي الْحِجَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَعِنْدَهُ " مِمَّا تَدَاوَيْتُمْ " وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَجْمِ { هُوَ خَيْرُ مَا تَدَاوَى بِهِ النَّاسُ } وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا أَمَرُوهُ أَنْ مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ } .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَلَمَّا احْتَجَمَ مِنْ السُّمِّ بَقِيَ أَثَرُهُ مَعَ ضَعْفِهِ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَكْمِيلَ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ وَظَهَرَ سِرُّ قَوْله تَعَالَى : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } ، فَجَاءَ ( كَذَّبْتُمْ ) بِالْمَاضِي لِوُقُوعِهِ وَجَاءَ ( تَقْتُلُونَ ) بِالْمُسْتَقْبَلِ لِتَوَقُّعِهِ كَذَا قَالَ .
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ : إنَّمَا قَالَ : ( تَقْتُلُونَ ) لِتَوَافُقِ رُءُوسِ الْآيِ وَقَالَ الْمَهْدِيُّ وَغَيْرُهُ : لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَبَدًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ } .
وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا يَرِدُ كَوْنُهُ أُوذِيَ أَوْ أَنَّ الْأَذَى كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ .
ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوَافِقُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيَّةِ { مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَيَّ } كَذَا قَالَتْ الْيَهُودِيَّةُ وَالْيَهُودُ : إنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَا رُوِيَ مِنْ وُجُودِ الْأَلَمِ وَانْقِطَاعِ

الْأَبْهَرِ مِنْ السُّمِّ مُرْسَلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ أَوْ يُقَالُ : إنَّهُ خِلَافُ الْأَشْهَرِ فَالْقَوْلُ بِالْأَشْهَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْلَى مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ .
وَصَاحِبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ : هَذِهِ مَرْتَبَةُ كَمَالٍ قَدْ صَحَّتْ بِهَا الرِّوَايَةُ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْقَتْلِ بِالْآيَةِ وَالْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالتَّسْلِيطِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَحْفُوظٌ آمِنٌ مِمَّا لَمْ يُحْفَظْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَأْمَنْ وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّهُ لَمَّا نَامَ وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ فَاسْتَيْقَظَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالسَّيْفُ فِي يَدِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ تَخَافُنِي ؟ فَقَالَ : لَا قَالَ : فَمَنْ يَعْصِمُكَ مِنِّي قَالَ : اللَّهُ } وَلِهَذَا مَاتَ بَعْضُ مَنْ أَكَلَ مَعَهُ مِنْ الشَّاةِ ، وَقَصَدَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا أَنَّهُ يَمُوتُ ، وَعَاشَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنِينَ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ الْأَكْلِ يَتَصَرَّفُ كَمَا كَانَ فَلَمْ تَقْتُلْهُ الْيَهُودُ بِفِعْلِهَا كَمَا قَتَلَتْ غَيْرَهُ ، وَأَحْسَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ صَنِيعَهُ إلَيْهِ عَلَى جَارِي عَادَتِهِ تَعَالَى ، فَأَظْهَرَ أَثَرًا بَعْدَ سِنِينَ إكْرَامًا لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَلَا تَعَارُضَ يَبْنِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( فِي السِّحْرِ وَعِلَاجِهِ وَحَدِيثِ سِحْرِ لَبِيدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أُشْعِرْتُ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ : مَطْبُوبٌ قَالَ : مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ : فِي أَيِّ شَيْءٍ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ قَالَ : فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَ : فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ وَاَللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَخْرَجْتَهُ ؟ وَفِي مُسْلِمٍ أَحْرَقْتَهُ قَالَ : لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ } .
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ { يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِي ، وَفِيهِ أَيْضًا حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِي وَفِيهِ أَيْضًا حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ : وَذَلِكَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ .
وَفِيهِ قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ كَانَ مُنَافِقًا } .
أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وَعَيْبٌ أَوْ أَنَّهُ يَمْنَعُ الثِّقَةَ بِالشَّرْعِ وَهَذَا بَاطِلٌ ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ وَالسُّمِّ

وَالدَّلَائِلُ الْقَطْعِيَّةُ نَاطِقَةٌ بِصِدْقِهِ وَعِصْمَتِهِ وَالْإِجْمَاعُ أَيْضًا .
فَأَمَّا بَعْضُ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا وَلَمْ يُفَضَّلْ مِنْ أَجْلِهَا فَلَا مَانِعَ مِنْهُ .

الطِّبُّ بِكَسْرِ الطَّاءِ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ عَلَى مَعَانٍ ( أَحَدُهَا ) : السِّحْرُ وَالْمَطْبُوبُ الْمَسْحُورُ .
يُقَالُ : طَبَّ الرَّجُلُ إذَا سُحِرَ فَكَنُّوا بِالطِّبِّ عَنْ السِّحْرِ كَمَا كَنُّوا بِالسَّلِيمِ عَنْ اللَّدِيغِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ ، وَكَمَا كَنُّوا بِالْمَفَازَةِ عَنْ الْفَلَاةِ الْمُهْلِكَةِ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا فَقَالُوا : مَفَازَةً تَفَاؤُلًا بِالْفَوْزِ مِنْ الْهَلَاكِ .
( وَالثَّانِي ) : الْإِصْلَاحُ يُقَالُ طَبَّبْتُهُ إذَا أَصْلَحْتُهُ ، وَيُقَالُ : لَهُ طِبٌّ بِالْأُمُورِ أَيْ : لُطْفٌ وَسِيَاسَةٌ قَالَ الشَّاعِرُ : وَإِذَا تَغَيَّرَ مِنْ تَمِيمٍ أَمْرُهَا كُنْتُ الطَّبِيبَ لَهَا بِأَمْرٍ ثَاقِبِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الطِّبُّ مِنْ الْأَضْدَادِ ، يُقَالُ لِعِلَاجِ الدَّاءِ طِبٌّ ، وَلِلسِّحْرِ طِبٌّ .
( وَالثَّالِثُ ) : الْحَذْقُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : كُلُّ حَاذِقٍ طَبِيبٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَصْلُ الطِّبِّ الْحَذْقُ بِالْأَشْيَاءِ وَالْمَهَارَةُ بِهَا .
يُقَالُ لِلرَّجُلِ طَبٌّ وَطَبِيبٌ إذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ عِلَاجِ الْمَرِيضِ وَقَالَ غَيْرُهُ رَجُلٌ طَبِيبٌ أَيْ حَاذِقٌ سُمِّيَ طَبِيبًا لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ قَالَ عَلْقَمَةُ : فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ إذَا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ مَالُهُ فَلَيْسَ لَهُ فِي وُدِّهِنَّ نَصِيبُ وَقَالَ غَيْرُهُ : إنْ تُغْدِقِي دُونِي الْقِنَاعَ فَإِنَّنِي طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا .
أَغْدَقَتْ الْمَرْأَةُ قِنَاعَهَا أَيْ أَرْسَلَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا ، وَأَغْدَقَ اللَّيْلُ أَيْ أَرْخَى سُدُولَهُ ، وَأَغْدَقَ الصَّيَّادُ الشَّبَكَةَ عَلَى الصَّيْدِ .
وَالْمُسْتَلْئِمُ الَّذِي قَدْ لَبِسَ لَأْمَةَ حَرْبَةٍ .
( وَالرَّابِعُ ) .
يُقَالُ الطِّبِّ لِنَفْسِ الدَّوَاءِ كَقَوْلِهِ : أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي أَسِحْرٌ كَانَ طِبُّكَ أَمْ جُنُونُ ( وَالْخَامِسُ ) : الْعَادَةُ ، يُقَالُ لَيْسَ ذَلِكَ بِطِبِّي أَيْ : عَادَتِي قَالَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ : فَمَا إنَّ طِبَّنَا

جُبْنٌ وَلَكِنْ مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمَا التِّيهُ طِبِّي فِيهِمُو غَيْرَ أَنَّنِي بَغِيضٌ إلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُتَعَاقِلُ وَقَوْلُ الْحَمَاسِيِّ : فَإِنْ كُنْتَ مَطْبُوبًا فَلَا زِلْتَ هَكَذَا وَإِنْ كُنْتَ مَسْحُورًا فَلَا بَرِئَ السِّحْرُ أَرَادَ بِالْمَطْبُوبِ الْمَسْحُورَ ، وَبِالْمَسْحُورِ الْعَلِيلَ الْمَرِيضَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَيُقَالُ : لِلْعَلِيلِ مَسْحُورٌ وَأَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ وَمَعْنَاهُ يَعْنِي : إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي قَدْ عَرَانِي مِنْكِ وَمِنْ حُبِّكِ أَسْأَلُ اللَّهَ دَوَامَهُ ، وَلَا أُرِيدُ زَوَالَهُ سَوَاءٌ كَانَ سِحْرًا أَوْ مَرَضًا ، وَالطَّبُّ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْعَالِمُ بِالْأُمُورِ وَكَذَلِكَ الطَّبِيبُ يُقَالُ : لَهُ طَبٌّ أَيْضًا .
وَبِضَمِّ الطَّاءِ اسْمُ مَوْضِعٍ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ : فَقُلْتُ هَلْ انْهَلْتُمْ بِطُبِّ رِكَابِكُمْ بِجَائِزَةِ الْمَاءِ الَّتِي طَابَ طِيبُهَا أَمَّا عِلَاجُ الْمَسْحُورِ فَإِمَّا بِاسْتِخْرَاجِهِ وَتَبْطِيلِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ فَهُوَ كَإِزَالَةِ الْمَادَّةِ الْخَبِيثَةِ بِالِاسْتِفْرَاغِ ، وَإِمَّا بِالِاسْتِفْرَاغِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ أَذَى السِّحْرِ ، فَإِنَّ لِلسِّحْرِ تَأْثِيرًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا مُجَرَّدَ خَيَالٍ بَاطِلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلِلْمَسْأَلَةِ وَأَحْكَامِ السِّحْرِ وَالسَّاحِرِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهَا .
وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى رَأْسِهِ بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ } قَالَ أَبُو عَبِيدٍ : مَعْنَى طُبَّ سُحِرَ قَالَ بَعْضُهُمْ : انْتَهَتْ مَادَّةُ هَذَا السِّحْرِ إلَى رَأْسِهِ إلَى إحْدَى قُوَاهُ الَّتِي فِيهِ بِحَيْثُ إنَّهُ كَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ .
وَالسِّحْرُ مُرَكَّبٌ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَانْفِعَالِ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ عَنْهُ وَهُوَ سِحْرُ النمريجات وَهُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ ، فَاسْتِعْمَالُ الْحِجَامَةِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَضَرَّرَ

بِالسِّحْرِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ أَنْفَعِ الْمُعَالَجَةِ .
قَالَ أَبُقْرَاطُ : الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَفْرَغَ يَجِبُ أَنْ تُسْتَفْرَغَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ إلَيْهَا أَمْثَلُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَصْلُحُ لِاسْتِفْرَاغِهَا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا إنَّهُ عَنْ مَادَّةٍ دَمَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَالَتْ إلَى جِهَةِ الدِّمَاغِ وَغَلَبَتْ عَنْ الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنْهُ فَغَيَّرَتْ مِزَاجَهُ عَنْ طَبِيعَتِهِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُ الْحِجَامَةِ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْفَعِ الْمُعَالَجَةِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَحْيِ فَلَمَّا جَاءَهُ الْوَحْيُ أَنَّهُ سُحِرَ عَدَلَ إلَى الْعِلَاجِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ السِّحْرِ وَإِبْطَالُهُ فَدَعَا اللَّهَ فَأَعْلَمَهُ بِهِ فَاسْتَخْرَجَهُ وَكَانَ غَايَةَ هَذَا السِّحْرِ إنَّمَا هُوَ فِي جَسَدِهِ وَظَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّخَيُّلِ فَهُوَ بِالْبَصَرِ لَا تَخَيُّلٌ يَطْرُقُ إلَى الْعَقْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ إتْيَانِهِ النِّسَاءَ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيَالٌ وَقَدْ يَحْدُثُ مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ .
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَحَصَّنُ بِهِ مِنْ السِّحْرِ وَمِنْ أَنْفَعِ عِلَاجٍ لَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوَكُّلُ الْقَلْبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالتَّعَوُّذُ وَالدُّعَاءُ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا قَبْلَهُ بَلْ قَدْ يُقَالُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا غَيْرَهُ ، وَهُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى ، وَالنِّهَايَةُ الْعُظْمَى ، وَلِهَذَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ ، وَإِنَّمَا دَفَنَهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى مَفْسَدَةٍ وَانْتِشَارِهَا ، لَا لِتَوَقُّفِ الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَعِنْدَ السَّحَرَةِ أَنَّ سِحْرَهُمْ إنَّمَا يَتِمُّ فِي قَلْبٍ ضَعِيفٍ مُنْفَعِلٍ وَنَفْسٍ شَهْوَانِيَّةٍ كَجَاهِلٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ

لَا فِي قَلْبِ مُتَيَقِّظٍ عَارِفٍ بِاَللَّهِ لَهُ مُعَامَلَةٌ وَتَوَجُّهٌ ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ الضَّعِيفَ فِيهِ مَيْلٌ وَتَعَلُّقٌ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، فَالْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ بِمَيْلِهِ إلَى مَا يُنَاسِبُهَا وَفَرَاغِهِ عَمَّا يُعَارِضُهَا وَيُقَاوِمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ : إذَا صُنِعَ مِنْ قُضْبَانِ الْأَرَاكِ خَلْخَالًا لِلْعَضُدِ مُنِعَ السِّحْرُ .

فَصْلٌ ( فِي أَنْوَاعِ الِاسْتِفْرَاغِ الْقَيْءُ أَسْبَابُهُ وَعِلَاجُهُ ) .
عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَ : صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ } .
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ .
الِاسْتِفْرَاغَاتُ خَمْسَةٌ : الْإِسْهَالُ ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ وَالْقَيْءُ ، إمَّا بِالْغَلَبَةِ فَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ إلَّا إذَا أَفْرَطَ وَخِيفَ مِنْهُ فَيُقْطَعُ بِمَا يُمْسِكُهُ ، وَإِمَّا بِالِاسْتِدْعَاءِ فَأَنْفَعُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ .
وَسَبَبُ الْقَيْءِ صَفْرَاءُ أَوْ بَلْغَمٌ أَوْ ضَعْفُ الْمَعِدَةِ فِي ذَاتِهَا فَلَا تَهْضِمُ وَتَقْذِفُ الطَّعَامَ إلَى فَوْقٍ أَوْ يُخَالِطُهَا خَلْطٌ رَدِيءٌ فَيُسِيءُ هَضْمَهَا أَوْ زِيَادَةُ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ لَا تَحْتَمِلُهُ الْمَعِدَةُ ، أَوْ كَرَاهَتُهَا لَهُمَا ، فَتَطْلُبُ دَفْعَهُ ، وَيَحْصُلُ فِيهَا مَا يَثُورُ الطَّعَامُ بِكَيْفِيَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ فَيَقْذِفُ بِهِ ، أَوْ قَرَفٌ يَغْثِي النَّفْسَ ، أَوْ عَرَضٌ نَفْسَانِيٌّ كَهَمٍّ وَحُزْنٍ يَشْغَلُ الطَّبِيعَةَ عَنْ تَدْبِيرِ الْبَدَنِ بِهِ فَتَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ تَحَرُّكِ الْأَخْلَاطِ عِنْدَ تَخَبُّطِ النَّفْسِ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ يَنْفَعِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ، أَوْ نَقْلِ الطَّبِيعَةِ بِأَنْ يَرَى مَنْ يَتَقَيَّأُ فَيَغْلِبُ الْقَيْءُ ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ نَقَّالَةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَيْءَ فِي بَلَدٍ حَارٍّ وَزَمَنٍ حَارٍّ أَنْفَعُ لِرِقَّةِ الْأَخْلَاطِ وَانْجِذَابِهَا إلَى فَوْقٍ ، وَبَلَدٍ وَزَمَنٍ بَارِدٍ يَغْلُظُ الْخَلْطُ ، وَيَصْعُبُ جَذْبُهُ ، وَالْإِسْهَالُ أَنْفَعُ .
وَإِزَالَةُ الْخَلْطِ تَكُونُ بِالْجَذْبِ وَالِاسْتِفْرَاغِ ، وَالْجَذْبُ يَكُونُ مِنْ أَبْعَدِ الطُّرُقِ وَالِاسْتِفْرَاغُ مِنْ أَقْرَبِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَادَّةَ إنْ كَانَتْ عَامِلَةً فِي الِانْصِبَابِ أَوْ التَّرَقِّي لَمْ تَسْتَقِرَّ بَعْدُ فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ

إلَى الْجَذْبِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَصَاعِدَةً جُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْصَبَّةً جُذِبَتْ مِنْ فَوْقٍ ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقَرَّتْ فِي مَوْضِعِهَا اُسْتُفْرِغَتْ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إلَيْهَا ، فَمَتَى أَضَرَّتْ الْمَادَّةُ بِالْأَعْضَاءِ الْعُلْيَا اُجْتُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ ، وَمَتَى أَضَرَّتْ بِالْأَعْضَاءِ السُّفْلَى اُجْتُذِبَتْ مِنْ فَوْقٍ ، وَمَتَى اسْتَقَرَّتْ اُسْتُفْرِغَتْ مِنْ أَقْرَبِ مَكَان إلَيْهَا ، وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْتَجِمُ تَارَةً عَلَى كَاهِلِهِ وَقَدَمِهِ وَفِي رَأْسِهِ ، فَالْقَيْءُ يُسْتَفْرَغُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَيُجْذَبُ مِنْ أَسْفَلَ وَالْإِسْهَالُ بِالْعَكْسِ .
قَالَ أَبُقْرَاطُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْرَاغُ فِي الصَّيْفِ مِنْ فَوْقُ أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِفْرَاغِ بِالدَّوَاءِ وَفِي الشِّتَاءِ مِنْ أَسْفَلَ .
وَالْقَيْءُ يُنَقِّي الْمَعِدَةَ وَيُقَوِّيهَا وَيُحِدُّ الْبَصَرَ وَيُزِيلُ ثِقَلَ الرَّأْسِ وَيَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَالْيَرَقَانِ وَالْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ كَرَعْشَةٍ وَفَالِجٍ وَجُذَامٍ وَاسْتِسْقَاءٍ ، وَيَسْتَعْمِلُهُ الصَّحِيحُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ حِفْظِ دَوْرٍ لِيَتَدَارَكَ الثَّانِي مَا قَصُرَ عَنْهُ الْأَوَّلُ ، وَيُنَقِّي فَضْلَةً انْصَبَّتْ بِسَبَبِهِ ، وَيَضُرُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ الْمَعِدَةَ وَيَجْعَلُهَا قَلِيلَةَ الْفُضُولِ وَيَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَرُبَّمَا صَدَّعَ ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ مَنْ بِهِ وَرَمٌ فِي الْحَلْقِ أَوْ ضَعْفٌ فِي صَدْرٍ أَوْ دَقِيقَ الرَّقَبَةِ أَوْ مُسْتَعِدٌّ لِنَفْثِ الدَّمِ أَوْ عُسْرِ الْإِجَابَةِ .
أَمَّا فِعْلُ بَعْضِ مَنْ يُسِيءُ التَّدْبِيرَ وَهُوَ أَنْ يَمْتَلِئَ طَعَامًا ، ثُمَّ يَقْذِفَ بِهِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ الْهَرَمَ وَيُوقِعُ فِي أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ وَيَجْعَلُ الْقَيْءَ لَهُ عَادَةً وَالْقَيْءُ مَعَ الْيُبُوسَةِ وَضَعْفِ الْأَحْشَاءِ وَهَزْلِ الْمَرَاقِ أَوْ ضَعْفِ الْمُسْتَقِي خَطَرٌ وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِهِ الصَّيْفُ وَالرَّبِيعُ .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي الْخَرِيفِ إلَى الْقَيْءِ فَإِنَّهُ يَجْلِبُ الْحُمَّى مِنْ سَاعَتِهِ ،

وَلْيَكُنْ الْمَيْلُ فِيهِ إلَى تَسْكِينِ الْأَخْلَاطِ مَهْمَا أَمْكَنَ .
وَأَمَّا الشِّتَاءُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ فِي التَّدْبِيرِ وَالْإِكْثَارَ مِنْ الْأَغْذِيَةِ ، وَلْيَتَوَقَّ فِيهِ الْإِسْهَالَ الْمُفْرِطَ .
وَيَنْبَغِي عِنْدَ الْقَيْءِ عَصْبُ الْعَيْنَيْنِ وَقَمْطُ الْبَطْنِ وَغَسْلُ الْوَجْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ إذَا فَرَغَ ، وَأَنْ يَشْرَبَ عَقِبَهُ شَرَابَ التُّفَّاحِ مَعَ يَسِيرٍ مِنْ مُصْطَكَى وَمَاءِ وَرْدٍ ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الطَّبِيبُ أَنَّهُ إذَا خِيفَ مِنْ الْقَيْءِ بِعَكْسِ الْبُخَارِ إلَى الدِّمَاغِ فَلْيَكُنْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ قَالَ : وَيَقُومُ مَقَامَهُ شَرَابُ اللَّيْمُونِ بُكْرَةَ النَّهَارِ .
( وَالرَّابِعُ ) مِنْ الاستفراغات اسْتِفْرَاغُ الْأَبْخِرَةِ ( الْخَامِسُ ) الِاسْتِفْرَاغُ بِالْعَرَقِ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا بَلْ الطَّبِيعَةُ تَدْفَعُهُ إلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ فَيُصَادِفُ الْمَسَامَّ مُفَتَّحَةً فَيَخْرُجُ مِنْهَا .
وَعَرَقُ الْإِنْسَانِ مَائِيَّةُ الدَّمِ خَالَطَهَا صَدِيدٌ مَرَارِيٌّ وَهُوَ أَنْضَجُ مِنْ الْبَوْلِ إذَا كَانَ مِنْ فَضْلِ رُطُوبَةٍ بَعْدَ الْهَضْمِ الْأَخِيرِ ، وَالْبَوْلُ مِنْ فَضْلِ الْهَضْمِ الثَّانِي وَفِيهِ تَحْلِيلٌ ، وَعَرَقُ الْمُصَارِعَيْنِ يَنْفَعُ مِنْ وَرَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَيُحَلِّلُهُ وَيَابِسُ عَرَقِهِمْ الَّذِي قَدْ خَالَطَهُ تُرَابُ مَوْضِعِ الصِّرَاعِ مَعَ دُهْنِ الْحِنَّا يُجْعَلُ عَلَى أَوْرَامِ الثَّدْيِ فَيُطْفِئُ لَهِيبَهَا ، وَإِذَا ضُمِّدَتْ بِهِ الدُّمُّلَةُ أَنْضَجَهَا .

فَصْلٌ قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْكَيِّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ .
وَعَنْ عِمْرَانَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ : فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا .
وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُطَرِّفٍ .
وَعَنْ عِمْرَانَ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَا { : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ، ثُمَّ كَوَاهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ، ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ } : حَسَمَهُ أَيْ كَوَاهُ لِيَقْطَعَ دَمَهُ ، وَأَصْلُ الْحَسْمِ الْقَطْعُ ، ، وَالْأَكْحَلُ عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ يَكْثُرُ فَصْدُهُ .
وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنْ الشَّوْكَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ الشَّوْكَةُ حُمْرَةٌ تَعْلُو الْوَجْهَ ، وَالْجَسَدَ وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّهُ كَوَى مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَكَانُ الْكَيِّ التَّكْمِيدُ ، وَمَكَانُ الْعِلَاقِ السَّعُوطُ ، وَمَكَانُ النَّفْخِ اللَّدُودُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ { : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَكَمَّدَهُ بِخِرْقَةٍ } التَّكْمِيدُ أَنْ تُسَخَّنَ خِرْقَةٌ وَتُوضَعَ عَلَى الْعُضْوِ الْوَجِعِ وَيُتَابَعَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِيَسْكُنَ وَتِلْكَ الْخِرْقَةُ تُسَمَّى الْكِمَادَةُ ، وَالْكِمَادُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14