كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر
المؤلف : أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي


وَأَسْخَطَهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رِضَاهُمْ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ وَمَا أَرْضَى قَوْمًا إلَّا أَغْضَبَ آخَرِينَ ، ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي مَدْحِهِمْ وَإِيثَارِهِ عَلَى ذَمِّ اللَّهِ وَغَضَبِهِ مَعَ أَنَّ مَدْحَهُمْ لَا يُفِيدُهُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ اللَّهُ وَحْدَهُ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَأَنْ يُقْصَدَ وَحْدَهُ إذْ هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ إلَّا هُوَ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَلَا يَخْلُو الطَّامِعُ فِي الْخَلْقِ مِنْ الذُّلِّ وَالْخَيْبَةِ أَوْ مِنْ الْمِنَّةِ وَالْمَهَانَةِ ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَجَاءٍ كَاذِبٍ وَوَهْمٍ فَاسِدٍ قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ اطَّلَعُوا عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الرِّيَاءِ لَطَرَدُوهُ وَمَقَتُوهُ وَذَمُّوهُ وَأَحْرَمُوهُ ، وَمَنْ نَظَرَ لِذَلِكَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَتَرَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْخَلْقِ وَأَقْبَلَ عَلَى الصِّدْقِ ، فَهَذَا دَوَاءٌ عِلْمِيٌّ وَثَمَّ دَوَاءٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ أَنْ يَتَعَوَّدَ إخْفَاءَ الْعِبَادَاتِ كَإِخْفَاءِ الْفَوَاحِشِ حَتَّى يَقْنَعَ قَلْبُهُ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَلَا تُنَازِعَهُ نَفْسُهُ إلَى طَلَبِ عِلْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ .
وَيُكَلَّفُ الْإِخْفَاءَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ شَقَّ ابْتِدَاءً ، لَكِنْ مَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ مُدَّةً بِالتَّكَلُّفِ سَقَطَ عَنْهُ ثِقَلُهُ وَأَمَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِرُقِيِّهِ { إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فَمِنْ الْعَبْدِ الْمُجَاهَدَةُ وَقَرْعُ بَابِ الْكَرِيمِ ، وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةُ وَالْفَتْحُ إنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ : { ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } .

( خَاتِمَةٌ فِي الْإِخْلَاصِ ) لَمَّا تَكَلَّمْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَإِمْدَادِهِ وَمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ عَلَى هَذِهِ الْكَبِيرَةِ الْعَظِيمَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَلْقُ إلَيْهِ ، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَوْضُوعِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اتِّسَاعِ كَلَامِ النَّاسِ فِي الرِّيَاءِ وَتَوَابِعِهِ سِيَّمَا الْأَحْيَاءُ مُخْتَصَرًا جِدًّا ؛ أَرَدْنَا أَنْ نَخْتِمَ الْكَلَامَ فِيهَا بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَدْحِ الْإِخْلَاصِ وَثَوَابِ الْمُخْلِصِينَ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ ، لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا لِلْخَلْقِ عَلَى تَحَرِّي الْإِخْلَاصِ وَمُبَاعَدَةِ الرِّيَاءِ إذْ الْأَشْيَاءُ لَا تُعْرَفُ كَمَالًا وَضِدَّهُ إلَّا بِأَضْدَادِهَا .
قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا : { يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ .
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } وَأَخْرَجَا أَيْضًا : { وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ } .
وَأَخْرَجَا أَيْضًا : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ؛ أَيُّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ

قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ، وَفِي نُسْخَةٍ { فَذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ : { نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ ، وَعَمَلُ الْمُنَافِقِ خَيْرٌ مِنْ نِيَّتِهِ ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ فَإِذَا عَمِلَ الْمُؤْمِنُ عَمَلًا نَارَ فِي قَلْبِهِ نُورٌ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ : { أَفْضَلُ الْعَمَلِ النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ } .
وَابْنُ الْمُبَارَكِ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا عَلَى نِيَّةِ الْآخِرَةِ وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخِرَةَ عَلَى نِيَّةِ الدُّنْيَا } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ تُدْخِلُ صَاحِبَهَا الْجَنَّةَ } .
وَالْخَطِيبُ : { النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ فَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بِنِيَّتِهِ تَحَرَّكَ الْعَرْشُ فَيُغْفَرُ لَهُ } .
وَمُسْلِمٌ : { الْعَجَبُ إنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ - أَيْ وَهُوَ الْمَهْدِيُّ - قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ، فِيهِمْ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ : { إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَاكِمُ : { أَخْلِصْ دِينَك يَكْفِك الْقَلِيلُ مِنْ الْعَمَلِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ : { أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إلَّا مَا خَلَصَ لَهُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا مَا خَلَصَ لَهُ ، وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ } : وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَخْلِصُوا عِبَادَةَ اللَّهِ وَأَقِيمُوا خُمُسَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ

وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَالدَّيْلَمِيُّ : { اعْمَلْ لِوَجْهٍ وَاحِدٍ } - أَيْ لِلَّهِ وَحْدَهُ - { يَكْفِكَ الْوُجُوهَ كُلُّهَا } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { الْأَعْمَالُ كَالْوِعَاءِ إذَا طَابَ أَسْفَلُهُ طَابَ أَعْلَاهُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا كَالْوِعَاءِ إذَا طَابَ أَعْلَاهُ طَابَ أَسْفَلُهُ ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { إنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ إنَّمَا مَثَلُ أَعْمَالِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ إذَا طَابَ أَعْلَاهُ طَابَ أَسْفَلُهُ ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ } .
وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ ، وَصَلَّى فِي السِّرِّ فَأَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا عَبْدِي حَقًّا } .
وَالرَّافِعِيُّ : { إذَا صَلَّى الْعَبْدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ وَصَلَّى فِي السِّرِّ فَأَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحْسَنَ عَبْدِي } .
وَأَبُو يَعْلَى : { تَمَامُ الْبِرِّ أَنْ تَعْمَلَ فِي السِّرِّ عَمَلَ الْعَلَانِيَةِ ، صَلَاةُ الرَّجُلِ تَطَوُّعًا حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ تَعْدِلُ صَلَاتَهُ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ } .
وَابْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا : { طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى تَنْجَلِي عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ : { مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ } .
وَابْنُ حِبَّانَ : { مَا كَرِهْتَ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مِنْك فَلَا تَفْعَلْ بِنَفْسِك إذَا خَلَوْتَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ

أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { السِّرُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ وَالْعَلَانِيَةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { وَلِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ الْعَلَانِيَةُ أَفْضَلُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : { لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كُوَّةٌ لَخَرَجَ عَمَلُهُ كَائِنًا مَا كَانَ } .
وَالْحَاكِمُ : { مَنْ أَحْسَنَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَا أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ كَانَتْ لَهُ سَرِيرَةٌ صَالِحَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاءً يُعْرَفُ بِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ وَالْحَاكِمُ : { هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُؤْمِنُ ؟ الْمُؤْمِنُ مَنْ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلَأَ اللَّهُ مَسَامِعَهُ مِمَّا يُحِبُّ ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا اتَّقَى فِي جَوْفِ بَيْتٍ إلَى سَبْعِينَ بَيْتًا عَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ وَيَزِيدُونَ .
قَالُوا : كَيْفَ يَزِيدُونَ ؟ قَالَ : إنَّ التَّقِيَّ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِي سِرِّهِ لَزَادَ ، وَكَذَلِكَ الْفَاجِرُ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِفُجُورِهِ وَيَزِيدُونَ لِأَنَّهُ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِي فُجُورِهِ لَزَادَ } .
وَابْنُ جَرِيرٍ : { وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَمِلَ أَحَدٌ قَطُّ سِرًّا إلَّا أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَلَانِيَتِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ } .
وَسُئِلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مَنْ الْمُخْلِصُ ؟ فَقَالَ : الْمُخْلِصُ الَّذِي يَكْتُمُ حَسَنَاتِهِ كَمَا يَكْتُمُ سَيِّئَاتِهِ ، وَسُئِلَ آخَرُ مَا غَايَةُ الْإِخْلَاصِ ؟ قَالَ : أَنْ لَا تُحِبَّ مَحْمَدَةَ النَّاسِ .

( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ : الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ ) لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بَيْنَهَا تَلَازُمٌ وَتَرَتُّبٌ إذْ الْحَسَدُ مِنْ نَتَائِجِ الْحِقْدِ ، وَالْحِقْدُ مِنْ نَتَائِجِ الْغَضَبِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلِذَلِكَ جَمَعْتُهَا فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ ذَمَّ كُلٍّ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْآخَرِ إذْ ذَمُّ الْفَرْعِ وَفَرْعِهِ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْأَصْلِ وَأَصْلِهِ وَبِالْعَكْسِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } ذَمَّ الْكُفَّارَ بِمَا تَظَاهَرُوا بِهِ مِنْ الْحَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْغَضَبِ بِالْبَاطِلِ ، وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا إلْزَامُهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُهَا وَأَحَقُّ بِهَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ : { الْغَضَبُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنْ النَّارِ ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ عَسَاكِرَ : { اجْتَنِبْ الْغَضَبَ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ سَكَنَ غَضَبُهُ } .
وَأَحْمَدُ : { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ : { إذَا غَضِبْتَ فَاجْلِسْ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ : { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ : { الْغَضَبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا وَجَدَهُ أَحَدُكُمْ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ ، وَإِنْ وَجَدَهُ جَالِسًا فَلْيَضْطَجِعْ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ { إذَا غَضِبْتَ فَاقْعُدْ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْك فَاضْطَجِعْ فَإِنَّهُ سَيَذْهَبُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { أَشَدُّكُمْ مَنْ غَلَبَ

نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَحْلَمُكُمْ مَنْ عَفَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنْ النَّارِ ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ بِالْمَاءِ النَّارُ ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { إنَّ لِجَهَنَّمَ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَشَدِّكُمْ ؟ أَشَدُّكُمْ أَمْلَكُكُمْ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مُرْسَلًا : { الْخَرَقُ شُؤْمٌ ، وَالرِّفْقُ يُمْنٌ } .
وَالْبَزَّارُ : { سَأُحَدِّثُكُمْ بِأُمُورِ النَّاسِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، الرَّجُلُ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ أَيْ الرُّجُوعِ فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ كَفَافًا ، وَالرَّجُلُ بَعِيدُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ، وَالرَّجُلُ يَقْتَضِي الَّذِي لَهُ وَيَقْتَضِي الَّذِي عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ، وَالرَّجُلُ يَقْتَضِي الَّذِي لَهُ وَلَا يَقْضِي الَّذِي عَلَيْهِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ } .
وَأَحْمَدُ : { الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ الَّذِي يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ وَيَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ فَيَصْرَعُهُ غَضَبُهُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { أَتَحْسَبُونَ أَنَّ الشِّدَّةَ فِي حَمْلِ الْحِجَارَةِ إنَّمَا الشِّدَّةُ فِي أَنْ يَمْتَلِئَ أَحَدُكُمْ غَيْظًا ثُمَّ يَغْلِبَهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ : { لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ } .
وَالْعَسْكَرِيُّ : { لَيْسَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَغْلِبُ النَّاسَ إنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ يَغْلِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ } .
وَابْنُ النَّجَّارِ : { إنَّ الشَّدِيدَ لَيْسَ الَّذِي يَغْلِبُ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { هَلْ تَدْرُونَ مَا الشَّدِيدُ ؟ إنَّ الشَّدِيدَ كُلَّ الشَّدِيدِ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ، تَدْرُونَ مَا الرَّقُوبُ ؟ الرَّقُوبُ الَّذِي لَهُ الْوَلَدُ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُمْ شَيْئًا ، تَدْرُونَ مَا الصُّعْلُوكُ كُلُّ الصُّعْلُوكِ ؟

الرَّجُلُ لَهُ الْمَالُ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُ شَيْئًا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ : { لِلنَّارِ بَابٌ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بِسَخَطِ اللَّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ دَفَعَ غَضَبَهُ دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ ، وَمَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى : { أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي .
قَالَ : لَا تَغْضَبْ ، قَالَ : أَوْصِنِي قَالَ : لَا تَغْضَبْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ الْغَضَبَ مَفْسَدَةٌ } .
وَفِي أُخْرَى : { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ وَأَقْلِلْ ، قَالَ : لَا تَغْضَبْ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ : لَا تَغْضَبْ } .
وَفِي أُخْرَى { عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ لِي قَوْلًا وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ ، قَالَ : لَا تَغْضَبْ ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ يُرَجِّعُ إلَيَّ لَا تَغْضَبْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا تَغْضَبْ وَلَك الْجَنَّةُ } .
وَالْحَكِيمُ : { لَا تَغْضَبْ يَا مُعَاوِيَةُ بْنَ حَيْدَةَ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { يَا مُعَاوِيَةُ إيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ } .
وَالْحَكِيمُ : { الْغَضَبُ مِيسَمٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَضَعُهُ اللَّهُ عَلَى نِيَاطِ أَحَدِكُمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا غَضِبَ احْمَرَّتْ عَيْنُهُ وَأَرْبَدَ وَجْهُهُ ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالْبَغْضَاءَ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { قَالَ : اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ وَلَا أَمْحَقُهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ } .
وَابْنُ شَاهِينَ : { يَقُولُ اللَّهُ : ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ وَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَوْ يَقُولُ أَحَدُكُمْ إذَا غَضِبَ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ

الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ غَضَبُهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ : { إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا هَذَا الْغَضْبَانُ لَأَذْهَبَتْ الَّذِي بِهِ مِنْ الْغَضَبِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ : { اللَّهُمَّ مُطْفِئَ الْكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ أَطْفِئْهَا عَنِّي } .
وَالْخَرَائِطِيُّ { عَنْ أَمِّ هَانِئٍ : قُولِي اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ } .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ : يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْغَضَبِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْغَضَبِ تَسْتَخِفُّ فُؤَادَ الرَّجُلِ الْحَلِيمِ .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } .
السَّيِّدُ : الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ .
وَقَالَ يَحْيَى لِعِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - : لَا تَغْضَبْ ، قَالَ يَا أَخِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ لَا أَغْضَبَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، قَالَ : لَا تَقْتَنِ مَالًا ، قَالَ هَذَا عَسَى .
وَقَالَ الْحَسَنُ : يَا ابْنَ آدَمَ كُلَّمَا غَضِبْتَ وَثَبْتَ يُوشِكُ أَنْ تَثِبَ وَثْبَةً تَقَعُ فِي النَّارِ .
وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ : أَنَّهُ لَقِيَ مَلَكًا وَقَالَ : لَهُ عَلِّمْنِي عِلْمًا أَزْدَادُ بِهِ إيمَانًا وَيَقِينًا ، قَالَ : لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْدَرُ مَا يَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حِينَ يَغْضَبُ فَرُدَّ الْغَضَبَ بِالْكَظْمِ وَسَكِّنْهُ بِالتُّؤَدَةِ ، وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ فَإِنَّك إذَا عَجِلْتَ أَخْطَأْتَ حَظَّك وَكُنْ سَهْلًا لَيِّنًا لِلْقَرِيبِ وَلِلْبَعِيدِ وَلَا تَكُنْ جَبَّارًا عَنِيدًا .
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَاهِبًا فِي صَوْمَعَتِهِ أَرَادَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُ فَعَجَزَ عَنْهُ فَنَادَاهُ لِيَفْتَحَ لَهُ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : إنْ ذَهَبْت نَدِمْت فَسَكَتَ ، فَقَالَ : أَنَا الْمَسِيحُ ، فَأَجَابَهُ وَقَالَ : إنْ كُنْتَ الْمَسِيحَ فَمَا أَصْنَعُ بِك ؟ أَلَسْتَ قَدْ أَمَرْتَنَا بِالْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَوَعَدْتنَا

الْقِيَامَةَ ، فَلَوْ جِئْتنَا الْيَوْمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ نَقْبَلْهُ مِنْك ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ الشَّيْطَانُ جَاءَ لِيُضِلَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ، ثُمَّ قَالَ : لَهُ سَلْنِي عَمَّا شِئْت أُخْبِرْك ، قَالَ : مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْ شَيْءٍ فَوَلَّى الشَّيْطَانُ مُدْبِرًا ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَلَا تَسْمَعُ قَالَ : بَلَى .
قَالَ : أَخْبِرْنِي أَيُّ أَخْلَاقِ بَنِي آدَمَ أَعْوَنُ لَك عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : الْحِدَّةُ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ حَدِيدًا قَلَّبْنَاهُ كَمَا يُقَلِّبُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ : رَأْسُ الْحُمْقِ الْحِدَّةُ وَقَائِدُهُ الْغَضَبُ ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنْ الْحِلْمِ ، وَالْحِلْمُ زَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ وَالْجَهْلُ شَيْنٌ وَمَضَرَّةٌ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْأَحْمَقِ سَعَادَةٌ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : قَالَ إبْلِيسُ : مَا أَعْجَزَنِي بَنُو آدَمَ فَلَنْ يُعْجِزُونِي فِي ثَلَاثٍ : إذَا سَكِرَ أَحَدُهُمْ أَخَذْنَا بِخَرَامَتِهِ فَقُدْنَاهُ حَيْثُ نَشَاءُ وَعَمِلَ لَنَا بِمَا أَحْبَبْنَا ، وَإِذَا غَضِبَ قَالَ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَعَمِلَ بِمَا يَنْدَمُ ، وَإِذَا بَخِلَ بِمَا فِي يَدِهِ مَنَّيْنَاهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : اُنْظُرُوا إلَى حِلْمِ الرَّجُلِ عِنْدَ غَضَبِهِ وَأَمَانَتِهِ عِنْدَ طَمَعِهِ ، وَمَا عِلْمُك بِحِلْمِهِ إذَا لَمْ يَغْضَبْ ، وَمَا عِلْمُك بِأَمَانَتِهِ إذَا لَمْ يَطْمَعْ .
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَامِلِهِ : لَا تُعَاقِبْ غَضَبَك بَلْ احْبِسْهُ فَإِذَا سَكَنَ غَضَبُك عَاقِبْهُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا تُجَاوِزْ بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا .
وَأَغْلَظَ لَهُ قُرَشِيٌّ فَأَطْرَقَ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت أَنْ يَسْتَفِزَّنِي الشَّيْطَانُ لِعِزِّ السُّلْطَانِ فَأَنَالَ مِنْك الْيَوْمَ مَا تَنَالُهُ مِنِّي غَدًا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَقَلُّ النَّاسِ غَضَبًا أَعْقَلُهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلدُّنْيَا كَانَ دَهَاءً وَمَكْرًا ، وَإِنْ كَانَ لِلْآخِرَةِ كَانَ عِلْمًا وَحُكْمًا .
كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : أَفْلَحَ مَنْ حُفِظَ مِنْ الْهَوَى وَالطَّمَعِ وَالْغَضَبِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَنْ أَطَاعَ شَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ قَادَاهُ إلَى النَّارِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : مِنْ عَلَامَاتِ الْمُسْلِمِ : قُوَّةٌ فِي دِينٍ ، وَحَزْمٌ فِي لِينٍ ، وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ ، وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ ، وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ ، وَإِعْطَاءٌ فِي حَقٍّ ، وَقَصْدٌ فِي غِنًى ، وَتَجَمُّلٌ فِي فَاقَةٍ ، وَإِحْسَانٌ فِي قُدْرَةٍ ، وَصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ ، لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ ؛ وَلَا تُجْمَعُ بِهِ الْحَمِيَّةُ ، وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَتُهُ وَلَا يَفْضَحُهُ بَطْنُهُ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ ، يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ ، وَلَا يَبْخَلُ وَلَا يُبَذِّرُ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يَقْتُرُ ، يَغْفِرُ إذَا ظُلِمَ وَيَعْفُو عَنْ الْجَاهِلِ ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ .
وَقَالَ وَهْبٌ : لِلْكُفْرِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ : الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ وَالْخُلْفُ وَالطَّمَعُ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى أَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ كَافِرًا ، فَتَأَمَّلْ شَرَّ الْغَضَبِ وَمَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ نَبِيٌّ لِأَتْبَاعِهِ : مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي مِنْكُمْ أَنْ لَا يَغْضَبَ يَكُنْ خَلِيفَتِي وَمَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ شَابٌّ : أَنَا فَأَعَادَ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّابُّ : أَنَا وَوَفَّى ، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَنْزِلَتِهِ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَغْضَبَ وَوَفَّى بِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ وَوَفَّى بِهِ .

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ عَلَيْهِ } .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا : { إذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ } .
وَمُسْلِمٌ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ مُتَشَاحِنَيْنِ أَوْ قَاطِعِ رَحِمٍ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ فِيهِمَا لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَخِّرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْخَرَائِطِيُّ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ الذُّنُوبَ إلَّا مَا كَانَ مِنْ مُتَشَاحِنَيْنِ أَوْ قَاطِعِ رَحِمٍ } .
وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ : { تُعْرَضُ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ ثُمَّ يَذَرُ أَهْلَ

الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ } .
وَالشَّيْخَانِ وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ : { تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَنْزِلُ اللَّهُ - أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ - إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا الْعَاقَّ وَالْمُشَاحِنَ } .
وَالْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا رَجُلًا مُشْرِكًا أَوْ رَجُلًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ } .
وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ : { يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إلَّا مُشْرِكًا أَوْ مُشَاحِنًا } .
وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ شَاهِينِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ } .
وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاتِلِ نَفْسٍ } .

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ : { الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ } أَيْ سَاتِرٌ وَوِقَايَةٌ مِنْ النَّارِ .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { الْحَسَدُ فِي اثْنَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ الْقُرْآنَ فَقَامَ بِهِ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَوَصَلَ بِهِ أَقْرِبَاءَهُ وَرَحِمَهُ وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَمَنِّي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { الْحَسَدُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ } وَابْنُ عَدِيٍّ : { إذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا ، وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا ، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا } .
وَأَبُو دَاوُد : { إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالضِّيَاءُ : { دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ ، الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعْرِ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ } .
وَابْنُ صَصْرَى : { الْغِلُّ وَالْحَسَدُ يَأْكُلَانِ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا أَنَا مِنْهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ وَلَا يَضُرُّ حَاسِدًا حَسَدُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِاللِّسَانِ أَوْ يَعْمَلْ بِالْيَدِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ وَبَعْضُ النَّاسِ فِي الْحَسَدِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يَضُرُّ حَاسِدًا حَسَدُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِاللِّسَانِ أَوْ يَعْمَلْ بِالْيَدِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا } .
وَالْحَاكِمُ وَالدَّيْلَمِيُّ : " إنَّ إبْلِيسَ يَقُولُ : { ابْغُوا مِنْ بَنِي آدَمَ

الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُمَا يَعْدِلَانِ عِنْدَ اللَّهِ الشِّرْكَ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ : { مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ النَّجَّارِ : { وَاحْذَرُوا الْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ هِيَ أَخْطَرُ مِنْ عُقُوبَةِ الْبَغْيِ } .
وَابْنُ لَالٍ : { لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي مِنْهُمَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ } وَالْبَيْهَقِيُّ : { مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : { إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ } .
وَالسِّجْزِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالْهَوَى فَإِنَّ الْهَوَى يُصِمُّ وَيُعْمِي } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَا تَحْتَ ظِلِّ سَمَاءٍ مِنْ إلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَسَدِ وَأَسْبَابِهِ وَثَمَرَاتِهِ : { لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَابَزُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَقَالَ أَنَسٌ { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَطْلُعُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ رَجُلٌ

مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ وَقَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأَوَّلِ ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : إنِّي لَاحَيْتُ أَبِي خَاصَمْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُؤْوِيَنِي إلَيْك حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْت ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ } بِالتَّشْدِيدِ أَيْ اسْتَيْقَظَ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ { ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَلَا يَقُومُ حَتَّى تَقُومَ الصَّلَاةُ ، قَالَ : غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إلَّا خَيْرًا ، فَلَمَّا مَرَّتْ الثَّلَاثُ وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلَا هِجْرَةٌ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَك أَيْ عَنْك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْت أَنْتَ الثَّلَاثَ الْمَرَّاتِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إلَيْك فَأَنْظُرَ مَا عَمَلُك فَأَقْتَدِيَ بِك ، فَلَمْ أَرَك عَمِلْتَ كَبِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِك مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي وَقَالَ : مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي نَفْسِي غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ

: هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ بِك } رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا .
وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ ، وَسَمَّى الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ سَعْدًا ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ : { فَقَالَ : مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْتَ يَا ابْنَ أَخِي إلَّا أَنَّنِي لَمْ أَبِتْ ضَاغِنًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا } ، زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ : { فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِك وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ - أَيْ نَحْنُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا - } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَيَطْلُعَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَدَخَلَ مِنْهُ } .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ : { فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَنْتَهِي حَتَّى أُبَايِت هَذَا الرَّجُلَ فَأَنْظُرَ عَمَلَهُ } ، قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِ ، قَالَ : { فَنَاوَلَنِي عَبَاءَةً فَاضْطَجَعْتُ عَلَيْهَا قَرِيبًا مِنْهُ وَجَعَلْتُ أَرْمُقُهُ بِعَيْنِي لَيْلَةً كُلَّمَا تَعَارَّ سَبَّحَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ حَتَّى إذَا كَانَ فِي وَقْتِ السَّحَرِ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ لَيْسَ مِنْ طِوَالِهِ وَلَا مِنْ قِصَارِهِ ، يَدْعُو فِي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ يَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ؛ اللَّهُمَّ اكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا مِنْ أَمْرِ آخِرَتِنَا وَدُنْيَانَا ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَنَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ ، حَتَّى إذَا فَرَغَ } فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي اسْتِقْلَالِ عَمَلِهِ إلَى أَنْ قَالَ : { فَقَالَ آخُذُ مَضْجَعِي وَلَيْسَ فِي قَلْبِي غِمْرٌ } بِكَسْرِ

الْمُعْجَمَةِ : أَيْ حِقْدٌ عَلَى أَحَدٍ .
وَفِي حَدِيثٍ : { كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا ، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ } .
وَفِي آخَرَ : { سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ ، قَالُوا : وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ ؟ قَالَ : الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ ، ثُمَّ يَكُونَ الْهَرَجُ } .
وَفِي آخَرَ : { أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي أَنْ يَكْثُرَ بِهِمْ الْمَالُ فَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتَتِلُونَ } ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ } .
وَفِي آخَرَ : { إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ أَعْدَاءً قِيلَ : وَمَنْ أُولَئِكَ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } .
وَفِي آخَرَ : { سِتَّةٌ يَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ الْحِسَابِ بِسَنَةٍ ؟ قِيلَ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الْأُمَرَاءُ بِالْجَوْرِ ، وَالْعَرَبُ بِالْعَصَبِيَّةِ ، وَالدَّهَاقِينُ بِالتَّكَبُّرِ ، وَالتُّجَّارُ بِالْخِيَانَةِ ، وَأَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِالْجَهَالَةِ ، وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَسَدِ } .
وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ لَمَّا تَعَجَّلَ إلَى رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رَأَى فِي ظِلِّ الْعَرْشِ رَجُلًا فَغَبَطَهُ بِمَكَانِهِ ، وَقَالَ : إنَّ هَذَا لَكَرِيمٌ عَلَى رَبِّهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْبِرَهُ بِاسْمِهِ ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ : أُحَدِّثُك مِنْ عَمَلِهِ بِثَلَاثٍ : كَانَ لَا يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَكَانَ لَا يَعُقُّ وَالِدَيْهِ ، وَكَانَ لَا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ .
وَعَنْ زَكَرِيَّا صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْحَاسِدُ عَدُوٌّ لِنِعْمَتِي مُتَسَخِّطٌ لِقَضَائِي غَيْرُ رَاضٍ بِقِسْمَتِي الَّتِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادِي " .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : " أَوَّلُ خَطِيئَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا هِيَ الْحَسَدُ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ فَحَمَلَهُ

الْحَسَدُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ " .
وَوَعَظَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ فَقَالَ : إيَّاكَ وَالْكِبْرَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : { ، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ } الْآيَةَ ، وَإِيَّاكَ وَالْحِرْصَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ آدَمَ مِنْ الْجَنَّةِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ يَأْكُلُ فِيهَا إلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً نَهَاهُ عَنْهَا فَمِنْ حِرْصِهِ أَكَلَ مِنْهَا فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ قَرَأَ : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا } الْآيَةَ ، وَإِيَّاكَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ آدَمَ عَلَى أَنْ قَتَلَ أَخَاهُ حِينَ حَسَدَهُ ثُمَّ قَرَأَ : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ } .
وَقِيلَ : كَانَ السَّبَبُ أَيْضًا فِي قَتْلِهِ لَهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتَ الْقَاتِلِ كَانَتْ أَجْمَلَ مِنْ زَوْجَةِ الْقَاتِلِ أُخْتِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ حَوَّاءَ وَلَدَتْ لِآدَمَ عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلِّ بَطْنٍ اثْنَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، فَكَانَ آدَم صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ يُزَوِّجُ أُنْثَى كُلِّ بَطْنٍ لِذَكَرِ بَطْنٍ آخَرَ لَا لِذَكَرِ بَطْنِهَا ، فَلَمَّا رَأَى قَابِيلُ أَنَّ زَوْجَةَ أَخِيهِ هَابِيلَ أَجْمَلُ حَسَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلَهُ ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ لَهُ أَيْضًا : وَإِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْكُتْ ، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَاسْكُتْ ، وَإِذَا ذُكِرَتْ النُّجُومُ فَاسْكُتْ .
وَكَانَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ يَجْلِسُ بِجَانِبِ مَلِكٍ يَنْصَحُهُ وَيَقُولُ لَهُ : أَحْسِنْ إلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ فَإِنَّ الْمُسِيءَ سَتَكْفِيهِ إسَاءَتُهُ ، فَحَسَدَهُ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ الْمَلِكِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ وَأَعْمَلَ الْحِيلَةَ عَلَى قَتْلِهِ ، فَسَعَى بِهِ لِلْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّك أَبْخَرُ ، وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّك إذَا قَرُبْتَ مِنْهُ يَضَعُ

يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ لِئَلَّا يَشُمَّ رَائِحَةَ الْبَخَرِ ، فَقَالَ : لَهُ انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ ، فَخَرَجَ فَدَعَا الرَّجُلَ لِمَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَهُ ثُومًا فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ وَجَاءَ لِلْمَلِكِ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ السَّابِقِ : أَحْسِنْ لِلْمُحْسِنِ كَعَادَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُمَّ الْمَلِكُ مِنْهُ رَائِحَةَ الثُّومِ ، فَقَالَ الْمَلِكُ فِي نَفْسِهِ : مَا أَرَى فُلَانًا إلَّا قَدْ صَدَقَ ، وَكَانَ الْمَلِكُ لَا يَكْتُبُ بِخَطِّهِ إلَّا بِجَائِزَةٍ أَوْ صِلَةٍ فَكَتَبَ لَهُ بِخَطِّهِ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ : إذَا أَتَاك صَاحِبُ كِتَابِي هَذَا فَاذْبَحْهُ وَاسْلُخْهُ وَاحْشُ جِلْدَهُ تِبْنًا وَابْعَثْ بِهِ إلَيَّ فَأَخَذَ الْكِتَابَ وَخَرَجَ فَلَقِيَهُ الَّذِي سَعَى بِهِ فَقَالَ : مَا هَذَا الْكِتَابُ ؟ فَقَالَ : خَطَّ الْمَلِكُ لِي بِصِلَةٍ ، فَقَالَ : هَبْهُ مِنِّي فَقَالَ : هُوَ لَك فَأَخَذَهُ وَمَضَى إلَى الْعَامِلِ فَقَالَ الْعَامِلُ فِي كِتَابِك أَنْ أَذْبَحَك وَأَسْلُخَك : فَقَالَ : إنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ هُوَ لِي ، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَمْرِي حَتَّى أُرَاجِعَ الْمَلِكَ ، قَالَ : لَيْسَ لِكِتَابِ الْمَلِكِ مُرَاجَعَةٌ ، فَذَبَحَهُ وَسَلَخَهُ وَحَشَا جِلْدَهُ تِبْنًا وَبَعَثَ بِهِ ، ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ إلَى الْمَلِكِ كَعَادَتِهِ وَقَالَ مِثْلَ ، قَوْلِهِ ، فَعَجِبَ الْمَلِكُ وَقَالَ : مَا فَعَلَ الْكِتَابُ ؟ فَقَالَ : لَقِيَنِي فُلَانٌ فَاسْتَوْهَبَهُ مِنِّي فَدَفَعْتُهُ لَهُ ، فَقَالَ الْمَلِكُ : إنَّهُ ذَكَرَ لِي أَنَّك تَزْعُمُ أَنِّي أَبْخَرُ ، قَالَ : مَا قُلْت ذَلِكَ ، قَالَ : فَلِمَ وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى أَنْفِك وَفِيك ؟ قَالَ : أَطْعَمَنِي ثُومًا فَكَرِهْتُ أَنْ تَشُمَّهُ ، قَالَ : صَدَقْتَ ارْجِعْ إلَى مَكَانِك فَقَدْ كَفَى الْمُسِيءَ إسَاءَتُهُ .
فَتَأَمَّلْ رَحِمَك اللَّهُ شُؤْمَ الْحَسَدِ وَمَا جَرَّ إلَيْهِ تَعْلَمْ سِرَّ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ : { لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك } .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ

أَمْرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ حَقِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إلَى النَّارِ .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إلَّا قَلَّ فَرَحُهُ وَقَلَّ حَسَدُهُ .
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُلُّ النَّاسِ أَقْدِرُ عَلَى رِضَاهُ إلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا .
وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : مَأْ رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ حَاسِدٍ ؛ إنَّهُ يَرَى النِّعْمَةَ عَلَيْك نِقْمَةً عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْسُدْ أَخَاك ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَحْسُدْ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلِمَ تَحْسُدُ مَنْ مَصِيرُهُ إلَى النَّارِ ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنْ الْمَجَالِسِ إلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا ، وَلَا يَنَالُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا ، وَلَا يَنَالُ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا جَزَعًا وَغَمًّا ، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ النَّزْعِ إلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا ، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إلَّا فَضِيحَةً وَهَوَانًا وَنَكَالًا .

( تَنْبِيهَاتٌ ) مِنْهَا : مَرَّ فِي أَحَادِيثِ الْغَضَبِ السَّابِقَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْغَضَبَ مِنْ نَارٍ وَغَرَزَهُ فِي الْإِنْسَانِ وَعَجَنَهُ بِطِينَتِهِ ، فَمَهْمَا قَصَدَ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ اشْتَعَلَتْ فِيهِ تِلْكَ النَّارُ إلَى أَنْ يَغْلِيَ مِنْهَا دَمُ قَلْبِهِ ثُمَّ تَنْتَشِرَ فِي بَقِيَّةِ عُرُوقِ الْبَدَنِ فَتَرْتَفِعَ إلَى أَعَالِيهِ كَمَا يَرْتَفِعُ الْمَاءُ الْمَغْلِيُّ فَيَنْصَبُّ الدَّمُ بَعْدَ انْبِسَاطِهِ إلَى الْوَجْهِ وَتَحْمَرُّ الْوَجْنَةُ وَالْعَيْنُ ، وَالْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ هَذَا إنْ اسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَإِنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ قُوَّتُهُ أَشَدُّ مِنْ قُوَّتِهِ وَكَانَ مَعَهُ يَأْسٌ مِنْ الِانْتِقَامِ انْقَبَضَ دَمُهُ مِنْ ظَاهِرِ جِلْدِهِ إلَى جَوْفِ قَلْبِهِ وَصَارَ خَوْفًا فَيَصْفَرُّ لَوْنُهُ ، أَوْ مَنْ مُسَاوِيهِ وَشَكَّ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُ تَرَدَّدَ دَمُهُ بَيْنَ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ فَيَحْمَرُّ وَيَصْفَرُّ وَيَضْطَرِبُ ؛ فَعُلِمَ أَنَّ قُوَّةَ الْغَضَبِ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَأَنَّ مَعْنَاهَا غَلَيَانُ دَمِهِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْقُوَّةَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا إلَى دَفْعِ مُؤْذٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، أَوْ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ بَعْدَهُ .
فَالِانْتِقَامُ هُوَ لَذَّتُهَا وَمُمْسِكُهَا ، ثُمَّ إنَّ التَّفْرِيطَ فِيهَا بِانْعِدَامِهَا أَوْ ضَعْفِهَا مَذْمُومٌ جِدًّا لِانْعِدَامِ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ حِينَئِذٍ ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ وَلَا مُرُوءَةَ لَا يَتَأَهَّلُ لِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَمَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ بِالنِّسَاءِ بَلْ بِحَشَرَاتِ الْحَيَوَانِ أَشْبَهُ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ اُسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ ، وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِالشِّدَّةِ وَالْحَمِيَّةِ فَقَالَ تَعَالَى : { أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً

عَلَى الْكَافِرِينَ } { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } وَثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ قِلَّةُ الْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَمِ كَالْأُخْتِ وَالزَّوْجَةِ ، وَاحْتِمَالِ الذُّلِّ مِنْ الْأَخِسَّاءِ ، وَصِغَرِ النَّفْسِ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا قَبَائِحُ وَمَذَامُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ثَمَرَاتِهَا إلَّا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ وَخُنُوثَةُ الطَّبْعِ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ أَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ غَيْرَتِهِ أَنْ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ } .

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ الْغَيْرَةَ مِنْ الْإِيمَانِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، وَإِنَّ مِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ .
وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ .
وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْقِتَالِ وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ ، وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْغَيُورَ ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ لِلْمُسْلِمِ فَلْيَغَرْ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .

وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِي تِلْكَ الْقُوَّةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ جِدًّا أَيْضًا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ سِيَاسَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَلَا يَبْقَى لَهُ مَعَهَا فِكْرٌ وَلَا بَصِيرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ ، بَلْ يَصِيرُ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ إمَّا لِأُمُورٍ خُلُقِيَّةٍ أَوْ عَادِيَّةٍ أَوْ مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا بِأَنْ تَكُونَ فِطْرَتُهُ مُسْتَعِدَّةً لِسُرْعَةِ الْغَضَبِ أَوْ يُخَالِطَ مَنْ يَتَبَجَّحُ بِهِ وَيَعُدُّهُ كَمَالًا وَشَجَاعَةً حَتَّى تَرَسَّخَ مَدْحُهُ عِنْدَهُ ، وَمَهْمَا اشْتَدَّتْ نَارُ الْغَضَبِ وَاشْتَعَلَتْ أَعْمَتْ صَاحِبَهُ وَأَصَمَّتْهُ عَنْ كُلِّ مَوْعِظَةٍ ، بَلْ لَا تَزِيدُهُ الْمَوْعِظَةُ إلَّا اشْتِعَالًا لِانْطِفَاءِ نُورِ عَقْلِهِ وَمَحْوِهِ حَالًا بِدُخَانِ الْغَضَبِ الصَّاعِدِ إلَى الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ مَعْدِنُ الْفِكْرِ وَبِمَا يَتَعَدَّى إلَى مَعَادِنِ الْحِسِّ ؛ فَيَظْلِمُ بَصَرَهُ حَتَّى لَا يَرَى شَيْئًا إلَّا سَوَادًا ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اشْتِعَالُ نَارِهِ حَتَّى تَفْنَى رُطُوبَةُ الْقَلْبِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ فَيَمُوتُ صَاحِبُهُ غَيْظًا .
وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْغَضَبِ فِي الظَّاهِرِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ كَمَا مَرَّ ، وَشِدَّةُ رَعْدَةِ الْأَطْرَافِ ، وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَنْ الِانْتِظَامِ ، وَاضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَظْهَرَ الزَّبَدُ عَلَى الْأَشْدَاقِ وَتَشْتَدَّ حُمْرَةُ الْأَحْدَاقِ وَتَنْقَلِبَ الْمَنَاخِرُ وَتَسْتَحِيلَ الْخِلْقَةُ ، وَلَوْ يَرَى الْغَضْبَانُ فِي حَالِ غَضَبِهِ صُورَةَ نَفْسِهِ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ ، وَقُبْحُ بَاطِنِهِ أَعْظَمُ مِنْ قُبْحِ ظَاهِرِهِ ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ إذْ قُبْحُ ذَاكَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ قُبْحِ هَذَا فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ الْبَاطِنِ هَذَا أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ .
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ ؛ فَانْطِلَاقُهُ بِالْقَبَائِحِ كَالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَسْتَحِي مِنْهُ ذَوُو الْعُقُولِ مُطْلَقًا ، وَقَائِلُهُ عِنْدَ فُتُورِ غَضَبِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ كَلَامُهُ ، بَلْ يَتَخَبَّطُ نَظْمُهُ وَيَضْطَرِبُ

لَفْظُهُ .
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْأَعْضَاءِ ، فَالضَّرْبُ فَمَا فَوْقَهُ إلَى الْقَتْلِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّشَفِّي رَجَعَ غَضَبُهُ عَلَيْهِ فَمَزَّقَ ثَوْبَهُ وَضَرَبَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ حَتَّى الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ - بِالْكَسْرِ - وَغَيْرِهِ ، وَعَدَا عَدْوَ الْوَالِهِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْحَيْرَانِ ، وَرُبَّمَا سَقَطَ وَعَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ وَاعْتَرَاهُ مِثْلُ الْغَشْيَةِ لِشِدَّةِ اسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْقَلْبِ ، فَالْحِقْدُ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَحَسَدُهُ ، وَإِظْهَارُ الشَّمَاتَةِ بِمُسَاءَتِهِ ، وَالْحُزْنِ بِسُرُورِهِ ، وَالْعَزْمُ عَلَى إفْشَاءِ سِرِّهِ وَهَتْكِ سِتْرِهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ .
وَأَمَّا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ : فَهُوَ اعْتِدَالُ تِلْكَ الْقُوَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَفْرِيطٌ وَلَا إفْرَاطٌ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوْعَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ، فَتَنْبَعِثُ حَيْثُ وَجَبَتْ الْحَمِيَّةُ ، وَتَنْطَفِئُ حَيْثُ حَسُنَ الْحِلْمُ ، وَهَذَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ ، وَالْوَسَطُ الَّذِي مَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا } ، فَمَنْ أَفْرَطَ أَوْ فَرَّطَ فَلْيُعَالِجْ نَفْسَهُ إلَى وُصُولِهَا إلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَوْ إلَى الْقُرْبِ ، قَالَ تَعَالَى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّرِّ كُلِّهِ فَإِنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ ، وَبَعْضَ الْخَيْرِ أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ يُعْطِي كُلَّ عَامِلٍ مَا أَمَّلَهُ ، وَيُيَسِّرُ لَهُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ وَأَمَّ لَهُ .
وَمِنْهَا : مَحَلُّ ذَمِّ الْغَضَبِ إنْ كَانَ بِبَاطِلٍ ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُودٌ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْضَبُ إلَّا لِلَّهِ .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا

رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ فِي مَوْعِظَتِهِ يَوْمَئِذٍ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ } .
قَالَتْ عَائِشَةُ : { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي - أَيْ صِفَةً - بَيْنَ يَدَيْ الْبَيْتِ بِقِرَامٍ - أَيْ سِتْرٍ رَقِيقٍ - فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ أَيْ أَفْسَدَ الصُّورَةَ الَّتِي فِيهَا وَرَمَاهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
قَالَ أَنَسٌ : { رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَامَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ ، وَقَالَ : إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ قَالَ : إنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ : أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا } .
وَمِنْهَا : ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّيَاضَةَ تُزِيلُ الْغَضَبَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ أَصْلًا .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَالْحَقُّ مَا سَنَذْكُرُهُ .
وَحَاصِلُهُ ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يُحِبُّ شَيْئًا وَيَكْرَهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو مِنْ الْغَضَبِ ، ثُمَّ الْمَحْبُوبُ إنْ كَانَ ضَرُورِيًّا كَالْقُوتِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَضَبِ لِأَجْلِ تَفْوِيتِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ كَالْجَاهِ وَالصِّيتِ وَالتَّصَدُّرِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالْعِلْمِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ أَمْكَنَ

عَدَمُ الْغَضَبِ عَلَيْهِ بِالزُّهْدِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ صَارَ مَحْبُوبًا بِالْعَادَةِ وَالْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الْأُمُورِ ، وَأَكْثَرُ غَضَبِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ ، أَوْ ضَرُورِيًّا فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ كَكُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَغْضَبُ لِفَوَاتِهِ إلَّا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ : لَا تُؤَثِّرُ الرِّيَاضَةُ فِي زَوَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الطَّبْعِ بَلْ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى حَدٍّ يَسْتَحْسِنُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَكَلُّفِ التَّحَلُّمِ وَالِاحْتِمَالِ مُدَّةً حَتَّى يَصِيرَ الْحِلْمُ وَالِاحْتِمَالُ خُلُقًا رَاسِخًا .
وَكَذَلِكَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَرُورِيٌّ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْغَضَبِ عَلَى فَوَاتِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بَلْ ضَعْفُهُ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : فَيُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ إخْرَاجِ حُبِّهِ مِنْ الْقَلْبِ لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهِ ، وَلِمُلَاحَظَةِ أَنَّ وَطَنَ الْإِنْسَانِ الْحَقِيقِيَّ الْقَبْرُ وَمُسْتَقَرَّهُ الْآخِرَةُ ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مَحَلُّ تَزَوُّدِهِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَيْهِ فِي وَطَنِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ فَلْيَزْهَدْ فِيهَا مَا حَيَا حُبُّهَا مِنْ قَلْبِهِ .
نَعَمْ وُصُولُ الرِّيَاضَةِ إلَى قَلْعِ أَصْلِ هَذَا نَادِرٌ جِدًّا .
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ ضَرَبْتُهُ فَاجْعَلْهَا مِنِّي صَلَاةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
{ وَقَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْتُبُ عَنْك مَا قُلْت فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُكْتُبْ فَوَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا حَقٌّ وَأَشَارَ

إلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقُلْ إنِّي لَا أَغْضَبُ ، وَلَكِنْ قَالَ : إنَّ الْغَضَبَ لَا يُخْرِجُنِي عَنْ الْحَقِّ } : أَيْ لَا أَعْمَلُ بِمُوجَبِ الْغَضَبِ .
قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْضَبُ لِلدُّنْيَا فَإِذَا غَضِبَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ } .
وَالْحَاصِلُ ؛ أَنَّ أَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْغَضَبِ مَحْوُهُ حُبَّ الدُّنْيَا عَنْ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ آفَاتِهَا وَغَوَائِلِهَا ، وَأَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْوُقُوعِ فِي وَرْطَتِهِ الزَّهْوُ وَالْعُجْبُ وَالْمُزَاحُ وَالْهَزْلُ وَالْهُزْءُ وَالتَّعْيِيرُ وَالْمُمَارَاةُ وَالْمُضَارَّةُ وَالْغَدْرُ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى فُضُولِ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، فَهَذِهِ بِأَجْمَعِهَا أَخْلَاقٌ رَدِيئَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا ، وَلَا خَلَاصَ مِنْ الْغَضَبِ مَعَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّى بِأَضْدَادِهَا .
وَمِنْهَا : مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يُعْلَمُ بِهِ دَوَاءُ الْغَضَبِ وَمُزِيلُهُ بَعْدَ هَيَجَانِهِ ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، فَالْعِلْمُ بِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَفِي الْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَرْغَبُ فِيمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فَيَزُولُ مَا عِنْدَهُ وَمَا يَضْطَرُّهُ إلَى الْهَوَانِ وَالْعَذَابِ ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا أَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِضَرْبِ رَجُلٍ قَرَأَ عَلَيْهِ : { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } فَقَرَأَهَا عُمَرُ وَتَأَمَّلَهَا فَخَلَّاهُ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ ، وَتَأَسَّى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَفِيدُهُ فِي هَذَا فَأَمَرَ بِضَرْبِ رَجُلٍ ثُمَّ قَرَأَ : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ ، وَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قُدْرَتِهِ هُوَ فَرُبَّمَا لَوْ أَمْضَى غَضَبَهُ أَمْضَى اللَّهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ فَهُوَ أَحْوَجُ مَا

يَكُونُ لِلْعَفْوِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ كَمَا مَرَّ : { يَا ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ فَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ } ، وَبِأَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الِانْتِقَامِ مِنْ تَسَلُّطِ الْمُنْتَقَمِ مِنْهُ عَلَى عِرْضِهِ ، وَإِظْهَارِ مَعَايِبِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِ الْأَعْدَاءِ ، فَهَذِهِ غَوَائِلُ دُنْيَوِيَّةٌ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يُعَوِّلُ عَلَى الْآخِرَةِ أَنْ لَا يَقْطَعَ نَظَرَهُ عَنْهَا ، وَبِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ غَضَبِهِ مَعَ قُبْحِ الْغَضَبِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي ، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَيَتَأَمَّلُ بُعْدَ مَا بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ ، وَبِأَنْ لَا يُصْغِيَ إلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْمُهَيِّجَةِ لِغَضَبِهِ فَإِنَّ تَرْكَهُ يُورِثُ عَجْزَهُ عِنْدَ النَّاسِ ، وَيَتَأَمَّلَ أَنَّ هَذَا دُونَ عَذَابِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ .
إذْ الْغَضْبَانُ يَوَدُّ جَرَيَانَ الشَّيْءِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ دُونَ مُرَادِ اللَّهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَا يَأْمَنُ غَضَبَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ ، وَالْعَمَلُ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَيَأْخُذَ بِأَنْفِ نَفْسِهِ وَيَقُولَ : اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي ، وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ لِحَدِيثٍ فِيهِ ثُمَّ لِيَجْلِسْ ثُمَّ يَضْطَجِعْ لِيَقْرُبَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا حَتَّى يَعْرِفَ حَقَارَةَ أَصْلِهِ وَذُلَّ نَفْسِهِ ، وَلْيَسْكُنْ عَنْ الْحَرَكَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا الْحَرَارَةُ النَّاشِئُ عَنْهَا الْغَضَبُ كَمَا فِي حَدِيثِ : { إنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي الْقَلْبِ أَلَمْ تَرَوْا إلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَجْلِسْ ، وَإِنْ كَانَ جَالِسًا فَلْيَنَمْ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فَلْيَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَوْ

لِيَغْتَسِلْ فَإِنَّ النَّارَ لَا يُطْفِئُهَا إلَّا الْمَاءُ } .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنْ النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { إذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ } .
وَفِي أُخْرَى : { أَلَا إنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ : أَلَا تَرَوْنَ إلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيُلْصِقْ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ } .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى السُّجُودِ وَتَمْكِينِ أَعَزِّ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَذَلِّ الْمَوَاضِعِ - وَهُوَ التُّرَابُ - لِتَسْتَشْعِرَ بِهِ النَّفْسُ فَتُزِيلَ بِهِ الْعِزَّةَ وَالزَّهْوَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ ، وَاسْتَنْشَقَ عُمَرُ بِمَاءٍ عِنْدَ غَضَبِهِ وَقَالَ : إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهَذَا يُذْهِبُ الْغَضَبَ .
{ وَعَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا بِأُمِّهِ قِيلَ : هُوَ بِلَالٌ فَعَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ارْفَعْ رَأْسَك فَانْظُرْ - أَيْ إلَى السَّمَاءِ - وَعِظَمِ خَالِقِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّك لَسْتَ بِأَفْضَلَ مِنْ أَحْمَرَ وَلَا أَسْوَدَ إلَّا أَنْ تَفْضُلَهُ بِالْعِلْمِ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا غَضِبْتَ فَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاقْعُدْ ، وَإِنْ كُنْتَ قَاعِدًا فَاتَّكِئْ ، وَإِنْ كُنْت مُتَّكِئًا فَاضْطَجِعْ } .
وَمِنْهَا : لَا يَجُوزُ لَك إذَا ظُلِمْتَ بِنَحْوِ غِيبَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ تَجَسُّسٍ أَنْ تُقَابِلَ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ ، وَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَجْرِي فِيمَا فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ ، نَعَمْ رَخَّصَ أَئِمَّتُنَا أَنْ يُقَابِلَهُ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ كَأَحْمَقَ ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ : كُلُّ النَّاسِ أَحْمَقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَقَلُّ حَمَاقَةً مِنْ بَعْضٍ .
وَقَالَ عُمَرُ : النَّاسُ كُلُّهُمْ حَمْقَى فِي ذَاتِ اللَّهِ

، وَكَجَاهِلٍ ، إذْ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَفِيهِ جَهْلٌ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَكَذَا يَا سَيِّئَ الْخُلُقِ يَا صَفِيقَ الْوَجْهِ يَا ثَلَّابَ الْأَعْرَاضِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيك حَيَاءٌ مَا تَكَلَّمْتَ مَا أَحْقَرَك فِي عَيْنِي بِمَا فَعَلْتَ ، وَخَزَاك اللَّهُ وَانْتَقَمَ مِنْك ، فَأَمَّا نَحْوُ الْقَذْفِ وَسَبِّ الْوَالِدَيْنِ فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ : { أَنَّ زَيْنَبَ سَبَّتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَجَابَتْهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّهَا ابْنَةُ أَبِيهَا } .
وَالْمُرَادُ بِالسَّبِّ هُنَا أَنَّهَا أَجَابَتْهَا عَنْ كَلَامِهَا بِالْحَقِّ وَقَابَلَتْهَا بِالصِّدْقِ ، وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ ذَلِكَ ، وَإِنْ جَازَ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَا هُوَ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ .
وَفِي حَدِيثٍ : { الْمُؤْمِنُ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الرِّضَا فَهَذِهِ بِتِلْكَ } وَفِي آخَرَ : { أَنَّهُ قَسَّمَ الْخَلْقَ إلَى سَرِيعِهِمَا وَبَطِيئِهِمَا وَسَرِيعِ أَحَدِهِمَا بَطِيءِ الْآخَرِ وَجَعَلَ خَيْرَهُمْ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا وَشَرَّهُمْ عَكْسَهُ } .
وَمِنْهَا : قَدْ مَرَّ أَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ الْغَضَبِ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَفِّي حَالًا رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا وَحَسَدًا ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ قَلْبَهُ اسْتِثْقَالُهُ وَبُغْضُهُ دَائِمًا فَهَذَا هُوَ الْحِقْدُ .
وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ أَنْ تَحْسُدَهُ بِأَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ عَنْهُ ، وَتَتَمَتَّعَ بِنِعْمَتِهِ وَتَفْرَحَ بِمُصِيبَتِهِ ، وَأَنْ تَشْمَتَ بِبَلِيَّتِهِ وَتَهْجُرَهُ وَتُقَاطِعَهُ ، وَإِنْ أَقْبَلَ عَلَيْك ، وَتُطْلِقَ لِسَانَك فِيهِ بِمَا لَا يَحِلُّ ، وَتَهْزَأَ بِهِ وَتَسْخَرَ مِنْهُ وَتُؤْذِيَهُ ، وَتَمْنَعَهُ حَقَّهُ مِنْ نَحْوِ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ رَدِّ مَظْلِمَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ شَدِيدُ الْإِثْمِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحِقْدِ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ الْمُنْقِصَةِ لِلدِّينِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {

الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِحَقُودٍ } .

وَمِنْهَا : قَدْ عَلِمْتَ قَرِيبًا مَعْنَى الْحَسَدِ فَلَا حَسَدَ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ بِأَنْ تَكْرَهَهَا لِلْغَيْرِ وَتُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ ، فَإِنْ اشْتَهَيْتَ لِنَفْسِك مِثْلَهَا مَعَ بَقَائِهَا لِذَوِيهَا فَهُوَ غِبْطَةٌ ، وَقَدْ يُخَصُّ بِاسْمِ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ قَدْ تُسَمَّى حَسَدًا كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ : { لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ } وَفِي حَدِيثٍ : { الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ } .
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَفُسُوقٌ بِكُلِّ حَالٍ .
نَعَمْ إنْ تَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ فَاجِرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آلَةُ فَسَادِهِ ، وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ وَلَوْ صَلُحَ حَالُهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا عَنْهُ فَلَا حُرْمَةَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا آلَةَ الْفَسَادِ وَالْإِيذَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَأَنَّهُ فُسُوقٌ وَكَبِيرَةٌ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَخْبَارِ .
وَمِنْ آفَاتِهِ ؛ أَنَّ فِيهِ تَسَخُّطًا لِقَضَاءِ اللَّهِ إذْ أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ عَلَيْك فِيهِ ، وَشَمَاتَةً بِأَخِيك الْمُسْلِمِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا } { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } .
وَالثَّانِي : أَعْنِي الْغِبْطَةَ وَالْمُنَافَسَةَ ، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ ، بَلْ هُوَ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ ، قَالَ تَعَالَى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } - { سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } وَالْمُسَابَقَةُ تَقْتَضِي خَوْفَ الْفَوْتِ كَعَبْدَيْنِ يَتَسَابَقَانِ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُمَا حَتَّى يَحْظَى السَّابِقُ عِنْدَهُ ، فَالْوَاجِبُ يَكُونُ فِي النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ الْوَاجِبَةِ كَنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالزَّكَاةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ

بِذَلِكَ ، وَإِلَّا كُنْتَ رَاضِيًا بِالْمَعْصِيَةِ ، وَالرِّضَا بِهَا حَرَامٌ ، وَالْمَنْدُوبُ يَكُونُ فِي الْفَضَائِلِ : كَالْعُلُومِ ، وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِي الْمَبَرَّاتِ ، وَالْمُبَاحُ يَكُونُ فِي النِّعَمِ الْمُبَاحَةِ كَالنِّكَاحِ ، نَعَمْ الْمُنَافَسَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ تُنْقِصُ مِنْ الْفَضَائِلِ وَتُنَاقِضُ الزُّهْدَ وَالرِّضَا وَالتَّوَكُّلَ ، وَتَحْجُبُ عَنْ الْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ ، نَعَمْ هُنَا دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا ، وَإِلَّا وَقَعَ الْإِنْسَانُ فِي الْحَسَدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ نِعْمَةِ الْغَيْرِ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ نَفْسَهُ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ صَاحِبِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَنَّهَا تُحِبُّ زَوَالَ نَقْصِهَا ، وَزَوَالُهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُسَاوَاةِ ذِي النِّعْمَةِ ، أَوْ بِزَوَالِهَا عَنْهُ قَدْ فَرَضَ يَأْسَهُ عَنْ مُسَاوَاتِهِ فِيهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَحَبَّتُهُ لِزَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ بِهَا عَنْهُ إذْ بِزَوَالِهَا يَزُولُ تَخَلُّفُهُ وَتَقَدُّمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا عَنْ الْغَيْرِ أَزَالَهَا فَهُوَ حَسُودٌ حَسَدًا مَذْمُومًا ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّقْوَى مَا يَمْنَعُهُ عَنْ إزَالَتِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَعَنْ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ لَا تَنْفَكُّ النَّفْسُ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ الْمَعْنِيُّ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ : { كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَكُّ الْمُسْلِمُ عَنْهُنَّ : الْحَسَدُ ، وَالظَّنُّ ، وَالطِّيَرَةُ ؛ وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ } : أَيْ إنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِك شَيْئًا فَلَا تَعْمَلْ بِهِ ، وَيَبْعُدُ مِمَّنْ يُرِيدُ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِ فِي النِّعْمَةِ فَيَعْجِزُ عَنْهَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ أَقْرَانِهِ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ الْمَيْلِ إلَى زَوَالِهَا ، فَهَذَا الْحَدُّ مِنْ الْمُنَافَسَةِ يُشْبِهُ الْحَسَدَ الْحَرَامَ فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ التَّامُّ ، فَإِنَّهُ مَتَى صَغِيَ إلَى

مَحَبَّةِ نَفْسِهِ وَمَالَ بِاخْتِيَارِهِ إلَى مُسَاوَاتِهِ لِذِي النِّعْمَةِ بِمَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْهُ فَهُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْحَسَدِ الْحَرَامِ وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا إنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَرَسَخَ قَدَمُهُ فِي التَّقْوَى ، وَمَهْمَا حَرَّكَهُ خَوْفُ نَقْصِهِ عَنْ غَيْرِهِ جَرَّهُ إلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْزِلَ لِمُسَاوَاتِهِ ، وَهُنَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ أَمْ الدُّنْيَا .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَلَكِنَّ ذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةً لَهُ : وَمِنْهَا : قَدْ عَرَفْتَ مَاهِيَّةَ الْحَسَدِ وَأَحْكَامَهُ .
وَأَمَّا مَرَاتِبُهُ : فَهِيَ إمَّا مَحَبَّةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ لِلْحَاسِدِ ، وَهَذَا غَايَةُ الْحَسَدِ ، أَوْ مَعَ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ أَوْ انْتِقَالِ مِثْلِهَا إلَيْهِ ، وَإِلَّا أَحَبَّ زَوَالَهَا لِئَلَّا يَتَمَيَّزَ عَلَيْهِ أَوْ لَا مَعَ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ الْحَسَدِ إنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَالْمَطْلُوبُ إنْ كَانَ فِي الدِّينِ كَمَا مَرَّ .
وَمِنْهَا : لَا شَكَّ أَنَّ الْحَسَدَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ الْعَظِيمَةِ ، وَأَمْرَاضُ الْقُلُوبُ لَا تُدَاوَى إلَّا بِالْعِلْمِ ، فَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ يَضُرُّ دِينًا وَدُنْيَا وَلَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا ، إذْ لَا تَزُولُ نِعْمَةٌ بِحَسَدٍ قَطُّ ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلَّهِ نِعْمَةٌ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى الْإِيمَانُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يُحِبُّونَ زَوَالَهُ عَنْ أَهْلِهِ ، بَلْ الْمَحْسُودُ مُنْتَفِعٌ بِحَسَدِك دِينًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِك سِيَّمَا إنْ أَبْرَزْتَ حَسَدَك إلَى الْخَارِجِ بِالْغِيبَةِ وَهَتْكِ السِّتْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ ، فَهَذِهِ هَدَايَا تُهْدِي إلَيْهِ حَسَنَاتِك بِسَبَبِهَا حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا مَحْرُومًا مِنْ النِّعَمِ كَمَا حُرِمْتَ مِنْهَا فِي

الدُّنْيَا وَدِينًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ غَمِّك وَحُزْنِك وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي ، وَمَتَى انْكَشَفَ غِشَاءُ بَصِيرَتِك وَرَيْنُ قَلْبِك وَتَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ عَدُوَّ نَفْسِك وَلَا صَدِيقَ عَدُوِّك أَعْرَضْت عَنْ الْحَسَدِ أَصْلًا وَرَأْسًا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَدْ وَقَعْتَ بِهِ فِي وَرْطَةٍ عَظِيمَةٍ ، وَهِيَ أَنَّك قَدْ سَخِطْتَ قَضَاءَ اللَّهِ وَكَرِهْتَ قِسْمَةَ اللَّهِ وَعَدْلَهُ ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ أَيُّ جِنَايَةٍ عَلَى حَضْرَةِ التَّوْحِيدِ وَنَاهِيكَ بِهَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ ، وَكَيْفَ لَا وَأَنْتَ قَدْ فَارَقْتَ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ فِي حُبِّهِمْ وُصُولَ الْخَيْرِ لِعِبَادِ اللَّهِ وَشَارَكْت إبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينَ فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا وَزَوَالَ النِّعَمِ ؟ وَهَذِهِ خَبَائِثُ فِي الْقَلْبِ تَأْكُلُ حَسَنَاتِك كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ، هَذَا مَعَ مَا يَنْضَمُّ لِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِك الدُّنْيَوِيِّ بِتَوَالِي الْهَمِّ وَالْغَمِّ عَلَيْك كُلَّمَا رَأَيْتَ مَحْسُودَك يَتَزَايَدُ فِي النِّعَمِ وَأَنْتَ تَتَنَاقَصُ فِيهَا ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ آفَاتِ حَسَدِك فَأَنْتَ دَائِمًا فِي غَايَةِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَتَشَعُّبِ الْقَلْبِ ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّك لَمْ تُؤْمِنْ بِبَعْثٍ وَلَا حِسَابٍ لَكَانَ مِنْ الْحَزْمِ تَرْكُ الْحَسَدِ حَتَّى تَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ النَّاجِزَةِ قَبْلَ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ ، فَظَهَرَ أَنَّك عَدُوُّ نَفْسِك وَصَدِيقُ عَدُوِّك إذْ تَعَاطَيْتَ مَا تَضَرَّرْت بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَانْتَفَعَ بِهِ عَدُوُّك فِيهِمَا ، وَصِرْتَ مَذْمُومًا عِنْدَ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ شَقِيًّا حَالًا وَمَآلًا .
وَأَمَّا الْعَمَلُ النَّافِعُ لِذَلِكَ الْمَرَضِ ؛ فَهُوَ أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَك أَنْ تَصْنَعَ بِالْمَحْسُودِ ضِدَّ مَا اقْتَضَاهُ حَسَدُك فَتُبَدِّلُ الذَّمَّ بِالْمَدْحِ ، وَالتَّكَبُّرَ عَلَيْهِ بِالتَّوَاضُعِ لَهُ ، وَمَنْعَ إدْخَالِ رِفْقٍ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْإِرْفَاقِ بِهِ وَهَكَذَا ، فَبِهَذَا يَضْعُفُ دَاءُ الْحَسَدِ وَكُلَّمَا زِدْت مِنْ ذَلِكَ زَادَ

تَنَاقُصُ الْحَسَدِ إلَى أَنْ يَنْعَدِمَ ، فَافْهَمْ تَسْلَمْ وَامْتَثِلْ تَغْنَمْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ .
وَمِنْهَا : لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُبْغِضُ مَنْ آذَاهُ طَبْعًا فَلَا يَسْتَوِي عِنْدَهُ حُسْنُ حَالِهِ وَسُوءُهُ غَالِبًا ، وَبِهَذَا يُنَازِعُ الشَّيْطَانُ النَّفْسَ إلَى حَسَدِهِ فَإِنْ أَطَاعَتْهُ حَتَّى أَظْهَرَتْ الْحَسَدَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ أَوْ أَبْطَنَتْهُ بِأَنْ أَحَبَّتْ زَوَالَ نِعْمَتِهِ فَهِيَ عَاصِيَةٌ بِحَسَدِهَا إذْ مَعْصِيَةُ الْحَسَدِ بِالْقَلْبِ فَحُسِبَتْ مَظْلِمَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْخَلْقِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهَا اسْتِحْلَالُ الْمَحْسُودِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، فَمَتَى كَفَفْت ظَاهِرَك وَأَلْزَمْت مَعَ ذَلِكَ قَلْبَك كَرَاهَةَ مَا يَتَرَسَّخُ فِيهِ بِالطَّبْعِ مِنْ حُبِّ زَوَالِ النِّعْمَةِ حَتَّى كَأَنَّك مَقَتَّ نَفْسَك عَلَى مَا فِي طَبْعِهَا كَانَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَيْلِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ قَدْ أَدَّيْت الْوَاجِبَ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِك غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ، فَأَمَّا تَغْيِيرُ الطَّبْعِ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْمُؤْذِي وَالْمُحْسِنُ وَيَكُونَ فَرَحُهُ بِنِعْمَتِهِمَا وَغَمِّهِ بِبَلِيَّتِهِمَا سَوَاءً ، فَأَمْرٌ يَأْبَاهُ الطَّبْعُ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَشْتَغِلْ بِهَا إلَى أَنْ يَرَى الْخَلْقَ كُلَّهُمْ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ عَيْنُ الرَّحْمَةِ ، وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَدُومُ بَلْ تَكُونُ كَالْبَرْقِ ، ثُمَّ يَعُودُ الْقَلْبُ إلَى طَبْعِهِ وَالشَّيْطَانُ إلَى مُنَازَعَتِهِ بِالْوَسْوَسَةِ ، وَمَهْمَا قَابَلَ ذَلِكَ بِكَرَاهَتِهِ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَهُ .
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مَا دَامَ الْحَسَدُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى جَوَارِحِهِ ، لِخَبَرِ : { ثَلَاثٌ لَا يَخْلُو مِنْهُنَّ مُؤْمِنٌ وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ ، فَمَخْرَجُهُ مِنْ الْحَسَدِ أَنْ لَا يَبْغِيَ } وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ شَاذٌّ بَلْ الصَّوَابُ مَا

مَرَّ مِنْ حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ إنْ صَحَّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ دِينًا وَعَقْلًا فِي مُقَابَلَةِ حُبِّ الطَّبْعِ لِزَوَالِ نِعْمَةِ الْعَدُوِّ ، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْبَغْيِ وَالْإِيذَاءِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْأَخْبَارُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَمِّ كُلِّ حَاسِدٍ وَإِثْمِهِ ، وَالْحَسَدُ لَيْسَ حَقِيقَتُهُ إلَّا فِي الْقَلْبِ ، وَكَيْفَ يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يُجَوِّزَ مَحَبَّةَ إسَاءَةِ مُسْلِمٍ ، وَاشْتِمَالَ قَلْبِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ مِنْهُ لِذَلِكَ ؟ .

فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْحُبِّ فِي اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَك وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } { فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } { وَاخْفِضْ جَنَاحَك لِلْمُؤْمِنِينَ } { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك } وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ ، يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا } .
{ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا فَإِنْ كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ } .
{ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
{ هَلْ أَتَى عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِك وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُهُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -

قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِك لَك وَمَا رَدُّوا عَلَيْك ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْك مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِك لَك وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إلَيْك لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ ، فَإِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقُلْتُ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا } .
{ قَالَ أَنَسٌ : كُنْت أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً فَنَظَرْتُ إلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَك ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ } .
{ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } .
{ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ فِيك خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ قَالَهُ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ } كَمَا يَأْتِي : { إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ } .
{ إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ } .
{ مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ كُلَّهُ } .
{ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ

شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } .
{ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَا نِيلَ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَلَيْهِمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْت فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ - : أَيْ الرَّمَادَ الْحَارَّ - وَلَا يَزَالُ مَعَك مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ } .
وَالْبُخَارِيُّ : { أَنَّ ذَا الْخُوَيْصِرَةِ لَمَّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ قَامَ النَّاسُ إلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا } - : أَيْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ - { مِنْ مَاءٍ ، أَوْ قَالَ ذَنُوبًا } - : أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً - { فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ ، وَابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ الْأَشَجِّ - وَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَامِرٍ - : { إنَّ فِيك لَخَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ } .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالْبَغَوِيُّ ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ أَبَانَ عَنْ جَدِّهَا ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ الْأَشَجِّ ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ { عَنْ جُوَيْرِيَةَ : إنَّ فِيك لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ } وَاَلْبَارُودِيُّ : { يَا أَشَجُّ إنَّ فِيك

خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فِيك خُلُقَانِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْأَنَاةُ وَالتُّؤَدَةُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ قَالَ : بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { خِيَارُ أُمَّتِي أَحِدَّاؤُهُمْ الَّذِينَ إذَا غَضِبُوا رَجَعُوا .
الْحِدَّةُ تَعْتَرِي خِيَارَ أُمَّتِي } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { الْحِدَّةُ تَعْتَرِي حَمَلَةَ الْقُرْآنِ لِعِزَّةِ الْقُرْآنِ فِي أَجْوَافِهِمْ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { الْحِدَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي صَالِحِي أُمَّتِي وَأَبْرَارِهَا } .
وَالسِّجْزِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ : { لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْحِدَّةِ مِنْ حَامِلِ الْقُرْآنِ لِعِزَّةِ الْقُرْآنِ فِي جَوْفِهِ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، وَإِنَّهُ لَيُكْتَبُ جَبَّارًا وَلَا يَمْلِكُ إلَّا أَهْلَ بَيْتِهِ } .
وَالْخَطِيبُ : { الْحَلِيمُ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا وَسَيِّدٌ فِي الْآخِرَةِ .
كَادَ الْحَلِيمُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { يَا أَشَجُّ إنَّ فِيك خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ تَعَالَى : الْحِلْمُ وَالتُّؤَدَةُ } وَهِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حُسْنُهَا مِنْ قُبْحِهَا .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَيْسَ بِحَلِيمٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالْمَعْرُوفِ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجًا } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَا أَزْيَنَ مَنْ حَلُمَ ، مَا أُوذِيَ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ فِي اللَّهِ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مَا مِنْ جَرْعَةٍ أَعْظَمَ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { مَا جَرْعَةٌ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ ، مَا

كَظَمَهَا عَبْدٌ إلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إيمَانًا } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا ، وَإِيمَانًا ، وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ، وَمَنْ زَوَّجَ لِلَّهِ تَوَجَّهَ اللَّهُ تَاجَ الْمُلْكِ } .
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ : { مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يُزَوِّجُهُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { وَجَبَتْ مَحَبَّةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أُغْضِبَ فَحَلُمَ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { ابْغِ الرِّفْعَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَحْلُمُ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْك وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك } .
وَابْنُ السُّنِّيِّ : { مَا أُضِيفَ شَيْءٌ إلَى شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ حِلْمٍ إلَى عِلْمٍ } .
وَابْنُ شَاهِينَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : مَا أَعَزَّ اللَّهُ بِجَهْلٍ قَطُّ وَلَا أَذَلَّ اللَّهُ بِحِلْمٍ قَطُّ وَلَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ قَطُّ " .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { غَرِيبَتَانِ : كَلِمَةُ حِكْمَةٍ مِنْ سَفِيهٍ ، وَكَلِمَةُ سَفَهٍ مِنْ حَلِيمٍ فَاغْفِرُوهَا ، فَإِنَّهُ لَا حَلِيمَ إلَّا ذُو عَثْرَةٍ وَلَا حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ } .
وَالْعَسْكَرِيُّ : { لَا حَلِيمَ إلَّا ذُو أَنَاةٍ وَلَا عَلِيمَ إلَّا ذُو عَثْرَةٍ وَلَا حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ لَا يَرْحَمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ } أَيْ عِزُّهُ وَسُلْطَانُهُ { مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ ، وَمَنْ لَا يَتُبْ لَا يُتَبْ عَلَيْهِ إنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ .
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا } ، { وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا } ، { وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ } .
{ الْبَرَكَةُ فِي أَكَابِرِنَا .
فَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ

صَغِيرَنَا وَيُجِلَّ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَالدُّولَابِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { خَابَ وَخَسِرَ عَبْدٌ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ : { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } .
زَادَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَأَخِّرُونَ : { وَالرَّحِمُ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ : أَيْ لَفْظُهَا مُشْتَقٌّ مِنْ اسْمِهِ الرَّحْمَنِ ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : { لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ : { ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ .
وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَهُ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ ، وَوَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ : { أَشْكَرُ النَّاسِ لِلَّهِ أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا ، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ .
وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا ، وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ

مِنْهُ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { بُعِثْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ : رَأْسُ الْعَقْلِ الْمُدَارَاةُ ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ ، وَأَهْلُ التَّكَبُّرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ التَّكَبُّرِ فِي الْآخِرَةِ } .
وَأَحْمَدُ : { مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ } .
وَمَالِكٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي } .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ } .

( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ : الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْخُيَلَاءُ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } { إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } { إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أَيْ صَاغِرِينَ .
وَالْآيَاتُ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ كَثِيرَةٌ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ } : أَيْ مُمَشِّطٌ رَأْسَهُ { مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَجُرُّ إزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالْخُيَلَاءُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ كَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الْيَاءِ مَمْدُودًا هُوَ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ ، وَيَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ : أَيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ فِيهَا .
وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ مُخْتَالًا فِيهِمَا ، أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا { أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ فَتَبَخْتَرَ وَاخْتَالَ فِيهَا فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قِيلَ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ } : أَيْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ، رَدُّهُ وَدَفْعُهُ ، { وَغَمْطُ النَّاسِ } : أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ، وَبِالْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ

احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ وَكَذَا غَمْصُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ .
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فَقَالَ : { وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ } .
وَقَدْ احْتَجَّا : أَيْ الشَّيْخَانِ : بِرُوَاتِهِ .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَكَبَّرُ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ : { يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَان يُسَاقُونَ إلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ } ، وَبُولَسُ بِمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَلَامٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُهْمَلَةٍ ، وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَالْمُوَحَّدَةِ .
وَفِي رِوَايَةٍ : { يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَرًّا فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ ثُمَّ يُسَاقُونَ إلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةَ أَهْلِ النَّارِ } .
وَفِي أُخْرَى : { يُحْشَرُ الْجَبَّارُونَ ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ تَطَؤُهُمْ النَّاسُ لِهَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، فَمَنْ

نَازَعَنِي فِي رِدَائِي قَصَمْتُهُ } .
وَمَيْمُونَةُ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعِزُّ إزَارِي ، مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : الْعِزُّ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا عَذَّبْتُهُ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ : { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْته فِي جَهَنَّمَ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } .
وَالْبَزَّارُ : { كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ ، فَإِنَّ إبْلِيسَ حَمَلَهُ الْكِبْرُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِآدَمَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحِرْصَ ، فَإِنَّ آدَمَ حَمَلَهُ الْحِرْصُ عَلَى أَنْ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ ، فَإِنَّ ابْنَيْ آدَمَ إنَّمَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَسَدًا فَهَذَا أَصْلُ خَطِيئَتِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ ، فَإِنَّ الْكِبْرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ ، وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ } : أَيْ بِضَمَّتَيْنِ فَشَدَّةٍ : الْغَلِيظُ الْجَافِي ، { جَوَّاظٍ } : أَيْ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ ، وَقِيلَ : الضَّخْمُ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ ، وَقِيلَ : الْقَصِيرُ الْبَطِينُ { جَعْظَرِيٍّ مُسْتَكْبِرٍ } .
وَالشَّيْخَانِ ، { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟

كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلَا الْجَعْظَرِيُّ } .
قَالَ : وَالْجَوَّاظُ الْغَلِيظُ الْفَظُّ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ ابْنَ سَبْعِينَ فِي أَهْلِهِ ابْنَ عِشْرِينَ فِي مِشْيَتِهِ وَمَنْظَرِهِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ الْمَرِحِينَ } .
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ لَالٍ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ عَدِيٍّ : { اجْتَنِبُوا الْكِبْرَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ يَتَكَبَّرُ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى : اُكْتُبُوا عَبْدِي هَذَا فِي الْجَبَّارِينَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ : أَيْ يَرْتَفِعُ وَيَتَكَبَّرُ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ } .
وَصَحَّ : { لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ الْعُجْبَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ : { بَرَاءَةٌ مِنْ الْكِبْرِ لُبْسُ الصُّوفِ وَمُجَالَسَةُ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَرُكُوبُ الْحِمَارِ وَاعْتِقَالُ الْعَنْزِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ حَمَلَ سِلْعَتَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ } .
وَالْحَاكِمُ : { سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ ؛ الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّشَاحُنُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ } .
وَأَحْمَدُ : { الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْإِبِلِ ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ } .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ } أَيْ فَقِيرٌ { مُسْتَكْبِرٌ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ : الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ } .
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ : { عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ

يَدْخُلُونَ النَّارَ : أَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهِ ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ ، وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ } : أَيْ الْمُعْجَبُ بِنَفْسِهِ الْمُتَكَبِّرُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِسْكِينٌ مُتَكَبِّرٌ ، وَلَا شَيْخٌ زَانٍ ، وَلَا مَنَّانٌ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ : { مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَقْبَلَ رَجُلٌ يَمْشِي فِي بُرْدَيْنِ لَهُ قَدْ أَسْبَلَ إزَارَهُ وَنَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ابْنَ عِشْرِينَ إذَا كَانَ شَبَهَ ابْنِ ثَمَانِينَ } : أَيْ فِي التَّضَعُّفِ وَالتَّوَاضُعِ ، { وَيُبْغِضُ ابْنَ السِّتِّينَ إذَا كَانَ شَبَهَ ابْنِ عِشْرِينَ } .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ : { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَابْنُ لَالٍ : { الْجَبَرُوتُ فِي الْقَلْبِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ النَّاسَ لَا يَرْفَعُونَ شَيْئًا إلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ الْعُجْبَ يُحْبِطُ عَمَلَ سَبْعِينَ سَنَةً } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَوْ كَانَ الْعُجْبُ رَجُلًا لَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ؛ الْعُجْبُ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : { الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوَةِ فَتَحَدَّثَا ثُمَّ مَضَى ابْنُ

عَمْرٍو وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ يَبْكِي .
قَالُوا : وَمَا يُبْكِيك يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ : هَذَا ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ أَكَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا ، إنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ } - أَيْ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ : دُوَيْبَّةٌ أَرْضِيَّةٌ ، { - الَّذِي يُدَهْدِهُ } - : أَيْ يُدَحْرِجُ وَزْنًا وَمَعْنًى { - الْخَرْأَةَ بِأَنْفِهِ .
إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ، إنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ } .
وَعُبِّيَّةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ كَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ هِيَ الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالنَّخْوَةُ .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا يَوْمًا لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ : اُخْرُجُوا فَخَرَجُوا فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الْإِنْسِ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الْجِنِّ ، فَرُفِعَ حَتَّى سَمِعَ زَجَلَ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّسْبِيحِ فِي السَّمَوَاتِ ، ثُمَّ خُفِضَ حَتَّى مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْبَحْرَ فَسَمِعَ صَوْتًا : لَوْ كَانَ فِي قَلْبِ صَاحِبِكُمْ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لَخَسَفْتُ بِهِ أَبْعَدَ مِمَّا رَفَعْتُهُ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : دَخَلْت عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَمَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ جَدِيدٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : يَا بُنَيَّ ارْفَعْ إزَارَك فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ } ،

رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ دُونَ ذِكْرِ مُرُورِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : إنَّ الْمَارَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ غَيْرُ مُسَمًّى .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَزَقَ يَوْمًا عَلَى كَفِّهِ وَوَضَعَ أُصْبُعَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ أَتُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ مِثْلِ هَذِهِ ؟ حَتَّى إذَا سَوَّيْتُك وَعَدَلْتُك مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ ، وَلِلْأَرْضِ مِنْك وَئِيدٌ ، جَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ عَقْرَبٌ لَهُ أُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَعَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ : وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَبِالْمَصُورِينَ } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ : مَالِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَأَسْقَاطُهُمْ وَعَجَزَتُهُمْ ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْجَنَّةِ : إنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَقَالَ لِلنَّارِ : إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { احْتَجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتْ النَّارُ : فِي الْجَبَّارُونَ ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ : فِي ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينُهُمْ ، فَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا ؛ إنَّك الْجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِك مَنْ أَشَاءُ ، وَإِنَّك النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { بِئْسَ الْعَبْدُ

عَبْدٌ بَخِلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشَّهَوَاتِ ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ الْغَطَفَانِيِّ أَخَصْرَ مِنْهُ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَا وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ، وَالْمُطَيْطَا بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ مُصَغَّرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مُكَبَّرًا مَمْدُودًا وَيُقْصَرُ : هُوَ التَّبَخْتُرُ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ ، وَالْحَاكِمُ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَيْهِ وَقَالَ : إنِّي آمُرُكُمَا بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكُمَا عَنْ اثْنَتَيْنِ أَنْهَاكُمَا عَنْ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ، وَآمُرُكُمَا بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ لَوْ

وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى كَانَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَرْجَحَ مِنْهَا ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا حَلْقَةً فَوُضِعَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَيْهِمَا لَقَصَمَتْهُمَا ، وَآمُرُكُمَا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ } .
وَقَالَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ : طُوبَى لِمَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ كِتَابَهُ ثُمَّ لَمْ يَمُتْ جَبَّارًا .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ فِي السُّوقِ ، وَعَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ فَقِيلَ لَهُ : مَا يَحْمِلُك عَلَى هَذَا وَقَدْ أَغْنَاك اللَّهُ عَنْ هَذَا ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَدْفَعَ الْكِبْرَ عَنْ نَفْسِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ مِنْ كِبْرٍ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَالْأَصْبَهَانِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ } .
وَعَنْ كُرَيْبٍ قَالَ : كُنْت أَقُودُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي زُقَاقِ أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ : يَا كُرَيْبُ بَلَغْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ؟ قُلْت : أَنْتَ عِنْدَهُ الْآنَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ : { بَيْنَمَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَيَنْظُرُ إلَى عِطْفَيْهِ فَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَهْلُ النَّارِ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ الضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ } .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ : { يَا سُرَاقَةُ أَلَا أُخْبِرُك بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ ؟ قُلْتُ

: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَالضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ رُوَاتُهَا رُوَاةُ الصَّحِيحِ : أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ } : أَيْ الْمُتَوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ { الْمُتَفَيْهِقُونَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ } ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : وَالثَّرْثَارُ - بِمُثَلَّثَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ - كَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا ، وَالْمُتَشَدِّقُ الْمُتَكَلِّمُ بِمِلْءِ شِدْقِهِ تَفَاصُحًا وَتَعَاظُمًا وَاسْتِعْلَاءً عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْمُتَفَيْهِقِ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَقُلْت لَهُ : يَا بِلَالُ إنَّ أَبَاك حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ : هَبْهَبُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْكُنَهُ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، فَإِيَّاكَ يَا بِلَالُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ

يَسْكُنُهُ } ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَهَبْهَبُ بِفَتْحِ الْهَاءَيْنِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ } ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ فِي النَّارِ تَوَابِيتَ يُجْعَلُ فِيهَا الْمُتَكَبِّرُونَ فَتُغْلَقُ عَلَيْهِمْ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ : الْكِبْرِ وَالدَّيْنِ وَالْغُلُولِ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ : { مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ : الْكَنْزِ ، بِالنُّونِ وَالزَّايِ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تُحَقِّرَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ حَقِيرَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ .
وَقَالَ وَهْبٌ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ نَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُتَكَبِّرٍ .
وَقَالَ الْأَحْنَفُ : عَجَبًا لِابْنِ آدَمَ يَتَكَبَّرُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : الْعَجَبُ لِابْنِ آدَمَ يَغْسِلُ الْخِرَاءَ بِيَدِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُعَارِضُ جَبَّارَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .
وَسُئِلَ سُلَيْمَانُ عَنْ السَّيِّئَةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ ؟ فَقَالَ : الْكِبْرُ .
وَنَظَرَ الْحَسَنُ إلَى أَمِيرٍ يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا فَقَالَ : أُفٍّ أُفٍّ لِشَامِخٍ بِأَنْفِهِ ثَانٍ عِطْفَهُ مُصَعِّرٍ خَدَّهُ يَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ : أَيْ حُمَيْقٍ أَيْنَ تَنْظُرُ فِي عِطْفَيْك ؟ فِي نِعَمٍ غَيْرِ مَشْكُورَةٍ وَلَا مَذْكُورَةٍ ، غَيْرِ الْمَأْخُوذِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهَا وَلَا الْمُؤَدَّى حَقُّ اللَّهِ مِنْهَا ، فَسَمِعَ فَجَاءَهُ مُعْتَذِرًا فَقَالَ : لَا تَعْتَذِرْ إلَيَّ وَتُبْ إلَى رَبِّك ،

أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إنَّك لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا } وَاخْتَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مِشْيَتِهِ قَبْلَ الْخِلَافَةِ ، فَغَمَزَ طَاوُسٌ جَنْبَهُ بِأُصْبُعِهِ وَقَالَ : لَيْسَتْ هَذِهِ مِشْيَةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ خَيْرٌ ، فَقَالَ كَالْمُعْتَذِرِ : يَا عَمِّ لَقَدْ ضُرِبَ كُلُّ عُضْوٍ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الْمِشْيَةِ حَتَّى تَعَلَّمْتُهَا .
وَرَأَى مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَلَدَهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَقَالَ لَهُ : أَتَدْرِي مَا أَنْتَ ؟ أَمَّا أُمُّك فَاشْتَرَيْتُهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَأَمَّا أَبُوك فَلَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ .
وَرَأَى مُطَرِّفٌ الْمُهَلَّبَ يَتَبَخْتَرُ فِي جُبَّةِ خَزٍّ فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ : أَمَا تَعْرِفُنِي ؟ فَقَالَ : بَلَى أَعْرِفُك ، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ ، وَأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَذِرَةَ ، فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ .
تَنْبِيهَاتٌ : مِنْهَا : عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ .
وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ : الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ ، الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْعُجْبُ وَالتِّيهُ ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اللِّبَاسِ بَسْطٌ فِيهِ ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِبَعْضِ مَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ } ، وَحَدِيثِ الْخَسْفِ بِالْمُتَبَخْتِرِ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي قَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } إنْ فَعَلَتْهُ تَبَرُّجًا وَتَعَرُّضًا لِلرِّجَالِ حَرُمَ ، وَكَذَا مَنْ ضَرَبَ بِنَعْلِهِ مِنْ الرِّجَالِ عُجْبًا حَرُمَ لِأَنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ .
وَمِنْهَا : الْكِبْرُ إمَّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ .
كَتَكَبُّرِ فِرْعَوْنَ وَنُمْرُودَ حَيْثُ اسْتَنْكَفَا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ لَهُ تَعَالَى وَادَّعَيَا الرُّبُوبِيَّةَ ، قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ

يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أَيْ صَاغِرِينَ .
{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ } الْآيَةَ ، وَإِمَّا عَلَى رَسُولِهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِانْقِيَادِ لَهُ تَكَبُّرًا جَهْلًا وَعِنَادًا كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ ، وَإِمَّا عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ يَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَقِرَ غَيْرَهُ وَيَزْدَرِيَهُ فَيَأْبَى عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ وَيَأْنَفَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ ، وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ عَظِيمٌ إثْمُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ ، فَتَكَبُّرُهُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلَّهِ فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إلَّا بِجَلَالِهِ ، فَهُوَ كَعَبْدٍ أَخَذَ تَاجَ مَلِكٍ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ وَأَقْرَبَ اسْتِعْجَالَهُ لِلْخِزْيِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثَ : إنَّ مَنْ نَازَعَهُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَهْلَكَهُ ، أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَعَالَى ، فَالْمُنَازِعُ فِيهِمَا مُنَازِعٌ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ تَعَالَى ؛ وَأَيْضًا فَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ إذْ مَنْ اسْتَذَلَّ خَوَاصَّ غِلْمَانِ الْمَلِكِ مُنَازِعٌ لَهُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُبْحَ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ عَلَى سَرِيرِهِ ، وَمِنْ لَازِمِ هَذَا الْكِبْرِ بِنَوْعَيْهِ مُخَالَفَةُ أَوَامِرِ الْحَقِّ ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ - وَمِنْهُ الْمُتَجَادِلُونَ فِي مَسَائِلِ الدِّينِ بِالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ - تَأْبَى نَفْسُهُ مِنْ قَبُولِ مَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّضَحَ سَبِيلُهُ ، بَلْ يَدْعُوهُ كِبْرُهُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَزْيِيفِهِ وَإِظْهَارِ إبْطَالِهِ ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } { ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ

اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : كَفَى بِالرَّجُلِ إثْمًا إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ : عَلَيْك بِنَفْسِك .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ : { كُلْ بِيَمِينِك ، فَقَالَ مُتَكَبِّرًا : لَا أَسْتَطِيعُ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَمْ يَرْفَعْهَا بَعْدُ } .
فَإِذَنْ التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَدْعُو إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى الْخَالِقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا تَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَحَسَدَهُ بِقَوْلِهِ : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } جَرَّهُ ذَلِكَ إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ فَهَلَكَ هَلَاكًا مُؤَبَّدًا ، وَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلَامَةِ الْكِبْرِ بَطَرُ الْحَقِّ أَيْ رَدُّهُ ، وَغَمْطُ النَّاسِ : أَيْ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ ؛ ثُمَّ الْحَامِلُ عَلَى التَّكَبُّرِ هُوَ اعْتِقَادُ كَمَالِ تَمَيُّزِهِ عَلَى الْغَيْرِ بِعِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ أَتْبَاعٍ ، فَالتَّكَبُّرُ أَسْرَعُ إلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُمْنَحُوا نُورَ التَّوْفِيقِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِمْ ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَرَى غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ فَيُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ كَالسَّلَامِ وَالْعِيَادَةِ وَالْبِشْرِ ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ لِمَحَبَّتِهِ التَّرَفُّعَ عَلَيْهِ ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ لِأَنَّهُ جَهِلَ مِقْدَارَ نَفْسِهِ وَرَبِّهِ ، وَخَطَرَ الْخَاتِمَةِ ، وَعَكَسَ الْمَوْضُوعَ ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ أَنْ يُوجِبَ مَزِيدَ الْخَوْفِ وَالتَّوَاضُعِ لِعِظَمِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَتَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَتِهِ ، لَكِنْ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَهُ إمَّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ فِيهِ فَخَاضَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ فَأَنْتَجَ لَهُ تِلْكَ الْقَبَائِحَ ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الصَّالِحِينَ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ

الْكِبْرُ ، لَكِنَّ النَّاسَ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إكْرَامِهِمْ فَيَرَوْنَ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ أَرْفَعُ وَأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ دُونَهُمْ لِعَدَمِ وُصُولِهِمْ إلَى صُوَرِ أَعْمَالِهِمْ ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِسَلْبِهِمْ .
كَمَا وَقَعَ أَنَّ خَلِيعًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَلَسَ إلَى عَابِدٍ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَأَنِفَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَطَرَدَهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّهُ غَفَرَ لِلْخَلِيعِ وَأَحْبَطَ عَمَلَ الْعَابِدِ .
فَالْجَاهِلُ الْعَامِّيُّ إذَا تَوَاضَعَ وَذُلَّ هَيْبَةً لِلَّهِ وَخَوْفًا مِنْهُ فَقَدْ أَطَاعَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ أَطْوَعُ مِنْ الْعَالِمِ الْمُتَكَبِّرِ وَالْعَابِدِ الْمُعْجَبِ .
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِ الْعِبَادِ إلَى أَنَّهُ إذَا أُوذِيَ يَتَوَعَّدُ مُؤْذِيَهُ وَيَقُولُ : سَتَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِ ، وَإِذَا نُكِبَ مُؤْذِيهِ يَعُدُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ وَاسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ عَلَيْهِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَقَدْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ الْأَنْبِيَاءَ وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَاجَلُوا بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا فَمَا مَرْتَبَةُ هَذَا الْجَاهِلِ ؟ ، وَإِذَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي الظَّاهِرِ عَلَيْهِمَا مُعَوَّلُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِهِمْ ؛ فَالْمُتَكَبِّرُ بِالنَّسَبِ قَدْ يَرَى مَنْ لَيْسَ كَنَسَبِهِ مِثْلَ عَبْدِهِ ، وَكَذَا بِالْجَمَالِ ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ ، وَكَذَا بِالْمَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا بِالْأَتْبَاعِ وَالْجُنْدِ ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُلُوكِ ؛ وَمِمَّا يُهَيِّجُ الْكِبْرَ وَيُسَعِّرُ نَارَهُ الْعُجْبُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالرِّيَاءُ ؛ إذْ التَّكَبُّرُ خُلُقٌ بَاطِنِيٌّ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَرُؤْيَةُ قَدْرِهَا فَوْقَ قَدْرِ

الْغَيْرِ ، وَمُوجِبُهُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْعُجْبُ ، وَحَدُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَعْنَاهُ : مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ وَتَكَبَّرَ وَتَمَرَّدَ وَتَجَبَّرَ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْعُجْبِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّكَبُّرِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ بَاعِثَهُ عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ هُوَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَعَلَى غَيْرِهِ هُوَ الرِّيَاءُ .
وَمِنْهَا : يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ وَرْطَةِ الْكِبْرِ وَثَمَرَتِهِ الْقَبِيحَةِ - إذْ هُوَ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَهِيَ لَا تُمْكِنُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي ، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ بِاسْتِعْمَالِ أَدْوِيَتِهِ النَّافِعَةِ فِي إزَالَتِهِ مِنْ أَصْلِهِ - أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا أَشَارَ إلَى بِدَايَتِهِ مِنْ أَذَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَحْقَرِهَا وَأَقْذَرِهَا - وَهُوَ التُّرَابُ ثُمَّ الْمَنِيُّ - ، وَوَسَطِهِ مِنْ التَّأَهُّلِ لِاكْتِسَابِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَحِيَازَةِ الْمَنَاصِبِ وَالْمَرَاتِبِ ، وَنِهَايَتِهِ مِنْ الزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مِثْلِ بِدَايَتِهِ ثُمَّ إعَادَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ إلَى النَّارِ ، وَمِنْ أَظْهَرِ مَا أَشَارَ لِكُلِّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ كَلًّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ إلَى طَعَامِهِ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ .
وقَوْله تَعَالَى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } الْآيَاتِ .
فَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَنَظَائِرَهُ وَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ الْآيَاتُ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ وَحَقِيرٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إلَّا الذِّلَّةُ وَالتَّوَاضُعُ ، وَأَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ الْعَظَمَةُ

وَالْكِبْرِيَاءُ إلَّا بِهِ - تَعَالَى - ، بِخِلَافِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ الْفَرَحُ لَحْظَةً وَاحِدَةً ، فَكَيْفَ الْبَطَرُ وَالْخُيَلَاءُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مَبْدَأُ أَمْرِهِ وَوَسَطُهُ ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ آخِرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ رُبَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً ، وَلَوْ كَلْبًا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَوْ رَأَى أَهْلُ الدُّنْيَا صُورَةً مِنْ صُوَرِ أَهْلِ النَّارِ لَصُعِقُوا مِنْ قُبْحِهَا وَمَاتُوا مِنْ نَتْنِهَا ، فَمَنْ هَذَا عَاقِبَتُهُ - إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى شَكٍّ فِي الْعَفْوِ - كَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَيَرَى نَفْسَهُ شَيْئًا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْبًا يَسْتَحِقُّ بِهِ عُقُوبَةَ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ الْكَرِيمُ بِفَضْلِهِ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ حَقِيقَةَ التَّأَمُّلِ زَالَ عَنْهُ النَّظَرُ إلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَمَنْصِبِهِ وَجَاهِهِ وَمَالِهِ ، وَفَرَّ إلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَتَوَاضَعَ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَحْقَرُ وَأَذَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، كَيْفَ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ شَقِيًّا ؟

وَمِمَّا يُظْهِرُ التَّكَبُّرَ الْكَامِلَ فِي النَّفْسِ وَيُعْلِمُ بِهِ مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهَا مُتَنَزِّهَةٌ عَنْهُ أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ بَعْضِ أَقْرَانِهِ وَيَظْهَرَ الْحَقُّ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ اطْمَأَنَّ لِقَبُولِهِ وَأَعْلَنَ بِشُكْرِهِ وَفَضْلِهِ وَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ كَذَلِكَ مَعَ كُلِّ مُنَاظِرٍ ظَهَرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ الْكِبْرِ ، وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَامِنٌ فِيهِ فَعَلَيْهِ عِلَاجُهُ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا مَرَّ وَنَحْوِهِ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ عُرُوقُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَبِأَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُظَنُّ بِهِ فِيهِ أَنَّهُ أَظْهَرَ تَوَاضُعًا ، كَأَنْ يَتْرُكَ صَفَّهُمْ وَيَجْلِسَ مُعَبِّسًا كَانَ ذَلِكَ عَيْنَ الْكِبْرِ ، وَبِأَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ وَيُحَادِثَهُ وَيُجَالِسَهُ وَيَمُرَّ فِي الْأَسْوَاقِ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُنْقَطِعِينَ ، وَبِأَنْ يَحْمِلَ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ مِنْ الْكِبْرِ كَمَا فِي حَدِيثٍ ، وَيَسْتَوِي ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْخَلَاءِ وَبِحَضْرَةِ الْمَلَأِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ أَوْ مُرَاءٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهَا الْمُهْلِكَةِ لَهَا إنْ لَمْ يَتَدَارَكْ ، وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّهَا وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا سَلَامَةَ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِسَلَامَتِهَا { إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أَيْ مِنْ الشِّرْكِ أَوْ مِمَّا سِوَى اللَّهِ .
وَمِنْهَا : مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ ذَمُّ الْعُجْبِ وَأَنَّهُ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ ، وَمِنْ ثَمَّ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا } .
وَبِقَوْلِهِ : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } فَقَدْ يُعْجَبُ الْإِنْسَانُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ مُصِيبٌ فِيهِ أَوْ مُخْطِئٌ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْهَلَاكُ فِي اثْنَتَيْنِ ، الْقُنُوطِ وَالْعُجْبِ : أَيْ لِأَنَّ الْقَانِطَ آيِسٌ مِنْ

نَفْعِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ تَرْكُهَا ، وَالْمُعْجَبُ يَرَى أَنَّهُ سَعِدَ وَظَفِرَ بِمُرَادِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِعَمَلٍ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى } وَمِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا بَارَّةٌ وَهُوَ مَعْنَى الْعُجْبِ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ : لَأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَ نَادِمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا .
وَلَقَدْ أَطَالَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ الصَّلَاةَ فَقَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِمَنْ أَدْرَكَ أَنَّهُ فَطِنَ لَهُ : لَا يُعْجِبُك مَا رَأَيْتَ مِنِّي فَإِنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ صَارَ إلَى مَا صَارَ إلَيْهِ .
وَمِنْهَا : لِلْعُجْبِ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا تَوَلُّدُ الْكِبْرِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ آفَاتُ الْكِبْرِ آفَاتِ الْعُجْبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، هَذَا مَعَ الْعِبَادِ ؛ وَأَمَّا مَعَ اللَّهِ فَهُوَ يُنْسِي الذُّنُوبَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا فَلَا يَتَدَارَكُ وَرَطَاتِهَا وَلَا يَتَنَصَّلُ مِنْ مَذَامِّهَا ، وَيُورِثُ اسْتِعْظَامَ عِبَادَتِهِ ، وَيَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِفِعْلِهَا فَيَعْمَى عَنْ تَفَقُّدِ آفَاتِهَا فَيَضِيعُ كُلُّ سَعْيِهِ أَوْ أَكْثَرُهُ ، إذْ الْعَمَلُ مَا لَمْ يَتَنَقَّ مِنْ الشَّوَائِبِ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَنْقِيَتِهِ مِنْهَا الْخَوْفُ ، وَالْمُعْجَبُ غَرَّتْهُ نَفْسُهُ بِرَبِّهِ فَأَمِنَ مَكْرَهُ وَعِقَابَهُ وَعَدَّ أَنَّ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقًّا بِعَمَلِهِ فَزَكَّى نَفْسَهُ وَأُعْجِبَ بِرَأْيِهِ وَعَقْلِهِ وَعِلْمِهِ ، حَتَّى اسْتَبَدَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ أَنْ يَرْجِعَ لِغَيْرِهِ فِي عِلْمٍ وَلَا عَمَلٍ فَلَا يَسْمَعُ نُصْحًا وَلَا وَعْظًا لِنَظَرِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ ؛ فَعَلِمَ أَنَّ الْعُجْبَ إنَّمَا يَكُونُ بِوَصْفٍ هُوَ كَمَالٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ، لَكِنَّهُ مَا دَامَ خَائِفًا مِنْ سَلْبِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْجَبٍ بِهِ وَكَذَا لَوْ فَرِحَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا

فَرِحَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَمَالٌ مُتَّصِفٌ بِهِ مَعَ قَطْعِ نَظَرِهِ عَنْ نِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْعُجْبُ فَهُوَ اسْتِعْظَامُ النِّعْمَةِ وَالرُّكُونُ إلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إضَافَتِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ ضَمَّ لِذَلِكَ تَوَقُّعَهُ جَزَاءً عَلَيْهَا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّهُ مِنْهُ بِمَكَانٍ سُمِّيَ مُدِلًّا ، فَالْإِدْلَالُ أَخَصُّ مِنْ الْعُجْبِ .
وَمِنْهَا : قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ .
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْكِبْرَ إمَّا بَاطِنٌ وَهُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ وَاسْمُ الْكِبْرِ بِهَذَا أَحَقُّ ، وَإِمَّا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهِيَ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ الْخُلُقِ وَعِنْدَ ظُهُورِهَا يُقَالُ لَهُ تَكَبَّرَ ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُقَالُ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ ، فَالْأَصْلُ هُوَ خُلُقُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ ، وَبِهِ فَارَقَ الْعُجْبَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ بِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ انْفِرَادُهُ دَائِمًا أَمْكَنَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْعُجْبُ دُونَ الْكِبْرِ ، وَمُجَرَّدُ اسْتِعْظَامِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي التَّكَبُّرَ إلَّا إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَرَى أَنَّهُ فَوْقَهُ .
وَمِنْهَا : يَتَعَيَّنُ عِلَاجُ الْعُجْبِ أَيْضًا ؛ وَعِلَاجُ كُلِّ عِلَّةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِضِدِّهَا ؛ وَعِلَّةُ الْعُجْبِ الْجَهْلُ الْمَحْضُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي حَدِّهِ ، وَشِفَاؤُهَا النَّظَرُ إلَى مَا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُقَدِّرُ لَك عَلَى نَحْوِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْمُنْعِمُ عَلَيْك بِالتَّوْفِيقِ إلَى حِيَازَتِهِ وَيَجْعَلُك ذَا نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ ، فَكَيْفَ يُعْجَبُ بِمَا لَيْسَ إلَيْهِ وَلَا مِنْهُ ، وَكَوْنُهُ مَحَلَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِيهِ شَيْئًا ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ ، وَكَوْنُهُ سَبَبًا فِيهِ نُزُولُ مُلَاحَظَتِهِ لَهُ إذَا تَأَمَّلَ أَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا

، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِمُوجِدِهَا وَالْمُنْعِمِ بِهَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إعْجَابُهُ إلَّا بِمَا أَسَدَاهُ إلَيْهِ الْحَقُّ وَأَجْرَاهُ عَلَيْهِ وَآثَرَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَزَايَا جُودِهِ وَكَرَمِهِ مَعَ عَدَمِ سَابِقَةِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ لِذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ : لَوْلَا مَا عَلِمَ فِي مِنْ صِفَةٍ مَحْمُودَةٍ بَاطِنَةٍ لَمَا آثَرَنِي بِذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : وَتِلْكَ الصِّفَاتُ أَيْضًا مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْعَامِهِ ؛ عَلَى أَنَّ مَنْ انْطَوَى عِلْمُ خَاتِمَتِهِ وَعَاقِبَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ عُجْبٌ بِأَيِّ نَوْعٍ فُرِضَ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ لَا أَعْبَدَ مِنْ إبْلِيسَ ، وَلَا أَعْلَمَ مِنْ بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ فِي زَمَنِهِ ، وَلَا أَقْرَبَ وَلَا أَشْفَقَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَشْرَفَ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَكَّةَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا وَقَعَ لِأُولَئِكَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - ، وَمَا وَقَعَ لِآدَمَ فِي الْجَنَّةِ وَلِكُفَّارِ مَكَّةَ فِيهَا ، فَاحْذَرْ أَنْ تُعْجَبَ وَتَغْتَرَّ بِنَسَبٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ مَحَلٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، هَذَا كُلُّهُ إنْ كُنْتَ مُعْجَبًا بِحَقٍّ ، فَكَيْفَ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْإِعْجَابُ بِبَاطِلٍ ، قَالَ تَعَالَى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا يَغْلِبُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، إذْ جَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ إنَّمَا أَصَرُّوا عَلَيْهَا لِعُجْبِهِمْ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ ، وَبِذَلِكَ أُهْلِكَتْ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ لَمَّا افْتَرَقُوا فِرَقًا وَأُعْجِبَ كُلٌّ بِرَأْيِهِ : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ أَيَحْسَبُونَ أَنَمَّا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ } أَيْ إنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا كَانَ مَقْتًا وَاسْتِدْرَاجًا { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } .

قَدْ بَانَ لَك ذَمُّ الْكِبْرِ وَالِاخْتِيَالِ وَالْعُجْبِ ، وَآفَاتُ ذَلِكَ وَقَبَائِحُهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي ذِكْرَ فَضَائِلِ التَّوَاضُعِ وَغَايَاتِهِ الرَّفِيعَةِ ، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِأَضْدَادِهَا .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ } .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : { وَالتَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إلَّا رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمْ اللَّهُ ، وَالْعَفْوُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إلَّا عِزًّا فَاعْفُوا يَعِزَّكُمْ اللَّهُ ، وَالصَّدَقَةُ لَا تَزِيدُ الْمَالَ إلَّا كَثْرَةً فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ حَسَنٍ : { طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ، وَذَلَّ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ .
طُوبَى لِمَنْ طَابَ كَسْبُهُ ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ ، وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ ، وَعَزَلَ عَنْ النَّاسِ شَرَّهُ ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ : { إذَا تَوَاضَعَ الْعَبْدُ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ يَتَوَاضَعُ لِلَّهِ دَرَجَةً يَرْفَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، وَمَنْ يَتَكَبَّرُ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً يَضَعُهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ مَاجَهْ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ تَوَاضَعَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ

رَفَعَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ ارْتَفَعَ عَلَيْهِ وَضَعَهُ اللَّهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ سَنَدُهَا صَحِيحٌ : { إيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ فَإِنَّ الْكِبْرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ ، وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ مِنْ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ الرِّضَا بِالدُّونِ مِنْ شَرَفِ الْمَجَالِسِ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { تَوَاضَعُوا وَجَالِسُوا الْمَسَاكِينَ تَكُونُوا مِنْ كِبَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَتَخْرُجُوا مِنْ الْكِبْرِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا يَعْجَزُ عَنْهُ فَيُعِينَهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاضُعِ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ فِي الْقَلْبِ وَلَا يُؤْذِيَنَّ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا .
فَلَرُبَّ مُتَضَعِّفٍ فِي أَطْمَارٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَا اسْتَكْبَرَ مَنْ أَكَلَ خَادِمُهُ مَعَهُ ، وَرَكِبَ الْحِمَارَ بِالْأَسْوَاقِ ، وَاعْتَقَلَ الشَّاةَ فَحَلَبَهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا وَفِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ فَإِنْ تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ : ارْفَعْ حَكَمَتَهُ ، وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ : ضَعْ حَكَمَتَهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ } .
وَابْنُ مَنْدَهْ : { الْبَسْ الْخَشِنَ الضَّيِّقَ حَتَّى لَا يَجِدَ الْعِزُّ وَالْفَخْرُ فِيك مَسَاغًا } .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ : { الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ } : أَيْ تَرْكُ رَفِيعِ الثِّيَابِ ، وَإِيثَارُ رَثِّهَا تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا } .
وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ : { التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ

وَالْبَيْهَقِيُّ : { التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ ، وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ : { يَا عَائِشَةُ تَوَاضَعِي فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْمُتَوَاضِعِينَ وَيُبْغِضُ الْمُتَكَبِّرِينَ } .
وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ } .
وَابْنُ النَّجَّارِ { مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ أَحَبَّهُ اللَّهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيفٌ وَفِي أَنْفُسِ النَّاسِ عَظِيمٌ ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ حَتَّى لَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ : { مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ تَخَشُّعًا رَفَعَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ تَطَاوَلَ تَعَظُّمًا وَضَعَهُ اللَّهُ وَالنَّاسُ تَحْتَ كَنَفِ اللَّهِ يَعْمَلُونَ أَعْمَالَهُمْ ، فَإِذَا أَرَادَ - عَزَّ وَجَلَّ - فَضِيحَةَ عَبْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ تَحْتِ كَنَفِهِ فَبَدَتْ ذُنُوبُهُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { التَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إلَّا رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمْ اللَّهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَانَ لِخَلْقِي وَتَوَاضَعَ لِي وَلَمْ يَتَكَبَّرْ فِي أَرْضِي رَفَعْتُهُ حَتَّى أَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ } .
وَابْنُ صَصْرَى : { مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا وَفِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ مُوَكَّلٌ بِهَا مَلَكٌ ، فَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ ارْتَفَعَ قَمَعَهُ اللَّهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاءُ اللَّهِ فَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ قَمَعَهُ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ : { مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا وَفِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ } أَيْ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ : مَا يُجْعَلُ فِي رَأْسِ الدَّابَّةِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ { بِيَدِ مَلَكٍ ، فَإِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا وَقَالَ : ارْتَفِعْ رَفَعَك اللَّهُ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ جَذَبَهُ إلَى الْأَرْضِ وَقَالَ :

اخْفِضْ خَفَضَك اللَّهُ } .
وَابْنُ صَصْرَى : { مَا مِنْ عَبْدٍ إلَّا فِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ ، فَإِذَا تَوَاضَعَ رُفِعَ بِهَا وَقَالَ : ارْتَفِعْ رَفَعَك اللَّهُ ، وَإِنْ رَفَعَ نَفْسَهُ جَذَبَهُ إلَى الْأَرْضِ وَقَالَ : انْخَفِضْ خَفَضَك اللَّهُ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ لَالٍ وَالدَّيْلَمِيُّ : { مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا وَفِي رَأْسِهِ سِلْسِلَتَانِ ، سِلْسِلَةٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَسِلْسِلَةٌ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، فَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اللَّهُ بِالسِّلْسِلَةِ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، وَإِذَا تَجَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ بِالسِّلْسِلَةِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَمَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ تَوَاضَعَ فِي الدُّنْيَا بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَانْتَشَطَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ فَقَالَ : أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ ، يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : إلَيَّ فَإِنَّك مِمَّنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ كَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ فِي حَسَبٍ لَا يَشِينُهُ مُتَوَاضِعًا كَانَ مِنْ أَخَالِصِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالْخَطِيبُ لَكِنْ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ : { مِنْ التَّوَاضُعِ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ رُفِعَتْ لَهُ سَبْعُونَ دَرَجَةً وَمُحِيَتْ عَنْهُ سَبْعُونَ خَطِيئَةً وَكُتِبَتْ لَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً } .
وَأَبُو عَلِيٍّ الذَّهَبِيُّ وَابْنُ النَّجَّارِ : { مَنْ تَرَكَ زِينَةً لِلَّهِ وَآثَرَ ثِيَابًا خَشِنَةً تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَابْتِغَاءَ وَجْهِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ تُبَدَّلَ بِعَبْقَرِيِّ الْجَنَّةِ } : وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا .
عَنْ طَارِقٍ قَالَ : خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الشَّامِ وَمَعَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : يَا أَمِيرَ

الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوك ، فَقَالَ : أَوَّهْ لَوْ يَقُولُ هَذَا غَيْرُك أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نَكَالًا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، إنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، فَمَهْمَا نَطْلُبْ الْعِزَّ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ .
وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيّ وَابْنُ قَانِعٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ : { طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ } .
وَفِي حَدِيثٍ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا بِقُبَاءَ وَكَانَ صَائِمًا فَأَتَيْنَاهُ عِنْدَ إفْطَارِهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَجَعَلْنَا فِيهِ شَيْئًا مِنْ عَسَلٍ فَلَمَّا رَفَعَهُ وَذَاقَهُ وَجَدَ حَلَاوَتَهُ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلْنَا فِيهِ شَيْئًا مِنْ عَسَلٍ ، فَوَضَعَهُ وَقَالَ : أَمَا إنِّي لَا أُحَرِّمُهُ ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ وَمَنْ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ } .
رَوَاهُ الْبَزَّارُ دُونَ قَوْلِهِ { وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ } ، وَلَمْ يَقُلْ بِقُبَاءَ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ : قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ : إنَّهُ خَبَرٌ مُنْكَرٌ .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ لَبَنٌ وَعَسَلٌ } .
الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : { أَمَا إنِّي لَا أَزْعُمُ أَنَّهُ حَرَامٌ } الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : { وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ أَحَبَّهُ اللَّهُ } .
وَرَوَى الْمَرْفُوعَ مِنْهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دُونَ قَوْلِهِ : { وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللَّهُ } ، وَذَكَرَا فِيهِ قَوْلَهُ : { وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ } .
وَفِي آخَرَ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَيْتٍ يَأْكُلُونَ فَقَامَ سَائِلٌ عَلَى الْبَابِ وَبِهِ زَمَانَةٌ يُكْرَهُ مِنْهَا فَأُذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ أَجْلَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : اطْعَمْ فَكَأَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ كَرِهَ ذَلِكَ وَاشْمَأَزَّ مِنْهُ ، فَمَا مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ } كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ : لَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا .
وَالْمَوْجُودُ حَدِيثٌ أَكْمَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَجْذُومٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ : غَرِيبٌ .
وَفِي آخَرَ : { إذَا هَدَى اللَّهُ عَبْدًا لِلْإِسْلَامِ وَحَسَّنَ صُورَتَهُ وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ شَائِنٍ لَهُ وَرَزَقَهُ مَعَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا فَذَلِكَ مِنْ صَفْوَةِ اللَّهِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
وَفِي آخَرَ : { أَرْبَعٌ لَا يُعْطِيهِنَّ اللَّهُ إلَّا مَنْ يُحِبُّ : الصَّمْتُ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ ، وَالتَّوَاضُعُ ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ : { أَرْبَعٌ لَا يُصَبْنَ إلَّا بِعُجْبٍ : الصَّمْتُ ، وَهُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ ، وَالتَّوَاضُعُ وَذِكْرُ اللَّهِ ، وَقِلَّةُ الْمَشْيِ } .
وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ مَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَقِّهِ : إنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ ، ثُمَّ رَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ .
وَفِي آخَرَ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْعَمُ فَجَاءَ رَجُلٌ أَسْوَدُ بِهِ جُدَرِيٌّ قَدْ تَقَشَّرَ فَجَعَلَ لَا يَجْلِسُ إلَى أَحَدٍ إلَّا قَامَ مِنْ جَنْبِهِ فَأَجْلَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ } كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ .
وَاعْتُرِضَ بِنَحْوِ مَا مَرَّ آنِفًا .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : { مَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكُمْ حَلَاوَةَ الْعِبَادَةِ ؟ قَالُوا : وَمَا حَلَاوَةُ الْعِبَادَةِ ؟ قَالَ :

التَّوَاضُعُ } .
وَفِي آخَرَ غَرِيبٍ أَيْضًا : { إذَا رَأَيْتُمْ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْ أُمَّتِي فَتَوَاضَعُوا لَهُمْ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ الْمُتَكَبِّرِينَ فَتَكَبَّرُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ مَذَلَّةٌ وَصَغَارٌ } .
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْعَبْدَ إذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَ اللَّهُ حَكَمَتَهُ وَقَالَ : انْتَعِشْ رَفَعَك اللَّهُ ، وَإِذَا تَكَبَّرَ وَعَدَا طَوْرَهُ رَهَصَهُ اللَّهُ ، أَيْ رَمَاهُ بِشِدَّةٍ إلَى الْأَرْضِ ، وَقَالَ : اخْسَأْ أَخْسَأَك اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ حَقِيرٌ حَتَّى إنَّهُ لَأَحْقَرُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْخِنْزِيرِ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُعُ .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ : التَّوَاضُعُ أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ وَلَوْ سَمِعْتَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ قَبِلْتَهُ مِنْهُ .
وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ - إذَا أَصْبَحَ تَصَفَّحَ وُجُوهَ النَّاسِ حَتَّى يَجِيءَ إلَى الْمَسَاكِينِ فَيَقُولَ : مِسْكِينٌ جَلَسَ مَعَ مَسَاكِينَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : التَّوَاضُعُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِك فَلَا تَلْقَى مُسْلِمًا إلَّا رَأَيْتَ لَهُ عَلَيْك فَضْلًا .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : اسْتَأْثَرَ اللَّهُ الْجُودِيَّ بِالسَّفِينَةِ لِأَنَّهُ تَوَاضَعَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ وَكَذَا حِرَاءٌ اسْتَأْثَرَهُ اللَّهُ بِتَعَبُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ لِمَزِيدِ تَوَاضُعِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَاخْتَصَّ اللَّهُ قَلْبَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْيِيزِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ فَاقَهُمْ فِي التَّوَاضُعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : رَأَيْتُ عِنْدَ الصَّفَا رَجُلًا رَاكِبًا بَغْلَةً وَبَيْنَ يَدَيْهِ غِلْمَانٌ يُعَنِّفُونَ النَّاسَ ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بِبَغْدَادَ حَافِيًا حَاسِرًا طَوِيلَ الشَّعْرِ فَقُلْتُ لَهُ : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك ؟ قَالَ : تَرَفَّعْتُ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَاضَعُ النَّاسُ فِيهِ فَوَضَعَنِي اللَّهُ حَيْثُ يَرْتَفِعُ النَّاسُ .

الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ : الْغِشُّ .
السَّادِسَةُ : النِّفَاقُ .
السَّابِعَةُ : الْبَغْيُ .
الثَّامِنَةُ : الْإِعْرَاضُ عَنْ الْخَلْقِ اسْتِكْبَارًا وَاحْتِقَارًا لَهُمْ .
التَّاسِعَةُ : الْخَوْضُ فِيمَا لَا يَعْنِي .
الْعَاشِرَةُ : الطَّمَعُ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : خَوْفُ الْفَقْرِ .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : سَخَطُ الْمَقْدُورِ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : النَّظَرُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ وَتَعْظِيمُهُمْ لِغِنَاهُمْ .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : الِاسْتِهْزَاءُ بِالْفُقَرَاءِ لِفَقْرِهِمْ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : الْحِرْصُ .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : التَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا وَالْمُبَاهَاةُ بِهَا .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : التَّزَيُّنُ لِلْمَخْلُوقِينَ بِمَا يَحْرُمُ التَّزَيُّنُ بِهِ .
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : الْمُدَاهَنَةُ .
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : حُبُّ الْمَدْحِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ .
الْعِشْرُونَ : الِاشْتِغَالُ بِعُيُوبِ الْخَلْقِ عَنْ عُيُوبِ النَّفْسِ .
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : نِسْيَانُ النِّعْمَةِ .
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : الْحَمِيَّةُ لِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ .
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : تَرْكُ الشُّكْرِ .
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : عَدَمُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ .
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : هَوَانُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ .
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : سُخْرِيَتُهُ بِعِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَازْدِرَاؤُهُ لَهُمْ وَاحْتِقَارُهُ إيَّاهُمْ .
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْحَقِّ .
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : الْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ .
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : إرَادَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
الثَّلَاثُونَ : مُعَانَدَةُ الْحَقِّ .
الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : سُوءُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ .
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ إذَا جَاءَ بِمَا لَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ أَوْ جَاءَ عَلَى يَدِ مَنْ تَكْرَهُهُ وَتُبْغِضُهُ .
الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ : فَرَحُ الْعَبْدِ بِالْمَعْصِيَةِ .
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : الْإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ .
الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : مَحَبَّةُ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ .

السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : الرِّضَا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالطُّمَأْنِينَةُ إلَيْهَا .
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : نِسْيَانُ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ .
الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ : الْغَضَبُ لِلنَّفْسِ وَالِانْتِصَارُ لَهَا بِالْبَاطِلِ .
اعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيحَ يَكُونُ جَمِيعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْخَامِسَةِ إلَى هُنَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ التَّدَاخُلِ الْكَثِيرِ كَبَائِرَ بَاطِنَةً وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، وَهِدَايَةِ السَّالِكِينَ وَتَرْبِيَةِ الْمُرِيدِينَ ، وَالْكَرَامَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ الْعَلِيَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهَا : وَأَمَّا كَبَائِرُ الْبَاطِنِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهَا لِيُعَالِجَ زَوَالَهَا لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْهَا لَمْ يَلْقَ اللَّهَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بِقَلْبٍ سَلِيمٍ .
وَمِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَعْتَوِرُهُ وَتَعْتَرِيهِ الْكُفْرُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - وَالنِّفَاقُ وَالْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْحَسَدُ وَالْغِلُّ وَالْحِقْدُ وَالْبَغْيُ وَالْغَضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالْغَيْظُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ وَالْغِشُّ وَالْبُخْلُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْحَقِّ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْته .
ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ : وَأَمْثَالُ هَذِهِ يُذَمُّ الْعَبْدُ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِمَّا يُذَمُّ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِنْ كَبَائِرِ الْبَدَنِ وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهَا وَسُوءِ أَثَرِهَا وَدَوَامِهِ ، فَإِنَّ آثَارَ هَذِهِ الْكَبَائِرِ وَنَحْوِهَا تَدُومُ بِحَيْثُ تَصِيرُ حَالًا وَهَيْئَةً رَاسِخَةً فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ آثَارِ مَعَاصِي الْجَوَارِحِ فَإِنَّهَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ ؛ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ

الْقَلْبُ } ، وَالْقَلْبُ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ وَهِيَ جُنُودُهُ وَتَابِعَةٌ لَهُ ، فَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ فَسَدَتْ الْجُنُودُ كُلُّهَا ؛ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْقَلْبُ مَلِكٌ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ ، فَإِذَا طَابَ الْمَلِكُ طَابَتْ جُنُودُهُ ، وَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ، فَمَنْ أُعْطِيَ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَمَنْ وَجَدَ فِي قَلْبِهِ مَرَضًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَالِجَهُ حَتَّى يَزُولَ ، فَإِنْ لَمْ يُعَالِجْهُ أَثِمَ ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ عَلَى مَا نَوَاهُ وَقَصَدَهُ بِقَلْبِهِ دُونَ مَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ لِسَانُهُ وَوَهْمُهُ انْتَهَى .
وَتَسْمِيَةُ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَبَائِرَ إنَّمَا يَلِيقُ بِطَرِيقَةِ أَهْلِ الْمَعَارِفِ وَالْأَخْلَاقِ وَالتَّصَوُّفِ الَّذِينَ مِنْهُمْ هَذَا الْإِمَامُ الْفَقِيهُ ، فَلِذَا جَرَى عَلَى ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ ، نَعَمْ فِيهَا مَا هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ : كَالْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْهَا لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِمَّا أُورِدُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، نَعَمْ الْبَغْيُ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ صَغِيرَةٌ لَا كَبِيرَةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهَا ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَعْضٍ مِنْهَا فِي مَحَالِّهِ - كَالْبُخْلِ وَالشُّحِّ - فِي الْكَلَامِ عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ ، وَكَسُوءِ الظَّنِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغِيبَةِ .
وَمِمَّنْ صَرَّحَ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ الْفَرَحَ بِالدُّنْيَا حَرَامٌ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَخَذَ مَا مَرَّ عَنْهُ ثُمَّ زَادَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَبَائِحَ يَعْظُمُ ضَرَرُهَا وَيَضْطَرِمُ شَرَرُهَا ؛ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ الْفَرَحِ بِهَا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ

الْخُيَلَاءُ وَالْفَخْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِطَالَةُ عَلَى الْأَقْرَانِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَالْقَبَائِحِ .
أَمَّا الْفَرَحُ بِهَا لِيَسْتُرَ بِهَا عِرْضَهُ وَيَصُونَ بِهَا مَاءَ وَجْهِهِ وَوَجْهِ عِيَالِهِ عَنْ التَّطَلُّعِ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ أَوْ لِيُوَاسِيَ مِنْهَا الْمُحْتَاجَ ، فَهَذَا فَرَحٌ مَحْمُودٌ { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ثُمَّ أَصْلُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا سُوءُ الْخُلُقِ وَفَسَادُ الْقَلْبِ ، فَلْنَبْدَأْ بِبَعْضِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ ثُمَّ بِبَعْضِ مَا جَاءَ فِيهَا أَوْ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ بَعْضَهَا أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ فَنَقُولُ : أَخْرَجَ الْحَارِثُ وَالْحَاكِمُ : { سُوءُ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ } .
وَابْنُ مَنْدَهْ : { سُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ وَطَاعَةُ النِّسَاءِ نَدَامَةٌ وَحُسْنُ الْمَلَكَةِ نَمَاءٌ } .
وَالْخَطِيبُ : { سُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ ، وَشِرَارُكُمْ أَسْوَءُكُمْ خُلُقًا } .
وَأَحْمَدُ : { إذَا سَمِعْتُمْ بِجَبَلٍ زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَصَدِّقُوا ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَجُلٍ زَالَ عَنْ خُلُقِهِ فَلَا تُصَدِّقُوا ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ } .
وَالْخَطِيبُ : { إنَّ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةً إلَّا صَاحِبَ سُوءِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَقَعَ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ } .
وَالصَّابُونِيُّ .
{ مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَلَهُ تَوْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ إلَّا سُوءَ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ } أَيْ صَاحِبُهُ { مِنْ ذَنْبٍ إلَّا رَجَعَ إلَى مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { الشُّؤْمُ سُوءُ الْخُلُقِ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ : { لَوْ كَانَ سُوءُ الْخُلُقِ رَجُلًا يَمْشِي فِي النَّاسِ لَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْنِي فَحَّاشًا } .
وَالْحَارِثُ وَابْنُ السُّنِّيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ ، وَمَنْ كَثُرَ هَمُّهُ سَقِمَ بَدَنُهُ ، وَمَنْ لَاحَى الرِّجَالَ ذَهَبَتْ كَرَامَتُهُ وَسَقَطَتْ مُرُوءَتُهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { لَا يَدْخُلُ

الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْخُلُقِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { النَّاسُ مَعَادِنُ ، وَالْعِرْقُ دَسَّاسٌ ، وَأَدَبُ السُّوءِ كَعِرْقِ السُّوءِ } .
وَالْعَسْكَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { إنَّ الْخُلُقَ السَّيِّئَ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ } .
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي افْتِتَاحِ صَلَاتِهِ : { اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ } .
وَبَقِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ مِنْهَا : { ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } ، وَإِنَّهُ يُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَدَرَجَاتِ الْآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ ذَنْبٌ لَا يُغْفَرُ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ مِنْ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرْكِ جَهَنَّمَ ، وَإِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ يُذِيبُ الْخَطِيئَةَ كَمَا تُذِيبُ الشَّمْسُ الْجَلِيدَ ، وَإِنَّهُ يُمْنٌ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَحْسَنَ الْخُلُقِ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَثْقَلُ مَا وُضِعَ فِي الْمِيزَانِ .
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { كَانَ خُلُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ : { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك } وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ إبْلِيسَ يَقُولُ ابْغُوا مِنْ بَنِي آدَمَ الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُمَا يَعْدِلَانِ عِنْدَ اللَّهِ الشِّرْكَ } ، وَالْخَرَائِطِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالْبَغْضَاءَ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا

عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ وَلَوْ كَانَ فِي سِتْرِ بَيْتِهِ } .
وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَخْلُصْ الْإِيمَانُ إلَى قَلْبِهِ ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ اللَّهُ فِي بَطْنِ بَيْتِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ مُرْسَلًا : { يَا مَعْشَرَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَضُرُّوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَثَرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَثْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَفْضَحُهُ وَهُوَ فِي قَعْرِ بَيْتِهِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتْرٌ ؟ قَالَ : سُتُورُ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَعْمَلُ بِالذُّنُوبِ فَيَهْتِكُ عَنْهُ سِتْرًا سِتْرًا حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ : اُسْتُرُوا عَلَى عَبْدِي مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَ وَلَا يُغَيِّرُونَ ، فَتَحُفُّ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا يَسْتُرُونَهُ ، فَإِنْ تَتَابَعَ فِي الذُّنُوبِ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبَّنَا قَدْ غَلَبَنَا وَأَقْذَرَنَا ، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ : تَخَلَّوْا عَنْهُ ، فَلَوْ عَمِلَ ذَنْبًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي جُحْرٍ أَبْدَى اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ عَوْرَتِهِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { حُبُّ الثَّنَاءِ مِنْ النَّاسِ يُعْمِي وَيُصِمُّ } .
وَتَمَّامٌ وَالْخَطِيبُ : { إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَعَا اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ جَاهِهِ كَمَا يَسْأَلُهُ عَنْ مَالِهِ } .
وَابْنُ النَّجَّارِ { مَنْ أَسَاءَ بِأَخِيهِ الظَّنَّ فَقَدْ أَسَاءَ بِرَبِّهِ ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ } } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { إذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا

تُحَقِّقُوا ، وَإِذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا ، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا ، وَإِذَا وَزَنْتُمْ فَأَرْجِحُوا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَعْرِضُوا عَنْ النَّاسِ أَلَمْ تَرَ أَنَّك إنْ ابْتَغَيْتَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ تُفْسِدُهُمْ } .
وَابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ : { الصَّفَا الزِّلَالُ الَّذِي لَا تَثْبُتُ عَنْهُ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ الطَّمَعُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ ثَلَاثٍ : مِنْ طَمَعٍ حَيْثُ لَا مَطْمَعَ ، وَمِنْ مَطْمَعٍ يَرُدُّ إلَى طَبْعٍ ، وَمِنْ طَبْعٍ يَرُدُّ إلَى مَطْمَعٍ ، تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ طَمَعٍ يَهْوِي إلَى طَبْعٍ ، وَمِنْ طَبْعٍ يَهْوِي إلَى مَطْمَعٍ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ : { اسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ مَطْمَعٍ يَهْوِي إلَى طَبْعٍ ، وَمِنْ طَمَعٍ يَهْوِي إلَى غَيْرِ مَطْمَعٍ ، وَمِنْ مَطْمَعٍ حَيْثُ لَا مَطْمَعَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ ، وَإِيَّاكُمْ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ } .
وَالْحَاكِمُ : { عَلَيْك بِالْإِيَاسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ ، وَصَلِّ صَلَاتَك وَأَنْتَ مُوَدِّعٌ ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ فِي حُبِّ اثْنَتَيْنِ طُولِ الْأَمَلِ وَحُبِّ الْمَالِ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إلَى شَهْرٍ إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ شُفْرَيَّ لَا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللَّهُ رُوحِي ، وَلَا رَفَعْتُ طَرْفِي وَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أُقْبَضَ ، وَلَا لَقَمْت لُقْمَةً إلَّا ظَنَنْت أَنِّي لَا أَسِيغُهَا حَتَّى أَغَصَّ بِهَا مِنْ الْمَوْتِ ، يَا بَنِي آدَمَ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْمَوْتَى ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ : { أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ } .

وَالْبُخَارِيُّ : { لَا يُزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : { لَوْلَا أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ مِنْ الْعُجْبِ مَا خَلَّيْت بَيْنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الذَّنْبِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { لَوْلَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ لَعُصِمَ مِنْ الذَّنْبِ حَتَّى لَا يَهُمَّ بِهِ ، وَلَكِنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْعُجْبِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ : " لَيْسَ بِالْخَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ الْعَبْدُ الْقَوْلَ بِلِسَانِهِ وَالْعُجْبُ فِي قَلْبِهِ " .
وَأَبُو الشَّيْخِ : { شِرَارُ أُمَّتِي الْمُعْجَبُ بِدِينِهِ ، الْمُرَائِي بِعَمَلِهِ ، الْمُخَاصِمُ بِحُجَّتِهِ ، وَالرِّيَاءُ شِرْكٌ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ فَقَدْ ضَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ إنَّمَا الْمَيِّتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ وَالْحَاكِمُ : { يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ : أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ } .
وَالطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ : { إنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ عِنْدَ اسْتِهِ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ : { إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ ، فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { أَلَّا إنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ : { لِوَاءُ الْغَادِرِ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد : { لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي النَّارِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ } .
وَالرَّافِعِيُّ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ مُسْلِمًا أَوْ ضَرَّهُ أَوْ مَاكَرَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ - أَيْ لَئِيمٌ - وَلَا بَخِيلٌ وَلَا مَنَّانٌ } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ غَشَّ مُسْلِمًا فِي أَهْلِهِ وَضَارَّهُ فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ خَبَّبَ خَادِمًا عَلَى أَهْلِهِ وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَالشِّيرَازِيُّ : { مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى مَوْلَاهُ فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَالسِّجْزِيُّ : { إيَّاكُمْ وَالْهَوَى فَإِنَّ الْهَوَى يُصِمُّ وَيُعْمِي } .
.
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَا تَحْتَ ظِلِّ سَمَاءٍ مِنْ إلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ : { مَنْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ مِنْ ذَنْبٍ قَدْ أَتَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ غَدًا } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعُذْرَ مِنْ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِلٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْحَوْضِ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { سِتَّةُ أَشْيَاءَ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ : الِاشْتِغَالُ بِعُيُوبِ الْخَلْقِ وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ وَحُبُّ الدُّنْيَا وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ وَطُولُ الْأَمَلِ وَظَالِمٌ لَا يَنْتَهِي } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ عَسَاكِرَ مُرْسَلًا : { ثَمَانِيَةٌ هُمْ

أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : السَّفَّارُونَ وَهُمْ الْكَذَّابُونَ ، وَالْمُخْتَالُونَ وَهُمْ الْمُسْتَكْبِرُونَ ، وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الْبُغْضَ لِإِخْوَانِهِمْ فِي صُدُورِهِمْ فَإِذَا أَتَوْهُمْ تَخَلَّقُوا لَهُمْ ، وَاَلَّذِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانُوا بِطَاءٍ ، وَإِذَا دُعُوا إلَى الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ كَانُوا سِرَاعًا .
وَاَلَّذِينَ لَا يُشْرِفُ لَهُمْ طَمَعٌ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا اسْتَحَلُّوهُ بِأَيْمَانِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ بِحَقٍّ ، وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ وَالْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ، وَالْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الدَّحَضَةِ أُولَئِكَ يُقْذِرُهُمْ الرَّحْمَنُ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ ؟ مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ ، وَسَافَرَ وَحْدَهُ وَضَرَبَ عَبْدَهُ ؛ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ وَيُبْغِضُونَهُ ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ وَلَا يُرْجَى خَيْرُهُ ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ بَاعَ آخِرَةً بِدُنْيَا غَيْرِهِ ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا ؟ مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ } .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ النَّجَّارِ : { ابْنَ آدَمَ عِنْدَك مَا يَكْفِيك وَأَنْتَ تَطْلُبُ مَا يُطْغِيك ، ابْنَ آدَمَ لَا بِقَلِيلٍ تَقْنَعُ وَلَا مِنْ كَثِيرٍ تَشْبَعُ ، ابْنَ آدَمَ إذَا أَصْبَحْتَ مُعَافًى فِي جَسَدِك آمِنًا فِي سِرْبِك عِنْدَك قُوتُ يَوْمِك فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا أَرْضَاهُ بِمَا قَسَمَ لَهُ وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ } .
وَهَنَّادٌ وَالْبَيْهَقِيُّ : { إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ ، فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ : { إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخُلُقِ ، فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَكِيمُ

وَالدَّيْلَمِيُّ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا جَعَلَ غِنَاهُ فِي نَفْسِهِ وَتُقَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا جَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ } .
وَابْنُ لَالٍ : { إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ مَا قَنِعَتْ بِهِ نَفْسُهُ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فِي شِبْرٍ - أَيْ الْقَبْرِ - ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْآخِرَةِ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْ لَقِيَنِي عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي فَارَقَنِي عَلَيْهَا } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { خَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَانِعُ ، وَشَرُّهُمْ الطَّامِعُ } وَابْنُ شَاهِينَ وَقَالَ غَرِيبٌ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ جَدْيٌ تُرْضِعُهُ أُمُّهُ فَتَرْوِيهِ فَأَفْلَتَ فَارْتَضَعَ الْغَنَمَ ثُمَّ لَمْ يَشْبَعْ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِمْ : إنَّ مَثَلَ هَذَا كَمَثَلِ قَوْمٍ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنْهُمْ مَا يَكْفِي الْأُمَّةَ وَالْقَبِيلَةَ ثُمَّ لَا يَشْبَعُ } .
وَتَمَّامٌ : { شِرَارُ أُمَّتِي أَوَّلُ مَنْ يُسَاقُ إلَى النَّارِ الْأَقْمَاعُ مِنْ أُمَّتِي الَّذِينَ إذَا أَكَلُوا لَمْ يَشْبَعُوا ، وَإِذَا جَمَعُوا لَمْ يَسْتَغْنُوا } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ سَخِطَ رِزْقَهُ وَبَثَّ شَكْوَاهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصْعَدْ لَهُ إلَى اللَّهِ عَمَلٌ وَلَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } .
وَأَبُو يَعْلَى وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { مَنْ قَلَّ مَالُهُ وَكَثُرَ عِيَالُهُ وَحَسُنَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَغْتَبْ الْمُسْلِمِينَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مَعِي كَهَاتَيْنِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ لَكِنْ تُعُقِّبَ : { يَا عَائِشَةُ إذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِك مِنْ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ ، وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ أَحَبُّ عِبَادَةِ عَبْدِي إلَيَّ النَّصِيحَةُ } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَالْبَغَوِيُّ

وَاَلْبَارُودِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدُ ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ ثَوْبَانَ : { إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ } .
وَابْنُ النَّجَّارِ : { مَنْ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِخَمْسٍ لَمْ يُصَدَّ وَجْهُهُ عَنْ الْجَنَّةِ : النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِدِينِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ } .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالدَّيْلَمِيِّ : { لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةِ مِنْ دِينِهِ مَا مَحَضَ أَخَاهُ النَّصِيحَةَ ، فَإِذَا حَادَ عَنْ ذَلِكَ سُلِبَ التَّوْفِيقَ } .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةِ حَمِيَّةٍ يَنْصُرُ الْعَصَبِيَّةَ وَيَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : " أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ نَدَامَةً " وَفِي أُخْرَى : " أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلَى النَّاسِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا : { ثَلَاثُ خِلَالٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ الْكَلْبُ خَيْرًا مِنْهُ : وَرَعٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، أَوْ حِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ جَاهِلٍ ، أَوْ حُسْنُ خُلُقٍ يَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ } .
وَأَبُو الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيُّ : { ثَلَاثٌ لَازِمَاتٌ لِأُمَّتِي } : { سُوءُ الظَّنِّ وَالْحَسَدُ وَالطِّيَرَةُ ، فَإِذَا

ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ : { ثَلَاثٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ : الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْهَا ؟ إذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { ثَلَاثٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِيهِنَّ رُخْصَةٌ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِمُسْلِمٍ كَانَ أَوْ كَافِرًا ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْلِمٍ كَانَ أَوْ كَافِرًا } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { ثَلَاثٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ حَقَّهُ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ .

تَنْبِيهَاتٌ ) : مِنْهَا قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ عَدُوُّ الْإِنْسَانِ الْمُبِينُ ، وَأَنَّ أَشْرَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ قَلْبُهُ فَهُوَ - أَعْنِي الشَّيْطَانَ - لَا يَقْنَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَسَادِ ظَاهِرِهِ بَلْ لَا مَقْصِدَ لَهُ بِطَرِيقِ الذَّاتِ إلَّا فَسَادُ ذَلِكَ الْأَشْرَفِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ وُجُوبًا عَيْنِيًّا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حِمَايَةُ قَلْبِهِ عَنْ فَسَادِ الشَّيْطَانِ ، لَكِنْ لَا يُتَوَصَّلُ لِذَلِكَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ مَدَاخِلِهِ ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ ، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ مَعْرِفَةُ مَدَاخِلِهِ وَهِيَ صِفَاتُ الْعَبْدِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْ أَعْظَمِهَا : الْحَسَدُ وَالْحِرْصُ ، فَمَهْمَا كَانَ الْعَبْدُ حَرِيصًا عَلَى شَيْءٍ أَعْمَاهُ حِرْصُهُ وَأَصَمَّهُ .
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ : { حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ } .
فَنُورُ الْبَصِيرَةِ هُوَ الَّذِي يُدْرِكُ تِلْكَ الْمَدَاخِلَ ، فَإِذَا غَطَّاهُ الْحِرْصُ وَالْحَسَدُ لَمْ يُبْصِرْ ، فَحِينَئِذٍ يَجِدُ الشَّيْطَانُ فُرْصَةً أَيَّ فُرْصَةٍ وَمَدْخَلًا أَيَّ مَدْخَلٍ : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نُوحًا وَجَدَهُ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ فَقَالَ : لِمَ دَخَلْتَ ؟ قَالَ : لِأُصِيبَ قُلُوبَ أَصْحَابِك حَتَّى يَكُونُوا مَعِي وَلَا يَكُونَ مَعَك إلَّا أَبْدَانُهُمْ ، قَالَ : اُخْرُجْ مِنْهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَإِنَّك رَجِيمٌ ، فَقَالَ إبْلِيسُ : خَمْسٌ أُهْلِكُ بِهِنَّ النَّاسَ وَسَأُحَدِّثُك بِثَلَاثٍ مِنْهَا دُونَ اثْنَتَيْنِ .
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى لِنُوحٍ - صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ - : مُرْهُ يُحَدِّثُك بِالِاثْنَتَيْنِ ، وَلَا حَاجَةَ لَك فِي الثَّلَاثِ ، قَالَ لَهُ : مَا الِاثْنَتَانِ ؟ فَقَالَ : هُمَا اللَّتَانِ لَا يَكْذِبَانِي هُمَا اللَّتَانِ لَا يُخْلِفَانِي بِهِمَا أُهْلِكُ النَّاسَ : الْحِرْصُ وَالْحَسَدُ ، بِالْحَسَدِ لُعِنْتُ وَجُعِلْتُ شَيْطَانًا رَجِيمًا ، وَبِالْحِرْصِ أَصَبْتُ حَاجَتِي مِنْ آدَمَ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْجَنَّةُ كُلُّهَا إلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَصْبِرْ عَنْهَا .
وَمِنْ

أَعْظَمِهَا أَيْضًا الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ ، فَبِالْغَضَبِ يَضْعُفُ الْعَقْلُ فَيَلْعَبُ الشَّيْطَانُ بِالْغَضْبَانِ كَمَا يَلْعَبُ الصَّبِيُّ بِالْكُرَةِ .
وَرُوِيَ أَنَّ إبْلِيسَ اسْتَشْفَعَ بِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَبِّهِ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ فَشَفَعَ ، فَقَالَ : يَا مُوسَى إنْ سَجَدَ لِقَبْرِ آدَمَ .
فَأَعْلَمَهُ ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ الْغَضَبَ : لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيًّا فَكَيْفَ أَسْجُدُ لَهُ مَيِّتًا ، لَكِنْ لَك عَلَيَّ حَقُّ شَفَاعَتِك ، اُذْكُرْنِي عِنْدَ ثَلَاثٍ لَا أُهْلِكُكَ فِيهِنَّ : اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ فَإِنِّي أَجْرِي مِنْك مَجْرَى الدَّمِ ، وَحِينَ تَلْقَى الزَّحْفَ فَإِنِّي أُذَكِّرُ ابْنَ آدَمَ حِينَئِذٍ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَأَهْلَهُ حَتَّى يُوَلِّيَ ، وَحِينَ تُجَالِسُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَإِنِّي رَسُولُهَا إلَيْك وَرَسُولُك إلَيْهَا .
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ : بِأَيِّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ ؟ قَالَ : آخُذُهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَعِنْدَ الْهَوَى ، وَقِيلَ لَهُ : أَيُّ أَخْلَاقِ بَنِي آدَمَ أَعْوَنُ لَك ؟ قَالَ : الْحِدَّةُ - أَيْ الْمَذْمُومَةُ - حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا مَرَّ فِي مَدْحِهَا : إنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ حَدِيدًا قَلَّبْنَاهُ كَمَا تُقَلِّبُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ .

وَمِنْ أَعْظَمِهَا أَيْضًا : حُبُّ الْقَلْبِ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَيَبِيضُ الشَّيْطَانُ فِيهِ حِينَئِذٍ ، وَيُفْرِخُ وَيَفْتَحُ لَهُ مِنْ الْمَلَاهِي وَالْقَوَاطِعِ عَنْ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ وَسُنَّتِهِ مَا يُزَيِّنُ لَهُ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى نَقْصِهِ وَغَفْلَتِهِ ، وَإِنْفَاقِ نَفَائِسِ أَوْقَاتِهِ فِي الْبَطَالَاتِ ، فَرُبَّمَا خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِسُوءٍ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى .

وَمِنْ أَعْظَمِهَا : مَحَبَّةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إذْ الشِّبَعُ - وَلَوْ مِنْ حَلَالٍ طَيِّبٍ - يُقَوِّي الشَّهَوَاتِ وَهِيَ أَسْلِحَةُ الشَّيْطَانِ ، وَمِنْ ثَمَّ رَآهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مَعَالِيقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ : هِيَ الشَّهَوَاتُ الَّتِي بِهَا أُصِيبُ ابْنَ آدَمَ ، فَقَالَ : هَلْ لِي فِيهَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَ : رُبَّمَا شَبِعْتَ فَثَقَّلْنَاك عَنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ ، قَالَ : هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَمْلَأَ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ أَبَدًا ، قَالَ إبْلِيسُ : وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَنْصَحَ مُسْلِمًا أَبَدًا .

وَمِنْ أَعْظَمِهَا أَيْضًا : الطَّمَعُ .
فَإِنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى قَلْبٍ لَمْ يَزَلْ الشَّيْطَانُ يُحْسِنُ التَّزَيُّنَ وَالتَّصَنُّعَ ، وَلِلْمَطْمُوعِ فِيهِ بِأَنْوَاعِ الرِّيَاءِ وَالتَّلْبِيسِ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ إلَهُهُ ، فَلَا يَزَالُ يَتَفَكَّرُ فِي حَبْلِ التَّوَدُّدِ وَالتَّحَبُّبِ إلَيْهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ بِكُلِّ مَا رَضِيَهُ ، وَإِنْ أَغْضَبَ اللَّهَ كَالْمُدَاهَنَةِ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ .

وَمِنْهَا : الْعَجَلَةُ ، وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِي الْأُمُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } وَفِي الْحَدِيثِ : { الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ } ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ عِنْدَهَا يَرُوجُ شَرُّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِخِلَافِ مَنْ تَمَهَّلَ وَتَرَوَّى عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى عَمَلٍ يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ بَصِيرَةٌ بِهِ ، وَمَتَى لَمْ تَحْصُلْ تِلْكَ الْبَصِيرَةُ فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِعْجَالُ اللَّهُمَّ إلَّا فِي وَاجِبٍ فَوْرِيٍّ ، فَهَذَا لَا مَسَاغَ لِلتَّمَهُّلِ فِيهِ ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا الْمَالُ إذَا مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْقُوتِ فَهُوَ مُسْتَقَرُّ الشَّيْطَانِ ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ ذَلِكَ الزَّائِدُ قَلْبُهُ فَارِغٌ ، فَلَوْ وَجَدَ مِائَةَ دِينَارٍ بِطَرِيقٍ انْبَعَثَ مِنْ قَلْبِهِ عَشْرُ شَهَوَاتٍ ، كُلُّ شَهْوَةٍ مِنْهَا تَحْتَاجُ إلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تِسْعِمِائَةٍ أُخْرَى ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ظَفَرِهِ بِالْمِائَةِ مُسْتَغْنِيًا ، فَلَمَّا وَجَدَ الْمِائَةَ ظَنَّ أَنَّهُ اسْتَغْنَى وَقَدْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا لِتِسْعِمِائَةٍ لِشِرَاءِ دَارٍ وَأَمَةٍ وَأَثَاثٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي شَيْئًا آخَرَ يَلِيقُ بِهِ وَذَلِكَ لَا آخِرَ لَهُ ، فَيَقَعُ فِي هَاوِيَةٍ لَا آخِرَ لَهَا إلَّا قَعْرُ جَهَنَّمَ ، وَلَمَّا ضَجِرَتْ شَيَاطِينُ إبْلِيسَ مِنْ عَدَمِ ظَفَرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَشَكَوْا إلَيْهِ قَالَ لَهُمْ : رُوَيْدًا عَسَى تُفْتَحُ لَهُمْ الدُّنْيَا فَتُصِيبُوا حَاجَتَكُمْ مِنْهُمْ .

وَمِنْهَا : الْبُخْلُ وَخَوْفُ الْفَقْرِ ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّصَدُّقِ وَالْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَيَأْمُرُ بِالْإِمْسَاكِ وَالتَّقْتِيرِ وَالْكَنْزِ ، وَعَذَابُ اللَّهِ الْأَلِيمُ هُوَ الْمَوْعِدُ لِلْكَانِزِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ .
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : لِلشَّيْطَانِ سِلَاحٌ مِثْلُ خَوْفِ الْفَقْرِ ، فَإِذَا قَبِلَ مِنْهُ أَخَذَ فِي الْبَاطِلِ وَتَكَلَّمَ بِالْهَوَى وَظَنَّ بِرَبِّهِ السُّوءَ .
وَمِنْ آفَاتِ الْبُخْلِ : الْحِرْصُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْأَسْوَاقِ لِجَمْعِ الْمَالِ وَهِيَ مُعَشَّشُ الشَّيْطَانِ .
وَفِي الْحَدِيثِ : { لَمَّا نَزَلَ إبْلِيسُ إلَى الْأَرْضِ قَالَ : يَا رَبِّ اجْعَلْ لِي بَيْتًا .
قَالَ : الْحَمَّامُ : قَالَ : اجْعَلْ لِي مَجْلِسًا .
قَالَ : الْأَسْوَاقُ .
قَالَ : اجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا .
قَالَ : الْمَزَامِيرُ .
قَالَ : اجْعَلْ لِي طَعَامًا .
قَالَ : مَا لَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .
قَالَ : اجْعَلْ لِي قُرْآنًا .
قَالَ : الشِّعْرُ .
قَالَ : اجْعَلْ لِي حَدِيثًا .
قَالَ : الْكَذِبُ .
قَالَ : اجْعَلْ لِي مَصَائِدَ .
قَالَ : النِّسَاءُ } .

وَمِنْهَا : التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَالْحِقْدُ عَلَى الْخُصُومِ ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُهْلِكُ الْعِبَادَ وَالْعُلَمَاءَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَذِكْرِ نَقَائِصِهِمْ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِمْ الطَّبْعُ ، فَإِذَا خَيَّلَ الشَّيْطَانُ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ زَادَ فِيهِ وَاسْتَكْثَرَ وَحَلَا لَهُ وَفَرِحَ بِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الدِّينِ وَمَا هُوَ إلَّا سَاعٍ فِي اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ دُونَ اتِّبَاعِ الْمُتَعَصَّبِ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَلَوْ اعْتَنَى بِصَلَاحِ نَفْسِهِ وَكَانَ عَلَى نَحْوِ أَخْلَاقِ مَنْ تَعَصَّبَ لَهُ لَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى لَهُ وَالْأَحْرَى بِهِ ، وَظَنُّ أَنَّ التَّعَصُّبَ لَهُ بِنَقْصِ النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ بِحُبِّهِ إلَيْهِ كَاذِبٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَتَعَصَّبْ لِنَفْسِهِ وَعَفَا عَمَّنْ سَفِهَ عَلَيْهِ فَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَنْ تَعَصَّبَ لِإِمَامٍ وَلَمْ يَسِرْ عَلَى سِيرَتِهِ فَذَلِكَ الْإِمَامُ هُوَ خَصْمُهُ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُوَبِّخِينَ لَهُ ، وَقَدْ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنْهُ : اعْمَلِي فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا } .
فَعَلَيْكَ أَنْ تُصْلِحَ بَاطِنَك وَظَاهِرَك ، وَلَا تَشْتَغِلْ بِغَيْرِك إلَّا حَيْثُ كَلَّفَك الشَّرْعُ بِذَلِكَ ، كَأَنْ تَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ بَعْدَ اسْتِيفَائِك لِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ .

وَمِنْهَا : حَمْلُ الْعَوَامّ وَمَنْ لَمْ يُمَارِسْ الْعُلُومَ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ ، وَفِي أُمُورٍ لَا تَبْلُغُهَا عُقُولُهُمْ وَهَذَا مَضِلَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَشَكَّكُونَ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، بَلْ رُبَّمَا تَخَيَّلُوا فِي اللَّهِ - تَعَالَى - مَا هُوَ مُتَعَالٍ عَنْهُ فَيَصِيرُ بِهِ كَافِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا وَهُوَ بِهِ فَرِحٌ مَسْرُورٌ لِغَلَبَةِ حُمْقِهِ وَقِلَّةِ عَقْلِهِ ، وَأَشَدُّ النَّاسِ حَمَاقَةً أَقْوَاهُمْ اعْتِقَادًا فِي نَفْسِهِ ، وَأَثْبَتُهُمْ عَقْلًا أَشَدُّهُمْ اتِّهَامًا لِنَفْسِهِ وَظَنِّهِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى السُّؤَالِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ .

وَمِنْهَا : سُوءُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ } وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَالْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ .
وَقَدْ { قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَبْصَرَهُ يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ صَفِيَّةَ : إنَّهَا أُمُّكُمَا فَتَطَوَّرَا لِذَلِكَ ، فَقَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا } فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمَا فَحَرَسَهُمَا وَعَلَى أُمَّتِهِ فَعَلَّمَهُمْ طَرِيقَ الِاحْتِرَازِ مِنْ التُّهْمَةِ حَتَّى لَا يَتَسَاهَلَ الْعَالِمُ الْوَرِعُ فِي أَحْوَالِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ إلَّا الْخَيْرُ إعْجَابًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ ، وَهِيَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ ؛ إذْ أَوْرَعُ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُنْقِصٍ وَمُبْغِضٍ ، فَتَعَيَّنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ تُهْمَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْأَشْرَارِ فَإِنَّهُمْ لَا يَظُنُّونَ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا الشَّرَّ ، وَكُلُّ مَنْ رَأَيْتَهُ سَيِّئَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ طَالِبًا لِإِظْهَارِ مَعَايِبِهِمْ .
فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ لِسَلَامَةِ بَاطِنِهِ ، وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعُيُوبَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ ، فَهَذِهِ بَعْضُ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ إلَى الْقَلْبِ وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى بَاقِيهَا .
وَبِالْجُمْلَةِ : فَلَيْسَ فِي الْآدَمِيِّ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ إلَّا وَهِيَ سِلَاحُ الشَّيْطَانِ ، وَبِهَا يَسْتَعِينُ عَلَى إضْلَالِهِ ، وَإِغْوَائِهِ فَالْجَأْ إلَى اللَّهِ وَفِرَّ إلَيْهِ مِنْ مَكَائِدِهِ لَعَلَّ أَنْ يُنْجِيَك مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ ، وَاِتَّخِذْ الذِّكْرَ سَمِيرًا وَتَذَكَّرْ الْآخِرَةَ مُعِينًا وَظَهِيرًا ، وَدُمْ عَلَى ذَلِكَ تُحْفَظُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الْمَهَالِكِ .
وَمِنْهَا : إذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْنَا وَاتَّضَحَ مِنْ جَمِيعِ

مَا ذَكَرْنَاهُ لَك عَظِيمَ ضَرَرِ أَكْثَرِ تِلْكَ الْكَبَائِرِ الَّتِي سَرَدْنَاهَا عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ تَفَرُّدِهِ بَلْ أَخَذَهُ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ ، فَاحْذَرْ أَنْ يَكُونَ بِقَلْبِك أَوْ بِبَاطِنِك شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ مِنْك الْبَاطِنَ بَلْ وَالظَّاهِرَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْكَبَائِرِ يَرْجِعُ فِعْلُهَا إلَى سُوءِ الْخُلُقِ ، وَتَرْكُهَا إلَى حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَحُسْنُهُ يَرْجِعُ إلَى اعْتِدَالِ قُوَّةِ الْعَقْلِ بِكَمَالِ الْحِكْمَةِ ، وَإِلَى اعْتِدَالِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ ، وَإِطَاعَةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ ، ثُمَّ هَذَا الِاعْتِدَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِجُودٍ إلَهِيٍّ وَكَمَالٍ فِطْرِيٍّ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهِ مِنْ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يُوجِبُ حُسْنَ خُلُقِهَا وَيُضَادُّ سُوءَ طَوِيَّتِهَا إذْ هِيَ لَا تَأْلَفُ رَبَّهَا وَلَا تَأْنَسُ بِذِكْرِهِ إلَّا إذَا فُطِمَتْ عَنْ عَادَتِهَا وَحُفِظَتْ عَنْ شَهَوَاتِهَا بِالْخَلْوَةِ وَالْعُزْلَةِ أَوَّلًا لِيُحْفَظَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ ، ثُمَّ بِإِدْمَانِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي تِلْكَ الْخَلْوَةِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأُنْسُ بِاَللَّهِ وَبِذِكْرِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَتَنَعَّمُ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِي بِدَايَتِهِ ، وَرُبَّمَا ظَنَّ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مُجَاهَدَةٍ بِتَرْكِ فَوَاحِشِ الْمَعَاصِي أَنَّهُ قَدْ هَذَّبَهَا وَحَسَّنَ خُلُقَهَا ، وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَاتُ الْكَامِلِينَ وَلَا أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا } إلَى أَنْ قَالَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } وَقَالَ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } إلَى أَنْ قَالَ { أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ

الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } إلَى { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } إلَى آخِرِ السُّورَةِ .
فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَالُ نَفْسِهِ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَظَائِرِهَا ، فَوُجُودُ جَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَامَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَفَقْدُ جَمِيعِهَا عَلَامَةُ سُوءِ الْخُلُقِ وَوُجُودُ الْبَعْضِ يَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِ .
وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَجَامِعِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بِقَوْلِهِ : { الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ } وَيَأْمُرُهُ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَالْجَارِ ، وَبِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إمَّا أَنْ يَقُولَ خَيْرًا أَوْ يَصْمُتَ ، وَبِمَا جَاءَ : { إذَا رَأَيْتُمْ الْمُؤْمِنَ صَمُوتًا وَقُورًا فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ } .
{ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشِيرَ إلَى أَخِيهِ بِنَظَرٍ يُؤْذِيهِ } .
{ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا } .
{ إنَّمَا يَتَجَالَسُ الْمُتَجَالِسَانِ بِأَمَانَةِ اللَّهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَى أَخِيهِ مَا يَكْرَهُ } .
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ : أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ ، قَلِيلَ الْأَذَى ، كَثِيرَ الصَّلَاحِ ، صَدُوقَ اللِّسَانِ ، قَلِيلَ الْكَلَامِ ، كَثِيرَ الْعَمَلِ ، قَلِيلَ الْفُضُولِ ، قَلِيلَ الزَّلَلِ ، وَهُوَ بَرٌّ وَصُولٌ وَقُورٌ صَبُورٌ رَضِيٌّ شَكُورٌ حَلِيمٌ ، رَفِيقٌ عَفِيفٌ شَفِيقٌ لَا لَمَّازٌ وَلَا سَبَّابٌ وَلَا نَمَّامٌ وَلَا مُغْتَابٌ وَلَا عَجُولٌ وَلَا حَقُودٌ وَلَا بَخِيلٌ وَلَا حَسُودٌ ، هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ ، يُحِبُّ فِي اللَّهِ وَيُبْغِضُ فِي اللَّهِ وَيَرْضَى فِي اللَّهِ وَيَغْضَبُ فِي اللَّهِ ؛ فَهَذَا هُوَ حُسْنُ الْخُلُقِ .
وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِلتَّحَلِّي بِمَعَالِيهِ وَأَدَامَ عَلَيْنَا سَوَابِغَ أَفْضَالِهِ وَمَوَانِحَ قُرَبِهِ وَالِانْدِرَاجَ فِي سِلْكِ أَوْلِيَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَمَوَالِيهِ آمِينَ .

الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى الرَّحْمَةِ قَالَ تَعَالَى : { فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { إذَا رَأَيْتُمْ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ .
فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ .
ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } } أَيْ آيِسُونَ مِنْ النَّجَاةِ وَكُلِّ خَيْرٍ سَدِيدٍ ، وَلَهُمْ الْحَسْرَةُ وَالْحُزْنُ وَالْخِزْيُ لِاغْتِرَارِهِمْ بِتَرَادُفِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ مُقَابَلَتِهِمْ لَهَا بِمَزِيدِ الْإِعْرَاضِ وَالْإِدْبَارِ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَسَنُ : مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ مَكْرٌ بِهِ فَلَا عَقْلَ لَهُ ، وَقَالَ فِي قَوْمٍ لَمْ يَشْكُرُوا : مُكِرَ بِهِمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا .
وَفِي الْأَثَرِ { لَمَّا مُكِرَ بِإِبْلِيسَ بَكَى جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمَا : وَمَا يُبْكِيكُمَا ؟ قَالَا : رَبَّنَا مَا أَمِنَّا مِنْ مَكْرِك ، فَقَالَ تَعَالَى : هَكَذَا كُونَا لَا تَأْمَنَا مَكْرِي } وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : { يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك } وَفِي رِوَايَةٍ : { فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَخَافُ ؟ قَالَ : إنَّ الْقَلْبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ } .
أَيْ بَيْنَ مَظْهَرَيْ إرَادَتِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ ، فَهُوَ يَصْرِفُهَا أَسْرَعَ مِنْ مَمَرِّ الرِّيحِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ .
وَفِي التَّنْزِيلِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ، أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ

مَا يَصْنَعُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } ، أَيْ عَقْلٌ .
وَاخْتَارَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ مَعْنَى تِلْكَ الْإِحَالَةِ إعْلَامُ الْعِبَادِ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِهِمْ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إذَا شَاءَ حَتَّى لَا يُدْرِكَ أَحَدٌ شَيْئًا إلَّا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى .
وَلَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّك تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَلْ تَخْشَى ؟ قَالَ : وَمَا يُؤَمِّنُنِي يَا عَائِشَةُ وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدِهِ قَلَّبَهُ } .
وَقَدْ أَثْنَى تَعَالَى عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ : { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّك أَنْتَ الْوَهَّابُ } .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً وَاضِحَةً لِرَدِّ مَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ ، وَالْحَقِيقَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ الزَّيْغَ وَالْهِدَايَةَ بِخَلْقِ اللَّهِ ، وَإِرَادَتِهِ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَلْبَ صَالِحٌ لِلْمَيْلِ إلَى الْخَيْرِ ، وَإِلَى الشَّرِّ ، وَإِلَى الْإِيمَانِ ، وَإِلَى الْكُفْرِ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَمِيلَ إلَى أَحَدِهِمَا بِدُونِ دَاعِيَةٍ ، بَلْ لَا بُدَّ فِي مَيْلِهِ لِذَلِكَ مِنْ حُدُوثِ دَاعِيَةٍ ، وَإِرَادَةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَ دَاعِيَةَ الْكُفْرِ فَهُوَ الْخِذْلَانُ وَالْإِزَاغَةُ وَالصَّدُّ وَالْخَتْمُ وَالطَّبْعُ وَالرَّيْنُ وَالْقَسْوَةُ وَالْوَقْرُ وَالْكِنَانُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ ، وَإِنْ كَانَ دَاعِيَةَ الْإِيمَانِ فَهُوَ التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ وَالْهِدَايَةُ وَالتَّسْدِيدُ وَالتَّثْبِيتُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ .
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأُصْبُعَيْنِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيمَا رُوِيَ : {

قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ } هُمَا الدَّاعِيَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ .
وَمِمَّا يُحَذِّرُك أَيْضًا مِنْ أَمْنِ الْمَكْرِ اسْتِحْضَارُك قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا } .
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ : { إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَيَعْمَلُ الرَّجُلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ } .
وَلَا يُتَّكَلُ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَمَّا قَالُوا عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِ أَعْمَالِنَا ؟ قَالَ لَهُمْ : بَلَى اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ قِصَّةِ بَلْعَامٍ عَالِمِ بَنِي إسْرَائِيلَ حَيْثُ أَمِنَ الْمَكْرَ فَقَنِعَ بِالْفَانِي مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا عَنْ الْبَاقِي مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ فَأَطَاعَ هَوَاهُ ، وَقِيلَ : مَا بُذِلَ لَهُ عَلَى أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَصَارَ يَلْهَثُ كَالْكَلْبِ وَسَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ ، وَكَذَلِكَ بَرْصِيصَا الْعَابِدُ مَاتَ بَعْدَ عِبَادَتِهِ الَّتِي لَا تُطَاقُ عَلَى الْكُفْرِ .
وَكَانَ ابْنُ السَّقَّاءِ بِبَغْدَادَ مِنْ مَشَاهِيرِهَا فَضْلًا وَذَكَاءً وَقَعَ لَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِ فَانْتَقَلَ بِهِ الْحَالُ إلَى

الْقُسْطَنْطِينِيَّة ، فَهَوَى امْرَأَةً فَتَنَصَّرَ لِأَجْلِهَا ثُمَّ مَرِضَ فَأُلْقِيَ عَلَى الطَّرِيقِ يَسْأَلُ ، فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ يَعْرِفُهُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَحَكَى لَهُ فِتْنَتَهُ ، وَأَنَّهُ تَنَصَّرَ وَالْآنَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَمُرُّ بِخَاطِرِهِ ، قَالَ ذَلِكَ الرَّائِي لَهُ : فَمَرَرْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَلِيلٍ فَرَأَيْتُهُ مُحْتَضَرًا ، وَوَجْهُهُ إلَى الشَّرْقِ فَصِرْت كُلَّمَا أَدَرْت وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْتَفَتَ لِلشَّرْقِ ، وَلَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَتْ رُوحُهُ .
وَكَانَ بِمِصْرَ مُؤَذِّنٌ عَلَيْهِ سِيمَا الصَّلَاحِ فَرَأَى نَصْرَانِيَّةً مِنْ الْمَنَارَةِ فَافْتُتِنَ بِهَا فَذَهَبَ إلَيْهَا فَامْتَنَعَتْ أَنْ تُجِيبَهُ لِرِيبَةٍ ، فَقَالَ : النِّكَاحُ ، فَقَالَتْ : أَنْتَ مُسْلِمٌ وَلَا يَرْضَى أَبِي ، فَقَالَ إنَّهُ يَتَنَصَّرُ ، فَقَالَتْ : الْآنَ يُجِيبُك ، فَتَنَصَّرَ وَوَعَدُوهُ أَنْ يُدْخِلُوهُ عَلَيْهَا ، فَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ رَقِيَ سَطْحًا لِحَاجَةٍ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ ، فَوَقَعَ مَيِّتًا ؛ فَلَا هُوَ بِدِينِهِ وَلَا هُوَ بِهَا .
فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَكْرِهِ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْهُ وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَبِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ : إذَا كَانَتْ الْهِدَايَةُ مَصْرُوفَةً ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مَوْقُوفَةً ، وَالْعَاقِبَةُ مُغَيَّبَةً ، وَالْإِرَادَةُ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَا مُغَالَبَةٍ ، فَلَا تُعْجَبْ بِإِيمَانِك ، وَصَلَاتِك وَجَمِيعِ قُرَبِكَ فَإِنَّهَا مِنْ مَحْضِ فَضْلِ رَبِّك وُجُودِهِ فَرُبَّمَا سَلَبَهَا عَنْك فَوَقَعَتْ فِي هُوَّةِ النَّدَمِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي فِيهِ ، بَلْ جَاءَ تَسْمِيَتُهُ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَا الْكَبَائِرُ ؟ فَقَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَالْإِيَاسُ

مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ } .
قِيلَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا ، وَبِكَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَكْرِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَزَّ قَائِلًا : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ عَلَى حَدِّ { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك } قِيلَ : وَمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ - تَعَالَى - بِالْمَكْرِ إلَّا لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ مُسْنَدٍ لِمَنْ يَلِيقُ بِهِ انْتَهَى .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ جَاءَ وَصْفُهُ - تَعَالَى - بِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ } عَلَى أَنَّ الْمَكْرَ رُبَّمَا يَصِحُّ اتِّصَافُهُ - تَعَالَى - بِهِ إذْ هُوَ - لُغَةً - السِّتْرُ يُقَالُ : مَكَرَ اللَّيْلُ : أَيْ سَتَرَ بِظُلْمَتِهِ مَا هُوَ فِيهِ ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الِاحْتِيَالِ وَالْخِدَاعِ وَالْخُبْثِ ؛ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ بِأَنَّهُ السَّعْيُ بِالْفَسَادِ ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَرْفُ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصِدُ بِحِيلَةٍ ، وَهَذَا الْأَخِيرُ : إمَّا مَحْمُودٌ بِأَنْ يَتَحَيَّلَ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، وَإِمَّا مَذْمُومٌ بِأَنْ يَتَحَيَّلَ بِهِ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى شَرٍّ وَمِنْهُ { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلَّا بِأَهْلِهِ } .

( الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ : الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قَالَ تَعَالَى : { إنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { إنْ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَك ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتنِي بِقُرَابَةِ الْأَرْضِ - بِضَمِّ الْقَافِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ قَرِيبِ مِلْئِهَا - خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً } .
وَعَنْ أَنَسٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدُك ؟ قَالَ : أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنْ شِئْتُمْ

أَنْبَأْتُكُمْ : مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ يَا رَبَّنَا .
فَيَقُولُ : لِمَ ؟ فَيَقُولُونَ رَجَوْنَا عَفْوَك وَمَغْفِرَتَك ، فَيَقُولُ : قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي } .
وَالشَّيْخَانِ : { قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي } الْحَدِيثَ .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ : { إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ { سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ : لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ ؛ { قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفِيرِهَا الْتَفَتَ فَقَالَ : أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنًا ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رُدُّوهُ ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي } .
وَالْبَغَوِيُّ : { إنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، يَقُولُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ أَنَا عِنْدَ ظَنِّك بِي } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي عَلِمْته مِمَّا ذُكِرَ ، بَلْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ، بَلْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ .

الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
وَقَالَ - عَزَّ قَائِلًا : { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إلَّا الضَّالُّونَ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ مُغَايِرَتَيْنِ لِلْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ هُوَ مَا وَقَعَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّلَازُمِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : فِي مَعْنَى الْإِيَاسِ الْقُنُوطُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ لِلتَّرَقِّي إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } انْتَهَى ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ أَبْلَغُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَأْسٌ ، وَقُنُوطٌ ، وَزِيَادَةٌ لِتَجْوِيزِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءَ لَا تَلِيقُ بِكَرَمِهِ وُجُودِهِ .
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ : أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ .
فَإِنْ قُلْت : يُنَافِي هَذَا إطْبَاقُ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْدُوبٌ لِلْمَرِيضِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّحِيحِ ، فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى رَجَائِهِ .
وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ : الْأَوْلَى لَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : إنْ أَمِنَ دَاءَ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى ، أَوْ أَمِنَ الْمَكْرَ فَالْخَوْفُ أَوْلَى .
قُلْت : الْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدُهُمَا : شَخْصٌ يَجُوزُ وُقُوعُ الرَّحْمَةِ لَهُ وَالْعَذَابُ ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ الْفُقَهَاءُ ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا نُدِبَ لَهُ تَغْلِيبُ جَانِبِ الرَّجَاءِ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اخْتَلَفُوا فِيهِ

كَمَا رَأَيْت .
ثَانِيهِمَا : شَخْصٌ أَيِسَ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ لَهُ مَعَ إسْلَامِهِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَلَامُنَا هُنَا فِيهِ ، فَهَذَا الْيَأْسُ كَبِيرَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا ، ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ حَالَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهُ ، وَهِيَ التَّصْمِيمُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ ، وَهُوَ الْقُنُوطُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ ( فَهُوَ يَئُوسٌ قُنُوطٌ ) .
وَتَارَةً يَنْضَمُّ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ وُقُوعِ رَحْمَتِهِ لَهُ يُشَدَّدُ عَذَابُهُ كَالْكُفَّارِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِسُوءِ الظَّنِّ هُنَا ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ .

الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : تَعَلُّمُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ الرِّيَاءِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ : { وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْت فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيك الْقُرْآنَ قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّك تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ وَقَرَأْتَ لِيُقَالَ : قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَاكِمُ شَاهِدًا وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ : { مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ } .
وَبِلَفْظِ : { مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ } .
وَابْنَ مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ شَذَّ فِيهِ : { لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا تَحْبُرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ } .
وَصَحَّ بِسَنَدٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ .
: { مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

} .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إنَّ أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي سَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَقُولُونَ : نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ بِدِينِنَا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنْ الْقَتَادِ إلَّا الشَّوْكُ } كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ كَأَنَّهُ يَعْنِي الْخَطَايَا .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلَامِ لِيَسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوْ النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ انْقِطَاعٌ .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا : { كَيْفَ بِكُمْ إذَا أَتَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَتُتَّخَذُ سُنَّةٌ فَإِنْ غُيِّرَتْ يَوْمًا قِيلَ هَذَا مُنْكَرٌ .
قَالُوا وَمَتَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : إذَا قَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ ، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ ، وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ ، وَتُفُقِّهَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَالْتُمِسَتْ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ } .
وَرُوِيَ مَوْقُوفًا أَيْضًا : أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ فِتَنًا تَكُونُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَتَى ذَلِكَ يَا عَلِيُّ ؟ قَالَ : { إذَا تُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ ، وَتُعُلِّمَ الْعِلْمُ لِغَيْرِ الْعَمَلِ وَالْتُمِسَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً غَيْرَ الرِّيَاءِ السَّابِقِ هُوَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْخَاصِّ فَأَفْرَدُوهُ لِذَلِكَ ، وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ تِلْكَ تَشْمَلُ هَذِهِ وَغَيْرَهَا فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ .

( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : كَتْمُ الْعِلْمِ ) قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَقِيلَ فِي الْيَهُودِ لِكَتْمِهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فِي التَّوْرَاةِ ، وَقِيلَ : إنَّهَا عَامَّةٌ ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ ، وَكِتْمَانُ الدِّينِ يُنَاسِبُ اسْتِحْقَاقَ اللَّعْنِ ؛ فَوَجَبَ عُمُومُ الْحُكْمِ عِنْدَ عُمُومِ الْوَصْفِ ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْعُمُومِ كَعَائِشَةَ فَإِنَّهَا اسْتَدَلَّتْ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إلَيْهِ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْوُهَا مَا كَثُرَ الْحَدِيثُ ، وَالْكَتْمُ تَرْكُ إظْهَارِ الشَّيْءِ الْمُحْتَاجِ إلَى إظْهَارِهِ ، وَنَظِيرُهَا { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } وَنَظِيرُهَا أَيْضًا : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } فَهَاتَانِ ، وَإِنْ كَانَتَا فِي الْيَهُودِ أَيْضًا لِكَتْمِهِمْ صِفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرَهَا إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا تَقَرَّرَ : وَالْبَيِّنَاتِ : مَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ

الْكُتُبِ وَالْوَحْيِ .
وَالْهُدَى : الْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ ، وَمِنْ بَعْدِ : ظَرْفٌ لَيَكْتُمُونَ ، لَا لَأَنْزَلْنَا لِفَسَادِ الْمَعْنَى .
قِيلَ : وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ بَيَانُ أُصُولِ الدِّينِ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا ثُمَّ تَرَكَهَا أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَقَدْ لَحِقَهُ هَذَا الْوَعِيدُ انْتَهَى ؛ وَاللَّعْنَةُ لُغَةً الْإِبْعَادُ ، وَشَرْعًا الْإِبْعَادُ مِنْ الرَّحْمَةِ ، اللَّاعِنُونَ : دَوَابُّ الْأَرْضِ وَهَوَامُّهَا تَقُولُ : مُنِعْنَا الْقَطْرَ لِمَعَاصِي بَنِي آدَمَ ، وَلِإِدْرَاكِهَا ذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ نَحْوُ { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } { فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } { أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْجِنَّ ، وَالْإِنْسَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ ، الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ ، أَقْوَالٌ .
وَصَوَّبَ الزَّجَّاجُ أَنَّهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ .
وَرُدَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ خَبَرٌ فِي ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ اللَّاعِنُونَ بِدَوَابِّ الْأَرْضِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ : هُمْ جَمِيعُ عِبَادِ اللَّهِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكِتْمَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَوْجَبَ فِيهِ اللَّعْنَ ، وَالنَّبْذَ وَرَاءَ الظَّهْرِ كِنَايَةً عَنْ الْإِعْرَاضِ الشَّدِيدِ ، وَالثَّمَنُ الْقَلِيلُ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ مِنْ سَفَلَتِهِمْ بِرِئَاسَتِهِمْ فِي الْعِلْمِ ، { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } مَعْنَاهُ قَبُحَ شِرَاؤُهُمْ وَخَسِرُوا فِيهِ .
وَجَاءَ فِي الْكَتْمِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي السُّنَّةِ .
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنَا مَاجَهْ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَحْفَظُ عِلْمًا فَيَكْتُمُهُ إلَّا أُتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ، وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ شَطْرُهُ الْأَوَّلُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ ؛ وَخَبَرُ { مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ } ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنَيْ عُمَرَ وَمَسْعُودٍ وَعَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ وَعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِزِيَادَةِ { مِمَّا يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ فِي الدِّينِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ : { إذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ابْنُ أَبِي لَهِيعَةَ ، { مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ كَمَثَلِ الَّذِي يَكْنِزُ الْكَنْزَ ثُمَّ لَا يُنْفِقُ مِنْهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا وَاحِدًا اُخْتُلِفَ فِيهِ : { نَاصِحُوا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ خِيَانَةَ أَحَدِكُمْ فِي عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ ، وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مُسَائِلُكُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خُطْبَةً فَأَثْنَى عَلَى طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يُفَقِّهُونَ جِيرَانَهُمْ وَلَا يُعَلِّمُونَهُمْ وَلَا

يَأْمُرُونَهُمْ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ ، وَمَا بَالُ أَقْوَامٍ لَا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ وَلَا يَتَفَقَّهُونَ وَلَا يَتَّعِظُونَ ، وَاَللَّهِ لَيُعَلِّمَنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ ، وَيُفَقِّهُونَهُمْ ، وَيَعِظُونَهُمْ ، وَيَأْمُرُونَهُمْ ، وَلَيَتَعَلَّمَنَّ قَوْمٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ وَيَتَفَقَّهُونَ وَيَتَّعِظُونَ أَوْ لَأُعَاجِلَنَّهُمْ الْعُقُوبَةَ ثُمَّ نَزَلَ } ، فَقَالَ قَوْمٌ : { مَنْ تَرَوْنَ عَنَى بِهَؤُلَاءِ ؟ قَالُوا : الْأَشْعَرِيِّينَ هُمْ قَوْمٌ فُقَهَاءُ وَلَهُمْ جِيرَانٌ جُفَاةٌ مِنْ أَهْلِ الْمِيَاهِ وَالْأَعْرَابِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيِّينَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ بِخَيْرٍ وَذَكَرْتَنَا بِشَرٍّ فَمَا بَالُنَا ؟ فَقَالَ : لَيُعَلِّمَنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ وَلِيُفَقِّهْنَهُمْ وَلَيَعِظُنَّهُمْ ، وَلِيَأْمُرْنَهُمْ وَلِيَنْهَوْهُمْ وَلَيَتَعَلَّمُنَّ قَوْمٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ ، وَيَتَفَقَّهُونَ ، وَيَتَّعِظُونَ أَوْ لَأُعَاجِلَنَّهُمْ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَعِظُ غَيْرَنَا ؟ فَأَعَادَ قَوْلَهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَعَادُوا قَوْلَهُمْ : أَنَعِظُ غَيْرَنَا ؟ فَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالُوا : أَمْهِلْنَا سَنَةً فَأَمْهَلَهُمْ سَنَةً لِيُفَقِّهُوهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ وَيَعِظُوهُمْ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } الْآيَةَ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى مَا ذَكَرْته مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْكَتْمَ قَدْ يَجِبُ وَالْإِظْهَارَ قَدْ يَجِبُ وَقَدْ يُنْدَبُ ، فَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْلُ الطَّالِبِ ، وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ إعْلَامِهِ بِهِ فِتْنَةٌ يَجِبُ الْكَتْمُ عَنْهُ ، وَفِي غَيْرِهِ إنْ وَقَعَ - وَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فِي حُكْمِهِ - وَجَبَ الْإِعْلَامُ ، وَإِلَّا نُدِبَ مَا لَمْ

يَكُنْ وَسِيلَةً لِمَحْظُورٍ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ التَّعْلِيمَ وَسِيلَةٌ إلَى الْعِلْمِ فَيَجِبُ فِي الْوَاجِبِ عَيْنًا فِي الْعَيْنِ وَكِفَايَةً فِيمَا هُوَ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَيُنْدَبُ فِي الْمَنْدُوبِ كَالْعَرُوضِ وَيَحْرُمُ فِي الْحَرَامِ كَالسِّحْرِ وَالشَّعْبَذَةِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْكَافِرِ قُرْآنًا وَلَا عِلْمًا حَتَّى يُسْلِمَ ، وَلَا تَعْلِيمُ الْمُبْتَدِعِ الْجَدَلَ وَالْحِجَاجَ لِيُحَاجَّ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ ، وَلَا تَعْلِيمُ الْخَصْمِ عَلَى خَصْمِهِ حُجَّةً يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَهُ ، وَلَا السُّلْطَانِ تَأْوِيلًا يَتَطَرَّقُ بِهِ إلَى إضْرَارِ الرَّعِيَّةِ ، وَلَا نَشْرُ الرُّخَصِ فِي السُّفَهَاءِ يَتَّخِذُونَهَا طَرِيقًا لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَةَ أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُعَلِّقُوا الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الْخَنَازِيرِ } يُرِيدُ تَعْلِيمَ الْفِقْهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ انْتَهَى .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْكَافِرِ بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِنَا لِأَنَّ الْمَرْجُوَّ إسْلَامُهُ ؛ يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ عِنْدَنَا فَأَوْلَى الْعِلْمُ ، وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا وَارِدَانِ ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ : { طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ } .

( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا } .
وَالشَّيْخَانِ : { يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ : يَا فُلَانُ مَا شَأْنُك ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الشَّرِّ وَآتِيهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَقَالَ غَرِيبٌ : { الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إلَى فَسَقَةِ الْقُرَّاءِ مِنْهُمْ إلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَيَقُولُونَ يُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ } .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : وَلِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَرَابَتِهِ شَاهِدٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي مَبْحَثِ الرِّيَاءِ : { أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ لَهُ قَارِئٌ } وَفِي آخِرِهِ : { أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ نَفَرٍ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ : { مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ : { لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فِي الْمُتَابَعَاتِ : { لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ

أَنْفَقَهُ ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ : { إنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَنْطَلِقُونَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُونَ بِمَ دَخَلْتُمْ النَّارَ فَوَاَللَّهِ مَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ إلَّا بِمَا تَعَلَّمْنَا مِنْكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ إنَّا كُنَّا نَقُولُ وَلَا نَفْعَلُ } وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ الْحَسَنِ : { مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُبُ خُطْبَةً إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - سَائِلُهُ عَنْهَا - أَظُنُّهُ قَالَ مَا أَرَادَ بِهَا } .
قَالَ جَعْفَرٌ : كَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى يَنْقَطِعَ ثُمَّ يَقُولُ : تَحْسِبُونَ أَنَّ عَيْنِي تَقَرُّ بِكَلَامِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - سَائِلِي عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا أَرَدْتُ بِهِ .
وَالْبَزَّارُ وَهُوَ غَرِيبٌ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ، سَلْ عَنْ الْخَيْرِ وَلَا تَسَلْ عَنْ الشَّرِّ ، شِرَارُ النَّاسِ شِرَارُ الْعُلَمَاءِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ } الْحَدِيثَ ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي سَنَدِهَا مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ : { كُلُّ عِلْمٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حَيٍّ مِنْ قَيْسٍ أُعَلِّمُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ، قَالَ : فَإِذَا هُمْ قَوْمٌ كَأَنَّهُمْ الْإِبِلُ الْوَحْشِيَّةُ طَامِحَةٌ أَبْصَارُهُمْ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إلَّا شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ ، فَانْصَرَفْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا عَمَّارُ مَا عَمِلْتَ ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْقَوْمِ وَأَخْبَرْتُهُ

بِمَا فِيهِمْ مِنْ السَّهْوَةِ فَقَالَ : يَا عَمَّارُ أَلَا أُخْبِرُك بِأَعْجَبَ مِنْهُمْ ؟ قَوْمٌ عَلِمُوا بِمَا جَهِلَ أُولَئِكَ ثُمَّ سَهَوْا كَسَهْوِهِمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْأَعْوَرُ ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ : { إنِّي لَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِنًا وَلَا مُشْرِكًا ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَحْجِزُهُ إيمَانُهُ وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ كُفْرُهُ ، وَلَكِنْ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ مُنَافِقًا عَلِيمَ اللِّسَانِ ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ ، وَيَعْمَلُ مَا تُنْكِرُونَ } وَصَحَّ : { إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ } .
وَصَحَّ عَنْ ابْنٍ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ : { إنِّي لَأَحْسِبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَمَا تَعَلَّمَهُ لِلْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ قَالَ : { نُبِّئْت أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ يَتَأَذَّى أَهْلُ النَّارِ بِرِيحِهِ فَيُقَالُ لَهُ وَيْلَكَ مَا كُنْتَ تَعْمَلُ مَا يَكْفِينَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ حَتَّى اُبْتُلِينَا بِك وَبِنَتْنِ رِيحِك ؟ فَيَقُولُ كُنْتُ عَالِمًا فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِعِلْمِي } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ .
فَإِنْ قُلْت : التَّغْلِيظُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَاتِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ ، وَلَوْ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ سُلِّمَ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ لَمْ يَحْسُنْ عَدُّهُ كَبِيرَةً مُغَايِرَةً لِنَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي .
قُلْتُ : يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ عَدُّهُ ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مَعَ الْعِلْمِ أَفْحَشُ مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَيْضًا تِلْكَ الْأَحَادِيثُ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْمَعْصِيَةِ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ شَرَفَهُ اقْتَضَى فُحْشَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ، فَكَذَلِكَ الْعَالِمُ إذَا

أَفْحَشَ فِي فِعْلِ الصَّغَائِرِ فَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ كَبِيرَةً بِوَاسِطَةِ مَا أُوتِيَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعَارِفِ الْمُقْتَضِيَةِ لِانْزِجَارِهِ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ .

الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : الدَّعْوَى فِي الْعِلْمِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَهْوًا وَافْتِخَارًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةٍ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَأَبُو يَعْلَى ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَظْهَرُ الْإِسْلَامُ حَتَّى تَخْتَلِفَ التُّجَّارُ فِي الْبَحْرِ وَحَتَّى تَخُوضَ الْخَيْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَقُولُونَ مَنْ أَقْرَأُ مِنَّا ؟ مَنْ أَعْلَمُ مِنَّا ؟ مَنْ أَفْقَهُ مِنَّا ؟ ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِمَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَانَ أَوَّاهًا .
فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ وَحَرَّضْتَ وَجَهَدْتَ وَنَصَحْتَ .
فَقَالَ : لَيَظْهَرَنَّ الْإِيمَانُ حَتَّى يَرُدَّ الْكُفْرَ إلَى مَوَاطِنِهِ ، وَلَتُخَاضُ الْبِحَارُ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَعَلَّمُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ ؛ يَتَعَلَّمُونَهُ وَيَقْرَءُونَهُ ثُمَّ يَقُولُونَ : قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا فَمَنْ ذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا ؟ ، فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ أُولَئِكَ ؟ قَالَ أُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ قَالَ أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً بِالْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِيهِ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ قِيَاسِ كَلَامِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا عَدُّوا إسْبَالَ نَحْوِ الْإِزَارِ خُيَلَاءَ كَبِيرَةً ،

فَأَوْلَى أَنْ يَعُدُّوا هَذَا لِأَنَّهُ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ ، وَقِيَاسُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَاَلَّذِي ذَكَرْتُهُ ظَاهِرٌ أَيْضًا ، وَقَوْلِي : بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةٍ احْتَرَزْتُ بِهِ عَمَّا لَوْ دَخَلَ بَلَدًا لَا يَعْرِفُونَ عِلْمَهُ وَطَاعَتَهُ ، فَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لَهُمْ قَصْدًا لَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُوا بِهِ وَمِنْهُ نَحْوُ قَوْلِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ مُعَانِدٌ أَوْ جَاهِلٌ ، فَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ عِلْمَهُ وَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ إرْغَامًا لِأَنْفِ ذَلِكَ الْجَاهِلِ الْعَنِيدِ حَتَّى يُقْبِلَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُوا بِعُلُومِهِ .

الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : إضَاعَةُ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِهِمْ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَسْتَخِفُّ بِهِمْ إلَّا مُنَافِقٌ : ذُو الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَذُو الْعِلْمِ ، وَإِمَامٌ مُقْسِطٌ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ : { اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكْنِي زَمَانٌ أَوْ لَا تُدْرِكُوا زَمَانًا لَا يُتْبَعُ فِيهِ الْعَلِيمُ وَلَا يُسْتَحْيَا فِيهِ مِنْ الْحَلِيمِ ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الْأَعَاجِمِ ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ } .
وَصَحَّ : { الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمْ الصَّغِيرَ وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ } .
وَصَحَّ أَيْضًا .
{ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قِيَاسًا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ ، لِأَنَّهُمْ إذَا فَرَّقُوا بَيْنَ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْغِيبَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فَكَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي نَحْوِ الِاسْتِخْفَافِ ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَذِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا ، إذْ الْأَوْلِيَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ هُمْ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ .
خَاتِمَةٌ : فِي سَرْدِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلْمِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ .
إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ

خَيْرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ .
أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ ، وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ } .
وَفِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِهِ : .
{ فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ .
وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ أَوْفَرَ } وَوَقَعَ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ .
قَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْت أَطْلُبُ الْعِلْمَ قَالَ : مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ ، إنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَطْلُبُ .
يَا أَبَا ذَرٍّ لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ ، وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ .
الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا .
إنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا نَشْرَهُ أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ وَتَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ .
خَيْرُ مَا يَخْلُفُ الرَّجُلُ مِنْ بَعْدِهِ ثَلَاثٌ : وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ

، وَصَدَقَةٌ تَجْرِي يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا ، وَعِلْمٌ يَعْمَلُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ .
عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ يُلْجَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ وَيُنَادِي مُنَادٍ : هَذَا الَّذِي آتَاهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا وَكَذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ الْحِسَابُ .
فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ .
إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ .
يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي وَحِلْمِي فِيكُمْ إلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ وَلَا أُبَالِي } .
وَإِضَافَةُ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ اللَّذَيْنِ فِيهِمْ إلَيْهِ - تَعَالَى - صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا عَامِلِينَ مُخْلِصِينَ .
{ الْعِلْمُ عِلْمَانِ : عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ، وَعِلْمٌ فِي اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ .
مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجُّهُ .
مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ .
مَنْ غَدَا يُرِيدُ الْعِلْمَ يَتَعَلَّمُهُ لِلَّهِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابًا إلَى الْجَنَّةِ وَفَرَشَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَكْتَافَهَا وَصَلَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ وَحِيتَانُ الْبَحْرِ .
وَلِلْعَالِمِ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَصْغَرِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ .
وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12