كتاب : مجمع الضمانات
المؤلف : أبو محمد غانم بن محمد البغدادي 

وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ ، أَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَفَلَ عَنْهُ فَأَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .
وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ وَمَعْنَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ أَمَّا كَفَالَتُهُ عِنْدَ الْعَبْدِ فَتَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، مِنْ الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ أَدَّى الْعَبْدُ الْمَالَ قِيلَ : الْعَبْدُ لَا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ كَفَالَتُهُ بِلَا أَمْرِ الْمَوْلَى لَا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا ، وَلَوْ أَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ ذَكَره فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ .

وَلَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ دَيْنُهُ قِيمَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ إحْرَازًا لِلْغُرَمَاءِ لَكِنْ الِالْتِزَامُ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا أُعْتِقَ كَانَ مُطَالَبًا وَلَوْ كَفَلَ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ يَجُوزُ وَقَيْدُ الْمَوْلَى اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ يَسْعَى الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ فِي قِيمَتِهِ اتِّفَاقًا وَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِتْقُهُ وَكَفَالَتُهُ لَا يَنْفُذَانِ إنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ السِّعَايَةِ وَعِنْدَهُمَا تَنْفُذُ كَفَالَتُهُ عِنْدَ عِتْقِ الْمَوْلَى ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ مَالَ الْمَوْلَى بِالْأَصَالَةِ ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْعَبْدَ بِالْكَفَالَةِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى فِي الصِّحَّةِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَا تَجِبُ السِّعَايَةُ اتِّفَاقًا وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الدَّيْنِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ ، أَوْ قَدْ أَبَقَ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ وَالْمُشْتَمَلِ عَنْ العمادية .

وَلَوْ كَفَلَ بِقِنٍّ إنْ أَبَقَ مِنْ مَوْلَاهُ ، أَوْ بِدَابَّةِ رَجُلٍ إنْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ ، أَوْ بِشَيْءٍ بِمَالِهِ إنْ هَلَكَ يَجُوزُ .

شَرَى قِنًّا وَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَأَخَذَ مِنْ بَائِعِهِ كَفِيلًا بِالْقِنِّ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَمَاتَ الْقِنُّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ .

كَفَلَ مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ لِذِمِّيٍّ قِيلَ : لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : لَوْ كَانَتْ الْخَمْرَةُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ الْمَطْلُوبِ يَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذْ يَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ نَقْلَ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِنَقْلِهَا

لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ إنْسَانٍ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ صَحَّ لَا غَيْرُهُ .

وَلَوْ ضَمِنَ مَهْرَ امْرَأَةِ ابْنِهِ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ لَوْ مَاتَ الِابْنُ ، أَوْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَزِمَ الْمَالُ

وَلَوْ قَالَ : إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا وَإِلَّا فَعَلَيَّ الْمَالُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا

وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ : إنْ لَمْ أُوَافِك بِنَفْسِي غَدًا فَعَلَيَّ مَا تَدَّعِيهِ لَمْ يُوَافِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ لُزُومُ الْمَالِ فِي ضِمْنِ الْكَفَالَةِ بَاطِلٌ إذْ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ وَضَمِنَ بِهِ رَجُلٌ لَوْ هَلَكَ جَازَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا أَمْثَالُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ وَلَوْ قَالَ : إنْ أَفْسَدَهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ إذْ عَلَّقَ التَّكْفِيلَ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُودِعِ لَوْ جَحَدَ الْمُودَعُ ، أَوْ أَتْلَفَ فَعَلَيَّ جَازَ ، وَكَذَا فِي أَمَانَةٍ لَوْ كَفَلَ عَلَى جُعْلٍ جَازَ الضَّمَانُ لَا الْجُعَلُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ ، وَلَوْ شَرَطَ الْجُعَلَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ بَطَلَ الْجُعْلُ وَالضَّمَانُ

وَلَوْ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَاتَلَهُ مَالِكُهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : لَا تُقَاتِلْهُ فَأَنَا ضَامِنٌ بِهَا آخُذُهَا مِنْهُ وَأَرُدُّهَا إلَيْك لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يُشْبِهُ الدَّيْنَ ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا غَاصِبُهَا فَصَارَتْ دَيْنًا كَانَ هَذَا الضَّمَانُ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَى ضَمَانِ التَّقَاضِي .

وَلَوْ قَالَ لِلطَّالِبِ إنْ ، تَقَاضَيْته وَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا ضَامِنٌ فَمَاتَ قَبْلَ التَّقَاضِي بَطَلَ ضَمَانُهُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ عَجَزَ غَرِيمُك عَنْ الْأَدَاءِ فَهُوَ عَلَيَّ فَعَجْزُهُ يَظْهَرُ بِحَبْسِهِ فَإِنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلطَّالِبِ دَيْنُك مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ عَلَيَّ وَالْمَطْلُوبُ غَائِبٌ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ وَيُؤَدِّي الْمَالَ فَإِنْ حَضَرَ الْمَطْلُوبُ وَصَدَقَ الْكَفِيلُ وَقَدْ أَدَّاهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ وَلَا يُصَدَّقُ الْمَطْلُوبُ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا بِبَيِّنَتِهِ أَوْ بِحَلِفِهِ فَيَنْكُلُ فَيَرُدُّ الطَّالِبُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ .

لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَا يَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ يُؤْخَذُ بِالْكَفَالَةِ وَيُقَالُ لَهُ : أَيَّ رَجُلٍ أَتَيْت بِهِ وَحَلَفْت عَلَيْهِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَسَلَّمَ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَبْرَأْ ، وَإِنْ أَدَّى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ انْتَهَى .

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : اُنْجُهُ ترابر فَلَا نَسَتْ مِنْ دُهْم لَا تَكُونُ كَفَالَةَ ، مَنْ وَعَدَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ ، بِأَنْ قَالَ : مِنْ دُهْم لَا يَجِبُ عَلَيْهِ .

إذَا قَبِلَ الْإِنْفَاقَ ، أَوْ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ أَبَى لَا يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ

الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا أَدَّى قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ .

إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ الْمَالُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ : وَافَيْتُك بِهِ وَقَالَ الْآخَرُ : لَمْ تُوَافِنِي بِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَتَثْبُتُ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ ، مِنْ الصُّغْرَى ، وَلَوْ قَالَ : انجه ترابر فَلَا نست مِنْ دُهْم فَهَذَا وَعْدٌ لَا كَفَالَةٌ مَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ نَحْوُ كَفَلْت عَلَيَّ إلَيَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : فرداين مَالٌ وى يَدهمْ لَيْسَ بِكَفِيلٍ .
وَلَوْ قَالَ : أَيْنَ مَالُ فَرِدًّا بتوا تَسْلِيم كنم فَهُوَ كَفِيلٌ .

أَنَا فِي عُهْدَةِ مَالِكَ عَلَى فُلَانٍ وَقَبِلَ الدَّائِنُ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَدْيُونِ وَيَدْفَعُهُ إلَى الدَّائِنِ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ : لِأَخِ الْمَدْيُونِ الذَّهَبُ الَّذِي لِي عَلَى أَخِيك ازمن جنول كُنَّ فَقَالَ قَبُول كردم لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ

اعْمَلْ لَك شَهْرًا بِهَذَا الدِّينَارِ فَطَلَبَ مِنْهُ الدَّائِنُ كَفِيلًا فَقَالَ أَبُو الْمَدْيُون : أَكُرَيْك مَاهَ راكاتونكند مِنْ ضَمَانِ كردم أَيْنَ يك دِينَار ، أَوْ قَبِلَ الدَّائِنُ ضَمَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلًا ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ

لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَطَالَبَهُ فَقَالَ رَجُلٌ : مِنْ ضَمَان كردم فُتُّمْ كه بَاغٍ وى فروشم وَأَيْنَ مَالُ يتودهم أَوْ قَالَ : كه بذيرفتم كه أَيْنَ مَالُ راكه أَنَّ تَرَكَهُ وى دِرْهَمٌ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ ، وَلَوْ أَضَافَهَا إلَى بَيْعِ مَالِهِ يَصِحُّ حَتَّى لَوْ بَاعَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ .

قَالَ لِلدَّائِنِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ مَالَكَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ

كَفَلَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ إنْ عَجَزْت عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيَّ الْمَالُ ثُمَّ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ ، أَوْ مَرَضٍ مَرَضًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ إحْضَارُهُ يَلْزَمُهُ الْمَالُ يَعْنِي بَعْدَ الثَّلَاثَةِ .

كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَالَةِ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ يُذْكَرُ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلتَّعْلِيلِ وَقَدْ سَلَّمَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ كَفِيلًا فَيَبْرَأُ

قَالَ لِامْرَأَةِ ابْنِهِ : مَا دُمْت حَيَّةٌ وَدُمْت حَيًّا فَنَفَقَتُك عَلَيَّ يَصِحُّ بِرِهَانٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَقُولَ : فَالنَّفَقَةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَى ابْنِي عَلَيَّ .

طَالَبَ الدَّائِنُ الْكَفِيلَ فَقَالَ لَهُ : اصْبِرْ حَتَّى يَجِيءَ الْأَصِيلُ فَقَالَ الدَّائِنُ : لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَى الْأَصِيلِ إنَّمَا تَعَلُّقِي عَلَيْك ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يُطَالِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ قِيلَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ أَصْلًا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ الْحِسِّيِّ وَأَنَّهُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ تَعَلُّقُ الْمُطَالَبَةِ ، مِنْ الْقُنْيَةِ

لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ وَوَافَاهُمَا بِهِ إلَى كَذَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ مَا لَهُمَا فَوَافَى بِهِ أَحَدَهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ بَرِئَ عَنْ كَفَالَةِ الْحَاضِرِ وَلَزِمَهُ نَصِيبُ الْغَائِبِ مِنْ الْمَالِ وَمَا أَخَذَ الْغَائِبُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْحَاكِمِ لِيُنَصِّبَ عَنْ الْغَائِبِ مَنْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْخَصَّافُ نَصْبَ الْقَاضِي .

كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ إذَا حَبَسَ الْقَاضِي ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَحْبِسْ الْقَاضِي ، وَلَوْ لَمْ يُوَافِ .

كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى الْغَدِ وَقَالَ لِلطَّالِبِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَدًا فَقَبَضَهُ مِنِّي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَوَافَاهُ بِهِ فِي الْغَدِ يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ .

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ بِمَا قَضَى عَلَيْهِ قَاضِي الْكُوفَةِ وَ قَضَى عَلَيْهِ قَاضٍ غَيْرُ قَاضِيهَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ عَيَّنَ حَكَمًا فَحَكَمَ غَيْرُهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ ، وَفِي زَمَانِنَا يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ تَعْيِينُ الْقَاضِي كَتَعْيِينِ الْحَكَمِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُضَاةِ يَقْضُونَ بِالرِّشْوَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ فَأَبْرَأَهُ الطَّالِبُ مِنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ فَإِنَّهُ إنْ دَفَعَ وَارِثُهُ إلَى الطَّالِبِ بَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَ الْوَارِثَ الْمَالُ ، وَكَذَا إنْ مَاتَ الطَّالِبُ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ إلَى وَارِثِ الطَّالِبِ بَرِئَ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْمَالُ

الْكَفِيلُ بِنَفْسِ الْغَاصِبِ لَوْ قَالَ لَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ : إنْ لَمْ تَرُدَّهُ عَلَيَّ ، غَدًا فَعَلَيْك مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ عِشْرِينَ فَسَكَتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا عَشَرَةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ .

رَجُلٌ اقْتَضَى مِنْ مَدْيُونِهِ أَلْفًا وَضَمِنَ لَهُ رَجُلَانِ بِبَدَلِ مَا فِيهَا مِنْ زُيُوفٍ ، أَوْ نَبَهْرَجَةٍ ، أَوْ سَتُّوقَةٍ فَضَمَانُهُ جَائِزٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ فِي أَنَّهُ وَجَدَ زُيُوفًا وَنَحْوَهُ فَيَسْتَبْدِلُهَا مِنْ الْكَفِيلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَبْدِلُهَا مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى يَحْضُرَ مَدْيُونُهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا ثُمَّ يَرْجِعَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ ، وَلَوْ ضَمِنَ لِامْرَأَةٍ بِنَفَقَةٍ كُلَّ شَهْرَيْنِ عَنْ زَوْجِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عِنْدَ الشَّهْرِ وَلَوْ ضَمِنَ بِالْأُجْرَةِ فِي إجَارَةِ كُلِّ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ضَمَانَهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ .

لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِالْكَفَالَةِ إلَى أَجَلٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَتَى كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ ، لَهُ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ

لَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا وَسَمَّاهُ وَلَمْ يَرْهَنْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ الْمَالُ الْكَفِيلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إنْ لَمْ يَرْهَنْ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ إذَا لَمْ يَرْهَنْ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ : قَدْ ضَمِنْت مَا لَكَ ، عَلَى فُلَانٍ ، أَوْ أَقْبِضُهُ مِنْهُ وَأَدْفَعُهُ إلَيْك لَمْ يَكُنْ هَذَا ضَمَانًا ، مِنْ الْوَجِيزِ .

قَالَ ابْنُ كَمَالٍ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ فُلَانٍ بِدَيْنٍ وَادَّعَى الْأَجَلَ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَهُوَ الطَّالِبُ فِي الْكَفَالَةِ وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقٍّ بَعْدَ شَهْرٍ دَيْنًا كَانَ ، أَوْ مُطَالَبَةً وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِيه فِي الْحَالِّ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ انْتَهَى

رَبُّ الْمَتَاعِ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ كَفِيلًا بِرَدِّهِ يُجْبَرُ الْكَفِيلُ عَلَى الرَّدِّ كَالْأَصِيلِ وَإِذَا رَدَّ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَجْرِ عَمَلِهِ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْوُكَلَاءِ

عَلَيْهِ مَالٌ فَأَدْخَلَ الْمَطْلُوبُ ابْنَهُ فِي كَفَالَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَقَدْ رَاهَقَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَطَلَ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا بَلَغَ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ حِينَ وُقُوعِهِ فَلَوْ بَلَغَ وَأَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ إذَا أَقَرَّ بِكَفَالَةٍ بَاطِلَةٍ وَلَوْ جَدَّدَهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ يَصِحُّ هَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمَدْيُونُ ، أَمَّا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصَّبِيِّ بِأَنْ شَرَى أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ شَيْئًا لَهُ نَسِيئَةً وَأَقَرَّ الصَّبِيُّ حَتَّى ضَمِنَ الْمَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ ، أَوْ ضَمِنَ بِنَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ جَازَ ضَمَانُهُ بِالْمَالِ وَبَطَلَ ضَمَانُهُ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ الضَّمَانِ وَهُوَ إحْضَارُهُمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ قَبْلَ الضَّمَانِ فَصَحَّ

رَجُلٌ كَفَلَ صَبِيًّا لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَوْ خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَ عَنْهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْ أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا خَاطَبَ الصَّبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ .

كَفَلَ عَنْ صَبِيٍّ بِالْمَالِ ، أَوْ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ، أَوْ بِدُونِهِ تَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا ، أَوْ لَا إذَا كَفَلَ بِحَقٍّ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَلَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الصَّبِيِّ فَلَوْ كَفَلَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ يُجْبَرُ الصَّبِيُّ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ إذْ إذْنُ مَنْ يَلِي عَلَى الصَّغِيرِ بِالْكَفَالَةِ جَائِزٌ إذْ الْإِذْنُ بِهَا أَمْرٌ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِالْكَفَالَةِ ، وَلَوْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الصَّبِيِّ لَا يُجْبَرُ أَيْضًا ، وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِهِ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا يُجْبَرُ ، وَكَذَا لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ بِأَمْرِهِ فَأَدَّى يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذْ إذْنُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ فِي الْكَفَالَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ كَفَالَتُهُ عَنْ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، وَلَوْ غَيْرَ تَاجِرٍ وَطَلَب أَبُوهُ مِنْ رَجُلٍ أَنْ يَضْمَنَهُ فَضَمِنَهُ جَازَ وَأُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ ، وَكَذَا وَصِيُّهُ أَوْ جَدُّهُ لَوْ أَبُوهُ مَيِّتًا ، وَكَذَا الْقَاضِي لَوْ لَا وَصِيَّ وَلَا جَدَّ ، فَلَوْ تَغَيَّبَ الْغُلَامُ وَأَخَذَ الْكَفِيلُ أَبَا الْغُلَامِ وَقَالَ : أَنْتَ أَمَرْتنِي أَنْ أَضْمَنَهُ فَخَلِّصْنِي فَإِنَّ الْأَبَ يُؤْخَذُ بِهِ حَتَّى يَحْضُرَ ابْنُهُ إذْ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّبَ الصَّبِيُّ فَإِنَّ الْأَبَ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ

قَالَ : اُكْفُلْ بِنَفْسِ زَيْدٍ فَكَفَلَ فَغَابَ زَيْدٌ فَالْآمِرُ بِالْكَفَالَةِ لَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِ زَيْدٍ إذْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ أَحْكَامِ الصَّبِيِّ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إحْضَارُ زَوْجَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لِسَمَاعِ دَعْوَى عَلَيْهَا وَلَا يَمْنَعُهَا إلَّا فِي مَسَائِلِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، وَفِي الْأَبِ إذَا أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِضَمَانِ ابْنِهِ فَعَلَى الْأَبِ إحْضَارُهُ لِكَوْنِهِ فِي تَدْبِيرِهِ الثَّالِثَةُ : سَجَّانُ الْقَاضِي خَلَّى رَجُلًا مِنْ الْمَسْجُونِينَ حَبَسَهُ الْقَاضِي بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَ السَّجَّانَ بِإِحْضَارِهِ انْتَهَى .

كَفَالَةُ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ تُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى .

جَمَاعَةٌ طَمِعَ الْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَاخْتَفَى بَعْضُهُمْ وَظَفِرَ الْوَالِي بِبَعْضِهِمْ فَقَالَ : الْمُخْتَفُونَ لِلَّذِينَ وَجَدَهُمْ الْوَالِي لَا تُطْلِعُوهُمْ عَلَيْنَا ، وَمَا أَصَابَكُمْ فَهُوَ عَلَيْنَا بِالْحِصَصِ فَلَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْوَالِي شَيْئًا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَالَ : هَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ ضَمَانَ الْجِبَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ

إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ وَدِيعِهِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ الَّتِي عِنْدَهُ جَازَ إذَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّهَا هَلَكَتْ فَإِنْ غَصَبَهَا رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَوْ غَيْرُهُ وَاسْتَهْلَكَهَا بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْحَوَالَةُ عَلَى هَذَا

وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَبِعْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ ضَمَانٌ وَيَلْزَمُهُ بَيْعُ الدَّارِ ، وَلَوْ كَفَلَ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الطَّالِبُ لَهُ جُعْلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ .

إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ صِحَاحٍ جِيَادٍ فَأَعْطَاهُ مُكَسَّرَةً ، أَوْ زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهَا رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِثْلِ مَا ضَمِنَ لَا بِمِثْلِ مَا أَدَّى وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ، مِنْ الْخُلَاصَةِ .

رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا وَتَقَابَضَا وَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ عُيُوبَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ السَّرِقَةَ ، أَوْ الْعَتَاقَ فَوَجَدَهُ مَسْرُوقًا ، أَوْ حُرًّا ضَمِنَ ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ لَهُ الْجُنُونَ أَوْ الْعَمَى فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الضَّامِنِ بِالثَّمَنِ ، وَلَوْ مَاتَ عِنْدَهُ فَقَضَى بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الضَّامِنِ ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ بِحِصَّةِ مَا يَجِدُ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ رَدَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ عَلَى الضَّامِنِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَوْ قَالَ : ضَمِنْتُ لَك مَا لَحِقَك مِنْ الثَّمَنِ مِنْ عُهْدَةِ هَذَا الْعَيْبِ كَانَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ ضَمِنَ هَذَا فِي الْبُيُوعِ ، مِنْ الْخُلَاصَةِ

قَالَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفٌ وَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو لَزِمَ الْكَفِيلَ إذَا ادَّعَاهُ زَيْدٌ دُونَ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي قَوْلِهِ قَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ .

اشْتَرَى دَارًا وَضَمِنَ إنْسَانٌ الدَّرَكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى ضَامِنِ الدَّرَكِ ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ وَقِيمَةَ مَا بُنِيَ فِيهَا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ ، أَوْ الضَّامِنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْكَفِيلِ بِضَمَانِ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ الِاسْتِحْقَاقِ .

لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعْطِنِي أَلْفًا عَلَى أَنَّ فُلَانًا ضَامِنٌ وَفُلَانٌ حَاضِرٌ يَسْمَعُ فَدَفَعَ فَهُوَ قَرْضٌ عَلَى زَيْدٍ .

( الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي مَسَائِلِ الْحَوَالَةِ ) الْحَوَالَةُ : نَقْلُ الدَّيْنِ ، أَوْ الْمُطَالَبَةُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الزيلعي فَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ لَيْسَ بِمَدْيُونٍ عِنْدَهُ لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ

وَلَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ اسْتَرَدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَرِدُّ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَقَبُولُ الْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ ، وَأَمَّا رِضَا الْمُحِيلِ فَإِنَّمَا يُشْرَطُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ فِي الْإِيضَاحِ وَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْقَبُولِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَتْوَى حَقُّهُ وَالْتَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ : أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا ، وَقَالَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ، مِنْ الْهِدَايَةِ .

وَإِذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ تَوَى الْمَالُ عَلَيْهِ فَأَرْجِعُ عَلَيْك أَيُّهَا الْمُحِيلُ إذَنْ فَالْقَوْلُ لِلْمُحْتَالِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَالصُّغْرَى

وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ فَإِنْ تَوَى مَا عَلَى الْكَفِيلِ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْكَفِيلُ فَقَالَ الطَّالِبُ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَكَذَّبَهُ الْمَطْلُوبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ الْبَيِّنَةُ ، مِنْ الْوَجِيزِ

أَحَالَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، مِنْ الْقُنْيَةِ .

وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَتَصِحُّ بِدَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ فَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفًا وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَرِئَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُودَعُ لِلْحَوَالَةِ لِتَقَيُّدِهَا بِهَا فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلْفٍ كَلَا فَوَاتَ ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا ، مِنْ الْهِدَايَةِ ، وَتَصِحُّ بِالْمَغْصُوبَةِ وَلَا يَبْرَأُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْغَاصِبُ عَنْ الْحَوَالَةِ بِهَلَاكِهَا ؛ لِأَنَّ مِثْلَهَا يَخْلُفُهَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا مِثْلَهَا دُونَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ انْتَهَى

وَفِي الْوَجِيزِ الْحَوَالَةُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُحِيلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ أَلْفٌ ، وَلَمْ يُضِفْ الْحَوَالَةَ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ أَلْفِ الْمُحْتَالِ وَلِلْمُحِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأَدَاءِ أَلْفٍ إلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ وَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِأَلْفِ الْوَدِيعَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَبِأَنْ أَحَالَ بِالْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ انْتَهَى فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا وَأَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَوَالَةً مُقَيَّدَةً بِالثَّمَنِ ثُمَّ رَدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ ، أَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ ، أَوْ رَدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ ، أَوْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الصُّغْرَى وَالْحَقَائِقِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الثَّمَنِ وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ فَأَحَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُودَعِ وَالْغَاصِبِ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْوَدِيعَةُ وَالْغَصْبُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ .

وَإِذَا أَحَالَ الطَّالِبُ عَلَى رَجُلٍ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَقَبِلَ مِنْهُ ثُمَّ أَحَالَهُ أَيْضًا بِجَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى الْآخَرِ وَقَبِلَ مِنْهُ صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْأَوَّلِ ، مِنْ الصُّغْرَى .

وَلَوْ أَحَالَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَأَدَّى الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمَالَ رَجَعَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى هَذِهِ فِي الْكَفَالَةِ ، مِنْ الْهِدَايَةِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عُرُوضَا أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالدَّيْنِ كَالْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحِيلِ ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ ، أَوْ وَرِثَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحْتَالِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِالدَّيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْك وَأَنْكَرَ الْمُحْتَالُ عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَالْحَوَالَةُ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ وَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك بِقَبْضِهِ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَفْظُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، مِنْ الْهِدَايَةِ

الْحَوَالَةُ إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً وَقَدْ أَدَّى الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ لِلْمُحْتَالِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُحِيلِ وَعَلَى هَذَا الْأَجْرُ إذَا بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَأَحَالَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْآجِرِ وَمِنْ صُوَرِ فَسَادِ الْحَوَالَةِ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مَالُ الْحَوَالَةِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ كَانَتْ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا حَوَالَةٌ بِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَوَالَةِ إلَّا بِهِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّارِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا تَكُونُ تَوْكِيلًا بِبَيْعِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْحَوَالَةِ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ قَاضِي خَانْ

وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ هَذِهِ فِي الْكَفَالَةِ ، مِنْ الْهِدَايَةِ

وَإِذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَقَدْ أَعْطَى كَفِيلًا بِالْمَالِ لَيْسَ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ ثُمَّ إنْ أَبْرَأ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَفِيلَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ .

وَإِنْ قَضَى أَجْنَبِيٌّ الْمَالَ عَنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَضَى أَجْنَبِيٌّ الدَّيْنَ عَنْ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْمُحِيلِ وَيَرْجِعُ الْمُحِيلُ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ .

وَإِذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَقَدْ رَهَنَ بِالْمَالِ رَهْنًا لِلطَّالِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

( الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ ) وَهِيَ نَوْعَانِ : شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ ، وَشَرِكَةُ عُقُودٍ ، وَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ فُصُولٍ : ( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شَرِكَةِ الْأَمْلَاكِ ) شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَصِيرَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا بِأَنْ اخْتَلَطَ مَالُ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا أَصْلًا ، أَوْ يُمْكِنُ وَلَكِنْ بِحَرَجٍ كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهِمَا بِأَنْ مَلَكَا مَالًا بِالشِّرَاءِ ، أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ ، أَوْ الِاسْتِيلَاءِ ، وَفِي نَوْعَيْهَا أَلَّا يَجُوزَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا

رَجُلَانِ بَيْنَهَا بَعِيرٌ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ فَسَقَطَ الْبَعِيرُ فِي الطَّرِيقِ فَنَحَرَهُ قَالُوا : إنْ كَانَ يُرْجَى حَيَاتُهُ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ وَالنَّحْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حِفْظٌ ، وَإِنْ نَحَرَهُ أَجْنَبِيٌّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ ، مِنْ قَاضِي خَانْ

وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَهُمَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَتَاعٌ فَسَاقَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى جِسْرٍ فَوَقَعَ فِي النَّهْرِ وَعَطِبَ فَنَحَرَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لَمْ يَضْمَنْ السَّائِقُ وَلَا النَّاحِرُونَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى مَجِيءِ صَاحِبِهِ .

وَفِيهِ أَيْضًا دَابَّةٌ لَهُمَا فَسَاقَهَا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ فِي نَهْرٍ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَنَحَرَهَا رَجُلٌ وَبَاعَ شَرِيكُهُ اللَّحْمَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ وَالنَّاحِرُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا تَعِيشُ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهَا وَثَمَنُ اللَّحْمِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ ، وَهُوَ كَالْمَأْذُونِ دَلَالَةً ، انْتَهَى قُلْت : وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَضْمَنُ فِي الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ لَا فِي الشَّاةِ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ : يَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحِفْظِ بِخِلَافِ الرَّاعِي وَالْبَقَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِذَبْحِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ وَإِذَا كَانَ لَا يُرْجَى حَيَاتُهَا اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ

أَرْضٌ بَيْنَهُمَا زَرَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا تُقَسَّمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا فَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ أُقِرَّ وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الزَّرْعُ أَمَّا لَوْ أَدْرَكَ ، أَوْ قَرُبَ يَغْرَمُ الزَّارِعُ لِشَرِيكِهِ نُقْصَانَ نِصْفِ الْأَرْضِ لَوْ انْتَقَصَتْ ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَزْرَعَ نِصْفَ الْأَرْضِ ، وَلَوْ أَرَادَ الزِّرَاعَةَ فِي الْعَامِ الثَّانِي زَرَعَ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ زَرَعَهُ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَيِّ أَنْ يَزْرَعَ كَمَا مَرَّ وَيُفْتَى بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْفَعُ الْأَرْضَ وَلَا يُنْقِصُهَا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا ، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ الْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِرِضَا الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ دَلَالَةً ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يُنْقِصُهَا ، أَوْ التَّرْكَ يَنْفَعُهَا وَيَزِيدُهَا قُوَّةً فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا شَيْئًا أَصْلًا إذْ الرِّضَا لَمْ يَثْبُتْ هُنَا كَذَا أَرْضٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ زَرَعَهَا بَعْضُهُمْ بِبَذْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ لَوْ كِبَارًا ، أَوْ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ لَوْ صِغَارًا فَالْغَلَّةُ عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَلَوْ زَرَعَ مِنْ بَذْرِ نَفْسِهِ فَالْغَلَّةُ لِلزَّارِعِ وَالزَّرْعُ الْمُشْتَرَكُ لَوْ أَدْرَكَ فَحَصَدَهُ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلَكَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى ، زَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ هَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِرُبْعٍ ، أَوْ ثُلُثٍ بِحِصَّةِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ عُرْفُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ لَكِنْ يُغَرِّمُهُ نُقْصَانَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ انْتَقَصَتْ

سَكَنَ دَارًا مُشْتَرَكَهُ بِغَيْبَةِ شَرِيكِهِ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرُ حِصَّتِهِ وَلَوْ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ إذْ الدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ فِي حَقِّ السُّكْنَى ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى تُجْعَلُ مَمْلُوكَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ إذْ لَوْ لَمْ تُجْعَلْ كَذَلِكَ يُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ دُخُولٍ وَقُعُودٍ وَوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فَيَبْطُلُ مَنَافِعُ مِلْكِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَجُزْ ، وَلَمَّا كَانَ كَذَا صَارَ الْحَاضِرُ سَاكِنًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَعُلِّلَتْ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ فَلَا أَجْرَ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ

وَالْوَقْفُ الْمُشْتَرَكُ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْقُوفًا لِلسُّكْنَى ، أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْغَصْبِ .

عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اسْتَخْدَمَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَمَاتَ فِي خِدْمَتِهِ يَصِيرُ غَاصِبًا عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْهُ ، وَفِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى .

دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ فَلِبَعْضِهِمْ التَّوَضُّؤُ وَرَبْطُ الدَّابَّةِ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ فِيهَا وَمَنْ عَطِبَ بِذَلِكَ لَا يُضْمَنُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ حَفْرُ بِئْرٍ فَلَوْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا بِئْرًا يُؤْخَذُ بِأَنْ يُسَوِّيَهَا فَإِنْ نَقَصَ الْحَفْرُ الْأَرْضَ يُؤْخَذُ بِنُقْصَانِ الْحَفْرِ وَإِذَا حَفَرَ أَحَدُ أَصْحَابِ طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فِيهِ بِئْرًا يُؤْخَذُ بِأَنْ يَطِمَّ الْبِئْرُ وَلَا يُؤْخَذُ بِمَا نَقَصَتْ الْبِئْرُ وَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهَا ، وَكَذَا لَوْ بَنَى فِيهِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ ضَمِنَ كَمَا فِي قِسْمَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ

وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْحِيطَانِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ قَوْمٍ وَهُوَ غَيْرُ نَافِذٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَفْرِ انْتَهَى .

دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَآجَرَهَا الْآخَرُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ فَلِلْغَائِبِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْأُجْرَةِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَاقِدَ لَمْ يَمْلِكْ الْأُجْرَةَ .
وَفِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ لِلْخُبْثِ كَالْغَاصِبِ ، مِنْ الْقُنْيَةِ ، وَفِيهَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ السَّلَمِ أَوْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَرَضِيَ الْآخَرُ بِقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى .

مَوَاشٍ لَهُمَا فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَدَفَعَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ كُلَّهَا إلَى الرَّاعِي هَلْ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ؟ أَجَابَ مَوْلَانَا أَنَّهُ يَضْمَنُ إذْ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا بِيَدِ أَجِيرِهِ فَلَا يَصِيرُ مُودِعًا غَيْرَهُ ، وَلَوْ تَرَكَهَا الشَّرِيكُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا بِيَدِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَنْصِبَ قَيِّمًا يَحْفَظُهَا مِنْ مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ عَنْ الْفُصُولَيْنِ .

وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي مَالٍ خَلَطَاهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَإِنْ سَافَرَ بِهِ فَهَلَكَ إنْ كَانَ قَدَرًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ .

رَجُلَانِ لَهُمَا دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا وَلَا يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِيمَا أَخَذَ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ الْمَدْيُونَ مِنْهُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُسَلِّمَ لَهُ ثُمَّ هُوَ يُبْرِئُ الْغَرِيمَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا أَخَذَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ .

رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا دَارٌ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ غَابَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْكُنَ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ فِي كُلِّ الدَّارِ ، وَكَذَا الْخَادِمُ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ ، الْخَادِمَ بِحِصَّتِهِ ، وَفِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَرْكَبُهَا أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَلَمْ يَكُنْ الْغَائِبُ رَاضِيًا بِرُكُوبِ الشَّرِيكِ ، وَفِي الْخَادِمِ وَالدَّارِ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ فَكَانَ الْغَائِبُ رَاضِيًا بِفِعْلِ الشَّرِيكِ

وَالْكَرْمُ وَالْأَرْضُ إذَا كَانَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ ، أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ بَالِغٍ وَيَتِيمٍ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْحَاضِرُ وَزَرَعَ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهِ طَابَ لَهُ ، وَفِي الْكَرْمِ يَقُومُ الْحَاضِرُ فَإِنْ أَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ يَبِيعُهَا وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَتُوقَفُ حِصَّةُ الْغَائِبِ فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ خُيِّرَ الْغَائِبُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ ، وَإِنْ أَدَّى خَرَاجَ الْأَرْضِ قَالُوا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي حَقِّ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا عَنْ اضْطِرَارٍ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ دَارٌ مَقْسُومَةٌ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْزُولٌ عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ ، يَسْكُنَ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ لَكِنْ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ خَافَ الْخَرَابَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَاجِرَ وَيُمْسِكَ الْأَجْرَ لِلْغَائِبِ ، وَفِي غَيْرِ الْمَقْسُومَةِ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ قَدْرَ حِصَّتِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْخَرَابُ لَوْ لَمْ تُسْكَنْ وَمَا كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى الرَّاهِنُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ ، أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا فَأَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا يَرْجِعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ فَأَمَرَ الْقَاضِي الْمُرْتَهِنَ بِالْإِنْفَاقِ فَأَنْفَقَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ وَمَسَائِلُ الشَّرِكَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ ، مِنْ قَاضِي خَانْ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ

وَسُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ طَاحُونَةٍ ، أَوْ حَمَّامٍ لَهُمَا اسْتَأْجَرَ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَجُلٌ ثُمَّ أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي مَرَمَّةِ الْحَمَّامِ بِإِذْنِ مُؤَاجِرِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ الَّذِي لَمْ يُؤَاجِرْ نَصِيبَهُ مِنْهُ ؟ أَجَابَ لَا يَرْجِعُ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ قَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ يَقُومُ مَقَامَ مُؤَاجِرِهِ فِيمَا أَنْفَقَ فَيَرْجِعُ عَلَى مُؤَاجِرِهِ بِمَا أَنْفَقَ ثُمَّ آجِرُهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُسْتَأْجِرُ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى مُؤَاجِرِهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ فَإِذْنُ الْمُؤَجِّرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى شَرِيكِهِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ مُتَطَوِّعًا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ الْمَالِكِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فَلَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ احْتَاطَ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمَالِكِ بِمَا أَنْفَقَ وَأَصْلُ هَذَا النَّوْعِ إنْ كَانَ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَ صَاحِبِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعًا وَكُلُّ مَنْ لَا يُجْبَرُ فَهُوَ لَيْسَ مُتَطَوِّعًا وَعَلَى هَذَا نَهْرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَرَاهُ أَحَدُهُمَا أَوْ السَّفِينَةُ يُتَخَوَّفُ فِيهَا الْغَرَقُ أَوْ حَمَّامٌ خَرِبَ مِنْهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ ، أَوْ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَفَدَاهُ فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا أَمَّا الَّذِي لَهُ غُرْفَةٌ فَوْقَ بَيْتِ رَجُلٍ إذَا انْهَدَمَ الْبَيْتُ وَسَقَطَتْ الْغُرْفَةُ إذَا بَنَى صَاحِبُ الْغُرْفَةِ أَسْفَلَ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا إذْ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَيْتِ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِهِ

قَوْمٌ بَيْنَهُمْ شِرْبٌ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ كَرْيِ النَّهْرِ أَمَرَ الْحَاكِمُ الْآخَرِينَ أَنْ يَكْرُوَا النَّهْرَ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ شُرْبِ النَّهْرِ حَتَّى يَدْفَعَ حِصَّتَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ دَاوُد الطَّائِيَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْخَلْوَةِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ دَارُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكٍ لَهُ غَائِبٍ فَكَانَ يَسْكُنُ دَاوُد الدَّارَ وَكَانَتْ نَخْلَةٌ ، أَوْ نَخَلَاتٌ فِي الدَّارِ فَكَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا شَيْئًا لَكِنْ كَانَ إذَا انْتَهَتْ الثَّمَرَةُ وَأَدْرَكَتْ يَفْتَحُ بَابَ الدَّارِ وَلَا يَمْنَعُ مَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ وَيَأْكُلُ الثَّمَرَةَ فَكَرِهَ أَكْلَ الثَّمَرَةِ وَلِغَيْرِهِ فِيهَا نَصِيبٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ اسْتِهْلَاكٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي سُكْنَى الدَّارِ اسْتِهْلَاكٌ بَلْ فِي سُكْنَاهَا عِمَارَتُهَا فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ ، وَلَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَأَكَلَهَا جَازَ لَهُ وَيَبِيعُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ فَإِنْ حَضَرَ صَاحِبُهُ فَأَجَازَ فِعْلَهُ وَإِلَّا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَهُوَ كَاللُّقَطَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ نَأْخُذُ ، مِنْ الصُّغْرَى

كَيْلِي ، أَوْ وَزْنِيٌّ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ ، أَوْ بَيْنَ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ فَأَخَذَ الْحَاضِرُ ، أَوْ الْبَالِغُ نَصِيبَهُ فَإِنَّمَا تَنْفُذُ قِسْمَتُهُ بِلَا خَصْمٍ لَوْ سَلِمَ نَصِيبُ الْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا بَقِيَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْغَائِبِ ، أَوْ الصَّبِيِّ هَلَكَ عَلَيْهِمَا لَوْ بَيْنَهُمَا دَارٌ وَغَابَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ الْآخَرُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَذَكَرَ يَسْكُنُهَا وَلَا يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ وَقِيلَ يُخْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَوْلَا خَصْمٌ يُؤَجِّرُهَا وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَيَقِفُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَوْ وَجَدَهُ وَإِلَّا يَتَصَدَّقُ وَيُسْتَخْدَمُ الْخَادِمَ وَلَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ إذْ يَحْرُمُ بِلَا مِلْكٍ ، وَفِي الرَّحَى لَوْ احْتَاجَ إلَى دَابَّةٍ وَأَدَاةٍ ، أَوْ بِنَاءٍ أَقَامَهَا وَرَجَعَ فِي الْغَلَّةِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ الْآخَرُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا هَذِهِ فِي النَّفَقَاتِ ، مِنْ الصُّغْرَى .
وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ تَغَيَّبَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْقِسْمَةِ ، مِنْ الصُّغْرَى .

حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهْيٌ وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ فَلَوْ هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

وَفِي الْوَجِيزِ مِنْ نَفَقَةِ الْمُشْتَرَكِ أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ أَصْلَحَ مِلْكًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ بِالْإِنْفَاقِ لِإِحْيَاءِ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ لِإِصْلَاحِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ الْأَبِيُّ عَلَى الْعِمَارَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُجْبَرُ الْأَبِيُّ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يُرِدْ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِيِّ بِقِسْطِهِ انْتَهَى .

قِنٌّ ، أَوْ زَرْعٌ لَهُمَا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَأَنْفَقَ الْآخَرُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ فِي بَابِ الْقِنِّ وَالزَّرْعِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي الْإِنْفَاقِ إذْ ، لَا يَخْلُو إمَّا ، أَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَلَوْ حَاضِرًا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ فِي نَصِيبِهِ ، وَلَوْ غَائِبًا فَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ إذْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَهُ وِلَايَةُ الْجَبْرِ لَوْ حَاضِرًا فَلَمَّا زَالَ الْإِضْرَارُ كَانَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ فَانْهَدَمَ السُّفْلُ بِنَفْسِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ ذُو السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ حِينَئِذٍ إذْ لَوْ أُجْبِرَ إنَّمَا يُجْبَرُ لِحَقِّهِ ، أَوْ لِحَقِّ ذِي الْعُلُوِّ لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا إلَى الثَّانِي إذْ حَقُّهُ فَاتَ بِلَا تَعَدٍّ مِنْ ذِي السُّفْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَهُ فَيُقَالَ ، لِذِي الْعُلُوِّ : ابْنِ السُّفْلَ إنْ شِئْت حَتَّى تَبْلُغَ مَوْضِعَ عُلُوِّك ثُمَّ ابْنِ عُلُوَّك فَلَوْ بَنَاهُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَا السُّفْلِ حَتَّى يُؤَدِّيَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ إلَى ذِي الْعُلُوِّ إذْ الْبِنَاءُ مِلْكُ الْبَانِي لِبِنَائِهِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ كَغَاصِبٍ إلَّا أَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَرْضِهِ وَذُو الْعُلُوِّ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ ثُمَّ إذَا أَدَّى إلَيْهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ مَلَكَهُ ، وَلَوْ بِلَا رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ السُّفْلِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِسُفْلِهِ وَعَنْ أَدَاءِ الْقِيمَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤْخَذُ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ إذْ فَوَّتَ عَلَيْهِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا

رَحَى مَاءٍ بَيْنَهُمَا فِي بَيْتٍ لَهُمَا فَخَرِبَتْ كُلُّهَا حَتَّى صَارَتْ صَحْرَاءَ لَمْ يُجْبَرْ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَتُقَسَّمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَائِمَةً بِبِنَائِهَا وَأَدَوَاتِهَا إلَّا أَنَّهُ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى أَنَّهُ يُعَمِّرُ مَعَ الْآخَرِ ، وَلَوْ مُعْسِرًا قِيلَ لِشَرِيكِهِ أَنْفِقْ أَنْتَ لَوْ شِئْت فَيَكُونُ نِصْفُهُ دَيْنًا لَك عَلَى شَرِيكِك ، وَكَذَا الْحَمَّامُ لَوْ صَارَ صَحْرَاءَ تُقَسَّمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ تَلِفَ شَيْءٌ مِنْهُ يُجْبَرُ الْأَبِيُّ عَلَى عِمَارَتِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَمَّامٍ بَيْنَهُمَا خَرِبَ مِنْهُ بَيْتٌ ، أَوْ احْتَاجَ إلَى قَدْرٍ وَمَرَمَّةِ وَأَبَى أَحَدُهُمَا لَا يُجْبَرُ وَيُقَالُ لِلْآخَرِ إنْ شِئْت فَابْنِهِ أَنْتَ وَخُذْ مِنْ غَلَّتِهِ نَفَقَتَك ثُمَّ يَصِيرَانِ فِيهِ سَوَاءً ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ

أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا بَنَى فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّقْضِ فِي نَصِيبِهِ وَالتَّمْيِيزُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْغَرْسُ هَكَذَا

دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَهَايَآ فِيهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلًا مَعْلُومًا أَوْ يُؤَاجِرَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، وَإِنْ تَهَايَآ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ بِأَنْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا ، أَوْ يُؤَاجِرَ هَذَا سَنَةً وَهَذَا سَنَةً فَالتَّهَايُؤُ فِي السُّكْنَى جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ إذَا جُعِلَ بِتَرَاضِيهِمَا وَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ ، أَمَّا إذَا تَهَايَآ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَ هَذَا سَنَةً وَهَذَا سَنَةً فَقَدَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَالْأَظْهَرُ يَجُوزُ فَإِنْ اسْتَوَتْ الْغَلَّتَانِ فِيهَا ، وَإِنْ فَضَلَتْ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْفَضْلِ وَبِهِ يُفْتَى ، وَكَذَا التَّهَايُؤُ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ جَائِزٌ

تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا ، أَوْ يُؤَاجِرَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ إذَا أَغَلَّتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا أَغَلَّتْ فِي يَدِ الْآخَرِ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا تَهَايَآ فِي الْغَلَّةِ فَأَغَلَّتْ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ يَشْتَرِكَانِ فِي الْفَضْلِ كَمَا مَرَّ .

بَقَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلُبُ لَبَنَهَا فَهَذِهِ مُهَايَأَةٌ بَاطِلَةٌ وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ لِأَحَدِهِمَا ، وَإِنْ جَعَلَا فِي حِلٍّ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَجُوزُ لِلثَّانِي وَالثَّانِي هِبَةُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا

جِدَارٌ بَيْنَ كَرْمَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ انْهَدَمَ فَاسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا إلَى السُّلْطَانِ لَمَّا أَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَبْنِيَ الْجِدَارَ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِنَاءً بِرِضَا الْمُسْتَعْدِي عَلَى أَنْ يَبْنِيَ جِدَارًا وَيَأْخُذَ الْأَجْرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَبَنَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ مِنْ صَاحِبَيْ الْكَرْمَيْنِ .

وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقَعَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي دَعْوَى الْإِمْلَاءِ : حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَانْهَدَمَ فَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَهُ أَرْضَ الْحَائِطِ نِصْفَيْنِ وَلَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبِنَاءِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عُلُوٌّ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ فَأَبَى صَاحِبُ السُّفْلِ وَأَخَذَهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ : ابْنِ السُّفْلَ إنْ شِئْت حَتَّى تَبْلُغَ مَوْضِعَ عُلُوِّك ثُمَّ ابْنِ عُلُوَّك وَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَسْكُنَ حَتَّى يُعْطِيَ قِيمَةَ بِنَاءِ السُّفْلِ فَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَسْكُنَ عُلُوَّهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَلَا يُشْبِهُ الْحَائِطَ ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحَائِطِ تُقَسَّمُ وَهَذَا السُّفْلُ إذَا سَقَطَ لَمْ يُقَسَّمْ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَزَادَ أَنَّ السُّفْلَ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَإِنَّ سَقْفَ بَيْتِ السُّفْلِ وَجُذُوعَهُ وهراديه وَبَوَارِيَهُ وَطِينَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ سُكْنَاهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الدَّرَجُ وَالرَّوْشَنُ

وَفِي دَعْوَى الْإِمْلَاءِ حَائِطٌ بَيْنَ جَارَيْنِ ؛ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَانْهَدَمَ الْحَائِطُ فَأَخَذَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ شَرِيكَهُ بِالْبِنَاءِ فَامْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ ، وَيُقَالُ لَهُمَا إنْ شِئْتُمَا اقْتَسِمَا أَرْضَ الْحَائِطِ ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ بَنَاهُ وَحَمَلَ جُذُوعَهُ مَا لَمْ يَقْتَسِمَا فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ الْبِنَاءَ وَأَرَادَ الْآخَرُ قِسْمَةَ أَرْضِ الْحَائِطِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .

وَفِي صُلْحِ النَّوَازِلِ حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ سَقَطَ وَلِأَحَدِهِمَا بَنَاتٌ وَنِسْوَةٌ فَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يَبْنِيَ فَأَبَى جَارُهُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَعَلَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ بِنَاءٍ يَكُونُ سِتْرًا بَيْنَهُمَا وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي زَمَانِ أَهْلِ الصَّلَاحِ ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ حَاجِزٍ بَيْنَهُمَا فِي آخِرِ بُيُوعِ الْوَاقِعَاتِ ، وَفِي الْأَجْنَاسِ هَذَا قَوْلُ أَبِي اللَّيْثِ فِي دَعْوَى النَّوَازِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي حَائِطٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ انْهَدَمَ فَبَنَى أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا حُمُولَةٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْجَوَابَ فِي الْحَائِطِ الَّذِي لَهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ .
وَعَنْ ابْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَائِطٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ، أَوْ حُمُولَةٌ فَانْهَدَمَ الْحَائِطُ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ ثُمَّ إنَّ الَّذِي بَنَى وَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعَهُ وَجَاءَ الَّذِي لَمْ يَبْنِ فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعَهُ أَيْضًا فَلِلِبَانِي أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِي الْجِدَارِ وَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ بِحَالٍ لَوْ قُسِّمَتْ أَرْضُهُ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارُ مَا يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاءً مُحْكَمًا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي بِنَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُصِيبُهُ هَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعَهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ عَلَى جَمِيعِ الْجِدَارِ فِي الْحَالَيْنِ

وَذُكِرَ فِي صُلْحِ النَّوَازِلِ جِدَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَوَهَى الْجِدَارُ فَنَزَعَهُ أَحَدُهُمَا وَبَنَاهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَأَبَى تَمْكِينَ الْآخَرِ مِنْ إعَادَةِ حُمُولَتِهِ عَلَى مَا كَانَتْ فِي الْقَدِيمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إنْ كَانَ لِلْجِدَارِ فِي الْعَرْضِ مَا لَوْ قُسِّمَ تُرْبَتُهُ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعًا يُمْكِنُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ حَائِطًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَقُولَ لِمَاذَا لَمْ تَبْنِ فِي نَصِيبِك وَتَرَكْت نَصِيبِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ذَلِكَ الْعَرْضُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَانِي أَنْ يَحْمِلَ الْحُمُولَةَ مَا لَمْ يُعْطِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَعْنِي إذَا بَنَى بِأَمْرِ الْحَاكِمِ أَمَّا إذَا بَنَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ فَبَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ .
وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي حَائِطٍ عَلَيْهِ حُمُولَةُ رَجُلَيْنِ فَسَقَطَ الْحَائِطُ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَنَفَقَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَلَهُ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ وَضْعِ الْحُمُولَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ مَبْنِيًّا بِحَقِّ الْقَرَارِ ، وَإِنْ كَانَ بَنَاهُ بِإِذْنِهِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ الَّتِي ذَهَبَتْ لَهُ فِي بِنَائِهِ فَهَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ بَعْدَ الْهَدْمِ لَا يَحْتَمِلُ أَصْلُهُ الْقِسْمَةَ ، وَلَوْ قُسِّمَ لَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَصْلِهِ مَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ حَائِطًا يُمْكِنُهُ وَضْعُ حُمُولَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَائِطِ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنْ بَنَى بِإِذْنِهِ فَالْجَوَابُ كَالْأَوَّلِ ، وَإِنْ بَنَى بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ

جِدَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَتُهُ فَوَهَى الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ ارْفَعْ حُمُولَتَك بِأُسْطُوَانَاتٍ وَعُمُدٍ وَيُخْبِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلِهَذَا أَنْ يَرْفَعَ الْجِدَارَ ، وَإِنْ سَقَطَ حُمُولَتُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .

وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيّ حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهَى وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ ضَرَرِ سُقُوطِهِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا النَّقْضَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ .

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي جِدَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَمَالَ أَحَدُهُمَا وَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَالَةُ بِرَفْعِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى انْهَدَمَ وَآخَرُ لِصَاحِبِ الدَّارِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّهُ كَانَ مَائِلًا مَخُوفًا وَإِنَّهُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ مَعَهُ فَإِذَا أَفْسَدَ شَيْئًا بِسُقُوطِهِ بَعْدَ إمْكَانِ رَفْعِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ .

وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَقْضَ جِدَارٍ مُشْتَرَكٍ وَأَبَى الْآخَرُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إنِّي أَضْمَنُ لَك كُلَّ مَا يَنْهَدِمُ لَك مِنْ بَيْتِك فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقَضَ الْجِدَارَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَنْهَدِمُ مِنْ مَنْزِلِ الْمَضْمُونِ لَهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ : ضَمِنْت لَك مَا يَهْلِكُ مِنْ مَالِك .
وَلَوْ هَدَمَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَنَاهُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ وَالْآخَرُ لَا يُعْطِيهِ النَّفَقَةَ وَيَقُولُ أَنِّي لَا أَضَعُ عَلَى الْجِدَارِ حُمُولَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ غَيْرَ الْبَانِي الْحُمُولَةَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ وَضْعُ الْحُمُولَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْبَانِي لَمْ يَصِرْ مُتَطَوِّعًا فِي الْبِنَاءِ وَهُوَ كَالْمَأْمُورِ وَسَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ صَاحِبُ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ صَاحِبُ السُّفْلِ لَا حَاجَةَ إلَيَّ فِي السُّفْلِ

وَفِي صُلْحِ النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي حَائِطٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غُرْفَةٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ سَقْفُ بَيْتِهِ فَهَدَمَا الْحَائِطَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَرَفَعَا أَعْلَاهُ بِالْأَسَاطِينِ ثُمَّ أَنْفَقَا جَمِيعًا حَتَّى بَنَيَا فَلَمَّا بَلَغَ الْبِنَاءُ مَوْضِعَ سَقْفِ هَذَا أَبَى صَاحِبُ السَّقْفِ أَنْ يَبْنِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ أَنْ يُنْفِقَ فِيمَا جَاوَزَ ذَلِكَ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي جِدَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طُولُهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ ذَلِكَ مُسْتَوِيَةٌ بِأَرْضِ الدَّارَيْنِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا سَطْحُ أَحَدِ الدَّارَيْنِ مُسْتَوِيَةٌ بِأَرْضِ جِدَارِ الْآخَرِ فَانْهَدَمَ الْجِدَارُ كَيْفَ يَبْنِيَانِهِ ؟ قَالَ : النِّصْفُ الَّذِي أَرْضُ دَارَيْهِمَا سَوَاءٌ فَعَلَيْهِمَا عِمَارَتُهُ سَوَاءٌ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ عِمَارَتُهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَطْرَافِ عَوَارِضِهِ ثُمَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا عِمَارَتُهُ .

وَفِي شِرْبِ النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي جِدَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَبَيْتُ أَحَدِهِمَا أَسْفَلُ وَبَيْتُ الْآخَرِ عَلَى قَدْرِ ذِرَاعٍ ، أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَانْهَدَمَ فَقَالَ صَاحِبُ الْأَعْلَى لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ ابْنِ إلَيَّ حَدِّ بَيْتِي ثُمَّ نَبْنِي جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَبْنِيَانِهِ جَمِيعًا مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فَإِنْ كَانَ بَيْتُ أَحَدِهِمَا أَسْفَلَ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَّخَذَ بَيْتًا فَإِصْلَاحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى مَوْضِعِ بَيْتِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطَيْنِ أَسْفَلَ وَعُلُوٍّ ، وَقِيلَ يَبْنِيَانِ الْكُلَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ إلَى حَيْثُ مَلَكَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْتَرِكَانِ وَقِيلَ إنْ كَانَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ فَهُوَ عَلَى مَالِكِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا

حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ انْهَدَمَ جَانِبٌ مِنْهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ ذُو طَاقَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَ جِدَارَهُ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْجِدَارَ الْبَاقِيَ يَكْفِيه لِلسُّتْرَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَزْعُمُ الْآخَرُ أَنَّ جِدَارَهُ إذَا بَقِيَ ذَا طَاقَةٍ وَاحِدَةٍ يَهِي وَيَنْهَدِمُ ، فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُمَا حَائِطَانِ فَكِلَا الْحَائِطَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُحْدِثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ كُلَّ حَائِطٍ لِصَاحِبِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا أَحَبَّ .

وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ وَحُمُولَةُ أَحَدِهِمَا أَسْفَلُ مِنْ حُمُولَةِ الْآخَرِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ حُمُولَتَهُ وَيَضَعَهَا بِإِزَاءِ حُمُولَةِ صَاحِبِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ حُمُولَةُ أَحَدِهِمَا فِي وَسَطِ الْجِدَارِ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَحُمُولَةُ الْآخَرِ فِي أَعْلَاهُ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَوْسَطِ أَنْ يَضَعَ حُمُولَتَهُ فِي أَعْلَى الْجِدَارِ فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُدْخِلُ عَلَى صَاحِبِ الْأَعْلَى مَضَرَّةً فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ مَضَرَّةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَأَرَادَ الَّذِي لَا حُمُولَةَ لَهُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ حُمُولَةً مِثْلَ حُمُولَةِ شَرِيكِهِ إنْ كَانَتْ حُمُولَةُ شَرِيكِهِ مُحْدَثَةً فَلِلْآخَرِ أَنْ يَضَعَ حُمُولَةً مِثْلَ حُمُولَةِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ حُمُولَةُ شَرِيكِهِ قَدِيمَةً فَلَيْسَ لَلْأُخَرِ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ حُمُولَةً مِثْلَ حُمُولَةِ صَاحِبِهِ .
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ فَلَهُ مُطْلَقًا أَلَا يُرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَوْ كَانَ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَزِيدَ فِي جُذُوعِهِ إنْ كَانَ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي حَائِطٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ جُذُوعًا فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْجِدَارُ لَا يَتَحَمَّلُ الْحَمْلَتَيْنِ فَإِذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا يُقَالُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ إنْ شِئْت تَحُطُّ عَنْهُ حِمْلَك لِتَسْتَوِيَ مَعَ صَاحِبِك ، وَإِنْ شِئْت تَحُطُّ عَنْهُ مَا يُمَكِّنُ شَرِيكَك مِنْ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ بَنَاهُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ ظَالِمٌ ، وَإِنْ كَانَ بَنَاهُ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ أَلَا يُرَى أَنَّ دَارًا بَيْنَ

رَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا سَاكِنُهَا فَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ وَالدَّارُ لَا تَسَعُ لِسُكْنَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يَتَهَايَآنِ فِيهَا ؟ كَذَا هَا هُنَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ خِلَافَ هَذَا وَيَقُولُ أَبِي الْقَاسِمِ : نَأْخُذُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ بِنَاءٌ عَلَى حَائِطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ الْجُذُوعَ مِنْ مَوَاضِعِهَا إلَى مَوَاضِعَ أُخْرَى ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّفَهَا أَوْ يَرْفَعَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْجُذُوعَ مِنْ الْأَيْمَنِ إلَى الْأَيْسَرِ أَوْ مِنْ الْأَيْسَرِ إلَى الْأَيْمَنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ الْجُذُوعَ مِنْ أَعْلَى الْحَائِطِ إلَى أَسْفَلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ ضَرَرًا بِالْحَائِطِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهَا عَمَّا كَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَكْثَرَ ضَرَرًا ؛ لِأَنَّ الْأَسَاسَ يَحْتَمِلُ مَا لَا يَحْتَمِلُ رَأْسُ الْحَائِطِ ، وَلَوْ أَنَّ جِدَارًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ حَمْلًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِنَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا بَنَى فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ إلَى هُنَا ، مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

طَاحُونَةٌ لَهُمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا إذْ لَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ نَفْسِهِ إلَّا بِهِ

حَائِطٌ لَهُمَا فَهَدَمَهُ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ إذَا أَتْلَفَ مَحِلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ

وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ مَهْرِ وَاحِدٍ ، وَفِي نِصْفِ شَرِيكِهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبَةِ مِنْ نِكَاحٍ الْوَجِيزِ .

وَلَوْ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَهُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا فَكُلُّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلَدِ عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا وَإِلَّا أَخَذَتْ الْعُقْرَ فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَتْ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا عِنْدَهُ وَقَالَا كُلُّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٌ وَيَغْرَمُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا مِنْ دَعْوَى الْمَجْمَعِ .

جَارِيَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ حَطَّ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَنِ ، أَوْ أَخَّرَ فَلَوْ كَانَ بَائِعًا صَحَّ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَصِحَّ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبِعْ فَصَحَّ حَطُّهُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْآخَرِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ .

رَجُلَانِ لَهُمَا دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا وَلَا يُشَارِكَهُ صَاحِبُهُ فِيمَا أَخَذَ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ الْمَدْيُونَ مِنْهُ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُسَلِّمَ لَهُ ثُمَّ هُوَ يُبْرِئُ الْغَرِيمَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا أَخَذَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ ، مِنْ قَاضِي خَانْ .

لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَيْنٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ بَاعَاهُ مِنْ رَجُلٍ ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لَهُمَا أَوْ غُصِبَ ، أَوْ اُسْتُهْلِكَ ، أَوْ وَرِثَا دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ فِي حَوْزَتِهِ وَمِلْكِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ شَيْئًا يُمْكِنُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَجْوَدَ ، أَوْ أَرْدَأَ فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ عَلَى الْغَيْرِ سَبِيلٌ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ مَا قَبَضَ فَإِنْ هَلَكَ مَا قَبَضَ الشَّرِيكُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ وَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا وَمَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ لِشَرِيكِهِ ، مِنْ الْقُنْيَةِ كُلُّ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي الْمَقْبُوضِ ، وَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ ، أَوْ أَرْدَأَ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ وَاتَّبَعَ الْغَرِيمَ بِنَصِيبِهِ وَإِذَا اتَّبَعَ الْغَرِيمَ لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ مَا لَمْ يَتْوِ مَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ وَإِذَا تَوَى يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ .
وَلَوْ أَخْرَجَ الْقَابِضُ الْمَقْبُوضَ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ بَاعَهُ ، أَوْ رَهَنَهُ أَوْ قَضَاهُ غَرِيمُهُ فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ الْقَابِضُ مِثْلَ نِصْفِهِ وَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ السَّاكِتُ كَانَ لِلْقَابِضِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ مِثْلُ نَصِيبِهِ قَبْلَ دَيْنِهِمَا ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً يَكُونُ أَرْشُهَا مِثْلَ نَصِيبِهِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا شَيْءَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَتَاعًا لَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا غَصَبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ ثَوْبًا ثُمَّ أَحْرَقَهُ ، أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ عَيْنَ مَالٍ يُمْكِنُ

الِانْتِفَاعُ بِهِ فَحَصَلَتْ لَهُ الْمُقَاصَّةُ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ أَحَدِهِمَا يَتَضَمَّنُ إضْرَارَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّأْجِيلِ قَصَدَ تَحْمِيلَ جَمِيعِ مُؤْنَةِ التَّقَاضِي وَالْقَبْضُ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ مَتَى قَبَضَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ لِلْمُؤَجِّلِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ فَيَصِيرَ مَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا فَيُؤَجِّلَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبَاقِي ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَصِيرَ جَمِيعُ مُؤْنَةِ الْقَبْضِ عَلَى السَّاكِتِ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ ، وَلَوْ ارْتَهَنَ أَحَدُهُمَا بِحِصَّتِهِ وَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى ثَوْبٍ فَالْمُصَالِحُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ نِصْفِ حَقِّهِ ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رُبْعَ الدَّيْنِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَدْيُونَةَ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَتَى أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ فَسَقَطَ عَنْهَا فَلَمْ يَصِرْ الزَّوْجُ مُقْتَضِيًا لِدَيْنِهِ وَمَتَى أُضِيفَ إلَى دَرَاهِمَ مُرْسَلَةٍ يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَصَارَ الزَّوْجُ مُقْتَضِيًا لِدَيْنِهِ ، مِنْ الْوَجِيزِ

أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ لَوْ ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ وَمَا أَدَّى بِحُكْمِ هَذَا الضَّمَانِ يَرْجِعُ فِيهِ بِخِلَافِ أَدَائِهِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الدَّيْنِ عَنْ الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ ضَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ ، وَلَوْ تَوَى نَصِيبُهُ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَلَوْ قَضَى الْغَرِيمُ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَسَلِمَ الْآخَرُ ثُمَّ تَوَى نَصِيبُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيُشَارِكَ صَاحِبَهُ فِيمَا قَبَضَ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ

( الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شَرِكَةِ الْعُقُودِ ، وَفِيهِ أَحَدُ أَنْوَاعِهَا وَهُوَ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ ) رُكْنُهَا : الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا وَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْت وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ وَشَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فَيَتَسَاوَيَا فِي مَالِهِمَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدَيْنِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ مَا يَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَتَجُوزُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْكَبِيرَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ، أَوْ الذِّمِّيَّيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا تَجُوزُ أَيْضًا لَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعَنَانِ كَانَتْ عَنَانًا فَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَالًا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ ، أَوْ وُهِبَ لَهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عَنَانًا ، وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ ، وَكَذَا الْعَقَارُ وَتَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ ، وَكَذَا كِسْوَتُهُ ، وَكَذَا الْإِدَامُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ بِمَا أَدَّى وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدُّيُونِ

بَدَلًا عَمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَالْآخَرُ ضَامِنٌ لَهُ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَمِنْ الْقِسْمِ الْآخَرِ الْجِنَايَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَنْ النَّفَقَةِ ، وَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَمْرِهِ لَزِمَ صَاحِبَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ فِي الْإِقْرَاضِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُلْزِمْهُ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ وَضَمَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْهِدَايَةِ

وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ لَوْ غَصَبَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ شَيْئًا فَهَلَكَ ، أَوْ غَابَ حَتَّى ضَمِنَ لَا يُؤْخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُؤْخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ أَيْضًا انْتَهَى

وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ بِدَيْنٍ لِأَبِيهِ ، أَوْ لِمَنْ بِمَعْنَاهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِوِلَادٍ ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ بِهِ شَرِيكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ ، وَفِي حَقِّهِ ، وَفِي حَقِّ شَرِيكِهِ مَا خَلَا عَبْدَهُ وَمُكَاتَبَهُ ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَظْهَرُ ، مِنْ الْحَقَائِقِ وَإِقْرَارُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ الْمُبَانَةُ بِدَيْنٍ بَاطِلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ يَلْزَمُهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَقَتِهِ وَلَا تُقْبَلُ لِمُطَلَّقَتِهِ ، مِنْ الْوَجِيزِ

لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ لِيَطَأَهَا بِأَمْرِ شَرِيكِهِ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ أَدَّى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ لَا يَضْمَنُ نِصْفَ الثَّمَنِ لِلْآخَرِ بَلْ هِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِإِذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا إذْنٍ فَهِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا كَانَ بَيْنَهُمَا ، وَأَنْ يَأْذَنَ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَأَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَأَنْ يُفَاوِضَ غَيْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفَاوِضُ غَيْرَهُ ، وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَأَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَمَةً مِنْ تِجَارَتِهِمَا جَازَ فِي الْقِيَاسِ وَلَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ بِهَا اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا ، وَلَا أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ الْعَبْدَ امْرَأَةً وَلَا يُقْرِضُ فَإِنْ أَقْرَضَ كَانَ ضَامِنًا نِصْفَهُ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُبْضِعَ بِضَاعَةً وَلَهُ أَنْ يُودِعَ .
وَلَوْ أَبْضَعَ بِضَاعَةً ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُتَفَاوِضَانِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا إنْ عَلِمَ الْمُسْتَبْضِعُ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْآمِرِ خَاصَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَفَرُّقِهِمَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْمُسْتَبْضِعِ جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ خَاصَّةً .
وَلَوْ أَمَرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ رَجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ عَبْدًا لَهُمَا وَسَمَّى جِنْسَ الْعَبْدِ وَالثَّمَنِ فَاشْتَرَيَاهُ وَقَدْ افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَنْ الشَّرِكَةِ فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيَاهُ بَعْدَ

التَّفَرُّقِ فَهُوَ لِي خَاصَّةً ، وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَهُوَ بَيْنَنَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكَانِ لَا نَدْرِي مَتَى اشْتَرَيَاهُ فَهُوَ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ قَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيَاهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيَاهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ فَهُوَ كَذَلِكَ

مُتَفَاوِضَانِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ شَرِيكُهُ بِالثُّلُثِ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالثُّلُثَيْنِ وَكِلَاهُمَا مُقِرَّانِ بِالْمُفَاوَضَةِ فَجَمِيعُ الْمَالِ مِنْ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ حُكْمًا لِلْمُفَاوَضَةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ ثِيَابِ الْكِسْوَةِ ، أَوْ مَتَاعِ الْبَيْتِ ، أَوْ رِزْقِ الْعِيَالِ ، أَوْ جَارِيَةٍ لِيَطَأَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا وَلَكِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الشَّرِكَةِ فَهَذَا وَمَا لَوْ افْتَرَقَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ

لَا يُشَارِكُ الْمُفَاوِضُ شَرِيكَهُ فِي جَائِزَةٍ يُجِيزُهَا السُّلْطَانُ إيَّاهَا وَقَدْ قَبَضَهُ كُلَّ وَدِيعَةٍ تَكُونُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَهِيَ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا ، فَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَوْدَعُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَزِمَهُمَا ضَمَانُ ذَاكَ كَضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ جُمْلَةِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ فَإِنْ قَالَ الْحَيُّ ضَاعَتْ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَإِنْ كَانَ الْحَيُّ هُوَ الْمُسْتَوْدَعُ صَدَقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ

وَإِعَارَةُ الْمُفَاوِضِ وَأَكْلُ طَعَامِهِ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ فِي الْمَطْعُومِ وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآكِلِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ذَكَره فِي الْوَجِيزِ .

وَلَوْ كَسَا الْمُفَاوِضُ رَجُلًا ثَوْبًا ، أَوْ وَهَبَ دَابَّةً ، أَوْ وَهَبَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْأَمْتِعَةَ وَالْحُبُوبَ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْكَلُ .
وَلَوْ أَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَرَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكِبَهَا إلَيْهِ فَأَيُّهُمَا صَدَّقَهُ فِي الْإِعَارَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بَرِئَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ ضَمَانِهَا .
وَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَانِ مَعْلُومٍ فَرَكِبَهَا شَرِيكُهُ فَعَطِبَتْ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فَكَانَ هَذَا ضَمَانَ الِاسْتِهْلَاكِ فَيَلْزَمُهَا فَإِنْ كَانَ رَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِمَا كَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ رَكِبَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَهُمَا يَضْمَنَانِ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى الرَّاكِبِ بِنَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا طَعَامًا لَهُ خَاصَّةً إلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعَامِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا ، أَوْ لِخَاصَّتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِعَارَةِ لِلْحَمْلِ لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَدْلَ غَزْلٍ زُطِّيٍّ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا طيالة كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ بِتَفَاوُتِ الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ ، وَلَوْ حَمَلَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَانَ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ شَرِيكُهُ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِمَا عَشْرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشْرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَفُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَكَذَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ شَرِكَةَ

عَنَانٍ فَاسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا الْجَوَابَ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْأَوَّلِ ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً رِزْقًا لِأَهْلِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ شَعِيرًا لَهُ خَاصَّةً كَانَ ضَامِنًا .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا ثُمَّ وُهِبَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَقَالَ صَاحِبَهُ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشِّرَاءَ بِالنَّسِيئَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ جِنْسُ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَشِرَاؤُهُ بِالنَّسِيئَةِ يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمَالِ ، وَفِي مُطْلَقِ الشَّرِكَةِ لَا يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الِاسْتِدَانَةِ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَيَسْتَفِيدُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ سَلَمًا فِي طَعَامٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِيَقْطَعَهُ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُفِيدٌ فَإِنْ قَبِلَ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِ الثَّوْبِ وَيَخْتَصُّ بِهَذَا الْعَقْدِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ جَارِيَةً مِنْ الشَّرِكَةِ لِيَطَأَهَا ، أَوْ طَعَامًا لِيَجْعَلَهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ جَازَ وَيَكُونُ نِصْفُ الثَّمَنِ لَهُ وَالنِّصْفُ لِشَرِيكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِلتِّجَارَةِ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِافْتِرَاقِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَنَّى أَيُّهُمَا شَاءَ ، وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَدْفَعْ

إلَّا إلَى الْعَاقِدِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ نَصِيبِ الْعَاقِدِ ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يُخَاصِمُ إلَّا الْبَائِعَ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ عَلَى شَرِيكِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَقُضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ ثُمَّ افْتَرَقَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَالْمُشْتَرِي كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ إنَّمَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ وَقْتَ الرَّدِّ فَإِذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا ، أَوْ أَدَانَ رَجُلًا ، أَوْ كَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِدَيْنٍ ، أَوْ غَصَبَ مِنْهُ مَالًا لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ ، وَإِنْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا خَالِصًا لَهُ مِنْ مِيرَاثٍ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ لَهُ خَاصَّةً وَبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الشَّرِيكَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ ، أَوْ اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ ، أَوْ قَبَضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصَبَ مَالًا ، أَوْ اسْتَهْلَكَ ، أَوْ خَالَفَ ، فِي وَدِيعَةٍ ، أَوْ عَارِيَّةٍ ، أَوْ إجَارَةٍ ، أَوْ كَفَلَ لِرَجُلٍ بِمَالَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ، أَوْ مَهْرٍ ، أَوْ نَفَقَةٍ فَرَضَهَا الْحَاكِمُ ، أَوْ بِمُتْعَةٍ ، أَوْ جِنَايَةٍ فَلِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يُطَالِبَهُ وَيُطَالِبَ شَرِيكَهُ وَعِنْدَهُمَا مَا كَفَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الْآخَرُ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ مَهْرِ نِكَاحٍ ، أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ جَنَى عَلَى بَنِي آدَمَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ لَزِمَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ، مِنْ قَاضِي خَانْ وَبَعْضٌ مِنْهَا مَرَّ فِي أَوَّلِ

الْفَصْلِ عَنْ الْهِدَايَةِ

وَلِأَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ الْمُفَاوَضَةِ بِدَيْنِ الْمُفَاوَضَةِ وَبِدَيْنٍ لَهُ خَاصَّةً بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَيُوَكِّلُ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَمْلِكُ الْآخَرُ عَزْلَهُ وَمَا أَدَّى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِمَا يَلْزَمُهُمَا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْوَجِيزِ ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا : اشْتَرَيْت مَتَاعًا فَعَلَيْك نِصْفُ ثَمَنِهِ وَكَذَّبَهُ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يُصَدَّقُ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ شَرِيكُهُ أَنَّهُ اشْتَرَى وَأَنْكَرَ الْقَبْضَ

مُفَاوِضٌ أَوْدَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمَا فَقَالَ الْمُودَعُ رَدَدْته إلَى أَحَدِهِمَا صَدَقَ ، وَإِنْ جَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ بِقَوْلِهِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُودَعُ الدَّفْعَ إلَى الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ وَيُسْتَحْلَفُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَحَلَفُوا مَا قَبَضُوهُ يَضْمَنُ حِصَّةَ الْحَيِّ وَهُوَ بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ دَفَعْت إلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ بَرِئَ الْمُودَعُ وَالْمُقِرُّ يَصْدُقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ ، مِنْ أَمَانَاتِ الْأَشْبَاهِ .

الشَّرِيكُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ ، أَوْ عَنَانٍ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ أَمِينًا ، مِنْ الْخُلَاصَةِ أَعْلَمُ .

( الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ ) تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعٍ بُرًّا أَوْ طَعَامًا ، أَوْ يَشْتَرِكَا فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرُ الْكَفَالَةَ وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ لِلْحَاجَةِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ ، وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْمُفَاوَضَةُ ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ ، أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ حَتَّى أَنَّ أَيَّهُمَا بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ هَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ بَعْدَ شِرَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِالْمَالِ الْآخَرِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَا ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرِي لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ وَيَسْتَأْجِرَ لِلْعَمَلِ وَيُودِعَهُ وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ فَلَا يَمْلِكُهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ ، مِنْ الْهِدَايَةِ وَالضَّمِيرُ فِي يَدِهِ رَاجِعٌ إلَى الْوَكِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ فِي الْإِيضَاحِ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ ، انْتَهَى ، وَلَا يَتَعَدَّى عَلَى مَا عَيَّنَهُ صَاحِبُهُ مِنْ بَلَدٍ ، أَوْ سِلْعَةٍ وَوَقْتٍ وَتُقَابَلُ هَذِهِ فِي مُضَارَبَةِ الْكَنْزِ

لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ : اُخْرُجْ إلَى نَيْسَابُورَ وَلَا تُجَاوِزْ فَجَاوَزَ وَهَلَكَ يَضْمَنُ حِصَّةَ الشَّرِيكِ .
وَلَوْ اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عَنَانٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ النَّهْيُ ، مِنْ الْخُلَاصَةِ .

وَالتَّوْقِيتُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ وَقَّتَا لِذَلِكَ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ فَهُوَ بَيْنَنَا صَحَّ التَّوْقِيتُ وَمَا اشْتَرَيَاهُ الْيَوْمَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَمَا اشْتَرَيَاهُ بَعْدَ الْيَوْمِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً .
وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي الْعَقْدِ بِعْ بِالنَّقْدِ وَلَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ .

وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ ، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ كَانَ فَاسِدًا .
وَلَوْ اشْتَرَكَا شَرِكَةً مُطْلَقَةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِ الشَّرِكَةِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ، وَإِنْ بَاعَا جَمِيعًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا بِثَمَنِ مَا بَاعَ ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يُخَاصِمَ فِيمَا بَاعَ صَاحِبُهُ فَالْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ ، وَإِنْ قَبَضَ الَّذِي بَاعَ أَوْ /118 L3217 وَكَّلَ وَكِيلًا /118 بِذَلِكَ جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ .
وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فِي بَيْعٍ ، أَوْ شِرَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَارَ خَارِجًا عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِتَقَاضِي ثَمَنِ مَا بَاعَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ

وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ إذَا أَخَّرَ دَيْنًا مِنْ الشَّرِكَةِ وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُودِهِ ثَلَاثَةً إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدِ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ تَأْخِيرُ الْآخَرِ لَا فِي حِصَّتِهِ وَلَا فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَالْوَجْهُ الثَّانِي إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدِهِمَا فَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْخِيرُهُ أَصْلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَخَّرَ وَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ ، بِعَقْدِ أَحَدِهِمَا فَأَخَّرَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ صَحَّ تَأْخِيرُهُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَخَّرَ خَاصَّةً .

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ، أَحَدُ وَلِيَّيْ الدَّيْنِ إذَا أَخَّرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ تَأْخِيرُهُ أَصْلًا إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ صَحَّ تَأْخِيرُهُ فِي حِصَّتِهِ ، وَفِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إذَا أَخَّرَ أَحَدُهُمَا صَحَّ تَأْخِيرُهُ فِي الْكُلِّ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَحَّ التَّأْخِيرُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُقْرِضَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ .

وَلَوْ رَهَنَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ وَلِمَنْ وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَنْ يَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ

وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ : اُخْرُجْ إلَى نَيْسَابُورَ وَلَا تُجَاوِزْ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ .

وَلَوْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ : إنِّي اسْتَقْرَضْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ

وَإِنْ وَكَّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بالتكدي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ أَنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ

وَشَرِيكُ الْعَنَانِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ أَنْ يُسَافِرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفَرِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فَقَالَ : إذَا كَانَ لَا يَغِيبُ لَيْلًا مِنْ مَنْزِلِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ وَعَنْهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُسَافَرَةَ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْمُسَافَرَةِ نَصًّا ، أَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَسَافَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كِرَائِهِ ، وَنَفَقَتُهُ وَطَعَامُهُ وَإِدَامُهُ مِنْ جُمْلَةِ رَأْسِ الْمَالِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، فَإِنْ رَبِحَ تُحْسَبُ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ

رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَالَ الْآخَرُ : نَعَمْ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ جَازَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرِكَةٌ فِي الشِّرَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ صَاحِبِهِ مِمَّا اشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا اشْتَرَيْت مِنْ الرَّقِيقِ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ صَاحِبِهِ مِمَّا اشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرِكَةٌ وَالثَّانِي تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ نَوْعًا فَيَقُولُ عَبْدًا خُرَاسَانِيًّا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عَنَانٍ اشْتَرَيَا أَمْتِعَةً ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : لَا أَعْمَلُ مَعَك بِالشَّرِكَةِ وَغَابَ فَعَمِلَ الْحَاضِرُ بِالْأَمْتِعَةِ فَمَا اجْتَمَعَ كَانَ لِلْعَامِلِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَعْمَلُ مَعَك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَاسَخْتُك الشَّرِكَةَ ، وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا فَسَخَ الشَّرِكَةَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ أَمْتِعَةٌ قَالُوا يَصِحُّ .

أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ إذَا ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ يَذْهَبُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ .

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَيَشْتَرِيَ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ مِنْ الشَّرِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَكِيلٌ ، أَوْ مَوْزُونٌ فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْئًا جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ ، أَوْ الدَّنَانِيرِ كَانَ الْمُشْتَرِي لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَاوِيَةٍ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ جَازَ

وَلَيْسَ لِشَرِيكَ الْعَنَانِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَلَا أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك ، مِنْ قَاضِي خَانْ .

إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ تِجَارَتِهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي تَوَلَّاهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا تَوَلَّيَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُنْكِرَ شَيْءٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَوَلَّاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ بَرِئَ مِنْ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الْمَدْيُونِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ أَيْضًا ، مِنْ الْخُلَاصَةِ

اعْتَلَّتْ دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبٌ وَقَالَ جَمَاعَةُ الْبَيْطَارَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ كَيِّهَا فَكَوَاهَا الْحَاضِرُ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ .

وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَتَاعٌ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَتْ فَاكْتَرَى أَحَدُهُمَا دَابَّةً مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَهْلِكَ الْمَتَاعُ ، أَوْ يَنْقُصَ جَازَ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا جَازَ .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا فَأَقَالَ الْآخَرُ بَيْعَ صَاحِبِهِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ .

وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جَازَ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ

وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالدَّفْعِ مُضَارَبَةً وَالسَّفَرِ بِهِ وَالْخَلْطِ بِمَالِهِ وَالْمُشَارَكَةِ مَعَ الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى شَرِيكِهِ مَا كَانَ إتْلَافًا أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الثَّالِثُ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ .

وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ مَالًا لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرْفِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا يَلْزَمُهُ خَاصَّةً ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً حَتَّى يَكُونَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْإِذْنُ وَعَدَمُ الْإِذْنِ

أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ دِينَهُمَا مُؤَجَّلٌ إلَى شَهْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْأَجَلِ فِي نَصِيبِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَنْ نَصِيبِهِ .

وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَ فُلَانٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ الْمَأْمُورُ : نَعَمْ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ لَقِيَهُ رَجُلٌ آخَرُ ، وَقَالَ اشْتَرِهِ بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَالَ الْمَأْمُورُ نَعَمْ فَاشْتَرَى الْمَأْمُورُ ذَلِكَ الْعَبْدَ كَانَ لِلْآمِرِ الْأَوَّلِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِلْآمِرِ الثَّانِي نِصْفُ الْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا إذَا قِيلَ الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ الثَّانِي ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ اشْتَرَى الْعَبْدَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَبَيْنَ الْآمِرِ الثَّانِي نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَقِيَهُ ثَالِثٌ أَيْضًا وَقَالَ اشْتَرِهِ بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ وَذَلِكَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ : نَعَمْ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَيْسَ لِلثَّالِثِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ .

رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَطَلَبَ رَجُلٌ آخَرُ مِنْهُ الشَّرِكَةَ فِيهِ فَأَشْرَكَهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ أَشْرَكَ رَجُلَيْنِ يَصِيرُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَلَوْ أَشْرَكَ رَجُلًا بَعْدَمَا اشْتَرَى الْعَبْدَ ثُمَّ أَشْرَكَ رَجُلًا آخَرَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَشْرَكَهُ أَوَّلًا نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَأَمَّا الثَّانِي إنْ عَلِمَ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ الرُّبْعُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ النِّصْفُ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَاهُ فَأَشْرَكَا فِيهِ رَجُلًا فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، مِنْ قَاضِي خَانْ

وَلَوْ هَلَكَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى شَرِيكِهِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مَتَاعًا فَأَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً .

رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ الْمَأْمُورُ نَعَمْ فَذَهَبَ الْمَأْمُورُ وَاشْتَرَاهُ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ نِصْفِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ نِصْفِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ وَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهُوَ يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ لَا عِنْدَ غَيْبَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَوْمَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عَنْ الشَّرِكَةِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبَةِ

رَجُلَانِ اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عَنَانٍ فِي تِجَارَتِهِمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَبِيعَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تِلْكَ التِّجَارَةِ كَانَ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ وَكِيلًا بِحُكْمِ الشَّرِكَةِ ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ ، فَأَمَّا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ التِّجَارَةِ فَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَشِرَاؤُهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ يَنْفُذُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِالنَّسِيئَةِ بِالْمَكِيلِ ، أَوْ الْمَوْزُونِ ، أَوْ النُّقُودِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ جَازَ شِرَاؤُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ عَلَى شَرِيكِهِ يَكُونُ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمَالِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ وِلَايَةُ الِاسْتِدَانَةِ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ فِي يَدِهِ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا عَلَى الشَّرِكَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي هُوَ وَلِيُّهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا وَلِيَّاهُ لَزِمَهُ نِصْفُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ صَاحِبَهُ وَلِيُّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِذَلِكَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ، مِنْ قَاضِي خَانْ

ثَلَاثَةٌ اشْتَرَكُوا بِمَالٍ مَعْلُومٍ شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ فَخَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ النَّوَاحِي بِشَرِكَتِهِمْ ثُمَّ أَنَّ الْحَاضِرَيْنِ شَارَكَا رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُمْ ثُلُثَاهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَثُلُثُهُ لِلْغَائِبِ فَعَمَل الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ سِنِينَ مَعَ الْحَاضِرَيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ وَاقْتَسَمُوا لَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ هَذَا الرَّابِعُ حَتَّى خَسِرَ عَلَى الْمَالِ وَاسْتَهْلَكَهُ فَأَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَيْهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَعَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضًا بِالشَّرِكَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ عِنْدَ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلِأَحَدِهِمَا أَخْذُ الْمَالِ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً ، وَإِنْ أَخَذَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا ، أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ نِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَزْوِيجَ عَبْدٍ مِنْ الشَّرِكَةِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا إعْتَاقَهُ وَلَوْ بِمَالٍ ، وَلَا بَيْعَ عَبْدٍ لِنَفْسِهِ وَلَا هِبَةَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمَا ، وَلَوْ بِعِوَضٍ وَلَا إقْرَاضَهُ وَلَا تَصَدُّقَهُ إلَّا بِيَسِيرٍ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْمُكَاتَبِ ، مِنْ الْوُقَايَةِ .

إقْرَارُ شَرِيكِ الْعَنَانِ فِي بَيْعٍ ، أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ وَلَهُ عَلَى شَرِيكِهِ حِصَّتُهُ وَبِشِرَاءِ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ يَكُونُ ثَمَنُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ دُونَ شَرِيكِهِ هَذِهِ فِي الْإِقْرَارِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

مَاتَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ مَاتَ مُجْهِلًا لِلْعَيْنِ ، مِنْ الْقُنْيَةِ

( الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ فَالْخَيَّاطَانِ وَالصَّيَّاغَانِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوُقَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِالْعَمَلِ وَيُطَالَبُ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، مِنْ الْهِدَايَةِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ قَدْ يَكُونُ عَنَانًا وَقَدْ يَكُونُ مُفَاوَضَةً عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ بِأَنْ شَرَطَا تَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِالشَّرِكَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِمَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَتَى كَانَتْ عَنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ يُبَاشِرُ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ بِقَضِيَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنْ أُطْلِقَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ كَانَتْ عَنَانًا ، وَإِنْ شَرَطَا الْمُفَاوَضَةَ كَانَتْ مُفَاوَضَةً فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَالشَّرِكَةُ عَنَانٌ أَوْ مُفَاوَضَةٌ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، وَلَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ جَازَ إذَا كَانَا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ، أَوْ سَافَرَ ، أَوْ بَطَلَ فَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ الْأَجْرُ بَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَاوَضَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّ

تَقَبُّلَ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ جُعِلَ كَتَقَبُّلِ الْآخَرِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْعَمَلِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِلْخِيَاطَةِ وَأَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِدَفْعِ الثَّوْبِ وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُتَفَاوِضِينَ فَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْآخَرِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ وَأَخَذَ هُوَ بِالْقِيَاسِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ ، مِنْ قَاضِي خَانْ

وَفِي الْوَجِيزِ : وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ أَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ أُجْرَةِ حَانُوتٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ الْمَبِيعُ قَائِمٌ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ انْتَهَى .

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ ثَوْبًا إلَى خَائِطٍ لِيَخِيطَهُ بِنَفْسِهِ وَلِلْخَيَّاطِ شَرِيكٌ فِي الْخِيَاطَةِ مُفَاوَضَةً فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ .
وَلَوْ أَنَّهُمَا افْتَرَقَا أَوْ مَاتَ الَّذِي قَبَضَ الثَّوْبَ لَا يُؤَاخَذُ الْآخَرُ بِالْعَمَلِ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الِاتِّحَادَ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَإِذَا انْقَطَعَتْ بَقِيَتْ الْكَفَالَةُ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَ بِنَفْسِهِ لَا يُطَالِبُ الْآخَرَ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَى الْخَيَّاطِ إذَا كَانَ خِيَاطَةُ نَفْسِهِ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ مِنْ فَصْلِ الْوُجُوهِ مِنْ قَاضِي خَانْ

ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَيْسُوا شُرَكَاءَ تَقَبَّلُوا عَمَلًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَعَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِينَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

( الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ) فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ مِنْ غَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا بِهِ كَانَ بَيْنَهُمَا أَوْ نَصًّا فَقَالَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَاهُ مِنْ الْبُرِّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ فَهُوَ كَمَا شَرَطَا وَالرِّبْحُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ قَالَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَاهُ فَلِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْر الْمِلْكِ فَإِذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ رِبْحِ مِلْكِهِ لَا يُجَوِّزُوهُمَا فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ .
وَلَوْ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ كَانَ جَائِزًا ، وَيَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِالْمَالِ .

رَجُلَانِ اشْتَرَكَا مُفَاوَضَةً ، وَلَيْسَ لَهُمَا مَالٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَعْمَلَا بِأَيْدِيهِمَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ كَالْعِنَانِ إلَّا أَنَّ فِي الْمُفَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ ، وَفِي الْعِنَانِ يَجُوزُ ، وَفِي تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ يَصِحُّ مِنْهُمَا اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مِنْ قَاضِي خَانْ

الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي مَسَائِلِ الْمُضَارَبَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ ( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمُضَارَبَةِ ) الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَعَمَلٌ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَلَا مُضَارَبَةَ بِدُونِهِمَا فَلَوْ شَرَطَا جَمِيعَ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً .
وَلَوْ شَرَطَا جَمِيعَهُ لِلْمُضَارِبِ كَانَ قَرْضًا ثُمَّ الْمَدْفُوعُ إلَى الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ ، وَهُوَ وَكِيلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَمْرِ مَالِكِهِ فَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، وَإِذَا فَسَدَتْ ظَهَرَتْ الْإِجَارَةُ حَتَّى اسْتَوْجَبَ الْعَامِلُ أَجْرَ مِثْلِهِ ، وَإِذَا خَالَفَ كَانَ غَاصِبًا لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ .
وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا ، وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ جَازَ .
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ فِي ذِمَّتِك حَيْثُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ لَكِنْ يَقَعُ الْمِلْكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرْضِ ، وَمِنْ شُرُوطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِهِ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ ، وَلَا يُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْمُقَدَّرَ الْمَشْرُوطَ ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ ، وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ يُفْسِدُهَا ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُهَا ، وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ كَاشْتِرَاطِ الْوَضِيعَةِ

عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ ، وَيُوَكِّلَ ، وَيُسَافِرَ ، وَيُودِعَ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَى بَلَدِهِ ، وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِقَوْلِهِ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك .
وَإِذَا دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ ، وَلَا بِتَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا لَوْ خُلِطَ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا عَمَل بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودِعِ ، وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ ، وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي ، وَلَا يَطِيبُ لِلْأَعْلَى ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْإِقْرَاضَ ، وَالْهِبَةَ ، وَالتَّصَدُّقَ ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك بِلَا تَنْصِيصٍ وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ

فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى ضَمِنَ ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ ، وَلَهُ رِبْحُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْكُوفَةِ ، وَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ ، وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ ، وَكَذَا إذَا رَدَّ بَعْضَهُ أَوْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ قَالَ ثُمَّ شَرَطَ الشِّرَاءَ هَاهُنَا ، وَهِيَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ بِالسُّوقِ ، وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ ، وَالْوِلَايَةِ إلَيْهِ ، وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا ، وَفِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ .
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ ، وَتَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ دَفَعَ مَالًا فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الصَّيَارِفَةِ ، وَيَبِيعَ مِنْهُمْ فَبَاعَ فِي الْكُوفَةِ ، وَمِنْ غَيْرِ

أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ جَازَ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ هَذَا رِوَايَةُ الْوِكَالَةِ ، وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْخُلَاصَةِ

وَلَوْ وَقَّتَ لِلْمُضَارِبِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيَتَوَقَّتُ بِمَا وَقَّتَهُ ، وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِقَرَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِيَحْصُلَ بِهِ الرِّبْحُ ، وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ بِعِتْقِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْلَكْ بِالْقَبْضِ كَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ .
وَلَوْ فَعَلَ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا ، وَيَبِيعُ الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبَهُ مِنْهُ

وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ ، وَالنَّسِيئَةِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَنْتَظِمُهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ إلَّا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَهُ الْأَمْرُ الْعَامُّ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَلَوْ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَوْ عَلَى الْأَعْسَرِ جَازَ قَالَ : وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ ، وَتَوَابِعِهَا ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَالرَّهْنُ ، وَالِارْتِهَانُ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَالِاسْتِئْجَارُ ، وَالْإِيدَاعُ ، وَالْإِبْضَاعُ ، وَالْمُسَافِرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَيَمْلِكُهُ إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فَيُلْحَقُ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً إلَى غَيْرِهِ ، وَخُلِطَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ ، وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ ، وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ

السِّلْعَةَ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي الِاسْتِدَانَةِ صَارَ الْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ، وَكَذَا أَخْذُ السَّفَاتِجِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ ، وَكَذَا عَطَاؤُهَا لِأَنَّهُ إقْرَاضٌ ، وَالْعِتْقُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَالْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَالْإِقْرَاضُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ مِنْ الْهِدَايَةِ

الْمُضَارِبُ يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ ، وَتَأْجِيلَهُ ، وَإِقَالَةً ، وَحَوَالَةً ، وَإِبْرَاءً ، وَحَطًّا ، وَيَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ أَوْ قَبَضَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ صَحَّ حَطَّهُ ، وَتَأْخِيرُهُ وَقَبْضُهُ إذْ يَمْلِكُهُ .
وَلَوْ رَبِحَ جَازَ قَبْضُهُ وَيَجُوزُ حَطُّهُ فِي حِصَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ هَذَا كُلَّهُ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَقَدْ أَذِنَ فِيهَا ، وَتَأْخِيرُ رَبِّ الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي حِصَّتِهِ ، وَهَذَا كَاخْتِلَافٍ فِي دَيْنٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ

وَلَوْ جَرَتْ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ خُصُومَةٌ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ سَفَرِهِ فَقَالَ لِرَبِّ الْمَالِ جِئْت بِأَرْبَعِينَ عَدَدًا مِنْ النَّوْعِ الْفُلَانِيِّ فَقَالَ لَهُ أَخْطَأْت إنَّمَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَدَدًا فَهُوَ إقْرَارٌ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَدَدًا مِنْهُ هَذِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

وَفِي الْوَجِيزِ الْمُضَارَبَةُ نَوْعَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ ، وَالْعَامَّةُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا دَفَعَ مَالَهُ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك يَمْلِكُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ ، وَالنَّسِيئَةِ ، وَالْإِجَارَةَ ، وَالِاسْتِئْجَارَ ، وَالرَّهْنَ ، وَالِارْتِهَانَ ، وَالْإِيدَاعَ ، وَالْإِبْضَاعَ ، وَالتَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءَ ، وَالْحَوَالَةَ بِالثَّمَنِ ، وَالْحَطَّ عَنْهُ شَيْئًا بِعَيْبٍ مِثْلَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ ، وَالْإِذْنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَرَهْنَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالِارْتِهَانَ ، وَيَدْفَعُ أَرْضَ الْمُضَارَبَةِ مُزَارَعَةً ، وَيَأْخُذُ أَرْضَ غَيْرِهِ بِالْمُزَارَعَةِ ، وَيَتَقَبَّلُهَا لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَجَرًا أَوْ رُطَبًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارَبَةَ ، وَالشَّرِكَةَ ، وَالْخَلْطَ بِمَالِهِ ، وَالْإِقْرَاضَ ، وَالِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَأَخْذَ الْمَالِ سَفْتَجَةً وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ضَمِنَ ، وَلَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَالًا يَمْلِكُ بَيْعَهُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ صَحَّ الْكِتَابَةُ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْبَاقِي يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَعِنْدَهُمَا الْكِتَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ ، وَلِلْآخَرِ نَقْضُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهَا حَتَّى أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ عِنْدَهُ ، وَمَا قَبَضَ الْمُضَارِبُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَرُبْعُهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ مِنْهَا ، وَمَا بَقِيَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَ الْمُضَارَبَةِ بِدَيْنِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ الْإِقْرَاضِ ، وَالِاسْتِدَانَةِ ، وَأَخْذِ السَّفَاتِجِ ، وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ

ذَلِكَ ، وَكُلُّ مَا جَازَ لِلْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ جَازَ فِي الْفَاسِدَةِ لِقِيَامِ الْإِذْنِ بِالتَّصَرُّفِ ، وَإِذَا أَبْضَعَ الْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ الْمِثْلِ أَمَّا الْمُضَارَبَةُ الْخَاصَّةُ فَنَوْعَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا لَوْ دَفَعَ بِالْمُضَارَبَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِالْكُوفَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ أُخْرِجَ مِنْ الْكُوفَةِ ، وَرَبِحَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالرِّبْحُ لَهُ ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أُخْرِجَ الْبَعْضُ صَارَ ضَامِنًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْكُوفَةِ فَهُوَ مُضَارَبَةٌ عَلَى حَالِهَا ، وَلَا يُعْطِيهِ بِضَاعَةً لِمَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا .
وَلَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيْك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ أَوْ اعْمَلْ بِالْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِهَا ، وَيَعْتَبِرَ هَذَا مَشُورَةً لَا شَرْطًا ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا اُعْتُبِرَ شَرْطًا .
وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي مَكَانٍ آخَرَ فَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ قَالَ لَا تَعْمَلْ إلَّا فِي السُّوقِ فَعَمِلَ فِي غَيْرِهِ ضَمِنَ ، وَالثَّانِي لَوْ دَفَعَ وَقَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرِ الطَّعَامَ فَهُوَ مُضَارَبَةً فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ ، وَأَنْ يُبْضِعَ فِيهِ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرِ الْبَزَّ ، وَبِعْهُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَزَّ وَغَيْرَهُ .
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِالنَّقْدِ صَحَّ الشَّرْطُ .
وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِالنَّسِيئَةِ ، وَلَا تَبِعْهُ بِالنَّقْدِ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ جَازَ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ خَاصَّةً فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّابَّةَ لِلرُّكُوبِ ، وَالْحَمُولَةِ ، وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً يَحْمِلُ فِيهَا الطَّعَامَ فَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَامَّةً جَازَ لَهُ شِرَاءُ السَّفِينَةِ أَيْضًا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْمَلْ فِي الْحِنْطَةِ صَحَّ نَهْيُهُ قَبْلَ أَنْ

يَشْتَرِيَ ، وَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُ كَمَا إذَا عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ انْتَهَى .

وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي مُوسِرٌ فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَةَ صَحِيحَةٌ فِي الظَّاهِرِ حَمْلًا عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْنِي الْأُمَّ ، وَالْوَلَدَ مُسْتَحَقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَتْ أَعْيَانًا كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يُسَاوِي رَأْسَ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ كَذَا هَذَا فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ الْآنَ ظَهَرَ الرِّبْحُ ، وَنَفَذَتْ الدَّعْوَةُ السَّابِقَةُ فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ ، وَثَبَتَ النَّسَبُ عَتَقَ الْوَلَدُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي بَعْضِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ عِتْقَهُ ثَبَتَ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا فَيُضَافُ إلَيْهِ ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ ، وَهَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَلَا بُدّ مِنْ التَّعَدِّي ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ لِأَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّتُهُ عِنْدَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَيَسْتَسْعِيهِ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُسْتَحِقٌّ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْخَمْسَمِائَةِ رِبْحٌ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ثُمَّ إذَا قَبَضَ الْأَلْفَ رَبُّ الْمَالِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمَأْخُوذَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِرَأْسِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا رِبْحٌ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ لِاحْتِمَالِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ ، وَتَوَقَّفَ نَفَاذُهَا لِفَقْدِ الْمِلْكِ فَإِذَا ظَهَرَ الْمِلْكُ

نَفَذَتْ تِلْكَ الدَّعْوَةُ ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ ، وَيَضْمَنُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ مَلَكَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ وِرَاثَةً يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ .

وَإِذَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْمَالِ ، وَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ ، وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ ، وَرُكُوبُهُ شِرَاءُ وَكِرَاءٌ هَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ ، وَبِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا قَدِمَ مِصْرَهُ رَدَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ دُونَ السَّفَرِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَغْدُو ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّوقِيِّ فِي الْمِصْرِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْمُضَارَبَةِ وَالنَّفَقَةِ مَا تَصَرَّفَ إلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ غَسْلُ ثِيَابِهِ ، وَأُجْرَةُ أَجِيرٍ يَخْدُمُهُ ، وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا ، وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ عَادَةً كَالْحِجَازِ ، وَإِنَّمَا يُطْلِقُ فِي جَمِيع ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَضْمَنَ الْفَضْلَ إنْ جَاوَزَهُ ، وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَفِي مَالِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ .

وَلَوْ سَافَرَ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ خَلَطَ بِإِذْنٍ أَوْ بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَنْفَقَ بِالْحِصَّةِ مِنْ الْمَجْمَعِ .
وَفِي الْوَجِيزِ لَا نَفَقَةَ لِلْمُضَارِبِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا دَامَ فِي مِصْرِهِ ، وَيُنْفِقُ إذَا خَرَجَ ، وَلَا تَبْطُلُ نَفَقَتُهُ إلَّا بِإِقَامَتِهِ فِي مِصْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ إذَا اتَّخَذَ بِهِ دَارًا أَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَالنَّفَقَةُ هِيَ مَا تُصْرَفُ إلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ ، وَهِيَ الطَّعَامُ ، وَالشَّرَابُ ، وَالْكِسْوَةُ ، وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ ، وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ ، وَدُهْنُ السِّرَاجِ ، وَالْحَطَبِ ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الدُّهْنَ فِي مَالِ نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ غِلْمَانِهِ وَدَوَابِّهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَعَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِذَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ ضَمِنَ ، وَتُحْسَبُ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ ، وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ اسْتَدَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِنَفَقَتِهِ رَجَعَ بِهَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى تَوَى الْمَالُ لَا يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ انْتَهَى .

وَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ ثِيَابًا فَقَصَّرَهَا أَوْ حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، وَإِنْ صَبَغَهَا أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهَا لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٌ بِهَا حَتَّى إذَا بِيعَ كَانَ لَهُ حِصَّةُ الصِّبْغِ ، وَحِصَّةُ الثَّوْبِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ .
وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصِّبْغِ انْتَظَمَ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتِظَامَهُ الْخَلْطِ فَلَا يَضْمَنُهُ مِنْ الْهِدَايَةِ

وَلَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَالدَّيْنُ يَلْزَمُهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَالْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ شَرَطَا الرِّبْحَ مُنَاصَفَةً فَفِي حَقِّ مَا دَفَعَ مُضَارَبَةً ، وَفِي حَقِّ الدَّيْنِ شَرِكَةً وُجُوهٌ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُضَارِبِ ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، وَرِبْحُهُ عَلَيْهِ وَضِيعَةٌ .

وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ سِلْعَةً بِأَلْفٍ لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا .
وَلَوْ اشْتَرَى بِخَمْسِمِائَةٍ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ أَوْ عُرُوضٌ فَاشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ لِيَبِيعَ الْعُرُوضَ ، وَيُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ سَوَاءً كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا ، وَبَاعَ مَا فِي يَدِهِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَقَعَ لَهُ لَا يَنْقَلِبُ لِلْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِعَكْسِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا مِنْ الْوَجِيزِ .

وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بَزًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ، وَاشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا حَتَّى ضَاعَا يَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، وَالْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ ، وَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَإِذَا فَدَيَا خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ فَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَخْدُمُ الْمُضَارِبَ يَوْمًا ، وَرَبَّ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى هَلَكَ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ الثَّمَنَ ، وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا يُدْفَعُ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ ، وَحُكْمُ الْأَمَانَةِ يُنَافِيهِ فَيَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً .
وَلَوْ اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ الْمَالَ فَهَلَكَ لَا يَرْجِعُ مِنْ الْهِدَايَةِ .

وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُضَارِبُ أَوْ أَنْفَقَهُ أَوْ أَعْطَاهُ رَجُلًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا حَتَّى يَأْخُذَ الضَّمَانَ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ فَلَهُ ذَلِكَ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَقْرَضَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا فَإِنْ رَجَعَتْ الدَّرَاهِمُ إلَيْهَا بِعَيْنِهَا رَجَعَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ أَخَذَ مِثْلَهَا لَا تَرْجِعُ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ بِهَلَاكِ عَيْنِهَا ، وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَأَمَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ بِأَنْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ ، وَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ أُخْرَى فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ أَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ نَقَدَ الْأَلْفَ لِلْبَائِعِ وَجَحَدَهَا الْبَائِعُ غَرِمَهَا الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ لِأَنَّ قَبْضَهُ يَكُونُ بِجِهَةِ الْأَمَانَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَا بِجِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دَيْنٌ .

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ فَضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ النَّقْدِ مِنْهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامَهُ أَوْ كِسْوَتَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَرْكُوبًا فَضَاعَ الْمَالُ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِيمَا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَوَجَبَ ثَمَنُهُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَذِنَ لَهُ بِقَضَائِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ تَبَرُّعًا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ ، وَفِيمَا يَشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ وَكِيلٌ ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا لَزِمَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ .

وَلَوْ خَلَطَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ بِهِمَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ .

دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ جَارِيَةً ثُمَّ خَلَطَ الْأَلْفَيْنِ وَنَقَدَهُمَا لَمْ يَضْمَنْ .
وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ ضَمِنَ أَلْفَ الْمُضَارَبَةِ لِلْبَائِعِ ، وَنِصْفَ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ .

وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ رَبِحْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ ضَمِنَ الْخَمْسَمِائَةِ الْمَجْحُودَةَ ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِي .

وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ دَفَعْت إلَيْك رَأْسَ الْمَالِ ، وَاَلَّذِي فِي يَدِي رِبْحٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ ، وَلَكِنَّهُ هَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ ، وَلَكِنَّهُ هَلَكَ .

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الرِّبْحِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْت الثُّلُثَ ، وَادَّعَى الْمُضَارِبُ النِّصْفَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ السُّدُسِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا جَحَدَ الْمُضَارِبُ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُضَارَبَةً يَضْمَنُ الْمَالَ ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمُضَارَبَةِ وَبِالرِّبْحِ ثُمَّ مَاتَ مُجْهَلًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ ، وَلَا يَضْمَنُ الرِّبْحَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِالْجُحُودِ وَالتَّجْهِيلِ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ لِرَبِّ الْمَالِ مُطَالَبَةُ الْمَدْيُونِ مَا لَمْ يُقِرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ تَبَيَّنَ لِلْوَرَثَةِ بِهَا الْمَدْيُونَ فَكَانَ التَّجْهِيلُ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ بِالتَّأْجِيلِ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا مَعَ الْجُحُودِ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ هَذَا الْأَلْفُ رَأْسُ الْمَالِ ، وَهَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ رِبْحٌ ، وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ لِفُلَانٍ قَبْلَ قَوْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ وَصَلَ قَبِلَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يَقْبَلْ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَقْبَلُ إلَّا مَوْصُولًا مِنْ الْوَجِيزِ .

وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْت إِلَى أَلْفًا ، وَرَبِحْت أَلْفًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا بَلْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ ، وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ فَضْلٍ قُبِلَتْ .

وَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَقَالَ هِيَ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا فَقَالَ فُلَانٌ هِيَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَقْرَضْتنِي وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هِيَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ .

وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْآخَرُ مَا سَمَّيْتَ لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ .
وَلَوْ وُقِّتَ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ مِنْ الْهِدَايَةِ .

وَفِي الْوَجِيزِ إنْ اخْتَلَفَا فِي نَوْعِ الْعَقْدِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَرْضٌ وَقَالَ الْآخَرُ بِضَاعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَقْدًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلَّكُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لِتَمَلُّكِ تِلْكَ الْجِهَةِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ يَضْمَنُ الْأَصْلَ وَالرِّبْحَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ جَحَدَ الْأَمَانَةَ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ قَرْضٌ ، وَادَّعَى الْقَابِضُ الْمُضَارَبَةَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا تَصَرَّفَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ ، وَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ ، وَإِنْ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ لَهُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَرْضُ لِإِنْكَارِ الْقَابِضِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذْته غَصْبًا وَقَالَ الْقَابِضُ دَفَعْته وَدِيعَةً أَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ أَخَذْته غَصْبًا وَقَالَ أَخَذْته مِنْك مُضَارَبَةً يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخَذْته وَدِيعَةً وَقَالَ الْمَالِكُ أَخَذْته غَصْبًا انْتَهَى .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مُضَارِبٌ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قَدْ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا مُضَارَبَةً فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ ، وَإِنْ اشْتَرَى مَعَ الْجُحُودِ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ قِيَاسًا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا لِيَشْتَرِيَ بِهَا وِكَالَةً هَذِهِ فِي الْوِكَالَةِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

وَلَوْ سَافَرَ الْمُضَارِبُ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ شِرَاءُ الْمَتَاعِ فَالنَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ خَرَجَ الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ، وَعَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَالنَّفَقَةُ فِي الْمَالَيْنِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

دَفَعَ الْمُضَارِبُ أَوْ شَرِيكُ الْعِنَانِ الْبَاز مِنْ مَالِ الْمُشَارَكَةِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ دَلَالَةً .

الْمُضَارِبُ إذَا كَانَ يَدْفَعُ النَّوَائِبَ فِي سُوقِ الْمَتَاعِ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .

لَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْوَضِيعَةَ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ رَبِحْت فَصُولِحَ بَيْنَهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْقُنْيَةِ .

رَبُّ الْمَالِ إذَا نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْبَلْدَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْمُضَارِبُ إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ الْمَالُ الْأَوَّلُ ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ ، وَيَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ فَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مِنْ الصُّغْرَى .

مَاتَ رَبُّ الْمَالِ فَسَافَرَ الْمُضَارِبُ بِمَالٍ الْمُضَارَبَةِ يَضْمَنُ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا ، وَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ .

مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارِبُ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَسَافَرَ إلَى مِصْرِ رَبُّ الْمَالِ ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ أَوْ نَاضٌّ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُضَارِبِ إنْ كَانَ عُرُوضًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ نَاضًّا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ وَلَوْ سَافَرَ إلَى آخَرَ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَنْشَأَ السَّفَرَ لِرَدِّ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ ، وَفِي الثَّانِي أَنْشَأَ السَّفَرَ لَا لِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ ، وَفِي النَّهْيِ مَنْفَعَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَوْضِعٌ آمِنٌ عَنْ الْجَعْلِ فَصَحَّ نَهْيُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ فِي الطَّرِيقِ فَنَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِرَسُولِهِ عَنْ السَّفَرِ أَوْ مَاتَ ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَيِّ مِصْرٍ أَحَبَّ ، وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ نَاضًّا فَخَرَجَ إلَى غَيْرِ مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ قَدْ انْتَقَضَتْ بِالنَّهْيِ ، وَالْمَوْتِ ، وَفِي الْعُرُوضِ بَقِيَتْ فَيَبِيعُهَا لِيُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ ، وَالشِّرَاءُ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ عَنْ السَّفَرِ مِنْ الْوَجِيزِ .

وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ أَمَرْتُك بِبَيْعِهِ بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ هَذِهِ فِي الْهِدَايَةِ .

وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَمَرْتنِي بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك بِالنَّقْدِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ وَالْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِي التَّخْصِيصِ كَمَا فِي الْوَجِيزِ .

وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَ الْمُضَارَبَةِ إذَا رَكِبَهُ دَيْنٌ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَهُ فَلَا يَعْتَبِرُ حُضُورَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ .

قِسْمَةُ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ مَوْقُوفَةٌ إنْ قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ الْأَصْلِ ، وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ بِقِسْمَتِهِ حَتَّى لَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ ، وَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ ، وَيَرُدُّ الْمُضَارِبُ عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ رِبْحًا لَمْ يَكُنْ رَبُّ الْمَالِ رَاضِيًا بِتَمَلُّكِهِ فَصَارَ الْمُضَارِبُ عَاصِيًا وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ أَلْفَيْنِ ، وَالْمُضَارَبَةُ أَلْفًا ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا رِبْحًا ثُمَّ ضَاعَ رَأْسُ الْمَالِ فَالْأَلْفُ الَّتِي قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ لَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَلَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْت إلَيْك رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمْنَا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَفَعْت إلَيَّ رَأْسَ الْمَالِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ مِنْ الْوَجِيزِ .

وَإِنْ عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى ، وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ، وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ فَإِنْ عَزَلَهُ ، وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قَدْ نَضَّتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَانَ كَانَ دَرَاهِمَ ، وَرَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا ، وَعَلَى هَذَا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ ، وَلُحُوقُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْهِدَايَةِ .

الْمُضَارِبُ إذَا عَمِلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ فَرَبِحَ فَالْمَالُ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ وَدِيعَةٌ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرٌ مِثْلَ مَا عَمِلَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَطْلَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ .
قِيلَ : الْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ هَذَا فِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ .
وَفِي الشَّافِي لَا يَضْمَنُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَالْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ لَا يَضْمَنُ .

دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أُخْرَى مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَخَلَطَ الْمَالَيْنِ لَا يَضْمَنُ فَإِنْ وَضَعَ أَوْ نَوَى فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ ، وَإِنْ رَبِحَ فِيهِمَا اقْتَسَمَا نِصْفَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا وَنِصْفَهُ أَثْلَاثًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَضْمَنُ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الثَّانِي فَإِنْ عَمِلَ بِهِ الثَّانِي فِيهِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ صَارَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا ، وَلِرَبِّ الْمَالِ خِيَارٌ فِي تَضْمِينِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي ، وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ الْخُلَاصَةِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ إذَا تَمَّ لِي أَلْفٌ شَارَكْتُك ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ تَصَرَّفْ بِمَا عِنْدِك لِيَحْصُلَ لَنَا شَيْءٌ قَالُوا هَذَا مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ فَيَكُونُ أَصْلُ الْمَالِ وَرِبْحُهُ لِلْآمِرِ وَلِلْمَأْمُورِ أَجْرٌ مِثْلُهُ .

إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ مُضَارَبَةً ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك إلَّا أَنَّ مُعَامَلَةَ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ الْمُضَارِبِينَ يَخْلِطُونَ ، وَأَرْبَابَ الْأَمْوَالِ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَعَمِلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مُعَامَلَاتِ النَّاسِ إنْ غَلَبَ التَّعَارُفُ بَيْنَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا رَجَوْت أَنْ لَا يَضْمَنَ ، وَيَكُونَ الْأَمْرُ مَحْمُولًا عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ مِنْ مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ .

وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ شِرَاءُ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَمُسْتَبْضَعٍ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ بَيْعُ الْمُضَارِبِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحٌ ، وَلَا يَصِحُّ بِفَاحِشِ الْغَبَنِ اتِّفَاقًا وَلَوْ بِيَسِيرِهِ صَحَّ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ يَصِحُّ عِنْدَهُ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ، وَمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ قَبِلَ فِي الْعُرُوضِ ده نيم ، وَفِي الْحَيَوَانِ ده يازده ، وَفِي الْعَقَارِ ده دوازده وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ .

لَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبُ بِرِبْحِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الْمَالِ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت إنَّهَا خَمْسُمِائَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ هَذِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ الْأَشْبَاهِ .

الْمُضَارِبُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِهَا شَيْءٌ يَغْرَمُ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ عِنْدِهِ فِي الْفَنِّ الرَّابِعِ مِنْ الْأَشْبَاهِ .

إقْرَارُ الْمُضَارِبِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَوْ مُسْتَهْلِكًا فَيُؤَدِّي ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ هَذِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ الْوَجِيزِ .

الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ، وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ الْمُضَارِبِ ، وَالْمُضَارِبُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ إلَّا بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ هَذِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقَاتِ مِنْ الْوَجِيزِ .

مُضَارِبٌ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِرِبْحِ أَلْفٍ فَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَمْ يُقِرَّ بِوُصُولِ الْمَالِ إلَى يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ إلَى يَدِهِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَوْتِهِ مُجْهِلًا لِلْأَمَانَةِ كَذَا فِي أَحْكَامِ الْمَرْضَى مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

الْمُضَارِبُ لَوْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْدَعْت مَالَ الْمُضَارَبَةِ فُلَانًا الصَّيْرَفِيَّ ثُمَّ مَاتَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَوْ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ مَا أَوْدَعَنِي شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى وَارِثِهِ وَلَوْ مَاتَ الصَّيْرَفِيُّ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُضَارِبَ دَفَعَهُ إلَى الصَّيْرَفِيِّ إلَّا بِقَوْلِهِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الصَّيْرَفِيِّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْ الصَّيْرَفِيِّ ثُمَّ مَاتَ الْمُضَارِبُ ثُمَّ مَاتَ الصَّيْرَفِيُّ ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ يَعْنِي مَاتَ مُجْهِلًا كَانَ دَيْنًا فِي مَالِ الصَّيْرَفِيِّ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُودَعِ .
وَلَوْ مَاتَ الْمُضَارِبُ وَالصَّيْرَفِيُّ فَقَالَ رَدَدْتُهُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى الْمَيِّتِ .
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ ، وَفِيهَا أَيْضًا لِلْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ إذَا خَالَفَ ، وَدَفَعَ الْمَالَ لِيُنْفِقَ إلَى حَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ مُضَارِبًا وَمُسْتَبْضِعًا انْتَهَى .

( الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْمُبَاضَعَةِ ) لَيْسَ لِلْمُسْتَبْضِعِ شِرَاءُ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ .

أَرْسَلَ بِضَاعَةً مَعَ رَجُلٍ إلَى بَلْدَةٍ عِنْدَ رَجُلٍ آخَرَ وَقَالَ لَهُ خُذْ بَيْتًا لِأَجْلِ بِضَاعَتِي وَضَعْ بِضَاعَتِي فِيهِ ، فَأَخَذَ بَيْتًا ، وَوَضَعَ بِضَاعَتَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ فَلَوْ اسْتَوَى الْبَيْتَانِ حِرْزًا يَبْرَأُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَآخِذٌ لِبِضَاعَتِهِ لَوْ تَرَكَهَا فِي حُجْرَةٍ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ لَا يَضْمَنُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ الْبِضَاعَةِ .

جَمَاعَةٌ خَرَجُوا مِنْ بَلْدَةٍ ، وَكَانَ أَكْلُهُمْ وَنُزُولُهُمْ فِي السَّفَرِ جُمْلَةً ، وَمَعَ أَحَدِهِمْ بِضَاعَةٌ فَأَوْدَعَهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ ضَمِنَ إذْ لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْقَدْرِ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَى آخَرَ بِضَاعَةً لِيَذْهَبَ بِهَا إلَى مَرْوَ فَبَاعَهَا فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ ، وَذَهَبَ بِثَمَنِهَا إلَى مَرْوَ فَلَوْ اتَّحَدَ الثَّمَنَانِ لَا يَضْمَنُ لِلرِّضَا إذْ حَصَلَ الْغَرَضُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَوْ لَمْ يَتَّحِدَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْمَتَاعِ لِغَصْبِهِ بِبَيْعٍ وَتَسْلِيمٍ ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لَوْ هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الطَّرِيقِ .

أَبْضَعَهُ مَالًا يَشْتَرِي بِهِ شَيْئًا فَشَرَاهُ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ سُرْعَةٍ فَبَعَثَ الْبِضَاعَةَ مَعَ بَعْضِ مَالِهِ بِيَدِ رَجُلٍ لِيُوصِلَهَا إلَى الْمَالِكِ فَأُخِذَ هَذَا الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ ظُلْمًا ضَمِنَ الْمُسْتَبْضِعُ .

أَبْضَعَهُ مَالًا يَشْتَرِي بِهِ شَيْئًا فَبَعَثَهُ الْمُسْتَبْضِعُ إلَى سِمْسَارٍ فَشَرَى بِهِ السِّمْسَارُ ، وَبَعَثَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَبْضِعُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْمَالِكُ أَنَّهُ بِضَاعَةٌ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ السِّمْسَارُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَبْضِعَ وَكِيلٌ فَوَّضَ إلَيْهِ الرَّأْيَ فَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِهِ إلَى آخَرَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَسْتَحْسِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْبِضَاعَةُ كَمُضَارَبَةٍ .

كُلُّ مَا يَجُوزُ فِي الْمُضَارَبَةِ يَجُوزُ فِي الْبِضَاعَةِ لَكِنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ بَيْعَ مَا شَرَى ، وَالْمُسْتَبْضِعُ لَا يَمْلِكُ ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَالْإِبْضَاعَ فَلَوْ أَبْضَعَ فَمَالِكُهُ يَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَوْ سَلَّمَ وَرَبِحَ فَكُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ .

وَلَوْ أَبْضَعَهُ أَلْفًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ قِنًّا أَوْ غَيْرَهُ فَشَرَاهُ بِبَعْضِهِ ، وَأَنْفَقَ بَعْضَهُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ ، وَكَذَا فِي الْكِرَاءِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ شَرَى بِكُلِّهِ ، وَأَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَلَوْ شَرَى بِبَعْضِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمِبْضَعُ ثُمَّ شَرَى بِالْبَاقِي أَوْ أَنْفَقَهُ فِي كِرَاهُ أَوْ نَفَقَةٍ فَفِي الشِّرَاءِ ضَمِنَ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا ، وَفِي الْإِنْفَاقِ ضَمِنَ لَوْ عَلِمَ ، وَإِلَّا ضَمِنَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا .

بَاعَ الْبِضَاعَةَ فَشَرَى بِثَمَنِهَا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك بِبَيْعٍ لَا بِشِرَاءٍ وَقَالَ الْمُسْتَبْضِعُ شَرَيْت لَك بِأَمْرِك صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ .

بَاعَ الْمُسْتَبْضِعُ فَحَطَّ فَهُوَ كَوَكِيلِ الْبَيْعِ جَازَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

بَلَغَ الْمُسْتَبْضِعَ مَوْتُ الْمِبْضَعِ ، وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ اشْتَرَى رَقِيقًا بِمَالٍ الْبِضَاعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِ الْبِضَاعَةِ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي هَذِهِ فِي الْوِكَالَةِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

( الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالشُّرْبِ ) الْمُزَارَعَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ وَقَعَتْ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ يَغْرَمُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِهَا ، وَكَانَ الْخَارِجُ لَهُ يَطِيبُ لَهُ قَدْرُ بَذْرِهِ ، وَمَا أَنْفَقَ ، وَمَا غَرِمَ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبٍ خَبِيثٍ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ الْخَارِجُ لَهُ ، وَيَغْرَمُ لِلزَّارِعِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَالزَّرْعُ يَطِيبُ لَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَقَالَا جَائِزَةٌ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لَتَعَامُلِ النَّاسِ ، وَلِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ ، وَلِصِحَّتِهَا عَلَى قَوْلِهِمَا شُرُوطٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْكُتُبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَطْوِيلِ الْكِتَابِ بِذِكْرِهَا ، وَإِذَا صَحَّتْ فَالْخَارِجُ عَلَى الشُّرُوطِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ ، وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مِقْدَارِ مَا شَرَطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ، وَهَلْ يُزَادُ عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الذِّمَّةِ وَعَدَمِ الْخَارِجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِلْعَامِلِ إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ الْمُسَمَّى ، وَهُوَ مَعْدُومٌ ذِكْرُهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ يُفْسِدُهَا ، وَعَمَلُ الْمُزَارَعَةِ كُلُّ عَمَلٍ يُنْبِتُ وَيَزِيدُ فِي الْخَارِجِ ، وَمَا لَا

يُنْبِتُ وَلَا يَزِيدُ لَا يَكُونُ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ ، وَشَرْطُ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا يُفْسِدُ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُهُ لِلتَّعَامُلِ ، وَبِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخِي كَمَا مَرَّ مِنْ الْوَجِيزِ ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُسَاقَاةِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُزَارَعَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ قِبَلِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ ، وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ .

دَفَعَ بَذْرًا إلَى آخَرَ وَقَالَ لَهُ ازْرَعْهُ فِي أَرْضِك عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك فَهَذَا قَرْضٌ لَا هَدِيَّةٌ ، وَإِنْ دَفَعَ الْبَذْرَ يَزْرَعُهُ فِي أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا فَهِيَ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْ الصُّغْرَى .

وَإِذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ إلَّا إذَا كَانَ عُذْرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ .
وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ كَرَبَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ قِيلَ هَذَا فِي الْحُكْمِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اللَّهِ يَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاءُ الْعَامِلِ مِنْ الْهِدَايَةِ .

مَخَرَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ ثُمَّ نُقِضَتْ الْمُزَارَعَةُ فَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِلْمُزَارِعِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَخَرَهَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَرَبَ الْأَرْضَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْخَارِجِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ ، وَفِي كِتَاب خُلَاصَةِ الْمُفْتِينَ ، وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ إذْ لَيْسَ لِلْمُزَارِعِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي مِلْكِهِ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ .

تَرَكَ الْأَكَّارُ سَقْيَ الزَّرْعِ حَتَّى فَسَدَ الزَّرْعُ ضَمِنَ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَرَكَ السَّقْيَ وَلَوْلَا قِيمَةٌ لِلزَّرْعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ فَيَضْمَنُ نِصْفَ فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ مَنَعَ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِ رَجُلٍ حَتَّى هَلَكَ زَرْعُهُ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ الْمَانِعُ شَيْئًا وَلَوْ أَخَّرَ الْأَكَّارُ سَقْيَهُ تَأْخِيرًا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ تَأْخِيرًا غَيْرَ مُتَعَارَفٍ ضَمِنَهُ .
وَلَوْ تَرَكَ الزَّرْعَ حَتَّى أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ إنْ كَانَ حَاضِرًا ، وَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ ، وَلَمْ يَدْفَعْ ، وَلَا يَضْمَنُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ وَلَوْ أَكَلَهُ الْجَرَادُ ضَمِنَ لَوْ أَمْكَنَهُ طَرْدُهُ ، وَإِلَّا فَلَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَرَكَ الْحِفْظَ مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَ لَا بِدُونِهِ .

تَرَكَ شَدَّ شَجَرَةٍ يَضُرُّهَا الْبَرْدُ كَشَجَرَةِ التِّينِ وَالْكَرْمِ أَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى أَصَابَهَا الْبَرْدُ ضَمِنَ لَوْ قَالَ لِلْأَكَّارِ أَخْرِجْ الْبُرَّ إلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ رَطْبٌ فَأَخَّرَ فَفَسَدَ ضَمِنَ .

الْأَكَّارُ لَوْ تَرَكَ الْكَرْمَ ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا يَحْفَظُهُ فَدَخَلَ الْمَاءُ ، وَسَقَطَ حَائِطُهُ ، وَهَلَكَ الزَّرَاجِينُ ضَمِنَ قِيمَةَ الزَّرَاجِينِ لَا الْحَائِطَ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الزَّرَاجِينِ لَا الْحِيطَانِ وَلَوْ عَلَى الزَّرَاجِينِ عِنَبٌ لَا يَضْمَنُ إذْ حِفْظُهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ مَا كَانَ بَعْدَ بُلُوغِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا ، وَلَكِنْ يَجِبُ نُقْصَانُ الْكَرْمِ إذْ حِفْظُ الْكَرْمِ يَلْزَمُهُ فَيَقُومُ الْكَرْمُ مَعَ الْعِنَبِ ، وَبِدُونِهِ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا .

لَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْأَكَّارِ بروآب بيار ، وَزُمَيْن رااب ده ، وَأَكَرَ رَبُّ الْأَرْضِ آبَ آدرد ، وَأَمَرَهُ بِالسَّقْيِ فَأَبَى ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ الْأَكَّارُ لَوْ لَمْ يَسْقِ الزَّرْعَ حَتَّى فَسَدَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَضْمَنُ ، وَمَا كَانَ بَعْدَ بُلُوغِ الزَّرْعِ ، وَنِهَايَتِهِ ، وَجَفَافِهِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقَسِّمَهَا ، وَمَا كَانَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَوْ بَعَثَ الْأَكَّارُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ بَقَرِ الْمَالِكِ إلَى السَّرْحِ لَا يَضْمَنُ هُوَ ، وَلَا الرَّاعِي .

لَوْ قَالَ رَبُّ الْوَضِيعَةِ لِأَكَّارِهِ أَخْرِجْ هَذَا الْبُرَّ إلَى الصَّحْرَاءِ أَوْ هَذَا الْجَوْزَ أَوْ هَذَا الجوزق فَإِنَّهُ رَطْبٌ فَأَخَّرَ فَفَسَدَ لَوْ قَبِلَ الْأَكَّارُ مِنْ رَبِّ الضَّيْعَةِ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْجَوْزِ وَالْبُرِّ ، وَالْفَاسِدُ لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الرَّطْبِ مِثْلًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ .

لَوْ زَرَعَ الْمُزَارِعُ خِلَافَ مَا أُمِرَ بِهِ يَصِيرُ مُخَالِفًا أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْأَرْضِ أَمْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَاحِدٌ هَذِهِ فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .

لَهَا حِنْطَةٌ رَبِيعِيَّةٌ فِي خَابِيَةٍ ، وَخَرِيفِيَّةٌ فِي أُخْرَى فَأَمَرَتْ أُخْتَهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى حَرَّاثِهَا الْخَرِيفِيَّةَ فَأَخْطَأْت فَدَفَعَتْ الرَّبِيعِيَّةَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ بِنْتَهَا مَعَ الْحَرَّاثِ لِتَنْقُلَ إلَيْهِ الْحِنْطَةَ لِلْبَذْرِ فَفَعَلَتْ ، وَبَذَرَهَا فَلَمْ تَنْبُتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ إنَّهَا رَبِيعِيَّةٌ تُضَمِّنُ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَتْ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْطَأَتْ الْأُخْتُ صَارَتْ غَاصِبَةً ، وَالْبِنْتُ ، وَالْحَرَّاثُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ ، وَهَذَا دَقِيقٌ حَسَنٌ يَخْرُجُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْوَاقِعَاتِ هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

غَصَبَ أَرْضًا ، وَدَفَعَهَا إلَى آخَرَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ سَنَةً عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْمُزَارِعِ فَزَرَعَهَا ، وَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ ، وَالْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ فَمَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ مِنْ الزَّرْعِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَهَا قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمُزَارِعُ ذَلِكَ النُّقْصَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ فَصَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ فَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ الْحَبِّ ، وَجَمِيعِ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَوْ دَفَعَ الْغَاصِبُ بَيْنَهُمَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ الدَّافِعِ فَبَذَرَهَا أَوْ لَمْ يَبْذُرْهَا أَوْ بَذَرَهَا فَخَرَجَ زَرْعٌ فَصَارَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْمُزَارَعَةِ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَالْمُزَارِعِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَجَازَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ يَزْرَعُ الزَّرْعَ الَّذِي نَبَتَ بَعْدَ إجَازَتِهِ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَازَةَ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ كَانَ أَجَازَ بَعْدَمَا طَلَعَ الزَّرْعُ ، وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِجَازَةِ ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ بَعْدَمَا سَنْبَلَ الزَّرْعُ ، وَلَمْ يَسْتَحْصِدْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْغَاصِبِ اغْرَمْ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ فَيَبْقَى حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ ، وَسُلِّمَتْ الزِّرَاعَةُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْغَاصِبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

لَوْ دَفَعَ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارِعَةً بِالنِّصْفِ فَزَرَعَ الْعَامِلُ فَنَبَتَ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ ثُمَّ سَقَاهُ وَقَامَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ حَتَّى زَرَعَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَسَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ بِالتَّدْبِيرِ وَالسَّقْيِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِلْبَذْرِ ، وَنَاقِضًا لِلْمُزَارَعَةِ فَانْتَقَضَتْ حُكْمًا لِعَمَلِهِ لَا قَصْدًا كَرَبِّ الْمَالِ إذَا أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُضَارِبِ ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبِحَ ، صَارَ نَاقِضًا لِلْمُضَارَبَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ ، وَلَمْ يَنْبُتْ فَسَقَاهُ الْمُزَارِعُ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ نِصْفَانِ لِأَنَّ سَقْيَ الْمَزَارِعِ حَصَلَ بِإِذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلَا يَصِيرُ نَاسِخًا لِلْمُزَارَعَةِ السَّابِقَةِ فَوَقَعَ عَمَلُهُ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَنَبَتَ الزَّرْعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، وَرَبُّ الْأَرْضِ لَا يَصِيرُ نَاسِخًا لِلْمُزَارَعَةِ بِالْبَذْرِ بِدُونِ السَّقْيِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ غَائِبٌ ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُزَارِعِ لَا يَصِحُّ قَصْدًا ، وَدَلَالَةً كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَبَذَرَ ، وَلَمْ يَسْقِ ، وَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى سَقَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ أَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ ، وَلَمْ يَنْبُتْ ، وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى سَقَاهُ الْمُزَارِعُ وَقَامَ عَلَيْهِ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ بَذَرَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ وَسَقَاهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَيَضْمَنُ الْبَذْرَ ، وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي سَقْيِهِ ، وَخُرُوجُ الطَّلْعِ فِي النَّخْلِ كَخُرُوجِ الزَّرْعِ وَنَبَاتِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ حَتَّى لَوْ سَقَى صَاحِبُ النَّخْلِ نَخْلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْعَامِلِ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَعَ طَلْعُهُ ثُمَّ

سَقَاهُ الْعَامِلُ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ .
كَذَا فِي الْوَجِيزِ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ فَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْمُزَارِعِ زَرَعَهُ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ ، وَنَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِلَا إذْنِهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَفِي كُلِّ الصُّوَرِ يَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَزَرَعَهُ رَبُّهَا بِلَا إذْنِ الْمُزَارِعِ ، وَنَبَتَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ فَفِي هَذِهِ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ دَفَعَ أَرْضًا ، وَبَذْرًا مُزَارَعَةً إلَى رَجُلَيْنِ لِيَعْمَلَا فِيهِ فَكَرَبَاهَا ، وَزَرَعَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ فَلِمَنْ لَمْ يَزْرَعْ نَصِيبٌ انْتَهَى .

لَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ ، وَلَمْ يُوجَدْ الزَّرْعُ ، وَلَا يُدْرَى مَا فَعَلَ كَانَ حِصَّةُ رَبِّ الْأَرْضِ فِي مَالِ الْمُزَارِعِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِلْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْعَامِلُ بَعْدَ طُلُوعِ الثَّمَرِ بَلَغَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي النَّخِيلِ شَيْءٌ هَذَا إذَا عَرَفَ خُرُوجَ الثَّمَرَةِ وَنَبَاتَ الزَّرْعِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا .

دَفَعَ إلَى عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَحْجُورٍ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَالْخَارِجُ نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِزِرَاعَةٍ بِالدَّرَاهِمِ ، وَسَمَّا الْعَمَلَ يَصِحُّ .
وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي عَمَلِ الْأَرْضِ ضَمِنَ صَاحِبُهَا قِيمَتَهُ ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَهُ ، وَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ مِنْ عَمَلِهِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ اسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ يَضْمَنُ عَاقِلَةُ صَاحِبِ الْأَرْضِ دِيَتَهُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ لَا يَضْمَنُ ، وَتَكُونُ حِصَّةُ الصَّبِيِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْوَجِيزِ .

لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَمَا كَرَبَ الْأَرْضَ ، وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مَا عَمِلَ ، وَإِذَا فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ فَادِحٍ لِحَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَاحْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا جَازَ ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ ، وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ ، وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ ، وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ ، وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا فِي مِقْدَارِ حُقُوقِهِمَا حَتَّى يَسْتَحْصِدَ فَإِذَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ، وَأَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ مِنْ الْهِدَايَةِ .

نَبَتَ الزَّرْعُ فَمَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الْحَصَادِ ، وَالْبَذْرُ لِلْمُزَارِعِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَى الْحَصَادِ ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ بَعْدَمَا عَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِأَنْ كَرَبَهَا ، وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَلَا يَغْرَمُ وَرَثَةُ رَبِّ الْأَرْضِ لِلْمُزَارِعِ شَيْئًا ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ زَرْعِهِ وَقَبْلَ نَبَاتِهِ فَفِي انْتِقَاضِ الْمُزَارَعَةِ خِلَافٌ ، فَلَوْ نَقَضَتْ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ تُتْرَكُ الْأَرْضُ بِيَدِ الْمُزَارِعِ إلَى الْإِدْرَاكِ بِأَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ( قُلْتُ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَأَبَى فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ .
وَلَوْ دَفَعَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ صَارَ بَقْلًا مُعَامَلَةً أَوْ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ حَتَّى انْعَقَدَ حَبُّهُ ، وَزَادَ الطَّلْعُ بِعَمَلِهِ يَبْقَى الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْآخَرِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَزِيدَ الزَّرْعُ وَالطَّلْعُ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَلَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ إذْ لَيْسَ لِلْعَامِلِ حَقٌّ حَتَّى يَجِبَ اسْتِيفَاءُ الْعَقْدِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ وَلَوْ مَاتَ عَامِلُ الْكَرْمِ بَعْدَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ فَلِوَرَثَتِهِ حِصَّتُهُ لَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحُدُوثِ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ .

أَلْقَى حَبَّ الْقُطْنِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ غَصْبًا ، وَنَبَتَ فَرَبَاهُ مَالِكُ الْأَرْضِ فالجوزقة لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ ، وَلَا يَكُونُ تَعَهُّدُهُ رِضًا بِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعَهُّدَهُ لِلْغَاصِبِ هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ قَالَ نُصَيْرٌ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا ، وَبِكَمْ تُسْتَأْجَرُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ ذَلِكَ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَنْظُرُ بِكَمْ تُشْتَرَى قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا ، وَبِكَمْ تُشْتَرَى بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ ذَلِكَ .
قَالَ : تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ زَرَعَ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ زَرَعَ أَرْضَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرٍ فَإِنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ ثُمَّ زَالَ النُّقْصَانُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ زَالَ النُّقْصَانُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ، وَإِنْ زَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَا يَبْرَأُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَدْ قِيلَ يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْعَيْبِ إذَا زَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْخُصُومَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا قُطْنًا فَزَرَعَهَا رَبُّهَا شَيْئًا آخَرَ لَا يَضْمَنُ الْمَالِكُ إذْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي .

بَذَرَ أَرْضَهُ بُرًّا فَبَذَرَهَا آخَرُ شَعِيرًا فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا بُرَّ الْأَوَّلِ فَلَوْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بُرًّا مَبْذُورًا فِي الْحَالِ يَعْنِي تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً ، وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ ، وَيَصِيرُ الْبُرُّ الْمَبْذُورُ مِلْكًا لِلثَّانِي ، وَلَوْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَمِيزَ الْبُرَّ مِنْ الشَّعِيرِ فَيُؤْمَرَ بِقَلْعِ الشَّعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالشَّعِيرُ لِمَالِكِهِ ، وَالْبُرُّ لِمَالِكِهِ ، وَلَوْ سَقَاهَا رَبُّهَا حِينَ بَذَرَهَا فَنَبَتَ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَيْهِ الشَّعِيرُ لِصَاحِبِهِ ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ زَرَعَ آخَرُ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلثَّانِي ، وَيَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ مِثْلَ بَذْرِهِ ، وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ عَلَى الْأَوَّلِ ، مِنْ غَصْبِ الْعَقَارِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

زَرَعَ الْأَكَّارُ سِنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ جَوَابُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُزَارَعَةً فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْأَكَّارِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ مِنْ بَذْرِهِ وَأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَهَكَذَا كَانُوا يُفْتُونَ بِبُخَارَى وَقِيلَ : يَكُونُ مُزَارَعَةً .
وَقِيلَ : لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ كَانَ رَبُّهَا مِمَّنْ لَا يَزْرَعُ بِنَفْسِهِ ، وَيَدْفَعُهَا مُزَارَعَةً فَذَلِكَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ حِصَّةٌ عَلَى مَا هُوَ عُرْفُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَكِنْ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ أَنَّهُ زَرَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ مَنْ أَجَرَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ ، وَلَمْ يُجِزْهُ رَبُّهَا وَقَدْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى الْمُزَارَعَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ ، إلَّا فِي الْوَقْفِ يَجِبُ فِيهِ الْحِصَّةُ أَوْ بِالْأَجْرِ بِأَيِّ جِهَةٍ زَرَعَهَا أَوْ سَكَنَهَا أُعِدَّتْ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا عَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ فَتْوَى عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَكِنْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ ، مَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ يَجِبُ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ عَلَى مَا هُوَ عُرْفُ الْقَرْيَةِ كَذَا أَجَابَ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ ، وَفِيهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بُرْهَانُ الدِّينِ درديهي كه مَعْهُود سِتّ كه ايشان غَلَّهُ صبكارند ، وَحِصَّة زُمَيْن سه يك يَا جهاريك بُدّ هِنْد كسى بِهِ وَجْه كدبورى كَشَتِّ غَلَّة ، وَاجِب شودياني أَجَابَ شود انْتَهَى ( قُلْتُ ) وَقَدْ مَرَّتْ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ .

لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْقِنِي يَوْمًا مِنْ نَهَرِك لِأَسْقِيَك يَوْمًا مِنْ نَهْرِي لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَضْمَنُ لِمَا أَخَذَ مِنْ شُرْبِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُبَاحٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَبِدُخُولِهِ فِي النَّهْرِ لَا يَصِيرُ مِلْكًا ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهُ بِالشَّفَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى لَا يَضْمَنُ مِنْ الْوَجِيزِ .

وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ نَزَحَ مَاءَ بِئْرِ رَجُلٍ حَتَّى يَبِسَتْ لَمْ يَضْمَنْ إذْ مَالِكُ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَبَّ مَاءً مِنْ الْجُبِّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِمْلَائِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ا هـ .

لَوْ سَقَى زَرْعَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَضْمَنُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ ، وَالْغُرَرِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ .

الْمُزَارِعُ إذَا بَعَثَ حِمَارَهُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى يَدِ ابْنٍ لَهُ فَمَنَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الِابْنَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْحِمَارِ فَاسْتَعْمَلَهُ الِابْنُ فِي حَاجَتِهِ فَضَاعَ الْحِمَارُ إنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ضَمِنَ هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

مَنَعَ وَكِيلُ الرَّعِيَّةِ الْمَاءَ مِنْ صَاحِبِ الضَّيْعَةِ حَتَّى يَبِسَ زَرْعُهُ لَا يَضْمَنُ ، هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

لَوْ سَلَّمَ حِمَارَهُ إلَى الْمُزَارِعِ لِيَشُدَّهُ فِي الدَّالِيَةِ فَفَعَلَ ، وَنَامَ ، وَانْقَطَعَ حَبْلُهُ ، وَوَقَعَ فِي الْمَقَرَّاتِ ، وَهِيَ مُجْتَمَعُ مَاءِ الْمَطَرِ ، وَمَاتَ لَا يَضْمَنُ ، هَذِهِ فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

زَرَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يُقَالُ لِلْآخَرِ أَنْفِقْ أَنْتَ وَارْجِعْ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِك ، فَلَوْ أَنْفَقَ وَلَمْ يُخْرِج الزَّرْعُ مِقْدَارَ مَا أَنْفَقَ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِتَمَامِ نِصْفِ النَّفَقَةِ أَمْ بِمِقْدَارِ الزَّرْعِ ذَكَرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، وَبَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَ الْمُزَارِعُ .
وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ نَخْلٌ أُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَصْلِهَا ، وَلِآخَرَ بِثَمَرِهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرِ فَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ سَنَةً فَأَبَى صَاحِبُ الثَّمَرِ الْإِنْفَاقَ فَأَنْفَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ أَثْمَرَ سَنَةً أُخْرَى فَإِنَّ صَاحِبَ الرَّقَبَةِ يَرْجِعُ فِيمَا أَنْفَقَ ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا .

وَلَوْ دَفَعَ نَخْلًا مُقَاطَعَةً فَمَاتَ الْعَامِلُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَأَنْفَقَ رَبُّ النَّخْلِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ، وَرَجَعَ بِهِ فِي الثَّمَرِ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَامِلُ لَكِنَّهُ غَابَ فَأَنْفَقَ رَبُّ النَّخْلِ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْقَاضِي .
وَعَنْ خَلَفٍ قَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ حَرْثٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَهُ قَالَ أَجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ فَإِنْ فَسَدَ الزَّرْعُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهُ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْكَبِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهِ نَأْخُذُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِذَا رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ ثُمَّ مَنَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا فَسَدَ ، كَذَا فِي الصُّغْرَى مِنْ الْقِسْمَةِ .

لَوْ أَخَذَ ثَلَاثَةٌ أَرْضًا بِالنِّصْفِ لِيَزْرَعُوهَا بِالشَّرِكَةِ فَغَابَ أَحَدُهُمْ وَزَرَعَ اثْنَانِ بَعْضَ الْأَرْضِ بُرًّا فَحَضَرَ الثَّالِثُ ، وَزَرَعَ بَعْضَ الْأَرْضِ شَعِيرًا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْبُرُّ بَيْنَهُمْ ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الْبُرِّ بِثُلُثِ الْبُرِّ عَلَى الثَّالِثِ ، وَالشَّعِيرُ بَيْنَهُمْ أَيْضًا أَوْ يَرْجِعُ هُوَ أَيْضًا عَلَيْهِمَا بِثُلُثَيْ الشَّعِيرِ الَّذِي بَذَرَ بَعْدَ دَفْعِ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ وَلَوْ فَعَلُوا بِلَا إذْنٍ فَالْبُرُّ ثُلُثُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَثُلُثَاهُ لَهُمَا ، وَيَغْرَمَانِ نُقْصَانَ ثُلُثِ الْأَرْضِ ، وَأَمَّا رَبُّ الشَّعِيرِ فَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لَهُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ سُدُسُهُ لِأَنَّ ثُلُثَيْ الشَّعِيرِ زُرِعَ غَصْبًا فَهُوَ لَهُ ، وَثُلُثُهُ زُرِعَ بِحَقٍّ ، وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فِي قَدْرِ ثُلُثَيْ ذَلِكَ ، كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ .

عَامِلُ الْخَرَاجِ لَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْأَكَّارِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ غَائِبٌ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
وَفِي فَوَائِدِ النَّسَفِيِّ يَرْجِعُ ، وَالْمُشْتَرِي كَأَكَّارٍ ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْجِبَايَةِ لَوْ أَخَذَهُ الْعَامِلُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ ، كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ آخِرِ أَحْكَامِ الْعِمَارَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ .

رَجُلٌ لَهُ نَوْبَةُ مَاءٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَاءَ رَجُلٌ ، وَسَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ غَاصِبَ الْمَاءِ يَكُونُ ضَامِنًا ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ سَقْيَ زَرْعِهِ مِنْ مَجْرًى لَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَمَنَعَهُ الْمَاءَ فَفَسَدَ زَرْعُهُ قَالُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَنَعَ الرَّاعِي حَتَّى ضَاعَتْ الْمَوَاشِي ، مِنْ الْخُلَاصَةِ .

تَرَكَ أَرْضَهُ الْمَزْرُوعَةَ بِبَذْرِهِ فَرَبَاهُ رَجُلٌ بِإِذْنِ الْوَالِي حَتَّى اُسْتُحْصِدَ فَالرِّيعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ إذَا أَدَّى الْخَرَاجَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الزَّكَاةِ .

رَجُلٌ أَرَادَ سَقْيَ أَرْضَهُ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ حَتَّى فَسَدَ زَرْعُهُ لَمْ يَضْمَنْ ، هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

اشْتَرَى حِصَّةَ مَاءٍ ، وَأَشْرَفَ عَلَى الْإِدْرَاكِ فَقَالَ لِلْبَائِعِ لَا تَسْقِهِ فَإِنَّ السَّقْيَ يَضُرُّهُ فَسَقَاهُ ، وَجَفَّ الْعِنَبُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ إنْ سَقَاهُ سَقْيًا غَيْرَ مُعْتَادٍ .

أَجَرَ أَرْضَهُ مِنْ رَجُلٍ بِحِنْطَةٍ فَلَمَّا حَصَدَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَهُ ، وَدَاسَهُ مَنَعَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ نَقْلِهِ لِيَدْفَعَ الْأُجْرَةَ فَأَفْسَدَهُ الْمَطَرُ لَا يَضْمَنُ .

غَرَسَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالشَّجَرَةُ لِلْغَارِسِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ غَرْسِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ يَجُوزُ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُهَا بِالْقِيمَةِ ، وَلَكِنْ يَغْرَمُ الْغَارِسُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ إنْ ظَهَرَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ مَلَكَهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَضَرَّ الْقَلْعُ بِالْأَرْضِ وَقِيلَ قِيمَةُ شَجَرَةٍ لِغَيْرِهِ حَقُّ الْقَلْعِ ، فِي الْغَصْبِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضَ رَجُلٍ وَزَرَعَهَا حِنْطَةً ثُمَّ اخْتَصَمَا ، وَهِيَ بَذْرٌ لَمْ تَنْبُتْ بَعْدُ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا حَتَّى تَنْبُتَ ثُمَّ يَقُولَ لَهُ اقْلَعْ زَرْعَك ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا زَادَ الْبَذْرُ فِيهِ ، وَتَفْسِيرُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ ، وَلَيْسَ فِيهَا بَذْرٌ وَتُقَوَّمُ وَفِيهَا بَذْرٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ بَذْرِهِ لَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ .

رَجُلٌ زَرَعَ فِي أَرْضِهِ شَعِيرًا ، وَجَاءَ آخَرُ فَزَرَعَ عَلَيْهِ حِنْطَةً بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِ الشَّعِيرِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الشَّعِيرِ مَا زَادَ الشَّعِيرُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً ، وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ .

رَجُلٌ زَرَعَ فِي أَرْضِهِ بُرًّا ، وَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى جَاءَ آخَرُ وَبَذَرَ فِيهَا شَعِيرًا ثُمَّ سَقَى رَبُّ الْأَرْضِ فَنَبَتَ الزَّرْعُ فَعَلَى الَّذِي بَذَرَ الشَّعِيرَ قِيمَةُ بُرٍّ مَبْذُورٍ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قِيمَةُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ مَخْلُوطًا مَبْذُورًا لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُمَا بِالسَّقْيِ .

رَجُلٌ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ فَجَاءَ آخَرُ وَأَلْقَى بَذْرَهُ فِيهَا وَسَقَى الْأَرْضَ أَوْ أَلْقَى بَذْرَهُ فِيهَا وَقَلَّبَ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ بَذْرُ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُقَلِّبْ ، وَسَقَى الْأَرْضَ فَنَبَتَ الْبَذْرَانِ فَمَا نَبَتَ يَكُونُ لِلْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ قِيمَةُ بَذْرِهِ ، فَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، وَأَلْقَى فِيهَا بَذْرَ نَفْسِهِ ثَالِثَةً وَقَلَّبَ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ فِيهَا الْبَذْرُ أَوْ لَمْ يُقَلِّبْ ، وَسَقَى الْأَرْضَ فَنَبَتَ الْبُذُورُ كُلُّهَا فَمَا نَبَتَ مِنْ الْبَذْرِ كُلِّهِ لَهُ ، وَعَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ مِثْلُ بَذْرِهِ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ نَابِتًا .
أَمَّا إذَا زَرَعَ الْمَالِكُ وَنَبَتَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ، وَأَلْقَى بَذْرَهُ إنْ لَمْ يُقَلِّبْ وَنَبَتَ فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَلَّبَ إنْ كَانَ الزَّرْعُ النَّابِتُ إذَا قَلَّبَ مَرَّةً أُخْرَى يَنْبُتُ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُتُ فَالزَّرْعُ لِلثَّانِي ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَةُ زَرْعِهِ ثَانِيًا .
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ أَبِي جَعْفَرٍ رَجُلٌ بَذَرَ فِي أَرْضِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَسَقَى تِلْكَ الْأَرْضَ حَتَّى أَدْرَكَ الزَّرْعُ فَإِنَّ الزَّرْعَ فِي الْقِيَاسِ لِلسَّاقِي ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْحَبِّ مَبْذُورًا فِي الْأَرْضِ عَلَى شَرْطِ الْقَرَارِ إنْ سَقَى قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ ، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَمَا فَسَدَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُنْبِتَ نَبَاتًا لَهُ قِيمَةٌ ، وَنَبَتَ بِسَقْيِهِ فَإِنَّ فِي الْقِيَاس عَلَيْهِ نُقْصَانَ الْأَرْضِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَقَدْ فَسَدَ حَبُّهَا ، وَتُقَوَّمُ غَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ ، وَالزَّرْعُ لِلسَّاقِي ، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَمَا نَبَتَ الزَّرْعُ ، وَصَارَ لَهُ قِيمَةُ الزَّرْعِ يَوْمَ سَقَاهَا فَالزَّرْعُ لِلسَّاقِي ، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَمَا اسْتَغْنَى الزَّرْعُ عَنْ السَّقْيِ لَكِنَّ السَّقْيَ أَجْوَدُ لَهُ فَإِنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَا شَيْءَ لِلسَّاقِي ، وَهَذَا جَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَجَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي

اللَّيْثِ الْأَجْنَبِيُّ السَّاقِي مُتَطَوِّعٌ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ .

أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا ، لِشَرِيكِهِ أَنْ يَزْرَعَ نِصْفَ الْأَرْضِ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامَ الثَّانِيَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعَ النِّصْفِ الَّذِي كَانَ زَرَعَ ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَزْرَعَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ هَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَزَرَعَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، وَسَقَاهَا قَالَ فِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ ، لِشَرِيكِهِ أَنْ يُقَاسِمَ الْأَرْضَ ، فَمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الزَّارِعِ أَقَرَّهُ ، وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أُمِرَ بِقَلْعِهِ ، وَيَضْمَنُهُ النُّقْصَانُ ، وَإِنْ أَدْرَكَ الزَّرْعُ أَوْ قَرُبَ مِنْ الْإِدْرَاكِ غَرِمَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَإِنْ لَمْ يُقَاسِمْ ، وَتَرَاضَيَا أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ الْبَذْرِ ، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بَعْدَمَا نَبَتَ الزَّرْعُ جَازَ وَقَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ قَالُوا إنْ كَانَ الْأَرْضُ تَنْفَعُهَا الزِّرَاعَةُ أَوْ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَنْقُصُ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْكُلَّ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ فِي مِثْلِ هَذَا يَكُونُ الْغَائِبُ رَاضِيًا دَلَالَةً ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يُنْقِصُ الْأَرْضَ أَوْ كَانَ تَرْكُ الزِّرَاعَةِ يَنْفَعُهَا ، وَيَزِيدُهَا قُوَّةً لَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا شَيْئًا أَصْلًا .

إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَمَا نَبَتَ الزَّرْعُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ اسْتِحْسَانًا .
هَذَا إذَا قَالَ الْمُزَارِعُ أَنَا لَا أَقْلَعُ الزَّرْعَ ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُزَارِعُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ ، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُزَارِعُ الْقَلْعَ فَلِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ خِيَارَاتٌ ثَلَاثٌ ، إنْ شَاءُوا قَلَعُوا الزَّرْعَ وَالْمَقْلُوعُ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَى الزَّرْعِ بِأَمْرِ الْقَاضِي حَتَّى يَرْجِعُوا عَلَى الْمُزَارِعِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ ، وَإِنْ شَاءُوا غَرِمُوا حِصَّةَ الْمُزَارِعِ مِنْ الزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَهُمْ ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنَّ الْمُزَارِعَ أَخَّرَ الزِّرَاعَةَ حَتَّى انْقَضَتْ السَّنَةُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ ، وَأَبَى الْمُزَارِعُ لَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ ، وَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْمُزَارِعُ الْقَلْعَ فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ خِيَارَاتٌ ثَلَاثٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَإِذَا أَنْفَقَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ .
وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ ، وَالثَّمَرُ لَمْ يُدْرِكْ ، وَأَبَى الْعَامِلُ الصَّرْمَ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إجَارَةٍ .

إذَا هَرَبَ الْمُزَارِعُ فِي وَسَطِ السَّنَةِ ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا أَنْفَقَ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ .

زَرَعَ فُومًا ، وَأَخَذَ بَعْضَهَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ مَقْلُوعًا أَوْ غَيْرَ مَقْلُوعٍ حَتَّى نَبَتَ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الشَّرْطِ ، فَإِنْ قَلَعَهُ وَرَفَعَ الزَّرْعَ ، وَكَانَ يَتَنَاثَرُ فِي الْأَرْضِ فَنَبَتَ زَرَعَ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَ الْأَكَّارِ وَرَبِّ الْأَرْضِ بِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الْأَكَّارُ بِالْفَضْلِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَإِنْ نَبَتَ بِسَقْيِ رَبِّ الْأَرْضِ وَمُؤْنَتِهِ فَهُوَ لَهُ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْحَبِّ قِيمَةٌ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَقَاهُ أَجْنَبِيٌّ كَانَ مُتَطَوِّعًا ، وَالزَّرْعُ بَيْنَ الزَّارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا شَرَطَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا جَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ ، وَجَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَدْ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي مُزَارَعَةِ مَبْسُوطِ الْإِمَامِ الطَّوَاوِيسِيُّ إذَا وَقَعَ الزَّرْعُ ، وَتَنَاثَرَ الْحَبُّ ، وَجَاءَ إنْسَانٌ وَسَقَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتَّى نَبَتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كُلُّهُ لِلسَّاقِي لِأَنَّهُ بِالسَّقْيِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا حَتَّى لَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ نَبَتَ بِغَيْرِ السَّقْيِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .

إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى آخَرَ مُزَارَعَةً وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ أَصْلًا ، فَلَوْ دَفَعَ الْمُزَارِعُ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِبَذْرِهِ ، وَالشَّرْطُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِالنِّصْفِ فَالْخَارِجُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ الثَّانِي نِصْفَانِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَدَفَعَهَا الْأَوَّلُ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ لِلْأَوَّلِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَالثُّلُثَانِ لِلثَّانِي فَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالثُّلُثَانِ لِلْمُزَارِعِ الثَّانِي ، وَيَغْرَمُ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ ثُلُثِ الْأَرْضِ .

وَلَوْ دَفَعَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ إلَى غَيْرِهِ عَارِيَّةً لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْإِعَارَةُ جَائِزَةً ، وَإِذَا زَرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ سَلَّمَ الْخَارِجَ لَهُ ، وَيَغْرَمُ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى آخَرَ مُزَارَعَةً لَكِنْ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ بِمَالِهِ فَلَوْ دَفَعَ مَعَ هَذَا مُزَارَعَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ أَنْ يُضَمِّنَ بَذْرَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ انْتَقَصَتْ الْأَرْضُ ضَمَّنَ النُّقْصَانَ الثَّانِيَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ .
هَذَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ إمَّا نَصًّا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَ لِعَامِلٍ آخَرَ مُعَامَلَةً فَعَمِلَ فِيهِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ لِصَاحِبِ النَّخِيلِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ فِي يَدِ الْعَامِلِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ ، وَهُوَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ هَلَكَ الثَّمَرُ مِنْ عَمَلِ الْآخَرِ فِي أَمْرٍ خَالَفَ فِيهِ الْآمِرَ الْأَوَّلَ فَالضَّمَانُ لِصَاحِبِ النَّخِيلِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَخِيرِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ .

رَجُلٌ دَفَعَ كَرْمًا مُعَامَلَةً فَلَمَّا أَثْمَرَ الْكَرْمُ وَالدَّافِعُ وَأَهْلُهُ يَدْخُلُونَ ، وَيَأْكُلُونَ ، وَيَحْمِلُونَ ، وَالْعَامِلُ لَا يَدْخُلُ إلَّا قَلِيلًا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ لَا يَضْمَنُ ، وَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِينَ أَكَلُوا ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ ، وَهُمْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ ضَمِنَ نَصِيبَ الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ ، فِي النَّوَازِلِ ، وَإِنْ كَانُوا قَبَضُوا بِإِذْنِهِ ، وَهُمْ مِمَّنْ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْكَرْمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ أَوْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ الْأَكَّارِ وَصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَأَصْحَابِ أَحَدِهِمَا يَدُقُّونَ السَّنَابِلَ قَبْلَ الدِّيَاسِ وَيُنْفِقُونَهَا ، أَمَّا إذَا بَاعَ ثِمَارَ كَرْمِهِ ثُمَّ أَصْحَابُهُ كَانُوا يَأْكُلُونَ الثِّمَارَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَا أَكَلُوا بِإِذْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ انْتَهَى .

وَإِنْ حَصَدَ الزَّرْعَ ، وَجَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ ضَمِنَ حِصَّةَ الدَّافِعِ ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فَتَغَافَلَ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ ضَمِنَ لِلْمَالِكِ نَصِيبَهُ ، إذَا شَرَطَ الْحَصَادَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ حَتَّى هَلَكَ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ فَإِذَا تَرَكَ فَقَدْ ضَيَّعَهُ .

لَوْ قَالَ لِلْأَكَّارِ أَخْرِجْ الْجَوْزَ أَوْ الْحِنْطَةَ إلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا رَطْبَةٌ فَأَخَّرَ فَفَسَدَ ضَمِنَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَتَرْكُ التَّشْدِيدِ بِمَنْزِلَةِ السَّقْيِ وَلَوْ تَرَكَ حِفْظَ الزَّرْعِ حَتَّى أَفْسَدَهُ الدَّوَابُّ ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَطْرُدْ الْجَرَادَ حَتَّى أَكَلَ إنْ كَانَ الْجَرَادُ بِحَالٍ يُمْكِنُ طَرْدُهُ وَدَفْعُهُ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ ضَمِنَ .

وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ إذَا كَانَ بَقَرُ الْمَالِكِ فِي يَدِ الْأَكَّارِ فَبَعَثَهَا مَعَ الرَّاعِي إلَى السَّرْحِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ هُوَ ، وَلَا الرَّاعِي الْبَقَرَ الْمُسْتَعَارَ ، وَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَى هَذَا وَقَدْ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ تَرَكَ الْبَقَرَ يَرْعَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْخُلَاصَةِ سِوَى الْمَنْقُولِ مِنْ الْقُنْيَةِ .

الْأَكَّارُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ بَقَرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ ذَهَبَ بِالْآلَاتِ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَتَرَكَ الْبَقَرَ يَرْعَى فَجَاءَ سَارِقٌ ، وَسَرَقَهُ مَعَ بَقَرِ الْقَرْيَةِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْأَكَّارُ عَلَى التَّخْلِيصِ أَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَكَّارُ ، وَغَيْرُهُ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ لَوْ سَلَّمَ الْمُزَارِعُ الْبَقَرَ إلَى الرَّاعِي فَهَلَكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى الرَّاعِي ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا بَعَثَهُ إلَى السَّرْحِ يَضْمَنُ ، وَالصَّحِيحُ مَا أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

دَفَعَ الْأَشْجَارَ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا ، وَيَشُدَّ مِنْهَا الْمُحْتَاجُ إلَى الشَّدِّ فَأَخَّرَ الشَّدَّ حَتَّى أَصَابَهَا الْبَرْدُ ، وَهِيَ أَشْجَارٌ إنْ لَمْ تُشَدَّ يَضُرُّ بِهَا الْبَرْدُ يَضْمَنُ الْعَامِلُ قِيمَةَ مَا أَصَابَ الْبَرْدُ ، وَعَنْ الثَّانِي زَرْعٌ بَيْنَهُمَا أَخَّرَ أَحَدُهُمَا السَّقْيَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَسَدَ الزَّرْعُ بَعْدَ رَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ بِذَلِكَ فَامْتَنَعَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .

دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً إلَى مَحْجُورٍ ، وَهَلَكَ الْعَبْدُ مِنْ الْعَمَلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَبْدِ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَبِّهَا يَكُونُ مُسْتَأْجَرًا فَيَكُونُ عَمَلُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَبْدِ يَكُونُ مُسْتَأْجَرًا فِي الْأَرْضِ ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ .

غَرَسَ تَالَةً عَلَى نَهْرِ قَرْيَةٍ فَطَلَعَتْ ، وَالْغَارِسُ فِي عِيَالِ رَجُلٍ يَخْدُمُهُ فَقَالَ الْمَخْدُومُ الْغَرْسُ لِي لِأَنَّك خَادِمِي فَإِنْ كَانَتْ التَّالَةُ لِلْغَارِسِ فَلَهُ ، وَإِنْ لِلرَّجُلِ وَالْغَارِسُ فِي عِيَالِهِ يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ فَالشَّجَرَةُ لِلرَّجُلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ ، وَلَمْ يَغْرِسْهَا بِإِذْنِهِ فَهِيَ لِلْغَارِسِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ التَّالَةِ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ .

قَلَعَ تَالَّةَ إنْسَانٍ ، وَغَرَسَهَا ، وَرَبَّاهَا فَهِيَ لِلْغَارِسِ بِالْقِيمَةِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .

اسْتَأْجَرَ أَرْضًا ، وَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً فَكَرَبَهَا الْمُزَارِعُ ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ أَجَرَهَا مِنْ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَبْذُرَهَا الْمُزَارِعُ صَحَّ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَلِلْمُزَارِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَأْجِرَ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ لَوْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَى الْحَرَّاثِ .

حَفْرُ النَّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا حُفِرَ .

مُزَارِعٌ جَمَعَ سِرْقِينًا ، وَكَانَ التُّرَابُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْبَقَرُ مِنْ الْمُزَارِعِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْخَلْطَ بِالْإِذْنِ .
نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ : السِّرْقِينُ كُلُّهُ لِلْمُزَارِعِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ التُّرَابِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
قَاضِي غُلَام غزى سِرْقِينٌ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَالَ أُسْتَاذُنَا ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ فَإِنَّ الْمُزَارِعَ لَا يَجْمَعُ سِرْقِينًا لِنَفْسِهِ بَلْ لِيُلْقِيَهُ فِي أَرْضِ رَبِّ الْأَرْضِ ، عَادَةً الْحَرَّاثُونَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ قَرْضٌ لِأَرْبَابِ الْأَرَاضِيِ بِسَوَادِ الْبَلَدِ يُخْرِجُونَ السِّرْقِينَ مِنْ قَبْلِ الْإِدْخَالِ فِي الْأَرْضِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ خُذْ السِّرْقِينَ مِنْ مَكَانِ كَذَا بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي يُقَالُ ذَرَّاتُ الْأَرْضِ يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ كَدَسِّهِ لَيْلًا إذَا كَانَ الْحِفْظُ عَلَيْهِ مُتَعَارَفًا مِنْ الْقُنْيَةِ .

رَجُلٌ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ ضَمِنَ ، وَتَفْسِيرُ ضَمَانِ الشِّرْبِ فِي شِرْبِ الْأَصْلِ لِلسَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ يُشْتَرَى لَوْ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَقَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَضْمَنُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ الْخُلَاصَةِ .

يَجُوزُ رَفْعُ الْجَمَدِ مِنْ الْحِيَاضِ الَّتِي فِي بِلَادِنَا لِلشَّفَةِ كَالْمَاءِ وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ فانجمد الْمَاءُ فِيهِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ رَفْعُ ذَلِكَ الْجَمَدِ إلَّا إذَا أَعَدَّ أَرْضَهُ لِيَجْمُدَ الْمَاءُ فِيهِ .

السَّاقِي مِنْ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِ مِلْءِ الدَّلْوِ حَتَّى يُنَحِّيَهُ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَالْمُحْتَطِبُ يَمْلِكُ الْحَطَبَ بِنَفْسِ الِاحْتِطَابِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَشُدَّهُ وَيَجْمَعَهُ حَتَّى يُثْبِتَ لَهُ الْمِلْكَ مِنْ الْقُنْيَةِ .

( الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْوَقْفِ ) النَّاظِرُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا غَلَّاتِ الْوَقْفِ لَا يَضْمَنُ ، أَمَّا إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ، وَمَعْنَى ضَمَانِهِ صَيْرُورَتُهُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ كَمَا فِي أَمَانَاتِ الْأَشْبَاهِ ، وَفِي قَاضِي خَانْ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ بِنَفْسِهِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ ، وَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ فَلَوْ بَاعَ أَرْضَ الْوَقْفِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الثَّمَنِ يَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ ، وَلَوْ بَاعَهَا وَوَهَبَ الثَّمَنَ صَحَّتْ الْهِبَةُ ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ انْتَهَى .

الْمُتَوَلِّي إذَا خَلَطَ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ الْمُخْتَلِفَةَ يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلَوْ خَلَطَ مَالَ الْوَقْفِ بِمَالِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَضْمَنُ .
وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْوَقْفِ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَهُ لَمْ يَبْرَأْ ، وَحِيلَةُ بَرَاءَتِهِ إنْفَاقُهُ فِي التَّعْمِيرِ ، وَأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُنَصِّبَ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَيَبْرَأَ ثُمَّ يَرُدَّ عَلَيْهِ ، مِنْ أَمَانَاتِ الْأَشْبَاهِ .
وَفِي قَاضِي خَانْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا صَرَفَ دَرَاهِمَ الْوَقْفِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ مِثْلَ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فِي الْوَقْفِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ هَذَا جَائِزٌ ، وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ قَالَ وَلَوْ خَلَطَ مِنْ مَالِهِ مِثْلَ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمِ الْوَقْفِ كَانَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ انْتَهَى .

وَفِي الْخُلَاصَةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا ، وَإِنْ خَرِبَ حَانُوتٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّةِ حَانُوتٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا .

وَلَوْ خَلَطَ الْمُتَوَلِّي دَرَاهِمَهُ بِدَرَاهِمِ الْوَقْفِ صَارَ ضَامِنًا ، وَطَرِيقُ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ التَّصَرُّفُ فِي حَاجَةِ الْمَسْجِدِ ، وَالرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ انْتَهَى .
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ فَخَلَطَ مَالَ الْوَقْفِ بِمَالِهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ ، وَكَذَا الْقَاضِي إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْوَصِيُّ إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ لَا يَضْمَنُ .

قَيِّمٌ يَخْلِطُ غَلَّةَ الرَّهْنِ بِغَلَّةِ الْبَوَارِي فَهُوَ سَارِقٌ خَائِنٌ انْتَهَى .

قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَقْفِ لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ ، مِنْ مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ .

وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى النَّقْشِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ يَضْمَنُ .
وَلَوْ فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ هَذِهِ فِي كَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، فِي النَّخْلِ مِنْ الْهِدَايَةِ .

، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ عَلَى الْقَيِّمِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَفْتَحَ لِلْمَسْجِدِ بادخانة وَقِيلَ لَوْ فِيهِ تَكْثِيرًا لِجَمَاعَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَتَّخِذَ بِسَطْحِ بَيْتِ الْوَقْفِ خُصًّا لَوْ كَانَ يَزِيدُ فِي أُجْرَتِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي أَمِينًا فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَكْتُبُ حِسَابَهُ فَالْأَجْرُ يَجِبُ فِي مَالِهِ لَا فِي الْوَقْفِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

مَسْجِدٌ بَابُهُ عَلَى مَهَبِّ الرِّيحِ فَيُصِيبُ الْمَطَرُ بَابَ الْمَسْجِدِ فَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ ظُلَّةً عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَهْلِ الطَّرِيقِ .

وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ سُلَّمًا لِيَصْعَدَ عَلَى السَّطْحِ لِيُطَيِّنَهُ ، وَكَذَا يُعْطِي الَّذِي يَكْنُسُ الثَّلْجَ أَوْ التُّرَابَ ، وَيَنْقُلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ .

رَجُلٌ قَالَ جَعَلْت حُجْرَتِي لِدُهْنِ سِرَاجِ الْمَسْجِدِ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا صَارَتْ الْحُجْرَةُ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُتَوَلِّي ، وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ غَلَّتَهَا إلَى غَيْرِ الدُّهْنِ .

قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْوَقْفِ إذَا أَدْخَلَ جُذُوعًا فِي دَارِ الْوَقْفِ لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْيَتِيمِ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَا الْقَيِّمُ ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَبِيعَ الْجِذْعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِأَجْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ يُدْخِلَهُ فِي دَارِ الْوَقْفِ .

مَسْجِدٌ بِجَنْبِهِ مَاءٌ انْكَسَرَ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَ أَهْلَ النَّهْرِ بِإِصْلَاحِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يُصْلِحُوا ، وَانْهَدَمَ حَائِطُ الْمَسْجِدِ ضَمِنُوا قِيمَةَ مَا انْهَدَمَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ صَارُوا مُتْلِفِينَ بِتَرْكِ الْإِصْلَاحِ ، مِنْ الْخُلَاصَةِ .

إذَا اجْتَمَعَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ثُمَّ نَابَ الْإِسْلَامَ نَائِبَةٌ بِأَنْ غَلَبَتْ جَمَاعَةُ الْكَفَرَةِ فَاحْتِيجَ فِي ذَلِكَ إلَى مَالٍ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا .

مَسْجِدٌ لَهُ غَلَّةٌ ذَكَرَ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ أَنَّ الْقَيِّمَ يَشْتَرِي بِتِلْكَ الْغَلَّةِ جِنَازَةً لَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَوْ اشْتَرَى يَكُونُ ضَامِنًا .

قَوْمٌ عَمَرُوا أَرْضَ مَوَاتٍ عَلَى شَطِّ جَيْحُونَ ، وَكَانَ السُّلْطَانُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُمْ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَاءُ الجيحون لَيْسَ مَاءَ الْخَرَاجِ ، وَبِقُرْبِ ذَلِكَ رِبَاطٌ فَقَامَ مُتَوَلِّي الرِّبَاطِ إلَى السُّلْطَانِ فَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ لَهُ ذَلِكَ الْعُشْرَ هَلْ يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ بِقُرْبِ هَذَا يَسْتَعِينُ بِهَذَا فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ، وَهَلْ يَكُونُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ الْعُشْرِ الَّذِي أَبَاحَ السُّلْطَانُ لِلرِّبَاطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ مُحْتَاجًا يَطِيبُ لَهُ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ ، وَإِنَّمَا يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ صَرَفَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ ثُمَّ أَنْفَقُوا فِي عِمَارَةِ الرِّبَاطِ جَازَ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا .

رِبَاطٌ عَلَى بَابِهِ قَنْطَرَةٌ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ خَرِبَتْ الْقَنْطَرَةُ ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الرِّبَاطِ إلَّا بِمُجَاوَزَةِ النَّهْرِ ، وَبِدُونِ الْقَنْطَرَةِ لَا يُمْكِنُ الْمُجَاوَزَةُ هَلْ تَجُوزُ عِمَارَةُ الْقَنْطَرَةِ بِغَلَّةِ الرِّبَاطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا .

مُتَوَلِّي الرِّبَاطِ إذَا صَرَفَ فَضْلَ غَلَّةِ الرِّبَاطِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ قَرْضًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ ثُمَّ أَنْفَقَ فِي الرِّبَاطِ رَجَوْت أَنْ يَبْرَأَ ، وَإِنْ أَقْرَضَ لِيَكُونَ أَحْرَزَ مِنْ الْإِمْسَاكِ عِنْدَهُ قَالَ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا لَهُ ذَلِكَ .

رَجُلٌ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ بَعْدَ وَفَاتِي عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَهِيَ تُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ مَاتَ فَاحْتَاجَ وَلَدُهُ قَالَ هِلَالٌ لَا يُعْطَى لِوَلَدِهِ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ إلَّا إذَا كَانَ الْوَقْفُ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَمْ يُضِفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ وَفِي وَلَدِ الْوَاقِفِ فُقَرَاءُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ سَهْمًا أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ حَقًّا وَاجِبًا لَهُمْ ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الَّذِي وَقَفَ ضَيْعَةً فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ مَاتَ ، وَلَهُ ابْنَةٌ ضَعِيفَةٌ كَانَ الْأَفْضَلُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَصْرِفَ إلَيْهَا مِقْدَارَ حَاجَتِهَا مِنْ قَاضِي خَانْ .

مَرِيضٌ وَقَفَ دَارِهِ فِي مَرَضِهِ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ وَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ وَلَوْ لَمْ يُجِيزُوا بَطَلَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَوْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ لَا بَعْضُهُمْ جَازَ بِقَدْرِ مَا أُجِيزَ ، وَبَطَلَ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَيَنْفُذُ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ لَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ ذَلِكَ ، وَيَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا ، وَيُوقِفُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ كَذَا فِي الْوَقْفِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

لَوْ أَبْرَأَ الْقَيِّمُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَيَضْمَنُ .

وَلِلْمُتَوَلِّي صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إلَى كِتَابَةِ الْفَتْوَى وَمَحَاضِرِ الدَّعْوَى لِاسْتِخْلَاصِ الْوَقْفِ ، وَإِسْرَاجِ السُّرُجِ الْكَثِيرَةِ فِي السِّكَكِ وَالْأَسْوَاقِ لَيْلَةَ الْبَرَاءَةِ بِدْعَةٌ ، وَكَذَا فِي الْمَسَاجِدِ ، وَيَضْمَنُ الْقَيِّمُ ، وَكَذَا يَضْمَنُ إذَا أَسْرَفَ فِي السَّرْج فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَيَجُوزُ الْإِسْرَاجُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فِي السِّكَّةِ أَوْ السُّوقِ .

وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ شَمْعًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَضْمَنُ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ ، وَيُنْفَقُ فِي سِرَاجِهِ وَنَحْوِهِ ، قَالَ هِشَامٌ .
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ عَلَى قَنَادِيلِهِ ، وَسُرُجِهِ ، وَالنَّفْطِ ، وَالزَّيْتِ .

كُتِبَ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ هَلْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَرَاوِحَ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ ؟ فَقَالَ : لَا ، الدُّهْنُ وَالْحُصْرُ وَالْمَرَاوِحُ لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ إنَّمَا مَصَالِحُهُ عِمَارَتُهُ أَبُو حَامِدٍ الدُّهْنُ وَالْحُصْرُ مِنْ مَصَالِحِهِ دُونَ الْمَرَاوِحِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ، وَأَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ .

انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَلَمْ يَحْفَظْهُ الْقَيِّمُ حَتَّى ضَاعَتْ خُشُبُهُ يَضْمَنُ ، وَلَا يَضْمَنُ الْقَيِّمُ إذَا وَقَعَ الده ياترده إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُ ذَلِكَ الظُّلْمَ .

اشْتَرَى الْقَيِّمُ مِنْ الدَّهَّانِ دُهْنًا ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَفْلَسَ الدَّهَّانُ لَمْ يَضْمَنْ .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ رَأَى الْقَيِّمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُهْدَمْ الْمَسْجِدُ الْعَامُّ يَكُونُ ضَرَرُهُ فِي الْقَابِلِ أَعْظَمَ فَلَهُ هَدْمُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَلَّةٌ لِلْعِمَارَةِ فِي الْحَالِ فَاسْتَقْرَضَ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي سَنَةٍ ، وَاشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ شَيْئًا يَسِيرًا بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ يَرْجِعُ فِي غَلَّتِهِ بِعَشَرَةٍ ، وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ .

وَلَوْ ضَمِنَ الْقَيِّمُ مَالَ الْوَقْفِ بِاسْتِهْلَاكٍ ثُمَّ صَرَفَ قَدْرَ الضَّمَانِ إلَى الْمَصْرِفِ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِلْقَيِّمِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِضَرُورَةِ الْعِمَارَةِ لَا يُقِيمُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ ، وَالْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَأَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ يَرْفَعُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرُهُ بِهَا فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ فِي الْغَلَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ مَا فَضَلَ مِنْ وَجْهِ عِمَارَةِ الْمَدْرَسَةِ دَيْنًا لِيُفَرِّقَهُ إلَى الْفُقَهَاءِ ، وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ .

لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنْ عَمَّمَ الْقَاضِي التَّفْوِيضَ إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا .

اجْتَمَعَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ شَيْءٌ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ دَارًا لِلْوَقْفِ وَلَوْ فَعَلَ وَوَقَفَ يَكُونُ وَقْفُهُ ، وَيَضْمَنُ ، وَأَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ وَقِيلَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ ، وَيَبِيعَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ .

وَلَوْ اشْتَرَى بِالْغَلَّةِ حَانُوتًا لِيُسْتَغَلَّ ، وَيُبَاعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ .

مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا أَجَرَ وَقْفًا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا لِأَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا ، وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقِيلَ لَهُ أَتُفْتِي بِهَذَا قَالَ : نَعَمْ ، وَجْهُ مَا قَالَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَبْطَلَ بِتَسْمِيَتِهِ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى إلَى تَمَامِ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِبْطَالَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَجَرَ ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَصِيرُ غَاصِبًا عِنْدَ مَنْ يَرَى غَصْبَ الْعَقَارِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْزِلِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ لَا غَيْرُ ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ السُّغْدِيِّ ، وَفِي هَذَا قَالَ رَجُلٌ غَصَبَ دَارَ صَبِيٍّ أَوْ غَصَبَ وَقْفًا كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ ثَمَّةَ فَمَا ظَنُّك فِي الْإِجَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ مِنْ قَاضِي خَانْ .

الْمُتَوَلِّي لَوْ أَسْكَنَ دَارَ الْوَقْفِ بِلَا أَجْرٍ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى السَّاكِنِ ، وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ سَوَاءٌ أُعِدَّتْ الدَّارُ لِلْغَلَّةِ أَوْ لَا ؛ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الظَّلَمَةِ وَقَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ ، وَبِهِ يُفْتَى ، وَكَذَا لَوْ سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ بِلَا إذْنِ الْوَاقِفِ وَالْقَيِّمِ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَكَذَا قَالُوا فِي وَقْفِ الرَّهْنِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ لَوْ سَكَنَهُ الْمُرْتَهِنُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَكَذَا قَالُوا فِي مُتَوَلٍّ بَاعَ وَقْفًا فَسَكَنَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عُزِلَ الْمُتَوَلِّي ، وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَادَّعَى الثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي فَسَادَ الْبَيْعِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ أَجْرُ الْمِثْلِ سَوَاءٌ أُعِدَّ لِلْغَلَّةِ أَوْ لَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ ، وَالْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَلْزَمَ الْأَجْرُ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ مُعَدًّا لِلْغَلَّةِ .

وَلَوْ أَجَرَ الْقَيِّمُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ فَسَكَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَكَذَا لَوْ أَجَرَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً مِنْ دَعْوَى الْوَقْفِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
قُلْتُ : وَتَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ .

مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا أَجَرَ ضَيْعَةً مِنْ رَجُلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَزَرَعَ وَرَثَةُ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَرْضَ بِبَذْرِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْغَلَّةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَعَلَيْهِمْ نُقْصَانُ الْأَرْضِ إذَا انْتَقَصَتْ الْأَرْضُ بِزِرَاعَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يُصْرَفُ ذَلِكَ النُّقْصَانُ إلَى مَصَالِحِ الْوَقْفِ لَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ نُقْصَانٍ ، وَحَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لَا فِي عَيْنِ الْأَرْضِ .

مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِدِرْهَمٍ وَدَانِقٍ ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ ، وَنَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ قَالُوا يَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ مَا نَقَدَ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْأَجْرَ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَيَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا نَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ كَانَ ضَامِنًا .

الْمُتَوَلِّي إذَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَخْدُمَ الْمَسْجِدَ ، وَسَمَّى لَهُ أَجْرًا مَعْلُومًا لِكُلِّ سَنَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَجْرَ عَمَلِهِ أَوْ زِيَادَةً يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْمَسْجِدِ فَإِذَا نَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ حَلَّ لِلْمُؤَذِّنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَجْرِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ لِلْمَسْجِدِ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ ، وَإِذَا أَدَّى الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ كَانَ ضَامِنًا ، وَإِذَا عَلِمَ الْمُؤَذِّنُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ .

رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ عِنْدِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِأَنْ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ حَفَرَ النَّهْرَ أَوْ أَلْقَى فِيهِ السِّرْقِينَ ، وَاخْتَلَطَ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَرِدُّ الْأَرْضَ مِنْ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْبِنَاءِ ، وَالشَّجَرِ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَقَلْعِ الْأَشْجَارِ وَرَدِّ الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْوَقْفِ ، وَإِنْ أَضَرَّ بِالْوَقْفِ بِأَنْ يُخَرِّبَ الْأَرْضَ بِقَلْعِ الْأَشْجَارِ ، وَالدَّارَ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَرْفَعَ الْبِنَاءَ ، وَيَقْلَعَ الْأَشْجَارِ إلَّا أَنَّ الْقَيِّمَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ مَقْلُوعَةً وَقِيمَةَ الْبِنَاءِ مَرْفُوعًا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي تَكْفِي لِذَلِكَ الضَّمَانِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ يُؤَاجِرُ الْوَقْفَ فَيُعْطِي الضَّمَانَ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْغَاصِبُ قَطْعَ الشَّجَرِ مِنْ أَقْصَى مَوْضِعٍ لَا يُخَرِّبُ الْأَرْضَ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْقَيِّمُ مَا بَقِيَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الشَّجَرِ إنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ .

وَقْفٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَاصِبٌ ، وَحَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَلِّي ، وَعَجَزَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الِاسْتِرْدَادِ ، وَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهَا كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ ، وَيُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَاصِبِ أَرْضًا ، وَتَكُونَ وَقْفًا عَلَى شَرَائِطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا جَحَدَ الْغَصْبَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَهْلَكِ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ .

رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ غَصَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَمَا زَادَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ ، وَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَتْبَعُ الْغَصْبَ الثَّانِيَ إنْ كَانَ مَلِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَعْلَ الْعَقَارِ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ لِأَنَّ تَضْمِينَ الثَّانِي أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الثَّانِي يَتْبَعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ ، وَإِذَا اتَّبَعَ الْقَيِّمُ أَحَدَهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ قَاضِي خَانْ .

أَرْضُ الْوَقْفِ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ ، وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا ، وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ وَقْفًا مَكَانَهَا .

لَوْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ حَشِيشِ الْمَسْجِدِ وَجَعَلَهُ قِطَعًا قِطَعًا يَضْمَنُ .

رَجُلٌ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ بَعْدَ وَفَاتِي عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ مَاتَ فَاحْتَاجَ وَلَدُهُ قَالَ هِلَالٌ لَا يُعْطَى لِوَلَدِهِ مِنْ الْغَلَّةِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَقْفُ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَمْ يُضَفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ يَدْفَعُ الْمُتَوَلِّي إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ شَيْئًا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَهُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ .

رَجُلٌ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِي ، وَلَيْسَ فِي وَلَدِهِ إلَّا مُحْتَاجٌ وَاحِدٌ قَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ يَصْرِفُ نِصْفَ الْغَلَّةِ إلَيْهِ ، وَالنِّصْفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ أَعْطَى الْقَيِّمُ نِصْفَ الْغَلَّةِ فَقِيرًا وَاحِدًا هَلْ يَجُوزُ قَالَ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يُحْصَوْنَ فَيَكُونُ لِلْجِنْسِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

إذَا جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى شِرَاءِ الْخُبْزِ وَالثِّيَابِ وَالتَّصَدُّقِ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءِ خُبْزٍ ، وَلَا ثَوْبٍ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ هُوَ الْمَقْصُودُ حَتَّى جَازَ التَّصَرُّفُ بِالتَّصَدُّقِ دُونَ الشِّرَاءِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ فَيَحْمِلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ عَلَى مُحْتَاجِي الْمُجَاهِدِينَ جَازَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ كَالْخُبْزِ وَالثِّيَابِ ، وَإِنْ شُرِطَ أَنْ يُسَلِّمَ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ لِيُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَيَسْتَرِدَّ لِمَنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى مَنْ أَحَبَّ جَازَ الْوَقْفُ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ ، وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ ، وَلَا بِالسِّلَاحِ بَلْ يَشْتَرِي الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ ، وَيَبْذُلُهَا لِأَهْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ وَقَعَ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى شِرَاءِ الْغَنَمِ وَعَلَفِهَا جَازَ ، وَلَمْ يَجُزْ إعْطَاءُ الْغَلَّةِ .
وَلَوْ وَقَفَ لِيُضَحِّيَ أَوْ لِيُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ فَيَذْبَحُ عَنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَازَ ، وَهُوَ دَائِمٌ أَبَدًا ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يُرَاعَى فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مُحْتَاجِي أَهْلِ الْعِلْمِ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ الثِّيَابَ ، وَالْمِدَادَ ، وَالْكَاغَدِ ، وَنَحْوَهَا مِنْ مَصَالِحِهِمْ جَازَ الْوَقْفُ ، وَهُوَ دَائِمٌ لِأَنَّ لِلْعِلْمِ طُلَّابًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَتَجُوزُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ ، وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ إبَاحَةً وَإِعَارَةً فَلَا .

وَقَفَ عَلَى أَنْ يُدْفَعَ إلَى كُلِّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ مَنٌّ مِنْ الْخُبْزِ وَرُبْعُ مَنٍّ مِنْ اللَّحْمِ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ قِيمَةَ ذَلِكَ وَرِقًا .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ غَلَّةِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى السُّؤَالِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى فَقِيرٍ لَا يَسْأَلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُرَاعِيَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ شَرْطَ الْوَاقِفِ .

لَوْ انْكَشَفَ سَقْفُ السُّوقِ فَغَلَبَ الْحَرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ الصَّيْفِيِّ لِوُقُوعِ الشَّمْسِ فِيهِ فَلِلْقَيِّمِ سَدُّ سَقْفِ السُّوقِ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا الْقَدْرُ .

دَارٌ مُسَبَّلَةٌ أَجْرُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ ، وَمَا كَانَ يُعْطِي السَّاكِنُ فِيهَا إلَّا ثَلَاثَةً ثُمَّ ظَفِرَ الْقَيِّمُ بِمَالِ السَّاكِنِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ وَيَصْرِفَهُ إلَى مَصْرِفِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً .

قَيِّمٌ أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ بِمِثْلِهِ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى غَالِبًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْفًى .
وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْقَيِّمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التَّصَرُّفِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ سَوَّى بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِيمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَقَالُوا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِيهِ وَقَاسُوهُ عَلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْحَصِيرِ ، وَالْحَشِيشِ ، وَالدُّهْنِ أَوْ أُجْرَةِ الْخَادِمِ ، وَنَحْوِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً ، وَلَا يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ كَذَا هَذَا ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا مِنْ الْقُنْيَةِ .

اشْتَرَى بَيْتًا وَسَكَنَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقْفٌ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ .

سُئِلَ بَعْضَ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ زَرَعَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ الْمُتَوَلِّي برين كارنده شِرَاء غلة وَاجِب شوديا غلة زمين جنانكه مَعْهُود است دران مَوْضِع سه يك يَا جهاريك قَالَ نكاه كندكه وَقَفَ را كدام بهتر است شِرَاء غله يَا غله زمين بردا شتن آن طَلَب كند .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ عَلَى عُرْفِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ .

لَوْ أَرَادَ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ ضَيْعَةً بِغَلَّةِ الْوَقْفِ لِتَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى وَجْهِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَقَدْ وَقَعَتْ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ رِوَايَةٌ فَقِيلَ : يُجِيزُهُ الْقَاضِي ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى إنَّهُ لَمْ يَجُزْ ، وَيَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي لَوْ فَعَلَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَقْفِ شِرَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ عِمَارَةُ الْوَقْفِ ، وَزِيَادَةٌ لِغَلَّتِهِ ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ الْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ آخَرُ لَا مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ .
أَلَا يَرَى أَنَّ غَلَّتَهُ تُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ نَفْسِهِ ، وَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ .

وَفِي الْقُنْيَةِ اجْتَمَعَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ شَيْءٌ فَقِيلَ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ دَارًا لِلْوَقْفِ وَلَوْ فَعَلَ وَوَقَفَ يَكُونُ وَقْفُهُ ، وَيَضْمَنُ وَقِيلَ : يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ، وَبِهِ أَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَسُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ وَقْفٍ تَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهُ هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ آخَرَ مَكَانَهُ قَالَ : نَعَمْ قِيلَ لَهُ : لَوْ لَمْ يَتَعَطَّلْ ، وَلَكِنْ يُوجَدُ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ لَا يَبِيعُهُ وَقِيلَ : لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْوَقْفِ تَعَطَّلَ أَوْ لَا ، وَكَذَا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ .
قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ أَشَارَ فِي السِّيَرِ إلَى إنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ إلَّا الْقَاضِي إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ .

وَقَفَ عَلَى مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ لَوْ نَصَبُوا مُتَوَلِّيًا بِلَا إذْنِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَمَا أَنْفَقَ هَذَا الْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَ الْوَقْفَ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَلٍّ صَارَ غَاصِبًا فَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْوَقْفِ تُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ كَمَا مَرَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

مَاتَ الْقَيِّمُ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ، وَجَعَلُوا رَجُلًا مُتَوَلِّيَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَأَنْفَقَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بِالْمَعْرُوفِ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ هَذِهِ التَّوْلِيَةِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ نَاظِرًا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ ، وَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعِمَارَةِ فَأَنْفَقَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا كَذَا فِي أَوَاخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ الْخِزَانَةِ .

أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خَمْسٍ ، وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ ، وَيُرْجَعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ مِنْ إجَارَاتِ الْقُنْيَةِ .

رَجُلٌ وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ ضَيْعَةً وَمَاتَ ، وَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الضَّيْعَةَ لَهُ فَأَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يُصَدَّقُ الْوَارِثُ عَلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ ، وَيَضْمَنُ هَذَا الْوَارِثُ لِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى الْعَقَارَ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ .

دَارٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَخَوَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَقَبَضَ الْحَاضِرُ غَلَّتَهَا تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ وَتَرَكَ وَصِيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ ، وَطَلَبَ الْوَصِيُّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْحَاضِرُ الَّذِي قَبَضَ الْغَلَّةَ هُوَ الْقَيِّمُ كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْغَلَّةِ ، وَإِلَّا فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْحَاضِرِ فِي الْحُكْمِ ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِمَا قَبَضَ مِنْ حِصَّةِ الْغَائِبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .

لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ لَا يُوَرَّثُ لِأَنَّ هَذِهِ صِلَةٌ لَمْ تُقْبَضْ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِلْإِمَامِ الثَّانِي ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى عِمَارَةِ أَوْقَافِ الْإِمَامِ .

إذَا كَانَ رُبْعُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَصْرِفَ رُبْعَ الْعِمَارَةِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا إلَى الْفُقَرَاءِ ، وَأَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ مِنْ حِصَّتِهِمْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ .

وَقَفَ عَلَى عَالَمٍ بِعَيْنِهِ لِيَصْرِفَ نِصْفَ غَلَّتِهِ إلَى نَفْسِهِ وَنِصْفَهَا إلَى مَنْ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ فِي دَرْسِهِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ إلَيْهِ أَحَدٌ فِي السَّنَةِ فَصَرَفَ الْكُلَّ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى صَرْفِ نَصِيبِ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَقَالَ هَذِهِ لُقَطَةٌ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ كَرَدِّهِ غَلَّةً إلَى مَسْجِدٍ قَدْ خَرِبَ ، وَفِي الْمَحَلَّةِ مَسْجِدٌ آخَرُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَصْرِفُوهَا إلَيْهِ .

جَمَدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ إذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَضِيعُ وَيَذُوبُ ، وَغَرَضُ الْوَاقِفِ التَّصَرُّفُ بِاسْتِمْتَاعِ النَّاسِ لَا التَّضْيِيعُ جَازَ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَأْخُذُوهُ إلَى بُيُوتِهِمْ .

قَضَى الْقَاضِي بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ إلَّا فِي غَلَّةِ الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ مَا مَضَى قِيلَ : أَلَيْسَ يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ إلَى وَقْتِ الْوَقْفِ فَقَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحُكْمِ ، وَغَلَّاتُ تِلْكَ السِّنِينَ مَعْدُومَةٌ كَالْحُكْمِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَا يَظْهَرُ فِي الْوَطَآتِ الْمَاضِيَةِ ، وَالْمَهْرُ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَظْهَرُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَقَالَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حُكْمِهَا لَا فِيهَا ، وَهُوَ بُطْلَانُ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بَاقٍ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَلَوْ كَانَتْ غَلَّةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَائِمَةً يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ حِصَّتَهُمْ مِنْهَا .

وَفِي وَقْفِ النَّاصِحِيِّ إذَا أَجَرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ وَقَالَ قَبَضْت الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ صَرَفْتهَا عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ .

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قِطْعَةٍ مِنْ الْوَقْفِ لِيَرُمَّ مَا بَقِيَ ، وَلَا بَيْعُ الْبِنَاءِ الْقَدِيمِ فَإِنْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نَفَذَ بَيْعُهُ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْفُذُ ، وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ بِالضَّمَانِ ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .

رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ الضَّيْعَةَ لَهُ فَأَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ الْوَقْفُ ، وَيَضْمَنُونَ لَهُ قِيمَةَ الضَّيْعَةِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِإِتْلَافِ الْعَقَارِ ، وَالْعَقَارُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ إنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي أَخْذَ الضَّيْعَةِ ، وَإِنَّ أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهَا فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ .

لَوْ زَرَعَ الْوَاقِفُ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ بِبَذْرِ نَفْسِهِ وَقَالَ زَرَعْتهَا لِنَفْسِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَالزَّرْعُ لَهُ وَلَوْ سَأَلَ أَهْلُ الْوَقْفِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ يَدِهِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي يُخْرِجُهَا مِنْ يَدِهِ ، وَمَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَهَذَا الْفَرْقُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخْرِجُ الْأَرْضَ مِنْ يَدِ الْوَاقِفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرَطَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي .

وَلَا بَأْسَ بِبِنَاءِ الْمَنَارَةِ مِنْ غَلَّةِ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمَسْجِدِ أَوْ يَكُونُ الْأَذَانُ عَلَيْهَا أَسْمَعَ لِلْقَوْمِ مَرَّ .

وَيَجُوزُ شِرَاءُ الدُّهْنِ وَالْحُصْرِ وَالْحَشِيشِ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانُوا يَشْتَرُونَ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَيَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ سِرَاجَ الْمَسْجِدِ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْغُرُوبِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ، وَيَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِهِ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ كَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَالْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ بِأَجْرٍ بِدُونِ شَرْطِ الْوَاقِفِ ، مِنْ الْوَجِيزِ .

لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْوَقْفِ مُتَّصِلَةً بِبُيُوتِ الْمِصْرِ يَرْغَبُ النَّاسُ فِي اسْتِئْجَارِ بُيُوتِهَا ، وَتَكُونُ غَلَّةُ ذَلِكَ فَوْقَ غَلَّةِ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بُيُوتًا ، وَيُؤَاجِرَهَا إذْ الِاسْتِغْلَالُ بِهَذَا الْوَجْهِ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ .

بَيْعُ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ الْجَمَاعَةِ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي يَجُوزُ ، وَقَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ : الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ : الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي لِغَلَبَةِ الطَّمَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ .

لَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَيِّمُ أَجِيرًا بِدِرْهَمٍ وَدَانِقٍ ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ ، وَالْإِجَارَةُ وَقَعَتْ لَهُ ، مِنْ الْخُلَاصَةِ .

سَكَنَ الدَّارَ سِنِينَ يَزْعُمُ الْمِلْكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لِلْوَقْفِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا مَضَى .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9