كتاب :تحفة الفقهاء
المؤلف : علاء الدين السمرقندي




كتاب الطهارة
اعلم أن الطهارة شرط جواز الصلاة
وهي نوعان حقيقية وحكمية
أما الحقيقية فهي الطهارة عن النجاسة حقيقة وهي أنواع ثلاثة طهارة البدن وطهارة المكان وطهارة الثياب
وأما الحكمية فهي الطهارة عن النجاسة حكما وهي نوعان الوضوء والغسل
عرفنا فرضية الطهارة بأنواعها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
أما الكتاب فقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } وقوله تعالى { عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار } وقوله تعالى { أن طهرا بيتي للطائفين } وقوله { وثيابك فطهر }
وأما السنة فما روي عن النبي عليه السلام أنه قال مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
وقال عليهالسلام إن تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة
وعليه إجماع الأمة
فنبدأ بالوضوء فنقول إنه يشتمل على الغسل والمسح فالغسل هو تسييل الماء على العضو والمسح هو إيصال الماء إليه والإمرار عليه لا غير حتى لا يجوز الوضوء والغسل بدون التسييل في الغسل على جواب ظاهر الروايات إلا رواية عن أبي يوسف فإنه قال لو مسح عضوه ببلة دون التسييل جاز
ثم للوضوء أركان وشروط وسنن وآداب
أما الأركان فأربعة أحدها غسل الوجه مرة واحدة قوله تعالى { قرن مكناهم }
وحد الوجه قصاص الشعر إلى حدة الذقن وإلى شحمتي الأذن وهو حد صحيح فإن الوجه في اللغة اسم لما يواجه الناظر إليه في العادة
فإن كان قبل نبات الشعر يجب غسل جميعه
وإذا نبت الشعر لا يجب غسل ما تحته عند عامة العلماء
وقال بعضهم يجب غسل ما تحت الشعرة وإيصال الماء إلى أصول الشعر وقال الشافعي إن كانت اللحية خفيفة يجب غسل ما تحتها وإن كانت كثيفة لا يجب
وعلى هذا الاختلاف إيصال الماء إلى الشواربوالحاجبين ثم يجب غسل ظاهر الشعر الذي يوازي الذقن والخدين في أصح الروايات لأنه قائم مقام البشرة
والشعر المسترسل من الذقن لا يجب غسله عندنا خلافا للشافعي لأنه ليس بوجه ولا قائم مقامه
والفرجة التي بين العذار والأذن يجب غسلها عند أبي حنيفة و محمد خلافا لأبي يوسف لأنها من جملة حد الوجه وليس عليها شعرة
والثاني غسل اليدين مع المرفقين مرة واحدة عندنا لقوله تعالى { وأيديكم إلى المرافق }
وقال زفر لا يجب غسل المرفقين
والصحيح قولنا لأن المرفق عضو مركب من الساعد والعضد وغسل الساعد واجب وغسل العضد غير واجب ولا يمكن التمييز بينهما فيجب غسل الكل احتياطا
والثالث مسح الرأس مرة واحدة لقوله تعالى { وامسحوا برؤوسكم } )
واختلف العلماء في مقدار المفروض منه فعن أصحابنا فيه ثلاث روايات في ظاهر الرواية مقدر بثلاثة أصابع اليد مطلقا
و الطحاوي مقدار الناصية
وقال مالك ما لم يمسح جميع الرأس أو أكثره لا يجوز
وقال الشافعي إذا مسح مقدار ما يسمى مسحا جاز
والصحيح جواب ظاهر الرواية لقوله تعالى { لم نمكن } والمسح يكون بالآلةوفي اختلاف زفرو يعقوب مقدر بربع الرأس وهو قول زفر وذكر الكرخي وآلة المسح هي أصابع اليد في العادة فيكون المسح في الغالب بأثرها وهو الثلاث فيصير تقدير الآية وامسحوا بثلاث أصابع أيديكم برؤوسكم
ثم على قياس ظاهر الرواية إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز وهكذا روي عن محمد في النوادر وعلى قياس رواية الربع والناصية لا يجوز لأنه أقل من ذلك
ولو مسح بأصبع أو بأصبعين صغيرتين ومدهما حتى بلغ مقدار الفرض لم يجز عندنا خلافا لزفر لأن الماء يصير مستعملا بالوضع والمسح بالماء المستعمل لا يجوز
ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات بماء جديد جاز لأنه بمنزلة ثلاث أصابع
ولو مسح بإصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها جاز
وقال بعض مشايخنا لا يجوز
والصحيح أنه يجوز كما لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف وهكذا روى زفر عن أبي حنيفة
والرابع غسل الرجلين مرة واحدة لقوله تعالى { وأرجلكم إلى الكعبين }
وهذا فرض عند عامة العلماء وقال بعض الناس الفرض هو المسح لا غير
وعن الحسن البصري أنه قال يخير بين الغسل والمسح
وقال بعضهم إنه يجمع بينهما
والصحيح قول عامة العلماء لأن العلماء أجمعوا على وجوب غسل الرجلين بعد وجود الاختلاف فيه في السلف والإجماع المتأخر يرفع الاختلاف المتقدم
ثم يجب غسل الكعبين مع الرجلين عندنا خلافا لزفر كما في المرفقين
والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق عليه عرف الناس وهكذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في تسوية الصفوف ألصقوا الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب
وأما شرائط الوضوء فنذكرها في مواضعها إن شاء الله
وأما سنن الوضوء فأحد وعشرون فعلا وهي أنواع ثلاثة نوع يكون قبل الوضوء ونوع يكون عند ابتدائه ونوع يكون في خلاله
أما الذي يكون قبل الوضوء فواحد وهو الاستنجاء بالأحجار والأمدار وما يقوم مقامها
فأما الذي يكون عند ابتداء الوضوء فأربعة أحدها النية وعند الشافعي فرض
وفي التيمم فرض بالإجماع
والثاني التسمية وعند بعضهم فرض وهم أصحاب الشافعي
والثالث غسل اليدين إلى الرسغين لإدخالهما في الإناء احترازا عن توهم النجاسة
والرابع الاستنجاء بالماء وهو كان أدبا في عصر النبي عليه السلام فصار سنة بعد عصره بإجماع الصحابة كالتراويح
فأما الذي يكون في خلاله فستة عشر أحدهما المضمضة
والثاني الاستنشاق وهذا قول عامة العلماء وعند بعضهم هما واجبان
والثالث الترتيب في المضمضة والاستنشاق وهو أن يمضمض أولا ثلاثا ثم يستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحد منهما ماء جديدا في كل مرة
وقال الشافعي السنة أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بماء واحد ثلاث مرات فيأخذ الماء بكفه فيمضمض ببعضه ويستنشق ببعضه ثم هكذا في المرة الثانية والثالثة
والرابع أن يمضمض ويستنشق باليمين
وقال بعضهم يمضمض بيمينه ويستنشق بيساره لأن اليسار للأقذار
والخامس المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا في حالة الصوم
لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال للقيط بن صبرة بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما فارفق
والسادس أن يستاك في حال المضمضة تكميلا للإنقاء على ما قال عليه السلام السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب
فإن لم يجد فيعالج فمه بالإصبع والسواك أفضل
والسابع الترتيب في الوضوء
وقال الشافعي إنه فرض
والثامن الموالاة في الوضوء وهو أن لا يشتغل بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه
وقال مالك إنه فرض
والتاسع أن يغسل أعضاء الوضوء ثلاثا ثلاثا على ما روي عن النبي عليه السلام أنه توضأ مرة مرة فقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضعف الله له الأجر مرتين ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء أمتي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليلي إبراهيم فمن زاد على ذلك أو نقص فقد تعدى وظلم معناه من زاد على الثلاث أو نقص ولم ير الثلاث سنة
والعاشر البداءة بالميامن وهي سنة في الوضوء وغيره من الأعمال لما روي عن النبي عليه السلام أنه كان يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل
والحادي عشر البداءة من رؤوس الأصابع في غسل اليدين والرجلين
والثاني عشر تخليل الأصابع في اليدين والرجلين بعد إيصال الماء إلى ما بين الأصابع
والتخليل للمبالغة سنة فأما إيصال الماء إلى ما بينالأصابع ففرض
والثالث عشر الاستيعاب في مسح الرأس وهو سنة وهو أن يمسح كله
وعند مالك فرض على ما مر
والرابع عشر هو البداءة في المسح من مقدم الرأس كيفما فعل وقال الحسن البصري السنة أن يبدأ من الهامة فيضع يده عليها ويمدها إلى مقدم رأسه ثم يعيدها إلى القفا
والخامس عشر أن يمسح مرة واحدة والتثليث مكروه
وقال الشافعي السنة هو التثليث
والسادس عشر أن يمسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء الرأس لا بماء جديد
وقال الشافعي يمسح بماء جديد لا بماء الرأس
وأما تخليل اللحية فهو من الآداب عند أبي حنيفة و محمد وعند أبي يوسف سنة كذا ذكر محمد في كتاب الآثار
واختلف المشايخ في مسح الرقبة قال أبو بكر الأعمش إنه سنة
وقال أبو بكر الإسكاف إنه أدب
وأما آداب الوضوء فكثيرة والفرق بين السنة والأدب أن السنة ما واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركها إلا مرة أو مرتين لمعنى من المعاني والأدب ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه
وذلك نحو إدخال الإصبع المبلولة في صماخ الأذنين وكيفية مسح الرأس وكيفية إدخال اليد في الماء والإناء والدلك في غسل أعضاء الوضوء والغسل أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
عند كل فعل من أفعال الوضوء والدعوات المأثورة عند غسل كل عضو في الغسل والوضوء ونحو ذلك مما ورد في الأحاديث أنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء ولم يواظب عليه
باب الحدث
الحدث نوعان حقيقي وحكمي
أما الحقيقي فهو خروج النجس من الأدمي الحي كيفما كان من السبيلين أو من غيرهما معتادا كان أو غير معتاد قليلا كان أو كثيرا وهذا عند أصحابنا الثلاثة
وقال زفر هو ظهور النجس من الأدمي الحي
وقال مالك في قول هو خروج النجس المعتاد من السبيل المعتاد حتى قال إن دم الاستحاضة ليس بحدث لأنه عارض غير معتاد
وقال في قول وهو قول الشافعي هو خروج الشيء من السبيلين لا غير كيفما كان
والصحيح قولنا لما روي عن أبي إمامة الباهلي أنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرفت له غرفة فأكل فجاء المؤذن فقلت الوضوء يا رسول الله فقال إنما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل
وخروج الطاهر كالبزاق وغيره ليس بحدث بالإجماع فتعين خروج النجس
إذا ثبت هذا فلا يخلو إما أن يكون الخروج من السبيلين أو غير السبيلين
فإن كان من السبيلين فهو حدث إذا ظهر على رأسهما قل أو كثر انتقل وسال عنه أم لا لأنه وجد خروج النجس من الآدمي وهو انتقال النجس من الباطن إلى الظاهر
وذلك مثل البول والغائط والدم والمني والودي والمذي
وكذلك كل ما خرج من الأشياء الطاهرة في أنفسها كاللحم والدودة والولد والمحقنة ونحوها لأنه لا يخلو عن أجزاء النجاسة
وأما الريح فإن خرجت من الدبر ينقض الوضوء بالإجماع
وإن خرجت من قبل المرأة أو الرجل قال بعضهم إن كانت منتنة ينقض الوضوء وإلا فلا
وروي عن محمد أنه ينقض ولم يعتبر النتن
وكذا ذكر الكرخي في مختصره
وروى القدوري عنه أن خروج الريح من قبل الرجل لا يتصور وإنما هو اختلاج يظنه ريحا ولكنها قد تخرج من قبل المرأة فإن خرجت يستحب لها الوضوء ولا يجب
وقال بعضهم إن كانت مفضاة يجب الوضوء وإن كانت غير مفضاة لا يجب الوضوء
وأما إذا كان الخروج من غير السبيلين فإن كان الخارج طاهرا مثل الدمع والريق والمخاط والعرق واللبن ونحوها لا ينقض الوضوء بالإجماع وإن كان نجسا ينقض الوضوء
ولكن إنما يعرف الخروج ههنا بالسيلان والانتقال عند رأس الجرح والقرح إن سال إلى موضع يجب تطهيره أو يسن تطهيره يكون حدثا وإلا فلا لأن البدن محل الدم والرطوبات ولكن لم يظهر لقيام الجلدة عليه فإذا انشقت الجلدة ظهر في محله
فما لم يسل عن رأس الجرح لايصير خارجا
وذلك مثل دم الجرح والقيح والصديد من القرح والماء الصافي الذي خرج من البثرة
وهذا عندنا وعلى قول زفر يكون حدثا سال أو لم يسل لأن الحدث عنده ظهور النجاسة من الأدمي وقد ظهرت
وعلى هذا القيء إن كان ملء الفم ينقض الوضوء وإن لم يكن ملء الفم لا ينقض الوضوء
ولا فرق بين أن يكون القيء طعاما أو ماء صافيا أو مرة صفراء أو سوداء أو غيرها لأن الفم له حكم الظاهر فإنه يجب غسله في الغسل ولا ينتقض الصوم بالمضمضة فإذا وصل القيء إليه فقد وجد انتقال النجس من الجوف إلى الظاهر فتحقق الخروج فيكون حدثا إلا أن القليل لم يجعل حدثا باعتبار الجرح إذ الإنسان لا يخلو عن قليل القيء بسبب السعال وغيره
ولم يذكر تفسير ملء الفم في ظاهر الرواية
وروي عن الحسن بن زياد أنه قال إن عجز عن إمساكه يكون ملء الفم وإلا فلا
وعن أبي علي الدقاق أنه قال إن منعه عن الكلام يكون ملء الفم وإلا فلا
وأما إذا قاء بلغما فإن نزل من الرأس لا يكون حدثا لأنه لا نجاسة في جوف الرأس وإن خرج من البطن فإن كان صافيا ليس معه شيء من الطعاموغيره فعلى قول أبي حنيفة و محمد رضي الله عنهما لا يكون حدثا وإن كان ملء الفم
وعلى قول أبي يوسف يكون حدثا إن كان ملء الفم
وإن كان مخلوطا بشيء من الطعام وغيره فالأصح أن يكون حدثا بالإجماع
والصحيح قولهما لأنه طاهر في نفسه كالمخاط إلا إذا كان مخلوطا بشيء من الطعام فيظهر أنه خرج من الجوف فينجس بمجاورة النجس
وإما إذا قاء دما فلمن يذكر في ظاهر الرواية صريحا
وروى المعلى عن أبي حنيفة و أبي يوسف أنه ينقض الوضوء قل أو كثر جامدا كان أو مائعا
وروى الحسن عنهما أنه إن كان جامدا لا ينقض ما لم يكن ملء الفم وإن كان مائعا ينقض الوضوء
وإن كان يسيرا
وقال محمد إن حكمه حكم القيء وهو الأصح ويجب أن يكون هذا قول جميع أصحابنا إنه ذكر في الجامع الصغير إشارة إليه فإنه قال إذا قلس أقل من ملء فيه لم ينقض الوضوء ولم يفصل بين الدم وغيره
هذا الذي ذكرنا في حق الأصحاء
فأما في حق صاحب العذر كالمستحاضة وصاحب الجرح السائل ونحوهما فخروج النجس منالأدمي لا يكون حدثا ما دام وقت الصلاة قائما وحتى إنه إذا توضأ في أول الوقت له أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يخرج الوقت وإن دام السيلان وهذا عندنا
وقال مالك له أن يتوضأ لكل صلاة فرضا كان أو نفلا
وقال الشافعي يتوضأ لكل فرض وله أن يصلي من النوافل ما شاء
والصحيح قولنا لقوله عليه السلام المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة
ثم طهارتها تنتقض بخروج الوقت لا غير عند أبي حنيفة و محمد وعند زفر بدخول الوقت لا غير وعند أبي يوسف بأيهما كان
وفائدة الخلاف تظهر في موضعين أحدهما أن يوجد خروج الوقت بدون الدخول كما إذا توضأت في وقت الفجر ثم طلعت الشمس تنتقض طهارتها عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا تنتقض
والثاني أن يوجد الدخول بدون الخروج كما إذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس لا تنتقض طهارتها على قول أبي حنيفة و محمد وعلى قول أبي يوسف و زفر تنتقض
ف زفر يعتبر دخول الوقت وقد دخل فينتقض وهما يعتبران الخروج ولم يخرج فلا تنتقض طهارتها
فأما في غير هذين الموضعين فكما يخرج الوقت يدخل وقت آخر فينتقض الوضوء بالإجماع على اختلاف الأصول
لكن هذا شيء ذكره مشايخنا للحفظ ومدار الخلاف على فقه ظاهر يعرف في المبسوط إن شاء الله تعالى
وأما الحدث الحكمي نوعان أحدهما ما يكون دالا على وجود الحدث الحقيقي غالبا فأقيم مقامه شرعا احتياطا للعبادة
وهو أنواع منها المباشرة الفاحشة وهو أن يباشر الرجل امرأته لشهوة وقد انتشر لها وليس بينهما ثوب ولم ير بللا
فعند أبي حنيفة و أبي يوسف يكون حدثا
ولم يشترط في ظاهر الرواية مماسة الفرجين عندهما وشرط ذلك في النوادر
وعند محمد ليس بحدث
والصحيح قولهما لأن المباشرة على هذا الوجه سبب لخروج المذي غالبا
فأما مجرد مس المرأة لشهوة أو غير شهوة أو مس ذكره أو ذكر غيره فليس بحدث عند عامة العلماء ما لم يخرج منه شيء خلافا لمالك و الشافعي لأنه ليس بسبب للخروج غالبا
ومن هذا النوع الإغماء والجنون والسكر الذي يستر العقل لأنه سبب يدل على الحدث غالبا
ومن هذا النوع أيضا النوم مضطجعا أو متوركا بأن نام على إحدى وركيه فهو حدث على كل حال لأنه سبب لخروج الريح غالبا
فأما النوم في غير هاتين الحالتين فينظر إن كان في حال الصلاة لا يكون حدثا كيفما كان في جواب ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف إن نام معتمدا فحدث وإن غلب عليه النومفليس بحدث
وقال الشافعي يكون حدثا إلا إذا كان قاعدا مستقرا على الأرض فله فيه قولان
والصحيح قولنا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا نام العبد في سجوده يباهي الله تعالى به ملائكته فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ولم يفصل بين حال وحال
وإن كان خارج الصلاة فإن كان قاعدا مستقرا على الأرض غير مستند إلى شيء لا يكون حدثا لأنه ليس بسبب للخروج غالبا وإن كان قائما أو على هيئة الركوع والسجود غير مستند إلى شيء فقد اختلف المشايخ فيه والأصح أنه ليس بحدث كما في حال الصلاة
فأما إذا نام مستندا إلى جدار أو متكئا على يديه فقد ذكر الطحاوي أنه إن كان بحال لو زال السند لسقط يكون حدثا وإلا فلا وبه أخذ كثير من مشايخنا
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال إن لم يكن مستقرا على الأرض يكون حدثا وإن كان مستقرا على الأرض لا يكون حدثا وبه أخذ عامة مشايخنا وهو الأصح
ومن نام قائما أو قاعدا مستقرا على الأرض فسقط روي عن أصحابنا في روايات مختلفة أنه إن انتبه قبل السقوط على الأرض أو في حال السقوط أو سقط على الأرض وهو نائم فانتبه من ساعته لا يكون حدثا وإن استقر نائما على الأرض بعد الوقوع وإن قل يكون حدثا لأنه وجد النوم مضطجعا
وقال بعض مشايخنا إذا زال مقعده عن الأرض ينتقض وضوؤه والصحيح هو الأول
فأما النوع الثاني من الحدث الحكمي فهو ما يكون حدثا بنفسه شرعا من غير أن يكون دالا على الحدث الحقيقي
وهو القهقهة في صلاة مطلقة لها ركوع وسجود حتى تنتقض طهارته
وإذا قهقه في صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة لا تنتقض طهارته وإذا قهقه خارج الصلاة لا تنتقض
ولو تبسم لا تنتقض أصلا
ثم عند أصحابنا الثلاثة لا فرق بين وجودها في حال أداء الركن كما في وسط الصلاة أو في حال قيام التحريمة دون حال أداء الركن كما إذا قهقه بعدها قعد قدر التشهد الأخير أو في سجدتي السهو أو بعدما سبقه الحدث في الصلاة فذهب للوضوء وتوضأ ثم قهقه قبل أن يبني حتى تنتقض طهارته
وعلى قولزفر لا تنتقض ما لم يوجد في حال أداء الركن
وأما فسد الصلاة بها فإن وجدت قبل الفراغ من الأركان تفسد وإن وجدت بعد الفراغ من الأركان لا تفسد ويخرج من الصلاة لأنها كلام بمنزلة السلام
وهذا كله مذهبنا وهو جواب الاستحسان
والقياس أن لا يكون حدثا لأنها ليست بحدث حقيقة ولا بسبب دال عليه وبه أخذ الشافعي
ولكنا جعلناها حدثا شرعا لورود الحديث فيها وهو ما روي عن النبي عليه السلام أنه كان يصلي بالناس في المسجد فدخل أعرابي فيبصره سوء فوقع في بئر عليها خصفة فضحك بعض الناس فلما فرغ النبي عليه السلام من صلاته قال ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعاوالحديث ورد في حال صلاة مستتمة الأركان فبقي حال خارجا لصلاة وما ليس بصلاة مطلقة على أصل القياس
ثم تغميض الميت وغسله وحمل الجنازة والكلام الفاحش وأكل ما مسته النار لا ينقض الوضوء عند عامة العلماء لأنه لم يوجد الحدث حقيقة ولا حكما
وقال بعض الناس بأن هذه الأشياء أحداث شرعا ولورود الأحاديث فيها فصارت نظير القهقهة عندكم وهو ما روي عنه عليه السلام أنه قال توضؤوا مما مسته النار
وروي عنه عليه السلام من غمض ميتا أو حمل جنازة فليغتسل وروي من غسل ميتا فليغتسل
ولكنا نقول هذه أخبار آحاد وردت فيما عم به البلوى فلا تقبل بخلاف خبر القهقهة فإنه ورد فيما لا يعم به البلوى فيقلب
الجنابة والغسل الكلام ههنا في خمسة مواضع في بيان ما يتعلق به وجوب الغسل
وفي أنواع الغسل المشروع
وفي تفسير الغسل
وفي مقدار الماء الذي يغتسل به
وفي أحكام الحدث
أما الأول فنقول وجوب الغسل يتعلق بأحد معان ثلاثة الجنابة والحيض والنفاس
أما الجنابة فإنها تثبت بسببين أحدهما خروج المني عن شهوة دفقا وإن كان من غير إيلاج بأي طريق وسبب حصول الخروج نحو اللمس والنظر والاحتلام وغيرها فعليه الغسل بالإجماع إذا كان من أهل وجوب الصلاة عليه فإما إذا لم يكن من أهل وجوب الصلاة عليه كالحائض والمجنون والكافر والصبي فإنه لا غسل عليهم لأن الغسل يجب لأجل الصلاة ولا صلاة عليهم
أما إذا خرج المني لا عن شهوة وقد انفصل لا عن شهوة مثل أن يضرب على ظهر رجل أو حمل حملا ثقيلا أو به سلس البول فيخرج المني من غير شهوة فلا غسل فيه عندنا
وقال الشافعي يجب
فأما إذا انفصل عن شهوة وخرج لا عن شهوة فعلى قول أبي حنيفة و محمد يجب الغسل وعلى قول أبي يوسف لا يجب
وفائدة الخلاف تظهر في ثلاث مسائل أحدها إذا احتلم فانتبه وقبض على عورته حتى سكنت شهوته ثم خرج منه المني بعد ذلك بلا شهوة
والثانية إذا اغتسل الرجل من الجنابة ثم خرج منه شيء من المني أو على صورة المذي قبل النوم أو البول
والثالثة إذا وجد الرجل على فراشه بللا منيا أو على صورةالمذي ولم يتذكر الاحتلام هكذا ذكر ابن رستم الخلاف في هذه المسائل الثلاث في نوادره
فأبو يوسف أخذ بالقياس وأبو حنيفة ومحمد أخذا بالاستحسان احتياطا في باب العبادة
ثم المني هو الماء الأبيض الغليظ الذي ينكسر به الذكر وتنقطع به الشهوة
والمذي هو الماء الأبيض الرقيق الذي يخرج عند الملاعبة
والودي هو الماء الأبيض الذي يخرج بعد البول
وأما السبب الثاني فهو إيلاج الفرج في أحد سبيلي الإنسان وإن لم يوجد الإنزال حتى يجب الغسل على الفاعل والمفعول به جميعا
فأما الإيلاج في البهائم فلا يوجب الغسل ما لم ينزل
وكذا الاحتلام لا يوجب الغسل ما لم ينزل
وهذا قول عامة العلماء
وقال بعضهم لا يجب الغسل بدون الإنزال في جميع الأحوال لقوله عليه السلام الماء من الماء
إلا أنا نقول هذا غريب وما رويناه مشهور والأخذ بما رويناه أولى وهو قوله عليه السلام إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل
وأما حكم الحيض والنفاس فنذكره في بابهما إن شاء الله تعالى
وأما أنواع الغسل المشروع فتسعةثلاثة منهما فريضة وهي الغسل من الجنابة والحيض والنفاس
وواحد منهما واجب وهو غسل الموتى
وأربعة منها سنة وهي غسل يوم الجمعة ويوم عرفة والعيدين وعند الإحرام
وواحد منها يستحب وهو الغسل عند الإسلام وغسل المجنون والصبي عند البلوغ والإقامة لأن هؤلاء غير مخاطبين بالشرائع وإن وجد في حقهم الجنابة والحيض والنفاس
ثم غسل يوم الجمعة لأجل صلاة الجمعة عند أبي يوسف وعن الحسن بن زياد لأجل اليوم
وفائدة الاختلاف أن من اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث وتوضأ وصلى الجمعة لا يكون مدركا لفضيلة الغسل عند أبي يوسف وعند الحسن يصير مدركا
وكذا إذا صلى بالوضوء ثم اغتسل فهو على هذا الخلاف
ومن اغتسل من الجنابة يوم الجمعة وصلى به الجمعة قالوا ينال فضيلة غسل يوم الجمعة على اختلاف الأصلين لأنه وجد الاغتسال في يوم الجمعة والصلاة به
وأما تفسير الغسل فنقول للغسل ركن واحد وشرائط وسنن وآداب
أما الركن فهو تسييل الماء على جميع ما يمكن غسله
من بدنه مرة واحدة حتى لو ترك شيئا يسيرا لم يصبه الماء لم يخرج من الجنابة وكذا في الوضوء لقوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا }أي فطهروا أبدانكم
والبدن اسم للظاهر والباطن فيجب عليه تطهيره بقدر الممكن وإنما سقط غسل الباطن لأجل الحرج فلا يسقط ما لا حرج فيه
ولهذا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل لأنه يمكن إيصال الماء إلى داخل الأنف والفم بلا حرج ولا يجبان في الوضوء لأن الواجب ثم غسل الوجه وداخل الفم والأنف ليس بوجه لأنه لا يواجه الناظر إليه بكل حال
ولهذا يجب إيصال الماء في الغسل إلى أصول الشعر وإلى أثناء الشعر أيضا إلا إذا كان ضفيرة فلا يجب الإيصال إلى أثنائه لأن في نقضه حرجا
ولهذا يجب إيصال الماء إلى أثناء اللحية كما يجب إيصال الماء إلى أصولها لأنه لا حرج فيه
ويجب إيصال الماء إلى داخل السرة وينبغي أن يدخل إصبعه فيها للمبالغة
ويجب على المرأة غسل الفرج الخارج في الغسل لأنه يمكن غسله
وأما شروطه فنذكرها في موضعها
وأما السنن فما ذكره محمدرحمه الله في كتاب الصلاة وهو أن يبدأ فيغسل يديه إلى الرسغين ثلاثا ثم يفرغ الماء بيمينه على شماله فيغسل فرجه حتى ينقيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثلاثا ثلاثا إلا أنه لا يغسل رجليه ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل قدميه
هكذا روت ميمونة زوج النبي عليه السلام أنه اغتسل هكذا ثم إنما يؤخر غسل القدمين إذا اغتسل في موضوع تجتمع فيه الغسالة تحتالقدمين فأما إذا لم تجتمع بأن اغتسل على حجر ونحوه فلا يؤخر لأنه لا فائدة في تأخيره
وقالوا في غسل الميت إنه يغسل رجليه عند التوضئة ولا يؤخر لأن الماء المستعمل لا يجتمع على التخت
وأما مقدار الماء الذي يغتسل بهويتوضأ به ذكر في ظاهر الرواية وقال أدنى ما يكفي من الماء في الغسل صاع وفي الوضوء مد ولم يفسر
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال في الاغتسال كفاه صاع وفي الوضوء إن كان الرجل متخففا ولا يستنجي كفاه رطل لغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والخفين وإن كان يستنجي وهو متخفف كفاه رطلان رطل للاستنجاء ورطل للباقي وإن لم يكن متخففا ويستنجي كفاه ثلاثة أرطال رطل للاستنجاء ورطل للقدمين ورطل للباقي
وقال بعض مشايخنا في الاغتسال صاع واحد إذا ترك الوضوء فأما إذا جمع بين الوضوء والغسل فإنه يحتاج إلى عشرة أرطال رطلان للوضوء وثمانية أرطال للغسل
وعامة مشايخنا قالوا إن الصاع كاف للوضوء والغسل جميعا وهو الأصح
ولكن مشايخنا قالوا ما ذكر محمد رحمة الله عليه في بيان مقدار أدنى الكفاية ليس بتقدير لازم لا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان عنه بل إن كفى رجلا أقل من ذلك ينقص عنه وإن لم يكفه يزيد عليه بقدر ما لا إسراف فيه ولا تقتير
وأما بيان أحكام الحدث فنقول ههنا خمسة أشخاص المحدث والجنب والحائض والنفساء والمستحاضة
أما المحدث فحكمه وحكم الطاهر سواء غير أنه لا يجوز له أداء الصلاة إلا بالوضوء
ولا يباح له مس المصحف إلا بغلافه وكذا مس الدرهم التي كتب عليها القرآن ومس كتاب تفسير القرآن
أما مس كتاب الفقه فلا بأس به لكن المستحب له أن لا يفعل
وكذا لا يطوف بالبيت وإن طاف جاز النقصان لأنه شبيه بالصلاة وليس بصلاة على الحقيقة
ويباح له دخول المسجد وقراءة القرآن وأداء الصوم
ويجب عليه الصلاة والصوم حتى يجب عليه القضاء بالترك
وكذا سائر الأحكام
واختلف المشايخ في تفسير الغلاف قال بعضهم هو الجلد الذي عليه
وقال بعضهم هو الكم
وقال بعضهم هو الخريطة
وهو الصحيح لأن الجلد تبع للمصحف والكم تبع للحامل فأما الخريطة فليست بتبع ولهذا لو بيع المصحف لا تدخل الخريطة في البيع من غير شرط
وقال بعض مشايخنا المعتبر حقيقة هو المكتوب حتى إن مسهمكروه فأما مس الجلد ومس موضع البياض منه لا يكره لأنه لم يمس القرآن
وهذا أقرب إلى القياس والأول أقرب إلى التعظيم
وأما الجنب فلا يباح له مس المصحف بدون غلافه
ولا يباح له أيضا قراءة القرآن عند عامة العلماء خلافا ل مالك وذكر الطحاوي أن الجنب لا يقرأ الآية التامة فأما ما دون الآية فلا بأس به
وعامة مشايخنا قالوا إن الآية التامة وما دونها سواء في حق الكراهة تعظيما للقرآن
ولكن إذا قرأ القرآن على قصد الدعاء لا على قصد القرآن فلا بأس به بأن قال بسم الله الرحمن الرحيم عند افتتاح الأعمال أو قال الحمد لله رب العالمين
لقصد الشكر لأنه غير ممنوع عن الدعاء والذكر لله تعالى
ويصح منه أداء الصوم دون الصلاة
ويجب عليه كلاهما حتى يجب عليه قضاؤهما بالترك
ولا يباح له دخول المسجد وإن احتاج يتيمم ويدخل
ولا يطوف بالبيت أيضا لكن متى طاف يصح مع النقصان كما في المحدث إلا أن النقصان مع الجنابة أفحش
وأما الحائض والنفساء فحكمهما مثل حكم الجنب إلا إنه لا يجب عليهما الصلاة
حتى لا يجب القضاء عليهما بعد الطهارة ولا يباح لزوجهما قربانهما ويباح للزوج قربان المرأة التي أجنبت
وأما المستحاضة فحكمهما حكم الطاهرات إلا أنها تتوضأ لوقت كل صلاة على ما ذكرنا
باب الحيض
الكلام في هذا الباب في تفسير الحيض والنفاس والاستحاضة فنقول الحيض في الشرع هو الدم الخارج من الرحم الممتد إلى وقت معلوم واختلف في الوقت
قال علماؤنا أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام ولياليها
وروي عن أبي يوسف أقل الحيض يومان وأكثر اليوم الثالث
وقال الشافعي أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما
والصحيح قولنا لما روي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام ولياليها وما زاد فهو استحاضة
وأما النفاس فهو الدم الذي يخرج عقيب الولادة
وأقله غير مقدر
حتى إذا رأت ساعة دما ثم انقطع فإنه ينقضي النفاس وتطهر
وأكثر النفاس أربعون يوما عندنا
وقال الشافعي ستون يوما
وقال مالك سبعون يوما
والصحيح قولنا لما روي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وقت النفاس أربعون يوما إلا أن تطهر قبل ذلك
وأما الاستحاضة فهي ما انتقص من أقل الحيض وما زاد على أكثر الحيض والنفاس لما روينا من حديث أبي أمامة الباهلي
ثم المستحاضة نوعان مبتدأة وصاحبة عادة
أما المبتدأة فهي التي ابتدأت بالدم ورأت أول ما رأت أكثر من عشرة أيام فإن العشرة حيض وما زاد عليها فهو استحاضة
وكذلك في كل شهر
وأما صاحبة العادة إذا استحيضت فعادتها تكون حيضا إذا كانت عشرة
وما زاد عليها يكون استحاضة
وأما إذا زاد الحيض على عادتها وهي أقل من عشرة فما رأت يكون حيضا إلى العشرة لأن الزيادة على الحيض في وقته حيض فإن جاوز عن العشرة فعادتها حيض وما زاد عليها استحاضة
وأصله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها أي أيام حيضها
فأما إذا لم يكن لها عادة معروفة بأن ترى مرة ستا ومرة سبعا فاستحضيت فإن عليها إذا رأت الست أن تغتسل في اليوم السابع وتصوم وتصلي ولا يطؤها زوجها وتنقطع الرجعة
فإذا مضى اليوم السابع فعليها أن تغتسل في اليوم الثامن ثانيا وتقضي الصوم الذي صامت في اليوم السابع دون الصلاة ويحل للزوج أن يطأها لأن الحيض إحدى العادتين فعليها الأخذ بالاحتياط وذلك فيما قلنا
باب التيمم
الكلام في هذا الباب في خسمة مواضع في بيان كيفية التيمم شرعا وفي بيان شروطه وفي بيان ما يتمم به وفي بيان وقته وفي بيان ما ينقضه
أما الأول فنقول قال علماؤنا بأن التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين
وهو أحد قولي الشافعي وفي قوله القديم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين
وهو قول مالك
وقال بعضهم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الإبطين
والصحيح مذهبنا لما روى جابر عن النبي عليه السلام أنه قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين
ثم اختلف مشايخنا في كيفيته قال بعضهم يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ثم يرفعهما وينفضهما حتى يتناثر التراب فيمسح بهما وجهه ثم يضرب مرة أخرى فينفضهما ويمسح بأربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفق ثم يمسح بكفه اليسرى باطن يده اليمنى إلى الرسغ ويمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليد اليسرى كذلك
وقال بعضهم يمسح بضربة وجهه وبضربة أخرى يمسح بطن كفه اليسرى مع الأصابع ظاهر يده اليمنى إلى المرفق ويمسح به باطن ذراعه اليمنى إلى أصل الإبهام ويفعل بيده اليسرى كذلك ولا يتكلف
والقول الأول أحوط لأن فيه احترازا عن استعمال التراب المستعمل بقدر الممكن فإن التراب الذي على اليد يصير مستعملا بالمسح فإنه لو ضرب بيده مرة واحدة ومسح بها الوجه والذراعين فإنه لا يجوز
ثم الاستيعاب في التيمم هل هو مشروط لم يذكر في ظاهر الرواية وذكر ما يدل عليه فإنه قال إن ترك ظاهر كفه لم يجزه وذكر ههنا وقال إذا ترك شيئا من مواضع التيمم لا يجوز قليلا كان أو كثيرا
وروى الحسن بن زياد في المجرد عن أبي حنيفة أنه لو تيمم أكثر الوجه والذراعين والكفين جاز
والأول أصح
وعلى قياس شرط الاستيعاب ينبغي أن يخلل بين أصابعه فيالتيمم وهكذا روي عن محمد
وعلى قياس رواية الحسن لا يخلل
ثم عندنا يمسح المرفق مع الذراعين خلافا ل زفر كما في الوضوء
وأما شروط التيمم فمنها عدم الماء لأنه خلف والخلف لا يشرع مع وجود الأصل قال الله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ثم العدم نوعان أحدهما من حيث الحقيقة والثاني من حيث الحكم والمعنى
أما الأول فهو أن يكون الماء معدوما عنده على الحقيقة بأن كان بعيدا عنه
واختلفت الروايات في مقدار البعد وحاصل ذلك أن بعض المشايخ فصلوا بين المقيم والمسافر فجعلوا حد البعد في حق المقيم ميلا وفي حق المسافر ميلين إذا كان الماء قدامه
وعامتهم سووا بينهما وجعلوا الحد ميلا وهو ثلث فرسخ وهذا هو الأصح
هذا إذا ثبت بعد الماء بطريق التيقن أو بطريق الغالب فأما إذا كان غالب ظنه أن الماء قريب منه أو أخبره رجل عدل بقرب الماء لا يباح له التيمم لأنه ليس بعادم للماء ظاهرا ولكن يجب عليه الطلب وهكذا روي عن محمد
وكذلك إذا كان بقرب من العمران يجب عليه الطلب
هكذا روي حتى لو تيمم قبل الطلب وصلى ثم ظهر الماء لا تجوز صلاته
فأما إذا لم يكن بحضرته أحد يخبره ولا غلب على ظنه قرب الماء فإنه لا يجب عليه الطلب عندنا
وقال الشافعي يجب عليه الطلب عن يمين الطريق ويساره مقدار الغلوة حتى لو تيمم وصلى قبل الطلب ثم ظهر أن الماء قريب منه جازت صلاته عندنا خلافا للشافعي
والصحيح قولنا لأن المفازة مكان عدم الماء غالبا فثبت العدم ظاهرا
وأما العدم من حيث الحكم والمعنى فهو أن يعجز عن استعمال الماء لموانع مع وجوده حقيقة بقرب منه بأن كان على رأس البئر ولم يجد آلة الاستقاء أو كان بينه وبين الماء عدو أو سبع يمنعه أو لصوص يخاف منهم على نفسه الهلاك أو الضرر أو كان معه ماء وهو يخاف على نفسه العطش أو به جراحة أو جدري أو مرض يضره استعمال الماء أو مرض لا يضره استعمال الماء ولكن ليس معه خادم ولا مال يستأجر به أجيرا وليس بحضرته من يوضئه وهو في المفازة فإن كان في المصر لا يجزئه لأن الظاهر أنه يجد من يعينه أو كان مع رفيقه ماء لا يعطيه إياه ولا يبيعه بمثل قيمته أو بغبن يسير أو يخاف على نفسه الهلاك أو زيادة المرض بسبب البرد وهو لا يقدر على تسخين الماء ولا على أجرة الحمام في المفازة والمصر عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند أبي يوسف ومحمد في السفر كذلك وفي المصر لا يجزئه
وكذا إذا خاف فوت صلاة تفوت لا إلى خلف إن اشتغلبالوضوء كصلاة الجنازة والعيدين يباح له التيمم
أما إذا شرع في صلاة العيد متوضئا ثم أحدث فعلى قول أبي حنيفة يبني بالتيمم أيضا وإن كان الماء بقرب منه
وعلى قول أبي يوسف و محمد لا يبني ولكن يذهب ويتوضأ ويتم صلاته
فأما في الجمعة وسجدة التلاوة وسائر الصلوات المفروضة لا يتيمم وإن خاف الفوت عن وقته لأنه يفوت إلى خلف
ومن شروطه النية أيضا حتى لو تيمم ولم ينو أصلا لا يجوز عند عامة العلماء خلافا لزفر
فإن تيمم ونوى استباحة الصلاة أو نوى مطلق الطهارة أجزأه
ويصح به أداء الصلوات كلها ويباح له كل فعل لا صحة له بدون الطهارة من دخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة لأن نية الأعلى تكون نية للأدنى ونية الكل تكون نية لجنس الأجزاء
ولو تيمم لصلاة الجنازة أو لسجدة التلاوة أو لقراءة القرآن جاز له أن يؤدي جميع ما لا صحة له إلا بالطهارة لأن ذلك من جنس أجزاء الصلاة
فأما إذا تيمم لمس المصحف أو لدخول المسجد لا يباح له أن يصلي به الصلاة ولا ما هو من جنس أجزائها لأن ذلك ليس بعبادة مقصودة بنفسها ولا من جنس الصلاة ولا من جنس أجزائها ولا من ضروراتها حتى يكون ذلك نية لها فجعل التراب طهورا في حقها لا غير
ولو تيمم الكافر ونوى الإسلام أو الصلاة أو الطهارة ثمأسلم لم يجز تيممه عند عامة العلماء إلا ما روي عن أبي يوسف أنه يجوز
أما عند الشافعي فلأن التيمم عبادة والكافر ليس بأهل لها
وعندنا التيمم ليس بعبادة كالوضوء لكنه ليس بطهور حقيقة وإنما جعل طهورا باعتبار الحاجة إلى مباشرة فعل لا صحة له بدون الطهارة
والإسلام يصح بدون الطهارة فلا حاجة إلى أن يجعل طهورا في حقه بخلاف الوضوء فإنه يصح من الكافر لأنه طهور حقيقة
ولو تيمم المسلم ثم ارتد ثم أسلم فهو على تيممه عند عامة العلماء
أما عند الشافعي فلأن التيمم وإن كان عبادة ولكن عنده لا تبطل العبادات بالردة
وأما عندنا فلأن الردة لا تبطل وصف الطهورية كما في الوضوء واحتمال الحاجة باق لأنه مجبور على الإسلام
ومن شروطه أيضا أن يكون التراب طاهرا حتى لو تيمم بالتراب النجس لا يجوز
ولهذا لو تيمم بأرض أصابتها النجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها إنه لا يجوز في ظاهر الرواية لأنه لا يخلو عن أجزاء النجاسة
وفي رواية ابن الكاس جاز لاستحالته أرضا
وأما بيان ما يتيمم به فنقول اختلف العلماء فيهقال أبو حنيفة و محمد رضي الله عنهما يجوز بكل ما هو من جنس الأرض
وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بالتراب والرمل خاصة
وروى المعلى عن أبي يوسفرحمه الله أنه لا يجوز إلا التراب وهو قوله الأخير
وبه أخذ الشافعي
والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد لقوله تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا } والصعيد عبارة عن وجه الأرض وذلك قد يكون ترابا ورملا وحجرا أو غير ذلك والحديث المشهور دليل عليه وهو قوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت
ثم الحد الفاصل بين جنس الأرض وغيرها أن كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر والحشيش أو ما ينطبع ويلين كالحديد والصفر وعين الذهب والفضة والزجاج ونحوها فليس من جنس الأرض
ثم اختلف أبو حنيفة ومحمد فيما بينهما فعلى قول أبي حنيفة يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض سواء التزق بيده شيء أو لا
وعند محمد لا يجوز إلا أن يلتزق بيده شيء من أجزائه
إذا ثبت ذا فعلى قول أبي حنيفة يجوز التيمم بالتراب والرمل والحصى والجص والزرنيخ والنورة والطين الأحمر والأخضر والأصفر والأسود والكحل والحجر الأملس والحائط المطين والمجصصوالملح الجبلي دون المائي والسبخة المنعقدة من الأرض دون المائية والمردراسنج المعدني دون المتخذ من شيء آخر
وأما الآجر فقد ذكر ههنا وقال يجوز لأنه طين مستحجر فيكون كالحجر الأصلي وفي رواية لا يجوز
والخزف إن كان من طين خالص يجوز كما في الآجر وإن كان من طين مخلوط بما ليس من جنس الأرض لا يجوز كالزجاج المتخذ من الرمل وشيء آخر ليس من جنس الأرض
وعند محمد في هذه الفصول إن التزق بيده شيء منها بأن كان مدقوقا جاز وإلا فلا
ولو تيمم بالرماد لا يجوز لأنه من أجزاء الخشب ونحوه
وإن تيمم باللآلىء لا يجوز مدقوقة كانت أو لا لأنها ليست من جنس الأرض
ولو تيمم بالياقوت والفيروزج والمرجان والزمرد جاز لأنها أحجار مضيئة
ولو تيمم بأرض ندية على قول أبي حنيفة يجوز التزق بيده شيء أم لا
وعند محمد إن التزق بيده شيء جاز وإلا فلا
وعند أبي يوسف لا يجوز كيفما كان لأن التراب مخلوط بما لايجوز به التيمم وهو الماء
ولو تيمم بالطين الرطب فهو على هذا الاختلاف يجوز على قول أبي حنيفة التزق بيده شيء أو لا وعند محمد إن التصق بيده شيء جاز وإلا فلا
وعند أبي يوسف لا يجوز لأنه مخلوط بما لا يجوز به التيمم وهو الماء
وإن تيمم بالغبار بأن ضرب بيده على ثوب أو على لبد فارتفع غباره أو على الذهب والفضة أو الحبوب فارتفع غبار فيتمم به جاز عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف لأنه من أجزاء الأرض
وأما وقت التيممفنقول اختلف العلماء في وقته إن وقته أول وقت الصلاة أو آخره أو وسطه
ذكر في ظاهر الرواية وقال أحب إلي أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ولم يفصل بين ما إذا كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت أو لم يكن
وروى المعلى عن أبي حنيفة و أبي يوسفأنه إن كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت يؤخر إلى آخر الوقت
وإن لم يكن على طمع من وجود الماء في آخره فإنه يؤخر إلى آخر الوقت المستحب ويصلي في آخره
وتكون هذه الرواية تفسيرا لظاهر الرواية
وقال حماد لا يؤخره إلى آخر الوقت ما لم يتيقن وجود الماء في آخر الوقت
وهو قول الشافعي
وقال مالك يستحب له أن يتيمم في وسط الوقت
والصحيح مذهبنا لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال مثل مذهبنا
ولم يرو عن غيره خلافه فيكون كالإجماع
وإن تيمم في أول الوقت وصلى فإن كان عالما أن الماء يقرب منه بأن كان أقل من ميل لا تجوز صلاته وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته لأن حد البعد هو الميل وإن كان يمكنه أن يذهب ويتوضأ ويصلي في الوقت وتعتبر الجملة
وإن لم يكن عالما بذلك يجوز سواء كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت أو لا بعد الطلب أو قبله عندنا لأن العدم ثابت من حيث الظاهر واحتمال الوجود لا يعارض الثابت ظاهرا
فأما إذا كان على يقين من وجود الماء في آخر الوقت أو من حيث الغالب فإن كان بينه وبين الماء مقدار ما يمكنه أن يذهب ويتوضأ ويصلي في الوقت فإنه ينظر إن كان أقل من ميل لا تجوز صلاته وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته لأن حد البعد هو الميل
وإن أخبر في آخر الوقت أن الماء بقرب منهبأن كان أقل من ميل ولكن لو ذهب إليه وتوضأ تفوته الصلاة عن الوقت فإنه يجب عليه أن يذهب ويتوضأ ويصلي خارج الوقت ولا يجزيه التيمم لأن الصلاة تفوته إلى بدل وهو القضاء
وأما ما يبطل التيمم فنقول كل ما يبطل الوضوء من الحدث الحقيقي والحكمي فإنه يبطله
وأما ما يبطله على الخصوص فهو رؤية الماء
وأصله قوله عليه السلام التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث
ثم إن وجد الماء قبل الشروع في الصلاة يبطل تيممه ويجب عليه الوضوء بالإجماع
وإن وجد بعد الشروع إن كان قبل أن يقعد قدر التشهد من القعدة الأخيرة فإنه تفسد صلاته عندنا
وقال الشافعي لا تفسد
وحجتنا ما روينا من الحديث المشهور من غير فصل بين حالة الصلاة وغيرها
وإن كان بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو بعد ما سلم وعليه سجدتا السهو وعاد إلى الصلاة تبطل صلاته عند أبي حنيفة ويلزمه الاستقبال
وعند أبي يوسف ومحمد يبطل تيممه وصلاته تامة
وهذه المسألة من جملة المسائل الاثني عشرية على ما يعرف في موضعها
وإن وجد بعد الفراغ من الصلاة فإن كان بعد خروج الوقت لا يلزمه الإعادة بالإجماع
وإن وجد في الوقت فكذلك عند عامة العلماء وقال مالك يعيد
والصحيح قولنا لأنه قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل
وأنه إذا رأى سؤر حمار فإن كان خارج الصلاة ينبغي أن يتوضأ به مع التيمم لأنه مشكوك فيه فوجب الجمع بينهما حتى يكون مؤديا للصلاة بيقين إن كان في الصلاة ينبغي أن لا يقطع لأن الشروع قد صح فلا يقطع بالشك ولكن يمضي عليها فإذا فرغ منها يقضي تلك الصلاة بسؤر الحمار حتى يكون مؤديا للصلاة بيقين
وأما إذا وجد نبيذ التمر فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنهينتقض تيممه لأنه بمنزلة الماء عند عدم الماء المطلق
وعلى قول أبي يوسف لا ينتقض لأنه ليس بطهور أصلا
وعند محمد يمضي على صلاته ثم يعيد كما في سؤر الحمار
ثم الأصل عندنا أن التيمم بدل مطلق وليس بضروري يعني به أن الحدث يرتفع عندنا بالتيمم إلى وقت وجود الماء في حق الصلاة المؤداة لا أن تباح له الصلاة مع قيام الحدث للضرورة
وعند الشافعي هو بدل ضروري
وعنى به أن يباح له الصلاة بالتيمم مع قيام الحدث حقيقة وجعل عدما شرعا لضرورة صحة الصلاة بمنزلة طهارة المستحاضة
والصحيح قولنا لما روينا عن النبي عليه السلام أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث
وينبني على هذا الأصل أن عادم الماء إذا تيمم قبل دخول وقت الصلاة فإنه يجوز تيممه لأنه خلف مطلق حال عدم الماء
وعند الشافعي لا يجوز لأنه خلف ضروري ولا ضرورة قبل الوقت كما في طهارة المستحاضة
وعلى هذا إذا تيمم يجوز له أن يؤدي به ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث
ولا ينتقض تيممه بخروج الوقت كطهارة المستحاضة
وعنده لا يجوز له أن يؤدي فرضا غير الذي تيمم لأجله ولكن يجوز له أن يصلي بذلك التيمم النوافل لأنها تبع للفرائض كما قال في طهارة المستحاضة
وعلى هذا الأصلقال الزهري إنه لا يجوز التيمم في حق النوافل لأنه طهارة ضرورية ولا ضرورة في حق النوافل
ولكن عامة العلماء قالوا إن الحاجة إلى إحراز الثواب معتبرة كما في طهارة المستحاضة تطهر في حق النوافل بالإجماع لما قلنا كذا كذا
ثم اختلف أصحابنا في كيفية البدلية قال أبو حنيفة و أبو يوسف التراب خلف عن الماء عند عدمه والبدلية بين التراب والماء
وقال محمد التيمم خلف عن الوضوء عند عدمه والبدلية بين التيمم والوضوء
وعلى هذا قال أبو حنيفة و أبو يوسف بأن المتيمم إذا أم المتوضئين فإنه تجوز إمامته لهم وتكون صلاتهم جائزة استحسانا إذا لم يكن مع المتوضئين ماء فأما إذا كان معهم ماء فلا تجوز إمامته لهم وتكون صلاتهم فاسدة
وقال محمد لا تجوز إمامته سواء كان مع المتوضئين ماء أو لم يكن
وقال زفر تجوز إمامته لهم سواء كان معهم ماء أو لم يكن
لأن عند محمد لما كانت البدلية بين التيمم والوضوء فالمقتدي إذا كان على وضوء لم يكن تيمم الإمام الذي هو بدل عن الوضوء طهارة في حقه لقدرته على الأصل ويكون وجوده وعدمه سواء فيكون مقتديا بالمحدث فلا يجوز كالصحيح إذا اقتدى بصاحب جرح سائل لميجز اقتداؤه لأن طهارته ضرورية فلا يعتبر في حق الصحيح كذا هذا
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لما كانت البدلية بين التراب والماء فإذا لم يكن مع المقتدين ماء فيكون التراب طهارة مطلقة في حال عدم الماء وإذا كان معهم ماء فقد فات الشرط في حق المقتدين فلا يبقى التراب طهورا في حقهم فلم تبق طهارة الإمام طهارة في حقهم فلا يصح اقتداؤهم به
وعلى هذا قال أبو حنيفة و أبو يوسف إن المتيمم إذا أم المتوضئين ولم يكن معهم ماء ثم رأى واحدا منهم الماء بطلت صلاته لأن طهارة الإمام جعلت عدما في حقه لقدرته على الماء الذي هو أصل لأنه لا يبقى الخلف عند وجود الأصل
باب النجاسات
الكلام في هذا الباب في ستة مواضع في بيان أنواع الأنجاس
وفي بيان المقدار الذي يصير به المحل نجسا شرعا
وفي بيان ما يقع به التطهير
وفي طريق التطهير
وفي شرائط التطهير
وفي حكم الغسالة
أما الأول وهو بيان أنواع النجاسات فمن ذلك أن كل ما يخرج من بدن الإنسان مما يتعلق بخروجه وجوب الوضوء أو الغسل فهو نجس نحو الغائط والبول والدم والصديد والقيء ملء الفم ودم الحيض والنفاس والاستحاضة والودي والمذي والمني
ولا خلاف في هذه الجملة إلا في المني فإن عند الشافعي هو طاهر
والأصل في ذلك حديث عمار بن ياسر أنه كان يغسل ثوبه من النخامة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنع يا عمار فأخبره بذلك فقال وما نخامتك ودموع عينيك والماء الذيفي ركوتك إلا سواء وإنما يغسل الثوب من خمس بول وغائط ودم وقيء ومني
وأما القيء الذي يكون أقل من ملء الفم والدم الذي لم يسل عن رأس الجرح هل يكون نجسا فعلى قياس ما ذكرنا ههنا لا يكون نجسا لأنه لا يتعلق به وجوب الوضوء
وهكذا روي عن أبي يوسف
لأنه ليس بدم مسفوح
وقال محمد هو نجس لأنه جزء من الدم المسفوح
وأما الدم إذا لم يكن مسفوحا في الأصل كدم البق والبراغيث فهو ليس بنجس عندنا
وعند الشافعي هو نجس إلا أنه إذا أصاب الثوب يجعل عفوا لأجل الضرورة
ثم ما ذكرنا أنه نجس من الآدمي فهو نجس من سائر الحيوانات من الأبوال والأرواث ونحوها عند عامة العلماء إلا أنه قد سقط اعتبار نجاسة بعضها لأجل الضرورة
وقال محمد بول ما يؤكل لحمه طاهر
وقال أبو حنيفة و أبو يوسف نجس لكن يباح شربه للتداوي عند أبي يوسف
وعند أبي حنيفة رحمة الله عليه لا يباح
وقال ابن أبي ليلى بأن السرقين طاهر
وقال مالك بأن البعر والروث وأخثاء البقر كلها طاهرة
وقال زفر روث ما يؤكل لحمه طاهر
والصحيح قول العامة لأن الآدمي أطهر الحيوانات ذاتا وغذاء فإذا كانت هذه الأشياء نجسة منه فمن غيره أولى
وأما خرء الطيور فالطيور ثلاثة أنواع ما لا يذرق من الهواء نحو الدجاج والبط والأوز وخرؤها نجس في رواية الحسن عن أبي حنيفة
وفي رواية أبي يوسف عنه أن خرء الدجاج والبط نجس دون خرء الأوز
وما يذرق من الهواء نوعان الصغار منها مثل الحمام ونحوه وخرؤها طاهر
والكبار كالصقر والبازي ونحوهما وخرؤها طاهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف
وقال محمد نجس
وهذا كله قول علماؤنا
وقال الشافعي خرء الطيور كلها نجس
والقياس قوله لأنه نجس حقيقة إلا أنا استحسنا وأسقطنا نجاسة البعض لمكان الضرورة
ومن أنواع الأنجاس الميتات وهي نوعان منها ما ليس لها دم سائل وهي ليست بنجسة عندنا خلافا للشافعي على ما نذكره
والثاني ما لها دم سائل فنقول لا خلاف أن الأجزاء التي فيها دم سائل مثل اللحم والشحم والجلد ونحوها فهي نجسة لاختلاط الدم النجس بها
وأما الأجزاء التي ليس فيها دم ففي غير الآدمي والخنزير منالحيوانات ينظر إن كانت صلبة مثل الشعر والصوف والريش والقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف والعصب والإنفحة الصلبة فليست بنجسة بلا خلاف بين أصحابنا
وأما الإنفحة المائعة واللبن فكذلك عند أبي حنيفة وعندنا نجس
وقال الشافعي الكل نجس
وكذا الجواب فيما أبين من الحي من الأجزاء إن كان فيه دم فهو نجس بالإجماع وإن لم يكن فعلى هذا الخلاف
فالشافعي أخذ بظاهر الآية وهو قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة }
وأصحابنا قالوا إن نجاسة الميتات باعتبار ما فيها من الدم السائل والرطوبات النجسة ولم يوجد في هذه الأجزاء
وأما في الآدمي فعن أصحابنا روايتان في رواية نجس حتى لا يجوز بيعها ولا الصلاة معها إذا كان أكثر من قدر الدرهم وزنا أو عرضا على حسب ما يليق به
وفي رواية يكون طاهرا وهي الأصح لأنه لا دم فيها إلا أنه لا يجوز بيعها ويحرم الانتفاع بها احتراما للآدمي
وأما الخنزير فيروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه نجس العينفيحرم استعمال شعره وسائر أجزائه إلا أنه رخص في شعره للخرازين لأجل الحاجة
وإذا وقع شعره في الماء روي عن أبي يوسف أنه يوجب التنجيس
وعن محمد أنه لا يوجب ما لم يغلب على الماء كشعر غيره
وروي عن أصحابنا في غير رواية الأصول أن هذه الأجزاء منه طاهرة لأنه لا دم فيها
وأما الكلب فمن قال من مشايخنا إنه نجس العين فهو والخنزير سواء
ومن قال إنه ليس بنجس العين فهو وسائر الحيوانات سواء وهذا أصح
وأما حكم أسآر الحيوانات وعرفها وألبانها فنقول الأسآر على أربعة أوجه سؤر متفق على طهارته من غير كراهة وسؤر مختلف في طهارته ونجاسته وسؤر مكروه وسؤر مشكوك فيه
أما السؤر الطاهر المتفق على طهارته فهو سؤر الآدمي بكل حال إلا في حال شرب الخمر فإنه نجس لنجاسة فمه
وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطيور إلا الإبل الجلالة والبقر الجلالة والدجاجة المخلاة فإن سؤرها مكروه لاحتمال نجاسة فمها حتى إذا كانت محبوسة لا يكره
وأما سؤر الفرس فعلى قول أبي يوسف و محمد طاهر لطهارة لحمه
وعند أبي حنيفة روايتان كما في طهارة لحمه على رواية الحسننجس كلحمه وعلى جواب ظاهر الرواية طاهر كلحمه
وأما السؤر المختلف في طهارته ونجاسته فهو سؤر الخنزير والكلب وسائر سباع الوحوش
وهو نجس عند عامة العلماء
وقال مالك طاهر
وقال الشافعي سؤر السباع كلها طاهر سوى الكلب والخنزير
وأما السؤر المكروه فهو سؤر سباع الطير كالحدأة والبازي والصقر ونحوها استحسانا
والقياس أنه نجس
وكذا سؤر سواكن البيوت كالحية والفأرة والعقرب ونحوها
وكذا سؤر الهرة في رواية الجامع الصغير
وفي ظاهر الرواية قال أحب إلي أن يتوضأ بغيره ولم يذكر الكراهة
وعن أبي يوسف أنه لا يكره
وأما السؤر المشكوك فيه فهو سؤر الحمار والبغل في جواب ظاهر الرواية
وروى الكرخي عن أصحابنا أن سؤرهما نجس
وقال الشافعي طاهر
ثم السؤر المتفق على طهارته والماء المطلق سواء
والسؤر المكروه لا ينبغي أن يتوضأ به إن وجد ماء مطلقا وإن توضأ به جاز مع الكراهة وإن لم يجد ماء مطلقا يجوز من غير كراهة
والسؤر المشكوك فيه لا يجوز التوضؤ به إن وجد ماء مطلقا وإن توضأ به جاز مع الكراهة
وإن لم يجد يتوضأ به ويتيمم لأن أحدهما مطهر بيقين
وأيهما قدم أو أخر جاز عندنا
وعند زفر لا يجوز ما لم يقدم الوضوء على التيمم حتى يصير عادما للماء
ومن الأنجاس الخمر والسكر على ما يعرف في كتاب الأشربة
وأما بيان المقدار الذي به يصير المحل نجسا شرعا فنقول ينظر إما إن وقع في المائعات من الماء والخل ونحوهما أو أصاب الثوب والبدن والمكان
أما إذا وقع في الماء فلا يخلو إما إن كان جاريا أو راكدا
فإن كان جاريا إن كانت النجاسة غير مرئية فإنه لا ينجس ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه ويتوضأ منه كيف شاءمن الموضع الذي وقع فيه النجس أو من الطرف الآخر لأن الماء طاهر في الأصل فلا يحكم بنجاسته بالشك
وإن كانت النجاسة مرئية مثل الجيفة ونحوها فإن كان النهر كبيرا فإنه لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة ولن يتوضأ من الجانب الآخر لأنه متيقن بوصول النجاسة إلى الموضع الذي يتوضأ منه
وإن كان النهر صغيرا بحيث لا يجري بالجيفة بل يجري الماء عليها إن كان يجري عليها جميع الماء فإنه لا يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة لأنه تنجس جميع الماء والنجس لا يطهر بالجريان
وإن كان يجري عليها بعض الماء فإن كان يجري عليها أكثر الماءفهو نجس وإن كان يجري عليها أقل الماء فهو طاهر لأن العبرة للغالب
وإن كان يجري عليها النصف يجوز التوضؤ به في الحكم ولكن الأحوط أن لا يتوضأ به
واختلف المشايخ في حد الجريان قال بعضهم إن كان يجري بالتبن والورق فهو جار وإلا فلا
وقيل إن وضع رجل يده في الماء عرضا لم ينقطع جريانه فهو جار وإلا فلا
وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال إن كان بحال لو اغترف رجل الماء بكفيه لم ينحسر وجه الأرض ولم ينقطع الجريان فهو جار وإلا فلا
وأصح ما قيل فيه إن الماء الجاري ما يعده الناس جاريا
وأما إذا كان الماء راكدا فقد اختلف العلماء فيه قال أصحاب الظواهر بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كيفما كان لقوله عليه السلام الماء طهور لا ينجسه شيء
وقال عامة العلماء إن كان الماء قليلا ينجس وإن كان كثيرا لا ينجس
واختلفوا في الحد الفاصل بينهما فقال مالك إن كان بحال يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فهو قليل وإن كان لا يتغير فهو كثير
وقال الشافعي إذا بلغ الماء القلتين فهو كثير لا يحتمل خبثالورود الحديث فيه هكذا
والقلتان عنده خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين وخمسين منا
وقال علماؤنا إن كان الماء بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل وإن كان لا يخلص بعضه إلى بعض فهو كثير
واختلفوا في تفسير الخلوص اتفقت الروايات عن أصحابنا المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك فإن تحرك طرف منه بتحريك الجانب الآخر فهذا مما يخلص وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص
ولكن في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة يعتبر التحريك بالاغتسال
وفي رواية محمد يعتبر التحريك بالوضوء
والمشايخ المتأخرون اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ وبعضهم بالتكدير وبعضهم بالمساحة إن كان عشرا في عشر فهو مما لا يخلص وإن كان دونه فهو مما يخلص وبه أخذ مشايخ بلخ
وذكر الشيخ أبو الحسن الكرخي في الكتاب وقال لا عبرة للتقدير في الباب ولكن يتحرى في ذلك إن كان أكبر رأيه أن النجاسة وصلت إلى هذا الموضع الذي يتوضأ منه لا يجوز وإن كان أكبر رأيه أنها لم تصل يجوز التوضئة به لأن غالب الرأي دليل عند عدم اليقين
هذا إذا كان له طول وعرض فأما إذا كان له طول بلا عرض كالأنهار التي فيها مياه راكدة فإنه لا ينجس بوقع النجاسة فيه
وعن أبي سليمان الجوزجاني أنه لا يتوضأ به
ولو توضأ به إنسان أو وقعت فيه النجاسة إن كان في أحد الطرفين تنجس منه مقدار عشرة أذرع وإن كان في وسطه تنجس من كل جانب عشرة أذرع
وأما العمق هل يشترط مع الطول والعرض عن أبي سليمان الجوزجاني أن أصحابنا اعتبروا البسط دون العمق
وعن أبي جعفر الهنداوي إن كان بحال لو رفع إنسان الماء بكفيه ينحسر أسفله فهذا ليس بعميق وإن كان لا ينحسر فهو عميق
وقيل مقدار شبر
وقيل مقدار ذراع
ثم إذا كانت النجاسة غير مرئية بأن بال فيه إنسان أو اغتسل فيه جنب اختلف المشايخ فيه
قال مشايخ العراق بأن حكم المرئية وغير المرئية سواء في أنه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة وإنما يتوضأ من الجانب الآخر بخلاف الماء الجاري
ومشايخنا فصلوا بين الأمرين كما قالوا جميعا في الماء الجاري وهو الأصح
ثم النجاسة إذا وقعت في الماء القليل فلا يخلو إما إن كان في الأواني أو في البئر أو في الحوض الصغير
أما في الأواني فتوجب التنجيس كيفما كانت مستجسدة أو مائعة لأنه ليس في الأواني ضرورة غالبة إلا في البعرة إذا وقعت في اللبن عند الحلب إذا رميت من ساعتها عند مشايخنا المتقدمين لأجلالضرورة وهو الصحيح
فأما إذا كان في البئر فالواقع لا يخلو إما أن يكون حيوانا أو غيره من النجاسات
فإن كان حيوانا فلا يخلو إما إن أخرج حيا أو ميتا
فإن أخرج حيا إن كان نجس العين كالخنزير يجب نزح جميع الماء
وفي الكلب اختلف المشايخ فيه هل هو نجس العين أم لا والصحيح أنه ليس بنجس العين
وأما إذا لم يكن نجس العين فإن كان آدميا فإنه لا يوجب التنجيس إلا إذا كان عليه نجاسة بيقين حقيقة أو حكمية أو نوى الغسل أو الوضوء في جواب ظاهر الرواية وهو الصحيح
وأما سائر الحيوانات فإن كان لا يؤكل لحمه كسباع الوحش والطيور اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه يوجب التنجيس
وكذلك الحمار والبغل
والصحيح أنه يصير الماء مشكوكا فيه
وإن كان حيوانا يؤكل لحمه لا يوجب التنجيس لأنه طاهر
وهذا كله إذا لم يتيقن أن يكون على بدنه نجاسة أو على مخرجه أو لم يصل إلى الماء شيء من لعابه
فأما إذا تيقن يصير الماء نجسا في النجاسة وفي اللعاب يصير حكم الماء حكم اللعاب
فأما إذا خرج ميتا فإن كان منتفخا أو متفسخا ينزح ماء البئر كله لأنه تيقن بوصول شيء من النجاسة إليه
وإن لم يكن منتفخا ولا متفسخا ذكر في ظاهر الرواية على ثلاث مراتبفي الفأرة ونحوها ينزح عشرون دلوا أو ثلاثون
وفي الدجاجة ونحوها ينزح أربعون أو خمسون
وفي الآدمي ونحوه ينزح ماء البئر كله
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه جعله على خمس مراتب في الحلمة ونحوها ينزح عشر دلاء
وفي الفأرة ونحوها عشرون
وفي الحمام ونحوه ثلاثون
وفي الدجاجة ونحوها أربعون
وفي الأدمي ونحوه ينزح ماء البئر كله
وإنما ثبتت هذه المراتب بإجماع الصحابة توقيفا لأنها لا تعرف بالاجتهاد
وهذا إذا كان الواقع واحدا فإن كان أكثر روي عن أبي يوسف أنه قال في الفأرة ونحوها عشرون إلى الأربع فإذا بلغ خمسا ينزح أربعون إلى التسع فإذا بلغ عشرا ينزح ماء البئر كله
وعن محمدأنه قال في الفأرتين ينزح عشرون
وفي الثلاث أربعون وإذا كانت الفأرتان كهيئة الدجاج ينزح أربعون
وأما إذا كان الواقع غير الحيوان من الأنجاس فلا يخلو إما إن كان مستجمدا أو غير مستجمد
فإن كان غير مستجمد كالبول والدم ينزح ماء البئر كله
وإن كان مستجمدا ينظر إن كان رخوا متخلخل الأجزاء كالعذرة وخرء الدجاج ونحوهما ينزح ماء البئر كله رطبا كان أو يابسا قل أو كثر
وإن كان صلبا نحو بعر الإبل والغنم ذكر في ظاهر الرواية وقال القياس أن ينجس قل أو كثر
وفي الاستحسان ينجس فيالكثير دون القليل ولم يفصل بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر
واختلف المشايخ في الرطب ذكر في النوادر أنه ينجس كذا ذكر الحاكم الجليل الشهيد في الإشارات
وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل البخاري أن الرطب واليابس سواء لوجود الضرورة في الجملة
وكذا اختلفوا في اليابس المنكسر والصحيح أنه لا ينجس لأن الضرورة في المنكسر أشد
وأما في روث الحمار والبغل والفرس وأخثاء البقر فقد روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال في الروث اليابس إذا وقع في البئر ثم أخرج من ساعته لا يوجب التنجيس
واختلف المشايخ قال بعضهم إن كان رطبا أو يابسا منكسرا يوجب التنجيس وإلا فلا
وقيل إن كان في موضع يتحقق الضرورة فيها كما في البعر فالجواب سواء وإلا فلا
واختلفوا أيضا في البئر إذا كانت في المصر
والصحيح أنه لا فرق بين الحالين لأن الضرورة قد تقع في المصر في الجملة أيضا
ثم لم يذكر في ظاهر الرواية الحد الفاصل بين القليل والكثير
وروي عن أبي حنيفة أنه قال ما استكثره الناس فهو كثير وما استقلوه فهو قليل
وعن محمد أنه اعتبر الربع بأن يأخذ ربع وجه الماء
وقيل إن كان لا يخلو كل دلو عن بعرة أو بعرتين فهو كثير وإلا فلا
وقال بعضهم إن أخذ أكثر وجه الماء فهو كثير
وقيل ما لم يأخذ جميع وجه الماء لا يكون كثيرا
وقال بعضهم الثلاث كثير
وهو فاسد فإنه ذكر في ظاهر الرواية وقال في البعرة والبعرتين من بعر الإبل والغنم إذا وقعت في البئر لا يفسد الماء ما لم يكن كثيرا فاحشا والثلاث ليس بكثير فاحش
ثم الحيوان إذا مات في المائع القليل فلا يخلو إما إن كان له دم سائل أو لم يكن ولا يخلو إما أن يكون بريا أو مائيا ولا يخلو إما إن مات في الماء أو في غير الماء
أما إذا لم يكن له دم سائل فإنه لا ينجس بالموت ولا ينجس ما يموت فيه من المائع كيفما كان عندنا خلافا للشافعي إلا فيما فيه ضرورة على ما ذكرنا
فأما إذا كان له دم سائل فإن كان بريا ينجس بالموت
وينجس المائع الذي يموت فيه لأن الدم السائل نجس فينجس ما يخالطه
وأما إذا كان مائيا فإن مات في الماء
لا يوجب التنجيس كالضفدع المائي والسمك والسرطان ونحو ذلك عندنا
وعند الشافعي يوجب التنجيس إلا في السمك خاصة في حق الأكل
فأما إذا سال منه الدم أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم يوجب التنجيس
والصحيح قولنا لأن المائي لا دم له حقيقة وإن كان يشبه صورةالدم لأن الدموي لا يعيش في الماء
وأما إذا مات في غير الماء ذكرالكرخيعن أصحابنا أن كل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء
وكذا روى هشام عنهم
واختلف المشايخ المتأخرون فمن مشايخ بلخ أنه يوجب التنجيس لأنه مات في غير معدنه ومظانه بخلاف المائي
وعن أبي عبد الله الثلجي ومحمد بن مقاتل الرازي أنه لا يوجب وهو الأصح لأنه ليس له دم حقيقة لكن يحرم أكله لفساد الغذاء وخبثه
ويستوي الجواب بين المنفسخ وغيره إلا أنه يكره شرب المائع لأنه لا يخلو عن أجزاء ما يحرم أكله
ثم الحد الفاصل بين المائي والبري أن المائي هو الذي لا يعيش إلا في الماء والبري هو الذي لا يعيش إلا في البر
فأما الذي يعيش فيهما جميعا كالبط والأوز ونحو ذلك فقد أجمعوا على أنه إذا مات في غير الماء يوجب التنجيس وإن مات في الماء فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يفسد الماء
هذا الذي ذكرنا حكم وقوع النجس في المائع
فأما إذا أصاب البدن أو الثوب أو المكان فحكم المكان نذكره في موضعه
وأما حكم الثوب والبدن فلا يخلو أما إن كانت النجاسة غليظة أو خفيفة قليلة أو كثيرة
أما النجاسة القليلة فلا تمنع جواز الصلاة غليظة أو خفيفة استحسانا والقياس أن تمنع جواز الصلاة وهو قول زفر و الشافعي إلا إذا كانت لا تأخذها العين أو ما لا يمكن الاحتراز عنه كدم البق والبراغيث والقياس متروك لأن الضرورة في القليل عامة
وأما النجاسة الكثيرة فتمنع جواز الصلاة لعدم الضرورة
والحد الفاصل بين القليل والكثير في النجاسة الغليظة هو أن يكون أكثر من قدر الدرهم الكبير فيكون الدرهم وما دونه قليلا
ولم يذكر في ظاهر الرواية صريحا أن المراد من الدرهم الكبير من حيث العرض والمساحة أو من حيث الوزن وذكر في النوادر الدرهم الكبير ما يكون عرض الكف
وذكر الكرخي مقدار مساحة الدرهم الكبير
وفي كتاب الصلاة الدرهم الكبير المثقال فهذا إشارة إلى أن العبرة للوزن
وقال أبو جعفر الهنداوي لما اختلفت عبارات محمد رحمة الله عليه في هذا فنوفق فنقول أراد بذكر العرض تقدير المائع كالبول ونحوه وبذكر الوزن تقدير المستجسد كالعذرة ونحوها فإن كانت أكثر من مثال ذهب وزنا تمنع جواز الصلاة وإلا فلا وهو المختار عند مشايخنا وهو الأصح
وأما حد الكثير في النجاسة الخفيفة فهو الكثير الفاحش
ولم يذكر حده في ظاهر الرواية
واختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة
روي عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة رضي الله عنه عنالكثير الفاحش فكره أن يجد فيه حدا وقال الكثير الفاحش ما يستفحشه الناس ويستكثرونه
وروى الحسن عنه أنه قال شبر في شبر
وذكر الحاكم في مختصره عن أبي حنيفة و محمد الربع وهو الأصح لأن للربع حكم الكل في أحكام الشرع
واختلف المشايخ في تفسير الربع قيل ربع جميع الثوب والبدن
وقيل ربع كل عضو وطرف أصابته النجاسة من اليد والرجل والكم وهو الأصح
ثم اختلف أصحابنا في تفسير النجاسة الغليظة والخفيفة قال أبو حنيفة الغليظة كل ما ورد في النص على نجاسته ولم يرد نص آخر على طهارته معارضا له وإن اختلف العلماء فيه
والخفيفة ما تعارض النصان في طهارته ونجاسته
وقال أبو يوسف و محمد الغليظة ما وقع الإجماع على نجاستها والخفيفة ما اختلف العلماء فيها
فعلى قول أبي حنيفة الأرواث كلها نجسة نجاسة غليظة لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه السلام طلب منه ليلة الجن أحجار الاستنجاء فأتى بحجرين وروثة فأخذ الحجرين ورمى بالروثة وقال إنها ركس أي نجس وليس له نص معارض
وعلى قولهما نجاستها خفيفة لاختلاف العلماء فيها
وبول ما لا يؤكل لحمه نجس نجاسة غليظة بالإجماع على اختلاف الأصلين
وبول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة بالاتفاق أما عنده فلتعارض النصين وهو حديث العرنيين مع حديث عمار وغيره في البول مطلقا
وعندهما لاختلاف العلماء فيه
وأما العذرات وخرء الدجاج والبط فغليظة بالإجماع لما ذكرنا من الأصلين
والله أعلم
وأما الذي يقع به التطهير فأنواع من ذلك الماء المطلق فنقول لا خلاف أن الماء المطلق يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعا قال الله تعالى { كل زوج كريم }
وأما الماء المقيد وما سوى الماء من المائعات الطاهرة فإنه لا يحصل به الطهارة الحكمية بالاتفاق
أما الطهارة الحقيقية وهي إزالة النجاسة فقد قال أبو حنيفة و أبو يوسف يحصل بها
وقالمحمد وزفر و الشافعي لا يحصل وهي مسألة معروفة
وهذا إذا كان مائعا ينعصر بالعصر
فأما إذا كان لا ينعصر بالعصر مثل العسل والسمن والدهن فإنه لا يزيل
ثم الفرق بين الماء المطلق والمقيد أن الماء المطلق ما تسارع أفهام الناس إليه عند إطلاق اسم الماء كماء العيون والآبار والغدران وماء البحر والماء الذي ينزل من السماء ويستوي فيه العذب والأجاج
وأما المقيد فهو الماء الذي يستخرج من الأشياء الطاهرة الرطبة بالعلاج كماء الأشجار والثمار ونحوهما
وأما الماء المطلق إذا اختلط به شيء من المائعات الطاهرة على وجه يزول به اسم الماء ومعناه بالطبخ وغيره فإن صار مغلوبا به فهو ملحق بالماء المقيد غير أنه يعتبر الغلبة أولا من حيث اللون أو الطعم ثم من حيث الأجر الأجزاء فينظر إن كان شيئا يخالف لونه لون الماء مثل اللبن والخل والعصير وماء الزعفران والعصفر والزردج وماء النشا ونحوها فإن العبرة فيه للون فإن كانت الغلبة للون الماء يجوز التوضي به
وإن كان مغلوبا لا يجوز
وإن كان يوافق لونه لون الماء نحو ماء البطيخ وماء الأشجار فإن العبرة فيه للطعم فإن كان شيئا له طعم يظهر في الماء فإن كان الغالب طعم ذلك الشيء لا يجوز التوضي به وذلك نحو نقيع الزبيب وسائر الأنبذة وكذلك ماء الباقلي والمرقة وماء الورد ونحوها
وإن كان شيئا لا يظهر طعمه في الماء فإن العبرة فيه لكثرة الأجزاء إن كانت أجزاء الماء أكثر يجوز التوضي به وإلا فلا
وهذا إذا كان شيئا لا يقصد به زيادة التطهير
فأما إذا كان شيئا يطبخ الماء به أو يخلط لزيادة التطهير فإنه لا يمنع التوضي به وإن تغير لون الماء وطعمه وذلك نحو ماء الصابون وماء الأشنان إلا إذا صار غليظا لا يمكن تسييله على العضو فإنه لا يجوز لأنه زال عنه اسم الماء ومعناه
وهذا كله في غير حالة الضرورة
فأما عند الضرورة فيجوز التوضي به
وإن تغير بامتزاج غيره من حيث الطعم واللون بأن وقعت الأوراقوالثمار في الحياض حتى تغير فإنه يجوز التوضي به لأنه يتعذر صيانة الحياض عنها
وكذلك إذا اختلط به الطين الطاهر أو التراب الطاهر وتغير الماء إلى الكدرة يجوز التوضي به لأن الماء في الأغلب يجري على التراب إلا إذا صار غليظا
وكذلك الجص والنورة والنفط والكبريت لأنها من أجزاء الأرض والماء ينبع منها
فأما إذا تغير بمضي الزمان لا بالاختلاط بشيء آخر من حيث اللون والطعم فإنه يجوز التوضي به لأنه لم يزل معنى الماء واسمه
وكذلك إذا طبخ الماء وحده لأن اسم الماء باق وازداد به معنى التطهير
وعلى هذا الأصل يخرج قول أبي يوسف في نبيذ التمر أنه لا يجوز التوضي به لتغير الماء من حيث الطعم كما في سائر الأنبذة
وعلى قول محمد يجمع بينهما
وأصله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال لي هل معك ماء يا ابن مسعود فقلت لا إلا نبيذ تمر في إداواة فقال عليه السلام ثمرة طيبة وماء طهور فأخذه وتوضأ به
فصح هذا الحديث عند أبي حنيفة ولم يثبت نسخه فأخذ به وترك القياس ولم يثبت الحديث عند أبي يوسف أو ثبت نسخه فأخذ بالقياس واشتبه الأمر عند محمد فجمع بينهما احتياطا
ثم عند محمد أيهما قدم أو أخر جاز خلافا لزفر كما في السؤر المشكوك فيه
ثم لم يذكر محمد تفسير نبيذ التمر الذي فيه الخلاف في ظاهر الروايات وإنما ذكر الخلاف في النوادر فقال على قول أبي حنيفة إنما يجوز التوضي بنبيذ التمر إذا كان رقيقا يسيل مثل ماء الزبيب فأما إذا كان غليظا مثل الرب فلا يجوز
ثم النيء منه إذا كان حلوا رقيقا لا يشكل أنه يجوز الوضوء به
وإن كان مرا لا يشكل أنه لا يجوز لأنه مسكر
وأما إذا كان مطبوخا أدنى طبخه وكان رقيقا ذكر في الكتاب عنالكرخيأنه قال يجوز التوضي به حلوا كان أو مسكرا
وعن أبي طاهر الدباس أنه قال لا يجوز التوضي بالمطبوخ منه حلوا كان أو مسكرا وهذ القول أصح
وأما سائر الأنبذة فلا يجوز التوضي بها عند عامة العلماء
وقال الأوزاعي وغيره يجوز استدلالا بنبيذ التمر
والصحيح قول العامة لأن القياس أن لا يجوز التوضي به لأنه ليس بماء مطلق ولهذا لا يجوز التوضي به إذا قدر على الماء المطلق وإنما جوز أبو حنيفة التوضي به بالحديث وأنه ورد في نبيذ التمر فبقي الباقي على أصل القياس
ومنها الفرك والحث بعد الجفاف في بعض الأنجاس في بعض المحال فنقوللا خلاف أن المني إذا أصاب الثوب وجف فإنه يطهر بالفرك استحسانا وفي القياس لا يطهر
فأما إذا كان رطبا فلا يطهر إلا بالغسل
وأصله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها إذا رأيت المني في ثوبك إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافركيه
وأما إذا كان على البدن وجف
هل يطهر بالفرك روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر
وذكر الكرخي وقال بأنه يطهر لأن النص الوارد في الثوب يكون واردا في البدن بطريق الأولى لأنه أقل تشربا من الثوب
وأما سائر النجاسات إذا أصابت الثوب والبدن ونحوهما فلا تزول إلا بالغسل بلا خلاف كيفما كانت يابسة أو رطبة لها جرم أو سائلة
فأما إذا أصابت الخف والنعل ونحوهما فإن كانت رطبة لا تزول إلا بالغسل
وإن كانت يابسة فإن كانت لها جرم كثيف مثل السرقين والعذرة والدم الغليظ والغائط والمني يطهر بالحت وإن لم يكن لها جرم كثيف نحو البول والخمر والماء النجس لم يطهر إلا بالغسل وهذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف
وقال محمد لا يطهر بالفرك وهو أحد قولي الشافعي إلا في المني فإنه روي عن محمدأنه قال في المني إذا يبس يطهر بالفرك ههنا كما في الثوب بطريق الأولى
وأما إذا أصابت النجاسة شيئا صلبا صقيلا كالسيف والمرآة ونحوهما فما دامت رطبة لا يطهر إلا بالغسل فإن جفت أو جففتبالمسح بالتراب يطهر بالحت لأنه لم يدخل في أجزائه شيء من الرطوبة وظاهره يطهر بالمسح
وأما الأرض إذا أصابتها النجاسة فجفت وذهب أثرها جازت الصلاة عليها عندنا خلافا لزفر والشافعي
والصحيح قولنا لأن معظم النجاسة قد زال فيجعل اليسير عفوا في حق جواز الصلاة
وأما التيمم على هذا التراب في ظاهر الرواية لا يجوز لأن النجاسة اليسيرة جعلت عفوا في حق جواز الصلاة لا في حق الطهارة به كما في الماء
وفي رواية يجوز التيمم عليها
ومنها الدباغ والذكاة أما الدباغ فتطهير في الجلود كلها إلا في جلد الإنسان والخنزير عند عامة العلماء
وقال مالك جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لكنه يجوز استعماله في الجامد دون المائع بأن يجعل جرابا للحبوب دون السمن والدبس والماء
وقال عامة أصحاب الحديث لا يطهر إلا جلد ما يؤكل لحمه
وقال الشافعي مثل قولنا إلا في جلد الكلب لأنه نجس العين عنده كالخنزير
والصحيح قولنا لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال أيما إهاب دبغ فقد طهر كالخمر تخلل فتحل ولما ذكر أن نجاسة الميتة لهافيها من الرطوبات والدم السائل وأنها تزول بالدباغ فيجب أن تطهر كالثوب النجس إذا غسل
ثم قوله إلا جلد الخنزير والإنسان جواب ظاهر قول أصحابنا
وروي عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ
ومشايخنا قالوا أما الخنزير فهو نجس العين لا باعتبار ما فيه من الرطوبات والدم فكان وجود الدباغ في حقه كالعدم وأما جلد الآدمي إذا دبغ فاندبغ فإنه يجب أن يطهر على الحقيقة لأنه ليس بنجس العين ولكن لا يجوز الانتفاع به لحرمته
أما الذكاة فنقول الحيوان إذا ذبح إن كان مأكول اللحم يطهر بجميع أجزائه إلا الدم
وإن كان غير مأكول اللحم فما يطهر من الميتة نحو الشعر وأمثاله يطهر منه وما لا يطهر من الميتة نحو اللحم والشحم والجلد وهل يطهر بالذكاة أم لا على قول الشافعي لا يطهر
وأما عندنا فقد ذكر الكرخيوق ال كل حيوان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فهذا يدل على أن جميع أجزائه تطهر
وقال بعض مشايخنا وبعض مشايخ بلخ إن كل حيوان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فأما اللحم والشحم ونحوهما فلا يطهر بالذكاة
والصحيح هو الأول لأن الذكاة أقيمت مقام زوال الدم المسفوح كله ونجاسة الحيوان لأجل الدم والرطوبات التي لا تخلو أجزاؤه عنها
ومنها تطهير البئر وذلك باستخراج الواقع فيه ونزح ما وجبمن عدد الدلاء أو نزح جميع الماء
عرفنا ذلك بإجماع الصحابة
ثم إذا وجب نزح جميع الماء من البئر ينبغي أن يسد منابع الماء وينزح ما فيها من الماء النجس
وإن كان لا يمكن سد منابعه لغلبة الماء فإنه ينزح جميع الماء بطريق الحزر والاجتهاد
ولم يذكر في ظاهر الرواية كم ينزح عند غلبة الماء
وروي عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول أنه ينزح مائة دلو وفي رواية مائتا دلو
وعن محمد أنه ينزح مائتا دلو أو ثلاثمائة دلو
وقد تكلم المشايخ فيه
والأوفق ما روي عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام أنه قال يؤتى برجلين لهما بصارة بالماء ثم ينزح مقدار ما حكما به لأن ما يعرف بالاجتهاد يجب أن يرجع فيه إلى أهل الاجتهاد في ذلك الباب
واختلف المشايخ في الدلو الذي ينزح به الماء النجس من البئر قال بعضهم يعتبر في كل بئر دلوها صغيرا كان أو كبيرا
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتبر دلو يسع قدر صاع
وقيل المعتبر هو الدلو المتوسط بين الصغير والكبير
وأما حكم طهارة الدلو والرشاء فقد روي عن أبي يوسف أنه سئل عن الدلو الذي ينزح به الماء النجس من البئر أيغسل قال لا بل يطهره ما يطهر البئر
وعن الحسن بن زياد أنه قال إذا طهرت البئر يطهر الدلو والرشاء كما يطهر طين البئر والله أعلم
ومنها تطهير الحوض الصغير إذا تنجس واختلف المشايخ فيهقال أبو بكر الأعمش إذا دخل الماء فيه وخرج منه مقدار ما كان فيه ثلاث مرات فإنه يطهر ويصير ذلك بمنزلة الغسل له ثلاثا
وقال أبو جعفر الهنداوي رحمه الله إذا دخل فيه الماء الطاهر وخرج بعضه يحكم بطهارته لأنه صار ماء جاريا فلم يستيقن ببقاء النجس فيه وبه أخذ الفقيه أبو الليث
وقيل إذا خرج منه مقدار الماء النجس يطهر كالبئر إذا تنجست تطهر بنزح ما فيها من الماء
وعلى هذا أيضا الجواب في حوض الحمام أو الأواني إذا تنجست
وأما بيان طريق التطهير بالغسل فنقول لا خلاف أنه يطهر النجس بالغسل في الماء الجاري
وكذلك بالغسل بصب الماء عليه
فأما الغسل في الأواني هل يطهره أم لا على قول أبي حنيفة و محمد يطهر
وعلى قول أبي يوسف في البدن لا يطهره رواية واحدة وفي الثوب عنه روايتان والمسألة مع الفروع مذكورة في الجامع الكبير
وأما شرائط التطهير بالماء فمنها العدد في نجاسة غير مرئية وبيان ذلك أنه لا خلاف أن النجاسة الحكمية وهي الحدث الأكبر والأصغر يزول بالغسل مرة ولا يشترط فيه العدد
وأما النجاسة الحقيقية فينظر إن كانت غير مرئية مثل البول ونحوه ذكر في ظاهر الرواية أنها لاتزول إلا بالغسل ثلاثا
وقال الشافعي تطهر بالغسل مرة كما في الحدث إلا في ولوغ الكلب فإنه لا يطهر إلا بالغسل سبع مرات إحداهن بالتراب
والصحيح قولنا لما روينا عن النبي عليه السلام أنه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده أمره بالغسل ثلاثا عند توهم النجاسة فلأن يجب عند التحقق أولى
ثم التقدير عندنا بالثلاث ليس بلازم بل هو مفوض إلى اجتهاده فإن كان غالب ظنه أنها تزول بما دون الثلاث يحكم بطهارته
وإن كانت النجاسة مرئية فطهارتها بزوال عينها فإن بقي بعد زوال العين أثر لا يزول بالغسل فلا بأس به لما روي في الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال لتلك المرأة حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره
ومن شرائط التطهير أيضا العصر فيما يحتمل أو ما يقوم مقامه فيما لا يحتمله من المحل الذي يتسرب فيه النجس وبيان ذلك أن المحل الذي تنجس إما إن كان شيئا لا يتشرب فيه أجزاء النجس مثل الأواني المتخذة من الحجر والخزف والنعل ونحو ذلك أو كان شيئا يتشرب فيه شيء كثير كالثياب واللبود والبسط
فإن كان مما لا يتشرب فإنه يطهر بما ذكرنا من زوال العين أو العدد وبإكفاء الماء النجس من الإناء في كل مرة
وإن كان شيئا يتشرب فيه شيء قليل فكذلك لأن الماء يستخرج ذلك القليل فيحكم بطهارته
وإن كان شيئا يتشرب فيه شيء كثير ينظر إن كان مما يمكن عصره كالثوب ونحوه فإن طهارته بالغسل ثلاثا والعصر في كل مرة لأن المتشرب فيه كثير فلا يخرج إلا بالعصر فلا يتم الغسل بدونه
وإن كان مما لا يمكن عصره كالحصير المتخذ من البردى ونحوه فإن علم أنه لم يتشرب فيه بل أصاب ظاهره فإنه يطهر بالغسل ثلاث مرات من غير عصر
فأما إذا علم أنه تشرب فيه فقالأبو يوسف ينقع في الماء ثلاث مرات ويجفف في كل مرة ويقوم التجفيف ثلاثا مقام العصر ثلاثا ويحكم بطهارته
وقال محمد لا يطهر أبدا
وعلى هذا الأصل مسائل على الخلاف الذي ذكرنا مثل الخزف والحديد إذا تشرب فيه النجس الكثير والسكين إذا موه بالماء النجس
والجلد إذا دبغ بالدهن النجس واللحم إذا طبخ بالماء النجس ونحوها
وأما الأرض إذا أصابتها نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة فإنه يصب عليها الماء حتى يتسفل فيها
فإذا تسفل ولم يبق على وجهها شيء من الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيه العدد وإنما هو على ما يقع في غالب ظنه أنها طهرت
والتسفل في الأرض بمنزلة العصر فيما يحتمله
وعلى قياس ظاهر الرواية ينبغي أن يصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة
وإن كانت الأرض صلبة فإن كانت صعودا فإنه يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ويزال عنها إلى الحفيرة ويكنس الحفيرة
وإن كانت الأرض مستوية لم يزل الماء عنها فإنها لا تغسل لأنه لا فائدة في غسلها
وقال الشافعي إذا كوثرت بالماء طهرت
وهو فاسد لأن الماء النجس باق حقيقة ولكن ينبغي أن تحفر فيجعل أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها فيصير التراب الطاهر وجه الأرض كذا روي أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي عليه السلام بأن يحفر موضع بوله
وأما حكم الغسالة فنقول الغسالة نوعان أحدهما غسالة النجاسة الحكمية وهي الماء المستعمل
والثاني غسالة النجاسة الحقيقية
أما الأول فنقول الكلام في الماء المستعمل يقع من ثلاثة أوجه أحدها في صفته أنه طاهر أم نجس
والثاني أنه في أي حال يصير مستعملا
والثالث بأي سبب يصير مستعملا
أما الأول فنقول ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يجوز التوضي به ولم يذكر أنه طاهر أم نجس
وروى محمد عن أبي حنيفة أنه طاهر غير طهور وبه أخذ محمد وهو أحد قولي الشافعي
وروى أبو يوسف والحسن بن زياد عنه أنه نجس إلا أن الحسن روى أنه نجس نجاسة غليظة وبه أخذ وروى أبو يوسف أنه نجس نجاسة خفيفة وبه أخذ
وقالزفر إن كان المستعمل غير محدث فالماء المستعمل طاهر وطهور وإن كان محدثا فالماء المستعمل طاهر غير طهور وهو أحد قولي الشافعي
وقال مالك إنه طاهر وطهور بكل حال
ثم مشايخ بلخ حققوا هذا الاختلاف على الوجه الذي ذكرنا
ومشايخ العراق قالوا إنه طاهر غير طهور بلا خلاف بين أصحابنا
واختيار المحققين من مشايخنا هو هذا فإنه هو الأشهر عن أبي حنيفة وهو الأقيس فإنه ماء طاهر لاقى عضوا طاهرا فحدوث النجاسة من أين كما في غسل الثوب الطاهر بالماء الطاهر
ثم على هذا المذهب المختار إذا وقع الماء المستعمل في الماء القليل
قال بعضهم لا يجوز التوضي به وإن قل
وقال بعضهم يجوز ما لم يغلب على الماء المطلق وهذا هو الصحيح
وأما بيان حال الاستعمال وتفسير الماء المستعمل فنقول قال بعض مشايخنا الماء المستعمل ما زايل البدن واستقر في مكان
وذكر في الفتاوى أن الماء إذا زال عن البدن فلا ينجس ما لم يستقرعلى الأرض أو في الإناء
ولكن هذا ليس مذهب أصحابنا إنما هو مذهب سفيان الثوري
أما عندنا فما دام الماء على العضو الذي يستعمله فيه لا يكون مستعملا وإذا زايله يكون مستعملا
فإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء فإنه ذكر في ظاهر الرواية رجل نسي مسح الرأس فأخذ من لحيته ماء ومسح به رأسه لا يجوز وإن لم يوجد الاستقرار على الأرض وعلى قول سفيان الثوري يجوز لأنه لم يستقر على الأرض وذكر في باب المسح على الخفين أن من مسح على خفيه فبقي في كفه بلل فمسح به رأسه لا يجوز وعلل وقال لأنه مسح به مرة وإن لم يستقر على الأرض
وقالوا فيمن بقيت على رجله لمعة في الوضوء فبلها بالبلل الذي على الوجه أو على عضو آخر لا يجوز لأنه صار مستعملا وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء فدل أن المذهب ما قلنا
وأما سبب صيرورة الماء مستعملا فنقول عند أبي حنيفة و أبي يوسف يصير الماء مستعملا بأحد أمرين بزوال الحدث أو بإقامة القربة
وعند محمد يصير مستعملا بإقامة القربة لا غير
وعند زفر و الشافعي يصير مستعملا بإزالة الحدث لا غير
إذا ثبت هذا الأصل فنقول من توضأ بنية إقامة القربة نحو الصلوات المعهودة وصلاة الجنازةودخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن ونحوها فإن كان محدثا يصير الماء مستعملا بلا خلاف لوجود زوال الحدث وحصول القربة جميعا وإن لم يكن محدثا فعلى قول علماؤنا الثلاثة يصير مستعملا لأنه وجد إقامة القربة
وعلى قول زفر و الشافعي لا يصير مستعملا لأنه لم يوجد إزالة الحدث
وعلى هذا الأصل يخرج من دخل في البئر لطلب الدلو أو للغسل وهو جنب أو طاهر على ما عرف في كتاب الشرحين والمبسوط
وأما حكم غسلة النجاسة الحقيقية فنقول إذا وقعت في الماء أو أصابت الثوب أو البدن ففي حق منع جواز الصلاة والوضوء المياه الثلاث على السواء لأن الكل نجس
فأما في حق تطهير المحل الذي أصابته النجاسة فالمياه يختلف حكمها حتى قال بعض مشايخنا إن الماء الأول وإذا أصاب شيئا يطهر بالغسل مرتين والثاني بالغسل مرة
والثالث يطهر بالعصر لا غير
والصحيح أن الأول يطهر بالغسل ثلاثا والثاني بالغسل مرتين والثالث بالغسل مرة ويكون حكم كل ما في الثوب الثاني مثل حكمه في الثوب الأول
وهل يجوز الانتفاع بالغسالة في غير الشرب والتطهير ينظر إن تغير طعمها أو لونها أو ريحها فإنه يحرم الانتفاع بها أصلا ويصير نظير البول لكون النجس غالبا وإن لم يتغير وصف الماء يجوز الانتفاع به في غير الشرب والتطهير نحو أن يبل به الطين أو يسقى الدواب ونحو ذلك
وعلى هذا الفأرة إذا وقعت في العصير والدهن والخل وماتت فيهفأخرجت فإنه ينجس جميعه ولكن يجوز الانتفاع به فيما سوى الأكل من دبغ الجلد بالدهن النجس والاستصباح به ويجوز بيعه
وإن كان جامدا فإنه يلقي الفأرة وما حولها وحكمه حكم الذائب ويكون الباقي طاهر بخلاف ودك الميتة فإنه لا يجوز الانتفاع به أصلا
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال عليه السلام إن كان جامدا فألقوها وما حولها وخلوا البقية وإن كان مائعا فاستصبحوا به والله أعلم
باب المسح
على الخفين والجبائر المسح أنواع ثلاثة مسح الرأس ومسح الخف ومسح الجبائر
أما أحكام مسح الرأس فقد ذكرنا
وأما مسح الخف فالكلام فيه في خمسة مواضع في بيان مشروعيته وفي بيان مدة المسح وفي بيان شروط جواز المسح ووجوده وفي بيان نفس المسح وفي بيان حكم سقوطه
أما الأول فنقول قال عامة العلماء بأن المسح على الخفين مشروع ويقوم مقام غسل القدمين في حق المقيم والمسافر جميعا وقال بعض الشيعة بأن المسح غير مشروع في حق المقيم والمسافر جميعا
وقال مالك مشروع في حق المسافر دون المقيم
والصحيح قول عامة العلماء لإجماع الصحابة على ذلك قولا وفعلا إلا ما روي عن عبد الله بن عباس ثم رجع فإنه روي عن عطاءتلميذه أنه قال كان عبد الله بن عباس خالف الناس في المسح على الخفين ولم يمت حتى رجع إلى قول الناس
وإجماع الصحابة حجة قاطعة
والثاني بيان المدة اختلف العلماء في أن المسح على الخف مقدر أم لا فعند عامتهم مقدر في حق المقيم بيوم وليلة وفي حق المسافر بثلاثة أيام ولياليها
وقال مالك غير مقدر
والصحيح قول العامة لما روي في الحديث المشهور عن النبي عليه السلام أنه قال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها
ثم اختلف العلماء في ابتداء مدة المسح من أي وقت يعتبر قال عامة العلماء يعتبر من وقت الحدث بعد اللبس
وقال بعضهم يعتبر من وقت اللبس وقال بعضهم يعتبر من وقت المسح
بيان ذلك أن من توضأ عند طلوع الفجر ولبس الخف وصلى الفجر فلما طلعت الشمس أحدث ثم لما زالت الشمس توضأ ومسحعلى الخف فعلى قول العامة يعتبر ابتداء المدة من وقت الحدث بعد اللبس وهو وقت طلوع الشمس فمتى جاء ذلك الوقت من اليوم الثاني في حق المقيم وفي حق المسافر من اليوم الرابع تمت المدة فلا يمسح بعد ذلك ولكن ينزع الخفين ويغسل القدمين ثم يبتدىء المسح بعده
وعلى قول من اعتبر وقت اللبس لا يمسح في اليوم الثاني من وقت طلوع الفجر
وعلى قول من اعتبر وقت المسح لا يمسح في اليوم الثاني من وقت زوال الشمس
وأما شرائط جواز المسح ووجوده فأنواع من ذلك أن يكون لابس الخفين أو ما كان في معناهما على طهارة كاملة عند الحدث بعد اللبس
ولا يشترط أن يكون على طهارة كاملة عند اللبس أو على طهارة أيضا
وبيانه أن الرجل إذا غسل الرجلين ولبس الخفين ثم أكمل الوضوء بعد ذلك قبل الحدث ثم أحدث جاز له أن يمسح على الخفين
وعلى قول الشافعي ليس له أن يمسح ما لم يكمل الوضوء ثم يلبس الخفين بعد ذلك
ولهذا قلنا إذا لبس الخفين وهو محدث ثم توضأ وخاض الماء حتى دخل الماء خفيه ثم أحدث جاز له أن يمسح عليه
وأجمعوا على أنه إذا لبس الخفين بعد غسل الرجلين ثم أحدث قبل أن يكمل الوضوء ثم توضأ بعد ذلك ومسح على الخفين لا يجوز عندنا لانعدام الطهارة الكاملة عند الحدث بعد اللبس وعنده لانعدام الطهارة الكاملة عند اللبس
ومن شرائطه الحدث الأصغر فأما الحدث الأكبر فالمسح فيه غير مشروع لأن الجواز باعتبار الحرج ولا حرج في الحدث الأكبر لأن ذلك يشذ في السفر
ومن الشرائط أن يكون لابسا خفا يستر الكعبين فصاعدا وليس به خرق كثير لأن الشروع ورد بالمسح على الخفين
وما يستر الكعبين ينطلق عليه اسم الخف وكذا ما يستر الكعبين وسوى الخف فهو في معناه نحو المكعب الكبير والجرموق والمثيم وهو نوع من الخف
وأما المسح على الجوربين فهو على أقسام ثلاثة إن كانا مجلدين أو منعلين جاز المسح بإجماع بين أصحابنا
وأما إذا كانا غير منعلين فإن كانا رقيقين بحيث يرى ما تحتهما لا يجوز المسح عليهما
وإن كانا ثخينيين قال أبو حنيفة لا يجوز المسح عليهما وقال أبو يوسف و محمد يجوز
وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره
وقال الشافعي لا يجوز المسح على الجوارب وإن كانت منعلة إلا إذا كانت مجلدة إلى الكعبين فيجوز
وما قالاه أرفق بالناس وما قاله أبو حنيفة رحمة الله عليه أحوط وأقيس
ولو لبس الخفين ثم لبس فوقهما الجرموقين من الجلد ينظر إن لبسهما بعدما أحدث ووجب المسح على الخفين فإنه لا يجوز المسح على الجرموقين بالإجماع
فأما إذا لبسهما قبل الحدث ثم أحدث فإنه يجوز المسح علىالجرموقين عندنا
وعند الشافعي لا يجوز
وعلى هذا إذا لبس خفا على خف ثم الخف إذا كان به خرق إن كان يسيرا يجوز المسح عليه وإن كان كثيرا لا يجوز وهذا جواب الاستحسان
والقياس أن يكون اليسر مانعا كالكثير وهو قول زفر والشافعي
وقال مالك وسفيان الثوري إن الخرق قليله وكثيره لا يمنع بعد أن كان ينطلق عليه اسم الخف
والحد الفاصل بينهما هو قدر ثلاث أصابع الرجل فصاعدا حتى إذا كان أقل منه يجوز المسح عليه
ثم صفة الخرق المانع أن يكون منفتحا بحيث يظهر ما تحته من القدم مقدار ثلاثة أصابع
أو يكون منضما لكن ينفرج عند المشي ويظهر القدم
فأما إذا كان منضما لا ينفرج ولا يظهر القدم عند المشي فإنه لا يمنع وإن كان أكثر من ثلاث أصابع كذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة
ولو كان ينكشف الطهارة وفي داخله بطانة من جلد ولم يظهر القدم يجوز المسح عليه
هذا إذا كان الخرق في موضوع واحد فإن كان في مواضع مختلفة ينظر إن كان في خف واحد فإنه يجمع فإن بلغ مقدار ثلاث أصابع الرجل يمنع وإلا فلا وإن كان في خفين فإنه لا يجمع كذا ذكر محمد في الزيادات
وأما بيان نفس المسح فنقول المسح المشروع هو مسح ظاهر الخف دون أسفله وعقبه مرة واحدة حتى إذا مسح على أسفل الخف أو على العقب وجانبيه لا يجوز وكذا إذا مسح على الساق
وهو قول الشافعي المذكور في كتبه
وقال أصحابه بأنه إذا مسح على أسفل الخف وحده جاز ولكن السنة عنده الجمع بين المسح على ظاهر الخف وأسفله
وأما السنة عندنا فأن يمسح على ظاهر خفيه بكلتا يديه ويبتدىء به من قبل الأصابع إلى الساق
والصحيح قولنا لما روي عن المغيرة بن شعبة أن النبي عليه السلام توضأ ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة وكأني أنظر إلى أصابع رسول الله عليه السلام على ظاهر خفيه
ثم مقدار المفروض عندنا مقدار ثلاث أصابع اليد على ظاهر الخف سواء كان طولا أو عرضا حتى لو مسح بأصبع أو بأصبعين لا يجوز
وعند الشافعي إذا مسح مقدار ما يسمى به ماسحا جاز كما في مسح الرأس
وأما بيان حكم سقوطه فنقول إذا أنقضت مدة المسح يسقط ويجب عليه غسل القدمين دونالوضوء بكماله إن كان متوضئا
وإن كان محدثا يجب عليه الوضوء بكماله
وكذلك إذا نزع الخفين وكذلك إذا نزع أحدهما ينقض المسح وعليه غسل القدمين حتى لا يكون جامعا بين البدل والمبدل
ولو أخرج بعض القدم أو خرج بغير صنعه
روي عن أبي حنيفة أنه قال إذا أخرج أكثر العقب من الخف انتقض مسحه وإلا فلا
وروي عن أبي يوسف أنه قال إذا أخرج أكثر القدم ينتقض مسحه وإلا فلا
وروى عن محمد أنه قال إذا بقي في الخف قدر ما يجوز المسح عليه جاز وإلا فلا
وأما المسح على الجبائر فالكلام فيه في مواضع أحدها أن الغسل في أي وقت يسقط ويشرع المسح على الجبائر
والثاني أن المسح على الجبائر هل هو واجب في الجملة أم لا والثالث فيما يبطل المسح ويسقطه
والرابع في بيان الفصول التي خالف المسح على الجبائر فيها المسح على الخفين
أما الأول فنقول إن كان الغسل مما يضر بالعضو المنكسر والجرح والقرح فإنه يسقط ويشرع المسح على الجبائر
وكذا إذا كان لا يضره ولكن في نزع الجبائر خوف زيادة العلة أو زيادة الضرر
وأصل ذلك ما روي عن عليرضي الله عنه أنه قال كسر زنداي يوم أحد فسقط اللواء من يدي فقال عليه السلام اجعلوها في يساره فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة فقلت يا رسول الله ما أصنع بالجبائر فقال امسح عليها
هذا إذا مسح على الجبائر والخرق التي فوق الجراحة فأما إذا كانت زائدة على رأس الجرح هل يجوز المسح على الخرقة الزائدة وكذلك إذا اقتصد وربط عليه رباطا ينظر إن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها مما يضر بالجرح والقرح فإنه يجوز المسح على الخرقة الزائدة كما يجوز المسح على الخرقة التي على موضع الجراح
وإن كان الحل مما لا يضر بالجرح ولا يضره المسح أيضا فإنه لا يجزئه المسح على الجبائر بل عليه أن ينزع الجبائر ويحل الخرق ويغسل ما حول الجراح ويمسح عليها لا على الخرقة
وإن كان يضره المسح ولكن لا يضره الحل فإنه يمسح على الخرقة التي على الجراح ويغسل حواليها وما تحت الخرق الزائدة
كذا ذكره الحسن بن زياد مفسرا لأن جواز المسح بطريق الضرورة فيتقدر بقدرها
وأما بيان أن المسح على الجبائر واجب أم لا فنقول ذكر في ظاهر الرواية وقال إذا ترك المسح على الجبائر وذلك يضره جاز عند أبي حنيفة وقالا إذا كان لا يضره لا يجزئه فأجاب كل واحد منهما في غير ما أجاب الأخر
وبعض مشايخنا قالوا إن قول أبي حنيفة مثل قولهما في أن المسح على الجبائر واجب عند تعذر الغسل وإنما يبسط إذا كان المسح يضره لما روينا من الحديث أن النبي عليه السلام أمر بالمسح على الجبائر وظاهر الأمر لوجوب العمل إلا أنه إذا كان يخاف الضرر في المسح يسقط لأن الغسل يسقط عند خوف زيادة الضرر فالمسح أولى أن يسقط
وبعض مشايخنا قالوا بأن المسألة على الخلاف على قول أبي حنيفة المسح على الجبائر مستحب وليس بواجب وعندهما واجب
وكذا ذكر هذا في الكتاب ولكن القول الأول أصح
ولو ترك المسح على بعض الجبائر ومسح على البعض لم يذكر هذا في ظاهر الرواية
وروي عن الحسن بن زياد أنه قال إن مسح على الأكثر جاز وإلا فلا
وأما بيان ما يبطل المسح فنقول إذا سقطت الجبائر بعدما مسح عليها فلا يخلو إما أن تسقط عن برء أو لا عن برء ولا يخلو إما أن سقطت في حالة الصلاة أو خارج الصلاة
أما إذا سقطت لا عن برء فإن كان في الصلاة يمضي عليها وإن كان خارج الصلاة فإنه يضع الجبائر عليها ولا يعيد المسح عليها لأن سقوط الغسل بسبب العذر وهو قائم وإنما الواجب هو المسح وهو قائم وإن زال الممسوح الضرر وكما لو مسح على رأسه ثم حلقه
وأما إذا سقطت عن برء فإن كان خارج الصلاة إن لم يحدث بعد المسح يغسل موضع الجبائر لا غير وبطل المسح لأنه صار قادرا على الأصل فيبطل حكم البدل فيجب عليه غسله
أما غسل سائرالأعضاء فقائم ولم يوجد ما يرفعه وهو الحدث
وإن كان في الصلاة يستقبل لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل
وهل يجب عليه إعادة ما صلى بالمسح إذا برأت الجراحة فعندنا لا يجب
وعلى قول الشافعي يجب الإعادة على من جبر على الجرح والقرح قولا واحدا وله في صاحب الجبائر على العضو المنكسر قولان
والصحيح مذهبنا لما روينا من حديث علي أن النبي عليه السلام لم يأمره بإعادة الصلوات بعد البرء مع وقوع الحاجة إلى البيان
وأما بيان الفرق بين المسح على الجبائر والمسح على الخفين فمن وجوه أحدها إذا وضع الجبائر وهو محدث ثم توضأ جاز له أن يمسح عليها وإذا لبس الخفين وهو محدث ثم توضأ ليس له أن يمسح
والفرق أن المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها فيكون قائما مقامه وقد وجد
ثم من شرط جواز المسح أن يكون ظاهرا عند الحدث بعد اللبس حتى يكون الخف مانعا للحدث لا رافعا
والثاني أن المسح على الجبائر غير مؤقت بالأيام ولكن مؤقت إلى وقت وجود البرء حتى ينتقض بوجود البرء وفي حق العضو الذي عليه الجبائر والمسح على الخفين مؤقت بالمدة المعلومة
والثالث أن سقوط الجبائر لا عن برء ولا ينقض المسح حتىإن عليه أن يضعها مرة أخرى ويصلي
وفي المسح على الخفين إذا سقط يجب عليه غسل الرجلين والله أعلم
كتاب الصلاة
اعلم بأن الله تعالى فرض خمس صلوات في اليوم والليلة عرفت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي فرضا مؤقتا
وقال تعالى { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } فهذا بيان الصلوات الخمس
وأما السنة فما روي عن النبي عليه السلام أنه قال في خطبة حجة الوداع أيها الناس اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم
وعليه إجماع الأمة
ثم للصلاة فرائض وواجبات وسنن وآداب
أما الفراض فاثنتا عشر ستة من الشرائط وستة من نفس الصلاة
فأما الستة التي من الشرائط فالطهارة بأنواعها وستر العورةواستقبال القبلة والوقت والنية والتحريمة وهي تكبيرة الافتتاح
وقال الشافعي بأن التحريمة ركن وليست بشرط
وفائدة الخلاف أن من أحرم للفرض ثم أراد أن يؤدي بها التطوع جاز عندنا كما لو تطهر للفرض جاز له أن يصلي به التطوع وعند الشافعي لا يجوز بأن يحرم للفرض ويفرغ منه ثم يشرع في التطوع قبل السلام من غير تحريمة جديدة يصير شارعا في التطوع عندنا وعند الشافعي لا يجوز وعليه مسائل
وأما الستة التي هي من نفس الصلاة فالقيام والقراءة والركوع والسجود والانتقال من ركن إلى ركن والقعدة الأخيرة إلا أن الأربعة الأولى من الأركان الأصلية دون الاثنين الباقيين حتى إن من حلف أن لا يصلي فقيد الركعة بالسجدة يحنث وإن لم توجد القعدة ولو أتى بما دون الركعة لا يحنث
ولكن الاثنتين الباقيتين من فروض الصلاة أيضا حتى لا تجوز الصلاة بدونهما ويشترط لهما ما يشترط للأركان
وأما واجبات الصلاة فثمانية قراءة الفاتحة والسورة في الأوليين فأما مقدار المفروض فآية واحدة عند أبي حنيفة
وعندهما آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة على ما نذكر
منها الجهر بالقراءة فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت في الصلاة التي تقام بالجماعة
ومنها تعديل الأركان عند أبي حنيفة على قول بعض المشايخ وعند بعضهم ستة
ومنها مراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأركان وهو السجدة الثانية إذ هي واجبة وليست بفرض حتى إن من ترك السجدة الثانية منالركعة الأولى ساهيا وقام وصلى تمام الصلاة ثم تذكر فإن عليه أن يسجد السجدة المتروكة ويسجد للسهو بترك الترتيب
ومنها القعدة الأولى وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة
والقنوت في الوتر وتكبيرات العيدين
وأما السنن والآداب فكثيرة نذكرها في مواضعها والحد الفاصل بينهما أن كل ما فعله رسول الله عليه السلام على طريق المواظبة ولم يتركه إلا لعذر فهو سنة نحو الثناء والقعود وتكبيرات الركوع والسجود ونحوها وكل ما فعله رسول الله عليه السلام مرة أو مرتين ولم يواظب عليه فهو من الآداب كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود على الثلاثة ونحوها على ما يعرف في مواضعها إن شاء الله تعالى والله أعلم
باب مواقيت الصلاة
الكلام في هذا الباب يقع في خمسة مواضع في بيان أصل أوقات الصلوات المفروضة وفي بيان الأوقات المستحبة منها وفي بيان أوقات الصلوات الواجبة وفي بيان أوقات السنن المؤقتة وفي بيان الأوقات التي يكره فيها الصلاة
أما بيان أوقات الصلاة المفروضة فنقول أول وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر الثاني وآخره حين تطلع الشمس وإنما قيد بالفجر الثاني لأن الفجر فجران الأول وهو الذي يبدو في ناحية من السماء كذنب السرحان طولا ثم ينكتم سمي فجرا كاذبا لأنه يبدو نوره ثم يخلف ويعقبه الظلام وهذا الفجر مما لا يحرم به الطعام والشراب على الصائمين ولا يخرج به وقت العشاء ولا يدخل وقت صلاة الفجر
وأما الفجر الثاني فهو المعترض في الأفق لا يزال نوره حتى تطلع الشمس سمي فجرا صادقا لأنه إذا بدا نوره ينتشر في الأفق ولم يخلف وهذا الفجر مما يحرم به الطعام والشراب على الصائمين ويخرج بهوقت العشاء ويدخل وقت صلاة الفجر
وهكذا روى ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه قال الفجر فجران فجر مستطيل يحل به الطعام وتحرم فيه الصلاة وفجر مستطير يحرم به الطعام وتحل فيه الصلاة
وأما أول وقت الظهر فحين زالت الشمس بلا خلاف
وأما آخره فلم يذكر في ظاهر الرواية وقد اختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة
روى محمدعنه إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وبه أخذ أبو حنيفة
وروى الحسن بن زيادعنه أنه قال إذا صار ظل كل شيء مثله سوى في الزوال يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي
وروى أسد بن عمروعنه أنه قال إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فيكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل كما بين الظهر والفجر
وأما أول وقت العصر فعلى الاختلاف الذي ذكرنا في آخر وقت الظهر
ثم لا بد من معرفة زوال الشمس ومعرفة فيء الزوال حتى يعرف وقت الظهر والعصر فينبغي أن يغرز عودا مستويا في أرض مستويةقبل الزوال فما دام طول العود على النقصان فالشمس في الانقطاع ولم تزل بعد
وإن امتنع الظل عن النقصان ولم يأخذ في الزيادة فالشمس في الاستواء وهو حال قيام الظهيرة وإذا أخذ الظل في الزيادة فالشمس قد زالت وهي حال الزوال
فأما معرفة فيء الزوال فينبغي أن يخط على رأس موضع الزيادة فيكون من رأس الخط إلى العود فيء الزوال فإذا صار العود مثليه من رأس الخط إلا من العود خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر عند أبي حنيفة وإذا صار ظل العود مثله من رأس الخط خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر عندهما
وأما آخر وقت العصر فحين تغرب الشمس عندنا
و للشافعي فيه قولان في قول إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقت العصر ولا يدخل وقت المغرب حتى تغرب الشمس فيكون بينهما وقت مهمل عنده على هذا القول
وفي قول إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقت المستحب ويبقى أصل الوقت إلى غروب الشمس
وأما أول وقت المغرب فحين تغرب الشمس بلا خلاف
واختلفوا في آخره قال علماؤنا رحمهم الله حين يغيب الشفق
وقال الشافعي إذا مضى من الوقت مقدار ما يتطهر الإنسان ويؤذن ويقيم ويصلي المغرب ثلاث ركعات يخرج وقت المغرب حتى إذا صلى المغرب بعد ذلك يكون قضاء لا أداء
وأما أول وقت العشاء فحين يغيب الشفق بلا خلاف
واختلفوا في تفسير الشفققال أبو حنيفة هو البياض
وقال أبو يوسف و محمدالشافعي هو الحمرة فمتى غابت الحمرة وارتفع البياض وانتشر الظلام في الأفق يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب عندهم
وإذا غاب البياض وبدأ الظلام في الأفق يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء عنده
وأما آخر وقت العشاء فحين يطلع الفجر الصادق عندنا
وعند الشافعيقولان في قول حين يمضي ثلث الليل
وفي قول حين يمضي النصف
وأما بيان الأوقات المستحبة فنقول لا يخلو إما إن كانت السماء مصحية أو متغيمة فإن كانت مصحية ففي الفجر المستحب هو آخر الوقت ويكون الإسفار بصلاة الفجر أفضل من التغليس في السفر والحضر والصيف والشتاء وفي حق جميع الناس إلا في حق الحاج بمزدلفة فإن التغليس بها أفضل في حقهم
وكان اختيار الطحاوي أن يبدأ بالتغليس فيبطل القراءة ثم يختم بالإسفار
وفي الظهر المستحب هو آخر الوقت في الصيف وأوله في الشتاء
وفي العصر المستحب هو التأخير ما دامت الشمس بيضاء نقية في الشتاء والصيف
وفي المغرب المستحب أول الوقت ويكون تعجيله أفضل
وتأخيره إلى وقت اشتباك النجوم مكروه
وفي العشاء المتسحب هو التأخير إلى ثلث الليل في الشتاء ويكره التأخير إلى نصف الليل وذكر الكرخي تأخير العشاء ما لم يتجاوز ثلث الليل أفضل وكذا ذكر الطحاوي
وفي الصيف التعجيل أفضل
وهذا كله مذهب علماؤنا
وقال الشافعي المستحب هو التعجيل في الصلوات كلها
وأما إذا كانت السماء متغيمة فإن المستحب أن يؤخر الفجر والظهر والمغرب ويعجل العصر والعشاء
فكل صلاة في أول اسمها عين تعجل
وما لم يكن في أول اسمها عين تؤخر
وأما بيان أوقات الصلوات الواجبة وما هو شبيه بها فمنها وقت الوتر وهو على قول أبي حنيفة وقت صلاة العشاء إلا أنه شرع مرتبا عليها كوقت قضاء الفائتة هو وقت أداء الوقتية لكنه شرع مرتبا عليه فلا يجوز أداؤه قبل صلاة العشاء مع أنه وقته لفوت شرطه وهو الترتيب
وعلى قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وقته بعد أداء صلاة العشاء
وهذا بناء على أن الوتر واجب عنده وعندهم سنة
ثم الوقت المستحب للوتر لم يذكر في ظاهر الرواية
ومشايخنا قالوا إن طمع أنه يستيقظ في آخر الليل غالبا فالأفضل أن يؤخر إلى وقت السحر
وإن خشي أن لا يستيقظ فالأفضل أن يوتر بعد العشاء في الوقت المستحب
وإذا ترك الوتر عن وقته حتى طلع الفجر يجب عليه القضاء عند أصحابنا
وعلى قول الشافعي لا يجب لأنه سنة
وأما على قول أبي حنيفة فلا يشكل لأنه واجب وإنما المشكل على قولهما فإنه سنة عندهما فكان ينبغي أن لا يقضي ولكن هذا هو القياس عندهما وكذا روي عنهما في غير رواية الأصول
وجواب ظاهر الرواية هو الاستحسان وتركا القياس بالأثر وهو ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره ولم يفصل بين ما إذا تذكر في الوقت أو بعده
من هذا النوع وقت صلاة الجنازة وهو وقت حضور الجنازة حتى إذا حضرت الجنازة وقت الغروب فأداها فيه يجوز من غير كراهة لأنها وجبت في هذا الوقت ناقصة وبمنزلة أداء العصر في الوقت المكروه
وكذا وقت وجوب سجدة التلاوة وقت التلاوة حتى لو تلا آية السجدة في وقت غير مكروه وسجدها في وقت مكروه لا يجوز لأنها وجبت كاملة فلا تؤدى ناقصة
ولا تلا في وقت مكروه وسجدها فيه جاز من غير كراهة
ومن هذا النوع وقت صلاة العيدين وهو من وقت ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال فإن صلاة العيدين واجبة على ما تذكر
وأما أوقات السنن المؤقتة فوقت بعض السنن بعد أداء الفرائض ووقت بعضها قبل الفريضة في وقتها
فمتى أدى السنن على الوجه الذي شرع يكون سنة وإلا فيكون تطوعا مطلقا على ما نذكر إن شاء الله تعالى
وأما بيان الأوقات التي يكره فيهاالصلاة فنقول الأوقات المكروهة اثنا عشر وقتا فثلاثة منها يكره الصلاة فيها لمعنى في الوقت والباقي لمعنى غير الوقت
أما الثلاثة التي يكره الصلاة فيها لمعنى يتصل بالوقت فيما بعد طلوع الشمس إلى أن ترتفع وتبيض
ووقت استواء الشمس حتى تزول ووقت احمرار الشمس واصفرارها حتى تغرب
وفي هذه الأوقات الثلاثة يكره أداء التطوع المبتدأ الذي لا سبب له في جميع الأزمان وفي جميع الأمكنة حتى لو شرع فيه فالأفضل أن يقطع ولكن أو أدى جاز مع الكراهة
وكذا التطوع الذي له سبب مثل ركعتي الطواف وركعتي تحية المسحد ونحوهما
وكذا يكره أداء الفرض فيه وهو صلاة العصر عند تغير الشمس
ولا يتصور أداء الفرض وقت الاستواء قبل الزوال ووقت الطلوع لأنه لا فرض فيهما
ولكن مع هذا أداء العصر في الوقت المكروه جائز مع الكراهة بالحديث فالأداء فيه مع الكراهة أولى لأنها تفوت عن الوقت أصلا
وكذا يكره أداء الواجبات في هذه الأوقات لكن يجوز مع الكراهة وذلك نحو من قرأ آية السجدة فيها أو حضرت الجنازة فيها أو أوجب على نفسه الصلاة فيها فأدى السجدة والصلاة يجوز مع الكراهة
لكن الأفضل في صلاة الجنازة أن يؤديها ولا يؤخرها لقوله عليهالسلام ثلاث لا يؤخرون الجنازة إذا حضرت وفي سجدة التلاوة والصلاة المنذورة الأفضل أن يقطع ويؤديها في وقت آخر لأن الوقت في حقها ليس بسبب الوجوب ولا بشرط بل الأداء وجب مطلقا فلا يفوت عن الوقت
فأما قضاء الفرائض والصلاة المنذورة الفائتة وقضاء الواجبات الفائتة عن أوقاتها كسجدة التلاوة التي وجبت بالتلاوة في وقت غير مكروه أو الوتر الذي فات عن الوقت فإنه لا يجوز في هذه الأوقات
وهذا كله مذهب علماؤنا
وقال الشافعي يجوز ذلك كله من غير كراهة إلا التطوع المبتدأ الذي لا سبب له فإنه مكروه فيها إلا بمكة في جميع الأزمان أو في يوم الجمعة في جميع الأمكنة فإنه غير مكروه
والصحيح مذهبنا لما روي عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا إذا طلعت الشمس حتى ترتفع ونصف النهار وإذا تضيفت الشمس للغروب من غير فصل بين التطوع المبتدأ وغيره فهو على العموم
وأما الأوقات الأخر التي تكره الصلاة فيها لمعنى في غير الوقت فمنها بعد طلوع الفجر إلى أن يصلي الفجر وبعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس
وبعد صلاة العصر إلى أن تتغير الشمس للغروب فلا خلاف أن أداء التطوع المبتدأ مكروه فيها
ولا خلاف أن قضاء الفرائض والواجبات يجوز فيها من غير كراهة
وأما التطوعات التي لها أسباب مثل ركعتي الطواف وركعتي التحية وركعتي الفجر بعدما صلى الفجر ولم يؤدهما لعذر أو لغير عذر فيكره أداؤها عندنا
وعند الشافعي لا يكره
وأجمعوا أنه لا يكره أداء ركعتي الفجر قبل صلاة الفجر
وكذا أداء الواجبات في هذه الأوقات من سجدة التلاوة وصلاة الجنازة يجوز من غير كراهة
والصحيح مذهبنا لما روي عن عبد الله بن عباس أنه قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله عليه السلام قال لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تشرق الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ليس في الحديث فصل إلا ما خص بالإجماع
وأما أداء الواجب الذي وجب بصنع العبد من النذر وقضاء التطوع الذي أفسده ونحو ذلك فيها فإنه يكره في ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف أنه لا يكره لأنه واجب بسبب النذر كسجدة التلاوة
والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن المنذور عينه ليس بواجب وكذا عين الصلاة لا يجب بالشروع
ومنها ما بعد الغروب يكره النفل فيه وغيره لأن فيه تأخير المغرب عن وقته
ومنها ما بعد نصف الليل يكره فيه أداء العشاء لا غير كي لا يؤخر العشاء إلى النصف لما فيه من تقليل الجماعة
ومنها وقت الخطبة يوم الجمعة يكره فيه الصلاة لأنه سبب لترك استماع الخطبة
ومنها وقت خروج الإمام للخطبة قبل أن يشتغل بها وبعد الفراغ منها إلى أن يشرع في الصلاة يكره التطوع فيه عند أبي حنيفة خلافا لهما
ومنها بعد شروع الإمام في الجماعة يكره للقوم التطوع قضاء لحق الجماعة إلا في صلاة الفجر فإنه إذا لم يصل ركعتي الفجر فله أن يصلي إذا لم يخف فوت الجماعة أصلا بأن كان عنده أنه يدرك ركعة من الفجر بجماعة لإحراز ثواب الجماعة مع فضيلة ركعتي الفجر على ما نذكر إن شاء الله تعالى
ومنها وقت يكره فيه التنفل لبعض الناس دون بعض وهو قبل صلاة العيدين من حضر المصلى يوم العبد فإنه يكره له أن يتطوع قبل صلاة العيد لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان ينهى الناس عن التنفل قبل صلاة العيد
باب الأذان
الكلام في هذا الباب في ستة مواضع وفي بيان الأذان أنه سنة أو واجب
وفي بيان كيفية الأذان
وفي بيان سنن الأذان
وفي بيان المحل الذي شرع فيه الأذان
وفي بيان وقت الأذان
وفي بيان ما يجب على السامعين عند الأذان
أما الأول فنقول اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا إنه واجب لما روي عن محمد أن أهل بلدة من بلاد الإسلام إذا تركوا الأذان والإقامة فإنه يجب القتال معهم وإنما يقاتل على ترك الواجب دون السنة
وعامة مشايخنا قالوا إنهما سنتان مؤكدتان لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في قوم صلوا الظهر أو العصر في المصر بجماعة من غير أذان وإقامة إنهم أخطؤوا السنة وخالفوا وأثموا
ولكن كلا من القولين متقاربان لأن السنة المؤكدة والواجب سواء
وأما بيان كيفية الأذان فنقول الأذان هو الأذان المعروف فيما بين الناس من غير زيادة ولا نقصان
وهذا قول عامة العلماء
وقد خالف بعض الناس في الزيادة عليه والنقصان عنه قال عامة العلماء يكبر أربع مرات في ابتداء الأذان وقال مالك يكبر مرتين
وقال عامة العلماء يختم الأذان بقوله لا إله إلا الله وقال مالك يختم بقوله لا إله إلا الله والله أكبر
وقال عامة العلماء لا ترجيع في الأذان
وقال الشافعي الترجيع فيه سنة
وتفسير الترجيع عنده أن يبتدىء المؤذن بالشهادتين فيقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين وأشهد أن محمدا رسول الله مرتين ويخفض بهما صوته ثم يرجع إليهما ويرفع بهما صوته
وقال عامة العلماء الإقامة مثنى مثنى وكالأذان وقال مالك و الشافعي الإقامة فرادى فرادى
وقال عامة العلماء يقال في الإقامة قد قامت الصلاة مرتين
وقال مالك يقال مرة واحدة
وقال عامة العلماء بالتثويب في أذان الفجر بأن يقال فيه الصلاة خير من النوم مرتين بعد قوله حي على الفلاح وقال الشافعي في قوله الجديد إنه لا تثويب فيه
وأما بيان سنن الأذان فنقول إنها نوعان منها ما يرجع إلى نفس الأذان ومنها ما يرجع إلى المؤذن
أما الذي يرجع إلى نفس الأذان فمنها أن يأتي بالأذان والإقامة جهرا ويرفع بهما صوته إلا أن الإقامة أخفض
ومنها أن يفصل بين كلمتي الأذان بسكتة ولا يفصل بين كلمتي الإقامة بل يجعلهما كلاما واحدا
ومنها أين يترسل في الأذان ويجدر في الإقامة
ومنها أين يرتب بين كلمات الأذان والإقامة كما شرع حتى إذا قدم البعض وأخر البعض فالأفضل أن يعيد مراعاة للترتيب
ومنها أن يوالي ويتابع بين كلمات الأذان والإقامة كما يوالي في الوضوء حتى لو ترك الموالاة فالسنة أن يعيد الأذان
ومنها أن يأتي بهما مستقبل القبلة إلا إذا انتهى إلى الصلاة والفلاح يحول وجهه يمينا وشمالا ولا يحول قدميه إلا إذا كان في الصومعة فلا بأس بأن يستدير في الصومعة ليخرج رأسه من نواحيها
وأما الذي يرجع إلى المؤذن فينبغي أن يكون رجلا عاقلا بالغا صالحا تقيا عالما بالسنة وبأوقات الصلوات مواظبا على ذلك فإن أذان الصبي العاقل صحيح من غير كراهية كذا ذكر في ظاهر الرواية ولكن أذان البالغ أفضل
وأما أذان المرأة فيكره بالإجماع ولكن يجوز مع الكراهة حتى لا يعاد كذا ذكر في ظاهر الرواية
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يعاد
وأما أذان الصبي الذي لا يعقل فلا يجوز ويعاد
وكذا أذان السكران الذي لا يعقل والمجنون
هكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة لأنه لا يقع به الإعلام لأنالصلحاء لا يعتمدون على أذانهم
وفي ظاهر الرواية قال يكره أذان السكران والمعتوه الذي لا يعقل وأحب إلي أن يعاد ولم يذكر وجوب الإعادة
ومن السنة أن يجعل إصبعيه في أذنيه وإن ترك لا يضره كذا ذكر في ظاهر الرواية
وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الأحسن أن يجعل إصبعيه في أذنيه في الأذان والإقامة وإن جعل يديه على أذنيه فحسن
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال إن جعل إحدى يديه على أذنه فحسن
ومن السنة أن يكون المؤذن على وضوء وإن ترك الوضوء في الأذان لا يكره في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن يكره
وأما أذان الجنب وإقامته فيكره بالاتفاق وهل يعاد ذكر في ظاهر الرواية أنه يجوز ولا تجب الإعادة ولكن يستحب
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعاد
فالحاصل أنه يستحب إعادة أذان أربعة نفر في ظاهر الرواية ذكر أذان الجنب والمرأة في الجامع الصغير وذكر أذان السكران والمعتوه الذي لا يعقل في كتاب الصلاة
وفي غير رواية الأصول يعاد أذان هؤلاء الأربعة
ومن السنة أن يؤذن ويقيم إذا أذن للجماعة ولو ترك من غير عذر يكره
وأما إذا أذن لنفسه فلا بأس بأن يؤذن قاعدا
وأما المسافر فلا بأس بأن يؤذن راكبا ولا يكره له ترك القيام
وينبغي أن يؤذن محتسبا ولا يأخذ على الأذان أجرا وإن أخذ يكره
وأصله ما روي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه قال آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلي بالقوم صلاة أضعفهم وأن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا
أما بيان المحل الذي شرع فيه الأذان والإقامة فنقول المحل الذي شرعا فيه هو الصلوات المكتوبات التي تؤدى بجماعة مستحبة أو ما هو شبيه بها
ولهذا لا أذان في التطوعات ولا إقامة لأنه لا يستحب فيها الجماعة
وكذا في الوتر لأنه تطوع عندهما
وعند أبي حنيفة وإن كان واجبا ولكنه تبع للعشاء فيجعل تبعا في الأذان
وكذا لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين ولا في صلاة الكسوف والخسوف وصلاة الاستقساء لأنها من السنن
وكذا في صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة حقيقية
وكذا الأذان في حق النسوان والعبيد وكذا من لا جماعة عليهم لأنها سنة الجماعة المستحبة ولا يستحب جماعة النسوان والعبيد
فأما الجمعة ففيها أذان وإقامة لأنها فريضة
لكن الأذان المعتبر ما يؤتى به إذا صعد الإمام المنبر
والإقامة المعتبرة
ما يؤتى بها إذا فرع إمام من الخطبة حتى تجب الإجابة لهذا الأذان والاستماع دون الأذان الذي يؤتى به في الصومعة
وقال بعضهم الأذان المعتبر هو الأذان الذي يؤتى به على المنارة
والصحيح قول العامة لما روي عن السائب بن يزيد أنه قال كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله عليه السلام وعلى عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند المنبر أذانا واحدا فلما كان في زمن عثمان رضي الله عنه كثر الناس وأحدثوا هذا الأذان في الزوراء
فأما إذا صلى الرجل وحده في بيته فقد ذكر في ظاهر الرواية إنه إن صلى أذان وإقامة يجزئه ويكفيه أذان الناس وإقامتهم ولو أتى بالأذان والإقامة فحسن
وأما في حق المسافرين فالأفضل أن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بالجماعة فإن صلوا بجماعة وأقاموا وتركوا الأذان أجزأهم ولا يكره بخلاف أهل المصر فإنهم إذا تركوا الأذان وأقاموا يكره لهم ذلك لوجود سبب الرخصة في حق المسافرين دونهم
وأما المسافر إذا كان وحده لو ترك الأذان لا بأس به ولو ترك الإقامة يكره بخلاف المقيم إذا كان يصلي وحده في بيته لو ترك الأذان والإقامة لا بأس به لأن أذان الناس وإقامتهم يقوم مقام فعل المقيم ولم يوجد ذلك في حق المسافر
وإن صلى في مسجد بأذان وإقامة هل يكره أن يؤذن ويقام فيه ثانيا ينظر إن كان مسجدا له أهل معلوم فإن صلى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يصلوا فيه بجماعة مع الأذان والإقامة وإن صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله فإنه يكره لغير أهلهوللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة
وهذا عندنا
وقال الشافعي لا يكره تكرار الأذان والإقامة
وهذه المسألة في الحاصل بناء على مسألة أخرى أن تكرار الجماعة لصلاة واحدة في مسجد واحد هل يكره ففي كل موضع يكره تكرار الجماعة يكره تكرار الأذان وفي كل موضع لا يكره تكرار الجماعة لا يكره لأنهما من سنة الصلاة بجماعة والجواب فيه ما ذكرنا
وعلى قول الشافعي لا يكره تكرار الجماعة مرة بعد أخرى في المسجد كيفما كان
وروي عن أبي يوسف ومحمد أنه إنما يكره إذا كان على سبيل الاجتماع والتداعي وقام في المحراب
فإما إذا أقام الصلاة بواحد أو باثنين في ناحية المسجد فلا يكره
وإن كان له أهل معلومون فإن صلى فيه غير أهله بأذان الطرق فإنه لا يكره فيه تكرار الجماعة بالإجماع
وأما الفوائت فتقام بالجماعة بأذان وإقامة عندنا وعند الشافعي في قول يقضي بالإقامة لا غير
وفي قول بغير أذان وإقامة
وروي في غير رواية الأصل عن محمد أنه إذا فاتت صلوات يقضي الأولى بأذان وإقامة والباقي بالإقامة دون الأذان
وحكي عن أبي بكر الرازي أنه قال يجوز أن يكون ما قال محمد قولهم جميعا
والمذكور في الكتاب محمول على الصلاة الواحدة فيرتفع الخلاف بين أصحابنا
وأما بيان وقت الأذان والإقامة فنقول وقتهما هو وقت الصلوات المكتوبات حتى إذا أذن قبل أوقاتها لا يجوز وهذا جواب ظاهر الرواية
وروي عن أبي يوسف أنه قال في صلاة الفجر إذا أذن في النصف الأخير من الليل يجوز وبه أخذ الشافعي
والصحيح قولنا لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال لا يمنعكم أذان بلال من السحور فإنه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم ويتسحر صائمكم فعليكم بأذان ابن أم مكتوم
وأما بيان ما يجب على السامعين عند الأذان فنقول يجب عليهم الإجابة على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال أربع من الجفاء وذكر من جملتها ومن سمع الأذان والإقامة ولم يجب
والإجابة أن يقول مثل ما قاله المؤذن إلا في قوله حي على الصلاة حي على الفلاح فإنه يقول مكان ذلك لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لأن إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء
وكذا إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم فلا يقول السامع مثله لأنه يشبه المحاكاة ولكن يقول صدقت وبالحق نطقت وبررت
وكذا ينبغي أن لا يتكلم في حال الأذان والإقامة ولا يقرأ القرآن ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة
ولو أن في قراءة القرآن حين سمع الأذان ينبغي أن يقطع القراءة ويستمع الأذان ويجيب هكذا ذكر في الفتاوى
والله أعلم
باب استقبال القبلة
لا يخلو إما إن كان قادرا على الاستقبال أو كان عاجزا
فإن كان قادرا يجب عليه أن يتوجه إلى القبلة
فإن كان في حال مشاهدة الكعبة فإلى عينها
وإن كان في حالة البعد يجب التوجه إلى المحراب والمنصوب بالأمارات الدالة عليها هكذا ذكر أبو الحسن ههنا
وقال بعضهم الواجب إصابة عين الكعبة بالاجتهاد والتحري في حالة البعد
والصحيح هو الأول
ولهذا إن من دخل البلدة وعاين المحاريب المنصوبة يجب عليه أن يصلي إليها ولا يجوز له أن يتحرى لأن الجهة صارت قبلة باجتهادهم المبني على الأمارات الدالة عليها من النجوم والشمس والقمر فيكون فوق الاجتهاد بالتحري
وكذا إذا دخل مسجدا لا محراب له وبحضرته أهل المسجد فتحرى وصلى لا يجزئه
وكذلك إذا كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلالبالنجوم على القبلة لا يجوز له التحري لأن هذا فوق التحري
وأما إذا كان عاجزا فإما إن كان عاجزا بعذر من الأعذار مع العلم بالقبلة أو كان عاجزا بسبب الاشتباه
فإن كان عاجزا بعذر فله أن يصلي إلى أي جهة كان يسقط عنه الاستقبال وذلك نحو أن يخاف على نفسه من العدو في صلاة الخوف أو كان بحال لو استقبل القبلة يقف عليه العدو أو قطاع الطريق أو السبع أو كان على خشبة في السفينة في البحر لو وجهها إلى القبلة يغرق غالبا ونحو ذلك
وأما إذا كان بسبب الاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة أو كان لا يعلم بالأمارات الدالة على القبلة وليس معه من يسأله عن القبلة فعليه أن يصلي بالتحري في هذه الحالة
فإذا صلى إلى جهة من الجهات فلا يخلو إما إن صلى إلى جهة بالتحري أو بدون التحري
أما إذا صلى بدون التحري فلا يخلو من ثلاثة أوجه إما إن كان لا يخطر بباله شيء ولم يشك في جهة القبلة أو خطر بباله وشك في وجهة الكعبة وصلى من غير التحري
أو تحرى ووقع تحريه على جهة وصلى إلى الجهة التي لم يقع عليها التحري
أما إذا لم يخطر بباله شيء ولم يشك في جهة القبلة فصلى إلى جهة من الجهات فالأصل هو الجواز
فإذا مضى على هذه الحالة ولم يخطر بباله شيء صارت الجهة التي صلى إليها قبلة له ظاهرا فأما إذاظهر خطؤه بيقين بأن انجلى الظلام وتبين أنه صلى إلى غير القبلة أو تحرى ووقع تحريه على غير الجهة التي صلى إليها فإنه يعيد الصلاة إن كان بعد الفراغ وإن كان في الصلاة يستقبل
وأما إذا شك ولم يتحر وصلى إلى جهة فالأصل هو الفساد
إن ظهر بيقين أو بالتحري أن الجهة التي صلى إليها ليست بقبلة تقرر الفساد وإن ظهر أن الجهة التي صلى إليها قبلة فإن كان بعد الفراغ من الصلاة يحكم بجوازها ولا يعيد وإن ظهر في وسط الصلاة فعند أبي يوسف يبني على صلاته كما قلنا وفي ظاهر الرواية يستقبل الصلاة
وأما إذا تحرى ووقع تحريه إلى جهة ثم صلى إلى جهة أخرى وأصاب القبلة فلا يجوز عند أبي حنيفة و محمد
وعند أبي يوسف يجوز
فأما إذا صلى إلى الجهة التي تحرى ثم ظهر أنه أخطأ
فإن ظهر أنه صلى إلى اليمنة أو اليسرة جاز بلا خلاف وإن ظهر أنه صلى مستدبر الكعبة يجوز عندنا
وعند الشافعي لا يجوز
والصحيح قولنا لأن القبلة في حالة الاشتباه هي الجهة التي تحرى إليها لقوله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه الله }
باب افتتاح الصلاة
افتتاح الصلاة يتعلق بفروض وسنن فلا يصح بدون استجماع فروضه ولا يتم بدون إتيان سننه
أما فروضه فما ذكرنا من الشرائط الستة وهي الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة والوقت والنية وتكبيرة الافتتاح
ولا خلاف في هذه الجملة إلا في تكبيرة الافتتاح
فعند أبي بكر الأصم يصح الشروع في الصلاة بمجرد النية دون التكبير
وهو فاسد لقول النبي عليه السلام لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر
ثم عند أبي حنيفة و محمد يصح الشروع بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى مراد به تعظيمه لا غير نحو أن يقول الله أكبر الله أعظم
وكذا كل اسم ذكر مع الصفة نحو الرحمن أعظم الرحيم أجل أو يقول الحمد لله أو سبحان الله أو لا إله إلا الله سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن
وقال أبو يوسف لا يصير شارعا إلا بألفاظ مشتقة من التكبير لا غير وهي ثلاثة ألفاظ الله أكبر الله الأكبر الله الكبيرإلا إذا كان لا يحسن التكبير
وقال الشافعي لا يصح إلا بقوله الله أكبر الله الأكبر
وقال مالك لا يصير شارعا إلا بقوله الله أكبر
فأما إذا قال الله أو الرحمن أو الرحيم ولم يقرن به الصفة هل يصير شارعا لم يذكر في الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يصير شارعا وفي الجامع الصغير إشارة إليه فإنه ذكر إذا قال لا إله إلا الله يصير شارعا والشروع يصح بقوله الله لا بالنفي
وأجمعوا أنه إذا قال اللهم اغفر لي لا يصير شارعا لأنه لم يخلص تعظيم الله تعالى به لأن غرضه الدعاء
واختلف المشايخ فيما إذا قال اللهم ولم يذكر شيئا آخر
فأما إذا قال بالفارسية خداىء بزرك تر أو خداىء بزرك فعلى قول أبي حنيفة يصير شارعا كيفما كان
وعلى قولهما إن كان لا يحسن العربية فكذلك وإن كان يحسن لا يجوز
ثم إنما يصير شارعا إذا كبر في حال القيام إذا كان قادرا
فأما إذا كبر قاعدا ثم قام لا يصير شارعا
فأما إذا لم يكن قادرا على القيام فيجوز
ثم النية شرط صحة الشروع لأن العبادة لا تصح بدون النية
وتفسيرها إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص والإرادة عمل القلب
ثم ذكر ما نوى بقلبه باللسان هل هو سنة عند بعضهم ليس بسنة
وقال بعضهم هو سنة مستحبة فإن محمدا ذكر في كتاب المناسك إذا أردت أن تحرم الحج إن شاء الله فقل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني فههنا يجب أن يقول اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها لي وتقبلها مني
ثم لا يخلو إما إن كان منفردا أو إماما أو مقتديا
فإن كان منفردا أو إماما فإن كان يصلي التطوع ينوي أصل الصلاة وإن كان يصلي الفرض ينبغي أن ينوي فرض الوقت أو ظهر الوقت ولا يكفيه نية مطلق الصلاة لأن الفرائض من الصلوات مشروعة في الوقت فلا بد من التعيين
وكذا ينبغي أن ينوي صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الجنازة لأن التعيين يحصل بهذا
وإن كان مقتديا يحتاج إلى ما يحتاج إليه المنفرد ويحتاج إلي نية الاقتداء بالإمام
بأن ينوي فرض الوقت والاقتداء بالإمام فيه أو ينوي الشروع في صلاة الإمام أو ينوي الاقتداء بالإمام في صلاته
ثم الأفضل في النية أن تكون مقارنة لتكبير ولكن القرآن ليس بشرط عند أصحابنا
وقال الشافعي شرط
ولكن إذا نوى قبل الشروع ولم يشتغل بعمل آخر جاز
وإذا نوى بعد التكبير لا يجوز لأن الحرج يندفع بتقديم النية إلا ما روي عن الكرخي أنه يجوز إذا نوى وقت الثناء
ونية الكعبة شرط عند بعض المشايخ وعند بعضهم ليس بشرط وهو الأصح
وأما سنن الافتتاح فأن يحذف التكبير ولا يطول وأن يرفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح مقارنا لها
والسنة في رفع اليدين أن ينشر بالأصابع ويجعل كفيه مستقبلي القبلة
وأراد بالنشر أن لا يرفعهما مضمومتين بل مفتوحتين حتى تكون الأصابع نحو القبلة لا أن يفرج بين الأصابع تفريجا
ويرفع يديه حذاء أذنيه
وقال الشافعي يرفع حذو منكبيه
وقال مالك يرفع حذاء رأسه
ولم يذكر في ظاهر الرواية حكم المرأة
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ترفع يديها حذاء أذنيها كالرجل لأن كفيها ليسا بعورة
وروى محمد بن مقاتل عن أصحابنا إنها ترفع يديها حذاء منكبيها
فإذا فرغ المصلي من التكبير يضع يمينه على شماله تحت السرة
وقال مالك السنة هي إرسال اليدين حالة القيام
وروى عن محمد في النوادر أنه يرسلهما حالة الثناء فإذا فرغ منالثناء يضع يمينه على شماله
وقال الشافعي يضعهما على الصدر
ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك سواء كان مع الإمام أو وحده
وروي عن أبي يوسف ينبغي أن يقول مع التسبيح { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم إذا كان إماما أو منفردا فهو سنة في حقهما دون المتقدي عند أبي حنيفة ومحمد ولا ينبغي أن يأتي به
وعلى قول أبي يوسف سنة في حقه أيضا
وحاصل الخلاف أن التعوذ تبع للثناء أو تبع للقراءة فعلى قولهما تبع للقراءة وعلى قوله تبع للثناء
ويخرج عليه ثلاث مسائل إحداهما أن المقتدي لا قراءة عليه فلا يأتي بما هو تبع لها عندهما
والمقتدي يأتي بالثناء فيأتي بما هو تبع له عنده
والثانية المسبق إذا شرع في صلاة الإمام وسبح لا يتعوذ وإذا قام إلى قضاء ما سبق به يتعوذ عند ابتداء القراءة عندهما
وعنده يتعوذ عند التسبيح لما ذكرنا
والثالثة الإمام
في صلاة العيد يأتي بالتعوذ بعد التكبيراتعندهما لأنه وقت القراءة وعنده يأتي به قبل التكبيرات كالتسبيح
ثم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم وهذا عندنا
وعند الشافعي يجهر
وهذا بناء على أن التسمية عنده من الفاتحة قولا واحدا ومن رأس كل سورة قولين فيجهر بهما بمنزلة الفاتحة والسورة
وعندنا هي آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور والافتتاح بها تبركا وليست من الفاتحة ولا من رأس كل سورة فلا يجهر بها ولكن يأتي بها الإمام لافتتاح القراءة بها تبركا كما يأتي بالتعوذ في الروايات كلها في الركعة الأولى
وهل يأتي بها في أول الفاتحة في الركعات الأخر فعن أبي حنيفة روايتان في رواية الحسن لا يأتي بها
وفي رواية المعلى يأتي وهو قول أبي يوسف ومحمد
وهل يأتي بها عند رأس كل سورة في الصلاة على قول أبي حنيفة و أبي يوسف لا يأتي بها
وقال محمد يأتي بها
ثم القراءة فرض في الصلاة عند عامة العلماء خلافا لأبي بكر الأصم وسفيان بن عيينة لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لا صلاة إلا بقراءة وهذا في حق الإمام والمنفرد
فأما المقتدي فلا قراءة عليه عندنا
وعند الشافعي عليه القراءة والمسألة معروفة
ثم عندنا القراءة فرض في الركعتين الأوليين حتى لو تركها فيالأوليين وقرأها في الأخريين ويكون قضاء على الأوليين وهو الصحيح من مذهب أصحابنا
وقدر القراءة المفروض عند أبي حنيفة آية واحدة
وعندهما آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة
وقراءة الفاتحة والسورة جميعا في الركعتين الأوليين ليست بفرض عندنا
وعند الشافعي فرض
ولكن قراءتهما جميعا في الأوليين عندنا واجبة حتى لو تركهما أو ترك إحداهما عمدا يكون مسيئا وإن كان ساهيا يلزمه سجود السهو
وأما في الأخريين فالسنة أن يقرأ بفاتحة الكتاب لا غير
ولو سبح في كل ركعة ثلاث تسبيحات أجزأه ولا يكون مسيئا
وإن لم يقرأ ولم يسبح وسكت أجزأته صلاته ويكون مسيئا
وروي عن أبي يوسف هو بالخيار في الأخريين إن شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت
ويجهر بالقراءة في جميع الصلوات المفروضة إلا في صلاة الظهر والعصر
وكذا يجهر في كل صلاة يشترط فيها الجماعة سواء كانت فرضا أو واجبة كصلاة الجمعة والعيدين
ثم إن كان إماما يجب عليه مراعاة الجهر فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت سواء كان في الفرض أو الواجب أو التطوع كما فيالترويحات والوتر والعيدين حتى لو ترك ذلك ساهيا يجب عليه سجود السهو
وإن كان منفردا إن كانت صلاة يخافت فيها بالقراءة خافت
ولو جهر فيها عمدا يكون مسيئا
وإن كان ساهيا لا يجب عليه السهو بخلاف الأمام
وإن كانت صلاة يجهر فيها فهو بالخيار إن شاء جهر وإن شاء خافت كذا ذكر ههنا
وفسر في موضع آخر أنه مخير بين خيارات ثلاث إن شاء جهر وأسمع غيره وإن شاء جهر وأسمع نفسه
وإن شاء أسر القراءة في نفسه
ولو قرأ القرآن بالفارسية في الصلاة فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه تجوز صلاته سواء كان يحسن العربية أو لا يحسن
وقال أبو يوسف و محمد إن كان يحسن العربية لا يجوز
وإن كان لا يحسن يجوز
وقال الشافعي لا يجوز في الحالين جميعا
ثم مقدار القراءة الذي يخرج به عن حد الكراهة هو فاتحة الكتاب
وسورة قصيرة قدر ثلاث آيات أو ثلاث آيات من أية سورة كانت
واختلفت الروايات في مقدار المستحب عن أبي حنيفة
ذكر في كتاب الصلاة ويقرأ في الفجر بأربعين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها
وفي الظهر نحوا من ذلك أو دونه
وفي العصر عشرين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها
وفي المغرب يقرأ في كل ركعةمن الأوليين سورة قصيرة خمس آيات أو ستا مع فاتحة الكتاب أي سواها
ويقرأ في العشاء مثل ما يقرأ في العصر
وروى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد أنه يقرأ في الفجر ما بين ستين إلى مائة آية
وفي الظهر يقرأ ب { عبس } أو { إذا الشمس كورت } في الأولى وفي الثانية ب { لا أقسم } أو { والشمس وضحاها }
وفي العصر يقرأ في الأولى { والضحى } أو { والعاديات } وفي الثانية ب { ألهاكم } أو { ويل لكل همزة }
وفي المغرب يقرأ في الأوليين مثل ما يقرأ في العصر
وفي الأوليين من العشاء مثل ما في الظهر
وذكر في الجامع الصغير ويقرأ في الفجر بأربعين أو خمسين أو ستين سوى الفاتحة
وفي الظهر يقرأ في الأوليين مثل ركعتي الفجر
والعصر والعشاء سواء
والمغرب دون ذلك
وروى الكرخي عن المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في مختصره وقدر القراءة في الفجر للمقيم ثلاثون آية إلى ستين سوى الفاتحة في الأولى وفي الثانية ما بين عشرين إلى ثلاثين
وفي الظهر في الركعتين جميعا سوى الفاتحة مثل القراءة في الركعة الأولى من الفجر
وفي العصر والعشاء يقرأ في كل ركعة قدر عشرين آية سوى فاتحة الكتاب وفي المغرب بفاتحة الكتاب وسورة من قصار المفصل
وهذه الرواية أحب الروايات إلي
وقال مشايخنا للإمام أن يعمل بأكثر الروايات قراءة في مسجد له قوم زهاد وعباد وبأوسطها في مسجد له قوم أوساط وبأدناها في مسجد يكون على شوارع الطرق عملا بالروايات كلها
هذا في حق المقيم فأما المسافر فينبغي أن يقرأ مقدار ما يخف عليه
وأما في الوتر فإنه يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة ولا توقيت فيه ويقرأ أحيانا { سبح اسم ربك الأعلى } و { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله }وعلى القوم بأن يقرأ فاتحة الكتاب وسورة قصيرة أحد ولا يواظب
وهذا إذا صلى الوتر بجماعة فإن صلى وحده له أن يقرأ كيفما شاء
وأما في صلاة التطوع فله أن يقرأ ما شاء قل أو كثر بعد أن خرج عن حد الكراهة لأنه لا يؤدي إلى تنفير القوم
والله أعلم
وإذا فرغ من الفاتحة فإنه يقول آمين إماما كان أو منفردا أو مقتديا وهذا قول عامة العلماء
وقال بعضهم لا يؤتى بالتأمين أصلا
وقال مالك يأتي به المقتدي دون الإمام والمنفرد
ولكن عندنا يؤتى به على وجه المخافتة فهو السنة
وقال الشافعي يجهر به في صلاة يجهر فيها بالقراءة
والصحيح قولنا لأنه من باب الدعاء والأصل في الدعاء المخافتة دون الجهر
فإذا فرغ من القراءة ينحط للركوع ويكبر مع الانحطاط ولا يرفع يديه عندنا
وقال الشافعي يرفع
وكذلك عند رفع الرأس من الركوع
والصحيح مذهبنا لما روي عن ابن عباسرضي الله عنه أنهقال إن العشرة الذين بشر لهم رسول الله عليه السلام بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم إلا لافتتاح الصلاة وخلاف هؤلاء الصحابة قبيح
ثم قدر المفروض في الركوع هو أصل الانحناء
وكذلك في السجود هو أصل الوضع
فأما الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود فليس بفرض عند أبي حنيفة ومحمد
وقال أبو يوسف و الشافعي إن الفرض هو الركوع والسجود مع الطمأنينة بمقدار تسبيحة واحدة حتى لو ترك تجوز صلاته عند أبي حنيفة ومحمد وعندهما لا تجوز
ولقب المسألة أن تعديل الأركان ليس بفرض عند أبي حنيفة ومحمد وعندهما فرض
وعلى هذا القومة التي بعد الركوع والقعدة التي بين السجدتين
والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد لقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } والركوع هو الانحناء والسجود هو الوضع يقال سجد البعير إذ وضع جرانه على الأرض والطمأنينة دوام عليه والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام فلا تجوز الزيادة عليه بخبر الواحد
وأما سنن الركوع فهي أن يبسط ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه حتى يكون رأسه سويا لعجزه أن يضع يديه على ركبتيه على سبيل الأخذ ويفرج بين أصابعه حتى تكون أمكن للأخذ
ويقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثة وذلك أدناه وإن زاد أفضل
وقال الشافعي يكفيه تسبيحة واحدة
هذا إذا كان منفردا
فأما المقتدي فيسبح إلى أن يرفع الإمام رأسه
وإن كان إماما ينبغي أن يسبح ثلاثا ولا يطول حتى لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة
فإذا اطمأن راكعا رفع رأسه وقال سمع الله لمن حمده ولا يرفع يديه ولا يأتي بالتحميد عند أبي حنيفة إن كان إماما
وعلى قول أبي يوسف و محمد و الشافعي يجمع بينهما
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة مثل قولهما
وإن كان مقتديا فإنه يأتي بالتحميد دون التسبيح عندنا
وقال الشافعي يجمع بينهما
وإن كان منفردا لم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي حنيفة وإنما ذكر قولهما إنه يجمع بينهما
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة كذلك
وفي رواية النوادر أنه يأتي بالتحميد لا غير
فإذا اطمأن قائما ينحط للسجود ويكبر مع الانحطاط ولا يرفع يديه ويضع ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته ثم أنفه وقيل أنفه ثم جبهته
ثم السجود فرض على بعض الوجه لا غير عند أصحابنا الثلاثة
وقا لزفرالشافعي السجود على الأعضاء السبعة وهي الوجه واليدان والركبتان والقدمان
ثم على قول أبي حنيفة محل السجود في حق الجواز هي الجبهة أو الأنف غير عين حتى لو وضع أحدهما في حال الاختيار فإنه يجوز غير أنه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير كراهة ولو وضع الأنف وحده جاز مع الكراهة
وقال أبو يوسف و محمد الفرض في حال الاختيار هو وضع الجبهة حتى لو ترك لا يجوز
واجمعوا أنه لو وضع الأنف في حال العذر جاز
ولا خلاف أن المستحب هو الجمع بينهما في حال الاختيار
وأما سنن السجود فمنها أن يسجد على الجبهة من غير حائل من العمامة والقلنسوة
ولكن لو سجد على كور العمامة وجد صلابة الأرض جاز كذا ذكر محمد في الآثار
وقال الشافعي لا يجوز
ومنها أن يضع يديه حذاء أذنيه في السجود وأن يوجه أصابع يديه نحو القبلة وأن يعتمد على راحتيه في السجود ويبدي ضبعيه وأن يعتدل في سجوده ولا يفترض ذراعيه
وهذا في حق الرجل فأما المرأة فينبغي أن تفترش ذراعيها وتنخفض ولا تنتصب كانتصاب الرجل وتلزق بطنها بفخذيها لأن هذا أستر لها
وأن يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه
قال ثم يرفع رأسه
ويكبر حتى يطمئن قاعدا ثم يكبر وينحط للسجدة الثانية لأن السجدة الثانية فرض فلا بد من رفع الرأس للانتقال إليها ويقول ويفعل فيها مثل ما في الأولى
قال ثم ينهض على صدور قدميه معتمدا بيديه على ركبتيه لا على الأرض فلا يقعد قعدة خفيفة ويرفع يديه من الأرض قبل ركبتيه
وهذا عندنا
وقال الشافعي يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويعتمد على الأرض دون ركبتيه
والصحيح مذهبنا لما روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه
ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى
ويقعد على رأس الركعتين
وهذه القعدة واجبة شرعت للفصل بين الشفعين على ما ذكرناه
فأما القعدة الأخيرة ففرض عند عامة العلماء
وقال مالك سنة
ثم مقدار فرض القعدة الأخيرة مقدار التشهد لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي عليه السلام أنه قال إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة وقعد قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته
والسنة في القعدتين أن يفترض رجله اليسرى ويقعد عليها
وينصب اليمين نصبا ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة وهذا عندنا
وقال الشافعي في القعدة الأولى كذلك وفي الثانية يتورك
وقال مالك يتورك فيهما
وتفسير التورك أن يضع اليتيه على الأرض ويخرج رجليه إلى جانبه الأيمن
هذا في حق الرجل
أما في حق المرأة فذكر محمدفي كتاب الآثار تجمع رجليها من جانب ولا تنتصب انتصاب الرجل
وذكر محمد بن شجاع في نوادره أنها تجلس متوركة
ثم التشهد المختار عندنا ما هو المعروف وهو تشهد عبد الله بن مسعود
والشافعي أخذ بتشهد عبد الله بن عباس وهو أن يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
والصحيح مذهبنا فإنه روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه علم الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التشهد وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير تكبر فيكون إجماعا
ثم التشهد في القعدة الأولى سنة عن عامة مشايخنا واجب عند بعضهم أما في القعدة الأخيرة فواجب وليس بفرض
وعلى قول الشافعي فرض
ثم هل يزاد على التشهد من الصلوات والدعوات فنقول في التشهد الأول لا يزاد عليه شيء عند عامة العلماء
وقال مالك و الشافعي يزاد عليه الصلوات لا غير
وأما في التشهد الأخير فيزاد عليه الصلاة على النبي عليه السلام ثمالدعوات كذا ذكر الطحاوي في مختصره ولم يذكر في الأصل
ثم الصلوات سنة مستحبة عندنا في الصلاة
وقال الشافعي فرض حتى تفسد الصلاة بتركها
وأما في غير حالة الصلاة فكان أبو الحسن الكرخي يقول إن الصلاة على النبي عليه السلام فرض على كل مسلم بالغ عاقل في العمر مرة واحدة
وقال الطحاوي تجب عند سماع اسمه في كل مرة وهو الصحيح
والصلوات التي يؤتى بها في الصلاة ما تعارفه الناس عقيب التشهد لكثرة الأحاديث فيه
وإذا جلس للتشهد ينبغي أن يضع يده اليمنى على فخذه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر كذا روي عن محمد في نوادره
فإذا أراد أن يسلم بعد الفراغ من الصلوات والدعوات يسلم عن يمينه فيقول السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن ثم عن يساره كذلك
والتسليمتان سنة عند عامة العلماء
وقال بعضهم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهو قول مالك وقيل إنه قول الشافعي أيضا
وقال بعضهم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه لا غير
ولكن إذا سلم إحداهما يخرج عن صلاته عند عامة العلماء
وقال بعضهم لا يخرج ما لم يوجد التسليمتان
وإصابة لفظة السلام ليست بفرض عندنا وقال مالك والشافعي فرض
واختلف مشايخنا فقال بعضهم إنها سنة
وقال بعضهم هي واجبة
ثم ينوي في التسليمة الأولى من كان عن يمينه من الحفظة والرجال والنساء كيف شاء بلا ترتيب وهو الصحيح
وفي التسليمة الثانية من كان عن يساره من الحفظة والرجال والنساء
لكن قال بعضهم ينوي من مكان معه في الصلاة من الرجال والنساء لا غير
وقال بعضهم ينوي جميع المؤمنين والمؤمنات كذا أشار الحاكم الجليل في مختصره
هذا في حق الإمام
فأما المنفرد فعلى قول الأولين ينوي الحفظة لا غير وعلى قول الباقين ينوي الحفظة وجميع البشر من أهل الإيمان
وأما المقتدي فإنه ينوي ما ينوي الإمام وينوي أيضا إن كان يمين الإمام في يساره وإن كان عن يساره ففي يمينه
وإن كان بحذائه لم يذكر في الكتاب
وروي عن أبي يوسف أنه ينوي عن يمينه
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ينويه في الجانبين
ثم المقتدي يسلم تسليمتين إحداهما للخروج عن الصلاة والثانية للتسوية بين القوم في التحية بمنزلة الإمام والمنفرد
وقال مالك يسلم تسليمة ثالثة أيضا وينوي بها رد السلام على الإمام
وهو فاسد لأن تسليمهم رد السلام عليه
باب ما يستحب في الصلاة
وما يكره فيها قال ينبغي للرجل إذا دخل في صلاته أن يخشع فيها
ويكون منتهى بصره إلى موضع سجوده في قيامه وإلى أطراف أصابع رجليه في ركوعه وإلى أرنبة أنفه في سجوده وإلى حجره في قعوده ولا يرفع رأسه إلى السماء ولا يطأطئه
ولا يشتغل بشيء غير صلاته من عبث بثيابه أو جسده أو لحيته
قال الله تعالى { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون }
وروي أن النبي عليه السلام رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه
ولا يفرقع أصابعه ولا يشبكها ولا يجعل يديه على خاصرته
ولا يقلب الحصى ولا بأس أن يسويه مرة واحدة إذا لم يمكنه إتمام السجود وتركه أفضل
ولا يلتفت يمنة ويسرة ولا يتمطى
ولا يتثاءب
فإن غلبه شيء من ذلك كظم ما استطاع فإن لم يستطع فليضع يده على فيه
ولا يقعى ولا يتربع ولا يفترش ذراعيه إلا من عذر على ماروي عن أبي ذررضي الله عنه أنه قال نهاني خليلي عليه السلام عن ثلاث أن أنقر نقر الديك وأن أقعى إقعاء الكلب وأن أفترش افتراش الثعلب
واختلفوا في تفسير الإقعاء قال الكرخي هو أن يقعد على عقبيه ناصبا رجليه واضعا يده على الأرض
وقال الطحاوي الإقعاء أن يضع اليتيه على الأرض
واضعا يديه عليها وينصب فخذيه ويجمع ركبته إلى صدره
وهذا أشبه بإقعاء الكلب
وينبغي للمصلي أن يدرأ المار ويدفعه حتى لا يمر بين يديه إلا أنه لا يدرأ بعمل كثير ولا يعالج معالجة شديدة حتى لا تفسد صلاته
ويكره للمار أيضا أن يمر بين يدي المصلي إلا إذا كان بينهما حائل من الأسطوانة ونحوها فلا بأس بالمرور وكذا إذا كان بين يديه مقدار مؤخرة الرحل
وينبغي أن ينصب بين يديه عودا أو يضع شيئا مثل ذراع أو أكثر حتى لا يحتاج إلى الدرء والدفع
فإنه روي عن النبي عليه السلام أنه صلى في الجبانة ونصب بين يديه عنزة
ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة وأن يبزق على حيطان المسجد ولا بين يديه على الحصى ولكن يأخذ بثوبه وإن فعل فعليه أن يدفعه ولو دفنه في السجد تحت الحصير يرخص له ذلك ولكن الأفضل أن لا يفعل وكذا المخاط على هذا
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة في النار
وكره أبو حنيفة رضي الله عنه عد الآي في الصلاة وعد التسبيح
وقال أبو يوسف و محمد لا بأس بذلك في الفريضة والتطوع
وفي ظاهر الرواية لا فرق بينهما أيضا عند أبي حنيفة
وفي رواية كره في الفرض ورخص في التطوع
ويكره أن يكون الإمام على الدكان والقوم أسفل منه أو هم على الدكان والإمام أسفل منهم إلا من عذر في ظاهر الروايات لا فصل بين الإمام والقوم في هذا ولا بين دكان ودكان
وروى الطحاوي عن أصحابنا أنه لا يكره أن يكون المأموم في مكان أرفع من مكان الإمام ولا ينبغي للإمام أن يكون أرفع من المأموم بما يجاوز القامة ولا بأس بأن يكون أرفع منهما بما دونها
هذا وإذا كان الإمام وحده
فأما إذا كان معه على الدكان بعض القوم فاصطفوا خلفه لم يذكر في ظاهر الرواية واختلف المشايخ فيه كره بعضهم ولم يكره بعضهم
وهذا في غير حالة العذر
فأما عند العذر فلا بأس به كما إذا ازدحم القوم في يوم الجمعة والأعياد وغير ذلك من الأعذار
ويكره أن يغطي فاه في الصلاة إلا إذا كانت التغطية لدفع التثاؤب فلا بأس به لما مر
ويكره أن يكف ثوبه لما فيه من ترك سنة وضع اليد وسنة اليد أن يضع يمينه على شماله
ويكره أن يصلي عاقصا شعره
والعقص أن يشد الشعر ضفيرة حولرأسه كما يفعله النساء أو يجمع شعره فيعقده في مؤخرة رأسه
ويكره أن يصلي معتجرا واختلف المشايخ في تفسيره
قيل هو أن يلف حوالي رأسه بالمنديل ويترك وسطه مكشوفا لأنه تشبه بأهل الكتاب
وقيل هو العقص الذي ذكرنا
وقيل هو أن يجعل منديله على رأسه ووجهه كمعجر النساء إما لأجل الحر والبرد أو للكبر
ويكره للمأموم أن يسبق الإمام بالركوع والسجود
ثم ينظر إن شاركه الإمام في ذلك الركن الذي سبقه جاز عندنا خلافا لزفر لأن المشاركة في الركن قد وجدت وإن قلت وإن لم يشاركه حتى رفع رأسه من الركوع والسجود لا يجوز حتى لو لم يعد ذلك الركن حتى فرغ من الصلاة وسلم تفسد صلاته لأنه لم يوجد فيه المشاركة ولا المتابعة والاقتداء عبارة عن هذا فلا يعتبر
وكذا يكره أن يرفع رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود
وأصله قول عليه السلام إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فلا فلا تختلفوا عليه
ويكره أن يقرأ في غير حالة القيام لأن الركوع والسجود محل الثناء والتسبيح دون القراءة
ويستحب للرجل إذا دخل المسجد والإمام راكع أن يأتي إلى الصف وعليه السكينة والوقار ولا يكبر ولا يركع حتى يصل إلى الصف لأنه إن ركع يصير مصليا خلف الصفوف وحده
وهو مكروه وإن مشى حتى اتصل بالصف يكره لأن المشي ينافي الصلاة حتى قال مشايخنا إن مشى خطوة خطوة لا تفسد صلاته وإن مشى خطوتين أو أكثر تفسد صلاته
ثم الصلاة خلف الصفوف منفردا إنما يكره إذا وجد فرجة فيالصف فأما إذا لم يجد لا يكره لأن حال العذر مستثناة ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تصلي منفردة خلف الصفوف لأن محاذاتها للرجال مفسدة لصلاتهم
ويكره النفخ في الصلاة إذا لم يكن مسموعا لأن ليس من أعمال الصلاة ولكن لا تفسد صلاته لأنه ليس بكلام معهود ولا يفعل كثير
فأما إذا كان مسموعا فقد قال أبو حنيفة و محمد تفسد صلاته أراد به التأفيف أو لم يرد
وكان أبو يوسفيقول أولا إن أراد به التأفف يعني أن يقول أف أو تف على وجه الكراهة للشيء والتبعيد على وجه الاستخفاف تفسد صلاته وإن لم يرد به التأفف لا تفسد
ثم رجع وقال لا تفسد صلاته لأنه ليس بكلام في عرف الناس بل هو بمنزلة السعال والتنحنح
والصحيح قولهما لأن الكلام في العرف حروف منظومة مسموعة وأدنى ما يقع به انتظام الحروف حرفان وقد وجد
ويكره أن يمسح المصلي جبهته من التراب في وسط الصلاة ولا بأس به بعد ما قعد قدر التشهد كذا ذكر في ظاهر الرواية
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا بأس به كيفما كان
والصحيح جواب ظاهر الرواية لأنه إذا مسح مرة يحتاج إلى أن يمسح عند كل سجود لأنه يتلطخ فيتكرر المسح فيشبه فعلا كثيرا
فأما بعد ما قعد قدر التشهد فلا بأس به لأنه يكفيه مرة واحدة وإنه فعل قليل فيكون معفوا عنه والترك أفضل لأنه ليس من جنس الصلاة
ولا يكره الصلاة في ثوب واحد متوشح به أو قميص صفيق
واللبس في الصلاة ثلاثة أنواع مستحب وجائز ومكروه
أما المستحب فأن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار ورداء أو عمامة كذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهنداوي عن أصحابنا
وعن محمد أن المستحب أن يصلي في ثوبين إزار ورداء
وأما الجائزفأن يصلي في ثوب واحد متوشح به أو قميص واحد صفيق لأنه حصل به ستر العورة وأصل الزينة إلا أنه لم يتم الزينة
وأصله حديث رسول الله عليه السلام أنه سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال أو كلكم يجد ثوبين
وأما المكروه فأن يصلي في سراويل واحدة أو إزار واحد لأنه وإن حصل ستر العورة ولكن لم تحصل به الزينة أصلا فإن الله تعالى قال { خذوا زينتكم عند كل مسجد }
هذا إذا كان صفيقا فأما إذا كان رقيقا يصف ما تحته لا تجوز صلاته لأن عورته مكشوفة
هذا في حق الرجل فأما في حق المرأة فالمستحب ثلاثة أثواب في الروايات كلها إزار ودرع وخمار وإن صلت في ثوب واحد متوشحة به أو قميص واحد صفيق لا يجزئها إذا كان رأسها أو بعض جسدها مكشوفا إلا إذا سترت يالثوب الواحد رأسها وجميع جسدها سوى الوجه والكفين فحينئذ يجوز
وهذا في حق الحرة
فأما الأمة فإذا صلت مشكوفة الرأس جاز لأن رأسها ليس بعورة
باب صلاة المسافر
في الباب فصول ثلاثة أحدها بيان الشروط التي تتعلق بها رخصة السفر
والثاني بيان الرخصة
والثالث بيان ما يبطل به حكم السفر ويعود إلى حكم الإقامة
أما الأول فنقول هو أن ينوي مدة السفر ويخرج من عمران المصر
فما لم يوجد هذان الشرطان لا يثبت في حقه أحكام السفر ورخصة المسافرين فإنه إذا خرج من عمران المصر ولم يقصد موضعا بينه وبين مصره مدة السفر أو خرج قاصدا موضعا ليس بينه وبين ذلك الموضع مدة السفر لا يصير مسافرا وإن قطع مسافة بعيدة أكثر من مدة السفر لأن الإنسان قد يخرج لحاجة إلى موضع لإصلاح الضياع لا للسفر ثم تبدو له حاجة أخرى فيجاوزه إلى موضع آخر ليس بينهما مدة السفر فلا بد من قصد مدة السفر
ثم اختلف العلماء في مدة السفر التي تتعلق بها الرخصة
قال علماؤنا ثلاثة أيام ولياليها يسير الإبل ومشي الأقدام هذا جواب ظاهر الرواية
وروى الحسن عن أبي حنيفة وابن سماعة عنهما أنه مقدر بيومين وأكثر اليوم الثالث
وقال الشافعي في قول مقدر بمسيرة يومين
وفي قول ستة وأربعون ميلا كل ميل ثلث فرسخ
وقال بعض الناس إنه مقدر بمسيرة يوم وليلة
وأصل ذلك قول النبي عليه السلام يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها
ثم إذا نوى مدة السفر لا يثبت حكم السفر ما لم يخرج من العمران ولا يصير مسافرا بمجرد النية لأن مجرد العزم معفو ما لم يتصل بالفعل
فإذا خرج من عمران المصر لقصد السفر فقد وجد عزم مقارن للفعل فيكون معتبرا
وأما المسافر إذا نوى الإقامة فإنه يبطل حكم السفر ويصير مقيما للحال لأن العزم وجد مقارنا للفعل وهو ترك السفر والإقامة حقيقة فيكون معتبرا
ثم المعتبر في حق النية هو نية الأصل دون التابع حتى إن المولى إذا نوى السفر وخرج من العمران مع عبده يصير عبده مسافرا وإن لم ينو السفر لأنه تابع وكذلك الزوج مع الزوجة وكذلك كل من لزمه طاعة غير من الخليفة والسلطان وأمير الجند ونحو ذلك
وأما بيان الرخصة فنقول الرخص التي تعلقت بالسفر هي إباحة الفطر في رمضان وقصر الصلاة التي هي من ذوات الأربع
ثم اختلف العلماء في ذلك
فقال علماؤنا الصوم في رمضان في حقه عزيمة والإفطار رخصة
أما قصر الصلاة فهو عزيمة والإكمال مكروه ومخالفة للسنة ولكن سمي رخصة مجازا
وقال الشافعي القصر رخصة والإكمال عزيمة
وثمرة الخلاف أن المسافر إذا صلى أربعا لا يكون الأربع فرضا بل المفروض ركعتان لا غير والشطر الثاني تطوع عندنا حتى إنه إذا قعد على رأس الركعتين قدر التشهد تجوز صلاته وإذا لم يقعد لا تجوز لأنها القعدة الأخيرة في حقه وهي فرض فإذا تركها فقد ترك فرضا بخلاف المقيم تجوز لأن الإكمال عزيمة عنده وقد اختار العزيمة فيكون فرضا
وكذا إذا ترك القراءة في الركعتين الأوليين أو في ركعة منهما تفسد صلاته عندنا خلافا له
وأصله ما روي عنعمررضي الله عنه أنه قال صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم عليه السلام
ثم الرخصة وهي قصر الصلاة وغيره تثبت بمطلق السفر سواء كان سفر طاعة كالجهاد والحج أو سفر مباح كالخروج إلى التجارة أو سفر معصية كالخروج لقطع الطريق ونحوه وهذا عندنا
وقال الشافعي لا تثبت بسفر هو معصية لأن الجاني لا يستحق التخفيف
ولكنا نقول إن النصوص التي وردت في قصر الصلاة وإباحة الفطر في حق المسافر لا تفصل بين سفر وسفر
ثم إذا خرج من عمران المصر قاصدا مدة السفر فله أن يقصر الصلاة سواء كان في أول الوقت أو في أوسطه أو في آخره حتى إنه إذابقي من الوقت مقدار ما يمكنه أداء ركعتين فإنه يقصر بلا خلاف بين أصحابنا
فأما إذا بقي مقدار ما يتمكن من أداء ركعة واحدة أو من التحريمة لا غير فإنه يصلي ركعتين عندنا خلافا لزفر
وقال بعض أصحابنا إنما يقصر إذا خرج من العمران قبل زوال الشمس فأما إذا خرج بعده فإنه يصلي أربعا للظهر وإنما يقصر العصر
وقال بعض أصحاب الشافعي إذا مضى من الوقت مقدار ما يتمكن من أداء الأربع فإنه يجب عليه الإتمام ولا يجوز القصر
فأما إذا مضى من الوقت شيء قليل بحيث لا يسع لأربع ركعات فإنه يقصر
وهذا بناء على أن الصلاة تجب في أول الوقت أو في آخره فعندهم تجب في أول الوقت وعندنا تجب في جزء من الوقت غير عين
وأما بيان ما يبطل به حكم السفر فنقول يبطل بما يضاده وينافيه وهو الإقامة
لكن إنما تثبت الإقامة بأربعة أشياء بصريح نية الإقامة وبوجود الإقامة بطريق التبعية وبالدخول في مصره
وبالعزم على العود إلى مصره
أما الأول إذا نوى المسافر إقامة خمسة عشر يوما في مكان يصلح للإقامة فإنه يصير مقيما
فلا بد من ثلاثة أشياء نية الإقامة ونية مدة الإقامة
والمكان الصالح للإقامة فإنه إذا أقام في مصر أو قرية أياما كثيرة لانتظار القافلة أو لحاجة أخرى ولم ينو الإقامة لا يصير مقيما عندنا
و للشافعي قولان في قول إذا أقام أربعة أيام يصير مقيما وفي قول إذا أقام أكثر مما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك يصير مقيما والنبي عليه السلام أقام بتبوك تسعة عشر يوما أو عشرين
وأما مقدار مدة الإقامة فخمسة عشر يوما عندنا
وقال مالك و الشافعي أقل ذلك أربعة أيام
وهذا إذا نوى إقامة خسمة عشر يوما في موضع واحد
فأما إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما في موضعين فإن كل واحد منهما أصلا بنفسه فلا يكون أحدهما تبعا للآخر فإن نوى أن يقيم بمكة ومنى فإنه لا يصير مقيما
فأما إذا كان أحدهما تبعا للمصر حتى تجب الجمعة على من سكن هناك فإنه يصير مقيما بنية إقامة خمسة عشر يوما في هذين الموضعين لأنهما في الحكم كموضع واحد
وأما المكان الصالح للإقامة فهو موضع لبث وقرار في العادة نحو الأمصار والقرى فأما المفازة والجزيرة والسفينة فليست بموضع الإقامة
فأما الأعراب والأكراد والتركمان الذين يسكنون المفاوز في بيوت الشعر والصوف فهم مقيمون لأن موضع مقامهم المفاوز عادة فأما إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضعا آخر للإقامة في الشتاء وبين الموضعين مدة السفر فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق
وأما الثاني وهو أن توجد نية الإقامة في الأصل فيصير الأتباع مقيمين تبعا له من غير نية
وذلك نحو العبد والزوجة وكل من وجب عليه طاعة غيره من إمام أو أمير جيش
وأما الغريم مع صاحب الدين فإن كان المديون مليئا لا يصير تبعا له لأنه يمكنه قضاء الدين فيقيم في أي موضع شاء ويرتحل فأما إذا كان مفلسا فإنه يصير تبعا لأن له حق حبسه وملازمته فلا يمكنه أن يفارق صاحب الدين فيصير مقيما تبعا له
ولكن في هذه الفصول إنما يصير التبع مقيما بإقامة الأصل وتنقلب صلاته أربعا إذا علم التبع نية إقامة الأصل
فأما إذ لم يعلم فلا حتى إن التبع إذا صلى صلاة المسافرين قبل العلم بنية إقامة الأصل فإن صلاته جائزة ولا يجب عليه الإعادة لأن في لزوم الحكم قبل العلم به حرجا فهو مدفوع
وعلى هذا الأصل إذا اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت يجوز وتنقلب أربعا لأن المقتدي تابع للإمام والأداء وهو الصلاة في الوقت يتغير بنية الإقامة صريحا فإنه إذا نوى الإقامة في القوت ينقلب أربعا فيتغير بوجود الإقامة تبعا فصار صلاة المقتدي مثل صلاة الإمام فصح الاقتداء
فإذا اقتدى بالمقيم خارج الوقت لا يصح لأن القضاء لا يتغير بالنية بعد خروج الوقت ولا يصير أربعا فكذا بالإقامة تبعا فتكون القعدة الأولى فرضا في حق المقتدي نقلا في حق الإمام واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز في البعض كما لا يجوز في كل الصلاة
وأما اقتداء المقيم بالمسافر فيجوز في الوقت وخارج الوقت لأن صلاة المسافر في الحالين واحدة والقعدة فرض في حقه نفل في حق المقتدي واقتداء المتنفل بالمفترض جائز فافترقا
وأما الثالث فهو بدخول مصره الذي هو وطنه الأصلي يصير مقيما وإن لم ينو الإقامة
ولا يختلف الجواب بين ما إذا دخل مصرهمختارا أو لقضاء حاجة حدثت مع نية الخروج أو بدا له أن يترك السفر لأن مصره متعين للإقامة فلا يحتاج فيه إلى النية
وأما الرابع فهو العزم على العود إلى مصره بأن خرج من مصره بنية السفر ثم عزم على العود إلى مصره ولم يكن بين هذا الموضع الذي بلغ وبين مصره مدة سفر فإنه يصير مقيما حين عزم على العود إلى مصره وإن لم يدخل مصره ولا نوى الإقامة صريحا ويصلي أربعا ما لم يعزم على السفر ثانيا
وإذا كان بينه وبين مصره مدة سفر لا يصير مقيما والله أعلم
فصل ثم الصلاة على الراحلة
أنواع ثلاثة فرض وواجب وتطوع
أما الفرضفيجوز على الراحلة بشرطين أحدهما أن يكون خارج المصر سواء كان مسافرا أو خرج إلى الضيعة
والثاني أن يكون به عذر مانع من النزول عن الراحلة وهو خوف زيادة العلة والمرض أو خوف العدو والسبع أو كان في طين وردغة بحيث لا يمكن القيام فيه ونحو ذلك
ولكن يصلي بالإيماء من غير ركوع وسجود ويجهل السجود أخفض من الركوع
ثم هل يجوز الصلاة على الدابة بجماعة بأن يقوم البعض بجنب البعض ويتقدمهم الإمام أو يتوسطهمفي جواب ظاهر الرواية لا يجوز كيفما كان
وروي عن محمدأنه قال إذا اصطف القوم صفا واحدا بحيث لم يكن بينهم فرج وقام الإمام في وسطهم جاز وإلا فلا
وأما الصلاة الواجبة فكذلك لأنها ملحقة بالفرائض في الأحكام
وذلك نحو الوتر لأن عند أبي حنيفة الوتر واجب وعندهما لا يجوز أيضا لأنه سنة مؤكدة
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركعتا الفجر على الدابة من غير عذر
وكذا الصلاة المنذورة
وكذا التطوع الذي وجب قضاؤه بالشروع والإفساد
وكذا سجدة التلاوة التي وجبت بالتلاوة على الأرض
فأما إذا تلا آية السجدة على الدابة فسجدها عليها بالإيماء جازت لأنها وجبت كذلك
ولو أوجب على نفسه صلاة ركعتين وهو راكب فصلاهما على الدابة فإنه يجوز كذا ذكر الكرخي
وروي عن محمد أن من أوجب على نفسه صلاة ركعتين وهو راكب فصلاهما على الدابة لا يجوز ولم يفصل بين ما إذا كان الناذر على الأرض أو على الدابة
وأما صلاة التطوع فإنه تجوز على الدابة كيفما كان الراكب مسافرا أو غير مسافر بعد أن يكون خارج المصر وإن كان قادرا على النزول
وهذا قول عامة العلماء
وقال بعضهم لا يجوز إلا في حق المسافر فأما في حق من خرجإلى بعض القرى فلا يجوز لأن الحديث ورد في السفر
والصحيح قول عامة العلماء لما روي أنه عليه السلام خرج إلى خيبر وكان يصلي على الدابة تطوعا وليس بين المدينة وخيبر مدة سفر
وأما التطوع على الدابة في المصر فلا يجوز في ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف يجوز استحسانا
ولا تجوز الصلاة ماشيا ولا مقاتلا ولا سابحا في الماء لأن النص ورد في الدابة
ثم الصلاة على الدابة تطوعا كيفما كان أو فرضا عند العذر المانع عن التوجه إلى القبلة تجوز من غير استقبال القبلة أصلا لا عند الشروع ولا بعده
وهذا عندنا
وقال الشافعي لا تجوز إلا إذا وجه الدابة نحو القبلة عند الشروع ثم يصلي حيث توجهت الدابة
فأما إذا كانت الصلاة على الراحلة بعذر الطين والردغة فإن كان يمكنهم التوجه إلى القبلة فإنه لا تجوز صلاتهم إلى غير القبلة لأن القبلة لم تسقط من غير عذر
وأصله ما روى جابر عن النبي عليه السلام أنه كان يصلي على الدابة نحو المشرق تطوعا فإذا أراد أن يصلي المكتوبة صلى على الأرض
ثم الصلاة على الدابة لخوف العدو تجوز كيفما كانت الدابة سائرة أو واقفة لأنه يحتاج إلى السير
أما في حال المطر والطين فإن صلى والدابة تسير فلا تجوز لأنالسير مناف للصلاة فلا يسقط من غير عذر
وكذا إذا استطاعوا النزول ولم يقدروا على القعود نزلوا وأومؤوا قياما على الأرض
وإن قدروا على القعود ولم يقدروا على السجود نزلوا وصلوا قعودا بالإيماء لأن السقوط بقدر الضرورة
وأما الصلاة في السفينة فإن كانت واقفة بأن كانت مشدودة على الجد ونحو ذلك فإنه لا يجوز إلا بالركوع والسجود قائما متوجها إلى القبلة لأنه قادر
وإن كانت السفينة جارية فإن كان يقدر على الخروج إلى الشط فإنه يستحب له الخروج
ولو صلى في السفينة قائما بركوع وسجود متوجها إلى القبلة حيثما دارت السفينة فإنه يجوز لأن السفينة بمنزلة الأرض
أما إذا صلى قاعدا بركوع وسجود فإن كان عاجزا عن القيام يجوز بالاتفاق
وإن كان قادرا على القعود بركوع وسجود فصلى بالإيماء لا يجوز بالاتفاق
أما إذا كان قادرا على القيام فصلى قاعدا بركوع وسجود فإنه يجوز عند أبي حنيفة وقد أساء
وعلى قولهما لا يجوز لأن القيام ركن فلا يسقط من غير عذر
وقول أبي حنيفة أرفق بالناس لأن الغالب في السفينة دوران الرأس فالحق بالمتحقق تيسيرا
فإذا صلى في السفينة بجماعة جازت صلاتهم
ولو اقتدى به رجل في سفينة أخرى فإن كانت السفينتان مقرونتين جاز
وإن كانتا منفصلتين لا يجوز
وإن كان الإمام في السفينة والمقتدي على الشط والسفينة واقفة فإن كان بين السفينة والشط مقدار نهر عظيم لا يصح الاقتداء وإن لم يكن جاز والله أعلم
باب صلاة الجمعة 4 الكلام في هذا الباب في أربعة مواضع في بيان أن الجمعة فرض أصلي أم لا وفي بيان شرائط الجمعة وفي بيان صفة صلاة الجمعة وقدرها وفي بيان ما يستحب يوم الجمعة
أما الأول فنقول قال أبو حنيفة و أبو يوسف فرض الوقت الظهر إلا أن المقيم الصحيح الحر مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة على طريق الختم والمعذور مأمور بإسقاطه بالجمعة على طريق الرخصة حتى إنه إذا أدى الجمعة سقط عنه الظهر وتكون الجمعة فرضا وإن ترك الترخص عاد الأمر إلى العزيمة ويكون الفرض هو الظهر لا غير
وقال محمد في قول الفرض هو الجمعة وله أن يسقطه بالظهر رخصة
وفي قول الفرض أحدهما إما الظهر وإما الجمعة ويتعين ذلك بالفعل فأيهما فعل يتبين أن الفرض هو
وقال زفر فرض الوقت الجمعة والظهر بدل عنها
وهذا كله قول علماؤنا رحمهم الله
وقول الشافعي الجمعة ظهر قاصر
وعندنا هي صلاة غير صلاة الظهر حتى لا يصح عندنا بناء الظهر على تحريمة الجمعة بأن خرج الوقت وهو في الصلاة فعندنا يستقبل ظهرا وعند الشافعي يتمها ظهرا
إذا ثبت هذا الأصل تخرج عليه المسائل فنقول من صلى الظهر في بيته وحده وهو غير معذرو فإنه يقع فرضا في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر فإن عنده لا يجوز الظهر
أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف فلأن فرض الوقت هو الظهر لكن أمر بإسقاطه بالجمعة فإذا لم يأت بالجمعة وأتى بالظهر فقد أدى فرض الوقت فيجزئه وأما عند محمد فلأن فرض الوقت وإن كان هو الجمعة في قول فله أن يسقطه الظهر رخصة
وفي قول أحدهما غير عين وإنما يتعين بفعله وقد عينه
وعلى قولزفر لما كان الظهر بدلا عن الجمعة وهو قادر على الأصل
فإنه لا يجوز البدل
وعلى هذا المعذور نحو المريض والمسافر والعبد إذا صلى الظهر في بيته وحده يقع عن الفرض عند أصحابنا جميعا على اختلاف الأصول أما عندهما فلأن فرض الوقت هو الظهر في حق الكل والمعذور أمر بإسقاطه بالجمعة بطريق الرخصة إلا أن الفرق أن في الفصل الأول يأثم بترك الجمعة وههنا لا يأثم بترك الجمعة لأن ثمة ترك الفرض فيأثم وهنا ترك الرخصة فلا يأثم ويعذر وأما عند زفر فلأن الواجب عليه الظهر بدلا عن الجمعة لكونه معذورا
وعلى هذا الأصل إن المعذور إذا صلى الظهر في بيته ثم شهد الجمعة وصلى مع الإمام انتقض ظهره ويكون تطوعا وفرضه الجمعة لأنه أمر بإسقاط الظهر بالجمعة إذا كان قادرا عليه وقد قدر فينتفض ظهره ضرورة تمكن أداء الجمعة
وعند زفر لا يبطل لما قلنا إن الظهر عنده بدل وقد قدر على الأصل بعد حصول المقصودبالبدل فلا يبطل البدل
وأما غير المعذور إذا صلى الظهر في بيته ثم شهد الجمعة فهذا على وجهين أحدهما إذا حضر الجامع وصلى الجمعة مع الإمام أو أدركه في الصلاة بعدما قام فإنه يبطل ظهره بلا خلاف بيننا لما قلنا
والثاني حين خرج من بيته وسعى إلى الجامع والإمام في الجمعة لكنه إذا حضر ووجد الإمام قد فرغ عنها فكذلك الجواب عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا ينتفض ما لم يشرع معه في الجمعة
وعلى هذا الأصل إذا شرع الرجل في صلاة الجمعة ثم تذكر أن عليه صلاة الفجر فإن كان بحال لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة والظهر عن وقتهما فإنه يمضي فيها ولا يقطع بالإجماع
وإن كان بحال لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة ولكن يدرك الظهر في وقته فعلى قول أبي حنيفة و أبي يوسف يصلي الفجر ثم يصلي الظهر ولا تجزئه الجمعة وعلى قول محمد يمضي على الجمعة ولا يقطع لما قلنا
وأما الثاني في بيان شرائط الجمعة فنقول للجمعة شرائط بعضها من صفات المصلي وبعضها ليس من صفاته
فالتي من صفات المصلي ستة الذكورة والعقل والبلوغ والحرية وصحة البدن والإقامة حتى لا تجب الجمعة على النسوان والصبيان والمجانين والعبيد والزمنى والمرضى والمسافرين
وأما الأعمى فهل يجب عليه الجمعة أجمعوا على أنه إذا لم يجد قائدا لا يجب كما لا يجب على الزمني
أما إذا وجد قائدا إما بالإعارة أو بالإجارة على قول أبي حنيفة لا يجب أيضا وعندهما يجب أيضا
وعلى هذا الاختلاف إذا كان له زاد وراحلة وأمكنه أن يستأجر قائدا أو وجد له إنسان يقوده إلى مكة ذاهبا وجائيا فعند أبي حنيفة لا يجب عليه الحج وعندهما يجب
ثم هؤلاء الذين لا يجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة وصلوا فإنه يجزئهم ويسقط عنهم فرض الوقت لأن امتناع الوجوب للعذر قد زال
وأما الشرائط التي ليست من صفات المصلي فستة أيضا خمسة ذكرها في ظاهر الرواية وهي المصر الجامع والسلطان والجماعة والخطبة والوقت والسادس ذكره في نوادر الصلاة وهو أن يكون أداء الجمعة بطريق الاشتهار حتى إن أميرا لو جمع جنوده في الحصن وأغلق الأبواب وصلى بهم الجمعة فإنه لا يجزئهم وإن فتح باب الحصن وأذن للعامة فيه بالدخول جاز
وأما المصر الجامع فقد ذكرالكرخي ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام
وقد تكلم فيه أصحابنا بأقوال
وروي عن أبي حنيفة هو بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق
وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره ويرجع الناس إليه فيما وقع لهم من الحوادث وهذا هو الأصح
وأما الثالث في بيان صفة صلاة الجمعة وقدرها فنقول ينبغي أن يصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة مقدار ما يقرأ في صلاة الظهر على ما مر
ولو قرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة الجمعة وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة المنافقون فحسن تبركا بفعل النبي عليهالسلام ولكن لا يواظب على قراءة هاتين السورتين أيضا
فلو واظب على قراءاتهما يكره لأن فيه هجر بعض القرآن وإيهام العامة على أن ذلك بطريق الحتم
ويجهر بالقراءة فيهما لورود الأثر بالجهر فيها والله أعلم
وأما الرابع في بيان ما يستحب في يوم الجمعة فنقول السنة والمستحب فيه أن يدهن ويمس طيبا إن وجد ويلبس أحسن ثيابه ويغتسل
وغسل يوم الجمعة عند عامة العلماء سنة
وقال مالك واجب
ولكنه سنة اليوم أو سنة الجمعة فعلى الاختلاف الذي ذكرنا
باب صلاة العيدين
الكلام في صلاة العيدين في مواضع وفي بيان أنها واجبة أم سنة وفي شرائط وجوبها وفي وقت أدائها وفي كيفية أدائها وفي بيان ما يستحب ويسن في يوم عيد الأضحى والفطر
أما الأول وهو بيان أنها واجبة أم سنة فنقول اختلفت الروايات عن أصحابنا في ظاهر الرواية دليل على أنها واجبة فإنه قال ولا يصلي نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف فهذا دليل على أن صلاة العيد واجبة فإنها تقام بجماعة
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال وتجب صلاة العيد على أهل الأمصار كما تجب الجمعة
وذكر أبو الحسن الكرخي ههنا وقال وتجب صلاة العيد على من يجب عليه الجمعة
وذكر في الجامع الصغير أنه سنة فإنه قال إذا اجتمع العيدان في يوم واحد فالأول سنة
وذكر أبو موسى الضرير في مختصره أنها فرض كفاية والأصح أنها واجبة
أما بيان شرائط وجوبها فكل ما هو شرط وجوب الجمعة فهو شرط وجوب صلاة العيدين من الإمام والمصر والجماعة إلا الخطبة فإنها سنة بعد الصلاة بإجماع الصحابة
وشرط الشيء يكون سابقا عليه أو مقارنا له
وأما الوقت فقال أبو الحسن وقت صلاة العيدين من حين تبيض الشمس إلى أن تزول لما روي عن النبي عليه السلام أنه كان يصلي العيد والشمس قدر رمح أو رمحين إلا أن في عيد الفطر إذا ترك الصلاة في اليوم الأول لعذر يؤدي في اليوم الثاني في وقتها وإن ترك بغير عذر سقطت أصلا
وفي عيد الأضحى إن تركت في يوم النحر لعذر تؤدى في اليوم الثاني فإن تركت في اليوم الثاني لعذر أيضا تؤدى في اليوم الثالث أيضا
وكذلك قالوا إذا تركت بغير عذر تؤدى في اليوم الثاني والثالث وتسقط بعد ذلك سواء دام العذر أو انقطع لأن القياس أن لا تؤدى إلا في يوم العيد لأنها عرفت بصلاة العيد
وإنما عرف جواز الأداء في اليوم الثاني في عيد الفطر بالنص الخاص في حالة العذر وفي عيد الأضحى في اليوم الثاني والثالث استدلالا بالأضحية لأنها تجوز في اليوم الثاني والثالث وصارت هذه أيام النحر وصلاة العيد تؤدى في أيام النحر
وأما بيان كيفية أداء صلاة العيدين فنقول يصلي الإمام ركعتين فيكبر تكبيرة الافتتاح ويقول سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ثم يكبر ثلاثا ثم يقرأ جهرا ثم يكبر تكبيرة الركوع فإذا قام إلى الثانية يقرأ أولا ثم يكبر ثلاثا ويركع بالرابعة فتكون التكبيرات الزوائد ستا ثلاثة في الركعة الأولى وثلاثة في الركعة الثانية وثلاثة أصليات تكبيرة الافتتاح وتكبيرات الركوع فصار حاصل الجواب عندنا أن يكبر في صلاة العيدين تسع تكبيرات ستة في الزوائد وثلاثة أصليات
ويوالي بين القراءتين فيقرأ في الركعة الأولى بعد التكبيرات وفي الثانية قبل التكبيرات
وهذا هو مذهب عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر الجهني وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وابن مسعود الأنصاري رضي الله عنهم
وروي عنعلي بن أبي طالبرضي الله عنه ثلاث روايات والمشهور منها أنه فرق بين عيد الفطر وعيد الأضحى فقال ويكبر في الفطر إحدى عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وثمان زوائد في كل ركعة أربعة وفي الأضحى يكبر خمس تكبيرات ثلاث أصليات وزائدتان في كل ركعة تكبيرة
وعنده يقدم القراءة على التكبيرات في الركعتين جميعا
وعنعبد الله بن عباسرضي الله عنهما روايات كثيرة والمشهور منها أنه يكبر ثلاث عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وعشر زوائد في كلركعة خمسة في العيدين جميعا ويقدم التكبيرات على القراءة في الركعتين جميعا
وإنما أخذ أصحابنا بقول ابن مسعود لأنه وافقه كثير من الصحابة وأنه لا اضطراب في قوله بخلاف قول غيره
ثم إن عند أبي حنيفة ومحمد يرفع يديه عند تكبيرات الزوائد وعلى قول أبي يوسف لا يرفع
ويتعوذ قبل التكبيرات عند أبي يوسف وعند محمد بعد التكبيرات قبل القراءة على ما ذكرنا أن عند أبي يوسف التعوذ تبع للاستفتاح وعند محمد تبع للقراءة مقدمة عليه
ثم القوم يجب عليهم أن يتابعوا الإمام في التكبيرات على رأي الإمام دون رأي أنفسهم بأن كان الإمام على رأي ابن مسعود والقوم على رأي عبد الله بن عباس رضي الله عنهم لأنهم تبع للإمام فيجب عليهم متابعته وترك رأيهم برأيه
ثم إن القوم إنما يتابعون الإمام في التكبيرات إذا لم يزد على ما قاله الصحابة فأما إذا زاد عليه لا يتابعونه لأنه خلاف الإجماع
ولكن هذا إذا سمع التكبيرات من الإمام فأما إذا سمع ذلك من المكبرين فإنه يأتي بالكل وإن خرج عن أقاويل الصحابة لأنه لو ترك البعض ترك ما أتى به الإمام فكان الاحتياط في تحصيل الكل
ثم الإمام إذا شرع في صلاة العيد مع القوم فجاء إنسان واقتدى به فإن كان قبل التكبيرات الزوائد كان له أن يتابع الإمام على مذهب الإمام ورأيه لما قلنا
فأما إذا أدرك بعدما كبر الإمام الزوائد وشرع في القراءة فإنه يكبر تكبيرة الافتتاح ويأتي بالزوائد قائما ما لم يخف فوت الركوع لأنه خلف الإمام حقيقة ويكبر برأي نفسه لا برأي الإمام لأنه مسبوق
فأما إذا خاف فوت الركوع بأن ركع الإمام فإنه يكبر تكبيرة الافتتاح قائما ثم يكبر ويركع ويأتي بالزوائد في الركوع برأي نفسه لا برأي الإمام لأنه مسبوق
وعن الحسن بن زياد أنه يسقط عنه الزوائد لأنها فات محلها وهو القيام
ولكنا نقول إن للركوع حكم القيام من وجه فيأتي بها احتياطا
وإن خاف فوت التسبيحات يأتي بالزوائد دون التسبيحات لأنها واجبة والتسبيحات سنة
فأما إذا كان بعد رفع الإمام رأسه من الركوع فإن يسقط عنه التكبيرات الزوائد وله أن يشرع في صلاته ثم يقضي الركعة ويأتي بالتكبيرات على رأيه لا على رأي إمامه بخلاف ما إذا أدركه في الركعة الثانية من صلاة العيد فإنه يتابع الإمام فيها برأي الإمام في البداية لأنه خلف الإمام حقيقة فإذا فرغ الإمام من صلاته فإنه يقضي ما سبق به وعلى رأيه أيضا لأنه المسبوق بمنزلة المنفرد
ثم إذا قام إلى قضاء ما سبق به ينبغي أن يقرأ أولا ثم يكبر الزوائد كما هو مذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الركعة الثانية
هكذا ذكر في عامة الروايات
وذكر في نوادر أبي سليمان أنه يكبر أولا ثم يقرأ
ومنهم من قال ما ذكر في النوادر قول أبي حنيفة وأبي يوسف وما ذكرنا في عامة الروايات قول محمد بناء على أن المسبوق يقضي أول صلاته في حق القراءة عندهما وعند محمد يقضي آخر صلاته
فإن كان يقضي أول صلاته عندهما فيأتي بالتكبير أولا ثم بالقراءة إذا كان يرى رأي ابن مسعود ولما كان يقضي آخر صلاته عند محمد يأتي بالقراءة ثم بالتكبير كما هو مذهب ابن مسعود
ومنهم من قال في المسألة روايتان وهذا يعرف في المبسوط
وأما ما يستحب ويسن في يوم العيد فأشياء الاغتسال والاستياك والتطيب ولبس أحسن ثيابه جديدا كان أو غسيلا
وينبغي أن يخرج صدقة فطره قبل الخروج إلى المصلى في عيد الفطر وكذا يذوق شيئا لكونه يوم فطر
وأما في عيد الأضحى فإن كان في الرساتيق يذبح حين أصبح ويذوق منه ولا يمسك كما في عيد الفطر وفي المصر لا يذبح حتى يفرغ من صلاة العيد ولا يذوق في أول اليوم حتى يكون تناوله من القرابين
وهل يكبر الناس في الطريق قبل الوصول إلى المصلى على سبيل الجهر ذكر الطحاوي أنه يأتي على سبيل الجهر في العيدين جميعا
ولكن مشايخنا قالوا بأن في عيد الأضحى يكبر في حال ذهابه إلى المصلى جهرا فإذا انتهى إلى المصلى يترك فأما في عيد الفطر فعلى قول أبي حنيفة لا يكبر جهرا في حال ذهابه إلى المصلى وعلى قولهما يكبر فيهما جهرا
والصحيح قول أبي حنيفة فإن الأصل في الأذكار هو الإخفاء دون الجهر وإنما يصار إلى الجهر بدليل زائد وفي عيد الأضحى ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في الطريق ولم يكبر في عيد الفطر
ثم في يوم العيد ينبغي أن يترك التطوع في المصلى قبل صلاة العيد وقبل أن يفرغ الإمام من الخطبة حتى لو فعل يكون مكروها ويصير مسيئا أما لو فعل بعد الفراغ من الخطبة فلا بأس به ومعنى الكراهة والإساءة قد بيناه في باب الأوقات
باب تكبير أيام التشريق
الكلام ههنا في تفسير التكبير وفي بيان كونه واجبا أم سنة وفي بيان وقت التكبير وفي بيان محل أدائه وفي بيان من يجب عليه
وفي بيان أنه هل يجب فيه القضاء بعد الفوت أما الأول فقد اختلفت الرواية عن الصحابة في تفسير التكبير والصحيح هو المشهور والمتعارف بين الأمة وهو قولهم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وأما الثاني فنقول إنه واجب وذكر ههنا أنه سنة ثم فسرها بالواجب فإنه قال تكبير أيام التشريق سنة ماضية نقلها أهل العلم وأجمعوا على العمل بها ولكن إطلاق اسم السنة جائز على الواجب فإنها عبارة عن الطريقة المرضية
ودليل الوجوب قوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } قال أهل التفسير المراد هذه الأيام
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال ما من أيام أحب إلى الله تعالى العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيها من التكبير والتهليل والتسبيح
والثالث الكلام في وقت التكبير اختلفت الصحابة في ابتداء وقت التكبير وانتهائه
اتفق الكبار منهم مثل أبي بكر وعمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وغيرهم رضي الله عنهم على أن يبدأ من صلاة الفجر من يوم عرفة
واختلفوا في الانتهاء روي عن عمر ينتهي إلى وقت الظهر من آخر أيام التشريق يكبر ثم يقطع
وعن علي أنه يقطع في وقت العصر في آخر أيام التشريق تمام ثلاث وعشرين صلاة
وعن عبد الله بن مسعود أنه يقطع وقت الصلاة العصر من يوم النحر يكبر ثم يقطع تمام ثمان صلوات
فأخذ أبو حنيفة يقول ابن مسعود ابتداء وانتهاء
وأخذ أبو يوسف ومحمد يقول على ابتداء وانتهاء
واتفق الشبان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما أنه يبدأ من صلاة الظهر من يوم النحر وهكذا روي عن زيد بن ثابت
وروي عن ابن عمر أنه يقطع في الظهر من آخر أيام التشريق
وأخذ الشافعي بقول ابن عمر ابتداء وانتهاء
ودلائل المسألة تعرف في المبسوط والجامع الكبير
وأما محل أداء التكبير ففي دبر الصلاة وإثرها من غير أن يتخلل ما يقطع حرمة الصلاة حتى إنه لو قام وخرج من المسجد أو تكلم فإنه لا يكبر ولو قام ولم يخرج من المسجد فإنه يكبر
ثم إذا نسي الإمام ولم يكبر فللقوم أن يكبروا لأنه ليس من جملة أفعال الصلاة حتى يكون الإمام فيه أصلا
وأما الكلام فيمن يجب عليه فقد قال أبو حنيفة إنه لا يجب إلا على الرجال الأحرار البالغين المكلفين من أهل الأمصار المصلين للفرض بجماعة حتى لا يجب على العبيد ولا على النسوان والصبيان ولا على المسافرين ولا على أهل الرساتيق ولا على من يصلي الفرض وحده
وقال أبو يوسف و محمد يجب على كل مؤد فرضا على أي وصف كان وفي أي مكان كان
وقال الشافعي على كل مصل فرضا كانت الصلاة أم نفلا
والدلائل مذكورة في المبسوط والجامع الكبير
وأما
الكلام في وجوب القضاء
عند الفوت فهو أربعة فصول إذا ترك الصلاة في الأيام التي هو فيها وقضى في تلك الأيام فإنه يكبر بلا خلاف لأن القضاء على حسب الأداء وقد فاتته مع التكبير فيقضي كذلك
ولو ترك صلاة في غير هذه الأيام فتذكر في هذه الأيام يقضي بلا تكبير لأنه فاتته بلا تكبير
ولو ترك في هذه الأيام وقضاها في غير أيام التشريق يقضي بلا تكبير لأنه ليس في وقت القضاء تكبير مشروع على سبيل الجهر فلا يمكنه القضاء
ولو ترك التكبير في أيام التشريق فتذكر في أيام التشريق من القابل ففي المشهور من الروايات أنه لا يقضي مع التكبير كرمي الجمار إذا فاته في هذه الأيام لا يقضي في هذه الأيام في السنة القابلة فكذلك التكبير
وفي رواية أخرى أنه يقضي مع التكبير لأنه يمكنه القضاء مع التكبير وقد فاتت مع التكبير والله أعلم
باب صلاة الخوف
في الباب فصول منها أن صلاة الخوف مشروعة بعد وفاة النبي عليه السلام عند عامة العلماء
وقال الحسن بن زياد إنها كانت مشروعة في زمن النبي عليه السلام مع وجود المنافي لفضيلة الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى لم يوجد بعد وفاته
وجه قول عامة العلماء إجماع الصحابة على ذلك
ومنها بيان صفة صلاة الخوف
وقد اختلف العلماء في كيفيتها اختلافا كثيرا لاختلاف الأخبار في الباب واختار أصحابنا ما هو الأوجه من ذلك فقالوا ينبغي للإمام أن يجعل الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلي بهم ركعة إن كان مسافرا أو صلاة الفجر وركعتين إن كان مقيما في ذوات الأربع ثم تنصرف هذه الطائفة التي صلى بهم إلى وجه العدو
وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم بقية الصلاة ويسلم ولا يسلم القوم
ثم هذه الطائفة ينصرفون إلى وجه العدو وتعود الطائفة الأولى فتقضي بقية صلاتها بغير قراءة لأنهم لاحقون وينصرفون إلى وجه العدو
ثم تعود الطائفة الثانية فتقضي بقية صلاتهابقراءة لأنهم مسبوقون ولكن ينبغي أن ينصرفوا مشاة
فأما إذا انصرفوا ركبانا فإنه لا تجوز صلاتهم سواء كان انصرافهم من القبلة إلى العدو أو من العدو إلى القبلة هذا جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا
هذا الذي ذكرنا إذا كانت الصلاة ركعتين أو من ذوات الأربع
فأما في صلاة المغرب فينبغي للإمام أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة واحدة وهذا قول عامة العلماء خلافا لسفيان الثوري المعادلة في القسمة أن تنصف الصلاة فيقيم بكل طائفة نصفها إلا أن الركعة لا تتجزأ فتتكامل ضرورة
ثم إنما تجوز صلاة الخوف إذا لم يوجد من الإمام ولا من القوم مقاتلة ومراماة في الصلاة
فأما إذا وجد شيء من ذلك فإنه تفسد صلاته عندنا خلافا للشافعي
ثم كل من كان لا يمكنه أن ينزل يصلي راكبا بالإيماء متوجها إلى القبلة إن قدر وإن لم يقدر يصلي حيثما توجه ولا يسعه أن يترك الصلاة حتى يخرج الوقت ولكن يصلون وحدانا ولا يجوز بجماعة على ما ذكرناه
وكذلك الراجل لا ينبغي أن يؤخر الصلاة إن قدر على الركوع والسجود وإلا فبالإيماء
ثم الخوف الذي يجوز الصلاة على الوجه الذي قلنا إذا كان العدو بقرب منهم بطريق الحقيقة
فأما إذا كان يبعد منهم أو ظنوا عدوا بأن رأوا سوادا أو غبارا فصلوا صلاة الخوف ثم ظهر غير ذلك لا تجوز صلاتهم
ثم الخوف من العدو ومن السبع سواء
ثم الراكب إذا كان سائرا إن كان مطلوبا يفر من العدو وتجوز صلاته للضرورة
ولو كان طالبا للعدو في الجهاد وهو سائر لا تجوز صلاته لأنه لا ضرورة
باب صلاة الكسوف
الكلام في هذا الباب في مواضع في بيان مشروعية الصلاة في الكسوفين وفي بيان أنها واجبة أو سنة وفي بيان كيفية الصلاة وقدرها وفي بيان مواضع الصلاة وفي بيان وقت الصلاة
أما الأول فنقول الصلاة مشروعة في الكسوفين جميعا كسوف الشمس وكسوف القمر للأحاديث الواردة في هذا الباب ومنها ما روي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم توفي إبراهيم ابن النبي عليه السلام فقال الناس انكسفت الشمس بموت إبراهيم فقام رسول الله عليه السلام وخطب وقال في خطبته إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان بموت أحد ولا بحياته فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله تعالى وكبروا وسبحوا حتى تنجلي الشمس ثم نزل فصلى ركعتين وعنه أنه قال إذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة
وأما الكلام في بيان أنها سنة أم واجبة فقد ذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة ما يدل على أنها سنة فإنه روي عنه أنه قال في كسوف الشمس إن شاؤوا صلوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا وإن شاؤوا أكثر منذلك
والتخيير يكون في التطوع
وقال بعض مشايخنا بأنها واجبة لأن النبي عليه السلام قال إذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة وظاهر الأمر للوجوب
وأما الكلام في كيفية الصلاة أما الصلاة في كسوف الشمس فإنهم يصلون ركعتين إن شاؤوا بجماعة وإن شاؤوا فرادى في منازلهم أو في موضع اجتمعوا فيه لكن الجماعة أفضل غير أنهم إذا صلوا بجماعة يصلي بهم إمام الجمعة أو نائب السلطان كما في الجمعة والعيدين
ثم عندنا يصلي ركعتين كما في سائر الصلوات
و للشافعي قولان في قول يصلي ركعتين كل ركعة بركوعين وسجدتين وفي قول يصلي أربع ركعات في أربع سجدات يكبر فيقوم ويقرأ الفاتحة وسورة ويركع ثم يقوم من غير أن يسجد فيقرأ الفاتحة والسورة ثم يركع ويسجد سحدتين ويفعل في الثانية مثلما يفعل في الأولى
وكلا القولين متقاربان
ولا يجهر بالقراءة على قول أبي حنيفة
وعند أبي يوسف يجهر
وعن محمد روايتان
والصحيح قول أبي حنيفة لأن الأصل في صلاة النهار المخافتة إلا إذا قام الدليل بخلافه
ثم هو في مقدار القراءة بالخيار إن شاء طول وإن شاء خفف
وقال الشافعي يطول القراءة فيقرأ الفاتحة ويقرأ مثل سورة البقرة في الركعة الأولى وآل عمران في الثانية ويمكث في الركوعوالسجود مقدار ما يمكث في القراءة
ولكننا نقول إن المسنون أن يشتغل بالصلاة والدعاء حتى تنجلي الشمس فإن طول القراءة قصر الدعاء وإن قصر الصلاة طول الدعاء
وليس في هذه الصلاة آذان ولا إقامة ولا خطبة
ثم إذا فرغوا من الصلاة ينبغي أن يشتغلوا بالدعاء إلى أن تنجلي الشمس
ولا يصعد الإمام المنبر للدعاء لأن السنة في الأدعية بعد الفراغ من الصلاة لقوله تعالى { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب }
وأما الصلاة في كسوف القمر فالسنة فيها أن يصلوا وحدانا في منازلهم لأن الخسوف في الليل والاجتماع في الليل مما يتعذر
وكذا الصلاة وحدانا مستحبة في جميع الأفزاع مثل الريح الشديدة والظلمة والمطر الدائم والريح الدائم والخوف من العدو وغير ذلك للحديث الذي ذكرنا
وقال الشافعي يصلي في الخسوف بجماعة أيضا
وأما موضع الصلاة فقد ذكرنا في شرح الطحاوي أنه يصلي في كسوف الشمس في المسجد الجامع أو في مصلى العيد
وذكر القدوري وقال كان أبو حنيفة يرى صلاة الكسوف في المسجد ولكن الأفضل أن تؤدى في أعظم المساجد وهو الجامع الذي تصلى فيها الجمعة ولو صلوا في موضع آخر أجزأهم
وليس فيها خطبة ولا صعود منبر
وأما في كسوف القمر فالسنة هي الصلاة وحدانا في منازلهم على ما مر
وأما الوقت فهو الوقت الذي يستحب فيه سائر الصلوات دون الأوقات المكروهة لأن هذه الصلاة إن كانت نافلة فالنوافل فيها مكروهة وإن كانت لها أسباب عندنا كصلاة التحية وإن كانت واجبة فيكره كالوتر وصلاة الجنازة والله أعلم
باب صلاة الاستسقاء
ذكر في ظاهر الرواية أنه لا صلاة في الاستسقاء وإنما فيه الدعاء
وروي عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء مؤقت أو خطبة فقال أما صلاة جماعة فلا ولكن الدعاء والاستغفار
وإن صلوا وحدانا فلا بأس
وقال أبو يوسف ومحمد يصلي الإمام أو نائبه في الاستسقاء ركعتين بجماعة كما في الجمعة
والصحيح جواب ظاهر الرواية بقوله تعالى { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا } فمن زاد الصلاة فلا بد من الدليل
ثم عندهما يقرأ في الصلاة بما شاء جهرا كما في صلاة العيدين لكن الأفضل أن يقرأ { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } ولا يكبر فيها سوى تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع في المشهور من الرواية عنهما وفي رواية يكبر فيهما كما في صلاة العيد
ثم بعد الفراغ من الصلاة يخطب عندهما
وعند أبي حنيفة لا يخطب
وهل يجلس في خطبة الاستسقاء عن أبي يوسف روايتان في روايةلا يجلس وفي رواية أخرى إن خطب خطبة واحدة قائما فحسن
ولكن يخطب على الأرض قائما معتمدا على قوس أو سيف مستقبلا بوجهه إلى الناس وهم مقبلون عليه ويستمعون خطبته وينصتون كما في خطب الجمعة وإن توكأ على عصا فحسن
وإذا فرغ من الخطبة يجعل ظهره إلى الناس ووجه إلى القبلة ويقلب رداءه ثم يشتغل بدعاء الاستسقاء قائما يستقبل القبلة والناس قعود مستقبلون ووجوههم إلى القبلة في الخطبة والدعاء لأن الدعاء مستقبل القبلة أقرب إلى الإجابة يدعو الله تعالى ويستغفر للمؤمنين ويجددون التوبة ويستسقون وهذا عندهما
فأما عند أبي حنيفة فتقليب الرداء ليس بسنة
ثم كيفية التقليب عندهما إن كان مربعا جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله وإن كان مدورا جعل الجانب الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
ولكن القوم لا يقلبون أرديتهم عند عامة العلماء
وقال مالك بأنهم يقلبون أيضا
ثم عند الدعاء إن رفع يديه نحو السماء فحسن وإن ترك ذلك وأشار بإصبعه السبابة فحسن
وكذا الناس يرفعون أيديهم أيضا لأن السنة في الدعاء بسط اليدين
ثم المستحب أن يخرج الإمام بالناس إلى الاستسقاء ثلاثة أيام متتابعة لأن الثلاثة مدة لإبلاء العذر فلو لم يخرج الإمام وأمر الناس بالخروج فلهم أن يخرجوا ويدعوا ولا يصلوا بجماعة إلا إذا أمر إنسانا أن يصلي بهم جماعة
ولا ينبغي أن يخرج أهل الذمة مع المسلمين في الاستسقاء عند عامة العلماء بل يمنعون عن الخروج خلافا لمالك لأنهم يخرجون لطلب الرحمة والكفرة أهل السخط والعقوبة دون الرحمة والله أعلم
باب صلاة المريض
الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام قادرا على الأداء
فمتى عجز بسبب المرض عن أداء بعض الأركان ويسقط بقدره لأن العاجز لا يكلف
فإن كان قادرا على الأداء لكن يخاف زيادة العلة يسقط عنه أيضا
فإذا عجز عن القيام يصلي قاعدا بركوع وسجود فإن عجز عن الركوع والسجود يصلي قاعدا بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع ليقع الفصل بينهما فإن عجز عن القعود أيضا يستلقي ويومىء إيماء
وأصله ما روي عن عمران بن الحصين أنه كان به مرض فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب تومىء إيماء
ثم إذا صلى قاعدا بركوع وسجود أو بإيماء كيف يقعد في أول الصلاة وفي حال الركوع اختلفت الروايات عن أصحابنا
روى محمد عن أبي حنيفة أنه يجلس كيف شاء
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا افتتح الصلاة يتربع وإذا ركع يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها
وروي عن أبي يوسف أنه يتربع في جميع صلاته
وروي عن زفر أنه يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته
والصحيح رواية محمد لأن عذر المريض يسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيئة أولى
وأما كيفية صلاة المستلقي فالمشهور من الروايات عن أصحابنا أنه يصلي مستلقيا على قفاه ورجلاه نحو القبلة فإن عجز عن هذا وقدر على الصلاة على الجنب فينام على شقه الأيمن متوجها إلى القبلة عرضا
وقد روي عن أصحابنا أيضا أنه يصلي على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإذا عجز فحينئذ يستلقي على قفاه
وهو مذهب الشافعي
وحجتهم حديث عمران بن الحصين
والصحيح مذهبنا لأن التوجه إلى القبلة بقدر الممكن فرض وذلك فيما قلنا لأن الصلاة في حقه بالإيماء وذلك بتحريك الرأس والوجه وفي حالة الاستلقاء التحريك إلى القبلة فإذا كان على الجنب يتحرك الرأس لا إلى القبلة بل يكون منحرفا عنها والانحراف من غير ضرورة غير مشروع
والمراد من الجنب في حديث عمران بن الحصين هو السقوط فمعنى قوله فعلى الجنب أي يصلي ساقطا على قفاه وهو تفسير الاستسقاء
فإن كان قادرا على القيام دون الركوع والسجود فإنه يومىء قاعدا لا قائما فهو المستحب ولو أومأ قائما جاز
وهذا عندنا
وقال الشافعي يصلي قائما لا قاعدا لأن القيام ركن فلا يسقط من غير عذر
ولكنا نقول إن الغالب أن من عجز عن الركوع عجز عن القيام والغالب ملحق بالمتيقن
وينبغي للمريض أن يأتي بالأركان كلها مثل الصحيح لأن السقوط بقدر العجز ولم يوجد
ثم الإضجاع المشروع أنواع أحدها في حالة الصلاة وهو ما ذكرنا من الاستلقاء على القفا دون الإضجاع على الجنب
والثاني الاضطجاع في حالة المرض على الفراش والسنة فيه أن يضجع المريض على شقه الأيمن عرضا ووجهه إلى القبلة
ومنها أن يضجع المريض المحتضر وهو أن تقرب وفاته
والسنة فيه أيضا أن يضجع على شقه الأيمن عرضا وجهه إلى القبلة إلا أن العرف قد جرى بين الناس أن يضجع مستلقيا على قفاه نحو القبلة كما في حالة الصلاة بالإيماء لما قيل إن هذا أيسر لخروج الروح
ومنها الإضجاع على التخت عند الغسل ولا رواية فيه عن أصحابنا لكن العرف قد جرى أن يضجع مستلقيا على قفاه نحو القبلة لما في حالة الصلاة بالإيماء
ومنها الإضجاع في حالة الصلاة على الميت وهو أن يضجع على قفاه معترضا للقبلة
ومنها الإضجاع في اللحد
والسنة فيه أن يضجع على شقه الأيمن ووجهه نحو القبلة
ثم إذا عجز عن الإيماء وهو تحريك الرأس سقط عنه أداء الصلاة عندنا
وقال الشافعي ينبغي أن يومىء بقلبه وبعينه
وقال زفر يومىء بقلبه ويقع مجزئا
وقال الحسن بن زياد يومىء بحاجبيه وبقلبه ويعيد متى قدر على الأركان
والصحيح قولنا لأن الإيماء بالقلب هو الإرادة والنية والصلاة غير النية والإرادة
ثم إذا سقط عنه الصلاة بالعجز فإذا مات من ذلك المرض فلا شيء عليه لأنه لم يدرك وقت القضاء
فأما إذا برأ وصح فإن ترك صلاة يوم وليلة وما دونها فإنه يقضي فأما إذا ترك أكثر من ذلك فإنه لا يقضي
وعلى ذلك قال أصحابنا في المغمى عليه إذا فاتته الصلوات ثم أفاق يقضي صلاة يوم وليلة وما دونها ولا يقضي أكثر من ذلك
وروي عن محمد في الجنون القصير إنه بمنزلة الإغماء
وهذا لما عرف أن العجز عن الأداء لا يسقط القضاء إنما يسقط بسبب الحرج وإنما الحرج إذا دخل الفائت في حد الكثرة والحد الفاصل بين القليل والكثير هو ست صلوات عرفنا ذلك بإجماع الصحابة فإنه روي عن علي وعمار وعبد الله بن عمر مثل قولنا ولم يرو عن غيرهم خلافه فيكون إجماعا
ثم المريض إذا فاتته الصلوات في مرضه أو كان عليه فوائت الصحة فقضاها في المرض بأنقص مما فات من حيث الأركان فإنه يجوز
ولو فاتته الصلوات في حال المرض بلا قيام أو بالإيماء ثم صح وبرأ فإن عليه أن يقضي بقيام وركوع وسجود
ولو قضاها كما فاتت لا يجوز
والمعتبر حال الشروع في القضاء لأن وجوب القضاء موسع وإنما يتغير الوجوب وقت الشروع
وأصله قوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها
ولو أن المريض إذا قدر على القيام أو على الركوع والسجود بعدما شرع في الصلاة قاعدا وبالإيماء ينظر إن شرع قاعدا بركوع وسجود فإنه يبني على تلك الصلاة ويتمها قائما بركوع وسجود عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن من أصلهما أن اقتداء القائم بالقاعد الذي يصلي بركوع وسجود جائز في الابتداء فكذلك يجوز في البناء
وعلى قول محمد لا يبني بل يستقبل لأن عنده لا يجوز اقتداء القائم بالقاعدة فكذا لا يجوز البناء
وأما إذا كان يصلي بالإيماء قاعدا أو مستلقيا فلا يبني إذا قدر على القيام أو الركوع والسجود عندنا
وعلى قول زفر يبني
والصحيح قولنا وهو أن الصلاة بالإيماء ليست صلاة حقيقية لكن جعلت صلاة في حق المومىء بطريق الضرورة فيظهر في حقه لا في حق غيره فلا يجوز الاقتداء به إلا من الذي هو مثله بخلاف القائم مع القاعد فإن القاعد مصل بالركوع والسجود على ما عرف
فأما الصحيح إذا مرض في وسط الصلاة بحيث يعجز عن القيام أو الركوع والسجود فجواب ظاهر الرواية أنه يمضي على صلاته علىحسب ما يقدر عليه من الركوع والسجود قاعدا أو بالإيماء
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يستقبل
والصحيح ظاهر الرواية لأنه إذا بنى صار مؤديا بعض الصلاة كاملا وبعضها ناقصا وإذا استقبل صار مؤديا الكل ناقصا فكان الأول أولى
ولو أن المريض المومىء إذا رفع إلى وجهه وسادة أو شيء فسجد عليه ولم يومىء بأن لم يحرك رأسه نوع تحريك فإنه لا يجوز ولا ينبغي أن يفعل هكذا لأن الفرض في حقه الإيماء وهو قائم مقام الصلاة ولم يوجد
فأما إذا وجد منه نوع تحريك الرأس حتى وصل رأسه إلى الوسادة جاز لوجود الإيماء وإن قل والله أعلم
باب صلاة التطوع
التطوع نوعان تطوع مطلق وتطوع بسبب
أماالمطلق فيستحب أداؤه في كل وقت لم يكره فيه التطوع
ويجوز أداؤه مع الكراهة في الأوقات المكروهة
وأما التطوع بسبب فوقته ما ورد الشرع به كالسنن المعهودة للصلوات المكتوبة
وذكر أبو الحسن الكرخي ههنا وقال التطوع قبل الفجر ركعتان أي التطوع المسنون قبل صلاة الفجر ركعتان وأربع قبل الظهر لا يسلم إلا في آخرها وركعتان بعد الظهر وأربع قبل العصر وركعتان بعد المغرب وأربع قبل العشاء الأخيرة إن أحب ذلك وأربع بعدها
وذكر في ظاهر الرواية في كتاب الصلاة هكذا إلا أنه قال في الأربع قبل العصر إنه حسن وليس بسنة وقال في العشاء إنه لا تطوع قبل العشاء وإن فعل لا بأس به وركعتان بعدها
والصحيح جواب ظاهر الرواية لما روي عن أم حبيبة أن النبي عليه السلام قال من صلى اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى له بيت في الجنة ركعتان بعد طلوع الفجر وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء
وأما السنة في صلاة الجمعة فأربع قبلها وأربع بعدها كذا ذكرههنا وفي ظاهر الرواية في كتاب الصلاة
وذكر في كتاب الصوم في باب الاعتكاف أن بعد الجمعة يصلي ستا
ومن أصحابنا من قال ما ذكر في كتاب الصوم قول أبي يوسف ومحمد وما ذكر في كتاب الصلاة قول أبي حنيفة
والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روي عن ابن مسعود أنه قدم الكوفة وكان يصلي بعد الجمعة أربعا لا غير ثم قدم علي رضي الله عنه بعد وفاته وكان يصلي بعدها ستا
فأخذ أبو حنيفة بمذهب ابن مسعود وهم أخذوا بمذهب علي رضي الله عنه
وروي عن أبي يوسف أنه قال ينبغي أن يصلي أربعا ثم ركعتين حتى لا يكون متنفلا بعد صلاة الفرض بمثلها فيدخل تحت النهي وهو قوله عليه السلام لا يصلى بعد صلاة مثلها
ثم السنن إذا فاتت عن وقتها لا تقضى سواء فاتت وحدها أو مع الفرائض سوى سنة صلاة الفجر فإنها تقضى إن فاتت مع الفريضة بلا خلاف بين أصحابنا
واختلفوا فيما إذا فاتت بدون الفرض على قول أبي حنيفة و أبي يوسف لا تقضى
وقال محمد لا تقضى قبل طلوع الشمس أيضا ولكن تقضى بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ثم تسقط
وقال الشافعي تقضى جميع السنن
والصحيح مذهبنا لما روي عن أم سلمة أن النبي عليه السلام صلى ركعتين بعد صلاة العصر في حجرتي فقلت يا رسول الله ما هاتانالركعتان اللتان لم تكن تصليهما من قبل فقال ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فغشاني عنهما الوفد فكرهت أن أصليهما بحضرة الناس فيروني فقلت أفتقضيهما إذا فاتتا فقال لا وهذا نص على أن القضاء في حق الأمة غير واجب في السنن وإنما هو شيء اختص به رسول الله
وقياس هذا الحديث أنه لا يجب قضاء ركعتي الفجر أصلا لكن استحسن أبو حنيفة و أبو يوسف في القضاء إذا فاتتا مع الفرض بالحديث المعروف وهو أن النبي عليه السلام لما نام في ذلك الوادي ثم استيقظ لحر الشمس فارتحل منه ثم نزل وأمر بلالا فأذن وصلى ركعتين ثم أمر فأقام فصلى الفجر فبقي الباقي على الأصل
قال ويكره للإمام أن يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة ولا يكره للمقتدي ذلك لأن الإمام إذا لم يتنح عن مكانه فربما يشتبه على الداخل أنه في الفرض فيقتدي به ثم يظهر بخلافه وهذا المعنى معدوم في حق المقتدي فلا يكره
وروي عن أصحابنا أن المستحب للمقتدي أن يتنحى عن مكانه أيضا حتى تنكسر الصفوف فيزول الاشتباه من كل وجه
قال ويكره التطوع في المسجد والناس في الجماعة لأن يصير متهما بأنه لا يرى صلاة الجماعة
ثم ينظر بعدها إما إن صلى تلك المكتوبة أو لم يصل فإن لم يصلها ينظر إن أمكنه أن يؤدي السنة قبل أن يركع الإمام فإنه يأتي بالسنة خارج المسجد ثم يشرع في الفرض فيحرز الفرضوالنفل جميعا مع نفي التهمة عن نفسه
وإن خاف أن يفوته ركعة شرع مع الإمام
وهذا في سائر الصلوات سوى الفجر
فأما في الفجر فإن كان عنده أنه يمكنه أن يصلي السنة ويدرك ركعة من الفرض مع الإمام فعليه أن يأتي بالسنة خارج المسجد ثم يشرع في الفرض مع الإمام
وإن كان عنده أنه تفوته الركعتان فلا يشتغل بالسنة لأن أداء الصلاة بالجماعة سنة مؤكدة أو في معنى الواجب
وكذا ركعتا الفجر لكثرة ما روي فيهما من الآثار فمهما أمكن إحراز الفضيلتين كان أحق وذلك فيما قلنا لأن إدراك ركعة من الفجر في معنى إدراك الكل على ما روي من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدركه فأما إذا خاف فوت الركعتين مع الإمام فكان فيه فوت الفرض حقيقة ومعنى فكان الاشتغال بالفرض أولى بخلاف سائر السنن لأنها دون الصلاة بالجماعة في الفضيلة فكان اعتبار إقامة الجماعة أولى
وأما إذا صلى المكتوبة فدخل المسجد والناس في الجماعة فإنه ينبغي أن يتابع الإمام في صلاته إن كانت صلاة لا يكره التطوع بعدها أو بها كالمغرب
فأما إذا كان في صلاة يكره التطوع بعدها أو يكره التنفل بها وهي المغرب فإنه لا يشرع فيها ولكن يخرج من المسجد لأن فيه إحراز فضيلة ومباشرة كراهة فالكف عن المكروه أولى وأحق
وقد ذكرنا قبل هذه الصلاة التي يكره التطوع بعدها
هذا الذي ذكرنا إذا دخل المسجد وقد أقيمت فيه المكتوبة
فأما إذا دخل المسجد وشرع في الصلاة ثم أقيمت المكتوبة فيه فهذا على وجهين إما أن يشرع في التطوع أو في فرض الوقت
أما إذا شرع في التطوع فإنه يتم الشفع الذي هو فيه إن علم أنه يمكنه الشروع مع الإمام في الركعة الأولى من صلاته لأنه يقدر على إتمام النفل الذي وجب عليه تحصيله بالشروع وإدراك الجماعة فيجب مراعاتهما ولا يزيد على الشفع لأنه لا يلزمه بالشروع في النفل أكثر من الشفع
فأما إذا كان لا يمكنه إدراك الركعة الأولى من صلاة الإمام فإنه يقطع ويشرع مع الإمام إلا في صلاة الفجر على ما ذكرنا من التفصيل
فأما إذا شرع في الفريضة ثم أقيمت تلك الصلاة بالجماعة فإن كان صلاة الفجر وقد صلى ركعة يقطع ويشرع مع الإمام لأن نقض الفرض للأداء على الوجه الأكمل جائز والصلاة بالجماعة أكمل فإن قيد الركعة الثانية بالسجدة أو صلى ركعتين فإنه يمضي على ذلك لأن الصلاة بعد التمام لا تحتمل الانتقاض وللأكثر حكم الكل أيضا
وإن كان صلاة الظهر إن صلى ركعة يضم إليها ركعة أخرى إن كان يمكنه الشروع مع الإمام في الركعة الأولى من صلاته وإن صلى ركعتين يتشهد ويسلم حتى يكون محرزا للفضيلتين
وإن قيد الثالثةبالسجدة مضى عليها لأنه أدى الأكثر وهو الفرض
وكذلك الجواب في العصر والعشاء
فأما في المغرب فإن صلى ركعة قطعها لأنه لو ضم إليها الثانية يصير أكثر الفرض فلا يمكنه القطع وإن قيد الثانية بالسجدة مضى عليها لما قلنا
ثم في الموضع الذي يمكنه القطع والشروع في الصلاة مع الإمام إذا فرغ من كل الفرض إن كان صلاة لا يكره التطوع بعدها يدخل مع الإمام وإن كان يكره التنفل بعدها أو التنفل بها صلاة المغرب فإنه لا يشرع مع الإمام على ما مر والله أعلم
باب صلاة الوتر
في الباب فصول منها أن الوتر واجب أم سنة واختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة
روي أنه فرض وبه أخذ زفر
ثم رجع وقال بأنه سنة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد والشافعي
ثم رجع وقال بأنه واجب
وحاصل ذلك ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحية
وروي عنه عليه السلام أيضا أنه قال إن الله تعالى زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر والأمر للفرضية والوجوب فوقع التعارض بين الحديثين فلا تثبت الفرضية والوجوب بالاحتمال
هذا عندهم و أبو حنيفة يقول يمكن الجمع بينهما لأن الفرض غير الواجب في عرف الشرع فالفرض ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به والواجب ما ثبت وجوبه بدليل فيه شبهة نحو خبر الواحد والقياس والوتر من هذا القبيل لأنه ثبت بخبر الواحد
ومنها بيان مقداره فعندنا الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة في الأوقات كلها
والشافعي قال هو بالخيار إن شاء أوتر بركعة أو بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة ولا يزيد عليها
وقال الزهري في شهر رمضان ثلاث ركعات وفي غيره ركعة
والصحيح قولنا لما روي عن ابن مسعود و ابن عباس و عائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ركعات
ومنها أن يقرأ فيه في الركعات بالثلاث بالإجماع أما عندهم فلأنه نفل وفي النفل تجب القراءة في الكل
وكذا على قول أبي حنيفة لأن الوتر عنده واجب والواجب ما يحتمل أنه نفل لكن ترجح جهة الفرضية بدليل فيه شبهة فكان الاحتياط فيه بوجوب القراءة في الكل
ولا ينبغي أن يقرأ سورة معينة على الدوام لأن الفرض هو مطلق القراءة بقوله تعالى { ما تيسر من القرآن علم } والتعيين على الدوام يفضي إلى أن يعتقده بعض الناس واجبا وإنه لا يجوز لكن قد ورد عن النبي عليه السلام أنه قرأ في الركعة الأولى { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الثانية { قل يا أيها الكافرون }
وفي الثالثة { قل هو الله أحد } فمن قرأها كذلك أحيانا يكون حسنا ولكن لا يواظب عليه على ما ذكرنا
ومنها أن الوتر يعم الناس أجمعمن الحر والعبد والذكر والأنثىبعد أن كان أهلا للوجوب لأن الدليل الذي ورد في الباب لا يوجب الفصل
ومنها أن القنوتفي الوتر في الركعة الثالثة بعد القراءة قبل الركوع واجب وإذا أراد أن يقنت يكبر ويرفع يديه حذاء أذنيه ثم يقنت
والكلام في القنوت في مواضع منها أنه إذا أراد أن يقنت يكبر لما روي عنعليأنه كان إذا أراد القنوت كبر وقنت
ومنها أن يرفع يديه عند التكبير لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لا ترفع الأيدي إلا في سبع موطن وذكر من جملتها القنوت
ومنها أن القنوت في الوتر واجب في جميع الأوقات
وقال الشافعي يؤتى بالقنوت في النصف الأخير من شهر رمضان لا غير
والصحيح قولنا لما روي عن علي و ابن مسعود و ابن عباس أن كل واحد منهم راعى صلاة رسول الله عليه السلام بالليل فقنت قبل الركوع فدل أنه كان يأتي به في الأوقات كلها
ومنها محل القنوت عندنا قبل الركوع
وعند الشافعي بعد الركوع
والصحيح قولنا لما روينا من حديث الصحابة
ومنها مقدار القنوت ذكر في الكتاب مقدار سورة { إذا السماء انشقت } أو { والسماء ذات البروج }
وفي بعض الروايات مقدار { إذا السماء انشقت }و { والسماء ذات البروج }
والصحيح هو الأول فإن المروي عن النبي عليه السلام في القنوت اللهم إنا نستعينك و اللهم أهدنا فيمن هديت وكلاهما على مقدار إحدى السورتين
ولا ينبغي أن يقتصر على الدعاء المأثور اللهم إنا نستعينك و اللهم اهدنا كي لا يتوهم العوام أنه فرض ولكن إذا أتي بالدعاء المأثور في بعض الأوقات وبغيره في البعض فحسن
ومنها أن يرسل اليدين في حال القنوت أو يضع ذكر ههنا أنه يرسلهما وكذا ذكر الطحاوي في مختصره وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة
وروي عن أبي يوسف أنه يبسط يديه بسطا نحو السماء
وذكر محمد في الأصل إذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه حذاء أذنيه ناشرا أصابعه ثم يكفها وقال أبو بكر الإسكاف معناه يضع يمينه على شماله
وروي عن أبي حنيفة ومحمد في غير رواية الأصول أنه يضعهما
وقد تكلم المتأخرون في هذا وفي كل قيام لا قراءة فيه كالقيام في حال تكبيرات العيدين والقيام في صلاة الجنازة والقيام بعد الافتتاح إلى وقت القراءة والقيام بين الركوع والسجود إذا كان فيه طول كما في الجمعة والعيدين
وأجمعوا على الوضع في القيام في حالة القراءة
ومن قال بالوضع قال إن هذا أقرب إلى التعظيم كما في الشاهد
ومن قال بالإرسال قال في الوضع زيادة فعل فلا يثبت من غير دليل
وقد ذكرنا قبل هذا
ومنها إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر في الركوع فإنه يمضي على ركوعه ولا يعود إلى القيام ليقنت
وروي عن أبي يوسف أنه يعود إلى القيام ويقنت كما إذا ترك الفاتحة أو السورة ناسيا وركع فله أن يعود إلى القيام ويقرأها
والصحيح هو الأول
والفرق بين القنوت وقراءة الفاتحة والسورة أن الركوع فرض وقد شرع فيه فلا ينقضه لأجل القنوت وهو واجب وإنما يجوز نقضه ليؤدى على وجه الكمال فيجوز نقضه للتكميل كنقض المسجد ليبنى أحسن منه وفي قراءة الفاتحة والسورة زيادة الكمال وأصل القراءة فرض لا جواز للركعة بدونه فأما القنوت فدعاء والركعة لها تمام بدونه ولهذا لم يشرع في كل ركعة كالقراءة في النفل فلو نقض يكون نقضا لا للتكميل بل لأداء الواجب ونقض الفرض لأداء الواجب لا يجوز
وكذا لا يقنت في حال الركوع بخلاف تكبيرات العيدين إذا فاتت في حق المسبوق وأدرك الإمام في الركوع فإنه يكبر ويركع ثم يأتي بالتكبيرات في الركوع لأن القنوت لم يشرع إلا في حالة محض القيام فأما التكبيرات فيشرع بعضها في حال الركوع فإن تكبير الركوع محسوب من تكبيرات العيد فيجوز أداء الكل عند العذر
ولو رفع رأسه من الركوع وأتى بالقنوت فإن عليه أن يعيد الركوع
وكذلك إذا رفع رأسه وعاد إلى القيام وأتى بقراءة الفاتحة أو السورة فإنه يعيد الركوع لأنه لما عاد إلى القيام قاصدا أداء الفاتحة والسورة والقنوت ومحل هذه الواجبات قبل الركوع صار ناقضا للركوع ضرورة صحة أدائها فيجب عليها الإعادة
وفكر في شرح الطحاوي وقال إذا ترك الفاتحة أو السورة أو القنوت ناسيا وركع له أن يعود إلى القيام ويأتي بالكل ويعيد الركوع ولكن لو ترك إعادة الركوع هل يجزئه ليس فيه رواية منصوصة
قال وكان شيخنا يقول على قياس قول أصحابنا يجوز وعلى قياس قول زفر لا يجوز لأن الركوع حصل بعد القراءة فجاز والترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط الجواز عندنا وعند زفر الترتيب في الأفعال شرط
والصحيح ما ذكر ههنا على ما ذكرناه
ومنها أن الوتر لا يجوز أداؤه على الراحلة من غير عذر يجوز به أداء الفرائض عليها
أما على قول أبي حنيفة فلا يشكل لأن عنده الوتر واجب وأداء الواجبات والفرائض على الراحلة من غير عذر لا يجوز
وأما على قولهما الوتر سنة لكن صح عن النبي عليه السلام أنه كان يتنفل على راحلة من غير عذر في الليل فإذا بلغ الوتر ينزل فيوتر على الأرض
ومنها الكلام في وقت الوتر وبيان الوقت المستحب منه وقد ذكرناها في بيان الأوقات
ومنها القنوت بجهرية أم بخافت ذكر في شرح الطحاوي أن المنفرد بالخيار إن شاء جهر وأسمع نفسه وإن شاء جهر وأسمع غيره وإن شاء أسر كما ذكرنا في القراءة وإن كان إماما فإنه يجهر بالقنوت ولكن دون الجهر بالقراءة في الصلاة والقوم يتابعونه كذلك في القنوت إلى قوله إن عذابك بالكفار ملحق
وإذا دعا بعد ذلك هل يتابعه القوم فيه ذكر في الفتاوى اختلافا بين أبي يوسف ومحمد ففي قولأبي يوسف يتابعونه وفي قول محمد لا يتابعونه ولكنهم يؤمنون
وقال مشايخنا بأن المنفرد يخفي القنوت لا محالة ولا يجهر ولا خيار له في ذلك وأما الإمام فقال بعض مشايخنا بأنه يخفي أيضا مع القوم لأن الأصل في الدعاء هو المخافتة قال الله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وقال بعضهم يخفي ولكن يرفع صوته قليلا ويؤمن القوم
باب السهو
أصل الباب أن سجود السهو إنما يجب بترك الواجب الأصلي في الصلاة أو بتغيير فرضها على سبيل السهو ولا يجب بترك السنن والآداب
والكلام في هذا الباب في خمسة مواضع في أن سجود السهو واجب أم سنة وفي بيان سبب الوجوب وفي بيان أن المتروك ساهيا هل يقضي أم لا وفي بيان محل سجود السهو وفي بيان من يجب عليه السجود ومن لا يجب عليه
أما الأول فقد ذكر محمدفي الأصل ونص على الوجوب فإنه قال إذا سها الإمام وجب على المؤتم أن يسجد
وكذا روي عن أبي الحسن الكرخي أنه واجب
وذكر القدوري أنه سنة عند عامة أصحابنا
والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن النبي عليه السلام وأصحابه واظبوا على إتيان سجود السهو وما تركوه تركوه بعذر تترك به النوافل والمواظبة على الشيء دليل على أنه واجب
وأما بيان سبب الوجوب فما ذكرنا من ترك الواجب الأصليللصلاة ساهيا أو بتغيير فرضها
وتخرج المسائل على هذا إذا ترك القعدة الأولى ساهيا وقام حتى لا يقضي تجب السجدة بتركها لأنها واجبة
وإذا قعد في موضع القيام أو قام في موضع القعود أو ركع في موضع السجود أو سجد في موضع الركوع أو ركع ركوعين أو سجد ثلاث سجدات ساهيا يجب عليه سجود السهو لأنه وجد تغيير الفرض من التأخير عن مكانه أو التقديم على مكانه
وكذا إذا ترك سجدة من ركعة ساهيا فتذكر في آخر الصلاة سجدها وعليه سجدتا السهو لأنه أخرها عن موضعها
وإذا قام من الرابعة إلى الخامسة قبل أن يقعد قدر التشهد فإنه يجب عليه أن يعود ويسجد لأنه ترك الفرض عند موضعه وأخره عن مكانه
وإن قام بعدما قعد قدر التشهد فإنه يعود وتجب السجدة لأنه أخر السلام والخروج عن الصلاة بفعله فرض عند أبي حنيفة
ولو ترك تعديل الأركان ساهيا أو القومة التي بين الركوع والسجود يجب عليه السهو لأنه غير الفرض وترك الواجب
ويخرج على هذا الأصل أيضا أن من شك في صلاته فتفكر في ذلك حتى استيقن قال إن طال تفكره بحيث يمكنه أداء ركن من أركان الصلاة تجب عليه السجدة وإن كان دون ذلك لا يجب لأن التفكر الطويل مما يؤخر الأركان عن موضعها والفكر القليل مما لا يمكن الاحتراز عنه فجعل كأن لم يكن
ثم الحكم في هذه المسألة إذا وقع الشك بين أن صلى ثلاثا أو أربعاإن كان ذلك أول ما يقع له فإن عليه أن يستقبل الصلاة لأنه يمكنه أن يصلي ويؤدي الفرض بيقين والتحري دليل مع الظن عند الحاجة دفعا للحرج ولا حرج في أول مرة
فأما إذا وقع الشك مرارا فإنه يتحرى ويبني على ما وقع عليه التحري في جواب ظاهر الرواية
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يبني على اليقين وهو الأقل
وهو قول الشافعي
والصحيح قولنا لما روي عن ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليتحر الصواب فإنه أقرب ذلك إلى الصواب وليبن عليه ويسجد سجدتي السهو وهذا حديث مشهور فلا يعارض بالحديث الغريب والقياس
وأما الشك في أركان الحج فذكر الجصاص أن ثمة يتحرى أيضا ولا يؤدى ثانيا وعامة المشايخ قالوا يؤدى ثانيا
والفرق بين الفصلين أن تكرار الركن والزيادة عليه مما لا يفسد الحج أما الزيادة ههنا فإذا كانت ركعة تكون مفسدة لأنه يخلط المكتوبة بالتطوع قبل الفراغ من المكتوبة فيصير فاصلا وخارجا عن المكتوبة فكان العمل بالتحري أحوط من البناء على الأقل
فأما الأذكار فلا يجب السجود بتركها إلا في أربعة القراءة والقنوت والتشهد الأخير وتكبيرات العيدين لأن هذه الأذكار واجبة
ثم القراءة بقدر ما تكون فرضا إذا تركها سهوا ولم يقض في الصلاة تفسد صلاته وإنما يجب سجود السهو بتركها سهوا من حيثهي واجبة بيان ذلك إذا ترك القراءة في الركعتين الأوليين فأداها في الأخريين تجب السجدة لأن القراءة فرض في الركعتين غير عين وفي الأوليين واجبة عند بعض مشايخنا وعند بعضهم فرض في الأوليين ولكن يقضيها في الأخريين ويسجد لتركها عن محل الأداء سهوا
وكذا إذا ترك الفاتحة وقرأ غيرها تجب السجدة لأن تعيين الفاتحة واجب عندنا في الصلاة وعند الشافعي فرض
وكذا لو قرأ الفاتحة في الركعيتن وترك السورة تجب السجدة لأن قراءة السورة أو مقدار ثلاث آيات واجبة أيضا
وكذا يجب سجود السهو بتغيير القراءة بأن جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر لأن ذلك واجب أيضا
لكن اختلفت الروايات عن أصحابنا في مقدار ما يتعلق به سجود السهو من الجهر ذكر الحاكم عن ابن سماعة عن محمد أنه قال إذا جهر بأكثر الفاتحة يسجد ثم رجع وقال إذا جهر مقدار ما تجوز به الصلاة يجب وإلا فلا
وروى أبو سليمان عن محمدأنه قال إن جهر بأكثر الفاتحة سجد وإن جهر بأقل الفاتحة أو بآية طويلة لم يسجد
وروى أبو يوسف أنه إن جهر بحرف فعليه السجدة
والصحيح مقدار ما تجوز به الصلاة لأنه يصير مصليا بالقراءةجهرا
وهذا إذا كان إماما فأما في حق المنفرد إذا جهر في موضع الإخفاء فلا سهو عليه لأن الإخفاء ليس بواجب عليه بل هو مخير بين أن يجهر ويسمع نفسه وبين أن يسمع غيره وبين أن يسر بالقراءة ولا يسمع نفسه ولا غيره على ما مر فلا يصير تاركا للواجب
فأما ما سوى ما ذكرنا من الأذكار فر سهو فيها لأنها من جملة من السنن
وقال مالك إذا ترك ثلاث تكبيرات تجب عليه السجدة
هذا الذي ذكرنا إذا ترك واجبا أصليا للصلاة بسبب التحريمة
فأما إذا ترك واجبا ليس بأصلي بل صار من أفعال الصلاة بعارض كما إذا وجب عليه سجدة التلاوة في الصلاة فتذكر في آخر الصلاة لا تجب السجدة بتأخيرها عن موضعها
وكذلك إذا لم يتذكر فسلم ساهيا عن السجود لا يلزمه سجود السهو لأنه لم يجب بسبب التحريمة
وأما قضاء المتروك فنقول إن كان المتروك فرضا أو واجبا فعليه قضاؤه ما أمكن فإن لم يتذكر حتى خرج من الصلاة فإنه تفسد صلاته بترك الفرض لا بترك الواجب حتى إنه إذا ترك القعدة الأولى لا تفسد صلاته ولو ترك القعدة الأخيرة تفسد
وكذلك في الأذكار إن ترك التشهد وقام لا يعود وإن كان في التشهد الأخير وقام يعود ويتشهد
وكذا إذا لم يقم وتذكر يقضي قبل أن يخرج من الصلاة
ولو خرج لا تفسد صلاته لأنه واجب
وأما القراءة فإن تركها عن الأوليين يقضي في الأخريين
فأما إذا كانت في الفجر والمغرب وتركها عن الأوليين تفسد صلاته ولا يتصور قضاؤها
وأما تكبيرات العيدين إذا تركها ساهيا يقضي في الركوع ولا يرفع رأسه عن الركوع ويعود إلى القيام ليقضيها في حال القيام
وقد ذكرنا القنوت إذا تركه ساهيا وركع فلا نعيده
وأما بيان محل السجودفعندنا بعد السلام
وقال الشافعي قبل السلام
وقال مالك إن وجب بسبب النقصان فقبل السلام وإن وجب بسبب الزيادة فبعده
والصحيح مذهبنا لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لكل سهو سجدتان بعد السلام
وإذا ثبت أن محله المسنون بعد السلام فينبغي أنه إذا أتى بالتشهد يسلم قبل الاشتغال بالصلاة على النبي عليه السلام ثم يكبر ويعود إلى سجدتي السهو ويرفع رأسه ويكبر ويتشهد ويصلي على النبي عليه السلام لكن ينبغي أن يدعو بالدعوات بعد التشهد الثاني لا في الأول لأن الدعوات إنما شرعت بعد الفراغ عن الأفعال والأذكار الموضوعة في الصلاة ومن عليه السهو قد بقي عليه بعد التشهد الأول أفعال وأذكار وهو سجود السهو والصلاة على النبي عليه السلام فينبغي أن يؤخر الدعوات إلى التشهد الثاني ولكن ينبغي أن يدعو بدعوات لا تشبه كلام الناس حتى لا يصير قاطعا للصلاة ولا يمكنه الخروج عن الصلاة على الوجه المسنون وهو السلام
ولو سها في سجود السهو لا يجب عليه السهو لأن تكرار سجود السهو غير مشروع لأنه لا حاجة لأن السجدة الواحدة كافية على ماقال عليه السلام سجدتان تجزئان عن كل زيادة ونقصان
وأما بيان من يجب عليه ومن لا يجب عليه فنقول إن سجود السهو يجب على الإمام وعلى المنفرد مقصودا لأنه يتحقق منهما سببه وهو السهو
أما المقتدي إذا سها في صلاته فلا سجدة عليه لأنه لا يمكنه أداء السجود قبل السلام لما فيه من مخالفة الإمام ولا بعد سلام الإمام لأنه سلام عمد فيخرج به عن الصلاة فيسقط السهو أصلا
وكذا اللاحق وهو المدرك الأول الصلاة ثم فاته بعضها بعد الشروع بسبب النوم أو الحدث السابق ثم اشتغل بقضاء ما سبق به فسها لا يجب عليه السجدة لأنه في حكم المصلي خلف الإمام ولهذا لا قراءة عليه فيما يقضي
فأما المسبوق إذا اشتغل بقضاء ما سبق به بعد سلام الإمام وفراغه فسها فيه يجب عليه السجدة لأنه بمنزلة المنفرد ولهذا يجب عليه القراءة
ولو أن الإمام سها في صلاته يجب عليه وعلى القوم جميعا سجدتا السهو لأن سبب الوجوب وهو السهو وجد من الإمام والقوم تبع له والحكم في حق التبع يستغني عن السبب
وكذلك اللاحق يجب عليه بسبب سهو الإمام بأن سها الإمام في حال نوم المقتدي أو حال ذهابه إلى الوضوء لأنه بمنزلة المصلي خلفه
وكذلك المسبوق بأن سها الإمام في الركعة الأولى ثم دخل في صلاته رجل يجب عليه السجود بسبب سهو الإمام فإذا أراد الإمام أن يسلم ليس للمسبوق أن يسلم معه لأنه بقي عليه أركان الصلاة فتفسد صلاته بالسلام ولكن ينتظر حتى يسلم الإمام فإذا سجد الإمام له أن يسجد معه ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به
ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فسها الإمام فإن المقيم يتابعه في السجود دون السلام لأن صلاته لم تتم
ولو أنه إذا سجد معه ثم قام إلى قضاء ما سبق به وسها فيه فعليه أن يسجد ثانيا وإن كانت تكرارا لأنه فيما يقضي كالمنفرد فيكون صلاتين حكما
وكذلك في حق المقيم المقتدي بالمسافر
فلو أن هذا المسبوق إذا لم يسجد مع الإمام وقام إلى قضاء ما سبق به هل يسجد في آخر صلاته القياس أن لا يسجد وفي الاستحسان يسجد لأنه وجب عليه بسبب المتابعة وأمكنه قضاؤه في آخر صلاته فيجب عليه القضاء
ولو ترك الإمام سجود السهو وخرج من المسجد فإن المقتدي لا يأتي به لأنه يأتي بحكم المتابعة فلا يجب عليه المتابعة فيما ترك
ولو أدرك الإمام بعد ما فرغ من سجدتي السهو قبل السلام فاقتدى به صح الاقتداء ولا يجب عليه السجدة لأنه لم يجب عليه المتابعة حتى أتى الإمام بالسجود فلا يلزمه القضاء
ولو أدرك الإمام في سجود السهو فكبر وشرع في صلاته فعليه أن يتابعه في سجود السهو لأن المتابعة واجبة عليه في جميع أفعال صلاة الإمام وسجود السهو من أفعال صلاته وإن أدركه بعدما سجد السجدة الأولى فله أن يتابعه في السجدة الثانية وليس عليه أن يقضي السجدة الفائتة لأنه ما وجب عليه أداؤها بحكم المتابعة لأنه لم يكن في صلاته وقت أدائها فلا يجب عليه القضاء
ولو سلم الإمام وعليه السهو فسلم المسبوق معه ساهيا أن عليهقضاء ما سبق به ثم تذكر فعليه أن يقضي ما فاته لأن سلام الساهي لا يخرجه عن الصلاة وعليه أن يسجد في آخره لأنه سلم ساهيا قبل وقته وهو فيما يقضي كالمنفرد فعليه السجدة
ولو أن من عليه السهو إذا سلم ثم فعل بعد السلام ما ينافي الصلاة من الحدث العمد والكلام والخروج من المسجد ونحوه يسقط سجود السهو لأنه فات محله وهو حرمة الصلاة
باب الحدث
في الصلاة أجمع العلماء أن الحدث العمد مفسد للصلاة مانع من البناء
واختلفوا في الحدث السابق وهو الذي سبقه من غير قصده بأن سال من أنفه دم أو خرج منه ريح ونحو ذلك
فالقياس أن يفسد الصلاة ويقطع البناء وهو قول زفر و الشافعي لأن الحدث مضاد للصلاة لأن الصلاة لا تجوز من غير طهارة
وفي الاستحسان لا يفسد وهو مذهب أصحابنا للحديث الخاص وهو ما روي عن عائشة عن النبي عليه السلام أنه قال من قاء في صلاته أو رعف فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم ولما روي عن أبي بكر و عمر و علي رضوان الله عليهم أنهم قالوا كذلك وتركنا القياس بالحديث وإجماع الصحابة
إذا ثبت أنه جاز البناء فكل فعل مناف للصلاة في الأصل لكن هو من ضرورات البناء نحو المشي والاستقاء وغير ذلك لا يفسد الصلاة وكل ما لم يكن من ضروراته يكون مفسدا بناء على الأصل
وتخرج المسائل على هذا
ولو أصاب بدنه أو ثوبه نجاسة لحدث سبقه فإنه يتوضأ ويغسل ذلك لأن ذلك مانع للوضوء لأن الوضوء لا يعمل بدونه
وعلى هذا قالوا لو استنجى على وجه لا تنكشف عورته بأن ألقى الذيل خلفه وقبله لا تفسد لأن الاستنجاء مما يحتاج إليه لإحراز الفضيلة
ولهذا لو استوعب مسح الرأس وتمضمض واستنشق وأتى بسائر سنن الوضوء فإنه يبني لأنه من باب كمال الوضوء
وأما إذا انكشفت عورته فإنه يقطع البناء لأن كشف العورة مناف للصلاة ولا حاجة إليه لأن أداء الصلاة يجوز بدون الاستنجاء في الجملة ولهذا قلنا إنه في الحدث العمد لا يبني لأنه نادر ولا حرج في القول بقطع البناء بخلاف الحدث السابق
وعلى هذا إذا أغمي عليه أو جن أو نام في الصلاة فاحتلم فأنزل أو نظر إلى فرج امرأته أو إلى وجهها وأنزل عن شهوة أو قهقه في صلاته فإنه لا يبني لأن هذه الأفعال مما لا يغلب في الصلاة
ولو أصابه الحدث بفعل سماوي بأن يسقط عليه شيء من السقف أو بفعل غيره بأن رماه إنسان بحجر فشجه فسال الدم فإنه لا يبني عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يبني لأن هذا حدث حصل بغير فعله فصار كالحدث السابق والصحيح ما قالا لأن هذا مما لا يغلب فلا يلحق بالغالب وهو الحدث السابق
هذا إذا سبقه الحدث في وسط الصلاة
فأما إذا سبقه بعد ما قعد قدر التشهد الأخير فإن عليه أن يذهب ويتوضأ ويبني على صلاته حتى يخرج عن الصلاة على الوجه المسنون بالسلام لأن الحدث السابق لا يقطع التحريمة
ولو وجد فعل ليس من أفعال الصلاة ولا من ضرورات الوضوءوالبناء مثل الكلام والأكل والشرب ونحو ذلك يقطع البناء لأن هذه الأشياء منافية للصلاة فتتنافى التحريمة في حال الذهاب والمجيء
وكذلك كل ما كان نظير الكلام معنى بأن ذكر الله تعالى وأراد به خطاب إنسان أو زجره عن شيء أو أراد به بجوابه عن شيء فإنه يفسد صلاته عند أبي حنيفة ويقطع البناء وقال أبو يوسف كل ما كان من ذكر الله في الوضع لا تفسد به الصلاة ولو نوى خطاب الناس به
وعلى هذا الخلاف إذا عطس إنسان فقال الحمد لله فشمته رجل فقال يرحمك الله تفسد صلاته عندهما وعند أبي يوسف لا تفسد
وأجمعوا أن المصلي إذا قال سبحان الله أو قال الله أكبر وعنى به إعلام الإمام فيما ترك ساهيا ونحوه لا تفسد صلاته
ولو أن في صلاته أو تأوه فإن كان من ذكر الجنة أو النار فصلاته تامة وإن كان لوجع أو مصيبة فسدت صلاته
وقال أبو يوسف إذا كان حرفين لا تفسد حتى إذا قال أوه تفسد
وقولهما أصح لأن التأوه إذا كان من ذكر الجنة النار فكان كناية عن سؤال الجنة والتعوذ من النار فلا تفسد فأما الأصل فهو أن الحروف المهجاة كلام الناس سواء كان حرفين أو أكثر ألا ترى أنه إذا قال أخ أخ تفسد صلاته دل أن المدار على هذا
ثم إذا جاء البناء في الحدث السابق فينظر إما إن كان إماما أو مقتديا أو منفردا
فإن كان منفردا أو إماما فإن الأولى أن يعود إلى مكان صلاته ويتم صلاته وإن بنى في موضع الوضوء جاز
وإن كان مقتديا به علم أن إمامه قد فرغ فكذلك الجواب فأما إذا لم يفرغ فعليه أن يعود إلى مكان الإمام ويصلي مع الإمام بعد قضاء ما سبق به لأن المتابعة واجبة عليه حتى إذا ترك مع القدرة عليه تفسد صلاته وإنما يقضي ما فاته في حال ذهابه ومجيئه أولا ثم يدخل في صلاة الإمام لأنه في المعنى كأنه خلف الإمام فصار كما لو سبقه الإمام بركن وهو معه في الصلاة فإن عليه أن يؤديه أولا ثم يشرع في الركن الذي فيه الإمام لأن المتابعة واجبة على الترتيب
هذا الذي ذكرنا إذا سبقه الحدث حقيقة فأما إذا انتقضت طهارته بمعنى من المعاني سوى الحدث بغير صنعه بأن كان متيمما فرأى الماء في صلاته أو صاحب جرح سائل فخرج الوقت أوالماسح على الخفين إذا انقضت مدة مسحه ونحو ذلك فإنه لا يبني لأن في هذه المواضع تبين أن الشروع لم يصح لأنه يجب عليه الوضوء بالحدث السابق على التحريمة ويجعل محدثا من ذلك الوقت في حق الصلاة التي لم تؤد بعد وإن بقي له حكم الطهارة في حق الصلاة المؤداة
وكذلك الجواب في هذه المواضع بعد القعود قدر التشهد الأخير عند أبي حنيفة خلافا لهما لأن الصلاة لم تؤد بعد ولأن هذه المعاني الناقضة للطهارة مما يندر وجودها فلا تلحق بالحدث السابق الذي يغلب وجوده
ثم الإمام إذا سبقه الحدث فأراد أن يذهب ليتوضأ فهو على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو يستخلف رجلا فيقوم الخليفة مقامه ينوي أن يؤم الناس أو يستخلف القوم رجلا قبل أن يخرج هو من المسجد فيقوم مقامه ينوي الإمامة حتى إن رجلا لو دخل المسجد ساعتئذ واقتدى به فإنه يصح اقتداؤه ويصير شارعا في الصلاة هكذا روى ابنسماعة عن أبي يوسف
وقال بشر المريسي لا يصح شروعه في الصلاة واقتداؤه به لأن الإمام محدث والمحدث ليس في الصلاة فكيف يصح الاقتداء به في صلاته
والصحيح هو الأول لأن الحدث السابق لا ينافي التحريمة لأن التحريمة شرط في الصلاة فلا يشترط لها الطهارة وإنما ينافي فعل الصلاة وصحة الاقتداء تعتمد قيام التحريمة لا قيام نفس الصلاة ولهذا يصح استخلافه ولم تبطل صلاة القوم ويمكنه البناء على صلاته فدل أن التحريمة قائمة
فإذا وجد شيء من هذه الأشياء يخرج من الإمامة أما إذا قام الخليفة مقامه ناويا للإمامة فلأنه يصير إماما في هذه الصلاة فخرج هو من الإمامة لأنه لا يجتمع في صلاة واحدة إمامان في حالة واحدة وكذلك إذا استخلف القوم لأن بهم حاجة إلى تصحيح صلاتهم وذلك بالاستخلاف فإذا ترك الإمام الاستخلاف فيثبت لهم ولاية ذلك وكذلك إذا خرج من المسجد لأنه خلا مكان الإمام عن الإمام لأن المسجد بمنزلة بقعة واحدة فما دام فيه فكأنه في مكانه إلا أن في الفصلين الأولين قام الخليفة مقامه فلم تفسد صلاته ولا صلاة القوم أما في الخروج عن المسجد فإنه تفسد صلاة القوم لأنه بقي القوم بلا إمام والاقتداء بدون الإمام لا يتحقق
وأما صلاة الإمام هل تفسد اختلفت الروايات فيه والمشهور من الرواية أنها لا تفسد وكذا ذكر أبو عصمة عن أصحابنا وذكر الطحاوي أنها تفسد
والأول أصح لأن الإمام في حكم المنفرد وهو أصل بنفسه
هذا إذا لم يكن خارج المسجد صفوف متصلة به
فأما إذا كانت متصلة فخرج الإمام ولم يتجاوز الصفوف هل تبطل صلاة القوم أم لا قال أبو حنيفة و أبو يوسف تبطل
وقال محمد لا تبطل لأن موضع الصفوف لها حكم المسجد ألا ترى أن من صلى في الصحراء جاز استخلافه ما لم يتجاوز الصفوف
والصحيح قولهما لأن القياس أن يكون الانحراف عن القبلة لقصد الخروج عن المسجد مبطلا صلاة القوم إلا أنه بقي إماما حكما ما دام في المسجد لضرورة صحة الاستخلاف والضرورة تندفع غالبا في المسجد فبقي حكم خارج المسجد على أصل القياس لهذا بالإجماع الإمام يوم الجمعة لو كبر وحده في المسجد والقوم خارج المسجد متصلا بصفوفهم وكبروا لا ينعقد الجمعة لأن الشرط أن يكون جماعة من القوم والإمام في مكان واحد ولم يوجد
وأما الإمام إذا كان يصلي بالناس في الصحراء فأحدث فما دام في الصفوف صح استخلافه وإذا جاوز الصفوف لا يجوز لأن مواضع الصفوف التحقت بالمسحد ههنا لضرورة صحة الاستخلاف لعدم المسجد
وهذا إذا ذهب الإمام يمنة أو يسرة أو خلفا
أما إذا مشى أمامه وليس بين يديه بناء ولا سترة فإنه لا تفسد صلاتهم ما لم يذهب مقدار ما يجاوز الصفوف التي خلفه لأن هذا أقدر من المشي ليس بمناف للصلاة إذا وجد في أحد الجنبين
أما إذا كان بين يديه حائط أو سترة فجاوزه تفسد صلاتهم لأن السترة تجعل لما دونها حكم المسجد حتى يباح للمار المرور وراء السترة ولا يباح داخل السترة
وهذه المسائل رويت عن أبي يوسف
وهذا الذي ذكرنا إذا كان في المسجد مع الإمام جماعة من القوم
فأما إذا كان معه واحد فإذا خرج الإمام من المسجد لم تفسد صلاة هذا الرجل لأنه تعين إماما قدمه الإمام المحدث أولا لعدم المزاحمة
ولو أن الإمام إذا ظن أنه أحدث فانصرف ثم علم أنه لم يحدث إن خرج من المسجد تفسد صلاتهم ولا يبني
أما إذا لم يخرج فإنه يرجع إلى مكانه ويبني ولا تفسد صلاته في قول أبي حنيفة و أبي يوسف وإحدى الروايتين عن محمد وفي رواية عن محمد فسد
وأجمعوا أنه إذا ظن الإمام أنه افتتح الصلاة على غير وضوء أو كان على ثوبه نجاسة أو كان متيمما فرأى سرابا ظنه ماء فانصرف وتحول عن القبلة فإنه تفسد صلاته لا يبني وإن لم يخرج من المسجد
فأما إذا سلم على رأس الركعتين ساهيا في ذوات الأربع وهو يظن أنه قد أتم الصلاة ثم تذكر ورجع إلى مكانه فإن كان بعد الخروج تفسد صلاته بالإجماع وإن كان قبل الخروج فعلى الخلاف الذي ذكرنا
فمحمد قاس موضع الخلاف على المسائل المتفق عليها بعلة الانحراف عن القبلة من غير ضرورة
والصحيح قولهما لأن الانحراف لم يوجد لقصد الخروج عن الصلاة لأن عنده أنه انحرف لإصلاح صلاته حتى يتوضأ ويبني عليها ولو تحقق ما توهم لا يمنع البناء فكذلك إذا سلم ساهيا إلا أنهمشى في صلاته لا لإصلاح صلاته حقيقة لأنه غير محدث بل ظن أنه محدث والمشي بغير عذر مفسد للصلاة ولكن المسجد له حكم بقعة واحدة فلم يجعل ماشيا تقديرا فإذا خرج فقد وجد المشي بغير عذر حقيقة وحكما فتفسد صلاته بخلاف ما ذكرنا من المسائل فإن ثمة الانحراف عن القبلة لقصد الخروج عن الصلاة وعزم الرفض لأن البناء في هذه المواضع لا يصح فصار بمنزلة السلام عمدا فإنه يكون قاطعا للصلاة لما قلنا كذا هذا
باب الإمامة
منها أن الجماعة واجبة وقد سماها بعض أصحابنا سنة مؤكدة وكلاهما واحد
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه واظب عليها وكذلك الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا مع النكير على تاركها وهذا حد الواجب دون السنة
ومنها أن الجماعة إنما تجب على من قدر عليها من غير حرج فأما من كان به عذر فإنها تسقط عنه حتى لا تجب على المريض والأعمى والزمن ونحوهم هذا إذا لم يجد الأعمى قائدا أو الزمن من يحمله فأما إذا وجد الأعمى قائدا أو الزمن حاملا بأن يكون له مركب وخادم فعند أبي حنيفة لا يجب وعندهما يجب وقد ذكرنا هذا في باب الجمعة
ومنها أن أقل الجماعة في غير صلاة الجمعة الاثنان وهو أن يكون إمام واحد مع القوم لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال الاثنان فما فوقهما جماعة
ويستوي أن يكون ذلك الواحد رجلا أو امرأة أو صبيا يعقللأن هؤلاء من أهل الصلاة فأما المجنون والصبي الذي لا يعقل فلا عبرة بهما
فأما عدد الجماعة في باب الجمعة فقد ذكرنا في باب الجمعة
ثم ينظر إن كان مع الإمام رجل واحد أو صبي يعقل فإن المأموم ينبغي أن يقوم عن يمينه ولا يتقدمه الإمام
وإذا كان معه اثنان من الرجال أو الصبيان العقلاء يتقدمهما الإمام
وقال بعض مشايخنا إن لم يتقدم الإمام وقام بينهما فلا بأس والأول أصح
فإن كان معه نسوان أو امرأة واحدة فإنه يتقدمها لأن محاذاة المرأة الرجل في حرمة صلاة مشتركة مستتمة الأركان توجب فساد صلاة الرجل عندنا خلافا للشافعي وهي مسألة معروفة
وإن كان معه رجال ونساء فإنه يتقدم الرجال على النسوان لما قلنا
ولو قامت امرأة بحذاء الإمام وقد نوى الإمام إمامتها تفسد صلاة الإمام وصلاة القوم لفساد صلاة الإمام
وإن قامت في صف الرجال تفسد صلاة رجل كان عن يمينها ورجل كان عن يسارها ورجل خلفها ورجل بحذائها
ولو تقدمت الإمام حتى يكون الإمام خلفها لا تفسد صلاة الإمام والقوم لكن تفسد صلاتها لأن الواجب عليها المتابعة فقد تركت فرضا من فرائض الصلاة فتفسد صلاتها
ولو كان في صف الرجال ثنتان من النساء وخلف هذا الصف صفوف أخر تفسد صلاة رجل عن يمينهما وصلاة رجل عن يسارهما وصلاة رجلين خلفهما
وإن كن ثلاثا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم تفسد صلاة ثلاثة رجال خلفهن لا غير
وقال بعضهم تفسد صلاة الرجال كلهم خلفهن ويصير الثلاث من النسوان بمنزلة صف على حدة
وأصله حديث النبي عليه السلام أنه قال ليس مع الإمام من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء
ومنها بيان من يصلح للإمامة فنقول الصالح للإمامة هو الرجل الذي من أهل الصلاة المفروضة سواء كان حرا أو عبدا بصيرا كان أو أعمى تقيا كان أو فاجرا وعلى ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال صلوا خلف كل بر وفاجر
والصبي العاقل لا تجوز إمامته في الفرائض لأنه لا يصح منه أداء الفرائض لأنه ليس من أهل الفرض
وهل تجوز إمامته في النوافل كالتراويح وغيرها اختلف المشايخ فيه أجاز بعضهم ولم يجز عامتهم
هذا كله عندنا
وقال الشافعي تجوز إمامة الصبي العاقل
وأما صاحب الهوى فإن كان هوى يكفره لا تجوز إمامته وإن كان لا يكفره جاز مع الكراهة
ومنها بيان الأفضل فنقول إن الحر والتقي والبصير أفضل من العبد والفاجر والأعمى لأن إمامة هؤلاء سبب لتكثير الجماعة وإمامة أولئك سببللتقليل فما هو سبب للتكثير أولى وأفضل
ثم أفضل هؤلاء من كان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة فإن كان منهم رجلان أو أكثر على هذا فأكبرهما سنا أولى وإن استويا في الكبر فأبينهما صلاحا أولى وإن استويا في ذلك قالوا أحسنهما خلقا أولى
وإن استويا فأحسنهما وجها أولى لأن هذه الأوصاف سبب الرغبة إلى الجماعة
ولو استويا في العلم وأحدهما أقرأ أو استويا في القراءة وأحدهما أعلم فهو أولى
فأما إذا كان أحدهما أقرأ والآخر أعلم فالأعلم أولى لأن حاجة الناس إلى علم الإمام أشد
وعلى هذا قالوا العالم بالنسبة إذا كان ممن يجتنب الفواحش الظاهرة وغيره أورع منه لكن غير عالم بالسنة فتقديم العالم أولى
ولو كان أحدهما أكبر والآخر أورع فإن الأكبر سنا أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر أو لم يكن متهما به لأن النبي عليه السلام قال الكبر الكبر
باب قضاء الفائتة
الكلام في مسائل الترتيب من وجوه أحدها أن الترتيب في أداء الصلوات المكتوبات فرض بلا خلاف حتى لا يجوز أداء الظهر قبل الفجر ولا أداء العصر قبل الظهر لأن الصلاة لا تجب قبل وجود هذه الأوقات
فأما إذا وجدت الأوقات ووجبت الصلاة فلم يؤدها حتى دخل وقت صلاة أخرى فهل يعتبر الترتيب واجبا حتى لا يجوز أداء الوقتية قبل قضاء الفوائت أم لا
على قول أصحابنا يجب الترتيب
وعلى قول الشافعي لا يجب
والأصل في الباب قوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فالنبي عليه السلام جعل وقت الفائتة وقت التذكر فكان أداء الوقتية فيه قبل وقته فلا يجوز عملا بظاهر الحديث
ثم الترتيب لا يجب عند النسيان ولا عند ضيق الوقت وعند كثرة الفوائت في قول عامة العلماء
وقال مالك لا يسقط حالة النسيان ولا عند ضيق الوقت
وقال زفر لا يسقط عند كثرة الفوائت
هما يقولان إن الدليل الموجب للترتيب وهو الحديث لا يوجب الفصل بين هذه الأحوال
ولكن الصحيح قول العامة لأن الترتيب إنما وجب بخبر الواحد وشرط وجوب العمل به أن لا يؤدي إلى نسخ حكم الكتاب والسنة المشهورة وحكم الكتاب والسنة المشهورة أن لا يجوز ترك الوقتية عن الوقت وفي هذه الأحوال الثلاث يؤدي إلى هذا فيسقط العمل بخبر الواحد
ثم اختلف أصحابنا في أدنى حد الفائت الكثير قال أبو حنيفة و أبو يوسف إذا كان الفائت ست صلوات ودخل وقت السابعة يسقط الترتيب ويجوز أداء السابعة
وقال محمد إذا كان الفوائت صلاة يوم وليلة وهو خمس صلوات ودخل وقت السادسة يسقط الترتيب ويجوز أداء السادسة
ولو ترك صلاة ثم صلى بعدها خمس صلوات وهو ذاكر للفائتة فإن هذه الخمسة موقوفة عند أبي حنيفة فإذا صلى السابعة تجوز السابعة بالاتفاق وتعود الخمسة إلى الجواز
وفي قولهما عليه قضاء ست صلوات المؤديات الخمسة والفائتة وعلى قياس قول محمد يعيد خمس صلوات
وكذلك إذا ترك خمس صلوات ثم صلى السادسة فهي موقوفة عند أبي حنيفة حتى لو صلى السابعة تنقلب السادسة إلى الجواز عنده وعندهما لا تنقلب
وكذلك لو ترك صلاة ثم صلى شهرا وهو ذاكر للفائتة على قول أبي يوسف يعيد الفائتة وخمس صلوات أخر وعند محمد يعيد الفائتة وأربع صلوات أخر وعند أبي حنيفة يعيد الفائتة لا غير وهي مسألة معروفة
ولو ترك صلاة من يوم واحد ولا يدري أية صلاة هي فإنه ينبغي أن يتحرى فإن لم يقع تحريه على شيء يعيد صلاة يوم وليلة احتياطا حتى يخرج عن قضاء الفائتة بيقين
الحائض إذا طهرت في آخر وقت الظهر أو المسافر إذا أقام أو الصبي إذا بلغ أو الكافر أسلم أو المجنون أو المغمى عليه آفاق فعليهم صلاة الظهر ويصلي المقيم أربعا وعلى قول زفر لا يجب ما لم يدركوا من الوقت ما يمكنهم أداء تلك الصلاة فيه
وعلى هذا إذا كانت طاهرة فحاضت في آخر الوقت أو كان مقيما فسافر أو ارتد في آخر الوقت فلا قضاء عليه
وحاصل هذا أن الصلاة يتضيق وجوبها في آخر الوقت إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن أداء تلك الصلاة فيه بلا خلاف بين أصحابنا فأما إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدي بعض الصلاة أو مقدار ما يتحرم لا غير عندنا يجب عليه الصلاة
وعنده لا يجب لأنه لا يقدر على الأداء في هذا الوقت فيكون تكليف ما ليس في الوسع
ولكنا نقول يجب عليه الأداء في الوقت بقدر ما يمكن والقضاء في الوقت الثاني بقدر ما لا يمكن والصلاة الواحدة يجوز أن يكون بعضها قضاء وبعضها أداء كالمقيم إذا اقتدى كالمسافر في آخر الوقت يؤدي معه ركعتين في آخر الوقت ثم يقضي ركعتين في الوقت الثاني
باب سجدة التلاوة
الكلام في الباب في مواضع في بيان أن سجدة التلاوة واجبة أم لا وفي بيان مواضع السجدة وفي بيان سبب الوجوب وفي بيان من يجب عليه ونحو ذلك
أما الأول فنقول سجدة التلاوة واجبة عندنا
وعند الشافعي سنة
والصحيح قولنا لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال السجدة على من سمعها أو تلاها
وأما مواضع السجدة فأربعة عشر أربع في النصف الأول في آخر الأعراف وفي الرعد وفي النحل وفي بني إسرائيل
وعشرة في النصف الأخير في سورة مريم وفي الحج في الأولى وفي الفرقان وفي النمل و الم السجدة و ص و حم السجدة و النجم و إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك
وعلى هذا قول عامة العلماء
وقال الشافعي في آخر سورة الحج سجدة في قوله واركعوا واسجدوا
وقال في سورة ص سجدة الشكر لا سجدة التلاوة
وقال مالك ليس في سورة النجم وسورة إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك سجدة
وأما سبب وجوب السجدة فهو التلاوة والسماع للحديث الذي روينا
ثم السجدة تجب بسماع التلاوة مطلقا سواء كانت في الصلاة أو خارج الصلاة كان التالي مسلما أو كافرا طاهرا أو محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء صغيرا كان أو كبيرا عاقلا كان أو مجنونا بعد أن يكون السامع من أهل وجوب السجدة عليه
وكذلك التلاوة سبب الوجوب في حق التالي إذا كان أهلا للوجوب أيضا
ثم أهل وجوب السجدة من كان من أهل وجوب الصلاة عليه أو من أهل وجوب القضاء لأنها جزء من أجزاء الصلاة فلا تجب على الكافر والصبي والمجنون والحائض والنفساء لأنه لا وجوب عليهم
فأما الجنب والمحدث فيجب عليهما لأنه يجب عليهما الصلاة والطهارة شرط الأداء لا شرط الوجوب
ومنها شرائط صحة أداء سجدة التلاوة وهي ما كان من شرائط صحة الصلاة من الطهارة عن النجاسةالحقيقة بدنا ومكانا وثيابا وستر العورة واستقبال القبلة ونحوها لأنها بعض الصلاة فيشترط لأدائها ما هو شرط في الكل
وكذلك كل ما كان مفسدا للصلاة من الكلام والقهقه والحدث العمد ونحوها فهو يفسد السجدة إلا أنه إذا قهقه في السجدة لا تنتقض طهارته بخلاف الصلاة على ما مر من قبل لأن انتقاض الطهارة بالقهقهة في الصلاة عرفناه نصا بخلاف القياس في صلاة تامة غير معقول المعنى فلا يثبت في حقها كما في صلاة الجنازة
ولو قرأ على الدابة وهو مسافر فسجد على الدابة مع القدرة على النزول فالقياس أن لا يجوز وبه قال بشر المريسي وفي الاستحسان يجوز بخلاف الصلاة فإنها لا تجوز فرضا على الدابة مع القدرة على النزول لأن القراءة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان في اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض
ومنها أنه هل تتكرر السجدة بتكرر التلاوة فنقول إذا قرأ في مجلس واحد آيات السجدة أو قرأ آية واحدة في مجالس مختلفة تجب السجدة بقدر عدد القراءة
فأما إذا قرأ آية واحدة في مجلس واحد مرارا لا تجب إلا سجدة واحدة لأن في إيجاب التكرار في مجلس واحد إيقاع الناس في الحرج ولا حرج عند اختلاف الآية في مجلس واحد وعند اختلاف المجالس
هذا حكم خارج الصلاة
أما إذا كرر آية السجدة في الصلاة فإن كانت في ركعة واحدة لا تجب إلا سجدة واحدة لاتحاد المجلس حقيقة
وإن قرأها في كل ركعة فالقياس أن لا يجب إلا سجدة واحدةهو قول أبي يوسف لاتحاد المجلس حقيقة وفي الاستحسان يجب بكل تلاوة سجدة وهو قول محمد لأنه لا حرج في الوجوب لأن تكرار آية سجدة في كل ركعة نادرة في الصلاة لأنها ليست بموضع التعليم
ومنها أن الإمام إذا قرأها في الصلاة فإنه يجب عليه السجدة على القوم لكن إذا سجدوا في الصلاة يجوز وإن لم يسجدوا تسقط لأنها صلاتية فتسقط بالخروج عنها
وأما المقتدي إذا قرأها فقد أجمعوا أنه لا يجب عليه أن يسجد في الصلاة وهل يسجد خارج الصلاة على قول أبي حنيفة و أبي يوسف لا يجب وعلى قول محمديجب
وكذلك لا تجب السجدة على الإمام والقوم
وأجمعوا أنه تجب السجدة على من سمع من المقتدي خارج الصلاة
والصحيح قولهما لأنه لا فائدة في الوجوب لأن فائدة الوجوب الأداء ولا يمكنه الأداء في الصلاة لأنه تابع للإمام وتجب عليه متابعته فيه ترك المتابعة ولا يمكنه بعد السلام لأنها صارت صلاتية والصلاتية تسقط بالسلام
ولو سمع المقتدي ممن قرأ خارج الصلاة يجب عليه أن يسجد خارج الصلاة لأنها ليست بصلاتية
وكذلك الإمام لو سمع ممن قرأ خارج الصلاة يجب عليه أن يسجد خارج الصلاة أيضا لما قلنا
ولو سجد هذه السجدة في الصلاة لم يجز لأنها ليست بصلاته ولكن هل تفسد صلاته في رواية الأصول لا تفسد الصلاة لأن السجدة ليس بمنافية للصلاة وهي ما دون الركعة فصار كما لو سجد سجدة زائدة تطوعا والله أعلم
كتاب الجنائز
قال رحمه الله إذا احتضر الرجل الموت فإنه يوجه على شقه الأيمن نحو القبلة على ما ذكرنا ويلقن كلمة الشهادة لقوله عليه السلام لقنوا موتاكم لا إله إلا الله
وإذا مضى ينبغي أن يغمض عيناه ويشد لحياه
لأنه إذا ترك مفتوحا يصير كريه المنظر ويقبح في أعين الناس وعليه توارث الأمة وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن
ثم المستحب أن يعجل في جهازه ولا يؤخر لقوله عليه السلام عجلوا موتاكم فإن يك خيرا قدمتموه إليه وإن يك شرا فبعدا لأهل النار
ولا بأس بإعلام الناس بموته لأن فيه تحريض الناس إلى الطاعة وحثا على الاستعداد لها فيكون سببا إلى الخير ودلالة عليه والنبي عليه السلام قال الدال على الخير كفاعله
ثم يشتغل بغسله فإن غسل الميت واجب بإجماع الأمة عليه من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لما توفي آدم عليه السلام غسلته الملائكة وقالتلولده هذه سنة موتاكم
ثم كيف يغسل روى أبو يوسف عن أبي حنيفة وذكر محمد في كتاب الصلاة أنه يجرد الميت ويوضع على تخت وتستر عورته بخرقة وهي من الركبة إلى السرة ويوضأ وضوءه للصلاة إلا أنه لا يمضمض ولا يستنشق ولا يمسح على رأسه ولا يؤخر غسل رجليه بخلاف غسل الجنب ثم يضجع على شقه الأيسر فيغسل بالماء الذي غلي بالسدر والخطمي والحرض أو بالماء القراح إن لم يكن شيء من ذلك حتى ينقيه ويخلص الماء إلى ما يلي التخت لأن المسنون هو البداءة بالميامن فيضجع على شقه الأيسر حتى يمكن البداءة بغسل الأيمن ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل الأيسر حتى ينقيه ثم يقعده ويسنده إلى نفسه ويمسح يده على بطنه مسحا رقيقا فإن سال منه شيء يمسحه ويغسل ذلك الموضع حتى يطهر عن النجاسة الحقيقة
ولا يجب إعادة الغسل ولا الوضوء بخروج شيء منه وعند الشافعي يعاد الوضوء
والصحيح قولنا لأن الغسل والوضوء ما وجب لأجل الحدث وإنما عرفناه بالنص بخلاف القياس وقد وجد
ثم يضجعه على شقه الأيسر حتى ينقيه ويرى أن الماء قد خلص إلى ما يلي السرير حتى يكون الغسل ثلاث مرات وهو الغسل المسنون في حالة الحياة فكذلك بعد الممات ثم ينشفه بثوب حتى لا تبتل أكفانه
ولا يؤخذ شيء من ظفره ولا شعره ولا يسرح لحيته لأن هذا من باب الزينة والميت لا يزين
هذا الذي ذكرنا سنة في كل ميت مات بعد الولادة إلا الشهيدالذي مثل شهداء أحد على ما نذكر
ولهذا قلنا إن المولود إذا خرج ميتا لا يغسل هذا جواب هذا الكتاب على ما نذكر
فأما إذا استهل الصبي ثم وجد ميتا يغسل لأن الاستهلال دلالة الحياة
وإذا وجد أكثر الإنسان الميت يغسل لأن للأكثر حكم الكل فأما إذا وجد الأقل أو النصف لم يغسل عندنا وعند الشافعي يغسل كيفما كان
ثم الجنس يغسل الجنسكالذكر للذكر والأنثى للأنثى ولا يغسل الجنس خلاف الجنس كالرجل للأنثى والأنثى للرجل لأن مس العورة حرام في حالة الحياة والممات جميعا للأجانب
فأما إذا كانا زوجين فالزوجة المعتدة بسبب الموت يحل لها غسل الزوج بالإجماع ما لم يوجد منها في حال العدة ما هو سبب الفرقة وهو المصاهرة أو الردة
فأما المعتدة بالطلاق البائن إذا مات الزوج بعد ذلك فلا تغسله لأن الطلاق البائن يرفع النكاح
فأما الزوج فلا يغسل الزوجة عندنا خلافا له والمسألة معروفة
وأما أم الولد فلا تغسل مولاها وإن كانت معتدة بعد موته عندنا وقال زفر تغسل إلا أن الصحيح قولنا لأن القياس أن المعتدة للزوج لا تغسل لأن النكاح انتهى بالموت كما في جانب الزوج وإنما جاءت الإباحة بخلاف القياس في حق الزوجة فبقي الحكم في حق أم الولد على أصل القياس
فأما الصبي والصبية إن كانا من أهل الشهوة فكذلك الجواب وإن لم يكونا من أهل الشهوة فلا بأس بغسلهما عند اختلاف الجنس
وإذا ماتت المرأة في السفر ولم يكن هناك غير الرجال فإن كان منهم ذو رحم محرم منها فإنه ييممها بيده بغير خرفة وإن لم يكن فالأجنبي ييممها بخرقة لأن الأجنبي لا يحل له مس محل التيمم بدون الخرقة فأما المحرم فيحل له مس ذلك الموضع من غير حائل
ثم يكفن الميت بعد الغسل لأن تكفين الميت سنة لما روي في قصة آدم عليه السلام أن الملائكة قالت لولده بعدما غسلوه وكفنوه ودفنوه هذه سنة موتاكم
ثم الكفن يصير من جميع المال وهو مقدم على الدين والوصية والميراث لأن هذا من حوائج الميت
ومن لم يكن له مال فكفنه على من تجب عليه نفقته وكسوته في حال حياته إلا المرأة خاصة في قول محمدفإن كفنها لا يجب على زوجها لأن الزوجية تنقطع بالموت
ومن لم يكن له مال ولا من ينفق عليه في بيت المال لأنه أعد لحوائج المسلمين
ثم أكثر ما يكفن به الرجل ثلاث أثواب إزار ورداء وقميص وأدنى ذلك ثوبان إزار ورداء
وأكثر ما تكفن به المرأة خمسة أثواب إزار ولفافة ودرع وخمار وخرقة يربط ثدياها وأدنى ذلك ثلاثة لفافة وخمار وإزار
وكذلك الجواب في الصبي والصبية المراهقين
فأما الذي لم يراهق فيكفن في خرقتين إزار ورداء ولو كفن فيإزار واحد لا يكره لأن بدنه ليس بعورة وليس له حرمة كاملة
وإن كان سقطا فإنه يكفن في خرقة
وكذلك إذا ولد ميتا يلف في خرقة أيضا لأن حرمته لم تكمل
ثم كيفية لبس الأكفان ينبغي أن تجمر الأكفان أولا وترا لأن الثوب الجديد أو الغسيل مما يطيب في حالة الحياة فكذلك بعد الممات فيلبس القميص أولا ثم تبسط اللفافة وهي الرداء طولا ثم يبسط الإزار فوقها عرضا فيوضع الميت عليها ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته وسائر جسده ويوضع الكافور على مساجده وأرادوا بالمساجد الجبهة واليدين والركبتين تشريفا للميت لأن المغتسل في حالة الحياة قد يتطيب ولا بأس بسائر الطيب في الحنوط غير الزعفران والورس في حق الرجل ولا بأس به في حق المرأة ثم يعطف الإزار على الميت من شقه الأيسر على رأسه وسائر جسده ثم يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك ثم يعطف الرداء عليه وهو اللفافة
فإن خيف انتشار الكفن وظهور العورة يربط بشيء من الخرقة
وكذلك في حق المرأة تبسط اللفافة أيضا ثم الإزار وتلبس الدرع والخمار فوق الدرع والخرقة تربط فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين ويسدل شعرها من الجانبين فوق الدرع على صدرها ثم يعطف الإزار واللفافة على ما ذكرنا
ثم الغسيل والجديد سواء في حق الكفن
ولا بأس بالبرد والكتان والقصب وفي حق النسوان بالحرير والإبريسم والمعصفر والمزعفر على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه
لكن الثياب البيضأفضل على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال البسوا هذه الثياب البيض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم
ثم يؤتى بالجنازة ويحمل عليها الميت ويسرع به فإن الإسراع به سنة لكن ينبغي أن يكون مشيا دون الخبب وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال عجلوا موتاكم فإن كان خيرا قدمتموه وإن كان شرا ألقيتموه عن رقابكم
والمستحب للمشيع المشي خلفها دون التقدم وإن مشى ماش أمامها كان واسعا لكن لا ينبغي أن يتقدم الكل لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس معها من تقدمها
وتحمل الجنازة من جوانبها الأربع فيبدأ الذي يريد حملها بالمقدم الأيمن من الميت فيجعله على عاتقه الأيمن ثم المؤخر الأيمن على عاتقه الأيمن ثم المقدم الأيسر على عاتقه الأيسر ثم المؤخر الأيسر على عاتقه الأيمن
وقال الشافعي يقوم من يحمل الجنازة بين العمودين فإن سعد بن معاذ حمل بين العمودين
والصحيح ما قلنا لعمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير وحديث سعد يحتمل أن يكون ذلك لضيق المكان أو لعذر من الأعذار
ويكره أن يحمل الميت على الدابة صغيرا كان أو كبيرا لأن من تعظيم الميت أن يحمل على أعناق الرجال
وإن كان صبيا فحمله إنسان على يديه وهو راكب فلا بأس به
وكذا لا بأس بأن يحمل الرضع أو فوق ذلك في سقط ونحوهعلى الأيدي ويتداولونه لأن معنى الكرامة حاصل
ويكره لمشيعي الجنازة أن يقعدوا قبل وضع الجنازة لأنهم أتباع الجنازة والتبع لا يقعد قبل قعود الأصل تعظيما له
باب الصلاة
على الجنازة الكلام في الباب في مواضع في بيان أنها واجبة وفي بيان من يصلي عليه وفي بيان كيفية صلاة الجنازة وفي بيان ولاية الصلاة لمن هي وفي بيان ما يفسد صلاة الجنازة وما يمنع منها
أما الأول فنقول الصلاة على الميت واجبة في الجملة لا يسع الاجتماع على تركها ومتى فعلها فريق من الناس تسقط عن الباقين فكانت واجبة على سبيل الكفاية
وبيان الوجوب مواظبة الرسول وأصحابه والأمة بأجمعهم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا
وبيان أنها واجبة على طريقة الكفاية لأن ما هو الفرض وهو قضاء حق الميت يحصل بالبعض ولا يمكن إيجابه على كل أحد من آحاد الناس فصار بمنزلة الجهاد
وأما بيان من يصلى عليه فنقول كل من مات مسلما بعد ولادته صغيرا كان أو كبيرا ذكراكان أو أنثى حرا كان أو عبدا إلا البغاة وقطاع الطريق ومن كان بمثل حالهم لقوله عليه السلام صلوا على كل بر وفاجر
ولا يصلى على من ولد ميتا لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال إذا استهل المولود صلي عليه ومن لم يستهل لم يصل عليه لأن الاستهلال دلالة الحياة والميت في عرف الناس من زالت حياته لا يعلم أنه خلقت الحياة فيه أم لا فلم يعلم بموته ولهذا قلنا إنه لا يرث ولا يورث ولا يغسل ولا يسمى لأن هذه أحكام الأحياء ولم تثبت حياته
وروي عن الطحاوي أن الجنين الميت يغسل ولم يحك خلافا
وعن محمد في السقط الذي استبان خلقه إنه يغسل ويكفن ويخط ولا يصلى عليه
وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة فيمن ولد ميتا أنه لا يغسل
فعلى الرواية التي لا يغسل اعتبر بالصلاة وأنه لا يصلى عليه والغسل لأجل الصلاة فسقط الغسل
وعلى الرواية التي يغسل اعتبر أنه سنة الموتى في الأصل بحديث قصة آدم عليه السلام أنه قالت الملائكة بعدما غسلته إنه سنة موتاكم ولهذا يغسل الكافر وإن لم يصل عليه
وأما البغاة فلا يصلى عليهم عندنا خلافا للشافعي
والصحيح قولنا فإن عليا لم يصل على قتلى نهروان وغيرهم ممن خالفه وهم أهل بغي فإن الخليفة الحق هو علي رضي الله عنه حال حياته بعد وفاة عثمان رضي الله عنه وكان ذلك بمحضر من الصحابة فيكون إجماعا
وإذا ثبت الحكم في البغاة ثبت في قطاع الطريق لأنهم في معناهم
وكذلك الذي يقتل الناس خنقا حتى يأخذ أموالهم لأن هذا ساع في الأرض بالفساد
وذكلك المكابرون في المصر بالسلاح ومن كان في مثل حالهم
وأما كيفية الصلاة على الميتفنقول أن يقوم الإمام والقوم فيكبر الإمام أربع تكبيرات والقوم معه فيكبرون التكبيرة الأولى ويحمدون الله بما هو أهله كذا ذكر الكرخي
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يكبر الأولى ويقول سبحانك اللهم وبحمدك



إلى آخره ثم يكبرون الثانية ويصلون على النبي عليه السلام على ما هو المعروف ثم يكبرون الثالثة ويدعون للميت ولأموات المسلمين ويستغفرون لهم
وإذا كان الميت صبيا فيقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا ذخرا ثم يكبرون الرابعة ولا يدعون بعدها ثم يسلم الإمام تسليمتين عن يمينه ويساره والقوم معه لأن كل صلاة لها تحريم بالتكبير فيكون لها تحليل بالتسليم
هذا الذي ذكرناه قول عامة العلماء وعليه الإجماع فإنه روي عن عبد الله بن مسعودأنه قال كل ذلك قد كان حين سئل عن تكبيرات الجنازة لكن رأيت الناس أجمعوا على أربع تكبيرات
ثم إن عندنا لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى
وعلى قول الشافعي يرفع عند كل تكبيرة وقد ذكرنا قبل هذا
وليس فيها قراءة الفاتحة أصلا عندنا
وقال الشافعي لا يجوز بدون الفاتحة
والصحيح قولنا لأنها ليست بصلاة حقيقة إنما شرعت الدعاء علىالميت وأصله حديث ابن مسعود أنه قال ما وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة قولا ولا قراءة كبر ما كبر الإمام واختر من أطيب الكلام ما شئت
ثم المشهور من الروايات عن أصحابنا في الأصل وغيره أن يقوم الإمام بحذاء صدر الميت في الرجل والمرأة جميعا حتى يصلي عليه
وعن الحسن أنه يقوم في الرجل بحذاء وسطه وفي المرأة بحذاء وسطها إلا أنه يكون إلى رأسها أقرب
وعن أبي يوسف أنه يقوم من المرأة بحذاء وسطها ومن الرجل مما يلي الرأس وقال الطحاوي وهذا قوله الأخير
والصحيح هو الأول لأنه لا بد من أن يحاذي جزءا من أجزاء الميت فكان محاذاة الصدر الذي هو موضع الإيمان أحق
وإذا اجتمعت الجنائز فالإمام بالخيار إن شاء الله صلى عليها كلها دفعة واحدة وإن شاء صلى على كل جنازة على حدة فإن أراد أن يصلي على كل جنازة على حدة فالأولى أن يقدم الأفضل منهم وإن صلى كيف شاء فلا بأس به وإن أراد أن يصلي عليهم جملة ينبغي أن يكون الرجال مما يلي الإمام ثم الصبيان الذكور ثم النساء ثم الصبيات لما روي عن عمر أنه صلى على أربع جنائز رجال ونساء وجعل الرجال مما يلي الإمام
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يضع أفضلها مما يلي الإمام
وقالأبو يوسف أحسن ذلك عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الإمام
ثم تكلموا في كيفية الوضع من حيث المكانقال ابن أبي ليلى إذا اجتمعت الجنائز يوضع رجل خلف رجل رأس الآخر أسفل من رأس الأول يوضعون هكذا درجا
وعن أبي حنيفة أنه قال إن وضعوا كما قال ابن أبي ليلى فحسن لأن النبي عليه السلام وصاحبيه دفنوا على هذه الصفة والوضع للصلاة كذلك فإن وضعوا رأس كل واحد منهم بحذاء رأس صاحبه فحسن لأن المقصود حاصل وهو الصلاة عليهم
وأما بيان ولاية الصلاة فنقول ذكر الشيخأبو الحسن الكرخي قال أبو حنيفة يصلي على الجنازة أئمة الحي والذي يصلي بالأحياء هو الذي يصلي على الموتى وهو قول إبراهيم
وروى الحسن عن أبي حنيفة يصلي الإمام إن حضر أو القاضي أو الوالي فإن لم يحضر أحد منهم فينبغي أن يقدموا إمام الحي فإن لم يكن إمام الحي فأقرب الناس إليه
وقال محمد ينبغي للوالي أن يقدم إمام المسجد ولا يجبر الوالي على ذلك وهو قول أبي حنيفة
عن ابن سماعة عن أبي يوسف الصلاة على الميت إلى الأولياء دون إمام الحي
وحاصل ذلك أن السلطان إذا حضر فهو أولى لما روي أن الحسن رضي الله عنه لما مات قدم الحسينرضي الله عنه سعيد بن العاص أمير المدينة وقال لولا السنة لما قدمتك
وأما إمام الحي فتقديمه على طريق الأفضل وليس بواجب بخلاف تقديم السلطان هكذا فسر ابن شجاع
ثم أجمع أصحابنا أن بعد إمام الحي الأقرب فالأقرب من ذوي الأنساب أحق فإن تساووا في القرابة فأكبرهم سنا فإن أراد الأسن أن يقدم غير شريكه فليس له ذلك إلا بإذنه لأن الولاية لهما وإنما قدم الأسن للسنة فأما إذا كان أحدهما أقرب
فللأقرب أن يقدم من شاء
ولو أن امرأة ماتت وتركت زوجها وابنها يكره للابن أن يتقدم أباه وعليه أن يقدم أباه
أما الزوج فلا ولاية له لأن الزوجة قد انقطعت بالموت
وأما بيان ما يفسد صلاة الجنازة وما يمنع منها فنقول إن الصلاة كلها مكروهة في الأوقات الثلاثة على ما ذكرنا لكن إن صلوا على الجنازة في هذه الأوقات لم يجب الإعادة وإن كانت واجبة لأن صلاة الجنازة فرض كفاية وإنما يتعين الوجوب على المصلين بالشروع وقد وجد الشروع في الوقت المكروه فيحب ناقصا بمنزلة عصر الوقت فيجزئه
ومن صلى على جنازة راكبا أو قاعدا من غير عذر فالقياس أن يجزئه
وفي الاستحسان لا يجزئه لأن صلاة الجنازة ليست بأكثر من القيام فإذا ترك القيام لم تجز
ولو صلى على صبي وهو محمول على دابة لم تجز لأنه بمنزلة الإمام
وإذا صلى الإمام من غير طهارة أعادوا لأنه لا صحة لها بدون الطهارة فإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة القوم
فأما إذا كان الإمام على طهارة والقوم على غير طهارة جازت صلاة الإمام دون صلاة القوم ولم يعيدوا صلاة الجنازة لأن صلاة الإمام تنوب عن الكل
وبهذا تبين أنه لا تجب صلاة الجماعة فإن الإمام منفرد هنا
وإذا صلت نساء وحدهن على جنازة قامت التي تؤم وسط الصف وهذه المسألة تدل على أنه لا يشترط أن يقوم الرجال لصلاة الجنازة دون النساء وحدهن
ولو صلوا على الميت ثم علموا أنهم لم يغسلوه فهذا على وجوه إن ذكروا قبل أن يدفن يغسل وتعاد الصلاة لأن غسل الميت شرط جواز الصلاة
وإن ذكروا بعدما دفنوه وأهالوا التراب عليه وسووا القبر فإنه لا ينبش القبر
فأما إذا لم يهيلوا عليه التراب فإنه يخرج من القبر ويغسل سواء نصبوا اللبن عليه أم لا
وروى ابن سماعة عن محمد أنهم إذا أهالوا عليه التراب لم يخرجوه ولكن يصلون على قبره ثانيا لأن الطهارة إنما شرطت عند القدرة لا عند العجز وقد ثبت العجز بسبب الدفن
والصحيح قول ظاهر الروايات أنه لا يعاد الصلاة لأن الصلاة بدون الغسل غير مشروعة ولا وجه إلى الغسل لأنه يتضمن أمرا حراما وهو نبش القبر فتسقط الصلاة
وأما إذا نسوا الصلاة على الميت بعد الغسل فتذكروا بعد الدفن فإن كان قبل مضي ثلاثة أيام يصلى على القبر وإن كان بعد ذلك لا يصلى وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه صلى على قبر المسكينة
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5