كتاب :تحفة الفقهاء
المؤلف : علاء الدين السمرقندي

وقال ابن أبي ليلى بأن البيع جائز والشرط باطل
وقال ابن شبرمة بأن البيع جائز والشرط جائز
والصحيح قولنا لأن اشتراط المنفعة الزائدة في عقد المعاوضة لأحد العاقدين من باب الربا أو شبهة الربا وإنها ملحقة بحقيقة الربا في باب البيع احتياطا
ولو شرطا شرطا فيه ضرر لأحد العاقدين بأن باع ثوبا أو حيوانا سوى الرقيق بشرط أن لا يبيعه ولا يهبه ذكر في المزارعة الكبيرة ما يدل على أن البيع بهذا الشرط لا يفسد فإنه ذكر أن أحد المزارعين لو شرط في المزارعة أن لا يبيع الآخر نصيبه أو لا يهبه قال المزارعة جائزة والشرط باطل لأنه ليس لأحد المتعاملين فيه منفعة هكذا ذكر الحسن في المجرد
وروى أبو يوسف في الأمالي خلافه وهو قوله إن البيع بمثل هذا الشرط فاسد
والصحيح هو الأول
ولو باع جارية بشرط أن يطأها أو لا يطأها لم يذكر في ظاهر الرواية
وروي عن أبي حنيفة أنه قال البيع فاسد في الموضعين
وروي عن محمد أنه قال لا تفسد في الموضعين
وعن أبي يوسف أنه قال إن باع بشرط أن يطأها فالبيع جائز وإن باع بشرط أن لا يطأها فالبيع فاسد
فالحاصل أن البيع بشرط أن يطأها فاسد عند أبي حنيفةوعندهما جائز لأن إباحة الوطء حكم يقتضيه العقد فصار كما لو اشترى طعاما بشرط أن يأكله ونحو ذلك
و أبو حنيفة يقول هذا شرط لا يقتضيه العقد فإنه لو صح الشرط كان حكمه وجوب الوطء والبيع لا يقتضيه وفيه نفع للمعقود عليه وهو من أهل استحقاق الحق على مولاه في الجملة فإنه يستحق النفقة عليه بخلاف ما إذا باع حيوانا بشرط أن يعلفه لأنه ليس من أهل استحقاق الحق على مالكه
وأما البيع بشرط أن لا يطأها فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف البيع فاسد
وعلى قول محمد جائز
وهو قياس ما روى أبو يوسف عنه في الأمالي إذا باع طعاما بشرط أن لا يأكل أو لا يبيع فإن البيع فاسد
فأما على قياس ما ذكر في المزارعة الكبيرة فيجب أن يكون الجواب على قول أبي حنيفة في هذه المسألة مثل قول محمد
ولو اشترى عبدا بشرط أن يعتقه المشتري قال علماؤنا البيع فاسد حتى لو أعتقه المشتري قبل القبض لم ينفذ عتقه وإن أعتقه بعد القبض عتق فانقلب العقد جائزا استحسانا في قول أبي حنيفة حتى يجب عليه الثمن
وقال أبو يوسف و محمد لا ينقلب العقد جائزا إذا أعتقه حتى يجب عليه قيمة العبد
وروي عن أبي حنيفة مثل قولهما
وقال الشافعي في أحد قوليه إن البيع بهذا الشرط جائز
وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة مثله
والصحيح قول أبي حنيفة لأن هذا شرط يلائم العقد من وجه دونوجه فمن حيث إن الإعتاق إزالة الملك يكون تغييرا لحكم العقد ومن حيث إنه إنهاء للملك يكون ملائما له لأن فيه تقريرا فقلنا بفساد البيع في الابتداء وبالجواز في الانتهاء عملا بالدليلين وبالعكس لا يكون عملا بهما لأنا نجد فاسدا ينقلب جائزا كما في بيع الرقم ولكن لم نجد جائزا ينقلب فاسدا فكان الوجه الأول أولى
ولو باع بشرط التدبير والكتابة وفي الأمة بشرط الاستيلاد فالبيع فاسد ولا ينقلب إلى الجواز عند وجود الشرط لأن هذا شرط لا يلائم البيع لأنه لا يثبت إنهاء الملك ههنا بيقين لاحتمال أن القاضي يقضي بالجواز في التدبير والاستيلاد فلا يتقرر حكمه
ولو باع الثمار على الأشجار والزروع الموجودة هل يكون البيع فاسدا فهذا لا يخلو من وجوه إما إن كان قبل الإدراك أو بعده بشرط القطع أو بشرط الترك
فإن كان قبل الإدراك فإن كان بشرط القطع جاز وإن اشترى مطلقا جاز
وقال الشافعي إن اشترى بشرط القطع جاز
وإن اشترى مطلقا لا يجوز لأنه صار شارطا للترك دلالة
ولكن الصحيح قولنا لأنه اشترى ما هو مال وإن كان لا يتكامل الانتفاع به بمنزلة شراء الجحش والكلام المطلق لا يحمل على المقيد خصوصا إذا كان في ذلك فساد العقد
وأما إذا باع بشرط الترك فهو فاسد بلا خلاف بين أصحابنا لأنه شرط فيه منفعة للمشتري فصار كما لو اشترى حنطة بشرط أن يتركها في دار البائع شهرا
هذا إذا باع قبل أن يبدو صلاحها
وإما إذا باع بعد بدو صلاحهامطلقا أو بشرط القطع جاز
ولو باع بشرط الترك لا يجوز عند أبي حنيفة و أبي يوسف
وقال محمد إن تناهى عظمها جاز وإن لم يتناه عظمها لا يجوز لأن الناس تعاملوا ذلك من غير نكير
والصحيح قولهما لأن هذا شرط فيه منفعة للمشتري والعقد لا يقتضيه والتعامل لم يكن بشرط الترك ولكن الإذن معتاد بلا شرط في العقد
ولو اشترى مطلقا وتركها على النخل من غير شرط الترك ولم يتناه عظمها فإن كان ذلك بإذن البائع جاز وطلب له الفضل
وإن ترك بغير إذن البائع تصدق بما زاد على ما كان عند العقد لأنه حصل من وجه بسبب محظور
وإن أخرج النخل والشجر في مدة الترك ثمرة أخرى فذلك كله للبائع سواء كان الترك بإذنه أو بغير إذنه
وإن جللها منه البائع جاز لأن هذا الحادث لم يقع عليه العقد وإنما هو نماء ملك البائع فيكون له فإن اختلط الحادث بالموجود وقت العقد بحيث لا يمكن التمييز بينهما فإن كان قبل أن يخلي البائع بين المشتري والثمار فسد البيع لأن المبيع صار مجهولا بحيث يتعذر تسليمه حال وجوب التسليم والعجز عن التسليم مفسد للبيع وإن كان ذلك بعد التخلية لم يفسد البيع وكانت الثمرة بينهما والقول في الزيادة قول المشتري لأن البيع قد تم بعد القبض
فأما إذا اشترى ثمرة قد تناهى عظمها وتركها على الشجرة بغير إذن البائع لم يتصدق بشيء لأنها لا تزيد بعد التناهي بل تنقص فلم يحصل لها زيادة بسبب محظور
فأما في الزرع فالنماء يكون للمشتري طيبا وإن تركه بغير إذنه لأنه نماء ملك المشتري لأن الساق ملكه حتى يكون التبن له بخلاف الشجرة
وأما الزروع التي يوجد بعضها بعد وجود بعض كالباذنجان والبطيخ والكراث ونحوها فقد قال أصحابنا يجوز بيع ما ظهر منها من الخارج الأول ولا يجوز بيع ما لم يظهر لأنه بيع معدوم
وقال مالك إذا ظهر الخارج الأول جاز بيع الكل لأجل الضرورة إلا أنا نقول لا ضرورة فإنه يمكنه بيع الأصل بما فيه من الثمر فيصير الأصل ملكا له فبعد ذلك ما تولد من الأصل يحدث على ملكه
ومنها أن يشتري شيئا بثمن معلوم ثم يبيعه من البائع بأقل مما باعه قبل نقد الثمن
فإن باعه بجنس الثمن الأول بأن اشتراه بألف درهم ثم باعه منه بخمسمائة درهم قبل نقد الثمن فهو فاسد عندنا
وعند الشافعي صحيح
وإن كان بخلاف جنس الثمن الأول جاز
والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم وهو معروف
ثم ما ذكرنا من الشروط التي إذا أدخلها في نفس العقد يكون مفسدا للعقد إذا اعترضت على العقد الصحيح هل يفسد العقد عند أبي حنيفة يفسد ويلتحق بأصل العقد بمنزلة اشتراط الخيار في العقد البات والزيادة والحط في الثمن وعندهما لا يلتحق ويبطل الشرط والمسألة معروفة
وأما حكم البيع الفاسد فنقول هذا على وجهين إن كان الفساد من قبل المبيع بأن كان محرما نحو الخمر والخنزير وصيد الحرم والإحرام فالبيع باطل لا يفيد الملك أصلا وإن قبض لأنه لا يثبت الملك في الخمر والخنزير للمسلم بالبيع والبيع لا ينعقد بلا مبيع
وكذلك إذا باع الميتة والدم وكل ما ليس بمال متقوم
وكذلك إذا باع المدبر وأم الولد والمكاتب والمستسعي ونحو ذلك
وكذلك الصيد الذي ذبحه المحرم أو صيد الحرم إذا ذبح فإنه يكون ميتة فلا يجوز بيعه
وإن كان الفساد يرجع لثمن فإن ذكر ما هو مال في الجملة شرعا أو ما هو مرغوب عند الناس لا يوجد مجانا بغير شيء كما إذا باع بالخمر والخنزير وصيد الحرم والإحرام فإن البيع ينعقد بقيمة المبيع ويفيد الملك في المبيع بالقبض لأن ذكر الثمن المرغوب دليل على أن غرضهما البيع فينعقد بيعا بقيمة المبيع
وكذلك إذا جعلا الثمن مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد لأنه مرغوب فيه
وإذا جعلا الميتة والدم ثمنا فقد اختلف المشايخ
وكذلك لو باعه بما يرعى به إبله في أرضه من الكلأ أو بما يشرب دابته من ماء بئره لأنه ذكر شيئا مرغوبا فيه
وكذلك إذا كان الفساد بإدخال شرط فاسد أو باعتبار الجهالة ونحو ذلك
وإن ذكر المبيع والثمن فهو على هذا يفيد الملك بالقيمة عند القبض
وهذا كله عندنا
وعند الشافعي البيع فاسد لا يفيد الملك أصلا والمسألة معروفة
وعلى هذا لو قال بعت منك هذا العبد ولم يذكر الثمن ينعقد البيع بالقيمة ولو قال بعت منك هذا العبد بقيمته فكذلك
ثم في البيع الفاسد إنما يملك بالقبض إذا كان بإذن البائع فأما إذا كان بغير إذنه فهو كما لو لم يقبض هذا هو المشهور من الروايات عن أصحابنا
وذكر محمد في الزيادات إذا قبضه بحضرة البائع فلم ينهه وسكت إنه يكون قبضا ويصير ملكا له ولم يحك خلافا
وقد قال أصحابنا فيمن وهب هبة والقياس أن لا يملكها الموهوب له حتى يقبضها بإذن الواهب أو بتسليمها إليه
إلا أنهم استحسنوا وقالوا إذا قبضها في مجلس العقد بحضرة الواهب ولم ينهه وسكتجازت ويفيد الملك وإذا قبض بعد الافتراق عن المجلس بحضرته لا يصح القبض وإن سكت لأن الملك من الموهوب إنما يقع بالعقد والقبض فيكون الإقدام على إيجاب الهبة إذنا بالقبض كما يكون إذنا بالقبول وبعد الافتراق عن المجلس لا يكون إذنا بالقبول وكذلك لا يكون إذنا بالقبض فعلى هذا يجب أن يكون في البيع الفاسد في مجلس العقد يكون إذنا بالقبض وبعد الافتراق لا يكون إذنا
ثم المشتري شراء فاسدا هل يملك التصرف في المشترى وهل يكره ذلك فنقول لا شك أنه قبل القبض لا يملك تصرفا ما لعدم الملك فأما بعد القبض فيملك التصرفات المزيلة للملك من كل وجه أو من وجه نحو الإعتاق والبيع والهبة والتسليم والتدبير والاستيلاد والكتابة لأن هذه التصرفات تزيل حق الانتفاع بالحرام
ولكن هل يباح له التصرفات التي فيها انتفاع بالمبيع مع قيام الملك اختلف المشايخ
قال بعضهم لا يباح الانتفاع به حتى لا يباح له الوطء إن كانت جارية ولا الأكل إن كان طعاما ولا الانتفاع به إن كان دارا أو دابة أو ثوبا
وبعض مشايخنا قالوا لا يباح له الوطء لا غير ويباح له سائر أنواع الانتفاعات
فالأولون قالوا إن هذا ملك خبيث فلا يظهر الملك في حق حل الوطء والانتفاع احتياطا
والآخرون قالوا إن المالك سلطه على التصرف وأباح له التصرف فكل تصرف يباح بالإذن يباح بهذا البيع والوطء لا يباح بإذن المال فلا يباح بالتسليط بخلاف سائر الانتفاعات
وأما الكراهة فنقول ذكر الكرخي وقال يكره التصرفات كلها لأنه يجب عليه الفسخ لحق الشرع وفي هذه التصرفات إبطال حق الفسخ أو تأخيره فيكره
وقال بعض مشايخنا لا يكره التصرفات المزيلة للملك لأنه يزول الفساد بسببها
فأما التصرفات التي توجب تقرير الملك الفاسد فإنه يكره
والصحيح هو الأول
ثم المشتري شراء فاسدا إذا تصرف في المشتري بعض القبض فإن كان تصرفا مزيلا للملك من كل وجه كالإعتاق والبيع والهبة فإنه يجوز ولا يفسخ لأن الفساد قد زال بزوال الملك
وإن كان تصرفا مزيلا للملك من وجه أو لا يكون مزيلا للملك فإن كان تصرفا لا يحتمل الفسخ كالتدبير والاستيلاد والكتابة فإنه يبطل حق الفسخ
إن كان يحتمل الفسخ إن كان يفسخ بالعذر كالإجارة فإنه يفسخ الإجارة ثم يفسخ البيع بسبب الفساد ويجعل حق الفسخ بسبب الفساد عذرا في فسخ الإجارة
ولو زوجها من إنسان بعد القبض فإن النكاح لا يمنع الفسخ والنكاح بحاله لأنه زوجها وهي مملوكة له فصح نكاحها والنكاح مما لا يحتمل الفسخ فبقي النكاح
ولو أوصى بالعبد المبيع بيعا فاسدا فإنه يفسخ لأن الوصية مما يحتمل الرجوع
ولو مات الموصي قبل الفسخ سقط الفسخ لأن الملك انتقل إلى الموصى له فصار كالبيع
ولو مات المشتري شراء فاسدا فورثه الورثة فللبائع حق الفسخ وكذلك للورثة لأن الوارث يقوم مقام الميت في حق الفسخ ولهذا يرد بالعيب ويرد عليه بخلاف الموصى له
ولو حصل في المبيع بيعا فاسدا زيادة منفصلة كالولد والثمر واللبن أو الأرش بسبب تفويت بعضه فإنه لا يمنع الفسخ بل للبائع أن يأخذ المبيع مع الزوائد ويفسخ البيع لأن قبض المشتري شراء فاسدا بمنزلة قبض الغصب
ثم إذا أخذ الولد فإن كانت الولادة نقصت الجارية نظر في قيمة الولد فإن كان فيه وفاء بالنقصان فلا شيء على المشتري وإن لم يكن فيه وفاء غرم تمام النقصان
وإن وطىء المشتري المبيعة بيعا فاسدا فهذا على وجهين إن لم يعلقها فللبائع أن يسترد الجارية ويضمن المشتري عقرها للبائع باتفاق الروايات بخلاف الجارية الموهوبة إذا وطئها الموهوب له ثم رجع الواهب فإنه لا يضمن للواهب عقرها لأنه وطىء ملك نفسه ملكا مطلقا في حق حل الوطء وغيره وبالرجوع لم يظهر أن الملك لم يكن أما في البيع الفاسد فلم يظهر الملك في حق حل الوطء لكن لم يحد للشهبة فيجب العقر
وإن أعلقها وادعى الولد يثبت نسب الولد منه وتصير الجارية أم ولد له وللبائع أن يضمن المشتري قيمة الجارية ويبطل حقه في الجارية
وإذا وجبت القيمة هل يجب العقر ذكر في كتاب البيوع وقال لا عقر عليه
وذكر في كتاب الشرب وقال عليه العقر
ولو أحدث المشتري في المبيع بيعا فاسدا صنعا لو فعله الغاصب في المغصوب يصير ملكا له بالقيمة كما إذا طحن الحنطة أو خاط الثوب قميصا ونحو ذلك ينقطع حق البائع في الفسخ ويلزمه قيمته يوم القبض كما في الغصب
وكذلك لو كان المبيع ساجة فأدخلها في بنائه
وإن كان المبيع أرضا فبنى فيها المشتري فليس للبائع أن ينقض البيع عند أبي حنيفة رضي الله عنه
وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله للبائع أن ينقض كما في الغصب فإن الغاصب إذا بنى على الأرض المغصوبة لا ينقطع حق المالك فكذا هذا
و أبو حنيفة يقول إن المبيع صار ملكا له وفي النقض ضرر كثير فلا ينقض بخلاف الغاصب

باب خيار الشرط
الكلام في خيار الشرط في مواضع أحدها في بيان شرط الخيار المفسد والذي ليس بمفسد والثاني في بيان مقدار مدة الخيار
والثالث في بيان ما يسقط الخيار والرابع في بيان عمل الخيار وحكمه والخامس في بيان كيفية الفسخ والإجازة
أما الأول فنقول إن الخيار المفسد ثلاثة أنواع بأن ذكر الخيار مؤبدا بأن قال بعت أو اشتريت على أني بالخيار أبدا أو ذكر الخيار مطلقا ولم يبين وقتا أصلا بأن قال على أني بالخيار أو ذكر وقتا مجهولا بأن قال على أني بالخيار أياما ولم يبين وقتا معلوما
والجواب في هذه الفصول الثلاثة أن البيع فاسد
وأما الخيار المشروع فنوع واحد وهو أن يذكر وقتا معلوما ولم يجاوز عن الثلاثة بأن قال على أني بالخيار يوما أو يومين أو ثلاثة أيام
وهذا قول عامة العلماء سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري
وقال سفيان الثوري و ابن شبرمة إن كان الخيار للمشتري يجوز وإلا فلا
وأصل هذا أن اشتراط الخيار كيفما كان شرط ينافي موجب العقد وهو ثبوت الملك عند العقد وإنما عرفنا جوازه بحديث حبان بن منقذ بخلاف القياس والحديث ورد بالخيار في مدة معلومة وهي ثلاثة أيام فبقي ما وراء ذلك على أصل القياس إلا إذا كان ذلك في معناه
وأما إذا شرط الخيار أربعة أيام أو شهرا فقال أبو حنيفة و زفر رحمهما الله بأن البيع فاسد وقال أبو يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله بأنه جائز
والصحيح ما قاله أبو حنيفة لما قلنا إنه شرط مخالف لمقتضى العقد والشرع ورد في ثلاثة أيام فبقي ما زاد عليها على أصل القياس
وأما بيان ما يسقط الخيار فنقول إن الخيار بعد ثبوته يسقط بمعان ثلاثة إما بالإسقاط صريحا أو بالإسقاط بطريق الدلالة أو بطريق الضرورة
أما بالإسقاط صريحا فبأن يقول أسقطت الخيار أو أبطلته أو أجزت البيع أو رضيت به فيبطل الخيار لأن الخيار شرع للفسخ فإذا سقط يبطل الخيار والأصل هو لزوم العقد ونفاذه فإذا بطل عاد الأصل
وكذلك إذا قال فسخت العقد
أو نقضته أو أبطلته يسقطالخيار لأن الخيار هو التخيير بين الفسخ والإجازة فأيهما وجد سقط
وأما الإسقاط بطريق الدلالة فهو أن يوجد ممن له الخيار تصرف يدل على إبقاء الملك وإثباته فالإقدام عليه يبطل خياره تحقيقا لغرضه
إذا ثبت هذا فنقول إذا كان الخيار للمشتري والمبيع في يده فعرضه على البيع يبطل خياره لأن عرض المشتري المبيع على البيع لاختياره الثمن ولا يصير الثمن ملكا له إلا بعد ثبوت الملك في المبدل فيصير مختارا للملك ولا يكون ذلك إلا بإبطال الخيار فيبطل بطريق الدلالة
وأما الخيار إذا كان للبائع فعرضه على البيع فلم يذكر في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة روايتان
والأصح أنه يكون إسقاطا لخياره لأنه دليل إبقاء الملك لأنه لا يصل إلى الثمن من غيره إلا بالتمليك منه وذلك لا يكون إلا بإسقاط الخيار وفسخ العقد الأول
ولو أن المشتري إذا كان له الخيار في عبد فباعه أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو رهنه أو وهبه سلم أو لم يسلم أو آجره فإن هذا كله منه اختيار للإجازة لأن نفاذ هذه التصرفات مختصة بالملك فيكون الإقدام عليها دليل قصد إبقاء الملك وذلك بالإجازة
ولو وجدت هذه التصرفات من البائع الذي له الخيار يسقط خياره أيضا لأنه لا يصح هذه التصرفات إلا بعد نقض التصرف الأول إلا أن الهبة والرهن لا يسقط الخيار إلا بعد التسليم بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري ووجد منه الرهن والهبة بلا تسليم لأن الهبة والرهن بلا تسليم لا يكون دون العرض على البيع وذلك يسقط خيار المشتري دون البائع في رواية فكذلك هذا
وأما الإجازة فذكر في البيوع الأصل أنه يكون اختيارا من البائع والمشتري من غير شرط القبض
وذكر في بعض الروايات وشرط قبض المستأجر
والأصح أنه لا يشترط لأن الإجارة عقد لازم بخلاف الهبة والرهن قبل القبض فإنه غير لازم
ولو كان المبيع جارية فوطئها البائع أو المشتري إذا كان له الخيار يسقط الخيار أما في البائع فلأنه وإن كان الملك قائما للحال ولكن لو لم يسقط الخيار بالوطء فإذا أجاز تبين أنه وطىء جارية الغير من وجه لأنه يثبت الملك للمشتري بطريق الإسناد وأما في المشتري فلهذا المعنى أيضا ولمعنى آخر عند أبي حنيفة خاصة لأن الجارية المبيعة لا تدخل في ملك المشتري إذا كان الخيار له والوطء لا يحل بدون الملك فالإقدام على الوطء دليل اختيار الملك
ولو لمسها المشتري لشهوة وله الخيار سقط لأنه لا يحل بدون الملك
وإن لمس لا عن شهوة لا يسقط لأنه يحتاج إلى ذلك في الجملة للاختبار لتعرف لينها وخشونتها
ولو نظر إلى فرجها لشهوة سقط لما قلنا
ولو نظر بغير شهوة لا يسقط لأن النظر إلى الفرج لا عن شهوة قد يباح عند الحاجة والضرورة كما في حق القابلة والطبيب وللمشتري حاجة في الجملة
ولو نظر إلى سائر أعضائها عن شهوة لا يسقط لأنه يحتاج إليه للامتحان في الجملة
وكذلك الجواب في حق البائع في اللمس عن شهوة النظر إلى فرجها عن شهوة فأما النظر إلى فرجها لا عن شهوة أو النظر إلى سائر أعضائها لا عن شهوة أو لمس سائر أعضائها لا عن شهوة فإنه يجب أن يسقط به الخيار بخلاف المشتري لأن ثم في الجملة له حاجة إلى ذلك ولا حاجة في حق البائع وهذه التصرفات حرام من غير ملك
ولو نظرت الجارية المشتراة إلى فرج المشتري لشهوة أو لمسته فإن فعلت ذلك بتمكين المشتري بأن علم المشتري ذلك منها فتركها حتى فعلت يسقط خياره
فأما إذا اختلست اختلاسا فلمست من غير تمكين المشتري بذلك فقال أبو يوسف يسقط خياره وقال محمد لا يسقط وقول أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف ذكره بشر بن الوليد أنه يثبت الرجعة بها في قول أبي حنيفة و أبي يوسف ولا يثبت في قول محمد
وأجمعوا أنها لو أدخلت فرج الرجل في فرجها والزوج نائم فإنه يسقط الخيار وتثبت الرجعة
والصحيح قولهما لأن الخيار لو لم يسقط ربما يفسخ الشراء فيتبين أن اللمس وجد من غير ملك ومس العورة بلا ملك حرام فيسقط صيانة عن مباشرة الحرام وكذلك في الرجعة لهذا المعنى
وأما الاستخدام منها فلا يجعل اختيارا لأنه تصرف لا يختص بالملك فإنه يباح بإذن المالك
ثم إنما يعرف الشهوة من غير الشهوة بإقرار الواطىء والمتصرف وفي الجارية المختلسة بإقرار المشتري
وأما الأجنبي إذا وطىء الجارية المبيعة فإن كانت في يد المشتري والخيار له سقط الخيار لأنه إن كان عن شبهة يجب العقر وإنهزيادة منفصلة حدثت بعد القبض فتمنع الرد
وإن كان زنا فهو عيب في الجوار وحدوث العيب في يد المشتري يسقط خياره فكذلك إذا ولدت الجارية في يد المشتري يسقط خياره لأنه لو كان الولد حيا وفيه وفاء بنقصان الولادة فينجبر لكن الولد زيادة منفصلة فيمنع الفسخ ويسقط الخيار وإن مات الولد فالنقصان قائم لم ينجبر وحدوث النقصان عند المشتري يمنع الرد
وإن كان في يد البائع والخيار له لا يسقط الخيار في وطء الأجنبي لأن الزنا لا يوجب نقصا في عين الجارية ولكن للمشتري حق بسبب العيب وإن كان الوطء عن شبهة والعقر زيادة منفصلة قبل القبض فلا يمنع الفسخ وفي فصل الولد إن كان حيا ينجبر النقصان وإنه زيادة قبل القبض فلا يمنع الفسخ لكن ثبت الخيار للمشتري بسبب العيب لأن صورة النقصان قائمة وإن انجبر معنى
وإن مات الولد فالنقصان قائم ولكن لم يفت شيء من المعقود عليه حتى ينفسخ العقد فيه فتتفرق الصفقة على المشتري فيسقط الخيار ولكن للمشتري حق الفسخ بسبب العيب وهو نقصان الولادة
وكذلك المشتري لو أسكن الدار المبيعة رجلا بأجر أو بغير أجر أو رم شيئا منها بالتطيين والتجصيص أو أحدث فيها بناء أو هدم شيئا منها فإنه يسقط الخيار لأن هذه التصرفات دليل اختيار الملك ولو سقط حائط منها بغير صنع أحد يسقط الخيار لأنه نقص في المعقود عليه
ولو كان المبيع أرضا فيها زروع وثمار قد دخلت تحت البيع بالشرط فسقاه أو حصده أو قصل منه شيئا لدوابه أو جد شيئا منالثمار فهذا إجازة منه لما ذكرنا
ولو ركب المشتري الدابة ليسقيها أو ليردها على البائع فالقياس أن يكون إجازة لما ذكرنا
وفي الاستحسان لا يسقط الخيار لأن الدابة قد لا يمكن تسييرها إلا بالركوب
ولو ركبها لينظر إلى سيرها وقوتها فهو على الخيار
وكذا لو لبس الثوب لينظر إلى طوله وعرضه لأنه يحتاج إليه للامتحان
ولو ركبها مرة أخرى لمعرفة العدو أو ركبها لمعرفة شيء آخر بأن ركب مرة لمعرفة أنها هملاج ثم ركب ثانيا لمعرفة العدو لا يسقط خياره لأنه يحتاج إليه أيضا
وإن ركبها لمعرفة السير الأول مرة أخرى ذكر في ظاهر الروايات أنه يسقط الخيار
وفي الثوب إذا لبس ثانيا لمعرفة الطول والعرض يسقط الخيار
وفي استخدام الرقيق إذا استخدم مرة ثم استخدم ثانيا لنوع آخر لا يسقط الخيار
وبعض مشايخنا قالوا في الاستخدام والركوب لا يبطل الخيار بالمرة الثانية وإن كان من نوع واحد لأن الاختيار لا يحصل بالفعل مرة لاحتمال أن ذلك وقع اتفاقا وإنما الحاجة إلى معرفة ذلك عادة لها وذلك لا يحصل إلا بالمرة الثانية لأن العادة مشتقة من العود بخلاف الثوب فإن الغرض يحصل بالمرة الواحدة
وأما سقوط الخيار بطريق الضرورة فأنواع منها إذا مضت المدة لأن الخيار مؤقت بها فينتهي الخيار ضرورة فيبقى العقد بلا خيار فيلزم العقد
ومنها إذا مات المشروط له الخيار فإنه يسقط الخيار ولا يورث سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما
وقال الشافعي يورث ويقوم الوارث مقامه
وأجمعوا أن خيار العيب وخيار التعيين يورث وأجمعوا أن خيار القبول لا يورث
وكذلك خيار الإجازة في بيع الفضولي لا يورث
وأما خيار الرؤية فهل يورث لم يذكر في البيوع وذكر في كتاب الحيل أنه لا يورث وكذا روى ابن سماعة عن محمد
وأجمعوا أن الأجل لا يورث
ولقب المسألة أن خيار الشرط هل يورث أم لا والمسألة معروفة
وإذا لم يورث الخيار عندنا يسقط ضرورة فيصير العقد لازما لأنه وقع العجز عن الفسخ فيلزم ضرورة
وكذا الجواب فيما هو في معنى الموت بأن ذهب عقل صاحب الخيار
بالجنون أو بالإغماء في مدة الخيار ومضت المدة وهو كذلك صار العقد لازما لأنه عجز عن الفسخ فلا فائدة في بقاء الخيار
فإذا أفاق في مدة الخيار كان على خياره لإمكان الفسخ والإجازة
وكذا لو بقي نائما في آخر مدة الخيار حتى مضت سقط الخيار
ولو سكر بحيث لا يعلم حتى مضت مدة الخيار لم يذكر فيالكتاب
وقالوا الصحيح أنه يسقط الخيار لما قلنا
ولو ارتد من له الخيار في مدة الخيار إن مات أو قتل على الرد صار البيع لازما
وكذلك إن لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه لأن الردة بمنزلة الموت بعد الالتحاق بدار الحرب
وإن أسلم في مدة الخيار كان على خياره وجعل العارض كأن لم يكن
هذا إذا مات أو قتل على الردة أو أسلم قبل أن يتصرف بحكم الخيار فسخا أو إجازة
فأما إذا تصرف في مدة الخيار بعد الردة فإن أجاز جازت إجازته ولا يتوقف بالاتفاق
ولو فسخ فعند أبي حنيفة يتوقف فإن أسلم نفذ وإن مات أو قتل على الردة بطل الفسخ على ما يعرف في مسائل السير أن تصرفات المرتد موقوفة عنده خلافا لهما
وعلى هذا إذا هلكت السلعة المبيعة في مدة الخيار فلا يخلو إما أن تهلك في يد البائع أو في يد المشتري والخيار للبائع أو للمشتري
فإن هلكت في يد البائع فإنه يسقط الخيار سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري لأنه ينفسخ العقد لأنه هلك لا إلى خلف ولا يمكنه مطالبة المشتري بالثمن بدون تسليم المبيع وقد عجز عن التسليم فلا فائدة في بقائه فيفسخ فيبطل الخيار ضرورة
وإن هلكت في يد المشتري فإن كان الخيار للبائع تهلك بالقيمة ويسقط الخيار في قول عامة العلماء
وقال ابن أبي ليلى تهلك أمانة
والصحيح قول العامة لأن القبض بسبب هذا العقد لا يكون دون القبض على سوم الشراء وذلك مضمون بالقيمة فهذا أولى
وإن كان الخيار للمشتري فإنه يهلك عليه بالثمن عندنا
وعند الشافعي يهلك عليه بالقيمة
والصحيح قولنا لأن المبيع يصير معيبا قبل الهلاك متصلا به لأن الموت يكون بناء على سبب مؤثر فيه عادة والسبب المفضي إلى الهلاك يكون عيبا وحدوث العيب في يد المشتري يسقط خياره لأنه يعجز عن الرد على الوجه الذي أخذه سليما كما إذا حدث به عيب حسا
وأما إذا تعيب المبيع فإن كان الخيار للبائع وهو عيب يوجب نقصانا في عين المبيع فإنه يبطل خياره سواء كان المبيع في يده أو في يد المشتري إذا تعيب بآفة سماوية أو بفعل البائع لأنه هلك بعضه بلا خلف لأنه لا يجب الضمان على البائع لأنه ملكه فينفسخ البيع فيه لفواته ولا يمكن بقاء العقد في القائم لما فيه من تفريق للصفقة على المشتري قبل التمام
وأما إذا تعيب بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي كان البائع على خياره لأنه يمكنه إجازة البيع في الفائت والقائم لأنه فات إلى خلف مضمون على المشتري والأجنبي بالقيمة لأنهما أتلفا ملك الغير بغير إذنه
فأما إذا كان عيبا لا يوجب نقصانا في عين المبيع كالوطء من الأجنبي وولادة الولد ونحو ذلك فلا يسقط خياره إذا تعيب بفعل البائع حتى لو أراد أن يرد على البائع بغير رضاه فليس له ذلكولكن للمشتري حق الرد بسبب العيب لأنه لم يفت شيء من المبيع فينفسخ العقد فيه فتتفرق الصفقة على المشتري وكذا إذا تعيب بفعل المشتري لأنه مضمون عليه
وأما إذا كان الخيار للمشتري والعبد في يده يبطل خياره سواء حصل بآفة سماوية أو بفعل البائع أو بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي حتى لو أراد أن يرد على البائع بغير رضاه ليس له ذلك أما في الآفة السماوية وفعل البائع فلما ذكرنا في خيار البائع وأما في فعل المشتري والأجنبي فلأنه فات شرط الرد لأنه لا يمكنه أن يرد جميع ما قبض كما قبض سليما وفي رد البعض تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وفي الأجنبي علة أخرى وهي أنه أوجب الأرض والأرش زيادة منفصلة حدثت بعد القبض وإنها تمنع الفسخ عندنا كسائر أسباب الفسخ فكذا حكم الخيار
ثم في خيار البائع إذا تعيب بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي وهو في يد المشتري لم يسقط الخيار وبقي على خياره فلا يخلو إما أن يجيز أو يفسخ والعيب حصل بفعل المشتري أو الأجنبي فإن أجاز البيع وجب على المشتري جميع الثمن لأن البيع جاز في الكل ولم يكن للمشتري حق الرد والفسخ بسبب التغيير الذي حصل في المبيع لأنه حدث في يده وفي ضمانه إلا أن المشتري إن كان هو القاطع فلا سبيل له على أحد لأنه ضمن بفعل نفسه وإن كان القاطع أجنبيا فللمشتري أن يتبع الجاني بالأرض لأنه بالإجازة ملك العبد من وقت البيع فحصلت الجناية على ملكه
وإذا اختار الفسخ فإن كان القاطع هو المشتري فإنه يأخذ الباقي ويضمن المشتري نصف قيمة العبد للبائع لأن العبد كانمضمونا على المشتري بالقيمة وقد عجز عن رد ما أتلفه بالجناية فعليه رد قيمته
وإن كان القاطع أجنبيا فالبائع بالخيار إن شاء اتبع الجاني لأن الجناية حصلت على ملكه وإن شاء اتبع المشتري لأن الجناية حدثت في ضمان المشتري فإن اختار اتباع الأجنبي فلا يرجع على أحد لأنه ضمن بفعل نفسه وإن اختار اتباع المشتري فالمشتري يرجع بذلك على الجاني لأن المشتري بأداء الضمان قام مقام البائع في حق ملك البدل وإن لم يقم مقامه في حق ملك نفس الفائت كما في غاصب المدبر إذا قتل المدبر في يده وضمنه المالك كان له أن يرجع على القاتل وإن لم يملك المدبر لما قلنا كذلك ههنا
وأما معرفة عمل خيار الشرط وحكمه فنقول قال علماؤنا رحمهم الله إن البيع بشرط الخيار لا ينعقد في حق الحكم بل هو موقوف إلى وقت سقوط الخيار فينعقد حينئذ
وقال الشافعي في قول مثل قولنا وفي قول ينعقد مفيدا للملك لكن يثبت له خيار الفسخ بتسليط صاحبه كما في خيار الرؤية وخيار العيب
والصحيح قولنا لأن خيار الشرط شرع لدفع الغبن لحديث حبان بن منقذ وذلك لا يحصل إلا بما ذكرنا فإن المبيع إذا كان قريبه يعتق عليه لو ثبت الملك فلا يحصل الغرض
ثم الخيار إذا كان للعاقدين جميعا لا يكون العقد منعقدا في حق الحكم في حقهما جميعا
وإن كان الخيار لأحد العاقدين فلا شك أن العقد لا ينعقد في حق الحكم في حق من له الخيار
وأما في حق الآخر فهل ينعقد في حقالحكم وهو الحكم الذي يثبت بفعله أعني ثبوت الملك في المبيع بتمليك البائع وثبوت الملك في الثمن بتمليك المشتري قال أبو حنيفة لا ينعقد
وقال أبو يوسف و محمد ينعقد حتى إن الخيار إذا كان للبائع لا يزول المبيع عن ملكه ولا يدخل في ملك المشتري
وأما الثمن فهل يدخل في ملك البائع فعند أبي حنيفة لا يدخل بأن كان الثمن عينا ولا يستحق عليه الثمن للبائع إن كان دينا
وعندهما يدخل ويجب الثمن للبائع
وإن كان الخيار للمشتري لا يستحق عليه الثمن ولا يخرج عن ملكه إذا كان عينا
وهل يدخل المبيع في ملك المشتري عند أبي حنيفة يزول عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري
وعندهما يدخل
والصحيح قول أبي حنيفة لأن خيار المشتري يمنع زوال الثمن عن ملكه ويمنع من استحقاق الثمن عليه ولو قلنا إنه يملك المبيع كان فيه جمع بين البدل والمبدل في ملك رجل واحد في عقد المبادلة وهذا لا يجوز بخلاف خيار الرؤية والعيب لأن هناك لا يمنع زوال الثمن عن ملك المشتري فجاز أن لا يمنع دخول السلعة في ملكه
وفوائد هذا الأصل تظهر في مسائل كثيرة مذكورة في الكتب فنذكر بعضها
منها إذا اشترى الرجل أباه أو ذا رحم محرم منه على أنه بالخيارثلاثة أيام لم يعتق عند أبي حنيفة لأنه لم يدخل في ملكه وعندهما يعتق
وأجمعوا أنه إذا قال لعبد الغير إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه على أنه بالخيار ثلاثة أيام يعتق عليه ويبطل خياره
أما عندهما فلأنه يدخل في ملكه وأما عند أبي حنيفة فلأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط ولو نجز عتقه بعد شرائه بشرط الخيار ينفذ عتقه ويبطل الخيار لاختياره الملك كذا هذا
ومنها إذا اشترى زوجته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لا يبطل نكاحه عند أبي حنيفة لأنها لم تدخل في ملكه
وعندهما يبطل لأنها دخلت في ملكه
ولو وطئها الزوج في مدة الخيار ينظر إن كانت بكرا يبطل خياره بالاتفاق لوجود التعيب وإن كانت ثيبا ولم ينقصها الوطء لا يبطل خياره عند أبي حنيفة لأنه وطئها بملك النكاح ولا بملك اليمين فلا يصير مختارا ضرورة في حل الوطء
وعندهما يبطل خياره لأنه وطئها بحكم الشراء
ومنها أن المبيع إذا كان دارا إن كان للبائع فيها خيار لم يكن للشفيع الشفعة بالإجماع لأن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه
وإن كان الخيار للمشتري تثبت الشفعة للشفيع بالإجماع أما عندهما فلأن خياره لا يمنع دخول السلعة في ملك المشتري فتثبت الشفعة للشفيع وعلى قول أبي حنيفة خيار المشتري وإن منع دخول السلعة في ملك المشتري لم يمنع زوالها عن ملك البائع وحق الشفيع في الشفعة يعتمد زوال حق البائع لا ملك المشتري
وأما كيفية الفسخ والإجازة فهو على ضربين أحدهما بطريق الضرورة والآخر بطريق القصد والاختيار
أما الفسخ والإجازة بطريق الضرورة فيصح من غير حضرة خصمه وعلمه كمضي مدة الخيار وهلاك المبيع ونقصانه على ما ذكرنا
وأما الفسخ والإجازة بطريق القصد فقد أجمع أصحابنا أن المشروط له الخيار ملك إجازة العقد بغير محضر من صاحبه بغير علم منه لأن صاحبه الذي لا خيار له رضي بحكم العقد وأما من له الخيار فلم يرض حكمه ولزومه فإذا رضي ورضا الآخر قد وجد يجب القول بنفاذ البيع علم الآخر أو لم يعلم
لكن يشترط الرضا باللسان بأن قال أجزت هذا العقد أو رضيت به فأما إذا رضي بقلبه وما أجازه صريحا فإنه لا يسقط خياره لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالأقوال والأفعال الظاهرة الدالة على الضمائر
وأما الفسخ والرد إن وجد بالقلب دون اللسان فهو باطل لما ذكرنا
وأما إذا فسخ بلسانه فإن كان بمحضر من صاحبه فإنه يصح بالإجماع سواء رضي به أو أبى
وأما إذا كان بغير محضر من صاحبه فقد قال أبو حنيفة و محمد لا يصح وهو قول أبي يوسف الأول سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري ثم رجع وقال يصح
وروي عنه أنه قال إن كان الخيار للبائع ملك فسخه بغير محضر من المشتري وإن كان الخيار للمشتري لا يملكه فسخه بغير محضر من البائع ونعني بالحضرةالعلم حتى لو كان الآخر حاضرا ولم يكن عالما بفسخه لا يصح ولو كان غائبا وعلم بفسخه في مدة الخيار ينبغي أن يصح
وذكر الكرخي أن خيار الرؤية على هذا الخلاف
وأجمعوا أن المشتري في خيار العيب إذا فسخ بغير محضر من البائع لا يصح وإن كان قبل القبض والمسألة معروفة
ولو اشترى رجلان على أنهما بالخيار ثلاثة أيام أو اشتريا شيئا ولم يرياه أو اشتريا شيئا فوجدا به عيبا هل يملك أحدهما أن ينفرد بالفسخ على قول أبي حنيفة لا يملك ولو رد لا يصح
وعلى قولهما يصح
وإنما يصح عند أبي حنيفة إذا اتفقا على الرد أو اتفقا على الإجازة
أما إذا رد أحدهما وأجاز الآخر فهو على الاختلاف
وكذا لو اختارا رد البيع في النصف وإجازة البيع في النصف فهو على الاختلاف والمسألة معروفة
باب خيار الرؤية
يحتاج إلى بيان مشروعية خيار الرؤية وإلى بيان أنه في أي وقت يثبت وفي بيان أنه يثبت مؤقتا أو مطلقا
وفي بيان حكمه وفي بيان ما يسقطه
أما الأول فنقول قال أصحابنا رحمهم الله إن خيار الرؤية مشروع في شراء ما لم يره المشتري فيجوز الشراء ويثبت له الخيار
وقال الشافعي شراء ما لم يره المشتري لا يصح فلا يكون الخيار فيه مشروعا
ولو باع شيئا لم يره البائع ورآه المشتري يجوز عندنا
وعند الشافعي فيه قولان
وهل يثبت للبائع فيه خيار الرؤية لم يذكر في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء أن أبا حنيفة كان يقول بأنه يثبتله الخيار ثم رجع وقال لا يثبت
وأما بيان وقت ثبوت الخيار فنقول يثبت الخيار عند رؤية المشتري لا قبلها حتى لو أجاز البيع قبل الرؤية لا يلزم البيع ولا يسقط الخيار
وهل يملك الفسخ قبل الرؤية لا رواية في ذا
واختلف المشايخ قال بعضهم لا يملك لأنه لا يملك الإجازة قبل الرؤية فلا يملك الفسخ لأن الخيار لم يثبت
وبعضهم قالوا يملك الفسخ لا لسبب الخيار لأنه غير ثابت ولكن لأن شراء ما لم يره المشتري غير لازم والعقد الذي ليس بلازم يجوز فسخه كالعارية والوديعة
وأما بيان أن الخيار مطلق أو مؤقت فنقول اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا يثبت مطلقا فيكون له الخيار في جميع العمر إلا إذا وجد ما يسقطه
وبعضهم قالوا بأنه مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد الرؤية حتى لو تمكن من الفسخ بعد الرؤية ولم يفسخ يسقط خيار الرؤية وإن لم يوجد منه الإجازة والرضا صريحا ولا دلالة
وأما حكمه فهو التخيير بين الفسخ والإجازة إذا رأى المبيع ولا يمنع ثبوت الملك في البدلين ولكن يمنع اللزوم بخلاف خيار الشرط
وإنما يثبت الخيار في بيع العين بالعين لكل واحد منهما
وفي بيع العين بالدين تثبت للمشتري
ولا يثبت في بيع الدين بالدين وهو الصرف لأنه لا فائدة فيه
فأما إذا كان الحق عينا فللناس أغراض في الأعيان فكان ثبوت الخيار فيه لينظر أنه هل يصلح له فإن شاء أجاز إن صلح وإن شاء فسخ إن لم يصلح
وهذا إذا رأى جميع المبيع
فأما إذا رأى البعض ورضي به ولم ير البعض هل يكون على خياره أم لا إذا رأى المبيع فنقول الأصل في هذا النوع من المسائل هو أن غير المرئي إذا كان تبعا للمرئي فلا خيار له في غير المرئي وإن كان رؤية ما رأى لا تعرف حال ما لم يره لأن حكم التبع حكم الأصل
وإن لم يكن غير المرئي تبعا للمرئي فإن كان مقصودا بنفسه كالمرئي ينظر إن كان رؤية ما قد رأى لم تعرف حال غير المرئي كان على خياره فيما لم يره لأن المقصود من الرؤية فيما لم يره لم يحصل برؤيته ما رأى
وإن كان رؤية ما رأى تعرف حال غير المرئي فإنه لا خيار له أصلا في غير المرئي إذا كان غير المرئي مثل المرئي أو فوقه لأنه حصل برؤية البعض رؤية الباقي من حيث المعنى
إذا ثبت هذا الأصل تخرج عليه المسائل الآتية إذا اشترى جارية أو عبدا فرأى الوجه دون سائر الأعضاء لا خيار له وإن كان رؤية الوجه لا تعرف حال سائر الأعضاء لأن سائرالأعضاء تبع للوجه في شراء العبد والجارية في العادة ولو رأى سائر الأعضاء دون الوجه فهو على خياره لأنه لم ير المتبوع
هذا في بني آدم فأما في سائر الحيوان مثل الفرس والحمار ونحوهما ذكر محمد بن سماعة عن محمد أنه قال إن نظر إلى عجزه يسقط خياره
وإن لم ير عجزه فهو على خياره فجعل العجز في الحيوانات بمنزلة الوجه في بني آدم
وعن أبي يوسف أنه قال هو على خياره ما لم ير وجهه ومؤخره فجعل الأصل هذين العضوين وغيرهما تبعا
وأما الشاة إذا اشتراها للحم فقد روي عن أبي يوسف أنه قال لا بد من الجس بعد الرؤية حتى يعرف سمنها لأنه هو المقصود
وإن اشتراها للدر والنسل فلا بد من رؤية سائر جسدها ومن النظر إلى ضرعها أيضا لأنها تختلف باختلاف الضرع
فأما في غير الحيوان فإن كان شيئا واحدا ينظر إن كان شيء منه مقصودا عند الناس في العادة كالوجه في المعافر والطنافس فإنه إذا رأى الوجه سقط الخيار كما في بني آدم وإذا رأىالظهر لا يسقط هكذا ذكر الحسن في المجرد عن أبي حنيفة
وإن لم يكن شيء منه مقصودا كالكرباس فإن رؤية بعضه أي بعض كان كرؤية الكل لأن برؤية بعضه يعرف الباقي لأن تفاوت الأطراف في ثوب واحد يسير فإن وجد الباقي مثل المرئي أو فوقه فلا خيار له وإن وجده دونه كان على خياره على ما ذكرنا
وإن كان المعقود عليه دارا أو بستانا ذكر في كتاب القسمة وقال إذا رأى خارج الدار وظاهرها يسقط خياره وإن لم ير داخلها لأنها شيء واحد وفي البستان إذا رأى الخارج ورؤوس الأشجار يسقط خياره
وعلى قول زفر لا يسقط الخيار بدون رؤية الداخل
ولكن مشايخنا قالوا تأويل ما ذكر في كتاب القسمة أنه إذا لم يكن في داخل الدار أبنية
فأما إذا كان فيها أبنية فلا يسقط الخيار ما لم ير داخل الدار كله أو بعضه لأن الداخل هو المقصود والخارج كالتبع له
وذكر القدوري أن أصحابنا قالوا إن أبا حنيفة أجاب على عادة أهل الكوفة في زمانه فإن دورهم وبساتينهم لا تختلف من حيث التقطيع والهيئة وإنما تختلف من حيث الصغر والكبر وكذا من حيث صغر الأشجار وكبرها وذلك يحصل برؤية الخارج ورؤية رؤوس الأشجار وعادة سائر البلدان بخلاف
هذا إذا كان المعقود عليه شيئا واحدا
فأما إذا كان أشياء فإن كان من العدديات المتفاوتة كالثياب التي اشتراها في جرابأو البطاطيخ في الشريجة أو الرمان أو السفرجل في القفة والكوارة فإذا رأى البعض فإنه يكون على خياره في الباقي لأن الكل مقصود ورؤية ما رأى لا تعرف حال الباقي لأنها متفاوتة
وإن كان مكيلا أو موزونا أو عدديا متقاربا فإنه إذا رأى البعض ورضي به لا خيار له في الذي لم ير إذا كان ما لم ير مثل الذي رأى لأن رؤية البعض من هذه الأشياء تعرف حال الباقي
وهذا إذا كان في وعاء واحد فأما إذا كان في وعاءين فقد اختلف المشايخ
قال مشايخ بلخ لا يكون رؤية أحدهما كرؤية الآخر لأنهما شيئان مختلفان إذا كانا في وعاءين فكانا كالثوبين
وقال مشايخ العراق بأن رؤية أحدهما كرؤيتهما جميعا إذا كان ما لم ير مثل المرئي
وهكذا روي عن أبي يوسف وهو الأصح
وهذا إذا كان المشترى مغيبا في الوعاء فأما إذا كان مغيبا في الأرض كالجزر والبصل والثوم والفجل والسلجم وبصل الزعفران ونحو ذلك ففي أي وقت يسقط الخيار لم يذكر هذا في ظاهر الرواية
وروى بشر عن أبي يوسف أنه قال إذا كان شيئا يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والبصل والجزر فإنه إذا قلع المشتري شيئا بإذن البائع أو قلع البائع برضى المشتري سقط خياره في الباقي لأن رؤية بعض المكيل كرؤية الكل
فأما إذا حصل القلع من المشتري بغير إذن البائع لم يكن له أن يرد سواء رضي بالمقلوع أو لم يرض إذا كان المقلوع شيئا له قيمة عند الناس لأنه بالقلع صار معيبا لأنه كان ينمو ويزيد وبعد القلع لا ينمو ولا يزيد ويتسارع إليه الفساد وحدوث العيب في المبيع في يد المشتري بغير صنعه يمنع الرد فمع صنعه أولى
وإن كان المغيب في الأرض مما يباع عددا كالفجل والسلق ونحوهما فرؤية البعض لا تكون كرؤية الكل لأن هذا من باب العدديات المتفاوتة فرؤية البعض لا تكفي كما في الثياب
وإن قلع المشتري بغير إذنه سقط خياره لأجل العيب إذا كان المقلوع شيئا له قيمة فأما إذا لم يكن له قيمة فلا يسقط خياره لأنه لا يحصل به العيب
وذكر الكرخي ههنا مطلقا من غير هذا التفصيل وقال إذا اشترى شيئا مغيبا في الأرض مثل الجزر والبصل والثوم وبصل الزعفران وما أشبه ذلك فله الخيار إذا رأى جميعه فلا يكون رؤية بعضه مبطلا خياره وإن رضي بذلك البعض فخياره باق إلى أن يرى جميعه
وروى عمرو عن محمد أنه قال قال أبو حنيفة المشتري بالخيار إذا قلع
قلت فإن قلع البعض قال لم يزيد أبو حنيفة على ما قلت لك فأما في قول أبي يوسف وقولي إذا قلع شيئا يستدل به على ما بقي في سمنه وعظمه فرضي المشتري فهو لازم له فهما يقولان إن التفاوت في هذه الأشياء ليس بغالب فصار كالصبرة و أبو حنيفة يقول إنها تختلف من حيث الصغر والكبر والجودة والرداءة فلم يسقط الخياربرؤيته البعض كالثياب
ولو اشترى دهن سمسم في قارورة فرأى من خارج القارورة الدهن في القارورة روى ابن سماعة عن محمد أنه قال يكفي ويسقط خياره لأن رؤيته من الخارج تعرفه حالة الدهن فكأنه رآه خارج القارورة في قصعة ونحوها ثم اشتراه
وروي عن محمد في رواية أخرى أنه لا يبطل ما لم ينظر إلى الدهن بعدما يخرج من القارورة لأن لون الدهن مما يتغير بلون القارورة
ولو نظر إلى المرآة فرأى المبيع قالوا لا يسقط خياره لأنه ما رأى عين المبيع وإنما رأى مثاله
قال هكذا قال بعضهم والأصح أنه يرى عين المبيع لكن يعرف به أصله وقد تتفاوت هيئاته بتفاوت المرآة
وعلى هذا قالوا من نظر في المرآة فرأى فرج أم امرأته عن شهوة لا تثبت حرمة المصاهرة
ولو نظر إلى فرج امرأته المطلقة طلاقا رجعيا عن شهوة في المرآة لا يصير مراجعا لما قلنا
ولو اشترى سمكا في الماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء قال بعضهم يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع
وقال بعضهم لا يسقط وهو الصحيح لأن الشيء لا يرى في الماء كما هو بل يرى أكثر مما هو فبهذه الرؤية لا تعرف حاله حقيقة
ولو وكل رجلا بالنظر إلى ما اشتراه ولم يره فيلزم العقد إن رضي ويفسخ العقد إن شاء وقال ويصح التوكيل ويقوم نظره مقام نظره لأنه جعل الرأي إليه
ولو وكل بقبضه فقبضه فرآه هل يسقط خيار الموكلعند أبي حنيفة يسقط لأنه من تمام القبض وعندهما لا يسقط
وأجمعوا أنه إذا أرسل رسولا بقبضه فرآه الرسول ورضي به كان المرسل على خياره
وأجمعوا في خيار العيب أنه إذا وكل رجلا بقبض المبيع فقبض الوكيل وعلم بالعيب ورضي به لا يسقط خيار الموكل
وأما خيار الشرط فلا رواية عن أبي حنيفة واختلف المشايخ قال بعضهم على هذا الاختلاف وقال بعضهم لا يسقط بالاتفاق
وأما بيان ما يسقط به الخيار فنقول إن خيار الرؤية لا يسقط بالإسقاط صريحا بأن قال المشتري أسقطت خياري
كذا روى ابن رستم عن محمد لا قبل الرؤية ولا بعدها بخلاف خيار الشرط وخيار العيب
والفرق أن هذا الخيار ثبت شرعا لحكمة فيه فلا يملك العبد إسقاطه كما في خيار الرجعة فإنه لو قال أسقطت الرجعة وأبطلت لا تبطل ولكن إن شاء راجع وإن شاء تركها حتى تنقضي العدة فتبطل الرجعة حكما بخلاف خيار الشرط فإنه يثبت شرطهما فجاز أن يسقط بإسقاطهما وكذلك خيار العيب فإن السلامة مشروطة من المشتري عادة فهو كالمشروط صريحا
ثم خيار الرؤية إنما يسقط بصريح الرضا ودلالة الرضا بعد الرؤية لا قبل الرؤية ويسقط بتعذر الفسخ وبلزوم العقدحكما وضرورة قبل الرؤية وبعدها لما ذكرنا أنه لا يثبت في الأصل إلا بعد الرؤية فلا يجوز أن يسقط بالرضا صريحا ودلالة إلا بعد ثبوته حتى إنه إذا رأى وصلح له يجيزه وإن لم يصلح له يرده لأنه شرع نظرا له ولكن إذا تعذر الفسخ بأي سبب كان أو لزم العقد بطريق الضرورة سقط قبل الرؤية خياره أو بعدها لأنه لا فائدة في ثبوت حق الفسخ فالتزم العقد ضرورة ويجوز أن يثبت الشيء ضرورة وإن كان لا يثبت قصدا كالموكل لا يملك عزل الوكيل بدون علمه قصدا ويملك ضرورة بأن باع الموكل بنفسه ليعزل الوكيل
إذا ثبت هذا تخرج عليه المسائل إذا ذهب المبيع من غيره ولم يسلمه أو عرضه على البيع ونحوهما قبل الرؤية لا يسقط لأنه لا يسقط بصريح الرضا في هذه الحالة فكذا لا يسقط بدلالة الرضا
ولو أعتق المشتري العبد أو دبره أو استولد الجارية فإنه يسقط الخيار قبل الرؤية وبعدها لأنه تعذر الفسخ لأن هذه حقوق لازمة أثبتها للعبد ومن ضرورة ثبوت الحق اللازم من المالك لغيره لزوم الملك له فثبت اللزوم شرعا ضرورة ثبوت الحق اللازم شرعا ومتى ثبت اللزوم تعذر الفسخ
ولو رهنه المشتري ولم يسلمه أو أجره من رجل أو باعه على أن المشتري بالخيار سقط خياره قبل الرؤية وبعدها حتى لو أفتك الرهن أو مضت المدة في الإجازة أو رده على المشتري بخيار الشرط ثم رآه لا يكون له الرد بخيار الرؤية لأنه أثبت حقا لازما لغيره بهذه التصرفات فيكون من ضرورته لزوم الملك له وذلك بامتناع ثبوت الخيار فيبطل ضرورة لأنه لا فائدة فيه
وفي خيار العيب لا يسقط بهذه التصرفات لأن ثمة العقد لازممع العيب بعد القبض حتى لا يمكنه الرد إلا بقضاء أو رضا وإذا كان لازما فلا يسقط الخيار لضرورة اللزوم وإنه لازم
وعلى هذا فالمشتري إذا كاتب ثم عجز العبد ورد في الرق ثم رآه لا يثبت له خيار الرؤية لأن الكتابة عقد لازم
وكذلك لو وهب وسلم قبل الرؤية لأنه بالتسليم أثبت حقا لازما فإنه لا يقدر على الرجوع إلا بقضاء أو رضا
هذا إذا كان المشتري بصيرا أما إذا كان المشتري أعمى حتى ثبت له الخيار بسبب جهالة الأوصاف لعدم الرؤية فبماذا يسقط خياره اختلفت الروايات عن أصحابنا فيه والحاصل أن ما يمكن جسه وذوقه وشمه يكتفي بذلك لسقوط خياره في أشهر الروايات ولا يشترط بيان الوصف له ويكون بمنزلة نظر البصير وفي رواية هشام عن محمد أنه يعتبر الوصف مع ذلك لأن التعريف الكامل في حقه يثبت بهذا
أما ما لا يمكن جسه بأن اشترى ثمارا على رؤوس الأشجار فإنه يعتبر فيه الوصف لا غير في أشهر الروايات وفي رواية يوقف في مكان لو كان بصيرا لرأى ذلك
وأما إذا كان المبيع دارا أو عقارا فالأصح من الروايات أنه يكتفي بالوصف فإذا رضي به كان بمنزلة النظر من البصير
وقالوا في الأعمى إذا اشترى فوصف له ورضي بذلك ثم زال العمى فلا خيار له لأن الوصف خلف عن الرؤية في حقه والقدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل لا تسقط حكم البدل
ولو اشترى البصير شيئا لم يره فوصف له فرضي به لم يسقط خياره لأنه لا عبرة للخلف مع القدرة على الأصل
ولو اختلف البائع والمشتري فقال البائع بعتك هذا الشيء وقد رأيته وقال المشتري لم أره فالقول قول المشتري لأن البائع يدعي عليه إلزام العقد وهو منكر فيكون القول قوله ويستحلف المشتري لأن البائع يدعي عليه سقوط حق الفسخ ولزوم العقد وهذا مما يصح بذله والإقرار به فيجري فيه الاستحلاف
ولو رأى عبدا أو دابة ثم اشترى بعد ذلك بشهر أو نحوه فلا خيار له لأنه اشترى شيئا قد رآه وثبوت هذا الخيار معلق بشراء شيء لم يره ولأن ما هو المقصود من الخيار قد ثبت فكان الإقدام على الشراء دلالة الرضا
ولو اختلفا فقال المشتري قد تغير عن الحالة التي رأيته والبائع ينكر فالقول قول البائع مع يمينه لأن دعوى التغيير إما أن تكون دعوى العيب أو دعوى تبدل هيئته فيما يحتمل التبدل وهذا دعوى أمر عارض فيكون القول قول من تمسك بالأصل
باب خيار العيب
الكلام فيه في مواضع في بيان شرعية خيار العيب وفي بيان العيوب التي توجب الخيار جملة وتفصيلا وفي بيان كيفية الرد وفي بيان ما يمنع الرد ويسقط الخيار وفي بيان ما يمنع الرجوع بنقصان العيب وما لا يمنع وفي بيان الإبراء عن العيوب
أما الأول فلأن سلامة البدلين في عقد المبادلة مطلوبة عادة فتكون بمنزلة المشروط صريحا ولو اشترى جارية على أنها بكر أو خبازة ولم توجد ثبت الخيار لفوات غرضه كذا هذا
وأما بيان العيوب الموجبة للخيار في الجملة فنقول كل ما أوجب نقصان القيمة والثمن في عادة التجار فهو عيب يوجب الخيار
وما لا يوجب نقصان القيمة والثمن فليس بعيب
وأما تفصيل العيوب فهي على نوعينأحدهما ما يوجب فوات جزء من المبيع أو تغييره من حيث الظاهر دون الباطن
والثاني ما يوجب النقصان من حيث المعنى دون الصورة
أما الأول فكثير نحو العمى والعور والشلل والزمانة والإصبع الناقصة والسن السوداء والسن الساقطة والسن الشاغية والظفر الأسود والصمم والخرس والبكم والقروح والشجاج وأثر الجراح والأمراض كلها التي تكون في سائر البدن والحميات وهذا كله ظاهر
وأما الثاني فنحو السعال القديم وارتفاع الحيض في زمان طويل أدناه شهران فصاعدا في الجواري
ومنها صهوبة الشعر والشمط والشيب في العبيد والجواري والبخر عيب في الجواري دون العبيد إلا أن يكون فاحشا أو يكون عن داء وكذلك الزفر
ومنها الزنا عيب في الجواري دون الغلمان إلا إذا كثر ذلك منهم وصار عادة لهم فيكون عيبا
وكذا كونه ولد الزنا يكون عيبا في الجواري دون العبيد
والحبل عيب في الجارية لا في البهائم
والنكاح في الغلام والجارية عيب
والكفر عيب في الجارية والغلام
ومن هذه الجملة الإباق والسرقة والبول في الفراش والجنون
وحاصل الجواب فيها أنها في الصغير الذي لا يعقل ولا يأكل وحده لا تكون عيبا لأنه لا يعرف الامتناع من هذه الأشياء فلا يثبت به وجود العيب بالاحتمال فأما إذا كان صبيا عاقلا فإنه يكون عيبا ولكن عند اتحاد الحالة يثبت حق الرد لا عند الاختلاف بأن ثبت أنه أبق عند البائع ثم يأبق عند المشتري كلاهما في حالة الصغر أو كلاهما في حالة الكبر لأن سبب وجود هذه الأشياء في حالة الصغر عيب وهو قلة المبالاة وقصور العقل وضعف المثانة وفي حال الكبر يكون السبب سوء اختياره وداء في الباطن فإذا اتفق الحالان علم أن السبب واحد فيكون هذا العيب ثابتا عند البائع فأما إذا اختلف فلا يعرف لأنه يجوز أن يزول الذي كان عند البائع ثم يحدث النوع الآخر عند المشتري فلا يكون له حق الرد كالعبد إذا حم عند البائع ثم حم عند المشتري فإن كان هذا الثاني غير ذلك النوع لا يثبت حق الرد وإن كان من نوعه ثبت حق الرد كذا هذا
فأما الجنون إذا ثبت وجوده عند البائع فهل يشترط وجوده ثانيا عند المشتري ليس فيه رواية نصا واختلف المشايخ فبعضهم قالوا لا يشترط لأن محمدا قال الجنون عيب لازم أبدا فلا يشترط وجوده ثانيا عند المشتري بخلاف السرقة والإباقوالبول في الفراش فإنه ما لم يوجد عند المشتري لا يثبت حق الرد
وقال بعضهم لا يكون له حق الرد ما لم يوجد ثانيا عند المشتري كما في الإباق ونظائره إلا أن الفرق أن في الجنون لا يشترط اتحاد الحالة فإن جن عند البائع وهو صغير ثم جن عند المشتري بعد البلوغ فإنه يثبت حق الرد وفي الإباق ونظيره لا يثبت حق الرد إلا عند اتحاد الحالة على ما ذكرنا
وأما كيفية الرد فنقول إن المشتري إذا ادعى عيبا بالمبيع فلا يخلو من ثلاثة أوجه إما أن يكون عيبا ظاهرا مشاهدا كالإصبع الزائدة والسن الشاغية الزائدة والعمى ونحوها
أو كان عيبا باطنا في نفس الحيوان لا يعرفه إلا الأطباء
أو يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال ويطلع عليه النساء
أو يكون عيبا لا يعرف بالمشاهدة ولا بالتجربة والامتحان عند الخصومة وذلك كالإباق والسرقة والبول على الفراش والجنون
أما إذا كان عيبا مشاهدا فإن القاضي لا يكلف المشتري بإقامة البينة على إثبات العيب عنده لكون العيب ثابتا عنده بالعيان والمشاهدة ويكون للمشتري حق الخصومة مع البائع بسبب هذا العيب فبعد هذا القاضي ينظر في العيب الذي يدعي فإن كان عيبا لا يحدث مثله في يدي المشتري كالإصبع الزائدة ونحوها فإنه يرد على البائع ولا يكلف المشتري بإقامة البينة على ثبوت العيب عند البائع لأنه تيقن ثبوته عنده إلا أن يدعي البائع الرضا والإبراء فيطلب منه البينة فإن أقام البينة عليه وإلا فحينئذ يستحلف المشتري على دعواهفإن نكل لم يرد عليه وإن حلف رد على البائع فإن كان عيبا يجوز أن يحدث مثله في يد المشتري فإن القاضي يقول للبائع هل حدث هذا عندك فإن قال نعم قضى عليه بالرد إلا أن يدعي الرضا والإبراء وإن أنكر الحدوث عنده فإنه يقول للمشتري ألك بينة فإن أقامها قضى عليه بالرد إلا أن يدعي الرضا والإبراء وإن لم يكن له بينة ذكر في الأصل وقال يستحلف البائع على البتات بالله لقد بعته وسلمته وما به هذا العيب لأن هذا أمر لو أقر به لزمه فإذا أنكر يحلف لصدق قوله وإنما يحلف على هذا الوجه لأن العيب قد يحدث بعد البيع قبل القبض فيثبت له حق الرد فلا بد من ذكر البيع والتسليم
ثم من المشايخ من قال لا يجب أن يستحلف هكذا لأنه يبطل حق المشتري في الرد في بعض الأحوال لأنه يكون للمشتري حق الرد بعيب حادث بعد البيع قبل القبض فمتى حلف على هذا الوجه لم يحنث إذا حدث العيب قبل القبض لأن شرط الحنث وجود العيب عند البيع والقبض جميعا ولكن الاحتياط للمشتري أن يحلف البائع بالله وما للمشتري رد السلعة بهذا العيب الذي يدعي وقيل يحلف بالله لقد سلمته وما به هذا العيب الذي يدعي
ومنهم من قال بأن ما ذكر محمد صحيح مع إضمار زيادة في كلامه فيحلف البائع بالله لقد بعته وسلمته وما به هذا العيب لا عند البيع ولا عند التسليم إلا أن محمدا اختصر كلامه والاختصار ثابت في اللغة فيحمل كلامه عليه
وأما إذا كان العيب باطنا لا يعرفه إلا الخواص من الناس كالأطباء والنخاسين فإنه يعرف ذلك ممن له بصارة في ذلك الباب فإن اجتمععلى ذلك العيب رجلان مسلمان أو قال ذلك رجل مسلم عدل فإنه يقبل قوله ويثبت العيب في حق إثبات الخصومة ثم بعد هذا يقول القاضي للبائع هل حدث عندك العيب الذي يدعي فإن قال نعم قضى عليه بالرد وإن أنكر يقيم المشتري البينة فإن لم يكن له بينة استحلف البائع على الوجه الذي ذكرنا فإن حلف لم يرد عليه وإن نكل قضى عليه بالرد إلا أن يدعي الرضا أو الإبراء
وإن كان العيب مما لا يطلع عليه الرجال ويطلع عليه النساء فإنه يرجع إلى قول النساء فترى امرأة مسلمة عدلة والثنتان أحوط
فإذا شهدت على العيب ففي هذه المسألة عن أبي يوسف روايتان وكذا عن محمد روايتان في رواية فرق أبو يوسف بين ما إذا كان المبيع في يد البائع أو في يد المشتري فقال إن كان في يد البائع رد المبيع بشهادتها لأن ما لا يطلع عليه الرجال فقول المرأة الواحدة بمنزلة البينة فيثبت العيب بقولها والعيب الموجود عند البائع يفسخ به البيع
وإن كان بعد القبض أقبل قولها في حق إثبات الخصومة ولا أقبل في حق الرد على البائع لأن المبيع وجد معيبا في ضمان المشتري فلا أنقل الضمان إلى البائع بقول النساء ولكن أثبت حق الخصومة ليثبت الاستحقاق
وفي رواية قال إن كان العيب مما لا يحدث مثله يفسخ بقولهن لأن العيب قد ثبت بشهادتهن وقد علمنا كون العيب عند البائع بيقين فيثبت حق الفسخ وإن كان عيبا يحدث مثله لم يثبت حق الفسخ بقولهن لأن هذا مما يعلم من جهة غيرهن
وأما عن محمد ففي رواية قال لا يفسخ بقولهن بحال وفي رواية يفسخ قبل القبض وبعده بقولهن لأن قولها فيما لا يطلع عليهالرجال كالبينة كما في النسب
وأما العيب الذي ليس بمشاهد عند الخصومة ولا يعرف بقول الناس كالإباق والجنون والسرقة والبول على الفراش فقد ذكرنا أنه لا بد من ثبوت العيب عند المشتري وعند البائع عند اتحاد الحالة إلا في الجنون إن اتحاد الحال ليس بشرط في الجنون
فإن أقام المشتري البينة على حدوث العيب عنده فإنه يقول القاضي للبائع هل أبق عندك فإن قال نعم قضى عليه بالرد إلا أن يدعي الرضا أو الإبراء وإن أنكر الإباق أصلا وادعى اختلاف الحالة يقول القاضي للمشتري ألك بينة فإن قال نعم وأقام البينة على ما يدعى قضى عليه بالرد وإن قال لا يستحلف البائع بالله ما أبق عندك قط منذ بلغ ولا جن عندك قط فإن حلف انقطعت الخصومة بينهما وإن نكل عن اليمين قضى عليه بالرد
وإن لم يجد المشتري بينة على إثبات أصل العيب عند نفسه هل يستحلف القاضي البائع على ذلك أم لا لم يذكر في بيوع الأصل وذكر في الجامع وقال يستحلفه على قول أبي يوسف و محمد ولم يذكر قول أبي حنيفة فمن المشايخ من قال يستحلف بلا خلاف ومنهم من قال هذه المسألة على الاختلاف فقول أبي حنيفة لا يستحلف نص عليه في كتاب التزكية على ما يعرف في الجامع والله أعلم
ثم كيف يستحلف قالوا يستحلف على العلم لأنها يمين على غير فعله بالله ما يعلم أن هذا العيب موجود في هذا العبد الآن فإن نكل عن اليمين ثبت العيب عند المشتري فيثبت له حق الخصومة وإن حلف بريء
وأما ما يبطل حق الرد ويمنع وجوب الأرش وما لا يمنع فنقول أصل الباب أن الرد بالعيب يمتنع بأسباب منها حدوث العيب عند المشتري عندنا خلافا لمالك و الشافعي في أحد قوليه
والصحيح قولنا لأن المبيع خرج عن ملكه معيبا بعيب واحد فلو رد يرد بعيبين وشرط الرد أن يرد على الوجه الذي أخذ ولم يوجد
ومنها الزوائد المنفصلة المتولدة من العين بعد القبض كالولد والثمرة أو المستفادة بسبب العين كالأرض والعقر تمنع الرد بالعيب وسائر أسباب الفسخ كالإقالة والرد بخيار الرؤية والشرط في قول علمائنا
وقال الشافعي لا تمنع
وأجمعوا أن الكسب أو الغلة التي تحدث بعد القبض لا تمنع فسخ العقد
وأجمعوا أن الزوائد المنفصلة قبل القبض لا تمنع الفسخ بل يفسخ على الأصل والزوائد جميعا
فأما في الزوائد المتصلة كالسمن والجمال ونحوها وقد حدثت بعد القبض فإنه لا يمنع الرد بالعيب إذا رضي المشتري لكونها تابعة للأصل حقيقة وقت الفسخ فإذا انفسخ العقد على الأصل يفسخ فيها تبعا
فأما إذا أبى المشتري أن يرد وأراد الرجوع بنقصان العيب وقال البائع لا أعطيك نقصان العيب ولكن رد علي المبيع حتى أرد عليك الثمن هل للبائع ذلكعلى قول أبي حنيفة و أبي يوسف ليس له ذلك
وعلى قول محمد له ذلك
وهذا لأن الزيادة المتصلة بعد القبض تمنع فسخ العقد على الأصل إذا لم يوجد الرضى ممن له الحق في الزيادة عندهما وعند محمد لا تمنع كما في مسألة المهر إذا ازداد زيادة متصلة بعد القبض ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها على ما نذكر في كتاب النكاح
ومنها تعذر الفسخ بأسباب مانعة من الفسخ على ما عرف
ومنها الرضى بالعيب صريحا أو دلالة على ما ذكرنا في خيار الشرط أو وصول عوض الفائت إليه حقيقة أو اعتبارا وكان للمشتري حق الرجوع بنقصان العيب في المواضع التي امتنع الرد إلا إذا وجد الرضا صريحا أو دلالة أو وصل إليه العوض حقيقة أو اعتبارا لأن ضمان النقصان بدل الجزء الفائت فإذا رضي بالعيب فقد رضي بالمبيع القائم بجميع الثمن بدون الجزء الفائت فلا يجب شيء وإذا حصل العوض فكأن الجزء الفائت صار قائما معنى بقيام خلفه
هذا الذي ذكرنا إذا كان المشتري عاقدا لنفسه فأما إذا كان عاقدا لغيره فإن كان ممن يجوز أن يلزمه الخصومة كالوكيل والشريك والمضارب والمأذون والمكاتب فالخصومة تلزمه ويرد عليه بالعيب بالحجة لأنها من حقوق العقد وحقوق العقد ترجع إلى العاقد إذا كان ممن يلزمه الخصومة كالعاقد لنفسه فما قضى به على العاقد رجع به على من وقع له العقد لكونه قائما مقامه إلا المكاتب والمأذون فإنهما لا يرجعان على المولى ولكن الدين يلزم المكاتب ويباع فيه المأذون لأنهما يتصرفان لأنفسهما فلا يرجعان على غيرهما
فأما القاضي والإمام إذا عقدا بحكم الولاية أو أمينهما بأمرهما لم يلزمهم الخصومة ولم يصيروا خصما في الباب إلا أنه ينصب خصما يخاصم في ذلك فما قضى به عليه رجع في مال من وقع التصرف له وإن كان التصرف للمسلمين رجع في بيت مالهم
فأما العاقد إن كان صبيا محجورا أو عبدا محجورا بإذن إنسان في بيع أو شراء فلا خصومة عليهما ولا ضمان وإنما الخصومة على من وكلهما في ذلك التصرف لأن حكم العقد وقع للموكل والعاقد ليس من أهل لزوم العهدة فيقوم مقامه في مباشرة التصرف لا غير بمنزلة الرسول والوكيل في النكاح
وأما البراءة عن العيوب فنقول جملة هذا أنه إذا باع شيئا على أن البائع برىء عن كل عيب فعم ولم يخص شيئا من العيوب فإن البيع جائز والشرط جائز في قول علمائنا حتى لو وجد المشتري به عيبا فأراد أن يرده فليس له ذلك
وقال الشافعي البراءة عن كل عيب لا يصح ما لم يسم العيب فيقول عن عيب كذا
وكذلك على هذا الخلاف والبراءة والصلح عن الديون المجهولة
وإذا لم يصح البراءة عن كل عيب عنده هل يفسد العقد به أم لا فله فيه قولان في قول يبطل العقد أيضا
وفي قول يصح العقد ويبطل الشرط
وقال ابن أبي ليلى ما لم يعين العيب ويضع يده على العيب ويقول أبرأتك عن هذا العيب فإنه لا يصح الإبراء
ثم إذا صح هذا الشرط عندنا يبرأ عن كل عيب من العيوب الظاهرة والباطنة لأن اسم العيب يقع على الكل
فأما إذا قال أبرأتك عن كل داء روي عن أبي يوسف أنه يقع على كل عيب ظاهر دون الباطن
وروى الحسن عن أبي حنيفة على عكسه أنه يقع على كل عيب باطن والعيب الظاهر يسمى مرضا
ولو أبرأ البائع عن كل غائلة روي عن أبي يوسف أنه يقع على السرقة والإباق والفجور وما كان من فعل الإنسان مما يعد عيبا عند التجار
ثم اتفق علماؤنا على أنه يدخل تحت البراءة المطلقة العيب الموجود وقت البيع
واختلفوا في العيب الحادث بعد البيع قبل القبض قال أبو يوسف يدخل تحت البراءة حتى لا يملك المشتري الرد بالعيب الحادث
وقال محمد لا يدخل حتى يملك الرد بذلك العيب
وهذا فرع مسألة أخرى وهي أنه إذا باع بشرط البراءة عن كل عيب يحدث بعد البيع قبل القبض هل يصح هذا الشرط أم لا عند أبي يوسف يصح
وعند محمد لا يصح
فلما صحت البراءة عن العيب الحادث حالة التنصيص فكذا في حالة الإطلاق عن كل عيب فيدخل تحته الحادث بعد البيع قبل القبض فلما كانت البراءة عن العيب الحادث بعد البيع قبل القبض لا تصح عند محمد حالة التنصيص فحالة الإطلاق أولى
ثم ما ذكرنا من الجواب فيما إذا قال أبرأتك عن كل عيب مطلقا
فأما إذا قال أبيعك على أني بريء من كل عيب به لم يدخل في ذلك العيب الحادث في قولهم جميعا لأنه لم يعم البراءة وإنما خصها بالموجود القائم عند العقد دون غيره
ولو قال على أني بريء من كل عيب كذا وسمى ضربا من العيوب أو ضربين لم يبرأ من غير ذلك النوع مثل أن يبرأ من القروح أو الكي ونحو ذلك لأنه أسقط الحق من نوع خاص
ولو كانت البراءة عامة فاختلفا في عيب فقال البائع كان به يوم العقد وقال المشتري بل حدث قبل القبض فالقول قول البائع عند أبي يوسف وعند محمد لأن البراءة عامة فإذا ادعى المشتري حدوث عيب فيريد إبطال العموم فلا يبطل قوله إلا ببينة
وقال زفر و الحسن القول قول المشتري لأن الأصل هو ثبوت الحق والمشتري هو المبرىء فيكون القول قوله في مقدار البراءة
ولو كانت البراءة من عيب خاص سماه المشتري ثم اختلفا فقال البائع كان بها وقال المشتري حدث قبل القبض فالقول قول المشتري عند محمد ولم يثبت عن أبي يوسف قول لأن هذه البراءة خاصة فالقول فيها قول المشتري كما في البراءة عن دين خاص
باب الإقالة والمرابحة
وغير ذلك في الباب فصول بيان المرابحة وبيان الإقالة وبيان حكم الاستبراء وبيان جواز التفريق بين ذوي الرحم المحرم وتحريمه في البيع
أما الأول فنقول البيع في حق البدل ينقسم خمسة أقسام بيع المساومة وهو البيع بأي ثمن اتفق وهو المعتاد
والثاني بيع المرابحة وهو تمليك المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح
والثالث بيع التولية وهو تمليك المبيع بمثل الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان
والرابع الإشراك وهو بيع التولية في بعض المبيع من النصف والثلث وغير ذلك
والخامس بيع الوضيعة وهو تمليك المبيع بمثل الثمن الأول مع نقصان شيء منه
ثم الأصل في بيع المرابحة أنه مبني على الأمانة فإنه بيع بالثمن الأول بقول البائع من غير بينة ولا استحلاف فيجب صيانته عن حقيقة الخيانة وشبهها فإذا ظهرت الخيانة يجب رده كالشاهد يجب قبول قوله فإذا ظهرت الخيانة يرد قوله كذا هذا
إذا ثبت هذا فنقول إذا باع شيئا مرابحة على الثمن الأول فلا يخلو إما أن يكون الثمن من ذوات الأمثال كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود المتقارب أو يكون من الأعداد المتفاوتة مثل العبيد والدور والثياب والرمان والبطاطيخ ونحوها
أما إذا كان الثمن الأول مثليا فباعه مرابحة على الثمن الأول وزيادة ربح فيجوز سواء كان الربح من جنس الثمن الأول أو لم يكن بعد أن يكون شيئا مقدرا معلوما نحو الدرهم والخمسة وثوب مشار إليه أو دينار لأن الثمن الأول معلوم والربح معلوم
فأما إذا كان الثمن الأول لا مثل له فإن أراد أن يبيعه مرابحة عليه فهذا على وجهين إما أن يبيعه مرابحة ممن كان العرض في يده وملكه أو من غيره
فإن باعه ممن ليس في ملكه ويده لا يجوز لأنه لا يخلو إما أن يبيعه مرابحة بذلك العرض أو بقيمته ولا وجه للأول لأن العرض ليس في ملك من يبيعه منه ولا وجه أن يبيعه مرابحة بقيمته لأن القيمة تعرف بالحزر والظن فيتمكن فيه شبهة الخيانة
وأما إذا أراد أن يبيعه مرابحة ممن كان العرض في يده وملكه فهذا على وجهين إن قال أبيعك مرابحة بالثوب الذي في يدك وبربح عشرةدراهم جاز لأنه جعل الربح على الثوب عشرة دراهم وهي معلومة
وإن قال أبيعك بذلك الثوب بربح ده يازده فإنه لا يجوز لأن تسمية ربح ده يازده أو أحد عشر يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال لأنه لا يكون أحد عشر إلا وأن يكون الحادي عشر من جنس العشرة فصار كأنه باع بالثمن الأول وهو الثوب وبجزء من جنس الأول والثوب لا مثل له من جنسه
ثم في بيع المرابحة يعتبر رأس المال وهو الثمن الأول أي ما ملك المبيع به ووجب بالعقد دون ما نقده بدلا عن الأول بيانه إذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ثم أعطى عنها دينارا أو ثوبا قيمته عشرة دراهم أو أقل أو أكثر فإن رأس المال هو العشرة المسماة في العقد دون الدينار والثوب لأن هذا يجب بعقد آخر وهو الاستبدال
وكذلك من اشترى ثوبا بعشرة وهي خلاف نقد البلد ثم قال لآخر أبيعك هذا الثوب بربح درهم لزمه عشرة مثل التي وجبت بالعقد
وإن كان يخالف نقد البلد والربح يكون من نقد البلد لأنه أطلق الربح فيقع على نقد البلد
ولو نسب الربح إلى رأس المال فقال أبيعك بربح العشرة أو ده يا زده أو بربح أحد عشر فالربح من جنس الثمن الأول لأنه جعله جزءا منه فكان على صفته
ولو اشترى ثوبا بعشرة دراهم جياد ثم إنه دفع إلى البائع عشرة دراهم بعضها جياد وبعضها زيوف وتجوز بذلك البائع ثم أراد أنيبيعه مرابحة جاز له أن يبيعه مرابحة على العشرة الجياد من غير بيان لأن المسمى المضمون بالعقد هو الجياد لكن جعل الرديئة بدلا عن الأول بعقد آخر
ولو اشترى ثوبا بعشرة نسيئة فباعه مرابحة على العشرة وبين أنه اشتراه بها نسيئة لا يكره لأنه لم يوجد الخيانة حيث أعلم المشتري بذلك ورضي به فأما إذا باع مرابحة على العشرة من غير بيان النسيئة فإنه يكره والبيع جائز وللمشتري الخيار إذا علم لأنه وجد الغرور والخيانة لأن المشتري إنما اشتراه مرابحة على العشرة على تقدير أن الثمن في البيع الأول عشرة بطريق النقد ويختلف ثمن المبيع بين النسيئة والنقد فيثبت له الخيار كما لو اشترى برقمه ثم علم في المجلس يثبت له الخيار كذا هذا بخلاف ما إذا باعه مساومة بأكثر من قيمته ثم علم المشتري بأنه اشترى بأقل من ذلك لا يكون له الخيار لأن المشتري لم يصر مغرورا من جهته
ولو قال إن قيمته كذا وهو أكثر من قيمته والمشتري لا يعرف قيمة الأشياء واشتراه بناء على قول البائع فإنه يكون له الخيار لأنه يصير غارا أما إذا كان عالما بالقيمة واشتراه بأكثر من ذلك لغرض له في ذلك فلا بأس به وأصحابنا يفتون في المغبون أنه لا يرد ولكن هذا في مغبون لم يغر أما في مغبون غر فيكون له حق الرد استدلالا بمسألة المرابحة في النسيئة
ولو اشترى بدين له على رجل فله أن يبيعه مرابحة من غير بيان لأنه اشترى بثمن في ذمته لأن الدين لا يتعين ثمنا
وإن أخذ ثوبا صالحا من دين له على رجل ليس له أن يبيعه مرابحة على ذلك الدين لأن مبنى الصلح على الحط
ولو اشترى ثوبا بعشرة ثم رقمه بأكثر من الثمن وهو قيمته فإن كان قيمته أكثر من ذلك ثم باعه مرابحة على الرقم جاز ولا يكون خيانة لأنه باع المبيع من غير خيانة حيث ذكر الرقم ولكن هذا إذا كان عند البائع أن المشتري يعلم أن الرقم غير والثمن غير وأما إذا كان عنده أن المشتري يعلم أن الرقم والثمن سواء فإنه يكون خيانة وله الخيار
وكذا لو ملك شيئا بالميراث أو الهبة فقومه رجل عدل بقيمة عدل ثم باعه مرابحة على قيمته وهي كذا لا بأس به لأنه صادق في مقالته
ولو اشترى شيئا بعشرة دراهم فقال لرجل آخر اشتريت هذا باثني عشر وأبيعك مرابحة بربح درهم ثم ظهر أن الثمن الأول كان عشرة إما بإقرار البائع أو بالبينة قال أبو حنيفة و محمد رحمة الله عليهما لا يحط قدر الخيانة من الثمن ولكن يتخير المشتري إن شاء فسخ البيع وإن شاء رضي ربه بجميع الثمن
وقال أبو يوسف بأنه يحط قدر الخيانة وحصته من الربح ويكون العقد لازما بالباقي من الثمن فيحط عنه درهمان وحصتهما من الربح وذلك سدس درهم
هذا في بيع المرابحة
فأما إذا خان في بيع التولية فقد قال أبو حنيفة و أبو يوسف يحط قدر الخيانة ويلزم البيع بالثمن الباقي بلا خيار
وقال محمد بأنه لا يحط قدر الخيانة لكن يتخير المشتري ما دام المبيع قائما فإذا هلك سقط خياره
فأبو يوسف سوى بين التولية والمرابحة وقال يحط قدر الخيانة فيهما ويلزم العقد بالباقي فيهما
و محمد سوى بينهما وقال لا يحط قدر الخيانة فيهما ويثبت له الخيار
و أبو حنيفة فرق فقال يحط قدر الخيانة في التولية ولا يحط في المرابحة
ثم الأصل أن كل نفقة ومؤونة حصلت في السلعة وأوجبت زيادة في المعقود عليه إما من حيث العين أو من حيث القيمة وكان ذلك معتادا إلحاقا برأس المال عند التجارة فإنه يلحق برأس المال كأجرة القصارة والخياطة والكراء وطعام الرقيق وكسوتهم وعلف الدواب وثيابهم ونحو ذلك فبيعه مرابحة عليه ولا يقول عند البيع إن ثمنه كذا ولكن يقول يقوم علي بكذا فأبيعك على هذا مع ربح كذا حتى لا يكون كاذبا في كلامه
أما أجرة تعليم القرآن والأدب والشعر والحرف فإنها لا تلحق برأس المال وإن أوجبت زيادة في القيمة لأنها ليست بمتعارفة عند التجار
وكذا أجرة الطبيب وثمن الدواء وأجرة الفصاد والحجام وأجرة الختان والبزاغ وأجرة الرائض والراعي وجعل الآبق لأن عادة التجار هكذا
وأما أجرة السمسار ففي ظاهر الرواية يلحق برأس المال وفي البرامكة قال لا يلحق
وأما الإقالة فمشروعة لقوله عليه الصلاة والسلام من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة
ثم اختلفوا فيها قال أبو حنيفة هي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حقالثالث حتى إن من اشترى دارا ولها شفيع فسلم الشفعة ثم أقالا البيع فيها فإنه يثبت للشفيع الشفعة ثانيا لأنها عقد جديد في حق الشفيع
وقال محمد الإقالة فسخ إلا إذا كان لا يمكن أن تجعل فسخا فتجعل بيعا جديدا
وقال أبو يوسف هي بيع جديد ما أمكن فإن لم يمكن تجعل فسخا بأن كانت الإقالة قبل قبض المبيع وهو منقول فإنها تجعل فسخا لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز حتى إذا كان المبيع دارا وأقالا قبل القبض يكون بيعا لأن بيع العقار المبيع قبل القبض جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
وقال زفر هي فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما حتى لا يقول بثبوت الشفعة كما قال أبو حنيفة
ويبنى على هذا أنهما إذا تقابلا بأكثر من الثمن الأول أو بأقل أو بجنس آخر أو أجل الثمن في الإقالة فعلى قول أبي حنيفة تصح الإقالة بالثمن الأول ويبطل ما شرطاه لأنها فسخ في حق المتعاقدين والفسخ يكون بالثمن الأول ويبطل الشرط الفاسد
وهو قول زفر لأنها فسخ محض في حق الناس كافة
وعلى قول الشافعي الإقالة باطلة ههنا لأنهما أدخلا فيها شرطا فاسدا فهي كالبيع
وقال محمد إن كانت الإقالة بغير الثمن الأول أو بأكثر منه فهي بيع
وإن كانت بمثل الثمن الأول أو أقل فهي فسخ بالثمن ويبطل شرط النقصان وكذلك إن أجل يبطل الأجل
وعلى قول أبي يوسف يصح بما ذكرا من الثمن وشرطا به من الزيادة والنقصان والأجل لأنها بيع جديد ما أمكن وهو ممكن
وأما بيان حكم الاستبراء فنقول الاستبراء مشروع
وهو نوعان مندوب وواجب
فالاستبراء المندوب إليه هو أن الرجل إذا وطىء جاريته ثم أراد بيعها يستحب له أن يستبرئها بحيضة ثم يبيعها عند عامة العلماء
وقال مالك واجب لأن احتمال العلوق منه قائم فيجب عليه صيانة مائه عن الضياع
ولكن عندنا لا يجب لأن سبب الوجوب لم يوجد على ما نذكر
وأما الاستبراء الواجب فهو الاستبراء على من يحدث له ملك الاستمتاع بملك اليمين بأي سبب كان من السبي والشراء والهبة والوصية والميراث ونحوها
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال في سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة أوجب الاستبراء على السابي والسبي سبب حدوث ملك الاستمتاع بملك اليمين فيكون نصا في كل ما هو سبب حل الاستمتاع بملك اليمين دلالة
ثم مقدار مدة الاستبراء هي في الحيضة حق ذوات الأقراء وفي حق ذوات الأشهر شهر واحد
لأن الاستبراء إنما يجب صيانة للماء كي لا يختلط ماؤه بماء غيره فلا بد له من المدة وأقل المدة هذا
وإن كانت الجارية ممتدة الطهر بأن كانت شابة لا تحيض فإن استبراءها لا يكون بشهر واحد كما في الآيسة واختلف العلماء في مدة استبرائها حتى يباح للمشتري وطؤها عند مضيها قال أبو حنيفة و أبو يوسف لا يطأها حتى يمضي عليها مدة لو كانت حاملا لظهر آثار الحمل من انتفاخ البطن وغيره وذلك ثلاثة أشهر وما زاد عليه
وقال محمد أولا بأنه لا يطأها حتى يمضي عليها أربعة أشهر وعشرة أيام ثم رجع وقال شهران وخمسة أيام
وقال زفر لا يطأها حتى تمضي سنتان
ثم ما لم تمض مدة الاستبراء لا يحل للمالك أن يطأها وأن يقبلها ويمسها لشهوة وأن ينظر إلى عورتها بالنص الذي روينا
وبالمعنى الذي ذكرنا من صيانة الماء وسواء وطئها أو لا أو كان بائعها ممن لا يطؤها كالمرأة والصبي لأن احتمال الوطء من غيره قائم
ثم إنما يعتبر الاستبراء بعد القبض حتى لو مضت مدة الاستبراء بعد البيع قبل القبض ثم قبضها يجب الاستبراء
هذا هو المشهور من مذهب أصحابنا جميعا
وروي عن أبي يوسف أنه يجزيه الاستبراء قبل القبض
ولو اشترى جارية حاملا فوضعت الحمل بعد القبض يباح الوطء لأن وضع الحمل كونه دليلا على براءة الرحم فوق القرء
وإن كان الوضع قبل القبض فلا عبرة لما ذكرنا أنه إنما يجب سبب حدوث حل الاستمتاع بملك اليمين وإنما يحل الوطء بعد القبض فلا يجب قبل وجود سبب الوجوب
وعلى هذا إذا اشترى جارية لها زوج وقبضها وطلقها زوجها قبل الدخول بها فلا استبراء عليه لأن السبب غير موجب الاستبراء عند القبض بسبب كونها حلالا لزوج فلا يجب بعد ذلك
وعلى هذا إذا اشتراها وهي معتدة من زوج فانقضت عدتها بعد القبض لأنها لا تجب حال وجود السبب لمانع فلا يجب بعد ذلك
ولو انقضت العدة قبل القبض يجب الاستبراء بعد القبض لما قلنا
ولو حرم فرج الأمة على مولاها على وجه لا يخرج عن ملكه لمانع بعدما كان حلالا واستبرأها بعد القبض ثم زال ذلك المانع بعد الشراء حل الوطء ولا استبراء عليه كما إذا كاتبها فتعجز أو زوجها فيطلقها الزوج قبل الدخول أو ترتد عن الإسلام ثم تسلم أو أحرمت بالحج بإذن سيدها ثم حلت لأن هذا تحريم عارض مع بقاء الملك المبيح فلا يمنع صحة الاستبراء فصار كما لو حاضت ثم طهرت
ولو اشترى أمة مجوسية أو مسلمة فكاتبها قبل أن يستبرئها أو اشترى جارية محرمة فحاضت في حال كتابتها ومجوسيتها وحال إحرامها بعد القبض ثم عجزت المكاتبة وأسلمت المجوسية وحلت المحرمة عن الإحرام فإنه يجتزىء تلك الحيضة من الاستبراء لأنها وجدت بعد وجود سبب الاستبراء وهو حدوث ملك اليمين الموجب لملك الاستمتاع إلا أنه لا يحل الاستيفاء لمانع وهذا لا يمنع من الاعتداد كالحيض بخلاف ما إذا اشترى جارية بيعا فاسدا وقبضها ثم حاضت حيضة ثم اشتراها بعد ذلك شراء صحيحا حيث لا يعتدبتلك الحيضة عن الاستبراء لأن الشراء الفاسد لا يوجب ملك الاستمتاع وإن اتصل به القبض
وأما التفريق بين الصغير وبين ذوي الأرحام المجتمعة في الملك فنقول لا خلاف أن التفريق في الولاد مكروه كالتفريق بين الأب وابنه ونحو ذلك
وأما فيمن سواهم من ذوي الرحم المحرم كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات فإنه يكره التفريق أيضا عندنا خلافا للشافعي
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين الجنة وذوو الأرحام ملحقة بالولاد في باب المحرمات احتياطا لحرمة النكاح
وقال الشافعي لا يلحق ذو الأرحام بالولاد كما في العتق والنفقة
وإنما يباح التفريق بعد البلوغ
وقال الشافعي إذا بلغ سبع سنين جاز التفريق
والصحيح قولنا لما روى الدارقطني بإسناده عن النبي عليه السلام أنه قال لا يجمع عليهم السبي والتفريق حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية
ثم متى فرق بينهما بالبيع جاز مع الكراهة عندنا
وقال الشافعي البيع باطل
وروي عن أبي يوسف أنه قال في الولاد البيع باطل وفي غيرهم جائز مع الكراهة
وهذا بناء على أن النهي عن المشروع يقتضي بطلان التصرف عند الشافعي وعندنا بخلافه لكن هذا نهي لمعنى في غيره بمنزلة البيع وقت النداء
وإذا اجتمع مع الصغير عدد من أقربائه من الرحم المحرم في ملك واحد فعن أبي يوسف روايتان في رواية بشر أنه لا يفرق بينه وبين واحد منهم اختلفت جهات قرابتهم كالعمة والخالة أو اتفقت كالعمين والخالين والأخوين وكذا لا يفرق بينه وبين الأبعد وإن وجد الأقرب حتى إذا اجتمع مع الصغير أبواه وجداه لم يفرق بينه وبين الجدين لأن لكل شخص شفقة على حدة
وفي رواية ابن سماعة عنه أنه يجوز التفريق بين الصغير وبين الأبعد إذا وجد من هو أقرب منه
وذكر محمد في الزيادات إذا اجتمع مع الصغير أبواه لم يفرق بينه وبين واحد منهما وجاز أن يفرق بينه وبين من سواهما معهما
وإذا اجتمعت القرابات غير الأب والأم فإن كانت من جهات مختلفة كأم الأب وأم الأم والخالة والعمة لم يفرق بينه وبين واحد منهم
وإن كانوا من جهة واحدة كالإخوة أو العمات أو الخالات جاز بيعهم من غير كراهة إلا بيع واحد منهم
ويجوز بيع البعيد إذا وجد من هو أقرب منه لأن في الجنس الواحد الشفقة من جنس واحد فيكتفي بواحد
وعند اختلاف الجهات يختلف الشفقة فلكل نوع شفقة تخالف النوع الآخر فلا بد من اجتماع الكل
كتاب النكاح
يحتاج إلى بيان صفة النكاح المشروعة وإلى بيان تفسير النكاح لغة وإلى تفسيره في عرف الشرع
أما الأول فقد اختلف العلماء فيه قال داود بن علي الأصفهاني ومن تابعه من أصحاب الظواهر إن النكاح فرض عين حتى إن من تركه مع القدرة على الوطء والإنفاق فإنه يأثم
وقال الشافعي إنه مباح
واختلف أصحابنا فقال بعضهم إنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين
وقال بعضهم إنه مندوب ومستحب
وقال بعضهم إنه واجب لكن بعضهم قالوا يجب على سبيلالتعيين بمنزلة الوتر والأضحية
وقال بعضهم هو واجب على سبيل الكفاية
ويبتنى على هذا الخلاف
مسألة التخلي
فعندنا الاشتغال بالنكاح مع أداء الفرائض والسنن أولى من التخلي لنوافل العبادة مع ترك النكاح خلافا للشافعي وهي مسألة معروفة
وأما تفسير النكاح لغة فهو الجمع المطلق يقال أنكحنا الفرا فسنرى أي جمعنا بينهما
وأما في الشرع فعبارة عن وجود ركن العقد مع شروطه
أما ركنه فهو الإيجاب والقبول من الزوجين وهما لفظان يعبر بهما عن الماضي أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل وفي البيع لا يصح ما لم يكن اللفظان يعبر بهما عن الماضي على ما ذكرنا في البيوع
ثم لا خلاف بين العلماء بأن النكاح ينعقد بلفظ التزويج والنكاح
واختلفوا فيما سواهما من الألفاظ نحو لفظ البيع والهبة والتمليك ونحوها
وقال الشافعي لا ينعقد إلا بهذين اللفظين
وعند أصحابنا لا ينعقد إلا بلفظ موضوع للتمليك
ثم اختلف المشايخ قال عامتهم لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك الأعيان كالبيع والهبة ولا ينعقد بلفظ موضوع لتمليك المنافع كالإجارة والإعارة
وقال الكرخي ينعقد بلفظ وضع للتمليك مطلقا سواء كان لتمليك الأعيان أو لتمليك المنافع حتى ينعقد بلفظ الإجارة والإعارة عنده
وأما لفظ الوصية فإن ذكر مطلقا بأن قال أوصيتك بابنتي هذه بألف درهم لا يصح لأن الوصية تمليك بعد الموت والنكاح المضاف إلى وقت لا يجوز بأن قالت المرأة زوجت نفسي منك شهر رمضان بألف درهم
وأما إذا قال أوصيتك بابنتي هذه الآن بألف درهم أو لم يذكر المهر وقبل الزوج فإنه ينعقد النكاح
وأما بلفظة الإحلال والتحليل والإباحة فلا ينعقد لأنها لا تقتضي التمليك
وكذا بلفظة المتعة بأن قال الزوج أتمتع بك بكذا فرضيت أو قالت نعم لا ينعقد لأنها لم توضع للتمليك ولأن المتعة صارت منسوخة وهي عبارة عن النكاح المؤقت
وكذا لو قال زوجي نفسك مني إلى شهر كذا فقالت نعم زوجت لا ينعقد النكاح عندنا
وعند زفر ينعقد النكاح ويلغو ذكر الوقت
وعندنا هو تفسير نكاح المتعة وإنه منسوخ
وأما النكاح المضاف إلى وقت أو المعلق بشرط فلا يصح بالإجماع بأن قالت زوجت نفسي منك غدا أو شهر رمضان الآتي أو زوجت نفسي منك إن خلت الدارو فقال الزوج قبلت
ولو قال أتزوجك على أن أطلقك إلى عشرة أيام فرضيت أو قالت نعم أو قالت زوجت نفسي منك على هذا فإنه ينعقد النكاح ويبطل الشرط
هذا الذي ذكرنا هو الحكم في الزوجين فأما إذا كان أحد العاقدين مالكا والآخر وليا أو وكيلا أو رسولا فكذلك الجواب لأنه لا بد من وجود لفظين وهو الإيجاب من أحدهما والقبول من الآخر
وأما إذا كان الواحد وليا من الجانبين أو وكيلا أو رسولا من الجانبين أو وكيلا من جانب ووليا من جانب فإنه يكتفي فيه بكلام واحد بأن يقول زوجت فلانة من فلان بكذا فينعقد العقد ولا يحتاج إلى أن يقول قبلت عن فلان لأن كلامه يقوم مقام كلامين
وهذا عندنا وقال زفر و الشافعي لا يجوز أن يكون الواحد في النكاح عاقدا من الجانبين كما في البيع لا يجوز أن يكون الواحد وكيلا من الجانبين
وعندنا في البيع يجوز أن ينعقد بكلام واحد من الجانبين كالأب والوصي لكن في الوكيل لا يجوز على ما عرف في البيوع
وأما شروطه فأنواع منها ما يرجع إلى الأهلية من وجود العقل والبلوغ وهو شرط عام في تنفيذ كل تصرف دائر بين الضرر والنفع
ومنها الحرية فإن العبد والأمة إذا تزوجا بدون إذن المولى فإنه لا ينعقد النكاح في حق الحكم على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر
وكذلك الجواب في المدبر وأم الولد والمكاتب
فأما إذا أذن المولى فهو جائز
وإذا نفذ بإذن المولى يجب المهر في رقبته وكسبه في القن
وفي غيره يكون في الكسب لا في الرقبة إلا في المكاتب إذا عجز فيكون المهر في رقبته وكسبه فإما أن يباع فيه أو يؤدي المولى ويستخلص الرقبة لنفسه
ومنها كون المرأة محللة فإن المحرمة لا تكون محلا لحكم النكاح قال الله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم } إلى أن قال { الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم }
ثم تحريم النكاح يتنوع إلى تسعة أنواع تحريم بسبب القرابة وتحريم بالصهرية وتحريم بالرضاع وتحريم الجمع وتحريم تقديم الأمة على الحرة وتحريم بسبب حق الغير وتحريم بسبب الملك وتحريم بسبب الشرك وتحريم بالطلقات الثلاث
أما التحريم بسبب القرابة فنقول المحرمات بالقرابة سبع فرق الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت
ويثبت في حق هؤلاء حرمة النكاح وحرمة الوطء ودواعيه بطريق التأبيد
عرفنا ذلك بقوله { حرمت عليكم أمهاتكم }
أما الأمهات فأم الرجل وجداته من قبل أبيه وأمه وإن علون
وأما البنات فبنت الرجل من صلبه وبنات الابن وإن سفلن
وأما الأخوات فثلاثة أنواع الأخوات لأب وأم والأخوات لأب والأخوات لأم
وأما العمات فثلاثة أنواع عمة لأب وأم وعمة لأب وعمة لأم
وكذا عمات أبيه وعمات أجداده وعمات أمه وعمات جداته وإن سفلن
وأما الخالات فخالة الرجل لأب وأم وخالته لأب وخالته لأم وخالات آبائه وأمهاته
وأما بنات الأخ وبنات الأخت وبنات بنات الأخ والأخت وبنات أبناء الأخ وبنات أبناء الأخت وإن سفلن
وأما التحريم بالصهرية فنقول المحرمات بالصهرية أربع فرق إحداها أم الزوجة وجداتها من قبل الأب والأم وإن علون
ثم أم الزوجة تحرم بنفس العقد على البنت ولا يشترط الدخول بالبنت حتى إن من تزوج امرأة تحرم عليه أمها دخل بها أو لم يدخل وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة
وقال مالك و داود الأصفهاني و محمد بن شجاع و بشر المريسي إنها لا تحرم بنفس العقد على البنت ما لم يوجد الدخول بالبنت وحكوا هذا المذهب عن علي رضي الله عنه
والصحيح قول العامة لقوله تعالى { وأمهات نسائكم } من غير فصل
ومنها بنت المرأة لكن يشترط الدخول بالأم
ولا تحرم بنفسالعقد على الأم لقوله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما } شرط الدخول بالأم لحرمة الربيبة
وكذا بنات بنت المرأة وبنات ابنها أيضا
ويستوي الجواب بين ما إذا كانت بنت المرأة في حجر الزوج أو لا خلافا لبعض الناس
ومنها حليلة الابن حرام على أبيه
دخل بها الابن أو لا
وكذا حليلة ابن الابن وابن البنت
وإن سفلن لقوله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن }
وأما حليلة الابن المتبنى فلا تحرم على الأب المتبني لقوله { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم }
ومنها حليلة الأب وحليلة الأجداد من قبل الأب والأم وإن علوا لقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم }
ثم حرمة المصاهرة تثبت بطريق التأييد بسبب النكاح الصحيح دون الفاسد
وكذا تثبت بالوطء الحلال بملك اليمين وكذا تثبت بوطء عن شبهة
وتثبت أيضا بالنظر إلى الفرج عن شهوة دون النظر إلى سائر الأعضاء وتثبت باللمس عن شهوة في سائر الأعضاء وهذا عندنا
وعند الشافعي لا تثبت بالمس والنظر
ويعني بالمس عن شهوة أن يشتهي بقلبه وهو أمر لا يقف عليه إلااللامس والناظر فيعرف بإقراره أما تحريك الآلة والانتشار فليس بشرط وهذا هو الأصح فإن اللمس عن شهوة يتحقق من العنين ولا ينتشر وكذا المجبوب لا آلة له ويتحقق منه المس والنظر عن شهوة
ونعني بالنظر إلى الفرج النظر إلى عين الفرج لا إلى حواليه وهو الأصح
وكذا تثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمس والنظر إلى الفرج بدون الملك وشبهته عندنا
وعند الشافعي لا يثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمسألة معروفة
وأما التحريم بسبب الرضاع فنقول كل من يحرم من الفرق السبع بسبب القرابة يحرم بسبب الرضاع قال الله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وقال عليه السلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وكذا كل من يحرم بالصهرية من الفرق الأربع بالنسب يحرم بالرضاع حتى يحرم على الواطىء أم الموطوءة وبنتها من جهة الرضاع
وتحرم الموطوءة على أب الواطىء وابنه من جهة الرضاع ويحرم موطوءة أب الرضاع على ابنه من الرضاع ويحرم موطوءة ابن الرضاع على أب الرضاع لما روينا من الحديث
وأما تحريم الجمع فنوعان أحدهما تحريم الجمع بين الأجنبيات
والثاني تحريم الجمع بين ذوات الأرحام
وكل واحد منهما على وجهين الجمع في النكاح والثاني الجمع في الوطء ودواعيه
أما تحريم الجمع بين الأجنبيات في النكاح فإنه تحريم الجمع بين خمس نسوة فصاعدا ويباح الجمع بين الأربع وما دونها وهذا عند عامة العلماء
وقال بعضهم يحل الجمع بين تسع نسوة
وقال بعضهم يحل الجمع بين ثماني عشرة
فأما الجمع في ملك اليمين فحلال عقدا ووطئا وإن كثرن لقوله تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
وأما تحريم الجمع بين ذوات الأرحام فنوعان أيضا الجمع في عقد النكاح والجمع في الوطء بملك اليمين
أما الأول وهو تحريم الجمع نكاحا فنقول لا خلاف بين العلماء في تحريم الجمع بين الأختين نكاحا وتحريم الجمع بين الأم وبنتها
فأما الجمع بين ذواتي رحم محرم نكاحا غير الجمع في الولاد
وغير الجمع بين الأختين مما سواهما
كالجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لا يجوز نكاح الأخرى له من الجانبين أيتهما كانت غير عين كالجمع بين عمة المرأة وبين بنت أخيها وبين خالة المرأة وبين بنت أختها ونحو ذلك فحرام عند عامة العلماء
وقال عثمان البتي الجمع فيما سوى الأختين من ذوات الأرحام ليس بحرام
وإذا ثبت أن الجمع بينهما نكاحا حرام فإذا تزوج إحداهما قبلالأخرى فنكاح الأولى جائز ونكاح الثانية باطل ولو تزوجهما معا بطل نكاحهما لأن الجمع حصل بهما فيجب على كل واحد منهما أن يعتزل عن صاحبه ويترك النكاح ولو علم القاضي بذلك يفرق بينهما
وإن كان قبل الدخول فلا مهر لها ولا عدة عليها وإن كان بعد الدخول يجب مهر المثل مقدرا بالمسمى ولا يجب الحد وإن قال الزوج علمت أنها علي حرام ولا يدعي شبهة الاشتباه لأن شبهة النكاح قائم ولو وطئها مرارا قبل التفريق والمتاركة لا يجب إلا مهر واحد لأن العقد الفاسد منعقد من وجه
ولو وطئها بعد المتاركة مرة أخرى لا يجب مهر آخر ويجب الحد لأن هذا زنا
ولو تزوج أخت جاريته التي وطئها أو أخت أم ولده جاز النكاح ولكن لا يطأها ما لم يحرم عليه وطء إحداهما بأن زوج أم ولده من إنسان أو زوج الأمة أو باعها لأنه لا فراش للأمة عندنا خلافا للشافعي وفراش أم الولد ضعيف ينتفي بمجرد النفي ولا يحتاج إلى اللعان
فأما إذا تزوج أخت امرأة تعتد منه فلا يجوز عندنا سواء كانت مطلقة طلاقا رجعيا أو بائنا أو ثلاثا أو بالمحرمية الطارئة وسواء كانت العدة عن النكاح أو عن الوطء بالشبهة
وقال الشافعي يجوز إلا في الطلاق الرجعي لأن النكاح قائم من وجه عندنا في حالة العدة والثابت من وجه في باب التحريم كالثابت من كل وجه
وكذلك لا يجوز له أن يتزوج أربعا أخرى سواها عندنا خلافا له
وأما إذا تزوج أخت أم ولده وهي تعتد منه بأن أعتقها ووجبت عليها العدة فإنه لا يجوز ويجوز أن يتزوج أربعا سواها وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه
وقال أبو يوسف و محمد رحمة الله عليهما يجوز ذلك كله
وقال زفر لا يجوز ذلك كله
وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فجائز عندنا خلافا ل مالك
وأما الجمع بينهما وطئا فلا يجوز
لكن يطأ إحداهما لا غير
ولا يجمع بينهما في المس عن شهوة والنظر إلى الفرج
وإن أزال الموطوءة عن ملكه أو زوجها من إنسان يباح له الاستمتاع بالأخرى
وهذا قول عامة الصحابة وعامة العلماء
وروي عن عثمان بن عفان أنه قال يحل الجمع بينهما وطئا ولكن أنا لا أفعل
وأما تحريم تقديم الأمة على الحرة فنقول من كانت تحته حرة لا يجوز له أن يتزوج الأمة
ومن كانت تحته أمة جاز له أن يتزوج الحرة
ولو جمع بين نكاح الأمة والحرة لا يجوز نكاح الأمة ويجوز نكاح الحرة
وأصله قوله عليه السلام لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة
وإذا كان قادرا على مهر الحرة ونفقتها جاز له أن يتزوج الأمة عندنا
وعند الشافعي لا يجوز
وإن كان له والد وابن موسر تجب على الابن لأنهما استويا في القرب ويرجح الابن لأنه كسبه فيكون له حق في كسبه
ولو كان له جد وابن موسر تجب عليهما النفقة على قدر الميراث على الجد السدس والباقي على ابن الابن
وكذلك إذا كان له أم وعم أو أم وأخ لأب وأم أو لأب فعلى الأم الثلث وعلى العم أو الأخ الثلثان على قدر الميراث
ولو كان له عم وخال فالنفقة على العم لأنهما تساويا في القرابة والعم هو الوارث فيجب عليه
ولو كان له خال وابن عم فالنفقة على الخال دون ابن العم لأنهما لم يستويا في الرحم المحرم بل الخال هو ذو الرحم المحرم فيجب عليه واستحقاق الميراث للترجيح وذلك عند الاستواء في سبب الاستحقاق
ولو كان له عمة وخالة وابن عم فعلى الخالة الثلث وعلى العمة الثلثان ولا شيء على ابن العم لأنه لم يوجد في حق ابن العم سبب الاستحقاق والعمة والخالة استويا في سبب الاستحقاق وفي استحقاق الميراث فيكون بينهما على قدر الميراث
ولو كان له عم وعمة وخالة فالنفقة على العم لا غير لأنه ساواهما في الرحم والتحريم وهو الوارث دونهما فتكون النفقة عليه
وعلى هذا الأصل مسائل
ثم النفقة لا تجب مع اختلاف الدين إلا للوالدين والمولودين والزوجة والجد والجدة في حال عدم الأبوين ومن سوى هؤلاء تجب نفقته عند اتفاق الدين لا غير لأن نفقة الولادة تجب باعتبار البعضيةوصيانة نفسه عن الهلاك واجب فكذلك صيانة بعضه فأما نفقة ذي الرحم المحرم فتجب باعتبار الصلة وإنها تجب عند اتفاق الدين
فشرط وجوب نفقة المحارم اليسار واتفاق الدين بخلاف نفقة الزوجات والوالدين والمولودين
ثم ما حد اليسار الذي يتعلق به وجوب النفقة ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه اعتبر نصاب الزكاة
وروى هشام عن محمد أنه إذا كان له فضل عن نفقة شهر له ولعياله فإنه يجب عليه نفقة ذي الرحم المحرم وإلا فلا
وروي عن محمد أنه من لا شيء له من المال وهو يكتسب كل يوم درهما ويكفي له أربعة دوانيق فإنه يرفع لنفسه وعياله ما يتسع فيه وينفق فضله على من يجبر على نفقته
وقول محمد أوفق
وأما نفقة الرقيق فسبب وجوبها الملك
ولهذا لا يجب على العبد نفقة ولده الحر لأن كسبه مال مولاه
وكذا لا يجب على الحر نفقة ولده الرقيق لأنه ملك غيره فتكون نفقته عليه
وقالوا في الجارية المشتركة إذا جاءت بولد وادعاه الموليان فنفقة هذا الولد عليهما
وعلى الولد إذا كبر نفقة كل واحد منهما لأنه أب كامل في حقه
وقالوا في المفقود إن القاضي يفرض في ماله لأبويه ولامرأته والصغار من ولده والبنات والذكور الزمنى فينصب عنه خصما ويقضي عليه بنفقة هؤلاء
وقالوا يقضي في مال المفقود للجد وولد الولد في حال عدم الأب والولد
فأما في حال قيامهما فلا يقضي لأنهم حينئذ في حكم ذوي الأرحام ولا يقضي بنفقة ذوي الأرحام في مال المفقود والله تعالى أعلم
كتاب الطلاق
يحتاج إلى بيان أنواع الطلاق وإلى بيان أحكامها فنقول الطلاق في الأصل نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة
والسنة نوعان نوع يرجع إلى العدد ونوع يرجع إلى الوقت
وكذلك طلاق البدعة نوعان أيضا يرجع إلى العدد والوقت
ثم السنة في العدد والوقت نوعان عندنا حسن وأحسن
فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه ثم يتركها حتى تنقضي عدتها أو كانت حاملا قد استبان حملها
وأما الحسن فأن يطلقها واحدة في طهر لم يواقعها فيه ثم يطلق في الطهر الآخر واحدة ثم في الطهر الثالث واحدة فتبين
وأما طلاق البدعة في الوقت فأن يطلقها في حالة الحيض أو في طهر جامعها فيه
وأما طلاق البدعة في العدد فأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة
ثم السنة التي ترجع إلى العدد تستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها لأنه إيقاع الطلاق من غير حاجة
فأما السنة في الوقت فيختلف فيها المدخول بها وغير المدخول بهافإن الطلاق في حالة الحيض يكره عليها إذا كان مدخولا بها لا غير لأن فيه تطويل العدة فأما في غير المدخلة فلا يكره لأنه لا يؤدي إلى تطويل العدة فإنه لا عدة عليها
وهذا الذي ذكرنا من السنة والبدعة قول أصحابنا وقال الشافعي لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وإنما السنة والبدعة في الوقت على ما ذكرنا
وأصل ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته في حالة الحيض فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أخطأت السنة ما هكذا أمرك الله إن من السنة أن يستقبل الطهر فيطلقها لكل قرء تطليقة
هذا الذي ذكرنا في حق ذوات الأقراء
فأما في حق الآيسة والصغيرة فطلاق السنة أن يفصل بين كل تطليقة بشهر بالإجماع
وفي حق الممتد طهرها لا يطلق للسنة إلا واحدة
وأما في الحامل فقال أبو حنيفة و أبو يوسف يطلق ثلاثا للسنة ويفصل بين كل تطليقة بشهر
وقال محمد و زفر لا يطلق للسنة إلا واحدة وهي مسألة معروفة
ثم في حق الآيسة والصغيرة إذا دخل بهما لا يكره الطلاق وإن طلقهما في طهر جامعهما فيه بل يباح له الطلاق في أي وقت شاء لأن احتمال الحبل معدوم وفي ذات الأقراء يكره لهذا
وكذلك في حق الحامل لأن الكراهة للندامة بسبب الحمل فمتى طلقها مع قيام الحمل علم أنه لم يندم
هذا الذي ذكرنا في حق الحرة فأما في حق الأمة المسلمة والكتابيةفلا يختلف الجواب في حق السنة والبدعة إلا أن في حق الأمة طلاق السنة واحدة لأن طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان
ولو طلق امرأته واحدة ثم راجعها في ذلك الطهر فله أن يطلقها ثانيا للسنة عند أبي حنيفة و زفر
وقال أبو يوسف لا يطلق
وعن محمد روايتان
وأجمعوا أنه لو أبانها في طهر لم يجامعها فيه ثم تزوجها له أن يطلقها ثانيا للسنة
فأبو حنيفة ألحق المراجعة بالتزويج والمعنى الجامع بينهما أن بالمراجعة بطل حكم الطلاق فجعل كأن لم يكن
وعلى هذا قالوا لو راجعها بالقبلة واللمس له أن يطلقها ثانيا في ذلك الطهر عند أبي حنيفة فأما إذا راجعها بالوطء فلا يطلق ثانيا لأن الوطء دليل المراجعة فيصير كما لو راجع ثم جامعها ليس له أن يطلقها
فأما إذا جامعها فحبلت جاز له أن يطلق أخرى في ذلك الطهر في قول أبي حنيفة و محمد و زفر وقال أبو يوسف لا يطلقها والصحيح قولهم لأن الكراهة لمكان احتمال الحبل فإذا علم بالحبل وطلق فالظاهر أنه لا يندم كما إذا ظهر الحبل فجامعها ثم طلقها لا يكره لما قلنا
وإذا طلق امرأته في حالة الحيض ثم راجعها ثم أراد طلاقها للسنة ذكر في الأصل أنها إذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت طلقها إن شاء
وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة
وذكر الكرخي وقال ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة وما ذكر في الأصل قولهما
وما قال أبو حنيفة هو القياس لأنه طهر لم يجامعها فيه وما ذكر في الأصل لحديث ابن عمر أن النبي عليه السلام قال لعمر مر ابنك فليراجعها ثم يدعها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم يطلقها إن شاء طاهرا من غير جماع
إذا ثبت هذا فنقول إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فإن كانت من ذوات الأقراء
وهي طاهرة من غير جماع يقع الطلاق للحال وإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه لم يقع الساعة فإذا حاضت وطهرت وقعت بها تطليقة
وإذا قال أنت طالق ثنتين للسنة أو ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر لم يواقعها فيه طلقة
ولو قال أنت طالق ثلاثا للسنة ونوى الوقوع للحال يقع عندنا خلافا ل زفر لأن السنة نوعان سنة إيقاع وسنة وقوع فإن وقوع الثلاث عرفناه جائزا مشروعا بالسنة وسنة الإيقاع ما ذكرنا فإذا نوى صحت نيته
ولو قال أنت طالق للسنة ونوى الثلاث صح لما ذكرنا أن سنة الإيقاع نوعان حسن وأحسن فإذا لم يكن له نية يقع على الأحسن وهو الطلاق الواحد في طهر لم يجامعها فيه وإذا نوى الثلاث فقد نوى إيقاعه في ثلاثة أطهار فيقع عند كل طهر واحدة كأنه قال أنت طالق ثلاثا في ثلاثة أطهار
ولو قال أنت طالق للبدعة ونوى الثلاث صح لأنإيقاعه الثلاث جملة في طهر واحد بدعة والطلاق في حالة الحيض بدعة فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته
فأما في حق الآيسة والصغيرة والحامل فإنه إذا قال أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة وعند كل شهر أخرى لقيامه مقام الطهر
وعلى هذا إذا قال أنت طالق طلاق العدة أو طلاق العدل أو طلاق الإسلام أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو أجمل الطلاق أو أعدل الطلاق أو أحسن الطلاق فالجواب فيه مثل قوله أنت طالق للسنة
ثم يتنوع الطلاق أيضا إلى نوعين آخرين رجعي وبائن
أما الرجعي فهو صريح الطلاق إذا كان واحدا أو اثنتين
والصريح ما اشتق من لفظ الطلاق نحو قولك أنت طالق وأنت مطلقة وطلقتك ونحو ذلك وكذلك إذا قال أنت الطلاق لأن المصدر قد يراد به المفعول كأنه قال أنت مطلقة وقد يراد به الفاعل فكأنه قال أنت طالق
وكذلك الألفاظ الثلاثة التي تسمى كناية نحو قولك اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة فإنه يكون رجعيا لأن قوله اعتدي إن كان بعد الدخول يقع الطلاق به بطريق الاقتضاء لأن الأمر بالاعتداد يكون بعد الطلاق فيصير الطلاق ثابتا مقتضى صحة الأمر كأنه قال طلقتك فاعتدي وإن كان قبل الدخول بها يجعل مجازا عن الطلاق
وكذا قوله استبري رحمك وقوله أنت واحدة أي أنت طالق طلقة واحدة
ثم ما كان من الصريح لا يحتاج فيه إلى النية
وأما في هذه الألفاظ الثلاثة فيحتاج إلى النية
فإن نوى بقوله أنت طالق ونظائره ثلاث تطليقات أو طلقتين لا يصح عندنا وعند زفر و الشافعي يصح
فأما إذا ذكر بلفظة الأمر بأن قال طلقي نفسك أو قال لرجل طلق امرأتي ونوى الثلاث صح
وكذلك إذا قرن به المصدر بأن قال أنت طالق طلاقا وكذا إذا ذكر المصدر وحده بأن قال أنت الطلاق ونوى الثلاث صح بالإجماع
ولا خلاف في الكنايات المنبئة عن البينونة والحرمة نحو قولك أنت بائن أنت علي حرام ونوى الثلاث فإنه يقع الثلاث والمسألة معروفة
ولو قال أنت طالق وقال أردت طلاقا عن وثاق يصدق فيما بينه وبين الله دون القضاء لأنه صرف الكلام عن ظاهره شرعا
ولو قال أنت طالق وقال أردت الطلاق عن العمل لا يصدق أصلا كذا قال أصحابنا
وروى الحسن على أبي حنيفة أنه قال يصدق فيما بينه وبين الله في الفصلين
ولو قال أنت مطلقة رجعية لا يقع بدون النية
ولو قال أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة فإنه يقف على النية إلا إذا كان في حال سؤال الطلاق منها فإنه يقع من غير نية
ولو قال يا مطلقة أو يا طالق وقال أردت به الشتم يصدق فيما بينه وبين الله دون القضاء إن لم يكن لها زوج قبله فأما إذا كان لهازوج قبله فإنه يصدق في القضاء
ولو قال أنت طالق طالق أو طلقتك طلقتك وعنى بالثاني الإخبار يصدق فيما بينه وبين الله دون القضاء
ولو قال أنت طالق فقال رجل ما قلت فقال قلت هي طالق أو قال قد طلقتها فهي واحدة في القضاء لأن الظاهر يدل عليه
وأما حكم الطلاق الرجعي فنقول إنه يوجب الحرمة وزوال الملك عند انقضاء العدة وفي الحال ينعقد سببا لزوال الملك ويتم عليه عند انقضاء العدة
وكذا ينعقد سببا لزوال حل المحلية عند انضمام الطلقة الثانية والثالثة إليه
فأما في الحال فلا يزول شيء من الحل والملك
وهذا عندنا
وعلى قول الشافعي حكمه للحال زوال حل الوطء وزوال الملك من وجه
وعلى هذا ينبني حل الوطء عندنا لقيام ملك النكاح من كل وجه وإنما يزول عند انقضاء العدة فيكون الحل قائما قبل انقضاء العدة وتكون الرجعة استدامة الملك وعنده الرجعة إنشاء النكاح من وجه واستبقاء من وجه فيقول بالحرمة احتياطا
وعلى هذا ينبني أن الإشهاد ليس بشرط في الرجعة عندنا وعنده شرط لما كان إنشاء النكاح من وجه
وأجمعوا أنه يملك المراجعة من غير رضا المرأة ومن غير مهر ومن غير تجديد العقد وهو أن يقول لامرأته راجعتك أو عبارة تقوم مقامها في هذا المعنى والأفضل أن يشهد على رجعتها وأن يعلمها بذلك
وعلى هذا إن الرجعة لا تثبت بالفعل عنده لأن إنشاء النكاح من كل وجه يكون بالقول والرجعة إنشاء من وجه فيجب أن تكون بالقول أيضا لكنا نقول عندنا تثبت الرجعة والإعادة إلى الحالة الأولى بطريق الدلالة لأن الطلاق الرجعي متى زال الملك به عند انقضاء العدة يثبت من وقت التكلم من وجه لأن الإبانة قول الزوج قوله هو الطلاق السابق فلو لم تصح الرجعة بالوطء لصار الوطء واقعا في ملك الغير من وجه فكان الإقدام على الوطء دلالة الرجعة والرد إلى الحالة الأولى احترازا عن الحرمة من وجه
وكذا إذا لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لأن ذلك حرام أيضا في غير الملك من وجه
فأما النظر إلى فرجها لا عن شهوة والنظر إلى سائر أعضائها عن شهوة فلا يوجب المراجعة لأن هذا مما يباح في الجملة
ولو جامعت الزوج وهو نائم أو مجنون تثبت الرجعة
ولو لمسته المرأة بشهوة مختلسة أو كان نائما واعترف أنه كان بشهوة فهو رجعة عند أبي حنيفة
وهو رواية عن أبي يوسف
وقال محمد ليس برجعة
وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع في الجارية المشتراة بشرط الخيار للمشتري إذا لمست المشتري بشهوة على الاختلاس فلا نعتد به
ثم إنما تصح الرجعة إذا راجعها في العدة
فلا تصح بعد انقضاء العدة لأنه زال الملك فلا بد من تجديد العقد
ولو أنها إذا طهرت من الحيضة الثالثة فقال راجعتك لا يخلو إما أن تكون أيامها عشرة أو ما دون العشرة فإن كانت أيامها عشرة فإنه لا تصح الرجعة وتحل للأزواجلأن عدتها تنقضي بمجرد مضي العشرة
فأما إذا كانت ما دون العشرة فإن اغتسلت لا تصح الرجعة وتحل للأزواج وإن كان قبل الاغتسال فلا تحل للأزواج وتصح الرجعة لأن مدة الاغتسال من الحيض بإجماع الصحابة
ولو اغتسلت بسؤر حمار فلا تصح الرجعة ولا تحل للأزواج لأن سؤر الحمار مشكوك فيه فكان الاحتياط في باب الحرمة أن لا تصح الرجعة ولا تحل للأزواج
ولو اغتسلت وبقي في بدنها عضو كانت له الرجعة وإن كان أقل من عضو فلا رجعة وهذا استحسان والقياس أنه إذا بقي أقل من عضو أن تبقى الرجعة لأن الحدث باق حتى لا تحل لها الصلاة هكذا روي عن أبي يوسف وقال محمد الاستحسان في العضو أنه لا تنقطع الرجعة والقياس أنه تنقطع كما في المضمضة والاستنشاق إلا أنهم استحسنوا وقالوا لا تنقطع الرجعة لأن وجوب غسل العضو مجمع عليه فلا يكون الاغتسال معتبرا معه كما لو زاد على العضو
فأما إذا بقي المضمضة أو الاستنشاق فقد روي عن محمد أنه قال تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج لأن المضمضة مختلف في وجوبها فكان الاحتياط أن تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج
هذا الذي ذكرنا حكم الاغتسال
ولو مضى وقت صلاة كامل قبل أن تغتسل فإنه تنقطع الرجعة
لأن الصلاة صارت دينا فيكون لها حكم الطاهرات مطلقا
فأما إذا تيممت بأن كانت مسافرة فإن صلت تنقطع الرجعة أيضا فأما بنفس التيمم فعند أبي حنيفة و أبي يوسف لا تنقطع
وعند محمد و زفر تنقطع والمسألة معروفة
ولو قال الزوج قد كنت راجعتك أمس وكذبته المرأة فإن كانت في العدة فالقول قوله لأنه أخبر بما يملك إنشاءه للحال
وإن قال بعد انقضاء العدة وكذبته المرأة فالقول قولها لأنه أخبر بما لا يملك للحال إنشاءه ولا يمين عليها عند أبي حنيفة خلافا لهما وهذه من جملة المسائل السبعة التي لا يستحلف فيها عنده
فإن قال قد راجعتك فقالت مجيبة قد انقضت عدتي فالقول قولها عند أبي حنيفة وقالا القول قول الزوج والمسألة معروفة
ومن حكم الطلاق الرجعي أن تكون الأقراء محسوبة من العدة لأن الطلاق واقع في حق أحد الحكمين وهو انعقاده سببا لزوال حل التزوج
وأما الطلاق البائن فنذكر أقسامه وأحكامه فنقول الطلاق البائن أقسام ثلاثة أحدها أن يقترن بصريح الطلاق ما يدل على البينونة والثاني أن يكون اللفظ منبئا عن البينونة والثالث ما يقع به البينونة من طريق الحكم
أما الأول فنقول إذا اقترن بالصريح العدد الثلاث بأن قال أنت طالق ثلاثا أو اقترن باللفظ المنبىء عن البينونة صفة للمرأة من غير حرف العطف كقوله أنت طالق بائن أو طالق البتة أو أنت طالق حرام
وعن أبي يوسف أنه إذا قال أنت طالق للبدعة ونوى واحدةبائنة تكون بائنة وروى هشام عن محمد في هذه المسألة أنه واحدة رجعية
ولو قال أنت طالق أقبح الطلاق روي عن أبي يوسف أنه رجعي وقال محمد أنه بائن
والقسم الثاني أن يوقع بألفاظ دالة على البينونة والقطع والحرمة وهي تسمى كنايات الطلاق
وهي في الجملة أقسام ثلاثة منها ما يصلح للشتم والتبعيد والطلاق ومنها ما يصلح للطلاق والتبعيد ولا يصلح للشتم ومنها ما لا يصلح للطلاق
والأحوال ثلاثة حال ذكر الطلاق وحال الغضب وحال ابتداء الزوج بالطلاق ليس بحال سؤال الطلاق ولا حال الغضب
وههنا حكمان أحدهما أن وقوع الطلاق بهذه الألفاظ يفتقر إلى نية الطلاق أم لا والثاني إذا قال المتكلم ما عنيت بهذا اللفظ الطلاق هل يصدق أم لا فنقول أما بيان الحكم الأول إذا ذكر لفظا يصلح للطلاق في غير حال مذاكرة الطلاق وحال الغضب كيفما كان فإذا نوى به الطلاق يقع وإن لم يكن له نية لا يقع لأنه كما يصلح للفرقة لأمر آخر فإن قوله بائن يحتمل بينونة الطلاق ويحتمل البينونة عن الخير أو عن الشر
وكذلك قوله اذهبي واغربي والحقي بأهلك فإنه كمايصلح للطلاق يصلح للإبعاد عن نفسه والتغريب من غير طلاق محتمل والمحتمل لا يقع بدون النية
وإن كان لفظا لا يصلح للطلاق فإنه لا يقع به الطلاق وإن نوى لأن الطلاق يقع باللفظ لا بالنية كقوله اسقني واقعدي وأعرضت عن طلاقك وصفحت عن فراقك وتركت طلاقك وخليت سبيل طلاقك ونحو ذلك
وأما في حال ذكر الطلاق وحال الغضب ففي تسعة ألفاظ من الكنايات يقع الطلاق بلا نية وهي قوله أنت بائن وأنت علي حرام وخلية وبريئة وبتة وأمرك بيدك واختاري واعتدي واستبري رحمك لأن هذه الألفاظ كما تصلح للطلاق تصلح لغيره والحال يدل على الطلاق ظاهرا لأنه حال سؤال الطلاق وحال الغضب والخصومة فكان الظاهر أنه قصد الطلاق بذلك فرجح جانب الطلاق على غيره
وأما في سائر الألفاظ نحو قولك لا سبيل لي عليك وفارقتك وخليت سبيلك ولا ملك لي عليك والحقي بأهلك ووهبتك لأهلك واغربي واخرجي واذهبي وقومي واستتري وتقنعي وتزوجي ولا نكاح عليك ونحو ذلك فلا يقع إلا بالنية لأنه كما تصلح للطلاق تصلح للتبعيد عن نفسه والإنسان قد يبعد امرأته من غير طلاق فلا بد من النية
وأما الحكم الثاني وهو أنه إذا قال ما عنيت به الطلاق هل يصدق فنقول في كل لفظ يصلح للطلاق يصدق فيما بينه وبين الله لكونه محتملا فأما في القضاء فهل يصدق فهو على أقسام ثلاثةقسم منه لا يدين في الأحوال كلها وهو أربعة ألفاظ قوله أمرك بيدك واختاري واعتدي واستبري رحمك لأن هذه الألفاظ لا تصلح للشتم ولا للتبعيد فالظاهر منها الطلاق والحال يدل عليه فلا يصدق في القضاء
وقسم منه يدين في حال الغضب ولا يدين في حال ذكر الطلاق وذلك في كل لفظ يصلح للشتم وهي خمسة ألفاظ أنت خلية برية بتة باين أنت علي حرام لأن هذه الألفاظ تصلح للشتم وتصلح للطلاق وحال الغضب يصلح للأمرين جميعا فكان الحال محتملا واللفظ محتملا للطلاق وغيره فلا يكون قوله خلاف الظاهر فيصدق وأما في حال ذكر الطلاق فذكر هذه الألفاظ مع الرضى لا يصلح إلا للطلاق فحمل عليه دون الشتم
وقسم منه يدين في حال الغضب وحال ذكر الطلاق وهي الألفاظ التي تصلح للتبعيد والطلاق دون الشتم لأن هذه الألفاظ تصلح للتبعيد وتصلح للطلاق فلا يترجح أحد الأمرين بالحال وقد نوى ما يحتمله كلامه والظاهر لا يخالفه فيصدق في القضاء
والقسم الثالث وأما البائن الذي يقع حكما فكثير كاعتراض حرمة المصاهرة والرضاع واللعان والردة ونحوها لأن الغرض هو المفارقة بينهما فلا بد من ثبوت البينونة لكن بعضها يكون طلاقا بالإجماع بين أصحابنا وبعضها يكون فسخا بالإجماع وبعضها مختلف فيه
أما الأول فكالفرقة بالإيلاء فإذا مضت مدة الإيلاء بانت بتطليقة بائنة عندنا لأنه حصل بقول الزوج وكتفريق القاضي بسبب العنةفإن القاضي نائب عن الزوج في التفريق الواجب عليه
وأما ما يكون فسخا بالإجماع فكالفرقة التي تقع بحرمة مؤبدة مثل حرمة المصاهرة وحرمة الرضاع لأنها خلاف حكم الطلاق
وكذلك كل فرقة حصلت بفعل المرأة أو حصلت لا بفعل الزوجين فهي فسخ لأن المرأة لا تملك الطلاق والطلاق لا بد له من قول الزوج وذلك نحو اختيار الأمة المعتقة نفسها أو اختيار الصغيرة إذا أدركت وردة المرأة وإباؤها الإسلام بعد إسلام زوجها والفرقة الواقعة باختلاف الدارين لأنه ليس فعل أحد وكذا إذا ملك أحد الزوجين صاحبه لأنه تقع الفرقة بلا فعل وكذا إذا أسلم الحربي وتحته أكثر من أربع نسوة فاختار أربعا منهن تقع الفرقة على الباقيات بغير طلاق لأن الحرمة تثبت شرعا واختيار الزوج للبيان لا أنه طلاق وكذا اختيار الصغير نفسه بعد البلوغ وإن كان فعله لأنه رفع النكاح من وجه والفسخ يثبت بطريق الضرورة
وأما المختلف فيه فنحو الفرقة بسبب اللعان عند أبي حنيفة و محمد تكون طلاقا وعند أبي يوسف تكون فسخا لأنه يثبت به حرمة مؤبدة عنده خلافا لهما
وكذا ردة الزوج عند أبي حنيفة و أبي يوسف فرقة بائنة بغير طلاق
وقال محمد هي طلاق بائن
وإباء الزوج الإسلام إذا أسلمت امرأته الذمية فهو طلاق بائن عند أبي حنيفة و محمد وعند أبي يوسف فرقة بائنة بغير طلاق
ف محمد سوى بينهما وجعلهما طلاقا بائنا
و أبو يوسف جعلهما فسخا
و أبو حنيفة فرق بينهما فقال ردة الزوج فسخ وإباؤه الإسلام طلاق
وأما بيان أحكام الطلاق البائن فنقول منها إن كان واحدا يزول به ملك النكاح وتبقى المرأة محلا للنكاح بطلاقين حتى لا يحل له الاستمتاع بها ولا يصح الظهار والإيلاء ولا يجري التوارث ولا تحل إلا بتجديد النكاح ولو وطئها لا يجب الحد لاختلاف الصحابة في الكنايات إنها بوائن أو رواجع وأصحابنا أخذوا بقول من قال إنها بوائن
و الشافعي أخذ بقول من قال إنها رواجع
وإن كانت البينونة بالثلاث يزول الملك وحل المحلية جميعا حتى لا يحل له وطئها إلا بعد إصابة الزوج الثاني
وإن وجد عقد النكاح أو ملك اليمين فإن النكاح لا يصح لعدم حل المحلية وبسبب ملك اليمين يصح ولا يفيد الحل
ومنها أن المبانة والمختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة عندنا خلافا للشافعي
وأجمعوا أنه لا تلحقها الكنايات المزيلة للنكاح والمسألة معروفة
ومنها أن الطلاق البائن هل يكره إذا خلا عن العدد والعوض فيه روايتان في ظاهر الرواية لا يكره
وفي رواية الزيادات يكره
وإذا اقترن به العدد يكره بالإجماع
وإذا اقترن به العوض وهو الخلع لا يكره على ما نذكر
ثم وقوع الطلاق بما ذكرنا من الألفاظ يستوي فيه الجواب بين أن وجد من الزوج أو من نائبه وهو الوكيل والرسول
وكذلك إذا كتب وهو أنواع إن لم يكن مستبين الحروف كما إذا كتب على الماء والهواء فهذا ليس بشيء لأنه لا يسمى كتابة
وإن كان مستبين الخط ولكن لا يكون على رسم الكتابة بأن كانت على لوح أو حائط أو أرض فهو في حكم الكتابة ولأن الإنسان قد يكتب لتجربة الخط ولتجربة الحبر والقلم فإن نوى الطلاق يقع وإلا فلا
فأما إذا كان على رسم الكتابة والرسالة بأن يكتب أما بعد يا فلانة إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق فإنه يقع الطلاق به ولا يصدق إذا قال لم أرد به الطلاق لأن الكتاب من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر
ثم إذا كتب مطلقا وقال أنت طالق على رسم الكتابة يقع الطلاق كما كتب ولا يتوقف على الوصول إليها
وإن علقه بشرط الوصول بأن قال إذا وصل إليك كتابي فإنه لا يقع الطلاق ما لم يصل الكتاب إليها لأن المعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده
هذا الذي ذكرنا في حكم الصحيح فأما المريض إذا طلق وهو صاحب الفراش طلاقا رجعيا أو بائنا أو ثلاثا ثم مات من ذلك المرض وهي في العدة فإنها ترث عندنا خلافا للشافعي
والقياس معه لكنا استحسنا بإجماع الصحابة
ولو زال المرض ثم نكس المريض ومات وهي في العدة لم ترثه لأنه تبين أنه ما طلق في مرض الموت
باب تفويض الطلاق
ههنا فصول أربعة أحدها أن يقول لامرأته أمرك بيدك والثاني أن يقول لها اختاري والثالث أن يقول أنت طالق إن شئت والرابع أن يقول طلقي نفسك
أما الأول فهو نوعان إما أن يكون مطلقا أو مؤقتا
أما إذا قا أمرك بيدك مطلقا ولم يوقته بوقت ويريد به الطلاق فإنه يصير أمرها بيدها ويصير الطلاق مفوضا إليها وتصير مالكة للتطليق ما دامت في مجلسها ذلك وإن طال
وهذا إذا كانت حاضرة وسمعت الأمر من الزوج وعلمت به
فأما إذا كانت غائبة أو حاضرة ولم تسمع فلها الخيار في مجلس بلغ إليها الخبر فيه وعلمت بذلك لأن هذا تمليك الطلاق والتمليك يقتصر جوابه على المجلس ويكون مؤقتا به كما في قبول البيع
وإذا صار الأمر في يدها فإن اختارت نفسها في المجلس تقع واحدة بائنة إذا أراد الزوج به طلاقا واحدا أو اثنين
فإن أراد الزوجثلاثا فهي ثلاث لأن هذا اللفظ من الكنايات فيحتمل الثلاث فلا بد من نية الطلاق على التفصيل الذي ذكرنا
وكذلك إذا قالت طلقت نفسي أو أبنت أو أنا منك بائن أو طالق أو قالت أنت علي حرام أو أنت مني بائن فإنه يكون جوابا لأن هذه الألفاظ للطلاق
فأما إذا وجد منها كلام أو فعل يدل على الإعراض عن اختيار النفس فإنه يبطل خيارها ويخرج الأمر من يدها وذلك نحو أن تقوم من مجلسها ذلك إذا سمعت بالخيار إن كانت قاعدة أو كانت قائمة فركبت وإن كانت سائرة فإن أجابت على الفور أو وقفت للتأمل في ذلك وإلا فيبطل خيارها لأن ذلك دليل الإعراض
وكذلك إذا اشتغلت بافتتاح الصلاة أو بالأكل والشرب حتى يكون ذلك مجلس الأكل والشرب
فأما إذا أكلت شيئا يسيرا أو شربت شربة فلا يعتبر
فإن قالت ادعوا لي أبواي حتى أستشيرهما أو ادعوا لي شهودا أشهدهم عليه لم يبطل خيارها لأنها تحتاج إلى ذلك فلا يكون دليل الإعراض
ثم إذا اختارت نفسها مرة ليس لها أن تختار ثانيا ويبطل الخيار لأنه فوض إليها الخيار مرة واحدة
وكذلك لو قال لها أمرك بيدك إن شئت
فأما إذا قال أمرك بيدك كلما شئت فيكون الأمر في يدها في ذلك المجلس وغيره حتى تبين بثلاث لأن كلمة كلما تقتضي التكرار لكنها لا تطلق نفسها في المجلس إلا مرة واحدة كأنه قال لها في كل مجلس أمرك بيدك فما لم يتجدد المجلس لا يتجدد الخيار
وكذلك إذا قال لها أمرك بيدك إذا شئت أو متى شئت أو ما شئت أو متى ما شئت فلها الخيار في المجلس وغيره كأنه قال لها اختاري في أي وقت شئت إلا أنه يكون لها الخيار مرة لأن هذه الألفاظ لا توجب التكرار
فأما إذا كان الأمر باليد موقتا بأن قال أمرك بيدك يوما أو شهرا أو سنة أو هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذه السنة فلها الأمر في جميع ذلك الوقت وإعراضها عن الجواب في ذلك المجلس وغيره واشتغالها بغير الجواب من الأعمال والأقوال لا يبطل خيارها ما بقي شيء من ذلك الوقت لأنه فوض الطلاق إليها في جميع ذلك الوقت غير أنه إذا كان الوقت منكرا كقوله يوما أو شهرا فلها الخيار من ساعته التي تكلم إلى أن يتم الوقت ويكون الشهر بالأيام
فأما إذا عين فقال هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذه السنة فلها الخيار في بقية اليوم والشهر والسنة
ولو لم تعلم بالوقت حتى مضى يبطل خيارها ولا يتوقف ثبوت الخيار على الوقت الذي علمت به لأنه أثبت الخيار في زمان مقدر فينتهي بانتهاء الوقت إذ لو بقي لزاد على مقدار الوقت وفي الأمر باليد مطلقا يتوقف على مجلس العلم فيشترط علمها بذلك لأنه ما قيده بالوقت
ولو اختارت زوجها في أول الشهر أو في أول السنة ثم أرادت أن تختار نفسها بعد ذلك فلها في ذلك قول أبي حنيفة و محمد لأنه جعل إليها الخيار في جميع المدة واختيارها للزوج في اليوم إبطال للخيار فيه فلا يوجب بطلان الخيار في يوم آخر في ذلك الوقت كما إذا أعرضت عن الجواب في يوم إذا اشتغلت بأمور كثيرة فيبطل خيارها في ذلك اليوم لا في باقي المدة كذا هذا
وقال أبو يوسف يخرج الأمر من يدها في الشهر كله لأن هذاتمليك واحد في أشهر فيبطل برد واحد كتمليك البيع
وكذلك الخلاف في قوله أمرك بيدك كلما شئت وإذا شئت ومتى شئت وقالوا أيضا إن الخلاف على عكس هذا
وأما الفصل الثاني إذا قال لها اختاري فنقول الجواب في هذا وفي قوله أمرك بيدك سواء في جميع الأحكام إلا في موضعين أحدهما أن الزوج إذا أراد به الثلاث لا يقع وفي قوله أمرك بيدك يقع لأن ذلك من كنايات الطلاق وأما قوله اختاري فليس من ألفاظ الطلاق وإنما هو تفويض الطلاق بلفظ لا يقتضي التكرار
والثاني أنه لا بد من ذكر النفس ههنا في أحد الكلامين بأن يقول الزوج اختاري نفسك أو قالت اخترت نفسي إذا قال الزوج اختاري لا غير
وأما إذا قال اختاري فقالت اخترت لا يكون شيئا
وكذلك إذا قرن بالخيار ما يوجب الاختصاص باختيار الطلاق فهو كاف بأن قال اختاري الطلاق أو اختاري اختيارة
ثم المرأة إذا قالت اخترت نفسي أو طلقت نفسي يكون جوابا
ولو قالت اخترت أمي أو أبي أو أهلي أو الأزواج فالقياس أن لا يقع به شيء وفي الاستحسان يقع لأن المرأة عند الطلاق تلحق بهؤلاء فصار اختيارها لذلك دلالة اختيار الطلاق كأنها قالت اخترت الطلاق
الفصل الثاني إذا قال أنت طالق إن شئت فالجواب فيه مثل الجواب في أمرك بيدك في جميع الأحكام إن كان مطلقا فعلى المجلس وإن كان مؤقتا فثابت في جميع الوقت كما ذكرنا في الخيار
إلا أن هنا يقع الطلاق الرجعي وثم يقع بائنا إلا إذا قال لها أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة واختارت نفسها يقع رجعيا لأنه فوض إليها الرجعي
وكذلك إذا قال أنت طالق إن أردت أو رضيت أو هويت أو أحببت فإذا قالت شئت أو أردت في المجلس يقع الطلاق وإن كان لا يعرف مشيئتها حقيقة لأن الحكم متعلق بالإخبار عن المشيئة والإرادة ولهذا إذا قال لها إن كنت تحبيني أو تبغضيني فأنت طالق فقالت أحبك وفي قلبها بخلافه يقع ويعتبر الخبر لا حقيقة المحبة
وكذلك إذا قال لها إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار أو تكرهين دخول الجنة فأنت طالق فقالت إني أحب العذاب بالنار وأكره الجنة وقع الطلاق لوجود الخبر
ولو قال إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق فقالت أحبك وفي قلبها بخلافه يقع الطلاق عند أبي حنيفة و أبي يوسف لما ذكرنا وعند محمد لا يقع لأنه علقه بحقيقة فعل القلب ولم يوجد
وأما الفصل الرابع إذا قال طلقي نفسك فالجواب فيه مثل الأول لأن هذا تمليك الطلاق منها بخلاف ما إذا قال لأجنبية طلقي امرأتي حيث لا يقتصر على المجلس وفي قوله طلقي نفسك يقتصر على المجلس لأن ذلك توكيل وفي حقالمرأة تمليك إلا أن الفرق أن في قوله طلقي نفسك إذا أراد الزوج الثلاث يقع ثلاث وفي قوله أنت طالق إن شئت فقالت شئت إذا أراد الثلاث لا يقع
ولو قال اختاري فقالت طلقت يقع
ولو قال طلقي نفسك فقالت اخترت لا يقع لأن قولها اخترت ليس من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنها لو قالت اخترت نفسي فبلغ الزوج وأجاز لا يقع به شيء
ولو قالت طلقت نفسي فأجاز الزوج يقع وإنما صار جوابا لقوله اختاري وأمرك بيدك بالنص والإجماع بخلاف القياس فاقتصر عليه
ثم في هذه الفصول إذا أراد الزوج أن يعزلها ويخرج الأمر من يدها ويرجع عن ذلك لا يصح وكذلك لو نهاها عن ذلك لأن هذا تفويض الطلاق وتمليك له والطلاق لا يحتمل الفسخ فإيجابه كذلك
وكذلك إذا قال طلقي نفسك أو طلقي نفسك إن شئت فقالت شئت لا يقع شيء
ولو قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت يقع لأن ثمة أمرها بالتطليق ولم يوقع وهنا علق الطلاق بمشيئتها وقد أتت بالشرط
باب الاستثناء
وغيره في الباب فصول مختلفة الأول فصل الاستثناء إذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فإن كان موصولا لا يقع الطلاق وإن كان مفصولا يقع سواء قدم الاستثناء على لفظ الطلاق أو أخر لأن قوله إن شاء الله تعليق الطلاق بمشيئة الله وإنها لا تعرف
ثم الاستثناء المفصول أن يفصل المتكلم بين الاستثناء وما قبله بسكوت أو بكلام آخر
فإذا انقطع الكلام بالتنفس فلا عبرة به لأنه لا يمكن الاحتراز عنه
ولو حرك لسانه بالاستثناء وأتى بحروفه على الوجه لكنه لم يسمع يكون استثناء لأن هذا كلام وليس الشرط هو السماع ألا ترى أن الأصم يصح استثناؤه وإن لم يسمع هو
ولو قدم الاستثناء فقال إن شاء الله فأنت طالق يصح استثناؤه بالإجماع
أما إذا قال إن شاء الله أنت طالق يصح على قول أبي حنيفةو أبي يوسف وعند محمد لا يصح هو يقول هذا استثناء منقطع وهما يقولان إن الفاء ههنا مضمر بدلالة الاستثناء
ولو قال أنت طالق إن شاء فلان فهو معلق بمشيئته فإن شاء في مجلس العلم يقع
وإن علق بمشيئة من لا تعلم مشيئته من العباد مثل الملائكة والجن والشياطين فإنه يصح الاستثناء حتى لا يقع الطلاق كما إذا قال أنت طالق إن شاء الله لأنه لا يعلم
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو اثنتين يصح الاستثناء لأن هذا استثناء البعض من الجملة فيكون تكلما بالباقي
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا يقع الثلاث ويبطل الاستثناء لأنه استثنى الكل
ولو قال أنت طالق عشرة إلا تسعا يقع واحدة وإن قال إلا ثمانية تقع ثنتان
وإن قال إلا سبعا يقع ثلاثا وكذا لو نقص عن السبع يكون ثلاثا لأنه تكلم بالباقي كأنه قال أنت طالق واحدة فتقع واحدة أو قال أنت طالق ستا فيقع ثلاثا
والفصل الآخر إذا قال أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة تقع واحدة لأن الطلاق لا يتجزأ فيتكامل
ولو قال أنت طالق نصفا وربع تطليقة يقع ثنتان
ولو قال نصف تطليقة وربعها يقع واحدة لأنه أضاف إلى الأول
ولو قال نصفك طالق أو ربعك طالق يصح لأن الإضافةإلى الجزء الشائع كالإضافة إلى الكل
والحاصل أنه إذا أضاف الطلاق إلى جزء شائع أو إلى جزء جامع يقع بأن كان ذلك الجزء يعبر به عن جميع البدن في الاستعمال نحو أن يقول رأسك طالق أو فرجك أو رقبتك أو وجهك
فأما إذا أضاف الطلاق إلى جزء لا يعبر به عن جميع البدن بأن قال يدك أو رجلك أو ظهرك أو بطنك طالق فإنه لا يقع عندنا وعند الشافعي يقع والمسألة معروفة
والفصل الآخر طلاق المكره صحيح عندنا خلافا للشافعي
وكذلك طلاق السكران واقع سواء سكر بالخمر أو بالنبيذ
وعلى أحد قولي الشافعي لا يقع وهو اختيار الطحاوي
وأجمعوا أنه إذا شرب البنج أو الدواء فسكر وزال عقله فطلق لا يقع
والصحيح قولنا لأنه زال العقل بسبب هو معصية لتلذذه بذلك فيجعل قائما عقوبة عليه بخلاف شرب الدواء ولهذا قالوا إن المكره على شرب الخمر أو المضطر إذا شرب فسكر فإن طلاقه لا يقع لأن هذا ليس بمعصية وبعض المشايخ قالوا يقع لأنه حصل بسبب له فيه لذة
وعن محمد أن من شرب النبيذ فلم يزل عقله فصدع وزال عقله بسبب الصداع فطلق امرأته قال لا يقع
وعلى هذا طلاق الهازل وطلاق الخاطىء واقع وهو أن يريد الرجل غير الطلاق فسبق على لسانه الطلاق والعتاق
وذكر الكرخي أن في العتاق عن أبي حنيفة روايتين
فصل آخر لا خلاف أن تنجيز الطلاق
لا يصح إلا في الملك
فأما التعليق في الملك فصحيح بالإجماع بأن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق
وأما التعليق بالملك بأن قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فإنه يصح عندنا وعند الشافعي لا يصح وكذلك إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق
وقال مالك إن عم لا يجوز وإن خص جاز
والصحيح قولنا لأن تعليق الطلاق ليس بطلاق للحال وإنما هو إيقاع الطلاق عند وجود الشرط وملك النكاح قائم في ذلك الوقت فيصح
ثم إذا علق الطلاق في النكاح ثم وجد الشرط فإن كانت منكوحة يقع الطلاق وتنحل اليمين
وإن كانت مبانة وهي في العدة عند الشرط يقع الطلاق أيضا عندنا لأن المبانة والمختلعة يلحقها صريح الطلاق عندنا
وإذا انقضت عدتها فوجد الشرط تنحل اليمين لا إلى الجزاء
ولو علق ثلاث تطليقات في الملك ثم طلقها ثلاثا يبطل التعليق عند أصحابنا الثلاثة
وعند زفر لا يبطل حتى لو تزوجت بزوج آخر وعادت إليه بعد إصابة الزوج الثاني وطلاقه ثم وجد الشرط لا يقع شيء عندنا خلافا له
ولو طلقها واحدة أو اثنتين فتزوجت بزوج آخر فوطئها وعادت إليه فوجد الشرط فإنه يقع ثلاث تطليقات عند أبي حنيفة و أبي يوسف
وعند محمد يقع بقدر ما بقي من الطلاق المملوك بالنكاح الأول ولقب المسألة أن إصابة الزوج الثاني هل تهدم الطلقة والطلقتين أم لا والمسألة معروفة
فصل آخر إذا قال لامرأته أنت علي حرام
أو قال حرمتك على نفسي أو أنت محرمة علي يرجع إلى نيته فإن أراد به الطلاق يقع بائنا على ما ذكرنا
وإن نوى التحريم ولم ينو الطلاق أو لم يكن له نية فهو يمين ويصير موليا
وإن قال أردت به الكذب فليس بيمين فيما بينه وبين الله تعالى ويصدق في ذلك لأن الخبر محتمل ولكن لا يصدق في إبطال اليمين في القضاء لأن هذا اللفظ صريح في اليمين شرعا
ولو نوى بالحرام الظهار فهو ظهار عند أبي حنيفة و أبي يوسف
وعند محمد هو إيلاء وليس بظهار
وأما إذا قال ذلك في غير المرأة من الطعام والشراب وكلام فلان فإنه يكون يمينا عندنا خلافا للشافعي
ولقب المسألة أن تحريم الحلال يمين أم لا فإذا فعل شيئا مما حرمه قليلا كان أو كثيرا يحنث في يمينه
فأما إذا قال كل حل علي حرام أو قال حل الله علي حرام ولا نية له فإنه يقع على الطعام والشراب خاصة لأن هذا لا يمكن العمل بعمومه لأنه لا يراد به في العرف التنفس وفتح العينين والتحرك فيقععلى الحلال المعتاد وهو الأكل والشرب
فإن نوى مع ذلك اللباس أو امرأته يقع على الأكل والشرب واللباس والمرأة فأي شيء فعل من ذلك وحده يحنث في يمينه ويلزمه الكفارة لأن الطعام والشراب دخلا بحكم العادة واللباس والمرأة بنيته واللفظ صالح له فيصح
فإن نوى بقوله كل حل علي شيئا بعينه دون غيره فإن نوى به الطعام خاصة أو الشراب خاصة أو اللباس خاصة أو امرأته خاصة فهو على ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لأن هذا يقع على أخص الخصوص لتعذر العمل بعمومه فإذا عين ذلك صح إذ التخصيص ترك العمل بالعموم وهذا متروك
ثم في الموضع الذي يدخل امرأته والطعام والشراب في قوله كل حل علي حرام ونوى الطلاق في امرأته فإنه لا يحنث لأنه لا يمكن العمل بعمومه لأن هذا كلام واحد لا يتناول اليمين والطلاق جميعا
ولو قال أنت علي كالميتة والدم أو كلحم الخنزير أو كالخمر فإن أراد به الكذب صدق لأنه ليس بصريح في اليمين بخلاف قوله أنت علي حرام
وإن أراد به التحريم فهو إيلاء
وإن نوى الطلاق فهو كقوله أنت علي حرام لأنه شبهها بالمحرم فكأنه قال أنت علي حرام وبمثله لو قال أنت علي كمال فلان ونوى به الطلاق لا يصح لأن عين المال ليس بحرام
باب الخلع
الخلع طلاق عندنا
وقال الشافعي هو فسخ في أحد القولين
ولهذا قلنا إن من قال لامرأته خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطلاق كان طلاقا بائنا
ولو نوى الثلاث صح لأنه من كنايات الطلاق إلا أنه في عرف الشرع عند الناس صار عبارة عن الطلاق بعوض فيصير حقيقة عرفية حتى ينصرف إليه مطلق الكلام حتى إن الرجل إذا قال لغيره اخلع امرأتي فخلعها بغير عوض لا يصح ويكون موقوفا على إجازة الزوج فإن أجاز يكون طلاقا بائنا
وقالوا لو قال لامرأته اخلعي نفسك فقالت خلعت نفسي بألف درهم وقف على إجازة الزوج
ولهذا قالوا إن من قال لامرأته خالعتك على ألف درهم فقبلت وقال الزوج لم أنو به الطلاق لم يصدق لأنه إنما يكون كناية عند خلوه عن المال فلا بد من النية فأما إذا كان على مال فلا حاجة إلى النية
ثم الخلع على المال يفتقر إلى الإيجاب والقبول حتى تقع به الفرقة ويستحق به الزوج العوض عليها إلا أنه في جانب الزوج في معنى اليمين وفي جانبها في معنى المعاوضة حتى إن الزوج إذا قالخالعتك على ألف درهم لم يصح رجوعه عن ذلك ولم يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها ولم يقف على حضرتها المجلس بل يجوز وإن كانت غائبة فإذا بلغها الخبر فلها القبول في مجلسها
ويجوز أن يعلق ذلك بشرط أو بوقت فيقول إذا جاء غد فقد خالعتك على ألف درهم وإذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف درهم والقبول إليها بعد مجيء الوقت وقدوم زيد فإن قبلت قبل ذلك لم يجز
فأما إذا ابتدأت المرأة فقالت خالعت نفسي منك بألف درهم فهو بمنزلة البيع في جانبها حتى يصح منها الرجوع عنه قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ولا يقف على غائب ولا يجوز تعليقه بشرط ولا بوقت كالبيع سواء
وعلى هذا الأصل قال أبو حنيفة إذا خالعها وشرطت لنفسها الخيار جاز خلافا لهما
وإذا ثبت تفسير الخلع شرعا فنقول لا يخلو إما أن يخالعها على مثل العوض الذي أخذت أو أقل أو أكثر والنشوز والكراهة من قبل الزوج أو من قبل المرأة فنقول إن كان النشوز من جهة الزوج فلا يحل له أن يأخذ شيئا منها بل له أن يطلقها بلا عوض لقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }
وإن كان النشوز من جهتها يجوز له أن يأخذ منها جميع ما استحقت عليه بالعقد ولا تحل له الزيادة على ذلك فيظاهر الرواية
وفي رواية يحل له أخذ الزيادة وهذا في حق الديانة والتنزه فأما في الحكم فإذا تخالعا على الزيادة من المهر فإنه يلزم وتؤمر بالأداء إليه
ثم الخلع جائز بكل بدل يصلح مهرا ويلزم المرأة أداؤه إلى الزوج
وما ذكرنا في المهر أن الزوج فيه بالخيار بين أن يعطي عينه أو قيمته ففي الخلع المرأة بالخيار كما في العبد الوسط ونحوه
وكل ما لا يجوز أن يكون مهرا لحرمته كالخمر والخنزير والميتة والدم والحر لا يجوز أن يكون بدلا في الخلع
لكن إذا قبل الزوج ذلك في الخلع تقع الفرقة بينهما ولا شيء على المرأة من الخلع ولا يجب عليها أن ترد من مهرها شيئا لأن هذه الأشياء لا تصلح عوضا في حق المسلمين والزوج رضي بما لا قيمة له والبضع في حال الخروج عن ملكه لا قيمة له حتى تجب القيمة فلا يرجع عليها بشيء بخلاف النكاح فإن ثمة يجب مهر المثل لأن البضع متقوم في حال الدخول في ملك الزوج
ثم الطلاق على المال والخلع في الأحكام سواء إلا في فصل واحد وهو أن الخلع متى وقع على عوض لا قيمة له لا يجب العوض ولا قيمة البضع ويكون الطلاق بائنا لأن الخلع من كنايات الطلاق وأما الطلاق بعوض لا قيمة له إذا بطل العوض فالطلاق يكون رجعيا لأن صريح الطلاق يكون رجعيا
وإنما ثبتت البينونة لأجل العوض فإذا بطل العوض بقي مجرد صريح الطلاق فيكون رجعيا
ولو خلعها على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي فنقول إن الخلع على الحكم خلع بتسمية فاسدة لما فيه من الجهالةالفاحشة والخطر فيجب الرجوع إلى مهرها المستحق بالعقد
ثم إن كان الخلع على حكم الزوج فإن حكم بمقدار المهر أو أقل أجبرت على التسليم إلى الزوج لأنه حكم بالمستحق أو حط بعضه وهو يملك حط بعضه لكونه حقا له وإن حكم بأكثر من المهر لم يلزمها الزيادة لأنه أوجب لنفسه أكثر من المستحق بالعقد فلا يصح إلا برضاها
وأما إذا كان الحكم إليها فإن حكمت بمهر المثل أو أكثر جاز وأجبر الزوج على القبول لأنها قضت بالمستحق أو زادت عليه وهي تملك إيفاء الزيادة
وإن حكمت بأقل من المهر لم يجز إلا برضا الزوج لأنها حطت بعض ما عليها حقا لزوج وهي لا تملك حط حق الغير
فأما إذا كان الحكم إلى أجنبي فإن حكم بمهر المثل جاز وإن حكم بزيادة أو نقصان لم تجز الزيادة إلا برضا المرأة ولا يجوز النقصان إلا برضا الزوج لأن الأجنبي لا يملك إسقاط حق واحد منهما
باب الإيلاء
يحتاج في الباب إلى تفسير الإيلاء لغة وشرعا وإلى بيان حكم البر في الإيلاء وإلى بيان الفيء وحكم الحنث
أما الأول فالإيلاء في اللغة اليمين وفي الشرع عبارة عن اليمين على ترك الوطء في الزوجة مدة مخصوصة بحيث لا يمكنه الوطء إلا بحنث يلزمه بسبب اليمين
وقد كان الإيلاء طلاقا في الجاهلية فجعله الشرع طلاقا معلقا بترك وطء الزوجة مدة مخصوصة كأن الزوج قال لامرأته الحرة إن لم أقربك أربعة أشهر فأنت طالق بائن ولامرأته الأمة إن لم أقربك شهرين فأنت طالق بائن
وركن الإيلاء شرعا هو اللفظ الدال على ترك الوطء في عرف الشرع مؤكدا باليمين وهو قوله والله لا أقربك أو لا أطأك أو لفظة المباضعة والمناكحة والإتيان والإصابة ونحوها
فإن كان اللفظ مستعملا في الوطء فلا يحتاج إلى النية
ولو أتى بلفظ محتمل يحتاج فيه إلى نية الزوج ترك الوطء بذلك
فأما المدة فهي أربعة أشهر في حق الحرة وشهران في حق الأمة عندنا
وعند الشافعي المدة في حقهما سواء وهي زيادة على أربعة أشهر
والصحيح قولنا لقوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } فلا تجوز الزيادة على المدة المنصوصة
وأما تفسير اليمين فهي اليمين بالله وبصفاته على ما نذكر في كتاب الإيمان أو اليمين بالشرط والجزاء وذلك نوعان ما يكون به موليا وما لا يكون به موليا
أما الذي يكون به موليا فأن يقول إن قربتك فعبدي حر أو امرأتي طالق أو هي علي كظهر أمي أو علي صدقة أو حج البيت أو صيام سنة ونحو ذلك لأنه لا يتوصل إلى الوطء في هذه المدة إلا بشيء يلزمه بحكم اليمين كما يلزمه الكفارة بسبب اليمين بالله
ولو قال إن قربتك فعلي أن أصلي ركعتين أو علي أن أغزو لم يكن موليا عند أبي حنيفة و أبي يوسف ويكون موليا عند محمد و زفر
ولو قال الرجل لامرأته أنا منك مولى فإن عنى به الخبر كذبا فليس بمولي فيما بينه وبين الله لأنه لفظ لفظة الخبر ولا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر لأن هذا إيجاب في الشرع وإن عنى به الإيجاب فهو مولي في القضاء وفيما بينه وبين الله لأنه أوجب الإيلاء بهذا اللفظ
ولو قال لامرأته أنت علي مثل امرأة فلان وقد كان فلان آلى من امرأته فإن نوى به الإيلاء كان موليا لأنه شبهها بها في باب اليمينوالتشبيه يقتضي المساواة فيما شبه به وإن لم ينو اليمين ولا التحريم لا يكون موليا لأنه قصد التشبيه من وجه
وأما بيان حكم البر فهو وقوع الطلاق البائن بسبب الإصرار على موجب هذا اليمين وهو الامتناع عن الوطء أربعة أشهر بحيث لا يتوصل إليه إلا بحنث يلزمه فيكون مؤكدا له في الامتناع خوفا عن لزوم الحنث
وفي الوطء حق المرأة فصار الزوج ظالما لمنع حقها المستحق فالشرع جعل الامتناع عن إيفاء حقها المستحق لها في هذه المدة سببا للبينونة تخليصا لها من حبالته لتتوصل إلى حقها من جهة غيره وهذا معنى قوله تعالى { وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } فسماه عزيمة الطلاق وهو فعل الزوج فيصير الزوج بالإصرار على موجب هذا اليمين معلقا طلاقا بائنا بترك الوطء أربعة أشهر بعد اليمين أبدا كأنه قال أنت طالق بائن عند مضي كل أربعة أشهر لا أقربك فيها أو إن لم أقربك كل أربعة أشهر ما بقي اليمين فأنت طالق بائن
إذا ثبت هذا فإذا مضت أربعة أشهر من وقت اليمين ولم يقربها تقع تطليقة بائنة عندنا
وعند الشافعي يخير الزوج بين أن يطأها وبين أن يطلقها فإن لم يفعل يفرق القاضي بينهما
فإذا وقعت تطليقة بائنة بمضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر أخرى وهي في العدة لم يقع الطلاق لأنها بائنة فلا تستحق الوطء على الزوج فلا يكون الامتناع عن الوطء في هذه الحالة ظلما وبهذا الوصف صار الإصرار على موجب البر وهو ترك الوطء سببا للفرقةفإن تزوجها عند مضي الأربعة الأشهر ثم مضت أربعة أشهر منذ تزوج ولم يقربها بانت بأخرى
وكذلك إذا تزوجها ثالثة لأن بالتزويج عاد حقها في الوطء واليمين باقية لأنها تنحل بالحنث وهو الوطء
أما زوال الملك فلا يبطل اليمين فيكون ترك الفيء ظلما فيكون سببا للفرقة فإن تزوجها بعد وقوع ثلاث تطليقات فمضت أربعة أشهر لم يطأها لم يقع عليها شيء عندنا خلافا لزفر لأنه زال حل المحلية فيبطل اليمين
ولو آلى منها ثم أبانها فمضت أربعة أشهر لم يطأها وهي في العدة وقعت أخرى بالإيلاء لأن ابتداء الإيلاء قد انعقد موجبا للطلاق لوجوده في الملك فإذا أبانها فالبينونة تلحقها بعقد سابق وإن كان لا يلحقها ابتداء عندنا خلافا ل زفر فإن من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بائن ثم أبانها ثم دخلت الدار وهي في العدة فإنه يقع بائنا لما قلنا
وأما تفسير الفيء وحكم الحنث فنقول الفيء هو الوطء في مدة الإيلاء مع القدرة عندنا
وعند الشافعي الوطء بعد المدة
والصحيح قولنا لأن الله تعالى قال { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا } وفي قراءة عبد الله بن مسعود فإن فاؤوا فيهن وإنما سمى الوطء فيئا لأن الفيء في اللغة هو الرجوع يقال فاء الظل إذا رجع والمولي قصد بالإيلاء منع حقها في الوطء فيكون الوطء رجوعا عما قصده فسمي فيئا
ثم الفيء على ضربين أحدهما هو الأصل وهو الفيء بالوطء مع القدرة
والآخر بدل عن الأول وهو الفيء بالقول عند العجز عن الوطء
ففي حق القادر لا يكون فيئا إلا بالوطء لأنه هو الأصل وفي الحقيقة هو الرجوع لأن به يندفع الظلم ويصل الحق إلى المستحق فما لم يوف حقها لا يسقط حكم الإيلاء وفي حق العاجز صار الفيء بالقول قائما مقام الوطء وهو أن يقول للمرأة إني فئت إليك أو راجعتك أو أبطلت الإيلاء ويحسن إليها بالقول بدلا عن الإحسان بالفعل فيكون رجوعا عما عزم عليه بالقول ثم العجز نوعان أحدهما من طريق المشاهدة كالمرض الذي لا يمكن معه الجماع من الجانبين أو تكون المرأة صغيرة أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدة الإيلاء أو تكون المرأة ناشزة محتجبة عنه في مكان لا يعرفه أو تكون محبوسة لا يمكنه أن يدخل عليها ويمنع عن ذلك ونحو ذلك
وأما العجز من طريق الحكم فمثل أن يكون محرما أو صائما في رمضان
لكن العجز المعتبر في حق نقل الفيء من الوطء إلى القول هو العجز الحسي دون الحكمي عندنا
وعند زفر هو معتبر أيضا وقاس على الخلوة أن ثم يعتبر المانع الحسي والحكمي جميعا
ولكنا نقول هو قادر على الوطء حقيقة فيصير ظالما بمنع الحق وحق العباد لا يسقط لأجل حق الله في الجملة
فإذا أتى بالفيء من حيث القول سقط حكم الإيلاء إلى وقت القدرة
ثم من شرط صحة الفيء بالقول عند العجز عن الوطء حسا ومشاهدة شيئان أحدهما أن يكون العجز مستداما من وقت الإيلاء إلى تمام المدة وهو أربعة أشهر حتى إنه إذا قدر على الوطء قبل تمام المدة بظل الفيء بالقول وانتقل إلى الفيء بالجماع حتى لو ترك الوطء إلى تمام المدة فإنها تبين وأما إذا تمت المدة ثم قدر فإن الفيء بالقول صحيح في حق المدة الماضية وهذا لما ذكرنا أنه بدل والقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكمه وبعد حصول المقصود لا يبطل كالمصلي بالتيمم إذا رأى الماء في وسط الصلاة تبطل صلاته ولو كان رأى بعد الفراغ لا تبطل الصلاة المؤداة كذا هذا
والشرط الثاني أن يوجد الفيء بالقول في حال يحل له الوطء بأن كانت زوجة له
فأما إذا أبانها ثم فاء إليها باللسان فإنه لا يصح لأنه بدل فيصح في حال يصح الأصل
ولهذا قالوا إن من آلى وهو صحيح مقدار ما يمكن الجماع فيه ثم مرض ففيئه بالجماع لأنه هو الذي فرط في إيفاء حقها فلا يعذر بخلاف المريض إذا آلى من امرأته
ولو آلى وهو مريض فلم يفىء بالقول حتى مضت المدة فبانت ثم صح ثم تزوجها وهو مريض ففاء إليها بلسانه فإنهيصح عند أبي يوسف وعند محمد لا يصح وما قاله أبو يوسف أصح لأن الإيلاء حصل وهو مريض وعاد حكمه وهو مريض وفي زمان الصحة بين المدتين هي بائنة لا تستحق الوطء فلا يعود حكم الإيلاء
وأما حكم الحنث في اليمين بالله تعالى فهو الكفارة
وفي اليمين بالشرط والجزاء يلزمه ما هو جزاؤه من الطلاق والعتاق والظهار ونحوها
هذا الذي ذكرنا في حق المسلم وأما الذمي إذا آلى من امرأته فإن حلف بطلاق أو عتاق يكون موليا بالاتفاق
وإذا حلف بما هو قربة كالصدقة والصيام فليس بمول بالاتفاق
فأما إذا حلف باسم من أسماء الله أو بصفاته فهو مول عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف و محمد لا يكون موليا
وإذا صح إيلاء الذمي فهو في أحكامه كالمسلم إلا أنه إذا وطىء في اليمين بالله لا يلزمه الكفارة لأنها عبادة وهو ليس من أهلها
فأما إذا آلى أو ظاهر ثم رجع عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم رجع مسلما وتزوجها فهو مول ومظاهر عند أبي حنيفة في رواية محمد وقال أبو يوسف يسقط الظهار والإيلاء وهذا يعرف في الخلافيات واختلفت رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة
باب الظهار
يحتاج في هذا الباب إلى بيان ركن الظهار شرعا وإلى بيان شرائطه وإلى بيان حكمه وإلى تفسير الكفارة
أما ركن الظهار شرعا فنقول أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي فيقع به الظهار نوى أو لم ينو لأنه صريح في بابه
وكذا إذا نوى به تحريم الطلاق أو تحريم اليمين لا يصح لما قلنا إنه صريح في الظهار فإذا نوى غيره لا يصح
ولو قال أردت به الخبر عن الماضي كاذبا لا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله
وكذا إذا أضاف الظهار إلى جزء شائع أو جامع من امرأته
ولو أضاف إلى جزء معين غير جامع ولا شائع لا يجوز كالطلاق
ولو شبه امرأته بعضو من أمه غير الظهر فإن كان لا يجوز النظر إليه فهو ظهار نحو البطن والفخذ والفرج
ولو شبه امرأته بذوات المحارم غير الأم إن كانت الحرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة فإنه يكون ظهارا
ولو شبه امرأته بامرأة محرمة عليه في الحال وهي ممن تحل له في حالة أخرى مثل أخت امرأته ومثل امرأة لها زوج أو مجوسية أو مرتدة لم يكن مظاهرا لأن النص ورد في الأم وهي محرمة على التأبيد
وأما شرائط صحة الظهار فنقول منها أن يكون المظاهر مسلما عندنا
وعند الشافعي ليس بشرط
والصحيح قولنا لأن حكمه هو الحرمة المؤقتة بالكفارة وهي عبادة والكافر ليس من أهلها وهي مسألة معروفة
ومنها أن تكون المرأة محللة بالنكاح لا بملك اليمين حتى لو ظاهر من أمته أو مدبرته أو أم ولده لا يصح لأنه حكم ثبت بخلاف القياس بالنص وقد ورد في حق الزوجة بقوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } فلا يقاس عليها غيرها
ولو ظاهر من المختلعة والمبانة لا يصح وإن كان يلحقها صريح الطلاق لأنها ليست بمحللة بالنكاح
وإن بقي النكاح من وجه
وأما حكمه فهو تحريم الاستمتاع بها من الوطء ودواعيه مؤقتا إلى وجود التكفير مع بقاء ملك النكاح لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال للمظاهر الذي واقع امرأته استغفر الله ولا تعد حتى تكفر
ويجب على المرأة أن تمنع الزوج عن الاستمتاع بها حتى يكفر
وللمرأة أن تطالب الزوج بالوطء عند الحاكم وعلى الحاكم أن يجبره حتى يكفر ويطأ لأنه أضر بها في الامتناع عن الوطء مع قيام الملك وفي وسعه إزالته بالتكفير
ثم هذه الحرمة لا تزول بسبب من أسباب الإباحة ما لم توجد الكفارة لا بالنكاح ولا بملك اليمين ولا بإصابة الزوج الثاني حتى أن المظاهر إذا طلقها طلاقا بائنا وانقضت عدتها ثم تزوجها لا يحل له وطؤها ما لم يكفر
وكذلك لو كانت الزوجة أمة الغير فظاهر منها ثم اشتراها حتى بطل النكاح لم يحل له أن يطأها بملك اليمين حتى يكفر
وكذلك لو كانت حرة فارتدت عن الإسلام ولحقت بدار الحرب فسبيت واشتراها
وكذلك لو طلقها ثلاثا وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إليه بالنكاح لا تحل له حتى يكفر وإن صح النكاح
ولو كفر بعد ما أبانها أو طلقها ثلاثا صح التكفير حتى لو تزوجها حل له وطؤها لأن صحة التكفير لا تعتمد قيام الملك
وإن كان الظهار مؤقتا إلى وقت بأن قال أنت علي كظهر أمي يوما أو شهر أو سنة ثم مضى الوقت سقط الظهار عندنا خلافا للشافعي لأن الشرع جعل التكفير مزيلا للظهار المؤبد أو المطلق حتى تنتهي الحرمة والمؤقت ينتهي بمضي الوقت
ولو قال أنت علي كأمي فأنه يرجع إلى نيته عند أبي حنيفة إن أراد الإكرام لا يكون ظهارا وإن أراد الطلاق أو الظهار فهو كما نوى وإن أراد التحريم فهو إيلاء
وقال محمد هو ظهار
وقال أبويوسف هو إيلاء
ولو قال أنت علي حرام كأمي حمل على نيته فإن لم يكن له نية كان ظهارا لأن حرف التشبيه يختص بالظهار
وأما بيان الكفارة فنقول الكفارة لا تجب إلا عند وجود الظهار والعود قال الله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } وفيه كلام أن سبب الوجوب كلاهما أو أحدهما أو غيرهما
والعود عندنا هو العزم على وطئها بعد الظهار
وقال الشافعي العود أن يسكت المظاهر عن طلاقها عقيب الظهار
وقال أصحاب الظواهر العود أن يكرر لفظ الظهار
والصحيح قولنا لأنه بالظهار حرم وطأها على نفسه فمتى عزم على وطئها فقد قصد الرجوع عن الأول والعود هو الرجوع فيسمى عودا
ثم الكفارة تجب على الترتيب الإعتاق عند القدرة ثم صيام شهرين متتابعين عند العجز عن الإعتاق ثم إطعام ستين مسكينا عند العجز عن الصوم
عرف ذلك بالنص وهو قوله { والذين يظاهرون من نسائهم }
وإنما يكفر قبل الوطء لقوله تعالى { من قبل أن يتماسا }فإن وطىء قبل أن يكفر فقد باشر وطئا حراما فعليه أن يستغفر الله تعالى ولا يطأ حتى يكفر
ولو أعتق بعض رقبة عن كفارته ثم وطىء ثم أعتق ما بقي منها لم يجزه وعليه أن يستقبل إعتاق رقبة عند أبي حنيفة لأن الإعتاق عنده مما يتجزأ فيكون معتقا بعضه بعد الوطء وبعضه قبل الوطء والله تعالى أمر بإعتاق رقبة كاملة قبل المسيس
وعلى قولهما صح لأن عندهما الإعتاق لا يتجزأ فإعتاق البعض إعتاق الكل
ولو جامع المظاهر في خلال الصوم جماعا يفسد الصوم فإنه يستقبل الصوم بالإجماع لأن الواجب عليه صيام شهرين متتابعين قبل المسيس مع الإمكان ولم يوجد
ولو جامع في الشهرين ليلا أو نهارا ناسيا لصومه استقبل عند أبي حنيفة و محمد
وقال أبو يوسف يمضي على صيامه وهي مسألة معروفة
ولو جامع في خلال الإطعام لم يلزمه الاستقبال بالإجماع لأن الله تعالى لم يذكر في الإطعام ترك المسيس لكن يمنع عن الوطء قبل الفراغ من الإطعام لجواز أن يقدر على الصوم أو العتق فتبين أن الوطء كان حراما
ولو كفر بالإعتاق يعتق رقبة كاملة للذات والرق على ما نبين في كتاب الإيمان
ولو كفر بالإطعام أطعم ستين مسكينا كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعا من تمر أو شعير كما ذكرنا في صدقة الفطر وحكمه حكم ذلك
باب اللعان
يحتاج في هذا الباب إلى بيان مشروعية اللعان وماهيته وإلى بيان سبب وجوب اللعان وإلى بيان شرائط الوجوب وإلى بيان كيفية اللعان وإلى بيان حكمه
أما الأول فنقول اللعان مشروع بين الزوجين
وهو شهادات مؤكدات بالإيمان عندنا وعند الشافعي أيمان مؤكدات بالشهادة
ويكون قائما مقام حد القذف في جانب الرجل وقائما مقام حد الزنا في جانب المرأة ولهذا قلنا لا يثبت بالشهادة على الشهادة ولا بشهادة النساء مع الرجال ولا بكتاب القاضي إلى القاضي
وكذلك إذا وطئت محصنة بالشبهة فقذفها زوجها لم يجب اللعان كما لو قذفها أجنبي لا يجب حد القذف فسقط اللعان بالشبهة كالحد
وأصل ذلك قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم }
وأما بيان سبب الوجوب فنقول سبب وجوب اللعان بين الزوجين هو القذف الصحيح عند وجود شرائطه من الزوج
ونعني بالقذف الصحيح ما يكون موجبا للحد في حق الأجنبي بأن كان عاقلا بالغا والمرأة عاقلة بالغة لأن القذف من الصغير والمجنون ليس بموجب للحد لعدم الجناية
وكذلك قذف الصغيرة والمجنونة بالزنا كذب لأنه لا يتصور الزنا منها فلا يكون قذفا صحيحا
وكذلك إحصان المقذوف شرط
وذلك نوعان أحدهما أن يقول يا زانية أو زنيت بفلان أو ولدك من الزنا فأنكرت المرأة وخاصمته إلى الحاكم فعجز الزوج عن إقامة البينة على الزنا
والثاني أن ينفي ولدا أقر أن امرأته ولدته أو شهدت امرأة على الولادة فقال هذا ليس بابني وذلك قبل الإقرار بالولد وقبل مضي مدة تهنئة الولد التي هي قائمة مقام الإقرار على ما يعرف في كتاب الدعوى
ولو قال لامرأته وهي حامل هذا الحمل ليس مني فهو ليس بقاذف ولا لعان بينهما عند أبي حنيفة و زفر
وقال أبو يوسف و محمد إن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر لا عنها وإن جاءت به لأكثر فلا لعان
واتفق أصحابنا أنه لا ينفي نسب الحمل قبل الولادة
وأما شرائط الوجوب فنقول هو أن يكونا زوجين حرين مسلمين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف والمرأة عفيفة
أما اعتبار الزوجية فلأن الله تعالى خص اللعان بالأزواج وجعله حد للزوج قائما مقام حد القذف
ولهذا قال أصحابنا إن من تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم قذفها لا يجب اللعان
ولو قذفها الزوج فلم يلتعنا حتى طلقها ثلاثا أو بائنا فلا حد ولا لعان لأنه انقطعت الزوجية وحصل الفراق وحكم اللعان التفريق والتحريم فلا يصح اللعان بدون حكمه
ولو كان الطلاق رجعيا يلاعن لقيام الزوجية
وأما الحرية فلأن العبد والأمة ليستا من أهل الشهادة واللعان شهادات فيها معنى الإيمان
وكذلك الحرية في جانبها من شرائط الإحصان وإحصان المقذوف شرط
وأما اعتبار العقل والبلوغ فلما قلنا إنه لا يصح القذف بدون العقل والبلوغ
وأما اعتبار نفي حد القذف فلأن المحدود في القذف لا شهادة له
وأما اعتبار الإسلام أما في جانبها فمن باب الإحصان فإن المرأة الكافرة لا يجب بقذفها الحد وكذلك اللعان
وأما الزوج الكافر إذ قذف الزوجة المسلمة فلا لعان عليه لأنه ليس من أهل الشهادة على المسلمين
وصورة المسألة في الكافر إذا أسلمت امرأته فلم يعرض عليه الإسلام حتى قذفها فيحد ولا يلاعن
فما لم يوجد هذه الشرائط لا يجب اللعان لكن بعضها شرط وجوب اللعان وبعضها شرط تحقق القذف وصحته
ثم متى سقط اللعان وبطل هل يسقط الحد عن الرجل قال مشايخنا إن بطل بمعنى من جهة الزوج يجب الحد
ولا يجب اللعان وهذا صحيح إذا كان القذف صحيحا كقذف العاقل البالغ فأكذب نفسه يجب الحد ولا يجب اللعان
فأما إذا لم يكن القذف صحيحا كقذف الصبي والمجنون فإنه لا يجب الحد ولا اللعان وإن سقط بمعنى من جهة الزوج
وقالوا إن بطل تعني من جهة المرأة لم يجب على الزوج حد ولا لعان كما إذا صدقته وكما إذا كانت حرة عفيفة مسلمة إلا أنها محدودة في القذف فلا حد ولا لعان لأن المعنى من جهتها وهو أنها ليست من أهل الشهادة مع كون القذف صحيحا
فإذا كان المعنى من جهتها والقذف ليس بصحيح لا يجب الحد واللعان جميعا أيضا حتى إذا كانت الزوجة كافرة أو أمة أو صغيرة أو مجهولة أو زانية فلا حد ولا لعان لأن القذف ليس بصحيح لأن المرأة ليست بمحصنة
وإذا كان كل واحد من الزوجين محدودا في القذف يجب الحد ولا يجب اللعان لأن القذف صحيح والمانع من جهة الزوج ولا عبرة بجانبها
وعلى هذا تدور المسائل
وأما تفسير اللعان فإن كان القذف بصريح الزنا فأنكرت المرأة وخاصمته إلى القاضي فأمره بإقامة البينة على صدق مقالته فعجز عن إقامة البينةفإنه يبتدىء من جهة الزوج ويأمره باللعان فيقوم الزوج ويقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فيقول ذلك أربع مرات ثم يقول في الخامسة إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ويقبل بوجهه على المرأة في كل ذلك
ثم يأمرها باللعان فتقوم وتواجه زوجها وتقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات ثم تقول في الخامسة إن غضب الله علي إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا
فإذا قالت ذلك تم اللعان بينهما
وإن كان القذف بنفي الولد وكذبته المرأة وخاصمته إلى الحاكم فإنه يأمر الحاكم الزوج باللعان وهو أن يقوم الرجل فيقول أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميتها به من نفي ولدها هذا أربع مرات ويقول في الخامسة إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من نفي ولدها هذا ثم يأمر المرأة أن تقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من نفي ولدي هذا أربع مرات ثم تقول في الخامسة إن غضب الله علي إن كان من الصادقين فيما رماني به من نفي ولدي هذا
والقيام ليس بشرط ولا يضره قال ذلك قائما أو قاعدا كذا رواه الحسن عن أبي حنيفة
فإذا قالا ذلك تم اللعان بينهما
وإذا تم اللعان بينهما لا تقع الفرقة ما لم يفرق القاضي بينهما
فينبغي أن يفرق القاضي بينهما في الفصل الأول
وفي الفصل الثاني يفرق بينهما ويقضي بنفي الولد وقطع النسب من الأب ويلحقه بالأم لأن التفريق وقطع النسب كلاهما حكم اللعان إذا كان اللعان بالقذف بنفي الولد فلا بد من قضاء القاضي بقطع النسب
وأما حكم اللعان فهو ثبوت حق التفريق
فإذا تم اللعان يفرق القاضي بينهما ولا تقع الفرقة بنفس اللعان وهذا مذهب علمائنا
وقال زفر تقع الفرقة بلعانهما
وقال الشافعي بلعان الزوج
ثم اختلف أصحابنا فيما بينهم قال أبو حنيفة و محمد هي تطليقة بائنة فيزول ملك النكاح وتثبت حرمة الاجتماع والتزوج إلى وقت الإكذاب وإقامة الحد
وقال أبو يوسف و زفر هي فرقة بغير طلاق توجب تحريما مؤبدا
وأصله قوله عليه السلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا
فأخذ أبو يوسف و زفر بظاهر الحديث و أبو حنيفة و محمد أخذا بمعناه وهو أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدا ما داما متلاعنين فإن حقيقة المتفاعل هو المتشاغل بالفعل حقيقة أو حكما فإذا زال اللعان حقيقة وحكما لا يبقى حكمه
ثم إذا وقعت الفرقة بتفريق القاضي وثبت حرمة الاجتماع فإذا أكذب الزوج نفسه وضرب الحد يباح له أن يتزوجها لأنه بطل القذف وخرج من أن يكون من أهل اللعان بصيرورته محدودا في القذف فلا يبقى اللعان
وكذلك إذا صدقته المرأة بعد الفرقة لأنها صارت معترفة وبطل القذف فبطل حكم اللعان
وكذا إذا حدت في قذف
فإن أخطأ القاضي فبدأ بالمرأة ثم بالرجل فإنه ينبغي له أن يعيداللعان على المرأة لأنها شهادة وإنما يبدأ بشهادة المدعي ثم بشهادة المدعى عليه بطريق الدفع فلهذا يبدأ بالرجل فإن أخطأ يجب الاستدراك بالإعادة فإن لم يعد جاز لأنه قضاء في موضع الاجتهاد فإن عند بعضهم اللعان إيمان وفي التحالف يجوز تقديم يمين أيهما كان
ولو أخطأ القاضي وفرق قبل تمام اللعان فإن كان كل واحد منهما قد التعن أكثر اللعان وقعت الفرقة
وإن لم يلتعنا أكثر اللعان أو كان أحدهما لم يلتعن أكثر اللعان لم تقع الفرقة لأنه قضاء بطريق الاجتهاد في موضع يسوغ فيه الاجتهاد لأنه للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام
وفي الفصل الثاني قضاء في موضع لا يسوغ فيه الاجتهاد فلا ينفذ
وإذا امتنع أحد الزوجين عن الالتعان فإن القاضي يحبسه حتى يلتعن
وعند الشافعي لا يحبس ولكن يحد حد القذف
باب فرقة العنين
لا خلاف بين العلماء أن الجب والعنة عيب يثبت بهما الخيار للمرأة في التفريق والبقاء على النكاح
واختلف أصحابنا في عيوب أخر بالزوج تخل بالوطء مثل الجنون والجذام والبرص
قال أبو حنيفة لا يثبت الخيار وقال محمد و الشافعي يثبت
وأجمع أصحابنا أن لا يفسخ النكاح بعيوب في المرأة
وقال الشافعي يفسخ بعيوب خمسة الجنون والجذام والبرص والرتق والقرن وهي مسألة معروفة
إذا ثبت هذا فنقول إذا ادعت المرأة أن زوجها مجبوب أو عنين ورفعت الأمر إلى القاضي فإنه يسأل الزوج عن ذلك أنه هل وصل إليها أم لا فإنأنكر ففي المجبوب يعرف بالمس من وراء الإزار
وإن أقر يثبت لها الخيار في المجبوب لأنه لا فائدة في التأجيل
وفي العنين إذا أقر وصدقها في ذلك يؤجله القاضي سنة
وإن أنكر أنه عنين وقال وصلت إليها فإن القاضي يسأل المرأة أهي بكر أو ثيب
فإن قالت ثيب فإنه يجعل القول قول الزوج لأن الظاهر شاهد له لأن من خلا بالثيب فالظاهر أنه يطأها
وإن قالت إني بكر نظر إليها النساء والمرأة الواحدة كافية والأكثر أوثق فإن قلن إنها بكر فالقول قولها لأن قيام البكارة يدل عليه وقول النساء فيما لا يطلع عليه الرجال مقبول
وإذا ثبت أنه لم يصل إليها إما بإقراره أو بظهور البكارة فإن القاضي يؤجله حولا وإنما يعتبر الأجل سنة لأن الامتناع من الوطء قد يكون للعجز وقد يكون لبغضه إياها فإذا أجل فيقدم على الوطء دفعا للعار عن نفسه إن كان قادرا
وأول الأجل من حين الإقرار وظهور البكارة ولا يحتسب على الزوج ما قبل التأجيل
والتأجيل إنما يكون بسنة شمسية لأن الفصول تكمل فيها فيحتمل أن يزول الداء في المدة التي بين الشمسية والقمرية
فإذا حال الحول فرفعت الأمر إلى القاضي وادعت أنه لم يصل إليها فإنه يسأل الزوج عن ذلك فإن قال قد وطئتها وهي ثيب فالقول قوله
وإن كانت بكرا نظر إليها النساء فإن قلن إنها بكر فالقول قولها وإن قلن إنها ثيب فالقول قول الزوج
وإذا ثبت عدم الوصول إليها إما باعترافه أو بظهور البكارة فإن القاضي يخيرها لأن العيب قد استقر فإن اختارت المقام بطل حقها ولم يكن لها خصومة أبدا في هذا النكاح لأنها رضيتبالعيب
وإن اختارت الفرقة يفرق القاضي بينهما وتكون تطليقة بائنة على ما مر
ولو وصل إليها مرة ثم عجز وعرف ذلك بإقرارها فإن القاضي لا يخيرها لأنه وصل حقها إليها لأنه يجب كمال المهر فلا يعتبر ما زاد عليه
وإذا خيرها الحاكم فوجد منها ما يدل على الإعراض يبطل خيارها كما في خيار المخيرة
وقال أصحابنا إن العنين إذا أجل سنة فشهر رمضان وأيام الحيض محسوبة من الأجل لأن التأجيل سنة عرفنا ذلك بإجماع الصحابة من غير استثناء من هذه الأيام مع علمهم بذلك
فأما إذا مرضا في المدة مرضا لا يمكن الجماع معه فإن كان أقل من نصف شهر احتسب عليه وإن كان أكثر من نصف شهر لم يحتسب عليه وكذلك الغيبة
وروي عن محمد أنه قدر ذلك بالشهر وفيه روايات وهذا أوثق لأن الشهر في حكم الأجل
هذا إذا لم تكن المرأة رتقاء فإن كانت رتقاء وكان زوجها عنينا فلا يؤجله القاضي لأنه لا حق لها في الوطء وإنما حقها في الاستمتاع والمساس
ولو علمت المرأة بالعنة عند العقد ورضيت بالعقد فإنه لا خيار لها كمن اشترى عبدا وهو عالم بعيبه
فإن كان زوج الأمة عنينا فالخيار في ذلك إلى المولى عند أبي يوسف
وقال زفر الخيار للأمة
وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف
باب الحضانة
الولاية إلى العصبات في الجملة والحضانة إلى ذوات الرحم المحرم لأن الحضانة تبتنى على الشفقة والرفق بالصغار وذلك من جانب النساء أوفر وهن بالتربية أعلم
ويكون الأقرب فالأقرب أولى
ثم الأقرب ههنا هي الأم ثم الجدة أم الأم ثم الجدة أم الأب ثم الأخوات فأولاهن الأخت لأب وأم ثم الأخت لأم ثم الأخت لأب ثم بنات الأخت على هذا الترتيب ثم بنات الأخ وعلى هذا الترتيب وهذا على الرواية التي تقدم الأخت لأب على الخالة وهي رواية محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ورواية الحسن عن أبي يوسف
وفي رواية عن أبي حنيفة و أبي يوسف أن الخالة أولى من الأخت لأب وهو قول محمد و زفر
ثم بعد الأخوات وأولادهن من الإناث الخالات على الترتيب الخالة لأب وأم ثم الخالة لأم ثم الخالة لأب
ثم العمات على الترتيب العمة لأب وأم ثم العمة لأم ثم العمة لأب
فأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في الحضانة لأن لهن رحما غير محرم
ثم الأم والجدات أحق بالغلام إلى أن يأكل وحده ويشرب وحدهويلبس وحده
وفي رواية عن محمد ويتوضأ وحده أو يستنجي وحده
فأما الجارية فهي أحق بها حتى تحيض
والقياس أن يكون لهن حق الحضانة في الغلام إلى وقت البلوغ لحاجة الصغار إلى التربية في الجملة إلى وقت البلوغ إلا أنا استحسنا في الغلام لأنه يحتاج إلى التأديب والأب أقدر
ثم عندنا ليس للصغير العاقل اختيار أحد الأبوين في الحضانة
وعن الشافعي يخير الصبي
والصحيح قولنا لأنه لا يعرف الأنظر منهما
وأما من لا أولاد لها من النساء فلا حق لهن في الجارية والغلام بعد الاستغناء بأنفسهما فيما ذكرنا
وينتقل الحق إلى العصبات من ذوي الرحم المحرم الأقرب فالأقرب على الترتيب إلا بني الأعمام لأن الحاجة إلى الحفظ وخوف الصغير من العصبة أشد من خوفه من غير الأمهات من ذوات الرحم المحرم
فأما بنو الأعمام فلا حق لهم في الحضانة لأن لهم رحما غير محرم ويحل لهم نكاحها فلا يؤمن عليها
ثم من كان من عصباتها ممن لا يؤمن عليها من ذوي الرحم المحرم لفسقه ومجانته لم يكن له فيها حق لأن في كفالته لها ضررا عليها
فإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم فالاختيار إلى القاضي إن رآه أصلح ضم إليه وإلا فيضع عند أمينه
وهذا الذي ذكرنا من ثبوت حق الحضانة لذوات الرحم المحرم إذا لم يكن لهن أزواج فأما من لها زوج فلا حق لها في الحضانة إلا إذا كان زوجها ذا رحم محرم من الصغير لأنه يلحقه الجفا والمذلة من زوج الأمإذا كان أجنبيا
ويضعه القاضي حيث يشاء بمنزلة من لا قرابة له
وأم الولد والزوجة في الحضانة على السواء إذا أعتقت
فأما الرقيقة فلا حق لها في حضانة الولد الحر لأنه ضرب من الولاية والرق ينافي الولايات
وأهل الذمة في هذا بمنزلة أهل الإسلام لأن هذا أمر يبتنى على الشفقة
ولو كانت الأم كافرة والولد مسلم ذكر في الأصل أنها في الحضانة كالمسلمة
وكان أبو بكر الرازي يقول إنها أحق بالصغير والصغيرة حتى يعقلا فإذا عقلا سقط حقها لأنها تعودهم أخلاق الكفرة
ولا حق للمرتدة في الولد لأنها تحبس وفي الحبس ضرر بالصبي
وإذا ثبت أن حق الحضانة للأم فإذا أرادت أن تخرج بالولد إلى بلد آخر هل للأب حق المنع فلا يخلو إما أن تكون الأم زوجته أو مطلقة بائنة
فإن كانت زوجته فللزوج حق المنع من الخروج بنفسها وبولدها
فأما إذا كانت مبتوتة فإما أن تخرج بولدها إلى بلدها أو إلى بلد آخر وقد وقع النكاح في ذلك البلد أم لا ويكون بعيدا أو قريبا يقدر الأب على مشاهدة الولد والعود إلى بيته قبل الليل
أما إذا أرادت الخروج إلى بلدها وكان البلد بعيدا فإن وقع النكاح فيه ليس للأب حق المنع لأنه لما عقد النكاح ثم فالظاهر أنه التزم المقام فيه
لأن الظاهر أن الزوج يقيم في البلد الذي تزوج فيه إلا أنهيلزمها اتباع الزوج إذا أعطى جميع المهر حيث شاء أو رضيت بذلك فإذا زالت الزوجية لم تجب المتابعة فيعود الأمر الأول
فإن لم يقع عقد النكاح في بلدها فليس لها أن تنقل ولدها إلى ذلك البلد لأن فيه التفريق بين الأب وبين ولده الصغير وفيه ضرر بالأب ولم يلتزم الضرر حيث لم يتزوج ثم
وإذا أرادت أن تنقل الولد إلى البلد الذي وقع فيه النكاح وليس ذلك بلدها فليس لها ذلك لأنه ليس بوطن لها فهي دار غربة لها كما أن البلد الذي فيه الزوج دار غربة فتساويا وليس لها أن تلحق الضرر بالأب
وأما إذا كان البلد قريبا بحيث يقدر الأب أن يجيء إلى الولد ويراه ويعود إلى منزله قبل الليل فلها ذلك ويكون ذلك بمنزلة أطراف المصر لأنه ليس فيه كثير ضرر
وأما أهل القرى إن أرادت المبتوتة أن تنتقل بالصبي إلى قريتها من قرية الأب إن وقع النكاح فيها فلها ذلك
وإن وقع النكاح في غيرها فليس لها أن تنقل الصبي إلى قريتها ولا إلى القرية التي وقع النكاح فيها إذا كانت بعيدة كما في البلدين
وإن كانت قريبة بحيث يمكن الأب رؤية الصبي والعود إلى منزله قبل الليل فلها ذلك لأنه ليس فيه ضرر معتبر
وإن كان الأب متوطنا في المصر فأرادت نقل ولدها إلى قريتها والنكاح وقع فيه فلها ذلك لأن الأب التزم المقام في مكان النكاح إذا كان وطن الزوجة
وإذا أرادت النقل إلى قرية قريبة من المصر بحيث يمكن النظر إلى ولده والعود قبل الليل فإن وقع النكاح فيها فلها ذلك لأنه رضيبغربة الولد وإن لم يقع النكاح فيه فليس لها ذلك لأن أخلاق أهل القرى لا تساوي أخلاق أهل المصر فيلحق الصبي بذلك ضرر وفيه ضرر بالوالد فلم يجز إذا لم يلتزمه الأب
وقد ذكر محمد هذه المسألة في الجامع الصغير مبهمة فقال إنما أنظر في هذا إلى الموضع الذي وقع فيه عقد النكاح والصحيح ما ذكرنا من التفصيل
ثم الأم وإن كانت أحق بالحضانة فإنه لا يجب عليها إرضاع الصبي لأن ذلك بمنزلة النفقة ونفقة الولد يختص بها الوالد إلا أن لا يوجد من يرضعه فتجبر على إرضاعه
وقال مالك إن كانت شريفة لم تجبر وإن كانت دنية تجبر
فإن كانت لا ترضع إلا بأجر فإن كان في حال قيام النكاح فليس لها ذلك لأن الأجر لحفظ الصبي وغسله وذلك من باب نظافة البيت وهي منفعة تحصل لها بذلك فلا تستحق الأجر
ولو استأجر الأب ظئرا وأرادت الأم أن ترضع فهي أولى لأنها أشفق عليه
وإن كانت المرأة مبانة وهي في العدة ففي إحدى الروايتين لا يجوز لها أن تأخذ الأجر لأنها تستحق النفقة كالزوجة
وفي رواية يجوز لأنها صارت أجنبية
فأما إذا انقضت العدة فيجوز أن تأخذ الأجر لأنها بمنزلة الأجنبية وهي أولى من الأجنبية
وتجب الأجرة على الزوج ت بمثل ما تأخذ الأجنبية
وإن قال الأب أنا أجد من ترضعه بغير أجر أو بأقل من ذلكالأجر فليس لها أن تمنع الزوج من ذلك لأن في ذلك ضررا بالأب ولكن ترضع الظئر في بيت الأم ما لم تتزوج لأن حق الحضانة لها
باب الرضاع
قد ذكرنا أن الرضاع سبب للتحريم بطريق التأبيد فيحر به ما يحرم بالنسب والصهرية وإنما يخالف النسب في مسألتين
إحداهما أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل أخت ابنه من النسب ويجوز أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع لأن أخت ابنه من النسب بنت امرأته الموطوءة وبنت موطوءته حرام عليه وهذا لا يوجد في الرضاع
والثانية أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل أم أخته من النسب ويجوز أن يتزوج أم أخته من الرضاع لأن أم أخته من النسب موطوءة أبيه وحليلة الأب حرام على الابن وهذا لا يوجد في الرضاع
وتعرف ذلك بالتأمل
وجملة ذلك أن الرضاع يتعلق به التحريم في جانب المرضعة وفي جانب الواطىء الذي ينزل اللبن من وطئه
والتحريم في جانب المرضعة مجمع عليه وفي جانب الزوج مختلف فيه فعندنا يثبت وعند الشافعي لا يثبت
ولقب المسألة أن لبن الفحل هل يحرم أم لا وبيانه أن المرأة إذا أرضعت طفلا فإنها تحرم عليه وصارت أما له وصاحب اللبن صار أبا له فإن كان المرضع أنثى تحرم على صاحب اللبن لكونها بنتا له وإن كان ذكرا تحرم المرضعة عليه لكونه ابنا له
وأولاد المرضعة من صاحب اللبن إخوة وأخوات المرضع لأب
وأم وأولاد المرضعة من غير صاحب اللبن إخوة وأخوات له لأم وأولاده من غير المرضعة إخوة وأخوات له الأب
وكذلك الحكم في أولاد الأولاد من الجانبين
وأمهات المرضعة جداته من قبل الأم وأمهات صاحب اللبن جداته من قبل الأب
وإخوة المرضعة وأخواتها أخواله وخالاته وإخوة صاحب اللبن وأخواته أعمامه وعماته وبنات الأخوال والخالات والأعمام والعمات من الرضاع حلال كما في النسب
ولا يجوز للمرضع أن يتزوج بمن أرضعته المرضعة من الإناث
لأنهن أخواته لكونهن بنات لها من جهة الرضاع
وأصل ذلك أن كل اثنين اجتمعا على ثدي واحد فهما أخوان أو أختان أو أخ وأخت
وعلى هذا لو كان لرجل امرأتان فحبلتا منه وأرضعت كل واحدة منهما صغيرا أجنبيا فقد صارا أخوين لأب فإن كانت إحداهما أنثى لم يجز لها أن تتزوج بالآخر لأنه أخوها من أبيها وإن كانا اثنين لم يجز لرجل واحد أن يجمع بينهما في النكاح لأنهما أختان لأب
وقد ذكرنا تفسير حرمة الرضاع بسبب الصهرية في كتاب النكاح فلا نعيده
ثم الرضاع المحرم ما كان في حال الصغر
فأما رضاع الكبير فلا يتعلق به التحريم
وأصله قوله عليه السلام الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم
واختلف أصحابنا في الحد الفاصل قال أبو حنيفة يثبت حكم الرضاع في الصغير إلى ثلاثين شهرا فما ارتضع بعد ذلك لم يتعلق به التحريم
وقال أبو يوسف و محمد إلى الحولين وهو قول الشافعي
وقال زفر إلى ثلاث سنين والمسألة معروفة
ولو فطم الصبي في مدة الرضاع ثم أرضع بعد الفصال في المدة اختلفت الروايات فيه عن أصحابنا روى محمد عن أبي حنيفة أن ما كان من الرضاع إلى ثلاثين شهرا قبل الفطام أو بعده فهو رضاع محرم
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال إذا فطم في السنتين حتى استغنى بالطعام ثم ارتضع بعد ذلك في السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا لأنه لا رضاع بعد فطام تام
وإن هي فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغني به عن الرضاع ثم عاد فأرضع في الثلاثين فهو رضاع يحرم كرضاع الصغير الذي لم يفطم
وروى محمد وأصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنه إذا فطم قبل الحولين ثم ارتضع في بقية الحولين فهو رضاع محرم وهو مذهب محمد وكان لا يعتد بالفطام قبل الحولين
وروى الحسن عن أبي يوسف أنه إذا أرضع بعد الفطام في الحولين لم يكن رضاعا
ثم عندنا قليل الرضاع وكثيره سواء في حال الصغر في التحريم
وقال الشافعي لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات
والصحيح قولنا لقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم }الآية من غير فصل
وكذا عندنا تثبت حرمة الرضاع بلبن الميتة
وعند الشافعي لا يقع به التحريم لكونه نجسا
وإذا وصل اللبن إلى جوف الصبي لا من الثدي بأن أوجر أو أسعط تثبت الحرمة لأن الوجور يصل إلى الجوف والسعوط يصل إلى الجوف أيضا
ولو حقن الصبي باللبن ذكر الكرخي وقال لم يحرم ولم يحك خلافا
وروي عن محمد أنه يحرم كما يقع به الإفطار
أما إذا أقطر في الأذن لم يثبت التحريم لأنه لم يعلم وصوله إلى الجوف
وكذا إذا أقطر في إحليله لهذا المعنى
وكذلك لو أقطر في جائفة أو آمة لما ذكرنا
ولو اختلط اللبن بغيره فهذا على وجوه إن اختلط بالطعام ومسته النار حتى نضج وطبخ لم يتعلق به الحرمة في قولهم جميعا لأنه تغير بالطبخ مع غيره عن طبعه وصفته
وإن اختلط به الطعام ولم تمسه النار فإن كان الطعام هو الغالب لم يثبت به التحريم لأنه زال اللبن وصار اللبن كالعدم
وإن كان اللبن غالبا للطعام وهو طعام ظاهر يعتد به قال أبو حنيفة لا يقع به التحريم
وقال أبو يوسف و محمد يحرم اعتبارا للغالب ف أبو حنيفة يقول إنه يضعف معنى اللبن ويزول قوته حتى يصير اللبن رقيقا ضعيفا يعرف بالمشاهدة
وإن اختلط اللبن بالدواء أو الدهن أو النبيذ فإن كان اللبن غالبا يحرم وإن كان الدواء غالبا لا يحرم ويعتبر الغلبة بالإجماع لأن قوة اللبن باقية
وإن اختلط اللبن بالماء فإن كان اللبن غالبا يقع به التحريم
وإن كان الماء غالبا لا يقع به التحريم اعتبارا للغالب
وقال الشافعي إذا أقطر من اللبن خمس رضعات في جب ماء فشرب منه الصبي تثبت الحرمة
وإن اختلط اللبن بلبن شاة تعتبر الغلبة أيضا لأن لبن الشاة لا يؤثر في زوال قوة لبن الآدمية
وأما إذا اختلط لبن امرأتين فروي عن أبي حنيفة و أبي يوسف أن الحكم للأغلب فثبت به التحريم دون الآخر
وقال محمد و زفر يثبت التحريم منهما احتياطا في باب الحرمة
وهما يقولان إن المغلوب لا عبرة به في الشرع
ولو طلق امرأته طلاقا بائنا ولها منه لبن فما دامت في العدة أو بعد التزوج بغيره قبل ظهور الحبل لو أرضعت صبيا فإن التحريم يثبت من الزوج الأول لأن اللبن له
فأما إذا حبلت من الزوج الثاني فأرضعت صبيا قال أبو حنيفة التحريم للأول دون الثاني حتىتضع فإذا وضعت يكون التحريم للثاني دون الأول
وقال أبو يوسف إذا نزل لها اللبن من الثاني فالتحريم للثاني وبطل الأول
وروى الحسن عنه أنها إذا حبلت فاللبن للثاني
وقال محمد إذا نزل لها لبن فالتحريم للزوجين فإذا وضعت فالتحريم للثاني لا غير وهي مسألة المبسوط
هذا الذي ذكرنا حكم الرضاع المقارن للنكاح فأما الرضاع الطارىء على النكاح فإنه يبطله لأنه يوجب حرمة مؤبدة بيانه إذا تزوج الرجل صغيرة فأرضعتها أمه حرمت عليه لأنها صارت أختا له بالرضاع
ولو تزوج رجل صغيرتين رضيعتين فجاءت امرأة وأرضعتهما معا أو واحدة بعد الأخرى صارتا أختين من الرضاعة وحرمتا عليه وبطل نكاحهما لأن الجمع بين الأختين يستوي فيه الابتداء والبقاء ويجب على الزوج لكل واحدة من الصغيرتين نصف المهر لأن الفرقة وقعت قبل الدخول بهما من غير فعلهما
ثم ينظر فإن كانت المرضعة تعمدت الفساد يرجع عليها الزوج بما غرم من نصف المهر وإن كانت لم تتعمد لم يرجع
وقال الشافعي يضمن مهر المثل في الوجهين جميعا
والصحيح قولنا لأن فعلها سبب الحرمة لاعتدائها وإنما يكون السبب تعديا بقصد الفساد أما بدون قصد الفساد فليس بتعد كحفر البئر على قارعة الطريق وحفر البئر في ملك نفسه
وإذا ثبت أن الرضاع محرم فإنما يعرف بالإقرار أو بشهادة رجلينأو رجل وامرأتين
أما لا يثبت بشهادة الرجل الواحد ولا بشهادة النساء وحدهن لأن هذا مما يطلع عليه الرجال فإن النظر إلى ثدي المرأة جائز في الجملة
باب العدة
العدة أنواع ثلاثة عدة الوفاة وعدة الطلاق وعدة الوطء
أما عدة الوفاة ففي حق الحرة أربعة أشهر وعشرا صغيرة كانت أو كبيرة دخل بها زوجها أو لم يدخل حرا كان زوجها أو عبدا
وهذه العدة لا تجب إلا في نكاح صحيح لقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } من غير فصل ومطلق اسم الزوج لا يقع على المتزوج نكاحا فاسدا
وأما في حق الزوجة الأمة فشهران وخمسة أيام كان زوجها حرا أو عبدا لأن العدة تتنصف بالرق وتتكامل بالحرية ويعتبر فيها جانب النساء دون الرجال بالإجماع
وإن كانت الزوجة حاملا فانقضاء عدتها بوضع حملها إذا كان تاما أو سقطا مستبين الخلق كله أو بعضه قصرت المدة أو طالت
وعند علي رضي الله عنه عدتها أبعد الأجلين
والصحيح قول عامة العلماء لظاهر قوله تعالى { حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }والنص مطلق وهو آخرهما نزولا على ما روي عن ابن مسعود أنه قال من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد التي في سورة البقرة
وأما عدة الطلاق فثلاثة قروء في حق ذوات الأقراء إذا كانت حرة
وفي حق الآيسة والصغيرة والتي لا تحيض بعد ثلاثين سنة ثلاثة أشهر إذا كان بعد الدخول بها أو بعد الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح لأنها توجب كمال المهر فتوجب كمال العدة بطريق الأولى احتياطا
وأما الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد فلا توجب العدة ولا كمال المهر لأن التسليم لا يجب عليها فلا تقام الخلوة مقامه
وأما الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح فإن كان يمكنه الوطء مع المانع كالحيض والإحرام ونحو ذلك يجب كمال العدة دون كمال المهر لأنهما يتهمان في العدة التي هي حق الشرع
وإن كان لا يمكنه الوطء مع المانع حسا كالمريض أو المريضة التي لا يقدر الوطء منهما أو الصغير أو الصغيرة التي لا يتصور الجماع منهما فلا عدة لأنهما لا يتهمان ولم يوجد التسليم الذي أوجب العدة
وإن كانت الزوجة مملوكة للغير فعدتها حيضتان إن كانت من ذوات الأقراء وإن لم تحض فشهر ونصف
ولا تجب عدة الطلاق قبل الدخول

وأما أم الولد إذا أعتقت أو مات سيدها فعدتها ثلاث حيض عندنا
وعند الشافعي بقرء واحد
وأصله قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }والحكم في الخلوة الصحيحة ما ذكرنا
وقال الله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن }
وقال { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها }
وأما في حق الحامل فعدتها وضع الحمل لا خلاف في المطلقة لظاهر قوله { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وقال عليه السلام طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان
وقال عمر رضي الله عنه طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ولو استطعت لجعلتها حيضة ونصف
وأما عدة الموطوءة وهي التي وطئت بالنكاح الفاسد أو شبهة عقد أو شبهة ملك أو كانت أم ولد فأعتقها مولاها أو مات عنها فثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع الحمل لأنها ملحقة بالمنكوحة شرعا
ولو طلق الرجل امرأته في مرضه الذي مات فيه ثلاثا أو طلاقابائنا ثم مات قبل أن تنقضي عدتها فورثت اعتدت بأربعة أشهر وعشرا فيها ثلاث حيض عند أبي حنيفة و محمد وقال أبو يوسف عدتها ثلاث حيض
وكذلك امرأة المرتد يجب عليها العدة وترث من المرتد على هذا الخلاف في إحدى الروايتين
وإن كان الطلاق رجعيا في صحة أو مرض فعدتها أربعة أشهر وعشرا وبطل عنها الحيض في قولهم لأن الزوجية باقية
وموت الزوج يوجب عدة الوفاة
وإذا مات الصبي عن امرأته وهي حامل فعدتها أن تضع حملها عند أبي حنيفة و محمد
وقال أبو يوسف عدتها أربعة أشهر وعشرا
والصحيح قولهما لظاهر قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }
وذكر الكرخي فإن مات وهي غير حامل ثم حملت بعد موته قبل انقضاء العدة فعدتها الشهور في قولهم
ثم في حق من كانت عدته بالشهور كيف يعتبر الشهر بالأيام أو بالأهلة فنقول جملة هذا أن الوفاة أو الطلاق إذا اتفق في غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة وإن نقصت عن العدد في قول أصحابنا جميعا
فأما إذا حصل في بعض الشهر فقال أبو حنيفة تعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق تسعين يوما وفي الوفاة مائة وثلاثين يوما
وقال محمد تعتد بقية الشهر بالأيام ثم تعتد شهرين بالأهلة وتكمل الشهر الأول من الشهر الثالث بالأيام
وعن أبي يوسف روايتان في رواية مثل قول أبي حنيفة
وفي رواية مثل قول محمد وهو قوله الأخير
وأصله قوله عليه السلام الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابع يديه ثلاثا وخنس إبهامه في الثالث فكان الأصل هو الأهلة عند الإمكان وعند التعذر يصار إلى الأيام
ثم العدتان يتداخلان عندنا سواء كانتا من جنس واحد أو من جنسين مختلفين
وقال الشافعي لا يتداخلان بل يجب أن تمضي في العدة الأولى فإذا انقضت استأنفت الأخرى
وصورة المسألة أن المطلقة إذا مضى بعض عدتها وتزوجت في عدتها فوطئها الزوج ثم تاركها فإنه يجب عليها عدة أخرى ويتداخلان
وكذا إذا كانتا من جنسين بأن كان المتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة تداخلت أيضا
ويعتبر ما ترى من الحيض في الأشهر من عدة الوطء وهي مسألة معروفة
ثم العدة معتبرة بالنساء تتنصف برقها وتتكامل بحريتها بالإجماع وإنما الخلاف في الطلاق
ثم ما عرفت من الجواب في حق المسلمة فهو الجواب في حق الكتابية إذا كانت تحت مسلم لأن العدة فيها حق الشرع وحق الزوج والولد فإن لم تكن مخاطبة بحق الشرع فمخاطبة بإيفاء حق الزوج والولد
وأما الذمية تحت ذمي فلا عدة عليها في موت ولا فرقة عند أبي حنيفة إذا كان في دينهم كذلك إلا أن تكون حاملا فلا يجوز نكاحها
وقال أبو يوسف عليها العدة لجريان أحكام الإسلام عليهما بسبب الذمة
و أبو حنيفة يقول إنها غير مخاطبة بحق الشرع والزوج لا يعتقد العدة حقا لنفسه فلم تجب لحقه
أما إذا كانت حاملا فتمنع من التزويج حقا للولد حتى لا يختلط النسب فيضيع الولد
ثم في النكاح الفاسد إذا وقعت الفرقة بعد الوطء بتفريق القاضي أو بمتاركتها فإنه تعتبر العدة من وقت التفريق لا من وقت الوطء عندنا خلافا ل زفر فإنه يعتبر من آخر وطئة وطئها
والصحيح قولنا لأن النكاح الفاسد موجود من وجه وهو ملحق بالثابت من كل وجه في حق الأحكام فلا بد من التفريق حتى تجب العدة
وإذا كان الزوج غائبا فطلق امرأته أو مات عنها والمرأة لا تعلم بذلك حتى مضت مدة العدة فإنه تنقضي العدة وتعتبر من وقت الطلاق
والعلم ليس بشرط لمضي العدة فإنها أجل وضع لبراءة الرحم وإنه يحصل بلا علم
وأما الممتد طهرها فعدتها بالأقراء ولا تنقضي بالشهور ما لم تدخل في حد الإياس لأنها من ذوات الأقراء في الجملة
باب ما يجب على المعتدة
المعتدة إما إن كانت عن طلاق أو عن وفاة
فإن كانت عن طلاق ينبغي لها أن لا تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا بل يجب عليها السكنى في البيت الذي تسكن فيه وأجر السكنى والنفقة على الزوج
وأصله قوله تعالى و { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة }
وأما المتوفى عنها زوجها فلا بأس بأن تخرج بالنهار في حوائجها ولا تبيت في غير منزلها الذي تعتد فيه لأن نفقتها عليها فتحتاج إلى الخروج لإصلاح أمرها
وعن محمد لا بأس بأن تبيت في غير بيتها أقل من نصف الليل لأن البيتوتة عبارة عن السكون في المكان أكثر الليل في العرف
ثم منزلها الذي تؤمر بالسكنى والاعتداد فيه هو الموضع الذي كانت تسكنه قبل مفارقة الزوج وقبل موته سواء كان الزوج ساكنا فيه أو لم يكن لأن الله تعالى أضاف البيت إليها والبيت المضاف إليها هو الذي تسكنه
ولهذا قال أصحابنا إنها إذا زارت أهلها فطلقها زوجها كانعليها أن تعود إلى منزلها الذي كانت تسكن فيه فتعتد هنالك
فإن اضطرت إلى الخروج فلا بأس بذلك مثل أن تخاف سقوط البيت وانهدامه أو تخاف أن يغار على متاعها أو أن يكون بأجرة ولا تجد ما تؤديه في أجرته في عدة الوفاة فإن كانت تقدر على الأجرة فلا تنتقل
وإن كان المنزل لزوجها وقد مات عنها فلها أن تسكن في نصيبها إن كان نصيبها يكفيها في السكنى ولكن تستتر عن سائر الورثة ممن ليس بمحرم لها
فأما إذا كان نصيبها لا يكفيها أو خافت على متاعها منهم فلها أن تنتقل ويكون ذلك عذرا والسكنى وجبت حقا لله تعالى عليها فيسقط بالعذر كسائر العبادات
وكذلك المسافرة حرام أيضا للمطلقة سواء كان سفر حج فرض أو غيره
مع زوجها أو محرم حتى تنقضي عدتها لأن السفر خروج مديد إلا أن في المطلقة طلاقا رجعيا للزوج أن يسافر بها إذا راجعها
وقال زفر لزوجها أن يسافر بها وهذا بناء على أن المسافرة بها مراجعة عند زفر وعندنا ليس بمراجعة
فأما لا خلاف أن الخروج في حال العدة حرام عليها
ولو خرجت المرأة مع زوجها في سفر غير سفر الحج ثم طلقها في بعض الطريق إن كان بينها وبين مصرها الذي خرجت منه أقل من ثلاثة أيام وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فإنها ترجع إلى منزلها لأنه ليس فيها إنشاء السفر وفي ذلك إنشاء السفر
وإن كان في كل جانب أقل من مدة السفر كان لها الخيار لما ذكرنا
وإن كان من كل جانب مدة السفر ينظر إن كانت هي في موضع يمكنها المقام فيه أقامت في ذلك الموضع واعتدت ولا تمضي عند أبيحنيفة رضي الله عنه وإن وجدت محرما
وعلى قولهما إن لم يكن معها محرم فكذلك
وإن كان معها محرم مضت على سفرها
وإن كانت في موضع لا يصلح للإقامة وتخاف على نفسها ومالها فإن شاءت مضت وإن شاءت رجعت لاستواء الأمرين لكن إذا بلغت إلى أدنى الموضع الذي يصلح للإقامة فهو على هذا الخلاف الذي ذكرنا
فإن أحرمت للحج وخرجت إلى سفر الحج مع محرم لها غير الزوج ثم طلقها الزوج أو مات فبلغها الخبر وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام فإنها ترجع وتصير بمنزلة المحصر فإن راجعها زوجها بطلت العدة وتعود الزوجية فجاز لها السفر
وأما الحداد فيجب على كل معتدة بالغة عاقلة مسلمة حرة بانت من زوجها بواحدة أو ثلاث أو مات عنها زوجها
فإن كانت معتدة عن وفاة يجب الإحداد بالإجماع
وإن كانت عن طلاق بائن أو ثلاث فكذلك عندنا
وعند الشافعي لا يجب الإحداد
وأجمعوا أنه لا يجب الإحداد على المطلقة طلاقا رجعيا
وأصله ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا والمباينة نظير المتوفى عنها زوجها في التحسر على ما فات في الغالب فيجب الإحداد عليها
ثم تفسير الإحداد هو الاجتناب عن جميع ما يتزين به النساء منالطيب ولبس الثوب المصبوغ والمطيب بالعصفر والزعفران والاكتحال والادهان والامتشاط ولبس الحلي والخضاب ونحو ذلك إلا إذا لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس بأن تلبسه ولا تقصد الزينة
وقال في الأصل ولا تلبس قصبا ولا خزا تتزين به لأن هذا مما يلبس للحاجة فيعتبر فيه القصد فإن قصدت الزينة يكره وإن لم تقصد فلا بأس
هذا الذي ذكرنا حكم المعتدة البالغة العاقلة المسلمة الحرة في النكاح الصحيح
فأما الصغيرة والكتابية والأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والموطوءة عن شبهة أو نكاح فاسد فليس عليهن السكنى ويباح لهن الخروج لأن السكنى حق الله تعالى والكافرة لا تخاطب به
فأما الرقيقة فلا يلزمها المقام في منزل زوجها لقيام حق المولى في الخدمة إلا إذا بوأها مولاها منزلا فحينئذ لا تخرج لأنه أسقط حق نفسه في الخدمة
فإن أراد المولى أن يخرجها فله ذلك لأنه أعار منفعة خدمته للزوج وللمعير أن يسترد العارية
وأما الكتابية فلها أن تخرج إلا أن يحبسها الزوج لحقه في عدتها لصيانة الماء فتكون السكنى حق الزوج لأجل الولد
وأما الصغيرة فلها الخروج وليس للزوج منعها لأنه لا يلزمها حق الشرع ولا حق الزوج لأن حقه في حفظها لصيانة الولد ولا يتصور الولد في حقها
وأما أم الولد إذا أعتقت أو مات سيدها فلها أن تخرج لأن عدتها عدة الوطء
وكذلك في الوطء لشبهة أو نكاح فاسد لها أن تخرج لأن ذلك واجب في النكاح الصحيح لا غير
فأما الحداد فلا يجب على الصغيرة والكافرة لأنه ليس عليهما حق الله تعالى
فأما على الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة إذا كانت زوجته فيجب الحداد لأنه عبادة بدنية وإنها لا تسقط بسبب الرق
وفي عدة أم الولد بعد العتق والموت وفي العدة من نكاح فاسد لا حداد أيضا لأنه يجب لحرمة الزوجية ولم توجد
ثم المعتدة إذا قالت انقضت عدتي في مدة تنقضي بها العدة غالبا فإنها تصدق لأنها أمينة والقول قول الأمين فيما لا يخالفه الظاهر بالإجماع
ولو لم تعترف بانقضاء العدة لا تنقضي لاحتمال أنها تصير ممتدة الطهر
فأما إذا أخبرت بانقضاء العدة في مدة أقل من شهرين قال أبو حنيفة لا يصدق في أقل من شهرين
وقال أبو يوسف و محمد يصدق في تسعة وثلاثين يوما
ولتخريج قول أبي حنيفة رحمه الله وجهان أحدهما رواه محمد والثاني رواه الحسن
وإن طلقها في نفاسها وهي حرة فقال أبو حنيفة في رواية محمد لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما
وفي رواية الحسن مائة يوم
وقال أبو يوسف لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما
وقال محمد لا تصدق في أقل من أربعة وخمسين يوما وساعة
ووجه تخريج المسألة يعرف في كتاب الحيض والله أعلم
كتاب العتاق
الإعتاق أنواع قد يكون قربة وطاعة لله تعالى بأن أعتق لوجه الله تعالى أو نوى عن كفارة عليه
وقد يقع مباحا غير قربة بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان
وقد يقع معصية بأن قال أنت حر لوجه الشيطان ويقع العتق أيضا
ثم الألفاظ تذكر في العتق نوعان نوع يثبت به العتق في الجملة إما بالنية أو بغير النية
نوع لا يثبت به العتق أصلا وإن نوى
وأما الذي يثبت به العتق فثلاثة أنواع صريح وملحق بالصريح وكناية
أما الصريح فما اشتق من لفظ الحرية والعتق والولاء بأن قال أنت حرة أو حررتك أو أنت عتيق أو معتق أو أعتقتك أو أنت مولاي
وقد يكون بصيغة النداء بأن قال يا حر يا عتيق يا مولاي
ففي هذه الألفاظ لا يحتاج إلى النية لكونه صريحا
ولو نوى به الخبر عن الكذب في هذه الألفاظ يصدق فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء لأن صيغته صيغة الخبر والخبر قد يكون كذبا
وإن نوى أنه كان حرا فإن كان مسبيا يصدق في الديانة لا في القضاء
وإن كان مولدا لا يصدق أصلا
وإن قال أنت حر ونوى أنه حر من العمل أي لا أستعمله في عمل ما لا يصدق في القضاء ويعتق ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى
وكذا إذا قال أنت مولاي ونوى الموالاة في الدين لا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى
ولو قال أنت حر من هذا العمل وسمى عملا معينا أو قال أنت حر من عمل اليوم فإنه يعتق في القضاء لأن العتق لا يتجزأ فإذا جعله حرا في بعض الأعمال أو جعله حرا عن الأعمال كلها في بعض الأزمان يثبت في الكل ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى أنه أراد به البعض
وأما اللفظ الملحق بالصريح كقوله لعبده وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك منك فإنه يعتق العبد قبل العبد أو لم يقبل نوى أو لم ينو
وكذلك إذا قال بعت نفسك منك إلا أنه إذا باع نفسه منالعبد بثمن معلوم يشترط القبول لأجل ثبوت العوض
وروي عن أبي يوسف أنه قال إذا قال لعبده أنت مولى فلان أو عتيق فلان يعتق في القضاء لأنه أقر بالحرية وهو مالك العبد
ولو قال أعتقك فلان لا يعتق لأنه يحتمل أنه أراد به أنه قال لك أنت حر الآن ويحتمل الخبر فلا يثبت العتق بالشك لكن يجوز أن يقال يعتق في الحالين
وأما ألفاظ الكناية فأن يقول لعبده لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك أو خليت سبيلك أو خرجت عن ملكي فإن نوى العتق يعتق وإن لم ينو يصدق في القضاء لأنه لفظ مشترك إلا إذا قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء ولا يصدق أنه أراد به غير العتق
ولو قال إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء لأنه قد يراد به الموالاة في الدين بخلاف لفظ الولاء فإنه مستعمل في ولاء العتق
وأما الألفاظ التي لا يعتق بها وإن نوى بأن قال لعبده لا سلطان لي عليك أو قال لعبده اذهب حيث شئت أو توجه أين شئت من بلاد الله أو قال لعبده أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو أنت علي حرام أو قال ذلك لأمته وكذلك سائر كنايات الطلاق ونوى العتق في هذه الفصول لا يعتق لأنها عبارة عن زوال اليد وإنه لا يقتضي العتق كما في الكناية
ولو قال يدك أو رجلك حر ونوى العتق لا يعتق وإنما يعتق إذا أضيف إلى جزء شائع أو جزء جامع بأن قال رأسك حر أووجهك حر كما في الطلاق
ولو نوى فقال رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر أو وجهك وجه حر يعتق
ولو قال على الإضافة وجهك وجه حر أو رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر لا يعتق لأن هذا تشبيه
ولو قال ما أنت إلا مثل الحر أو أنت مثل الحر ونوى العتق لا يعتق لأنه تشبيه
وقد قالوا إذا نوى العتق يعتق فإنه ذكر في كتاب الطلاق إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان آلى من امرأته ونوى الإيلاء يصدق ويصير مولى
ومن الألفاظ التي يثبت بها العتق ألفاظ النسب
والأصل فيه أن من وصف مملوكه بصفة شخص يعتق عليه إذا ملكه فهو على وجهين أحدهما أن يذكره بطريق الصفة والآخر أن يذكره بطريق النداء
أما الصفة فنحو أن يقول هذا ابني أو هذه ابنتي
والنداء أن يقول يا بني يا بنتي ولا يخلو إما إن كان العبد مجهول النسب أو معروف النسب من غيره
ولا يخلو إما إن كان يصلح ولدا له أو لا يصلح وكذلك في سائر القرابات المحرمة للنكاح
أما في الصفة بأن قال هذا أخي أو عمي أو خالي فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه يعتق وسوى بين الكل إلا في الأخت والأخ فإنه لا يعتق إلا بالنية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه سوى بين الكل وقال يعتق
وأما النداء إذا قال يا بني يا بنتي يا أمي يا أبي فإنه لا يعتق إلا إذا نوى لأن النداء لا يراد به ما وضع لهاللفظ وإنما يراد به استحضار المنادى إلا إذا ذكر اللفظ الموضوع للحرية كقوله يا حر يا مولاي فيعتق لأن في الموضوع لا يعتبر المعنى
ثم ينظر إن كان مجهول النسب وهو يصلح ولدا له أو والدا فإنه يثبت النسب ويعتق
وإن كان معروف النسب من غيره فإنه لا يثبت النسب ولكن يعتق لاحتمال النسب منه بالنكاح أو الوطء عن شبهة والاشتهار من غيره أو بسبب الزنا
وعند الشافعي ما لم يثبت النسب منه لا يثبت العتق
وإن كان لا يصلح ولدا ولا والدا ولا عما قال أبو حنيفة يعتق
وقال أبو يوسف و محمد و الشافعي لا يعتق
ولو قال هذه بنتي أو أمي وهي تصلح لذلك فإن كانت مجهولة النسب وليس للمدعي أم معروفة يثبت النسب والعتق والحرمة
وإن كانت معروفة النسب أو كانت للمدعي أم معروفة لا يثبت النسب ولكن يثبت العتق والحرمة
وإن كانت لا تصلح بنتا له أو أما له يثبت العتق عند أبي حنيفة ولكن لا تثبت الحرمة
وهذا إذا لم تكن زوجة له
فإن كانت زوجة له فقال هذه بنتي أو أمي فإن كانت معروفة النسب لا تثبت الحرمة أيضا
وكذلك إذا كانت البنت أكبر سنا منه والأم أصغر سنا منه لا تقع الفرقة
وعلى هذا قالوا في الزوجة إذا قال هذه بنتي وهي تصلح بنتا له ثم قال أوهمت أو أخطأت لم تقع الفرقة وإنما تقع إذا دام على ذلك وثبت
ولو قال لعبده هذا ابني أو لأمته هذه بنتي ثم قال أخطأت يعتق ولا يصدق
لو قال لأمته وهي مجهولة النسب وهي أصغر سنا منه هذه بنتي ثم تزوجها جاز سواء أصر على ذلك أم لا كذلك ذكر في كتاب النكاح
ولكن قالوا هذا الجواب في معروفة النسب فأما في المجهولة إن دام على ذلك ثم تزوجها لم يجز وإن لم يدم عليه جاز
ولو قال لعبده هذه بنتي أو لأمته هذا ابني اختلف المشايخ فيه
ثم في معروف النسب من الغير إذا أعتق هل تصير أمه أم ولد له إذا كانت في ملكه بعضهم قالوا لا يثبت الاستيلاد سواء كان الولد معروف النسب أو مجهول النسب
وقال بعضهم يثبت في الحالين
وبعضهم فرق إن كان معروف النسب لا يثبت وفي مجهول النسب يثبت
باب آخر من العتق
في هذا الباب فصول أحدها الإعتاق بين الشريكين أو الشركاء والأصل فيه أن الإعتاق يتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله
وعند أبي يوسف و محمد لا يتجزأ
وقال الشافعي في حالة اليسار لا يتجزأ
وفي حالة الإعسار يتجزأ
فيخرج المسائل على هذا إذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين شريكه أعتق نصيبه لا غير سواء كان موسرا أو معسرا ولشريك المعتق خمس خيارات إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء دبره وإن شاء كاتبه وإن شاء استسعاه وإن شاء ضمن المعتق إن كان موسرا
غير أنه إذا دبره يصير مدبرا نصيبه ويجب عليه السعاية للحال فيعتق ولا يجوز له أن يؤخر عتقه إلى ما بعد الموت
ثم إذا أعتق العبد بإعتاق الشريك نصيبه أو بالاستسعاء واستيفاء بدل الكتابة يكون الولاء بينهما لوجود الإعتاق منهما
وإن ضمن المعتق فللمعتق أن يعتقه إن شاء وإن شاء استسعاه وإن شاء كاتبهأو دبره لأن نصيبه انتقل إليه في حق الإعتاق والمدبر يحتمل النقل في حق الإعتاق لا غير فكان له الخيار كما في الشريك قبل التضمين ويكون الولاء كله له
وقال أبو يوسف و محمد يعتق كله
ثم إن كان المعتق موسرا فللشريك أن يضمنه إن شاء وإن شاء ترك وليس له أن يستسعي العبد وإن كان معسرا له أن يستسعي
وقال الشافعي إن كان المعتق موسرا يعتق كله وله أن يضمنه وإن كان معسرا يعتق ما أعتق ويبقى الباقي رقيقا ويجوز فيه جميع التصرفات المزيلة للملك في نصيبه
ولو كان العبد كله لرجل واحد فأعتق نصفه أو شيئا معلوما منه فإنه يعتق بقدره وله الخيار في الباقي بين أن يعتق أو يدبر أو يكاتب أو يستسعي ويكون الولاء كله له إذا أعتق بالإعتاق أو بالسعاية
وعندهما يعتق كله وليس له أن يستسعيه
وكذا لو أعتق نصيبه بإذن شريكه فللشريك أن يستسعي وليس له حق التضمين لأنه سقط بالإذن وهذا قول أبي حنيفة
وعندهما يسقط الضمان وليس له حق الاستسعاء
وكذلك لو أعتق نصيب شريكه بإذنه يعتق عند أبي حنيفة وليس أن يضمن شريكه الذي يقع الإعتاق من جهته لأنه راض بفساد نصيب نفسه بالإقدام على إعتاق نصيب شريكه وله أن يستسعي العبد
وعلى قولهما ليس له أن يستسعي وقيل إن على قولهما ينبغي أن يكون له حق التضمين لأنه ضمان تملك
ولو أعتق نصيب شريكه بغير إذنه لا ينفذ عتقه لأنه أضاف عتقه إلى ما ليس بمملوك له فلا ينفذ ويتوقف على إجازته
ثم تفسير اليسار الذي يتعلق به وجوب الضمان هو أن يكون المعتقمالكا لمقدار قيمة ما بقي من العبد قلت أو كثرت
وتفسير الإعسار أن لا يقدر على هذا
ثم إنما تعتبر القيمة في الضمان والسعاية يوم الإعتاق لأنه سبب الضمان
وكذا يعتبر حال المعتق في يساره وإعساره يوم الإعتاق حتى إذا كان موسرا يثبت للشريك حق التضمين فإذا أعسر المعتق لا يبطل حق التضمين وإن كان معسرا حتى يثبت حق الاستسعاء للشريك ثم إذا أيسر المعتق ليس للشريك حق التضمين
ولو اختلفا في قيمة العبد لا يخلو إما إن كان العبد قائما أو هالكا فإن كان قائما إن كانت الخصومة وقعت في حال الإعتاق تعتبر قيمة العبد للحال ويحكم عليه بذلك ويسقط اعتبار البينة والتحالف
وإن اتفقا أن الإعتاق سابق على حال الخصومة فلا يمكن الرجوع إلى قيمة العبد للحال لأن قيمة العبد قد تزيد وتنقص في هذه المدة ويكون القول قول المعتق لأنه ينكر الزيادة
وإن كان العبد هالكا فالقول قول المعتق لإنكاره الزيادة
وإن اختلفا في حال المعتق من اليسار والإعسار والعتق متقدم على حال الخصومة إن كانت مدة يختلف فيها اليسار والإعسار فالقول قول المعتق لأنه ينكر اليسار وإن كان لا يختلف يعتبر الحال
والفصل الثاني إذا قال لعبديه أحدكما حر أو قال هذا حر أو هذا حر أو سماهما فقال سالم حر أو بزيع حر فالمولى بالخيار بين أن يعين العتقفي أيهما شاء
وكذلك في إعتاق إحدى أمتيه فإنه أثبت العتق في أحدهما فهو المبهم فكان البيان إليه
فإذا خاصمه العبدان إلى الحاكم أجبره الحاكم على أن يعين أحدهما لأنه تعلق به حق العتق لأحدهما
فإن لم يخاصما عند الحاكم واختار إيقاع العتق على أحدهما وقع العتق عليه حين اختار عتقه وهما قبل ذلك بمنزلة العبدين ما دام خيار المولى قائما فيهما
فأما إذا انقطع خيار المولى وأحدهما في ملكه تعين للعتق بأن مات أحد العبدين
وإذا مات المولى يعتق من كل واحد منهما نصفه لأن الخيار فات بموت المولى ولا يعرف الحر من العبد فيشيع فيهما
فإن أخرج المولى أحدهما عن ملكه بوجه من الوجوه بأن باعه أو رهنه أو آجره أو كاتبه أو دبره أو كانتا أمتين فاستولد إحداهما أو باع أحدهما على أنه بالخيار أو على أن المشتري بالخيار أو باع أحدهما بيعا فاسدا وقبضه المشتري أو حلف على أحدهما بالإعتاق إن فعل شيئا فذلك كله اختيار لإيقاع العتق في الآخر لأن المخير بين الشيئين إذا فعل ما يستدل به على الاختيار قام مقام قوله اخترت وفي هذه المواضع وجد ما يستدل به على الاختيار لأنه إما أن يزيل الملك أو هو سبب لإنشاء زوال الملك أو العتق أو تصرف لا يجوز إلا بالملك
فأما إذا وطىء إحدى أمتيه التي أبهم العتق فيهما لا يكون اختيارا للعتق عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن تعلق منه وعندهما يكون اختيارا
وكذلك الخلاف إذا لمسها لشهوة
وأجمعوا أنه لو استخدم إحداهما لا يكون بيانا والمسألة معروفة
والفصل الثالث إعتاق الحمل والأصل فيه أن الحمل يعتق بإعتاق الأم تبعا ويعتق بإضافة العتق إليه مقصودا أيضا لأنه أصل من وجه تبع من وجه
إذا ثبت هذا نقول إذا قال لأمته ما في بطنك حر فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ قال ذلك يعتق وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ قال ذلك لم يعتق لأنا تيقنا بالعلوق في الفصل الأول ووقع الشك في الثاني فلا يعتق مع الشك
فإن ولدته ميتا بعد القول بيوم لم يعتق لأنا لم نعلم حياته عند الإيقاع
فإن كانت الأمة في عدة من زوج عتق الولد إذا ولدته ما بينها وبين السنتين منذ وجبت العدة وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ قال المولى لأنا نحكم بثبوت نسب هذا الولد من الزوج فلا بد أن يحكم بوجوده قبل الطلاق
والعتاق متأخر عن ذلك
ولو قال ما في بطنك حر ثم ضرب رجل بطنها بعد يوم فألقت جنينا ميتا ففيه ما في جنين الحرة عبدا أو أمة لأنه لما وجب الضمان على الضارب شرعا فقد حكم بكونه حيا يوم الإعتاق
ولو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر منه بيوم عتقا لأنه تيقنا بعتق الذي ولدت لأقل من ستة أشهر والآخر يجب أن يكون موجودا وهو حمل واحد فمتى ثبت حكم الحياة في أحدهما فكذا في الآخر
ولو قال لعبده أو لأمته أنت حر إن شئت أو خيرتك في إعتاقك أو جعلت تقك في يديك فإنه يصح تفويض العتق إلىالرقيق ويكون الخيار إليه في المجلس والجواب في العتق في هذا الفصل والطلاق سواء وقد بيناه في كتاب الطلاق
ولو قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه لا يعتق
وما عرفت من الجواب في استثناء الطلاق فهو الجواب في العتاق وقد ذكرناه في كتاب الطلاق
فصل قال عامة العلماء إن من ملك ذا رحم
محرم منه عتق عليه صغيرا كان المالك أو كبيرا صحيح العقل أو مجنونا
وقال مالك وأصحاب الظواهر لم يعتقوا إلا بإعتاق المالك
وقال الشافعي لا يعتق بالملك إلا من له ولاد
وأجمعوا أنه لا يعتق من كان له رحم غير محرم للنكاح
وأهل الذمة وأهل الإسلام في ذلك سواء بخلاف النفقة فإنها تختلف في الوالدين والمولودين تجب وفي غيرهم من الرحم المحرم لا تجب والمسألة معروفة
ولو ملك سهما من الرحم المحرم عتق بقدر ما ملك عند أبي حنيفة رحمه الله
وعند أبي يوسف و محمد و زفر عتق كله لأن العتق يتجزأ عنده خلافا لهم
ولو ملك رجلان عبدا وهو ابن أحدهما أو ذو رحم محرم منه بعقد عقداه جميعا أو قبلاه جميعا من الشراء والهبة والصدقة لم يضمن من عتق عليه لشريكه شيئا ويسعى العبد له في نصيبه عند أبي حنيفة
وقالأبو يوسف و محمد يضمن الذي عتق عليه نصيبه إن كان موسرا
وأجمعوا أنهما لو ملكاه بسبب الإرث لم يضمن لشريكه شيئا في قولهم جميعا
وعلى هذا إذا باع رجل نصف عبده من ذي رحم محرم من عبده حتى عتق عليه نصيب المشتري لم يضمن للبائع شيئا عند أبي حنيفة خلافا لهما
ويستوي الجواب بين ما إذا لم يعلم أن الشريك أو المشتري قريب العبد وبين ما إذا علم في جواب ظاهر الرواية
وروى بشر عن أبي يوسف إن كان الأجنبي يعرف ذلك فإن العبد يعتق ويسعى للأجنبي في قول أبي حنيفة و أبي يوسف
وإن كان لا يعلم فهو بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء أتم عليه
وعلى هذا الخلاف إذا حلف رجل بعتق عبد إذا ملكه ثم اشتراه هو وآخر لا ضمان عليه لشريكه عند أبي حنيفة وعندهما له أن يضمن ذكر الخلاف أبو بكر الرازي و أبو الحسن الكرخي يقول لا أعرف الرواية في هذه المسألة
ومن أصحابنا من فرق بين المسألتين وهذه المسألة تعرف في الخلافيات
فصل أصل هذا أن العتق
المضاف إلى الملك كالمعلق في الملك عندنا خلافا للشافعي وهي مسألة معروفة
إذا ثبت هذا نقول إذا قال كل مملوك لي فهو حر فإنه يقع على ما هو مملوكه للحال
وكذا إذا قال كل مملوك أملكه فهو حر ولا نية له فهو علىمملوك له يوم حلف ولا يقع على ما يحدث فيه الملك لأن قوله أملك صار عبارة عن الحال باعتبار العرف فإن من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مسلما
وحكم المسألة أن كل من كان من ملكه من ذكر أو أنثى قن أو مدبر ومدبرة أو أم ولد وأولادها إنه يعتق من غير نية لأنه مملوكه
فأما المكاتب فلا يعتق بالنية لأنه غير مضاف إليه مطلقا
ويدخل العبد المرهون والعبد المستأجر والعبد الذي عليه دين مستغرق
فأما عبيد عبده المأذون فإذا لم يكن على العبد المأذون دين فلا يدخلون عند أبي حنيفة و أبي يوسف إلا بالنية لأنهم لا يضافون إلى المولى مطلقا
وقال محمد يعتقون لأنهم ملكه على الحقيقة
وإن كان على المأذون دين مستغرق لم يعتق عند أبي حنيفة وإن نواهم لأنه لا يملك أكسابه عنده
وقال أبو يوسف إن نواهم عتقوا لأنهم ملكه لكن لا يضافون إليه مطلقا
وقال محمد يعتقون بلا نية لأنهم ملكه والمعتبر عنده الملك دون الإضافة
ولا يدخل في هذا الكلام الحمل نحو أن يكون موصى له بالحمل
وكذلك لو قال إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى أمة حاملا لم يعتقا
وكذلك لو قال لأمته كل مملوك لي حر لم يعتق حملها لأنه لا يسمى مملوكا على الإطلاق فإن كانت الأمة في ملكه يعتق الأم والولد جميعا لكن الولد يعتق بحكم التبعية لا بحكم اليمين
فإن عنى به الذكور دون الإناث لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالىلأنه نوى تخصيص كلامه
ولو نوى في قوله كل مملوك أملكه الاستقبال دون الحال فإنه يقع على ما في ملكه وما يملك في المستقبل جميعا لأن اللفظ ظاهره في العرف للحال فلا يصدق في صرف الكلام عنه ويقع العتق على ما سيملكه بإقراره بالعتق فيما هو ملكه في المستقبل
ولو قال كل مملوك أملكه اليوم وله مملوك فاستفاد في ذلك اليوم مماليك عتق الكل
وكذلك إذا قال هذا الشهر وهذه السنة لأن التوقيت دلالة على اشتمال اليمين على من يملكه في المدة فعتقوا جميعا
فإن قال عنيت أحد الصنفين دون الآخر دين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء لأنه ادعى تخصيص العموم
ولو قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر فهذا على ما ملكه تلك الساعة دون غيرها ولا يعتق ما يستفيد الملك فيه في ساعته تلك لأن المراد بقوله الساعة هو الحال في العرف دون الساعة التي عند المنجمين فكان المراد به ما كان في ملكه في الحال التي حلف
فإن قال أردت من أستفيد الملك فيه في هذه الساعة فقد نوى ما يحتمله كلامه وهو الساعة الزمانية وفيه تشديد على نفسه فيصدق في دخوله ذلك في يمينه ولا يصدق في صرف العتق عمن كان في ملكه
ولو قال كل مملوك أملكه غدا فهو حر ولا نية له قال محمد رحمه الله في الجامع إنه يدخل فيه من كان ملكه في اليوم ودام إلى الغد ومن استفاد ملكه في الغد أيضا وهو قول محمد واعتبر جانب الحال كأنه قال كل مملوك أنا مالكه غدا فهو حر
وقال أبو يوسف رحمه الله يعتق ما يملكه في الغد دون ما جاء الغد وهو في ملكه واعتبرجانب الاستقبال لوجود الإضافة إلى زمان مستقبل
وعلى هذا الخلاف إذا قال كل مملوك أملكه رأس الشهر
وأجمعوا أنه إذا قال كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر أنه على ما هو في ملكه غدا لأن مجيء الغد شرط ومن أضاف العتق إلى شرط يدخل في العتق ما كان مملوكه يوم الحلف دون ما يستفيده
ولو قال كل مملوك أملكه إلى سنة أو إلى ثلاثين سنة فإنه يقع على ما يستقبل بلا خلاف وأولها من حين حلف بعد سكوته لأنه خاص للاستقبال بدلالة العادة
وكذلك لو قال كل مملوك أملكه ثلاثين سنة أو أملكه سنة أو أملكه أبدا أو إلى أن أموت فإنه يدخل فيه ما استأنف فيه الملك دون ما كان في ملكه
فإن قال أردت بقولي أملكه سنة أن يكون في ملكي سنة من يوم حلفت دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء لأن الظاهر أن هذا الكلام يراد به الاستقبال فلا يصدق على خلاف الظاهر في القضاء
ولو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار ثم اشتراه فدخل الدار ثانيا لم يعتق وإن لم يدخل الدار بعد البيع عتق لأن بالبيع لا يزول اليمين لأن بقاء الملك ليس بشرط لبقاء اليمين فإذا بقيت اليمين فإذا اشتراه ودخل فوجد الشرط والعبد في ملكه فعتق
فأما إذا دخل بعد البيع ينحل اليمين لا إلى جزاء لوجود شرط الحنث فإذا دخل بعد ما ملكه ثانيا فقد وجد الشرط ولا يمين فلا يثبت به العتق
ولو قال لعبده إن دخلت هاتين الدارين فأنت حر فباعه فدخل إحداهما ثم اشتراه فدخل الأخرى عتق لأن العتق معلقبدخول الدارين فإنما ينزل عند دخول الأخرى فيشترط قيام الملك عنده لأنه حال نزول الجزاء والملك كان موجودا عند اليمين وحال دخول الدار الأولى ليست حال انعقاد اليمين ولا حال نزول الجزاء فلا يشترط فيه الملك
باب أم الولد
يحتاج في الباب إلى تفسير الاستيلاد وإلى بيان حكم أم الولد
أما الأول فنقول أم الولد كل مملوكة ثبت نسب ولدها من مالك لها أو من مالك لبعضها فإن المملوكة إذا جاءت بولد وادعاه المالك يثبت نسبه وتصير الجارية أم ولد له
وإذا كانت مشتركة فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت النسب منه وتصير الجارية كلها أم ولد له ويضمن قيمة نصيب شريكه ويضمن نصف العقر ويكون الولد حرا
فإن ادعاه الآخر يثبت النسب منهما جميعا وتصير الجارية أم ولد لهما
وكذلك لو ثبت نسب ولد مملوكة من غير سيدها بنكاح أو وطء شبهة ثم ملكها فهي أم ولد له من حين ملكها لا من وقت العلوق وهذا عندنا
وعند الشافعي لا تصير الجارية أم ولد له
وأجمعوا أنه إذا ملك الولد يعتق عليه وهي من مسائل الخلاف
ثم الولد سواء كان ميتا أو حيا أو سقطا قد استبان خلقه أو بعض خلقه إذا أقر به فهو بمنزلة الولد الكامل الحي في صيرورة الجارية أم ولد له لأن الولد الميت يسمى ولدا له وتعلق به أحكام كثيرة
وإن لم يستبن خلقه وادعاه المولى لا تكون أم ولد له لأن هذا لا يسمى ولدا ويجوز أن يكون لحما أو دما عبيطا
وروي عن أبي يوسف أن المولى إذا قال حمل هذه الجارية مني أو هي حبلى مني أو ما في بطنها من ولد فهو مني ثبت النسب وتصير أم ولد له
ولو قال هكذا ثم قال بعد ذلك لم تكن حاملا وإنما كان ريحا
فصدقته الأمة فهي أم ولد له لأن هذا إقرار بكون الولد منه فلا يصح رجوعه ولا يعتبر تصديقها في حق الولد
وأما حكم أم الولد فنقول إنه لا يجوز إخراجها عن ملكه بوجه من الوجوه
ولا يجوز فيها تصرف يفضي إلى بطلان حقها في حق الحرية
ويجوز إعتاقها وتدبيرها وكتابتها لما فيه من إيصال حقها إليها معجلا
ويجوز استخدامها ووطؤها وإجارتها لأنها باقية على ملكه
وهذا قول عامة العلماء خلافا لأصحاب الظواهر
وإذا جاءت أم الولد بولد فإنه يثبت نسبه من غير دعوة لأنها صارت فراشا للمولى إلا أنه ينتفي بمجرد النفي بخلاف فراش النكاح فإنه لا ينتفي إلا باللعان
وإذا زوج أم الولد فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو ابن الزوج لأن فراش المولى زال بالتزويج
فإن ادعى المولى نسب هذا الولد لم يثبت نسبه منه لأن الفراش الظاهر لغيره ولكن يعتق عليه لأنه أقر به على نفسه وهو محتمل
ويستوي الجواب بين ما إذا كان النكاح فاسدا ووطئها الزوج أو جائزا لأن المرأة تصير فراشا بالنكاح الفاسد
ولو زال ملك المولى عنها بموته حقيقة أو حكما بالردة للحقوق بدار الحرب وهي حية يعتق من جميع المال ولا تسعى للوارث ولا للغريم بخلاف المدبر فإنه يعتق من الثلث
ويجب على أم الولد بعد الموت أن تعتد بثلاثة أقراء
وكذلك لو أعتقها في حال الحياة على ما مر
وحكم ولد أم الولد حكم الأم لأنه تابع للأم حالة الولادة
ثم أم الولد لا تضمن عند أبي حنيفة بالغصب ولا بالقبض في البيع الفاسد ولا بالإعتاق بأن كانت أم ولد بين رجلين فأعتقها أحدهما لم يضمن المعتق لشريكه ولم تسع أيضا في شيء
وقال أبو يوسف و محمد يضمن في ذلك كله كالمدبرة والأمة ولقب المسألة أن أم الولد غير متقومة من حيث إنها مال عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما
وأجمعوا أن المدبر متقوم
وروي عن محمد في الإملاء أنه قال إن أم الولد تضمن في الغصب عند أبي حنيفة بما يضمن به الصبي الحر إذا غصب أراد بهذا أنها إذا ماتت من سبب حادث من جهة الغاصب بأن ذهب بها إلى طريق فيه سباع فأتلفها ونحو ذلك
وأجمعوا أنها تضمن بالقتل لأن دمها متقوم وضمان القتل ضمان دم وهي من مسائل الخلاف والله أعلم
باب المدبر
في الباب فصلان بيان المدبر وبيان حكمه
أما الأول فنقول المدبر نوعان مطلق ومقيد
فالمطلق من تعلق عتقه بموت المولى مطلقا من غير قيد الموت بصفة ولا بشرط آخر سوى الموت
والمقيد نوعان أحدهما أن يكون عتقه معلقا بموت موصوف بصفة بأن قال إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا
والثاني أن يكون عتقه معلقا بموته وبشرط آخر سواه
ثم التدبير المطلق له ثلاثة أنواع من الألفاظ أحدها صريح اللفظ مثل أن يقول دبرتك أو أنت مدبر
وروى هشام عن محمد رحمة الله عليهما إذا قال لعبده أنت مدبر بعد موتي فإنه يصير مدبرا للحال لأن المدبر اسم لمن يعتق عليه عن دبر موته فقوله أنت مدبر بعد موتي وأنت حر بعد موتي سواء
وكذلك إذا قال أعتقتك بعد موتي أو أنت حر بعد موتي أو أنت حر عن دبر موتي
والثاني بلفظة اليمين بأن قال إن مت فأنت حر أو إن حدث لي حدث فأنت حر ونحو ذلك
والثالث لفظة الوصية بأن قال أوصيت لك برقبتك أو أوصي له بثلث ماله فيدخل فيه رقبته أو بعض رقبته لأن الإيصاء للعبد برقبته إزالة ملكه عن رقبته لأنه لا يثبت له الملك في رقبته فبيع نفس العبد منه إعتاق فيصير كأنه قال أنت حر بعد موتي
وأما حكم المدبر المطلق فنقول إنه يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته إن كان يخرج من الثلث وإن لم يخرج يعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه
وكذلك الجواب في المدبر المقيد إنه يعتق من الثلث
وأما حكمه في حالة الحياة فإنه يثبت له حق الحرية أو الحرية من وجه فلا يجوز إخراجه عن ملكه إلا بالإعتاق أو بالكتابة ولا يجوز فيه تصرف يبطل حقه أما ما لا يبطل حقه فيجوز
ولهذا لا يجوز رهن المدبر لأن فيه نقل الملك في حق الحبس
ولو زوج المدبرة جاز
وكذلك لو أجره لأن هذا تصرف في المنفعة
وكذا أكساب المدبر والمدبرة ومهرها وأرشها للمولى لأن المدبر باق على ملكه
وولد المدبر المطلق حكمه حكم أمه يعتق بموت المولى
وهذا كله مذهبنا وقال الشافعي يجوز بيع المدبر المطلق والمسألة معروفة
وأما حكم المدبر المقيد فنقول في حال الحياة إنه لا يكون مدبرا حقيقة للحال حتى يجوز جميع التصرفات فيه
وأما حكمه بعد الموت فالذي علق عتقه بموت موصوف بصفة بأنه قال إن مت من مرضي هذا أو إن مت من سفري هذا أو إن قتلت أو غرقت فإنه إذا مات من غير ذلك الوجه لا يعتق لأنه لم يوجد الشرط وهو الموت بصفة
وإن مات من مرضه أو سفره فإنه يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته ولا يحتاج إلى إعتاق الورثة لأنه لم يتأخر عتقه عن الموت
فأما إذا أخر عتقه عن الموت بأن قال أنت حر بعد موتي بساعة أو بيوم أو بشهر ونحوه فإنه لا يعتق بالموت لأنه أخر عتقه عن الموت إلى وقت فيكون مضافا إلى الوقت فإذا جاء الوقت لا يعتق ولكن يعتقه الوصي أو الوارث أو القاضي لأن هذا وصية بالإعتاق لأن الميت لا يكون من أهل الإعتاق
وكذلك الجواب في المدبر الذي علق بموته وبشرط آخر بأن قال أنت حر بعد موتي وموت فلان أو إن مت أنا وفلان فأنت حر أو قال إن مت ودخلت الدار أو إن كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي فإن وجد الشرط قبل الموت بأن مات فلان أو كلم فلانا صار مدبرا مطلقا لأنه بقي عتقه معلقا بالموت لا غير
وأما إذا مات هو أولا ثم مات فلان فإنه لا يعتق
وكذلك إذا مات ثم دخل العبد الدار فإنه لا يعتق لأنه لم يوجد الشرطان
وأما إذا وجد موت فلان أو دخول الدار فكذلك لأن المولى خرجمن أن يكون من أهل الإعتاق بالموت ولكن يجعل هذا وصية بالإعتاق فينبغي للوصي أن يعتقه
وما عرفت من الجواب في الموت الحقيقي فهو الجواب في الموت الحكمي وذلك نحو أن يرتد المولى ويلحق بدار الحرب ويقضي القاضي بلحاقه لأن المرتد حكمه حكم الميت في الأحكام والله أعلم
باب الكتابة
يحتاج في الباب إلى تفسير الكتابة وإلى بيان حكمها
أما الأول فنقول الكتابة عقد مشروع مندوب إليه لأنه سبب العتق قال الله تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا }
ثم الكتابة نوعان حالة ومؤجلة
أما الكتابة الحالة فجائزة عندنا وعند الشافعي لا تجوز على عكس السلم فالسلم الحال لا يجوز عندنا وعند الشافعي السلم الحال جائز
وأما الكتابة المؤجلة فجائزة بلا خلاف
وتفسيرها أن يقول الرجل لعبده كاتبتك على ألف درهم على أن تؤدي إلي كل شهر كذا على أنك إذا أديت فأنت حر
وكذلك إذا قال إذا أديت إلي ألف درهم كل شهر منه كذا فأنت حر وقبل العبد فإنه يكون كتابة لأن معنى الكتابة ليس إلا الإعتاق على مال مؤجل منجم بنجوم معلومة ولكن إنما يجوز إذا قبل بدل الكتابة لأنه عقد معاوضة فلا بد من الإيجاب والقبول
وكذلك لو قال كاتبتك على ألف درهم ونجمه وسمى النجوم وقبل العبد فإنه يكون كتابة وإن لم يعلق العتق بالأداء ولم يقل على أنك إن أديت إلي ألفا فأنت حر لأنه عقد معاوضة فيعتق بحكم المعاوضة لا بحكم الشرط
وعلى قول الشافعي لا بد من ذكر التعليق بشرط الأداء
ولهذا إنه لو أبرأ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق ولو كان معلقا بالأداء لا يعتق بدون الشرط
وأما حكم الكتابة فنقول أما حكمها قبل أداء الكتابة فأن يكون أحق بمنافعه ومكاسبه ويبقى على ملك المولى حتى لو أعتق عن كفارة يمينه جاز عندنا خلافا للشافعي وهي مسألة كتاب الأيمان
وأجمعوا أنه لو أدي بعض بدل الكتابة فأعتقه عن الكفارة لا يجوز لأنه يصير في معنى الإعتاق على عوض من وجه
ولو أراد المولى أن يمنعه من الكسب ليس له ذلك لأن الكسب حق المكاتب
ولو تزوج لا يجوز لأنه ليس من باب الكسب وفيه ضرر بالمولى بلزوم المهر في رقبته
ولا يجوز فيه تصرف يفضي إلى إبطال حق المكاتب من البيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها فلا يجوز فيه إلا الإعتاق والتدبير لأن فيه منفعة له
ثم عقد الكتابة لازم في حق المولى حتى لا يملك فسخه إلا برضاالمكاتب وغير لازم في حق المكاتب حتى أن له أن يعجز نفسه فيفسخ عقد الكتابة بدون رضى المولى إلا أنه إذا أخل بنجم فلم يؤد وعجز عنه للمولى أن يفسخ العقد وروي عن أبي يوسف أنه لا يفسخ ما لم يخل بنجمين لأنه لو لم يثبت حق الفسخ عند الامتناع عن الأداء يتضرر به المولى
فأما حكم الأداء فإنه إذا أدى البدل بتمامه يثبت العتق لأنه عقد معاوضة فمتى سلم البدل يسلم المبدل ويكون أكسابه وأولاده سالمة له فيعتق أولاده بعتقه
وكذلك إذا أبرأه المولى عن البدل لأنه حق المولى فيقدر على إسقاطه عنه كما في سائر الديون
وإذا مات الكاتب فإن مات عاجزا فإنه ينفسخ عقد الكتابة لأنه لا فائدة في بقائه
فأما إذا مات عن وفاء فإنه يؤدي بدل كتابته من تركته فيأخذ المولى فيعتق عن آخر جزء من أجزاء حياته فيعتق أولاده وما فضل من التركة يكون ميراثا لورثته الأحرار
وكذلك إذا لم يترك وفاء ولكن ترك ولدا مولودا في الكتابة فإن الولد يقوم مقامه في أداء البدل لكونه مكاتبا تبعا له فإذا عجز الأصل قام التبع مقامه وإذا أدى يعتق المكاتب وولده
وبين الفصلين فرق في حق بعض الأحكام على ما يعرف في الزيادات إن شاء الله تعالى
ولو قال لعبده إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر أو إذا أديت إلي قيمتك فأنت حر فأداه يعتق لأن العتق معلق بالأداء فإذنوجد شرطه قال الكرخي ولا يكون هذا كتابة وإن كان فيه معنى الكتابة من وجه حتى أن العبد إذا جاء بالبدل فإنه يجبر على قبوله أي يصير المولى قابضا له كما في الكتابة
وبيان التفرقة بينهما في مسائل فإنه إذا مات العبد ههنا قبل الأداء وترك مالا فالمال كله للمولى ولا يؤدي عن فيعتق بخلاف الكتابة
وكذا لو مات المولى وفي يد العبد كسب فالعبد رقيق يورث عنه مع أكسابه بخلاف الكتابة
ولو كانت هذه أمة فولدت ثم أدت لم يعتق ولدها بخلاف المكاتبة إذا ولدت ثم أدت فعتقت يعتق ولدها
ولو قال العبد للمولى حط عني مائة فحط المولي عنه فأدى تسعمائة فإنه لا يعتق بخلاف الكتابة
ولو أبرأ المولى العبد عن الألف لم يعتق
ولو أبرأ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق
ولو باع هذا العبد ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف
وقال محمد في الزيادات لا يجبر على قبولها فإن قبلها عتق
وكذلك لورد إليه بخيار أو بعيب
ولو باع المكاتب لا يجوز إلا برضاه ومتى رضي ينفسخ الكتابة
وذكر في الأصل إذا قال لعبده إن أديت إلي ألفا فأنت حر فإن ذلك على المجلس لأن العتق معلق باختيار العبد فكأنه قال أنت حر إن شئت
وروي عن أبي يوسف أنه لا يقف على المجلس لأنالعتق معلق بالشرط فلا يقف على المجلس كقوله إن دخلت الدار
وأما الإعتاق على مال فهو خلاف الكتابة وخلاف تعليق العتق بالأداء فإنه إذا قال لعبده أنت حر على ألف درهم فقبل العبد فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته لأنه أعتقه بعوض فمتى قبل يزول العوض عن صاحبه كما في البيع
وكذا إذا قال لعبده أنت حر على قيمة رقبتك فقبل ذلك فإنه يعتق
وكذا لو أعتقه على مكيل أو موزون موصوف في الذمة معلوم الجنس يجوز فإن هذا يصلح عوضا في البيع
ولو أعتق على عوض بعينه وهو ملك غيره فإنه يعتق فإن أجاز المالك يستحق عينه وإن لم يجز يجب على العبد قيمة رقبته
وكذلك لو أعتق على عوض بغير عينه معلوم الجنس جاز فإن كان موصوفا فعليه تسليمه وإن لم يكن موصوفا فعليه الوسط من ذلك فإن جاء بالقيمة أجبر المولى على القبول كما في المهر
ولو أعتقه المولى على مجهول الجنس بأن قال أنت حر على ثوب يعتق ويلزمه قيمة نفسه لأن جهالة الجنس تمنع صحة البدل كما في المهر
فلو أدى إليه العوض فاستحق من يد المولي فإن كان بغير عينه في العقد فعلى العبد مثله لأنه لم يعجز عن الذي هو موجب العقد
وإن كان عينا في العقد وهو عوض أو حيوان فإنه يرجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة و أبي يوسف
وقال محمد يرجع بقيمة المستحق
وعلى هذا الخلاف إذا باع نفس العبد منه بجارية ثم استحقت الجارية أو هلكت قبل التسليم فعندهما يرجع بقيمة العبد وعنده يرجع بقيمة الجارية وهي مذكورة في الخلافيات
باب ولاء العتاقة
الولاء يثبت للمعتق بالإعتاق شرعا دون المعتق
وأصله ما روي أن رجلا سأل النبي عليه السلام فقال إني اشتريت عبدا فأعتقه فقال عليه السلام إن شكرك فهو خير له وشر لك وإن كفرك فهو شر له وخير لك
هو أخوك ومولاك وإن مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته
ثم الولاء يثبت به الإرث والعقل وولاية النكاح قال عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث
ثم الولاء كما يثبت بحقيقة الإعتاق يثبت أيضا بحق العتق فإن ولاء المدبر يثبت بالتدبير لمدبره ولا ينتقل عنه وإن عتق من جهة غيره لأن الولاء قد ثبت بحق الحرية للمدبر والولاء لا يحتمل الفسخ ولا يتحول عنه
وصورة المسألة أن مدبرة بين شريكين جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه وعتق عليه وغرم نصيب شريكه منه والولاء بينهما
وكذلك مدبر بين شريكين أعتقه أحدهما وهو موسر فضمن عتق بالضمان ولم يتغير الولاء عن الشركة عند أبي حنيفة وعندهما إذا أعتق أحدهما نصيبه عتق جميعه والولاء بينهما
ثم الولاء يثبت لكل معتق بأي وجه حصل العتق سواء كان المعتق رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا إلا أن الكافر لا يرث المسلم لكفره حتى لو أسلم يرث بالولاء الذي يثبت له بالإعتاق
قال عليه السلام ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن ( الحديث )
لكن المعتق يرث بالولاء بطريق التعصيب وهو آخر العصبات عند عامة الصحابة وهو قول عامة العلماء فإن لم يكن سواه وارث فالكل له وإن كان معه أصحاب الفرائض يعطي أصحاب الفرائض فرائضهم والباقي له
وقال ابن مسعود هو آخر ذوي الأرحام حتى إذا لم يكن للمعتق أحد من الأقرباء يكون له
وإذا مات المعتق فإنه لا يورث الولاء حتى يكون لأصحاب الفرائض فرائضهم والباقي للعصبة لما روينا أنه لا يورث ولكن يكون الولاء للذكور من عصبة المعتق الأقرب فالأقرب على ما يعرف في كتاب الفرائض
باب ولاء
الموالاة الأصل في شرعية عقد الموالاة قوله تعالى { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم }
وتفسير عقد الموالاة أن من أسلم على يدي رجل وقال له أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيت وقال الآخر قبلت فينعقد بينهما عقد الموالاة
وكذا إذا قال واليتك وقال الآخر قبلت
وكذلك إذا عقد مع رجل غير الذي أسلم على يديه
وكذلك اللقيط إذا عقد مع غيره عقد موالاة
وشرط صحة عقد الموالاة أن لا يكون للعاقد وارث مسلم
وإذا انعقد عقد الموالاة يصير مولى له حتى لو مات ولم يترك وارثا يكون ميراثه لمولاه ولو جنى يكون عقله عليه ويلي عليه في الجملة
وللمولى الأسفل أن يتحول بولائه إلى غيره ما لم يعقل المولي الأعلى عنه فإذا عقل عنه لا يقدر أن يتحول بالولاء إلى غيره وصار العقد لازما إلا إذا اتفقا على النقض
ولو أراد أحدهما نقض الموالاة بغير محضر من صاحبه لم ينتقض
ولو كان رجلان ليس لهما وارث مسلم وهما مسلمان في دار الإسلام فوالى أحدهما صاحبه ثم والاه الآخر فعند أبي حنيفة يصير الثاني مولى للأول ويبطل ولاء الأول وعندهما كل واحد منهما مولى لصاحبه
فهما يقولان إن الجمع بين الولائين ممكن فإنه يجوز أن يكون شخصان كل واحد منهما يرث من صاحبه ويعقل عنه كالأخوين وابني العم فلا يتضمن صحة أحدهما انتقاض الآخر بل يثبتان جميعا و أبو حنيفة يقول إن المولى الأسفل تابع للمولى الأعلى وهو فوقه كالمعتق تابع للمعتق ولهذا يلي الأعلى على الأسفل ويعقل عنه ولا يجوز أن يكون التبع متبوعا لمتبوعه والمتبوع تبعا لتبعه وإذا لم يجز الجمع بينهما فيتضمن صحة الثاني انتقاض الأول
ثم مولى الموالاة آخر الورثة حتى إذا لم يكن للميت أحد من الورثة قريب أو بعيد يرث وإلا فلا وهذا عندنا
وقال الشافعي إنه لا يورث بولاء الموالاة ويكون ماله لبيت المال وعلى هذا الخلاف لو أوصى بجميع ماله لإنسان ولا وارث له يصح عندنا وعند الشافعي لا يصح وهي مسألة كتاب الفرائض
كتاب الأيمان
ذكر محمد في الأصل وقال الأيمان ثلاثة يمين تكفر ويمين لا تكفر ويمين نرجو أن لا يؤاخذ الله تعالى بها صاحبها
أما اليمين التي تكفر فهي اليمين على أمر في المستقبل
وهي أنواع إما أن يعقد على ما هو متصور الوجود عادة أو على ما هو مستحيل غير متصور الوجود أصلا أو على ما هو متصور الوجود في نفسه لكن لا يوجد على مجرى العادة وهذه الجملة قد تكون في الإثبات وقد تكون في النفي وتكون مطلقة وموقوتة
أما النوع الأول فإن كان في الإثبات مطلقا بأن قال والله لآكلن هذا الرغيف أو لآتين البصرة فما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين فهو على يمينه لتصور البر وهو الفعل مرة في العمر فإذا هلك أحدهما صار تاركا للبر فيحنث في يمينه
وإن كان في موضع النفي مطلقا بأن قال والله لا آكل هذا الرغيف أو لا أدخل هذه الدار فإن فعل مرة حنث لأنه فات البر
وإذا هلك الحالف أو المحلوف عليه قبل الفعل لا يحنث لأن شرط بره هوالامتناع عن الفعل ولا يتصور ذلك الفعل بعد هلاك الحالف أو هلاك المحلوف عليه
وأما الموقتة صريحا في الإثبات كقوله والله لآكلن هذا الرغيف اليوم فإن مضى اليوم والحالف والمحلوف عليه قائمان يحنث في يمينه لأنه فات البر لفوات وقته المعين
أما إذا هلك أحدهما في اليوم فإن هلك الحالف قبل مضي اليوم لا يحنث بالإجماع
وإن هلك المحلوف عليه وهو الرغيف قبل مضي اليوم أجمعوا أنه لا يحنث في الحال ما لم يمض اليوم ولا تجب الكفارة حتى لو عجل الكفارة لا يجوز
واختلفوا فيما إذا مضى اليوم قال أبو حنيفة و محمد لا يحنث في يمينه
وقال أبو يوسف يحنث وتجب الكفارة
وعلى هذا الخلاف إذا قال والله لأقضين دين فلان غدا فقضاه اليوم أو أبرأه صاحب الدين اليوم ثم جاء الغد
وكذلك على هذا في اليمين بالطلاق والعتاق بأن قال إن لم أشرب هذا الماء اليوم فامرأته طالق أو عبده حر ثم أهريق الماء قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما حتى لا يقع الطلاق والعتاق عند مضي اليوم وعنده يحنث عند مضي اليوم
وحاصل الخلاف أن تصور البر شرط لانعقاد اليمين عندهما وعند أبي يوسف ليس بشرط إنما الشرط أن يكون اليمين على أمر في المستقبل على ما نذكر فلما كان تصور البر شرطا عندهما لانعقاد اليمين فيكون شرطا لبقائها فإذا هلك المحلوف عليه خرج البر من أن يكون متصورا فتبطل اليمين فإذا مضى الوقت فوجد شرط الحنث ولا يمين فلا يحنث كما إذا هلك الحالف وعنده لما لم يكن تصور البرشرط الانعقاد لا يكون شرط البقاء فتكون باقية فوجد الحنث في آخر اليوم والحالف من أهل وجوب الكفارة فيلزمه بخلاف ما إذا مات الحالف لأنه وجد شرط الحنث لكن الحالف ليس من أهل وجوب الكفارة بعد الموت فلا يجب
وأما إذا حلف على النفي بأن قال والله لا آكل هذا الرغيف اليوم فإن مضى اليوم قبل الأكل بر في يمينه لأنه وجد ترك الأكل في اليوم كله
وإن هلك الحالف أو المحلوف عليه بر في يمينه أيضا لأن شرط البر عدم الأكل وقد تحقق
وأما إذا عقد اليمين على فعل لا يتصور وجوده أصلا بأن قال والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز وليس في الكوز ماء فلا ينعقد اليمين عند أبي حنيفة و محمد رحمة الله عليهما وعند أبي يوسف ينعقد ويحنث للحال فهما يقولان إن اليمين يعقد للبر ثم تجب الكفارة لرفع حكم الحنث وهو الإثم فإذا لم يكن البر متصورا فلا يتصور الحنث فلا فائدة في انعقاد اليمين
وعلى هذا الخلاف إذا قال والله لأقتلن فلانا وهو لا يعلم بموته لأن يمينه تنصرف إلى الحياة التي كانت وقد فاتت بحيث لا يتصور عودها
فأما إذا كان عالما بموته فإنه تنعقد اليمين بالإجماع لأن يمينه تنصرف إلى الحياة التي تحدث فيه فيكون البر متصورا لكنه خلاف المعتاد فيكون من القسم الثالث هكذا فصل في الجامع الصغير وهو الصحيح
ونظير القسم الثالث أيضا إذا قال والله لأصعدن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا أو لأشربن ماء دجلة كله لأن البر متصور على خلاف العادة فباعتبارالتصور تنعقد اليمين في الجملة وباعتبار العجز من حيث العادة يحنث في الحال
فأما إذا وقت اليمين فقال والله لأصعدن السماء اليوم فعند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله يحنث في آخر اليوم لأن البر يجب في الموقتة في آخر اليوم ويكون الوقت ظرفا لأنه يفضل عنه
وعند أبي يوسف يحنث للحال لتحقق العجز للحال وهو الصحيح من مذهبه
وإنما يتأخر الحنث إلى آخر الوقت عنده فيما إذا كان الفعل متصورا من حيث العادة ثم فات بسبب هلاك المحلوف عليه كما ذكرنا
ونوع آخر من اليمين في المستقبل ما تكون موقتة دلالة وهي تسمى يمين الفور وهي كل يمين خرجت جوابا لكلام أو بناء على أمر فتتقيد بذلك بدلالة الحال
كمن قال لآخر تعال تغد معي فقال والله لا أتغدى ولم يتغد معه وذهب إلى بيته وتغدى لا يحنث في يمينه استحسانا خلافا ل زفر
وكذلك إذا أرادت امرأة إنسان أن تخرج من الدار فقال لها إن خرجت فأنت طالق فتركت الخروج ساعة ثم خرجت لا يحنث ويتقيد بتلك الحال ولهذا نظائر
وأما اليمين التي لا تكفر فهي يمين الغموس وهي اليمين الكاذبة قصدا في الماضي كقوله والله لقد دخلت هذه الدار وهو يعلم أنه ما دخلها
وفي الحال نحو قوله لرجل والله إنه عمرو مع علمه أنه زيد ونحوها
وحكمها وجوب التوبة والاستغفار دون الكفارة بالمال عندنا
وعند الشافعي تجب الكفارة بالمال وهي مسألة معروفة
وأما اليمين التي يرجى فيها عدم المؤاخذة فهي اليمين الكاذبة خطأ وهي تسمى يمين اللغو كمن قال والله ما دخلت هذه الدار وعنده كذلك والأمر بخلافه
أو رأى طيرا من بعيد فظن أنه غراب فقال والله إنه لغراب فإذا هو حمام
ولا حكم لهذه اليمين أصلا
وقال الشافعي يمين اللغو هي اليمين التي تجري على لسان الحالف من غير قصد لا والله وبلى والله أو كان يقرأ القرآن فجرى على لسانه اليمين
باب ألفاظ اليمين
اليمين خمسة أنواع يمين بالله تعالى صريحا وهي نوعان يمين بأسمائه ويمين بصفاته
والثالث يمين بالله تعالى بطريق الكناية
والرابع اليمين بغير الله تعالى صورة ومعنى
والخامس اليمين بغير الله تعالى صورة ومعنى
أما اليمين بأسماء الله تعالى فالحلف بكل اسم من أسمائه بأن قال بالله أو والله أو تالله أو الله أو الرحمن أو الرحيم أو بالعالم أو القادر ونحو ذلك لأن من أسماء الله تعالى ما يكون خاصا لا يجوز إطلاقه على غير الله تعالى ومنها ما يجوز لكن متى ذكر في موضع القسم والقسم لا يجوز بغير الله فكان المراد به اسم الله تعالى
وأما الحلف بصفاته فأقسام ثلاثة أحدها أن يذكر صفة لا تستعمل إلا في الصفة في عرف الناس كقولهم وعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه
وإن كان يستعملصفة لغيره لكن تعين كون صفة الله تعالى مرادا به بالإضافة إلى الله تعالى تنصيصا
والقسم الثاني أن يحلف بصفة تستعمل صفة لله ولغيره وتستعمل في غير الصفة لكن لا يكون استعماله في غير الصفة غالبا بحيث تسبق الأفهام إليه عند الذكر نحو قولهم وقدرة الله وقوته وإرادته ومشيئته ونحو ذلك فيتعين صفة لله تعالى مقسما به بدلالة ذكر القسم
ومن هذا القسم وأمانة الله في ظاهر الرواية خلافا لما ذكره الطحاوي أنه لا يكون يمينا وإن نوى وخلافا لما روي عن أبي يوسف أنه لا يكون يمينا
والقسم الثالث أن يحلف بصفة تستعمل صفة لله تعالى ولغيره وتستعمل في غير الصفة لكن على وجه غلب استعماله فيه بحيث لا تسبق الأفهام إلا إليه عند الذكر مطلقا
وذلك نحو قولهم وعلم الله ورحمة الله وكلام الله وكذا الرضا والغضب والسخط فإنه يذكر العلم ويراد به المعلوم غالبا وكذا الرحمة تذكر ويراد بها الجنة وآثار الرحمة من النعمة والسعة
فعندنا إن نوى به اليمين يكون يمينا وإن لم ينو لا يكون يمينا
وقال الشافعي يكون يمينا كسائر صفاته بدلالة القسم
وعلى هذا قال في ظاهر الرواية وحق الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا ما لم ينو لأنه يستعمل في العرف في الحق المستحق لله تعالى على عباده
ولو قال والحق لا أفعل كذا يكون يمينا لأنه اسم من أسماء الله تعالىقال الله تعالى { ويعلمون أن الله هو الحق المبين }
ولو قال حقا بالفارسية اختلف المشايخ فيه
ثم في اليمين بأسماء الله تعالى وصفاته إذا ذكر القسم والمقسم به والخبر باللفظ المستعمل في الحال بأن قال حلفت بالله أو أقسمت بالله لأفعلن كذا يكون يمينا بلا خلاف
فأما إذا ذكر القسم باللفظ المستقبل بأن قال أحلف بالله أو أقسم بالله لأفعلن كذا أو أشهد بعزة الله تعالى لأفعلن كذا يكون يمينا عندنا
وعند الشافعي لا يكون يمينا إلا بالنية
والصحيح قولنا لأن هذا في العرف يراد به الحال كقولهم أشهد أن لا إله إلا الله ونحو ذلك
وأما إذا ذكر القسم والخبر ولم يذكر المقسم به بأن قال أشهد أو أحلف أو أقسم لأفعلن كذا يكون يمينا عند علمائنا الثلاثة نوى أو لم ينو
وقال زفر إن نوى يكون يمينا
وقال الشافعي لا يكون يمينا وإن نوى
والصحيح قولنا لأن ذكر القسم والخبر دليل على مقسم محذوف وهو اسم الله تعالى
هذا إذا ذكر المقسم به مرة واحدة فأما إذا ذكر مكررا بأن قال والله والله أو والله الرحمن الرحيم إن فعلت كذا ذكر في الجامع الكبير إن لم يدخل بين الاسمين حرف عطف يكون يمينا واحدة وإن دخل بينهما حرف عطف يكون يمينين
وفيه اختلاف الروايات
والصحيح ما ذكر في الجامع ولهذا يستعمل على باب القضاة هذه اليمين والله الرحمن الرحيم الطالب الغالب المدرك
فأما إذا ذكر الخبر معه مكررا بأن قال والله لا أفعل كذا لا أفعل أو والله لا أكلم فلانا والله لا أكلمه فإنه يكون يمينين لأنه وجد تكرار صيغة اليمين إلا إذا أراد بالكلام الثاني الخبر عن الأول فإنه يكون يمينا واحدة
وكذا في اليمين بالطلاق والعتاق على هذا
وأما اليمين بالله تعالى من حيث الكناية نحو قول الرجل هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام أو كافر بالله ونحو ذلك إن فعل كذا يكون يمينا وإن فعل يلزمه الكفارة استحسانا
وقال الشافعي لا يكون يمينا قياسا
وجه قولنا أن الناس تعارفوا الحلف بهذه الألفاظ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير
مع أن اليمين بغير الله معصية دل أنها كناية عن اليمين بالله في العرف وإن لم يعقل معنى كقولهم لله علي أن أضرب ثوبي حطيم الكعبة كناية عن النذر بالصدقة في عرفهم وإن لم يعقل وجه الكناية كذا هذا
وأما إذا قال هو يهودي أو نصراني إن كنت فعلت كذا في الماضي كاذبا قصدا لا يلزمه الكفارة عندنا
ولكن هل يكفر اختلف المشايخ فيه
والصحيح أنه لا يكفر كذا روى الحاكم الشهيد عن أبي يوسف لأن قصده ترويج كلامه دون الكفر
وكذا إذا قال يعلم الله أنه فعل كذا وهو يعلم أنه لم يفعل لا رواية له واختلف المشايخ فيه والصحيح أنه لا يكفر
وقيل هذا إذا كان عنده أنه لا يكفر فأما إذا كان عنده أنه يكفر إذا حلف به في الماضي أو في المستقبل وحنث في يمينه إنه يكفر لأنه بالإقدام عليه صار مختار للكفر واختيار الكفر كفر
وأما اليمين بغير الله تعالى صورة ومعنى بأن حلف بالإسلام أو بأنبياء الله تعالى أو بملائكته أو بالكعبة أو بالصلاة والصوم والحج أو قال عليه سخط الله وعذابه لا يكون يمينا ولا يجب عليه الكفارة
وأما اليمين بغير الله تعالى صورة وهي يمين بالله تعالى معنى فهو الحلف بذكر الشرط والجزاء لأنه مانع عن تحصيل الشرط وحامل على البر بمنزلة ذكر اسم الله تعالى وذلك نحو قولهم إذا دخلت هذه الدار فأنت طالق أو إن دخلت أو متى دخلت أو إذا ما دخلت أو متى ما دخلت إذا وجد الدخول طلقت لأن هذه حروف الشرط وقد وجد الشرط فيحنث في يمينه
ولو دخلت ثانيا لا تطلق لأن هذه الحروف لا تقتضي التكرار
ولو قال كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق فدخلت الدار تطلق
ولو دخلت ثانيا وثالثا تطلق عند كل دخلة طلقة واحدة لأن كلمة كلما توجب تكرار الأفعال
وإذا طلقت ثلاثا فتزوجت بزوج آخر وعادت إليه ثم دخلت الدار في المرة الرابعة لا تطلق لأن محل الجزاء قد فات
ولو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة تطلق لوجود الشرط ولو تزوجها ثانيا لا تطلق
ولو تزوج امرأة أخرى تطلق لأن كلمة كل توجب عموم الأسماء ولا توجب عموم الأفعال وتكرارها
ولو جمع بين الشرطين لا يقع الطلاق إلا بوجودهما فإن جمع بحرف العطف بأن قال إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فلا يقع إلا بدخول الدارين سواء قدم الشرط أو أخر أو كان متوسطا
ويستوي الجواب بين أن يدخل الدار المذكورة أولا أو الثانية لأن حرف الواو لمطلق الجمع ولعطف الشيء على جنسه فيكون الشرط معطوفا على الشرط لا على الجزاء
وإن عطف بحرف الفاء فقال إن دخلت هذه الدار فهذه الدار فأنت طالق فما لم تدخل الدارين على الترتيب بأن تدخل الأولى ثم الثانية لا حنث لأن حرف الفاء للجمع على سبيل الترتيب والتعقيب بلا فصل
ويستوي الجواب بين تقدم الشرط وتقدم الجزاء وتوسطه
ولو عطف بحرف ثم فقال إن دخلت هذه الدار ثم هذه الدار فما لم يدخل الدارين الأولى ثم الأخرى بعد ساعة أو أكثر من ذلك لا يحنث لأن حرف ثم للترتيب على طريق التأخير
وكذلك إذا أعاد حرف العطف مع الفعل في هذه الفصول بأن قال إن دخلت هذه الدار ودخلت هذه الدار فالجواب لا يختلف
وكذلك في حرف الفاء وحرف ثم
ولو قال والله لا أكلم فلانا ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر والله لا أكلم فلانا أو قال لامرأته إن دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم قال بعد ذلك إن دخلت هذه الدار فأنت طالق أو قال والله لا أدخل هذه الدار ثم قال بعد ذلك علي حجة إن دخلت هذه الدار وعبدي حر إن دخلت هذه الدار فهذا على ثلاثة أوجه إما أنلا يكون له نية أو نوى بالثانية التغليظ والتشديد أو نوى بالثانية الأولى فإن لم يكن له نية فهما يمينان حتى لو دخل الدار مرة يلزمه كفارتان في اليمين بالله تعالى وفي اليمين بالطلاق يقع طلقتان ويكون الدخول شرطا في اليمينين
وإن نوى به التغليظ فكذلك لأن التغليظ في أن يكون يمينين حتى يلزمه كفارتان ويقع طلاقان
وإن نوى بالثانية الأولى كانت يمينا واحدة لأنه نوى التكرار وهو مستعمل في العرف للتأكيد إلا أن في مسألة الطلاق لا يصدق في القضاء
باب الخروج والدخول
رجل قال لامرأته أنت طالق إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني أو برضاي أو بعلمي أو بأمري أو بغير إذني أو بغير رضاي فهذا كله سواء إذا خرجت بغير إذنه أو بغير رضاه أو علمه أو أمره حنث
وهنا ثلاث فصول أحدها هذا
والثاني أن يقول إلا أن آذن لك أو حتى أرضى
والثالث أن يقول إلا أن آذن لك أو إلا أن أرضى
أما في الأول فيشترط الإذن في كل مرة لأنه حرم عليها الخروج عاما واستثنى خروجا موصوفا بصفة وهو أن يكون مأذونا فيه من جهته
فإذا وجد خروج بإذن فهو خروج مستثنى عن يمينه فلا يكون داخلا تحت اليمين فلا يحنث
وإذا خرجت بعد ذلك بغير إذن يحنث لأن هذا ليس بخروج مستثنى واليمين باقية فيحنث نظيره إذا قال لامرأته إن خرجت إلا بملحفة أو إلا راكبة فأنت طالق فإن وجد الخروج المستثنى لا يحنث وإن وجد لا على ذلك الوصف يحنث لأن المستثنى غير داخل في اليمين وغير المستثنى داخل فيحنث لوجود الشرط
وأما الثاني بكلمة وحتى فيكتفي فيه بالإذن مرة وتسقط اليمين
وإذا خرجت بغير إذن يحنث لأنه جعل الإذن غاية ليمينه لأن كلمة حتى كلمة غاية فلا تبقى اليمين بعد وجود الغاية فوجد الخروج الذي هو شرط الحنث ولا يمين فلا يحنث
وقبل الإذن اليمين باقية فيحنث بالخروج
وأما الثالث إلا أن آذن لك فعند عامة العلماء هذا بمنزلة قوله حتى
وقال الفراء من أهل النحو هذا وقوله إلا بإذني سواء
وتجيء هذه الفصول بالفارسية ترا طلاق اكربيرون آي ازين سرائي مكربد ستوري من
يا كويد بيرون آي ازين سرائي بي دستوري من
أو يقول ترا طلاق اكربيرون آي ازين سرائي تا من دستوري دهم ترا
أو يقول تراسه طلاق أكر ازين سرائي بيرون آئي مكر من دستوري دهم ترا
ولو أراد بقوله إلا بإذني حتى آذن لك يصح نيته حتى لو أذن لها مرة سقطت يمينه لأن بين الغاية والاستثناء مشابهة ولكن قيل يدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء لأنه خلاف الظاهر
ولو أراد بقوله حتى آذن لك إلا بإذني صحت نيته ويصدق في القضاء لأنه نوى ما يحتمله كلامه وفيه تشديد على نفسه
ولو أذن لها مرة في قوله إلا بإذني ثم نهاها عن الخروج قبل أن تخرج من الدار بإذنه يصح نهيه حتى لو خرجت بعد ذلك بغير إذنه يحنث في يمينه لأنه صح رجوعه عن الإذن واليمين باقية فجعل كأنه لم يأذن
وفي مسألة حتى إذا أذن ثم نهاها قبل الخروج فخرجت بغير إذنه ثانيا لا يحنث لأن اليمين سقطت بالإذن فلا يعتبر النهي بعد ذلك
ثم الحيلة في قوله إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني حتى لا يقع الطلاق متى لم يأذن لها عند كل خروج أن يقول لها كلما شئت الخروج فقد أذنت لك حتى يثبت الإذن في كل خرجة وجدت لأن كلمة كلما توجب التعميم والتكرار
وروى المعلى عن محمد رحمه الله أنه قال في قوله إلا بإذني إذا قال الزوج قد أذنت لك عشرة أيام فخرجت مرارا في العشرة فإنه لا يحنث
وكذلك لو قال قد أذنت لك أبدا أو الدهر كله فهذا إذن منه في كل مرة
ولو أنه إذا أذن لها إذنا عاما ثم نهاها عن الخروج بعد ذلك نهيا عاما عن الخرجات كلها هل يعمل نهيه روي عن محمد أنه يعمللأن النهي في الإذن الخاص يعمل فكذلك في الإذن العام
وروي عن أبي يوسف أنه قال لا يعمل نهيه لأنه بالإذن العام صارت الخرجات كلها مأذونا فيها والشرط هو الخروج الحرام فصار الشرط بحال لا يتصور وجوده فلا تبقى اليمين فلا يصح النهي بعد ذلك بخلاف الإذن الخاص
ولو قال إن خرجت إلا بإذن فلان فمات فلان قبل الإذن تبطل اليمين عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله
وقال أبو يوسف رحمه الله اليمين باقية حتى لو خرجت بعد ذلك يحنث كما ذكرنا في مسألة الكوز
ولو أذن لها بالخروج من حيث لا يسمع في المسألة الأولى فخرجت بعد الإذن فإنه يحنث عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله لا يحنث
ف أبو يوسف يقول إن هذا إذن من وجه دون وجه فإنه لا يحصل ما هو المقصود بالإذن وهو العلم المسموع وشرط الحنث هو الخروج من غير إذن مطلقا فلا يحنث بالشك
وهما يقولان إنه حرم عليها الخروج عاما واستثنى خروجا مأذونا فيه مطلقا وهذا مأذون من وجه فلم يكن هذا خروجا مستثنى فبقي داخلا تحت الحرمة
ولو حلف رجل على زوجته أو على عبده أو سلطان حلف رجلا أن لا يخرج من الدار أو الكورة إلا بإذنه فبانت المرأة أو زال العبد عن ملكه أو عزل السلطان عن عمله ثم خرجوا بغير الإذن لم يحنث وسقطت اليمين وتتوقت اليمين ببقاء الولاية بدلالة الحال فإذا زالت الولاية انتهت اليمين
وعلى هذا الغريم إذا حلف المطلوب أن لا يخرج من بلده إلا بإذنه فإن خرج وعليه دين يحنث
وإن خرج بعد القضاء والإبراء لا يحنث وتقيدت اليمين ببقاء الدين وهذا من جملة يمين الفور على ما مر
ولو قال لامرأته إن خرجت من البيت فأنت طالق فخرجت من البيت إلى صحن الدار يحنث لأن البيت غير الدار لأن البيت اسم لمسقف واحد والدار اسم لمحدود يجمع البيوت والمنازل
وعلى هذا إذا قال إن دخل فلان بيتك فدخل صحن دارها دون بيتها لم يحنث ولكن هذا في عرفهم فأما في عرفنا فإن اسم البيت بالفارسية مطلقا يطلق على الدار والمنزل فيحنث
وإن قال إن خرجت من هذه الدار فخرجت من هذه الدار من أي باب كان ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب حنث لأن المراد الخروج من الدار وقد وجد وهو الانفصال من الباطن إلى الظاهر
ولو قال إن خرجت من باب هذه الدار فأنت طالق فخرجت من أي باب كان حنث في يمينه سواء كان من الباب القديم أو الذي يحدث بعد اليمين لأنه ذكر الباب مطلقا
ولو خرجت من السطح أو من فوق حائط أو نقب لا يحنث لأنه ليس بباب
ولو عين الباب فقال إن خرجت من هذا الباب لا يحنث ما لم تخرج من ذلك الباب المعين وإن خرجت من باب آخر لا يحنث لأن في التعيين فائدة في الجملة لأنه ربما يكون لذلك الباب المعين منفذ إلى الطريق الأعظم دون الثاني
ولو قال إن خرجت من هذه الدار إلا في أمر كذا فخرجت فيذلك الأمر مرة ثم خرجت لأمر آخر يحنث لأنه حرم عليها جميع الخرجات إلا خروجا موصوفا بصفة فإذا وجد منها الخروج المستثنى لا يحنث وإن وجد خروج آخر يحنث وإن عنى به الخروج مرة يصح ويصير إلا عبارة عن حتى مجازا كأنه قال إن خرجت من هذه الدار حتى تخرج في أمر كذا فإذا خرجت في ذلك الأمر يسقط اليمين لوجود الغاية لكن لا يدين في القضاء لأنه خلاف الحقيقة
ولو قال إن خرجت من الدار مع فلان فأنت طالق فخرجت وحدها أو مع غير فلان ثم خرج فلان ولحقها لم يحنث لأن حرف مع للصحبة والقران ولم يوجد عند الخروج والدوام على الخروج ليس بخروج وإن وجد بقاء الخروج مع فلان
ولو قال إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فدخلت في صحن الدار أو في بيت علو أو كنيف شارع إلى الطريق الأعظم فإنه لا يحنث لأن هذا لا يسمى خروجا من الدار
ولو قال لها وهي خارجة من الدار إن خرجت من الدار لا يحنث
وكذلك إذا كانت في الدار فقال إن دخلت هذه الدار لا يحنث ويقع على خروج ودخول مستأنف
وبمثله لو قال إن قمت أو قعدت أو لبست أو ركبت وهي قاعدة أو قائمة أو راكبة أو لابسة فدامت على ذلك ساعة يحنث
وهذا كله مذهبنا وقال الشافعي في الدخول والخروج إنه يقع على الدوام
والصحيح قولنا لأن الخروج هو الانتقال من الباطن إلى الظاهر والدخول على عكسه وهذا مما لا دوام له وأما الركوب ونظائره ففعلله دوام فيكون له حكم الابتداء
وكذا إذا قال لها وهي في الأكل والضرب إذا أكلت أو ضربت فأنت طالق فدامت على ذلك يقع لأن كل جزء من هذا الفعل يسمى أكلا وضربا
ولو قال لامرأته وهي حائض أو مريضة إن حضت أو مرضت فأنت طالق فإنه يقع على الحادث في العرف
ولو نوى ما يحدث من الحيض في هذه المدة أو يزداد من المرض يصح لأن الحيض ذو أجزاء يحدث حالا فحالا فتصح نيته
ولو قال إن حضت غدا وهو لا يعلم أنها حائض فإنه يقع على الحيض الحادث
وإن كان يعلم فإنه يقع على هذه الحيضة إذا دام الحيض منها إلى أن يطلع الفجر واستمر ثلاثة أيام لأنه لما علم أنها حائض وقد حلف فقد أراد استمرار الحيض وما لم يكن ثلاثة أيام لا يكون حيضا
ولو حلف أن لا يدخل دارا أو بيتا أو مسجدا أو حماما فالدخول هو الانفصال من خارج ذلك الشيء إلى داخله فعلى أي وجه دخل من الباب أو غيره حنث لوجود الدخول فإن نزل إلى سطحها حنث لأنه منها
وكذا إذا قام على حائطها لأن الدار اسم لما تدور عليه الدائرة وفي عرفنا لا يحنث
ولو قام على ظلة لها شارعة أو كنيف شارع إن كان مفتحه في الدار حنث
لأنه ينسب إليها
وإن قام على أسكفة الباب إن كان الباب إذا غلق كانت الأسكفة خارجة منه لم يحنث وإن بقيت منداخل الدار حنث
ولو دخل دهليز الدار حنث لأنه من داخل الدار
ولو دخل ظلة باب الدار لا يحنث لأنها اسم للخارج
وإن أدخل الحالف إحدى رجليه في الدار لا غير لا يحنث لأنه لم يوجد الدخول مطلقا
وكذا إذا أدخل رأسه دون قدميه
ولو حلف لا يدخل دارا فدخل دارا بعد انهدامها ولا بناء لها لا يحنث
ولو قال والله لا أدخل هذه الدار ثم دخلها بعد ذهاب البناء يحنث لأن البناء وصف مرغوب معتاد للدار فمتى ذكر منكرا يقع على الدار المتعارف وفي المعين لا يعتبر الصفة ويعتبر المعين واسم الدار يقع عليه بعد الانهدام
ولو قال لا أدخل هذا المسجد فدخل بعد ذهاب البناء يحنث لأنه مسجد وإن لم يكن مبنيا وقالوا إذا صعد سطح المسجد يحنث لأنه مسجد
ولو حلف لا يدخل بيتا أو هذا البيت فدخله بعد ذهاب بنائه لا يحنث لأنه اسم للمبنى المسقف
وإن حلف أن لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو الكعبة أو بيعة أو كنيسة أو بيت نار أو حماما أو دهليزا أو ظلة باب دار لا يحنث لأن هذه الأشياء لا تسمى بيتا في العرف
وإن دخل صفة يحنث وهذا في عرف أهل الكوفة لأن الصفة عندهم بيت له أربع حوائط أما التي هي صفة في عرفن فلا يحنث
ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار لا يحنث ما لم يدخل من الباب القديم
ولو حلف لا يدخل من باب الدار فمن أي باب دخل حنثإلا إذا أراد به الباب المعروف فيدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء
ولو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بين رجل وبين فلان فإن كان فلان ساكنا فيها حنث لأنه لو كان ساكنا فيها بالإجارة يحنث وههنا أولى
وإن لم يكن ساكنا لا يحنث لأن الدار مضافة إليهما لأن بعض الدار لا يسمى دارا
ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضا بين فلان وبين آخر حنث لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضا
ولو حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له فدخل صحن داره وفلان ساكن فيها لا يحنث حتى يدخل البيت
وإن نوى بقوله لا يدخل بيت فلان مسكنه يحنث وهذا على عرفهم
ولو حلف لا يدخل هذه الدار إلا مجتازا أو عابر سبيل فإن دخل وهو لا يريد الجلوس لا يحنث لأنه استثنى الدخول بصفة الاجتياز
وإن دخل يعود مريضا ومن رأيه الجلوس عنده يحنث لأن هذا غير مستثنى وإن دخل لا يريد الجلوس ثم بدا له بعدما دخل فجلس لم يحنث لأنه لم يحنث بدخوله والبقاء على الدخول ليس بدخول
وإن نوى بقوله لا يدخلها إلا مجتازا النزول فيها والدوام لا يحنث بالجلوس لأنه يقال دخلت عابر سبيل بمعنى أنه لم يدم على الدخول ولم يستقر
ولو حلف لا يسكن هذه الدار وهو خارج منها فالسكنى أن يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يتأثث به ويستعمله في منزله فإن كان له أهل ينقله أيضا فإذا فعل ذلك فهو ساكن وهو حانث في يمينه لأن السكنى هو الكون في المكان على طريق الاستقرار والمداومة وذلك يكون بما سكن به عادة ألا ترى أن من جلس في المسجد وبات فيه لميكن ساكنا للمسجد ولو أقام بما يتأثث به يوصف بكونه ساكن المسجد فكان معتبرا في اليمين
ولو كان الرجل ساكنا في دار وحلف لا يسكنها فإنه لا يبر في يمينه ما لم ينتقل بنفسه وأهله وولده ومتاعه ومن يأويها لخدمته وللقيام بأمره في منزله لأن السكنى في الدار بهذه الأشياء فكان ترك السكنى فيها بضدها فإذا لم يأخذ في النقلة من ساعته مع الإمكان يحنث في يمينه ولو أخذ في النقلة من ساعته لا يحنث وإن كان فيه من السكنى قليل لأنه لا يمكن الاحتراز عنه فكان مستثنى دلالة وهذا عندنا خلافا ل زفر
ولو انتقل بنفسه ولم ينتقل بمتاعه وأهله قال أصحابنا يحنث
وقال الشافعي لا يحنث
والصحيح قولنا لما قلنا إن السكنى في المكان بما يسكن به عادة وبأهله إن كان له أهل فكان ترك السكنى بترك الكل بخلاف ما إذا حلف لا يسكن في بلد كذا فخرج منه وترك أهله فيه لم يحنث لأن في العادة لا يقال لمن بالبصرة وأهله بالكوفة إنه ساكن بالكوفة فأما إذا انتقل بنفسه وأهله ومتاعه وترك من أثاثه شيئا قليلا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال يحنث وقال أبو يوسف إذا كان المتاع المتروك لا يشغل بيتا أو بعض الدار على ما يتعارف الناس لا يحنث
وكان أصحابنا رحمهم الله يقولون معنى قول أبي حنيفة إذا ترك شيئا يسيرا عنى به ما يسكن به ويعتد به في التأثث فأما لو خلف فيها وتدا أو مكنسة لم يحنث
فإن منع من التحول ومنعوا متاعه وأوتقوه وقهروه فإنه لا يحنث وإن أقام على ذلك أياما لأنه ليس بساكن إنما هو مسكن عن إكراه
وقال محمد رحمه الله إذا خرج من ساعته وخلف متاعه كله فيالمسكن ومكث في طلب المنزل أياما ثلاثة
فلم يجد ما يستأجر وكان يمكنه أن يخرج من المنزل ويضع متاعه خارجا من الدار لا يحنث لأن هذا من عمل النقلة عادة لأن المعتاد أن ينتقل من منزل إلى قصده منزل لا أن يلقى متاعه على الطريق
وقال محمد لو كان الساكن موسرا وله متاع كثير وهو يقدر على أن يستأجر من ينقل متاعه في يوم فلم يفعل وجعل ينقل بنفسه الأول فالأول ومكث في ذلك سنة وهو لا يترك الاشتغال بالنقل فإنه لا يحنث لأنه لا يلزمه الانتقال بأسرع الوجوه
ولو قال عنيت به أن لا أسكن بنفسي ففي المسألة الأولى فيما لم يكن ساكنا فيها يصدق في القضاء لأنه شدد على نفسه
وفي المسألة الثانية فيما إذا كان ساكنا فيها يصدق فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء لأنه نوى خلاف الظاهر والعادة
ولو حلف لا يدخل علي فلان ولم يسم شيئا فإنه يحنث إذا كان يقصده بالدخول
وإن لم يقصده بالدخول لا يحنث ولهذا قلنا إذا دخل عليه في بيت رجل آخر ولم يقصده بالدخول لا يحنث لأن بهذا الاستخفاف به وترك إكرامه وذلك لا يكون إلا مع القصد
وذكر ابن سماعة في نوادره ضد هذا فقال في رجل قال والله لا أدخل على فلان بيتا فدخل بيتا وعلى قوم وفيهم فلان ولا يعلم به الحالف فإنه حانث بدخوله لأن الشرط وجد والعلم بشرط الحنث ليس بشرط في الحنث كمن حلف لا يكلم زيدا فكلمه وهو لا يعرفه إلا أن ظاهر المذهب ما ذكرنا
ولو دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث لأن الدخول المعتاد على الإنسان للزيارة في البيوت خاصة
وفي عرفبخاري يحنث في المسجد لأنهم يجلسون فيه للزيارة
ولو دخل عليه في خيمة أو فسطاط أو بيت شعر لم يحنث إلا أن يكون المحلوف عليه من أهل البادية لأن الدخول على غير البدوي في البيوت وفي حق البدوي ما هو بيوتهم من الشعر
ولو دخل في داره والرجل في البيت لم يحنث لأنه ليس بدخول عليه
ولو كان في صحن الدار حنث لأنه دخول عليه عادة
ولو دخل الحالف دارا ليس فيها فلان فدخل فلان تلك الدار لا يحنث لأنه ما دخل على فلان بل فلان دخل عليه فلا يحنث
باب الأكل والشرب
أصل الباب أن الأكل إيصال ما يتأتى فيه المضغ بفمه إلى جوفه مضغه أو لم يمضغه
والشرب إيصال ما لا يتأتى فيه المضغ إلى جوفه حال وصوله مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل الممزوج
والذوق هو معرفة طعم الشيء المذوق بفمه بإيصال الشيء إليه سواء ابتلعه أو مجه من فمه فكل أكل فيه ذوق لكن الذوق ليس بأكل
إذا ثبت هذا فنقول إذا حلف لا يأكل أو لا يشرب فذاق لم يحنث
وإذا حلف لا يذوق طعاما أو شرابا فأكل أو شرب أو أدخله في فمه وعرف طعمه ثم مجه حنث لوجود الذوق
ولو حلف لا يذوق شيئا وعنى به أكله أو شربه فإنه تصح نيته ولا يحنث بالذوق لأن اسم الذوق قد يقع عليهما في العرف يقول الرجل ما ذقت اليوم شيئا وما ذقت إلا الماء يريد به الأكل والشرب
ولو حلف لا يذوق ماء فتمضمض في الوضوء لا يحنث في يمينه لأن قصده التطهير دون معرفة الطعم
ولو حلف لا يأكل طعاما فإنه يقع على الخبز واللحم والفاكهة وما يؤكل على سبيل الإدام مع الخبز لأن الطعام اسم لمايطعم في اللغة وفي العرف صار اسما لما يؤكل بنفسه أو مع غيره عادة
وكذا إذا حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل شيئا مما ذكرنا من طعام فلان يحنث
ولو أخذ نبيذ فلان أو ماءه فأكل بخبز نفسه لا يحنث لأن هذا يسمى آكلا طعام نفسه عادة
ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله مع الخبز حنث لأن اللبن هكذا يؤكل عادة
ولو شربه لا يحنث لأن هذا ليس بأكل
ولو حلف لا يأكل الرمان أو العنب فمصه ورمى تفله وابتلع ماءه لا يحنث
ولو ابتلع العنب أو الرمانة من غير مضغ يحنث لأن الأول شرب والثاني أكل
ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكل مما يتخذ منه من الجبن والأقط ونحوهما لا يحنث لأنه قد تغير فلا يبقى له اسم العين
وكذا إذا حلف لا يأكل هذا الكفري فصار بسرا أو من هذا البسر فصار رطبا أو رطبا فصار تمرا لأنه تغير الأول
ولو حلف لا يأكل هذه البيضة فأكل من فرخ خرج منها أو حلف لا يشرب من هذا الخمر فصار خلا فشرب لا يحنث لأنه تغير عن أصله
ولو حلف لا يأكل من لحم هذا الجمل أو هذا الجدي فصار كبشا أو تيسا فإنه يحنث لأن العين قائمة لم تتغير واليمين وقعت على الذات المعينة
وكذا في غير هذا إذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ حنث لأن العين لم تتغير
ولو حلف لا يكلم شابا فكلم شيخا لا يحنث لأن اليمين تقع على موصوف منكر فيكون الصفة بمنزلة الشرط
ولو حلف لا يذوق من هذا اللبن شيئا فصب فيه ماء فذاقه روي عن أبي يوسف أنه إن بقي لون اللبن وطعمه يحنث وإن كان اللبن أقل
ولو ذهب طعمه ولونه لا يحنث وإن كان اللبن أكثر فاعتبر في الغلبة ظهور اللون والطعم دون كثرة الأجزاء
وذكر محمد رحمه الله في الأصل هذه المسألة وقال إذا كان اللبن مغلوبا لا يحنث وظاهره يقتضي غلبة الأجزاء
فأما إذا اختلط المحلوف عليه بجنسه أن اختلط اللبن المحلوف عليه بلبن آخر من جنسه فقال أبو يوسف إذا كان اللبن المحلوف عليه مغلوبا لا يحنث لأنه في معنى المستهلك
وقال محمد يحنث وإن كان مغلوبا لأن الشيء لا يصير مستهلكا بجنسه وإنما يصير مستهلكا بخلاف جنسه
وذكر في الأصل رجل حلف لا يأكل سمنا فأكل سويقا لته بسمن ولا نية له إن كان يستبين السمن في السويق فيوجد طعمه يحنث وإلا فلا لما قلنا
ومحمد إنما لم يجعل خلط الجنسين استهلاكا إذا كان الجنس والنوع والصفة واحدا وأما إذا اختلف النوع كلبن الضأن ولبن المعز
أو اختلفت الصفة كالماء العذب بالماء المالح فإنه يجعله استهلاكا ويعتبر فيه الغلبة كما في الجنسين
وإذا حلف لا يأكل لحما فأي لحم يأكل حنث سوى لحم السمك لأنه ناقص في معنى اللحمية ولو أكل شحم الظهر يحنثلأنه لحم سمين
ولو أكل شحم البطن والإلية لا يحنث لأنه لا يسمى لحما ولو نوى يحنث لأن فيه معنى اللحم من وجه وهو الدسومة
وفي لحم السمك إذا نوى يحنث لأنه لحم ناقص
ولو أكل ما في البطون سوى شحم البطن يحنث وهذا في عرفهم لأن يباع مع اللحم وأما في الموضع الذي لا يباع مع اللحم لا ينصرف يمينه إليه فلا يحنث
ولو أكل لحم خنزير أو لحم إنسان أو ميتة يحنث لأنه لحم حقيقة وإن كان حراما
ولو أكل لحم الرأس من الحيوانات سوى السمك يحنث لأنه لحم عضو من الحيوان
ولو حلف لا يأكل شحما فأكل شحم الظهر لا يحنث عند أبي حنيفة خلافا لهما لأنه لحم سمين ولكن يقع اليمين على شحم البطن
ولو حلف لا يأكل رأسا أو لا يشتري إن نوى الرؤوس كلها انصرف إليها لأنه نوى حقيقة كلامه وشدد على نفسه
وإن لم يكن له نية قال أبو حنيفة يقع على رأس الغنم والبقر وعند زفر على رأس الإبل أيضا وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله يقع على رأس الغنم خاصة وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويعتبر العرف والعادة في كل بلد
وإذا حلف لا يأكل بيضا فإن نوى بيض كل شيء يقع عليه لأنه نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد
وإن لم يكن له نية ينصرف إلى بيض الطير والدجاج والأوز بدلالة العرف
ولو حلف لا يأكل فاكهة فهذه المسألة على ثلاثة أوجهفي وجه يحنث بالاتفاق وهو أنه يقع على ثمرة كل شجر سوى العنب والرطب والرمان ويستوي في ذلك الرطب واليابس لأنها اسم لما يتفكه به ويؤكل قبل المائدة وبعدها
وفي وجه لا يحنث بالاتفاق وهو أن يأكل القثاء والخيار والخوخ والجزر لأنها تؤكل مع البقول
وفي وجه اختلفوا فيه وهو العنب والرطب والرمان فإذا لم يكن له نية فعند أبي حنيفة لا يحنث وعندهما يحنث
وإن نوى هذه الأشياء عند الحلف يحنث بالإجماع ومشايخنا قالوا هذا اختلاف عرف وزمان وكان في زمن أبي حنيفة لا يعدونها من جملة الفواكه فأفتى على عرف زمانه وتغير العرف في زمانهما وفي عرفنا ينبغي أن يحنث في يمينه أيضا
ولو حلف لا يأكل فاكهة يابسة فأكل الجوز واللوز والتين ونحوها يحنث
وفي عرفنا في الجوز لا يحنث لأنه لا يتفكه بالجوز اليابس
وإذا حلف لا يأكل حلواء أو حلوا أو حلاوة فأكل السكر والفانيذ وكل شيء فيه حلاوة وليس من جنسه حامض يحنث المتخذ وغير المتخذ سواء كالفالوذج والخبيص والناطف
ولو أكل شيئا حلوا من جنسه حامض مثل العنب والرمان الحلو والتفاح الحلو لا يحنث وهذا في عرفهم وفي عرفنا إذا كان اليمين على الحلاوة والحلو فكذلك فأما في الحلواء فيقع على المصنوع من الحلاوة وحدها أو مع غيرها كالخبيص والناطف فلا يقع على السكر والفانيذ على الانفراد
ولو حلف لا يأكل الحنطة يقع على أكل عينها مقلية ومطبوخة ولا يقع على الخبز وما يتخذ من الدقيق
وعلى قولهما يقع على مايتخذ منها
ولو أكل من عينها ففيها روايتان وأصل المسألة أن الكلام إذا كان له حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فالعمل بالحقيقة أولى عند أبي حنيفة وعندهما العمل بعموم المجاز أولى وهذا مما يعرف في الجامع الكبير فيمن حلف لا يشرب من الفرات أو من هذا النهر فعند أبي حنيفة يقع على الشرب كرعا حتى لو اغترف بإناء أو بيده لا يحنث وعندهما يقع عليهما لعموم المجاز
ولو حلف لا يشرب من الجب أو البئر وهو غير ملآن فشرب بيده أو بإنائه يحنث لأنه لا يمكن الشرب منه كرعا
ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل مما يتخذ منه يحنث لأن عينه لا يؤكل
وعلى هذا الأصل إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة فأكل من ثمرتها يحنث لأن عينها لا تؤكل
ولو حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ونوى طعاما خاصا وشرابا خاصا وثوبا خاصا فإنه لا يصدق لأنه نوى خلاف مقتضى كلامه ولا عموم له
ولو قال لا آكل طعاما ولا ألبس ثوبا ونوى طعاما بعينه وثوبا بعينه يصدق لأنه نوى تخصيص الملفوظ
ولو حلف لا يأكل إداما فهذا على ثلاثة أوجه إن أكل ما يصطبغ به ويلتزق بالخبز كالزيت والخل يحنث بالاتفاق لأن هذه الأشياء تصير تبعا للخبز ولا تؤكل مقصودة بنفسها والإدام اسم لهذا
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5