كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

جهنم قال ع ووجوه المضارة كثيرة من ذلك أن يقر بحق ليس عليه أو يوصي بأكثر من ثلثه أو لوارثه قال ص غير مضار منصوب على الحال أي غير مضار ورثته انتهى قلت وتقدير أبي حيان ورثته ياباه فصاحة الفاظ الآية إذ مقتضاها العموم فلو قال غير مضار ورثة أو غيرهم لكان احسن لكن الغالب مضارة الورثة فلهذا قدرهم وقوله تعالى تلك حدود الله الآية تلك إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث وباقي الآية بين وقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية الفاحشة في هذا الموضع الزنا وقوله من نسائكم إضافة في معناها الإسلام وجعل الله الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء تغليظا على المدعى وسترا على العباد قلت ومن هذا المعنى اشتراط رؤية كذا في كذا كالمرود في المكحلة قال ع وكانت أول عقوبة الزناة الإمساك في البيوت ثم نسخ ذلك بالأذى الذي بعده ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب قاله عبادة بن الصامت وغيره وعن عمران بن حصين أنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزل عليه الوحي ثم أقلع عنه ووجهه محمر فقال قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم خرجه مسلم وهو خبر آحاد ثم ورد في الخبر المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجم ولم يجلد فمن قال أن السنة المتواترة تنسخ القرآن جعل رجم الرسول دون جلد ناسخا لجلد الثيب وهذا الذي عليه الأمة أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذ هما جميعا وحي من الله سبحانه ويوجبان جميعا العلم والعمل ويتجه عندي في هذه النازلة بعينها أن يقال أن الناسخ لحكم الجلد هو القرآن المتفق على رفع لفظه وبقاء حكمه في قوله تعالى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة وهذا نص في الرجم وقد

قرره عمر على المنبر بمحضر الصحابة والحديث بكماله في مسلم والسنة هي المبينة ولفظ البخاري أو يجعل الله لهن سبيلا الرجم للثيب والجلد للبكر انتهى وقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم الآية قال مجاهد وغيره الآية الأولى في النساء عموما وهذه في الرجال فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى وهذا قول يقتضيه اللفظ ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عامة ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم وقوله في الثانية منكم وأجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان كما تقدم وقوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة الآية قال ص التوبة مبتدأ على حذف مضاف أي قبول التوبة انتهى قال ع إنما حاصرة وهو مقصد المتكلم بها أبدا فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر كقوله تعالى إنما الله إله واحد وقد لا تصادف ذلك كقوله إنما الشجاع عنترة وهي في هذه الآية حاصرة إذ ليست التوبة إلا لهذا الصنف المذكور وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب فإن التوبة الأولى طاعة قد إنقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة وتصح أيضا التوبة من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه خلافا للمعتزلة في قولهم لا يكون تائبا من أقام على ذنب وقوله تعالى على الله أي على فضل الله ورحمته لعباده وهذا نحو قوله صلى الله عليه و سلم ما حق العباد على الله إنما معناه ما حقهم على فضله ورحمته والعقيدة أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلا والسوء في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي وقوله تعالى بجهالة معناه بسفاهة وقلة تحصيل أدى إلى المعصية وليس المعنى أن تكون الجهالة بأن ذلك الفعل معصية لأن المتعمد للذنوب كان يخرج من التوبة وهذا فاسد إجماعا وما ذكرته في الجهالة قاله أصحاب النبي صلى الله

عليه وسلم ذكر ذلك عنهم أبو العالية وقال قتادة اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا وقال به ابن عباس ومجاهد والسدي وروي عن مجاهد والضحاك أنهما قالا الجهالة هنا العمد وقال عكرمة أمور الدنيا كلها جهالة قال ع يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله سبحانه وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو واختلف المتأولون في قوله تعالى من قريب فقال ابن عباس والسدي معنى ذلك قبل المرض والموت وقال الجمهور معنى ذلك قبل المعاينة للملائكة والسوق وأن يغلب المرء على نفسه وروى أبو قلابة أن الله تعالى لما خلق آدم فرآه إبليس أجوف ثم جرى له ما جرى ولعن وانظر قال وعزتك لابرحت من قلبه ما دام فيه الروح فقال الله تعالى وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح قال ع فابن عباس رضي الله عنه ذكر أحسن أوقات التوبة والجمهور حدوا آخر وقتها وروى بشير بن كعب والحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله تعال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله قال ع لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على الترك وقوله تعالى من قريب إنما معناه من قريب إلى وقت الذنب ومدة الحياة كلها قريب والمبادرة في الصحة أفضل قلت بل المبادرة واجبة وقوله تعالى وكان الله عليما أي بمن يتوب وييسره هو سبحانه للتوبة حكيما فيما ينفذه من ذلك وفي تأخير من يؤخر حتى يهلك ثم نفى بقوله تعالى وليست التوبة الآية أن يدخل في حكم التائبين من حضره موته وصار في حيز اليأس كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهره من الإيمان وبهذا قال ابن عباس وجماعة المفسرين قال ع والعقيدة عندي في هذه الآيات

أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب هذا مذهب أبي المعالي وغيره وقال غيرهم بل هو مغفور له قطعا لأخبار الله تعالى بذلك وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين فإن كان كافرا فهو يخلد وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة لكن يغلب الخوف عليه ويقوى الظن في تعذيبه ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله تعالى له تفضلا منه لا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضا أن الذين يموتون وهم كفار فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة وقوله تعالى اولئك اعتدنا لهم عذابا أليما إن كانت الإشارة الى الذين يموتون وهم كفار فقط فالعذاب عذاب خلود مؤبد وان كانت الاشارة إليهم وإلى من ينفذ عليه الوعيد ممن لا يتوب إلا مع حضور الموت فهو في جهة هؤلاء عذاب لا خلود معه واعتدنا معناه يسرناه وأحضرناه قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية قال ابن عباس كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان اولياؤه أحق بامرأته من أهلها إن شاءوا تزوجها أحدهم وإن شاءوا زوجوها من غيرهم وإن شاؤا منعوها الزواج فنزلت الآية في ذلك وقال بعض المتأولين معنى الآية لا يحل لكم عضل النساء اللواتي أنتم أولياء لهن وإمساكهن دون تزويج حتى يمتن فتورث أموالهن قال ع فعلى هذا القول فالموروث مالها لا هي وروي نحو هذا عن ابن عباس وقوله تعالى ولا تعضلوهن الآية قال ابن عباس وغيره هي أيضا في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة وقال نحوه الحسن وعكرمةو قال ابن عباس أيضا هي في الأزواج في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه فذلك لا يحل له وقال مثله قتادة وهو

اقوى الأقوال ودليل ذلك قوله إلا أن يأتين بفاحشة وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة وإنما ذلك للزوج على ما سنبينه الآن إن شاء الله وكذلك قوله عاشروهن إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته واختلف في معنى الفاحشة هنا فقال الحسن بن أبي الحسن هو الزنا قال ابو قلابة إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه وقال السدي إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن قلت وحديث المتلاعنين يضعف هذا القول لقوله صلى الله عليه و سلم فذاك بما أستحللت من فرجها الحديث وقال ابن عباس وغيره الفاحشة في هذه الآية البغض والنشوز فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها قال ع وهو مذهب مالك وقال قوم الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وهذا في معنى النشوز قال ع والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال وقوله تعالى وعاشروهن بالمعروف أمر يعم الأزواج والأولياء ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج والعشرة المخالطة والممازجة وقوله تعالى فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا قال السدي الخير الكثير في المرأة الولد وقال نحوه ابن عباس قال ع ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة شيء لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه ويحسن إذ عاقبه الصبر إلى خير إذا أريد به وجه الله وقوله تعالى وإن أردتم اسبتدال زوج مكان زوج الآية لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه الزوج والمنع من أخذ مالها مع ذلك وقال بعض الناس يؤخذ من الآية جواز المغالات بالمهور وقال قوم لا تعطى الآية ذلك لأن التمثيل إنما جاء على جهة المبالغة والبهتان

مصدر في موضع الحال وومعناه مبهتا ثم وعظ تعالى عباده وأفضى معناه باشر وقال مجاهد وغيره الإفضاء في هذه الآية الجماع قال ابن عباس ولكن الله كريم يكنى واختلف في المراد بالميثاق الغليظ فقال الحسن وغيره هو قوله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال مجاهد وابن زيد الميثاق الغليظ عقدة النكاح وقول الرجل نكحت وملكت النكاح ونحوه فهذه التي بها تستحل الفروج وقال عكرمة والربيع الميثاق الغليظ يفسره قول النبي صلى الله عليه و سلم استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف سبب الاية ما اعتادته بعض قبائل العرب أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة واختلف في مقتضى ألفاظ الآية فقالت فرقة قوله ما نكح يريد النساء أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم وقوله إلا ما قد سلف معناه ولكن ما قد سلف فدعوه وقال بعضهم المعنى لكن ما قد سلف فهو معفو عنكم لمن كان واقعه فكأنه قال ولا تفعلوا حاشا ما قد سلف وقالت فرقة معناه لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة إلا ما قد سلف منكم من تلك العقود الفاسدة فمباح لكم الإقامة عليه في الإسلام إذا كان مما يقرر الإسلام عليه وقيل إلا ما قد سلف فهو معفو عنكم وقال ابن زيد معنى الآية النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الأب إلا ما سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنساء لا على وجه المناكحة فذلك جائز لكم لأن ذلك الزنا كان فاحشة والمقت البغض والإحتقار بسبب رذيلة يفعلها الممقوت وساء سبيلا أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه إذ عاقبته إلى عذاب الله قال ص ساء للمبالغة في الذم كبيس وسبيلا تفسيره والمخصوص بالذم

محذوف أي سبيل هذا النكاح كقوله تعالى بيس الشراب أي ذلك الماء انتهى وقوله سبحانه حرمت عليكم أمهاتكم الآية حكم حرم الله به سبعا من النسب وستا من بين رضاع وصهر والحقت السنة المتواترة سابعة وهي الجمع بين المرأة وعمتها ومضى عليه الإجماع وروي عن ابن عباس أنه قال حرم من النسب سبع ومن لاصهر سبع وتلا هذه الآية وقال عمرو بن سالم مثل ذلك وجعل السابعة قوله تعالى والمحصنات وقوله تعالى 6وأمهات نسائكم أي سواء دخل بالبنت أو لم يدخل فبالعقد علىا لبنت حرمت الأم هذا الذي عليه الجمهور وقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم ذكر الأغلب من هذه الأمور إذ هذه حالة الربيبة في الأكثر وهي محرمة وإن لم تكن في الحجر ويقال حجر بكسر الحاء وفتحها وهو مقدم ثوب الإنسان وما بين يديه منه ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر وقوله اللاتي دخلتم بهن قال ابن عباس وغيره الدخول هنا الجماع وجمهور العلماء يقولون أن جميع أنواع التلذذ بالأم يحرم الإبنة كما يحرمها الجماع والحلائل جمع حليلة لأنها تحل مع الزوج حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال فهي حليلة بمعنى محللة وقوله تعالى الذين من أصلابكم يخرج من كانت العرب تتبناه ممن ليس للصلب وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله صلى الله عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وقوله تعالى وإن تجمعوا بين الأختين لفظ يعم الجمع بنكاح وبملك يمين وأجمعت الأمة على منع جمعهما بنكاح ولا خلاف في جواز جمعهما بالملك ومذهب مالك أن له أن يطأ أيتهما شاء والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته فإن أراد وطء الأخرى فيلزمه أن يحرم فرج الأولى بعتق أو كتابة أو غير ذلك وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم

أنه نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وأجمعت الأمة على ذلك وقوله تعالى إلا ما قد سلف استثناء منقطع معناه لكن ما قد سلف من ذلك ووقع وأزاله الإسلام فإن الله تعالى يغفره والإسلام يجبه وقوله تعالى والمحصنات عطفا على المحرمات قيل والتحصن التمنع ومنه الحصن وحصنت المرأة امنتنعت بوجه من وجوه الإمتناع وأحصنت نفسها وأحصنها غيرها والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز و جل فتستعمله في الزواج لأن ملك الزوج منعة وحفظ وتستعمله في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا والحرة بخلاف ذلك ألا ترى إلى قول هند وهل تزنى الحرة وتستعمله في الإسلام لأنه حافظ وتستعمله في العفة لأنها إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها فهي منعة وحفظ وحيث ما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض كما سيأتي بيانه في أماكنه إن شاء الله فقوله سبحانه في هذه الآية والمحصنات قال فيه ابن عباس وغيره هن ذوات الأزواج محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية والمحصنات من النساء فقال نرى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ولم يحل شيء من ذلك إلا بنكاح أو شراء أو تملك وهذا قول حسن عمم الفظ الإحصان ولفظ ملك اليمين وذلك راجع إلى أن الله حرم الزنا قال عبيدة السلماني وغيره قوله سبحانه كتاب الله عليكم إشارة إلى ما ثبت من القرآن من قوله سبحانه مثنى وثلاث ورباع وفي هذا بعد وإلا ظهر أن وقوله كتاب الله عليكم إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت الجاهلية تفعله قال الفخر وكتاب الله عليكم مصدر من غير

لفظ الفعل قال الزجاج ويجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر ويكون عليكم خبرا له فيكون المعنى الزموا كتاب الله انتهى وفي التمهيد لأبي عمر بن عبد البر كتاب الله عليكم أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم انتهى وقوله سبحانه وأحل لكم ما وراء ذلكم قال عطاء وغيره المعنى وأحل لكم ما وراء من حرم قلت أي على ما علم تفصيله من الشريعة قال ع وإن تبتغوا باموالكم لفظ يجمع التزوج والشراء ومحصنين معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك غير مسافحين أي غير زناة والسفاح الزنا وقوله سبحانه فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن قال ابن عباس وغيره المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر كله وقال ابن عباس أيضا وغيره إن الآية نزلت في نكاح المتعة قال ابن المسيب ثم نسخت قال ع وقد كانت المتعة في صدر الإسلام ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به أي من حط أو تأخير بعد استقرار الفريضة ومن قال بأن الآية المتقدمة في المتعة قال الإشارة بهذه إلى أن ما ترضيا عليه من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر جائز وقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا الآية قال ابن عباس وغيره الطول هنا السعة في المال وقاله مالك في المدونة فعلى هذا التأويل لا يصح للحر أن يتزوج الأمة إلا باجتماع شرطين عدم السعة في المال وخوف العنت وهذا هو نص مالك في المدونة قال مالك في المدونة وليست الحرة تحته بطول أن خشي العنت وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول قال الشيخ أبو الحسن اللخمي وهو ظاهر القرآن ونحوه عن ابن حبيب وقال أبو حنيفة وجود الحرة تحته لا يجوز معه نكاح الأمة وقال الطبري وتقول طال الرجل طولا بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع وطولا بضمها في ضد القصر والمحصنات في هذا الموضع الحرائر والفتاة وإن

كانت في اللغة واقعة على الشابة اية كانت فعرفها في الإماء وفتى كذلك والمؤمنات في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه فلا يجوز نكاح أمة كافرة عندهم قلت والعلة في منع نكاح الأمة ما يؤول إليه الحال من استرقاق الولد وقوله تعالى والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض معناه والله أعلم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر فلا تعجبوا بمعى الحرية والمقصد بهذا الكلام أن الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء أكرمهم عند الله اتقاهم وفي هذا توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وقوله تعالى فانكحوهن بإذن أهلهن معناه بولاية أربابهن المالكين وأتوهن أجورهن أي مهورهن بالمعروف معناه بالشرع والسنة ومحصنات الظاهر أنه بمعنى عفيفات قال ص محصنات منصوب على الحال والظاهر أن العامل وأتوهن ويجوز أن يكون العامل فانكحوهن محصنات أي عفائف انتهى والمسافحات الزواني المتبذلات اللواتي هن سوق للزنا ومتخذات الأخدان هن المستترات اللواتي يصحبن واحد واحد ويزنين خفية وهذا كانا نوعين في زنا الجاهلية قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى فإذا أحصن الآية أي تزوجن قال الزهري وغيره فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث وفي مسلم والبخاري أنه قيل يا رسول الله الأمة إذا زنت ولم تحصن فأوجب عليها الحد والفاحشة هنا الزنا قال ص وجواب إذا فإن اتين وجوابه وانتهى والمحصنات في هذه الآية الحرائر إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل والرجم لا يتنصف فلم يرد في الآية بإجماع والعنت في اللغة المشقة قال ابن عباس وغيره والمقصد به هنا الزنا وقوله تعالى وإن تصبروا خير لكم يعني عن نكاح

الإماء قاله ابن عباس وغيره وهذا ندب إلى الترك وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن وقوله تعالى يريد الله ليبين لكم ويهديكم الآية التقدير عند سيبويه يريد الله لأن يبين لكم ويهديكم بمعنى يرشدكم والسنن الطرق ووجوه الأمور وانحاؤها واللذين من قبلنا هم المؤمنون من كل شريعة وقوله سبحانه والله يريد أن يتوب عليكم الآية مقصد هذه الآية الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات فقدمت إرادة الله تعالى توطئة مظهره لفساد إرادة متبعى الشهوات واختلف المتأولون في تعيين متبعي الشهوات فقال مجاهد هم الزناة وقال السدي هم اليهود والنصارى وقالت فرقة هم اليهود خاصة لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب وقال ابن زيد ذلك على العموم في هؤلاء وفي كل متبع شهوة ورجحة الطبري وقوله تعالى يريد الله أن يخفف عنكم الآية أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء قاله مجاهد وغيره وهو ظاهر مقصود الآية ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية مخرج التفضل لأنها تتناول كل ما خففه الله سبحانه عن عباده وجعله الدين يسرا ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة الآية الاستثناء منقطع المعنى لكن إن كانت تجارة فكلوها واخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله انتهى وقوله تعالى ولا تقتلوا انفسكم إن الله بكم رحيما أجمع المتأولون على أن المقصود بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه فهذا كله يتناوله النهي وقد احتج

عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الأغتسال بالماء البارد خوفا على نفسه منه فقرر رسول الله صلى الله عليه و سلم احتجاجه وقوله تعالى ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما الآية اختلف في المشار إليه بذلك فقال عطاء ذلك عائد على القتل لأنه أقرب مذكور وقالت فرقة ذلك عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس وقالت فرقة ذلك عائد على كل ما نهي عنه من أول السورة وقال الطبري ذلك عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها لأن كل ما نهي عنه قبله إلى أول السورة قرن به وعيد قال ابن العربي في أحكامه والقول الأول أصح وما عداه محتمل انتهى والعدوان تجاوز الحد قال ص عدوانا وظلما مصدران في موضع الحال أي متعدين وظالمين أبو البقاء أو مفعول من أجله انتهى واختلف العلماء في الكبائر فقال ابن عباس وغيره الكبائر كل ما ورد عليه وعيد بنار أو عذاب أو لعنة أو ما أشبه ذلك وقال ابن عباس ايضا كل ما نهي الله عنه فهو كبير وعلى هذا القول أئمة الكلام القاضي وأبو المعالي وغيرهما قالوا وإنما قيل صغيرة بالإضافة إلى أكبر منها وإلا فهي في نفسها كبيرة من حيث المعصى بالجميع واحد واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء والمحدثين يرون أن بإجتناب الكبائر تكفر الصغائر قطعا وأما الأصوليون فقالوا محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء لا على القطع ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وكريما يقتضي كرم الفضيلة ونفي العيوب كما تقول ثوب كريم وهذه آية رجاء وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس

على المنبر ثم قال والذي نفسي بيده ثلاث مرات ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزينا ليمين رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصفق ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية انتهى من التذكرة للقرطبي ونحوه ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر قال القطربي وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء وهو الصحيح أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر قطعا بوعد الله الصدق وقوله الحق سبحانه وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة منها انتهى قلت وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات انتهى وقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علىبعض الآية سبب الآية أن النساء قلن ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشاركناهم في الغزو وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه وقال الرجال ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء كما لنا عليهن في الدنيا فنزلت الآية قال ع لأن في تمنيهم هذا تحكما على الشريعة وتطرقا إلىالدفع في صدر حكم الله تعالى فهذا نهي عن كل تمن بخلاف حكم شرعي وأما التمني في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن وقد قال صلى الله عليه و سلم وددت أن اقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا الحديث وفي غير موضع ولقوله تعالى واسألوا الله من

فضله قال القشيري سمعت الشيخ أبا علي يقول من علامات المعرفه أن لا تسأل حوائجك قلت أو كثرت إلا من الله تعالى مثل موسى اشتقاق إلى الرؤية فقال رب أرني أنظر إليك واحتاج مرة إلى رغيف فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير انتهى من التجبير وقوله تعالى للرجال نصيب الآية قالت فرقة معناه من الأجر والحسنات فكأنه قيل للناس لا تتمنوا في أمر مخالف لما حكم الله به لأختيار ترونه أنتم فإن الله تعالى قد جعل لكل أحد نصيبا من الأجر والفضل بحسب اكتسابه فيما شرع له وهذا قول حسن وفي تعليقه سبحانه النصيب بالإكتساب حض على العمل وتنبيه على كسب الخير وقوله سبحانه وسألوا الله من فضله قال ابن جبير وغيره هذا في فضل العبادات والدين لا في فضل الدنيا وقال الجمهور ذلك على العموم وهو الذي يقتضيه اللفظ فقوله وسألوا الله يقتضي مفعولا ثانيا تقديره وأسالوا الله الجنة او كثيرا من فضله وقوله تعالى ولكل جعلنا موالي الآية أي ولكل أحد قال ابن عباس وغيره الموالي هنا العصبة والورثة والمعنى ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون وقوله تعالى واللذين رفع بالابتداء والخبر في قوله فآتوهم نصيبا واختلف من المراد بالذين فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وغيرهم هم الأحلاف فإن العرب كانت تتوارث بالحلف ثم نسخت بآيات الأنفال وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض وقال ابن عباس أيضا هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بينهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم وقال ابن المسيب هم الذين كانوا يتبنون قال ع ولفظة المعاقدة والإيمان ترجح أن المراد الأحلاف وقوله الرجال قوامون بناء مبالغة وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه فقيام الرجال على النساء هو على هذا

الحد وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء قال ابن عباس الرجال أمراء على النساء قال ابن العربي في أحكامه وللرجال عليهن درجة لفضل القوامية فعليه أن يبذل المهر والنفقة وحسن العشرة ويحجبها ويأمرها بطاعة الله تعالى وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام وما وجب على المسلمين وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره في الحجبة وغيرها إلا بإذنه وقبول قوله في الطاعات انتهى وما مصدرية في الموضعين والصلاح في قوله فالصالحات هو الصلاح في الدين وقانتات معناه مطيعات لأزواجهن أو لله في أزواجهن حافظات للغيب معناه لكل ما غاب عن علم زوجها مما استرعيته وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية وقوله بما حفظ الله ما مصدرية تقديره بحفظ الله ويصح أن تكون بمعنى الذي ويكون العائد في حفظ ضمير نصب أي بالذي حفظه الله ويكون المعنى أما حفظ الله ورعايته التي لا يتم أمر دونها وأما أوامره ونواهيه للنساء فكأنها حفظه بمعنى أن النساء يحفظن بازاء ذلك وبقدره وقوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن الآية النشوز أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلى على زوجها واهجروهن في المضاجع قال ابن عباس يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها وقال مجاهد جنبوا مضاجعتهن وقال ابن جبير هي هجرة الكلام أي لا تكلموهن واعرضوا عنهن فيقدر حذف تقديره وأهجروهن في سبب المضاجع حتى يراجعنها م قوله في المضاجع ذكر أبو البقاء فيه وجهين الأول أن في على بابها من الظرفية أي اهجروهن في مواضع الإضطجاع أي أتركوا

مضاجعتهن دون ترك مكالمتهن الثاني أنها بمعنى السبب أي اهجروهن بسبب المضاجع كما تقول في هذه الجناية عقوبة انتهى وكونها للظرفية اظهر والله اعلم والضرب في هذه الآية هو ضرب الادب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة وقال النبي صلى الله عليه و سلم اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح قال عطاء قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح قال بالشراك ونحوه قال ابن العربي في احكامه قوله عز و جل واضربوهن ثبت عن النبي ص - أنه قال ايها الناس ان لكم على نسائكم حقا لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه وعليهن الا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد اذن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وفي هذا دليل على ان الناشز لا نفقة لها ولا كسوة وأن الفاحشة هي البذاء ليس الزنا كما قال العلماء ففسر النبي صلى الله عليه و سلم الضرب وبين أنه لا يكون مبرحا أي لا يظهر له أثر على البدن انتهى قال ع وهذه العظة والهجر والضرب مراتب أن وقعت الطاعة عند احداها لم يتعد إلى سائرها وتبغوا معناه تطلبوا وسبيلا أي إلى الاذى وهو التعنيت والتعسف بقول أو فعل وهذا نهي عن ظلمهن وحسن هنا الاتصاف بالعلو والكبر أي قدره سبحانه فوق كل قدر ويده بالقدرة فوق كل يد فلا يستعلى احد بالظلم على امرأته فالله تعالى بالمرصاد وينظر إلى هذا حديث أبي مسعود قال كنت أضرب غلامي فسمعت قائلا يقول اعلم أبا مسعود أعلم أبا مسعود فصرفت وجهي فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أعلم أبا مسعود أن الله اقدر عليك منك على هذا العبد الحديث وقوله تعالى وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الآية اختلف من المأمور بالبعثة فقيل الحكام وقيل المخاطب الزوجان

واليهما تقديم الحكمين وهذا في مذهب مالك والأول لربيعة وغيره ولا يبعث الحكمان إلا مع شدة الخوف والشقاق ومذهب مالك وجمهور العلماء أن الحكمين ينظران في كل شيء ويحملان على الظالم ويمضيان ما رأياه من بقاء أو فراق وهو قول علي بن أبي طالب في المدونه وغيرها وقوله أن يريدا اصلاحا قال مجاهد وغيره المراد الحكمان أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما وقالت فرقة المراد الزوجان والأول اظهر وكذلك الضمير في بينهما يحتمل الأمرين والأظهر أنه للزوجين والاتصاف بعليم خبير يناسب ما ذكر من ارادة الاصلاح وقوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا العبادة التذلل بالطاعة واحسانا مصدر والعامل فيه فعل تقديره واحسنوا بالوالدين احسانا وبذى القربى هو القريب النسب من قبل الأب والأم قال ابن عباس وغيره والجار ذو القربى هو القريب النسب والجار الجنب هو الجار الأجنبي وقالت فرقة الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك والجار الجنب هو البعيد المسكن منك والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض ادناها الزوجة قال ابن عباس وغيره الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى وغيرهم هو الزوجة وقال ابن زيد هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه واسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان معه رجل من اصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم غيضة فقطع قضيبين احدهما معوج وخرج فاعطى صاحبه القويم وحبس هو المعوج فقال له الرجل كنت يا رسول الله احق بهذا فقال له يا فلان ان كل صاحب يصحب الآخر فانه مسؤل عن صحابته ولو ساعة من نهار قلت واسند الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الاصحاب عند

الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره انتهى من صفوة التصوف وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه اخرجه البخاري واخرجه ايضا من طريق عائشة رضي الله عنها انتهى وابن السبيل المسافر وسمي ابنه للزومه له وما ملكت ايمانكم هم العبيد الارقاء قال ابن العربي في احكامه وقد أمر الله سبحانه بالرفق بهم والاحسان اليهم وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اخوانكم ملككم الله رقابهم فاطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون فان كلفتموهم فاعينوهم انتهى ونفى سبحانه محبته عن من صفته الخيلاء والفخر وذلك ضرب من التوعد يقال خال الرجل يخول خولا إذا تكبر واعجب بنفسه وخص سبحانه هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو وذلك هوالحامل على الاخلال بالاصناف الذين تقدم أمر الله بالاحسان اليهم وقوله تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الآية قالت فرقة الذين في موضع نصب بدل من من في قوله من كان مختالا ومعناه على هذا يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس يعنى اخوانهم ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالاموال أن تنفق في شيء من وجوه الاحسان إلى من ذكر ويكتمون ما أتاهم الله من فضله يعنى من الرزق والمال فالآية اذن في المؤمنين أي وأما الكافرون فأعد لهم عذابا مهينا وروي أن الآية نزلت في احبار اليهود بالمدينة إذ كتموا أمر النبي صلى الله عليه و سلم وبخلوا به والتوعد بالعذاب المهين لهم واعتدنا معناه يسرنا واحضرنا والعتيد الحاضر والمهين الذي يقترن به خزي وذل وهو انكى واشد على المعذب وقوله تعالى والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس الآية الذين في موضع رفع على القطع والخبر محذوف وتقديره بعد اليوم الآخر معذبون والصحيح الذي عليه

الجمهور أن هذه الآية في المنافقين والقرين فعيل بمعنى فاعل من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب والانسان كله يقارنه الشيطان لكن الموفق عاص له وقوله تعالى وما ذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر الآية التقدير واي شيء عليهم لو آمنوا وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم واستدعاء جميل يقتضى حيطة واشفاقا وكان الله بهم عليما اخبار يتضمن وعيدا وينبه على سوء تواطئهم أي لا ينفعهم كتم مع علم الله بهم وقوله تعالى أن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية مثقال مفعال من الثقل والذرة الصغيرة الحمراء من النمل وروي عن ابن عباس انه قال الذرة راس النملة وقرأ ابن عباس مثقال نملة قال قتادة عن نفسه ورواه عن بعض العلماء لان تفضل حسناتى على سيئاتي بمثقال ذرة احب الي من الدنيا جميعا وقوله سبحانه وان تك حسنة التقدير وان تك زنة الذرة وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم وفيه فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا 0خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من احد منكم باشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد اخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها احد ممن امرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها احد ممن امرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخروجون خلقا كثيرا ثم

يقولون ربنا لم نذر فيها احدا ممن امرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذره من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول ان لم تصدقونى في هذا الحديث فاقرؤا إن شئتم أن الله لا يظلم مثقال ذرة وأن تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه اجرا عظيما فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط الحديث انتهى ولفظ البخاري فما انتم باشد لى مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في اخوانهم الحديث وقرأ نافع وابن كثير حسنة بالرفع على تمام كان التقدير وأن توجد حسنة ويضاعفها جواب الشرط وقرأ ابن كثير يضعفها وهو بناء تكثير يقتضى اكثر من مرتين إلى اقصى ما تريد من العدد قال بعض المتأولين هذه الآية خص بها المهاجرون لان الله تعالى اعلم في كتابه ان الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار وأعلم في هذه الآية انها مضاعفة مرارا كثيرة حسبما روى أبو هريرة من أنها تضاعف الفي الف مرة وروى غيره الف الف مرة وقال بعضهم بل وعد بذلك جميع المؤمنين قال ع والآية تعم المؤمنين والكافرين فأما المؤمنون فيجازون في الآخرةى على مثاقيل الذر فما زاد وأما الكافرون فما يفعلونه من خير فانه تقع عليه المكافأة بنعم الدنيا ويأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم قلت وقد ذكرنا في هذا المختصر من احاديث الرجاء واحاديث الشفاعة جملة صالحة لا توجد مجتمعة في غيره على نحو ما هي فيه عسى الله ان ينفع به الناظر فيه ومن أعظم احاديث الرجاء ما ذكره عياض في الشفا قال ومن حديث أنس سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لا شفعن يوم القيامة لا كثر مما في الأرض من شجر وحجر وهذا الحديث

اخرجه النساءي ولفظه انى لا شفع يوم القيامة لا كثر مما على الأرض من شجر وحجر الحديث انتهى من الكوكب الدري ومن لدنه معناه من عنده والأجر العظيم الجنة قال ابن مسعود وغيره وإذا من الله سبحانه بتفضله على عبده بلغ الغاية اللهم من علينا بخير الدارين بفضلك وقوله جلت قدرته فيكف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا الآية لما تقدم في التي قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة حسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها ويجاء فيها بالشهداء على الأمم ومعنى الآية ان الله سبحانه يأتي بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ومعنى الأمة في هذه الآية جميع من بعث إليه من آمن منهم ومن كفر وكذلك قال المتأولون أن الاشارة بهؤلاء إلى كفار قريش وغيرهم روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه ابن مسعود حسبما هو مذكور في الحديث الصحيح وفي صحيح البخاري عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على قتلى أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال أني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وأني لا نظر إليه من مقامي هذا وأني لست أخشى عليكم أن تشكروا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى وقوله تعالى لو تسوى قالت فرقة معناه تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم وقالت فرقة معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم وقوله تعالى ولا يكتمون الله حديثا معناه عند طائفة أن الكفار لما يرونه من الهول وشدة المخاوف يودون لو تسوى بهم الأرض فلا

ينالهم ذلك الخوف ثم استأنف الكلام فأخبرأنهم لايكتمون الله حديثا لنطق جوارحهم بذلك كله حين يقول بعضهم والله ربنا ما كنا مشركين فيقول الله سبحانه كذبتم ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثا وهذا قول ابن عباس وقالت طائفة الكلام كله متصل وودهم أن لا يكتموا الله حديثا إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا والله ربنا ما كنام مشركين والرسول في هذه الآية الجنس شرف بالذكر وهو مفرد دل على الجمع وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية نزلت قبل تحريم الخمر وجمهور المفسرين على ان المراد سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال المراد سكر النوم وهذا قول ضعيف والمراد بالصلاة هنا الصلاة المعروفة وقالت طائفة الصلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا قال ابن العربي في الأحكام وروي في سبب نزول هذه الآية عن علي رضي الله عنه أنه قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر يعني وذلك قبل تحريمها قال فأخذت الخمر منا حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون الآية أخرجه الترمذي وصححه انتهى وقوله ولا جنبا إلا عابري سبيل قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره عابر السبيل المسافر وقال ابن مسعود وغيره عبار السبيل هنا الخاطر في المسجد وعابر السبيل هو من العبور أي الخطور والجواز والمريض المذكور في الآية هو الحضري وأصل الغائط ما انخفض من الأرض ثم كثر استعماله في قضاء الحاجة واللمس في اللغة لفظ يقع للمس الذي هو الجماع وللمس الذي هو جس اليد والقبلة ونحوه واختلف في موقعها هنا فمالك رحمه الله يقول اللفظة هنا تقتضي الوجهين فالملامس بالجماع

يتيمم والملامس باليد يتيمم ومعنى قوله سبحانه فتيمموا اقصدوا والصعيد في اللغة وجه الأرض قاله الخليل وغيره واختلف الفقهاء فيه من أجل تقييد الآية أياه بالطيب فقالت طائفة يتيمم بوجه الأرض ترابا كان أو رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة وجعلت الطيب بمعنى الطاهر وهذا هو مذهب مالك وقال طائفة منهم الطيب بمعنى المنبت كما قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه فالصعيد عندهم هو التراب وهذه الطائفة لا تجيز التيمم بغيره فمكان الإجماع أن يتيمم في تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور وفي المدونة أن التيمم ضربتان وجمهور العلماء أنه ينتهي في مسح اليدين إلى المرافق وقوله سبحانه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة الآية ألم تر من رؤية القلب وهي علم بالشيء والمراد باللذين اليهود قاله قتادة وغيره ثم اللفظ يتناول معهم النصارى وقال ابن عباس نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي والكتاب التوراة والإنجيل ويشترون عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان وقالت فرقة أراد اللذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهو شراء حقيقة ويريدون أن تضلوا السبيل معناه أن تكفروا وقوله سبحانه والله أعلم بأعدائكم خبر في ضمنه التحذير منهم وكفى بالله وليا أي اكتفوا بالله وليا وقوله سبحانه من الذين هادوا قال بعض المتأولين من راجعة على الذين الأولى وقالت فرقة من متعلقة بنصيرا والمعنى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذين التأويلين لا يوقف في قوله نصيرا وقالت فرقة هي ابتداء كلام وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون وهذا مذهب أبي علي وعلى هذا التأويل يوقف في نصيرا وقول سيبويه أصوب لأن إضمار الموصول ثقيل وإضمار الموصوف أسهل وتحريفهم للكلام على وجهين أما بتغيير اللفظ وقد

فعلوا ذلك في الأقل وأما بتغيير التأويل وقد فعلوا ذلك في الأكثر وإليه ذهب الطبري وهذا كله في التوراة على قول الجمهور وقالت طائفة هو كلم القرآن وقال مكي هو كلام النبي صلى الله عليه و سلم فالتحريف على هذا في التأويل وقوله تعالى عنهم سمعنا وعصينا عبارة عن عتوهم في كفرهم وطغيانهم فيه وغير مسمع يتخرج فيه معنيان أحدهما غير مأمور وغير صاغر كأنهم قالوا غير أن تسمع مأمورا بذلك والآخر على جهة الدعاء أي لا سمعت كما تقول إمض غير مصيب ونحو ذلك فكانت اليهود إذا خاطبت النبي صلى الله عليه و سلم بغير مسمع أرادت في الباطن الدعاء عليه وأرت ظارهرا أنها تريد تعظيمه قال ابن عباس وغيره نحوه وكذلك كانوا يريدون منه في أنفسهم معنى الرعونة وحكى مكي معنى رعاية الماشية ويظهرون منه معنى المراعاة فهذا معنى لي اللسان وقال الحسن ومجاهد غير مسمع أي غير مقبول منك وليا أصله لويا وطعنا في الدين أي توهينا له وإظهارا للاستخفاف به قال ع وهذا اللي باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن في بني إسرائيل ويحفظ منه في عصرنا أمثله إلا أنه لايليق ذكرها بهذا الكتاب وقوله تعالى ولو أنهم الآية المعنى ولو أنهم ءامنوا وسمعوا وأطاعوا واقوم معناه أعدل وأصوب وقليلا نعت أما لإيمان وإما لنفر أو قوم والمعنى مختلف وقوله تعالى يا أيها الذين اوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم الآية هذا خطاب لليهود والنصارى ولما معكم معناه من شرع وملة لا لما معهم من مبدل ومغير والطامس الداثر المغير الاعلام قالت طائفة طمس الوجوه هنا هو خلو الحواس منها وزوال الخلقة وقال ابن عباس وغيره طمس الوجوه أن تزال العينان خاصة منها وترد العينان في القفا فيكون ذلك ردا على الأدبار ويمشي القهقري وقال مالك رحمه الله كان اول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو

يقرأ هذه الآية يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا الآية فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه وقال والله لقد خفت أن لا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي وأصحاب السبت هم الذين اعتدوا في السبت في الصيد حسبما تقدم قال قتادة وغيره وأمر الله في هذه الآية واحد الأمور دال على جنسها لا واحد الأوامر فهي عبارة عن المخلوقات كالعذاب واللعنة هنا أو ما اقتضاه كل موضع مما يختص به وقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والعويد وتلخيص الكلام فيها أن يقال الناس أربعة أصناف كافر مات على كفره فهذا مخلد في النار بإجماع ومؤمن محسن لم يذنب قط ومات على ذلك فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع الخلاف فقالت المرجئة هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته وجعلوا آيات الوعيد كلها في الكفار وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيهم وعاصيهم وقالت المعتزلة إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له لأنهم يرون كل الذنوب كبائر وجعلوا آيات الوعد كلها في المؤمن الذي لم يعص قط والمؤمن التائب وقال أهل السنة هو في المشيئة وهذه الآية هي الحاكمة وهي النص في موضع النزاع وذلك أن قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به فصل مجمع عليه وقوله ويغفر ما دون ذلك فصل قاطع للمعتزلة راد على قولهم ردا لا محيد لهم عنه ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة فجاء قوله لمن

يشاء ردا عليهم مبينا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن ولما حتم سبحانه على أنه لا يغفر الشرك ذكر قبح موقعه وقدره في الذنوب والفرية أشد مراتب الكذب قبحا وهو الاختلاق وقوله تعالى ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء الآية لا خلاف بين المتأولين إن المراد بالآية اليهود وإنما اختلفوا في المعنى الذي به زكوا أنفسهم فقال الحسن وقتادة ذلك قولهم نحن ابناء الله واحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا إلى غير ذلك من غرورهم قال ع فتقتضي هذه الآية الغض من المزكي لنفسه بلسانه والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله وزكاه الله عز و جل قال ابن عباس وغيره الفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة وذلك راجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره وإن الله لا يظلمه ولا شيء دونه في الصغر فكيف بما فوقه وقوله تعالى أنظر كيف يفترون على الله الكذب الآية يبين أن تزكيتهم أنفسهم كانت بالباطل والكذب ويقوى أن التزكية كانت بقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه إن الإفتراء أعظم في هذه المقالة وكيف يصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله يفترون وكفى به إثما مبينا خبر في ضمنه تعجب وتعجيب من أمرهم قال ص وكفى به عائد على الإفتراء وقيل على الذكب انتهى وقوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية اجمع المتأولون ان المراد بها طائفة من اليهود والقصص تبين ذلك ومجموع ما ذكره المفسرون فى تفسير الجبت والطاغوت يقتضي أنه كل ما عبد وأطيع من دون الله تعالى وقوله تعالى ويقولون للذين كفروا الاية سببها أن قريشا قالت لكعب بن الأشرف حين ورد مكة أنت سيدنا وسيد قومك إنا قوم ننحر الكوماء

ونقري الضيف ونصل الرحم ونسقي الحجيج ونعبد آلهتنا التي وجدنا عليها آباءنا وهذا محمد قد قطع الرحم فمن أهدى نحن أو هو فقال كعب أنتم أهدى منه وأقوم دينا فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس فالضمير في يقولون عائد على كعب وعلى الجماعة التي معه من اليهود المحرضين على قتال النبي صلى الله عليه و سلم والذين كفروا في هذه الآية هم كفار قريش والإشارة بهؤلاء اليهم والذين آمنوا هم النبي صلى الله عليه و سلم وأمته وقالت فرقة بل المراد حيي ابن أخطب واتباعه وهم المقصود من أول الآيات قال ص للذين اللام للتبليغ متعلقة بيقولون انتهى وقوله تعالى أم لهم نصيب من الملك الآية عرف أم أن تعطف بعد إستفهام متقدم كقولك أقام زيد أم عمرو فإذا وردت ولم يتقدمها استفهام كما هي هنا فمذهب سيبويه أنها مضمنة معنى الإضراب عن الكلام الأول والقطع منه وهي متضمنة مع ذلك معنى الاستفهام فهي بمعنى بل مع همزة استفهام كقول العرب إنها لإبل أم شاء التقدير عند سيبويه أنها لإبل بل أهي شاء وكذلك هذا الموضع بل ألهم نصيب من الملك فإذا عرفت هذا فالمعنى على الأرجح الذي هو مذهب سيبويه والحذاق أن هذا إستفهام على معنى الإنكار أي ألهم ملك فإذن لو كان لبخلوا به والنقير هي النكتة التي في ظهر النواة من التمر هذا قول الجمهور وهذا كناية عن الغاية في الحقارة والقلة وتكتب إذا بالنون وبالألف فالنون هو الأصل كعن ومن وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون التنوين ولا يصح الوقوف على عن ومن وقوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله الآية أم هذه على بابها من العطف بعد الاستفهام وقال ص أم يحسدون أم أيضا منقطعة تتقدر ببل والهمزة انتهى قلت والظاهر ما قاله ع واختلف في

المراد بالناس هنا فقال ابن عباس وغيره هو النبي صلى الله عليه و سلم والفضل النبوءة فقط والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك وقال قتادة الناس هنا العرب حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي صلى الله عليه و سلم منها والفضل على هذا التأويل هو محمد صلى الله عليه و سلم قال أبو عمر بن عبد البر وقد ذم الله قوما على حسدهم فقال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ثم حدث بسنده عن عمرو ابن ميمون قال لما رفع الله موسى نجيا رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال يا رب من هذا فقال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله فقال يا رب أخبرني فقال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ثم حدث أبو عمر بسنده عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ انتهى من التمهيد وقوله تعالى فمنهم من آمن به اختلف في الضمير من به فقال الجمهور هو عائد على القرآن الذي في قوله تعالى ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فأعلم الله سبحانه أن منهم من آمن كما أمر فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله سحبانه وكفى بجهنم سعيرا وقيل هو عائد على إبراهيم عليه السلام وقيل هو عائد على الفضل الذي آتاه الله النبي عليى السلام والعرب على ما تقدم وقوله تعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا الآية لما تقدم في الآية وصف المردة من بني إسرائيل وذكر أفعالهم وذنوبهم

جاءت هذه الآية بالوعيد النص لهم بلفظ جلي عام لهم ولغيرهم ممن فعل فعلهم من الكفرة واختلف في معنى تبديل الجلود فقالت فرقة تبدل عليهم جلود اغيار إذ نفوسهم هي المعذبة والجلود لا تألم في ذاتها وقالت فرقة تبديل الجلود هو إعادة ذلك الجلد بعينه الذي كان في الدنيا إنما سماه تبديلا لأن أوصافه تتغير قال الحسن بن أبي الحسن تبدل عليهم في اليوم سبعين ألف مرة عافانا الله من عذابه برحمته ولما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة وظليلا معناه عند بعضهم يقي الحر والبرد ويصح ان يريد أنه ظل لا يستحيل ولا يتنقل وصح وصفه بظليل لامتداده فقد قال صلى الله عليه و سلم ان في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها ورأيت لبعضهم ما نصه وذكر الطبري في كتابه قال لما خلق الله عز و جل الجنة قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال امتدي مائة ألف سنة فامتدت ثم قال لها امتدي فقالت يا رب كم وإلى كم فقال لها امتدي مقدار رحمتي فامتدت فهي تمتد ابد الآبدين فليس للجنة طرف كما أنه ليس لرحمة الله طرف انتهى فهذا لا يعلم إلا من جهة السمع فهو مما اطلع عليه الطبري وهو إمام حافظ محدث ثقة قاله الخطيب أحمد بن علي بن ثابت وقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية قال ابن جريج وغيره الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة ومن ابن عمه شيبة فطلبه العباس بن عبد المطلب ليضيف السدانة إلى السقاية دخل البني صلى الله عليه و سلم الكعبة وكسر ما كان فيها من الأوثان وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الآية قال عمر بن الخطاب

فخرج النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقرأ هذه الآية وما كنت سمعتها قبل منه فدعا عثمان وشيبة فقال لهما خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ثم الآية بعد تتناول الولاة فيما لديهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلمات وعدل الحكومات وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى قال ابن العربي في أحكامه هذه الآية في أداء الآمانة والحكم بين الناس عامة في الولاة والخلق لأن كل مسلم عالم بل كل مسلم حاكم ووال قال النبي صلى الله عليه و سلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا وقال صلى الله عليه و سلم كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤل عنهم والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عنه وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على ما قلناه انتهى ونعما أصله نعم ما سكنت الميم الأولى وادغمت في الثانية وحركت العين لإلتقاء الساكنين وخصت بالكسر اتباعا للنون وما المردوفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها ومع أنها موطئة فهي بمعنى الذي وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول الآية لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة تقدم في هذه إلى الرعية فأمر بطاعته عز و جل وهي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله وطاعة الأمراء على قول الجمهور وهو قول ابن عباس وغيره فالأمر على هذا التأويل هو ضد النهي ومنه لفظة الأمير وقال جابر وجماعة أولوا الأمر أهل القرآن والعلم قال عطاء طاعة الرسول هي اتباع سنته يعني بعد موته ولفظ ابن العربي في أحكامه قال قوله تعالى وأولي الأمر منكم فيها قولان الأول قال ميمون بن مهران

هم أصحاب السرايا وروى في ذلك حديثا وهو اختيار البخاري وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن حذافة إذ بعثه النبي صلى الله عليه و سلم في سرية والثاني هم العلماء وبه قال أكثر التابعين واختاره مالك والطبري والصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء أم الأمراء فلأن الأمر منهم والحكم إليهم وأما العلماء فلأن سؤالهم متعين على الخلق وجوابهم لازم وامتثال فتواهم واجب ويدخل فيه تأمر الزو على الزوجة لأنه حاكم عليها انتهى وقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء الآية معنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها والرد إلى الله هو النظر في كتابه العزيز والرد إلى الرسول هو سؤاله صلى الله عليه و سلم في حياته والنظر في سنته بعد وفاته هذا قول مجاهد وغيره وهو الصحيح وقوله سبحانه إن كنتم تؤمنون بالله الآية فيه بعض وعيد وتأويلا معناه مآلا في قول جماعة وقال قتادة وغيره المعنى أحسن عاقبة وقالت فرقة المعنى أن الله ورسوله أحسن نظرا وتأولا منكم إذا انفردتم بتأولكم وقوله تعالى ألم تر إلىالذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك الآية تقول العرب زعم فلان كذا في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق وغاية درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونا وإذا قال سيبويه زعم الخليل فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به وكان اقوى رتب زعم ان تبقى معها عهدة الخبر على المخبر قال عامر الشعبي نزلت الآية في منافق اسمه بشر خاصم رجلا من اليهود فدعاه اليهودي إلى المسلمين لعلمه أنكم لا يرتشو وكان المنافق يدعو اليهودي إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون فاتفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه فنزلت هذه الآية فيهما وفي صنفيهما فالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على محمد عليه السلام هم المنافقون والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود وكل قد أمر في كتابه بالكفر بالطاغوت والطاغوت

هنا الكاهن المذكور فهذا تأنيب للصنفين وقال ابن عباس الطاغوت هنا هو كعب ابن الأشرف وهو الذي تراضيا به وقيل غير هذا وقوله رأيت هي رؤية عين لمن صد من المنافقين مجاهرة وتصريحا وهي رؤية قلب لمن صد منهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالقرائن الصادرة عنه وقوله تعالى فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم قالت فرقة هي في المنافقين الذين احتكموا حسبما تقدم فالمعنى فكيف بهم إذا عاقبهم الله بهذه الذنوب بنقمة منه ثم حلفوا إن أرادنا بالاحتكام إلى الطاغوت إلا توفيق الحكم وتقريبه وقوله تعالى اولائك الذين يعلم الله ما في قلوبهم تكذيب لهم وتوعد أي فهو سبحانه مجازيهم فأعرض عنهم وعظهم بالتخويف من عذاب الله وغيره من المواعظ وقوله سبحانه وقل لهم في أنفسهم قال ص أي قل لهم خاليا بهم لأن النصح إذا كان في السر كان أنجح أو قل لهم في حال أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم الزجر عن العود إلى ما فعلوا انتهى واختلف في القول البليغ فقيل هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول وقيل هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق قاله الحسن وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم والبلاغة مأخوذة من بلوغ المراد بالقول وقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله تنبيه على جلالة الرسل أي فأنت يا محمد منهم تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك وبإذن الله معناه بأمر الله وظلموا أنفسهم أي بالمعصية والنفاق وعن العتبي قال كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقد جئتك مستعفيا من ذنوبي مستغفرا إلى ربي ثم انشأ يقول

يا خير من دفنت بالقاع اعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم ...
... نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ...
قال ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فقال لي يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره أن الله تعالى قد غفر له انتهى من حلية النووي وسنن الصالحين للباجي وفيه مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي وقوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية قال الطبري قوله فلا رد على ما تقدم تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ثم استأنف القسم وقال غيره إنما قدم لا على القسم اهتماما بالنهي وإظهارا لقوته قال ابن عطاء الله في التنوير وفي قوله سبحانه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم دلالة على أن الإيمان الحقيقي لا يحصل إلا لمن حكم الله ورسوله على نفسه قولا وفعلا وأخذا وتركا وحبا وبغضا فتبين لك من هذا أنه لا تحصل لك حقيقة الإيمان بالله إلا بأمرين الامتثال لأمره والاستسلام لقهره سبحانه انتهى وشجر معناه اختلط والتف من أمورهم وهو من الشجر شبه بالتفاف الأغصان والحرج الضيق والتكلف والمشقة قال مجاهد حرجا شكا وقوله تسليما مصدر مؤكد منبىء عن التحقيق في التسليم لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة كما قال تعالى وكلم الله موسى تكليما قال مجاهد وغيره المراد بهذه الآية من تقدم ذكره ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت ورجح الطبري هذا لأنه أشبه بنسق الآية وقالت طائفة نزلت فى رجل خاصم الزبير بن العوام فى السقي بماء الحرة كما هو مذكور فى البخاري وغيره وان الزبير قال فما احسب ان هذه الآية نزلت إلا في ذلك وكتبنا معناه فرضنا أن أقتلوا أنفسكم معناه يقتل بعضكم بعضا وقد تقدم نظيره في البقرة

وسبب الاية على ما حكى أن اليهود قالوا لما لم يرض المنافق بحكم النبي صلى الله عليه و سلم ما رأينا أسخف من هؤلاء يؤمنون بمحمد ثم لا يرضون بحكمه ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ففعلنا وبلغ القتل فينا سبعين ألفا فقال ثابت بن قيس لو كتب ذلك علينا لفعلناه فنزلت الآية معلمة بحال أولئك المنافقين وانه لو كتب ذلك على الأمة لم يفعلوه وما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محققون كثابت قلت وفي العتبية عن مالك عن أبي بكر رضي الله عنه نحو مقالة ثابت بن قيس قال ابن رشد ولا شك أن أبا بكر من القليل الذي استثنى الله تعالى في الآية فلا احد أحق بهذه الصفة منه انتهى قال ص إلا قليل الجمهور بالرفع علىالبدل من واو فعلوه عند البصريين انتهى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به أي لو أن هؤلاء المنافقين اتعظوا وأنابوا لكان خيرا لهم وتثبيتا معناه يقينا وتصديقا ونحو هذا أي يثبتهم الله ثم ذكر تعالى ما كان يمن به عليهم من تفضله بالأجر ووصفه إياه بالعظيم مقتض ما لا يحصيه بشر من النعيم المقيم والصراط المستقيم الإيمان المؤدي إلى الجنة والمقصود تعديد ما كان ينعم به عليهم سبحانه وقوله جلت عظمته ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية لما ذكر الله سبحانه الأمر الذي لو فعلوه لأنعم عليهم ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله وهذه الاية تفسر قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم وقالت طائفة إنما نزلت هذه الاية لما قال عبد الله بن زيد الأنصاري الذي أري الأذان يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية قال ع ومعنى أنهم معهم في دار واحدة ومتنعم واحد وكل من فيها قد رزق الرضى بحاله وذهب عنه أن يعتقد أنه مفصول وإن كنا نحن قد علمنا من

الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم وعلى قدر فضل الله على من يشاء والصديق فعيل من الصدق وقيل من الصدقة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم الصديقون المتصدقون ولفظ الشهداء في هذه الآية يعم أنواع الشهداء قال ص وحسن اولائك رفيقا فيه معنى التعجب كأنه قال وما أحسن أولئك رفيقا وقد قدمنا في كلام ابن الحاج ما يدل على أن التعجب لازم لفعل المستعمل للمدح والذم على كل حال سواء استعملت استعمال نعم أو لا انتهى وقوله تعالى ذلك الفضل من الله الإشارة بذلك إلى كون المطيعين مع المنعم عليهم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم الآية هذا خطاب المخلصين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وأمر لهم بجاهد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الإسلام وخذوا حذركم أي احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد وانفروا معناه اخرجوا وثبات معناه جماعات متفرقات وهي السرايا والثبة حكي أنها فوق العشرة وجميعا معناه الجيش الكثير مع النبي صلى الله عليه و سلم هكذا قال ابن عباس وغيره وقوله تعالى وإن منكم إيجاب والخطاب لجماعةالمؤمنين والمراد بمن المنافقون وعبر عنهم بمنكم إذ هم في الظاهر في عداد المؤمنين واللام الداخلة على من لام التأكيد والداخلة على يبطئن لام القسم عند الجمهور وتقديره وإن منكم لمن والله ليبطئن ويبطئن معناه يبطيء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومصيبة يعني من قتال واستشهاد وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة من الله سبحانه لحسن مئالها وشهيدا معناه مشاهدا وقوله تعالى ولئن أصابكم فضل من الله أي ظفرتم وغنمتم ندم المنافق وقال يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما متمنيا شيئا قد

كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده وقوله تعالى كأن لم يكن بينكم وبينه مودة التفاتة بليغة واعتراض بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم وقال الزجاج قوله كأن لم يكن بينكم وبينه مودة مؤخر وإنما موضعه فإن أصابكم مصيبة قال ع وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام قال ص وقوله فأفوز بالنصب هو جواب التمني انتهى وقوله تعالى فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة الآية هذا أمر من الله سبحانه للمؤمنين بالجهاد ويشرون هنا معناه يبيعون ثم وصف سبحانه ثواب المقاتلين والأجر العظيم الجنة وقوله تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله الآية ما استفهام والمستضعفين عطف على اسم الله عز و جل أي وفي سبيل المستضعفين لاستنقاذهم ويعني بالمستضعفين من كان بمكة تحت إذلال كفرة قريش وفيهم كان صلى الله عليه و سلم يقول اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين والولدان عبارة عن الصبيان والقرية هنا مكة بإجماع والآية تتناول المؤمنين والأسرى في حواضر الشرك إلى يوم القيامة قال ابن العربي في أحكامه قال علماؤنا رحمهم الله أوجب الله تعالى في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من يد العدو وقد روى الأئمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ينعي الأسير قال مالك رحمه الله على الناس أن يفكوا الأسرى بجميع أموالهم وكذلك قالوا عليهم أن يواسوهم انتهى وقوله تعالى الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله الآية هذه الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين وتحريضهم وقرينة ذكر الشيطان بعد تدل على أن المراد بالطاغوت هنا الشيطان وإعلامه تعالى بضعف كيد الشيطان فيه تقوية لقلوب المؤمنين وتجرئة لهم على مقارعة الكيد الضعيف فإن العزم والحزم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره ويهده

وقوله تعالى ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم وأقيموا الصلوة الآية اختلف المتأولون فيمن المراد بقوله الذين قيل لهم فقال ابن عباس وغيره كان جماعة من المؤمنين قد انفوا من الذل بمكة قبل الهجرة وسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيح لهم مقاتلة المشركين فامرهم عن الله تعالى بكف الايدى فلما كتب عليهم القتال بالمدينة شق ذلك على بعضهم ولحقهم ما يلحق البشر من الخور والكع عن مقارعة العدو فنزلت الآية فيهم وقال ابن عباس ايضا ومجاهد انما الآية حكاية عن حال اليهود انهم فعلوا ذلك مع نبيهم في وقته فمعنى الحكاية عنهم تقبيح فعلهم ونهي المؤمنين عن فعل مثله وقيل المراد المنافقون واو تقدم شرحها في سورة البقرة في قوله تعالى او اشد قسوة لان الموضعين سواء وقولهم لم كتبت علينا القتال رد في صدر اوامر الله سبحانه وقلة استسلام له والاجل القريب يعنون به موتهم على فرشهم هكذا قال المفسرون قال ع وهذا يحسن إذا كانت الآية في اليهود أو في المنافقين وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة فانما طلبوا التأخر إلى وقت ظهور الاسلام وكثرة عددهم ويحسن القول بانها في المنافقين اطراد ذكرهم فيما يأتى بعد من الآيات وقوله سبحانه قل متاع الدنيا قليل الآية المعنى قل يا محمد لهؤلاء متاع الدنيا أي الاستمتاع بالحياة فيها الذى حرصتم عليه قليل وباقى الآية بين وهذا اخبار منه سبحانه يتضمن تحقير الدنيا قلت ولما علم الله في الدنيا من الآفات حمى منها اولياءه ففي الترمذي عن قتادة بن النعمان عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إذا احب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل احدكم يحمى سقيمه الماء قال أبو عيسى وفي الباب عن صهيب وأم المنذر وهذا حديث حسن وفي الترمذي عن ابن مسعود قال نام النبي صلى الله عليه و سلم على حصير فقام وقد اثر في جنبه فقلنا

يا رسول الله لو اتخذنا لك فراشا فقال مالى وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله سبحانه في بروج الاكثر والاصح الذى عليه الجمهور أنه اراد بالبروج الحصون التي في الأرض المبنية لانها غاية البشر في التحصن والمنعة فمثل الله لهم بها قال قتادة المعنى في قصور محصنة وقاله ابن جريج والجمهور وبرج معناه ظهر ومنه تبرج المرأة ومشيدة قال الزجاج وغيره معناه مرفوعة مطولة ومنه اشاد الرجل ذكر الرجل إذا رفعه وقالت طائفة مشيدة معناه محسنة باللشيد وهو الجص وروى النساءي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اكثروا ذكر هادم اللذات يقنى الموت وخرجه ابن ماجه والترمذي وخرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن انس عن يحي بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثله وروى ابن ماجة بسنده عن ابن عمر انه قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من الانصار فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي المؤمنين افضل قال احسنهم خلقا قال فأي المؤمنين اكيس قال اكثرهم للموت ذكرا واحسنهم لما بعده استعدادا اولائك الاكياس واخرجه مالك ايضا انتهى من التذكرة وقوله تعالى وإن تصبهم حسنة الآية الضمير في تصبهم عائد على الذين قيل لهم كفوا ايديكم وهذا يدل على انهم المنافقون لان المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة ولان اليهود لم يكونوا للنبي صلى الله عليه و سلم تحت امر فتصيبهم بسببه اسواء والمعنى أن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله لا ببركة اتباعك والايمان بك وان

تصبهم سيئة أي هزيمة أو شدة جوع أو غير ذلك قالوا هذه بسببك وقوله قل كل من عند الله إعلام من الله سبحانه أن الخير والشر والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده لا رب غيره ولا خالق ولا مخترع سواه والمعنى قل يا محمد لهؤلاء ثم وبخهم سبحانه بالاستفهام عن علة جهلهم وقلة فهفهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق والفقه في اللغة الفهم وفي الشرع الفهم في أمور الدين ثم غلب عليه الإستعمال في علم المسائل الأحكامية وقوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وغيره داخل في المعنى ومعنى الآية عند ابن عباس وغيره على القطع واستيناف الأخبار من الله عز و جل بأن الحسنة منه ومن فضله وبأن السيئة من الإنسان بإذنابه وهي من الله تعالى بخلقه واختراعه لا خالق سواه سبحانه لا شريك له وفي مصحف ابن مسعود فمن نفسك وأنا قضيتها عليك وقرأ بها ابن عباس وفي وراية وأنا قدرتها عليك ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم معناه أن ما يصيب ابن آدم من المصائب فإنما هو عقوبة ذنوبه قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي قوله تعالى وما أصابك من سيئة فمن نفسك خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد غيره انتهى وفي قوله سبحانه وأرسلناك للناس رسولا ثم تلاه بقوله وكفى بالله شهيدا توعد للكفار وتهديد تقتضيه قوة الكلام لأن المعنى شهيدا على من كذبه وقوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله فالمعنى أن الرسول عليه السلام إنما يأمر وينهي بيانا وتبليغا عن الله وتولى معناه أعرض وحفيظا يحتمل معنيين أي لتحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه أو لتحفظ مساويهم وتحسبها عليهم وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من الله

عز و جل حتى يستحكم أمر الإسلام وقوله تعالى ويقولون طاعة الآية نزلت في المنافقين باتفاق المفسرين المعنى يقولون لك يا محمد أمرنا طاعة فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلا وقالوا غير ما أظهروا لك وبيت معناه فعل ليلا وهو مأخوذ من بات أو من البيت لأنه ملتزم بالليل وقوله تقول يحتمل أن يكون معناه تقول أنت ويحتمل تقول هي لك والأمر بالإعراض إنما هو عند معاقبتهم ومجازاتهم وأما استمرار عظتهم ودعوتهم فلازم ثم أمر سبحانه بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر والوكيل القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها وقوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن الآية المعنى أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون كلام الله تعالى فتظهر لهم براهينه وتلوح لهم أدلته قلت اعلم رحمك الله تعالى أن تدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير وأما الهدرمة والعجلة فتأثيرها في القلب ضعيف قال النووي رحمه الله وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يفقه من قرأ القرآن في اقل من ثلاث انتهى قال ع والتدبر هو النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء هذا كله يقتضيه قوله سبحانه أفلا يتدبرون القرآن وهذا أمر بالنظر والاستدلال ثم عرف تعالى بموقع الحجة أي لو كان من كلام البشر لدخله ما في البشر من القصور وظهر فيه التناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه إذ ذلك موجود في كلام البشر والقرآن منزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيء سبحانه قال ع فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا في شيء من كتاب الله فالواجب أن يتهم نظره ويسأل من هو أعلم منه وقوله تعالى وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف الآية

قال جمهور المفسرين أن الآية في المنافقين حسبما تقدم والمعنى أن المنافقين كانوا يتشوفون إلى سماع ما يسيء النبي صلى الله عليه و سلم فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا ذلك التحقير والتصغير وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك وأذاعوا به معناه أفشوه وهو فعل يتعدى بحرف الجر وبنفسه أحيانا وقالت فرقة الاية نزلت في المنافقين وفيمن ضعف جلده وقلت تجربته من المؤمنين وفي الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه ثم قال فقلت يا رسول الله أطلقت نساءك فقال لا قال عمر فقمت على باب المسجد فقلت ألا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يطلق نساءه فأنزل الله تعالى هذه الآية وإذ جاءهم أمر من الأمن أو الخوف الآية قال وأنا الذي استنبطته وقوله تعالى ولو ردوه إلى الرسول الآية المعنى لو أمسكوا عن الخوض واستقصوا الأمر من قبل الرسول وأولي الأمر وهم الأمراء والعلماء لعلمه طلابه من أولي الأمر والبحثة عنه وهم مستنبطوه كما يستنبط الماء وهو استخراجه من الأرض وقوله سبحانه ولولا فضل الله عليكم ورحمته الآية خطاب لجميع المؤمنين باتفاق من المتأولين وقوله إلا قليلا هو مستنثى في قول جماعة من قوله لا تبعتم الشيطان إلا قليلا وقال ابن عباس وابن زيد ذلك مستثنى من قوله اذاعوا به إلا قليلا ورجحه الطبري وقال قتادة هو مستثنى من قوله يستنبطونه إلا قليلا ت قال الداودي قال أبو عبيدة وإنما كره العلماء أن يجعلوا الاستثناء من قوله لاتبعتم الشيطان إلا قليلا لأنه لا وجه له فإنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان كلهم انتهى وهو حسن وأما قوله لا وجه له ففيه نظر فقد وجهه العلماء بما لا نطيل بذكره وقوله تعالى فقاتل

في سبيل الله الاية هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي صلى الله عليه و سلم وحده لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى الله عليه و سلم دون الأمة مدة ما والمعنى والله أعلم أنه خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم في اللفظ وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه أي أنت يا محمد ولك واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم والله لأقاتلنكم حتى تنفرد سالفتي وقول أبي بكر رضي الله عنه وقت الردة ولول خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي وعسى إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره هي واجبة بفضل الله ووعده الجميل قلت أي واقع ما وعد به سبحانه والتنكيل الأخذ بأنواع العذاب وقوله سبحانه من يشفع شفاعة حسنة الآية قال مجاهد وغيره هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم فمن يشفع لينفع فله نصيب ومن يشفع ليضر فله كفل والكفل النصيب ويستعمل في الخير وفي الشر وفي كتاب الله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته وروى أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها قد أتى بابا عظيما من أبواب الربا انتهى ومقيتا معناه قديرا ومنه قول الزبير بن عبد المطلب ... وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على إساءته مقيتا ...
أي قديرا وقيل ميتا معناه شهيدا وقيل حفيظا وذهب مقاتل إلى أنه الذي يقوت كل حيوان قال الداودي قال الكلبي المقيت هوالمقدر بلغة قريش انتهى وقوله سبحانه وإذا حييتم بتحية الآية قالت فرقة معنى الآية تخيير الراد فإذا قال البادىء السلام عليك فللراد أن يقول وعليك السلام فقط وهذا هو

الرد وله أن يقول وعليك السلام ورحمة الله وهذا هو التحية بأحسن وروي عن ابن عمر وغيره انتهاء السلام إلى البركة وقالت فرقة المعنىإذا حييتم بتحية فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن منهاوإن انتهى فردوها كذلك قال عطاء والآية في المؤمنين خاصة ومن سلم من غيرهم فيقال له عليك كما في الحديث وفي أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أولى الناس بالله من بدأ بالسلام انتهى واكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة ورده فريضة لأنه حق من الحقوق قاله الحسن وغيره قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبدين متحابين في الله عز و جل يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصلينان على النبي صلى الله عليه و سلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر وروينا فيه عن أنس أيضا قال ما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وروينا فيه عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاشرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما وفي رواية إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز و جل لهما انتهى حسيبا معناه حفيظا وهو فعيل من الحساب وقوله سبحانه الله لا إله إلا هو ليجمعنكم الآية لما تقدم الإنذار والتحذير الذي تضمنه قوله تعالى إن الله كان على كل شيء حسيبا تلاه الإعلام بصفة الربوبية وحال الوحدانية والإعلام بالحشر والبعث من القبور للثواب والعقاب إعلاما بقسم تقديره وحقه وعظمته ليجمعنكم والجمع بمعنى الحشر وقوله سبحانه ومن أصدق من الله حديثا المعنى لا أحد أصدق من الله تعالى وقوله تعالى فما لكم في

المنافقين فئتين الآية واختلف في هؤلاء المنافقين فقال ابن عباس هم قوم كانوا بمكة أظهروا الإيمان لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في كتب بعثوا بها إلى المدينة ثم خرجوا مسافرين إلى الشام واعطتهم قريش بضاعات وقالوا لهم أنتم لا تخافون أصحاب محمد لأنكم تخدعونهم بإظهار الإيمان فاتصل خبرهم بالمدينة فاختلف المؤمنون فيهم فقالت فرقة نخرج إليهم فإنهم منافقون وقالت فرقة بل هم مؤمنون لا سبيل لنا إليهم فنزلت الآية وعن مجاهد نحوه قال ع ويعضده ما في آخر الآية من قوله تعالى حتى يهاجروا وقال زيد بن ثابت نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين الذين رجعوا عن النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد وهم في صحيح البخاري مسندا قال ابن العربي في أحكامه وهذا القول هو اختيار البخاري والترمذي انتهى قال ع وعلى هذا فقوله سبحانه حتى يهاجروا المراد هجر ما نهى الله عنه كما قال عليه السلام والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وفئتين معناه فرقتين واركسهم معناه أرجعهم في كفرهم وضلالهم والركس الرجيع ومنه قوله صلى الله عليه و سلم في الروثة أنها ركس وحكى النضر بن شميل والكسائي ركس وأركس بمعنى واحد أي أرجعهم ومن قال من المتأولين أهلكهم أو أضلمهم فإنما هو بالمعنى وباقي الآية بين قال ص اركسهم أي ردهم في الكفر وقال ابن العربي في أحكامه أخبر الله تعالى أنه رد المنافقين إلى الكفر وهو الإركاس وهو عبارة عن الرجوع إلى الحالة المكروهة كما قال في الروثة أنها ركس أي رجعت إلى حالة مكروهة فنهى الله سبحانه الصحابة ان يتعلقوا فيهم بظاهر الإيمان إذ كان باطنهم الكفر وأمرهم بقتلهم حيث وجدوهم انتهى وقوله تعالى إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ص إلا الذين يصلون استثناء متصل من

مفعول فخذوهم واقتلوهم انتهى قال ع هذه الآية من آيات الموادعة في أول الإسلام ثم نسخت بما في سورة براءة فالآية تقتضي أن من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه و سلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل فعلهم من الموادعة فلا سبيل عليه وقوله تعالى أو جاءوكم عطف على يصلون ويحتمل أن يكون على قوله بينكم وبينهم ميثاق والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضا حكم قبل أن يستحكم أمر الإسلام فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه وهذه نسخت أيضا بما في براءة ومعنى حصرت ضاقت وحرجت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم وحصرت في موضع نصب على الحال والسلام في قوله لسلطهم جواب لو والمعنى ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المسالمة والمتاركة عليكم فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم وهذا كله والذي في سورة الممتحنة لا ينهاكم الله الآية منسوخ قاله قتادة وغيره والسلم هاهنا الصلح وقوله تعالى ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم الآية لما وصف الله سبحانه المحققين في المتاركة والقاء السلم نبه على طائفة مخادعة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم يقولون لهم نحن معكم وعلى دينكم ويقولون أيضا للمسلمين نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة وقوله إلى الفتنة معناه إلى الاختبار حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم قل ربي الخنفساء ربي العود ربي العقرب ونحوه فيقولها ومعنى أركسوا أي رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختبار بما واقعوه من الكفر وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم وثقفتموهم مأخوذ من الثقاف أي

ظفرتم بهم مغلوبين متمكنا منهم والسلطان الحجة قال عكرمة حيثما وقع السلطان في كتاب الله عز و جل فهو الحجة وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية قال جمهور المفسرين معنى الآية وما كان في إذن الله وفي أمره للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول وهو الذي تكون فيه إلا بمعنى لكن والتقدير لكن الخطأ قد يقع ويتجه في معنى الآية وجه آخر وهو أن تقدر كان بمعنى استقر ووجد كانه قال وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ إذ هو مغلوب فيه فيجيء الاستثناء على هذا متصلا وتتضمن الاية على هذا اعظام العمد وبشاعة شأنه وقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية حقيقة الخطأ أن لا يقصده بالقتل ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى يربطها عدم القصد قال ابن عباس وغيره الرقبة المؤمنة هي الكبيرة التي قد صلت وعقلت الإيمان وقالت جماعة منهم مالك بن أنس يجزىء كل من يحكم له بحكم الإسلام في الصلاة عليه إن مات قال مالك ومن صلى وصام أحب إلي ولا يجزىء ذو العيب الكثير كأقطع اليدين أو الرجلين أو الأعمى إجماعا فيما علمت ومسلمة معناه مؤداة مدفوعة وهي على العاقلة فيما جاوز ثلث الدية وإلا أن يصدقوا يريد أولياء القتيل وقوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن الآية أي وإن كان هذا المقتول خطأ مؤمنا قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدو لكم فلا دية فيه وإنما كفارته تحرير الرقبة قاله ابن عباس وغيره وسقطت الدية عندهم لوجهين أحدهما أن أولياء المقتول كفار فلا يصح دفع الدية إليهم والآخر قلة حرمة هذا المقتول فلا دية فيه واحتجوا بقوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وقالت فرقة بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء

كفار فقط وسواء قتل بين أظهر المسلمين أو بين قومه الكفار لأنه لا يصح دفعها إلى الكفار قال ع وقائل المقالة الاولى يقول أن قتل المؤمن في بلد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة وقوله تعالى وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ابن عباس وغيره المقتول من اهل العهد خطأ لانبالى كان مؤمنا او كافرا على عهد قومه فيه الدية والتحرير وقوله فمن لم يجد فصيام شهرين الآية أي فمن لم يجد الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها فيجزيه صيام شهرين متتابعة الايام لا يتخللها فطر وتوبة نصب على المصدر ومعناه رجوعا بكم إلى التيسير والتسهيل وقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية المتعمد في لغة العرب القاصد إلى الشيء والجمهور إن المتعمد كان من قتل كان القتل بحديدة أو غيرها وهذا هو الصحيح ورأى الشافعي وغير أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد ورأوا فيه تغليظ الدية ومالك لا يرى شبه العمد ولا يقول به وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمد أو خطأ لا غير وقوله تعالى فجزاؤه جهنم تقديره عند أهل السنة فجزاؤه ان جازاه بذلك أي هو أهل لذلك ومستحقه لعظيم ذنبه قال ع ومن اقيم عليه الحد وقتل قودا فهو غير متبع في الآخرة والوعيد غير نافذ عليه اجماعا وللحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له ومعنى الخلود هنا مدة طويلة أن جازاه الله ويدل على ذلك سقوط لفظ التأبيد قال ع والجمهور على قبول توبته وروي عن بعض العلماء انهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف احيانا فيطلقون أن لا تقبل توبته منهم ابن شهاب وابن عباس فكان ابن شهاب إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له توبتك مقبولة وإذا سأله من لم يفعل قال لا توبة للقاتل وعن ابن عباس

نحوه قال الداودي وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والله للدنيا وما فيها اهون على الله من قتل نفس بغير حق ومن اعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم يلقاه مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله وعن معاوية أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من قتل مؤمنا متعمدا أو مات كافرا وعن أبي هريرة أنه سئل عن قاتل المؤمن هل له من توبة فقال لا والله الذى لا اله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قال ولو أن أهل السموات والأرض اشركوا في دم مؤمن إلا كبهم الله جميعا في النار انتهى وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية تقول ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة بفى وضربت الأرض دون في إذا قصدت قضاء الحاجة وقال ص ضربتم أي سافرتم قال ع وسبب هذه الآية أن سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيت رجلا له جمل ومتيع وقيل غنيمة فسلم على القوم وقال لا اله إلا الله محمد رسول الله فحمل عليه احدهم فقتله واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة والذى عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط ولا خلاف أن الذى لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة وقرأ جمهور السبعة فتبينوا وقرأ نافع وغيره السلم ومعناه الاستسلام أي القى بيده واستسلم لكم واظهر دعوتكم وقرأ باقى السبعة السلام بالالف يريد سلام ذلك المقتول على السرية لأن سلامه بتحية الاسلام مؤذن بطاعته وانقيادة وفي بعض طرق عاصم السلم بكسر السين المشددة وسكون

اللام وهو الصلح والمعنى المراد بهذه الثلاثة متقارب وقرئ لست مؤمنا بفتج الميم أي لسنا نؤمنك وقوله تعالى فعند الله مغانم كثيرة عدة منه سبحانه بما يأتي به من فضله من الحلال دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا واختلف في قوله كذلك كنتم من قبل فقال ابن جبير معناه كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم فمن الله عليكم باعزاز دينكم واظهار شريعتكم فهم الآن كذلك كل واحد منهم خائف من قومه متربص ان يصل اليكم فلم يصلح اذا وصل ان تقتلوه حتى تتبينوا امره وقال ابن زيد المعنى كذلك كنتم كفرة فمن الله عليكم بان اسلمتم فلا تنكروا ان يكون هو كافرا ثم يسلم لحيه ثم وكد تبارك وتعالى الوصية بالتبين واعلم انه خبير بما يعمله العباد وذلك منه خبر يتضمن تحذيرا منه سبحانه أي فاحفظوا انفسكم وجنبوا الزلل الموبق لكم وقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر الآية في قوله تعالى لا يستوى ابهام على السامع وهو ابلغ من تحديد المنزلة التى بين المجاهد والقاعد فالمتأمل يمشى مع فكرته ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما والقاعدون عبارة عن المتخلفين قلت وخرج ابو بكر بن الخطيب بسيده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان في الجنة شجرة تخرج من اعلاها الحلل ومن اسفلها خيل بلق من ذهب مسرجة ملجمة بالدر والياقوت لا تروث ولا تبول ذوات اجنحة فيجلس عليها أولياء الله فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين اسفل منهم يا اهل الجنة ناصفونا يا رب ما بلغ هؤلاء هذه الكرامة فيقول الله تعالى إنهم كانوا يصومون وكنتم تفطرون وكانوا يقومون بالليل وكنتم تنامون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يجاهدون العدو وكنتم تجبنون انتهى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة غير بالرفع صفة للقاعدون وقرأ نافع وغيره

غير بالنصب استثناء من القاعدين وروي من غير ما طريق أن الآية نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فجاء ابن أم مكتوم حين سمعها فقال يا رسول الله هل من رخصة فإنى ضرير البصر فنزلت عند ذلك غير أولى الضرر قال الفلتان بن عاصم رضي الله عنه كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه و سلم فانزل عليه وكان إذا اوحي اليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وبصره لما يأتيه من الله وكنا نعرف ذلك في وجهه قال فلما فرغ قال للكاتب اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى أخر الآية قال فقام الأعمى فقال يا رسول الله ما ذنبنا قال فأنزل الله على رسوله فقلنا للاعمى أنه ينزل عليه قال فخاف أن ينزل فيه شيء فبقي قائما مكانه يقول اتوب إلى رسول الله حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال للكاتب اكتب غير أولى الضرر وأهل الضرر هم اهل الاعذار إذ قد اضرت بهم حتى منعتهم الجهاد قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى بأموالهم وانفسهم هي الغاية في كمال الجهاد قال ابن جريج الفضل بدرجة هو على القاعدين من اهل العذر قال ع لانهم مع المؤمنين بنياتهم كما هو مذكور في الحديث الصحيح قال ابن جريج والتفضيل بالاجر العظيم والدرجات هو على القاعدين من غير عذر والحسنى الجنة التي وعدها الله المؤمنين وكذلك قال السدي وغيره وقال ابن محيريز الدرجات هي درجات في الجنة سبعون ما بين الدرجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة قلت وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أن في الجنة مائة درجة اعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فأنه اوسط الجنة واعلى الجنة وفوفه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة انتهى

وقال ابن زيد الدرجات في الآية هي السبع المذكورة في براءة في قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآية قال ع ودرجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه لكن يجمعها بذل النفس والاعتمال بالبدن والمال في أن تكون كلمة الله هي العليا ولا شك أن بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها تكون مراتب الجنة ودرجاتها فالاقوال كلها متقاربة وباقى الآية وعد كريم وتانيس وقوله تعالى أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم الآية المراد بهذه الآية إلى قوله مصيرا جماعة من أهل مكة كانوا قد اسلموا فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم اقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم قال ع والذى يجرى مع الاصول أن من مات من هؤلاء مرتدا فهو كافر ومأواه جهنم على جهةالخلود المؤبد وهذا هو ظاهر أمر هؤلاء وأن فرضنا فيهم من مات مؤمنا واكره على الخروج أو مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود وقوله تعالى توفاهم يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ويحتمل أن يكون مستقبلا على معنى تتوفاهم فحذفت احدى التائين وتكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية وظالمى أنفسهم نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة وتوفاهم الملائكة معناه تقبض أرواحهم قال الزجاج وحذفت النون من ظالمين تخفيفا كقوله بالغى الكعبة وقول الملائكة فيم كنتم تقرير وتوبيخ وقول هؤلاء كنا مستضعفين في الأرض اعتذار غير صحيح إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم ألم تكن أرض الله واسعة والأرض الأولى هي أرض مكة خاصة وأرض الله هي الأرض بالاطلاق والمراد فتها جروا فيها

إلى مواضع الامن وهذه المقاولة إنما هي بعد توفي الملائكة لارواح هؤلاء وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ثم استثنى سبحانه من كان استضعافه حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين والحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص والسبيل سبيل المدينة فيما قاله مجاهد وغيره والصواب انه عام فى جميع السبل ثم رجى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم والمراغم المتحول والمذهب قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد المراغم المتزحزح عما يكره وقال ابن زيد المراغم المهاجر وقال السدي المراغم المبتغى للمعيشة قال ع وهذا كله تفسير بالمعنى وأما الخاص باللفظة فإن المراغم هو موضع المراغمة فلو هاجر احد من هؤلاء المحبوسين بمكة لارغم انوف قريش بحصوله في منعة منهم فتلك المنعة هي موضع المراغمة قال ابن عباس وغيره السعة هنا هي السعة في الرزق وقال مالك السعة سعة البلاد قال ع وهذا هو المشبه للفصاحة أن يريد سعة الأرض وبذلك تكون السعة في الرزق واتساع الصدر وغير ذلك من وجوه الفرج وهذا المعنى ظاهر من قوله تعالى الم تكن أرض الله واسعة قال مالك بن أنس رحمه الله الآية تعطي أن كل مسلم ينبغى له أن يخرج من البلاد التي تغير فيها السنن ويعمل فيها بغير الحق وقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت الآية حكم هذه الآية باق في الجهاد والمشي إلى الصلاة والحج ونحوه قلت وفي الباب حديث عن أبي أمامة وسياتي عند قوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على انفسكم قال ع والآية نزلت بسبب رجل من كنانة وقيل من خزاعة أسمه ضمرة في قول الأكثر لما سمع قول الله تعالى الذين لا يستطيعون حيلة

ولا يهتدون سبيلا قال اني لذو مال وعبيد وكان مريضا فقال أخرجوني إلى المدينة فأخرج في سرير فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت الآية بسببه قال ع ومن هذه الآية رأى بعض العلماء أن من مات من المسلمين وقد خرج غازيا فله سهمه من الغنيمة قاسوا ذلك على الاجر ووقع عبارة عن الثبوت وكذلك هي وجب لان الوقوع والوجوب نزول في الاجرام بقوة فشبه لازم المعاني بذلك وباقي الآية بين وقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية ضربتم معناه سافرتم قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهويه تقصر الصلاة في أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا وحجتهم احاديث رويت في ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقال الحسن والزهري تقصر في مسيرة يومين وروي هذا أيضا عن مالك وروي عنه تقصر في مسافة يوم وليلة وهذه الاقوال الثلاثة تتقارب في المعنى والجمهور على جواز القصر في السفر المباح وقال عطاء لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل خير والجمهور أنه لا قصر في سفر معصية والجمهور أنه لا يقصر المسافر حتى يخرج من بيوت القرية وحينئذ هو ضارب في الأرض وهو قول مالك وجماعة المذهب وإلى ذلك في الرجوع وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين وليس بينهما ثلث يوم ويظهر من قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا أن القصر مباح أو مخير فيه وقد روى ابن وهب عن مالك ان المسافر مخير فيه وقاله الأبهري وعليه حذاق المذهب وقال مالك في المبسوط القصر سنة وهذا هو الذي عليه جمهور المذهب وعليه جواب المدونة بالإعادة في الوقت لمن اتم في سفره وقال ابن سحنون وغيره القصر فرض وقوله تعالى إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا

الآية وفي حديث يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أن الله تعالى يقول ان خفتم وقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ويفتنكم معناه يمتحنكم بالحمل عليكم واشغال نفوسكم وذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما صلى الظهر بأصحابه قال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم أن لهم أخرى في أثرها فأنزل الله تعالى بين الصلاتين إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إلى أخر صلاة الخوف وقوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية قال جمهور الأمه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف قال الطبري فاقمت لهم معناه حدودها وهيئتها وقوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك أمر بالانقسام أي وسائرهم وجاه العدو ومعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا فقيل الطائفة المصلية وقيل بل الحارسة قال ع ولفظ الآية يتناول الكل ولكن سلاح المصلين ما خف قلت ومن المعلوم أنه إذا كانت الطائفة المصلية هي المأمورة بأخذ السلاح فالحارسة من باب احرى واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه صلاة الخوف وبحسب ذلك اختلف الفقهاء فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن ابى حثمة انه ص - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا واتموا لا نفسهم ثم سلم

بهم وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه إلا انه روى أن النبي صلى الله عليه و سلم حين صلى بالطائفة الاخيرة ركعة سلم ثم قضت بعد سلامه وبحديث القاسم بن محمد أخذ مالك واليه رجع بعد أن كان اولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال لم يصل النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف إلا مرتين مرة بذات الرقاع من أرض بنى سليم ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة قا لع وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه و سلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين وقد ذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذى قرد صلاة خوف وقوله تعالى فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم الآية المعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا هذا على بعض الهيآت المروية وقيل المعنى فإذا سجدوا ركعة القضاء وهذا على رواية ابن أبي حثمة والضمير في قوله فليكونوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة اولا بازاء العدو ويجيء الكلام وصاة في حال الحذر والحرب وقوله تعالى ود الذين كفروا لو تغفلون الآية أخبار عن معتقد القوم وتحذير من الغفلة ليلا ينال العدو أمله وأسلحة جمع سلاح وفي قوله تعالى ميلة واحدة مبالغة أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية وقوله تعالى ولا جناح عليكم الآية ترخيص قال ابن عباس نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس قال ع كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب فرخص الله تعالى في هاتين الحالتين وينقاس عليهما كل عذر ثم قوى سبحانه نفوس المؤمنين بقوله إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا وقوله تعالى فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا الآية

ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله فهو ذكر باللسان والطمانينة في الآية سكون النفوس من الخوف وقال بعض المتأولين المعنى فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فاقيموها تامة أربعا وقوله تعالى كتابا موقوتا معناه منجما في أوقات هذا ظاهر اللفظ وروي عن ابن عباس ان المعنى فرضا مفروضا فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة وقوله تعالى ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي لا تلينوا وتضعفوا يقال حبل واهن أي ضعيف ومنه وهن العظم وأبتغاء القوم طلبهم وهذا تشجيع لنفوس المؤمنين وتحقير لأمر الكفرة ثم تأكد التشجيع بقوله وترجون من الله ما لا يرجون وهذا برهان بين ينبغى بحسبه ان تقوى نفوس المؤمنين وباقى الآية بين وقوله تعالى أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله الآية في هذا الآية تشريف للنبي صلى الله عليه و سلم وتفويض اليه وتقويم أيضا على الجادة في الحكم وتأنيب ما على قبول ما رفع اليه في أمر بنى ابيرق بسرعة وقوله تعالى بما أراك الله معناه على قوانين الشرع أما بوحي ونص أو نظر جار على سنن الوحي وقد تضمن الله تعالى لانبيائه العصمة وقوله تعالى ولا تكن للخائنين خصيما قال الهروي خصيما أي مخاصما ولا دافعا انتهى قال ع سببها باتفاق من المتأولين أمر بنى ابيرق وكانوا أخوة بشر وبشير ومبشر وطعيمة وكان بشير رجلا منافقا يهجو اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وينحل الشعر لغيره فكان المسلمون يقولون والله ما هو إلا شعر الخبيث فقال شعرا يتنصل فيه فمنه قوله ... افي كل ما قال الرجال قصيدة ... نحلت وقالوا ابن الأبيرق قالها ...
قال قتادة بن النعمان وكان بنو ابيرق أهل فاقة فابتاع عمى رفاعة بن زيد

حملا من درمك الشام فجعله في مشربه له وفي المشربة درعان له وسيفان فعدي على المشربة من الليل فلما أصبح أتاني عمى رفاعة فقال يا أبن أخي اتعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني ابيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نراه إلا على بعض طعامكم قال وقد كان بنو ابيرق قالوا ونحن نسأل والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح واسلام فسمع ذلك لبيد فأخترط سيفه ثم اتى بنى ابيرق فقال والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة فقالوا اليك عنا أيها الرجل فو الله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم اصحابها فقال لي عمى يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بهذه القصة فأتيته صلى الله عليه و سلم فقصصتها عليه فقال انظر في ذلك فلما سمع بذلك بنو ابيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع اليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله ص - فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه رفاعة عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرميانهم بالسرقة على غير بينة قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة من غير بينة قال فرجعت وقد وددت أن أخرج عن بعض مالي ولم أكلمه فأتيت عمي فقال ما صنعت فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرءان أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق الآيات قال فالخائنون بنو ابيرق والبريء المرمى لبيد بن سهل والطائفة التي همت أسير وأصحابه قال ع قال قتادة وغير واحد هذه القصة ونحوها إنما كان صاحبها طعمة بن ابيرق ويقال فيه طعيمة قال

ع وطعمة بن ابيرق صرح بعد ذلك بالارتداد وهرب إلى مكة فروي أنه نقب حائط بيت ليسرقه فأنهدم الحائط عليه فقتله ويروى أنه أتبع قوما من العرب فسرقهم فقتلوه وقوله تعالى واستغفر الله ذهب الطبري إلى أن المعنى استغفر من ذنبك في خصامك للناس قال ع وهذا ليس بذنب لان النبي صلى الله عليه و سلم إنما دافع عن الظاهر وهو يعتقد براءتهم والمعنى واستغفر للمؤمنين من أمتك والمتخاصمين بالباطل لا أن تكون ذا جدال عنهم وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب اليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك رواه أبو داود والترمذي والنساءي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح غريب ورواه النساءي والحاكم أيضا من طرق عن عائشة وغيرها انتهى من السلاح وقوله تعالى ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم لفظ عام يندرج تحته أصحاب النازلة ويتقرر به توبيخهم وفي قوله تعالى أن الله لا يحب من كان خوانا أثيما رفق وأبقاء فإن الخوان هو الذى تتكرر منه الخيانة كطعيمة بن الابيرق والاثيم هو الذى يقصدها فيخرج من هذا التشديد الساقط مرة واحدة ونحو ذلك واختيان الانفس هو بما يعود عليها من الاثم والعقوبة في الدنيا والآخرة وقوله تعالى يستخفون من الله الآية الضمير في يستخفون للصنف المرتكب للمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل الخيانة في النازلة المذكورة وأهل التعصب لهم والتدبير في خدع النبي صلى الله عليه و سلم والتلبيس عليه ويحتمل أن يكون الضمير لأهل هذه النازلة ويدخل في معنى هذا التوبيخ كل

من يفعل نحو فعلهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية النفوس المرتكبة للمحارم المحتقبة للمآثم والمظالم شبيهة بالأراقم تملأ أفواهها سما وتقصد من تقذفه عليه عدوانا وظلما تجمع في ظمائرها سموم شرورها وضررها وتحتال لالقائها على الفافلين عن مكائدها وخدعها انتهى ومعنى وهو معهم بالاحاطة والعلم والقدرة ويبيتون يدبرون ليلا ويحتمل أن تكون اللفظة مأخوذة من البيت أي يستترون في تدبيرهم بالجدرات وقوله تعالى هانتم هؤلاء خطاب للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ويندرج في طي هذا العموم أهل النازلة وهو الاظهر عندى بحكم التأكيد بهؤلاء وهي إشارة إلى حاضرين ومن مصابيح البغوي عن أبي داود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع قال في مؤمن ما ليس فيه اسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ويروى من اعان على خصومة لا يدري احق أم باطل فهو في سخط الله حتى ينزع انتهى وقوله تعالى فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة الآية وعيد محض ولما تمكن هذا الوعيد وقضت العقول بأن لا مجادل لله سبحانه ولا وكيل يقوم بأمر العصاة عنده عقب ذلك بهذا الرجاء العظيم والمهل المنفسح فقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية وباقي الآية بين وقوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما ذهب بعض الناس إلى انهما لفظان بمعنى كرر لا ختلاف اللفظ وقال الطبري إنما فرق بين الخطيئة والاثم لان الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والاثم لا يكون إلا عن عمد وهذه الاية لفظها عام ويندرج تحت ذلك العموم أهل النازلة المذكورة وبريء النازله بريء وقوله فقد احتمل بهتانا تشبيه إذ

الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات وبهتانا معناه كذبا ثم وقف الله تعالى نبيه على مقدار عصمته له وإنها بفضل منه سبحانه ورحمة وقوله تعالى لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه وهذا يدل على أن الالفاظ عامة في غير أهل النازلة وإلا فاهل التعصب لبنى ابيرق قد وقع همهم وثبت ثم أخبرتعالى أنهم لا يضلون إلا انفسهم وما يضرونك من شيء قلت ثم ذكر سبحانه ما انعم به على نبيه من انزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم قال ابن العربي في رحلته اعلم ان علوم القرءان ثلاثة اقسام توحيد وتذكير واحكام وعلم التذكير هو معظم القرءان فإنه مشتمل على الوعد والوعيد والخوف والرجاء والقرب وما يرتبط بها ويدعو اليها ويكون عنها وذلك معنى تتسع ابوابه وتمتد اطنابه انتهى وباقي الآية وعد كريم لنبيه عليه السلام وتقرير نعمه لديه سبحانه لا إله غيره وقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس الآية الضمير في نجواهم عائد على الناس أجمع وجاءت هذه الآيات عامة التناول وفي عمومها يندرج أصحاب النازلة وهذا من الفصاحة والايجاز المضمن الماضي والغابر في عبارة واحدة قال النووي وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كل كلام ابن أدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى انتهى والنجوى المسارة وقد تسمى بها الجماعة كما يقال قوم عدل وليست النجوى بمقصورة على الهمس في الاذن والمعروف لفظ يعم الصدقة والاصلاح وغيرهما ولكن خصا بالذكر اهتماما إذ هما عظيما الغناء في مصالح العباد ثم وعد تعالى بالاجر العظيم على فعل هذه الخيرات بنية وقصد لرضى الله تعالى وقوله تعالى ومن يشاقق الرسول الآية لفظ عام نزل بسبب طعمة بن ابيرق لانه ارتد وسار إلى مكة فاندرج

الانحاء عليه في طي هذا العموم المتناول لمن اتصف بهذه الصفات إلى يوم القيامة وقوله نوله ما تولى وعيد بأن يترك مع فاسد اختياره في تودد الطاغوت ثم اوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وقوله تعالى أن يدعون من دونه إلا إناثا وأن يدعون إلا شيطانا مريدا الآية الضمير في يدعون عائد على من ذكر في قوله ومن يشاقق الرسول وأن نافية بمعنى ما ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنى يعبدون ويتخذون ءالهة قلت وفي البخاري إلا إناثا يعنى الموات حجرا ومدرا وما أشبهه انتهى وفي مصحف عائشة إلا أوثانا ونحوه عن ابن عباس والمراد بالشيطان هنا ابليس قاله الجمهور وهو الصواب لأن سائر المقالة به تليق ومريدا معناه متمردا عاتيا صليبا في غوايته واصل اللعن الإبعاد والمفروض معناه في هذا الموضع المنحاز وهو مأخوذ من الفرض وهو الحز في العود وغيره قال ع ويحتمل ان يريد واجبا أن اتخذه وبعث النار هو نصيب ابليس وقوله ولأ ضلنهم الآية معنى اضلنهم اصرفهم عن طريق الهدى ولأمنينهم لأسولن لهم وامانيه لا تنحصر في نوع واحد والبتك القطع وقوله ولآمرنهم فليغيرن خلق الله اختلف المتأولون في معنى تغيير خلق الله وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير ضار فهو داخل في الآية وكل تغيير نافع فهو مباح وفي مختصر الطبري فليغيرن خلق الله قال ابن عباس خلق الله دين الله وعن إبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد مثله وفسر ابن زيد لا تبديل لخلق الله أي لدين الله واختار الطبري هذا القول واستدل له بقوله تعالى ذلك الدين القيم وأجاز أن يدخل في الآية كل ما نهى الله عنه من معاصيه والترك لطاعته انتهى وهو حسن قال ع واللامات كلها للقسم قال ص ولأضلنهم مفعوله محذوف أي عن الهدى وكذا ولا ولأمنينهم أي

الباطل وكذا ولآمرنهم أي بالبتك فليبتكن وكذا ولآمرنهم أي بالتغيير فلغيرن كل ما اوجده الله للطاعة فيستعينون به في المعصية انتهى ولما ذكر الله سبحانه عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره حذر تبارك وتعالى عباده بأن شرط لمن يتخذه وليا جزاء الخسران وقوله تعالى يعدهم ويمنيهم أي يعدهم باباطيله من المال والجاه وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل احد ما يليق بحاله ويمنيهم كذلك ثم ابتدأ سبحانه الخبر عن حقيقة ذلك بقوله وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ثم اخبر سبحانه بمصير المتخذين الشيطان وليا وتوعدهم بأن مأواهم جهنم لا يدافعونها بحيلة ولا يتروغون ومحيصا من حاص إذ راغ ونفر ومنه قول الشاعر ... ولم ندر أن حصنا من الموت حيصة ... كم العمر باق والمدى متطاول ...
ومنه الحديث فحاصوا حيصة حمر الوحش ولما ذكر سبحانه ما تقدم من الوعيد واقتضى ذلك التحذير عقب ذلك عز و جل بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين واعلم بصحة وعده ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله ومن اصدق من الله قيلا والقيل والقول واحد ونصبه على التمييز وقوله تعالى ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب الآية الاماني جمع امنية وهي ما يتشهاه المرء ويطمع نفسه فيه قال ابن عباس وغيره الخطاب لأمة النبي صلى الله عليه و سلم وفي مختصر الطبري عن مسروق وغيره قال احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون نحن اهدى وقال اهل الكتاب نحن اهدى فأنزل الله هذه الآية وعن مجاهد قالت العرب لن نبعث ولن نعذب وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قال الطبري وقول مجاهد اولى بالصواب وذلك أن المسلمين لم يجر لامانيهم ذكر

فيما مضى من الآي وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان انتهى وعليه عول ص في سبب نزول الآية أعني على تأويل مجاهد وقوله تعالى من يعمل سوءا يجز به قال جمهور الناس لفظ الآية عام فالكافر والمؤمن مجازى فإما مجازات الكافر فالنار وأما مجازات المؤمن فبنكبات الدنيا فمن بقي له سوأ إلى الآخرة فهو في المشيئة يغفر الله لمن يشاء ويجازي من يشاء وقوله تعالى ومن يعمل من الصالحات دخلت من للتبعيض إذ الصالحات على الكمال مما لا يطيقه البشر ففي هذا رفق بالعباد لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه والنقير النكتة التي في ظهر النواة ومنه تنبت وعن ابن عباس ما تنقره بإصبعك ثم أخبر تعالى إخبارا موقفا على أنه لا احسن دينا ممن أسلم وجهه لله أي أخلص مقصده وتوجهه وأحسن في أعماله واتبع الحنيفية ملة إبراهيم إمام العالم وقدوة الأديان ثم ذكر سبحانه تشريفه لنبيه إبراهيم عليه السلام باتخاذه خليلا وسماه خليلا إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجرى إليها المحب المبالغ وذهب قوم إلى أنه سمي خليلا من الخلة بفتح الخاء أي لأنه أنزل خلته وفاقته بالله تعالى وكذلك شرف الله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بالخلة كما هو مصرح به في الحديث الصحيح وقوله تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض الآية ذكر سبحانه سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه ترغيبا في طاعته والانقطاع إليه سبحانه وقوله تعالى ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم الآية معنى قوله يفتيكم فيهن أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه قال ع تحتمل ما أن تكون في موضع رفع عطفا على اسم الله عز و جل أي ويفتيكم ما يتلي عليكم في الكتاب يعني القرآن

والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الآية في أمر النساء وهو قوله تعالى في صدر السورة وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء الآية قالت عائشة نزلت هذه الآية أولا ثم سأل ناس بعدها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أمر النساء فنزلت ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن الآية وقوله تعالى فى يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن معناه النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة بدون ما تستحقه من المهر ومن عضل الدميمة الغنية حتى تموت فيرثها العاضل والذي كتب الله لهن هو توفية ما تستحقه من مهر وقوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن أي إن كانت الجارية غنية جميلة فالرغبة في نكاحها وإن كانت بالعكس فالرغبة عن نكاحها وقوله تعالى والمستضعفين من الولدان عطف على يتامى النساء والذي يتلى في المستضعفين من الولدان هو قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير ففرض الله تعالى لكل واحد حقه وقوله تعالى وأن تقوموا لليتامى بالقسط عطف أيضا على ما تقدم والذي تلي في هذا المعنى هو قوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم الآية إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم والقسط العدل وباقي الآية بين وقوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية هذه الآية حكم من الله تعالى في أمر المرأة التي تكون ذات سن ونحو ذلك مما يرغب زوجها عنها فيعرض عليها الفرقة أو الصبر على الأثرة فتريد هي بقاء العصمة فهذه التي أباح الله بينهما الصلح ورفع الجناح فيه واختلف في سبب نزول الآية فقال ابن عباس وجماعة نزلت في النبي عليه السلام وسودة بنت زمعة وفي المصنفات أن سودة لما كبرت وهبت يومها لعائشة وقال ابن المسيب وغيره نزلت بسبب

رافع بن خديج وامرأته خولة وقال مجاهد نزلت بسبب أبي السنابل وامرأته ولفظ ابن العربي في أحكامه قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية قالت عائشة رضي الله تعالى عنها هي المرأة تكون عند الرجل ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول له أجعلك من شأني في حل فنزلت الآية قال الفقيه أبو بكر بن العربي فرضوان الله على الصديقة المطهرة لقد وفت بما حملها ربها من العهد في قوله تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة انتهى وقوله تعالى والصلح خير لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير علىالإطلاق ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة وقوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح معذرة عن عبيده تعالى أي لا بد للإنسان بحكم خلقته وجبلته من أن يشح على إرادته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره وخصص المفسرون هذه اللفظة هنا فقال ابن جبير هو شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها وقال ابن زيد الشح هنا منه ومنها قال ع وهذا حسن والشح الضبط على المعتقدات وفي الهمم والأموال ونحو ذلك فما أفرط منه ففيه بعض المذمة وهو الذي قال تعالى فيه ومن يوق شح نفسه وما صار إلى حيز منع الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة فهو البخل وهي رذيلة لكنها قد تكون في المؤمن ومنه الحديث قيل يا رسول الله أيكون المؤمن بخيلا قال نعم وأما الشح ففي كل أحد وينبغي أن لا يفرط إلى على الدين ويدلك على أن الشح في كل أحد قوله تعالى وأحضرت الأنفس الشح وقوله ومن يوق شح نفسه فقد أثبت أن لكل نفس شحا وقول النبي عليه السلام وان تصدق وأنت صحيح شحيح وهذا لم يرد به واحدا

بعينه وليس يجمل أن يقال هنا أن تصدق وأنت صحيح بخيل وقوله تعالى وإن تحسنوا ندب إلى الإحسان في تحسين العشرة والصبر على خلق الزوجة وتتقوا معناه تتقوا الله في وصيته بهن إذ هن عوان عندكم وقوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا الآية معناه العدل التام على الإطلاق والمستوى في الأفعال والأقوال والمحبة والجماع وغير ذلك وكان صلى الله عليه و سلم يقسم بين نسائه ثم يقول اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك فوصف الله سبحانه حالة البشر أنهم بحكم الخلفة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض ثم نهى سبحانه عن الميل كل الميل وهو أن يفعل فعلا يقصده من التفضيل وهو يقدر أن لا يفعله فهذا هو كل الميل وإن كان في أمر حقير وقوله سبحانه فتذروها كالمعلقة أي لا هي أيم ولا ذات زوج وجاء في التي قبل وإن تحسنوا وفي هذه وإن تصلحوا لأن الأولى في مندوب إليه وفي هذه في لازم إذ يلزمه العدل فيما يملك وقوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته الآية أي إن شح كل واحد من الزوجين فلم يتصالحا لكنهما تفرقا بطلاق فإن الله تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه بفضله ولطائف صنعه في المال والشعرة والسعة وجود المرادات والتمكن منها والواسع معناه الذي عنده خزائن كل شيء وقوله سبحانه ولله ما في السموات وما في الأرض تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين ثم جاء بعد ذلك قوله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض تنبيها على استغنائه عن العباد ومقدمة للخبر بكونه غنيا حميدا ثم جاء بعد ذلك قوله ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا مقدمة للوعيد فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات متقاربة ت وفي تمشيته هذه عندي نظر والأحسن

بقاء الكلام على نسقه فقوله رحمه الله تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين حسن وإنما الذي فيه قلق ما بعده من توجيهه وقوله تعالى ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم الآية لفظ عام لكل من أوتي كتابا فإن وصيته سبحانه لعباده لم تزل منذ أوجدهم ت قال الأستاذ أبو بكر الطرطوشي في سراج الملوك ولما ضرب ابن ملجم عليا رضي الله عنه أدخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا أولاده الحسن والحسين ومحمدا فقال أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر والعدل على الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة والرخاء يا بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار عافية من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف بغي قتل به ومن حفر لأخيه بيرا وقع فيها ومن هتك حجاب أخيه كشف عورات بنيه ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن أعجب برأيه ضل ومن جالس العلماء وقر ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطأه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار يا بني الأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء يا بني زينة الفقر الصبر وزينة الغنى الشكر يا بني لا شرف أعز من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى يا بني الحرص مفتاح البغي ومطية النصب طوبى

لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وقوله وفعله انتهى والوكيل القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه وقوله أيها الناس مخاطبة للحاضرين من العرب وتوقيف للسامعين لتحضر أذهانهم وقوله بآخرين يريد من نوعكم وتحتمل الآية أن تكون وعيد لجميع بني آدم ويكون الآخرون من غير نوعهم كالملائكة وقول الطبري هذا الوعيد والتوبيخ للشافعين والمخاصمين في قصة بني أبيرق بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة أو العالم الحاضر وقوله تعالى من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة الآية أي من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا لا يعتقد أن ثم سواه فليس كما ظن بل عند الله سبحانه ثواب الدارين فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب الدنيا وأعطاه قصده ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب والله تعالى سميع للأقوال بصير بالأعمال والنيات وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى الحديث قال النووي بلغنا عن ابن عباس أنه قال إنما يحفظ الرجل على قدر نيته وقال غيره إنما يعطى الناس على قدر نياتهم انتهى ثم خاطب سبحانه المؤمنين بقوله كونوا قوامين بالقسط وهو العدل ومعنى شهداء لله أي لذاته ولوجهه ولمرضاته سبحانه وقوله ولو على أنفسكم متعلق بشهداء هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس وإن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق ويحتمل ان يكون المعنى شهداء لله بالوحدانية ويتعلق قوله ولو على أنفسكم بقوامين بالقسط والتأويل الأول أبين وشهادة المرء على نفسه هو إقراره بالحقائق قال ص وقوله تعالى إن يكن غنيا أو فقيرا ضمير يكن عائد إلى المشهود عليه والضمير في بهما عائد على جنسي الغني والفقير

انتهى قال ع وقوله أولى بهما أي هو انظر لهما وروى الطبري أن هذه الآية هي بسبب نازلة بني أبيرق وقيام من قام فيها بغير القسط وقوله تعالى فلا تتبعوا الهوى نهي بين واتباع الهوى مرد مهلك وقوله تعالى إن تعدلوا يحتمل أن يكون معناه مخافة أن تعدلوا ويكون العدل هنا بمعنى العدول عن الحق ويحتمل أن يكون معناه محبة أن تعدلوا ويكون العدل بمعنى القسط وقوله تعالى وإن تلووا أو تعرضوا الآية قال ابن عباس هي في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر وقال ابن زيد وغيره هي في الشهود يلوى الشهادة بلسانه أو يعرض عن أدائها قال ع ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة والتوسط بين الناس وكل إنسان مأخوذ بأن يعدل والخصوم مطلوبون بعدل ما في القضاة فتأمله وقد تقدم تفسير إلى وباقي الآية وعيد وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية اختلف من المخاطب بهذه الآية فقيل الخطاب للمؤمنين ومضمن هذا الأمر الثبوت والدوام وقالت فرقة الخطاب لأهل الكتابين ورجحه الطبري وقيل الخطاب للمنافقين أي يا أيها الذين آمنوا في الظاهر ليكن إيمانكم حقيقة وقوله سبحانه ومن يكفر بالله إلى آخر الآية وعيد وخبر مضمنه تحذير المؤمنين من حالة الكفر وقوله تعالى إن الذين ءامنوا ثم كفروا الآية قال مجاهد وابن زيد الآية في المنافقين فإن منهم من كان يؤمن ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر ثم ازداد كفرا بأن تم على نفاقه حتى مات قال ع وهذا هو التأويل الراجح وتأمل قوله تعالى لم يكن الله ليغفر لهم فإنها عبارة تقتضي أن هؤلاء محتوم عليهم من أول أمرهم ولذلك ترددوا وليست هذه العبارة مثل أن يقول لا يغفر الله لهم بل هي أشد فتأمل الفرق بين العبارتين فإنه من

دقيق غرائب الفصاحة التي في كتاب الله سبحانه وقوله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الآية في هذه الآية دليل على ما على ان التي قبلها إنما هي في المنافقين ثم نص سبحانه من صفات المنافقين على أشدها ضررا وهي موالاتهم الكافرين وإطراحهم المؤمنين وبنه على فساد ذلك ليدعه من عسى أن يقع في نوع منه من المؤمنين غفلة أو جهالة أو مسامحة ثم وقفهم سبحانه على جهة التوبيخ فقال أيبتغون عندهم العزة والاستكثار أي ليس الأمر كذلك فإن العزة لله جميعا يؤتيها من يشاء وقد وعد بها المؤمنين وجعل العاقبة للمتقين والعزة أصلها الشدة والقوة ومنه وعزني في الخطاب أي غلبني بشدته وقوله سبحانه وقد نزل عليكم في الكتاب الآية مخاطبة لجميع من أظهر الإيمان من محقق ومنافق لأنه إذا أظهر الإيمان فقد لزمه امتثال أوامر كتاب الله تعالى والإشارة بهذه الآية إلى قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى نحو هذا من الآيات والكتاب في هذا الموضع القرآن وفي الآية دليل قوي على وجوب تجنب أهل البدع والمعاصي وأن لا يجالسوا وقد قيل ... عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل فرين بالمقارن مقتد ...
وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ثم توعد سبحانه المنافقين والكافرين بجمعهم في جهنم فتأكد بذلك النهي عن مجالستهم وخلطتهم وقوله تعالى الذين يتربصون بكم الآية هذه صفة المنافقين ويتربصون بكم معناه ينتظرون دور الدوائر عليكم فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار وهذا حال المنافقين ونستحوذ معناه نغلب على أمركم ونحوطكم

ومنه استحوذ عليهم الشيطان معناه غلب على أمرهم ثم سلى سبحانه المؤمنين وأنسهم بما وعدهم به في قوله فالله يحكم بينكم يوم القيامة أي وبينهم وينصفكم من جميعهم وبقوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي يوم القيامة قاله علي رضي الله عنه وعليه جميع أهل التأويل والسبيل هنا الحجة والغلبة قلت إلا ابن العربي لم يرتض هذا التأويل قال وإنما معنى الآية أحد ثلاثة وجوه الأول لن يجعل الله للكافرين علىالمؤمني سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويستبيح بيضتهم الثاني لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتباعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم وهذا نفيس جدا الثالث لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع ونزع بهذا علماؤنا بالاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم انتهى ومخادعة المنافقين هي لأولياء الله ففي الكلام حذف مضاف إذ لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله سبحانه وقوله تعالى وهو خادعهم عبارة عن عقوبتهم سماها باسم الذنب وقال ابن جريج والحسن والسدي وغيرهم من المفسرين إن هذا الخدع هو أن الله تعالى يعطي لهذه الأمة يوم القيامة نورا لكل إنسان مؤمن أو منافق فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ونهض المؤمنون فذلك قول المنافقين انظرونا نقتبس من نوركم فذلك هو الخدع الذي يجري على المنافقين ثم ذكر سبحانه كسلهم في الصلاة وتلك حال كل من يعمل كارها غير معتقد فيه الصواب بل تقية أو مصانعة قال ابن العربي في أحكامه قوله تعالى ولا يذكرون الله إلا قليلا روى الأئمة مالك وغيره عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين

تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا قال ابن العربي وقد بين تعالى صلاة المؤمنين بقوله قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ومن خشع خضع واستمر ولم ينقر صلاته ولم يستعجل انتهى ومذبذبين معناه مضطرين لا يثبتون على حال والتذبذب الاضطراب فهؤلاء المنافقون مترددون بين الكفار والمؤمنين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال صلى الله عليه و سلم مثل المنافقين كمثل الشاة العايرة بين الغنمين والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية خطابه سبحانه للمؤمنين يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ففي اللفظ رفق بهم وهم المراد بقوله سبحانه أترديون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا لأن هذا التوقيف إنما هو لمن ألم يشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ويقوى هذا المنزع قوله تعالى من دون المؤمنين اي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين بل المعنى يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه والسلطان الحجة ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من نار جهنم وذلك لأنهم أسرى غوائل من الكفار واشد تمكنا من أذى المسلمين قلت وأيضا لأنهم شاهدوا من معجزات النبي صلى الله عليه و سلم وما جعل الله على يديه من الخوارق ما لم يشاهد غيرهم من الكفار فكانت الحجة عليهم أعظم وكان كفرهم محض عناد وروي عن أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما أنهم قالوا المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم ثم استثنى عز و جل التائبين من المنافقين ومن شروط التائب أن

يصلح في قوله وفعله ويعتصم بالله أي يجعله منعته وملجأه ويخلص دينه لله تعالى وإلا فليس بتائب وقوله فأولئك مع المؤمنين أي في رحمة الله سبحانه وفي منازل الجنة ثم وعد سبحانه المؤمنين الأجر العظيم وهو التخليد في الجنة وقال ص فأولئك خبره مضمر والتقدير فأولئك مؤمنون مع المؤمنين قاله أبو البقاء انتهى ثم قال سبحانه للمنافقين ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم الآية أي ايى منفعة له سبحانه في ذلك أو حاجة قال أبو عبد الله اللخمي زعم الطبري أن قوله تعالى ما يفعل الله بعذابكم خطاب للمنافقين ولا يكاد يقوم له على ذلك دليل يقطع به وليس في ذكر المنافقين قبله ما يقتضي أن يحمل عليهم خاصة مع احتمال الآية للعموم فقطعه بأن الآية في المنافقين حكم لا يقوم به دليل انتهى وهو حسن إذ حمل الآية على العموم أحسن والعجب من ع كيف تبع الطبري في هذا التخصيص ويظهر والله اعلم أنهما عولا في تخصيص الآية على قوله تعالى وآمنتم وهو محتمل أن يحمل في حق المنافقين على ظاهره وفي حق المؤمنين على معنى دمتم على إيمانكم والله أعلم والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه ثم وعد سبحانه بقوله وكان الله شاكرا عليما أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه فذلك شكر منه سبحانه لعباده والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر به بدنه والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة لأنها يقال تخضر وتتنضر بظل السحاب دون مطر وفي قوله عليما تحذير وندب إلى الإخلاص وقوله تعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم الاية قراءة الجمهور بضم الظاء وقرىء شاذا بفتحها واختلف على قراءة الجمهور فقالت فرقة المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من

ظلم فلا يكره له الجهر به ثم اختلفت هذه الفرقة في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح منه فقال ابن عباس وغيره لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول أي بما يوازي الظلامة وقال مجاهد وغيره نزلت في الضيف المحول رحله فإنه رخص له أن يجهر بالسوء من القول للذي لم يكرمه يريد بقدر الظلم والظلامة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت انتهى وسميع عليم صفتان لائقتان بالجهر بالسوء وبالظلم أيضا فإنه يعلمه ويجازي عليه ولما ذكر سبحانه عذر المظلوم في أن يجهر بالسوء لظالمه اتبع ذلك عرض إبداء الخير وإخفائه والعفو عن السوء ثم وعد عليه سبحانه بقوله فإن الله كان عفوا قديرا وعدا خفيا تقتضيه البلاغة ورغب سبحانه في العفو إذ ذكر أنها صفته مع القدرة على الانتقام قال ع ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها قال الداودي وعن ابن عمر أنه قال لا يحب الله سبحانه أن يدعو أحد علىأحد إلا أن يظلم فقد رخص له في ذلك انتهى وقوله تعالى إن الذين يكفرون بالله ورسله إلى آخر الآية نزل في اليهود والنصارى وقد تقدم بيان هذه المعاني وقوله تعالى والذين ءامنوا بالله ورسله الآية لما ذكر سبحانه أن المفرقين بين الرسل هم الكافرون حقا عقب ذلك بذكر المؤمنين بالله ورسله جميعا وهم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه و سلم ليصرح بوعد هؤلاء كما صرح بوعيد أولئك فبين الفرق بين المنزلتين وقوله تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء الآية قال قتادة سألت اليهود النبي صلى الله عليه و سلم أن يأتيهم بكتاب من عند الله خاص

لليهود يأمرهم فيه بالإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم ونحوه عن ابن جريج وزاد إلى فلان وإلى فلان إنك رسول الله ثم قال سبحانه على جهة التسلية لنبيه صلى الله عليه و سلم فقد سألوا موسى أكبر من ذلك وفي الكلام محذوف يدل عليه المذكور تقديره فلا تبال يا محمد من سؤالهم وتشططهم فإنها عادتهم وجمهور المتأولين على أن جهرة معمول لأمرنا أي حتى نراه جهارا أي عيانا وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا لكنه محال من جهة الشرع إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى سبحانه في هذه الدنيا والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم بالخبر المتواتر وهي جائزة عقلا من غير تحديد ولا تكييف ولا تحيز كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذلك هو مرئي لا كالمرءيات سبحانه هذه حجة أهل السنة وقولهم وقد تقدم قصص القوم في البقرة وظلمهم هو تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه وقوله تعالى ثم اتخذوا العجل ثم للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر التقدير ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل وذلك أن اتخاذ العجل كان عند أمر المضي في المناجاة ولم يكن الذين صعقوا ممن اتخذ العجل لكن الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البينات وقوله سبحانه فعفونا عن ذلك يعني بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم ثم وقع العفو عن الباقين منهم وقوله سبحانه فبما نقضهم ما زائدة مؤكدة التقدير فبنقضهم فالآية مخبرة عن أشياء واقعوها هي ضد ما أمروا به وحذف جواب هذا الكلام بليغ مبهم متروك مع ذهن السامع تقديره لعناهم ونحوه ثم قال سبحانه وبكفرهم أي بعيسى وقولهم على مريم بهتانا هو رميهم إياها بالزنا بعد رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم الآية هذه الآية والتي قبلها عدد الله تعالى فيها أقوال بني إسرائيل وأفعالهم على

اختلاف الأزمان وتعاقب القرون فاجتمع من ذلك توبيخ خلفهم المعاصرين لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم فهذه الطائفة التي قالت إنا قتلنا المسيح غير الذين نقضوا الميثاق في الطور وغير الذين اتخذوا العجل وقول بني إسرائيل إنما هو إلى قوله عيسى ابن مريم وقوله تعالى رسول الله إنما هو إخبار من الله تعالى بصفة لعيسى وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوا عيسى لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول الله فلزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى قال ص وعيسى بدل أو عطف بيان من المسيح ورسول الله كذلك ويجوز أن يكون صفة لعيسى وأن يكون نصبا على إضمار أعني قلت وهذا الأخير أحسنها من جهة المعنى انتهى ثم أخبر سبحانه أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى وما صلبوه ولكن شبه لهم واختلفت الرواة في هذه القصة والذي لا يشك فيه أن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويدعو إلى الله وكانت بنو إسرائيل تطلبه وملكهم في ذلك الزمان يجعل عليه الجعائل وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريون يسيرون معه حيث سار فلما كان في بعض الأوقات شعر بأمر عيسى فروي أن رجلا من اليهود جعل له جعل فما زال ينقر عنه حتى دل على مكانه فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين بهم دخلوا بيتا بمرأى من بني إسرائيل فروي أنهم عدوهم ثلاثة عشر وروي ثمانية عشر وحصروا ليلا فروي أن عيسى فرق الحواريين عن نفسه تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق وبقي هو ورجل معه فرفع عيسى والقي شبهه على الرجل فصلب ذلك الرجل وروي أن الشبه القي على اليهودي الذي دل عليه فصلب وروي أن عيسى عليه السلام لما أحيط بهم قال لأصحابه ايكم يلقى

عليه شبهى فيقتل ويخلص هؤلاء وهو رفيقي في الجنة فقال سرجس أنا فالقي عليه شبه عيسى وروي أن شبه عيسى ألقي على الجماعة كلها فلما أخرجهم بنو إسرائيل نقصوا واحدا من العدة فأخذوا واحدا ممن عليه الشبه حسب هذه الروايات التي ذكرناها فصلبوه وروي أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر وقوله تعالى وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه الآية يعني اختلاف المحاولين لأخذه لأنهم حين فقدوا واحدا من العدد وتحدث برفع عيسى اضطربوا واختلفوا لكن أجمعوا على صلب واحد من غير ثقة ولا يقين أنه هو وقوله تعالى وما قتلوه يقينا قال ابن عباس وجماعة المعنى وما صح ظنهم عندهم ولا تحققوه يقينا فالضمير في قتلوه عندهم عائد على الظن كما تقول ما قتلت هذا الأمر علما قلت وعبارة السدي وما قتلوا أمره يقينا أن الرجل هو عيسى انتهى من مختصر الطبري وقال قوم الضمير عائد على عيسى أخبر سبحانه أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة لا يقينا ولا شكا لكن لما حصلت في ذلك الدعوى صار قتله عندهم مشكوكا فيه وقال قوم من أهل اللسان الكلام تام في قوله وما قتلوه ويقينا مصدر مؤكد للنفي في قوله وما قتلوه المعنى نخبركم يقينا أو نقص عليكم يقينا أو أيقنوا بذلك يقينا وقال ص بعد كلام والظاهر أن الضمير في قتلوه عائد إلى عيسى لتتحد الضمائر ويقينا منصوب في موضع الحال من فاعل قتلوه أي مستيقنين أنه عيسى أو نعت لمصدر محذوف أي قتلا يقينا انتهى وقوله تعالى بل رفعه الله إليه يعني إلى سمائه وكرامته وعيسى عليه السلام في السماء على ما تضمنه حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج وذكره غيره وهو هنالك مقيم حتى ينزله الله تعالى لقتل الدجال وليملأ الأرض عدلا ويحيى

فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر وقوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته اختلف في معنى الآية فقال ابن عباس وغيره الضمير في موته راجع إلى عيسى والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر وترجع الأديان كلها واحدا يعني يرجعون على دين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إذ عيسى واحد من أمته وعلى شريعته وائمتنا منا كما ورد في الحديث الصحيح وقال مجاهد وابن عباس أيضا وغيرهما الضمير في به لعيسى وفي موته للكتابي لكن عند المعاينة للموت فهو إيمان لا ينفعه وقال عكرمة الضمير في به لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقبل موته للكتابي قال وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه و سلم ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت وفي مصحف أبي بن كعب قبل موتهم ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي قال ص وإن من أهل الكتاب الآية إن هنا نافية والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه أي وما أحد من أهل الكتاب كما حذف في قوله تعالى وإن منكم إلا واردها وقوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم أي وما أحد منا وما أحد منكم قال الشيخ أبو حيان ليؤمنن به جواب قسم محذوف والقسم وجوابه هو الخبر وكذلك أيضا إلا له مقام وإلا واردها هما الخبر قال الزجاج وحذف أحد مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو ما قام إلا زيد أي ما قام أحد إلا زيد انتهى وقوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية فبظلم معطوف على قوله سبحانه فبما نقضهم والطيبات هنا هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك وقرأ ابن عباس طيبات كانت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا يحتمل

أن يريد صدهم في ذاتهم ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم وأخذهم الربوا هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة وقد نهوا عنه ثم استثنى سبحانه الراسخين في العلم منهم كعبد الله بن سلام ومخيريق ومن جرى مجراهم واختلف الناس في قوله سبحانه والمقيمين وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدم وما تأخر فقال بعض نحاة البصرة والكوفة إنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب باعني والرفع بعد ذلك بهم وقال قوم والمقيمين عطف على ما في قوله وما أنزل من قبلك والمعنى ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الملائكة أو من تقدم من الأنبياء وقال قوم والمقيمين عطف على الضمير في منهم وقال آخرون بل على الكاف في قوله من قبلك وزاد ص والمقيمين منصوب على المدح قال وقرأ جماعة والمقيمون انتهى وقوله تعالى انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده الآية سبب نزولها قول بعض أحبار يهود ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله سبحانه الآية تكذيبا لهم قال ع إسماعيل هو الذبيح في قول المحققين والوحي إلقاء المعنى في خفاء وعرفه في الأنبياء بوساطة جبريل عليه السلام وكلم الله سبحانه موسى بكلام دون تكييف ولا تحديد ولا حرف ولا صوت والذي عليه الراسخون في العلم إن الكلام هو المعنى القائم في النفس ويخلق الله لموسى إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام وقوله سبحانه رسلا مبشرين ومنذرين الآية رسلا بدل من الأول وأراد سبحانه أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول لو بعث إلى رسول لآمنت والله سبحانه عزيز لا يغالبه شيء ولا حجة لأحد عليه حكيم في أفعاله فقطع الحجة بالرسل حكمة منه سبحانه وقوله تعالى لكن الله يشهد بما أنزل إليك الآية

سببها قول اليهود ما أنزل الله على بشر من شيء وقال ص لكن استدراك ولا يبتدأ بها فيتعين تقدير جملة قبلها يبينها سبب النزول وهو أنه لما نزل انا أوحينا إليك قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل لكن الله يشهد انتهى وقوله تعالى أنزله بعلمه هذه الآية من أقوى متعلقات أهل السنة في إثبات علم الله عز و جل خلافا للمعتزلة في أنهم يقولون عالم بلا علم والمعنى عند أهل السنة انزله وهو يعلم إنزاله ونزوله وقوله سبحانه والملائكة يشهدون يشهدون تقوية لأمر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ورد على اليهود وقوله تعالى وكفى بالله شهيدا تقديره وكفى الله شهيدا لكنه دخلت الباء لتدل على أن المراد اكتفوا بالله وباقي الآية بين وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم الآية خطاب لجميع الناس وهي دعاء إلى الشرع ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام ونحو هذا لكانت يا أيها الذين أمنوا والرسول في الآية نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ثم قال سبحانه وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وهذا خبر بالاستغناء وإن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم ثم خاطب سبحانه أهل الكتاب من النصارى وهو أن يدعوا الغلو وهو تجاوز الحد وقوله في دينكم معناه في دين الله الذي انتم مطلوبون به بأن توحدوا الله ولا تقولوا على الله إلا الحق وليست الإشارة إلى دينهم المضلل وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل رواه مسلم والبخاري والنسائي وفي مسلم أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء انتهى وقوله تعالى فآمنوا بالله ورسله أي الذين من جملتهم عيسى

ومحمد عليهما السلام وقوله تعالى إنما الله إله واحد إنما في هذه الآية حاصرة وسبحانه معناه تنزيها له وتعظيما والاستنكاف اباية بأنفة قال ع وقوله سبحانه ولا الملائكة المقربون زيادة في الحجة وتقريب من الأذهان أي وهؤلاء الذين هم في أعلى درجات المخلوقين لا يستنكفون عن ذلك فكيف بسواهم وفي هذه الآية دليل على تفضيل الملائكة على الأنبياء وقوله سبحانه فسيحشرهم عبارة وعيد قال ع وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه وقوله تعالى يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم الآية إشارة إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم والبرهان الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام والنور المبين يعني القرآن لأن فيه بيان كل شيء وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فينا خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه وعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله ثلاثا في أهل بيتي الحديث وفي رواية كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن اخطأه ضل وفي رواية ألا وأني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله وهو حبل الله من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة انتهى وقوله سبحانه فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به أي اعتصموا بالله ويحتمل اعتصموا بالقرآن كما قال عليه السلام القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم والرحمة والفضل الجنة ونعيمها ويهديهم معناه إلى الفضل وهذه هداية طريق الجنان كما قال تعالى سيهديهم ويصلح

بالهم الآية لأن هداية الإرشاد قد تقدمت وتحصلت حين ءامنوا بالله واعتصموا بكتابه فيهديهم هنا بمعنى يعرفهم وباقي الآية بين وقوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فقد تقدم القول في تفسير الكلالة في صدر السورة وكان أمر الكلالة عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشكلا والله أعلم ما الذي أشكل عليه منها قوله النبي صلى الله عليه و سلم له تكفيك منها آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء بيان فيه كفاية قال كثير من الصحابة هذه الآية هي من آخر ما نزل وقوله سبحانه يبين الله لكم أن تضلوا التقدير ليلا تضلوا والله بكل شيء عليم سبحانه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه السورة مدنية بإجماع
قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود الآية عامة في الوفاء بالعقود وهي الربوط في القول كان ذلك في تعاهد على بر أو في عقدة نكاح أو بيع أو غيره فمعنى الآية أمر جميع المؤمنين بالوفاء على عقد جار على رسم الشريعة وفسر بعض الناس لفظ العقود بالعهود وقال ابن شهاب قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتب عمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وفي صدره هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود فكتب الآيات إلى قوله أن الله سريع الحساب قال ع وأصوب ما يقال في هذه الآية أن تعمم الفاظها بغاية ما تتناول فيعمم لفظ المؤمنين في مؤمنى أهل الكتاب وفي كل مظهر للإيمان

وأن لم يبطنه وفي المؤمنين حقيقة ويعمم لفظ العقود في كل ربط بقول موافق للحق والشرع وقوله تعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام اختلف في معنى بهيمة الأنعام فقال قتادة وغيره هي الأنعام فقال قتادة وغيره هي الأنعام كلها ع وكأنه قال أحلت لكم الأنعام وقال الطبري قال قوم بهيمة الأنعام وحشها وهذا قول حسن وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج وانضاف اليها من سائر الحيوان ما يقال له أنعام بمجموعه معها والبهيمة في كلام العرب ما ابهم من جهة نقص النطق والفهم وقوله إلا ما يتلى عليكم استثناء ما تلي في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الآية وما في موضع نصب على أصل الاستثناء وقوله سبحانه غير محلى الصيد نصب غير على الحال من الكاف والميم في قوله أحلت لكم وهو استثناء بعد استثناء قال ص وهذا هو قول الجمهور واعترض بأنه يلزم منه تقييد الحلية بحالة كونهم غير محلين الصيد وهم حرم والحلية ثابتة مطلقة قال ص والجواب عندي عن هذا أن المفهوم هنا متروك لدليل خارجي وكثير في القرءان وغيره من المفهومات المتروكة لمعارض ثم ذكر ما نقله أبو حيان من الوجوه التي لم يرتضها م وما فيها من التكلف ثم قال ولا شك أن ما ذكره الجمهور من أن غير حال وأن لزم عنه الترك بالمفهوم فهو أولى من تخريج تنبو عنه الفهوم انتهى وقوله سبحانه أن الله يحكم ما يريد تقوية لهذه الأحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام الجاهلية أي فأنت أيها السامع لنسخ تلك التي عهدت تنبه فإن الله الذي هو مالك الكل يحكم ما يريد لا معقب لحكمه سبحانه قال ع وهذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة الفاظها لكل ذي بصر بالكلام ولمن عنده ادنى أبصار وقد حكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا للكندي أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرءان فقال نعم اعمل لكم مثل بعضه فأحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر عليه

ولا يطيق هذا أحد أني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد أمر بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى استثناء بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يستطيع أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد وقوله سبحانه يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله خطاب للمؤمنين حقا أن لا يتعدوا حدود الله في أمر من الأمور قال عطاء بن أبي رباح شعائر الله جميع ما أمر به سبحانه أو نهى عنه وهذا قول راجح فالشعائر جمع شعيرة أي قد اشعر الله أنها حده وطاعته فهي بمعنى معالم الله وقوله تعالى ولا الشهر الحرام أي لا تحلوه بقتال ولا غارة والأظهر أن الشهر الحرام أريد به رجب ليشتد أمره وهو شهر كان تحريمه مختصا بقريش وكانت تعظمه ويحتمل أنه أريد به الجنس في جميع الأشهر الحرم وقوله سبحانه ولا الهدي أي لا يستحل ولا يغار عليه ثم ذكر المقلد منه تأكيدا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد هذا معنى كلام ابن عباس وقال الجمهور الهدي عام في أنواع ما يهدى قربة والقلائد ما كان الناس يتقلدونه من لحاء السمر وغيره امنة لهم وقال ص ولا القلائد أي ولا ذوات القلائد وقيل بل المراد القلائد نفسها مبالغة في النهي عن التعرض للهدي انتهى وقوله تعالى ولا ءامين البيت الحرام أي قاصدينه من الكفار المعنى لا تحلوهم فتغيرون عليهم وهذا منسوخ بآية السيف بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم فكل ما في هذه الآية مما يتصور في مسلم حاج فهو محكم وكل ما كان منها في الكفار فهو منسوخ وقوله سبحانه يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال فيه جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل من الأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم وهذه الآية نزلت عام الفتح وفيها استيلاف من الله سبحانه للعرب ولطف بهم

لتنبسط النفوس بتداخل الناس ويردون الموسم فيسمعون القرآن ويدخل الإيمان في قلوبهم وتقوم عليهم الحجة كالذي كان ثم نسخ الله ذلك كله بعد عام في سنة تسع إذ حج أبو بكر رضي الله عنه ونودي في الناس بسورة براءة وقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا مجيء إباحة الصيد عقب التشديد فيه حسن في فصاحة القول وقوله سبحانه فاصطادوا أمر ومعناه الإباحة بإجماع وقوله تعالى ولا يجرمنكم معناه لا يكسبنكم وجرم الرجل معناه كسب وقال ابن عباس معناه لا يحملنكم والمعنى متقارب والتفسير الذي يخص اللفظة هو معنى الكسب وقوله تعالى شنئان قوم الشنئان هو البغض فأما من قرا شنئان بفتح النون فالأظهر فيه أنه مصدر كأنه قال لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عدوانا عليهم وظلما لهم وهذه الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان حين أراد المسلمون أن يستطيلوا علىقريش والفافها المتظاهرين على صد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه عام الحديبية وذلك سنة ست من الهجرة فحصلت بذلك بغضة في قلوب المؤمنين وحيكة للكفار فنهي المؤمنون عن مكافأتهم وإذ لله فيهم إرادة خير وفي علمه أن منهم من يؤمن كالذي كان وقرأ أبو عمرو وابن كثير إن صدوكم ومعناه إن وقع مثل ذلك في المستقبل وقراءة الجمهور أمكن ثم أمر سبحانه الجميع بالتعاون على البر والتقوى قال قوم هما لفظان بمعنى وفي هذا تسامح والعرف في دلالة هذين أن البر يتناول الواجب والمندوب والتقوى رعاية الواجب فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوز قلت قال أحمد بن نصر الداودي قال ابن عباس البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه انتهى وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن لفظ التقوى يطلق على معان وقد بيناها في آخر سورة النور وفي الحديث الصحيح والله في عون العبد ما كان العبد

في عون أخيه قال ابن الفاكهاني عند شرحه لهذا الحديث وقد روينا في بعض الأحاديث من سعى في حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق انتهى من شرح الأربعين حديثا ثم نهى تعالى عن التعاون على الإثم والعدوان ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا قال النووي وعن وابصة بن معبد أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال جئت تسأل عن البر والإثم قال نعم فقال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك حديث حسن رويناه في مسند أحمد يعني أبن حنبل والدارمي وغيرهما وفي صحيح مسلم عن النواس ابن سمعان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال البر حسن الخلق والإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس انتهى وقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم الآية تعديد لما يتلى على الأمة مما استثني من بهيمة الأنعام والدم معناه المسفوح ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع وما أهل لغير الله به قد تقدم والمنخنقة معناه التي تموت خنقا والموقوذة التي ترمى أو تضرب بعصا وشبهها والمتردية هي التي تتردى من علو إلى سفل تموت والنطيحة فعيله بمعنى مفعولة وما أكل السبع يريد كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان وكانت العرب تأكل هذه المذكورات ولم تعتقد ميتة إلا ما مات بالوجع ونحو ذلك واختلف العلماء في قوله تعالى إلا ما ذكيتم فقال ابن عباس وجمهور العلماء الاستثناء من هذه المذكورات فما أدرك منها يطرف بعين أو يحرك ذنبا وبالجملة ما يتحقق أنه لم تفض نفسه بل له حياة فإنه يذكى على سنة الذكاة ويؤكل وما فاضت نفسه فهو الميتة وقال مالك مرة بهذا القول وقال أيضا وهو المشهور عنه وعن

أصحابه من أهل المدينة أن قوله تعالى إلا ما ذكيتم معناه من هذه المذكورات في وقت تصح فيه ذكاتها وهو ما لم تنفذ مقاتلها ويتحقق أنها لا تعيش ومتى صارت في هذا الحد فهي في حكم الميتة فالاستثناء عند مالك متصل كقول الجمهور لكنه يخالف في الحال التي يصح فيها ذكاة هذه المذكورات واحتج لمالك بأن هذه المذكورات لو كانت لا تحرم إلا بموتها لكان ذكر الميتة أولا يغنى عنها ومن حجة المخالف أن قال إنما ذكرت بسبب أن العرب كانت تعتقد أن هذه الحوادث كالذكاة فلو لم يذكر لها غير الميتة لظنت أنها ميتة الوجع حسبما كانت عليه والذكاة في كلام العرب الذبح وقوله سبحانه وما ذبح على النصب عطف على المحرمات المذكورة والنصب حجارة تنصب يذبحون عليها قال ابن جريج وليست النصب بأصنام فإن الصنم يصور وينقش وهذه حجارة تنصب وكانت العرب تعبدها قال ابن زيد ما ذبح على النصب وما أهل لغير الله به شيء واحد قال ع ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله لكن خص بالذكر بعد جنسه لشهرة أمره وقوله سبحانه وأن تستقسموا بالأزلام حرم سبحانه طلب القسم وهو النصيب أو القسم بفتح القاف وهو المصدر بالأزلام وهي سهام قال صاحب سلاح المؤمن والاستقسام هو الضرب بها لإخراج ما قسم لهم وتمييزه بزعمهم انتهى وأزلام العرب على أنواع منها الثلاثة التي كان يتخذها كل إنسان لنفسه على أحدها أفعل وعلى الآخرة لا تفعل وثالث مهمل لا شيء عليه فيجعلها في خريطة معه فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج أحدها وائتمر له وانتهى بحسب ما يخرج له وإن خرج القدح الذي لا شيء فيه أعاد الضرب وقوله سبحانه ذلكم فسق إشارة إلى الاستقسام بالأزلام وقوله تعالى

اليوم يئس الذين كفروا من دينكم معناه عند ابن عباس وغيره من أن ترجعوا إلى دينهم وظاهر أمر النبي صلى الله عليه و سلم وأمر أصحابه وظهور الدين يقتضي أن يأس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه لأن هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة إلا بطل السحر اليوم إلى غير هذا من الأمثلة وهذه الآية في قول الجمهور عمر بن الخطاب وغيره نزلت في عشية يوم عرفة يوم الجمعة وفي ذلك اليوم امحى أمر الشرك من مشاعر الحج ولم يحضر من المشركين الموسم بشر فيحتمل قوله تعالى اليوم أن تكون إشارة إلى اليوم بعينه ويحتمل أن تكون إشارة إلى الزمن والوقت أي هذا الاوان يئس الكفار من دينكم وقوله الذين كفروا يعم سائر الكفار من العرب وغيرهم وهذا يقوي أن اليأس إنما هو من انحلال أمر الإسلام وأمر سبحانه بخشيتها التي هي رأس كل عبادة كما قال صلى الله عليه و سلم ومفتاح كل خير وقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم تحتمل الإشارة باليوم ما قد ذكرناه حكى الطبري أن النبي عليه السلام لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة والظاهر أنه عاش صلى الله عليه و سلم أكثر بأيام يسيرة قلت وفي سماع ابن القاسم قال مالك بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في اليوم الذي توفي فيه وقف على بابه فقال إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله ويا صفية عمة رسول الله أعملا لما عند الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا قال ابن رشد هذا حديث يدل على صحته قول الله عز و جل ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال تعالى تبيانا لكل شيء فالمعنى في ذلك أن الله عز و جل نص على بعض الأحكام وأجمل القول في

بعضها وأحال على الأدلة في سائرها بقوله ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فبين النبي صلى الله عليه و سلم ما أجمله الله في كتابه كما أمره حيث يقول لتبين للناس ما نزل إليهم فما أحل صلى الله عليه و سلم أو حرم ولم يوجد في القرآن نصا فهو مما بين من مجمل القرآن أو علمه بما نصب من الأدلة فيه فهذا معنى الحديث والله أعلم فما ينطق صلى الله عليه و سلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى انتهى من البيان والتحصيل وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب قال له يهودي آية في كتابكم تقرءونها لو علينا نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال له عمر أي آية هي فقال اليوم أكملت لكم دينكم فقال له عمر قد علمنا ذلك اليوم نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو واقف بعرفة يوم الجمعة قال ع ففي ذلك اليوم عيدان للإسلام إلى يوم القيامة وإتمام النعمة هو في ظهور الإسلام ونور العقائد وكمال الدين وسعة الأحوال وغير ذلك مما اشتملت عليه هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة والخلود في رحمة الله سبحانه جعلنا الله ممن شملته هذه النعمة وقوله سبحانه ورضيت لكم الإسلام دينا يحتمل الرضى في هذا الموضع أن يكون بمعنى الإرادة ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار الله إياه لأن الرضى من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال والله تعالى قد أراد لنا الإسلام ورضيه لنا وثم أشياء يريد الله وقوعها ولا يرضاها وقوله سبحانه فمن اضطر في مخمصة يعني من دعته ضرورة إلى أكل الميتة وسائر تلك المحرمات وسئل صلى الله عليه و سلم متى تحل الميتة للناس فقال إذا لم يصطبحوا ولم يغتبقوا ولم يحتفئوا بقلا والمخمصة المجاعة التي تخمص فيها البطون أي تضمر وقوله سبحانه غر متجانف لإثم هو بمعنى غير باغ ولا عاد وقد تقدم تفسيره قال ص متجانف أي

مائل منحرف انتهى وقد تقدم في البقرة وقوله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمر بقتل الكلاب سأله عاصم ابن عدي وغيره ماذا يحل لنا من هذه الكلاب قال ع وظاهر الآية أن سائلا سأل عما يحل للناس من المطاعم لأن قوله تعالى قل أحل لكم من الطيبات ليس بجواب عما يحل للناس اتخاذه من الكلاب إلا أن يكون من باب إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهو موجود كثيرا من النبي صلى الله عليه و سلم والطيب الحلال وقوله سبحانه وما علمتم أي وصيد ما علمتم قال الضحاك وغيره وما علمتم من الجوارح مكلبين هي الكلاب خاصة قال العراقي في مكلبين أصحاب اكلب لها معلمين انتهى وأعلى مراتب التعليم أن يشلى الحيوان فينشلي ويدعى فيجيب ويزجر بعد ظفره بالصيد فينزجر وجوارح جمع جارح أي كاسب يقال جرح فلان واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى ويعلم ما جرحتم بالنهار أي ما كسبتم من حسنة وسيئة قال ع وقرا جمهور الناس وما علمتم بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية علمتم بضم العين وكسر اللام أي من أمر الجوارح والصيد بها وقرأ جمهور الناس مكلبين بفتح الكاف وشد اللام والمكلب معلم الكلاب ومضريها ويقال لمن يعلم غير كلب مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب وقوله سبحانه تعلمونهن مما علمكم الله أي تعلمونهن الحيلة في الاصطياد والتأتي لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه الله الإنسان فمن للتبعيض وقوله تعالى فكلوا مما امسكن عليكم ويحتمل مما امسكن فلم يأكلن منه شيئا ويحتمل مما أمسكن وإن أكلن منه وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقوله سبحانه واذكروا اسم الله عليه أمر بالتسمية عند الإرسال وذهب مالك وجمهور العلماء أن التسمية واجبة

مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامدا فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسيا سمي عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد ثم أمر سبحانه بالتقوى على الجملة والإشارة إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر والنواهي وفي قوله إن الله سريع الحساب وعيد وتحذير وقوله سبحانه اليوم أحل لكم الطيبات إشارة إلى الزمن والأوان والخطاب للمؤمنين وقوله سبحانه وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم الطعام في هذه الآية الذبائح كذا قال أهل التفسير واختلفوا في لفظة طعام فقال الجمهور هي الذبيحة كلها وقالت جماعة إنما أحل لنا طعامهم من الذبيحة أي الحلال لهم منها لا مالا يحل لهم كالطريف والشحوم المحضة واختلف في لفظة أوتوا الكتاب فقالت طائفة إنما أحل لنا ذبائح الصرحاء منهم لا من كان دخيلا في هذين الدينين وقال جمهور الأمة ابن عباس والحسن ومالك وغيرهم أن ذبيحة كل نصراني حلال كان من بني تغلب أو غيرهم وكذلك اليهود وتأولوا قول الله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقوله سبحانه وطعامكم حل لهم أي ذبائحكم فهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب لما كان الأمر يقتضي أن شيئا قد تشرعنا فيه بالتذكية ينبغي لنا أن نحميه منهم رخص الله تعالى لنا في ذلك دفعا للمشقة بحسب التجاوز وقوله سبحانه والمحصنات عطف على الطعام المحلل ذهب جماعة منهم مالك إلى أن المحصنات في هذه الآية الحرائر فمنعوا نكاح الأمة الكتابية وذهب جماعة إلى انهن العفائف فأجازوا نكاح الأمة الكتابية والأجور في الآية المهور وانتزع بعض العلماء من لفظ ءاتيتموهن أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل من المهر ما يستحلها به ومحصنين معناه متزوجين على السنة وقوله

سبحانه ومن يكفر بالإيمان أي بالأمور التي يجب الإيمان بها وباقي الآية بين وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية قال ابن العربي في أحكامه لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية مدنية كما أنه لا خلاف أن الوضوء كان معقولا قبل نزولها غير متلو ولذلك قال علماؤنا أن الوضوء كان بمكة سنة ومعناه كان مفعولا بالسنة وقوله إذا قمتم معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة انتهى قال زيد بن أسلم والسدي معنى الآية إذا قمتم من المضاجع يعني النوم والقصد بهذا التأويل أن يعم الأحداث بالذكر وفي الآية على هذا التأويل تقديم وتأخير تقديره يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء يعنى الملامسة الصغرى فاغسلوا وهنا تمت أحكام الحدث الأصغر ثم قال وإن كنتم جنبا فاطهروا فهذا حكم نوع أخر ثم قال للنوعين جميعا وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وقال بهذا التأويل محمد بن مسلمة من أصحاب مالك وغيره وقال جمهور أهل العلم معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وليس في الآية على هذا تقديم ولا تأخير بل ترتب في الآية حكم واجد الماء إلى قوله فاطهروا ودخلت الملامسة الصغرى في قولنا محدثين ثم ذكر بعد ذلك بقوله وإن كنتم مرضى إلى أخر الآية حكم عادم الماء من النوعين جميعا وكانت الملامسة هي الجماع وقال ص إذا قمتم أي إذا اردتم وعبر بالقيام عن إرادته لأنه مسبب عنها انتهى ومن احسن الأحاديث واصحها في فضل الطهارة والصلاة ما رواه مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إلا أخبركم بما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد

وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط قال أبو عمر في التمهيد هذا الحديث من أحسن ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل الأعمال قال صاحب كتاب العين الرباط ملازمة الثغور قال والرباط مواظبة الصلاة أيضا انتهى والغسل في اللغة إيجاد الماء في المغسول مع امرار شيء عليه كاليد والوجه ما واجه الناظر وقابله والناس كلهم على أن داخل العينين لا يلزم غسله إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه واليد لغة تقع على العضو من المنكب إلى أطراف الأصابع وحد الله سبحانه موضع الغسل منه بقوله إلى المرافق واختلف العلماء هل تدخل المرافق في الغسل أم لا وتحرير العبارة في هذا المعنى أن يقال إذا كان ما بعد إلى ليس مما قبلها فالحد أول المذكور بعدها وإذا كان ما بعدها من جملة ما قبلها فالاحتياط يعطي أن الحد أخر المذكور بعدها ولذلك يترجح دخول المرفقين في الغسل والروايتان عن مالك قال ابن العربي في أحكامه وقد روى الدار قطني وغيره عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم لما توضأ أدار الماء على مرفقيه انتهى واختلف في رد اليدين في مسح الرأس هل هو فرض أو سنة بعد الإجماع على أن المسحة الأولى فرض فالجمهور على أنه سنة وقيل هو فرض والإجماع على استحسان مسح الرأس باليدين جميعا وعلى الأجزاء بواحدة واختلف فيمن مسح بإصبع واحد والمشهور الأجزاء ويترجح عدم الأجزاء لأنه خروج عن سنة المسح وكأنه لعب إلا أن يكون ذلك عن ضرر مرض ونحوه فينبغي أن لا يختلف في الأجزاء والباء في قوله تعالى برءوسكم مؤكدة زائدة عند من يرى عموم الرأس والمعنى عنده وامسحوا رءوسكم وهي للإلصاق المحض عند من يرى أجزاء بعض الرأس كان المعنى أوجدوا مسحا برؤوسكم فمن مسح ولو شعرة فقد فعل ذلك

ت قال ابن العربي في أحكامه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في صفة مسح الرأس أنه أقبل بيده وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وفي البخاري فأدبر بهما وأقبل وهما صحيحان متوافقان وهي مسألة من أصول الفقه في تسمية الفعل بابتدائه أو بغايته انتهى وقرا حمزة وغيره وأرجلكم بالخفض وقرأ نافع وغيره بالنصب والعامل اغسلوا ومن قرأ بالخفض جعل العامل أقرب العاملين وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين على أن الفرض في الرجلين الغسل وأن المسح لا يجزىء وفي الصحيح ويل للأعقاب من النار إذ رأى صلى الله عليه و سلم أعقابهم تلوح قال ابن العربي في القبس ومن قرأ وأرجلكم بالخفض فإنه أراد المسح على الخفين وهو أحد التأويلات في الآية انتهى وهذا هو الذي صححه في أحكامه والكلام في قوله إلى الكعبين كما تقدم في قوله إلى المرافق وفي صحيح مسلم وغيره عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة فقلت ما أجود هذه فقال عمر التي قبلها أجود قال ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وأخرجه الترمذي من حديث أبي ادريس الخولاني عن عمر زاد في آخره اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين انتهى مختصرا واختلف اللغويون في الكعبين والجمهور على أنهما العظمان الناتئان في جنبتي الرجل وألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء قال مالك هو فرض مع الذكر ساقط مع النسيان وروى الدارقطني في سننه من

توضأ فذكر اسم الله على وضوءه كان طهورا لجسده ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوءه كان طهورا لأعضائه انتهى من الكوكب الدري وكذلك تتضمن ألفاظ الآية الترتيب واطهروا أمر لواجد الماء عند الجمهور وقال عمر بن الخطاب وغيره لا يتيمم الجنب البتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء وقوله سبحانه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج الآية الإرادة صفة ذات وجاء الفعل مستقبلا مراعاة للحوادث التي تظهر عن الإرادة والحرج الضيق والحرجة الشجر الملتف المتضايق ويجرى مع معنى هذه الآية قول النبي صلى الله عليه و سلم دين الله يسر وقوله عليه السلام بعثت بالحنيفية السمحة وجاء لفظ الآية على العموم والشيء المذكور بقرب هوأمر التيمم والرخصة فيه وزوال الحرج في تحمل الماء ابدا ولذلك قال أسيد ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر وقوله سبحانه ولكن يريد ليظهركم الآية إعلام بما لا يوازي بشكر من عظيم تفضله تبارك وتعالى ولعلكم ترج في حق البشر وفي الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملئان أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها رواه مسلم والترمذي وفي رواية له التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملأه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر وزاد في رواية أخرى ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه انتهى وقوله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الآية خطاب للمؤمنين ونعمة الله اسم جنس يجمع الإسلام وحسن الحال وحسن المئال والميثاق هو ما وقع للنبي صلى الله عليه و سلم في بيعة العقبة

وبيعة الرضوان وكل موطن قال الناس فيه سمعنا وأطعنا هذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين وقال مجاهد المراد الميثاق المأخوذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم عليه السلام والأول أرجح واليق بنمط الكلام وباقي الآية بين متكرر قال أبو عمر بن عبد البر في كتابه بهجة المجالس روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجز له ما وعده ومن أوعده على عمل عقابا فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له وعن ابن عباس مثله انتهى وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته والجمهور أن سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه و سلم لما استعان بيهود في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وصاحبه قالوا نعم يا أبا القاسم انزل حتى نصنع لك طعاما وننظر في معونتنك فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ظل جدار وكان معه أبو بكر وعمر وعلي فتآمرت يهود في قتله وقالوا من رجل يظهر على الحائط فيصب عليه حجرا يشدخه فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم الخبر فقام صلى الله عليه و سلم من المكان وتوجه إلى المدينة ونزلت الآية في ذلك ويترجح هذا القول بما يأتي بعد من الآيات في وصف غدر يهود ونقضهم المواثيق وقوله سبحانه ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم أثني عشر نقيبا هذه الآية المتضمنة للخبر عن نقضهم مواثيق الله تعالى تقوى أن الآية المتقدمة في كف الأيدي إنما كانت في أمر بني النضير والإجماع على أن النقيب كبير القوم القائم بأمورهم قال قتادة وغيره هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سبط تكفل بكل واحد سبطه بأن يؤمنوا ويلتزموا التقوى قال ع ونحو هذا كانت النقباء ليلة بيعة العقبة مع النبي صلى الله

عليه وسلم والضمير في معكم لبني إسرائيل أي معكم بنصري وحياطتي وتأييدى واللام في قوله لئن هي المؤذنة بمجيء القسم ولام القسم هي قوله لأكفرن والدليل على أن هذه اللام إنما هي مؤذنة أنها قد يستغنى عنها أحيانا ويتم الكلام دونها ولو كانت لام قسم لم يترتب ذلك وإقامة الصلاة توفيه شروطها والزكاة هنا شيء من المال كان مفروضا عليهم فيما قال بعض المفسرين وعزرتموهم معناه وقرتموهم وعظمتموهم ونصرتموهم وقرأ عاصم الجحدري وغررتموهم خفيفة الزاي حيث وقع وقرأ في سورة الفتح وتعزروه بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي وسواء السبيل وسطه وسائر ما في الآية بين والله المستعان وقوله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية الآية أي فبنقضهم والقسوة غلظ القلب ونبوه عن الرقة والموعظة وصلابته حتى لا ينفعل لخير وقوله تعالى ونسوا حظا مما ذكروا به نص على سوء فعلهم بأنفسهم أي قد كان لهم حظ عظيم فيما ذكروا به فنسوه وتركوه ثم أخبر تعالى نبيه عليه السلام أنه لا يزال في مستأنف الزمان يطلع على خائنة منهم وغائلة وأمور فاسدة قالت فرقة خائنة مصدر والمعنى على خيانة وقال آخرون معناه على فرقة خائنة فهي اسم فاعل صفة لمؤنث وقوله تعالى فأعف عنهم واصفح منسوخ بما في براءة وباقي الآية بين وقوله تعالى ومن الذين قالوا انا نصارى من متعلقة بأخذنا التقدير وأخذنا من الذين قالوا انا نصارى ميثاقهم ويحتمل أن تكون معطوفة على خائنة منهم والأول أرجح وعلق قولهم نصارى بقولهم ودعواهم من حيث هو اسم شرعي يقتضي نصر دين الله وسموا به أنفسهم دون استحقاق وقوله سبحانه فأغرينا بينهم العداوة أي اثبتناها بينهم والصقناها والإغراء مأخوذ من الغراء الذي يلصق به وقال البخاري الإغراء التسليط انتهى والضمير في بينهم

يحتمل أن يعود على اليهود والنصارى لأن العداوة بينهم موجودة مستمرة ويحتمل أن يعود على النصارى فقط لأنها أمة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ثم توعدهم بعذاب الآخرة إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار واعلم رحمك الله أنه قد جاءت آثار صحيحة في ذم الشحناء والتباغض والهجران لغير موجب شرعي ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا وفي رواية تعرض الأعمال في كل خميس واثنين فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئا الحديث انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يحل لامرىء مسلم أن يهاجر مسلما فوق ثلاث ليال فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما فأولهما فيأ يكون سبقه بالفيء كفارة له وإن سلم عليه فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة وردت على الآخر الشياطين وإذا ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة أراه قال ابدا انتهى وسنده جيد ونصه قال ابن المبارك أخبرنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت سمعت هشام بن عامر يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وقوله لم يدخلا الجنة ليس على ظاهره أي لم يدخلا الجنة أبدا حتى يقتص لبعضهم من بعض أو يقع العفو أو تحل الشفاعة حسبما هو معلوم في صحيح الآثار وقوله سبحانه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب الآية أهل الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى ولكن نوازل الإخفاء كالرجم وغيره إنما حفظت لليهود لأنهم كانوا مجاوري رسول الله صلى الله عليه و سلم في مهاجره وفي إعلامه صلى الله

عليه وسلم بخفي ما في كتبهم وهو أمي لا يكتب ولا يصحب القراء دليل على صحة نبوءته لو الهمهم الله للخير ويعفوا عن كثير أي لم يفضحهم فيه إبقاء عليهم والضمير في يعفوا للنبي صلى الله عليه و سلم وقوله تعالى قد جاءكم من الله نور هو محمد صلى الله عليه و سلم وكتاب مبين هو القرآن ويحتمل أن يريد موسى عليه السلام والتوراة أي لو اتبعتموها حق الأتباع والأول هو ظاهر الآية وهو أظهر وسبل السلام أي طرق السلامة والنجاة ويحتمل أن يكون السلام هنا اسما من أسماء الله عز و جل فالمعنى طرق الله والظلمات الكفر والنور الإيمان وباقي الآية بين متكرر وقوله سبحانه قل فمن يملك أي لا مالك ولا راد لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره وقوله سبحانه يخلق ما يشاء إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد بل اختراعا كآدم عليه السلام وقوله تعالى والله على كل شيء قدير عموم معناه الخصوص فيما عدا الذات والصفات والمحالات وقوله سبحانه وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه الآية البنوة في قولهم هذا بنوة الحنان والرأفة لأنهم ذكروا أن الله سبحانه أوحى إلى إسرائيل أن أول أولادك بكرى فضلوا بذلك وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ولو صح ما رووا لكان معناه بكرا في التشريف أو النبوءة ونحوه وكانت هذه المقالة منهم عند ما دعاهم النبي عليه السلام إلى الإيمان به وخوفهم العذاب فقالوا نحن لا نخاف ما تقول لأنا أبناء الله وأحباؤه ذكر ذلك ابن عباس وقد كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن نحن ندخل النار فنقيم فيها أربعين يوما فرد الله عليهم قولهم فقال لنبيه عليه السلام قل فلم يعذبكم بذنوبكم أي لو كانت منزلتكم منه فوق منازل البشر لما عذبكم وأنتم قد أقررتم أنه يعذبكم ثم ترك الكلام الأول واضرب عنه غير مفسد له ودخل في غيره فقال بل أنتم بشر

كسائر الناس والخلق أكرمهم عند الله اتقاهم يهدي من يشاء للإيمان فيغفر له ويورط من يشاء في الكفر فيعذبه وله ملك السماوات والأرض وما بينهما فله بحق الملك أن يفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه وإليه مصير العباد بالحشر والمعاد وقوله تعالى يا أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد عليه السلام وقوله على فترة من الرسل أي على انقطاع من مجيئهم مدة ما والفترة سكون بعد حركة في الإجرام ويستعار ذلك للمعاني وقد قال عليه السلام لكل عمل شرة ولكل شرة فترة وفي الصحيح أن الفترة التي كانت بين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وبين عيسى ستمائة سنة وهذه الآية نزلت بسبب قول اليهود ما انزل الله على بشر بعد موسى من شيء قاله ابن عباس وقوله ان تقولوا معناه حذارا أن تقولوا يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير نذير وقامت الحجة عليكم والله على كل شيء قدير فهو الهادي والمضل لا رب غيره وقوله سبحانه وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء الآية المعنى واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوءتك ثم عدد عيون تلك النعم فقال إذ جعل فيكم أنبياء أي حاطة ومنقذون من النار وشرف في الدنيا والآخرة وجعلكم ملوكا أي فيكم ملوك لأن الملك شرف في الدنيا وحاطة في نوائبها وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال مجاهد هو المن والسلوى والحجر والغمام وقال غيره كثرة الأنبياء وعلى هذا القول فالعالمون على العموم وعلى القول بأن المؤتى هو آيات موسى فالعالمون عالم زمانهم لن ما أوتي النبي صلى الله عليه و سلم من آيات الله أكثر من ذلك والمقدسة معناه المطهرة قال ابن عباس هي الطور وما حوله وقال قتادة هي الشام قال الطبري ولا يختلف أنها بين الفرات وعريش مصر

قال ع وتظاهرت الروايات أن دمشق هي قاعدة الجبارين ثم حذرهم موسى الارتداد على الأدبار وذلك هو الرجوع القهقري والخاسر الذي قد نقص حظه ثم ذكر عز و جل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا إن فيها قوما جبارين والجبار من الجبر كأنه لقدرته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث موسى الاثني عشر نقيبا مطلعين من امر الجبارين واحوالهم رأوا لهم قوة وبطشا وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك من بني إسرائيل وأن يعلموا به موسى ليرى فيه أمر ربه لما أنصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم ومن وثقوا به ففشا الخبر حتى أعوج أمر بني إسرائيل وقالوا أذهب أنت وربك فقاتلا ولم يف من النقباء إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفتا ويقال فيه كالوث بثاء مثلثة وقوله تعالى قال رجلان من الذين يخافون أي يخافون الله سبحانه قال أكثر المفسرين الرجلان يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وكالب بن يوفتا أنعم الله عليهما بالإيمان الصحيح وربط الجأش والثبوت وقولهم فاذهب أنت وربك فقاتلا الآية عبارة تقتضي كفرا وقيل المعنى فاذهب أنت وربك يعينك وأن الكلام معصية لا كفر وذكر ابن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم كلم الناس يوم بدر وقال لهم أشيروا علي أيها الناس فقال له المقداد بن الأسود يا رسول الله لسنا نقول كما قالت بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ثم تكلم سعد بن معاذ بنحو هذا المعنى ولما سمع موسى عليه السلام قولهم ورأى عصيانهم تبرأ إلى الله منهم قوال داعيا عليهم رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي يعني هارون

وقوله فافرق بيننا دعاء حرج والمعنى فافرق بيننا وبينهم حتى لا نشقى بفسقهم قال فإنها محرمة عليهم أي قال الله وحرم الله تعالى على بني إسرائيل دخول تلك المدينة أربعين سنة يتيهون في الأرض أي في أرض تلك النازلة وهو فحص التيه وهو على ما يحكى طول ثلاثين ميلا في عرض ستة فراسخ ويروى أنه لم يدخل المدينة أحد من ذلك الجيل إلا يوشع وكالوث وروي أن يوشع نبىء بعد كمال الأربعين سنة وخرج بيني إسرائيل من التيه وقاتل الجبارين وفتح المدينة وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين والتيه الذهاب في الأرض إلى غير مقصد معلوم وقوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين معناه فلا تحزن والخطاب بهذه الآية لموسى عليه السلام قال ابن عباس ندم موسى على دعائه على قومه وحزن عليهم فقال الله له فلا تاس على القوم الفاسقين وقوله تعالى واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا الآية أتل معناه أسرد واسمعهم إياه وهذه من علوم الكتب الأول فهي من دلائل نبوءة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إذ هي من غامض كتب بني إسرائيل قال الفخر وفي الآية قولان أحدهما أتل على الناس والثاني أتل على أهل الكتاب انتهى وابني آدم هما لصلبه وهما هابيل وقابيل روت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى وكان الذكر يتزوج أنثى البطن الآخر ولا تحل له أخته توءمته فولدت مع قابيل أختا جميلة ومع هابيل أختا ليست كذلك فلما أراد آدم أن يزوجها من هابيل قال قابيل أنا أحق بأختي فأمره آدم فلم يأتمر فاتفقوا على التقريب فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل فحينئذ قال لأقتلنك وقول هابيل إنما يتقبل الله من المتقين كلام

قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وليس لي ذنب في قبول الله قرباني وإنما يتقبل الله من المتقين وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة وأما المتقي للشرك وللمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة علم ذلك بأخبار الله تعالى لا إن ذلك يجب على الله تعالى عقلا قلت قول ع في معنى هذه الألفاظ يعني حيث وقعت في الشرع وأما في هذه الآية فليس باتقاء شرك على ما سيأتي وقول هابيل ما أنا بباسط يدي إليك الآية قال عبد الله بن عمر وجمهور الناس كان هابيل أشد قوة من قابيل ولكنه تحرج وهذا هو الأظهر قال ع ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج هنا وجه وتبوء معناه تمضي متحملا وقوله بإثمي وإثمك قيل معناه بإثم قتلي وسائر آثامك وقيل المعنى بإثمى الذي يختص بي فيما فرط لي وهذا تأويل يعضده قول النبي صلى الله عليه و سلم يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه وقوله وذلك جزاء الظالمين يحتمل أن يكون من قول هابيل لأخيه ويحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى لمحمد عليه السلام قال الفخر وقوله تعالى فطوعت له نفسه قتل أخيه قال المفسرون معناه سهلت له نفسه قتل أخيه انتهى وقوله سبحانه فأصبح من الخاسرين أصبح عبارة عن جميع أوقاته وهذا مهيع كلام العرب ومنه أصبحت لا أحمل السلاح البيت وقول سعد فأصبحت بنو أسد تعزرني إلى غير ذلك من استعمال العرب ومن خسران قابيل ما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما قتلت نفس ظلما إلا كان علي ابن آدم الأول كفل منها وذلك لأنه

أول من سن القتل وقوله تعالى فبعث الله غرابا الآية قيل أصبح في ثاني يوم قتله يطلب اخفاء أمر قتله فلم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابا حيا إلى غراب ميت فجعل يبحث في الأرض ويلقي التراب على الغراب الميت وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم ولذلك جهل سنة المواراة وكذلك حكى الطبري عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في الكتب الأول والسوءة العورة ويحتمل أن يراد الحالة التي تسوء الناظر ثم أن قابيل وارى أخاه وندم على ما كان منه من معصية في قتله حيث لا ينفعه الندم واختلف العلماء في قابيل هل هو من الكفار أو من العصاة والظاهر أنه من العصاة قال الفخر ولم ينتفع قابيل بندمه لأن ندمه كان لأسباب منها سخط أبويه واخوته وعدم انتفاعه بقتله ونحو ذلك ولما كان ندمه لهذه الأسباب لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه هذا الندم وقوله تعالى من أجل ذلك هو إشارة إلى ما تضمنته هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام لا أنه إشارة إلى قصة قابيل وهابيل انتهى وقوله سبحانه من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل الآية جمهور الناس على أن قوله من أجل ذلك متعلق بقوله كتبنا أي من أجل هذه النازلة ومن جراها كتبنا وقال قوم بل هو متعلق بقوله من النادمين أي ندم من أجل ما وقع والوقف على هذا على ذلك والناس على أن الوقف من النادمين ويقال فعلمت ذلك من أجلك بفتح الهمزة ومن أجلك بكسرها وقوله سبحانه بغير نفس أي بغير أن تقتل نفس نفسا والفساد في الأرض يجمع الزنا والارتداد والحرابة وقوله سبحانه فكأنما قتل الناس جميعا روي عن ابن عباس أنه قال المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها مخافتي

واستحياها فهو كمن أحيا الناس جميعا قال الحسن وابن زيد ومن أحياها أي عفا عن من وجب له قتله بعد القدرة وقيل غير هذا ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات في هذا وفي سواه ثم أن كثيرا منهم بعد ذلك في كل عصر يسرفون ويتجاوزون الحدود وقوله سبحانه إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية روى أنس بن مالك وغيره أن الآية نزلت في قوم من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم فاسلموا ثم انهم مرضوا واستوخموا المدينة فامرهم النبي ص - أن يكونوا في لقاح الصدقة وقال اشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا فيها فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم خبرهم فبعث الطلب في آثارهم فأخذوا قال جميع الرواة فقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم ويروى وسمل وتركهم في جانب الحرة يستسقون فلا يسقون فقيل أن هذه الآية ناسخة لفعله صلى الله عليه و سلم بالعرنيين ووقف الأمر على هذه الحدود وقال جماعة أنها غير ناسخة لذلك الفعل لأن العرنيين مرتدون لا سيما وفي بعض الطرق أنهم سملوا أعين الرعاء وقالوا هذه الآية هي في المحارب المؤمن قال مالك المحارب عندنا من حمل على الناس السلاح في مصر أو برية فكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم قالوا والإمام مخير فيه بأن يعاقبه بما رأى من هذه العقوبات فأما قتل المحارب فبالسيف ضربة للعنق وأما صلبه فبعد القتل عند جماعة وقال جماعة بل يصلب حيا ويقتل بالطعن على الخشبة وروي هذا عن مالك وهو الأظهر من الآية وهو الأنكى في النكال وأما القطع فاليد اليمنى من الرسغ والرجل الشمال من المفصل وقوله سبحانه أو ينفوا من

الأرض الظاهر أن الأرض في هذه الآية هي أرض النازلة وقد جنب الناس قديما الأرض التي أصابوا فيها الذنوب ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة وينبغي للإمام إن كان هذا المحارب المنفي مخوف الجانب يظن به أن يعود إلى حرابه وافساد أن يسجنه في البلد الذي يغرب إليه وإن كان غير مخوف الجانب ترك مسرحا وهذا هو صريح مذهب مالك وقوله تعالى ذلك لهم خزي في الدنيا الآية إشارة إلى هذه الحدود التي توقع بهم فيحتمل الخزي لمن عوقب وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا وبالجملة فهم في المشيئة وقوله سبحانه إلا الذين تابوا الآية استثنى عز و جل التائب قبل أن يقدر عليه وأخبر سبحانه بسقوط حقوقه عنه بقوله فأعلموا أن الله غفور رحيم والعلماء على أن الآية في المؤمنين ويؤخذ المحارب بحقوق الناس وإن تاب هذا هو الصحيح وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة الآية هذه الآية وعظ من الله تعالى بعقب ذكر العقوبات النازلة بالمحاربين وهذا من أبلغ الوعظ لأنه يرد على النفوس وهي خائفة وجلة وابتغوا معناه اطلبوا والوسيلة القربة وأما الوسيلة المطلوبة لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم فهي أيضا من هذا لأن الدعاء له بالوسيلة والفضيلة إنما هو أن يؤتاهما في الدنيا ويتصف بهما ويكون ثمرة ذلك في الآخرة التشفيع في المقام المحمود قلت وفي كلامه هذا مالا يخفى وقد فسر النبي صلى الله عليه و سلم الوسيلة التي كان يرجوها من ربه وأنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو الحديث وخص سبحانه الجهاد بالذكر وإن كان داخلا في معنى الوسيلة تشريفا له إذ هو قاعدة الإسلام وقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار إخبار بأنهم يتمنون هذا وقال الحسن بن أبي الحسن إذا فارت بهم النار

قربوا من حاشيتها فحينئذ يريدون الخروج ويطمعون به وتأول هو وغيره الآية على هذا قلت ويؤيده ما خرجه البخاري في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم حيث أتاه ءاتيان فأخذا بيده وفيه فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه وفيه أيضا فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله وساع تتوقد تحته نار فإذا اقترب ارتفعوا فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال نساء عراة فقلت ما هذا فقالا أنطلق الحديث وأخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم مؤبد وقوله سبحانه والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآية قلت المسروق مال أو غيره فشرط المال أن يكون نصابا بعد خروجه مملوكا لغير السارق ملكا محترما تاما لا شبهة له فيه محرزا مخرجا منه إلى ما ليس بحرز له استسرارا فالنصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما يساوي ثلاثة دراهم وقوله أيديهما يعني أيمان النوعين والنكال العذاب والنكل القيد وقوله سبحانه فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه الآية جمهور العلماء على أن توبة السارق لا تسقط عنه القطع وقال الشافعي إذا تاب السارق قبل أن يتلبس الحكام بأخذه فتوبته تدفع عنه حكم القطع قياسا على توبة المحارب وقوله سبحانه ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أي فلا معقب لحكمه سبحانه ولا معترض عليه يفعل ما يشاء لا إله إلا هو وقوله تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآية تسلية لنبيه عليه السلام وتقوية لنفسه بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين واليهود والمعنى قد وعدناك النصر والظهور عليهم فلا يحزنك ما يقع منهم ومعنى المسارعة في الكفر البدار إلى نصره والسعي في كيد الإسلام وإطفاء نوره قال مجاهد وغيره قوله تعالى من الذين قالوا ءامنا

بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم يراد به المنافقون وقوله سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين يراد به اليهود ويحتمل أن يراد به اليهود مع المنافقين لأن جميعهم يسمع الكذب بعضهم من بعض ويقبلونه ولذلك جاءت عبارة سماعهم في صيغة المبالغة إذ المراد أنهم يقبلون ويستزيدون من ذلك وقوله سبحانه سماعون لقوم آخرين يحتمل أن يريد يسمعون منهم وذكر الطبري عن جابر أن المراد بالقوم الآخرين يهود فدك وقيل يهود خبير ويحتمل أن يكون معنى سماعون لقوم آخرين بمعنى جواسيس مسترقين الكلام لينقلوه لقوم آخرين وهذا مما يمكن أن يتصف به المنافقون ويهود المدينة قلت وهذا هو الذي نص عليه ابن إسحاق في السير قال ع وقيل لسفيان بن عيينة هل جرى للجاسوس ذكر في كتاب الله عز و جل فقال نعم وتلا هذه الآية سماعون لقوم آخرين وقوله سبحانه يحرفون الكلم من بعد مواضعه هذه صفة اليهود في معنى ما حرفوه من التوراة وفيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضع مواضعه وقصدت به وجوهه القويمة يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه روي أن يهود فدك قالوا ليهود المدينة استفتوا محمدا فإن أفتاكم بما نحن عليه من الجلد والتجبية فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا الرجم قاله الشعبي وغيره وقيل غير هذا من وقائعهم فالإشارة بهذا إلى التحميم والجلد في الزنا على قول ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام على جهة قطع الرجاء منهم ومن يرد الله فتنته أي محنته بالكفر فلن تملك له من الله شيئا ثم أخبر تعالى عنهم أنهم الذين سبق لهم في علمه أن لا يطهر قلوبهم وأن يكونوا مدنسين بالكفر لهم في الدنيا خزي بالذلة والمسكنة التي ضربت عليهم في أقطار الأرض وفي كل أمة قال ص سماعون أي هم سماعون ومثله أكالون انتهى وقوله سبحانه أكالون للسحت فعالون

بناء مبالغة أي يتكرر أكلهم ويكثر والسحت كل ما لا يحل كسبه من المال وقوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم تخيير للنبي صلى الله عليه و سلم ولحكام أمته بعده وقال ابن عباس وغيره هذا التخيير منسوخ بقوله سبحانه وإن أحكم بينهم بما أنزل الله وقال كثير من العلماء هي محكمة وهذا هو الأظهر إن شاء الله وفقه هذه الآية أن الأمة مجمعة فيما علمت على أن حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذمة في تظالمهم وأما نوازل الأحكام التي لا تظالم فيها فالحاكم مخير وإذا رضي به الخصمان فلا بد من رضي أساقفتهم أو أحبارهم قاله ابن القاسم في العتبية قلت وعبارة الداودي قال مالك ولا يحكم بينهم إذا اختار الحكم إلا في المظالم فيحكم بينهم بما أنزل الله ولا يحكم فيهم في الزنا إلا أن يعلنوه فيعاقبون بسبب إعلانه ثم يردون إلى أساقفتهم قال مالك وإنما رجم النبي صلى الله عليه و سلم اليهوديين قبل أن تكون لهم ذمة انتهى وقال ابن العربي في أحكامه إنما أنفذ النبي صلى الله عليه و سلم الحكم بينهم ليحقق تحريفهم وتبديلهم وكذبهم وكتمهم ما في التوراة ومنه صفته صلى الله عليه و سلم فيها والرجم على زناتهم وعنه أخبر الله تعالى بقوله يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير فيكون ذلك من آياته الباهرة وحججه البينة وبراهينه القاطعة الدامغة للأمة المخزية اليهودية انتهى وقوله تعالى وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا أمن الله سبحانه نبيه من ضررهم إذا أعرض عنهم وحقر في ذلك شأنهم وإن حكمت أي اخترت الحكم في نازلة ما فأحكم بينهم بالقسط أي بالعدل ثم قال سبحانه وكيف يحكمونك المعنى وكيف يحكمونك بنية صادقة وهم قد خالفوا حكم التوراة التي يصدقون بها وتولوا عن حكم الله فيها فأنت الذي لا يؤمنون بك أحرى بأن يخالفوا

حكمك وهذا بين أنهم لا يحكمونه عليه السلام إلا رغبة في ميله إلى أهوائهم وقوله سبحانه من بعد ذلك أي من بعد كون حكم الله في التوراة في الرجم وما أشبهه وقوله تعالى وما اولئك بالمؤمنين يعني بالتوراة وبموسى وقوله سبحانه انا أنزلنا التوراة فيها هدى أي إرشاد في المعتقد والشرائع والنور ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها والنبيئون الذين اسلموا هم من بعث من لدن موسى ابن عمران إلى مدة نبينا محمد عليه السلام وأسلموا معناه أخلصوا وجوههم ومقاصدهم لله سبحانه وقوله للذين هادوا متعلق بيحكم أي يحكمون بمقتضى التوراة لبني إسرائيل وعليهم والربانيون عطف على النبيئين أي ويحكم بها الربانيون وهم العلماء وقد تقدم تفسير الرباني والأحبار أيضا العلماء وأحدهم حبر بكسر الحاء وفتحها وكثر استعمال الفتح فرقا بينه وبين الحبر الذي يكتب به وإنما اللفظ عام في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان قبل مبعث نبينا محمد عليه السلام وقوله سبحانه بما استحفظوا أي بسبب استحفاظ الله تعالى إياهم أمر التوراة وأخذه العهد عليهم في العمل والقول بها وعرفهم ما فيها فصاروا شهداء عليه وهؤلاءضيعوا لما استحفظوا حتى تبدلت التوراة والقرآن بخلاف هذا لقوله تعالى وانا له لحافظون وقوله تعالى فلا تخشوا الناس واخشون حكاية لما قيل لعلماء بني إسرائيل وقوله ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا نهي عن جميع المكاسب الخبيثة بالعلم والتحيل للدنيا بالدين وهذا المعنى بعينه يتناول علماء هذه الأمة وحكامها ويحتمل أن يكون قوله فلا تخشوا الناس إلى آخر الآية خطابا لأمة نبينا محمد عليه السلام وأختلف العلماء في المراد بقوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون فقالت جماعة المراد اليهود بالكافرين والظالمين والفاسقين وروي في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق البراء بن عازب قال

الفخر وتمسكت الخوارج بهذه الآية في التكفير بالذنب وأجيب بأن الآية نزلت في اليهود فتكون مختصة بهم قال الفخر وهذا ضعيف لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قلت وهذه مسألة خلاف في العام الوارد على سبب هل يبقى على عمومه أو يقصر على سببه انتهى وقالت جماعة عظيمة من أهل العلم الآية متناولة كل من لم يحكم بما أنزل الله ولكنها في أمراء هذه الأمة كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان وهذا تأويل حسن وقيل لحذيفة بن اليمان أنزلت هذه الآية في بني إسرائيل فقال نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لكم كل حلوة ولهم كل مرة لتسلكن طريقهم قذ الشراك وقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية أي وكتبنا على بني إسرائيل فى التوراة ومعنى هذه الآية الخبر بان الله تعالى كتب فرضا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا فيجب في ذلك أخذ نفسه ثم هذه الأعضاء المذكورة كذلك ثم استمر هذا الحكم في هذه الأمة بما علم من شرع النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن عباس ورخص الله لهذه الأمة ووسع لها بالدية ولم يجعل لنبي إسرائيل دية فيما نزل على موسى والجمهور أن النفس بالنفس عموم يراد به الخصوص في المتماثلين كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يقتل مسلم بكافر وكذلك قوله سبحانه والجروح قصاص عموم يراد به الخصوص فيما لا يخاف منها على النفس وكتب الفقه محل استيعاب الكلام على هذه المعاني قال ص والجروح قصاص أي ذات قصاص انتهى وقوله سبحانه فمن تصدق به فهو كفارة له المعنى أن من تصدق بجرحه أو دم وليه وعفا فإن ذلك العفو كفارة لذنوبه يعظم الله أجره بذلك قاله ابن عمر وغيره وفي معناه حديث مروي عن النبي صلى الله عليه و سلم قلت وهو قوله صلى الله عليه و سلم ما من رجل يصاب

بشيء في جسده فتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة رواه الترمذي انتهى وقيل المعنى فذلك العفو كفارة للجارح عن ذلك الذنب كما أن القصاص كفارة فكذلك العفو كفارة وأما أجر العافي فعلى الله تعالى قاله ابن عباس وغيره وقيل المعنى إذا جنى جان فجهل وخفي أمره فتصدق هذا الجاني بأن اعترف بذلك ومكن من نفسه فذلك الفعل كفارة لذنبه وقوله سبحانه وقفينا على ءاثارهم بعيسى ابن مريم الآية الضمير في آثارهم للنبيين وقوله وهدى وموعظة للمتقين خص المتقون بالذكر لأنهم المقصود به في علم الله وإن كان الجميع يدعى إلى توحيد الله ويوعظ ولكن ذلك على غير المتقين عمى وحيرة وقرأ حمزة وحده وليحكم بكسر اللام وفتح الميم على لام كي ونصب الفعل بها والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق وليحكم أهله بما أنزل الله فيه وقرأ باقي السبعة وليحكم بسكون لام الأمر وجزم الفعل ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم قلت وإذ من لازم حكمهم بما أنزل الله فيه اتباعهم لنبينا محمد عليه السلام والإيمان به كما يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل قال الفخر قيل المراد وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم قيل والمراد بالفاسقين من لم يمتثل من النصارى انتهى وحسن عقب ذلك التوقيف على وعيد من خالف ما أنزل الله وقوله سبحانه ومهيمنا أي جعل الله القرآن مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف وهذا هو معنى مهيمنا أي شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين حسب اختلاف عبارة المفسرين في اللفظة وقال المبرد مهيمن أصله مؤتمن بني من أمين أبدلت همزته هاء كما قالوا ارقت الماء وهرقته واستحسنه الزجاج وقوله

سبحانه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق المعنى عند الجمهور أن اخترت أن تحكم فأحكم بينهم بما أنزل الله وليست هذه الآية بناسخة لقوله أو اعرض عنهم ثم حذر الله تعالى نبيه عليه السلام من اتباع أهوائهم وقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعه ومنهاجا أي لكل أمة قاله الجمهور وهذا عندهم في الأحكام وأما في المعتقدات فالدين واحد لجميع العالم ويحتمل أن يكون المراد الأنبياء لا سيما وقد تقدم ذكرهم وذكر ما أنزل عليهم وتجيء الآية مع هذا الاحتمال تنبيها لنبينا محمد عليه السلام أي فأحفظ شرعتك ومنهاجك ليلا تستزلك اليهود أو غيرهم في شيء منه وأكثر المتأولين على أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد وهي الطريق وقال ابن عباس وغيره شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة ثم أخبر سبحانه أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكنه لم يشأ لأنه أراد اختبارهم وابتلاءهم فيما آتاهم من الكتب والشرائع كذا قال جريج وغيره ثم أمر سبحانه باستباق الخيرات في امتثال الأوامر وختم سبحانه بالموعظة والتذكير بالمعاد فقال إلى الله مرجعكم جميعا والمعنى فالبدار البدار وقوله سبحانه فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون معناه في الثواب والعقاب فتخبرون به إخبار إيقاع وهذه الآية بارعة الفصاحة جمعت المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة وكل كتاب الله كذلك إلا انا بقصور أفهامنا يبين لنا في بعض أكثر مما يبين لنا في بعض وقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم الآية الهوى مقصور يجمع على أهواء والهواء ممدود يجمع على اهوية ثم حذر تعالى نبيه عليه السلام من اليهود أن يفتنوه بأن يصرفوه عن شيء مما أنزل الله عليه من الأحكام لأنهم كانوا يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا له مرارا أحكم لنا في نازلة كذا بكذا ونتبعك على دينك وقوله سبحانه فإن تولوا قبله محذوف تقديره

فإن حكموك واستقاموا فنعما ذلك وإن تولوا فأعلم الآية وخصص سبحانه إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم نوعان نوع يخصهم ونوع يتعدى إلى النبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنين وبه توعدهم الله في الدنيا وإنما يعذبون بالكل في الآخرة وقال الفخر وجوزوا ببعض الذنوب في الدنيا لأن مجازاتهم بالبعض كاف في إهلاكهم وتدميرهم انتهى وقوله سبحانه فأعلم الآية وعد للنبي صلى الله عليه و سلم وقد أنجزه بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنصير وإجلاء عمر أهل خيبر وفدك وغيرهم وقوله تعالى وان كثيرا من الناس لفاسقون اشارة اليهم ويندرج فى عموم الآية غيرهم وقوله تعالى افحكم الجاهلية يبغون إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان ويحكمون بحسب الشهوات ومن أحسن من الله حكما أي لا أحد أحسن منه حكما تبارك وتعالى وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء نهى الله سبحانه المؤمنين بهذه الآية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة وحكم هذه الآية باق وكل من أكثر مخالطة هذين الصنفين فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى فإنه منهم وسبب نزول هذه الآية أنه لما انقضت بدر وشجر أمر بني قينقاع أراد النبي صلى الله عليه و سلم قتلهم فقام دونهم عبد الله ابن أبي ابن سلول مخاصما وقال يا محمد أحسن في موالي فإني امرؤ أخاف الدوائر فقال النبي صلى الله عليه و سلم قد وهبتهم لك ونزلت الآية في ذلك وقوله عز و جل بعضهم أولياء بعض جملة مقطوعة من النهي وقوله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم انحاء على عبد الله بن أبي وعلى كل من أتصف بهذه الصفة وقوله سبحانه فترى الذين المعنى فترى يا محمد الذين في قلوبهم

مرض إشارة إلى عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين على مذهبه في حماية بني قينقاع وقوله تعالى يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة لفظ محفوظ عن عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين ودائرة معناه نازلة من الزمان وإنما كان ابن أبي يظهر أنه يستبقيهم لنصرة النبي عليه السلام وأنه الرأي وكان يبطن خلاف ذلك وقوله سبحانه فعسى الله أن يأتي بالفتح وهو ظهور نبيه عليه السلام وعلو كلمته وتمكينه من بني قينقاع وقريظة والنضير وفتح مكة أو أمر من عنده يهلك به أعداء الشرع وهو أيضا فتح لا يقع فيه للبشر سبب وقرأ ابن الزبير فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين وقوله تعالى يقول الذين ءامنوا أهولاء الذين اقسموا بالله جهد إيمانهم قرأ نافع وغيره يقول بغير واو وقرأ حمزة وغيره ويقول وقرأ أبو عمر وحده ويقول بالواو ونصب الام فذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا القول من المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتح وحصلت ندامة المنافقين وفضحهم الله تعالى فحينئذ يقول المؤمنون اهؤلاء الذين اقسموا الآية وتحتمل الآية وتحتمل الآية ان تكون حكاية لقول المؤمنين في وقت قول الذين في قلوبهم مرض نخشى أن تصيبنا دائرة إذ فهم منهم إن تمسكهم باليهود إنما هو أرصاد لله ولرسوله فمقتهم النبي عليه السلام والمؤمنون وترك لهم النبي عليه السلام بني قينقاع رغبة في المصلحة والألفة وأما قراءة أبي عمرو ويقول بالنصب فلا يتجه معها أن يكون قول المؤمنين إلا عند الفتح وظهور ندامة المنافقين وفضيحتهم وقوله تعالى جهد إيمانهم نصب جهد على المصدر المؤكد والمعنى اهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الإيمان إنهم لمعكم قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود وخذل الشريعة ما يكذب إيمانهم وقوله حبطت أعمالهم يحتمل أن يكون إخبارا من الله سبحانه ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين ويحتمل أن يكون قوله

حبطت دعاء أي بطلت أعمالهم وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا من يرتدد منكم عن دينه الآية خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة ومعنى الآية إن الله عز و جل وعد هذه الأمة أن من أرتد منها فإنه يجيء سبحانه بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين قال الفخر وقدم الله تعالى محبته لهم على محبتهم له إذ لولا حبه لهم لما وفقهم أن صاروا محبين له انتهى وفي كتاب القصد إلى الله سبحانه للمحاسبي قلت للشيخ فهل يلحق المحبين لله عز و جل خوف قال نعم الخوف لازم لهم كما لزمهم الإيمان لا يزول إلا بزواله وهذا هو خوف عذاب التقصير في بدايتهم حتى إذا صاروا إلى خوف الفوت صاروا إلى الخوف الذي يكون في أعلى حال فكان الخوف الأول يطرقهم خطرات وصار خوف الفوت وطنات قلت فما الحالة التي تكشف عن قلوبهم شديد الخوف والحزن قال الرجاء بحسن الظن لمعرفتهم بسعة فضل الله عز و جل وأملهم منه أن يظفروا بمرادهم إذا وردوا عليه ولولا حسن ظنهم بربهم لتقطعت أنفسهم حسرات وماتوا كمدا قلت أي شيء أكثر شغلهم وما الغالب على قلوبهم في جميع أحوالهم قال كثرة الذكر لمحبوبهم على طريق الدوام والاستقامة لا يملون ولا يفترون وقد أجمع الحكماء أن من أحب شيئا أكثر من ذكره ثم قال قال ذو النون ما اولع أحد بذكر الله إلا أفاد منه حب الله تعالى انتهى وفي الآية انحاء على المنافقين وعلى من ارتد في مدة النبي صلى الله عليه و سلم قال الفخر وهذه الآية إخبار بغيب وقد وقع الخبر على وفقه فيكون معجزا وقد ارتدت العرب وغيرهم أيام أبي بكر فنصر الله الدين وأتى بخير منهم انتهى وقوله سبحانه أذلة على المؤمنين معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين وهذا كقوله عز و جل أشداء على الكفار رحماء بينهم وكقوله عليه السلام المؤمن هين لين وفي قراءة

ابن مسعود أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين وقوله تعالى ولا يخافون لومة لائم إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم يعتذرون بممالاة الأحلاف والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم قلت وخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده على أبي ذر قال أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم بسبع أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي يعني في شأن الدنيا وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأوصاني أن لا اسأل الناس شيئا وأوصاني أن استكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله انتهى وقوله سبحانه ذلك فضل الله الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله عز و جل ويحبهم وواسع معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم به سبحانه وقوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله الآية إنما في هذه الآية حاصرة وقرأ ابن مسعود إنما مولاكم الله والزكاة هنا لفظ عام للزكاة المفروضة والتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر إذ هي منمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس السيئات ثم وصفهم سبحانه بتكثير الركوع وخص بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة وهي هيئة تواضع فعبر به عن جميع الصلاة كما قال سبحانه والركع السجود هذا هو الصحيح وهو تأويل الجمهور ولكن انفق مع ذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى خاتمه وهو راكع قال السدي وإن اتفق ذلك لعلي فالآية عامة في جميع المؤمنين ثم أخبر تعالى إن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فإنه غالب كل من ناواه وجاءت العبارة عامة في أن حزب الله هم الغالبون ثم نهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ الذين اتخذوا ديننا هزؤا ولعبا وقد ثبت استهزاء الكفار في قوله سبحانه انا كفيناك المستهزءين وثبت استهزاء أهل الكتاب في لفظ هذه

الآية وثبت استهزاء المنافقين في قولهم لشياطينهم إنا معكم إنما نحن مستهزءون ثم أمر سبحانه بتقواه ونبه النفوس بقوله إن كنتم مؤمنين وقوله سبحانه وإذا ناديتهم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا الآية انحاء على اليهود وتبيين لسوء فعلهم وقوله وإن أكثركم فاسقون معنى المحاورة هل تنقمون منا إلا مجموع هذه الحال من انا مؤمنون وأنتم فاسقون كما تقول لمن تخاصمه هل تنقم مني إلا أن صدقت انا وكذبت أنت وقال بعض المتأولين وإن أكثركم معطوف على ما كأنه قال إلا أن آمنا بالله ويكتبه وبأن أكثركم فاسقون وهذا مستقيم المعنى وقال أكثركم من حيث أن فيهم من آمن كابن سلام وغيره وقوله سبحانه قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة يعني مرجعا عند الله يوم القيامة ومنه وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمر عليه السلام أن يقول لهم هل أنبئكم هم اليهود والكفار المتخذون ديننا هزؤا ولعبا قال ذلك الطبري وتوبع عليه ولم يسند في ذلك إلى متقدم شيئا والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين أي قل يا محمد للمؤمنين هل أنبئكم بشر من حال هؤلاء الفاسقين في وقت المرجع إلى الله أولائك أسلافهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم وقوله سبحانه وجعل هي بمعنى صير وقد تقدم قصص مسخهم قردة في البقرة وعبد الطاغوت تقديره ومن عبد الطاغوت وقرأ حمزة وحده وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت وذلك أن عبد لفظ مبالغة كقدس قال الفخر قيل الطاغوت هنا العجل وقيل الطاغوت أحبارهم وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده انتهى ومكانا يحتمل أن يريد في الآخرة فالمكان على وجهه أي المحل إذ محلهم جنهم ويحتمل أن يريد في الدنيا فهي استعارة للمكانة والحالة وقوله سبحانه وإذا جاءوكم يعني اليهود وخاصة المنافقين منهم قاله ابن عباس

وغيره وقوله والله أعلم بما كانوا يكتمون أي من الكفر والرؤية هنا تحتمل أن تكون قلبية وأن تكون بصرية وفي الإثم أي موجبات الإثم واللام في لبيس لام قسم وقوله تعالى لولا ينهاهم الربانيون والأحبار تحضيض في ضمنه توبيخ لهم قال الفخر والمعنى هلا ينهاهم انتهى قال الطبري كان العلماء يقولون ما في القرآن آية هي أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها وقال الضحاك بن مزاحم ما في القرآن آية أخوف عندي منها انا لا ننهى وقال نحو هذا ابن عباس وقوله سبحانه عن قولهم الإثم ظاهره أن الإثم هنا يراد به الكفر ويحتمل ان يراد سائر أقوالهم المنكرة في النبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنين وقرأ ابن عباس بيس ما كانوا يصنعون بغير لام قسم وقوله سبحانه وتعالى وقالت اليهود يد الله إلى قوله لا يحب المفسدين هذه الآية تعديد كبيرة في أقوالهم وكفرهم أي فمن يقول هذه العظيمة فلا يستنكر نفاقه وسعيه في رد أمر الله تعالى قال ابن عباس وجماعة معنى قولهم التبخيل وذلك أنهم لحقتهم سنة وجهد فقالوا هذه المقالة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعه تعالى الله عن قولهم وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك فإن المراد لا تبخل ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم مثل البخيل والمتصدق الحديث وذكر الطبري والنقاش أن هذه الآية نزلت في فنحاص اليهودي وإنه قالها وقوله سبحانه غلت أيديهم خبر يحتمل في الدنيا ويحتمل في الآخرة فإن كان خبرا عن الدنيا فالمعنى غلت أيديهم عن الخير والإنفاق في وجوه البر ونحوه وإذا كان خبرا عن الآخرة فالمعنى غلت في النار قلت ويحتمل الأمرين معا وقوله تعالى بل يداه مبسوطتان العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله سبحانه وأنه ليس بجسم ولا له جارحة ولا يشبه لا يكيف ولا يتحيز ولا تحله الحوادث تعالى عما يقول

المبطلون علوا كبيرا قال ابن عباس في هذه الآية يداه نعمتاه ثم اختلفت عبارة الناس في تعيين النعمتين فقيل نعمة الدنيا ونعمة الآخرة وقيل النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة والظاهر أن قوله سبحانه بل يداه مبسوطتان عبارة عن إنعامه على الجملة وعبر عنها باليدين جريا على طريقة العرب في قولهم فلان ينفق بكلتا يديه ومنه قول الأعشى ... يداك يدا مجد فكف مفيدة ... وكف إذا ما ضن بالمال تنفق ...
ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الأنعام قرينة الإنفاق ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام وليزيدن كثيرا منهم يعني اليهود ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ثم قال سبحانه والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة العداوة أخص من البغضاء لأن كل عدو فهو يبغض وقد يبغض من ليس بعدو والبغضاء قد لا تتجاوز النفوس وقد ألقى الله سبحانه الأمرين على بني إسرائيل قال الفخر وقد أوقع الله بين فرقهم الخصومة الشديدة وانتهى أمرهم إلى أن يكفر بعضهم بعضا وفي قوله والقينا بينهم العداوة الآية قولان أحدهما أن المراد ما بين اليهود والنصارى من العداوة لانه جرى ذكرهم فى قوله لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وهذا قول الحسن ومجاهد والثاني ما وقع من العداوة بين فرق اليهود فإن بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم موحدة وبعضهم مشبهة وكذلك بين فرق النصارى كالملكانية والنسطورية واليعقوبية انتهى وقوله سبحانه كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله استعارة بليغة قال مجاهد معنى الآية كلما اوقدوا نار الحرب النبي ص - اطفأها الله فالآية بشارة لنبينا محمد عليه السلام وللمؤمنين وباقي الآية بين وقوله تعالى ولو أن أهل الكتاب ءامنوا الآية هذه الآية تحتمل أن يراد بها معاصرو النبي صلى الله عليه و سلم وتحتمل أن يراد بها الأسلاف والمعاصرون

وقوله سبحانه ولو أنهم أقاموا التوراة أي أظهروا أحكامها فهي كإقامة السوق وإقامة الصلاة وقوله سبحانه والإنجيل يقتضي دخول النصارى في لفظ أهل الكتاب في هذه الآية قلت وقال مكي معنى أقاموا التوراة والإنجيل أي عملوا بما فيهما وأقروا بصفة النبي صلى الله عليه و سلم وبنبوءته انتهى من الهداية وقوله وما أنزل إليهم من ربهم معناه من وحي وسنن على ألسنة الأنبياء عليهم السلام واختلف في معنى من فوقهم ومن تحت أرجلهم فقال ابن عباس وغيره المعنى لأعطتهم السماء مطرها والأرض نباتها بفضل الله تعالى وقال الطبري وغيره إن الكلام استعارة ومبالغة في التوسعة كما يقال فلان قد عمه الخير من قرنه إلى قدمه وقوله سبحانه منهم أمة مقتصدة معناه معتدلة والقصد والاقتصاد الاعتدال والرفق والتوسط الحسن في الأقوال والأفعال قال ابن زيد وهؤلاء هم أهل طاعة الله من أهل الكتاب قال ع وهذا هو الراجح وقوله سبحانه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه عليه السلام بالتبليغ على الاستيفاء والكمال لأنه قد كان بلغ صلى الله عليه و سلم وإنما أمر في هذه الآية بأن لا يتوقف عن شيء مخافة أحد وذلك أن رسالته عليه السلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وبيان فساد حالهم فكان يلقى منهم صلى الله عليه و سلم عنتا وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية فقال الله تعالى له بلغ ما أنزل إليك من ربك أي كاملا والله يعصمك من الناس قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم الفرية والله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية وقال عبد الله ابن شقيق كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتقبه أصحابه يحرسونه فلما نزلت والله يعصمك من الناس خرج فقال يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله

قد عصمنى قلت وخرج الترمذي هذا الحديث أيضا من طريق عائشة وكما وجب عليه التبليغ عليه السلام وجب على علماء أمته وقد قال عليه السلام بلغوا عني ولو آية وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من ليس بفقيه جاهل فقه إلى من هو أفقه منه رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي هذا حديث حسن ورواه من حديث ابن مسعود وقال حسن صحيح انتهى من السلاح وقال محمد بن كعب القرظي نزلت هذه الآية بسبب الإعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه و سلم ليقتله به قال ابن العربي قوله تعالى والله يعصمك من الناس معناه يجعل بينك وبينهم حجابا يمنع من وصل مكروههم إليك كعصام القربة الذي يمنع سيلان الماء منها ولعلمائنا في الآية تأويلات أصحها أن العصمة عامة في كل مكروه وأن الآية نزلت بعد أن شج وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه و سلم وقيل أنه أراد من القتل خاصة والأول أصح وقد كان صلى الله عليه و سلم أوتي بعض هذه العصمة بمكة في قوله تعالى إنا كفيناك المستهزءين ثم كملت له العصمة بالمدينة فعصم من الناس كلهم انتهى من كتابه في تفسير أفعال الله الواقعة في القرآن ثم أمر تعالى نبيه عليه السلام أن يقول لأهل الكتاب الحاضرين معه لستم على شيء أي على شيء مستقيم حتى تقيموا التوراة والإنجيل وفي إقامتهما الإيمان بنبينا محمد عليه السلام قلت وهذه الآية عندي من أخوف آية في القرآن كما أشار إلى ذلك سفيان فتأملها حق التأمل وقوله سبحانه وما أنزل إليكم من ربكم الآية يعني به القرآن وقوله تعالى إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر

وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا لفظ عام لكل مؤمن من ملة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ومن غيرها من الملل فكان ألفاظ الآية حصر بها الناس كلهم وبينت الطوائف على اختلافها وهذا هو تأويل الجمهور وقد مضى الكلام في سورة البقرة فراجعه هناك وقرأ الجمهور والصابون وقرىء خارج السبعة والصابين وهي بينة الإعراب وأما على قراءة الجمهور فأختلف في إعرابها ومذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة أنه من المقدم الذي معناه التأخير كأنه قال إن الذين ءامنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك قال ص ووجه ثان أن خبر ان محذوف أي إن الذين آمنوا لهم أجرهم وخبر الصابين من آمن وما بعده قال ابن عصفور وهو حسن جدا إذ ليس فيه أكثر من حذف خبر ان للفهم وهو جائز في فصيح الكلام انتهى قلت قال ابن مالك وهو أسهل من التقديم والتأخير وقيل أن الصابين في موضع نصب ولكنه جاء على لغة بلحارث الذين يجمعون التثنية بالألف على كل حال والجمع بالواو على كل حال قاله أبو البقاء وقيل غير هذا وقوله سبحانه وحسبوا ألا تكون فتنة المعنى في هذه الآية وظن هؤلاء الكفرة بالله والعصاة من بني إسرائيل أن لا يكون من الله ابتلاء لهم وأخذ في الدنيا فلجوا في شهواتهم وعموا فيها إذ لم يبصروا الحق وهذا كقوله صلى الله عليه و سلم حبك الشيء يعمى ويصم وقوله سبحانه ثم تاب الله عليهم قالت جماعة من المفسرين هذه التوبة هي ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول ورد ملكهم وحالهم ثم عموا وصموا بعد ذلك حتى أخرجوا الخرجة الثانية ولم ينجبروا أبدا ومعنى تاب الله عليهم أي رجع بهم إلى الطاعة والحق ومن فصاحة القرآن استناد هذا الفعل الشريف إلى الله تعالى واستناد

العمى والصمم اللذين هما عبارة عن الضلال إليهم ثم أخبر تعالى أخبارا مؤكدا بلام القسم عن كفر القائلين إن الله هو المسيح ابن مريم وهذا قول اليعقوبية من النصارى ثم أخبر تعالى عن قول المسيح لهم فقال وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم الآية فضلوا هم وكفروا بسبب ما رأوا على يديه من الآيات وقوله تعالى وما للظالمين من أنصار يحتمل أن يكون من قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل ويحتمل أن يكون إخبارا من الله سبحانه لنبيه محمد عليه السلام وقوله تعالى لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد الآية إخبار مؤكد كالذي قبله عن هذه الطائفة الناطقة بالتثليث وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم ولا معنى لذكر أقوالهم في كتب التفسير وقوله سبحانه ثالث ثلاثة لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض ثلاثة لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز لك أن تضيف كما تقدم وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة وقوله سبحانه وما من إله إلا إله واحد الآية خبر صادع بالحق وهو سبحانه الخالق المبدع المتصف بالصفات العلي سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ثم توعدهم إن لم ينتهوا عما يقولون ثم رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة ثم وصف نفسه سبحانه بالغفران والرحمة استجلابا للتائبين وتأنيسا لهم ليكونوا على ثقة من الانتفاع بتوبتهم قال ص ليمسن اللام فيه جواب قسم محذوف قبل أداة الشرط انتهى وقوله تعالى وأمة صديقة بناء مبالغة من الصدق ويحتمل من التصديق وبه سمى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهذه الصفة لمريم تدفع قول من قال أنها نبية وقوله سبحانه كانا يأكلان الطعام تنبيه على نقص البشرية وعلى حال من الاحتياج إلى الغذاء تنتفي معها الألوهية ويؤفكون معناه

يصرفون ومنه قوله عز و جل يؤفك عنه من أفك والأرض المأفوكة التي صرفت عن أن ينالها المطر والمطر في الحقيقة هو المصروف ولكن قيل أرض مأفوكة لما كانت مافوكا عنها وقوله تعالى قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم الآية الضر بفتح الضاد المصدر وبضمها الاسم وهو عدم الخير والسميع لأقوالهم والعليم بنياتهم والغلو تجاوز الحد من غلا السهم إذا تجاوز الغرض المقصود وتلك المسافة هي غلوته وهذه المخاطبة هي للنصارى الذين غلوا في عيسى والقوم الذين نهى النصارى عن اتباع أهوائهم هم بنو إسرائيل ووصف تعالى اليهود بأنهم ضلوا قديما وأضلوا كثيرا من اتباعهم ثم أكد الأمر بتكرار قوله تعالى وضلوا عن سواء السبيل وقوله تعالى لعن الذين كفروا من بني إسرائيل الآية قال ابن عباس رضي الله عنه لعنوا بكل لسان لعنوا في التوراة وفي الزبور والإنجيل والفرقان وقوله سبحانه كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه الآية ذم الله سبحانه هذه الفرقة الملعونة بانهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه أي أنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وأن نهي منهم ناه لم يمتنع عن مواصلة العاصي ومواكلته وخلطته وروى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعذيرا فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله أو خليطه فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى قال ابن مسعود وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم متكأ فجلس وقال لا والله حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق اطرا والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف أي برفق وقول معروف وأمن الضرر عليه وعلى المؤمنين فإن تعذر على أحد النهي لشيء من

هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر وقال حذاق أهل العلم ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضا وقوله سبحانه لبيس ما كانوا يفعلون اللام لا م قسم وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل الجهاد كلمة حق أو قال كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر انتهى وقوله تعالى لنبيه محمد عليه السلام ترى كثيرا يحتمل أن تكون رؤية عين فلا يريد إلا معاصريه ويحتمل أن تكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد المعاصرين له ويحتمل أن يريد أسلافهم والذين كفروا عبدة الأوثان وقوله سبحانه لبيس ما قدمت لهم أنفسهم الآية أي قدمته للآخرة واجترحته ثم فسر ذلك قوله تعالى إن سخط الله عليهم فإن سخط في موضع رفع بدل من ما ويحتمل أن يكون التقدير هو إن سخط الله عليهم وقوله تعالى والنبيء إن كان المراد الأسلاف فالنبي داود وعيسى وإن كان المراد معاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فالمراد بالنبي هو صلى الله عليه و سلم وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله سبحانه ترى كثيرا منهم كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل وأنه يعني به المنافقين ونحوه لمجاهد وقوله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا الآية اللام في قوله لتجدن لام ابتداء وقال الزجاج هي لام قسم وهذا خبر مطلق منسحب على الزمان كله وهكذا هو الأمر حتى الآن وذلك أن اليهود مرنوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم ومردوا على استشعار اللعنة وضرب الذلة المسكنة فهم قد لجت عداوتهم وكثر حسدهم فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين وكذلك المشركون عبدة الأوثان والنيران وأما النصارى فإنهم يعظمون من أهل الإسلام من استشعروا

منه صحة دين ويستهينون من فهموا منه الفسق فهم إن حاربوا فإنما حربهم أنفة لا أن شرعهم يأخذهم بذلك وإذا سالموا فسلمهم صاف واليهود لعنهم الله ليسوا على شيء من هذه الخلال بل شأنهم الخبث واللي بالألسنة المكر والغدر ولم يصف الله تعالى النصارى بأنهم أهل ود وإنما وصفهم بأنهم أقرب من اليهود والمشركين وفي قوله سبحانه الذين قالوا إنا نصارى إشارة إلى معاصري نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من النصارى بأنهم ليسوا على حقيقة النصارنية وإنما هو قول منهم وزعم وقوله تعالى ذلك بأن منهم قسيسين وهبانا الآية معناه ذلك بأن منهم أهل خشية وانقطاع إلى الله تعالى وعبادة وإن لم يكونوا على هدى فهم يميلون إلى أهل العبادة والخشية وليس عند اليهود ولا كان قط أهل ديارات وصوامع وانقطاع عن الدنيا بل هم معظمون لها متطاولون في البنيان وأمور الدنيا حتى كأنهم لا يؤمنون بالآخرة فلذلك لا يرى فيهم زاهد قال الفخر القس والقسيس اسم رئيس النصارى والجمع قسيسون وقال قطرب القس والقسيس العالم بلغة الروم وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين انتهى ووصف الله سبحانه النصارى بأنهم لا يستكبرون وهذا موجود فيهم حتى الآن واليهودي متى وجد عزا طغى وتكبر ثم مدحهم سبحانه فقال وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية قال النووي ينبغي للقارىء أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وقد بات جماعة من السلف يتلوا الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها وصعق جماعات منهم عند سماع القرآن وقراءته ومات جماعات منهم ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة

العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله عز و جل ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقد وردت آثار كثيرة في ذلك انتهى من الحلية للنووي وذكر ابن عباس وابن جبير ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب وفد بعثهم النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليروه ويعرفوا حاله فقرأ النبي صلى الله عليه و سلم القرآن فبكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فآمن ولم يزل مؤمنا حتى مات فصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم وروي أن نعش النجاشي كشف للنبي عليه السلام فكان يراه من موضعه بالمدينة وجاء الخبر بعد مدة أن النجاشي دفن في اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم عليه قال أبو صالح كانوا سبعة وستين رجلا وقال ابن جبير كانوا سبعين عليهم ثياب الصوف وكلهم صاحب صومعة اختارهم النجاشي وصدر الآية في قرب المودة عام فيهم ولا يتوجه أن يكون صدر الآية خاصا فيمن آمن وإنما وقع التخصيص من قوله تعالى وإذا سمعوا وجاء الضمير عاما إذ قد تحمد الجماعة بفعل واحد منهم وفي هذا استدعاء للنصارى ولطف من الله بهم ليؤمنوا قال ص مما عرفوا من الحق من الأولى لابتداء الغاية قال أبو البقاء ومعناها من أجل الذي عرفوا ومن الثانية لبيان ما الموصولة انتهى قال العراقي تفيض أي تسيل منها العبرة وفي الحديث اقرءوا القرآن وأبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا خرجه البزار انتهى من الكوكب الدري وفيه عن البزار ايضا ان النبي ص - قال من خرج من عينيه مثل جناح ذباب دموعا من خشية الله لم يدخل النار حتى يعود اللبن في ضرعه انتهى وقولهم مع الشاهدين يعني نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم وأمته قاله ابن عباس وغيره وقال الطبري لو قال قائل معنى ذلك مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم لكان صوابا وهو كلام صحيح

وكأن ابن عباس خصص أمة محمد لقول الله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية وقولهم وما لنالا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق توقيف لأنفسهم أو محاجة لمن عارضهم من الكفار والقوم الصالحون محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه قاله ابن زيد وغيره من المفسرين ثم ذكر تعالى ما أثابهم به من النعيم على إيمانهم وإحسانهم ثم ذكر سبحانه حال الكافرين المكذبين وإنهم قرناء الجحيم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية قال ابن عباس وغيره نزلت بسبب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بلغت منهم المواعظ وخوف الله تعالى إلى أن حرم بعضهم النساء وبعضهم النوم بالليل والطيب وهم بعضهم بالاختصاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء وأنال الطيب فمن رغب عن سنتي فليس مني قال الطبري كان فيما يتلى من رغب عن سنتك فليس من أمتك وقد ضل عن سواء السبيل والطيبات في هذه الآية المستلذات بدليل إضافتها إلى ما أحل الله وبقرينة ما ذكر من سبب الآية وقوله سبحانه ولا تعتدوا قال عكرمة وغيره معناه في تحريم ما أحل الله وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى و لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين كأنه قال لا تشددوا فتحرموا حلالا ولا تترخصوا فتحلوا حراما قلت وروي مالك في الموطأ عن أبي النضر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مات عثمان بن مظعون ومر بجنازته ذهبت ولم تلتبس منها بشيء قال أبو عمر في التمهيد هذا الحديث في الموطأ مقطوع وقد رويناه متصلا مسندا من وجه صالح حسن ثم اسند أبوعمر عن عائشة قالت لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه و سلم الثوب عن وجهه وقبل بين عينيه وبكى

بكاء طويلا فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها قال أبو عمر كان عثمان بن مظعون أحد الفضلاء العباد الزاهدين في الدنيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم المتبتلين منهم وقد كان هو وعلي بن أبي طالب هما أن يترهبا ويتركا النساء ويقبلا على العبادة ويحرما طيبات الطعام على أنفسهما فنزلت يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية ونقل هذا معمر وغيره عن قتادة انتهى وقوله سبحانه ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان معناه شددتم وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد قال الحطيئة ... قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا ...
قال الفخر وأما وجه المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها فهو ما تقدم من أن قوما من الصحابة رضي الله عنهم حرموا على أنفسهم المطاعم والملاذ وحلفوا على ذلك فلما نهاهم الله تعالى عن ذلك قالوا يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا فأنزل الله تعالى هذه الآية انتهى وقوله سبحانه فكفارته إطعام عشرة مساكين أي إشباعهم مرة واحدة وحكم هؤلاء أن لا يتكرر واحد منهم في كفارة يمين واحدة واختلف في معنى قوله سبحانه من أوسط فرأى مالك وجماعة معه هذا التوسط في القدر ورأى ذلك جماعة في الصنف والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مدا بمد النبي صلى الله عليه و سلم وذلك رطل وثلث وهذا لضيق المعيشة بالمدينة ورأى في غيرها أن يتوسع ورأى من يقول أن التوسط إنما هو في الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك ومذهب المدونة أن يراعي المكفر عيش البلد وتأويل العلماء في الحانث

في اليمين بالله أنه مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة ثم الإطعام بدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر قال الفخر وبدأ سبحانه بالإطعام لأنه أعم وجودا والمقصود منه التنبيه على أنه سبحانه يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف وثانيها أن الإطعام أفضل قلت وهذا هو مشهور مذهب مالك انتهى ويجزىء عند مالك من الكسوة في الكفارة ما يجزىء في الصلاة وقوله سبحانه أو تحرير رقبة أي مؤمنة قاله مالك وجماعة لأن هذا المطلق راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في قتل الخطأ وقوله سبحانه فمن لم يجد معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة المذكورة واختلف العلماء في حد هذا العادم ومتى يصح له الصيام فقال الشافعي ومالك وجماعة من العلماء إذا كان المكفر لا يملك إلا قوته وقوت عياله يومه وليلته فله أن يصوم فإن كان عنده زائد على ذلك ما يطعم عشرة مساكين لزمه الإطعام قال الطبري وقال آخرون جائز لمن لم يكن له فضل على راس ماله الذي يتصرف به في معايشه أن يصوم وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات وقال بذلك جماعة وقال مالك وغيره أن تابع فحسن وإن فرق أجزأ وقوله إذا حلفتم معناه وأردتم الحنث أو وقعتم فيه وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس الآية قال ع وفي معنى الأزلام الزجر بالطير وأخذ الفال في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس وأخبر سبحانه أن هذه الأشياء رجس قال ابن عباس في هذه الآية رجس سخط وقال ابن زيد الرجس الشر قال ع الرجس كل مكروه ذميم وقد يقال للعذاب والرجز العذاب لا غير والركس العذرة لا غير والرجس يقال للأمرين وقوله سبحانه فاجتنبوه أمر باجتنابه فحرمت الخمر بظاهر القرآن

ونص الأحاديث وإجماع الأمة وأمر الخمر إنما كان بتدريج ونوازل كثيرة كقصة حمزة حين جب الاسنمة وقوله وهل أنتم إلا عبيد أبي ثم أعلم سبحانه عباده أن الشيطان إنما يريد أن تقع العداوة بسبب الخمر وما يعترى عليها بين المؤمنين وبسبب الميسر إذ كانوا يتقامرون على الأموال حتى ربما بقي المقمور فقيرا فتحدث من ذلك ضغائن وعداوات فإن لم يصل الأمر إلى حد العداوة كانت بغضاء ولا تحسن عاقبة قوم متباغضين ولذلك قال صلى الله عليه و سلم ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا وباجتماع النفوس والكلمة يحمى الدين ويجاهد العدو والبغضاء تنقض عرى الدين وتهدم عماد الحماية وكذلك أيضا يريد الشيطان أن يصد المؤمنين عن ذكر الله وعن الصلاة ويشغلهم عنها بإتباع الشهوات والخمر والميسر والقمار كله من أعظم الآفات في ذلك وفي قوله سبحانه فهل أنتم منتهون وعيد زائد على معنى انتهوا وقوله سبحانه ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية قال ابن عباس وغيره لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة يا رسول الله كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر ونحو هذا من القول فنزلت هذه الآية وهذا نظير سؤالهم عن من مات على القبلة الأولى والجناح الإثم والحرج والتكرار في قوله سبحانه اتقوا يقتضي في كل واحدة زيادة على التي قبلها وفي ذلك مبالغة في هذه الصفات لهم وليست الآية وقفا على من عمل الصالحات كلها واتقى كل التقوى بل هي لكل مؤمن وإن كان عاصيا أحيانا إذا كان قد عمل من هذه الخصال الممدوحة ما استحق به أن يوصف بأنه مؤمن عامل للصالحات متق في غالب أمره محسن فليس على هذا الصنف جناح فيما طعم مما لم يحرم عليه وطعموا معناه ذاقوا فصاعدا في رتب الأكل والشرب وقد

يستعار للنوم وغيره وحقيقته في حاسة الذوق وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد أي ليختبرنكم يرى طاعتكم من معصيتكم وقوله بشيء يقتضي تبعيضا ومن يحتمل أن تكون للتبعيض ويحتمل أن تكون لبيان الجنس كقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقوله تعالى ليعلم الله من يخافه بالغيب معناه ليستمر علمه تعالى عليه وهو موجود إذ قد علم تعالى ذلك في الأزل وبالغيب قال الطبري معناه في الدنيا حيث لا يرى العبد ربه فهو غائب عنه والظاهر أن المعنى بالغيب من الناس أي في الخلوة ممن خاف الله انتهى قلت وقول الطبري أظهر ثم توعد تعالى من اعتدى بعد النهي بالعذاب الأليم وهو عذاب الآخرة وقوله سبحانه يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم الآية الصيد مصدر عومل معاملة الاسماء فاوقع على الحيوان المصيد ولفظ الصيد هنا عام ومعناه الخصوص فيما عدا ما استثنى وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفارة والعقرب والكلب العقور وأجمع الناس على إباحة قتل الحية وبسط هذا في كتب الفقه وحرم جمع حرام وهو الذي يدخل في الحرم أو في الإحرام واختلف في قوله متعمدا فقال مجاهد وغيره معناه متعمدا لقتله ناسيا لاحرامه فهذا يكفر وأما أن كان ذاكرا لاحرامه فهو أعظم من أن يكفر وقد حل ولا رخصة له وقال جماعة من أهل العلم منهم ابن عباس ومالك والزهري وغيرهم المتعمد القاصد للقتل الذاكر لاحرامه فهو يكفر وكذلك الناسي والقاتل خطأ يكفران وقرأ نافع وغيره فجزاء مثل بإضافة الجزاء إلى مثل وقرأ حمزة وغيره فجزاء بالرفع مثل بالرفع أيضا واختلف في هذه المماثلة كيف تكون فذهب الجمهور إلى أن الحكمين ينظران إلى مثل الحيوان المقتول في الخلقة وعظم المرأى فيجعلان ذلك من

النعم جزاءه وذهب الشعبي وغيره إلى أن المماثلة إنما هي في القيمة يقوم الصيد المقتول ثم يشتري بقيمته ند من النعم ورد الطبري وغيره هذا القول والنعم لفظ يقع على الإبل والبقر والغنم إذا اجتمعت هذه الأصناف فإن انفرد كل صنف لم يقل نعم إلا للإبل وحدها وقصر القرآن هذه النازلة على حكمين عدلين عالمين بحكم النازلة وبالتقدير فيها وعلى هذا جمهور الناس قال ابن وهب في العتبية من السنة أن يخير الحكمان من أصاب الصيد كما خيره الله تعالى في أن يخرج هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فإن اختار الهدي حكما عليه بما يريانه نظيرا لماأصاب ما بينهما وبين أن يكون عدل ذلك شاة لأنها أدنى الهدي فما لم يبلغ شاة حكما فيه بالطعام ثم خير في أن يطعمه أو يصوم مكان كل مد يوما وكذلك قال مالك في المدونة إذا أراد المصيب أن يطعم أو يصوم فإن كان لما أصاب نظير من النعم فإنه يقوم صيده طعاما لا دراهم قال وإن قوماه دراهم واشترى بها طعام لرجوت أن يكون واسعا والأول أصوب فإن شاء أطعمه وإلا صام مكان كل مد يوما وإن زاد ذلك على شهرين أو ثلاثة وقال يحيى بن عمر من أصحابنا إنما يقال كم من رجل يشبع من هذا الصيد فيعرف العدد ثم يقال كم من الطعام يشبع هذا العدد فإن شاء أخرج ذلك الطعام وإن شاء صام عدد إمداده وهذا قول حسن احتاط فيه لأنه قد تكون قيمة الصيد من الطعام قليلة فبهذا النظر يكثر الإطعام وقوله تعالى هديا بالغ الكعبة ذكرت الكعبة لأنها أم الحرم والحرم كله منحر لهذا الهدي ولا بد أن يجمع في هذا الهدي بين الحل والحرم حتى يكون بالغ الكعبة فالهدي لا ينحر إلا في الحرم واختلف في الطعام فقال جماعة الإطعام والصوم حيث شاء المكفر من البلاد وقال عطاء بن أبي رباح وغيره الهدي والإطعام بمكة والصوم

حيث شئت وقوله سبحانه ليذوق وبال أمره الذوق هنا مستعار والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بعد أكله وعبر بأمره عن جميع حاله من قتل وتكفير وحكم عليه ومضى ماله أو تعبه بالصوم واختلف في معنى قوله سبحانه عفا الله عما سلف الآية فقال عطاء بن أبي رباح وجماعة معناه عفا الله عما سلف في جاهليتكم من قتلكم الصيد في الحرمة ومن عاد الآن في الإسلام فإن كان مستحلا فينتقم الله منه في الآخرة ويكفر في ظاهر الحكم وإن كان عاصيا فالنقمة هي في الزام الكفارة فقط قالوا وكلما عاد المحرم فهو يكفر قال ع ويخاف المتورعون أن تبقى النقمة مع التكفير وهذا هو قول الفقهاء مالك ونظرائه وأصحابه رحمهم الله وقال ابن عباس وغيره أما المتعمد فإنه يكفر أول مرة وعفا الله عن ذنبه فإن اجترأ وعاد ثانيا فلا يحكم عليه ويقال له ينتقم الله منك كما قال الله تعالى وقوله سبحانه والله عزيز ذو انتقام تنبيه على صفتين تقتضيان خوف من له بصيرة ومن خاف ازدجر ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل قلت والصيد للهو مكروه وروى أبو داود في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن انتهى وقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم الآية البحر الماء الكثير ملحا كان أو عذبا وكل نهر كبير بحر وطعامه هو كل ما قذف به وما طفا عليه قاله جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب مالك ومتاعا نصب على المصدر والمعنى متعكم به متاعا تنتفعون به وتأتدمون ولكم يريد حاضري البحر ومدنه وللسيارة المسافرين واختلف في مقتضى قوله سبحانه وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فتلقاه بعضهم على العموم من

جميع جهاته فقالوا أن المحرم لا يحل له أن يصيد ولا أن يأمر من يصيد ولا أن يأكل صيدا صيد من أجله ولا من غير أجله وأن لحم الصيد بأي وجه كان حرام على المحرم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرى بأسا للمحرم أن يأكل ما صاده حلال لنفسه أو لحلال مثله وقال بمثل قول عمر عثمان بن عفان والزبير ابن العوام وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه و سلم أكل من الحمار الذي صاده أبو قتادة وهو حلال والنبي عليه السلام محرم ثم ذكر سبحانه بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير ولما بان في هذه الآيات تعظيم الحرم والحرمة بالاحرام من أجل الكعبة وإنها بيت الله تعالى وعنصر هذه الفضائل ذكر سبحانه في قوله جعل الله الكعبة البيت تنبيها سنه في الناس وهداهم إليه وحمل عليه الجاهلية الجهلاء من التزامهم أن العكبة قوام والهدي قوام والقلائد قوام أي أمر يقوم للناس بالتأمين ووضع الحرب أوزارها وأعلم تعالى أن التزام الناس لذلك هو مما شرعه وارتضاه وجعل في هذه الآية بمعنى صير والكعبة بيت مكة وسمي كعبة لتربيعه قال أهل اللغة كل بيت مربع فهو مكعب وكعبة وذهب بعض المتأولين إلى أن معنى قوله تعالى قياما للناس أي موضع وجوب قيام بالمناسك والتعبدات وضبط النفوس في الشهر الحرام ومع الهدي والقلائد قال مكي معنى قياما للناس أي جعلها بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر اتباعه فهي تحجزهم عن ظلم بعضهم بعضا وكذلك الهدي والقلائد جعل ذلك أيضا قياما للناس فكان الرجل إذا دخل الحرم أمن من عدوه وإذا ساق الهدي كذلك لم يعرض له وكان الرجل إذا أراد الحج تقلد بقلادة من شعر وإذا رجع تقلد بقلادة من لحاء شجر الحرم فلا يعرض له ولا يؤذى حتى يصل إلى أهله قال ابن زيد كان الناس كلهم فيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض ولم يكن في العرب ملوك

تدفع عن بعضهم ظلم بعض فجعل الله لهم البيت الحرام قياما يدفع بعضهم عن بعض انتهى من الهداية والشهر هنا اسم جنس والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب وشهر مصر وهو رجب وأما الهدي فكان أمانا لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب وأما القلائد فكذلك كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد من لحاء السمر أو غيره شيئا فكان ذلك أمانا له وكذلك إذا انصرفوا تقلدوا من شجر الحرم وقوله ذلك إشارة إلى أن جعل الله هذه الأمور قياما وقوله سبحانه بكل شيء عليم عام عموما تاما في الجزئيات ودقائق الموجودات والقول بغير هذا إلحاد في الدين وكفر وقوله سبحانه ما على الرسول إلا البلاغ الآية إخبار للمؤمنين مضمنه الوعيد أن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ الرسول إليهم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون قلت قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الحق تعالى مطلع على السرائر والظواهر في كل نفس وحال فايما قلت رآه مؤثرا له حفظه من الطوارق والمحن ومضلات الفتن وقال رحمه الله ما عرف الحق من لم يؤثره وما أطاعه من لم يشكره انتهى وقوله تعالى قل لا يستوي الخبيث والطيب الآية لفظ عام في جميع الأمور فيتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح وهي بخلاف ذلك وقوله سبحانه فاتقوا الله يا أولي الألباب تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعلم وخص أولوا الألباب بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذين لا ينبغي لهم إهمالها مع ألبابهم وإدراكهم وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن

أشياء أن تبد لكم تسؤكم الآية اختلف الرواة في سببها والظاهر من الروايات أن رسول الله صلى الله عليه و سلم الحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما هو معلوم في الروايات فزجرهم الله تعالى عن ذلك بهذه الآية وأشياء أسم لجمع شيء قال ابن عباس معنى الآية لا تسألوا عن أشياء في ضمن الأنباء عنها مساءة لكم أما بتكليف شرعي يلزمكم وأما بخبر يسوءكم ولكن إذا نزل القرءان بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ أن سألتم عن تفصيله وبيانه بين لكم وابدي ويحتمل قوله وأن تسألوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وأن سألتم لقيتم غب ذلك وصعوبته قال النووي وعن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها رويناه في سنن الدارقطني انتهى وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم انتهى وعفا الله عنها معناه تركها ولم يعرف بها قد سألها قوم من قبلكم الآية قال الطبري كقوم صالح في سؤالهم الناقة وكبنى إسراءيل في سؤالهم المائدة أي وكطلب الأمم قديما التعمق في الدين من أنبيائها ثم لم تف بما كلفت وقوله سبحانه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام الآية أي لم يجعل سبحانه شيئا من ذلك ولا سنه لعباده المعنى ولكن الكفار فعلوا ذلك كعمرو بن لحي وغيره من رؤسائهم يفترون على الله الكذب بقولهم هذه قربة إلى الله وأكثرهم يعنى الأتباع لا يعقلون بل يتبعون هذه

الأمور تقليدا وجعل في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق ولا بمعنى صير وإنما هي بمعنى ماسن ولا شرع قال ص ما جعل ذهب ابن عطية والزمخشري إلى انها بمعنى شرع قال ابن عطية ولا تكون بمعنى خلق لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها ولا بمعنى صير لعدم المفعول الثاني قال أبو حيان ولم يذكر النحويون لها هذا وقد جاء حذف أحد مفعولي ظن وأخواتها قليلا فتحمل هذه على حذف المفعول الثاني أي ما صير الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميا مشروعا وهو اولى من اثبات معنى لم يسمع فيها وذكر أبو البقاء أنها هنا بمعنى سمى انتهى قلت وحاصل كلام أبي حيان أنه شهادة على نفي وعلى تقدير صحته فيحمل كلام ابن عطية على أنه تفسير معنى لا تفسير اعراب وبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة وبحر شق كانوا إذا نتجت الناقة عشرة بطون شقوا أذنها بنصفين طولا فهي مبحورة وتركت ترعى وترد الماء ولا ينتفع بشيء منها ويحرم لحمها إذا ماتت على النساء ويحلل للرجال وذلك كله ضلال والسائبة هي الناقة تسيب للآلهة والناقة أيضا إذا تابعت ثنتي عشرة اناثا ليس فيهن ذكر سيبت وكانت السوائب أيضا في العرب كالقربة عند المرض يبرأ منه والقدوم من السفر وإذا نزل بأحدهم أمر يشكر الله تعالى عليه تقرب بأن يسيب ناقة فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر ولا غيره يرون ذلك كعتق بني ادم ذكره السدي وغيره وكانت العرب تعتقد أن من عرض لهذه النوق فأخذها أو انتفع منها بشيء فانه تلحقه عقوبة من الله والوصيلة قال اكثر الناس أن الوصيلة في الغنم قالوا إذا ولدت الشاة ثلاثة بطون أو خمسة فإن كان اخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة وأن كان عنافا استحيوها وان كان جدي وعناق استحيوهما وقالوا هذه العناق وصلت أخاها فمنعته من أن يذبح

وعلى أن الوصيلة في الغنم جاءت الروايات عن اكثر الناس وروي عن ابن المسيب أن الوصيلة من الإبل وأما الحامي فإنه الفحل من الإبل إذا ضرب في الإبل عشر سنين وقيل إذا ولد من صلبه عشر وقيل إذا ولد من ولد ولده قالوا حمى ظهره فسيبوه لا يركب ولا يسخر في شيء وعبارة الفخر وقيل الحامي الفحل إذا ركب ولد ولده انتهى قلت والذي في البخاري والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود وإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل شيء عليه وسموه الحامي انتهى وقوله سبحانه وإذا قيل لهم يعني لهؤلاء الكفار المستنين بهذه الأشياء تعالوا إلى ما أنزل الله يعني القرءان الذي فيه التحريم الصحيح قالوا حسبنا معناه كفانا وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الآية قال أبو ثعلبة الخشني سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر عوامهم فإن وراءكم أياما أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم وهذا هو التأويل الذي لا نظر لاحد معه لأنه مستوف للصلاح صادر عن النبي عليه السلام وجملة ما عليه أهل العلم في هذا أن الأمر بالمعروف متعين متى رجي القبول أو رجي رد الظالم ولو بعنف ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته أو فتنة يدخلها على المسلمين أما بشق عصا وأما بضرر يلحق طائفة من الناس فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده وقوله سبحانه إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون هذا تذكير بالحشر وما بعده وذلك مسل عن أمور الدنيا مكروهها ومحبوبها روي عن بعض الصالحين أنه قال ما من يوم إلا ويجيء الشيطان فيقول ما تأكل وما

تلبس وأين تسكن فأقول له آكل الموت والبس الكفن واسكن القبر قال ع فمن فكر في مرجعه إلى الله سبحانه فهذا حاله قلت وخرج البغوي في المسند المنتخب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يا أيها الناس أنكم تعملون أعمالا تعزب عنكم إلى يوم القيامة وتوشك العوازب أن تؤب إلى أهلها فمسرور بها ومكظوم انتهى من الكوكب الدري والله المستعان وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان الآية إلى قوله يوم يجمع الله الرسل قال مكي هذه الآيات عند أهل المعاني من اشكل ما في القرءان اعرابا ومعنى وحكما قال ع وهذا كلام من لم يقع له الثلج في تفسيرها وذلك بين من كتابه وبالله نستعين لا نعلم خلافا أن سبب هذه الآية أن تميما الداري وعدي بن بداء وكانا نصرانيين سافرا إلى المدينة يريدان الشام لتجارتهما وقدم المدينة أيضا ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاصي يريد الشام تاجرا قال الفخر وكان مسلما فخرجوا رفاقة فمرض ابن أبي مارية في الطريق وأوصى إلى تميم وعدي أن يؤديا رحله إلى اوليائه من بني سهم وروى ابن عباس عن تميم الداري أنه قال برى الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء وذكر القصة إلا أنه قال وكان معه جام فضة يريد به الملك فأخذته أنا وعدي فبعناه بألف وقسمنا ثمنه فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت خمسمائة فوثبوا إلى عدي فأتوا به رسول الله صلى الله عليه و سلم وحلف عمرو بن العاصي ورجل اخر معه ونزعت من عدي خمسمائة قال ع واختلفت الفاظ هذه القصة وما ذكرته هو عمود الأمر ولم تصح لعدي صحبة فيما علمت ولا ثبت إسلامه وقد صنفه في الصحابة بعض

المتأخرين ولا وجه عندى لذكره في الصحابة وأما معنى الآية من أولها إلى اخرها فهو أن الله سبحانه أخبر المؤمنين أن حكمه في الشهادة على الموصى إذا حضره الموت أن تكون شهادة عدلين فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض ولم يكن معه من المؤمنين أحد فليشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة انهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهدنا به حق ما كتمنا فيه شهادة الله وحكم بشهادتهما فإن عثر بعد ذلك على انهما كذبا أو خانا أو نحو هذا مما هو اثم حلف رجلان من أولياء الموصى في السفر وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما هذا معنى الآية على مذهب أبي موسى الاشعري وابن عباس وسعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وابن جبير وأبي مجلز وإبراهيم وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وغيرهم قالوا ومعنى قوله منكم أي من المؤمنين ومعنى من غيركم أي من الكافرين قال بعضهم وذلك أن الآية نزلت ولا مؤمن إلا بالمدينة وكانوا يسافرون في التجارة مع أنواع الكفرة واختلفت هذه الجماعة المذكورة فمذهب أبي موسى الاشعري وغيره ان الآية محكمة ومذهب جماعة جماعه منهم أنها منسوخة بقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وبما عليه إجماع جمهور الناس إن شهادة الكفار لا تجوز قال ع ولنرجع الآن إلى الاعراب ولنقصد القول المفيد لأن الناس خلطوا في تفسير هذه الآية تخليطا شديدا وذكر ذلك والرد عليه يطول وفي تبيين الحق الذي تتلقاه الأذهان بالقبول مقنع والله المستعان فقوله تعالى شهادة بينكم هي الشهادة التي تحفظ لتؤدي ورفعها بالابتداء والخبر في قوله اثنان وقوله تعالى إذا حضر أحدكم الموت معناه إذا قارب الحضور والعامل في إذا المصدر الذي هو شهادة وهذا على أن تجعل إذا بمنزلة حين لا تحتاج إلى جواب ولك أن

تجعل إذا في هذه الآية المحتاجة إلى الجواب لكن استغنى عن جوابها بما تقدم في قوله شهادة بينكم إذ المعنى إذا حضر أحدكم الموت فينبغي أن يشهد وقوله حين الوصية ظرف زمان والعامل فيه حضر وإن شئت جعلته بدلا من إذا وقوله ذوا عدل صفة لقوله اثنان ومنكم صفة أيضا بعد صفة وقوله من غيركم صفه لاخران وقوله تحبسونها صفة لاخران ايضا واعترض بين الموصوف والصفة بقوله أن أنتم إلى الموت وأفاد الاعتراض أن العدول إلى آخرين من غير الملة إنما يكون مع ضرورة السفر وحلول الموت فيه واستغني عن جواب أن لما تقدم من قوله أو آخران من غيركم وقال جمهور من العلماء الصلاة هنا صلاة العصر وقال ابن عباس إنما هي صلاة الذميين وأما العصر فلا حرمة لها عندهما والفاء في قوله فيقسمان عاطفة جملة على جملة لأن المعنى تم في قوله من بعد الصلاة وقوله إن ارتبتم شرط لا يتجه تحليف الشاهدين إلا به والضمير في قول الحالفين لا نشتري به عائد على القسم أو على اسم الله وقوله لا نشتري جواب يقتضيه قوله فيقسمان بالله لأن أقسم ونحوه يتلقى بما تتلقى به الإيمان وقوله ثمنا أي ذا ثمن وخص ذو القربى بالذكر لأن العرب أميل الناس إلى قراباتهم واستسهالهم في جنب نفعهم ما لا يستسهل وقوله ولا نكتم شهادة الله أضاف الشهادة إليه تعالى من حيث هو الآمر بإقامتها الناهي عن كتمانها وروي عن الشعبي وغيره شهادة بالتنوين الله بقطع الألف دون مد وخفض الهاء وقال أيضا يقف على الهاء من شهادة بالسكون ثم يقطع الألف المكتوبة من غير مد كما تقدم وروي عنه كان يقرأ آلله بمد ألف الاستفهام في الوجهين اعني بسكون الهاء من شهادة وتحريكها منونة منصوبة ورويت هذه التي هي تنوين شهادة ومد ألف

الاستفهام بعد عن علي بن أبي طالب قال أبو الفتح إنما تسكن هاء شهادة في الوقف عليها وقوله سبحانه فإن عثر استعارة لما يوقع على علمه بعد خفائه واستحقا إثما معناه استوجباه من الله وكانا أهلا له لأنهما ظلما وخانا وقوله تعالى فآخران أي إذا عثر على خيانتهما فألاوليان باليمين وإقامة القضية آخران من القوم الذين هم ولاة الميت واستحق عليهم حظهم أو نصيبهم أو مالهم أو ما شئت من هذه التقديرات وقرأ نافع وغيره استحق مضمومة التاء والاوليان على تثنية الأولى وروي عن ابن كثير استحق بفتح التاء وكذلك روي حفص عن عاصم وفي قوله استحق استعارة لأنه لا وجه لهذا الاستحقاق إلا الغلبة على الحال بحكم انفراد هذا الميت وعدمه لقرابته أو لأهل دينه فاستحق هنا كما تقول لظالم يظلمك هذا قد استحق علي مالي أو منزلي بظلمه فتشبهه بالمستحق حقيقة إذ تصور تصوره وتملك تملكه هكذا هي استحق في الآية على كل حال وأن أسندت إلى النصيب ونحوه وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر أستحق بضم التاء الأولين على جمع أول ومعناها من القوم الذين استحق عليهم أمرهم إذ غلبوا عليه ثم وصفهم بأنهم أولون أي في الذكر في هذه الآية وذلك في قوله اثنان ذوا عدل منكم ثم بعد ذلك قال أو آخران من غيركم وقوله فيقسمان يعني الآخرين اللذين يقومان مقام شاهدي الزور وقولهما لشهادتنا أي لما أخبرنا نحن به وذكرناه من نص القصة أحق مما ذكراه أولا وحرفاه وما اعتدينا في قولنا هذا وقولهما انا إذا لمن الظالمين تبر في صيغة الاستعظام والاستقباح للظلم وقوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد إيمان بعد إيمانهم الآية الإشارة بذلك هي إلى جميع ما حد قبل من حبس الشاهدين من بعد الصلاة لليمين

ثم أن عثر على جورهما ردت اليمين وغرما فذلك كله اقرب إلى اعتدال هذا الصنف فيما عسى أن ينزل من النوازل لأنهم يخافون الفضيحة ورد اليمين هذا قول ابن عباس وجمع الضمير في يأتوا أو يخافوا إذ المراد صنف ونوع من الناس والمعنى ذلك الحكم كله اقرب إلى أن يأتوا واقرب إلى أن يخافوا وباقي الآية بين قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل ذهب قوم إلى أن العامل في ما تقدم من قوله تعالى لا يهدى وذلك ضعيف ورصف الآية وبراعتها إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفا والعامل مقدر أما أذكر أو تذكروا أو احذروا ونحو هذا مما حسن اختصاره لعلم السامع به والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة وخص الرسل بالذكر لإنهم قادة الخلق وهم المكلمون أولا وما ذا اجبتم معناه ما ذا أجابتكم الأمم وهذا السؤال للرسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم واختلف الناس في معنى قولهم عليهم السلام لا علم لنا قال الطبري ذهلوا عن الجواب لهول المطلع وقاله الحسن وعن مجاهد أنه قال يفزعون فيقولون لا علم لنا وضعف بعض الناس هذا المنزع بقوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر وقال ابن عباس معنى الآية لا علم لنا إلا ما علمتنا أنت أعلم به منا وقول ابن عباس حسن وهو أصوب هذه المناحي لأنه يتخرج على التسليم لله تعالى ورد الأمر اليه إذ هو العالم بجميع ذلك على التفصيل والكمال فرأوا التسليم والخضوع لعلمه المحيط سبحانه قال مكي قال ابن عباس المعنى لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا وهو اختيار الطبري وقيل لما كان السؤال عاما يقتضي بعمومه سؤالهم عن سر الأمم وعلانيتها ردوا الأمر إليه إذ ليس عندهم إلا علم الظاهر قال مكي وهذا القول أحب الأقوال إلي قال ومعنى مسألة الله الرسل عما أجيبوا إنما هو لمعنى التوبيخ لمن أرسلوا إليه كما قال تعالى وإذا الموءودة سئلت

انتهى من الهداية وقوله تعالى إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك الآية قال هنا بمعنى يقول لان ظاهر هذا القول أنه في القيامة تقدمة لقوله سبحانه ءأنت قلت للناس وقوله سبحانه وإذ تخرج الموتى أي من قبورهم وكف بني إسراءيل عنه عليه السلام هو رفعه حين أحاطوا به في البيت مع الحواريين وكذلك منعه منهم قبل ذلك إلى تلك النازلة الأخيرة فهناك ظهر عظم الكف وقوله سبحانه وإذ أوحيت إلى الحواريين هو من جملة تعديد النعم على عيسى عليه السلام وأوحيت في هذا الموضع أما أن يكون ومي الهام او وحي أمر وبالجملة فهو القاء معنى في خفاء أوصله سبحانه إلى نفوسهم كيف شاء والرسول في هذه الآية عيسى وقول الحواريين وأشهد يحتمل أن يكون مخاطبة منهم لله سبحانه ويحتمل أن يكون لعيسى وقوله سبحانه إذ قال الحواريون الآية اعتراض اثناء وصف حال قول الله لعيسى يوم القيامة مضمن الاعتراض أخبار نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وأمته بنازلة الحواريين في المائدة إذ هي مثال نافع لكل أمة مع نبيها تقتدي بمحاسنه وتزدجر عما ينفر منه من طلب الآيات ونحوه وقرأ الجمهور هل يستطيع ربك بالياء ورفع الباء من ربك والمعنى هل يفعل ربك هذا وهل تقع منه إجابة إليه ولم يكن منهم هذا شك في قدرة الله سبحانه إذ هم اعرف بالله من أن يشكوا في قدرته وقرأ الكساءي هل تستطيع ربك بالتاء ونصب الباء من ربك والمعنى هل تستطيع سؤال ربك وادغم اللام في التاء أعنى الكساءي وقال قوم قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرىء الاكمه والأبرص ويحي الموتى ويظهر من قوله عليه السلام اتقوا الله إن كنتم مؤمنين إنكار لقولهم واقتراحهم الآيات والتعرض لسخط الله بها وقلة طمأنينتهم إلى ما قد ظهر ولما خاطبهم عليه السلام بهذه المخاطبة صرحوا

بمقاصدهم التي حملتهم على طلب المائدة فقالوا نريد أن نأكل منها فنشرف في العالم وتطمئن قلوبنا أي تسكن فكرنا في أمرك بالمعاينة لأمر نازل من السماء بأعيننا ونعلم علم الضرورة والمشاهدة أن قد صدقتنا فلا تعرضنا الشبه التي تعرض في علم الاستدلال وهذا يؤيد أن مقالتهم كانت في مبدأ أمرهم ثم استمروا على إيمانهم وصبروا وهلك من كفر وقولهم ونكون عليها من الشاهدين أي من الشاهدين بهذه النازلة الناقلين لها إلى غيرنا الداعين إلى هذا الشرع بسببها وروي أن الذي نحا بهم هذا المنحى من الاقتراح هو أن عيسى قال لهم مرة هل لكم في صيام ثلاثين يوما لله سبحانه ثم إن سألتموه حاجة قضاها فلما صاموها قالوا يا معلم الخير أن حق من عمل عملا أن يطعم فهل يستطيع ربك فأرادوا أن تكون المائدة عيد ذلك الصوم وقوله سبحانه قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء الآية أي أجابهم عيسى عليه السلام إلى ما سألوا فيروى أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي والعيد المجتمع وقوله لأولنا وآخرنا روي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعا لجميعنا أولنا وآخرنا قال فأكل من المائدة حين وضعت أول الناس كما أكل آخرهم وآية منك أي وعلامة على صدقي فأجاب الله تعالى دعوة عيسى عليه السلام وقال إني منزلها عليكم ثم شرط عليهم سبحانه شرطه المتعارف في الأمم أنه من كفر بعد آية الاقتراح عذب اشد عذاب والجمهور أن المائدة نزلت كما أخبر الله سبحانه واختلفوا في كيفية ذلك فقال أبو عبد الرحمن السلمي نزلت المائدة خبزا وسمكا وقال عطية المائدة سمكة فيها طعم كل طعام وقال ابن عباس نزل خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه اين ما نزلوا إذا شاءوا وقال عمار بن ياسر سألوا عيسى مائدة يكون عليها طعام لا ينفد فقيل لهم إنها مقيمة لكم ما لم تخبؤا أو تخونوا فإن فعلتم عذبتم قال

فما مضى يوم حتى خبئوا وخانوا يعني بني اسراءيل فمسخوا قردة وخنازير وقال ميسرة كانت المائدة إذا وضعت لبني اسراءيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم وأكثر الناس في قصص المائدة مما رأيت اختصاره لعدم سنده وقوله سبحانه وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله الآية اختلف المفسرون في وقت وقوع هذا القول فقال السدي وغيره لما رفع الله عيسى إلى السماء قالت النصارى ما قالت وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك فسأله تعالى عن قولهم فقال سبحانك الآية ويجيء على هذا قوله وإن تغفر لهم أي في التوبة من الكفر لأن هذا قاله وهم أحياء في الدنيا وقال ابن عباس وجمهور الناس هذا القول من الله إنما هو يوم القيامة يقوله الله له على رؤس الخلائق فيرى الكفار تبريه منهم ويعلمون أن ما كانوا فيه باطل فقال على هذا التأويل بمعنى يقول ونزل الماضي موضع المستقبل لدلالته على كون الأمر وثبوته وقوله آخرا وإن تغفر لهم معناه إن عذبت العالم كله فبحقك فهم عبادك تصنع بحق الملك ما شئت لا اعتراض عليك وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلانك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك فيقول عيسى هذا على جهة التسليم والتعزي عنهم مع علمه بأنهم كفرة قد حتم عليهم العذاب وهذا القول عندي أرجح ويتقوى بما يأتي بعد وهو قوله سبحانه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقوله سبحانك أي تنزيها لك عن ان يقال هذا وينطق به ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي ما يكون لبشر محدث أن يدعي الالوهية ثم قال إن كنت قلته فقد علمته لأنك أحطت بكل شيء علما وأحصيت كل شيء عددا فوفق الله عيسى لهذه الحجة البالغة وقوله تعلم ما في نفسي خص النفس بالذكر لأنها مظنة الكتم والانطواء

على المعلومات والمعنى أن الله سبحانه يعلم ما في نفس عيسى ويعلم كل أمره مما عسى أن لا يكون في نفسه وقوله ولا أعلم ما في نفسك معناه ولا أعلم ما عندك من المعلومات وما أحطت به وذكر النفس هنا مقابلة لفظية في اللسان العربي يقتضيها إلإيجاز وهذا ينظر من طرف خفي إلى قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله يستهزئ بهم فتسمية العقوبة باسم الذنب إنما قاد إليها طلب المقابلة اللفظية إذ هي من فصيح الكلام وبارع العبارة ثم أقر عيسى عليه السلام لله تعالى بأنه سبحانه علام الغيوب أي ولا علم لي أنا بغيب وقوله فلما توفيتنى أي قبضتني بالرفع والتصيير في السماء والرقيب الحافظ المراعي وقوله فإنك أنت العزيز أي في قدرتك الحكيم في أفعالك والمعنى إن يكن لك في الناس معذبون فهم عبادك وإن يكن مغفور لهم فعزتك وحكمتك تقتضي هذا كله قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فدخل تحت هذه العبارة كل مؤمن بالله سبحانه وكل ما كان أتقى فهو أدخل في العبارة وجاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى عليه السلام في حاله وصدقه فيحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم وإن كان اللفظ يعمه وسواه ثم ذكر تعالى ما أعده لهم برحمته وطوله جعلنا الله منهم بمنه وسعة جوده لا رب غيره ولا مرجو في الدارين سواه وباقي الآية بين جعل الله ما كتبناه من هذه الأحرف نورا يسعى بين أيدينا بمنه والحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام قيل كلها مكية إلا ءايات يسيرة
قال ابن عباس نزلت سورة الأنعام وحولها سبعون الف ملك لهم زجل يجأرون

بالتسبيح قلت وعن جابر بن عبد الله قال لما نزلت

سورة الأنعام
سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وقوله تعالى الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور قال علي بن عبد الرحمن اليفرني في شرحه للبرهانية قال الإمام الفخر لفظ الحمد معرفا لا يقال إلا في حق الله عز و جل لأنه يدل على التعظيم ولا يجوز أن يقال الحمد لزيد قاله سيبويه وذكر ابن العربي في القانون عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من شيء أحب إلى الله من الحمد وأبلغ الحمد الحمد لله على كل حال قال ابن العربي وفي بعض الآثار ما من نعمة عظمت إلا والحمد لله أعظم منها انتهى قال ع وجعل هاهنا بمعنى خلق ولا يجوز غير ذلك قال قتادة والسدي وجمهور من المفسرين الظلمات الليل والنور النهار وقالت فرقة الظلمات الكفر والنور الايمان قال ع وهذا على جهة التشبيه صحيح وعلى ما يفهمه عباد الأوثان غير جيد لأنه إخراج لفظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة وهذا هو طريق اللغز الذي برئ القرآن منه والنور أيضا هنا للجنس وقوله تعالى ثم دالة على قبح فعل الذين كفروا لان المعنى أن خلقه السموات والأرض وغيرها الموجبة لحمده وتوحيده قد تقرر وءاياته قد سطعت وإنعامه بذلك على العباد قد تبين فكان الواجب عليهم إخلاص التوحيد له ثم هم بعد هذا كله بربهم يعدلون أي يسوون ويمثلون وعدل الشيء قرينه ومثيله والذين كفروا في هذا الموضع كل من عبد شيئا سوى الله إلا أن السابق من حال النبي صلى الله عليه و سلم أن الإشارة إلى عبدة الأوثان من العرب لمجاورتهم له ولفظ الآية أيضا يشير إلى المانوية العابدين للنور

القائلين أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلام وقوله تعالى هو الذي خلقكم من طين فالمعنى خلق آدم من طين وقوله سبحانه ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده اختلف في هذين الاجلين فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره أجلا أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته الأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر سبحانه بعلم وقت القيامة وقال ابن عباس أجلا الدنيا وأجل مسمى الآخرة وقيل غير هذا وتمترون معناه تشكون وقوله سبحانه وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول الله في الأماكن مستحيل تعالى أن يحويه مكان كما تقدس أن يحده زمان بل كان قبل أن خلق المكان والزمان وهو الآن على ما عليه كان وإذا تقرر هذا فقالت فرقة من العلماء تأويل ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى كأنه قال وهو الله المعبود في السموات وفي الأرض وعبر بعضهم بأن قدر وهو الله المدبر للأمر في السموات والأرض وقال الزجاج في متعلقة بما تضمنه اسم الله من المعاني كما يقال أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب قال ع وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وآثار قدرته واحاطته واستيلائه ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله وهو الله أي الذي له هذه كلها في السموات وفي الأرض كأنه قال وهو الله الخالق الرازق المحي المحيط في السموات وفي الأرض كما تقول زيد السلطان في المشرق والمغرب والشام والعراق فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا وإذا كان مقصد قولك الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في المشرق والمغرب فأقمت السلطان مقام هذه كان فصيحا صحيحا فكذلك في الآية أقام لفظة الله مقام تلك الصفات المذكورة وقالت

فرقة وهو الله ابتداء وخبر تم الكلام عنده ثم استأنف وتعلق قوله في السموات بمفعول يعلم كأنه قال وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض وقوله تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون خبر في ضمنه تحذير وزجر وتكسبون لفظ عام لجميع الاعتقادات والأقوال والأفعال وقوله سبحانه وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين تضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه بأنهم يعرضون عن كل آية وكذبوا بالحق وهو محمد عليه السلام وما جاء به قال ص من آية من آيات ربهم من الأولى زائدة للاستغراق وما بعدها فاعل بقوله تأتيهم ومن الثانية للتبعيض انتهى وقوله تعالى فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون هذا وعيد لهم شديد وهذه العقوبات التي توعدوا بها تعم عقوبات الدنيا كبدر وغيرها وعقوبات الآخرة وقوله سبحانه ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم هذا حض على العبرة والرؤية هنا رؤية القلب والقرن الأمة المقترنة في مدة من الزمن واختلف في مدة القرن كم هي فالأكثر على أنها مائة سنة وقيل غير هذا وقيل القرن الزمن نفسه وهو على حذف مضاف تقديره من أهل قرن قال عياض في الإكمال واختلف في لفظ القرن وذكر الحربي فيه الاختلاف من عشر سنين إلى مائة وعشرين ثم قال يعننى الحربي وليس منه شيء واضح وأرى القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد انتهى والضمير في مكناهم عائد على القرن والمخاطبة في لكم هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس والسماء هنا المطر ومدرارا بناء تكثير ومعناه يدر عليهم بحسب المنفعة وقوله سبحانه وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين أنشأنا اخترعنا وخلقنا ويظهر من الآية أن القرن إنما هو وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال وقوله تعالى ولو نزلنا

عليك كتابا في قرطاس الآية لما أخبر عنهم سبحانه بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية اتبع ذلك بإخبار فيه مبالغة والمعنى ولو نزلنا بمرأى منهم عليك كتابا أي كلاما مكتوبا في قرطاس أي في صحيفة فلمسوه بأيديهم يريد أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم وقالوا هذا سحر مبين وقوله سبحانه وقالوا لولا أنزل عليه ملك أي يصدق محمدا في نبوءته ثم رد الله عليهم بقوله ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر قال ابن عباس وغيره في الكلام حذف تقديره ولو انزلنا ملكا فكذبوه لقضي الأمر بعذابهم ولم ينظروا حسبما سلف في كل أمة اقترحت بآية وكذبت بعد أن أظهرت إليها وقالت فرقة لقضي الأمر أي لماتوا من هول رؤية الملك في صورته ويؤيد هذا التأويل ما بعده من قوله ولو جعلنا ه ملكا لجعلناه رجلا فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك لإنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته فإذ قد تقعد أنهم لا يطيقون رؤية الملك في صورته فالأولى في قوله لقضي الأمر أي لماتوا لهول رؤيته ثم لا ينظرون أي لا يؤخرون ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبي صلى الله عليه و سلم للمشركين فسمعا حس الملائكة وقائلا يقول في السحاب اقدم حيزوم فانكشف قناع قلب أحدهما فمات لهول ذلك فكيف برؤية ملك في خلقته وللبسنا أي لفعلنا لهم في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به وذلك لا يحسن قلت وفي البخاري وللبسنا عليهم ما يلبسون لشبهنا وقوله سبحانه ولقد استهزئ برسل من قبلك الآية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم بالأسوة في الرسل وتقوية لنفسه على محاجة المشركين وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه والمستهزءين به وحاق معناه نزل وأحاط وهي مخصوصة في الشر يقال

حاق يحيق حيقا وقوله سبحانه قل سيروا في الأرض حض على الاعتبار بآثار من مضى ممن فعل مثل فعلهم وقوله سبحانه قل لمن ما في السموات والأرض قل لله قال بعض أهل التأويل تقدير الكلام قل لمن ما في السموات والأرض فإذا تحيروا فلم يجيبوا قل لله والصحيح من التأويل أن الله عز و جل أمر نبيه عليه السلام أن يقطعهم بهذه الحجة والبرهان القطعي الذي لا مدافعة فيه عندهم ولا عند أحد ليتقعد هذا المعتقد الذي بينه وبينهم ثم يتركب احتجاجه عليه فكأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم يا أيها الكافرون العادلون بربهم لمن ما في السموات والأرض ثم سبقهم فقال لله أي لا مدافعة في هذا عندكم ولا عند أحد تم ابتدأ يخبر عن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة معناه قضاها وانفذها وفي هذا المعنى أحاديث صحيحة ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وانزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ولمسلم في طريق آخر كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة وخرج مسلم والبخاري وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم قال لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وفي طريق سبقت غضبي إلى غير ذلك من الأحاديث انتهى قال ع فما أشقى من لم تسعه هذه الرحمات تغمدنا الله بفضل منه ويتضمن هذا الإخبار عن الله سبحانه بأنه كتب الرحمة تأنيس الكفار ونفي يأسهم من رحمة الله إذا أنابوا واللام في قوله ليجمعنكم لام قسم والكلام مستأنف وهذا اظهر الأقوال وأصحها وقوله سبحانه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون الذين رفع بالابتداء وخبره فهم لا يؤمنون

وقوله تعالى وله ما سكن في الليل والنهار الآية وله عطف على قوله لله وسكن هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر قاله السدي وغيره وقالت فرقة هو من السكون وهو ضعيف وقوله تعالى قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والأرض الآية قال الطبري وغيره أمر عليه السلام أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم فتجيء الآية على هذا جوابا لكلامهم قال ع وهذا يحتاج إلى سند والفصيح أنه لما قرر معهم أن الله تعالى له ما في السموات والأرض وله ما سكن في الليل والنهار أمر أن يقول لهم على جهة التوبيخ والتوقيف أغير الله الذي هذه أفعاله أتخذ وليا بمعنى أن هذا خطأ بين ممن يفعله والولي لفظ عام لمعبود وغير ذلك ثم أخذ في صفات الله تعالى فقال فاطر بخفض الراء نعت لله عز و جل قال ص فاطر الجهور بالجر ووجهه ابن عطية وغيره على أنه نعت لله وأبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى الفصل بين البدل و المبدل اسهل لان البدل في المشهور على نية تكرار العامل انتهى وفطر معناه ابتدع وخلق وانشأ وفطر أيضا في اللغة شق ومنه هل ترى من فطور أي من شقوق ويطعم ولا يطعم المقصود به يرزق ولا يرزق وقوله قل إني أمرت إلى عظيم قال المفسرون المعنى أول من أسلم من هذه الأمة وبهذه الشريعة ولفظة عصيت عامة في أنواع المعاصي ولكنها هاهنا إنما تشير إلى الشرك المنهي عنه واليوم العظيم هو يوم القيامة وقرأ نافع وغيره من يصرف عنه مسندا إلى المفعول وهو الضمير العائد على العذاب وقرأ حمزة وغيره من يصرف بإسناد الفعل إلى الضمير العائد إلى ربي ويعمل في ضمير العذاب المذكور لكنه محذوف وقوله وذلك إشارة إلى صرف العذاب وحصول الرحمة والفوز النجاة وقوله تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو يمسسك معناه يصبك وينلك

والضر بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره وبفتحها ضد النفع ومعنى الآية الأخبار أن الأشياء كلها بيد الله إن ضر فلا كاشف لضره غيره وإن أصاب بخير فكذلك أيضا وعن ابن عباس قال كنت خلف النبي صلى الله عليه و سلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف رويناه في الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وفي آخره واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا قال النووي هذا حديث عظيم الموقع انتهى من الحلية وقرأت فرقة وأوحى إلي هذا القرآن على بناء الفعل للفاعل ونصب القرآن وفي أوحى ضمير يعود على الله تعالى وقوله لأنذركم به ومن بلغ معناه على قول الجمهور بلاغ القرآن أي لأنذركم وأنذر من بلغه ففي بلغ ضمير محذوف لأنه في صلة من فحذف لطول الكلام وقالت فرقة ومن بلغ الحلم وروي في معنى التأويل الأول أحاديث وظاهر الآية أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنه قد ورد من وجه لم تثبت صحته أنها في قوم من اليهود قالوا يا محمد ما تعلم مع الله إلها غيره فقال لهم لا اله إلا الله وبذلك أمرت فنزلت الآية والله أعلم وأمر الله سبحانه نبيه عليه السلام أن يعلن بالتبرى من شهادة الكفرة والإعلان بالتوحيد لله عز و جل والتبري من إشراكهم قال الغزالي في الأحياء وينبغي للتالي أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب

في القرآن فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور وكذا إن سمع وعدا أو وعيدا وكذا ما يقف عليه من القصص فالمقصود به الاعتبار قال تعالى وكل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وقال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وقال وأوحي إلي هذا القرآن لإنذركم به ومن بلغ قال محمد ابن كعب القرظي من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله عز و جل انتهى وقوله سبحانه الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال قتادة وغيره يعرفون محمدا عليه السلام وقوله الذين خسروا أنفسهم الآية روي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهنا هي الخسارة البينة والربح للآخرين وباقي الآية بين وقوله سبحانه ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون المعنى واذكر يوم نحشرهم وقوله تعالى ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين الفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به وتقال بمعنى الاختبار ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غير ذلك فقد اخطأ لان الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع عليه باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة ولف الثريا في ملاءته الفجر ونحوه والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه وباقي الآية مضى تفسيره عند قوله سبحانه ولا يكتمون الله حديثا فأنظره هناك قال ع وعبر قتادة عن الفتنة هنا بأن قال معذرتهم وقال الضحاك كلامهم وقيل غير هذا مما هو في ضمن ما ذكرناه وقوله سبحانه انظر كيف كذبوا على أنفسهم هذا خطاب للنبي صلى

الله عليه وسلم والنظر نظر القلب وقال كذبوا في أمر لم يقع إذ هي حكاية عن يوم القيامة فلا أشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل ويفيدنا استعمال الماضي تحقيقا في الفعل وإثباتا له وهذا مهيع في اللغة وضل عنهم معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكذبهم على الله وقوله سبحانه ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم اكنة جمع كنان وهو الغطاء أن يفقهوه أي يفهموه والوقر الثقل وقوله سبحانه وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها الرؤية هنا رؤية العين يريد كانشقاق القمر وشبهه وقولهم إن هذا إلا أساطير الأولين إشارة إلى القرآن والأساطير جمع إسطار كأقوال وأقاويل واسطار جمع سطر أو سطر وقيل أساطير جمع اسطارة وهي الترهات وقيل جمع أسطورة كأعجوبة وأضحوكة وقيل هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كعباديد وشماطيط والمعنى أخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ وإنما شبهها الكفار بأحاديث النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية عن رستم ونحوه ومجادلة الكفار كانت مرادتهم نور الله بأقوالهم المبطلة وهم ينهون عنه قال قتادة وغيره المعنى ينهون عن القرآن وقال ابن عباس وغيره ينهون عن النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى ينهون غيرهم ويبعدون هم بأنفسهم والنأي البعد قال ص وإن يهلكون إن نافية بمعنى ما وأنفسهم مفعول بيهلكون انتهى وما يشعرون معناه ما يعلمون علم حس ونفي الشعور مذمة بالغة إذ البهائم تشعر وتحس فإذا قلت فلان لا يشعر فقد نفيت عنه العلم النفي العام الذي يقتضي أنه لا يعلم ولا المحسوسات وقوله جلت عظمته ولو ترى إذ وقفوا على النار الآية المخاطبة فيه للنبي صلى الله عليه و سلم وجواب لو محذوف تقديره في آخر الآية لرأيت هولا عظيما ونحوه ووقفوا معناه حسوا ويحتمل

قوله وقفوا على النار بمعنى دخلوها قاله الطبري ويحتمل أن يكون أشرفوا عليها وعاينوها وقولهم يا ليتنا نرد معناه إلى الدنيا وقوله سبحانه بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل الآية يتضمن أنهم كانوا يخفون أمورا في الدنيا فظهرت لهم يوم القيامة أو ظهر وبال ذلك وعاقبته فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل أن الكفار كانوا إذا وعظهم النبي صلى الله عليه و سلم خافوا وأخفوا ذلك الخوف ليلا يشعر بهم أتباعهم فظهر لهم ذلك يوم القيامة ويصح أن يكون مقصد الآية الأخبار عن هول ما لقوه فعبر عن ذلك بأنهم ظهرت لهم مستوراتهم في الدنيا من معاص وغيرها فكيف الظن بما كانوا يعلنونه من كفر ونحوه وينظر إلى هذا التأويل قوله تعالى في تعظيم شأن يوم القيامة يوم تبلى السرائر وقوله سبحانه ولو ردوا لعادوا إخبار عن أمر لا يكون كيف كان يوجد وهذا النوع مما استأثر الله تعالى بعلمه فإن أعلم بشيء منه علم وإلا لم يتكلم فيه قال الفخر قال الواحدي هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فساد قول المعتزلة لأن الله تعالى حكى عن هؤلاء أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وما ذلك إلا للقضاء السابق فيهم انتهى وقوله تعالى وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين هذا على تأويل الجمهور ابتداء كلام وإخبار عنهم بهذه المقالة وإن نافية ومعنى الآية عنهم التكذيب بالحشر والعودة إلى الله وقوله سبحانه أليس هذا بالحق الإشارة بهذا إلى البعث الذي كذبوا به في الدنيا وقولهم بلى وربنا إيمان ولكنه حين لا ينفع وقوله فذوقوا استعارة بليغة والمعنى باشروه مباشرة الذائق وبغتة معناه فجأة تقول بغتنى الأمر أي فجأني ومنه قول الشاعر ... ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة ... وافظع شيء حين يفجأك البغت ...
ونصبها على المصدر في موضع الحال وقولهم يا حسرتنا على ما فرطنا فيها نداء

الحسرة على تعظيم الأمر وتشنيعه وفرطنا معناه قصرنا والضمير في قوله فيها عائد على الساعة أي في التقدمة لها قاله الحسن ويحتمل أن يعود الضمير على الدنيا إذ المعنى يقتضيها وتجيء الظرفيه أمكن قلت قال عبد الحق في العاقبة لا يعرف مقدار الحياة إلا الموتى لأنهم قد ظهرت لهم الأمور وانكشفت لهم الحقائق وتبدت لهم المنازل وعلموا مقدار الأعمال الصالحة ولما استبان لهم ذلك وعلموا مقدار ما ضيعوا وقيمة ما فيه فرطوا ندموا وأسفوا وودوا أنهم إلى الدنيا رجعوا فالذي عمل صالحا ود أن لو رجع إلى الدنيا ليزداد من عمله الصالح ويكثر من تجره الرابح والمقصر يود أنه لو رد ليستدرك ما فيه فرط وقد قال عليه السلام ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيأ ندم أن لا يكون نزع خرجه الترمذي انتهى وقوله تعالى وهم يحملون الواو واو الحال والأوزار جمع وزر بكسر الواو وهو الثقل من الذنوب والوزر هنا تجوز وتشبيه بثقل الأحمال ومن قال أنه من الوزر وهو الجبل الذي يلجأ إليه فهو قول غير بين وقال الطبري وغيره هذا على جهة الحقيقة ورووا في ذلك خبرا أن المؤمن يلقاه عمله في أحسن صورة وافوحها فيسلم عليه ويقول طال ما ركبتك في الدنيا وأجهدتك فاركبني اليوم قال فيحمله تمثال العمل وان الكافر يلقاه عمله في أقبح صورة وانتنها فيشتمه ويقول أنا عملك الخبيث طال ما ركبتني في الدنيا بشهواتك فانا اركبك اليوم قال فيحمل تمثال عمله الخبيث واو زاره على ظهره قلت والأحاديث الصحيحة في معنى ما ذكره الطبري كثيرة كأحاديث مانعى الزكاة وغيرها قال مكي وروى المقبري عن أبي هريرة في حديث يرفعه قال إذا كان يوم القيامة بعث الله مع كل امرئ مؤمن عمله وبعث مع الكافر عمله فلا يرى المؤمن شيأ يروعه ولا

شيأ يفزعه ويخافه إلا قال له عمله أبشر بالذي يسرك فإنك لست بالذي يراد بهذا ولا يرى الكافر شيأ يفزعه ويروعه ويخافه إلا قال له عمله أبشر يا عدو الله بالذي يسوءك فوالله أنك لأنت الذي تراد بهذا انتهى وقوله سبحانه وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو الآية هذا ابتداء خبر عن حال الدنيا والمعنى أنها إذ كانت فانية لا طائل لها أشبهت اللعب واللهو الذي لا طائل له إذا تقضى وهذه الآية تتضمن الرد على قولهم إن هي إلا حياتنا الدنيا وهو المقصود بها قال عبد الحق في العاقبة إعلم رحمك الله أن حب الدنيا هو سبب طول الأمل والأكباب عليها يمنع من الفكرة في الخروج عنها والجهل بغوائلها يحمل على الإرادة لها والازدياد منها لان من أحب شيأ أحب الكون معه والازدياد منه ومن كان مشغوفا بالدنيا محبا لها قد خدعته بزخرفها وأمالته برونقها كيف يحب مفارقتها أو يحب مزايلتها هذا أمر لم تجر العادة به ولا حدثنا عنه بل نجد من كان على هذه الصفة أعمى عن طريق الخير أصم عن داعي الرشد أفن الرأي سيئ النظر ضعيف الإيمان لم تترك له الدنيا ما يسمع به ولا ما يرى إنما دينه وشغله وحديثه دنياه لها ينظر ولها يسمع قد ملأت عينه وقلبه ثم قال وأعلم أن أهل القبور إنما يندمون على ما يتركون ويفرحون بما يقدمون فما عليه أهل القبور يندمون أهل الدنيا عليه يقتتلون انتهى وقوله سبحانه قد نعلم الآية نعلم إذا كانت من الله تعالى تتضمن استمرار العلم وقدمه فهي تم الماضي والحال والاستقبال قلت ونحو هذا لأبى حيان قال وعبر هنا بالمضارع لأن المراد الاتصاف بالعلم واستمراره ولم يلحظ فيه الزمان كقولهم فلان يعطى ويمنع انتهى وقرأ نافع وحده ليحزنك من أحزن وقرأ الباقون ليحزنك من حزنت الرجل وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة لا يكذبونك بتشديد الذال وفتح الكاف

وقرأها ابن عباس وردها على قارئي قرأ عليه يكذبونك بضم الياء وقال أنهم كانوا يسمونه الأمين وقرأ نافع والكساءي بسكون الكاف وتخفيف الذال وهما قراءتان مشهورتان صحيحتان وهما بمعنى واحد فمعنى لا يكذبونك أي لا يعتقدون كذبك وأنهم يعلمون صدقك ولكنهم يجحدون عنادا وظلما وهذا تأويل قتادة والسدي وغيرهما وحكي عن طائفة من الكفار أنها كانت تقول إنا لنعلم أن محمدا صادق ولكن إذا ءامنا به فضلنا بنو هاشم بالنبوءة فنحن لا نؤمن به أبدا رويت هذه المقالة عن أبي جهل ومن جرى مجراه وأسند الطبري أن جبريل وجد النبي صلى الله عليه و سلم حزينا فسأله فقال كذبني هؤلاء فقال إنهم لا يكذبونك بل يعلمون أنك صادق ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وجحد العناد جائز الوقوع بمقتضى النظر وظواهر القرآن تعطيه ويجحدون حقيقته في كلام العرب الإنكار بعد معرفة وهو ضد الإقرار وقوله سبحانه ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا الآية قال ابن جريج والضحاك عزى الله بهذه الآية نبيه عليه السلام ثم قوى سبحانه رجاء نبيه فيما وعده من النصر بقوله ولا مبدل لكلمات الله أي لا راد لأمره وكلماته السابقة بما يكون فكأن المعنى فاصبر كما صبروا وانتظر ما يأتي وثق بهذا الإخبار فإنه لا مبدل له وقوله تعالى وان كان كبر عليك اعراضهم الآية فيها الزام الجنحة للنبي صلى الله عليه و سلم وتقسيم الأحوال عليه حتى يبين أن لا وجه إلا الصبر والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتلتزم الحزن فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض أو على ارتقاء سلم في السماء فافعل أي ولست بقادر على شيء من هذا ولا بد لك من التزام الصبر واحتمال المشقة ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه

وروى الدارقظي في سننه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا أصاب أحدكم هم أو حزن فليقل سبع مرات الله الله ربى لا أشرك به شيأ انتهى من الكوكب الدري وتأتيهم بآية أي بعلامة وقال مكي والمهدوي الخطاب بقوله فلا تكونن من الجاهلين للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد أمته وهذا ضعيف لا يقتضيه اللفظ قلت وما قاله ع فيه عندي نظر لأن هذا شأن التأويل إخراج اللفظ عن ظاهره لموجب على أن أبا محمد مكيا رحمه الله نقل هذا القول عن غيره نقلا ولفظه فلا تكونن من الجاهلين أي ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجمع على الهدى جميع خلقه وقيل معنى الخطاب لأمة النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى فلا تكونوا من الجاهلين ومثله في القرآن كثير انتهى من الهداية وقوله سبحانه إنما يستجيب الذين يسمعون هذا من النمط المتقدم في التسلية أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يفهمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول فعبر عن ذلك كله بيسمعون إذ هو طريق العلم وهذه لفظة تستعملها الصوفية رضي الله عنهم إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغا شافيا قالوا سمع ثم قال تعالى والموتى يريد الكفار أي هم بمثابة الموتى فعبر عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور الله والصمم عن وعي كلماته قاله مجاهد والحسن وقتادة ويبعثهم الله يحتمل معنيين قال الحسن معناه يبعثهم بأن يؤمنوا حين يوفقهم وقراءة الحسن ثم إليه ترجعون بالتاء من فوق فتناسبت الآية وقال مجاهد وقتادة والموتى يريد الكفار يبعثهم الله أي يحشرهم يوم القيامة ثم إليه أي إلى سطوته وعقابه يرجعون وقوله سبحانه وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه لولا تحضيض بمعنى هلا ومعنى الآية هلا نزل على محمد بيان واضح كملك يشهد له أو كنز

أو غير ذلك من تشططهم المحفوظ في هذا ثم أمر عليه السلام بالرد عليهم بأن الله عز و جل قادر على ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون أنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب ويحتمل ولكن أكثرهم لا يعلمون أنه سبحانه إنما جعل الإنذار في ءايات معرضة للنظر والتأمل ليهتدي قوم ويضل آخرون وقوله سبحانه وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم المعنى في هذه الآية التنبيه على ءايات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته المنصوبة لمن فكر واعتبر كالدواب والطير ويدخل في هذين جميع الحيوان وهي أمم أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر ويحتمل أن يريد بالمماثلة في كونها أمما لا غير إلا أن الفائدة في هذه الآية بأن تكون المماثلة في أوصاف غير كونها أمما قال الطبري وغيره والمماثلة في أنها يهتبل بأعمالها وتحاسب ويقتص لبعضها من بعض على ما روي في الأحاديث أي فإذا كان هذا يفعل بالبهائم فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء وروي أبو ذر أنه انتطحت عنزان بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم فقال أتعلمون فيما انتطحتا قلنا لا قال فإن الله يعلم وسيقضى بينهما وقال مكي المماثلة في أنها تعرف الله وتعبده وقوله بجناحيه تأكيد وبيان وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة إذ يقال طائر السعد والنحس وقال تعالى الزمناه طائره في عنقه ويقال طار لفلان طائر كذا أي سهمه في المقسمات فقوله تعالى بجناحيه إخراج للطائر عن هذا كله وقوله سبحانه ما فرطنا في الكتاب من شيء التفريط التقصير في الشيء مع القدرة على ترك التقصير قال أبو حيان أصل فرطنا أن يتعدى بفى ثم يضمن معنى أغفلنا فيتعدى إلى مفعول به وهو هنا كذلك فيكون من شيء في موضع المفعول به انتهى والكتاب القرآن وهو الذي يقتضيه نظام المعنى في هذه الآيات وقيل اللوح المحفوظ ومن شيء

على هذا القول عام في جميع الأشياء وعلى القول بأنه القرآن خاص ويحشرون قالت فرقة من العلماء حشر البهائم بعثها واحتجوا بالأحاديث المضمنة أن الله تعالى يقتص للجماء من القرناء ومن قال إنما هي كناية عن العدل وليست بحقيقة فهو قول مردود ينحو إلى القول بالرموز ونحوها وقوله سبحانه والذين كذبوا بأياتنا صم وبكم الآية كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا وفيه ءاية منصوبة دالة على وحدانية الله تعالى ولكن الذين كذبوا بآياتنا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب وقال النقاش نزلت في بنى عبد الدار قال ع ثم تنسحب على سواهم وقوله في الظلمات ينوب عن عمي وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس قال أبو حيان في الظلمات خبر مبتدأ محذوف أي هم في الظلمات أو صفة لبكم أي كائنون في الظلمات أو حال من الضمير المقدر في الخبر أي صالون في الظلمات انتهى وقوله سبحانه قل ارأيتكم ابتداء احتجاج على الكفار الجاعلين لله شركاء والمعنى ارأيتم إذا خفتم عذاب الله أو خفتم هلاكا أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجؤن إليها في كشف ذلك أن كنتم صادقين في قولكم أنها ءالهة بل إنما تدعون الله الخالق الرازق فيكشف ما خفتموه أن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال فكيف يجعل إلاها من هذه حاله في الشدائد والأزمات وقوله سبحانه ولقد ارسلنا إلى امم من قبلك فأخذناهم في الكلام حذف تقديره فكذبوا فأخذناهم أي تابعناهم بالبأساء الآية والبأساء المصائب في الأموال والضراء في الأبدان هذا قول الأكثر وقيل قد يوضع كل واحد بدل الآخر والتضرع التذلل والاستكانة ومعنى الآية توعد الكفار وضرب المثل لهم ولولا تحضيض وهي التي تلي الفعل بمعنى

هلا وهذا على جهة المعاتبة لمذنب غائب وإظهار سوء فعله مع تحسر ما عليه قلت أي مع تحسر ما باعتبار حالة البشر وقوله سبحانه فلما نسوا ما ذكروا به الآية عبر عن الترك بالنسيان وفتحنا عليهم أبواب كل شيء أي من النعم الدنيوية بعد الذي أصابهم من البأساء والضراء وفرحوا معناه بطروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك لا يبيد وأنه دال على رضي الله عنهم وهو استدراج من الله تعالى وقد روي عن بعض العلماء رحم الله عبدا تدبر هذه الآية حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة وروي عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيت الله تعالى يعطى العباد ما يشاءون على معاصيهم فذلك استدراج ثم تلا فلما نسوا ما ذكروا به الآية كلها وأخذناهم في هذا الموضع معناه استأصلناهم بغتة أي فجأة والمبلس الحزين الباهت اليائس من الخير الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال وقوله تعالى فتقطع دابر القوم الآية الدابر آخر القوم الذي يأتي من خلفهم وهذه كناية عن استيصال شافتهم ومحو آثارهم كأنهم وردوا العذاب حتى ورد أخرهم الذي دبرهم وحسن الحمد عقب هذه الآية لجمال الأفعال المتقدمة في أن أرسل سبحانه الرسل ولطف في الأخذ بالبأساء والضراء ليتضرع إليه فيرحم وينعم وقطع في آخر الأمر دابر ظلمة وذلك حسن في نفسه ونعمة على المؤمنين فحسن الحمد عقب هذه الأفعال وبحمده سبحانه ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقال إذ هو المحمود على كل لا رب غيره ولا خير إلا خيره وقوله تعالى قل ارأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم الآية أخذ معناه اذهب والضمير في به عائد على المأخوذ ويصدفون معناه يعرضون وينفرون ومنه قول الشاعر ... إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ... وهن عن كل سوء يتقى صدف ...
وقوله تعالى قل ارأيتكم أن اتاكم عذاب الله بغتة الآية وعيد وتهديد قال

ع ارأيتم عند سيبويه تتنزل منزلة اخبروني ولذلك لا تحتاج إلى مفعولين وقوله بغتة معناه لم يتقدم عندكم منه علم وجهرة معناه تبدو لكم مخايلة ومبادية ثم يتوالى حتى ينزل قال الحسن بن أبي الحسن بغتة ليلا وجهرة نهارا وقال مجاهد بغتة فجاءة ءامنين وجهرة وهم ينظرون قال أبو حيان هل يهلك هل حرف استفهام معناه هنا النفي أي ما يهلك ولذلك دخلت الا على ما بعدها انتهى وقوله سبحانه وما نرسل المرسلين إلا مبشرين أي إلا ليبشروا بانعامنا ورحمتنا من آمن ومنذرين بعذابنا وعقابنا من كذب وكفر قال أبو حيان مبشرين ومنذرين حال فيها معنى العلية أي أرسلناهم للتبشير والإنذار انتهى ثم وعد سبحانه من سلك طريق البشارة فآمن وأصلح في امتثال الطاعة وأوعد الآخرين وقوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم اني ملك الآية هذا من الرد على القائلين لولا نزل عليه آية والطالبين أن ينزل ملك أو تكون له جنة أو كنز ونحو هذا والمعنى إنما أنا بشر وإنما اتبع ما يوحى إلي وهو القرآن وسائر ما يأتيه من الله سبحانه أي وفي ذلك عبر وآيات لمن تأمل وقوله سبحانه قل هل يستوي الأعمى والبصير أي هل يستوي المؤمن المفكر في الآيات مع الكافر المعرض عن النظر أفلا تتفكرون وجاء الأمر بالفكرة في عبارة العرض والتحضيض وقوله تعالى وانذر به أي وأنذر بالقرآن الذين هم مظنة الإيمان وأهل للإنتفاع والضمير في به عائد على ما يوحى وقوله سبحانه ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع أخبار من الله سبحانه عن صفة الحال يوم الحشر قال الفخر قوله لعلهم يتقون قال ابن عباس معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي انتهى وقوله سبحانه ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي المراد

بالذين ضعفة المؤمنين في ذلك الوقت في أمور الدنيا كبلال وصهيب وعمار وخباب وصبيح وذي الشمالين والمقداد ونحوهم وسبب الآية أن بعض أشراف الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم نحن لشرفنا وأقدارنا لا يمكننا أن نختلط بهؤلاء فلو طردتهم لاتبعناك ورد في ذلك حديث عن أبن مسعود وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخديعة فنزلت الآية ويدعون ربهم بالغداة والعشي قال الحسن بن أبي الحسن المراد به صلاة مكة التي كانت مرتين في اليوم بكرة وعشيا وقيل قوله بالغداة والعشي عبارة من استمرار الفعل وأن الزمان معمور به والمراد على هذا التأويل قيل الصلوات الخمس قاله ابن عباس وغيره وقيل الدعاء وذكر الله واللفظة على وجهها وقيل القرآن وتعلمه قال أبو جعفر وقيل العبادة قاله الضحاك وقوله تعالى يريدون وجهه قلت قال الغزالي في الجواهر النية والعمل بهما تمام العبادة فالنية أحد جزئي العبادة لكنها خير الجزءين ومعنى النية إرادة وجه الله سبحانه بالعمل قال الله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ومعنى اخلاصها تصفية الباعث عن الشوائب ثم قال الغزالي وإذا عرفت فضل النية وأنها تحل حدقة المقصود فاجتهد أن تستكثر من النية في جميع أعمالك حتى تنوي بعمل واحد نيات كثيرة ولو صدقت رغبتك لهديت لطريق رشدك انتهى وقوله سبحانه ما عليك من حسابهم من شيء قال الحسن والجمهور أي من حساب عملهم والمعنى أنك لم تكلف شيئا غير دعائهم وقوله فتطردهم هو جواب النفي في قوله ما عليك وقوله فتكون جواب النهي في قوله ولا تطرد وفتنا بعضهم ببعض أي ابتلينا وليقولوا معناه ليصير بحكم القدر أمرهم إلى أن يقولوا على جهة الإستخفاف والهزء أهؤلاء من الله عليهم من بيننا فاللام

في ليقولوا لام الصيرورة وقوله سبحانه أليس الله بأعلم بالشاكرين أي يا أيها المستخفون ليس الأمر أمر استخفاف فالله أعلم بمن يشكر نعمه وقوله سبحانه وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم الآية قال جمهور المفسرين هؤلاء هم الذين نهي الله عن طردهم وشفع ذلك بأن امر سبحانه أن يسلم النبي عليه السلام عليهم ويؤنسهم قال خباب بن الأرت لما نزلت وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا الآية فكنا نأتي النبي صلى الله عليه و سلم فيقول لنا سلام عليكم ونقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية فكان يقعد معنا فإذا بلغ الوقت الذي يقوم فيه قمنا وتركناه حتى يقوم وسلام عليكم ابتداء والتقدير سلام ثابت أو واجب عليكم والمعنى أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ولفظه ولفظ الخبر وهو في معنى الدعاء قال الفخر قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة النفس هاهنا بمعنى الذات والحقيقة لا بمعنى الجسم والله تعالى مقدس عنه انتهى قلت قال ابن العربي في كتاب تفسير الأفعال الواقعة في القرآن قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة قال علماؤنا كتب معناه أوجب وعندي أنه كتب حقيقة قال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله خلق القلم فقال له أكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة انتهى وقرأ عاصم وابن عامر أنه بفتح الهمزة في الأولى والثانية فإنه الأولى بدل من الرحمة وأنه الثانية خبر ابتداء مضمر تقديره فأمره أنه غفور رحيم هذا مذهب سيبويه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكساءي أنه بكسر الهمزة في الأولى والثانية وقرأ نافع بفتح الأولى وكسر الثانية والجهالة في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي تشبه بها وذلك ان المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تسمى معصيته تلك جهالة قال مجاهد من

الجهالة ان لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته أن يركب الأمر قلت أي يتعمده ومن الجهالة التي لا تضاد العلم قوله صلى الله عليه و سلم في استعاذته أو أجهل أو يجهل علي ومنها قول الشاعر ... ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا ...
قال الفخر قال الحسن كل من عمل معصية فهو جاهل فقيل المعنى أنه جاهل بمقدار ما فاته من الثواب وما استحقه من العقاب قلت وأيضا فهو جاهل بقدر من عصاه انتهى والإشارة بقوله تعالى وكذلك نفصل الآيات إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين وبيان فساد منزع العارضين لذلك وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها وإظهارها قلت ومما يناسب هذا المحل ذكر شيء مما ورد في فصل المصافحة وقد اسند أبو عمر في التمهيد عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة أنهما قالا من تمام التحية المصافحة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخرساني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء قال أبوعمر في التمهيد هذا الحديث يتصل من وجوه شتى حسان كلها ثم اسند أبو عمر من طريق أبي داود وغيره عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ثم أسند أبو عمر عن البراء بن عازب قال لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فقلت يا رسول الله إن كنت لاحسب أن المصافحة للعجم فقال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا القيت ذنوبهما بينهما وأسند أبو عمر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا التقى المسلمان فتصافحا انزل الله عليهما مائة رحمة تسعون منها للذي بدأ

بالمصافحة وعشرة للذي صوفح وكان أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا بصاحبه انتهى وقد ذكرنا طرفا من آداب المصافحة في غير هذا الموضع فقف عليه واعمل به ترشد فإن العلم إنما يراد للعمل وبالله التوفيق وخص سبيل المجرمين بالذكر لأنهم الذين آثروا ما تقدم من الأقوال وهو أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم وأيضا فتبيين سبيلهم يتضمن بيان سبيل المؤمنين وتأول ابن زيد أن قوله المجرمين معني به الآمرون بطرد الضعفة وقوله سبحانه قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم الآية أمر الله سحبانه نبيه عليه السلام أن يجاهرهم بالتبرى مما هم فيه وتدعون معناه تعبدون ويحتمل أن يريد تدعون في أموركم وذلك من معنى العبادة واعتقادهم الأصنام آلهة وقوله تعالى قل إني على بينة من ربي المعنى قل إني على أمر بين وكذبتم به الضمير في به عائد على بين أو على الرب وقيل على القرآن وهو جلي وقال بعض المفسرين الضمير في به الثاني عائد على ما والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين وقيل المراد به العذاب وهو يترجح من وجهين أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله وكذبتم به يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي والآخر من جهة لفظ الاستعجال الذي لم يأت في القرآن إلا للعذاب وأما اقتراحهم للآيات فلم يكن باستعجال وقوله أن الحكم إلا لله أي القضاء والإنفاذ ويقتص الحق أي يخبر به والمعنى يقص القصص الحق وقرأ حمزة والكسائي وغيرهما يقتضي الحق أي ينفذه وقوله سبحانه قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الأنفصال وتم النزاع لظهور الآية المقترحة أو لنزول

العذاب بحسب التأويلين وقيل المعنى لقامت القيامة وقوله والله أعلم بالظالمين يتضمن الوعيد والتهديد وقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو مفاتح جمع مفتح وهذه استعارة عبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب ولو كان جمع مفتاح لقال مفاتيح ويظهر أيضا أن مفاتح جمع مفتح بفتح الميم أي مواضع تفتح عن المغيبات ويؤيد هذا قول السدي وغيره مفاتح الغيب خزائن الغيب فأما مفتح بالكسر فهو بمعنى مفتاح قال الزهراوي ومفتح أفصح وقال ابن عباس وغيره الإشارة بمفاتح الغيب هي إلى الخمسة في آخر لقمان إن الله عنده علم الساعة الآية قلت وفي صحيح البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير انتهى وقوله سبحانه من ورقة أي من ورق النبات ولا حبة في ظلمات الأرض يريد في أشد حال التغيب وحكى بعض الناس عن جعفر بن محمد قولا أن الورقة يراد بها القسط من أولاد بني آدم والحبة يراد بها الذي ليس بسقط والرطب يراد به الحي واليابس يراد به الميت وهذا قول جار على طريقة الرموز ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغي أن يلتفت إليه وقوله تعالى إلا في كتاب مبين قيل يعني كتابا على الحقيقة ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة وذلك أنه روي أن الحفظة يرفعون ما كتبوه ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ليتحققوا صحة ما كتبوه وقيل المراد بقوله إلا في كتاب علم الله عز و جل المحيط بكل شيء قال الفخر وهذا هو الأصوب ويجوز أن يقال ذكر تعالى ما ذكر من الورقة والحبة تنبيها للمكلفين على أمر

الحساب انتهى قال مكي قال عبد الله بن الحارث ما في الأرض شجر ولا مغرز إبرة إلا عليها ملك موكل يأتي الله بعلمها بيبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت وقيل المعنى في كتابها أنه لتعظيم الأمر ومعناه أعملوا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف ما فيه ثواب أو عقاب انتهى من الهداية وقوله سبحانه هو الذي يتوفاكم بالليل يعني به النوم ويعلم ما جرحتم أي ما كسبتم بالنهار ويحتمل أن يكون جرحتم هنا من الجرح كأن الذنب جرح في الدين والعرب تقول جرح اللسان كجرح اليد ويبعثكم يريد به الإيقاظ والضمير في فيه عائد على النهار قاله مجاهد وغيره يحتمل أن يعود الضمير على التوفي أي يوقظكم في التوفي أي في خلاله وتضاعيفه قاله عبد الله بن كثير وليقضي أجل مسمى المراد به آجال بني آدم ثم إليه مرجعكم يريد بالبعث والنشور ثم ينبئكم أي يعلمكم إعلام توقيف ومحاسبة ففي هذه الآية إيضاح الآيات المنصوبة للنظر وفيها ضرب مثال للبعث من القبور لان هذا أيضا اماته وبعث على نحو ما وقوله سبحانه وهو القاهر فوق عباده القاهر أن أخذ صفة فعل أي مظهر القهر بالصواعق والرياح والعذاب فيصح أن تجعل فوق ظرفية للجهة لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها العبادة من فوقهم وأن أخذ القاهر صفة ذات بمعنى القدرة والإستيلاء ففوق لا يجوز أن تكون للجهة وإنما هي لعلو القدر والشأن على حد ما تقول الياقوت فوق الحديد والاحرار فوق العبيد ويرسل عليكم معناه يبثهم فيكم وحفظة جمع حافظ والمراد بذلك الملائكة الموكلون بكتب الأعمال وروي أنهم الملائكة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه و سلم يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقاله السدي وقتادة وقال بعض المفسرين حفظة يحفظون الإنسان من كل شيء حتى يأتي أجله والأول أظهر وقرأ حمزة وحده توفاه

وقوله تعالى رسلنا يريد به على ما ذكر ابن عباس وجميع أهل التأويل ملائكة مقترنين بملك الموت يعاونونه ويأتمرون له ثم ردوا أي العباد إلى الله مولاهم وقوله الحق نعت لمولاهم ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز إلا له الحكم كلام مضمنه التنبيه وهز النفوس وهو أسرع الحاسبين قيل لعلي رضي الله عنه كيف يحاسب الله العباد في يوم واحد قال كما يرزقهم في الدنيا في يوم واحد وقوله تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية الآية هذا تماد في توبيخ العادلين بالله الأوثان وتركهم عبادة الرحمن الذي ينجي من الهلكات ويلجأ إليه في الشدائد ودفع الملمات وظلمات البر والبحر يريد بها شدائدهما فهو لفظ عام يستغرق ما كان من الشدائد بظلمة حقيقية وما كان بغير ظلمة والعرب تقول عام أسود ويوم مظلم ويوم ذو كواكب يريدون به الشدة قال قتادة وغيره المعنى من كرب البر والبحر وتدعونه في موضع الحال والتضرع صفة بادية على الإنسان وخفية معناه الاختفاء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وخفية بكسر الخاء وقرأ الأعمش وخيفة من الخوف وقوله سبحانه قل الله ينجيكم منها الآية سبق في المجادلة إلى الجواب إذ لا محيد عنه ومن كل كرب لفظ عام أيضا ليتضح العموم الذي في الظمات ثم انتم أي ثم بعد معرفتكم بهذا كله وتحققكم له أنتم تشركون وقوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم الآية هذا إخبار يتضمن الوعيد والأظهر من نسق الآيات أن هذا الخطاب للكفار الذين تقدم ذكرهم وهو مذهب الطبري وقال ابي بن كعب وجماعة هو للمؤمنين وهم المراد وهذا الاختلاف إنما هو بحسب ما يظهر من أن الآية تتناول معانيها المشركين والمؤمنين وفي البخاري وغيره من حديث جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت الآية قل

هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هذا أهون أو أيسر فاحتج بهذا الحديث من قال أنها نزلت في المؤمنين قال الطبري وغيره ممتنع أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التي توعد بها الكفار وهون الثالثة لأنها بالمعنى هي التي دعا فيها فمنع حسب حديث الموطأ وغيره ومن فوقكم أو من تحت أرجلكم لفظ عام للمنطبقين على الإنسان وقال السدي عن أبي مالك من فوقكم الرجم أو من تحت أرجلكم الخسف وقاله سعيد بن جبير ومجاهد وقوله سبحانه أو يلبسكم شيعا معناه يخلطكم فرقا والبأس القتل وما أشبهه من المكاره وفي قوله تعالى أنظر كيف نصرف الآيات استرجاع لهم وإن كان لفظها لفظ تعجب للنبي صلى الله عليه و سلم فمضمنها أن هذه الآيات والدلائل إنما هي لاستصرافهم عن طريق غيهم والفقه الفهم وقوله تعالى وكذب به قومك وهو الحق الضمير في به عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات قاله السدي وهذا هو الظاهر ويحتمل أن يعود الضمير على الوعيد الذي تضمنته الآية ونحا إليه الطبري وقوله قل لست عليكم بوكيل معناه لست بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان والهدى وهذا كان قبل نزول آيات الجهاد والأمر بالقتال ثم نسخ وقوله سبحانه لكل نبإ مستقر أي غاية يعرف عندها صدقه من كذبه وسوف تعلمون تهديد محض ووعيد وقوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنون داخلون في الخطاب معه هذا هو الصحيح لأن علة النهي وهي سماع الخوض في آيات الله تشملهم وإياه فأمر النبي صلى الله عليه و سلم هو

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10