كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

يقولون بئارئهم فى كتاب الله فيقول بعضهم سحر وبعضهم افتراء وذلك منهم تسور لا يستندون فيه الى اثارة علم فانا ما ءاتيناهم من كتب يدرسونها وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير يباشرهم ويشافههم فيمكنهم ان يسندوا دعواهم اليه
وقوله تعالى وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم الضمير فى بلغوا يعود على قريش وفى ءاتيناهم على الامم الذين من قبلهم والمعنى من القوة والنعم والظهور فى الدنيا قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد والمعشار العشر ولم يأت هذا البناء الا فى العشرة والأربعة فقالوا مرباع ومعشار والنكير مصدر كالانكار فى المعنى وكالعذير فى الوزن وكيف تعظيم للأمر وليست استفهاما مجردا وفى هذا تهديد لقريش اي انهم متعرضون لنكير مثله ثم امر تعالى نبية عليه السلام ان يدعوهم الى عبادة الله تعالى والنظر فى حقيقة نبوته هو ويعظهم بأمر مقرب للافهام فقوله بواحدة معناه بقضية واحدة ايجازا لكم وتقريبا عليكم وهو ان تقوموا لله اي لاجل الله او لوجه الله مثنى اي اثنين اثنين متناظرين وفرادى اي واحدا واحدا ثم تتفكروا هل بصاحبكم جنة او هو بريء من ذلك والوقف عند ابى حاتم تتفكروا فيجيء ما بصاحبكم نفيا مستانفا وهو عند سيبويه جواب ما تنزل منزلة القسم وقيل فى الآية غير هذا مما هو بعيد من الفاظها فتعين تركه
وقوله تعالى قل ما سألتكم من اجر فهو لكم معنى الآية بين واضح لا يفتقر الى بيان
وقوله يقذف بالحق يريد بالوحي وءايات القرءان واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بئاياته وحكمه
وقوله سبحانه قل جاء الحق يريد الشرع بجملته وما يبدىء الباطل وما يعيد قالت فرقة الباطل غير الحق من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه كأنه قال وما يصنع الباطل شيأ
وقوله فبما يوحى يحتمل ان تكون ما بمعنى الذى اومصدرية وقوله

تعالى ولو ترى اذ فزعوا آلاية قال الحسن بن ابى الحسن ذلك فى الكفار عند خروجهم من القبور فى القيامة قال ع وهو ارجح الاقوال هنا واما معنى الاية فهو التعجيب من حالهم اذا فزعوا من اخذ الله اياهم ولم يتمكن لهم ان يفوت منهم احد واخذوا من مكان قريب اي ان الآخذ يجيئهم من قرب فى طمأنينتهم وبعقبها بينما الكافر يؤمل ويترجى اذ غشيه الاخذ ومن غشيه اخذ من قريب فلا حيلة له ولا روية وقالوا ءامنا به الضمير فى به عائد على الله تعالى وقيل على محمد وشرعه والقرءان وقرأ نافع وعامة القراء التناوش دون همز ومعناه التناول من قولهم ناش ينوش اذا تناول وعبارة الواحدى وانى لهم التناوش اي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم انتهى وقرأ ابو عمرو وحمزة والكساءى التناوش بالهمز فيحتمل ان يكون تفسيره كالقراءة الاولى ويحتمل ان يكون من الطلب تقول انتأشت الخير اذا طلبته من بعد ت وقال البخارى التناوش الرد من الاخرة الى الدنيا انتهى ويقذفون بالغيب اي يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسول وكتاب الله وذلك غيب عنهم فى قولهم سحر وافتراء وغير ذلك قاله مجاهد وقال قتادة قذفهم بالغيب هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار
وقوله سبحانه وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال الحسن معناه من الايمان والتوبة والرجوع الى الانابة والعمل الصالح وذلك انهم اشتهوه فى وقت لا تنفع فيه التوبة وقاله ايضا قتادة وقال مجاهد وحيل بينهم وبين نعيم الدنيا وقيل معناه حيل بينهم وبين الجنة ونعيمها كما فعل بأشياعهم من قبل والاشياع الفرق المتشابهة فأشياع هؤلاءهم الكفرة من كل امة ص قال ابو حيان ومريب اسم فاعل من آراب اي اتى بريبة وأربته اوقعته فى ريبة ونسبة الأرابة الى الشك مجاز قال ع والشك المريب اقوى ما يكون من الشك واشده اظلاما انتهى

تفسير

سورة فاطر
وهى مكية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا أولي اجنحة الآية رسلا معناه بالوحى وغير ذلك من اوامره سبحانه كجبريل وميكاءيل وعزراءيل رسل والملائكة المتعاقبون رسل وغير ذلك ومثنى وثلاث ورباع الفاظ معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة عدلت فى حالة التنكير فتعرفت بالعدل فهى لا تنصرف للعدل والتعريف وقيل للعدل والصفة وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن مثنى بمنزلة قولك اثنين اثنين قال قتادة ان انواع الملائكة هم هكذا منها ماله جناحان ومنها ماله ثلاثة ومنها ماله اربعة ويشذ منها ماله اكثر من ذلك وروى ان لجبريل عليه السلام ست مائة جناح منها اثنان يبلغان من المشرق الى المغرب
وقوله تعالى يزيد فى الخلق ما يشاء تقرير لما يقع فى النفوس من التعجب عند الخبر بالملائكة اولى الاجنحة اي ليس هذا ببدع فى قدرة الله تعالى فانه يزيد فى الخلق ما يشاء وروى عن الحسن وابن شهاب انهما قالا المزيد هو حسن الصوت قال الهيثم الفارسى رأيت النبى صلى الله عليه و سلم فى النوم فقال لى انت الهيثم الذى تزين القرءان بصوتك جزاك الله خيرا وقيل من الأقوال فى الزيادة غير هذا وذلك على جهة المثال لا ان المقصد هى فقط
وقوله تعالى ما يفتح الله ما شرط ويفتح مجزوم بالشرط
وقوله من رحمة عام فى كل خير يعطيه الله تعالى لعباده
وقوله من بعده فيه حذف مضاف اي من بعد امساكه ومن هذه آلاية

سمت الصوفية ما تعطاه من الاموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات
وقوله تعالى يا ايها الناس خطاب لقريش وهو متوجه لكل كافر
وقوله سبحانه فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ت هذه الاية معناها بين قال ابن عطاء الله ينبغى للعبد ان يقلل الدخول فى اسباب الدنيا فقد قال النبى صلى الله عليه و سلم ان قليل الدنيا يلهى عن كثير الآخرة وقال صلى الله عليه و سلم ما طلعت شمس الا وبجنبيها ملكان يناديان يا ايها الناس هلموا الى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر والهى انتهى من لطائف المنن وقرأ جمهور الناس الغرور بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس
وقوله ان الشيطان لكم عدو الاية يقوى قراءة الجمهور فاتخذوه عدوا اي بالمباينة والمقاطعة والمخالفة له باتباع الشرع
وقوله تعالى افمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا توقيف وجوابه محذوف يمكن ان يقدر كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير واحسن التقدير ما دل اللفظ بعد عليه وقرأ الجمهور فلا تذهب بفتح التاء والهاء نفسك بالرفع وقرأ قتادة وغيره تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك بالنصب ورويت عن نافع والحسرة هم النفس على فوات امر وهذه الاية تسلية للنبى صلى الله عليه وسللم عن كفر قومه ووجب التسليم لله عز و جل فى اضلال من شاء وهداية من شاء
وقوله سبحانه والله الذى ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت هذه ءاية احتجاج عل الكفرة فى انكارهم البعث من القبور
وقوله تعالى من كان يريد العزة يحتمل ان يريد من كان يريد العزة بمغالبة فلله العزة اي ليست لغيره ولا تتم الا به ونحا اليه مجاهد وقال من كان يريد العزة بعبادة الاوثان قال ع وهذا تمسك بقوله تعالى واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا ويحتمل ان يريد من كان يريد العزة وطريقها القويم وكحب نيلها على وجهها فلله العزة اي به وعن اوامره لا تنال عزته الا بطاعته ونحا اليه قتادة
وقوله تعالى اليه يصعد

الكلم الطيب اي التوحيد والتحميد وذكر الله ونحوه
وقوله والعمل الصالح يرفعه قيل المعنى يرفعه الله وهذا ارجح الاقوال وقال ابن عباس وغيره ان العمل الصالح هو الرافع للكلم وهذا التأويل انما يستقيم بأن يتأول على معنى انه يزيد فى رفعة وحسن موقعه ت وعن ابن مسعود قال اذا حدثناكم بحديث اتيناكم بتصديق ذلك فى كتاب الله سبحانه ان العبد اذا قال سبحان الله والحمد لله والله اكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه وصعدبهن لايمر بهن على جمع من الملائكة الا استغفروا لقائلهن حتى يجاء بهن وجه الرحمن سبحانه ثم تلا عبد الله بن مسعود اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الاسناد انتهى من السلاح ويمكرون السيئات اي المكرات السيئات ويبور معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه
وقوله تعالى والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم ازواجا وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الآية قيل معنى الازواج هنا الانواع وقيل اراد تزويج الرجال النساء والضمير فى عمره قال ابن عباس وغيره ما مقتضاه انه عائد على معمر الذى هو اسم جنس والمراد غير الذى يعمر وقال ابن جبير وغيره بل المراد شخص واحد وعليه يعود الضمير اي ما يعمر انسان ولا ينقص من عمره بأن يحصى ما مضى منه اذا مر حول كتب ما مضى منه فاذا مر حول آخر كتب ذلك ثم حول ثم حول فهذا هو النقص قال ابن جبير فما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذى يعمره
وقوله تعالى وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تاكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون تقدم تفسير نظير هذه الآية
وقوله تعالى وسخر الشمس والقمر كل لاجل مسمى الاية الاجل المسمى هو قيام

الساعة وقيل ءاماد الليل وءاما النهار والقطمير القشرة الرقيقة التى على نوى التمرة وقال الضحاك وغيره القطمير القمع الذى فى رأس التمرة والاول اشهر واصوب ثم بين تعالى بطلان الاصنام بثلاثة اشياء اولها انها لا تسمع ان دعيت والثانى انها لا تجيب ان لو سمعت وانما جاء بهذه لان القائل متعسف ان يقول عساها تسمع والثالث انها تتبرأ يوم القيامة من الكفرة
وقوله تعالى ولا ينبئك مثل خبير قال المفسرون الخبير هنا هو الله سبحانه فهو الخبير الصادق الخبر ونبأ بهذا فلا شك فى وقوعه
وقوله تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله الاية ءاية وعظ وتذكير والانسان فقير الى الله تعالى فى دقائق الأمور وجلائلها لا يستغنى عنه طرفة عين وهو به مستغن عن كل احد والله هو الغنى الحميد اي المحمود بالاطلاق
وقوله بعزيز اي بمتنع وتزر معناه تحمل وهذه الاية فى الذنوب وانثت وازرة لانه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك اجريت مثقلة واسم كان مضمر تقديره ولوكان الداعى ثم اخبر تعالى نبيه انه انما ينذر اهل الخشية ثم حض على التزكى بأن رجى عليه غاية الترجية ثم توعد بعد ذلك بقوله والى الله المصير قال ع وكل عبارة فهى مقصرة عن تفسير هذه الاية وكذلك كتاب الله كله ولكن يظهر الأمر لنا نحن فى مواضع اكثر منه فى مواضع بحسب تقصيرنا
وقوله سبحانه وما يستوى الاعمى والبصير الاية مضمن هذه آلاية الطعن على الكفرة وتمثيلهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بإزائهم بالبصراء والانوار والحرور شدة الحر قال الفراء وغيره ان السموم يختص بالنهار والحرور يقال فى حر الليل وحر النهار وتأول قوم الظل فى هذه الاية الجنة والحرور جهنم وشبه المؤمنين بالأحياء والكفرة بالأموات من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه
وقوله سبحانه وما انت بمسمع من فى القبور تمثيل بما يحسه البشر ويعهده جميعا من ان الميت الشخص

الذى فى القبر لا يسمع واما الارواح فلا نقول انها فى القبر بل تتضمن الاحاديث ان ارواح المؤمنين فى شجر عند العرش وفى قناديل وغير ذلك وان ارواح الكفرة فى سجين ويجوز فى بعض الاحيان ان تكون الارواح عند القبور فربما سمعت وكذلك اهل قليب بدر انما سمعت ارواحهم فلا تعارض بين الآية وحديث القليب وقوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير معناه أن دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى بنيه ثم لم تنقطع النذارة إلى زمن محمد صلى الله عليه و سلم والبينات والزبر والكتاب المنير شيء واحد لكنه أكد أوصاف بعضها ببعض وقوله تعالى ومن الجبال جدد الآية جمع جدة وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولا وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه أنه يقال جدد في جمع جديد ولا معنى لمدخل الجديد في هذه الآية وقال الثعلبي وقيل الجدد القطع جددت الشيء إذا قطعته انتهى
وقوله وغرابيب سود لفظان لمعنى واحد وقدم الوصف الابلغ وكان حقه ان يتأخر وكذلك هو فى المعنى لكن كلام العرب الفصيح يأتى كثيرا على هذا النحو والمعنى ومنها اي من الجبال سود غرابيب وروى عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال ان الله يبغض الشيخ الغربيب يعنى الذى يخضب بالسواد ومن الناس والدواب والانعام اي خلق مختلف الوانه
وقوله تعالى كذلك يحتمل ان يكون من كلام الاول فيجىء الوقف عليه حسنا والى هذا ذهب كثير من المفسرين ويحتمل ان يكون من الكلام الثانى خرج مخرج السبب كأنه قال كما جاءت القدرة فى هذا كله كذلك انما يخشى الله من عبادة العلماء اي المحصلون لهذه العبر الناظرون فيها وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه و سلم اعلمكم بالله اشدكم له خشية وقال صلى الله عليه و سلم رأس

الحكمة مخافة الله وقال الربيع بن انس من لم يخش الله فليس بعالم وقال ابن عباس فى تفسير هذه الاية كفى بالزهد علما ويقال ان فاتحة الزبور رأس الحكمة خشية الله وقال ابن مسعود كفى بخشية الله علما وبالاغترار به جهلا وقال مجاهد والشعبى انما العالم من يخشى الله وانما فى هذه الاية تحضيض للعملاء لا للحصر قال ابن عطاء الله فى الحكم العلم النافع هو الذى ينبسط فى الصدر شعاعه ويكشف به عن القلب قناعه خير العلم ما كانت الخشية معه والعلم ان قارنته الخشية فلك والا فعليك وقال فى التنوير اعلم ان العلم حيث ما تكرر فى الكتاب العزيز او فى السنة فانما المراد به العلم النافع الذى تقارنه الخشية وتكتنفه المخافة قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء فبين سبحانه ان الخشية تلازم العلم وفهم من هذا ان العلماء انما هم اهل الخشية انتهى قال ابن عباد فى شرح الحكم واعلم ان العلم النافع المتفق عليه فيما سلف وخلف انما هو العلم الذى يؤدى صاحبه الى الخوف والخشية وملازمة التواضع والذلة والتخلق باخلاق الايمان الى ما يتبع ذلك من بغض الدنيا والزهادة فيها وايثار الاخرة عليها ولزوم الادب بين يدى الله تعالى الى غير ذلك من الصفات العلية والمناحى السنية انتهى وهذه المعانى كلها محصلة فى كتب الغزالى وغيره رضى الله عن جميعهم ونفعنا ببركاتهم قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية العلم النافع ما زهدك فى دنياك ورغبك فى اخراك وزاد فى خوفك وتقواك وبعثك على طاعة مولاك وصفاك من كدر هواك وقال رحمة الله العلوم النافعة ما كانت للهمم رافعة وللاهواء قامعة وللشكوك صارفة دافعة انتهى
وقوله تعالى ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم الاية قال مطرف بن عبد الله بن الشخير هذه ءاية القراء قال ع وهذا على ان يتلون بمعنى يقرءون وان جعلناه بمعنى يتبعون صح معنى الاية وكانت فى القراء وغيرهم

ممن اتصف بأوصاف الاية وكتاب الله هو القرءان واقامة الصلاة اي بجميع شروطها والنفقة هى فى الصدقات ووجوه البر ولن تبور معناه لن تكسد ويزيدهم من فضله قالت فرقة هو تضعيف الحسنات وقالت فرقة هو اما النظر الى وجه الله عز و جل واما ان يجعلهم شافعين فى غيرهم ما قال للذين احسنوا الحسنى وزيادة ت وقد خرج ابو نعيم بإسناده عن الثورى عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله قال اجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع اليه المعروف فى الدنيا وخرج ابن ماجة فى سننه عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يصف الناس صفوفا وقال ابن نمير اهل الجنة فيمر الرجل من اهل النار على الرجل من اهل الجنة فيقول يا فلان اما تذكر يوم استسقيتنى فسقيتك شربة قال فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول اما تذكر يوم ناولتك طهورا فيشفع له قال ابن نمير ويقول يا فلان اما تذكر يوم بعثتنى لحاجة كذا وكذا فذهبت لك فيشفع له وخرجه الطحاوى وابن وضاح بمعناه انتهى من التذكرة
وقوله تعالى ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا الاية اورثنا معناه أعطيناه فرقة بعد موت فرقة والكتاب هنا يريد به معانى الكتاب وعلمه واحكامه وعقائده فكأن الله تعالى لما اعطى امة محمد القرءان وهو قد تضمن معانى الكتب المنزلة قبله فكأنه ورث امة محمد الكتاب الذى كان فى الأمم قبلها قال ابن عطاء الله فى التنوير قال الشيخ ابو الحسن الشاذلى رحمه الله تعالى اكرم المؤمنين وان كانوا عصاه فاسقين وامرهم بالمعروف وانههم عن المنكر واهجرهم رحمه بهم لا تعززا عليهم فلو كشف عن نور المؤمن العاصى لطبق السماء والارض فما ظنك بنور المؤمن المطيع ويكفيك فى تعظيم المؤمنين وان كانوا عن الله غافلين قول رب العالمين ثم اورثنا الكتاب

الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله فانظر كيف اثبت لهم الاصطفاء مع وجود ظلمهم واعلم انه لا بد فى مملكته من عباد هم نصيب الحلم ظهور الرحمة والمغفرة ووقوع الشفاعة انتهى والذين اصطفينا يريد بهم امة محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وغيره واصطفينا معناه اخترنا وفضلنا والعباد عام فى جميع العالم واختلف فى عود الضمير من قوله فمنهم فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه ان الضمير عائد على الذين اصطفينا وان الاصناف الثلاثة هى كلها فى امة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فالظالم لنفسه العاصى المسرف والمقتصد متقى الكبائر وهم جمهور الامة والسابق المتقى على الاطلاق وقالت هذه الفرقة الاصناف الثلاثة فى الجنة وقاله ابو سعيد الخدرى والضمير فى يدخلونها عائد على الاصناف الثلاثة قالت عائشة وكعب دخلوها كلهم ورب الكعبة وقال ابو اسحاق السبيعي اما الذى سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج وقال ابن مسعود هذه الأمة يوم القيامة اثلاث ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة وثلث يجيئون بذنوب عظام فيقول الله عز و جل ما هؤلاء وهو اعلم بهم فتقول الملائكة هم مذنبون الا انهم لم يشركوا فيقول عز و جل ادخلوهم فى سعة رحمتى وروى اسامة بن زيد ان النبى صلى الله عليه و سلم قرأ هذه الاية وقال كلهم فى الجنة وقرأ عمر هذه الاية ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وقال عكرمة والحسن وقتادة ما مقتضاه ان الضمير فى منهم عائد على العباد فالظالم لنفسه الكافر والمقتصد المؤمن العاصى والسابق التقى على الاطلاق وقالوا هذه الاية نظير قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة الاية والضمير فى يدخلونها على هذا التأويل خاص بالمقتصد والسابق وباقي الاية بين والحزن فى هذه الاية عام فى جميع انواع الاحزان

وقولهم ان ربنا لغفور شكور وصفوه سبحانه بأنه يغفر الذنوب ويجازى على القليل من الاعمال بالكثير من الثواب وهذا هو شكره لارب سواه ودار المقامة الجنة والمقامة الاقامة والنصب تعب البدن واللغوب تعب النفس اللازم عن تعب البدن
وقوله سبحانه والذين كفروا لهم نار جهنم هذه الاية تؤيد التأويل الاول من ان الثلاثة الاصناف هى كلها فى الجنة لأن ذكر الكافرين افرد هاهنا
وقوله لا يقضى عليهم اي لا يجهز عليهم
وقولهم ربنا اخرجنا اي يقولون هذه المقالة فيقال لهم على جهة التوبيخ او لم نعمركم الاية واختلف فى المدة التى هى حد للتذكر فقال الحسن بن ابي الحسن البلوغ يريد انه اول حال التذكر وقال ابن عباس اربعون سنة وهذا قول حسن ورويت فيه ءاثار وروى ان العبد اذا بلغ اربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهة وقال بأبى وجه لا يفلح وقيل الستين وفيه حديث ت وفى البخارى من بلغ ستين سنة فقد اعذر الله اليه لقوله او لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير يعنى الشيب ثم اسند عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه و سلم قال اعذر الله امرءا اخراجله حتى بلغ ستين سنة انتهى والنذير فى قول الجمهور الانبياء قال الطبرى وقيل النذير الشيب وهذا ايضا قول حسن
وقوله فعليه كفره اي وبال كفره والمقت احتقارك الانسان من اجل معصيته والخسار مصدر خسر يخسر وارأيتم تتنزل عند سيبويه منزلة اخبرونى ولذلك لا تحتاج الى مفعولين والرؤية فى قوله ارونى رؤية بصر ت قال ابن هشام قوله من الارض من مرادفه فى ثم قال والظاهر انها لبيان الجنس مثلها ما ننسخ من آية انتهى ثم اضرب سبحانه عنهم بقوله بل ان يعد اي بل انما يعدون انفسهم غرورا
وقوله ان تزولا اي ليلا تزولا ومعنى الزوال هنا التنقل من مكانها والسقوط من علوها وعن ابن مسعود ان السماء لا تدور وانما تجرى فيها الكواكب
وقوله تعالى ولئن زالتا

قيل اراد يوم القيامة
وقوله تعالى ان امسكهما من احد من بعده اي من بعد تركه الامساك قال ص ان امسكهما ان نافيه بمعنى ما وامسك جواب القسم المقدر قبل اللام الموطئة فى لئن وهو بمعنى يمسك لدخول ان الشرطية كقوله تعالى ولئن اتيت الذين اوتو الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك اي ما يتبعون وكقوله ولئن ارسلنا ريحا الاية الى قوله لظلوا من بعده اي ليظلون وحذف جواب ان فى هذه المواضع لدلالة جواب القسم عليه
وقوله من احد من زائدة لتأكيد الاستغراق انتهى
وقوله تعالى واقسموا بالله يعنى قريشا لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من احدى الأمم الاية وذلك انه روى ان كفار قريش كانت قبل الاسلام تنكر على اليهود والنصارى وتأخذ عليهم فى تكذيب بعضهم بعضا وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا اهدى من هؤلاء واحدى الأمم يريدون اليهود والنصارى فلما جاءهم نذير وهو محمد صلى الله عليه و سلم ما زادهم الا نفورا وقرأ ابن مسعود ومكرا سيئا ويحيق معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل الا فى المكروه وينظرون معنه ينتظرون والسنة الطريقة والعادة
وقوله فلن تجد لسنة الله تبديلا اي لتعذيبة الكفرة المكذبين وفى هذا وعيد بين
وقوله تعالى او لم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا اشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شىء فى السموات ولا فى الارض لما توعدهم سبحانه بسنة الأولين وقفهم فى هذه آلاية على رؤيتهم لما رأوا من ذلك فى طريق الشام وغيره كديار ثمود ونحوها ويعجزه معناه يفوته ويفلته
وقوله تعالى ولو يواخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الاية قوله من دابة مبالغة والمراد بنو ءادم لأنهم المجازون وقيل المراد الانس والجن وقيل المراد كل مادب من الحيوان واكثره انما هو لمنفعة ابن ءادم وبسببه والضمير فى ظهرها عائد على الارض والأجل المسمى القيامة

وقوله تعالى فإن الله كان بعباده بصيرا وعيد وفيه للمتقين وعد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله على ما انعم انتهى الجزء الثالث من الجواهر الحسان
فى تفسير القرءان

تفسير

سورة يس
وهي مكية باجماع إلا ان فرقة قالت ان قوله تعالى ونكتب ما قدموا وءاثارهم نزلت في بني سلمة حين أرادوا أن ينتقلوا إلى جوار مسجد النبي صلى الله عليه و سلم وورد في فضل يس آثار عديدة فعن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه و سلم قال قلب القرآن يس لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له أقرؤوها على موتاكم رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وهذا لفظ النسائي وهو عند الباقين مختصر انتهى من السلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين قد تقدم الكلام في الحروف المقطعة ويختص هذا الموضع بأقوال منها أن ابن جبير قال يس اسم

من أسماء محمد عليه السلام وقال ابن عباس معناه يا إنسان بالحبشية وقال أيضا هو بلغة طيء وقال قتادة يس قسم والصراط الطريق والمعنى إنك على طريق هدى ومهيع رشاد واختلف المفسرون في قوله تعالى ما أنذر آباؤهم فقال عكرمة ما بمعنى الذي والتقدير الشيء الذي أنذر ءاباؤهم من النار والعذاب ويحتمل أن تكون ما مصدرية على هذا القول ويكون الآباء هم الأقدمون على مر الدهر قوله فهم مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة وقال قتادة ما نافية فالآباء على هذا هم الأقربون منهم وهذه الآية كقوله تعالى وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة كما قدمنا وحق القول معناه وجب العذاب وسبق القضاء به وهذا فيمن لم يؤمن من قريش كمن قتل ببدر وغيرهم وقوله تعالى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا الآية قال مكي قيل هي حقيقة في الآخرة إذا دخلوا النار وقال ابن عباس وغيره الآية استعارة لحال الكفرة الذين أرادوا النبي صلى الله عليه و سلم بسوء فجعل الله هذه مثلا لهم في كفه إياهم عنه ومنعهم من أذايته حين بيتوه وقالت فرقة الآية مستعارة المعاني من منع الله تعالى إياهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه وهذا أرجح الأقوال والغل ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتضييق والتعذيب وقوله فهي يحتمل أن تعود على الأغلال أي هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان والذقن مجتمع اللحيين فتضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء وذلك هو الأقماح وهو نحو الإقناع في الهيئة قال قتادة المقمح الرافع رأسه ويحتمل وهو قول الطبري أن تعود هي على الأيدي وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين وروي أن في مصحف ابن مسعود وأبي إنا جعلنا في أيمانهم وفي بعضها في أيديهم وأرى الناس علي بن أبي طالب الأقماح فجعل يديه تحت لحييه وألصقهما ورفع رأسه وقرأ الجمهور

سدا بضم السين في الموضعين وقرأ حمزة والكسائي وغيرهما سدا بفتح السين فقيل هما بمعنى أي حائلا يسد طريقهم وقال عكرمة ما كان مما يفعله البشر فهو بالضم وما كان خلقة فهو بالفتح ومعنى الآية إن طريق الهدى سد دونهم وقوله تعالى إنما تنذر من اتبع الذكر الآية إنما ليست للحصر هنا بل هي على جهة تخصيص من ينفعه الإنذار وإتباع الذكر هو العمل بما في كتاب الله والإقتداء به قال قتادة الذكر القرءان وقوله بالغيب أي بالخلوات عند مغيب الإنسان عن أعين البشر ثم أخبر تعالى بأحيائه الموتى ردا على الكفرة ثم توعدهم بذكر كتب الآثار واحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان فيدخل فيما قدم ويدخل في آثاره لكنه سبحانه ذكر الأمر من الجهتين ولينبه على الآثار التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير وشر وقال جابر بن عبدالله وأبو سعيد أن هذه الآية نزلت في بني سلمة على ما تقدم وقول النبي عليه السلام لهم دياركم تكتب آثاركم والإمام المبين قال قتادة وابن زيد هو اللوح المحفوظ وقالت فرقة أراد صحف الأعمال وقوله واضرب لهم مثلا أصحاب القرية الآية روي عن ابن عباس والزهري وعكرمة أن القرية هنا هي أنطاكية واختلف في هؤلاء المرسلين فقال قتادة وغيره كانوا من الحواريين الذين بعثهم عيسى حين رفع وصلب الذي ألقي عليه شبهه فتفرق الحواريين في الآفاق فقص الله تعالى هنا قصة الذين نهضوا إلى أنطاكية وقالت فرقة بل هؤلاء أنبياء من قبل الله عز و جل قال ع وهذا يرجحه قول الكفرة ما أنتم إلا بشر مثلنا فإنها محاورة إنما تقال لمن ادعى الرسالة من الله تعالى والآخر محتمل وذكر المفسرون في قصص الآية أشياء يطول ذكرها والصحة فيها غير متيقنة فاختصرته واللازم من الآية أن الله تعالى بعث إليها رسولين فدعيا أهل

القرية إلى عبادة الله وتوحيده فكذبوهما فشدد الله أمرهما بثالث وقامت الحجة على أهل القرية وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى وقتلوه في آخر أمره وكفروا وأصابتهم صيحة من السماء فخمدوا وقرأ الجمهور فعززنا بشد الزاي على معنى قوينا وشددنا وبهذا فسره مجاهد وغيره وهذه الأمة أنكرت النبوءات بقولها وما أنزل الرحمن من شيء قال بعض المتأولين لما كذب أهل القرية المرسلين أسرع فيهم الجذام وقال مقاتل احتبس عنهم المطر فلذلك قالوا إنا تطيرنا بكم أي تشاءمنا بكم والأظهر أن تطير هؤلاء إنما كان بسبب ما دخل قريتهم من اختلاف كلمتهم وافتتان الناس وقوله أئن ذكرتم جوابه محذوف أي تطيرتم قاله أبو حيان وغيره انتهى وقولهم عليهم السلام طائركم معكم معناه حظكم وما صار لكم من خير وشر معكم أي من أفعالكم ومن تكسباتكم ليس هو من أجلنا وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر أإن ذكرتم بهمزتين الثانية مكسورة وقرأ نافع وغيره بتسهيل الثانية وردها ياء أين ذكرتم وأخبر تعالى عن حال رجل جاء من أقصى المدينة يسعى سمع المرسلين وفهم عن الله تعالى فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم إذ هو الحق فروي عن ابن عباس وغيره أن اسم هذا الرجل حبيب وكان نجارا وكان فيما قال وهب بن منبه قد تجذم وقيل كان في غار يعبد ربه فقال يا قوم اتبعوا المرسلين الآية وذكر الناس في أسماء الرسل صادق وصدوق وشلوم وغير هذا والله أعلم بصحته واختلف المفسرون في قوله فاسمعون فقال ابن عباس وغيره خاطب بها قومه أي على جهة المبالغة والتنبيه وقيل خاطب بها الرسل على جهة الإستشهاد بهم والإستحفاظ للأمر عندهم قال ع وهنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات وهو أنهم قتلوه فقيل له عند موته ادخل الجنة فلما أقر الله عينه بما رأى من الكرامة قال يا ليت قومي يعلمون الآية

قيل أراد بذلك الإشفاق والنصح لهم أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله تعالى وقيل أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم به ويخزيهم ذلك وهذا موجود في جبلة البشر إذا نال الشخص عزا وخيرا في أرض غربة ودان يعلم ذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم كما قيل ... العز مطلوب وملتمس ... وأحبه ما نيل في الوطن
قال ع والتأويل الأول أشبه بهذا العبد الصالح وفي ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم نصح قومه حيا وميتا وقال قتادة نصحهم على حالة الغضب والرضا وكذلك لا تجد المؤمن إلا ناصحا للناس وقوله تعالى وما أنزلنا على قومه من بعده من جند الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم فيها توعد لقريش وتحذير أن ينزل بهم من العذاب ما نزل بقوم حبيب النجار قال مجاهد لم ينزل الله عليهم من جند أراد أنه لم يرسل إليهم رسولا ولا استعتبهم قال قتادة والله ما عاتب الله قومه بعد قتله حتى أهلكهم وقال ابن مسعود أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك واختلف في قوله تعالى وما كنا منزلين فقالت فرقة ما نافية وقالت فرقة ما عطف على جند أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك وخامدون أي ساكنون موتى وقوله تعالى يا حسرة الحسرة التلهف وذلك أن طباع كل بشر توجب عند سماع حالهم وعذابهم على الكفر وتضييعهم أمر الله أن يشفق ويتحسر على العباد وقال الثعلبي قال الضحاك إنها حسرة الملائكة على العباد في تكذيبهم الرسل وقال ابن عباس حلوا محل من يتحسر عليه انتهى وقرأ الأعرج وأبو الزناد ومسلم بن جندب يا حسرة بالوقف على الهاء وهو أبلغ في معنى التحسر والتشفيق وهز النفس وقوله تعالى ما يأتيهم من رسول الآية تمثيل لفعل قريش وإياهم عني بقوله ألم يروا كم أهلكنا

وقرأ جمهور الناس لما جميع بتخفيف الميم وذلك على زيادة ما للتأكيد والمعنى لجميع وقرأ عاصم والحسن وابن جبير لما بشد الميم قالوا هي بمنزلة إلا ومحضرون قال قتادة محشرون يوم القيامة وقوله تعالى وآية لهم الأرض الميتة أحييناها الآية وآية معناه وعلامة على الحشر وبعث الأجساد والضمير في لهم لكفار قريش والضمير في ثمرة قيل هو عائد على الماء الذي تضمنه ذكر العيون وقيل هو عائد على جميع ما تقدم مجملا كأنه قال من ثمر ما ذكرنا وما في قوله وما عملته أيديهم قال الطبري هي اسم معطوف على الثمر أي يقع الأكل من الثمر ومما عملته الأيدي بالغرس والزراعة ونحوه وقالت فرقة هي مصدرية وقيل هي نافية والتقدير أنهم يأكلون من ثمره وهو شيء لم تعمله أيديهم بل هي نعمة من الله تعالى عليهم والأزواج الأنواع من جميع الأشياء وقوله ومما لا يعلمون نظير قوله تعالى ويخلق ما لا تعلمون وقوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار هذه الآيات جعلها الله عز و جل أدلة على قدرته ووجوب الألوهية له ونسلخ معناه نكشط ونقشر فهي استعارة ت قال الهروي قوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أي نخرجه منه إخراجا لا يبقى من ضوء النهار معه شيء انتهى ومظلمون داخلون في الظلام ومستقر في الشمس على ما في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق أبي ذر بين يدي العرش تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها وهو في البخاري وفي حديث آخر أنها تسجد في عين حمئة ومنازل منصوبة على الظرف وهي المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة منزلة وعودته هي استهلاله رقيقا وحينئذ يشبه العرجون وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجيء أشبه شيء بالهلال قاله الحسن والوجود يشهد له والقديم معناه العتيق الذي قد مر عليه

زمن طويل وينبغي هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه لأنها لا قدرة لها على غير ذلك والفلك فيما روي عن ابن عباس متحرك مستدير كفلكة المغزل فيه جميع الكواكب ويسبحون معناه يجرون ويعومون وقوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم في الفلك الآية ذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما يتجه في هذا وأما معنى الآية فقال ابن عباس وجماعة يريد بالذريات المحمولين أصحاب نوح في السفينة ويريد بقوله من مثله السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة وإياها أراد بقوله وإن نشأ نغرقهم وقال مجاهد وغيره المراد بقوله إنا حملنا ذرياتهم في الفلك المشحون السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة ويريد بقوله وخلقنا لهم من مثله ما يركبون الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ الأقطار فقط ويعود قوله وإن نشأ نغرقهم على السفن الموجودة في الناس والصريخ هنا بمعنى المصرخ المغيث وقوله تعالى إلا رحمة منا قال الكسائي نصب رحمة على الإستثناء كأنه قال إلا أن نرحمهم وقوله إلى حين يريد إلى آجالهم المضروبة لهم ثم ابتدأ الأخبار عن عتو قريش بقوله وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم قال قتادة ومقاتل ما بين أيديهم هو عذاب الأمم الذي قد سبقهم في الزمن وهذا هو النظر الجيد وقال الحسن خوفوا بما مضى من ذنوبهم وبما يأتي منها قال ع وهذا نحو الأول في المعنى وقوله تعالى وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله الآية الضمير في قوله لهم لقريش وسبب الآية أن الكفار لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم والمستضعفين قطعوا عنهم نفقاتهم وصلاتهم وكان الأمر بمكة أولا فيه بعض الإتصال في وقت نزول آيات الموادعة فندب أولئك المؤمنون قراباتهم من الكفار إلى أن يصلوهم وينفقوا عليهم مما رزقهم

الله فقالوا عند ذلك أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وقالت فرقة سبب الآية إن قريشا شحت بسبب أزمة على المساكين جميعا مؤمن وغير مؤمن فندبهم النبي صلى الله عليه و سلم إلى النفقة على المساكين وقولهم يحتمل معنين أحدهما يخرج على اختيار لجهال العرب فقد روي أن أعربيا كان يرعى إبله فيجعل السمان في الخصب والمهازيل في المكان الجدب فقيل له في ذلك فقال أكرم ما أكرم الله وأهين ما أهان الله فيخرج قول قريش على هذا المعنى ومن أمثالهم كن مع الله على المدبر والتأويل الثاني أن يكون كلامهم بمعنى الإستهزاء بقول محمد عليه السلام إن ثم إلها هو الرزاق فكأنهم قالوا لم لا يرزقهم إلهك الذي تزعم أي نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمت لأطعمه وقوله تعالى إن أنتم إلا في ضلال مبين يحتمل أن يكون من قول الكفرة للمؤمنين أي في أمركم لنا بالنفقة وفي غير ذلك من دينكم ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى للكفرة وقولهم متى هذا الوعد أي متى يوم القيامة وقيل أرادوا متى هذا العذاب الذي تتهددنا به وما ينظرون أي ينتظرون وما نافية وهذه الصيحة هي صيحة القيامة وهي النفخة الأولى وفي حديث أبي هريرة أن بعدها نفخة الصعق ثم نفخة الحشر وهي التي تدوم فمالها من فواق واصل يخصمون يختصمون والمعنى وهم يتحاورون ويتراجعون الأقوال بينهم وفي مصحف أبي بن كعب يختصمون ولا إلى أهلهم يرجعون لإعجال الأمر بل تفيض أنفسهم حيث ما أخذتهم الصيحة وقوله سبحانه ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون هذه نفخة البعث والأجداث القبور وينسلون أي يمشون مسرعين وفي قراءة ابن مسعود من أهبنا من مرقدنا وروي عن أبي بن كعب وغيره أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر قال ع وهذا غير صحيح الإسناد وإنما الوجه في قولهم من مرقدنا إنها استعارة كما تقول في

قتيل هذا مرقده إلى يوم القيامة وقوله هذا ما وعد الرحمن جوز الزجاج أن يكون هذا إشارة إلى المرقد ثم استأنف ما وعد الرحمن ويضمر الخبر حق أو نحوه وقال الجمهور ابتداء الكلام هذا ما وعد الرحمن واختلف في هذه المقالة من قالها فقال ابن زيد هي من قول الكفرة وقال قتادة ومجاهد هي من قول المؤمنين للكفار وقال الفراء هي من قول الملائكة وقالت فرقة هي من قول الله تعالى على جهة التوبيخ وباقي الآية بين وقوله تعالى إن أصحاب الجنة اليوم في شغل قال ابن عباس وغيره هو افتضاض الأبكار وقال ابن عباس أيضا هو سماع الأوتار وقال مجاهد معناه نعيم قد شغلهم قال ع وهذا هو القول الصحيح وتعيين شيء دون شيء لا قياس له وقوله سبحانه هم وأزواجهم في ظلال جاء في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه متعلق بالمسجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه انتهى وهذا الظل المذكور في الحديث هو في المحشر قال الشيخ ابن أبي جمرة رضي الله عنه وظلال الآخرة ما فيها مباح بل كلها قد تملكت بالأعمال التي عملها العاملون الذين هداهم الله تعالى فليس هناك لصعلوك الأعمال ظل انتهى وهو كما قال فشمر عن ساق الجد إن أردت الفوز أيها الأخ والسلام والأرائك السرر المفروشة قيل ومن شرطها أن تكون عليها حجلة وإلا فليست بأريكة وبذلك قيدها ابن عباس وغيره وقوله ما يدعون بمنزلة ما يتمنون قال أبو عبيدة العرب تقول ادع علي ما شئت بمعنى تمن علي وقوله سلام قيل هي صفة أي مسلم لهم وخالص وقيل هو مبتدأ وقيل هو خبر

مبتدإ وقوله تعالى وامتازوا اليوم فيه حذف تقديره ونقول للكفرة وامتازوا معناه انفصلوا وانحجزوا لأن العالم في الموقف إنما هم مختلطون ت وهذا يحتاج إلى سند صحيح وفي الكلام إجمال ويوم القيامة هو مواطن ثم خاطبهم تعالى لما تميزوا توبيخا وتوقيفا على عهده إليهم ومخالفتهم له وعبادة الشيطان هي طاعته والإنقياد لإغوائه وقوله هذا صراط مستقيم إشارة إلى الشرائع إذ بعث الله آدم إلى ذريته ثم لم تخل الأرض من شريعة إلى ختم الرسالة بسيدنا محمد خاتم النبيين والجبل الأمة العظيمة ثم أخبر سبحانه نبيه محمدا عليه السلام أخبارا تشاركه فيه أمته بقوله اليوم نختم على أفواههم وذلك أن الكفار يجحدون ويطلبون شهيدا عليهم من أنفسهم حسبما ورد في الحديث الصحيح فعند ذلك يختم الله تعالى على أفواههم ويأمر جوارحهم بالشهادة فتشهد وقوله سبحانه ولو نشاء لطمسنا على أعينهم الضمير في أعينهم لكفار قريش ومعنى الآية تبيين أنهم في قبضة القدرة وبمدرج العذاب قال الحسن وقتادة أراد الأعين حقيقة والمعنى لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون ويؤيد هذا مجانسة المسخ للعمي الحقيقي وقوله فاستبقوا الصراط معناه على الفرض والتقدير كأنه قال ولو شئنا لأعميناهم فاحسب أو قدر أنهم يستبقون الصراط وهو الطريق فإني لهم بالأبصار وقد أعميناهم وعبارة الثعلبي وقال الحسن والسدي ولو نشاء لتركناهم عميا يترددون فكيف يبصرون الطريق حينئذ انتهى وقال ابن عباس أراد أعين البصائر والمعنى لو شئنا لحتمنا عليهم بالكفر فلم يهتد منهم أحدا أبدا وبين تعالى في تنكيسه المعمرين وإن ذلك مما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتنكيسه تحول خلقه من القوة إلى الضعف ومن الفهم إلى البله ونحو ذلك ثم أخبر تعالى عن حال نبيه محمد عليه السلام رادا على من قال من الكفرة أنه شاعر وأن القرآن شعر بقوله وما علمناه الشعر الآية

وقوله تعالى لتنذر من كان حيا أي حي القلب والبصيرة ولم يكن ميتا لكفره وهذه استعارة قال الضحاك من كان حيا معناه عاقلا ويحق القول معناه يحتم العذاب ويجب الخلود وقوله تعالى أولم يروا أنا خلقنا الآية مخاطبة لقريش أيضا وقوله أيدينا عبارة عن القدرة والله تعالى منزه عن الجارحة وقوله تعالى فهم لها مالكون تنبيه على النعمة وقوله وهم لهم جند محضرون أي يحضرون لهم في الآخرة على معنى التوبيخ والنقمة وسمى الأصنام جندا إذ هم عدة للنقمة من الكفرة ثم أنس الله نبيه عليه السلام بقوله فلا يحزنك قولهم وتوعد الكفرة بقوله إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون وقوله تعالى أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة الآية والصحيح في سبب نزول الآية هو ما رواه ابن وهب عن مالك وقاله ابن إسحاق وغيره أن أبي بن خلف جاء بعظم رميم ففته في وجه النبي صلى الله عليه و سلم وحياله وقال من يحي هذا يا محمد ولأبي هذا مع النبي صلى الله عليه و سلم مقامات ومقالات إلى أن قتله النبي صلى الله عليه و سلم بيده يوم أحد طعنه بحربة في عنقه وقوله ونسي خلقه يحتمل أن يكون نسيان الذهول ويحتمل أن يكون نسيان الترك والرميم البالي المتفتت وهو الرفاث ثم دلهم سبحانه على الإعتبار بالنشأة الأولى ثم عقب تعالى بدليل ثالث في إيجاد النار في العود الأخضر المرتوي ماء وهذا هو زناد العرب والنار موجودة في كل عود غير أنها في المتخلخل المفتوح المسام أوجد وكذلك هو المرخ والعفار وجمع الضمير جمع من يعقل في قوله مثلهم من حيث أن السموات والأرض متضمنة من يعقل من الملائكة والثقلين هذا تأويل جماعة وقيل مثلهم عائد على الناس وباقي الآية بين

تفسير

سورة الصافات
وهي مكية بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والصافات صفا الآية أقسم الله تعالى في هذه الآية بأشياء من مخلوقاته قال ابن مسعود وغيره الصافات هي الملائكة تصف في السماء في عبادة الله عز و جل وقالت فرقة المراد صفوف بني آدم في القتال في سبيل الله قال ع واللفظ يحتمل أن يعم هذه المذكورات كلها قال مجاهد والزاجرات هي الملائكة تزجر السحاب وغير ذلك من مخلوقات الله تعالى وقال قتادة الزاجرات هي آيات القرآن والتاليات ذكرا معناه القارئات قال مجاهد أراد الملائكة التي تتلو ذكره وقال قتادة أراد بني آدم الذين يتلون كتبه المنزلة وتسبيحه وتكبيره ونحو ذلك والمقسم عليه قوله إن إلهكم لواحد وقوله ما رد قال العراقي ما رد سخط عليه وهكذا مريد انتهى وهذا لفظه والملأ الأعلى أهل السماء الدنيا فما فوقها وسمي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملإ الأرض الذي هو أسفل والضمير في يسعون للشياطين وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص لا يسمعون بشد السين والميم بمعنى لا يتسمعون فينتفي على قراءة الجمهور سماعهم وإن كانوا يستمعون وهو المعنى الصحيح ويعضده قوله تعالى إنهم عن السمع لمعزولون ويقذفون معناه يرجمون والدحور الإصفار والإهانة لأن الدحر هو الدفع بعنف وقال البخاري ويقذفون يرمون ودحورا مطردين وقال ابن عباس مدحورا مطرودا انتهى والواصب الدائم قاله مجاهد وغيره وقال أبو صالح الواصب الموجع ومنه الوصب والمعنى هذه الحال هي

الغالبة على جميع الشياطين إلا من شذ فخطف خبرا أو نبأ فاتبعه شهاب فأحرقه والثاقب النافذ بضوءه وشعاعه المنير قاله قتادة وغيره وقوله تعالى فاستفتهم أهم أشد خلقا أي فلا يمكنهم أن يقولوا إلا أن خلق من سواهم من الأمم والملائكة والجن والسموات والأرض والمشارق والمغارب وغير ذلك هو أشد من هؤلاء المخاطبين وبان الضمير في خلقنا يراد به ما تقدم ذكره قال مجاهد وقتادة وغيرهما ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود أم من عددنا وكذلك قرأ الأعمش وقوله تعالى إنا خلقناهم من طين أي خلق أصلهم وهو آدم عليه السلام واللازب والازم يلزم ما جاوره ويلصق به وهو الصلصال بل عجبت يا محمد من أعراضهم عن الحق وقرأ حمزة والكسائي بل عجبت بضم التاء وذلك على أن يكون تعالى هو المتعجب ومعنى ذلك من الله تعالى أنه صفة فعل ونحوه قوله صلى الله عليه و سلم يعجب الله من الشاب ليست له صبوة فإنما هي عبارة عما يظهره الله تعالى في جانب المتعجب منه من التعظيم أوالتحقير حتى يصير الناس متعجبين منه قال الثعلبي قال الحسين ابن الفضل التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه وهو لغة العرب انتهى وقوله ويسخرون أي وهم يسخرون من نبوتك وقوله وإذا رأوا آية يستسخرون يريد بالآية العلامة والدلالة وروي أنها نزلت في ركانة وهو رجل من المشركين من أهل مكة لقيه النبي صلى الله عليه و سلم في جبل خال وهو يرعى غنما له وكان أقوى أهل زمانه فقال له النبي صلى الله عليه و سلم يا ركانة أرأيت أن صرعتك أتؤمن بي قال نعم فصرعه النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا ثم عرض عليه آيات من دعاء شجرة وإقبالها ونحو ذلك مما اختلفت فيه ألفاظ الحديث فلما فرغ ذلك لم يؤمن وجاء إلى مكة فقال يا بني هاشم ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فنزلت هذه الآية فيه وفي نظرائه ويستسخرون قال مجاهد وقتادة

معناه يسخرون ثم أمر تعالى نبيه أن يجيب تقريرهم واستفهامهم عن البعث بنعم وأن يزيدهم في الجواب إنهم مع البعث في صغار وذلة واستكانة والداخر الصاغر الذليل وقد تقدم بيانه غير ما مرة والزجرة الواحدة هي نفخة البعث قال العراقي الزجرة الصيحة بانتهار انتهى والدين الجزاء وأجمع المفسرون على أن قوله تعالى هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ليس هو من قول الكفرة وإنما المعنى يقال لهم وقوله وأزواجهم معناه أنواعهم وضرباؤهم قاله عمر وابن عباس وقتادة ومعهم ما كانوا يعبدون من دون الله من آدمي رضي بذلك ومن صنم ووثن توبيخا لهم وإظهار لسوء حالهم وقال الحسن أزواجهم نساؤهم المشركات وقاله ابن عباس أيضا وقوله تعالى فاهدوهم معناه قدموهم واحملوهم على طريق الجحيم ثم يأمر الله تعالى بوقوفهم على جهة التوبيخ لهم والسؤال قال جمهور المفسرين يسئلون عن أعمالهم ويوقفون على قبحها وقد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم لا تزول قدما عبد الحديث قال ع ويحتمل عندي أن يكون المعنى على نحو ما فسره تعالى بقوله ما لكم لا تناصرون أي أنهم مسئولون عن امتناعهم عن التناصر وهذا على جهة التوبيخ وقرأ خالد لا تتناصرون ت قال عياض في المدارك كان أبو إسحاق الجبنياني ظاهر الحزم كثير الدمعة يسرد الصيام قال ولده أبو الطاهر قال لي أبي إن إنسانا بقي في آية سنة لم يتجاوزها وهي قوله تعالى وقفوهم إنهم مسئولون فقلت له أنت هو فسكت فعلمت أنه هو وكان إذا دخل في الصلاة لو سقط البيت الذي هو فيه ما التفت إقبالا على صلاته واشتغالا بمناجاة ربه وكان رحمه الله من أشد الناس تضييقا على نفسه ثم على أهله وكان يأكل البقل البري والجراد إذا وجده ويطحن قوته بيده شعيرا ثم يجعله بنخالته دقيقا في قدر مع ما وجد من بقل بري وغيره حتى أنه ربما رمى بشيء منه لكلب أو هر فلا يأكله

وكان لباسه يجمعه من خرق المزابل ويرقعه وكان يتوطأ الرمل وفي الشتاء يأخذ قفاف المعاصر الملقاة على المزابل يجعلها تحته قال ولده أبو الطاهر وكنا إذا بقينا بلا شيء نقتاته كنت أسمعه في الليل يقول ... ما لي تلاد ولا استطرفت من نشب ... وما أأمل غير الله من أحد ... إن القنوع بحمد الله يمنعني ... من التعرض للمنانة النكد ...
انتهى وقوله تعالى وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون هذه الجماعة التي يقبل بعضها على بعض هي جن وإنس قاله قتادة وتساؤلهم هو على معنى التقريع واللوم والتسخط والقائلون إنكم كنتم تأتوننا إما أن يكون الإنس يقولونها للشياطين وهذا قول مجاهد وابن زيد وإما أن يكون ضعفة الإنس يقولونها للكبراء والقادة واضطراب المتأولون في معنى قولهم عن اليمين فعبر ابن زيد وغيره عنه بطريق الجنة ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى ولا يختص بنفس اللفظة والذي يخصها معان منها أن يريد باليمين القوة أي تحملوننا على طريق الضلالة بقوة ومنها أن يريد باليمين اليمن أي تأتوننا من جهة النصائح والعمل الذي يتيمن به ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا إنكم كنتم تجيئوننا من جهة الشهوات وأكثر ما يتمكن هذا التأويل مع إغواء الشياطين وقيل المعنى تحلفون لنا فاليمين على هذا القسم وقد ذهب بعض العلماء في ذكر إبليس جهات بني آدم في قوله من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم إلى ما ذكرناه من جهة الشهوات ثم أخبر تعالى عن قول الجن المجيبين لهؤلاء بقولهم بل لم تكونوا مؤمنين أي ليس الأمر كما ذكرتم بل كان لكم اكتساب الكفر وما كان لنا عليكم حجة وبنحو هذا فسر قتادة وغيره أنه قول الجن إلى غاوين ثم أخبر تعالى بأنهم جميعا في العذاب مشتركون وأن هذا فعله بأهل الجرم والكفر وقوله سبحانه إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله

الآية ت جاء في فضل لا إله إلا الله أحاديث كثيرة فمنها ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال قال موسى يا رب علمني شيأ أذكرك به وأدعوك به قال قل يا موسى لا إله إلا الله قال يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال إنما أريد شيأ تخصني به قال يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله رواه النسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ لابن حبان وعنه صلى الله عليه و سلم قال وقول لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يشبهها عمل رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح الإسناد انتهى من السلاح والطائفة التي قالت أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون هي قريش وإشارتهم بالشاعر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فرد الله عليهم بقوله بل جاء بالحق وصدق المرسلين الذين تقدموه ثم أخبر تعالى مخاطبا لهم بقوله إنكم لذائقوا العذاب الأليم الآية وقوله تعالى إلا عباد الله المخلصين استثناء منقطع وهؤلاء المؤمنون وقوله معلوم معناه عندهم وقوله بيضاء يحتمل أن يعود على الكاس ويحتمل أن يعود على الخمر وهو أظهر قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن وفي قراءة ابن مسعود صفراء فهذا وصف الخمر وحدها والغول اسم عام في الأذى وقال ابن عباس وغيره الغول وجع في البطن وقال قتادة هو صداع في الرأس وينزفون من قولك نزف الرجل إذا سكر وبإذهاب العقل فسره ابن عباس وقرأ حمزة والكسائي ينزفون بكسر الزاي من أترف وله معنيان أحدهما سكر والثاني نفد شرابه وهذا كله منفي عن أهل الجنة وقاصرات الطرف قال ابن عباس وغيره معناه على أزواجهن أي لا ينظرون إلى غيرهم وعين جمع عيناء وهي الكبيرة العينين في جمال وقوله تعالى كأنهن بيض مكنون قال ابن جبير والسدي شبه ألوانهن بلون قشر البيضة

الداخلي وهو المكنون أي المصون ورجحه الطبري وقال الجمهور شبه ألوانهن بلون قشر البيضة من النعام وهو بياض قد خالطته صفرة حسنة ومكنون أي بالريش وقال ابن عباس فيما حكى الطبري البيض المكنون أراد به الجوهر المصون قال ع وهذا يرده لفظ الآية فلا يصح عن ابن عباس وقوله تعالى فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم الآية هذا التساؤل الذي بين أهل الجنة هو تساؤل راحة وتنعم يتذاكرون أمورهم في الجنة وأمر الدنيا وحال الطاعة والإيمان فيها ثم أخبر تعالى عن قول قائل منهم في قصته وهو مثال لكل من له قرين سوء فيعطي هذا المثال التحفظ من قرناء السوء قال الثعلبي قوله إني كان لي قرين قال مجاهد كان شيطانا انتهى وقال ابن عباس وغيره كان هذان من البشر مؤمن وكافر وقال فرات بن ثعلبة البهراني في قصص هذين أنهما كانا شريكين بثمانية آلاف دينار فكان أحدهما مشغولا بعبادة الله وكان الآخر كافرا مقبلا على ماله فحل الشركة مع المؤمن وبقي وحده لتقصير المؤمن في التجارة وجعل الكافر كلما اشترى شيأ من دار أو جارية أو بستان ونحوه عرضه على المؤمن وفخر عليه فيمضي المؤمن عند ذلك ويتصدق بنحو ذلك ليشتري به من الله تعالى في الجنة فكان من أمرهما في الآخرة ما تضمنته هذه الآية وحكى السهيلي أن هذين الرجلين هما المذكوران في قوله تعالى واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب الآية انتهى ومدينون معناه مجازون محاسبون قاله ابن عباس وغيره وقوله تعالى قال هل أنتم مطلعون الآية في الكلام حذف تقديره فقال لهذا الرجل حاضروه من الملائكة أن قرينك هذا في جهنم يعذب فقال عند ذلك هل أنتم مطلعون يخاطب بأنتم الملائكة أو رفقاءه في الجنة أو خدمته وكل هذا حكي المهدوي وقرأ أبو عمرو في رواية حسين مطلعون بسكون الطاء وفتح

النون وقريء شاذا مطلعون بسكون الطاء وكسر النون قال ابن عباس وغيره سواء الجحيم وسطه فقال له المؤمن عند ذلك تالله إن كدت لترديني أي تهلكني بإغوائك والردى الهلاك وقول المؤمن أفما نحن بميتين إلى قوله بمعذبين يحتمل أن تكون مخاطبة لرفقائه في الجنة لما رأى ما نزل بقرينه ونظر إلى حاله في الجنة وحال رفقائه قدر النعمة قدرها فقال لهم على جهة التوقيف على النعمة أفما نحن بميتين ولا معذبين ويجيء على هذا التأويل قوله إن هذا لهو الفوز العظيم إلى قوله العاملون متصلا بكلامه خطابا لرفقائه ويحتمل قوله أفما نحن بميتين أن تكون مخاطبة لقرينه على جهة التوبيخ كأنه يقول أين الذي كنت تقول من أنا نموت وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب ويكون قوله تعالى إن هذا لهو الفوز العظيم إلى قوله العاملون يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه وإليه ذهب قتادة ويحتمل أن يكون من خطاب الله تعالى لمحمد عليه السلام وأمته ويقوى هذا قوله لمثل هذا فليعمل العاملون وهو حض على العمل والآخرة ليست بدار عمل وقوله تعالى أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم المراد بالآية تقرير قريش والكفار قال ع وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة مرة مسمومة لها لبن إن مس جسم أحد تورم ومات منه في أغلب الأمر تسمى شجرة الزقوم والتزقم في كلام العرب البلع على شدة وجهد وقوله تعالى إنا جعلناها فتنة للظالمين قال قتادة ومجاهد والسدي يريد أبا جهل ونظرءاه وقد تقدم بيان ذلك وقوله تعالى كأنه رؤس الشياطين اختلف في معناه فقالت فرقة شبه طلعها بثمر شجرة معروفة يقال لها رؤس الشياطين وهي بناحية اليمن يقال لها الأستن وقالت فرقة شبه برؤوس صنف من الحيات يقال لها الشياطين وهي ذوات أعراف وقالت فرقة شبه بما استقر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها وإن كانت لا ترى

لأن الناس إذا وصفوا شيأ بغاية القبح قالوا كأنه شيطان ونحو هذا قول امريء القيس ... أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال ...
فإنما شبه بما استقر في النفوس من هيئتها والشوب المزاج والخلط قاله ابن عباس وقتادة والحميم السخن جدا من الماء ونحوه فيريد به هاهنا شرابهم الذي هو طينة الخبال صديدهم وما ينماع منهم هذا قول جماعة من المفسرين وقوله تعالى ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم كقوله تعالى يطوفون بينهما وبين حميم آن وقوله سبحانه إنهم ألفوا آباءهم الآية تمثيل لقريش ويهرعون معناه يسرعون قاله قتادة وغيره وهذا تكسبهم للكفر وحرصهم عليه وقوله تعالى فانظر كيف كان عاقبة المنذرين يقتضي الإخبار بأنه عذبهم ولذلك حسن الإستثناء في قوله إلا عباد الله المخلصين ونداء نوح تضمن أشياء كطلب النصرة والدعاء على قومه وغير ذلك قال أبو حيان فلنعم المجيبون جواب قسم كقوله يمينا لنعم السيدان وجدتما والمخصوص بالمدح محذوف أي فلنعم المجيبون نحن انتهى وقوله تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين قال ابن عباس وقتادة أهل الأرض كلهم من ذرية نوح وقالت فرقة إن الله تعالى أبقى ذرية نوح ومد نسله وليس الأمر بأن أهل الدنيا انحصروا إلى نسله بل في الأمم من لا يرجع إليه والأول أشهر عن علماء الأمة وقالوا نوح هو آدم الأصغر قال السهيلي ذكر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في قوله عز و جل وجعلنا ذريته هم الباقين إنهم سام وحام ويافث انتهى وقوله تعالى وتركنا عليه في الآخرين معناه ثناء حسنا جميلا باقيا آخر الدهر قاله ابن عباس وغيره وسلام رفع بالإبتداء مستأنف سلم الله به عليه ليقتدي بذلك البشر ت قال أبو عمر في التمهيد قال سعيد يعني ابن

عبد الرحمن الجمحي بلغني أنه من قال حين يمسى سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب ذكر هذا عند قول النبي صلى الله عليه و سلم للأسلمي الذي لدغته عقرب أما لو أنك قلت حين امسيت اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضركك ان شاء الله قال ابو عمر وروي ابن وهب هذا الحديث عن مالك يعني حديث اعوذ بكلمات الله التامات بإسناده مثل ما في الموطإ إلا انه قال في ءاخره لم يضرك شيء انتهى وقوله تعالى ثم اغرقنا الآخرين قال جماعة من العلماء ان الغرق عم جميع الناس واسندوا في ذلك احاديث قالوا ولم يكن الناس حينئذ بهذه الكثرة لان عهد ءادم كان قريبا وكانت دعوة نوح ونبوته قد بلغت جميعهم لطول المدة واللبث فيهم فتمادوا على كفرهم ولم يقبلوا ما دعاهم اليه من عبادة الرحمن فلذلك اغرق الله جميعهم وقوله تعالى وإن من شيعته قال ابن عباس وغيره الضمير عائد على نوح والمعنى في الدين والتوحيد وقال الطبري وغيره عن الفراء الضمير عائد على محمد والاشارة اليه وقوله أئفكا استفهام بمعنى التقرير اي اكذبا ومحالا ءالهة دون الله تريدون وقوله فما ظنكم توبيخ وتحذير وتوعد وقوله تعالى فنظر في النجوم روي ان قومه كان لهم عيد يخرجون اليه فدعوا ابراهيم عليه السلام إلى الخروج معهم فنظر حينئذ واعتذر بالسقم واراد البقاء ليخالفهم إلى الاصنام وروي ان علم النجوم كان عندهم منظورا فيه مستعملا فاوهمهم هو من تلك الجهة قالت فرقة وقوله اني سقيم من المعاريض الجائزة وقوله تعالى فراغ إلى ءالهتهم راغ معناه مال وقوله ألا تأكلون هو على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الاصنام ثم مال عند ذلك إلى ضرب تلك الاصنام بفاس حتى جعلها جذاذا واختلف في معنى قوله باليمين فقال ابن عباس اراد يمنى يديه وقيل اراد بقوته لانه كان يجمع يديه معا بالفاس وقيل اراد باليمين القسم في قوله وتالله لاكيدن اصنامكم

والضمير في اقبلوا لكفار قومه ويزفون معناه يسرعون واختلف المتأولون في قوله وما تعملون فمذهب جماعة من المفسرين ان ما مصدرية والمعنى ان الله خلقكم واعمالكم وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق الله تعالى افعال العباد وهو مذهب اهل السنة وقالت فرقة ما بمعنى الذي والبنيان قيل كان في موضع ايقاد النار وقيل بل كان للمنجنيق الذي رمي عنه والله اعلم وقوله اني ذاهب الى ربي الآية قالت فرقة كان قوله هذا بعد خروجه من النار وانه اشار بذهابه الى هجرته من ارض بابل حيث كانت مملكة نمرود فخرج الى الشام وقالت فرقة قال هذه المقالة قبل ان يطرح في النار وانما اراد لقاء الله لأنه ظن ان النار سيموت فيها وقال سيهدين اي الى الجنة نحا إلى هذا المعنى قتادة قال ع وللعارفين بهذا الذهاب تمسك واحتجاج في الصفاء وهو محمل حسن في اني ذاهب وحده والتأويل الأول أظهر في نمط الآية بما يأتي بعد لأن الهداية معه تترتب والدعاء في الولد كذلك ولا يصح مع ذهاب الموت وباقي الآية تقدم قصصها وان الراجح ان الذبيح هو اسماعيل وذكر الطبري ان ابن عباس قال الذبيح اسماعيل وتزعم اليهود انه اسحاق وكذبت اليهود وذكر ايضا ان عمر بن عبدالعزيز سأل عن ذلك رجلا يهوديا كان اسلم وحسن اسلامه فقال الذبيح هو اسماعيل وان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ان تكون هذه الآيات والفضل والله في ابيكم والسعي في هذه الآية العمل والعبادة والمعونة قاله ابن عباس وغيره وقال قتادة السعي على القدم يريد سعيا متمكنا وهذا في المعنى نحو الأول وقوله إني أرى في المنام الآية يحتمل أن يكون رأى ذلك بعينه ورؤيا الأنبياء وحي وعين له وقت الإمتثال ويحتمل أنه أمر في نومه بذبحه فعبر عن ذلك بقوله إني أرى أي أرى ما يوجب أن أذبحك قال ابن العربي في أحكامه

واعلم ان رؤيا الأنبياء وحي فما القى إليهم ونفث به الملك في روعهم وضرب المثل له عليهم فهو حق ولذلك قالت عائشة وما كنت اظن أنه ينزل في قرءان يتلى ولكنى رجوت أن يرى رسول الله ص - رؤيا يبرئنى الله بها وقد بينا حقيقة الرؤيا وأن البارى تعالى يضربها مثلا للناس فمنها أسماء وكنى فمنها رؤيا تخرج بصفتها ومنها رؤيا تخرج بتأويل وهو كنيتها ولما استسلم إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام لقضاء الله أعطي إبراهيم ذبيحا فداء وقيل له هذا فداء ولدك فامتثل فيه ما رأيت فإنه حقيقة ما خطبناك فيه وهو كناية لا اسم وجعله مصدقا للرؤيا بمبادرة الامتثال انتهى وقوله تعالى فلما اسلما أي اسلما أنفسهما واستسلما لله عز و جل وقرأ ابن عباس وجماعة سلما والمعنى فوضا إليه في قضائه وقدره سبحانه فأسلم إبراهيم ابنه واسلم الابن نفسه قال بعض البصريين جواب لما محذوف تقديره فلما اسلما وتله للجبين اجزل اجرهما ونحو هذا مما يقتضيه المعنى وتله معناه وضعه بقوة ومنه الحديث في القدح فتله رسول الله ص - في يده أي وضعه بقوة وللجبين معناه لتلك الجهة وعليها كما يقولون في المثل وخر ضريعا لليدين وللفم وكما تقول سقط لشقه الأيسر والجبينان ما اكتنف الجبهة من هاهنا ومن هاهنا وأن من قوله أن يا إبراهيم مفسرة لا موضع لها من الإعراب وصدقت الرؤيا يحتمل أن يريد بقلبك أو بعملك والرؤيا اسم لما يرى من قبل الله تعالى والمنام والحلم اسم لما يرى من قبل الشيطان ومنه الحديث الصحيح الرؤيا من الله والحلم اسم لما يرى من قبل الله تعالى والمنام والحلم اسم لما يرى من قبل الشيطان ومنه الحديث الصحيح الرؤيا من الله والحلم من الشيطان والبلاء الاختبار والذبح العظيم في قول الجمهور كبش أبيض أعين وجده وراءه مربوطا بسمرة وأهل السنة على أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل خلافا للمعتزلة قال أحمد بن نصر الداودي وأن نسخ الله آية قبل العمل بها فإنما قبل العمل بها فإنما ينسخها بعد اعتقاد قبولها وهو عمل انتهى

من تفسيره عند قوله تعالى ما ننسخ من آية قال ع ولا خلاف أن إبراهيم أمر الشفرة على حلق ابنه فلم تقطع والجمهور أن أمر الذبح كان بمنى وقال الشعبي رأيت قرني كبش إبراهيم معلقتين في الكعبة وروى عمران بن حصين أن النبي ص - قال يا فاطمة قومى لأضحيتك فاشهديها فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه قولي إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين قال عمران قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة أم للمسلمين عامة قال لا بل للمسلمين عامة رواه الحاكم في المستدرك انتهى من السلاح وقوله تعالى وظالم لنفسه توعد لمن كفر من اليهود بمحمد عليه السلام والكتاب المستبين هو التوراة قال قتادة وابن مسعود إلياس هو إدريس عليه السلام وقالت فرقة هو من ولد هارون وقرأ نافع وابن عامر على ءال ياسين وقرأ الباقون على الياسين بألف مكسورة ولام ساكنة فوجهت الأولى على أنها بمعنى أهل وياسين اسم لإلياس وقيل هو اسم لمحمد عليه السلام ووجهت الثانية على أنها جمع الياسي وقرأ ابن مسعود والأعمش وأن إدريس لمن المرسلين وسلام على إدريس قال السهيلي قال ابن جني العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا فياسين وإلياس والياسين شيء واحد انتهى ت وحكى الثعلبي هنا حكاية عن عبدالعزيز بن أبي رواد عن رجل لقي إلياس في أيام مروان بن الحكم وأخبره بعدد الأبدال وعن الخضر في حكاية طويلة لا ينبغي إنكار مثلها فأولياء الله يكاشفون بعجائب فلا يحرم الأنسان التصديق بها جعلنا الله من زمرة أوليائه انتهى وقوله اتدعون بعلا معناه اتعبدون قال الحسن والضحاك وابن زيد بعل اسم ضم كان لهم ويقال له بعلبك وذكر ابن إسحاق عن فرقة إن بعلا اسم امرأة كانت اتتهم بضلالة وقرأ حمزة والكساءي وعاصم الله ربكم

ورب ءابائكم كل ذلك بالنصب بدلا من قوله أحسن الخالقين وقرأ الباقون كل ذلك بالرفع على القطع والإستيناف والضمير في كذبوه عائد على قوم إلياس ومحضرون معناه مجموعون لعذاب الله وقوله تعالى وأنكم لتمرون عليهم مخاطبة لقريش ثم وبخهم بقوله أفلا تعقلون وقوله تعالى وأن يونس الآية هو يونس بن متى ص - وهو من بنى إسرائيل وقوله تعالى إذ ابق الآية وذلك أنه لما أخبر قومه بوقت مجيء العذاب وغاب عنهم ثم أن قومه لما رأوا مخايل العذاب أنابوا إلى الله فقبل توبتهم فلما مضى وقت العذاب ولم يصبهم قال يونس لا ارجع إليهم بوجه كذاب وروي أنه كان في سيرتهم أن يقتلوا الكذاب فأبق إلى الفلك أي أراد الهروب ودخل في البحر وعبر عن هروبه بالإباق من حيث أنه فر عن غير إذن مولاه فروي عن ابن مسعود أنه لما حصل في السفينة وابعدت في البحر ركدت ولم تجر وغيرها من السفن يجري يمينا وشمالا فقال أهلها أن فينا لصاحب ذنب وبه يحبسنا الله تعالى فقالوا لنقترع فأخذوا لكل واحد سهما واقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فطرح حينئذ نفسه والتقمه الحوت وروي أن الله تعالى أوحى إلى الحوت إني لم اجعل يونس لك رزقا وإنما جعلت بطنك له حرزا وسجنا فهذا معنى فساهم والمدحض المغلوب في محاجةأو مساهمة وعبارة ابن العربي في الأحكام وأوحى الله تعالى إلى الحوت أنا لم نجعل يونس لك رزقا وإنما جعلنا بطنك له مسجدا الحديث انتهى ولفظة مسجد احسن من السجن فرحم الله عبدا لزم الأدب لا سيما مع أنبيائه واصفيائه والمليم الذي أتى ما يلام عليه وبذلك فسر مجاهد وابن زيد وقوله سبحانه فلولا أنه كان من المسبحين قيل المراد القائلين سبحان الله في بطن الحوت قاله ابن جريج وقالت فرقة بل التسبيح هنا الصلاة قال ابن عباس وغيره صلاته في

وقت الرخاء نفعته في وقت الشدة وقال هذا جماعة من العلماء وقال الضحاك بن قيس على منبره اذكروا الله عباد الله في الرخاء يذكركم في الشدة أن يونس كان عبدالله ذاكرا له فلما أصابته الشدة نفعه ذلك قال الله عز و جل فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وأن فرعون كان طاغيا باغيا فلما أدركه الغرق قال ءامنت فلم ينفعه ذلك فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة وقال ابن جبير الإشارة بقوله من المسبحين إلى قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله سبحانه فنبذناه بالعراء الآية العراء الأرض الفيحاء التى لا شجر فيها ولا معلم قال ابن عباس وغيره في قوله وهو سقيم أنه كالطفل المنفوس بضعة لحم وقال بعضهم كاللحم النيء إلا أنه لم ينقص من خلقه شيء فأنعشه الله في ظل اليقطينة بلبن اروية كانت تغاديه وتراوحه وقيل بل كان يتغذى من اليقطينة ويجد منها ألوان الطعام وأنواع شهواته قال ابن عباس وأبو هريرة وعمرو بن ميمون اليقطين القرع خاصة وقيل كل ما لا يقوم على ساق كالبقول والقرع والبطيخ ونحوه مما يموت من عامة ومشهور اللغة أن اليقظين هو القرع فنبت لحم يونس عليه السلام وصح وحسن لونه لأن ورق القرع انفع شيء لمن تسلخ جلده وهو يجمع خصالا حميدة برد الظل ولين الملمس وأن الذباب لا يقربها حكى النقاش أن ماء ورق القرع إذا رش به مكان لم يقربه ذباب وروي أنه كان يوما نائما فأيبس الله تلك اليقطينة وقيل بعث عليها الأرضة فقطعت ورقها فانتبه يونس لحر الشمس فعز عليه شأنها وجزع له فأوحى الله إليه يا يونس جزعت ليبس اليقطينة ولم تجزع لإهلاك مائة ألف أو يزيدون تابوا فتبت عليهم وقوله تعالى وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون قال الجمهور أن هذه الرسالة هي رسالته الأولى ذكرها الله في ءاخر القصص وقال قتادة وغيره هذه رسالة أخرى

بعد أن نبذ بالعراء وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل وقرأ الجمهور أو يزيدون فقال ابن عباس أو بمعنى بل وروي عنه أنه قرأ بل يزيدون وقالت فرقة أو هنا بمعنى الواو وقرأ جعفر بن محمد ويزيدون وقال المبرد وكثير من البصريين قوله أو يزيدون المعنى على نظر البشر وحرزهم أي من رآهم قال مائة ألف أو يزيدون وروى أبي بن كعب عن النبي ص - أنهم كانوا مائة وعشرين ألفا ت وعباره أحمد بن نصر الداودي وعن أبي بن كعب قال سألت النبي ص - عن الزيادتين الحسنى وزيادة وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون قال يزيدون عشرين ألفا واحسبه قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل انتهى وفي قوله فآمنوا فمتعناهم إلى حين مثال لقريش أن آمنوا ومن هنا حسن انتقال القول والمحاورة إليهم بقوله فاستفتهم فإنما يعود على ضميرهم على ما في المعني من ذكرهم والاستفتاء السؤال وهو هنا بمعنى التقريع والتوبيخ في جعلهم البنات لله تعالى الله عن قولهم ثم أخبر الله تعالى عن فرقة منهم بلغ بها الافك والكذب إلى أن قالت ولد الله الملائكة لأنه نكح في سروات الجن تعالى الله عن قولهم وهذه فرقة من بنى مدلج فيما روي وقرأ الجمهور اصطفى البنات بهمزة الاستفهام على جهة التقريع والتوبيخ وقوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الجنة هنا قيل هم الملائكة لأنها مستجنة أي مستترة وقيل الجنة هم الشياطين والضمير في جعلوا لفرقة من كفار قريش والعرب ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون أي ستحضر أمر الله وثوابه وعقابه ثم نزه تعالى نفسه عما يصفه الكفرة ومن هذا استثنى عباده المخلصين لأنهم يصفونه بصفاته العلى وقالت فرقة استثناهم من قوله لمحضرون وعبارة الثعلبي ولقد علمت الجنة أي الملائكة أن قائلي هذه المقالة من الكفرة لمحضرون في النار وقيل للحساب والأول أولى لأن الأحضار متى

جاء في هذه الصورة عني به العذاب الا عباد الله المخلصين فإنهم ناجون من النار انتهى في البخاري لمحضرون أي سيحضرون للحساب انتهى وقوله تعالى فإنكم وما تعبدون بمعنى قل لهم يا محمد إنكم وأصنامكم ما أنتم بمضلين أحدا بسببها وعليها إلا من قد سبق عليه القضاء فإنه يصلى الجحيم في الآخرة وليس لكم اضلال من هدى الله تعالى وقالت فرقة عليه بمعنى به والفاتن المضل في هذا الموضع وكذلك فسره ابن عباس وغيره وحذفت الياء من صال للإضافة ثم حكى سبحانه قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم وهذا يؤيد أن الجنة أراد بها الملائكة وتقدير الكلام وما منا ملك وروت عائشة عن النبي ص - أن السماء ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو واقف يصلي وعن ابن مسعود وغيره نحوه والصافون معناه الواقفون صفوفا والمسبحون يحتمل أن يريد به الصلاة ويحتمل أن يريد قول سبحان الله قال الزهراوي قيل أن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة مذ نزلت هذه الآية ولا يصصف أحد من أهل الملل غير المسلمين ثم ذكر تعالى مقالة بعض الكفار قال قتادة وغيره فإنهم قبل نبوة نبينا محمد ص - قالوا لو كان لنا كتاب أو جاءنا رسول لكنا عباد الله المخلصين فلما جاءهم محمد كفروا به فسوف يعلمون وهذا وعيد محض ثم أنس تعالى نبيه وأولياءه بأن القضاء قد سبق والكلمة قد حقت بأن رسله سبحانه هم المنصورن على من ناواهم وجند الله هم الغزاة وقوله تعالى فتول عنهم أمر لنبيه بالموادعة ووعد جميل وحتى حين قيل هو يوم بدر وقيل يوم القيامة وقوله تعالى وابصرهم فسوف يبصرون وعد للنبي ص - ووعيد لهم ثم ونجهم على استعجال العذاب فإذا نزل أي العذاب بساحتهم فساء صباح المنذرين والساحة الفناء وسوء الصباح أيضا مستعمل في ورود الغارات ت ومنه قول النبي ص - لما أشرف على خيبر

الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين انتهى وقرأ ابن مسعود صباح والعزة في قوله رب العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين وكذلك قال الفقهاء من أجل أنها مربوبة قال محمد بن سحنون وغيره من حلف بعزة فإن كان أراد صفته الذاتية فهي يمين وإن كان أراد عزته التى خلق بين عباد وهي التى في قوله رب العزة فليست بيمين وروي عن النبي ص - أنه قال إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين فإنما أنا أحدهم ص - وعلى ءاله وعلى جميع النبيين وسلم
تفسير

سورة ص
وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم قرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق صاد بكسر الدال والمعنى ماثل القرءان بعملك وقاربه بطاعتك وكذا فسره الحسن أي انظر أين عملك منه وقال الجمهور أنه حرف معجم يدخله ما يدخل أوائل السور من الأقوال ويختص هذا بأن قال بعض الناس معناه صدق محمد وقال الضحاك معناه صدق الله وقال محمد بن كعب القرظي هو مفتاح أسماء الله صمد صادق ونحوه وقوله والقرءان ذى الذكر قسم قال ابن عباس وغيره معناه ذى الشرف الباقى المخلد وقال قتادة ذى التذكرة للناس والهداية لهم قالت فرقة ذى الذكر للأمم والقصص والغيوب ت ولا مانع من أن يراد الجميع قال ع وأما جواب القسم فاختلف فيه فقالت فرقة الجواب في قوله ص إذ هو بمعنى صدق الله أو صدق محمد وقال الكوفيون والزجاج الجواب في قوله أن

ذلك لحق تخاصم أهل النار وقال بعض البصريين ومنهم الأخفش الجواب قي قوله أن كل الأكذب الرسل قال ع وهذان القولان بعيدان وقال قتادة والطبري الجواب مقدر قبل بل وهذا هو الصحيح تقديره والقرآن ما الأمر كما يزعمون ونحو هذا من التقدير فتدبره وقال أبو حيان الجواب انك لمن المرسلين وهو ما أثبت جوابا للقرآن حين أقسم به انتهى وهو حسن قال أبو حيان وقوله في عزة هي قراءة الجمهور وعن الكسائي بالغين المعجمة والراءاي في غفلة انتهى والعزة هنا المعازة والمغالبة والشقاق ونحوه أي هم في شق والحق في شق وكم للتكثير وهي خبر فيه مثال ووعيد وهي في موضع نصب بأهلكنا وقوله فنادوا معناه مستغيثين والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفعهم ذلك ولم يكن في وقت نفع ولات بمعنى ليس واسمها مقدر عند سيبويه تقديره ولات الحين حين مناص والمناص المفرناص ينوص اذا فروفات قال ابن عباس المعنى ليس بحين نزولا ولا فرار ضبط القوم والضمير في عجبوا الكفار قريش قوله تعالى وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم الآية روى في قصص هذه الآية أن اشراف قريش اجتمعوا عند مرض أبي طالب وقالوا أن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ونوذي محمدا بعده فتقول العرب تركوه مدة عمه فلما مات ءاذوه ولكن لنذهب الى أبي طالب فينصفنا منه ويربط بيننا وبينه ربطا فنهضوا اليه فقالوا يا أبا طالب أن محمدا يسب آلهتنا ويسفه آراءنا ونحن لا نقاره على ذلك ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك بأن يقيم في منزله يعبد ربه الذي يزعم ويدع آلهتنا وسبها ولا يعرض لأحد منا بشيء من هذا فبعث أبو طالب الى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد إن قومك قد دعوك الى النصفة وهي أن تدعهم وتعبد ربك وحدك فقال أو غير ذلك يا عم قال وما هو قال يعطونني كلمة تدين لهم بها العرب

وتؤدي اليهم الجزية بها العجم قالوا وما هي فانا نبادر اليها قال لا اله الا الله فنفروا عند ذلك وقالوا ما يرضيك منا غير هذا قال والله لو أعطيتموني الأرض ذهبا ومالا وفي رواية لو جعلتم الشمس في يميني والقمر في شمالي ما أرضاني منكم غيرها فقاموا عند ذلك وبعضهم يقول لبعض اجعل الآلهة الها واحدا أن هذا لشيء عجاب ويرددون هذا المعنى وعقبة بن ابي معيط يقول امشوا واصبروا على آلهتكم فقوله تعالى وانطلق الملأ عن خروجهم عن أبي طالب وانطلاقهم من ذلك الجمع هذا قول جماعة من المفسرين وقوله أن امشوا نقل الامام الفخران أن بمعنى أي انتهى وقولهم أن هذا لشيء يراد يريدون ظهور محمد وعلوه أي يراد منا الانقياد له وأن نكون له اتباعا ويريدون بالملة الآخرة ملة عيسى قال ابن عباس وغيره وذلك أنها ملة شهر فيها التثليث ثم توعدهم سبحانه بقوله بل لما يذوقوا عذاب أي لو أذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق وقوله تعالى أم عندهم خزائن رحمة ربك الآية عبارة الثعلبي أم عندهم خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح النبؤة حتى يعطوا من اختاروا نظيرها أهم يقسمون رحمة ربك أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما يعني أن ذلك لله تعالى يصطفي من يشاء فليرتقوا في الأسباب فليصعدوا فيما يوصلهم الى السماوات فليأتوا منها بالوحي الى من يختارون وهذا أمر توبيخ وتعجيز انتهى ونحوه كلام ع ثم وعد الله نبيه النصر فقال جند ما هنالك مهزوم أي مغلوب ممنوع من الصعود الى السماء من الأحزاب أي من جملة الاحزاب قال ع وهذا تأويل قوي وقالت فرقة الاشارة بهنالك الى حماية الاصنام وعضدها أي هؤلاء القوم جند مهزوم في هذه السبيل وقال مجاهد الاشارة بهنالك الى يوم بدر وهي من الأمور المغيبة أخبر بها عليه السلام وما في قوله جند ما زائدة موكدة وفيها تخصيص وباقي الآية وقال أبو حيان جند خبر مبتدأ محذوف أي هم جند وما زائدة أو صفة

أريد بها التعظيم على سبيل الهزء بهم أو الاستخفاف لأن الصفة تستعمل على هذين المعنيين وهنالك ظرف مكان يشار به الى البعيد في موضع صفة لجند أي كائن هنالك أو متعلق بمهزوم انتهى وقوله تعالى وما ينظر هؤلاء أي ينتظر الاصيحة واحدة قال قتادة توعدهم سبحانه بصيحة القيامة والنفخ في الصور قال الثعلبي وقد روي هذا التفسير مرفوعا وقالت طائفة توعدهم الله بصيحة يهلكون بها في الدنيا ما لها من فواق قرأ الجمهور بفتح الفاء وقرأ حمزة والكسائي فواق بضم الفاء قال ابن عباس هما بمعنى أي ما لها من انقطاع وعودة بل هي متصلة حتى تهلكهم ومنه فواق الحلب وهي المهلة التي بين الشخبين وقال ابن زيد وغيره المعنى مختلف فالضم كما تقدم من معنى فواق الناقة والفتح بمعنى الافاقة أي لا يفيقون فيها كما يفيق المريض والمغشي عليه والقط الحظ والمصيب والقط أيضا الصك والكتاب من السلطان بصلة ونحوه واختلف في القط هنا ما أرادوا به فقال ابن جبير أرادوا به عجل لنا نصيبنا من الخير والنعيم في دنيانا وقال أبو العالية أرادوا عجل لنا صحفنا بأيماننا وذلك لما سمعوا في القرآن أن الصحف تعطي يوم القيامة بالأيمان والشمائل وقال ابن عباس وغيره أرادوا ضد هذا من العذاب ونحوه وهذا نظير قولهم فامطر علينا حجارة من السماء قال ع وعلى كل تأويل فكلامهم خرج على جهة الاستخفاف والهزء واذكر عبدنا داود ذا الأيد أي فتأس به ولا تلتفت الى هؤلاء والأيد القوة في الدين والشرع والصدع به والأواب الرجاع الى طاعة الله وقال مجاهد وابن زيد وفسره السدي بالمسبح وتسبيح الجبال هنا حقيقة والاشراق ضياء الشمس وارتفاعها وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني اسراءيل قال الثعلبي وليس الاشراق طلوع الشمس وإنما هو صفاؤها وضوءها انتهى قال ابن العربي في أحكامه قال ابن عباس ما كنت أعلم صلاة الضحى في القرآن

حتى سمعت الله تعالى يقول يسبحن بالعشي والاشراق قال ابن العربي أما صلاة الضحى فهي في هذه الآية نافلة مستحبة ولا ينبغي أن تصلى حتى تتبين الشمس طالعة قد أشرق نورها وفي صلاة الضحى أحاديث أصولها ثلاثة الأولى حديث أبي ذر وغيره عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يصبح على كل سلامي من ابن آدم صدقة تسليمه على من لقي صدقة وأمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة وإماطته الأذى عن الطريق صدقة وبضعه أهله صدقة ويجزئي من ذلك كله ركعتان من الضحى الثاني حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول الأخير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر الثالث حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى يوم الفتح ثماني ركعات انتهى ت وروى أبو عيسى الترمذي وغيره عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة قال الترمذي حديث حسن انتهى قال الشيخ أبو الحسن ابن بطال في شرحه للبخاري وعن زيد بن أسلم قال سمعت عبد الله بن عمر يقول لأبي ذر أوصني يا عم قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما سألتني فقال من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ومن صلى ثمانيا كتب من القانتين ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة انتهى والطير عطف على الجبال أي وسخرنا الطير ومحشورة معناه مجموعة والضمير في له قالت فرقة هو عائد على الله عز و جل فكل على هذا يراد به داود والجبال والطير وقالت فرقة هو عائد على داود فكل على

هذا يراد به الجبال والطير وقوله تعالى وشددنا ملكه عبارة عامة لجميع ما وهبه الله تعالى من قوة وجند ونعمة وفصل الخطاب قال ابن عباس وغيره هو فصل القضاء بين الناس بالحق واصابته وفهمه وقال الشعبي أراد قول أما بعد فإنه أول من قالها قال ع والذي يعطبه اللفظ أنه آتاه الله فصل الخطاب بمعنى أنه اذا خاطب في نازلة فصل المعنى وأوضحه لا يأخذه في ذلك حصر ولا ضعف وقوله تعالى وهل أتاك نبأ الخصم الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم واستفتحت بالاستفهام تعجيبا من القصة وتفخيما لها والخصم يوصف به الواحد والاثنان والجمع وتسوروا معناه علوا سوره وهو جمع سورة وهي القطعة من البناء وتحتمل هذه الآية أن يكون المستور اثنان فقط فعبر عنهما بلفظ الجمع ويحتمل أن يكون مع كل واحد من الخصمين جماعة والمحراب الموضع الأرفع من القصر أو المسجد وهو موضع التعبد وإنما فزع منهم من حيث دخلوا من غير الباب ودون استيذان ولا خلاف بين أهل التأويل أن هذا الخصم إنما كانوا ملائكة بعثهم الله ضرب مثل لداود فاختصموا اليه في نازلة قد وقع هو في نحوها فافتاهم بفتيا وهي واقعة عليه في نازلته ولما شعر وفهم المراد خر راكعا وأناب واستغفر وأما نازلته التي وقع فيها ففيها للقصاص تطويل فلم نر سوق جميع ذلك لعدم صحته وروي في ذلك عن ابن عباس ما معناه أن داود كان في محرابه يتعبد إذ دخل عليه طائر حسن الهيئة فمد يده اليه ليأخذه فزال مطمعا له من موضع الى موضع حتى اطلع على امرأة لها منظر وجمال فخطر في نفسه أن لو كانت من نسائه وسأل عنها فأخبر أنها امرأة أوريا وكان في الجهاد فبلغه فبلغه أنه استشهد فخطب المرأة وتزوجها فكانت أن سليمان فيما روي عن قتادة فبعث الله الخصم ليفتي قالت فرقة من العلماء وإنما وقعت المعاتبة على همه ولم يقع منه شيء سوى الهم وكان لداود فيما روي تسع وتسعون امرأة

وفي كتب بني اسرائيل في هذه القصة صور لا تليق وقد قال علي بن أبي طالب من حديث بما قال هؤلاء القصاص في أمر داود جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع الله قدره وقوله خصمان تقديره نحن خصمان وبغى معناه اعتدى واستطال ولا تشطط معناه ولا تتعد في حكمك وسواء الصراط معناه وسطه وقوله أن هذا أخي اعراب أخي عطف بيان وذلك أن ما جرى من هذه الأشياء صفة كالخلق والخلق وسائر الأوصاف فانه نعت محض والعامل فيه هو العامل في الموصوف وما كان منها مما ليس يوصف به بتة فهو بدل والعامل فيه مكرر أي تقديرا يقال جاءني أخوك زيد فالتقدير جاءني أخوك جاءني زيد وما كان منها مما لا يوصف به واحتيج الى أن يبين به ويجري مجرى الصفة فهو عطف بيان والنعجة في هذه الآية عبر بها عن المرأة والنعجة في كلام العرب تقع على انثى بقر الوحش وعلى انثى الضأن وتعبر العرب بها عن المرأة وقوله اكفلنيها أي ردها في كفالتي وقال ابن كيسان المعنى اجعلها كفلي أي نصيبي وعزني معناه غلبني ومنه قول العرب من عزيز أي من غلب سلب ومعنى قوله في الخطاب أي كان أوجه مني فاذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي ويروى أنه لما قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك تبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه فشعر حينئذ للأمر ويروى أنهما ذهبا نحو السماء بمرأى منه والخلطاء الشركاء في الاملاك والأمور وهذا القول من داود وعظ وبسط لقاعدة حق ليحذر الخصم من الوقوع في خلاف الحث وقوله تعالى الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم قال أبو حيان وقليل خبر مقدم وما زائدة تفيد معنى التعظيم انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أشد الأعمال ذكر الله على كل حال والأنصاف من نفسك ومواساة الأخ في المال انتهى

وقوله تعالى وظن داود إنما فتناه معناه شعر للأمر وعلمه وفتناه أي ابتليناه وامتحناه وقال البخاري قال ابن عباس فتناه أي اختبرناه وأسند البخاري عن مجاهد قال سألت ابن عباس عن سجدة ص أين تسجد فقال أو ما تقرأ ومن ذريته داود وسليمان الى قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان داود ممن أمر نبيكم أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى فتأمله وما فيه من الفقه وقرأ أبو عمرو في رواية على ابن نصر فتناه بتخفيف التاء والنون على اسناد الفعل للخصمين أي امتحناه عن أمرنا قال ابو سعيد الخدري رأيتني في النوم اكتب سورة ص فلما بلغت قوله وخر راكعا وأناب سجد القلم ورأيتني في منام آخر وشجرة تقرأ سورة ص فلما بلغت هذا سجدت وقالت اللهم اكتب لي بها أجرا وحط عني بها وزرا وارزقني بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود فقال النبي صلى الله عليه و سلم وسجدت أنت يا أبا سعيد قلت لا قال أنت كنت أحق بالسجدة من الشجرة ثم تلا نبي الله الآيات حتى بلغ وأناب فسجد وقال كما قالت الشجرة وأنا معناه رجع ت وحديث سجود الشجرة رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم وهو من شرط الصحة انتهى من السلاح والزلفى القربة والمكانة الرفيعة والمئاب المرجع في الآخرة من ءاب يئوب اذا رجع وقوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض تقدير الكلام وقلنا له يا داود وقال ع ولا يقال خليفة الله الا لرسوله وأما الخلفاء فكل واحد خليفة الذي قبله وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله فذلك تجوز وغلو الا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم حرزوا هذا المعنى فقالوا لأبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وبهذا كان يدعي مدة خلافته فلنا ولي عمر وقالوا يا خليفة خليفة رسول الله فطال الأمر ورأوا أنه في المستقبل سيطول أكثر

فدعوه أمير المؤمنين وقصر هذا الاسم على الخلفاء وقوله فيضلك قال أبو حيان منصوب في جواب النهي ص أبو البقاء وقيل مجزوم عطفا على النهي وفتحت اللام لالتقاء الساكنين انتهى وقوله سبحانه إن الذين يضلون عن سبيل الله الى قوله وليتذكر أولوا الألباب اعتراض فصيح بين الكلامين من أمر داود وسليمان وهو خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم وعظة لأمته ونسوا في هذه الآية معناه تركوا ثم وقف تعالى على الفرق عنده بين المؤمنين العاملين بالصالحات وبين المفسدين الكفرة وبين المتقين والفجار وفي هذا التوقيف حض على الايمان والتقوى وترغيب في عمل الصالحات قال ابن العربي نفي الله تعالى المساواة بين المؤمنين والكافرين وبين المتقين والفجار فلا مساواة بينهم في الآخرة كما قاله المفسرون ولا في الدنيا أيضا لأن المؤمنين المتقين معصومون دما ومالا وعرضا والمفسدون في الأرض والفجار مباحو الدم والمال والعرض فلا وجه لتخصيص المفسرين بذلك في الآخرة دون الدنيا انتهى من الأحكام وهذا كما قال وقوله تعالى في الآية الأخرى سواء محياهم ومماتهم يشهد له وباقي الآية بين وقوله تعالى كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته قال الغزالي في الاحياء اعلم أن القرآن من أوله الى آخره تحذير وتخويف لا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه ويعظم خوفه إن كان مؤمنا بما فيه وترى الناس يهذونه هذا ويخرجون الحروف من مخارجها ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها لا يهمهم الالتفات الى معانيها والعمل بما فيها وهل في العلم غرور يزيد على هذا انتهى من كتاب ذم الغرور واختلف المتأولون في قصص هذه الخيل المعروضة على سليمان عليه السلام فقال الجمهور أن سليمان عليه السلام عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه فأجريت بين يديه عشاء فتشاغل بجريها ومحبتها حتى فاته صلاة العشي فأسف لذلك وقال ردوا علي الخيل

فطفق يمسح سوقها وأعناقها بالسيف قال الثعلبي وغيره وجعل ينحرها تقربا الى الله تعالى حيث اشتغل بها عن طاعته وكان ذلك مباحا لهم كما أبيح لنا بهيمة الأنعام قال ع فروي أن الله تعالى أبدله منها أسرع منها وهي الريح قال ابن العربي في أحكامه والخير هنا هي الخيل وكذلك قرأها ابن مسعود أني أحببت حب الخيل انتهى والصافن الذي يرفع احدى يديه وقد يفعل ذلك برجله وهي علامة الفراهية وانشد الزجاج ... ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا ...
قال بعض العلماء الخير هنا اراد به الخيل والعرب تسمى الخيل الخير وفي مصحف ابن مسعود حب الخيل باللام والضمير في توارت للشمس وإن كان لم يتقدم لها ذكر لأن المعنى يقتضيها وأيضا فذكر العشي يتضمنها وقال بعض المفسرين حتى توارت بالحجاب أي الخيل دخلت اصطبلاتها وقال ابن عباس والزهري مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيده تكريما لها ورجحه الطبري وفي البخاري فطفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها انتهى وعن بعض العلماء أن هذه القصة لم يكن فيها فوت صلاة وقالوا عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة فأشار اليهم أي أني في صلاة فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الاصطبلات فقال لما فرغ من صلاته أني أحببت حب الخير أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي كأنه يقول فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها ردوها علي فطفق يمسح أعرافها وسوقها تكرمة لها أي لأنها معدة للجهاد وهذا هو الراجح عند الفخر قال ولو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم قطعها ت وهذا لا يلزم للقرينة في الموضعين اه قال ابن حيان وحب الخير قال العزاء مفعول به وأحببت مضمن معنى آثرت وقيل منصوب على المصدر التشبيهي أي حبا مثل حب

الخير انتهى وقوله عن ذكر ربي عن على كل تأويل هنا للمجاوزة من شيء الى شيء وتدبره فإنه مطرد وقوله تعالى ولقد فتنا سليمان الآية ت اعلم رحمك الله أن الناس قد أكثروا في قصص هذه الآية بما لا يوقف على صحته وحكى الثعلبي في بعض الروايات أن سليمان عليه السلام لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأعاده الى يده فسقط وأيقن بالفتنة وأن ءاصف بن برخيا قال له يا نبي الله انك مفتون ولذلك لا يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما ففر الى الله تعالى تائبا من ذنبك وأنا أقوم مقامك في عالمك إن شاء الله تعالى الى أن يتوب الله تعالى عليك ففر سليمان هاربا الى ربه منفردا لعبادته وأخذ ءاصف الخاتم فوضعه في يده فثبت وقيل أن الجسد الذي قال الله تعالى وألقينا على كرسيه جسدا هو ءاصف كاتب سليمان وهو الذي عنده علم من الكتاب واقام ءاصف في ملك سليمان وعياله يسير بسيرته الحسنة ويعمل بعمله أربعة عشر يوما الى أن رجع سليمان الى منزله تائبا الى الله تعالى ورد الله تعالى عليه ملكه فأقام ءاصف عن مجلسه وجلس سليمان على كرسيه وأعاد الخاتم وقال سعيد بن المسيب أن سليمان بن داود عليهما السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله اليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي ولم تنصف مظلوما من ظالم وذكر حديث الخاتم كما تقدم انتهى وهذا الذي نقلناه أشبه ما ذكر وأقرب الى الصواب والله أعلم وقال عياض قوله تعالى ولقد فتنا سليمان معناه ابتليناه وابتلاؤه هو ما حكي في الصحيح أنه قال لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل ان شاء الله فلم تحمل منهن الا امرأة جاءت بشق رجل الحديث قال اصحاب المعاني والشق هو الجسد الذي القى على كرسيه حين عرض عليه وهي كانت عقوبته ومحنته وقيل بل مات والقي على كرسيه ميتا وأما عدم استثنائه فأحسن

الأجوبة عنه ما روي في الحديث الصحيح أنه نسي أن يقول إن شاء الله ولا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه وتصرفه في أمته لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا وقد عصم الأنبياء من مثله انتهى ت قال ابن العربي والقينا على كرسيه جسدا يعني جسده لا أجساد الشياطين كما يقوله الضعفاء انتهى من كتاب تفسير الأفعال قال ابن العربي في أحكامه وما ذكره بعض المفسرين من أن الشيطان أخذ خاتمه وجلس مجلسه وحكم الخلق على لسانه قول باطل قطعا لأن الشياطين لا يتصورون بصور الأنبياء ولا يمكنون من ذلك حتى يظن الناس أنهم مع نبيهم في حق وهم مع الشياطين في باطل ولو شاء ربك لوهب من المعرفة والدين لمن قال هذا القول ما يزعه عن ذكره ويمنعه من أن يسطره في ديوان من بعده انتهى وقوله وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد الآية قال ع من المقطوع به أن سليمان عليه السلام إنما بذلك قصدا برا لأن للانسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد لا سيما بحسب المكانة والنبوءة وقوله تعالى فسخرنا له الريح الآية كان لسليمان كرسي فيه جنوده وتأتي عليه الريح الاعصار فتنقله من الأرض حتى يحصل في الهواء ثم تتولاه الرخاء وهي اللينة القوية لا تأتي فيها دفع مفرطة فتحمله غدوها شهرا ورواحها شهر وحيث أصاب معناه حيث أراد قاله وهب وغيره قال ع ويشبه أن اصاب معدي صاب يصوب أي حيث وجه جنوده وقال الزجاج معناه قصد ت وعليه اقتصر أبو حيان فانه قال اصاب أي قصد وأنشد الثعلبي ... أصاب الكلام فلم يستطع ... فاخطا الجواب لدي المفصل ...
انتهى وقوله كل بناء بدل من الشياطين ومقرنين معناه موثقين قد قرن بعضهم ببعض والاصفاد القيود والاغلال قال الحسن والاشارة بقوله هذا عطاؤنا الآية الى جميع ما أعطاه الله سبحانه من الملك وأمره بأن يمن على من

يشاء ويمسك عن من يشاء فكأنه وقفه على قدر النعمة ثم أباح له التصرف فيه بمشيئته وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية وتقدمت قصة أيوب في سورة الأنبياء وقوله انى مسني الشيطان بنصب الآية النصب المشقة فيحتمل أن يشير الى مسه حين سلطه الله على إهلاك ماله وولده وجسمه حسبما روي في ذلك وقيل أشار الى مسه إياه في تعرضه لأهله وطلبه منها أن تشرك بالله فكان أيوب تشكي هذا الفصل وكان عليه أشد من مرضه وهنا في الآية محذوف تقديره فاستجاب له وقال اركض برجلك فروي أن أيوب ركض الأرض فنبعت له عين ماء صافية بادرة فشرب منها فذهب كل مرض في داخل جسده ثم اغتسل فذهب ما كان في ظاهر بدنه وروي أن الله تعالى وهب له أهله وماله في الدنيا ورد من مات منهم وما هلك من ماشيته وحاله ثم بارك له في جميع ذلك وروي أن هذا كله وعد به في الآخرة والأول أكثر في قول المفسرين ت وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال عبد قط اذا أصابه هم أو حزن اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله غمه وابدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن تعلم هذه الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن قال صاحب السلاح رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ت ورويناه من طريق النووي عن ابن السني بسنده عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم وفيه أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك وفيه فقال رجل من القوم وأن المغبون لمن غبن هؤلاء

الكلمات فقال أجل فقولهن وعلموهن من قالهن التماس ما فيهن اذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه انتهى وقوله وذكرى معناه موعظة وتذكرة يعتبر بها أولوا العقول ويتأسون بصبره في الشدائد ولا يئسون من رحمة الله على حال وروي أن أيوب عليه السلام كانت زوجته مدة مرضه تختلف اليه فيتلقاها الشيطان في صورة طبيب ومرة في هيئة ناصح وعلى غير ذلك فيقول لها لو سجد هذا المريض للصنم الفلاني لبرئ لو ذبح عناقا للصنم الفلاني لبرئ ويعرض عليها وجوها من الكفر فكانت هي ربما عرضت شيا من ذلك على أيوب فيقول لها لقيت عدو الله في طريقك فلما اغضبته بهذا ونحوه حلف عليها لئن برئ من مرضه ليضربنها مائة سوط فلما برئ أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا فيه مائة قضيب والضغث القبضة الكبيرة من القضبان ونحوها من الشجر الرطب قاله الضحاك وأهل اللغة فيضرب به ضربة واحدة فتبر يمينه وهذا حكم قد ورد في شرعنا عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله في حد الزنا لرجل زمن فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعذق نخلة فيه شماريخ مائة أو نحوها فضرب ضربة ذكر الحديث أبو داود وقال بهذا بعض فقهاء الأمة وليس يرى ذلك مالك بن أنس وأصحابه وكذلك جمهور العلماء على ترك القول به وأن الحدود والبر في الأيمان لا تقع الا بتمام عدد الضربات وقرأ الجمهور أولي الأيدي يعني أولى القوة في طاعة الله قاله ابن عباس ومجاهد وقالت فرقة معناه أولي الأيدي والنعم التي أسدها الله اليهم من النبوءة والمكانة والأبصار عبارة عن البصائر أي يبصرون الحقائق وينظرون بنور الله تعالى وقرأ نافع وحده بخالصة ذكرى الدار على الاضافة وقرأ الباقون بخالصة على تنوين خالصة فذكرى على هذه القراءة بدل من خالصة فيحتمل ان يكون معنى الآية انا اخلصناهم بان خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ودعاء الناس اليها وهذا قول قتادة وقيل المعنى انا اخلصناهم

بأن خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم لها والعمل بحسب ذلك وهذا قول مجاهد وقال ابن زيد المعنى أنا وهبناهم أفضل ما في الدار الآخرة وأخلصناهم به وأعطيناهم اياه ويحتمل أن يريد بالدار دار الدنيا على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس وقوله تعالى هذا ذكر يحتمل معنيين أحدهما أن يشير الى مدح من ذكر وابقاء الشرف له فيتأيد بهذا قول من قال أن الدار يراد بها الدنيا والثاني أن يشير بهذا الى القرآن أي ذكر للعالم وجنات بدل من حسن مئاب ومفتحة نعت الجنات والأبواب مفعول لم يسم فاعله وباقي الآية بين وقوله سبحانه هذا وان للطاغين لشر مآب الآية التقدير الأمر هذا ويحتمل أن يكون التقدير هذا واقع أو نحوه والطغيان هنا في الكفر وقوله تعالى هذا ليذوقوه حميم وغساق قرأ الجمهور غساق بتخفيف السين وهو اسم بمعنى السائل قال قتادة الغساق ما يسيل من صديد أهل النار قال ص الغساق السائل وعن أبي عبيدة أيضا البارد المنتن بلغة الترك انتهى قال الفخر هذا فليذوقوه حميم وغساق فيه وجهان الأول على التقديم والتأخير والتقدير هذا حميم وغساق أي منه حميم وغساق انتهى ت والوجه الثاني أن الآية ليس فيها تقديم ولا تأخير وهو واضح وقرأ الجمهور وآخر بالافراد أي ولهم عذاب آخر ومعنى من شكله أي من مثله وضربه وقرأ أبو عمرو وحده وأخر على الجمع وأزواج معناه أنواع والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكر وقوله تعالى هذا فوج هو مما يقال لأهل النار اذا سيق عامة الكفار والاتباع اليها لأن رؤساءهم يدخلون النار أولا والأظهر أن قائل ذلك لهم ملائكة العذاب وهو الذي حكاه الثعلبي وغيره يحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض فيقول البعض الآخر لا مرحبا بهم أي لا سعة مكان ولا خير يلقونه وقوله بل انتم لا مرحبابكم حكاية لقول الاتباع لرؤسائهم اي انتم قدمتموه

لنا بأغوائكم وأسلفتم لنا ما أوجب هذا قال العراقي ... مقتحم أي داخل بشده ... مجاوز لما اقتحم بالشدة ...
انتهى وقوله تعالى قالوا ربنا من قدم لنا هذا الآية هو حكاية لقول الاتباع أيضا دعوا على رؤسائهم بأن يكون عذابهم مضاعفا وقوله تعالى وقالوا ما لنا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار الآية الضمير في قالوا لأشراف الكفار ورؤسائهم وهذا مطرد في كل أمة وروي أن قائلي هذه المقالة أهل القليب كأبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة ومن جرى مجراهم وأن الرجال الذين يشيرون اليهم هم كعمار بن ياسر وبلال وصهيب ومن جرى مجراهم قاله مجاهد وغيره والمعنى كنا في الدنيا نعدهم أشرارا وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو اتخذناهم بصلة الألف على أن يكون ذلك في موضع الصفة لرجال وقرأ الباقون اتخذناهم بهمزة الاستفهام ومعناها تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والاسف أي اتخذناهم سخريا ولم يكونوا كذلك وقرأ نافع وحمزة والكسائي سخريا بضم السين من السخرة والاستخدام وقرأ الباقون سخريا بكسر السين ومعناها المشهور من السخر الذي هو بمعنى الهزء وقولهم أم زاغت معادلة لما في قولهم ما لنا لا نرى والتقدير في هذه الآية أمفقودون هم أم هم معنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم والزيغ الميل ثم أخبر تعالى نبيه بقوله أن ذلك لحق تخاصم أهل النار والاشارة بقوله تعالى قل هو نبأ عظيم الى التوحيد والمعاد فهي الى القرآن وجميع ما تضمن وعظمه أن التصديق به نجاة والتكذيب به هلكة ووبخهم بقوله أنتم عنه معرضون ثم أمر عليه السلام أن يقول محتجا على صحة رسالته ما كان لي من علم بالملأ الا على لولا أن الله أخبرني بذلك والملأ الأعلى أراد به الملائكة واختلف في الشيء الذي هو اختصامهم فيه فقالت فرقة اختصامهم في شأن ءادم كقولهم أتجعل فيها من

يفسد فيها ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات وقالت فرقة بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه فان العبد اذا فعل حسنة اختلفت الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء وروي في هذا حديث فسره ابن فورك يتضمن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له ربه عز و جل في نومه أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا قال اختصموا في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فأسباغ الوضوء في الغدوات الباردة ونقل الاقدام الى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فافشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام الحديث قال ابن العربي في أحكامه وقد رواه الترمذي صحيحا وفيه قال سل قال اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وعملا يقرب الى حبك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها حق فارسموها ثم تعلموها انتهى وقوله أن يوحى الي إلا انما أنا نذير مبين قال العزاء ان شئت جعلت انما في موضع رفع كأنه قال ما يوحي الي الا الانذار أو ما يوحي الي الا أني نذير مبين انتهى وهكذا قال أبو حيان أن بمعنى ما وباقي الآية بين مما تقدم في البقرة وغيرها وقوله تعالى بيدي عبارة عن القدرة والقوة وقوله استكبرت المعنى أحدث لك الاستكبار الآن أم كنت قديما ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك وهو على جهة التوبيخ له وقوله تعالى قال فاخرج منها فانك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين قال رب فانظرني الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم الآية الرجيم أي المرجوم بالقول السيء واللعنة الابعاد وقوله سبحانه فالحق والحق أقول قال مجاهد المعنى فالحق أنا وقرأ الجمهور فالحق والحق بنصب الاثنين فأما الثاني فمنصوب بأقول وأما الأول

فيحتمل أن ينتصب على الاغراء ويحتمل ان ينتصب على القسم على اسقاط حرف القسم كأنه قال فوالحق ثم حذف الحرف كما تقول الله لافعلن تريد والله ويقوي ذلك قوله لأملأن وقد قال سيبويه قلت للخليل ما معنى لأفعلن اذا جاءت مبتدأة فقال هي بتقدير قسم منوي وقالت فرقة الحق الأول منصوب بفعل مضمر وقرأ ابن عباس فالحق والحق برفع الاثنين وقرأ عاصم وحمزة فالحق بالرفع والحق بالنصب وهي قراءة مجاهد وغيره ثم أمر الله تعالى نبيه أن يخبرهم بأنه ليس بسائل منهم عليه أجرا وأنه ليس ممن يتكلف ما لم يحبل اليه ولا يحتلى بغير ما هو فيه قال الزبير بن العوام نادى منادي النبي صلى الله عليه و سلم اللهم اغفر للذين لا يدعون ولا يتكلفون الا اني بريء من التكلف وصالحو أمتي وقوله أن هو يريد القرآن وذكر بمعنى تذكرة ثم توعدهم بقوله ولتعلمن نبأه بعد حين وهذا على خلاف تقديره لتعلمن صدق نبإه بعد حين قال ابن زيد اشار الى يوم القيامة وقال قتادة والحسن اشار الى الآجال التي لهم لأن كل واحد منهم يعرف الحقائق بعد موته تفسير

سورة الزمر
وهي مكية باجماع
غير ثلاث آيات نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب وهي قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآيات وقالت فرقة الى آخر السورة هو مدني وقيل فيها مدني سبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى تنزيل الكتاب الآية تنزيل رفع بالابتداء والخبر قوله من الله وقالت

فرقة تنزيل خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل والاشارة الى القرآن قاله المفسرون ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله فكأنه أخبر اخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة انما تنزيلها من الله تعالى وجعل هذا الاخبار تقدمة وتوطئة لقوله أنا أنزلنا اليك الكتاب وقوله بالحق معناه متضمنا الحق أي بالحق فيه وفي أحكامه واخباره والدين هنا يعم المعتقدات وأعمال الجوارح قال قتادة والدين الخالص لا اله الا الله وقوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء الآية أي يقولون ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى وفي مصحف ابن مسعود قالوا ما نعبدهم وهي قراءة ابن عباس وغيره وهذه المقالة شائعة في العرب في الجاهلية يقولون في معبوداتهم من الاصنام وغيرها ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله قال مجاهد وقد قال ذلك قوم من اليهود في عزير وقوم من النصارى في عيسى وزلفى بمعنى قربة وتوصلة كأنهم قالوا ليقربونا الى الله تقريبا وكان هذه الطوائف كلها حتى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته وزلفى عند سيبويه مصدر في موضع الحال كأنه تنزل منزلة متزلفين والعامل فيه يقربنا وقرأ الجحدري كذاب كفار بالمبالغة فيهما وهذه المبالغة اشارة الى التوغل في الكفر وقوله تعالى لو اراد الله أن يتخذ ولدا معناه اتخاذ التشريف والتبني وعلى هذا يستقيم قوله تعالى لاصطفى مما يخلق وأما الاتخاذ المعهود في الشاهد فمستحيل أن يتوهم في جهة الله تعالى ولا يستقيم عليه معنى قوله لاصطفى مما يخلق وقوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا لفظ يعم اتخذا النسل واتخاذ الاصطفاء فأما الأول فمعقول وأما الثاني فمعروف بخبر الشرع ومما يدل على أن معنى قوله أن يتخذ انما المقصود به اتخاذ اصطفاء وتبن قوله مما يخلق أي من موجوداته ومحدثاته ثم نزه سبحانه نفسه تنزيها مطلقا عن كل ما لا يليق به

سبحانه وقوله تعالى يكور الليل على النهار الآية معناه يعيد من هذا على هذا ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض فكان الذي يطول من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزء فيستره وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه وقوله تعالى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها قيل هنا لترتيب الاخبار لا لترتيب الوجود وقيل قوله خلقكم من نفس واحدة هو أخذ الذرية من ظهر آدم وذلك شيء كان قبل خلق حواء ت وهذا يحتاج الى سند قاطع وقوله سبحانه في ظلمات ثلاث قالت فرقة الأولى هي ظهر الأب ثم رحم الأم ثم المشيمة في البطن وقال مجاهد وغيره هي المشيمة والرحم والبطن وهذه الآيات كلها فيها عبر وتنبيه على توحيد الخالق الذي لا يستحق العبادة غيره وتوهين لأمر الاصنام وقوله سبحانه أن تكفروا فان الله غني عنكم الآية قال ابن عباس هذه الآية مخاطبة للكفار قال ع وتحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس لأن الله سبحانه غني عن جميع الناس وهم فقراء اليه واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فقالت فرقة الرضى بمعنى الارادة والكلام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له بالايمان وحتمه له فعباده على هذا ملائكته ومومنوا الانس والجان وهذا يرتكب على قول ابن عباس وقالت فرقة الكلام عموم صحيح والكفر يقع ممن يقع بإرادة الله تعالى الا انه بعد وقوعه لا يرضاه دينا لهم ومعنى لا يرضاه لا يشكره لهم ولا يثيهم به خيرا فالرضى على هذا هو صفة فعل بمعنى القبول ونحوه وتأمل الارادة فانما هي حقيقة فيما لم يقع بعد والرضى فانما هو حقيقة فيما قد وقع واعتبر هذا في آيات القرآن أن تجده وإن كانت العرب قد تستعمل في اشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا وقوله تعالى وأن تشكروا يرضه لكم عموم والشكر الحقيق في ضمنه الايمان قال النووي وروينا

في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم رسولا وجبت له الجنة انتهى وقوله تعالى واذا مس الانسان ضر دعا ربه الآية الانسان هنا الكافر وهذه الآية بين تعالى بها على الكفار انهم على كل حال يلجئون اليه في حال الضرورات وخوله معناه ملكه وحكمه فيها ابتداء من الله لا مجازاة ولا يقال في الجزاء خول وقوله تعالى نسي ما كان يدعوا اليه قالت فرقة ما مصدرية والمعنى نسي دعاءه اليه في حال الضرورة ورجع الى كفره وقالت فرقة ما بمعنى الذي والمراد بها الله تعالى أي نسي الله وعبارة الثعلبي قوله نسي ما كان يدعوا اليه من قبل أي ترك عبادة الله تعالى والتضرع اليه من قبل في حال الضر انتهى وباقي الآية بين وقوله تعالى أمن هو قانت بتخفيف الميم هي قراءة نافع وابن كثير وحمزة والهمزة للتقرير والاستفهام وكأنه يقول أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا وهو من أصحاب النار وقرأ الباقون أمن بتشديد الميم والمعنى أهذا الكافر خيرا من هو قانت والقانت المطيع وبهذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما والقنوت في الكلام يقع على القراءة وعلى طول القيام في الصلاة وبهذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما قال الفخر قيل أن المراد بقوله أمن هو قانت آناء الليل عثمان بن عفان لأنه كان يحي الليل والصحيح أنها عامة في كل من اتصف بهذه الصفة وفي هذه الآية تنبيه على فضل قيام الليل انتهى وروي عن ابن عباس أنه قال من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة فليره الله في سواد الليل ساجدا وقائما ت قال الشيخ عبد الحق في العاقبة وعن قبيصة بن سفيان قال رأيت سفيان الثوري في المنام بعد موته فقلت له ما فعل الله بك فقال ... نظرت الى ربي عيانا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد

لقد كنت قواما اذا الليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد ... فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فاني منك غير بعيد ... وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام رجلين فاضلين وكانا من ثقات المحدثين وحفاظهم وكان شعبة أكبر فماتا قال أبو أحمد اليزيزدي فرأيتهما في النوم وكنت الى شعبة أميل مني الى مسعر فقلت يا أبا بسطام ما فعل الله بك فقال وفقك الله يا بني احفظ ما أقول ... حباني الهي في الجنان بقبة ... لها ألف باب من لجين وجوهرا ... وقال لي الجبار يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم وأكثرا ... تمتع بقربي انني عنك ذو رضى ... وعن عبدي القوام في الليل مسعرا ... كفى مسعرا عزا بأن سيزورني ... واكشف عن وجهي ويدنو لينظرا ... وهذا فعالي بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا ...
انتهى والآناء الساعات واحدها اني كمعي ويقال اني بكسر الهمزة وسكون النون وانا على وزن قفا وقوله سبحانه يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قال الجوزي في المنتخب يقول الله تعالى لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة ومن أمنني في الدنيا خوفته في الآخرة يا أخي امتطى القوم مطايا الدجى على مركب السهر فما حلوا ولا حلوا رحالهم حتى السحر درسوا القرآن فغرسوا بأيدي الفكر أزكى الشجر ومالوا الى النفوس باللوم فلا تسأل عما شجر رجعوا بنيل القبول من ذلك السفر ووقفوا على كنز النجاة وما عندك خبر فاذا جاء النهار قدموا طعام الجوع وقالوا للنفس هذا الذى حضر حذوا عزمات طاحت الارض بينها فصار سراهم في ظهور العزائم تراهم نجوم الليل ما يبتغونه على عاتق الشعرى وهام النعائم مالت بالقوم ريح السحر ميل الشجر بالاغصان وهز

الخوف افنان القلوب فانتشرت الافنان فالقلب يخشع واللسان يضرع والعين تدمع والوقت بستان خلوتهم بالحبيب تشغلهم عن نعم ونعمان سرورهم اساورهم والخشوع تيجان خضوعهم حلاهم وماء دمعهم در ومرجان باعوا الحرص بالقناعة فما ملك انوشروان فاذا وردوا القيامة تلقاهم بشر لولاكم ما طاب الجنان يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان اين أنت منهم يا نائم كيقظان كم بينك وبينهم أين الشجاع من الجبان ما للمواعظ فيك نجح موضع القلب باللهو منك ملئان يا أخي قف على باب النجاح ولكن وقوف لهفان واركب سفن الصلاح فهذا الموت طوفان اخواني انما الليل والنهار مراحل ومركب العمر قد قارب الساحل فانتبه لنفسك وازدجر يا غافل يا هذا انت مقيم في مناخ الراحلين ويحك اغتنم ايام القدرة قبل صيحة الانتزاع فما أقرب ما ينتظر وما أقل المكث فيما يزول ويتغير انتهى وقوله تعالى قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم يروي أن هذه الآية انزلت في جعفر بن ابي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة الى أرض الحبشة ووعد سبحانه بقوله للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة فقوله في هذه الدنيا متعلق بأحسنوا والمعنى ان الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم قاله مقاتل ويحتمل أن يريد أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العافية والظهور وولاية الله تعالى قاله السدي والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة وقوله سبحانه وأرض الله واسعة حض على الهجرة ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره الخروج من الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات بتوفية الاجور بغير حساب وهذا يحتمل معنيين أحدهما أن الصابر يوتي أجره ولا يحاسب على نعيم ولا يتابع بذنوب ويكون في جملة الذين يدخلون الجنة بغير حساب والثاني من المعنيين أن أجور

الصابرين توفى بغير حصر ولا عد بل جزافا وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى والى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة ليس ثم والله مكيال ولا ميزان وفي الحديث أنه لما نزلت والله يضاعف لمن يشاء قال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم زد امتي فنزلت بعد ذلك من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة فقال اللهم زد أمتي حتى نزلت انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال رضيت يا رب وقوله تعالى قل اني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم من المعلوم أنه عليه السلام معصوم من العصيان وانما الخطاب بالآية لأمته يعمهم حكمه ويحفهم وعيده وقوله فاعبدوا ما شئتم من دونه هذه صيغة أمر على جهة التهديد وهذا في القرآن كثير والظلة ما غشي وعم كالسحابة وسقف البيت ونحوه وقوله سبحانه ذلك يخوف الله به عباده يريد جميع العالم وقوله تعالى والذين اجتنبوا الطاغوت الآية قال ابن زيد أن سبب نزولها زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وابو ذر الغفاري والاشارة اليهم ت سلمان انما اسلم بالمدينة فيلزم على هذا التاويل أن تكون الآية مدنية وقال ابن اسحاق الاشارة بها الى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر وسمعوا ذلك فجاءوه فقالوا أسلمت قال نعم وذكرهم بالله سبحانه فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم هذه الآية وهي على كل حال عامة في الناس الى يوم القيامة يتناولهم حكمها والطاغوت كل ما عبد من دون الله وقوله سبحانه الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه كلام عام في جميع الأقوال والمقصد الثناء على هؤلاء في نفوذ بصائرهم وقوام نظرهم حتى انهم اذا سمعوا قولا ميزوه واتبعوا أحسنه قال أبو حيان الذين يستمعون صفة لعباد وقيل الوقف على عباد والذين مبتدأ خبره أولائك وما بعده انتهى وقوله تعالى أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في

النار قالت فرقة معنى الآية أفمن حقت عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه لكنه زاد الهمزة الثانية توكيدا وأظهر الضمير تشهيرا لهؤلاء القوم واظهارا لخسة منازلهم وقوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف الآية معادلة وتحضيض على التقوى وعادلت غرف من فوقها غرف ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم والاحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة ثم وقف تعالى نبيه عليه السلام وامته على معتبر من مخلوقاته فقال ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء الآية قال الطبري الاشارة الى ماء المطر ونبع العيون منه وسلكه معناه أجراه وأدخله في الأرض ويهيج معناه ييبس وهاج الزرع والنبات اذا يبس والحطام اليابس المتفتت ومعنى لذكرى أي للبعث من القبور وأحياء الموتى على قياس هذا المثال المذكور وقوله تعالى أفمن شرح صدره للاسلام الآية روي أن هذه الآية نزلت في علي وحمزة وأبي لهب وابنه وهما اللذان كانا من القاسية قلوبهم وفي الكلام محذوف يدل عليه الظاهر تقديره افمن شرح صدره للاسلام كالقاسي القلب المعرض عن أمر الله وشرح الصدر استعارة لتحصيله للنظر الجيد والايمان بالله والنور هداية الله تعالى وهي أشبه شيء بالضوء قال ابن مسعود قلنا يا رسول الله كيف انشراح الصدر قال اذا دخل النور القلب انشرح وانفسخ قلنا يا رسول الله وما علامة ذلك قال الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت والقسوة شدة القلب وهي مأخوذة من قسوة الحجر شبه قلب الكافر به في صلابته وقلة انفعاله للوعظ وروى الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فان كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وان أبعد الناس من الله القلب القاسي قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وقال مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلبه قال ابن هشام قوله تعالى فويل

للقاسية قلوبهم من ذكر الله من هنا مرادفة عن وقيل هي للتعليل أي من أجل ذكر الله لأنه اذا ذكر الله قسن قلوبهم عياذا بالله وقيل هي للابتداء انتهى من المغنى الفخر اعلم أن ذكر الله سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية وقد يوجب القسوة والبعد عن الحق في النفوس الخبيثة الشيطانية فاذا عرفت هذا فنقول أن رأس الأدوية التي تفيد الصحة الروحانية ورتبتها هو ذكر الله فاذا اتفق لبعض النفوس ان صار ذكر الله سببا لازدياد مرضها كان مرض تلك النفوس مرضا لا يرجى زواله ولا يتوقع علاجه وكانت في نهاية الشر والرداءة فلهذا المعنى قال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين وهذا كلام كامل محقق انتهى وقوله تعالى نزل أحسن الحديث يريد القرآن وروي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن قوما من الصحابة قالوا يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان وأخبرنا بأخبار الدهر فنزلت الآية وقوله متشابها معناه مستويا لا تناقض فيه ولا تدافع بل يشبه بعضه بعضا في رصف اللفظ ووثاقة البراهين وشرف المعاني اذ هي اليقين في العقائد في الله وصفاته وأفعاله وشرعه ومثاني معناه موضع تثنية للقصص والأقضية والمواعظ تثنى فيه ولا تمل مع ذلك ولا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد وقال ابن عباس ثنى فيه والأمر مرارا ولا ينصرف مثاني لأنه جمع لا نظير له في الواحد وقوله تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم عبارة عن قف شعر الانسان عند ما يداخله خوف ولين قلب عند سماع موعظة أو زجر قرآن ونحوه وهذه علامة وقوع المعنى المخشع في قلب السامع وفي الحديث أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه و سلم فرقت القلوب فقال النبي صلى الله عليه و سلم اغتنموا الدعاء عند الرقة فانها رحمة وقال العباس ابن عبد المطلب قال النبي صلى الله عليه و سلم من اقشعر جلده من خشية الله تعالى

تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات عن الشجرة اليابسة ورقها وقالت أسماء بنت أبي بكر كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن قيل لها أن أقواما اليوم اذا سمعوا القرآن خر أحدهم مغشيا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان وعن ابن عمر نحوه وقال ابن سيرين بيينا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط مادا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن كله فان رمي بنفسه فهو صادق ت وهذا كله تغليظ على المراءين والمتصنعين ولا خلاف اعلمه بين أرباب القلوب وائمة التصوف أن المصنع عندهم بهذه الأمور ممقوت وأما من غلبة الحال لضعفه وقوي الوارد عليه حتى أذهبه عن حسه فهو ان شاء الله من السادة الاخيار والأولياء الأبرار وقد وقع ذلك لكثير من الاخيار يطول تعدادهم كابن وهب واحمد بن معتب المالكيين ذكرهما عياض في مداركه وانهما ماتا من ذلك وكذلك مالك بن دينار مات من ذلك ذكره عبد الحق في العاقبة وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ومن كلام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله في قواعده الصغرى قال وقد يصبح بعضهم لغلبة الحال عليها والجائها اياه الى الصياح وهو في ذلك معذور ومن صاح لغير ذلك فمتصنع ليس من القوم في شيء وكذلك من أظهر شيأ من الأحوال رياء أو تسميعا فانه ملحق بالفجار دوت الابرار انتهى وقوله تعالى ذلك هدى الله يحتمل أن يشير الى القرآن ويحتمل أن يشير الى الخشية واقشعرار الجلود أي ذلك امارة هدى الله قال الغزالي في الاحياء والمستحب من التالي للقرآن أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغير ذلك ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه انتهى قال الشيخ الولي عبد الله بن أبي جمرة وكان النبي صلى الله عليه و سلم في

قيامه يكسوه من كل آية يقرأها حال يناسب معنى تلك الآية وكذلك ينبغي أن تكون تلاوة القرآن وأن لا يكون تاليه كمثل الحمار يحمل اسفارا انتهى وقوله تعالى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب الآية تقرير بمعنى التعجيب والمعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كالمنعمين في الجنة قال مجاهد يتقي بوجهه أي يجر على وجهه في النار وقالت فرقة ذلك لما روي أن الكافر يلقي في النار مكتوفا مربوطة يداه الى رجليه مع عنقه ويكب على وجهه فليس له شيء يتقي به الا وجهه وقال فرقة المعنى في ذلك صفة كثرة ما ينالهم من العذاب يتقيه بكل جارحة منه حتى بوجهه الذي هو أشرف جوارحه وهذا المعنى أبين بلاغة ثم مثل لقريش بالأمم الذين من قبلهم وما نالهم من العذاب في الدنيا المتصل بعذاب الآخرة الذي هو أكبر ونفى الله سبحانه عن القرآن العوج لأنه لا اختلاف فيه ولا تناقض ولا مغمز بوجه وقوله سبحانه ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون الآية هذا مثل ضربه الله سبحانه في التوحيد فمثل تعالى الكافر العابد للأوثان والشياطين بعبد لرجال عدة في أخلاقهم شكاسة وعدم مسامحة فهم لذلك يعذبون ذلك العبد بتضايقهم في أوقاتهم ويضايقون العبد في كثرة العمل فهو ابدا في نصب منهم وعناء فكذلك عابد الأوثان الذي يعتقد أن ضره ونفعه عندها هو معذب الفكر بها وبحراسة حاله منها ومتى توهم أنه أرضى ضما بالذبح له في زعمه تفكر فيما يصنع مع الآخر فهو ابدا تعب في ظلال وكذلك هو المصانع للناس الممتحن بخدمة الملوك ومثل تعالى المؤمن بالله وحده بعبد لرجل واحد يكلفه شغله فهو يعمله على تؤدة وقد ساس مولاه فالمولى يغفر زلته ويشكره على اجادة عمله ومثلا مفعول بضرب ورجلا نصب على البدل ومتشاكسون معناه لا سمح في أخلاقهم بل فيها لجاج وقرأ ابن كثير وأبو عمرو سالما أي سالما من الشركة ثم وقف تعالى الكفار بقوله هل يستويان مثلا

ونصب مثلا على التمييز وهذا التوقيف لا يجيب عنه أحدا الا بأنهما لا يستويان فلذلك عاملتهم العبارة الوجيزة على أنهم قد أجابوا فقال الحمد لله أي على ظهور الحجة عليكم من أقوالكم وباقي الآية بين والاختصام في الآية قيل عام في المؤمنين والكافرين قال ع ومعنى الآية عندي أن الله تعالى توعدهم بأنهم سيتخاصمون يوم القيامة في معنى ردهم في وجه الشريعة وتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم وروى الترمذي من حديث عبد الله بن الزبير قال لما نزلت ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال الزبير يا رسول الله أتكر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال نعم قال أن الأمر أذن لشديد انتهى وقوله تعالى فمن اظلم ممن كذب على الله الآية الاشارة بهذا الكذب الى قولهم أن لله صاحبة وولدا وقولهم هذا حلال وهذا حرام افتراء على الله ونحو ذلك وكذبوا أيضا بالصدق وذلك تكذيبهم بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم ثم توعدهم سبحانه توعدا فيه احتقارهم بقوله اليس في جهنم مثوى للكافرين وقرأ ابن مسعود والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به والصدق هنا القرآن والشرع بجملته وقالت فرقة الذي يراد به الذين وحذفت النون قال ع وهذا غير جيد وتركيب جاء عليه يرد ذلك بل الذى هاهنا هي للجنس والآية معادلة لقوله فمن أظلم قال قتادة وغيره الذي جاء بالصدق هو محمد عليه السلام والذي صدق به هم المؤمنون وهذا اصوب الأقوال وذهب قوم الى أن الذي صدق به أبو بكر وقيل علي وتعميم اللفظ اصوب وقوله سبحانه أولائك هم المتقون قال ابن عباس اتقوا الشرك وقوله تعالى ليكفر يحتمل أن يتعلق بقوله المحسنين اي الذين احسنوا لكي يكفر وقاله ابن زيد ويحتمل ان يتعلق بفعل مضمر مقطوع مما قبله تقديره يسرهم الله لذلك ليكفر لأن التكفير لا يكون الا بعد التيسير للخير وقوله تعالى اليس الله

بكاف عبده وتقوية لنفس النبي صلى الله عليه و سلم وقرأ حمزة والكسائي عباده يريد الأنبياء وأنت يا محمد أحدهم فيدخل في ذلك المؤمنون المطيعون والمتولكون على الله سبحانه وقوله سبحانه ويخوفونك بالذين من دونه أي بالذين يعبدون وباقي الآية بين وقد تقدم تفسير نظيره وقوله تعالى فمن اهتدى فلنفسه أي فلنفسه عمل وسعى ومن ضل فعليها جنى ثم نبه تعالى على آية من آياته الكبرى تدل الناظر على الوحدانية وأن ذلك لا شركة فيه لصنم وهي حالة التوفي وذلك أن ما توفاه الله تعالى على الكمال فهو الذي يموت وما توفاه توفيا غير مكمل فهو الذي يكون في النوم قال ابن زيد النوم وفاة والموت وفاة وكثر الناس في هذه الآية وفي الفرق بين النفس والروح وفرق قوم بين نفس التميز ونفس التخيل الى غير ذلك من الأقوال التي هي غلبة ظن وحقيقة الأمر في هذا هي مما استأثر الله به وغيبه عن عباده في قوله قل الروح من أمر ربي ويكفيك أن في هذه الآية يتوفى الأنفس وفي الحديث الصحيح أن الله قبض أرواحنا حين شاء وردها علينا حين شاء وفي حديث بلال في الوادي فقد نطقت الشريعة بقبض الروح والنفس وقد قال تعالى قل الروح من أمر ربي والظاهر أن الخوض في هذا كله عناء وإن كان قد تعرض للقول في هذا ونحوه ائمة ذكر الثعلبي عن ابن عباس أنه قال في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها النفس والتحرك فاذا نام العبد قبض الله تعالى نفسه ولم يقبض روحه وجاء في آداب النوم وأذكار النائم أحايث صحيحة ينبغي للعبد أن لا يخلي نفسه منها وقد روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اذا أوى الرجل الى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان اختم بشر فان ذكر الله تعالى ثم نام بات الملك يكلؤه فان استيقظ قال

الملك افتح بخير وقال الشيطان افتح بشر فان قال الحمد لله الذي رد الي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من أحد من بعده انه كان حليما غفورا الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض الا باذنه ان الله بالناس لرؤوف رحيم فان وقع من سريره فمات دخل الجنة رواه النسائي واللفظ له والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وزاد آخره الحمد لله الذي يحي الموتى وهو على كل شيء قدير انتهى من السلاح وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قال حين يأوى الى فراشه لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر غفرت له ذنوبه أو خطاياه شك مسعر وإن كانت مثل زبد البحر رواه ابن حبان في صحيحه ورواه النسائي موقوفا انتهى وروى الترمذي عن أبي امامة قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول من أوى الى فراشه طاهرا يذكر الله حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسئل الله شيئا من خير الدنيا والآخرة الا أعطاه اياه انتهى والأجل المسمى في هذه الآية هو عمر كل انسان والضمائر في قوله تعالى أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون للأصنام وقوله تعالى واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة الآية قال مجاهد وغيره في قراءة النبي صلى الله عليه و سلم سورة النجم عند الكعبة بمحضر من الكفار وقرأ أفرأيتم اللات والعزى الآية والقي الشيطان يعني في اسماع الكفار تلك الغرانقة العلى على ما مر في سورة الحج فاستبشروا واشمأزت نفوسهم معناه تقبضت كبرا وانفة وكراهية ونفورا وقوله تعالى قل اللهم فاطر السموات الآية أمر لنبيه عليه السلام بالدعاء

اليه ورد الحكم الى عدله ومعنى هذا الأمر تضمن الاجابة وقوله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون قال الثعلبي قال السدي ظنوا أشياء أنها حسنات فبدت سيئات قال ع قال سفيان الثوري ويل لأهل الرياء من هذه الآية وقال عكرمة بن عمار جزع محمد بن المنكدر عند الموت فقيل له ما هذا فقال أخاف هذه الآية وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وقوله تعالى ثم اذا خولناه نعمة منا الآية قال الزجاج التخويل العطاء عن غير مجازاة والنعمة هنا عامة في المال وغيره وتقوى الاشارة الى المال بقوله انما اوتيته على علم قال قتادة يريد انما اوتيته على علم مني بوجه المكاسب والتجارات ويحتمل أن يريد على علم من الله في واستحقاق حزته عند الله ففي هذا التأويل اغترار بالله وفي الأول اعجاب بالنفس ثم قال الله تعالى بل هي فتنة أي ليس الأمر كما قال بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قد قالوا هذه المقالة كقارون وغيره فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من الأموال والذين ظلموا من هؤلاء المعاصرين لك يا محمد سيصيبهم سيئات ما كسبوا قال أبو حيان فما أغنى يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية فيها معنى النفي انتهى وقوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله الآية هذه الآية عامة في جميع الناس الى يوم القيامة فتوبة الكافر تمحو ذنبه وتوبة العاصي تمحو ذنبه على ما تقدم تفصيله واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال عطاء بن يسار نزلت في وحشي قاتل حمزة وقال ابن اسحاق وغيره نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا وفتنتهم فريش فافتتنوا ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم فنزلت الآية فيهم منهم الوليد بن الوليد وهشام بن العاصي وهذا قول عمر بن الخطاب وأنه كتبها بيده الى هشام بن العاصي الحديث وقالت فرقة نزلت في قوم كفار من

أهل الجاهلية قالوا وما ينفعنا الاسلام ونحن قد زنينا وقتلنا النفس واتينا كل كبيرة فنزلت الآية فيهم وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر هذه ارجى آية في القرآن وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية يا عبادي وأسرفوا معناه افرطوا والقنط أعظم اليأس وقرأ نافع والجمهور تقنطوا بفتح النون قال أبو حاتم فيلزمهم أن يقرءوا من بعد ما قنطوا بكسرها ولم يقرأ به أحد وقرأ أبو عمرو تقنطوا بالكسر وقوله أن الله يغفر الذنوب جميعا عموم بمعنى الخصوص لأن الشرك ليس بداخل في الآية اجماعا وهي أيضا في المعاصي مقيدة بالمشيئة وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ أن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي وقرأ ابن مسعود أن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء وأنيبوا معناه ارجعوا وقوله سبحانه واتبعوا أحسن معناه أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وتضمن أيضا حدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها فالأحسن للمرء أن يسلك طريق الطاعة والانتهاء عن المعصية والعفو في الأمور ونحو ذلك من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيحد أو يقع تحت الوعيد فهذا المعنى هو المقصود بأحسن وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن ت وروى أبو بكر بن الخطيب بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في قول الله عز و جل يا حسرتي قال الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة قال فهي الحسرة انتهى وقوله فرطت في جنب الله أي في جهة طاعته وتضييع شريعته والايمان به وقال مجاهد في جنب الله أي في أمر الله وقول الكافر وان كنت لمن الساخرين ندامة على استهزائه بأمر الله تعالى وكرة مصدر من كريكر وهذا الكون في هذه الآية داخل في التمني وباقي الآية أنواره لائحة وحججه واضحة ثم خاطب تعالى نبيه بخبر ما

يراه يوم القيامة من حالة الكفار وفي ضمن هذا الخبر وعيد بين لمعاصريه عليه السلام فقال ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ترى من رؤية العين وظاهر الآية أن وجوههم تسود حقيقة وقوله سبحانه وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم الآية ذكر تعالى حالة المتقين ونجاتهم ليعادل بذلك ما تقدم من شقاوة الكافرين وفي ذلك ترغيب في حالة المتقين لأن الأشياء تتبين بأضدادها ومفازتهم مصر من الفوز وفي الكلام حذف مضاف تقديره وينجي الله الذين اتقوا بأسباب مفازتهم والمقاليد المفاتيح وقاله ابن عباس واحدها مقلاد كمفتاح وقال عثمان بن عفان سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن مقاليد السماوات والأرض فقال هي لا اله الا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحي ويميت وهو على كل شيء قدير وقوله تعالى ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك قالت فرقة المعنى ولقد أوحي الى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك ت قد تقدم غير ما مرة أن ما ورد من مثل هذا فهو محمول على ارادة الامة لعصمة النبي صلى الله عليه و سلم وانما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه وخوطب هو صلى الله عليه و سلم تعظيما للأمر قال صلى الله عليه و سلم ليحبطن جواب القسم وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه انتهى وقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره معناه وما عظموا الله حق عظمته ولا وصفوه بصفاته ولا نفوا عنه مالا يليق به قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم وردا عليهم وقالت فرقة نزلت في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله تعالى فالحدوا وجسموا واتوا بكل تخليط وقوله تعالى والأرض جميعا قبضته معناه في قبضته واليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة والقوة وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل وصعق في هذه الآية معناه خر ميتا

والصور القرن وا يتصور هنا غير هذا ومن يقول الصور جمع صورة فانما يتوجه قوله في نفخة البعث وقد تقدم بيان نظير هذه الآية في غير هذا الموضع وقوله تعالى ثم نفخ فيه أخرى هي نفخة البعث وفي الحديث أن بين النفختين أربعين لا يدري أبو هريرة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ت ولفظ مسلم عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا ابا هريرة اربعون سنة قال ابيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون يوما قال ابيت الحديث قال صاحب التذكرة فقيل معنى قوله أبيت أي امتنعت عن بيان ذلك اذ ليس هو مما تدعو اليه حاجة وعلى هذا كان عنده علم ذلك وقيل المعنى أبيت أن أسئل النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك وعلى هذا فلا علم عنده والأول أظهر وقد جاء أن ما بين النفختين اربعين عاما انتهى وقد تقدم أن الصحيح في المستثنى في الآية أنهم الشهداء قال الشيخ أبو محمد بن بزيزة في شرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العوالم التي لا تفنى سبعة العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار والأرواح انتهى واشرقت الأرض بنور ربها معناه أضاءت وعظم نورها والأرض في هذه الآية الأرض المبدلة من الأرض المعروفة وقوله بنور ربها اضافة مخلوق الى خالق والكتاب كتاب حساب الخلائق ووحده على اسم الجنس لأن كل احد له كتاب على حدة وجيء بالنبيين أي ليشهدوا على أممهم والشهداء قيل هو جمع شاهد وقيل هو جمع شهيد في سبيل الله والأول ابين في معنى التوعد والضمير في قوله بينهم عائد على العالم باجمعه اذ الآية تدل عليهم وزمرا معناه جماعات متفرقة واحدتها زمرة وقوله فتحت جواب اذا والكلام هنا يقتضي ان فتحها انما يكون بعد مجيئهم وقي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم وهكذا هي حال السجون ومواضع الثقاف والعذاب بخلاف قوله في أهل

الجنة وفتحت فالواو موذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح والسرور وقوله تعالى وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم الآية في قوله منكم أعظم في الحجة أي رسل من جنسكم لا يصعب عليكم مرامهم ولا فهم أقوالهم وقوله تعالى وسيق الذين اتقوا ربهم لفظ يعم كل من يدخل الجنة من المؤمنين الذين اتقوا الشرك والواو في قوله وفتحت مؤذنة بأنها قد فتحت قبل وصولهم اليها وقالت فرقة هي زائدة وقال قوم اشار اليهم ابن الأنباري وضعف قولهم هذه واو الثمانية وقد تقدم الكلام عليها وجواب اذا فتحت وعن المبرد جواب اذا محذوف تقديره بعد قوله خالدين سعدوا وسقطت هذه الواو في مصحف ابن مسعود وسلام عليكم تحية وطبتم معناه أعمالا ومعتقدا ومسقرا وجزاء وأورثنا الأرض يريد أرض الجنة ونتبوأ معناه نتخذ أمكنة ومساكن ثم وصف تعالى حالة الملائكة من العرش وحفوفهم به والحفوف الأحداق بالشيء وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف وهو الجانب قال ابن المبارك في رقائقه أخبرنا معمر عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه تلا هذه الآية وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاءوها قال وجدوا عند باب الجنة شجرة يخرج من ساقها عينان فعمدوا الى احداهما كأنما أمروا بها فاغتسلوا بها فلم تشعث رءؤسهم بعدها ابدا ولم تتغير جلودهم بعدها ابدا كأنما دهنوا بالدهن ثم عمدوا الى الأخرى فشربوا منها فطهرت اجواغهم وغسلت كل قذر فيها وتتلقاهم على كل باب من أبواب الجنة ملائكة سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ثم تتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقولون أبشر أعد الله لك كذا وكذا واعد الله لك كذا ثم يذهب الغلام منهم الى الزوجة من أزواجه فيقول قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا فتقول له أنت رأيته فيستخفها الفرح حتى تقوم

على أسكفة بابها ترجع فيجيء فينظر الى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر وأصفر وأحمر من كل لون ثم يجلس فينظر فاذا زرابي مبثوثة وأكواب موضوعة ثم يرفع راسه فلولا أن الله قدر ذلك لأذهب بصره انما هو مثل البرق ثم يقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله انتهى وقوله تعالى يسبحون بحمد ربهم قالت فرقة معناه أن تسبيحهم يتأتى بحمد الله وفضله وقالت فرقة تسبيحهم هو بترديد حمد الله وتكراره قال الثعلبي متلذذين لا متعبدين مكلفين وقوله تعالى وقيل الحمد لله رب العالمين ختم للأمر وقول جزم عند فصل القضاء أي أن هذا الملك الحاكم العادل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه واكمال قضائه بين عباده ومن هذه الآية جعلت الحمد لله رب العالمين خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم قال قتادة فتح الله أول الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وختم القيامة بالحمد في هذه الآية قال ع وجعل سبحانه الحمد لله رب العالمين فاتحة كتابه فيه يبدأ كل أمر وبه يختم وحمد الله تعالى وتقديسه ينبغي أن يكون من المؤمن كما قيل ... وآخر شيء أنت في كل ضجعة ... وأول شيء أنت عند هبوب ...
تفسير سورة غافر وهي مكية
روى أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الحواميم ديباج القرآن ومعنى هذه العبارة انها خلت من الأحكام وقصرت على المواعظ والزجر وطرق

الآخرة محضا وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من اراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرإ الحواميم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى حم تقدم القول في الحروف المقطعة ويختص هذا الموضع بقول آخر قاله الضحاك والكسائي أن حم هجاء حم بضم الحاء وتشديد الميم المفتوحة كأنه يقول حم الأمر ووقع تنزيل الكتاب من الله وقال ابن عباس الروحم ون هي حروف الرحمن مقطعة في سور وسأل اعرابي النبي صلى الله عليه و سلم عن حم ما هو فقال بدأ أسماء وفواتح سور وذي الطول معناه ذي التطول والمن بكل نعمة فلا خير الا منه سبحانه فترتب في هذه الآية وعيد بين وعدين وهكذا رحمته سبحانه تغلب غضبه قال ع سمعت هذه النزعة من أبي رحمه الله وهو نحو من قول عمر رضي الله عنه لن يغلب عسر يسرين ت هو حديث والطول الانعام وعبارة البخاري الطول التفضل وحكى الثعلبي عن اهل الاشارة انه تعالى غافر الذنب فضلا وقابل التوب وعدا شديد العقاب عدلا لا اله الا هو اليه المصير فردا وقال ابن عباس الطول السعة والغنى وتقلب الذين كفروا في البلاد عبارة عن تمتعهم بالمساكن والمزارع والاسفار وغير ذلك وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه أي ليهلكوه كما قال تعالى فأخذتهم والعرب تقول للقتيل أخيذ وللأسير كذلك قال قتادة ليأخذوه معناه ليقتلوه وليدحضوا معناه ليزلقوا ويذهبوا والمدحضة المزلة والمزلقة وقوله فكيف كان عقاب تعجيب وتعظيم وليس باستفهام عن كيفية وقوع الأمر وقوله سبحانه وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا الآية في مصحف ابن مسعود وكذلك سبقت كلمة ربك والمعنى وكما أخذت أولئك المذكورين

فأهلكتهم فكذلك حقت كلماتي على جميع الكفار من تقدم منهم ومن تأخر أنهم أصحاب النار وقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به الآية أخبر الله سبحانه بخبر يتضمن تشريف المؤمنين ويعظم الرجاء لهم وهو أن الملائكة الحاملين للعرش والذين حول العرش وهؤلاء أفضل الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويسئلون الله لهم الرحمة والجنة وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية كان على ربك وعدا مسئولا أي سألته الملائكة قال ع وفسر في هذه الآية المجمل الذي في قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لأن الملائكة لا تستغفر لكافر وقد يجوز أن يقال أن استغفارهم لهم بمعنى طلب هدايتهم وبلغني أن رجلا قال لبعض الصالحين ادع لي واستغفر لي فقال له تب واتبع سبيل الله يستغفر لك من هو خير مني وتلا هذه الآية وقال مطرف بن الشخير وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة واغش العباد للعباد الشياطين وتلا هذه الآية وروى جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة اذنه وعاقته مسيرة سبعمائة سنة قال الداودي وعن هارون بن رياب قال حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن فأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك انتهى وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام انتهى وقد تقدم وقوله ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما معناه وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وقوله ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم روي عن سعيد بن جبير في ذلك أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول أين أبي أين أمي أين ابني أين زوجي فيلحقون به

لصلاحهم ولتنبيه عليهم وطلبه اياهم وهذه دعوة الملائكة وقولهم وقهم السيئات معناه اجعل لهم وقاية تقيهم السيئات واللفظ يحتمل أن يكون الدعاء في أن يدفع الله عنهم انفس السيئات حتى لا ينالهم عذاب من أجلها ويحتمل أن يكون الدعاء في دفع العذاب اللاحق من السيئات فيكون في اللفظ عى هذا حذف مضاف كأنه قال وقهم جزاء السيئات قال الفخر وقوله تعالى ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته يعني من تق السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة انتهى وهذا راجع الى التأويل الأول وقوله تعالى أن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم الآية روى أن هذه الحال تكون للكفار عند دخولهم النار فانهم اذا دخلوا فيها مقتوا أنفسهم وتناديهم ملائكة العذاب على جهة التوبيخ لمقت الله اياكم في الدنيا اذ كنتم تدعون الى الايمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم هذا هو معنى الآية وبه فسر مجاهد وقتادة وابن زيد واللام في قوله لمقت يحتمل أن تكون لام ابتداء ويحتمل أن تكون لام قسم وهو أصوب وأكبر خبر الابتداء واختلف في معنى قولهم امتنا اثنتين الآية فقال ابن عباس وغيره أرادوا موتة كونهم في الاصلاب ثم ءاحياءهم في الدنيا ثم أماتتهم الموت المعروف ثم أحياءهم يوم القيامة وهي كالتي في سورة البقرة كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا الآية وقال السدي ارادوا أنه أحياهم في الدنيا ثم اماتهم ثم أحياهم في القبر وقت السؤال ثم أماتهم فيه ثم احياهم في الحشر قال ع وهذا فيه الاحياء ثلاث مرار والأول أثبت وهذه الآية متصلة المعنى بالتي قبلها وبعد قولهم فهل الى خروج من سبيل محذوف يدل عليه الظاهر تقديره لا اسعاف لطلبتكم أو نحو هذا من الرد وقوله تعالى ذلكم يحتمل أن يكون اشارة الى العذاب الذي هم فيه أوالي مقتهم أنفسهم أوالي المنع والزجر والاهانة وقوله تعالى ذلكم بأنه اذا ادعى

الله وحده معناه بحالة توحيد ونفي لما سواه كفرتم وأن يشرك به اللات والعزى وغيرهما صدقتم فالحكم اليوم بعذابكم وتخليدكم في النار لله لا لتلك التي كنتم تشركونها معه في الألوهية وقوله سبحانه فادعوا الله مخلصين له الدين الآية مخاطبة للمؤمنين أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وادعوا معناه اعبدوا وقوله تعالى رفيع الدرجات يحتمل أن يريد بالدرجات صفاته العلى وعبر بما يقرب من افهام السامعين ويحتمل ان يريد رفيع الدرجات التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنته والعرش هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السموات السبع والكرسي والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض وقوله تعالى يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده قال الضحاك الروح هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل وقال قتادة والسدي الروح النبوءة ومكانتهما كما قال تعالى وروحا من أمرنا وسمي هذا روحا لأنه تحي به الأمم والأزمان كما يحي الجسد بروحه ويحتمل أن يكون القاء الروح عاما لكل ما ينعم الله له على عباده المهتدين في تفهيمه الأيمان والمعقولات الشريفة والمنذر بيوم التلاق ففي هذا التأويل هو الله تعالى قال الزجاج الروح كل ما فيه حياة الناس وكل مهتد حي وكل ضال كالميت وقوله من أمره أن جعلته جنسا للأمور فمن لتبعيض أو لابتداء الغاية وان جعلت الأمر من معنى الكلام فمن أما لابتداء الغاية وأما بمعنى الباء ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ الجمهور لتنذر بالتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه و سلم وقرأ أبي بن كعب وجماعة لينذر بالياء ويوم التلاق معناه تلاقي جميع العالم بعضهم بعضا وذلك أمر لم يتفق قط قبل ذلك اليوم وقوله يوم هم بارزن معناه في براز من الأرض يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وقوله تعالى لمن الملك اليوم روي ان الله تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا فيجيب

سبحانه هو نفسه بقوله لله الواحد القهار ثم يعلم الله تعالى أهل الموقف بأن اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وباقي الآية تكرر معناه فانظره في موضعه ثم أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بانذار العالم وتحذيرهم من يوم القيامة وأهواله والآزفة القريبة من أزف الشيء اذا قرب والآزفة في الآية صفة لمحذوف قد علم واستقر في النفوس هوله والتقدير يوم الساعة والآزفة أو الطامة الآزفة ونحو هذا وقوله سبحانه اذ القلوب لدى الحناجر معناه عند الحناجر أي قد صعدت من شدة الهول والجزع والكاظم الذي يرد غيظه وجزعه في صدره فمعنى الآية أنهم يطمعون في رد ما يجدونه في الحناجر والحال تغالبهم ويطاع في موضع الصفة لشفيع لأن التقدير ولا شفيع مطاع قال أبو حيان يطاع في موضع صفة لشفيع فيحتمل أن يكون في موضع خفض على اللفظ أو في موضع رفع على الموضع ثم يحتمل النفي أن يكون منسحبا على الوصف فقط فيكون ثم شفيع ولكنه لا يطاع ويحتمل أن ينسحب على الموصوف وصفته أي لا شفيع فيطاع انتهى وهذا الاحتمال الاخير هو الصواب قال ع وهذه الآية كلها عندي اعتراض في الكلام بليغ وقوله يعلم خائنة الأعين متصل بقوله سريع الحساب وقالت فرقة يعلم متصل بقوله لا يخفي على الله منهم شيء وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل والخائنة مصدر كالخيانة ويحتمل أن تكون خائنة اسم فاعل أي يعلم الأعين اذا خانت في نظرها قال ابو حيان والظاهر أن خائنة الأعين من اضافة الصفة الى الموصوف أي الأعين الخائنة كقوله وان سقيت كرام الناس فاسقينا أي الناس الكرام وجوزوا أن يكون خائنة مصدرا كالعافية أي يعلم خيانة الأعين انتهى وهذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيات فمن ذلك كسر الجفون والغمز بالعين أو النظرة التي تفهم معنى

ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه في شأن رجل ارتد ثم جاء ليسلم هلا قام اليه رجل منكم حين تلكأت عنه فضرب عنقه فقالوا يا رسول الله الا أومأت الينا فقال صلى الله عليه و سلم ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين وفي بعض الكتب المنزلة من قول الله عز و جل أنا مرصاد الهمم انا العالم بمجال الفكر وكسر الجفون وقال مجاهد خائنة الأعين مسارقة النظر الى ما لا يجوز ثم قوى تعالى هذا الاخبار بقوله وما تخفي الصدور بما لم يظهر على عين ولا غيرها واسند أبو بكر بن الخطيب عن مولى أم معبد الخزاعية عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعيني من الخيانة فانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور انتهى قال القشيري في التحبير ومن علم اطلاع الحق تعالى عليه يكون مراقبا لربه وعلامته أن يكون محاسبا لنفسه ومن لم تصح محاسبته لم تصح مراقبته وسئل بعضهم عما يستعين به العبد على حفظ البصر فقال يستعين عليه بعلمه ان نظر الله اليه سابق على نظره الى ما ينظر اليه انتهى وقوله سبحانه والله يقضي بالحق أي يجازي الحسنة بعشر والسيئة بمثلها وينصف المظلوم من الظالم الى غير ذلك من أقضية الحق والعدل والأصنام لا تقضي بشيء ولا تنفذ أمرا ويدعون معناه يعبدون وقوله سبحانه أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق الضمير في يسيروا لكفار قريش والآثار في الارض هي المباني والمآثر والصيت الدنيوي وذنوبهم كانت تكذيب الأنبياء والواقي الساتر المانع مأخوذ من الوقاية وباقي الآية بين وخص تعالى هامان وقارون بالذكر تنبيها على مكانهما من الكفر ولكونهما أشهر رجال فرعون وقيل أن قارون هذا ليس بقارون بني اسرائيل وقيل هو ذلك ولكنه كان

منقطعا الى فرعون خادما له مستغنيا معه وقوله ساحر أي في أمر العصا وكذاب في قوله أني رسول الله ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوءة والحق من عند الله قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل ابناء بني اسرائيل اتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق وهذا رجوع منهم الى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى ولكن هذا الأخير لم تتم لهم فيه عزمة ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه قال قتادة هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود وسموا من ذكرنا من بني اسرائيل أبناء كما تقول لانجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها هؤلاء أبناء فلانة وقوله تعالى وما كيد الكافرين الا في ضلال عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل احد من بني اسرائيل ولا نجحت لهم فيهم سعاية وقوله تعالى وقال فرعون ذروني أقتل موسى الآية الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرتهم آيات موسى عليه السلام أنهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما وفي هذه الآية على ذلك دليلان أحدهما قوله ذروني فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من انفاذ أوامرهم والدليل الثاني مقالة المؤمن وما صدع به وان مكاشفته لفرعون أكثر من مساترته وحكمه بنبوءة موسى أظهر من توريته في أمره وأما فرعون فانما نحا الى المخرقة والتمويه والاضطراب ومن ذلك قوله ذروني أقتل موسى وليدع ربه أي أني لا أبالي برب موسى ثم رجع الى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال اني أخاف أن يبدل دينكم والدين السلطان ومنه قول زهير ... لئن حللت بحي في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك ...
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أو أن يظهر وقرأ الباقون وأن يظهر فعلى القراءة

الأولى خاف فرعون أحد أمرين وعلى الثانية خاف الأمرين معا ولما سمع موسى مقالة فرعون دعا وقال أني عذت بربي وربكم الآية ثم حكى الله سبحانه مقالة رجل مؤمن ومن آل فرعون شرفه بالذكر وخلد ثناؤه في الأمم غابر الدهر قال ع سمعت أبي رحمه الله يقول سمعت ابا الفضل الله الجوهري على المنبر يقول وقد سئل أن يتكلم في شيء من فضائل الصحابة فأطرق ثم رفع رأسه وأنشد ... عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد ...
ماذا تريد من قوم قرنهم الله بنبيه وخصهم بمشاهدة وحيه وقد أثنى الله تعالى على رجل مؤمن ومن آل فرعون كتم إيمانه وأسره فجعله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال والله لا أعبد الله سرا بعد اليوم قال مقاتل كان هذا المؤمن ابن عم فرعون قال الفخر قيل انه كان ابن عم لفرعون وكان جاريا مجرى ولي العهد له ومجرى صاحب السر له وقيل كان قبطيا من قومن فرعون وقيل انه كان من بني اسرائيل والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة انتهى قال الثعلبي قال ابن عباس وأكثر العلماء كان اسمه حزقيل وقيل حزبقال وقيل غير هذا انتهى وقوله يصبكم بعض الذي يعدكم قال ابو عبيدة وغيره بعض هنا بمعنى كل وقال الزجاج هو الزام الحجة بأيسر ما في الأمر وليس فيه نفي اصابة الكل قال ع ويظهر لي أن المعنى يصبكم القسم الواحد مما يعدبه لأنه عليه السلام وعدهم أن آمنوا بالنعيم وان كفروا بالعذاب الأليم فإن كان صادقا فالعذاب بعض ما وعد به وقول المؤمن يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض استنزال لهم ووعظ وقوله في الأرض يريد أرض مصر وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون

ولذلك استكان هو وراجع بقوله ما أريكم الا ما أرى واختلف الناس من المراد بقوله تعالى وقال الذي آمن فقال الجمهور هو المؤمن المذكور قص الله تعالى أقاويله الى آخر الآيات وقالت فرقة بل كلام ذلك المؤمن قد تم وانما أراد تعالى بالذي آمن موسى عليه السلام محتجين بقوة كلامه وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك ولم يكن كلام الأول الا بملاينة لهم وقوله مثل يوم الأحزاب أي مثل يوم من ايامهم لأن عذابهم لم يكن في عصر واحد والمراد بالأحزاب المتحزبون على الأنبياء ومثل الثاني بدل من الأول والدأب العادة ويوم التنادي معناه يوم ينادي قوم قوما ويناديهم الآخرون واختلف في التنادي المشار اليه فقال قتادة هو نداء أهل الجنة أهل النار فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا وقيل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى يوم ندعوا كل أناس بإمامهم قال ع ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة وذلك كثير وقرأ ابن عباس والضحاك وابو صالح يوم التناد بشد الدال وهذا معنى آخر ليس من النداء بل هو من ند البعير اذا هرب وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثا أن الله تعالى اذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب فاذا رأى الخلق هول القيامة وأخرجت جهنم عنقا الى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين الى كل جهة فتردهم الملائكة الى المحشر لا عاصم لهم والعاصم المنجي وقوله ولقد جاءكم يوسف الآية قالت فرقة منهم الطبري يوسف المذكور هنا هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام وروي عن وهب بن منبه أن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر الى زمن موسى وروى أشهب عن مالك أنه بلغه أن فرعون عمر أربعمائة سنة وأربعين سنة وقالت فرقة بل هو فرعون

آخر وقوله كبر مقتا أي كبر مقتا جدالهم عند الله فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه وقرأ أبو عمرو وحده على كل قلب بالتنوين وقرأ الباقون بغير تنوين وفي مصحف ابن مسعود على قلب كل متكبر جبار ثم ان فرعون لما أعيته الحيل في مقاومة موسى نحا الى المخرقة ونادى هامان وزيره أن يبني له صرحا فيروي أنه طبخ الآجر لهذا الصرح ولم يطبخ قبله وبناه ارتفاع أربعمائة ذراع فبعث الله جبريل فمسحه بجناحه فكسره ثلاث كسر تفرقت اثناتان ووقعت ثالثة في البحر والأسباب الطرق قاله السدي وقال قتادة اراد الأبواب وقيل عنى لعله يجد مع قربه من السماء سببا يتعلق به وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وصد عن السبيل بضم الصاد وفتح الدال عطفا على زين والباقون بفتح الصاد والتباب الخسران ومنه تبت يدا أبي لهب وبه فسرها مجاهد وقتادة ثم وعظهم الذي آمن فدعا الى اتباع أمر الله وقوله اتبعون أهدكم يقوي أن المتكلم موسى وإن كان الآخر يحتمل أن يقول ذلك أي اتبعوني في اتباع موسى ثم زهدهم في الدنيا وانها شيء يتمتع به قليلا ورغب في الآخرة اذ هي دار الاستقرار قال الغزالي في الاحياء من أراد أن يدخل الجنة بغير حساب فليستغرق أوقاته في التلاوة والذكر والتفكر في حسن المئاب ومن اراد أن ترجح كفة حسناته وتثقل موازين خيراته فليستوعب في الطاعة أكثر أوقاته فان خلط عملا صالحا وآخر سيئا فأمره في خطر لكن الرجاء غير منقطع والعفو من كرم الله منتظر انتهى وقوله تعالى ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة الآية قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالات لموسى أو لمؤمن آل فرعون والدعاء الى النجاة هو الدعاء الى سببها وهو توحيد الله تعالى وطاعته وباقي الآية بين وقوله أن ما تدعونني المعنى وأن الذي تدعونني اليه من عبادة غير الله ليس له دعوة أي قدر وحق يجب أن يدعي أحد اليه ثم توعدهم

بأنهم سيذكرون قوله عند حلول العذاب بهم والضمير في وقاه يحتمل أن يعود على موسى أو على مؤمن آل فرعون على ما تقدم من الخلاف وقال القائلون بأنه مؤمن آل فرعون أن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر وفر في جملة من فر معه من المتبعين وقوله تعالى في آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا الآية قوله النار رفع على البدل من قوله سوء وقيل رفع بالابتداء وخبره يعرضون قالت فرقة هذا الغدو والعشي هو في الدنيا أي في كل غدو وعشي من ايام الدنيا يعرض آل فرعون على النار قال القرطبي في التذكرة وهذا هو عذاب القبر في البرزخ انتهى وكذا قال الامام الفخر وروي في ذلك أن أرواحهم في أجواف طير سود تروح بهم وتغدوا الى النار وقاله الأوزاعي عافانا الله من عذابه وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أن أحدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقدعك حتى يبعثك الله اليه يوم القيامة انتهى وقوله تعالى ويوم تقوم الساعة أي ويوم القيامة يقال ادخلوا آل فرعون اشد العذاب وآل فرعون اتباعه وأهل دينه والضمير في قوله يتحاجون لجميع كفار الأمم وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون والعامل في اذ فعل مضمر تقديره اذكر ثم قال جميع من في النار لخزنتها ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فراجعتهم الخزنة على معنى التوبيخ والتقرير أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات فاقر الكفار عند ذلك وقالوا بلى أي قد كان ذلك فقال لهم الخزنة عند ذلك ادعوا أنتم اذن وهذا على معنى الهزء بهم وقوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقيل هو من قول الخزنة وقيل هو من قول الله تعالى اخبارا منه لمحمد عليه الصلاة و السلام ثم أخبر تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الدنيا والآخرة ونصر المؤمنين داخل

في نصر الرسل وأيضا فقد جعل الله للمؤمنين الفضلاء ودا ووهبهم نصرا اذا ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم ومنه قوله صلى الله عليه و سلم من رد عن أخيه في عرضه كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم وقوله عليه السلام من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله ملكا يحميه يوم القيامة وقوله تعالى ويوم يقوم الأشهاد يريد يوم القيامة قال الزجاج والاشهاد جمع شاهد وقال الطبري جمع شهيد كشريف واشراف ويوم لا ينفع بدل من الأول والمعذرة مصدر كالعذر ثم اخبر تعالى بقصة موسى وما أتاه من النبوءة تأنيسا لمحمد وضرب أسوة وتذكيرا بما كانت العرب تعرفه من أمر موسى فبين ذلك أن محمدا ليس ببدع من الرسل والهدى والنبوءة والحكمة والتوراة تعم جميع ذلك وقوله تعالى واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار قال الطبري الابكار من طلوع الفجر الى طلوع الشمس وقيل من طلوع الشمس الى ارتفاع الضحى وقال الحسن بالعشي يريد صلاة العصر والابكار يريد صلاة الصبح وقوله تعالى أن في صدورهم الأكبر أي ليسوا على شيء بل في صدورهم كبر وأنفة عليك ثم نفي أن يكونوا يبلغون آمالهم بحسب ذلك الكبير ثم أمره تعالى بالاستعاذة بالله في كل أمره من كل مستعاذ منه وقوله تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس فيه توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين كأنه قال مخلوقات الله أكبر وأجل قدرا من خلق البشر فما لأحد منهم يتكبر على خالقه ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث وأن الذي خلق السمالوات والأرض قادر على خلق الناس تارة أخرى والخلق هنا مصدر مضاف الى المفعول والذين آمنوا وعملوا الصالحات يعادلهم قوله ولا المسيء وهو اسم جنس يعم المسيئين وقوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم آية تفضل ونعمة ووعد لامة محمد صلى الله عليه و سلم بالاجابة عند الدعاء قال

النووي وروينا في كتاب الترمذي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة الا أتاه الله اياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم اذن تكثر قال الله أكثر قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه الحاكم في المستدرك من رواية أبي سعيد الخدري وزاد فيه أو يدخر له من الاجر مثلها انتهى قال ابن عطاء الله لا يكن تأخر أمد العطاء مع الالحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الاجابة فيما يختار لك لا فيما تختار نفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد انتهى وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله عز و جل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه اذا دعاني رواه الجماعة الا ابا داود واللفظ لمسلم انتهى من السلاح وقالت فرقة معنى ادعوني اعبدوني واستجب معناه بالنصر والثواب ويدل على هذا قوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي الآية ت وهذا التأويل غير صحيح والأول هو الصواب ان شاء الله للحديث الصحيح فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الدعاء هو العبادة وقرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وابن حيان وفي صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد انتهى من السلاح والداخر الصاغر الذليل وقوله تعالى الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه الآيات هذا تنبيه على آيات الله وعبرة متى املها العاقل أدته الى توحيد الله سبحانه والاقرار بربوبيته وتؤفكون معناه تصرفون عن طريق النظر والهدى كذلك يوفك أي على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف الله تعالى الكفار الجاحدين بآيات الله من الأمم المتقدمة عن طريق الهدى وقوله تعالى

هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل الآية تنبيه على الوحدانية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه وقوله سبحانه ومنكم من يتوفى من قبل عبارة تردد في الادراج المذكورة فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا وآخرون قبل الأشد وآخرون قبل الشيخوخة ولتبلغوا أجلا مسمى أي ليبلغ كل واحد أجلا مسمى لا يتعداه ولعلكم تعقلون الحقائق اذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله تعالى وقوله تعالى الم تر الى الذين يجادلون في آيات الله الآية في الكفار المجادلين في رسالة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ويسحبون معناه يجرون والسحب الجر والحميم الذائب الشديد الحر من النار ويسجرون قال مجاهد معناه توقد النار بهم والعرب تقول سجرت التنور اذا ملأته نارا وقال السدي يسجرون يحرقون ثم أخبر تعالى أنهم يقال لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا فيقولون ضلوا أي تلفوا لنا وغابوا ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون الى الكذب فيقولون بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ثم يقال لهؤلاء الكفار المعذبين ذلكم العذاب الذي أنتم فيه بما كنتم تفرحون في الدنيا بالمعاصي والكفر وتمرحون قال مجاهد معناه الأشر والبطر وقوله تعالى ادخلوا أبواب جهنم معناه يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا لأن هذه المخاطبة انما هي بعد دخولهم ثم أنس تعالى نبيه ووعده بقوله فاصبر ان وعد الله حق أي في نصرك واظهار أمرك فان ذلك أمرا اما ان ترى بعضه في حياتك فتقر عينك به واما أن تموت قبل ذلك فالى أمرنا وتعذيبنا يصيرون ويرجعون قال أبو حيان وما في أما زائدة لتأكيد معنى الشرط انتهى وقوله تعالى ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك هذه الآية رد على العرب الذين استبعدوا أن يبعث الله بشرا رسولا وقوله تعالى

فاذا جاء أمر الله قضي بالحق الآية يحتمل أن يريد بأمر الله القيامة فتكون الآية توعدا لهم بالآخرة ويحتمل أن يريد بأمر الله ارسال رسول وبعثة نبي قضى ذلك وأنفذه بالحق وخسر كل مبطل ت والاول أبين وقوله تعالى الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها الآية هذه آيات فيها عبر وتعديد نعم والأنعام الازواج الثمانية ومنها الأولى للتبعيض وقال الطبري في هذه الآية الانعام تعم الابل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم فمنها في الموضعين على هذا للتبعيض وقوله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون الآية هذا احتجاج على قريش بما أظهر سبحانه في الأمم السالفة من نقماته في الكفار الذين كانوا أكثر منهم وأشد قوة قال أبو حيان فما أغنى ما نافية أو استفهامية بمعنى النفي انتهى وقوله سبحانه فلما جاءتهم رسلهم بالبينات الآية الضمير في جاءتهم عائد على الأمم المذكورة واختلف المفسرون في الضمير في فرحوا على من يعود فقال مجاهد وغيره هو عائد على الأمم المذكورين أي فرحوا بما عندهم من العلم في ظنهم ومعتقدهم من انهم لا يبعثون ولا يحاسبون قال ابن زيد واغتروا بعلمهم بالدنيا والمعاش وظنوا انه لا آخرة ففرحوا وهذا كقوله تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وقالت فرقة الضمير في فرحوا عائد على الرسل وفي هذا التأويل حذف وتقديره فلما جاءتهم رسلهم بالبينات كذبوهم ففرح الرسل بما عندهم من العلم بالله والثقة به وبأنه سينصرهم والضمير في بهم عائد على الكفار بلا خلاف ثم حكى سبحانه حالة بعضهم ممن آمن بعد تلبس العذاب بهم فلم ينفعهم ذلك وفي ذكر هذا حض على المبادرة وسنة نصب على المصدر ت وقيل المعنى احذروا سنة لله كقوله ناقة الله قال الفخر وقوله هنالك اسم مكان

مستعار للزمان أي وخسروا وقت رؤية البأس انتهى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
تفسير سورة حم السجدة وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
روى أن عتبة بن ربيعة ذهب الى النبي صلى الله عليه و سلم ليحتج عليه ويبين له أمر مخالفته لقومه فلما فرغ عتبة من كلامه قال النبي صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته الى قوله فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأرعد الشيخ وقف شعره وأمسك على فم النبي صلى الله عليه و سلم وناشده بالرحم أن يمسك وقال حين فارقه والله لقد سمعت شيئا ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا هو بالسحر ولقد ظننت أن صاعقة العذاب على رأسي والرحمن الرحيم صفتا رجاء ورحمة الله عز و جل وفصلت معناه بينت آياته أي فسرت معانيه ففصل بين حلاله وحرامه ووعده ووعيده وقيل فصلت في التنزيل أي نزل نجوما ولم ينزل مرة واحدة وقيل فصلت بالمواقف وأنواع اواخر الآي ولم يكن يرجع الى قافية ونحوها كالسجع والشعر وقوله تعالى لقوم يعلمون قالت فرقة يعلمون الأشياء ويعقلون الدلائل فكان القرآن فصلت آياته لهؤلاء اذ هم أهل الانتفاع بها فخصوا بالذكر تشريفا وقالت فرقة يعلمون متعلق في المعنى بقوله عربيا أي لقوم يعلمون ألفاظه ويتحققون أنها لم يخرج شيء منها عن كلام

العرب وكان الآي على هذا التأويل رادة على من زعم أن في كتاب الله ما ليس في كلام العرب والتأويل الأول أبين وأشرف معنى وبين أنه ليس في القرآن الا ما هو من كلام العرب اما من أصل لغتها وأما مما عربته من لغة غيرها ثم ذكر في القرآن وهو معرب مستعمل وقوله تعالى فهم لا يسمعون نفي لسماعهم النافع الذي يعتد به ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كل المباعدة وأرادوا أن يأيسوه من قبولهم ما جاء به وهي قلوبنا في أكنة مما تدعونا اليه وأكنة جمع كنان والوقر الثقل في الاذن الذي يمنع السمع وقوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة الآية قال الحسن المراد بالزكاة زكاة المال وقال ابن عباس والجمهور الزكاة في هذه الآية لا اله الا الله التوحيد كما قال موسى لفرعون هل لك الى أن تزكي ويرجح هذا التأويل أن الآية مكية وزكاة المال انما نزلت بالمدينة وانما هذه زكاة القلب والبدن أي تطهيره من المعاصي وقاله مجاهد والربيع وقال الضحاك ومقاتل معنى الزكاة هنا النفقة في الطاعة وغير ممنون قال ابن عباس معناه غير منقوص وقالت فرقة معناه غير مقطوع يقال مننت الحبل اذا قطعته وقال مجاهد مهناها غير محسوب قال ع ويظهر في الآية أنه وصفه بعدم المن والأذى من حيث هو من جهة الله تعالى فهو شريف لا من فيه وأعطيات البشر هي التي يدخلها المن والأنداد الأشباه والأمثال وهي اشارة الى كل ما عبد من دون الله وقوله تعالى وبارك فيها أي جعلها منبتة للطيبات والأطعمة وجعلها طهورا الى غير ذلك من وجوه البركة وفي قراءة ابن مسعود وقسم فيها أقواتها واختلف في معنى قوله أقواتها فقال السدي هي أقوات البشر وارزاقهم وأضافها الى الأرض من حيث هي فيها وعنها وقال قتادة هي اقوات الأرض من الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء التي بها قوام الأرض ومصالحها وروى

ابن عباس في هذا حديثا مرفوعا فشبهها بالقوت الذي به قوام الحيوان وقال مجاهد اراد أقواتها من المطر والمياه وقال الضحاك وغيره أراد بقوله أقواتها خصائصها التي قسمها في البلاد من الملبوس والمطعوم فجعل في بلد وفي قطر ما ليس في الآخر ليحتاج بعضهم الى بعض ويتقوت من هذه في هذه وهذا قريب من الأول وقوله تعالى في أربعة أيام يريد باليومين الأولين وقرأ الجمهور سواء بالنصب على الحال أي سواء هي وما انقضى فيها وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع سواء بالرفع أي هي سواء وقرأ الحسن سواء بالخفض على نعت الأيام واختلف في معنى السائلين فقال قتادة معناه سواء لمن سأل واستفهم عن الأمر وحقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فانه يجده كما قال تعالى وقال ابن زيد وجماعة معناه مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين اليها من البشر فعبر عنهم بالسائلين بمعنى الطالبين لأنه من شأنهم ولا بد طلب ما ينتفعون به فهم في حكم من سأل هذه أشيءا اذ هم أهل حاجة اليها ولفظة سواء تجري مجرى عدل وزر في أن ترد على المفرد والجمع والمذكر والؤنث وقوله سبحانه ثم استوى الى السماء معناه بقدرته واختراعه الى خلق السماء وايجادها وقوله تعالى وهي دخان روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان أو البخار وروي أنه مما أمره الله تعالى أن يصعد من الماء وهنا محذوف تقديره فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها وحينئذ قال لها وللأرض أيتيا بمعنى ايتيا أمري وإرادتي فيكما وقرأ ابن عباس آتيا بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما والاشارة بهذا كله الى تسخيرهما وما قدره الله من أعمالهما وقوله أو كرها فيه محذوف تقديره ايتيا طوعا وإلا أتيتما كرها وقوله سبحانه قالتا أراد الفرقتين جعل السموات سماء والأرضين أرضا واختلف في هذه المقالة من السماوات والأرض هل هو نطق حقيقة أو هو مجاز لما ظهر عليها من التذلل والخضوع والانقياد

الذي يتنزل منزلة النطق قال ع والقول الأول أنه نطق حقيقة أحسن لأنه لا شيء يدفعه وأن العبرة به أتم والقدرة فيه أظهر وقوله تعالى فقضاهن معناه فصنعن وأوجدهن ومنه قول أبي ذؤيب ... وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع ...
وقوله تعالى وأوحى في كل سماء أمرها قال مجاهد وقتادة أوحى الى سكانها وعمرتها من الملائكة واليها هي في نفسها ما شاء الله تعالى من الامور التي بها قوامها وصلاحها وقوله ذلك اشارة الى جميع ما ذكر أي أوجده بقدرته وأحكمه بعلمه وقوله تعالى فإن أعرضوا يعني قريشا والعرب الذين دعوتهم الى عبادة الله تعالى عن هذه الآيات البينات فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وقرأ النخعي وغيره صعقة فيهما وهذه قراءة بينة المعنى لأن الصعقة الهلاك الوحي وأما الأولى فهي تشبيه بالصاعقة وهي الوقعة الشديدة من صوت الرعد فشبهت هنا وقعة العذاب بها لأن عادا لم تعذب الا بريح وانما هذا تشبيه واستعارة وعبارة الثعلبي صاعقة أي واقعة وعقوبة مثل صاعقة عاد وثمود انتهى قال ع وخص عادا وثمودا بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام قال الثعلبي ومن بين ايديهم ومن خلفهم يعني قبلهم وبعدهم وقامت الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبرا ومباشرة وقال ع قوله ومن خلفهم أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن فلذلك قال ومن خلفهم ولا يتوجه أي يجعل ومن خلفهم عبارة عما أتى بعدهم لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير ت وما تقدم للثعلبي وغيره أحسن لأن مقصد الآية اتصال النذارة بهم وبمن قبلهم وبمن بعدهم اذ ما من أمة الا وفيها نذير وكما قال تعالى رسلنا تترا وأيضا فانه جمع في اللفظ عادا وثمودا وبالضرورة أن الرسول الذي أرسل الى ثمود هو بعد عاد فليس لرد ع وجه

فتأمله وقوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا الآية تقدم قصص هؤلاء وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير نحسات بسكون الحاء وهي جمع نحس وقرأ الباقون نحسات بكسر الحاء جمع نحس على وزن حذر والمعنى في هذه اللفظة مشائيم من النحس المعروف قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس نحسات معناه متتابعات وقيل معناه شديدة أي شديدة البرد وقوله تعالى فهديناهم معناه بينا لهم قاله ابن عباس وغيره وهذا كما هي الآن شريعة الاسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين بنا ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالضد فذلك استحباب العمى على الهدى والعذاب الهون هو الذي معه هوان واذلال قال أبو حيان الهون مصدر بمعنى الهوان وصف به العذاب انتهى وأعداء الله هم الكفار المخالفون لأمر الله سبحانه ويوزعون معناه يكف أولهم حبسا على آخرهم قاله قتادة والسدي وأهل اللغة وهذا وصف حال من أحوال الكفرة في بعض أوقات القيامة وذلك عند وصولهم الى جهنم فانه سبحانه يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ويسئلون سؤال توبيخ عن كفرهم فيجحدون ويحسبون أن لا شاهد عليهم ويطلبون شهيدا عليهم من أنفسهم وفي الحديث الصحيح أن العبد يعني الكافر يقول يا رب اليس وعدتني أن لا تظلمني قال فان ذلك لك قال فاني لا أقبل علي شاهدا الا من نفسي قال فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل قال فيقول لهن بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أدافع الحديث قال أبو حيان حتى اذا ما جاءوها ما بعد اذا زائدة للتوكيد انتهى وقوله تعالى وما كنتم تستترون يحتمل أن يكون من كلام الجلود ويحتمل أن يكون من كلام الله عز و جل وجمهور الناس على أن المراد بالجلود الجلود المعروفة وأما معنى الآية فيحتمل وجهين أحدهما أن يريد وما كنتم تتصاونون وتحجزون أنفسكم عن المعاصي والكفر خوف أن يشهد أو لأجل أن يشهد عليكم سمعكم الآية وهذا هو منحى مجاهد والمعنى

الثاني أن يريد وما يمكنكم ولا يسعكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم وهذا هو منحي السدي وعن ابن مسعوج قال اني لمستتر بأستار الكعبة اذ دخل ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتحدثوا بحديث فقال أحدهم أترى الله يسمع ما قلنا فقال الآخر يسمع اذا رفعنا ولا يسمع اذا أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع منه شيئا فانه يسمعه كله فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بذلك فنزلت هذه الآية وما كنتم تستترون وقرأ حتى بلغ وان يستعتبوا فما هم من المعتبين قال الشيخ أبو محمد بن ابي زيد في آخر مختصر المدونة له واعلم أن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازي والجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على من تشهد انتهى قال القرطبي في تذكرته واعلم أن عند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم في ذلك انتهى ومعنى أرادكم أهلككم والردى الهلاك وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول قبل وفاته ثلاث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله عز و جل وذكره ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله عز و جل وزاد فيه فان قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال لهم الله تبارك وتعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فأصبحتم من الخاسرين انتهى ونقله أيضا صاحب التذكرة وقوله تعالى فإن يصبروا مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم والمعنى فان يصبروا أولا يصبروا واقتصر لدلالة الظاهر على ما ترك وقوله تعالى وان يستعتبوا معناه وان طلبوا العتبى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها ويستوجبها قال أبو حيان قراءة الجمهور وأن يستعتبوا مبنيا للفاعل ومن المعتبين مبنيا للمفعول أي وأن يعتذروا فما هم من المعذروين انتهى ثم وصف تعالى

حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا فختم عليهم فقال وقيضنا لهم قرناء أي يسرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الانس وقوله فزينوا لهم ما بين أيديهم أي علموهم وقرروا لهم في نفوسهم ومعتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوءات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء الى غير ذلك مما يقال أنه بين ايديهم وذلك كل ما تقدمهم في الزمن واتصل اليهم أثره أو خبره وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك وحق عليهم القول أي سبق عليهم القضاء الحتم وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار من الجن والانس وقالت فرقة في بمعنى مع أي مع أمم قال ع والمعنى يتأدى بالحرفين ولا نحتاج أن نجعل حرفا بمعنى حرف اذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين وقوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن الآية حكاية لما فعله بعض كفار قريش كأبي جهل وغيره لما خافوا استمالة القلوب بالقرآن قالوا متى قرأ محمد فالغطوا بالصفير والصياح وانشاد الشعر حتى يخفي صوته فهذا الفعل منهم هو اللغو وقال أبو العالية ارادوا قعوا فيه وعيبوه وقولهم لعلكم تغلبون أي تطمسون أمر محمد وتميتون ذكره وتصرفون عنه القلوب فهذه الغاية التي تمنوها ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وقوله تعالى فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا الآية قوله لنذيقن الفاء دخلت على لام القسم وهي آية وعيد لقريش والعذاب الشديد هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها والجزاء بأسوأ أعمالهم هو عذاب الآخرة ت حدث ابو عمر في كتاب التمهيد قال حدثنا احمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا ابراهيم بن موسى بن جميل قال حدثنا عبد الله بن محمد بن ابي الدنيا قال حدثنا العتكي قال حدثنا خالد أبو يزيد الرقي عن يحيى المدني عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال خرجت مرة فمررت

بقبر من قبور الجاهلية فاذا رجل قد خرج من القبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة ومعي اداوة من ماء فلما رءاني قال يا عبد الله اسقني قال فقلت عرفني فدعاني باسمي أو كلمة تقولها العرب يا عبد الله اذ خرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فانه كافر ثم أخذ السلسلة فاجتذبه فادخله القبر قال ثم أضافني الليل الى بيت عجوز الى جانبها قبر فسمعت من القبر صوتا يقول بول وما بول شن وما شن فقلت للعجوز ما هذا قالت كان زوجا ليس وكان اذا بال لم يتق البول وكنت أقول له ويحك إن الجمل اذا بال تفاج وكان يأبى فهو ينادي من يوم مات بول وما بول قلت فما الشن قالت جاء رجل عطشان فقال اسقني فقال دونك الشن فاذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتا فهو ينادي منذ مات شن وما شن فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده قال ابو عمر هذا الحديث فى اسناده مجهولون ولم نورده للاحتجاج به ولكن للاعتبار وما لم يكن حكم فقد تسامح الناس في روايته عن الضعفاء انتهى من ترجمة عبد الرحمن بن حرملة وكلامه على قول النبي صلى الله عليه و سلم الشيطان يهم بالواحد والاثنين فاذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم وقد ذكرنا الحكاية الاولى عن الوائلي فى سورة اقرأ باسم ربك بغير هذا السند وأن الرجل الأول هو ابو جهل انتهى ثم ذكر تعالى مقالة كفار يوم القيامة اذا دخلوا النار فانهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم ومبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون ان يحصل فى اشد عذاب فحينئذ يقولون ربنا ارنا اللذين اضلانا وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم اللذين انما هو للجنس أي ارنا كل مغو من الجن والانس وهذا قول جماعة من المفسرين وقيل طلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وابليس الأبالسة من الجن وهذا قول لا يخفي ضعفه

والأول هو القوي وقولهم نجعلهما تحت اقدامنا يريدون في أسفل طبقة في النار وهي أشد عذابا وقوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا قال سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله أخبرني بأمر اعتصم به قال قل ربي الله ثم استقم ت هذا الحديث خرجه مسلم في صحيحه قال صاحب المفهم جوابه صلى الله عليه و سلم من جوامع الكلم وكأنه منتزع من قول الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا الآية وتلخيصه اعتدلوا على طاعته قولا وفعلا وعقدا انتهى من شرح الأربعين حديثا لابن الفاكهاني قال ع واختلف الناس في مقتضى قوله ثم استقاموا فذهب الحسن وجماعة الى أن معناه استقاموا بالطاعات واحتناب المعاصي وتلا عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ثم قال استقاموا والله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب قال ع فذهب رحمه الله الى حمل الناس على الاتم الأفضل وإلا فيلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب أن لا تتنزل الملائكة عند الموت على غير مستقيم على الطاعة وذهب أبو بكر رضي الله عنه وجماعة معه الى أن المعنى ثم استقاموا على قولهم ربنا الله فلم يختل توحيدهم ولا اضطرب ايمانهم قال ع وفي الحديث الصحيح من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة وهذا هو المعتقد ان شاء الله وذلك أن العصاة من أمة محمد وغيرها فرقتان فاما من غفر الله له وترك تعذيبه فلا محالة أنه ممن تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة وهو انما استقام على توحيده فقط وأما من قضى الله بتعذيبه مدة ثم يأمر بادخاله الجنة فلا محالة أنه يلقي جميع ذلك عند موته ويعلمه وليس يصح أن تكون حالة كحالة الكافر واليائس من رحمة الله واذا كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه ويدخل فيمن يقال لهم ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ومع هذا كله فلا يختلف في أن الموحد المستقيم على الطاعة

أتم حالا وأكمل بشارة وهو مقصد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعدادا كان أسرع فوزا بفضل الله تعالى قال الثعلبي قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا قال وكيع والبشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وفي البخاري تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت انتهى قال ابن العربي في أحكامه تتنزل عليهم الملائكة قال المفسرون عند الموت وأنا أقول كل يوم وأوكد الأيام يوم الموت وحين القبر ويوم الفزع الأكبر وفي ذلك أثار بيناها في موضعها انتهى قال ع وقوله تعالى أن لا تخافوا ولا تحزنوا آمنة عامة في كل هم مستأنف وتسلية تامة عن كل فائت ماض وقال مجاهد المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم ت وذكر أبو نعيم عن ثابت البناني أنه قرأ حم السجدة حتى بلغ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة فوقف وقال بلغنا أن العبد المؤمن حيث يبعث من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد قال فآمن الله خوفه وأقر عينه الحديث انتهى قال ابن المبارك في رقائقه سمعت سفيان يقول في قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة أي عند الموت أن لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من ضيعاتكم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون قال يبشر بثلاث بشارات عند الموت واذا خرج من القبر واذا فزع نحن أوليائكم في الحياة الدنيا قالوا كانوا معهم قال ابن المبارك وأخبرنا رجل عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا قال قرناءهم يلقونهم يوم القيامة فيقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة اه وقوله تعالى نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة المتكلم بنحن أولياءكم هم الملائكة القائلون لا تخافوا ولا تحزنوا أي يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق نحن

كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم أولياءكم في الآخرة قال السدي المعنى نحن حفظتكم وأولياؤكم في الآخرة والضمير في قوله فيها عائد على الآخرة وتدعون معناه تطلبون قال الفخر ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين اشارة الى أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالالهامات والمكاشفات اليقينية والمناجات الخفية كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بالقاء الوساوس وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات فهم يقولون كما أن تلك الولايات الحاصلة في الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير مائلة الى الزوال بل تصير بعد الموت أقوى وأبقى وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة وهي كالشعلة بالنسبة الى الشمس والقطرة بالنسبة الى البحر وانما التعلقات الجسدانية والتدبيرات البدنية هي الحائلة بينها وبين الملائكة فاذا زالت تلك العلائق فقد زال الغطاء واتصل الأثر بالمؤثر والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس انتهى ت وقد نقل الثعلبي من كلام أرباب المعاني هنا كلاما كثيرا حسنا جدا موقظا لأرباب الهمم فانظره ان شئت وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم إنه قال اذا فنيت أيام الدنيا عن هذا العبد المؤمن بعث الله الى نفسه من يتوفاها قال فقال صاحباه اللذان يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا أخا وصاحبا وقد حان اليوم منه فراق فأذنوا لنا أو قال دعونا نثن على أخينا فيقال أثنيا عليه فيقولان جزاك الله خيرا ورضي عنك وغفر لك وأدخلك الجنة فنعم الأخ كنت والصاحب ما كان أيسر مؤنتك وأحسن معونتك على نفسك ما كانت خطاياك تمنعنا أن نصعد الى ربنا فنسبح بحمده ونقدس له ونسجد د له ويقول الذي يتوفى نفسه أخرج أيها الروح الطيب الى خير يوم مر عليك فنعم ما قدمت لنفسك أخرج الى الروح

والريحان وجنات النعيم ورب عليك غير غضبان واذا فنيت أيام الدنيا عن العبد الكافر بعث الله الى نفسه من يتوفاها فيقول صاحباه اللذان كانا يحفظان عليه عمله أن هذا قد كان لنا صاحبا وقد حان منه فراق فاذنوا لنا ودعونا نثن على صاحبنا فيقال أثينا عليه فيقولان لعنة الله وغضبه عليه ولا غفر له وأدخله النار فبيس الصاحب ما كان أشد مؤنته وما كان يعين على نفسه إن كانت خطاياه وذنوبه لتمنعنا الى أن نصعد الى ربنا فنسبح له ونقدس له ونسجد له ويقول الذي يتوفى نفسه اخرج أيها الروح الخبيث الى شر يوم مر عليك فبيس ما قدمت لنفسك اخرج الى الحميم وتصلية الجحيم ورب عليك غضبان انتهى وقوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله الآية ابتداء توصية لنبيه عليه السلام وهو لفظ يعم كل من دعا قديما وحديثا الى الله عز و جل من الأنبياء والمؤمنين والمعنى لا أحد أحسن قولا ممن هذه حاله والى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة وقيل أن الآية نزلت في المؤذنين وهذا ضعيف لأن الآية مكية والأذان شرع بالمدينة قال أبو حيان ولا السيئة لا زائدة للتوكيد انتهى وقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن آية جمعت مكارم الاخلاق وأنواع الحلم والمعنى ادفع ما يعرض لك مع الناس في مخالطتهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن قال ابن عباس أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الاساءة فاذا فعل المؤمنون ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم البخاري ولي حميم أي قريب انتهى وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء قال ع ولا شك أن السلام هو مبدأ الدفع بالتي هي أحسن وهو جزء منه والضمير في قوله يلقاها عائد على هذه الخلق التي يقتضيها قوله ادفع بالتي هي أحسن وقالت فرقة المراد وما يلقي لا اله الا الله وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ وقوله سبحانه الا الذين صبروا مدح بليغ

للصابرين وذلك بين المتأمل لأن الصبر على الطاعات وعن الشهوات جامع لخصال الخير كلها والحظ العظيم يحتمل أن يريد من العقل والفضل فتكون الآية مدحا للمتصف بذلك ويحتمل أن يريد ذو حظ عظيم من الجنة وثواب الآخرة فتكون الآية وعدا وبالجنة فسر قتادة الحظ هنا وقوله تعالى وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله أما شرط وجواب الشرط قوله فاستعذ والنزغ فعل الشيطان في قلب أو يد من القاء غضب أو حقد أو بطش في اليد فمن الغضب هذه الآية ومن الحقد قوله نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ومن البطش قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار ومن دعاء الشيخ الولي العارف بالله سبحانه محمد بن مسرة القرطبي اللهم لا تجعل صدري للشيطان مراغا ولا تصير قلبي له مجالا ولا تجعلني ممن استفزه بصوته واجلب عليه بخيله ورجله وكن لي من حبائله منجيا ومن مصائده منقذا ومن غوايته مبعدا اللهم أنه وسوس في القلب وألقى في النفس مالا يطيق اللسان ذكره ولا تستطيع النفس نشره مما نزهك عنه علو عزك وسمو مجدك فازل يا سيدي ما سطر وامح ما زور بوابل من سحائب عظمتك وطوفان من بحار نصرتك واسلل عليه سيف أبعادك وارشقه بسهام أقصائك واحرقه بنار انتقامك واجعل خلاصي منه زائدا في حزنه وموكدا لاسفه ثم قال رحمه الله اعلم أنه ربما كان العبد في خلوته مشتغلا بتلاوته ويجد في نفسه من الوسوسة ما يجول بينه وبين ربه حتى لا يجد لطعم الذكر حلاوة ويجد في قلبه قساوة وربما اعتراه ذلك مع الاجتهاد في قراءته وعلة ذلك أن الذكر ذكران ذكر خوف ورهبة وذكر أمن وغفلة فاذا كان الذكر بالخوف والرهبة خنس الشيطان ولم يحتمل الحملة وأذهب الوسوسة لأن الذكر اذا كان باجتماع القلب وصدق النية لم يكن للشيطان قوة عند ذلك

وانقطعت علاق حيله وانما قوته ووسوسته مع الغفلة واذا كان الذكر بالأمن والغفلة لم تفارقه الوسوسة وان استدام العبد الذكر والقراءة لأن على قلب الغافل غشاوة ولا يجد صاحبها لطعم الذكر حلاوة فتحفظ على دينك من هذا العدو وليس لك أن تزيله عن مرتبته ولا أن تزيحه عن وطنه وإنما أبيح لك مجاهدته فاستعن بالله يعنك وثق بالله فانه لا يخذلك قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين انتهى من تصنيفه رحمه الله وندب سبحانه في الآية المتقدمة الى الأخذ بمكارم الأخلاق ووعد على ذلك وعلم سبحانه أن خلقة البشر تغلب أحيانا وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان فدلهم في هذه الآية على ما يذهب ذلك وهي الاستعاذة به عز و جل ثم عدد سبحانه آياته ليعتبر فيها فقال ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ثم قال تعالى لا تسجدوا للشمس ولا للقمر وان كانت لكم فيهما منافع لأن النفع منهما انما هو يتسخير الله اياهما فهو الذي ينبغي أن يسجد له والضمير في خلقهن قيل هو عائد على الآيات المتقدم ذكرها وقيل عائد على الشمس والقمر والاثنان جمع وايضا جمع ما لا يعقل يؤنث فلذلك قال خلقهن ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام ساغ أن يعود الضمير مجموعا وقيل هو عائد على الأربعة المذكورة ت ومن كتاب المستغيثين بالله لأبي القاسم بن بشكوال حدث بسنده الى أنس بن مالك قال تقرأ حم السجدة وتسجد عند السجدة وتدعو فانه يستجاب لك قال الراوي وجربته فوجدته مستجابا انتهى ثم خاطب جل وعلا نبيه عليه السلام بما يتضمن وعيدهم وحقارة أمرهم وأنه سبحانه غني عن عبادتهم بقوله فان استكبروا الآية وقوله فالذين يعني بهم الملائكة هم صافون يسبحون وعند هنا ليست بظرف مكان وانما هي بمعنى المنزلة والقربة كما تقول زيد عند الملك جليل ويروى أن تسبيح الملائكة قد صار لهم كالنفس لبني

آدم ولا يسئمون معناه لا يملون ثم ذكر تعالى آية منصوبة ليعتبر بها في أمر البعث من القبور ويستدل بما شوهد من هذه على ما لم يشاهد فقال ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة الآية وخشوع الأرض هو ما يظهر عليها من استكانة وشعث بالجدب فهي عابسة كما الخاشع عابس يكاد يبكي واهتزاز الأرض هو تخلخل أجزائها وتشققها للنبات وربوها هو انتفاخها بالماء وعلو سطحها به وعبارة البخاري اهتزت بالنبات وربت ارتفعت اه ثم ذكر الله تعالى بالأمر الذي ينبغي أن يقاس على هذه الآية والعبرة وذلك احياء الموتى فقال ان الذي أحياها لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير والشيء في اللغة الموجود وقوله تعالى أن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا الآية آية وعيد والالحاد الميل وهو هنا ميل عن الحق ومنه لحد الميت لأنه في جانب يقال لحد الرجل والحد بمعنى واختلف في الحادهم هذا ما هو فقال قتادة وغيره هو الحاد بالتكذيب وقال مجاهد وغيره هو بالمكاء والصفير واللغو الذين ذهبوا اليه وقال ابن عباس الحادهم وضعهم للكلام غير موضعه ولفظة الالحاد تعم هذا كله وباقي الآية بين وقوله تعالى اعملوا ما شئتم وعيد في صيغة الأمر باجماع من أهل العلم وقوله تعالى ان الذين كفروا بالذكر الآية يريد الذين كفروا قريشا والذكر القرآن باجماع واختلف في الخبر عنهم أين هو فقالت فرقة هو في قوله أولئك ينادون من مكان بعيد ورد بكثرة الحائل وأن هنالك قوما قد ذكروا يحسن رد قوله أولئك ينادون عليهم وقالت فرقة الخبر مضمر تقديره ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم هلكوا أو ضلوا وقيل الخبر في قوله وإنه لكتاب عزيز وهذا ضعيف لا يتجه وقال عمرة بن عبيد معناه في التفسير ان الذين كفروا بالذكر لما جائهم كفروا به وانه لكتاب عزيز قال ع والذي يحسن في هذا هو اضمار الخبر ولكنه عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدره هؤلاء فيه وانما هو بعد حكيم حميد

وهو أشد اظهارا لمذمة الكفار به وذلك لأن قوله وانه لكتاب داخل في صفة الذكر المكذب به فلم يتم ذكر المخبر عنه الا بعد استيفاء وصفه ووصف الله تعالى الكتاب بالعزة لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والازراء عليه وهو محفوظ من الله تعالى قال ابن عباس معناه كريم على الله تعالى وقوله تعالى لا يأتيه الباطل قال قتادة والسدي يريد الشيطان وظاهر اللفظ يعم الشيطان وأن يجيء أمر يبطل منه شيئا وقوله من بين يديه معناه ليس فيما تقدم من الكتب ما يبطل شيئا منه وقوله ولا من خلفه أي ليس يأتي بعده من نظر ناظر وفكرة عاقل ما يبطل شيئا منه والمراد باللفظة على الجملة لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات وقوله تنزيل خبر مبتدأ أي هو تنزيل وقوله تعالى ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك يحتمل معنيين أحدهما أن يكون تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم عن مقالات قومه وما يلقاه من المكروه منهم والثاني أن يكون المعنى ما يقال لك من الوحي وتخاطب به من جهة الله تعالى الا ما قد قيل للرسل من قبلك وقوله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا الآية الأعجمي هو الذي لا يفصح عربيا كان أو غير عربي والعجمي الذي ليس من العرب فصيحا كان أو غير فصيح والمعنى ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا لا يبين لقالوا واعترضوا لولا بينت آياته وهذه الآية نزلت بسبب تخليط اكن من قريش في أقوالهم من أجل حروف وقعت في القرآن وهي مما عرب من كلام العجم كسجين واستبرق ونحوه وقرأ الجمهور ءاعجمي وعربي على الاستفهام وهمزة ممدودة قبل الألف وقرأ حمزة والكسائي وحفص أأعجمي بهمزتين وكأنهم ينكرون ذلك ويقولون أأعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن ثم قال تعالى قل هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى وشفاء واختلف الناس في قوله وهو عليهم عمى فقالت فرقة يريد بهو القرآن وقالت فرقة يريد بهو الوقر وهذه كلها استعارات

والمعنى أنهم كالأعمى وصاحب الوقر وهو الثقل في الاذن المانع من السمع وكذلك قوله تعالى أولئك ينادون من مكان بعيد يحتمل معنيين وكلاهما مقول للمفسرين أحدهما أنها استعارة لقلة فهمهم شبههم بالرجل ينادي على بعد يسمع منه الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه وهذا تأويل مجاهد والآخران الكلام على الحقيقة وأن معناه أنهم يوم القيامة ينادون بكفرهم وقبيح أعمالهم من بعد حتى يسمع ذلك أهل الموقف ليفضحوا على رؤوس الخلائق ويكون أعظم لتوبيخهم وهذا تأويل الضحاك قال أبو حيان عمى بفتح الميم مصدر عمي انتهى ثم ضرب الله تعالى امر موسى مثلا للنبي عليه السلام ولقريش أي فعل أولئك كأفعال هؤلاء حين جاءهم مثل ما جاء هؤلاء والكلمة السابقة هي حتم الله تعالى بتأخير عذابهم الى يوم القيامة والضمير في قوله لفي شك منه يحتمل أن يعود على موسى أو على كتابه وقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه الآية نصيحة بليغة للعالم وتحذير وترجية وقوله تعالى اليه يرد علم الساعة الآية المعنى أن علم الساعة ووقت مجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه الى الله عز و جل وقوله تعالى ويوم يناديهم أين شركائي الآية التقدير واذكر يوم يناديهم والضمير في يناديهم الأظهر والأسبق فيه للفهم أنه يريد الكفار عبدة الأوثان ويحتمل أن يريد كل من عبد من دون الله من انسان وغيره وفي هذا ضعف وأما الضمير في قوله وضل عنهم فلا احتمال لعودته الا على الكفار وءاذناك قال ابن عباس وغيره معناه أعلمناك ما منا من يشهد ولا من شهد بأن لك شريكا وضل عنهم أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة والأصنام ويحتمل أن يريد وضل عنهم الاصنام أي تلفت فلم يجدوا منها نصرا وتلاشى لهم أمرها وقوله وظنوا يحتمل أن يكون متصلا بما قبله ويكون الوقف عليه ويكون قوله ما لهم من محيص استئناف نفي أن يكون لهم ملجأ أو موضع روغان تقول

حاص الرجل اذا راغ لطلب النجاة من شيء ومنه الحديث فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الأبواب ويكون الظن على هذا التأويل على بابه أي ظنوا أن هذه المقالة ما منا من شهيد منجاة لهم أو أمر يموهون به ويحتمل أن يكون الوقف في قوله من قبل ويكون وظنوا متصلا بقوله ما له من محيص أي ظنوا ذلك ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين وقد تقدم البحث في اطلاق الظن على اليقين ت وهذا التأويل هو الظاهر والأول بعيد جدا وقوله تعالى لا يسأم الانسان من دعاء الخير هذه آيات نزلت في كفار قيل في الوليد بن المغيرة وقيل في عتبة بن ربيعة وجل الآية يعطي أنها نزلت في كفار وإن كان أولها يتضمن خلقا ربما شارك فيها بعض المؤمنين ودعاء الخير اضافته اضافة المصدر الى المفعول وفي مصحف ابن مسعود من دعاء بالخير والخير في هذه الآية المال والصحة وبذلك تليق الآية بالكفار وقوله تعالى ليقولون هذا لي أي بعملي وبما سعيت ولا يرى أن النعم انما هي فضل من الله تعالى قال صلى الله عليه و سلم ليقولون قال أبو البقاء هو جواب الشرط والفاء محذوفة وقيل هو جواب قسم محذوف قال صلى الله عليه و سلم قلت هذا هو الحق والأول غلط لأن القسم قد تقدم في قوله ولئن فالجواب له ولأن حذف الفاء في الجواب لا يجوز انتهى وفي تغليط الصفاقسي لأبي البقاء نظر وقوله وما أظن الساعة قائمة قول بين فيه الجحد والكفر ثم يقول هذا الكافر ولئن رجعت الى ربي كما تقولون أن لي عنده للحسنى أي حالا ترضيني من مال وبنين وغير ذلك قال ع والأماني على الله تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد فقد قال عليه السلام الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقوله تعالى واذا أنعمنا على الانسان أعرض ونئا عن جانبه الآية ذكر سبحانه الخلق الذميمة من الانسان جملة وهي في الكافر بينة متمكنة وأما المؤمن ففي الأغلب يشكر على النعمة

وكثيرا ما يصير عند الشدة ونئا معناه بعد ولم يمل الى شكر ولا طاعة وقوله فذو دعاء عريض أي وطويل أيضا وعبارة الثعلبي عريض أي كثير والعرب تستعمل الطول والعرض كليهما في الكثرة من الكلام انتهى ثم أمر تعالى نبيه أن يوقف قريشا على هذا الاحتجاج وموضع تغريرهم بأنفسهم فقال قل أرايتم إن كان من عند الله وخالفتموه ألستم على هلكة فمن أضل ممن يبقي على مثل هذا الغرر مع الله وهذا هو الشقاق ثم وعد تعالى نبيه عليه السلام بأنه سيرى الكفار آياته واختلف في معنى قوله سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم فقال المنهال والسدي وجماعة هو وعد بما يفتحه الله على رسوله من الاقطار حول مكة وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها وفي أنفسهم اراد به فتح مكة قال ع وهذا تأويل حسن يتضمن الاعلام بغيب ظهر بعد ذلك وقال قتادة والضحاك ستنريهم آياتنا في الآفاق هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديما وفي أنفسهم يوم بدر والتأويل الأول أرجح والله اعلم والضمير في قوله تعالى أنه الحق عائد على الشرع والقرآن فباظهار الله نبيه وفتح البلاد عليه يتبين لهم أنه الحق وقوله بربك قال ابو حيان الباء زائدة وهو فاعل يكف أي أو لم يكفهم ربك انتهى وباقي الآية بين
تفسير سورة الشورى وهي مكية
وقال مقاتل فيها مدني قوله تعالى ذلك الذي يبشر الله عباده الى الصدور

بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى حم عسق قال الثعلبي قال ابن عباس أن حم عسق هذه الحروف بأعيانها نزلت في كل كتب الله المنزلة على كل نبي أنزل عليه كتاب ولذلك قال تعالى كذلك يوحي اليك والى الذين من قبلك وقرأ الجمهور يوحي باسناد الفعل الى الله تعالى وقرأ ابن كثير وحده يوحي بفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول والتقدير يوحي اليك القرآن وقوله تعالى والى الذين من قبلك يريد من الأنبياء الذين نزل عليهم الكتاب وقرأ نافع والكسائي يتفطرن وقرأ أبو عمرة وعاصم ينفطرن والمعنى فيهما يتصدعن ويتشققن خضوعا وخشية من الله تعالى وتعظيما وطاعة وقوله من فوقهن أي من أعلاهن وقال الأخفش علي بن سليمان الضمير من فوقهن للكفار أي من فوق الجماعات الكافرة والفرق الملحدة من أجل أقوالها يكاد السماوات يتفطرن فهذه الآية على هذا كالتي في كهيعص يكاد السماوات يتفطرن منه الآية وقالت فرقة معناه من فوق الأرضين اذ قد جرى ذكر الأرض وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض قالت فرقة هذا منسوخ بقوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا قال ع وهذا قول ضعيف لأن النسخ في الاخبار لا يتصور وقال السدي ما معناه أن ظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص في المؤمنين فكأنه قال ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين وقالت فرقة بل هي على عمومها لكن استغفار الملائكة ليس بطلب غفران للكفرة مع بقائهم على كفرهم وانما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدي الى الغفران لهم وتأويل السدي أرجح وقوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم ووعيد للكافرين

والمعنى ليس لك الا البلاغ فقط فلا تهتم بعدم ايمان قريش وغيرهم الله هو الحفيظ عليهم كفرهم المحصي لأعمالهم المجازي عليها وأنت لست بوكيل عليهم وما في هذه الألفاظ من موادعة فمنسوخ قال الامام الفخر في شرحه لأسماء الله الحسنى عند كلامه على اسمه سبحانه الحفيظ قال بعضهم ما من عبد حفظ جوارحه الا حفظ الله عليه قلبه وما من عبد حفظ الله عليه قلبه الا جعله حجة على عباده انتهى ثم قال تعالى وكذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا المعنى وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه السورة كذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا مبينا لهم لا يحتاجون الى آخر سواه اذ فهمه متأت لهم ولم نكلفك الا انذار من ذكر وأم القرى هي مكة ويوم الجمع هو يوم القيامة أي تخوفهم اياه وقوله فريق مرتفع على خبر الابتداء المضمر كأنه قال هم فريق في الجنة وفريق في السعير ثم قوي تعالى تسلية نبيه بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من ايمانهم أو كفرهم وأنه لو اراد كونهم أمة واحدة على دين واحد لجمعهم عليه ولكنه سبحانه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة وان الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقاوة ما لهم من ولي ولا نصير قال عبد الحق رحمه الله في العاقبة وقد علمت رحمك الله أن الناس يوم القيامة صنفان صنق مقرب مصان وآخر مبعد مهان صنف نصبت لهم الأسرة والحجال والأرائك والكلال وجمعت لهم الرغائب والآمال وآخرون أعدت لهم الأراقم والصلال والمقامع والأغلال وضروب الاهوال والأنكال وأنت لا تعلم من ايهما أنت ولا في أي الفريقين كنت ... نزلوا بمكة في قبائل نوفل ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل ... وتقلبوا فرحين تحت ظلالها ... وطرحت بالصحراء غير مظلل

وسقوا من الصافي المعتق ريهم ... وسقيت دمعة واله متململ ...
بكى سفيان الثوري رحمه الله ليلة الى الصباح فقيل له بكاؤك هذا على الذنوب فأخذ نبتة من الأرض وقال الذنوب أهون من هذا إنما أبكي خوف الخاتمة وبكى غير سفيان وغير سفيان وأنه للأمر يبكي عليه ويصرف الاهتمام كله اليه وقد قيل لا تكف دمعك حتى ترى في المعاد ربعك وقيل يا ابن آدم الأقلام عليك تجري وأنت في غفلة لا تدري يا ابن آدم دع التنافس في هذه الدار حتى ترى ما فعلت في أمرك الأقدار سمع بعض الصالحين منشدا ينشد أيا راهبي نجران ما فعلت هند فبكى ليلة الى الصباح فسئل عن ذلك فقال قلت في نفسي ما فعلت الأقدار في وماذا جرت به علي انتهى وقوله تعالى أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي الآية قوله ام اتخذوا كلام مقطوع مما قبله وليست بمعادلة ولكن الكلام كانه اضرب عن حجة أم لهم أو مقالة مقررة فقال بل اتخذوا هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا وذهب عضهم الى أن أم هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقرير اضراب ثم أثبت الحكم بأنه عز و جل هو الولي الذي تنفع ولايته وقوله تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله الآية المعنى قل لهم يا محمد وما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب وتصديق وايمان وكفر وغير ذلك فالحكم فيه والمجازاة عنه ليست الي ولا بيدي وانما ذلك الى الله تعالى الذي صفاته ما ذكر من احياء الموتى والقدرة على كل شيء وقوله تعالى جعل لكم من أنفسكم أزواجا يريد زوج الانسان الأنثى وبهذه النعمة اتفق الذرء وليست الأزواج هاهنا الأنواع وقوله ومن الأنعام أزواجا الظاهر أيضا فيه والمتسق أنه يريد اناث الذكران ويحتمل أن يريد الأنواع والأول أظهر وقوله يذرؤكم أي يخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن قاله مجاهد والناس فلفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق

معنى آخر ليس في خلق وهو توالي طبقات على مر الزمان وقوله فيه الضمير عائد على الجعل الذي يتضمنه قوله جعل لكم وهذا كما تقول كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه وقال القتبي الضمير للتزويج ولفظة في مشتركة على معان وان كان أصلها الوعاء واليه يردها النظر في كل وجه وقوله تعالى ليس كمثله شيء الكاف موكدة للتشبيه فنفي التشبيه أوكد ما يكون وذلك أنك تقول زيد كعمرو وزيد مثل عمرو فاذا أرادت المبالغة التامة قلت زيد كمثل عمرو وجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب وعلى هذا المعنى شواهد كثيرة وذهب الطبري وغيره الى أن المعنى ليس كهو شيء وقالو لفظة مثل في الآية توكيد وواقعة موقع هو والمقاليد المفاتيح قاله ابن عباس وغيره وقال مجاهد هذا أصلها بالفارسية وهي هاهنا استعارة لوقوع كل أمر تحت قدرته سبحانه وقال السدي المقاليد الخزائن وفي اللفظ على هذا حذف مضاف قال قتادة من ملك مقاليد خزائن فالخزائن في ملكه وقوله سبحانه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية المعنى شرع لكم وبين من المعتقدات والتوحيد ما وصى به نوحا قبل وقوله والذي عطف على ما وكذلك ما ذكر بعد من اقامة الدين مشروع اتفقت النبوءات فيه وذلك في المعتقدات وأما الأحكام بانفرادها فهي في الشرائع مختلفة وهي المراد في قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا واقامة الدين هو توحيد الله ورفض سواه وقوله تعالى ولا تتفرقوا نهي عن المهلك من تفرق الانحاء والمذاهب والخير كله في الألفة واجتماع الكلمة ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام كبر على المشركين ما تدعوهم اليه من توحيد الله ورفض الأوثان قال قتادة كبر عليهم لا اله الا الله وأبى الله الا نصرها ثم سلاه تعالى عنهم بقوله الله يجتبي اليه من يشاء الآية أي يختار ويصطفي قاله مجاهد وغيره وينيب معناه يرجع عن الكفر ويحرص على

الخير ويطلبه وما تفرقوا يعني اوائل اليهود والنصارى الا من بعد ما جاءهم العلم وقوله بغيا بينهم أي بغى بعضهم على بعض واداهم ذلك الى اختلاف الراي وافتراق الكلمة والكلمة السابقة قال المفسرون هي حتمة تعالى القضاء بان مجازاتهم انما تقع في الآخرة ولولا ذلك لفصل بينهم في الدنيا وغلب الحق على المبطل وقوله تعالى وان الذين اورثوا الكتاب اشارة الى معاصري نبينا محمد عليه السلام من اليهود والنصارى وقيل هو اشارة الى العرب والكتاب على هذا هو القرآن والضمير في قوله لفي شك منه يحتمل ان يعود على الكتاب او على محمد او على الاجل المسمى أي في شك من البعث على قول من راى ان الاشارة الى العرب ووصف الشك بمريب مبالغة فيه واللام في قوله تعالى فلذلك فادع قالت فرقة هي بمنزلة الى كأنه قال فالى ما وصى به الانبياء من التوحيد فادع وقالت فرقة بل هي بمعنى من اجل كانه قال من اجل ان الامر كذا وكذا ولكونه كذا فادع انت الى ربك وبلغ ما أرسلت به وقال الفخر يعني فلأجل ذلك التفرق ولأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين فادع الى الاتفاق على الملة الحنيفية واستقم عليها وعلى الدعوة اليها كما أمرك الله ولا تتبع أهواءهم الباطلة انتهى وخوطب عليه السلام بالاستقامة وهو قد كان مستقيما بمعنى دم على استقامتك وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به انما معناه الدوام وهذه الآية ونحوها كانت نصب عيني النبي عليه السلام وكانت شديدة الموقع من نفسه أعني قوله تعالى واستقم كما امرت لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة وفي هذا المعنى قال عليه السلام شيبتني هود وأخواتها فقيل له لم ذلك يا نبي الله فقال لأن فيها فاستقم كما أمرت وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله عز و جل وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا وقوله تعالى ولا تتبع أهواءهم يعني

قريشا ت وفرض الفخر هذه القضية في أهل الكتاب وذكر ما وقع من اليهود ومحاجتهم في دفع الحق وجحد الرسالة وعلى هذا فالضمير في اهوائهم عائد عليهم والله اعلم اه ثم امره تعالى أن يقول آمنت بما أنزل الله من كتاب وهو أمر يعم سائر أمته وقوله وأمرت لا عدل بينكم قالت فرقة اللام في لاعدل بمعنى أن أعدل بينكم وقالت فرقة المعنى وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم وقوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم الى آخر الآية ما فيه من موادعة منسوخ بآية السيف وقوله لا حجة بيننا وبينكم أي لا جدال ولا مناظرة قد وضح الحق وأنتم تعاندون وفي قوله الله يجمع بيننا وعيد بين وقوله تعالى والذين يحاجون في الله الآية قال ابن عباس ومجاهد نزلت في طائفة من بني اسرائيل همت برد الناس عن الاسلام واضلالهم وقيل نزلت في قريش لأنها كانت أبدا تحاول هذا المعنى ويحاجون في الله معناه في دين الله أو توحيد الله أي يحاجون فيه بالابطال والالحاد وما أشبهه والضمير في له يحتمل أن يعود على الله تبارك وتعالى ويحتمل أن يعود على الدين والشرع ويحتمل أن يعود على النبي عليه السلام وداحضة معناه زاهقة والدحض الزهق وباقي الآية بين وقوله سبحان الله الذي أنزل الكتاب بالحق معناه مضمنا الحق أي بالحق في أحكامه وأوامره ونواهيه وأخباره والميزان هنا العدل قاله ابن عباس ومجاهد والناس وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس قال ع ولا شك أنه داخل في العدل وجزء منه وقوله تعالى وما يدريك لعل الساعة قريب وعيد للمشركين وجاء لفظ قريب مذكرا من حيث تأنيث الساعة غير حقيقي واذ هي بمعنى الوقت ت ينبغي للمؤمن العاقل أن يتدبر هذه الآية ونظائرها ويقدر في نفسه أنه المقصود بها ... لاه بدنياه والأيام تنعاه ... والقبر غايته واللحد مأواه

يلهو فلو كان يدري ما أعدله ... اذن لأحزنه ما كان الهاه ...
قال الغزالي في الأحياء قال أبو زكريا التيمي بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام اذ أتوي بحجر منقوش فطلب من يقرأه فأوتي بوهب بن منبه فاذا فيه ابن آدم انك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزيادة من عملك ولقصرت من حرصك وحيلك وانما يلقاك غدا ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك ففارقك الولد والقريب ورفضك الوالد والنسيب فلا أنت الى دنياك عائد ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة فبكى سليمان بكاء شديدا انتهى وباقي الآية بين ثم رجى تبارك وتعالى عبادع بقوله الله لطيف بعباده ولطيف هنا بمعنى رفيق متحف والعباد هنا المؤمنون وقوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة معناه ارادة مستعد عامل لا ارادة متمن مسوف والحرث في هذه الآية عبارة عن السعي والتكسب والاعداد وقوله تعالى نزد له في حرثه وعد متنجز قال الفخر وفي تفسير قوله نزد له في حرثه قولان الأول نزد له في توفيقه واعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه وقال مقاتل نزد له في حرثه بتضعيف الثواب قال تعالى ليوفيهمم أجورهم ويزيدهم من فضله انتهى وقوله ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها معناه ما شئنا منها ولمن شئنا فرب ممتحن مضيق عليه حريص على حرث الدنيا مريد له لا يحس بغيره نعوذ بالله من ذلك وهذا الذي لا يعقل غير الدنيا هو الذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة وقوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله أم هذه منقطعة لا معادلة وهي بتقدير بل وألف الاستفهاك والشركاء في هذه الآية يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم ويكون الضمير في لهم للكفار المعاصرين لمحمد عليه السلام فالاشتراك هاهنا هو

في الكفر والغواية وليس بشركة الاشراك بالله ويحتمل أن يكون المراد بالشركاء الأصنام والأوثان على معنى أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته ويكون الضمير في شرعوا لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم والضمير في لهم للاصنام الشركاء وشرعوا معناه أثبتوا ونهجوا ورسموا والدين هنا العوائد والأحكام والسيرة ويدخل في ذلك أيضا المعتقدات السوء لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعا فاسدة وكلمة الفصل هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم للدار الآخرة والقضاء بينهم هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم وقوله تعالى ترى الظالمين هي رؤية بصر ومشفقين حال وليس لهم في هذا الاشفاق مدح لأنهم انما شفقوا حين نزل بهم وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من أمر الساعة كما تقدم وهو واقع بهم أبو حيان ضمير هو عائد على العذاب أو على ما كسبوا بحذف مضاف أي وبال ما كسبوا انتهى والروضات المواضع المونقة النضرة وقوله تعالى ذلك الذي يبشر الله عباده اشارة الى قوله تعالى في الآية الأخرى وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وقوله تعالى قل لا أسلألكم عليه أجرا الا المودة في القربى اختلف الناس في معناه فقال ابن عباس وغيره هي آية مكية نزلت في صدر الاسلام ومعناها استكفاف شر الكفار ودفع أذاهم أي ما أسالكم على القرآن الا أن تودوني لقرابة بيني وبينكم فتكفوا عني أذاكم قال ابن عباس وابن اسحاق وقتادة ولم يكن في قريش بطن الا وللنبي صلى الله عليه و سلم فيه نسب أو صهر فالآية على هذا فيها استعطاف ما ودفع اذى وطلب سلامة منهم وذلك كله منسوخ بآية السيف ويحتمل هذا التأويل أن يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم أي لا اسالكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودوني لقرابتي منكم وأن تكونوا أولى بي من غيركم قال ع وقريش كلها عندي قربى وان كانت تتفاضل وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم

أنه قال من مات على حب آل محمد مات شهيدا ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أن الآية مدنية وأن الأنصار جمعت لرسول الله صلى الله عليه و سلم مالا وساقته اليه فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك وقيل غير هذا وعلى كل قول فالاستثناء منقطع والا بمعنى لكن ويقترف معناه يكتسب ورجل قرفة اذا كان محتالا كسوبا وغفور معناه ساتر عيوب عباده وشكور معناه مجاز على الدقيقة من الخير لا يضيع عنده لعامل عمل وقوله تعالى أن يقولون افترى على الله كذبا أم هذه مقطوعة مضمنة اضرابا عن كلام متقدم وتقريرا على هذه المقالة منهم وقوله تعالى فإن يشأ الله يختم على قلبك معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين ينسيك القرآن والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان ابطالها كأنه يقول وكيف يصح أن تكون مفتريا وأنت من الله بمرأى ومسمع وهو قادر لو شاء أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراءك فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا وقال مجاهد المعنى فإن يشأ الله يختم على قلبك بالصبر لأذى الكفار ويربط عليك بالجلد فهذا تاويل لا يتضمن الرد على مقالتهم قال أبو حيان وذكر القشيري أن الخطاب للكفار أي يختم على قلبك أيها القائل فيكون انتقالا من الغيبة للخطاب ويمح استئناف اخبار لا داخل في الجواب وتسقط الواو من اللفظ لالتقاء الساكنين ومن المصحف حملا على اللفظ انتهى وقوله تعالى ويمح فعل مستقبل خبر من الله تعالى أنه يمحو الباطل ولا بد أما في الدنيا وأما في الآخرة وهذا بحسب نازلة نازلة وكتب يمح في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا ويدع الانسان الى غير ذلك مما ذهبوا فيه الى الحذف والاختصار وقوله بكلماته معناه بما سبق في قديم علمه وارادته من كون الأشياء فالكلمات المعاني القائمة القديمة التي لا تبديل لها ثم ذكر تعالى النعمة في تفضله

بقبول التوبة من عباده وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمانه وأعماله مقطوع به بهذه الآية وأما ما سلف من أعماله فينقسم فأما التوية من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفائتة وغير ذلك وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة فيها قولان هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه فقالت فرقة هي مذهبة لها وقالت فرقة هي في مشيئة الله تعالى وأجمعوا أنها لا تذهب مظالم العباد وحقيقة التوبة الاقلاع عن المعاصي والاقبال والرجوع الى الطاعات ويلزمها الندم على ما فات والعزم على ملازمة الخيرات وقال سري السقطي التوبة العزم على ترك الذنوب والاقبال بالقلب على علام الغيوب وقال يحيى بن معاذ التائب من كسر شبابه على رأسه وكسر الدنيا على راس الشيطان ولزم الفطام حتى أتاه الحمام وقوله تعالى عن عباده بمعنى من عباده وكأنه قال التوبة الصادرة عن عباده وقرأ الجمهور يفعلون بالياء على الغيبة وقرأ حمزة والكسائي تفعلون بالتاء على المخاطبة وفي الآية توعد وقوله تعالى ويستجيب قال الزجاج وغيره معناه يجيب والعرب تقول اجاب واستجاب بمعنى والذين على هذا التأويل مفعول يستجيب وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل ونحوه عن ابن عباس وقالت فرقة المعنى ويستدعي الذين آمنوا الاجابة من ربهم بالأعمال الصالحات ودل قوله ويزيدهم من فضله على أن المعنى فيجيبهم والذين على هذا القول فاعل يستجيب وقالت فرقة المعنى ويجيب المؤمنون ربهم فالذين فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته والزيادة من فضله هي تضعيف الحسنات وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال هي قبول الشفاعات في المذنبين والرضوان وقوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير قال عمرو ابن حريث وغيره أنها نزلت لأن قوما من أهل الصفة طلبوا من رسول الله

صلى الله عليه و سلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق فعلمهم الله تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وافسادهم ولكنه عز و جل أعلم بالمصلحة في كل أحد أنه بعباده خبير بصير بمصالحهم فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم فرب انسان لا يصلح وتنكف عاديته الا بالفقر ت وقد ذكرنا في هذا المختصر أحاديث كثيرة مختارة في فضل الفقراء الصابرين ما فيه كفاية لمن وفق وقد روى ابن المبارك في رقائقه عن سعيد بن المسيب قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أخبرني يا رسول الله بجلساء الله يوم القيامة قال هم الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا قال يا رسول الله فهم أول الناس يدخلون الجنة قال لا قال فمن أول الناس يدخل الجنة قال الفقراء يسبقون الناس الى الجنة فتخرج اليهم منها ملائكة فيقولون ارجعوا الىالحساب فيقولون على ما نحاسب والله ما أفيضت علينا الأموال في الدنيا فنقبض فيها ونبسط وما كنا أمراء نعدل ونجور ولكنا جاءنا أمر الله فعبدناه حتى أتانا اليقين انتهى وقوله عز و جل وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا الآية تعديد نعم الله الدالة على وحدانيته وانه المولى الذي يستحق أن يعبد دون ما سواه من الأنداد وقرأ الجمهور قنطوا بفتح النون وقرأ الأعمش قنطوا بكسرها وهما لغتان وروي أن عمر رضي الله عنه قيل له أجدبت الأرض وقنط الناس فقال مطروا اذن بمعنى أن الفرج عند الشدة وقوله تعالى وينشر رحمته قيل اراد بالرحمة المطر وقيل اراد بالرحمة هنا الشمس فذلك تعديد نعمة غير الأولى وذلك أن المطر اذا الم بعد القنط حسن موقعه فاذا دام سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع وقوله تعالى وهو الولي الحميد أي من هذه أفعاله هو الذي ينفع اذا والى وتحمد أفعاله ونعمه قال القشيري اسمه تعالى الولي هو المتولي لأحوال عباده وقيل هو من الوالي

وهو الناصر فأولياء الله أنصار دينه وأشياع طاعته والوالي في صفة العبد من يواظب على طاعة ربه ومن علامات من يكون الحق سبحانه وليه أن يصونه ويكفيه في جميع الأحوال ويؤمنه فيغار على قلبه أن يتعلق بمخلوق في دفع شر أو جلب نفع بل يكون سبحانه هو القائم على قلبه في كل نفس فيحقق آماله عند اشاراته ويعجل مآربه عند خطراته ومن أمارات ولايته لعبده أن يديم توفيقه حتى لو أراد سوءا أو قصد محظورا عصمه عن ارتكابه أولوا جنح الى تقصير في طاعة أبى الا توفيقا وتأييدا وهذا من أمارت السعادة وعكس هذا من إمارت الشقاوة ومن أمارات ولايته أيضا أن يرزقه مودة في قلوب أوليائه انتهى من التحبير ثم ذكر تعالى الآية الكبرى الدالة على الصانع وذلك خلق السماوات والأرض وقوله تعالى وما بث فيهما من دابة يتخرج على وجوه منها أن يريد أحدهما وهو ما بث في الأرض دون السموات ومنها أن يكون تعالى قد خلق في السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب وقد تقع أحيانا كالضفادع ونحوها فان السحاب داخل في اسم السماء وقوله تعالى وهو على جمعهم يريد يوم القيامة عند الحشر من القبور وقوله تعالى وما اصابكم من مصيبة قرأ جمهور القراء فبما بفاء وكذلك هي في جل المصاحف وقرأ نافع وابن عامر بما دون فاء قال أبو علي الفارسي أصاب من قوله وما أصابكم يحتمل أن يكون في موضع جزم وتكون ما شرطية وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه وجوز حذفها ابو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى ويحتمل أن يكون أصاب صلة لما وتكون ما بمعنى الذي وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة والمصيبة انما هي بكسب الأيدي ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ويجوز أن يعرى منه قال ع وأما

في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه فقالت فرقة هو اخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا انما هي مجازات من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق الا بذنب وما يعفو عنه أكثر وقال مرة الهمداني رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا فقال هذا بما كسبت يدي ويعفو الله عن كثير وقيل لأبي سليمان الداراني ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء اليهم فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما اصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه وقال الحسن معنى الآية في الحدود أي ما أصابكم من حد من حدود الله فبما كسبت أيديكم ويعفو الله عن كثير فيستره على العبد حتى لا يحد عليه ثم أخبر تعالى عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة لا يعجز طلب ربه ولا يمكنه الفرار منه والجواري جمع جارية وهي السفينة والاعلام الجبال وباقي الآية بين فيه الموعظة وتشريف الصبار الشكور وقوله تعالى أو يوبقهن بما كسبوا أوبقت الرجل اذا أنشبته في أمر يهلك فيه وهو في السفن تغريقها وبما كسبوا أي بذنوب ركابها وقرأ نافع وابن عامر ويعلم بالرفع على القطع والاستئناف وقرأ الباقون والجمهور ويعلم بالنصب على تقدير أن والمحيص المنجي وموضع الروغان ثم وعظ سبحانه عباده وحقر عندهم أمر الدنيا وشأنها ورغبهم فيما عنده من النعيم والمنزلة الرفيعة لديه وعظم قدر ذلك في قوله فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا

وعلى ربهم يتوكلون وقرأ الجمهور كبائر على الجمع قال الحسن هي كل ما توعد فيه بالنار وقد تقدم ما ذكره الناس في الكبائر في سورة النساء وغيرها والفواحش قال السدي الزنا وقال مقاتل موجبات الحدود وقوله تعالى واذا ما غضبوا هم يغفرون حض على كسر الغضب والتدرب في أطفائه اذ هو جمرة من جهنم وباب من أبوابها وقال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم أوصني قال لا تغضب قال زدني قال لا تغضب قال زدني قال لا تغضب ومن جاهد هذا العارض من نفسه حتى غلبه فقد كفي هما عظيما في دنياه وآخرته ت وروى مالك في الموطأ إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تغضب قال أبو عمر بن عبد البر اراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة ليلا أنسى إن أكثرت علي ثم اسند أبو عمر من طرق عن الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة أنه قال يا رسول الله قل لي قولا ينفعني الله به واقلل لي لعلي أعقله قال لا تغضب فأعاد عليه مرارا كلها يرجع اليه رسول الله لا تغضب انتهى من التمهيد واسند أبو عمر في التمهيد أيضا عن عبد الله بن ابي الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقتن مالا قال عسى انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كف لسانه عن اعراض المسلمين أقاله الله عثرته يوم القيامة ومن كف غضبه عنهم وقاه الله عذابه يوم القيامة قال ابن المبارك وأخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال ان الله تبارك وتعالى يقول من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ومن ذكرني حين يغضب ذكرته حين أغضب فلم أمحقه فيمن أمحق انتهى وقوله تعالى والذين استجابوا مدح لكل

من آمن بالله وقبل شرعه ومدح الله تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الايدي والتعاضد على الخير وفي الحديث ما تشاور قوم قط الا هدوا لأحسن ما بحضرتهم وقوله تعالى ومما رزقناهم يتفقون معناه في سبيل الله وبرسم الشرع وقال ابن زيد قوله تعالى والذين استجابوا لربهم الآية نزلت في الأنصار والظاهر أن الله تعالى مدح كل من انصف بهذه الصفة كائنا من كان وهل حصل الانصار في هذه الصفة الا بعد سبق المهاجرين اليها رضي الله عن جميعهم بمنه وقوله عز و جل والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون مدح سبحانه في هذه الآية قوما بالانتصار ممن بغى عليهم ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا الانتصار بالواجب تغيير منكر قال الثعلبي قال ابراهيم النخعي في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فاذا قدروا عفوا انتهى وقوله سبحانه وجزاء سيئة سيئة مثلها قيل سمى الجزاء باسم الابتداء وان لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة قال ع وإن أخذنا السيئة هنا بمعنى المصيبة في حق البشر أي يسوء هذا هذا ويسوءه الآخر فلسنا نحتاج الى أن نقول سمة العقوبة باسم الذنب بل الفعل الأول والآخر سيئة قال الفخر اعلم أنه تعالى لما قال والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل فان النقصان حيث والزيادة ظلم والمساواة هو العدل فلهذا السبب قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها انتهى ويدل على ذلك قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ونحوه من الآي واللام في قوله ولمن انتصر بعد ظلمه لام التقاء القسم وقوله من سبيل يريد من سبيل حرج ولا سبيل حكم وهذا ابلاغ في اباحة الانتصار والخلاف فيه هل هو بين المؤمن والمشرك أو بين المؤمنين وقوله تعالى انما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية المعنى انما السبيل الحكم والاثم على الذين

يظلمون الناس روى الترمذي عن كعب بن عجرة قال قال لي النبي صلى الله عليه و سلم أعيذك بالله يا كعب من أمراء يكونون فمن غشي ابوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض يا كعب الصلاة برهان والصبر جنة حصينة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار يا كعب أنه لا يربو لحم نبت من سحت الا كانت النار أولى به قال أبو عيسى هذا حديث حسن وخرجه ايضا في كتاب الفتن وصححه انتهى وقوله تعالى انما السبيل الى قوله اليم اعتراض بين الكلامين ثم عاد في قوله ولمن صبر الى الكلام الأول كأنه قال ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ولمن صبر وغفر الآية واللام في قوله ولمن صبر يصح أن تكون لام قسم ويصح أن تكون لام الابتداء وعزم الأمور محكمها ومتقنها والحميد العاقبة منها فمن رأيى أن هذه الآية هي فيما بين المؤمنين والمشركين وأن الصبر للمشركين كان أفضل قال أن الآية نسخت بآية السيف ومن رأى أن الآية بين المؤمنين قال هي محكمة والصبر والغفران أفضل اجماعا وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فيقوم عنق من الناس كبير فيقال ما أجركم فيقولون نحن الذين عفونا عمن ظلمنا في الدنيا وقوله تعالى ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده تحقير لأمر الكفرة أي فلا يبالي بهم أحد من المؤمنين لأنهم صائرون الى ما لا فلاح لهم معه ثم وصف تعالى لنبيه حالهم في القيامة عند رؤيتهم العذاب وقولهم هل الى مرد من سبيل ومرادهم الرد الىالدنيا والرؤية هنا رؤية عين والضمير في قوله عليها عائد على النار وان لم يتقدم لها ذكر من حيث دل عليها قوله رأوا العذاب وقوله من الذل يتعلق بخاشعين وقوله تعالى ينظرون من طرف خفي قال قتادة والسدي المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه هنا

من الهم وسوء الحال لا يستطيعون النظر بجميع العين وانما ينظرون ببعضها قال الثعلبي قال يونس من بمعنى الباء أي ينظرون بطرف خفي أي ضعيف من أجل الذل والخوف ونحوه عن الأخفش انتهى وفي البخاري من طرف خفي أي ذليل وقوله تعالى وقال الذين آمنوا أن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القامة الآية وقول الذين آمنوا هو في يوم القيامة عند ما عاينوا حال الكفار وسوء منقلبهم وقوله تعالى الا ان الظالمين في عذاب مقيم يحتمل أن يكون من قول المؤمنين يومئذ حكاه الله عنهم ويحتمل أن يكون استئنافا من قول الله عز و جل واخباره لنبيه محمد عليه السلام وقوله تعالى وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله الآية انحاء على الأصنام والأوثان التي أظهر الكفار ولايتها واعتقدت ذلك دينا ثم أمر تعالى نبيه أن يأمرهم بالاستجابة لدعوة الله وشريعته من قبل اتيان يوم القيامة الذي لا يرد أحد بعده الى عمل قال ع في الآية الأخرى في سورة ألم غلبت الروم ويحتمل أن يريد لا يرده راد حتى لا يقع وهذا ظاهر بحسب اللفظ والنكير مصدر بمعنى الانكار قال الثعلبي مالكم من ملجأ أي معقل ومالكم من نكير أي من انكار على ما ينزل بكم من العذاب يغير ما بكم انتهى وقوله تعالى فإن أعرضوا الآية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم والانسان هنا اسم جنس وجمع الضمير في قوله تصبهم وهو عائد على لفظ الانسان من حيث هو اسم جنس وقوله تعالى لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء الآية هذه آية اعتبار دال على القدرة والملك المحيط بالجميع وأن مشيئته تعالى نافذة في جميع خلقه وفي كل أمرهم وهذا لا مدخل لصنم فيه فان الذي يخلق ما يشاء هو الله تبار وتعالى وهو الذي يقسم الخلق فيهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الأولاد الذكور أو يزوجهم أي ينوعهم ذكرانا واناثا وقال محمد بن الحنفية يريد بقوله تعالى أو يزوجهم التوأم

أي يجعل في بطن زوجا من الذرية ذكرا وانثى والعقيم الذي لا يولد له وهذا كله مدبر بالعلم والقدرة وبدأ في هذه الآية بذكر الاناث تانيسا بهن ليتهم بصونهن والاحسان اليهن وقال النبي صلى الله عليه و سلم من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن اليهن كن له حجابا من النار وقال واثلة بن الأسقع من يمن المرأة تبكيرها بالانثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بذكر الاناث حكاه عنه الثعلبي قال وقال اسحاق بن بشر نزلت هذه الآية في الانبياء ثم عمت فيهب لمن يشاء اناثا يعني لوطا عليه السلام ويهب لمن يشاء الذكور يعني ابراهيم عليه السلام أو يزوجهم ذكرانا واناثا يعني نبينا محمدا عليه السلام ويجعل من يشاء عقيما يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام وقوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك ذهب قريش واليهود في ذلك الى تجسيم ونحوه فنزلت الآية مبينة صورة تكليم الله عباده كيف هو فبين الله تعالى أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه الله الا بأن يوحي اليه أحد وجوه الوحي من الالهام قال مجاهد أو النفث في القلب أو وحي في منام قال النخعي وكان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزا كموسى عليه السلام وهذا معنى من وراء حجاب أي من خفاء عن المكلم لا يحده ولا يتسور بذهنه عليه وليس كالحجاب في الشاهد أو بأن يرسل اليه ملكا يشافهه بوحي الله عز و جل قال الفخر قوله فيوحي باذنه ما يشاء أي فيوحي ذلك الملك باذن الله ما يشاء الله انتهى وقرأ جمهور القراء والناس أو يرسل بالنصب فيوحي بالنصب أيضا وقرأ نافع وابن عامر وابن عباس واهل المدينة أو يرسل بالرفع فيوحي بسكون الياء وقوله أو من وراء حجاب من متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام

عليه تقديره أو يكلمه من وراء حجاب وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكليم وأن من حلف لا يكلم فلانا وهو لم ينو المشافهة ثم أرسل رسولا حنث وقوله تعالى وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا الآية المعنى وبهذه الطرق ومن هذا الجنس أوحينا اليك أي بالرسول والروح في هذه الآية القرآن وهدي الشريعة سماه روحا من حيث يحي به البشر والعالم كما يحي الجسد بالروح فهذا على جهة التشبيه وقوله تعالى من أمرنا أي واحد من أمورنا ويحتمل أن يكون الأمر بمعنى الكلام ومن لابتداء الغاية وقوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان توقيف على مقدار النعمة والضمير في جعلناه عائد على الكتاب ونهدي بمعنى نرشد وقرأ جمهور الناس وانك لتهدي بفتح التاء وكسر الدال وقرأ حوشب لتهدي بضم التاء وفتح الدال وقرأ عاصم لتهدي بضم التاء وكسر الدال وقوله صراط الله يعني صراط شرع الله ثم استفتح سبحانه القول في الاخبار بصيرورة الأمور اليه سبحانه مبالغة وتحقيقا وتثبيتا فقال الا الى الله تصير الأمور قال الشيخ العارف بالله أبو الحسن الشاذلي رحمه الله إن اردت أن تغلب الشر كله وتلحق الخير كله ولا يسبقك سابق وإن عمل فقل يا من له الخير كله أسألك الخير كله واعوذ بك من الشر كله فانك أنت الله الغني الغفور الرحيم أسألك بالهادي محمد صلى الله عليه و سلم الى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض الا الى الله تصير الأمور مغفرة تشرح بها صدري وتضع بها وزرى وترفع بها ذكرى وتيسر بها أمري وتنزه بها فكري وتقدس بها سري وتكشف بها ضري وترفع بها قدري انك على كل شيء قدير اه ت قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب هذا بين وقوله ولا الايمان فيه تأويلات قيل معناه ولا شرائع الايمان ومعالمه قال ابو العالية يعني الدعوة الى الايمان وقال الحسين

ابن الفضل يعني أهل الايمان من يؤمن ومن لا يؤمن وقال ابن خزيمة الايمان هنا الصلاة دليله وما كان الله ليضيع ايمانكم قال ابن ابي الجعد وغيره احترق مصحف فلم يبق منه الا الا الى الله تصير الأمور وغرق مصحف فامتحى كله الا قوله الا الى الله تصير الأمور نقله الثعلبي وغيره انتهى
قال العبد الفقير الى الله تعالى عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين قد يسر الله عز و جل في تحرير هذا المختصر وقد أودعته بحمد الله جزيلا من الدرر قد استوعبت فيه بحمد الله مهمات ابن عطية وزدته فوائد جليلة من غيره وليس الخبر كالعيان توخيت فيه بحمد الله الصواب وجعلته ذخيرة عند الله ليوم المآب لا يستغني عنه المنتهي وفيه كفاية للمبتدي يستغني به عن المطولات اذ قد حصل منها لبابها وكشف عن الحقائق حجابها
التعريف برحلة المؤلف
رحلت في طلب العلم في أواخر القرن الثامن ودخلت بجاية في أوائل القرن التاسع فلقيت بها الأئمة المقتدى بهم اصحاب سيدي عبدالرحمن الوغليسي متوافرين فحضرت مجالسهم وكانت عمدة قراءتي بها على سيدي علي بن عثمان المانجلاتي رحمه الله بمسجد عين البربر ثن ارتحلت الى تونس فلقيت بها سيدي عيسى الغبريني والأبي والبرزلي وغيرهم وأخذت عنهم ثم ارتحلت الى المشرق فلقيت بمصر الشيخ ولي الدين العراقي فأخذت عنه علوما جمة معظمها علم الحديث وفتح الله لي فيه فتحا عظيما وكتب لي وأجازني جميع ما حضرته عليه وأطلق في غيره ثم لقيت بمكة بعض المحدثين ثم رجعت الى الديار المصرية والى تونس وشاركت من بها ولقيت

بها شيخنا أبا عبد الله محمد بن مرزوق قادما لارادة الحج فأخذت عنه كثيرا وأجازني التدريس في أنواع الفنون الاسلامية وحرضني على اتمام تقييد وضعته على ابن الحاجب الفرعي ت ولما فرغت من تحرير هذا المختصر وافق قدوم شيخنا أبي عبد الله محمد بن مرزوق علينا في سفرة سافرها من تلمسان متوجها الى تونس ليصلح بين سلطانها وبين صاحب تلمسان فأوقفته على هذا الكتاب فنظر فيه وأمعن النظر فسر به سرورا كثيرا ودعا لنا بخير والله الموفق بفضله
تفسير

سورة الزخرف
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
حم والكتاب المبين والكتاب خفض بواو القسم والضمير في جعلناه عائد على الكتاب وأنه عطف على جعلناه وهذا الاخبار الثاني واقع أيضا تحت القسم وأم الكتاب اللوح المحفوظ وهذا فيه تشريف للقرآن وترفيع واختلف المتأولن كيف هو في أم الكتاب فقال قتادة وغيره القرآن بأجمعه فيه منسوخ ومنه كان جبريل ينزل وهنالك هو علي حكيم وقال جمهور الناس انما في اللوح المحفوظ ذكره ودرجته ومكانته من العلو والحكمة وقوله سبحانه أفنضرب بمعنى أفنترك تقول العرب أضربت عن كذا وضربت اذا أعرضت عنه وتركته والذكر هو الدعاء الى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه وقال ابو صالح الذكر هنا أراد به العذاب نفسه وقال الضحاك ومجاهد الذكر القرآن وقوله

صفحا يحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنوب فكأنه يقول أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وغفرا لاجرامكم من أجل إن كنتم قوما مسرفين أي هذا لا يصلح وهذا قول ابن عباس ومجاهد ويحتمل قوله صفحا أن يكون بمعنى مغفولا عنه أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبره فكان المعنى أفنترككم سدى وهذا هو منحى قتادى وغيره وقرأ نافع وحمزة والكسائي ان كنتم بكسر الهمزة وهو جزاء دل ما تقدمه على جوابه وقرأ الباقون بفتحها بمعنى من أجل أن والاسراف في الآية هو كفرهم وكم أرسلنا من نبي في الأولين أي في الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وما يأتيهم من نبي الا كانوا به يستهزئون أي كما يستهزئ قومك بك وهذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه و سلم وتهديد بأن يصيب قريشا ما أصاب من هو أشد بطشا منهم ومضى مثل الأولين أي سلف أمرهم وسنتهم وصاروا عبرة غابر الدهر أنشد صاحب عنوان الدراية لشيخه أبي عبد الله التميمي ... يا ويح من غره دهر فسر به ... لم يخلص الصفو الا شيب بالكدر ... هو الحمام فلا تبعد زيارته ... ولا تقل ليتني منه على حذر ... انظر لمن باد تنظر آية عجبا ... وعبرة لأولي الألباب والعبر ... أين الألى جنبوا خيلا مسومة ... وشيدوا أرما خوفا من القدر ... لم تغنهم خيلهم يوما وإن كثرت ... ولم تفد أرم للحادث النكر ... بادوا فعادوا حديثا ان ذا عجب ... ما أوضح الرشد لولا سيء النظر ... تنافس الناس في الدنيا وقد علموا ... أن المقام بها كاللمح بالبصر ... انتهى وقوله سبحانه ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الآية ابتداء احتجاج على قريش يوجب عليهم التناقض من حيث اقروا بالخالق وعبدوا غيره وجاءت العبارة عن الله بالعزيز العليم ليكون ذلك

توطئة لما عدد سبحانه من أوصافه التي ابتدأ الأخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش وقوله تعالى الذي جعل لكم الأرض مهادا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون الآية هذه أوصاف فعل وهي نعم من الله سبحانه على البشر تقوم بها الحجة على كل مشرك وقوله الذي جعل لكم ليس هو من قول المسؤولين بل هو ابتداء اخبار من الله تعالى وقوله سبحانه والذين نزل من السماء ماء بقدر قيل معناه بقدر في الكفاية للصلاح لا اكثار فيفسد ولا قلة فيقصر بل غيثا مغيثا وقيل بقدر أي بقضاء وحتم وقالت فرقة معناه بتقدير وتحرير أي قدر ماء معلوما ثم اختلف قائلوا هذه المقالة فقال بعضهم ينزل في كل عام ماء قدرا واحدا لا يفضل عام عاما لكن يكثر مرة هاهنا ومرة هاهنا وقال بعضهم بل ينزل تقديرا ما في عام وينزل في آخر تقديرا وما ينزل في آخر تقديرا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه لا اله الا هو ت وبعض هذه الأقوال لا تقال من جهة الرأي بل لا بد لها من سند وأنشرنا معناه أحيينا يقال نشر الميت وأنشره الله والأزواج هنا الأنواع من كل شيء ومن في قوله من الفلك والانعام للتبعيض والضمير في ظهوره عائد على النوع المركوب الذي وقعت عليه ما وقد بينت آية اخرى ما يقال عند ركوب الفلك وهو بسم الله مجراها ومرساها ان ربي لغفور رحيم وانما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان وان قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكر بدأ الراكب بسبحان الذي سخر لنا هذا وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه ومقرنين أي مطيقين وقال أبو حيان مقرنين خبر كان ومعناه غالبين ضابطين انتهى وهو بمعنى الأول وانا الى ربنا لمنقلبون أمر بالإقرار بالبعث ت وعن حمزة بن عمرو والأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على ظهر كل بعير شيطان فاذا ركبتموها فسموا الله رواه ابن حبان في صحيحه انتهى من السلاح وينبغي لمن ملكه الله

شيئا من هذا الحيوان أن يرفق به ويحسن اليه لينال بذلك رضا الله تعالى قال القشيري في التحبير وينبغي للعبد أن يكون معظما لربه نفاعا لخلقه خيرا في قومه مشفقا على عباده فان رأس المعرفة تعظيم أمر الله سبحانه والشفقة على خلق الله انتهى وروى مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بينما رجل يمشي بطريق اذا اشتد عليه العطش فوجد بيرا فنزل فيها فشرب فخرج فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البير فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له فقالوا يا رسول الله وان لنا في البهائم أجرا فقال في كل كبد رطبة أجر قال أبو عمر في التمهيد وكذا في الاساءة الى الحيوان اثم وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض ثم أسند أبو عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل حائطا من حيطان الأنصار فاذا جمل قد أتى فجرجر وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته وذفراه فسكن فقال من صاحب الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله أنه شكا الي أنك تجيعه وتدئبه ومعنى ذرفت عيناه أي قطرت دموعهما قطرا ضعيفا والسراة الظهر والذفرى ما وراء الاذنين عن يمين النقرة وشمالها انتهى وقوله سبحانه وجعلوا له من عباده جزاء أي جعلت كفار قريش والعرب لله جزاء أي نصيبا وحظا وهو قول العرب الملائكة بنات الله هذا قول كثير من المتأولين وقال قتادة المراد بالجزء الاصنام وغيرها فجزءا معناه ندا ت وباقي الآية يرجح تأويل الأكثر وقوله أم اتخذوا اضراب وتقرير وتوبيخ اذ المحمود المحبوب من الاولاد قد خوله الله بني آدم فكيف يتخذ هو لنفسه

النصيب الادنى وباقي الآية بين ما ذكر في سورة النحل وغيرها ثم زاد سبحانه في توبيخهم وافساد رأيهم بقوله أو من ينشأ في الحلية التقدير أو من ينشأ في الحلية هو الذي يختصم به الله عز و جل والحلية من الذهب والفضة والاحجار وينشأ معناه ينبت ويكبر والخصام المحاجة ومجاذبة المحاورة وقل ما تجد امرأة الا تفسد الكلام وتخلط المعاني وفي مصحف ابن مسعود وهو في الكلام غير مبين والتقدير غير مبين غرضا أو منزعا ونحو هذا وقال ابن زيد المراد بمن ينشأ في الحلبة الاصنام والأوثان لأنهم كانوا يجعلون الحلي على كثير منها ويتخذون كثيرا منها من الذهب والفضة وقرأ أكثر السبعة وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا وقرأ الحرميان وابن عامر عند الرحمن اناثا وهذه القراءة أدل على رفع المنزلة وقوله تعالى أأشهدوا خلقهم معناه أأحضروا خلقهم وفي قوله تعالى ستكتب شهادتهم ويسئلون وعيد مفصح واسند ابن المبارك عن سليمان ابن راشد أنه بلغه أن امرا لا يشهد شهادة في الدنيا الا شهد بها يوم القيامة على رؤوس الاشهاد ولا يمتدح عبدا في الدنيا الا امتدحه يوم القيامة على رؤوس الاشهاد قال القرطبي في تذكرته وهذا صحيح يدل على صحته قوله تعالى ستكتب شهادتهم ويسئلون وقوله ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد انتهى وقوله سبحانه وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم الآية أي ما عبدنا الأصنام ت وقال قتادة وغيره يعني ما عبدنا الملائكة وجعل الكفار أمهال الله لهم دليلا على رضاه عنهم وان ذلك كالأمر به ثم نفى سبحانه علمهم بهذا وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك وانما هم يظنون ويحدسون ويخمنون وهذا هو الخرص والتخرص والامة هنا بمعنى الملة والديانة والآية على هذا تعيب عليهم التقليد وذكر الطبري عن قوم أن الأمة الطريقة ثم ضرب الله المثل لنبيه محمد عليه السلام وجعل له الأسوة فيمن مضى من النذر والرسل وذلك أن

المترفين من قومهم وهم أهل التنعم والمال قد قابلوهم بمثل هذه المقالة وفي قوله عز و جل فانتقمنا منهم الآية وعيد لقريش وضرب مثل لهم بمن سلف من الأمم المعذبة المكذبة لأنبيائها وقوله سبحانه واذ قال ابراهيم المعنى واذكر اذ قال ابراهيم لأبيه وقومه أنني براء مما تعبدون أي فافعل أنت فعله وتجلد جلده وبراء صفة تجري على الواحد والاثنين والجمع كعدل وزور وقرأ ابن مسعود بريء وقوله الا الذي فطرني قالت فرقة الاستثناء متصل وكانوا يعرفون الله ويعظمونه الا انهم كانوا يشركون معه اصنامهم فكان ابراهيم قال لهم انا لا أوافقكم الا على عبادة الله الذي فطرني وقالت فرقة الاستثناء منقطع والمعنى لكن الذي فطرني هو معبودي الهادي المنجي من العذاب وفي هذا استدعاء لهم وترغيب في طاعة الله وتطميع في رحمته والضمير في قوله وجعلها كلمة الآية قالت فرقة هو عائد على كلمته بالتوحيد في قوله انني براء وقال مجاهد وغيره المراد بالكلمة لا اله الا الله وعاد عليها الضمير وان كان لم يجر لها ذكران اللفظ يتضمنها والعقب الذرية وولد الولد ما امتد فرعهم وقوله بل متعت هؤلاء يعني قريشا حتى جاءهم الحق ورسول وذلك هو شرع الاسلام والرسول هو محمد صلى الله عليه و سلم ومبين أي يبين لهم الاحكام والمعنى في الآية بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة ولما جاءهم الحق يعني القرآن قالوا هذا سحر وقالوا يعني قريشا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين يعني من إحدى القريتين وهما مكة والطائف ورجل مكة هو الوليد بن المغيرة في قول ابن عباس وغيره وقال مجاهد هو عتبة بن ربيعة وقيل غير هذا ورجل الطائف قال قتادة هو عروة بن مسعود وقيل غير هذا قال ع وانما قصدوا الى من عظم ذكره بالسن والا فرسول الله صلى الله عليه و سلم كان أعظم من هؤلاء اذ كان المسمى عندهم الأمين ثم وبخهم سبحانه بقوله أهم يقسمون رحمة ربك والرحمة اسم

عام يشمل النبوة وغيرها وفي قوله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم تزهيد السعايات وعون على التوكل على الله عز و جل ولله در القائل ... كم جاهل يملك دورا وقرى ... وعالم يسكن بيتا بالكرا ... لما سمعنا قوله سبحانه ... نحن قسمنا بينهم زال المرا ...
وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اذا أراد الله بعبد خيرا ارضاه بما قسم له وبارك له فيه واذا لم يرد به خيرا لم يرضه بما قسم له ولم يبارك له فيه انتهى وسخريا بمعنى التسخير ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية وقوله تعالى ورحمة ربك خير مما يجمعون قال قتادة والسدي يعني الجنة قال ع ولا شك أن الجنة هي الغاية ورحمة الله في الدنيا بالهداية والايمان خير من كل مال وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا وتزهيد فيها ثم استمر القول في تحقيرها بقوله سبحانه ولولا أن يكون الناس أمة واحدة الآية وذلك أن معنى الآية أن الله سبحانه ابقى على عباده وأنعم عليهم بمراعاة بقاء الخير والايمان وشاء حفظه على طائفة منهم بقية الدهر ولولا كراهية أن يكون الناس كفارا كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرد لها لوسع الله على الكفار وغاية التوسعة ومكنهم من الدنيا وذلك لحقارتها عنده سبحانه وانها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها فقوله أمة واحدة معناه في الكفر قاله ابن عباس وغيره ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه و سلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده عن علقمة عن عبد الله قال اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم على حصير فاثر الحصير في جنبه فلما استيقظ جعلت امسح عنه وأقول يا رسول الله الا آذيتني قبل أن تنام على هذا الحصير فابسط لك عليه شيئا يقيك منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مالي وللدنيا وما للدنيا الا كراكب استظل

في فيء أو ظل شجرة ثم راح وتركها انتهى وقد خرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وسقفا جمع سقف والمعارج الأدراج التي يطلع عليها قاله ابن عباس وغيره ويظهرون معناه يعلون ومنه حديث عائشة رضي الله عنها والشمس في حجرتها لم تظهر بعد والسرر جمع سرير قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي هو الذهب وقالت فرقة الزخرف التزاويق والنقش ونحوه وشاهده حتى اذا أخذت الأرض زخرفها وقرأ الجمهور وأن كل ذلك لما بتخفيف الميم من لما فان المخففة من الثقيلة واللام في لما داخلة لتفصل بين النفي والايجاب وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه بتشديد الميم من لما فان نافية بمعنى ما ولما بمعنى الا أي وما كل ذلك الا متاع الحياة الدنيا وفي قوله سبحانه والآخرة عند ربك للمتقفين وعد كريم وتحريض على لزوم التقوى اذ في الآخرة هو التباين الحقيقي في المنازل قال الفخر بين تعالى أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا وأما الآخرة فهي باقية دائمة وهي عند الله وفي حكمه للمتقين المعرضين عن حب الدنيا المقبلين على حب المولى انتهى وقوله عز و جل ومن يعش عن ذكر الرحمن الآية وعشا يعشو معناه قل الابصار منه ويقال أيضا عشي الرجل يعشى اذا فسد بصره فلم ير أو لم ير الا قليلا فالمعنى في الآية ومن يقل بصره في شرع الله ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الرحمن أي فيما ذكر به عباده أي فيما أنزله من كتابه وأوحاه الى نبيه وقوله نقيض له شيطانا أي نيسر له ونعد وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح وهذا كما يقال ان الله تعالى يعاقب على المعصية بالتزيد في المعاصي ويجازي على الحسنة بالتزيد من الحسنات وقد روى هذا المعنى مرفوعا قال ص - ومن يعش الجمهور بضم الشين أي يتعام ويتجاهل فمن شرطية ويعش مجزوم بها ونقيض جواب من انتهى والضمير في قوله وانهم عائد على الشياطين وفيما بعده عائد على الكفار وقرأ نافع وغيره حتى اذا جاءنا على

التثنية يريد العاشي والقرين قاله قتادة وغيره وقرأ أبو عمرو وغيره جاءنا يريد العاشي وحده وفاعل قال هو العاشي قال الفخر وروى أن الكافر اذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ الشيطان بيده فلم يفارقه حتى يصيرهما الله الى النار فذلك حيث يقول يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين انتهى وقوله بعد المشرقين يحتمل معانيا أحدها أن يريد بعد المشرق من المغرب فسماهما مشرقين كما يقال القمران والعمران والثاني أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم ومشرقها في أقصر يوم والثالث أن يريد بعد المشرقين من المغربين فاكتفى بذكر المشرقين ت واستبعد الفخر التأويل الثاني قال لأن المقصود من قوله يا ليت بين وبينك بعد المشرقين المبالغة في حصول البعد وهذا المبالغة انما نحصل عند ذكر بعد لا يمكن وجود بعد أزيد منه والبعد بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ليس كذلك فيبعد حمل اللفظ عليه قال والاكثرون على التأويل الأول انتهى وقوله تعالى ولن ينفعكم اليوم الآية حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة وهي مقالة موحشة فيها زيادة تعذيب لهم ويأس من كل خير وفاعل ينفعكم الاشتراك ويجوز أن يكون فاعل ينفعكم التبري الذي يدل عليه قوله يا ليت وقوله سبحانه أفأنت تسمع الصم الآية خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وباقي الآية تكرر معناه غير ما مرة وقوله تعالى فاستمسك بالذي أوحى اليك أي بما جاءك من عند الله من الوحي المتلو وغيره وقوله وانه لذكر لك يحتمل أن يريد وانه لشرف فى الدنيا لك ولقومك يعنى قريشا قاله ابن عباس وغيره ويحتمل ان يريد لتذكرة وموعظة فالقوم على هذا امته بأجمعها وهذا قول الحسن بن أبي الحسن وقوله وسوف تسئلون قال ابن عباس وغيره معناه عن أوامر القرآن ونواهييه وقال الحسن معناه عن شكر النعمة فيه واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه وقوله تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية قال ابن زيد والزهري

أما أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسأل الرسل ليلة الاسراء عن هذا لأنه كان أثبت يقينا من ذلك ولم يكن في شك وقال ابن عباس وغيره أراد واسأل اتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم وفي قراءة ابن مسعود وأبي واسأل الذين أرسلنا اليهم ت قال عياض قوله تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك الآية الخطاب مواجهة للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد المشركون قاله القتبي ثم قال عياض والمراد بهذا الاعلام بأن الله عز و جل لم يأذن في عبادة غيره لأحد ردا على مشركي العرب وغيرهم في قولهم ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى انتهى وقوله سبحانه ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الآية ضرب مثل وأسوة للنبي صلى الله عليه و سلم بموسى عليه السلام ولكفار قريش بقوم فرعون وقوله وأخذناهم بالعذاب أي كالطوفان والجراد والقمل والضفادع وغير ذلك لعلهم يرجعون أي يتوبون ويرجعون عن كفرهم وقالوا لما عاينوا العذاب لموسى يا ايه الساحر أي العالم وانما قالوا هذا على جهة التعظيم والتوقير لأن علم السحر عندهم كان علما عظيما وقيل انما قالوا ذلك على جهة الاستهزاء والأول أرجح وقولهم ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون أي ان نفعتنا دعوتك وقوله أليس لي ملك مصر الآية مصر من بحر الاسكندرية الى أسوان بطول النيل والأنهار التي أشار اليها هي الخلجان الكبار الخارجة من النيل وقوله أم أنا خير قال سيبويه أم هذه المعادلة والمعنى أفأنتم لا تبصرون أم تبصرون وقالت فرقة أم بمعنى بل وقرأ بعض الناس اما أنا خير حكاه الفراء وفي مصحف أبي بن كعب أم أنا خير أم هذا ومهين معناه ضعيف ولا يكاد يبين اشارة الى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة وكانت أحدثت في لسانه عقدة فلما دعا في أن تحل ليفقه قوله أجيبت دعوته لكنه بقي أثر كان البيان يقع معه فعيره فرعون به وقوله ولا يكاد يبين يقتضي

انه كان يبين وقوله فلولا ألقي عليه يريد من السماء على معنى التكرمة وقرأ الجمهور أساورة وقرأ حفص عن عاصم أسورة وهو ما يجعل في الذراع من الحلي وكانت عادة الرجال يومئذ لبس ذلك والتزين به ت وذكر بعض المفسرين عن مجاهد أنهم كانوا اذا سودوا رجال سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب علامة لسيادته فقال فرعون هلا القي رب موسى على موسى أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين متتابعين يقارن بعضهم بعضا يمشون معه شاهدين له انتهى وقال ع قوله مقترنين أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته ت وما تقدم لغيره أحسن ولا يشك أن فرعون شاهد من حماية الله لموسى أمورا لم يبق معه شك في أن الله قد منعه منه وقوله سبحانه ءاسفونا معناه اغضبونا بلا خلاف وقوله فجعلناهم سلفا السلف الفارط المتقدم أي جعلناهم متقدمين في الهلاك ليتعظ بهم من بعدهم الى يوم القيامة وقال البخاري قال قتادة مثلا للآخرين عظة انتهى وقوله سبحانه ولما ضرب ابن مريم مثلا الآية روى عن ابن عياش وغيره في تفسيرها أنه لما نزلت أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية وكون عيسى من غير فحل قالت قريش ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى فهذا كان صدودهم وقوله تعالى وقالوا أآلهتنا خير ام هو هذا ابتداء معنى ثان وذلك أنه لما نزل انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم الآية قال ابن الزبعري ونظراؤه يا محمد أآلهتنا خير أم عيسى فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى اذ هو خير منها واذ قد عبد فهو من الحصب اذن فقال الله تعالى ما ضربوه لك الأجدلا ومغالطة ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه وقالت فرقة المراد بهو محمد صلى الله عليه و سلم وهو قول قتادة وفي مصحف أبي خير أم هذه فالاشارة الى نبينا محمد عليه السلام وقال ابن زيد وغيره المراد بهو عيسى وهذا هو

الراجح ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد وأخبر عن عيسى بقوله أن هو الأعبد أنعمنا عليه أي بالنبوءة والمنزلة العالية ت وروينا في جامع الترمذي عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه الا أتوا الجدل ثم تلا هذه الآية ما ضربوه لك الأجدلا بل هم قوم خصمون قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وقوله وجعلناه مثلا أي عبرة وآية لبني اسرائيل والمعنى لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل فان القدرة تقتضي ذلك وأكثر منه وقوله ولو نشاء لجعلنا منكم معناه لجعلنا بدلا منكم أي لو شاء الله لجعل بدلا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها وقال ابن عباس ومجاهد يخلف بعضهم بعضا والضمير في قوله وانه لعلم قال ابن عباس وغيره الاشارة به الى عيسى وقالت فرقة الى محمد وقال قتادة وغيره الى القرآن ت وكذا نقل أبو حيان هذه الأقوال الثلاثة ولو قيل أنه ضمير الأمر والشأن استعظاما واستهولا الأمر الآخرة ما بعد بل هو المتبادر الى الذهن يدل عليه فلا تمترن بها والله اعلم وقرأ ابن عباس وجماعة لعلم بفتح العين واللام أي امارة وقرأ عكرمة للعلم بلا مين الأولى مفتوحة وقرأ أبي لذكر للساعة فمن قال ان الاشارة الى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو اشعار بالساعة وشرط من أشراطها يعني خروجه في آخر الزمان وكذلك من قال الاشارة الى النبي صلى الله عليه و سلم أي هو آخر الأنبياء وقد قال بعثت أنا والساعة كهاتين يعني السبابة والوسطى ومن قال الاشارة الى القرآن حسن قوله مع قراءة الجمهور أي يعلمكم بها وبأهوالها وقوله هذا صراط مستقيم اشارة الى الشرع وقوله تعالى ولما جاء عيسى بالبينات يعين احياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص وغير ذلك وباقي الآية تكرر معناه وقوله هذا صراط مستقيم حكاية عن عيسى عليه السلام اذ أشار الى شرعه وقوله سبحانه هل ينظرون يعني

قريشا والمعنى ينتظرون وبغتة معناه فجأة ثم وصف سبحانه بعض حال القيامة فقال الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو وذلك لهول مطلعها والخوف المطيف بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقي لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله وأما المتقون فيرون أن النفع دخل من بعضهم على بعض هذا معنى كلام علي رضي الله عنه وخرج البزار عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله أي جلسائنا خير قال من ذكركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه وذكركم بالله عمله اه فمن مثل هؤلاء تصلح الأخوة الحقيقية والله المستعان ومن كلام الشيخ أبي مدين رضي الله عنه دليل تخليطك صحبتك للمخلطين ودليل انقطاعك صحبتك للمنقطعين وقال ابن عطاء الله في التنوير قل ما تصفو لك الطاعات أو تسلم من المخالفات مع الدخول في الأسباب لاستلزامها لمعاشرة الأضداد ومخالطة أهل الغفلة والبعاد وأكثر ما يعينك على الطاعات رؤية المطيعين وأكثر ما يدخلك في الذنب رؤية المذنبين كما قال عليه السلام المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل والنفس من شانها التشبه والمحاكاة بصفات من قارنها فصحبة الغافلين معينة لها على وجود الغفلة انتهى وفي الحكم الفارقية من ناسب شيئا انجذب إليه وظهر وصفه عليه وفي سماع العتبية قال مالك لا تصحب فاجرا ليلا تتعلم من فجوره قال ابن رشد لا ينبغي أن يصحب الا من يقتدى به في دينه وخيره لأن قرين السوء يردى قال الحكيم
... إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ... ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى ...
... عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدى ...
انتهى ت وحديث المرء على دين خليله أخرجه أبو داود وأبو بكر بن الخطيب وغيرهما وفي الموطأ من حديث معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله

ص - يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين في والمتزاورين في قال أبو عمر اسناده صحيح عن أبي ادريس الخولاني عن معاذ وقد رواه جماعة عن معاذ ثم اسند أبو عمر من طريق ابي مسلم الخولاني عن معاذ قال سمعت رسول الله ص - يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله قال أبو مسلم فخرجت فلقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ فقال وانا سمعت رسول الله ص - يحكي عن ربه قال حقت محبتي على المتحابين في وحقت محبتي على المتزاورين في وحقت محبتي على المتباذلين في والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله انتهى من التمهيد وقوله تعالى يا عبادي المعني يقال لهم أي للمتقين وذكر الطبري عن المعتمر عن ابيه انه قال سمعت ان الناس حين يبعثون ليس منهم احد إله فزع فينادي مناد يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا انتم تحزنون فيرجوها الناس كلهم فيتبعها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين قال فييأس منها جميع الكفار وقوله الذين امنوا نعت للعباد وتحبرون معناه تنعمون وتسرون والحبرة السرور والاكواب ضرب من الاواني كالاباريق الا انها لا آذان لها ولا مقابض وقوله تعالى ان المجرمين يعني الكفار والمبلس المبعد اليائس من الخير قاله قتادة وغيره وقولهم ليقض علينا ربك أي ليمتنا ربك فنستريح فالقضاء في هذه الآية الموت كما في قوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكا يقيم بعد سؤالهم الف سنة ثم حينئذ يقول لهم انكم ماكثون وقوله سبحانه لقد جئناكم يحتمل أن يكون من تمام قول مالك لهم ويحتمل ان يكون من قول الله تعالى لقريش فيكون فيه تخويف فصيح بمعنى انظروا كيف يكون حالكم وقوله تعالى ام ابرموا امرا أي احكموا

امرا في المكر بالنبي ص - فانا مبرمون أي محكمون امرا في نصره ومجازاتهم والمراد بالرسل هنا الحفظة من الملائكة يكتبون اعمال العباد وتعد للجزاء يوم القيامة واختلف في قوله تعالى قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين فقال مجاهد المعنىان كان لله ولد في قولكم فانا اول من عبد الله ووحده وكذبكم وقال ابن زيد وغيره ان نافية بمعنى ما فكأنه قال قل ما كان للرحمن ولد وهنا هو الوقف على هذا التأويل ثم يبتدىء قوله فانا اول العابدين قال ابو حاتم قالت فرقة العابدون فى الآية من عبد الرجل اذا انف وانكر والمعنى ان كان للرحمن ولد فى قولكم فانا اول الآنفين المنكرين لذلك وقرأ ابو عبد الرحمن فانا اول العبدين قال حاتم العبد بكسر الباء الشديد الغضب وقال ابو عبيدة معناه اول الجاحدين والعرب تقول عبدني حقي أي جحدني وباقي الآية تنزيه لله سبحانه ووعيد للكافرين ويومهم الذي يوعدون هو يوم القيامة هذا قول الجمهور وقال عكرمة وغيره هو يوم بدر وقوله جلت عظمته وهو الذي في السماء اله الآية اية تعظيم واخبار بألوهيته سبحانه أي هو النافذ امره في كل شيء وقرأ عمر بن الخطاب وابي وابن مسعود وغيرهم وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله وباقي الآية بين ثم اعلم سبحانه ان من عبد من دون الله لا يملك شفاعة يوم القيامة الا من شهد بالحق وهم الملائكة وعيسى وعزير فانهم يملكون الشفاعة بان يملكها الله اياهم اذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمونه فالاستثناء على هذا التاويل متصل وهو تأويل قتادة وقال مجاهد وغيره الاستثناء في المشفوع فيهم فكانه قال لا يشفع هؤلاء الملائكة وعيسى وعزير الا فيمن شهد بالحق أي بالتوحيد فأمن على علم وبصيرة فالاستثناء على هذا التأويل منفصل كانه قال لكن من شهد بالحق فيشفع فيهم هؤلاء والتاويل الاول اصوب وقرأ الجمهور وقيله بالنصب وهو مصدر كالقول والضمير فيه لنبينا محمد

ص - واختلف في الناصب له فقالت فرقة هو معطوف على قوله سرهم ونجواهم ولفظ البخاري وقيله يا رب تفسيره ايحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيله يا رب انتهى وقيل العامل فيه يكتبون ونزل قوله تعالى وقيله يا رب بمنزلة شكوى محمد عليه السلام واستغاثته من كفرهم وعتوهم وقرأ حمزة وعاصم وقيله بالخفض عطفا على الساعة وقوله سبحانه فاصفح عنهم موادعة منسوخة وقل سلام تقديره امرى سلام أي مسالمة فسوف تعلمون
تفسير

سورة الدخان
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
حم والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة الآية قوله والكتاب المبين قسم اقسم الله تعالى به وقوله انا انزلناه يحتمل ان يقع القسم عليه ويحتمل ان يكون وصفا للكتاب ويكون الذي وقع القسم عليه انا كنا منذرين واختلف في تعينن الليلة المباركة فقال قتادة والحسن وابن زيد هي ليلة القدر ومعنى هذا النزول ان ابتداء نزوله كان في ليلة القدر وهذا قول الجمهور وقال عكرمة الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان قال القرطبي والصحيح ان الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة انتهى من التذكرة ونحوه لابن العربي وقوله تعالى فيها يفرق كل امر حكيم معناه يفصل من غيره ويتخلص فعن عكرمة ان الله تعالى يفصل ذلك للملائكة في ليلة النصف من شعبان وفي بعض الأحاديث عن النبي ص

انه قال تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى ان الرجل لينكح الولد ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى وقال قتادة والحسن ومجاهد يفصل في ليلة القدر كل ما في العام المقبل من الأقدار والارزاق والآجال وغير ذلك وامرا نصب على المصدر وقوله انا كنا مرسلين يحتمل ان يريد الرسل والاشياء ويحتمل ان يريد الرحمة التي ذكر بعد واختلف الناس في الدخان الذي امر الله تعالى بارتقابه فقالت فرقة منها علي وابن عباس وابن عمر والحسن بن ابي الحسن وابو سعيد الخدري هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام وينضح رءوس المنافقين والكافرين حتى تكون كأنها مصلية حينئذ وقال فرقة منها ابن مسعود هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي ص - بسبع كسبع يوسف فكان الرجل يرى من الجوع دخانا بينه وبين السماء وما يأتي من الآيات يؤيد هذا التأويل وقولهم انا مؤمنون كان ذلك منهم من غير حقيقة ثم قال تعالى انى لهم لذكرى أي من اين لهم التذكر والاتعاظ بعد حلول العذاب وقد جاءهم رسول مبين يعني محمدا ص - فتولوا عنه أي اعرضوا وقالوا معلم مجنون وقوله انكم عائدون أي الى الكفر واختلف في يوم البطشة الكبرى فقالت فرقة هو يوم القيامة وقال ابن مسعود وغيره هو يوم بدر وقوله ان ادوا ماخوذ من الأدء كانه يقول ان ادفعوا الي واعطوني ومكنوني من بني اسرائيل واياهم اراد بقوله عباد الله وقال ابن عباس المعنى اتبعوني الى ما ادعوكم اليه من الحق فعباد الله على هذا منادى مضاف والمؤدى هي الطاعة والظاهر من شرع موسى عليه السلام انه بعث إلى دعاء فرعون إلى الايمان وان يرسل بني اسراءيل فلما ابى ان يؤمن ثبتت المكافحة في ان يرسل بني اسرائيل وقوله بعد وان لم تومنوا لي فاعتزلون كالنص في انه أخر الامر انما يطلب ارسال بني اسرائيل فقط وقوله وان لا تعلوا

على الله الآية المعنى كانت رسالته وقوله ان ادوا وان لا تعلوا على الله أي على شرع الله وعبر بالعلو عن الطغيان والعتو وان ترجمون معناه الرجم بالحجارة المؤدى الى القتل قاله قتادة وغيره وقيل اراد الرجم بالقول والاول اظهر لأنه الذي عاد منه ولم يعذ من الآخر ت وعن ابن عمر قال قال النبي ص - من استعاذ بالله فاعيذوه ومن سألكم بالله فاعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ومن اتى اليكم بمعروف فكافئوه فان لم تقدروا فادعوا له حتى تعلموا ان قد كافأتموه رواه ابو داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما واللفظ للنسائي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين يعنى البخاري ومسلما أه من السلاح وقوله فاعتزلون متاركة صريحة قال قتادة اراد خلوا سبيلي وقوله فدعا ربه قبله محذوف تقديره فما اجابوه لما طلب منهم وقوله فاسر قبله محذوف أي قال الله له فاسر بعبادي قال ابن العربي في احكامه السرى سير الليل والادلاج سير السحر والتأويب سير النهار ويقال سرى واسرى انتهى واختلف في قوله تعالى واترك البحر رهوا متى قالها لموسى فقالت فرقة هو كلام متصل بما قبله وقال قتادة وغيره خوطب به بعد ما جاز البحر وذلك انه هم ان يضرب البحر ليلتئم خشية ان يدخل فرعون وجنوده وراءه ورهوا معناه ساكنا كما جزته قاله ابن عباس وهذا القول هو الذي تؤيده اللغة ومنه قول القطامي
... يمشين رهوا فلا الاعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الاعجاز تتكل
ومنه ... وامة خرجت رهوا الى عيد ...
أي اخرجوا في سكون وتمهل فقيل لموسى عليه السلام اترك البحر ساكنا على حاله من الانفراق ليقضي الله امرا كان مفعولا وقوله تعالى كم تركوا كم للتكثير أي كم ترك هؤلاء المغترون من كثرة الجنات والعيون فروي ان الجنات كانت متصلة ضفتي النيل جميعا من رشيد الى اسوان واما العيون فيحتمل انه اراد الخلجان فشبهها بالعيون ويحتمل انها

كانت ونضبت ذكر الطرطوشي في سراج الملوك له قال قال ابو عبد الله بن حمدون كنت مع المتوكل لما خرج الى دمشق فركب يوما الى رصافة هشام بن عبد الملك فنظر الى قصورها ثم خرج فنظر الى دير هناك قديم حسن البناء بين مزارع واشجار فدخله فبينما هو يطوف به اذ برقعة قد الصقت في صدره فامر بقلعها فاذا فيها مكتوب هذه الابيات ... ايا منزلا بالدير اصبح خاليا ... تلاعب فيه شمأل ودبور ... كانك لم يسكنك بيض او انس ... ولم تتبختر في قبابك حور ... وابناء املاك غواشم سادة
صغيرهم و عند الانام كبير ... اذا لبسوا ادراعهم فعوابس ... وان لبسوا تيجانهم فبدور ... على انهم يوم اللقاء ضراغم ... وانهمو يوم النوال بحور ... ليالي هشام بالرصافة قاطن ... وفيك ابنه يا دير وهو امير ... اذ العيش غض والخلافة لذة ... وانت طروب والزمان غرير ... ورضك مرتاد ونورك مزهر ... وعيش بني مروان فيك نضير ... بلى فسقاك الغيث صوب سحائب ... عليك لها بعد الرواح بكور ... تذكرت قومي فيكما فبكيتهم ... بشجو ومثلي بالبكاء جدير ... فعزيت نفسي وهي إذا جرى لها ذكر قومي انة وزفير ... لعل زمانا جر يوما عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يدور ... فيفرح محزون وينعم بائس ... ويطلق من ضيق الوثاق اسير ... رويدك ان الدهر يتبعه غد ... وان صروف الدائرات تدور ...
فلما قرأها المتوكل ارتاع ثم دعا صاحب الدير فسأله عمن كتبها فقال لا علم لي به وانصرف انتهى وفي هذا وشبهه عبرة لاولى البصائر المستيقظين اللهم ألا تجعلنا ممن اغتر بزخاف هذه الدار

الا انما الدنيا كأحلام نائم ... وما خير عيش لا يكون بدائم ...
وقرأ جمهور الناس ومقام بفتح الميم قال ابن عباس وغيره اراد المنابر وعلى قراءة ضم الميم قال قتادة اراد المواضع الحسان من المساكن وغيرها والقول بالمنابر بعيد جدا والنعمة بفتح النون غضارة العيش ولذاذة الحياة والنعمة بكسر النون اعم من هذا كله وقد تكون الامراض والمصائب نعما ولا يقال فيها نعمة بالفتح وقرأ الجمهور فاكهين ومعناه فرحين مسرورين كذلك واورثناها قوما آخرين أي بعد القبط وقال قتادة هم بنو اسرائيل وفيه ضعف وقد ذكر الثعلب عن الحسن ان بني اسرائيل رجعوا الى مصر بعد هلاك فرعون واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى فما بكت عليهم السماء والارض فقال ابن عباس وغيره وذلك ان الرجل المؤمن اذا مات بكى عليه من الارض موضع عبادته اربعين صباحا وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله قالوا ولم يكن في قوم فرعون من هذه حاله فتبكى عليهم السماء والارض قال ع والمعنى الجيد في الآية انها استعارة فصيحة تتضمن تحقير امرهم وانه لم يتغير لاجل هلاكهم شيء ومثله قوله ص - لا ينتطح فيها عنزان وفي الحديث عن النبي ص - انه قال ما مات مومن في غربة غابت عنه فيها بواكيه الا بكت عليه السماء والارض ثم قرأ هذه الآية وقال انهما لا يبكيان على كافر قال الداودي وعن مجاهد ما مات مؤمن الا بكت عليه السماء والارض وقال افي هذا عجب وما للارض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا الاوزاعي قال حدثني عطاء الخراساني قال ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الارض الا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت انتهى وروى ابن المبارك ايضا عن ابي عبيد صاحب سليما ان

العبد المؤمن اذا مات تنادت بقاع الارض عبد الله المؤمن مات فتبكى عليه السماء والارض فيقول الرحمن تبارك وتعالى ما يبكيكما على عبدي فيقولان يا ربنا لم يمش على ناحية منا قط الا وهو يذكرك اه ومنظرين أي مؤخرين والعذاب المهين هو ذبح الابناء والتسخير وغير ذلك وقوله على علم أي على شيء قد سبق عندنا فيهم وثبت في علمنا انه سينفذ ويحتمل ان يكون معناه على علم لهم وفضائل فيهم على العالمين أي عالمي زمانهم بدليل ان امة محمد خير امة اخرجت للناس وءاتيناهم من الايات لفظ جامع لما اجرى الله من الآيات على يدي موسى ولما انعم به على بني اسرائيل والبلاء في هذا الموضع الاختبار والامتحان كما قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة الآية ومبين بمعنى بين ثم ذكر تعالى قريشا على جهة الانكار لقولهم وانكارهم للبعث فقال ان هؤلاء ليقولون ان هي أي ما هي الا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين أي بمبعوثين وقول قريش فآتوا بآياتنا مخاطبة للنبي ص - طلبوا منه ان يحي الله لهم بعض ءابائهم وسموا له قصيا وغيره كي يسئلوهم عما رأووا في أخرتهم وقوله سبحانه اهم خير ام قوم تبع الآية اية تقرير ووعيد وتبع ملك حميري وكان يقال لكل ملك منهم تبع الا ان المشار اليه في هذه الآية رجل صالح روي عن النبي ص - من طريق سهل بن سعد ان تبعا هذا اسلم وأمن بالله وقد ذكره ابن اسحاق في السيرة قال السهيلي وبعد ما غزا تبع المدينة واراد خرابها اخبر بأنها مهاجر نبي اسمه احمد فانصرف عنها وقال فيه شعر واودعه عند اهلها فكانوايتوارثونه كابرا عن كابر الى ان هاجر اليهم النبي عليه السلام فادوه اليه ويقال ان الكتاب والشعر كان عند ابى ايوب الانصاري ومنه ... شهدت على احمد انه ... رسول من الله بارى النس م ... فلو مد عمرى الى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم

وذكر الزجاج وابن ابي الدنيا انه حفر قبر بصنعاء في الاسلام فوجد فيه امرأتان صحيحتان وعند رأسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر حبى ولميس ويروى وتماضر ابنتي تبع ماتتا وهما تشهدان ان لا اله الا الله ولا تشركان به شيأ وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما انتهى ويوم الفصل هو يوم القيامة وهذا هو الاخبار بالبعث والمولى في هذه الآية يعم جميع الموالى وقوله سبحانه ان شجرت الزقوم طعام الاثيم روي عن ابن زيد ان الاثيم المشار اليه أبو جهل ثم هي بالمعنى تتناول كل اثيم وهو كل فاجر روي انها لما نزلت جمع ابو جهل عجوة وزبدا وقال لاصحابه تزقموا فهذا هو الزقوم وهو طعامي الذي حدث به محمد قال ع وانما قصد بذلك ضربا من المغالطة والتلبيس على الجهلة وقوله سبحانه كالمهل قال ابن عباس وابن عمر المهل دردي الزيت وعكره وقال ابن مسعود وغيره المهل ما ذاب من ذهب او فضة والمعنى ان هذه الشجرة اذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل الممهل المذاب من الاحراق والافساد والحميم الماء الساخن الذي يتطاير من غليانه وقوله خذوه الآية أي يقال يومئذ للملائكة خذوه يعني الاثيم فاعتلوه والعتل السوق بعنف واهانة ودفع قوي متصل كما يساق ابدا مرتكب الجرائم والسواء الوسط وقيل المعظم وذلك متلازم وقوله تعالى ذق انك انت العزيز الكريم مخاطبة على معنى التقريع وقوله سبحانه ان هذا ما كنتم به تمترون عبارة عن قول يقال للكفرة ثم ذكر تعالى حالة المتقين فقال ان المتقين في مقام امين أي مامون والسندس رقيق الحرير والاستبرق خشنه وقوله متقابلين وصف لمجالس اهل الجنة لان بعضهم لا يستدبر بعضا في المجالس وقرأ الجمهور وزوجناهم بحور عين وقرا ابن مسعود بعيس عين وهو جمع عيساء وهي البيضاء وكذلك هي من النوق وروى ابو قرصافة عن النبي ص - انه قال اخراج

القمامة من المسجد مهور الحور العين قال الثعلبي قال مجاهد يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن يرى مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كعب احداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون انتهى وقوله سبحانه يدعون فيها بكل فاكهة أي يدعون الخدمة والمتصرفين قال ابو حيان الا الموتة استثناء منقطع أي لكن الموتة الاولى ذاقوها انتهى والضمير في يسرناه عائد على القرآن بلسانك أي بلغة العرب قال الواحدي لعلهم يتذكرون أي يتعظون انتهى وفي قوله تعالى فارتقب انهم مرتقبون وعد للنبي ص - ووعيد للكافرين
تفسير

سورة الجاثية
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ان في السموات والارض لايات للمؤمنين قال ابو حيان اجاز الفخر الرازي في العزيز الحكيم ان يكونا صفتين لله وهو الراجح او للكتاب ورد بانه لا يجوز ان يكونا صفتين للكتاب من وجوه انتهى وذكر تبارك وتعالى هنا الآيات التي في السموات والارض مجملة غير مفصلة فكانها احالة على غوامض تثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع فلذلك جعلها للمؤمنين ثم ذكر سبحانه خلق البشر والحيوان وكأنه اغمض فجعله للموقنين الذين لهم نظر يؤديهم الى اليقين ثم ذكر اختلاف الليل والنهار والعبرة بالمطر والرياح فجعل ذلك القوم يعقلون اذ كل عاقل يحصل هذه

ويفهم قدرها قال ع وان كان هذا النظر ليس بلازم ولا بد فان اللفظ يعطيه والرزق المنزل من السماء هو الماء وسماه الله سبحانه رزقا بمئاله لان جميع ما يرتزق فعن الماء هو وقوله نتلوها عليك بالحق أي بالصدق والاعلام بحقائق الامور في انفسها وقال جلت عظمته فبأي حديث بعد الله وأياته يومنون ءاية تقريع وتوبيخ وفيها قوة تهديد والافاك الكذاب الذي يقع منه الافك مرارا والاثيم بناء مبالغة اسم فاعل من اثم ياثم وروي ان سبب الآية ابو جهل وقيل النضر بن الحارث والصواب انها عامة فيهما وفي غيرهما وانها تعم كل من دخل تحت الاوصاف المذكورة الى يوم القيامة ويصر معناه يثبت على عقيدته من الكفر وقوله فبشره بعذاب اليم أي مؤلم وقوله تعالى وإذا علم من آياتنا شيأ أي اخبر بشيء من آياتنا فعلم نفس الخبر لا المعنى الذي تضمنه الخبر ولو علم المعاني التي تضمنها اخبار الشرع وعرف حقائقها لكان مومنا ت وفي هذا نظر لأنه ينحو الى القول بان الكفر لا يتصور عنادا محضا وقد تقدم اختياره رحمه الله لذلك في غير هذا المحل فقف عليه وخشية الاطالة منعتني من تكراره هنا وقوله سبحانه هذا هدى اشارة الى القرآن وقوله لهم عذاب بمنزلة قولك لهم حظ فمن هذه الجهة ومن جهة تغاير اللفظين حسن قوله عذاب من رجز اذ الرجز هو العذاب وقوله لتجري الفلك فيه بأمره أقام القدرة والاذن مناب أن يأمر البحر والناس بذلك وقرأ مسلمة بن محارب جميعا منة بضم التاء وقرأ ايضا جميعا منه بفتح الميم وشد النون والهاء وقرأ ابن عباس منة بالنصب على المصدر وقوله تعالى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون قال الغزالي في الاحياء الفكر والذكر اعلى مقامات الصالحين وقال رحمه الله اعلم ان الناظرين بأنوار البصيرة علموا ان لا نجاة الا في لقاء الله عز و جل وانه لا سبيل الى اللقاء الا بان يموت العبد محبا لله تعالى وعارفا به وان المحبة والانس لا يتحصلان

الا بدوام ذكر المحبوب وان المعرفة لا تحصل الا بدوام الفكر ولن يتيسر دوام الذكر والفكر الا بوداع الدنيا وشهواتها والاجتزاء منها بقدر البلغة والضرورة ثم قال والقرآن جامع لفضل الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر انتهى وقوله تعالى قل للذين أمنوا يغفروا الآية قال اكثر الناس هذه الآية منسوخة بآية القتال وقال فرقة بل هي محكمة قال ع الآيى تتضمن الغفران عموما فينبغي ان يقال ان الامور العظام كالقتل والكفر مجاهرة ونحو ذلك قد نسخت غفرانه آية السيف والجزية وما احكمه الشرع لا محالة وان الامور الحقيرة كالجفاء في القول ونحو ذلك تحتمل ان تبقى محكمة وان يكون العفو عنها اقرب الى التقوى وقوله ايام الله قالت فرقة معناه ايام انعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك وقال مجاهد ايام الله ايام نقمه وعذابه وباقي الآية بين وقوله سبحانه فما اختلفوا الامن بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم الآية قد تقدم بيان نظيرها في سورة يونس وغيرها وقوله سبحانه ثم جعلناك على شريعة من الامر الآية الشريعة لغة مورد المياه وهي في الدين من ذلك لان الناس يردون الدين ابتغاء رحمة الله والتقرب منه والامر واحد الأمور ويحتمل ان يكون واحد الاوامر والذين لا يعلمون هم الكفار وفي قوله تعالى وان الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين تحقير للكفرة من حيث خروجهم عن ولاية الله تعالى ت وقد قال ص - يوم احد اجيبوهم فقولوا الله مولانا ولا مولى لكم وذلك ان قريشا قالوا للصحابة لنا العزى ولا عزى لكم وقوله عز و جل هذا بصائر للناس يريد القرءان وهو جمع بصيرة وهو المعتقد الوثيق في الشيء كأنه من ابصار القلب قال ابو حيان وقرىء هذه أي هذه الآيات انتهى وقوله سبحانه ام حسب الذين اجترحوا السيئات قيل ان الآية نزلت بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لتفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا

واجترحوا معناه اكتسبوا وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال اهل التقوى وهي موقف للعارفين يبكون عنده وروي عن الربيع بن خيثم انه كان يرددها ليلة حتى اصبح وكذلك عن الفضيل بن عياض وكان يقول لنفسه ليت شعري من أي الفريقين انت وقال الثعلبي كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين قال ع واما لفظها فيعطى انه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالايمان ويحتمل ان تكون المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات ويكون الايمان في الفريقين ولهذا بكى الخائفون رضي الله عنهم ت وروى ابن المبارك في رقائقه بسنده ان تميما الداري رضي الله عنه بات ليلة الى الصباح يركع ويسجد ويردد هذه الآية ام حسب الذين اجترحوا السيئات الآية ويبكي رضي الله عنه انتهى وقوله ساء ما يحكمون ما مصدرية والتقدير ساء الحكم حكمهم وقوله سبحانه افرأيت من اتخذ الهه هواه الآية تسلية للنبي ص - أي لا تهتم بأمر الكفرة من اجل اعراضهم عن الايمان وقوله الهه هواه اشارة إلى الاصنام اذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة وقال قتادة المعنى لا يهوى شيأ الا ركبه لا يخاف الله فهذا كما يقال الهوى اله معبود وهذه الآية وان كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الامارة قال النبي ص - والعاجز مع اتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقال سهل التستري هواك داؤك فان خالفته فدواؤك وقال وهب اذا عرض لك امران وشككت في خيرهما فانظر ابعدهما من هواك فاته ومن الحكمة في هذا قول القائل ... اذا انت لم تعص الهوى قادك الهوى ... الى كل ما فيه عليك مقال ...
قال الشيخ ابن ابي جمرة قوله ص - فيقال من كان يعبد شيئا فليتبعه شيئا يعم جميع الاشياء مدركة كانت او غير مدركة فالمدرك كالشمس

والقمر وغير المدرك مثل الملائكة والهوى لقوله عز و جل أفرأيت من اتخذ الهه هواه وما اشبه ذلك انتهى قال القشيري في رسالته وحكي عن ابي عمران الواسطي قال انكسرت بنا السفينة فبقيت انا وامرأتي على لوح وقد ولدت في تلك الحال صبية فصاحت بي وقالت يقتلني العطش فقلت هو ذا يرى حالنا فرفعت رأسي فاذا رجل في الهواء جالس في يده سلسلة من ذهب وفيها كوز من ياقوت احمر فقال هاك اشربا فاخذت الكوز فشربنا منه فاذا هو اطيب من المسك وابرد من الثلج واحلى من العسل فقلت من انت رحمك الله فقال عبد لمولاك فقلت له بم وصلت إلى هذا فقال تركت هواي لمرضاته فاجلسني في الهواء ثم غاب عني ولم اره انتهى وقوله تعالى على علم قال ابن عباس المعنى على علم من الله تعالى سابق وقالت فرقة أي على علم من هذا الضال بتركه للحق واعراضه عنه فتكون الآية على هذا التأويل من آيات العناد من نحو قوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وقوله تعالى وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة استعارات كلها وقوله من بعد الله فيه حذف مضاف تقديره من بعد اضلال الله اياه واختلف في معنى قولهم نموت ونحيى فقالت فرقة المعنى يموت الآباء ويحيى الأبناء وقالت فرقة المعنى نحيى ونموت فوقع في اللفظ تقديم وتاخير وقولهم وما يهلكنا الا الدهر أي طول الزمان وقوله سبحانه واذا تتلى عليهم أياتنا بينات يعني قريشا ما كان حجتهم الا ان قالوا ايتوا بأبائنا أي يا محمد احي لنا قصيا حتى نسأله إلى غير ذلك من هذا النحو فنزلت الآية في ذلك ومعنى ان كنتم صادقين أي في قولكم انا نبعث بعد الموت ثم امر الله تعالى نبيه ان يخبرهم بالحال السابقة في علم الله التي لا تبدل بانه يحيي الخلق ثم يميتهم الى آخر الآية وباقي الآية بين والمبطلون الداخلون في الباطل وقوله سبحانه وترى كل امة جاثية هذا وصف حال

القيامة وهولها والامة الجماعة العظيمة من الناس وقال مجاهد الامة الواحد من الناس قال ع وهذا قلق في اللغة وان قيل في ابراهيم امة وفي قس بن ساعدة فذلك تجوز على جهة التشريف والتشبيه وجاثية معناه على الركب قاله مجاهد وغيره وهي هيئة المذنب الخائف وقال سلمان في القيامة ساعة قدر عشر سنين يخر الجميع فيها جثاة على الركب وقوله كل امة تدعى الى كتابها قالت فرقة معناه الى كتابها المنزل عليها فتحاكم اليه هل وافقته او خالفته وقالت فرقة اراد الى كتابها الذي كتبته الحفظة على كل واحد من الامة وقوله سبحانه هذا كتابنا يحتمل ان تكون الاشارة الى الكتب المنزلة أو الى اللوح المحفوظ او الى كتب الحفظة وقال ابن قتيبة الى القرآن وقوله سبحانه انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قال الحسن وهو كتب الحفظة على بني أدم وروى ابن عباس وغيره حديثا ان الله يأمر بعرض اعمال العباد كل يوم خميس فينقل من الصحف التي كانت ترفع الحفظة كل ما هو معد ان يكون عليه ثواب او عقاب ويلغى الباقي فهذا هو النسخ من أصل وقوله عز و جل فاما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته أي في جنته واما الذين كفروا أفلم تكن أي فيقال لهم افلم تكن آياتي تتلى عليكم وقرأ حمزه وحده والساعة بالنصب عطفا على قوله وعد الله وقرأ ابن مسعود وان الساعة لا ريب فيها وباقي الآية بين وقوله سبحانه وبدا لهم سيئات ما عملوا الآية حكاية حال يوم القيامة وحاق معناه نزل واحاط وهي مستعملة في المكروه وفي قوله ما كانوا حذف مضاف تقديره جزاء ما كانوا به يستهزءون وقوله عز و جل وقيل اليوم ننساكم معناه نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا وأيات الله هنا لفظ جامع لآيات القرآن وللأدلة التي نصبها الله تعالى للنظر ولا هم يسيتعتبون أي لا يطلب منهم مراجعة إلى عمل صالح وقوله سبحانه فلله الحمد رب السموات ورب الارض الى آخر

السورة تحميد لله عز و جل وتحقيق لالوهيته وفي ذلك كسر لامر الاصنام وسائر ما تعبده الكفرة والكبرياء بناء مبالغة
تفسير

سورة الأحقاف
وهي مكية
إلا ءايتين وهما قوله تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به الآية وقوله سبحانه فاصبر كما صبر اولوا العزم الآية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه حم تنزيل الكتاب يعني القرآن وقوله سبحانه ما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون هذه الآية موعظة وزجر المعنى فانتبهوا ايها الناس وانظروا ما يراد بكم ولم خلقتم والاجل المسمى هو يوم القيامة وقوله قل ارأيتم ما تدعون معناه ما تعبدون ثم وقفهم على السموات هل لهم فيها شرك ثم استدعى منهم كتابا منزلا قبل القرآن يتضمن عبادة الأصنام قال ابن العربي في احكامه هذه الآية من اشرف آية في القرآن فانها استوفت الدلالة على الشرائع عقليها وسمعيها لقوله عز و جل قل أرأيتم ما تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السموات فهذا بيان لأدلة العقل المتعلقة بالتوحيد وحدوث العالم وانفراد الباري تعالى بالقدرة والعلم والوجود والخلق ثم قال ايتوني بكتاب من قبل هذا على ما تقولون وهذا بيان لأدلة السمع فان مدرك الحق انما يكون بدليل العقل او بدليل الشرع حسبما بيناه من مراتب الأدلة في كتب

الاصول ثم قال او اثارة من علم يعني او علم يؤثر أي يروى وينقل وان لم يكن مكتوبا انتهى وقوله او اثارة معناه او بقية قديمة من علم احد العلماء تقتضي عبادة الأصنام والاثارة البقية من الشيء وقال الحسن المعنى من علم تستخرجونه فتثيرونه وقال مجاهد المعنى هل من احد يأثر علما في ذلك وقال القرطبي هو الاسناد ومنه قول الاعشى ... ان الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والآثر ...
أي وللمسند عن غيره وقال ابن عباس الاثارة الخط في التراب وذلك شيء كانت العرب تفعله والضمير في قوله وهم عن دعائهم غافلون هو للاصنام في قول جماعة ويحتمل ان يكون لعبدتها وقوله سبحانه واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وصف ما يكون يوم القيامة بين الكفار واصناهم من التبرى والمناكرة وقد بين ذلك في غير هذه الآية واذا تتلى عليهم آياتنا أي آيات القرآن قال الذين كفروا للحق يعني القرآن هذا سحر مبين أي يفرق بين المرء وبنيه وقوله سبحانه قل ان افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا المعنى ان افتريته فالله حسبي في ذلك وهو كان يعاقبني ولا يمهلني ثم رجع القول الى الاستسلام الى الله والاستنصار به عليهم وانتظار ما يقتضيه علمه بما يفيضون فيه من الباطل ومراده الحق وذلك يقتضي معاقبتهم ففي اللفظ تهديد والضمير في به عائد على الله عز و جل وقوله سبحانه وهو الغفور الرحيم ترجية واستدعاء الى التوبة ثم امره عز و جل ان يحتج عليهم بانه لم يكن بدعاء من الرسل والبدع البديع من الأشياء ما لم ير مثله المعنى قد جاء قبلي غيري قاله ابن عباس وغيره ت ولفظ البخاري وقال ابن عباس بدعا من الرسل أي لست بأول الرسل واختلف الناس في قوله وما ادرى ما يفعل بي ولا بكم فقال ابن عباس وجماعة كان هذا في صدر الاسلام ثم بعد ذلك عرفه الله عز و جل بانه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبان

المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة وبأن الكافرين في نار جهنم والحديث الصحيح الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيد هذا وقالت فرقة معنى الآية وما ادري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وقيل غير هذا وقوله ان اتبع الا ما يوحى الي معناه الاستسلام والتبري من علم المغيبات والوقوف مع النذارة من عذاب الله عز و جل وقوله عز و جل قل أرأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل الآية جواب هذا التوقيف محذوف تقديره اليس قد ظلمتم ودل على هذا المقدر قوله تعالى ان الله لا يهدي القوم الظالمين قال مجاهد وغيره هذه الآية مدنية والشاهد عبد الله بن سلام وقد قال عبد الله بن سلام في نزلت وقال مسروق بن الأجدع والجمهور الشاهد موسى بن عمران عليه السلام والآية مكية ورجحه الطبري وقوله على مثله يريد بالمثل التوراة والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن أي جاء شاهد من بني اسرائيل بمثله انه من عند الله سبحانه وقوله فأمن على هذا التأويل يعني به تصديق موسى وتبشيره بنبينا محمد ص - وقوله سبحانه ومن قبله أي من قبل القرآن كتاب موسى يعني التوراة وهذا كتاب يعني القرآن مصدق للتوراة التي تضمنت خبره وفي مصحف ابن مسعود مصدق لما بين يديه والذين ظلموا هم الكفار وعبر عن المؤمنين بالمحسنين ليناسب لفظ الاحسان في مقابلة الظلم ثم اخبر تعالى عن حسن حال المستقيمين وذهب كثير من الناس الى ان المعنى ثم استقاموا بالطاعات والأعمال الصالحات وقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه المعنى ثم استقاموا بالدوام على الايمان قال ع وهذا عم رجاء واوسع وان كان في الجملة المؤمنة من يعذب وينفذ عليه الوعيد فهو ممن يخلد في الجنة وينتفي عنه الخوف والحزن الحال بالكفرة وقوله تعالى جزاء بما كانوا يعملون قد جعل الله سبحانه الاعمال امارات على ما

سيصير اليه العبد لا انها توجب على الله شيأ وقوله سبحانه ووصينا الانسان يريد النوع أي هكذا مضت شرائعي وكتبي فهي وصية من الله في عباده وبر الوالدين واجب وعقوقهما كبيرة وقد قال النبي ص - كل شيء بينه وبين الله حجاب الا شهادة ان لا اله الا الله ودعوة الوالدين قال ع ولن يدعوا في الغالب الا اذا ظلمهما الولد فهذا يدخل في عموم قوله عليه السلام اتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ثم عدد سبحانه على الابناء منن الامهات وقوله تعالى حملته امه كرها قال مجاهد والحسن وقتاده حملته مشقة ووضعته مشقة قال ابو حيان وحمله على حذف مضاف أي مدة حمله انتهى وقوله ثلاثون شهرا يقتضي ان مدة الحمل والرضاع هي هذه المدة وفي البقرة والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين فيترتب من هذا ان اقل مدة الحمل ستة اشهر واقل ما يرضع الطفل عام وتسعة اشهر واكمال الحولين هو لمن اراد ان يتم الرضاعة وهذا في امد الحمل هو مذهب مالك وجماعة من الصحابة واقوى الاقوال في بلوغ الاشد ستة وثلاثون سنة قال ع وانما ذكر تعالى الاربعين لانها حد للانسان في فلاحه ونجابته وفي الحديث ان الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول بابى وجه لا يفلح ت وحدث ابو بكر بن الخطيب في تاريخ بغداد بسنده المتصل عن انس قال قال رسول الله ص - اذا بلغ العبد اربعين سنة امنه الله من البلايا الثلاث الجنون والجذام والبرص فاذا بلغ خمسين سنة خفف الله عنه الحساب فاذا بلغ ستين سنة رزقه الله الانابة لما يحب فاذا بلغ سبعين سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفع في اهل بيته وناداه مناد من السماء هذا اسير الله في ارضه انتهى وهذا والله اعلم في العبد المقبل على آخرته المشتغل بطاعة ربه وقوله رب اوزعني معناه ادفع عني الموانع واجرني من

القواطع لاجل ان اشكر نعمتك ويحتمل ان يكون اوزعني بمعنى اجعل حظي ونصيبي وهذا من التوزيع ت وقال الثعلبي وغيره اوزعني معناه الهمني وعبارة الفخر قال ابن عباس اوزعني معناه الهمني قال صاحب الصحاح استوزعت الله فاوزعني أي استلهمته فالهمني انتهى قال ابن عباس نعمتك في التوحيد وصالحا ترضاه الصلوات والاصلاح في الذرية كونهم اهل طاعة وخير وهذه الآية معناها ان هكذا ينبغي للانسان ان يكون فهي وصية الله تعالى للانسان في كل الشرائع وقول من قال انها في ابي بكر وابويه ضعيف لأن هذه الآية نزلت بمكة بلا خلاف وابو قحافة اسلم عام الفتح وفي قوله تعالى اولائك الذين يتقبل عنهم الآية دليل على ان هذه الاشارة بقوله ووصينا الانسان انما اراد به الجنس وقوله في اصحاب الجنة يريد الذين سبقت لهم رحمة الله قال ابو حيان في اصحاب الجنة قيل في على بابها أي في جملتهم كما تقول اكرمني الامير في ناس أي في جملة من اكرم وقيل في بمعنى مع انتهى وقوله تعالى والذي قال لوالديه قال الثعلبي معناه اذ دعواه الى الايمان اف لكما الآية انتهى والذي يعني به الجنس على حد العموم في التي قبلها في قوله ووصينا الانسان هذا قول الحسن وجماعة ويشبه ان لها سببا من رجل قال ذلك لأبويه فلما فرغ من ذكر الموفق عقب بذكر هذا العاق وقد انكرت عائشة ان تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن ابي بكر وقالت ما نزل في آل ابي بكر من القرآن غير براءتي ت ولا يعترض عليها بقوله تعالى ثاني اثنين ولا بقوله ولا ياتل اولو الفضل كما بينا ذلك في غير هذه الآية قال ع والأصوب ان تكون الآية عامة في اهل هذه الصفات والدليل القاطع على ذلك قوله تعالى اولائك الذين حق عليهم القول في امم وكان عبد الرحمن بن ابي بكر رضي الله عنه من افاضل الصحابة ومن ابطال المسلمين وممن له في الاسلام غناء يوم اليمامة وغيره واف بالتنوين قراءة

نافع وغيره والتنوين في ذلك علامة تنكير كما تستطعم رجلا حديثا غير معين فتقول ايه منونة وان كان حديثا مشارا اليه قلت ايه بغير تنوين وقوله اتعدانني ان اخرج المعنى ان اخرج من القبر الى الحشر وهذا منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد وقد خلت القرون من قبلي معناه هلكت ومضت ولم يخرج منهم احد وهما يستغيثان الله يعني الوالدين يقولان له ويلك امن وقوله ما هذا الا اساطير الاولين أي ما هذا القول الذي يتضمن البعث من القبور الا شيء سطره الاولون في كتبهم يعني الشرائع وظاهر الفاظ هذه الآية انها نزلت في مشار اليه قال وقيل له فنعى الله الينا اقواله تحذيرا من الوقوع في مثلها وقوله اولائك ظاهره انها اشارة الى جنس وحق عليهم القول أي قول الله انه يعذبهم قال ابو حيان في امم أي في جملة امم ففي على بابها وقيل في بمعنى مع وقد تقدم ذلك انتهى وقوله قد خلت من قبلهم من الجن والانس يقتضي ان الجن يموتون وهكذا فهم الآية قتادة وقد جاء حديث يقتضي ذلك وقوله سبحانه ولكل درجات يعني المحسنين والمسيئين قال ابن زيد ودرجات المحسنين تذهب علوا ودرجات المسيئين تذهب سفلا وباقي الآية بين في ان كل امرئى يجتني ثمرة عمله من خير او شر ولا يظلم في مجازاته وقوله عز و جل ويوم يعرض الذين كفروا على النار الآية المعنى واذكر يوم يعرض وهذا العرض هو بالمباشرة اذهبتم أي يقال لهم اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا والطيبات هنا الملاذ وهذه الآية وان كانت في الكفار فهي رادعة لأولى النهي من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطيبات ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه اتظنون انا لا نعرف طيب الطعام ذلك لباب البر بصغار المعزى ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم انهم ذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد وقال ايضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم اليه

طعام طيب فقال عمر هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير فقال خالد لهم الجنة فبكى عمر وقال لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة فقد بانوا بونا بعيدا وقال جابر بن عبد الله اشتريت لحما بدرهم فرءاني عمر فقال او كلما اشتهى احدكم شيأ اشتراه فاكله اما تخشى ان تكون من اهل هذه الآية وتلا اذهبتم طيباتكم ت والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا فمنها ما رواه ابو داود في سننه عن عبد الله بن بريدة ان رجلا من اصحاب النبي ص - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقد عليه فقال اما انى لم أتك زائرا ولكن سمعت انا وانت حديثا من رسول الله ص - رجوت ان يكون عندك منه علم قال ما هو قال كذا وكذا قال فمالي اراك شعثا وانت امير الارض قال ان رسول الله ص - كان ينهى عن كثير من الارفاه قال فما لي لا ارى عليك حذاء قال كان رسول الله ص - يامرنا ان نحتفي احيانا وروى ابو داود عن ابي امامة قال ذكر اصحاب النبي ص - يوما عنده الدنيا فقال رسول الله ص - الا تسمعون ان البذاذة من الايمان ان البذاذة من الايمان ان البذاذة من الايمان قال ابو داود يعني التقحل وفسر ابو عمر بن عبد البر البذاذة برث الهيئة ذكر ذلك في التمهيد وكذلك فسرها غيره انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه من طريق الحسن عن النبي ص - انه خرج في اصحابه الى بقيع الغرقد فقال السلام عليكم يا اهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه مما هو كائن بعدكم ثم اقبل على اصحابه فقال هؤلاء خير منكم قالوا يا رسول الله اخواننا اسلمنا كما اسلموا وهاجرنا كما هاجروا وجاهدنا كما جاهدوا واتوا على اجالهم فمضوا فيها وبقينا في أجالنا فما يجعلهم خيرا منا قال هؤلاء خرجوا من الدنيا لم ياكلوا من اجورهم شيأ وخرجوا وانا الشهيد عليهم وانكم قد اكلتم من اجوركم ولا ادرى ما

تحدثون من بعدي قال فلما سمعها القوم عقلوها وانتفعوا بها وقالوا انا لمحاسبون بما اصبنا من الدنيا وانه لمنتقص به من اجورنا انتهى ومنها حديث ثوبان في سنن ابي داود قال ثوبان كان رسول الله ص - اذا سافر كان آخر عهده بانسان من اهله فاطمة واول من يدخل عليها فاطمة فقدم من غزاة وقد علقت مسحا او سترا على بابها وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة فلم يدخل فظنت انما منعه ان يدخل ما رأى فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصلبيين وقطعتهما عنهما فانطلقا الى رسول الله ص - يبكيان فاخذهما منهما وقال يا ثوبان اذهب بهما الى آل فلان ان هؤلاء اهلي اكره ان ياكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج انتهى ص قرأ الجمهور اذهبتم على الخبر أي فيقال لهم اذهبتم طيباتكم وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان ولين الثانية هشام وابن كثير في رواية والاستفهام هنا على معنى التوبيخ والتقرير فهو خبر في المعنى ولهذا حسنت الفاء في قوله فاليوم ولو كان استفهاما محضا لما دخلت الفاء انتهى وعذاب الهون هو الذي اقترن به هوان فالهون والهوان بمعنى ثم امر تعالى نبيه بذكر هود وقومه عاد على جهة المثال لقريش وقد تقدم قصص عاد مستوفى في سورة الأعراف فلينظر هناك والصحيح من الأقوال ان بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت ارم ذات العماد والأحقاف جمع حقف وهو الجبل المستطيل المعوج من الرمل وقوله سبحانه وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه الا تعبدوا الا الله اني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم خلت معناه مضت الى الأرض الخلاء والنذر جمع نذير وقولهم لتافكنا معناه لتصرفناوقولهم فاتنا بما تعدنا تصميم منهم على التكذيب وتعجيز له في زعمهم وقوله سبحانه قال انما العلم عند الله الآية المعنى قال لهم هود ان هذا الوعيد ليس من قبلي

وانما الامر فيه الى الله وعلم وقته عنده وانما علي ان ابلغ فقط والضمير في رأوه يحتمل ان يعود على العذاب ويحتمل ان يعود على الشيء المرءي الطالع عليهم وهو الذي فسره قوله عارضا والعارض هو ما يعرض في الجو من السحاب الممطر قال ابن العربي في احكامه عند تفسيره قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم كل شيء عرض فقد منع ويقال لما عرض في السماء من السحاب عارض لأنه منع من رؤيتها ومن رؤية البدر والكواكب انتهى وروي في معنى قوله مستقبل اوديتهم ان هؤلاء القوم كانوا قد قحطوا مدة فطلع هذ العارض من جهة كانوا يمطرون بها ابدا جاءهم من قبل واد لهم يسمونه المغيث قال ابن عباس ففرحوا به وقالوا هذا عارض ممطرنا وقد كذب هود فيما اوعد به فقال لهم هود عليه السلام ليس الأمر كما رأيتم بل هو ما استعجلتم به في قولكم فاتنا بما تعدنا ثم قال ريح فيها عذاب اليم وفي قراءة ابن مسعود ممطرنا قال هود بل هو ريح بإظهار المقدر وتدمر معناه تهلك والدمار الهلاك وقوله كل شيء ظاهره العموم ومعناه الخصوص في كل ما امرت بتدميره وروي ان هذه الريح رمتهم اجمعين في البحر ثم خاطب جل وعلا قريشا على جهة الموعظة بقوله ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه فما بمعنى الذي وان نافية وقعت مكان ما لمختلف اللفظ ومعنى الآية ولقد اعطيناهم من القوة والغنى والبسط في الأموال والأجسام ما لم نعطكم ونالهم بسبب كفرهم هذا العذاب فانتم احرى بذلك اذا تماديتم في كفركم وقالت فرقة ان شرطية والجواب محذوف تقديره في الذي ان مكناكم فيه طغيتم وهذا تنطع في التاويل وما نافية في قوله فما اغنى عنهم ويقوى ذلك دخول من في قوله من شيء وقالت فرقة بل هي استفهام على جهة التقرير ومن شيء على هذا تاكيد وهذا على غير مذهب سيبويه في دخول من في الجواب وقوله عز و جل ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى الآية مخاطبة

لقريش على جهة التمثيل وصرفنا الآيات يعني لهذه القرى وقوله سبحانه فلولا نصرهم الآية يعني فهلا نصرتهم اصنامهم بل ضلوا عنهم أي انتلفوا عنهم وقت الحاجة وذلك افكهم اشارة إلى قولهم في الأصنام انها آلهة وقوله وما كانوا يفترون يحتمل ان تكون ما مصدرية فلا تحتاج الى عائد ويحتمل ان تكون بمعنى الذي فهناك عائد محذوف تقديره يفترونه وقوله تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجن الآية ابتداء وصف قصة الجن ووفادتهم على النبي ص - وقد اختلفت الرواة هنا هل هذا الجن هم الوفد او المتجسسون واختلفت الروايات ايضا عن ابن مسعود وغيره في هذا الباب والتحرير في هذا ان النبي ص - جاءه نفر من الجن دون ان يشعر بهم وهم المتجسسون المتفرقون من اجل رجم الشهب الذي حل بهم وهؤلاء هم المراد بقوله تعالى قل اوحي الي الآية ثم بعد ذلك وفد عليه وفدهم حسبما ورد في ذلك من الآثار وقوله نفرا يقتضي ان المصروفين كانوا رجالا لا انثى فيهم والنفر والرهط هم القوم الذين لا انثى فيهم وقوله تعالى فلما حضروه قالوا انصتوا فيه تأدب مع العلم وتعليم كيف يتعلم فلما قضي أي فرغ من تلاوة القرآن واستماع الجن قال جابر بن عبد الله وغيره ان النبي ص - لما قرأ عليهم سورة الرحمن فكان اذا قال فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا لا بشيء من آلائك نكذب ربنا لك الحمد ولما ولت هذه الجملة تفرقت على البلاد منذرة للجن وقولهم انا سمعنا كتابا يعنون القرآن ت وقولهم من بعد موسى يحتمل انهم لم يعلموا بعيسى قاله ابن عباس او انهم على دين اليهود قاله عطاء نقل هذا الثعلبي ويحتمل ما تقدم ذكره في غير هذا وانهم ذكروا المتفق عليه انتهى مصدقا لما بين يديه وهي التوراة والانجيل وداعي الله هو محمد ص - وأمنوا به أي بالله يغفر لكم من ذنوبكم الآية ت وذكر الثعلبي خلافا في

3 - ومني الجن هل يثابون على الطاعة ويدخلون الجنة او يجارون من النار فقط الله اعلم بذلك قال الفخر والصحيح انهم في حكم بني آدم يستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وهو قول مالك وابن ابي ليلى قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون انتهى وقد تقدم ما نقلناه عن البخاري في سورة الأنعام انهم يثابون وقوله سبحانه ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز الآية يحتمل ان يكون من تمام كلام المنذرين ويحتمل ان يكون من كلام الله عز و جل والمعجز الذاهب في الأرض الذي يعجز طالبه فلا يقدر عليه وقوله سبحانه اولم يروا الضمير لقريش وذلك انهم انكروا البعث وعود الاجساد وهم مع ذلك معترفون بان الله تعالى خلق السموات والارض فاقيمت عليهم الحجة من اقوالهم قال ابو حيان والباء في قوله بقادر زائدة انتهى وقوله تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار المعنى واذكر يوم وهذا وعيد لكفار قريش وغيرهم وهذا عرض مباشرة وقوله اليس هذا بالحق أي يقال لهم اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا فصدقوا بذلك حيث لا ينفعهم التصديق فروي عن الحسن انه قال انهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون انه العدل واختلف في تعينن اولى العزم من الرسل ولا محالة ان لكل نبي ورسول عزما وصبرا وقوله ولا تستعجل لهم معناه ولا تستعجل لهم عذابا فانهم اليه صائرون ولا تستطل تعميرهم في هذه النعمة فانهم يوم يرون العذاب كانهم لم يلبثوا في الدنيا الا ساعة لاحتقارهم ذلك لان المنقضي من الزمان يصير عدما ت واذا علمت ايها الاخ ان الدنيا اضغاث احلام كان من الحزم اشتغالك الآن بتحصيل الزاد للمعاد وحفظ الحواس ومراعاة الانفاس ومراقبة مولاك فاتخذه صاحبا وذر الناس جانبا قال ابو حامد الغزالي رحمه الله اعلم ان صاحبك الذي لا تفارقه في حضرك وسفرك ونومك ويقظتك بل في

حياتك وموتك هو ربك ومولاك وسيدك وخالقك ومهما ذكرته فهو جليسك اذ قال تعالى انا جليس من ذكرني ومهما انكسر قلبك حزنا على تقصيرك في حق دينك فهو صاحبك وملازمك اذ قال انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلي فلو عرفته يا اخي حق معرفته لاتخذته صاحبا وتركت الناس جانبا فان لم تقدر على ذلك في جميع اوقاتك فاياك ان تخلي ليلك ونهارك عن وقت تخلو فيه بمولاك وتلذذ بمناجاته وعند ذلك فعليك بآداب الصحبة مع الله تعالى وآدابها اطراق الطرف وجمع الهم ودوام الصمت وسكون الجوارح ومبادرة الأمر واجتناب النهي وقلة الاعتراض على القدر ودوام الذكر باللسان وملازمة الفكر وايثار الحق واليأس من الخلق والخضوع تحت الهيبة والانكسار تحت الحياء والسكون عن حيل الكسب ثقة بالضمان والتوكل على فضل الله معرفة بحسن اختياره وهذا كله ينبغي ان يكون شعارك في جميع ليلك ونهارك فانه أداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك والخلق كلهم يفارقونك في بعض اوقاتك انتهى من بداية الهداية وقوله بلاغ يحتمل معانيا احدها ان يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا انذار وتبليغ ويحتمل ان يريد كان لم يلبثوا الا ساعة كانت بلاغهم وهذا كما تقول متاع قليل وقيل غير هذا وقرأ ابو مجلز وغيره بلغ على الامر وقرأ الحسن بن ابي الحسن بلاغ بالخفض نعتا لنهار وقوله سبحانه فهل يهلك الا القوم الفاسقون وقرئى شاذا فهل يهلك ببناء الفعل للفاعل وفي هذه الآية وعيد محض وانذار بين وذلك ان الله عز و جل جعل الحسنة بعشر امثالها والسيئة بمثلها وغفر الصغائر باجتناب الكبائر ووعد الغفران على التوبة فلن يهلك على الله الا هالك كما قال ص - قال الثعلبي يقال ان قوله تعالى فهل يهلك الا القوم الفاسقون ارجىء آية في كتاب الله عز و جل للمؤمنين

تفسير سورة القتال وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم الذين كفروا اشارة الى اهل مكة الذين اخرجوا النبي ص - وقوله والذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية اشارة الى الأنصار الذين أووا ونصروا وفي الطائفتين نزلت الآيتان قاله ابن عباس ومجاهد ثم هي بعد تعم كل من دخل تحت الفاظها وقوله اضل اعمالهم أي اتلفها ولم يجعل لها نفعا ت وقد ذكرنا في سورة الصف ان اسم محمد ص - لم يتسم به احد قبله الا قوم قليلون رجاء ان تكون النبوءة في ابنائهم والله اعلم حيث يجعل رسالاته قال ابن القطان وعن خليفة والدابي سويد قال سألت محمد بن عدي بن ابي ربيعة كيف سماك ابوك محمدا قال سألت ابي عما سألتني عنه فقال لي كنت رابع اربعة من بني غنم انا فيهم وسفيان بن مجاشع بن جرير وامامة بن هند بن خندف ويزيد بن ربيعة فخرجنا في سفرة نريد ابن جفنة ملك غسان فلما شارفنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات وقربه شخص نائم فتحدثنا فاستمع كلامنا فاشرف علينا فقال ان هذه لغة ما هي لغة هذه البلاد فقلنا نحن قوم من مضر فقال من أي المضريين قلنا من خندف قال انه يبعث فيكم خاتم النبيين فسارعوا اليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا قلنا ما اسمه قال محمد فرجعنا فولد لكل واحد منال ابن سماه محمدا وذكره المدائني انتهى وقوله تعالى في المؤمنين واصلح بالهم قال قتادة معناه حالهم وقال ابن عباس شأنهم وتحرير التفسير في اللفظة انها بمعنى الفكر والموضع

الذي فيه نظر الانسان وهو القلب فاذا صلح ذلك منه فقد صلح حاله فكان اللفظة مشيرة الى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع فقولك خطر في بالي كذا وقولك اصلح الله بالك المراد بهما واحد ذكره المبرد والبال مصدر كالحال والشأن ولا يستعمل منه فعل وكذلك عرفه لا يثنى ولا يجمع وقد جاء مجموعا شاذا في قولهم بالات والباطل هنا الشيطان وكل ما يامر به قاله مجاهد والحق هنا الشرع ومحمد عليه السلام وقوله كذلك يضرب الله الاشارة الا الاتباع المذكورين من الفريقين وقوله سبحانه فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب الآية قال اكثر العلماء ان هذه الآية وآية السيف وهي قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم محكمتان فقوله هنا فضرب الرقاب بمثابة قوله هنالك فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وصرح هنا بذكر المن والفداء ولم يصرح به هنالك فهذه مبينه لتلك وهذا هو القول القوي وقوله فضرب الرقاب مصدر بمعنى الفعل أي فاضربوا رقابهم وعين من انواع القتل اشهره والمراد اقتلوهم باي وجه امكن وفي صحيح مسلم عن النبي ص - قال لا يجتمع كافر وقاتله في النار ابدا وفي صحيح البخاري عنه ص - قال ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار انتهى والاثخان في القوم ان يكثر فيهم القتلى والجرحى ومعنى فشدوا الوثاق أي بمن لم يقتل ولم يترتب فيه الا الاسر ومنا وفداء مصدران منصوبان بفعلين مضمرين وقوله حتى تضع الحرب اوزارها معناه حتى تذهب الحرب وتزول اثقالها والاوزار الاثقال ومنه قول عمرو بن معد يكرب
... واعددت للحرب اوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا
واختلف المتأولون في الغاية التي عندها تضع الحرب اوزارها فقال قتادة حتى يسلم الجميع وقال حذاق اهل النظر حتى تغلبوهم وتقتلوهم وقال مجاهد حتى

ينزل عيسى بن مريم قال ع وظاهر اللفظ انه استعارة يراد بها التزام الامر ابدا وذلك ان الحرب بين المومنين والكافرين لا تضع اوزارها فجاء هذا كما تقول انا افعل كذا وكذا الى يوم القيامة وانما تريد انك تفعله دائما ولو شاء الله لانتصر منهم أي بعذاب من عنده ولكن اراد سبحانه اختبار المومنين وان يبلو بعض الناس ببعض وقرأ الجمهور قاتلوا وقرأ عاصم بخلاف عنه قتلوا بفتح القاف والتاء وقرأ ابو عمرو وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء قال قتادة نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم احد من المومنين وقوله سبحانه سيهديهم أي الى طريق الجنة ت ذكر الشيخ ابو نعيم الحافظ ان ميسرة الخادم قال غزونا في بعض الغزوات فاذا فتى الى جانبي واذا هو مقنع بالحديد فحمل على الميمنة فثناها ثم على الميسرة حتى ثناها وحمل على القلب حتى ثناه ثم أنشأ يقول ... احسن بمولاك سعيد ظنا ... هذا الذي كنت له تمنى ... تنح يا حور الجنان عنا ... مالك قاتلنا ولا قتلنا ... لكن الى سيدكن اشتقنا ... قد علم السر وما اعلنا ...
قال فحمل فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع الى مصافه فتكالب عليه العدو فاذا هو رضي الله تعالى عنه قد حمل على الناس وانشأ يقول ... قد كنت ارجو ورجاءي لم يخب ... ان لا يضيع اليوم كدى والطلب ... يا من ملا تلك القصور باللعب ... لولاك ما طابت ولا طاب الطرب ...
ثم حمل رضي الله عنه فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع الى مصافة فتكالب عليه العدو فحمل رضي الله عنه في المرة الثالثة وأنشأ يقول ... يا لعبة الخلد قفي ثم اسمعي ... مالك قاتلنا فكفي وارجعي ... ثم ارجعي الى الجنان واسرعي ... لا تطمعي لا تطمعي لا تطمعي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10