كتاب : الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المؤلف : عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي

وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر فهذا حق القراءة وهو حق الاذكار والتسبيحات أيضا ثم يراعى الهيئة في القراءة فيرتل ولا يسرد فان ذلك ايسر للتأمل ويفرق بين نغمانه في ءايات الرحمة وءايات العذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم انتهى من الاحياء وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن ابي حبيب ان ابا الخير حدثه قال سألنا عقبة بن عامر الجهني عن قوله عز و جل الذين هم على صلاتهم دائمون اهم الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه الذي إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه انتهى
وقوله سبحانه والذين في اموالهم حق معلوم قال ابن عباس وغيره هذه الآية في الحقوق التي في المال سوى الزكاة وهي ما ندبت اليه الشريعة من المواساة وهذا هو الاصح في هذه الآية لان السورة مكية وفرض الزكاة وبيانها انما كان بالمدينة وباقي الآية تقدم تفسير نظيره
وقوله سبحانه والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون جمع الامانة من حيث انها متنوعة في الاموال والاسرار وفيما بين العبد وربه فيما امره به ونهاه عنه والعهد كل ما تقلده الانسان من قول او فعل او مودة اذا كانت هذه الاشياء على منهاج الشريعة فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه
وقوله سبحانه والذين هم بشهادتهم قائمون معناه في قول جماعة من المفسرين انهم يحفظون ما يشهدون فيه ويتقنونه ويقومون بمعانيه حتى لا يكون لهم فيه تقصير وهذا هو وصف من يمتثل قول النبي ص - على مثل الشمس فاشهد وقال ءاخرون معناه الذين اذا كانت عندهم شهادة ورأوا حقا بدرس او حرمة لله تنتهك قاموا لله بشهادتهم
وقوله تعالى فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الآية نزلت بسبب ان النبي ص - كان يصلى عند الكعبة احيانا ويقرأ القرءان فكان كثير من الكفار يقومون من

مجالسهم مسرعين اليه يستمعون قراءته ويقول بعضهم لبعض شاعر وكاهن ومفتر وغير ذلك وقبلك معناه فيما يليك والمهطع الذي يمشى مسرعا الى شيء قد اقبل ببصره عليه وعزين جمع عزة والعزة الجمع اليسير كأنهم كانوا ثلاثة ثلاثة واربعة اربعة وفي حديث ابي هريرة قال خرج النبي ص - على اصحابه وهم حلق متفرقون فقال ما لي اراكم عزين
وقوله تعالى أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم نزلت لان بعض الكفار قال ان كانت ثم آخرة وجنة فنحن اهلها لان الله تعالى لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك الا لرضاه عنا
وقوله تعالى كلا رد لقولهم وطمعهم اي ليس الامر كذلك ثم اخبر تعالى عن خلقهم من نطفة قذرة واحال في العبارة على علم الناس أي فمن خلق من ذلك فليس بنفس خلقه يعطي الجنة بل بالايمان والاعمال الصالحة وروى ابن المبارك في رقائقه قال اخبرنا مالك بن مغول قال سمعت ابا ربيعة يحدث عن الحسن قال قال رسول الله ص - كلكم يحب ان يدخل الجنة قالوا نعم جعلنا الله فداءك قال فاقصروا من الامل وثبتوا آجالكم بين ابصاركم واستحيوا من الله حق الحياء قالوا يا رسول الله كلنا نستحي من الله قال ليس كذلك الحياء ولكن الحياء من الله ان لا تنسوا المقابر والبلى ولا تنسوا الجوف وما وعى ولا تنسوا الرأس وما حوى ومن يشتهى كرامة الآخرة يدع زينة الدنيا هنالك استحيى العبد من الله هنالك اصاب ولاية الله انتهى وقد روينا اكثر هذا الحديث من طريق ابي عيسى الترمذي وباقي الآية تقدم تفسير نظيره والاجداث القبور والنصب ما نصب للانسان فهو يقصده مسرعا اليه من علم او بناء وقال ابو العالية الى نصب يوفضون معناه الى غايات يستبقون ويوفضون معناه يسرعون وخاشعة اي ذليلة منكسرة

تفسير

سورة نوح
عليه السلام وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه انا ارسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل ان يأتيهم عذاب اليم هذا العذاب الذي توعدوا به الاظهر انه عذاب الدنيا ويحتمل ان يكون عذاب الآخرة
وقوله من ذنوبكم قال قوم من زائدة وهذا نحو كوفي واما الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهم زيادة من في الموجب وقال قوم هي للتبعيض قال ع وهذا القول عندي ابين الاقوال هنا وذلك انه لو قال يغفر لكم ذنوبكم لعم هذا اللفظ ما تقدم من الذنوب وما تأخر عن ايمانهم والاسلام انما يجب ما قبله
وقوله سبحانه ويؤخركم الى اجل مسمى كان نوحا عليه السلام قال لهم ءامنوا يبين لنا انكم ممن قضي له بالايمان والتأخير وان بقيتم على كفركم فسيبين انكم ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة ثم تبين هذا المعنى ولاح بقوله تعالى ان اجل الله اذا اذا جاء لا يؤخر وجواب لو مقدر يقتضيه المعنى كأنه قال فما كان احزمكم او اسرعكم الى التوبة لو كنتم تعلمون
وقوله تعالى قال رب اني دعوت قومى ليلا ونهارا الآية هذه المقالة قالها نوح عليه السلام بعد طول عمره ويأسه من قومه
واستغشوا ثيابهم معناه جعلوها اغشية على رءوسهم
وقوله يرسل السماء الآية روي ان قوم نوح كانوا قد اصابتهم قحوط وازمة فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ومدرارا من الدر وروى ابن عباس عن النبي ص - انه قال من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق

مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب رواه ابو داود واللفظ له والنساءي وابن ماجه ولفظ النساءي من اكثر من الاستغفار انتهى من السلاح
وقوله ما لكم لا ترجون لله وقارا قال أبو عبيدة وغيره ترجون معناه تخافون قالوا والوقار بمعنى العظمة فكان الكلام على هذا التأويل وعيد وتخويف وقال بعض العلماء ترجون على بابها وكأنه قال ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله ووقارا يكون على هذا التأويل منهم كانه يقول تؤدة منكم وتمكنا في النظر
وقوله وقد خلقكم اطوارا قال ابن عباس وغيره هي اشارة الى التدريج الذي للانسان في بطن امه وقال جماعة هي اشارة الى العبرة في اختلاف خلق الوان الناس وخلقهم ومللهم والاطور الاحوال المختلفة
وقوله سبحانه وجعل القمر فيهن نورا الآية قال عبد الله بن عمرو بن العاصى وابن عباس ان الشمس والقمر اقفاؤهما الى الأرض واقبال نورهما وارتفاعه في السماء وهذا الذي يقتضيه لفظ السراج
وانبتكم من الأرض استعارة من حيث خلق ءادم عليه السلام من الأرض
ونباتا مصدر جاء على غير الصدر التقدير فنبتم نباتا والاعادة فيها بالدفن والأخراج هو بالبعث وظاهر الآية ان الأرض بسيطة غير كرية واعتقاد احد الامرين غير قادح في الشرع بنفسه اللهم الا ان يترتب على القول بالكرية نظر فاسد واما اعتقاد كونها بسيطة فهو ظاهر كتاب الله تعالى وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتة واستدل ابن مجاهد على صحة ذلك بماء البحر المحيط بالمعمور فقال لو كانت الأرض كرية لما استقر الماء عليها والسبل الطرق والفجاج الواسعة وقول نوح واتبعوا من لم يزده ماله الآية المعنى اتبعوا اشرافهم وغواتهم وخسارا معناه خسرانا وكبارا بناء مبالغة نحو حسان وقرئى شاذا كبارا بكسر الكاف قال ابن الانباري جمع كبير
وودا وما عطف عليه اسماء اصنام وروى البخاري وغيره عن ابن عباس انها كانت اسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا

اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى اذا هلك اولائك وتنسخ العلم عبدت قال ابن عباس ثم صارت هذه الاوثان التي في قوم نوح في العرب بعد انتهى
وقوله وقد اضلوا كثيرا هو اخبار نوح عن الاشراف ثم دعا الله عليهم ان لا يزيدهم الا ضلالا وقال الحسن اراد بقوله وقد اضلوا الاصنام المذكورة
وقوله تعالى مما خطيئاتهم اغرقوا ابتداء اخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام وما في قوله مما زائدة فكانه قال من خطيئاتهم وهي لابتداء الغاية ص مما خطيئاتهم من للسبب ع لابتداء الغاية وما زائدة للتوكيد انتهى فادخلوا نارا يعنى جهنم وقول نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا قال قتادة وغيره لم يدع نوح بهذه الدعوة الا من بعد ان اوحي اليه انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن وديارا اصله ديوار من الدوران اي من يجيء ويذهب
وقوله رب اغفر لي ولوالدي قال ابن عباس لم يكفر لنوح اب ما بينه وبين ءادم عليه السلام وقرأ أبي بن كعب ولابوي وبيته المسجد فيما قاله ابن عباس وجمهور المفسرين وقال ابن عباس ايضا بيته شريعته ودينه استعار لها بيتاكما يقال قبة الاسلام وفسطاط الدين وقيل اراد سفينته
وقوله وللمؤمنين والمؤمنات تعميم بالدعاء لمؤمني كل امة وقال بعض العلماء ان الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته اهل الارض الكفار لجدير ان يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين والتبار الهلاك

تفسير

سورة الجن
وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن هؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا النبي ص - يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف وقول الجن انا سمعنا الآيات هو خطاب منهم لقومهم
وقرءانا عجبا معناه ذا عجب لان العجب مصدر يقع من سامع القرءان لبراعته وفصاحته ومضمناته
وقوله وإنه تعالى جد ربنا قال الجمهور معناه عظمة ربنا وروي عن انس انه قال كان الرجل اذا قرأ البقرة وءال عمران جد في اعيننا اي عظم وعن الحسن جد ربنا غناه وقال مجاهد ذكره وقال بعضهم جلاله ومن فتح الالف من قوله وانه تعالى اختلفوا في تأويل ذلك فقال بعضهم هو عطف على أنه استمع فيجيء على هذا قوله تعالى وانه تعالى مما امر ان يقول النبي انه اوحي اليه وليس هو من كلام الجن وفي هذا قلق وقال بعضهم بل هو عطف على الضمير في به كأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى وهذا القول ابين في المعنى لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون اعادة الخافض وذلك لا يحسن ت بل هو حسن اذ قد اتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا وقرأ عكرمة تعالى جد ربنا بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كانه يقول تعالى عظيم هو ربنا فربنا بدل والجد العظيم في اللغة وقرأ ابو الدرداء تعالى ذكر ربنا وروي عنه تعالى جلال ربنا
وقوله تعالى وانه كان يقول سفيهنا لا خلاف ان هذا من قول الجن والسفيه المذكور قال جمهور

من المفسرين هو ابليس لعنه الله وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم ولا محالة ان ابليس صدر في السفاهة وهذا القول احسن والشطط التعدى وتجاوز الحد بقول او فعل ص شططا ابو البقاء نعت لمصدر محذوف اي قولا شططا انتهى ثم قال اولائك النفر وانا ظننا قبل ايماننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا في جهة الالوهية وما يتعلق بذلك
وقوله تعالى وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الآية من القراء من كسر الهمزة من انه ومنهم من فتحها والكسر اوجه والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في اسفارها من ان الرجل اذا اراد المبيت بواد صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادى اني اعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ويعتقد بذلك ان الجني يحميه ويمنعه قال قتادة فكانت الجن تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم ويغوونهم في ارادتهم فهذا هو الرهق الذي زادته الجن بني ءادم وقال مجاهد وغيره بنو ءادم هم الذين زادوا الجن رهقا وهي الجراءة والطغيان وقد فسر قوم الرهق بالإثم
وقوله وانهم ظنوا يريد به بني اءدم
وقوله كما ظننتم مخاطبة لقومهم من الجن وقولهم ان لن يبعث الله احدا يحتمل معنيين احدهما بعث الحشر من القبور والآخر بعث ءادمي رسولا وذكر المهدوي تأويلا ثالثا ان المعنى وان الجن ظنوا كما ظننتم ايها الانس فهي مخاطبة من الله تعالى قال الثعلبي وقيل ان قوله وانه كان رجال من الانس الآية ابتداء اخبار من الله تعالى ليس هو من كلام الجن انتهى فهو وفاق لما ذكره المهدوي وقولهم وانا لمسنا السماء قال جمهور المتأولين معناه التمسنا والشهب كواكب الرجم والحرس يحتمل ان يريد الرمي بالشهب وكرر المعنى بلفظ مختلف ويحتمل ان يريد الملائكة ومقاعد جمع مقعد وقد تقدم بيان ذلك في سورة الحجر وقولهم فمن يستمع الآن الآية قطع على ان كل من استمع الآن احرقه شهاب

فليس هنا بعد سمع انما الاحراق عند الاستماع وهذا يقتضي ان الرجم كان في الجاهلية ولكنه بمستأصل فلما جاء الاسلام اشتد الامر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة ورصدا نعت لشهاب ووصفه بالمصدر وقولهم وانا لا ندرى اشر أريد بمن في الارض الآية معناه لا ندري أيؤمن الناس بهذا النبي فيرشدوا ام يكفرون به فينزل بهم الشر وعبارة الثعلبي وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض حين حرست السماء ومنعنا السمع ام اراد بهم ربهم رشدا انتهى
وقولهم وانا منا الصالحون الى آخر قولهم ومنا القاسطون هو من قول الجن وقولهم ومنا دون ذلك اي غير صالحين ص دون ذلك قيل بمعنى غير ذلك وقيل دون ذلك في الصلاح فدون في موضع الصفة لمحذوف أي ومنا قوم دون ذلك انتهى والطرائق السير المختلفة والقدد كذلك هي الأشياء المختلفة كأنه قدقد بعضها من بعض وفصل قال ابن عباس وغيره طرائق قددا أهواء مختلفة وقولهم وإنا ظننا أي تيقنا فالظن هنا بمعنى العلم ان لن نعجز الله في الارض الآية وهذا اخبار منهم عن حالهم بعد ايمانهم بما سمعوا من نبينا محمد ص - والهدى يريدون به القرءان والبخس النقص والرهق تحميل ما لا يطاق وما يثقل قال ابن عباس البخس نقص الحسنات والرهق الزيادة في السيئات
وقوله تعالى فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا الوجه فيه ان يكون مخاطبة من الله تعالى لنبيه محمد عليه السلام ويؤيده ما بعده من الآيات وتحروا معناه طلبوا باجتهادهم
وقوله سبحانه وان لو استقاموا على الطريقة الآية قال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جبير الضمير في قوله استقاموا عائد على القاسطين والمعنى لو استقاموا على طريقة الاسلام والحق لأنعمنا عليهم وهذا المعنى نحو قوله تعالى ولو ان اهل الكتاب آمنوا واتقوا الآية الى قوله لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم والقاسط الظالم والماء الغدق هو الماء الكثير

ولنفتنهم معناه لنختبرهم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث يكون الماء فثم المال وحيث المال فثم الفتنة ونزع بهذه الآية وقال الحسن وجماعة من التابعين كانت الصحابة رضي الله عنهم سامعين مطيعين فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر على الناس ثارت الفتن ونسلكه ندخله وصعدا معناه شاقا وقال ابن عباس وابو سعيد الخدري صعدا جبل في النار وان المساجد لله قيل اراد البيوت التي للعبادة والصلاة في كل ملة وقال الحسن اراد بها كل موضع يسجد فيه اذ الأرض كلها جعلت مسجدا لهذه الامة وروي ان هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة حينئذ فقيل للنبي ص - المواضع كلها لله فاعبده حيث كنت قال ع والمساجد المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصلح ان تفرد للعبادة وكل ما هو خالص لله تعالى وان لا يتحدث بها في امور الدنيا ولا يجعل فيها لغير الله نصيب
وقوله تعالى وانه لما قام عبد الله يحتمل ان يكون خطابا من الله تعالى ويحتمل ان يكون اخبارا عن الجن وعبد الله هو محمد ص - والضمير في كادوا يحتمل ان يكون لكفار قريش وغيرهم في اجتماعهم على رد امره ص - وقيل الضمير للجن والمعنى انهم كادوا يتقصفون عليه لاستماع القرءان وقال ابن جبير معنى الآية انها قول الجن لقومهم يحكون لهم والعبد محمد عليه السلام والضمير في كادوا لأصحابه الذين يطيعون له ويقتدون به في الصلاة فهم عليه لبد واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد وقال البخاري قال ابن عباس لبدا اعوانا انتهى ويدعوه معناه يعبد وقيل عبد الله في الآية المراد به نوح وقرأ جمهور السبعة قال انما ادعوا ربي وقرأ حمزة وعاصم وابو عمرو بخلاف عنه قل ثم امر الله تعالى محمدا عليه السلام بالتبري من القدرة وانه لا يملك لاحد ضرا ولا نفعا والملتحد الملجأ الذي يمال إليه ومنه الالحاد وهو الميل
وقوله الا بلاغا قال قتادة التقدير لا املك

الا بلاغا اليكم فاما الايمان او الكفر فلا املكه وقال الحسن ما معناه انه استثناء منقطع والمعنى لن يجيرني من الله احد الا بلاغا فإنى ان بلغت رحمنى بذلك اي بسبب ذلك
وقوله تعالى ومن يعص الله يريد بالكفر بدليل تأبيد الخلود
وقوله تعالى قل ان ادرى أقريب ما توعدون يعنى عذابهم الذي وعدوا به الامد المدة والغاية
وقوله تعالى الا من ارتضى من رسول معناه فانه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة رصدا لأبليس وحزبه من الجن والانس
وقوله تعالى ليعلم ان قد ابلغوا الآية قال ابن جبير ليعلم محمد ان الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يدي جبريل وخلفه قد ابلغوا رسالات ربهم وقال مجاهد معناه ليعلم من كذب او اشرك ان الرسل قد بلغت وقيل المعنى ليعلم الله تعالى رسله مبلغة خارجة الى الوجود لان علمه بكل شيء قد تقدم والضمير في احاطوا وأحصى لله سبحانه لا غير
تفسير

سورة المزمل
وهي مكية في قول الجمهور
الا قوله ان ربك يعلم الى آخر السورة فمدني وقال جماعة هي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يا ايها المزمل نداء للنبي ص - قال السهيلي المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها عليه السلام حين الخطاب وكذلك المدثر وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان احداهما الملاطفة فان العرب اذا قصدت

ملاطفة المخاطب وترك معاتبته سموه باسم مشتق من حالته كقوله عليه السلام لعلي حين غاضب فاطمة قم ابا تراب اشعارا له انه غير عاتب عليه وملاطفة له والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه الى قيام الليل وذكر الله فيه لان الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى والتزمل الالتفاف في الثياب قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره ان النبي ص - لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره به رجع رسول الله ص - الى خديجة فقال زملونى زملونى فنزلت يا ايها المدثر وعلى هذا نزلت يا ايها المزمل
وقوله تعالى قم الليل الا قليلا قال جمهور العلماء هو امر ندب وقيل كان فرضا وقت نزول الآية وقال بعضهم كان فرضا على النبي ص - خاصة وبقي كذلك حتى توفي وقيل غير هذا
وقوله تعالى نصفه يحتمل ان يكون بدلا من قوله قليلا ص الا قليلا استثناء من الليل ونصفه قيل بدل من الليل وعلى هذا يكون استثناء الا قليلا منه اي قم نصف الليل الا قليلا منه والضمير في قوله او انقص منه او زد عليه عائد على النصف وقيل نصفه بدل من قوله الا قليلا قال ابو البقاء وهو اشبه بظاهر الآية انتهى قال ع وكيف ما تقلب المعنى فإنه امر بقيام نصف الليل او اكثر شيئا او اقل شيئا فالأكثر عند العلماء لا يريد على الثلثين والاقل لا ينحط عن الثلث ويقوى هذا حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة قال فلما انتصف الليل او قبله بقليل او بعده بقليل قام رسول الله ص - قال ع ويلزم على هذا البدل الذي ذكرناه ان يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل وقد يحتمل عندى قوله الا قليلا ان يكون استثناء من القيام فنجعل الليل اسم جنس ثم قال الا قليلا اي الا الليالي التي تخل بقيامها لعذر وهذا النظر يحسن مع القول بالندب جدا

قال ص وهذا النظر خلاف ظاهر الآية انتهى والضمير في منه وعليه عائدان على النصف
وقوله سبحانه ورتل معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين والمقصد ان يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة قال ابن كيسان المراد تفهمه تاليا له وروي في صحيح الحديث ان قراءة رسول الله ص - كانت بينة مترسلة لو شاء احد ان يعد الحروف لعدها قال الغزالي في الاحياء واعلم ان الترتيل والتؤدة اقرب الى التوفير والاحترام واشد تأثيرا في القلب من الهدرمة والاستعجال والمقصود من القراءة التفكير والترتيل معين عليه وللناس عادات مختلفة في الختم واولى ما يرجع اليه في التقديرات قول النبي ص - وقد قال عليه السلام من قرأ القرءان في اقل من ثلاث لم يفقهه وذلك لان الزيادة عليها تمنع الترتيل المطلوب وقد كره جماعة الختم في يوم وليلة والتفصيل في مقدار القراءة انه ان كان التالي من العباد السالكين طريق العمل فلا ينبغي له ان ينقص من ختمتين في الاسبوع وان كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر او من المشغولين بنشر العلم فلا بأس ان يقتصر في الاسبوع على ختمة وان كان نافذ الفكر في معاني القراءن فقد يكتفي في الشهر بمرة لحاجته الى كثرة الترديد والتأمل انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه قال حدثنا اسماعيل عن ابي المتوكل الناجى ان النبي ص - قام ذات ليلة بآية من القرآن يكررها على نفسه انتهى
وقوله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا يعنى القرآن واختلف لم سماه ثقيلا فقال جماعة من المفسرين لما كان يحل برسول الله ص - من ثقل الجسم حتى انه كان اذا اوحي اليه وهو على ناقته بركت به وحتى كادت فخذه ان ترض فخذ زيد ابن ثابت رضي الله عنه وقيل لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعده

ووعيده ونحو ذلك وقال حذاق العلماء معناه ثقيل المعانى من الامر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الاعمال الصالحات دائما قال الحسن ان الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل ت والصواب عندي ان يقال اما ثقله باعتبار النبي ص - فهو ما كان يجده عليه السلام من الثقل المحسوس وأما ثقله باعتبار سائر الأمة فهو ما ذكر من ثقل المعاني وقد زجر مالك سائلا سأله عن مسئلة وقال يا ابا عبد الله انها مسئلة خفيفة فغضب مالك وقال ليس في العلم خفيف اما سمعت قول الله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا فالعلم كله ثقيل انتهى من المدارك لعياض
وقوله سبحانه ان ناشئة الليل قال ابن جبير وغيره هي لفظة حبشية نشأ الرجل اذا قام من الليل فناشئة على هذا جمع ناشئ اي قائم واشد وطأ معناه ثبوتا واستقلالا بالقيام وقرأ ابو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير وغيرهم وطاء بكسر الواو ممدودا على وزن فعال على معنى المواطأة والموافقة وهو ان يواطئ قلبه لسانه والمواطأة هي الموافقة فهذه مواطأة صحيحة لخلو البال من اشغال النهار وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره قال الثعلبي واختار هذه القراءة ابو عبيد وقال جماعة ناشئة الليل ساعاته كلها لانها تنشأ شيأ بعد شيء وقيل في تفسير ناشئة الليل غير هذا وقرأ انس بن مالك واصوب قيلا فقيل له انما هو اقوم فقال اقوم واصوب واحد
وقوله تعالى ان لك في النهار سبحا طويلا اي تصرفا وترددا في امورك ومنه السباحة في الماء وتبتل معناه انقطع اليه انقطاعا هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي انتهى واما ع فقال معناه انقطع من كل شيء الا منه وافزع اليه قال زيد بن اسلم التبتل رفض الدنيا ومنه بتل الحبل وتبتيلا مصدر على غير الصدر قال ابو حيان وحسنه كونه فاصلة انتهى قال ابن العربي في احكامه فالتبتل المأمور به في الآية الانقطاع الى الله تعالى باخلاص العبادة وهو اختيار

البخاري والتبتل المنهي عنه في الحديث هو سلوك مسلك النصاري في ترك النكاح والترهب في الصوامع انتهى والوكيل القائم بالامر الذي توكل اليه الاشياء
وقوله واهجرهم هجرا جميلا منسوخ بأية السيف
وقوله سبحانه وذرنى والمكذبين اولى النعمة الآية وعيد بين والمعنى لا تشغل بهم فكرك وكلهم الي والنعمة غضارة العيش وكثرة المال والمشار اليهم كفار قريش اصحاب القليب ببدر ولدينا بمنزلة عندنا والانكال جمع نكال وهو القيد من الحديد ويروى انها قيود سود من النار والطعام ذو الغصة شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره وقال ابن عباس شوك من نار يعترض في حلوقهم وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة وروي ان النبي ص - قرأ هذه الآية فصعق والرجفان والاهتزاز والاضطراب من فزع وهول والمهيل اللين الرخو الذي يذهب بالريح وقال البخاري كثيبا مهيلا رملا سائلا انتهى
وقوله تعالى انا ارسلنا اليكم الآية خطاب للعالم لكن المواجهون قريش وشاهدا عليكم نحو قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والوبيل الشديد الردى
وقوله تعالى فكيف تتقون معناه كيف تجعلون وقاية لأنفسكم ويوما مفعول بتتقون وقيل هو مفعول بكفرتم ويكون كفرتم بمعنى جحدتم فتتقون على هذا من التقوى اي تتقون عذاب الله ويجوز ان يكون يوما ظرفا والمعنى تتقون عقاب الله يوما وعبارة الثعلبي فكيف تتقون ان كفرتم اي كيف تتحصنون من عذاب يوم يشيب فيه الطفل لهوله ان كفرتم ثم ذكر نحو ما تقدم انتهى وحكى ص عن بعض الناس جواز ان يكون يوما ظرفا اي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة ان كفرتم في الدنيا ت وهذا هو مراد ع قال ابو حيان وشيبا مفعول ثان ليجعل وهو جمع اشيب انتهى
وقوله تعالى السماء منفطر به اي ذات انفطار والانفطار التصدع والانشقاق والضمير في به قال منذر وغيره عائد على اليوم

وكذا قال ص ان ضمير به يعود على اليوم والباء سببية او ظرفية انتهى وفي صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمرو وذكر ص - بعث النار من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة قال فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق الحديث انتهى وقيل عائد على الله اي منفطر بأمره وقدراته والضمير في قوله وعده الظاهر انه يعود على الله تعالى
وقوله تعالى ان هذه تذكرة الآية الاشارة بهذه تحتمل الى ما ذكر من الانكال والجحيم والاخد الوبيل وتحتمل ان تكون الى السورة بجملتها وتحتمل ان تكون الى ءايات القرآن بجملتها
وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ليس معناه اباحة الامر وضده بل الكلام يتضمن الوعد والوعيد والسبيل هنا سبيل الخير والطاعة
وقوله سبحانه ان ربك يعلم انك تقوم الآية المعنى ان الله تعالى يعلم انك تقوم أنت وغيرك من امتك قياما مختلفا مرة يكثر ومرة يقل ومرة ادنى من الثلثين ومرة ادنى من النصف ومرة ادنى من الثلث وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمان مع عذر النوم وتقدير الزمان حقيقة انما هو لله تعالى واما البشر فلا يحصى ذلك فتاب الله عليهم اي رجع بهم من الثقل الى الخفة وامرهم بقراءة ما تيسر ونحو هذا تعطى عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا تحصوه تحفظوه وهذا التأويل هو على قراءة الخفض عطفا على الثلثين وهي قراءة ابي عمرو ونافع وابن عامر واما من قرأ ونصفه وثلثه بالنصب عطفا على ادنى وهي قراءة باقي السبعة فالمعنى عندهم ان الله تعالى قد علم انهم يقدرون الزمان على نحو ما امر به تعالى في قوله نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه فلم يبق الا قوله ان لن تحصوه فمعناه لن يطيقوا قيامه لكثرته وشدته فخفف الله عنهم فضلا منه لا لعلة جهلهم بالتقدير واحصاء الاوقات ونحو هذا تعطى عبارة الحسن وابن جبير فانهما قالا تحصوه تطيقوه

وعبارة الثعلبي ومن قرأ بالنصب فالمعنى وتقوم نصفه وثلثه قال الفراء وهو الاشبه بالصواب لانه قال اقل من الثلثين ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير اقل من القلة انتهى ولو عبر الفراء بالأرجح لكان احسن ادبا وعن عبادة بن الصامت عن النبي ص - انه قال من تعار من الليل فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله ثم قال اللهم اغفر لي او دعا استجبيب له فان توضأ ثم صلى قبلت صلاته رواه الجماعة الا مسلما وتعار بتشديد الراء معناه استيقظ انتهى من السلاح
وقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن قال الثعلبي اي ما خف وسهل بغير مقدار من القراءة والمدة وقيل المعنى فصلوا ما تيسر فعبر بالقراءة عنها ت وهذا هو الاصح عند ابن العربي انتهى قال ع قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن هو امر ندب في قول الجمهور وقال جماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين ءاية وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ولو قدر حلب شاة الا ان الحسن قال من قرأ مائة ءاية لم يحاجه القرءان واستحسن هذا جماعة من العلماء قال بعضهم والركعتان بعد العشاء مع الوتر داخلتان في امتثال هذا الامر ومن زاد زاده الله ثوابا ت ينبغي للعاقل المبادرة الى تحصيل الخيرات قبل هجوم صولة الممات قال الباجي في سنن الصالحين له قالت بنت الربيع بن خثيم لابيها يا ابت ما لي ارى الناس ينامون وانت لا تنام قال ان اباك يخاف البيات قال الباجي رحمه الله تعالى ولي في هذا المعنى ... قد افلح القانت في جنح الدجى ... يتلوا الكتاب العربي النيرا ... فقائما وراكعا وساجدا ... مبتهلا مستعبرا مستغفرا ... له حنين وشهيق وبكا ... يبل من ادمعه ترب الثرى

انا لسفر نبتغي نيل الهدى ... ففي السرى بغيتنا لا في الكرا ... من ينصب الليل ينل راحته ... عند الصباح يحمد القوم السرى ...
انتهى والضرب في الارض هو السفر للتجارة ابتغاء فضل الله سبحانه فذكر الله سبحانه اعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل ثم كرر سبحانه الامر بقراءة ما تيسر منه تاكيدا والصلاة والزكاة هنا هما المفروضتان فمن قال ان القيام من الليل غير واجب قال معنى الآية خذوا من هذا النفل بما تيسر وحافظوا على فرائضكم ومن قال ان شيأ من القيام واجب قال قد قرنه الله بالفرائض لانه فرض واقراض الله تعالى هو اسلاف العمل الصالح عنده وقرأ جمهور الناس هو خيرا على ان يكون هو فصلا قال بعض العلماء الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية ومن قوله تعالى كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون قال ع وعهدت ابي رحمه الله يستغفر الله اثر كل مكتوبة ثلاثا بعقب السلام ويأثر في ذلك حديثا فكان هذا الاستغفار من التقصير وتقلب الفكر اثناء الصلاة وكان السلف الصالح يصلون الى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار ت وما ذكره ع رحمه الله عن ابيه رواه مسلم وابو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه عن ثوبان قال كان رسول الله ص - اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام قال الوليد فقلت للاوزاعي كيف الاستغفار قال تقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله وفي رواية لمسلم من حديث عائشة يا ذا الجلال والاكرام انتهى من سلاح المؤمن

تفسير

سورة المدثر
وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل يا ايها المدثر قم فانذر الآية اختلف في اول ما نزل من القرءان فقال الجمهور هو اقرأ باسم ربك وهذا هو الاصح وقال جابر وجماعة هو يا ايها المدثر ص والتدثر لبس الدثار وهو الثوب الذي فوق الشعار والشعار الثوب الذي يلى الجسد ومنه قوله عليه السلام الانصار شعار والناس دثار انتهى
وقوله تعالى قم فانذر بعثة عامة الى جميع الخلق
وربك فكبر اي فعظم وثيابك فطهر قال ابن زيد وجماعة هو امر بتطهير الثياب حقيقة وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية الى وجوب غسل النجاسات من الثياب وقال الجمهور هذه الالفاظ استعارة في تنقية الافعال والنفس والعرض وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب ويقال للفاجر دنس الثوب قال ابن العربي في احكامه والذي يقول انها الثياب المجازية اكثر كثيرا ما تستعمله العرب قال ابو كبشة ... ثياب بنى عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران ...
يعنى بطهارو ثيابهم سلامتهم من الدناءات وقال غيلان بن سلمة التقفي ... فاني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة اتقنع ...
وليس يمتنع ان تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز على ما بيناه في اصول الفقه واذا حملناها على الثياب المعلومة فهي تتناول معنيين احدهما تقصير الاذيال فإنها اذا ارسلت تدنست وتقصير الذيل انقى لثوبه واتقى لربه والمعنى الثانى غسلها من النجاسة فهو ظاهر منها صحيح فيها انتهى قال الشيخ ابو

الحسن الشاذلي رضي الله عنه رأيت النبي ص - في المنام فقال يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس فقلت وما ثيابي يا رسول الله فقال ان الله كساك حلة المعرفة ثم حلة المحبة ثم حلة التوحيد ثم حلة الايمان ثم حلة الاسلام فمن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن احب الله هان عليه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيأ ومن آمن بالله وامن من كل شيء ومن اسلم لله قل ما يعصيه وان عصاه اعتذر اليه واذا اعتذر اليه قبل عذره قال ففهمت حينئذ معنى قوله عز و جل وثيابك فطهر انتهى من التنوير لا بن عطاء الله
والرجز يعنى الاصنام والأوثان وقال ابن عباس الرجز السخط يعنى اهجر ما يؤدي اليه ويوجبه واختلف في معنى قوله تعالى ولا تمنن تستكثر فقال ابن عباس وجماعة معناه لا تعط عطاء لتعطى اكثر منه فكأنه من قولهم من اذا اعطى قال الضحاك وهذا خاص بالنبي ص - ومباح لامته لكن لا اجر لهم فيه وقال الحسن بن ابي الحسن معناه ولا تمنن على الله بجدك تستكثر اعمالك ويقع لك بها اعجاب قال ع وهذا من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها وقال مجاهد معناه ولا تضعف تستكثر ما حملناك من اعباء الرسالة وتستكثر من الخير وهذا من قولهم حبل منين اي ضعيف
ولربك فاصبر اي لوجه ربك وطلب رضاه فاصبر على اذى الكفار وعلى العبادة وعن الشهوات وعلى تكاليف النبوة قال ابن زيد وعلى حرب الاحمر والاسود ولقد حمل امرا عظيما ص - والناقور الذي ينفخ فيه وهو الصور قاله ابن عباس وعكرمة وهو فاعول من النقر قال ابو حباب القصاب أمنا زرارة بن اوفى فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خر ميتا قال الفجر قوله تعالى فذلك يومئذ يوم عسير اي على الكافرين لانهم يناقشون غير يسير اي بل كثير شديد فاما المؤمنون فانه عليهم يسير لانهم لا يناقشون قال ابن عباس ولما قال تعالى على الكافرين غير

يسير دل على انه يسير على المؤمنين وهذا هو دليل الخطاب ويحتمل ان يكون انما وصفه تعالى بالعسر لانه في نفسه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين الا انه يكون هول الكفار فيه اكثر واشد وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله يوم عسير انتهى
وقوله تعالى ذرنى ومن خلقت وحيدا الآية لا خلاف بين المفسرين ان هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي فروي انه كان يلقب الوحيد اي لانه لا نظيرا له في ماله وشرفه في بيته فذكر الوحيد في جملة النعم التي اعطي وان لم يثبت هذا فقوله تعالى خلقت وحيدا معناه منفردا قليلا ذليلا والمال الممدود قال مجاهد وابن جبير هو الف دينار وقال سفيان بلغني انه اربعة ءالالف وقاله قتادة وقيل عشرة ءالالف دينار قال ع وهذا مد في العدد وقال عمر بن الخطاب المال الممدود الزيع المستغل مشاهرة
وبنين شهودا اي حضورا قيل عشرة وقيل ثلاثة عشر قال الثعلبي اسلم منهم ثلاثة خالد بن الوليد وهشام وعمارة قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك انتهى
ومهدت له تمهيدا قال سفيان المعنى بسطت له العيش بسطا
وقوله تعالى كلا ردع وزجر له على امنيته وأرهقه معناه اكلفه بمشقة وعسر وصعود عقبة في نار جهنم روى ذلك ابو سعيد الخدري عن النبي ص - كلما وضع عليها شيء من الانسان ذاب ثم يعود والصعود في اللغة العقبة الشاقة
وقوله تعالى مخبرا عن الوليد انه فكر وقدر الاية روى جمهور من المفسرين ان الوليد سمع من القرءان ما اعجبه ومدحه ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد ان يقارب الاسلام وقال والله لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه يعلو وما يعلى فقالت قريش صبأ الوليد والله لتصبأن قريش فقال ابو جهل انا اكفيكموه فحاجه

ابو جهل وجماعة حتى غضب الوليد وقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط قالوا لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا لا قال تزعمون أنه كاهن فعل رأيتموه يتكهن قط قالوا لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قط قالوا لا وكانوا يسمونه قبل النبوة الامين لصدقه فقالت قريش ما عندك فيه فتفكر في نفسه فقال ما ارى فيه شيأ مما ذكرتموه فقالوا هو ساحر فقال اما هذا فيشبه والفاظ الرواة هنا متقاربة المعانى من رواية الزهري وغيره
وقوله تعالى فقتل كيف قدر قال الثعلبي وغيره قتل معناه لكن انتهى
وبسر اي قطب ما بين عينيه واربد وجهه ثم ادبر عن الهدى بعد ان أقبل إليه وقال أن هذا الاسحر يؤثر أي يروى أي يرويه محمد عن غيره
وسقر هي الدرك السادس من النار لا تبقى على من القي فيها ولا تذر غاية من العذاب الا وصلته اليه
وقوله تعالى لواحة للبشر قال ابن عباس وجمهور الناس معناه مغيرة للبشرات ومحرقة للجلود مسودة لها فالبشر جمع بشرة وقال الحسن وابن كيسان لواحة بناء مبالغة من لاح يلوح اذا ظهر فالمعنى انها تظهر للناس وهم البشر من مسيرة خمسمائة عام وذلك لعظمها وهولها وزفيرها
وقوله تعالى عليها تسعة عشر لا خلاف بين العلماء انهم خزنة جهنم المحيطون بامرها الذين اليهم جماع امر زبانيتها وروي ان قريشا لما سمعت هذا كثر لغطهم فيه وقالوا ولو كان هذا حقا فان هذا العدد قليل وقال ابو جهل هؤلاء تسعة عشرة وانتم الدهم اي الشجعان افيعجز عشرة منا عن رجل منهم الى غير هذا من اقوالهم السخيفة
وقوله تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة تبيين لفساد اقوال قريش اي انا جعلناهم خلقا لا قبل لاحد من الناس بهم وجعلنا عدتهم هذا القدر فتنة للكفار ليقع منهم من التعاطى والطمع في المبالغة ما وقع وليستيقن اهل الكتاب التوارة والانجيل ان هذا القرءان من

عند الله اذ هم يجدون هذه العدة في كتبهم المنزلة قال هذا المعنى ابن عباس وغيره وبورود الحقائق من عند الله عز و جل يزداد كل ذي ايمان ايمانا ويزول الريب عن المصدقين من اهل الكتاب ومن المؤمنين
وقوله سبحانه وليقول الذين في قلوبهم مرض الآية نوع من الفتنة لهذا الصنف المنافق او الكافر اي حاروا ولم يهتدوا لمقصد الحق فجعل بعضهم يستفهم بعضا عن مراد الله بهذا المثل استبعادا ان يكون هذا من عند الله قال الحسين بن الفضل السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق وانما المرض في هذه الآية الاضطراب وضعف الايمان ثم قال تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو اعلاما بان الامر فوق ما يتوهم وان الخبر انما هو عن بعض القدرة لا عن كلها ت صوابه ان يقول عن بعض المقدورات لا عن كلها وهذا هو مراده الا تراه قال في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه قال يعنى بشيء من معلوماته لان علمه تعالى لا يتجزأ فافهم راشدا والسموات كلها عامرة بانواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة قال مجاهد والضمير في قوله وما هي للنار المذكورة اي يذكر بها البشر فيخافونها فيطيعون الله وقال بعضهم قوله وما هي يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة وأقسم تعالى بالقمر وما بعده تنبيها على النظر في ذلك والفكر المؤدي الى تعظيمه تعالى وتحصيل معرفته تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السموات والارض لا اله الا هو العزيز القهار وادبر الليل معناه ولى واسفر الصبح اضاء وانتشر ضوءه قال ابن زيد وغيره الضمير في قوله انها لإحدى الكبر لجهنم ويحتمل ان يكون الضمير للنذارة وامر الآخرة فهو للحال والقصة ص والكبر جمع كبرى وفي ع جمع كبيرة ولعله وهم من الناسخ انتهى
وقوله سبحانه نذيرا للبشر هو محمد ص -
وقوله سبحانه

لمن شاء منكم ان يتقدم او يتأخر قال الحسن هو وعيد نحو قوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم قوى سبحانه هذا المعنى بقوله كل نفس بما كسبت رهينة اذ لزم بهذا القول ان المقصر مرتهن بسوء عمله وقال الضحاك المعنى كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن تعالى احدا من اهل الجنة ان شاء الله
وقوله تعالى الا اصحاب اليمين استثناء ظاهره الانفصال تقديره لكن اصحاب اليمين في جنات ص في جنات اي هم في جنات فيكون خبر مبتدا محذوف م واعربه ابو البقاء حالا من الضمير في يتساءلون انتهى قال ابن عباس اصحاب اليمين هنا الملائكة وقال الضحاك هم الذين سبقت لهم من الله الحسنى وقال الحسن وابن كيسان هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين ت واسند ابو عمر بن عبد البر عن علي بن ابي طالب في قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين قال اصحاب اليمين اطفال المسلمين انتهى من التمهيد
وقولهم ما سلككم اي ما ادخلكم فيحتمل ان يكون من قول اصحاب اليمين الآدميين او من قول الملائكة
وقوله تعالى قالوا يعنى الكفار لم نك من المصلين الآية وفي نفي الصلاة يدخل الايمان بالله والمعرفة به والخشوع له ولم نك نطعم المسكين يشمل الصدقة فرضا كانت او نفلا والخوض مع الخائضين عرفه في الباطل والتكذيب بيوم الدين كفر صراح حتى اتانا اليقين يعنى الموت قاله المفسرون قال ع وعندي ان اليقين صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع الى الله والدار الآخرة وقد تقدم ذكر احاديث الشفاعة قال الفخر واحتج اصحابنا بهذه الآية على ان الكفار يعذبون بترك فروع الشريعة والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول انتهى
وقوله تعالى في صفة الكفار المعرضين كأنهم حمر مستنفرة اثبات لجهلهم لان الحمر من جاهل الحيوان جدا وفي حرف ابن مسعود حمر نافرة قال ابن عباس وابو هريرة وجمهور من اللغويين

القسورة الاسد وقيل غير هذا بل يريد كل امرئي منهم اي من هؤلاء ان يؤتى صحفا منشرة اي يريد كل انسان منهم ان ينزل عليه كتاب من الله ومنشرة اي منشورة غير مطوية
وقوله كلا رد على ارادتهم اي ليس الامر كذلك ثم قال بل لا يخافون الآخرة المعنى هذه هي العلة والسبب في اعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم من الهدى حتى هلكوا ثم اعاد تعالى الرد والزجر بقوله كلا واخبر ان هذا القول والبيان وهذه المحاورة بجملتها تذكرة فمن شاء ووفقه الله لذلك ذكر معاده فعمل له ثم اخبر سبحانه ان ذكر الانسان معاده وجريه الى فلاحه انما هو كله بمشيئة الله تعالى وليس يكون شيء الا بها وقرأ ابو عمرو وعاصم وابن كثير يذكرون بالياء من تحت
وقوله سبحانه هو اهل التقوى وأهل المغفرة خبر جزم معناه أن الله عز و جل أهل بصفاته العلى ونعمه التي لا تحصى لان يتقي ويطاع امره ويحذر عصيانه وانه بفضله وكرمه اهل ان يغفر لعباده اذا اتقوه روى ابن ماجه عن انس ان النبي ص - قرأ هذه الآية هو اهل التقوى واهل المغفرة فقال قال الله تعالى انا اهل ان اتقى فلا يجعل معى اله آخر فمن اتقاني فلم يجعل معى الها آخر فانا اهل ان اغفر له واخرجه ابو عيسى الترمذي بمعناه وقال حديث حسن انتهى
تفسير سورة القيامة وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة هذه قراءة الجمهور

وقرأ ابن كثير لا قسم بيوم القيامة ولا قسم فقيل على قراءة الجمهور لا زائدة وقال الفراء لا نفى لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم وجمهور المتأولين على ان الله تعالى اقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة اقسم سبحانه بيوم القيامة تنبيها منه على عظمه وهوله قال الحسن النفس اللوامة هي اللوامة لصاحبها في ترك الطاعة ونحو ذلك فهي على هذا ممدوحة ولذلك اقسم الله بها وقال ابن عباس وقتادة اللوامة هي الفاجرة اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا واعراضها وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس قال ع وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالامارة بالسوء فانها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة ومرة تلوم على فوت ما تشتهى فاذا اطمأنت خلصت وصفت قال الثعلبي وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن دل عليه قوله ايحسب الانسان الن نجمع عظامه اي للاحياء والبعث والانسان هنا الكافر المكذب بالبعث انتهى والبنان الاصابع ونسوي بنانه معناه نتقنها سوية قاله القتبي وهذا كله عند البعث وقال ابن عباس وجمهور المفسرين المعنى بل نحن قادرون ان نسوى بنانه اي نجعل اصابع يديه ورجليه شيأ واحدا كخف البعير او كحافر لحمار لا يمكنه ان يعمل بها شيأ ففي هذا توعد ما والقول الاول اجرى مع رصف الكلام
بل يريد الانسان ليفجر امامه معناه ان الانسان انما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها ابدا راكبا رأسه ومطيعا امله ومسوفا توبته قال البخاري ليفجر امامه يقول سوف اتوب سوف اعمل انتهى قال الفخر قوله ليفجر امامه فيه قولان الاول ليدوم على فجورة فيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه فعن ابن جبير يقدم الذنب ويؤخر التوبة يقول سوف اتوب سوف اتوب حتى ياتيه الموت على شر احواله واسوإ اعماله القول الثاني يفجر امامه اي يكذب بما امامه من البعث والحساب لان من كذب حقا كان مفاجرا والدليل

على هذا القول قوله تعالى يسئل ايان يوم القيامة اي متى يكون ذلك تكذيبا له انتهى وسؤال الكفار ايان هو على معنى التكذيب والهزء وايان بمعنى متى وقرأ نافع وعاصم بخلاف برق البصر بفتح الراء بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت وقرأ ابو عمرو وغيره بكسرها بمعنى شخص والمعنى متقارب قال مجاهد هذا عند الموت وقال الحسن هذا في يوم القيامة قال ابو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد وقال ابن ابي اويس الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه وروى عروة وسفيان ان النبي ص - قال لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت وقرأ ابن مسعود وجمع بين الشمس والقمر واختلف في معنى الجمع بينهما فقال عطاء يجمعان فيقذفان في النار وقيل في البحر فيصيرا نار الله العظمى وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما قال الثعلبي وقال علي وابن عباس يجعلان في نور الحجب انتهى
يقول الانسان يومئذ أين المفر اي اين الفرار كلا لا وزر اي لا ملجأ والمستقر موضع الاستقرار
وقوله تعالى ينبؤ الانسان يومئذ بما قدم واخر اي يعلم بكل ما فعل ويجده محصلا وقال ابن عباس وابن مسعود بما قدم في حياته وما اخر من سنة بعد مماته
وقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة قال ابن عباس وغيره اي للانسان على نفسه من نفسه بصيرة رقباء يشهدون عليه وهم جوارحه وحفظته ويحتمل ان يكون المعنى بل الانسان على نفسه شاهد ودليله قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال الثعلبي قال ابان بن ثعلب البصيرة والبينة والشاهد بمعنى انتهى ونحوه للهروي قال ع والمعنى على هذا التأويل الثاني ان في الانسان وفي عقله وفطرته حجة وشاهدا مبصرا على نفسه
ولو القي معاذيره اي ولو اعتذر عن قبيح افعاله فهو يعلمها قال الجمهور المعاذير هما جمع معذرة وقال الضحاك والسدي هي الستور بلغة اليمن يقولون

للستر المعذار
وقوله تعالى لا تحرك به لسانك الآية قال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان النبي ص - يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه مخافة ان يذهب عنه ما يوحي اليه فنزلت الآية بسبب ذلك واعلمه تعالى انه يجمعه له في صدره
وقوله وقرءانه يحتمل ان يريد وقراءته اي تقرأه انت يا محمد
وقوله فإذا قراناه أي قرأه الملك الرسول عنا فاتبع قرآنه قال البخاري قال ابن عباس فاتبع اي اعمل به وقال البخاري ايضا قوله انا علينا جمعه وقرءانه اي تاليف بعضه الى بعض فاذا قرأناه فاتبع قرءانه اي ما جمع فيه فاعمل بما امرك وانته عما نهاك انتهى
وقوله تعالى ثم ان علينا بيانه قال قتادة وجماعة معناه ان نبينه لك وقال البخاري ان نبينه على لسانك
وقوله تعالى كلا بل تحبون العاجلة اي الدنيا وشهواتها قال الغزالي في الاحياء اعلم ان رأس الخطايا المهلكة هو حب الدنيا ورأس اسباب النجاة هو التجافي بالقلب عن دار الغرور وقال رحمه الله اعلم انه لا وصول الى سعادة لقاء الله سبحانه في الآخرة الا بتحصيل محبته والانس به في الدنيا ولا تحصل المحبة الا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة الا بدوام الفكر ولا يحصل الانس الا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر الا بانقلاع حب الدنيا من القلب ولا ينقلع ذلك الا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات الا بقمع الشهوات ولا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف المحرقة للشهوات انتهى وقرأ ابن كثير وغيره يحبون ويذرون بالياء على ذكر الغائب ولما ذكر سبحانه الآخرة اخبر بشيء من حال اهلها فقال وجوه يومئذ ناضره اي ناعمة والنضرة النعمة وجمال البشرة قال الحسن وحق لها ان تنضر وهي تنظر الى خالقها
وقوله تعالى الى ربها ناظرة حمل جميع اهل السنة هذه الآية على انها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز و جل بلا تكييف ولا تحديد كما

هو معلوم موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو سبحانه مرءي لا يشبه المرءيات في شيء فانه ليس كمثله شيء لا اله الا هو وقد تقدم استيعاب الكلام على هذه المسئلة وما في ذلك من صحيح الاحاديث والباسرة العابسة المغمومة النفوس والبسور اشد العبوس وانما ذكر تعالى الوجوه لانه فيها يظهر ما في النفس من سرور او غم والمراد اصحاب الوجوه والفاقرة المصيبة التي تكسر فقار الظهر وقال ابو عبيدة هي من فقرت البعير اذا وسمت انفه بالنار
وقوله تعالى كلا اذا بلغت زجر وتذكير ايضا بموطن من مواطن الهول وهي حالة الموت الذي لا محيد عنه وبلغت يريد النفس والتراقي جمع ترقوة وهي عظام اعلى الصدر ولكل احد ترقوتان لكن جمع من حيث ان النفس المرادة اسم جنس والتراقي هي موارية للحلاقيم فالامر كله كناية عن حال الحشرجة ونزع الموت يسره الله علينا بمنه وجعله لنا راحة من كل شر واختلف في معنى قوله تعالى وقيل من راق فقال ابن عباس وجماعة معناه من يرقي ويطب ويشفي ونحو هذا مما يتمناه اهل المريض وقال ابن عباس ايضا وسليمان التيمي ومقاتل هذا القول للملائكة والمعنى من يرقي بروحه اي يصعد بها الى السماء املائكة الرحمة ام ملائكة العذاب
وظن انه الفراق اي ايقن وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن
وقوله تعالى والتفت الساق بالساق قال ابن المسيب والحسن هي حقيقة والمراد ساقا الميت عند تكفينه اي لفهما الكفن وقيل هو التفافهما من شدة المرض وقيل غير هذا
وقوله تعالى فلا صدق ولا صلى الآية قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها انما نزلت في ابي جهل قال ع ثم كادت هذه الآية ان تصرح به في قوله يتمطي فانها كانت مشيته وقوله فلا صدق ولا صلى تقديره فلم يصدق ولم يصل فلا في الآية نفي لا عاطفة ص قوله فلا صدق فيه دليل على ان لا تدخل على الماضي فتنفيه كقول الراجز

ان تغفر اللهم تغفر حبما ... واي عبد لك لا الما ...
انتهى وصدق معناه برسالة الله ودينه وذهب قوم الى انه من الصدقة والاول اصوب ويتمطى معناه يمشي المطيطاء وهي مشية بتبختر وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لانه يتثنى فيها زاد ص وقيل اصله يتمطط اي بتمدد في مشيه ومد منكبيه انتهى
وقوله اولى لك وعيد
فاولى وعيد ثان وكرر ذلك تاكيدا ومعنى اولى لك الازدجار والانتهار والعرب تستعمل هذه الكلمة زجرا ومنه فاولى لهم طاعة ويروى ان النبي ص - لبب ابا جهل يوما في الطحاء وقال له ان الله يقول لك اولى لك فاولى فنزل القرءان على نحوها وفي شعر الخنساء ... هممت بنفسي كل الهموم ... فاولى لنفسي اولى لها ...
وقوله تعالى ايحسب توبيخ وسدى معناه مهملا لا يومر ولا ينهى ثم قرر تعالى احوال ابن ءادم في بدايته التي اذا تأملت ام ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل والعلقة القطعة من الدم
فخلق فسوى اي فخلق الله منه بشرا مركبا من اشياء مختلفة فسواه شخصا مستقلا والزوجين النوعين ثم وقف تعالى توقيف توبيخ بقوله أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى روي ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال بلى وروي انه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك بلى انظر سنن ابى داود

تفسير سورة الانسان قيل مكية وقيل مدنية
وقال الحسن وعكرمة منها ءاية مكية وقي قوله تعالى ولا تطع منهم ءاثما او كفورا والباقي ومدني
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى هل اتى على الانسان الآية هل في كلام العرب قد تجيء بمعنى قد حكاه سيبويه لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير احيانا قال ابن عباس هل بمعنى قد والانسان يراد به ءادم وقال اكثر المتأولين هل تقرير والانسان اسم جنس اي اذا تأمل كل انسان نفسه علم بانه قد مر حين من الدهر عظيم لم يكن فيه شيأ مذكورا وهذا هو القوي ان الانسان اسم جنس وان الآية جعلت عبرة لكل احد من الناس ليعلم ان الخالق له قادر على اعادته ص لم يكن شيأ مذكورا في موضع حال من الانسان او في موضع صفة لحين والعائد عليه محذوف اي لم يكن فيه انتهى
وقوله تعالى انا خلقنا الانسان الآية الانسان هنا اسم جنس بلا خلاف وامشاج معناه اخلاط قيل هو امشاج ماء الرجل بماء المرأة ونقل الفخر ان الامشاج لفظ مفرد وليس بجمع بدليل انه وقع صفة للمفرد وهو قوله نطفة انتهى نبتليه اي نختبره بالايجاد والكون في الدنيا وهو حال من الضمير في خلقنا كانه قال مختبرين له بذلك
وقوله تعالى فجعلناه سميعا بصيرا عطف جملة نعم على جملة نعم وقيل المعنى فلنبلتيه جعلناه سميعا بصيرا وهديناه يحتمل ان يكون بمعنى ارشدناه ويحتمل ان يكون بمعنى

اريناه وليس الهدى في هذه الآية بمعنى خلق الهدى والايمان وعبارة الثعلبي هديناه السبيل بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كقوله وهديناه النجدين انتهى
وقوله تعالى إما شاكرا واما كفورا حالان وقسمتهما اما والابرار جمع بار قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر قال قتادة نعم قوم يمزج لهم بالكافور ويختم له بالمسك قال الفراء يقال ان في الجنة عينا تسمى كافورا
وقوله تعالى عينا قيل هو بدل من قوله كافورا وقيل هو مفعول بقوله يشربون اي ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور وقيل نصب عينا على المدح او باضمار اعني
قوله تعالى يشرب بها بمنزلة يشربها فالباء زائدة قال الثعلبي قال الواسطي لما اختلفت احوالهم في الدنيا اختلفت اشربتهم في الآخرة انتهى قال ص وقيل الباء في بها للاصلاق والاختلاط اي يشرب بها عباد الله الخمر كما تقول شربت الماء بالعسل انتهى
وقوله تعالى يفجرونها معناه يفتقونها ويقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم فهي تجري عند كل احد منهم ورد بهذا الاثر وقيل عين في دار النبي ص - تفجر الى دور الأنبياء والمؤمنين قال ع وهذا قول حسن ثم وصف تعالى حال الابرار فقال يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا اي ممتدا متصلا شائعا
وقوله تعالى على حبه يحتمل ان يعود الضمير على الطعام وهو قول ابن عباس ويحتمل ان يعود على الله تعالى قاله ابو سليمان الداراني
وقوله واسيرا قال الحسن ما كان اسراهم الا مشركين لان في كل ذي كبد رطبة اجرا ت وفي العتبية سئل مالك عن الاسير في هذه الآية امسلم هو أم مشرك فقال بل مشرك وكان ببدر اساري فانزلت فيهم هذه الآية قال ابن رشد والاظهر حمل الآية في كل اسير مسلما كان او كافرا انتهى يعنى وان كان سبب نزولها ما ذكر فهي عامة في كل اسير الى يوم القيامة وقال ابو سعيد الخدري قال النبي

ص - مسكينا قال فقيرا ويتيما وقال لا اب له واسيرا قال المملوك والمسجون واسند القشيري في رسالته عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله ص - لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة انتهى وروى الترمذي عن انس ان النبي ص - قال اللهم احينى مسكينا وامتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة فقالت عائشة لم يا رسول الله قال انهم يدخلون الجنة قبل اغنيائهم باربعين خريفا يا عائشة لا تردى المسكين ولو بشق تمرة يا عائشة احيي المساكين وقربيهم فان الله يقربك يوم القيامة قال ابو عيسى هذا حديث غريب انتهى
وقوله انما نطعمكم الآية قال مجاهد وابن جبير ما تكلموا به ولكنه علمه الله من قلوبهم فاثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب ووصف اليوم بعبوس تجوز والقمطرير هو في معنى العبوس والاربداد تقول اقمطر الرجل اذا جمع ما بين عينيه غضبا وقال ابن عباس يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل ما بين عينيه كالقطران وعبر ابن عباس عن القمطرير بالطويل وعبر عنه غيره بالشديد وذلك كله قريب في المعنى والنضرة جمال البشرة وذلك لا يكون الا مع فرح النفس وقرة العين
وقوله بما صبروا عام في الصبر عن الشهوات وعلى الطاعات والشدائد وفي هذا يدخل كل ما خصص المفسرون من صوم وفقر ونحوه
وقوله سبحانه لا يرون فيها شمسا الآية عبارة عن اعتدال هوائها وذهاب ضرري الحر والقر والزمهرير اشد البرد والقطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه والقوارير الزجاج
وقوله تعالى من فضة يقتضي انها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه ومن فضة في جوهره وكذلك فضة الجنة شفافة قال القرطبي في تذكرته وذلك ان لكل قوم من تراب ارضهم قواريرا وان تراب الجنة فضة

فهي قوارير من فضة قاله ابن عباس انتهى
وقوله تعالى قدروها تقديرا اي على قدرريهم قاله مجاهد او على قدر الاكف قاله الربيع وضمير قدروها يعود اما على الملائكة او على الطائفين او على المنعمين
وقوله سبحانه عينا فيها تسمى سلسبيلا عينا بدل من كأس او من عين على القول الثانى وسلسبيلا قيل هو اسم بمعنى السلس المنقاد الجرية وقال مجاهد حديدة الجرية وقال ءاخرون سلسبيلا صفة لقوله عينا وتسمى بمعنى توصف وتشهر وكونه مصروفا مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسما
وقوله تعالى حسبتهم لؤلؤا منثورا قال الامام الفخر وفي كيفية التشبيه وجوه احدها انهم شبهوا في حسنهم وصفاء الوانهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في انواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ولو كانوا صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم الا ترى انه تعالى قال ويطوف عليهم ولدان فاذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين الثاني ان هذا من التشبيه العجيب لان اللؤلؤ اذا كان متفرقا يكون احسن في المنظر لوقوع شعاع بعضه على بعض الثالث انهم شبهوا باللؤلؤ الرطب اذا نثر من صدفه لانه احسن واجمل انتهى
وقوله تعالى واذا رأيت ثم قال الفراء التقدير واذا رأيت ما ثم رأيت نعيما فحذفت ما وكررت الرؤية مبالغة وملكا كبيرا وهو ان ادناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة الف عام يرى اقصاه كما يرى ادناه وخرجه الترمذي وفي الترمذي ايضا من رواية ابي سعيد قال قال رسول الله ص - ادنى اهل الجنة الذي له ثمانون الف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية الى صنعاء انتهى وقال سفيان الملك الكبير هو استيذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم قال الثعلبي قال محمد بن علي الترمذي يعنى ملك التكوين اذا ارادوا شيأ كان انتهى ت وجميع ما ذكر داخل في الملك الكبير وقرأ نافع وحمزة عاليهم وقرأ الباقون عاليهم بالنصب والمعنى فوقهم قال الثعلبي وتفسير ابن عباس قال اما رأيت الرجل

عليه ثياب يعلوها افضل منها انتهى وقرأ حمزة والكساءي خضر واستبرق بالخفض فيهما وباقي الآية بين
وقوله سبحانه انا نحن نزلنا عليك القرءان الآية تثبيت للنبي ص - وتقوية لنفسه على اذى قريش والآثم هنا هو الكفور واللفظ ايضا يقتضي نهي الامام عن طاعة ءاثم من العصاة او كفور بالله ثم امره تعالى بذكر ربه دأبا بكرة واصيلا ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة ويحتمل ان يريد قول سبحان الله قال ابن زيد وغيره كان هذا فرضا ثم نسخ وقال ءاخرون هو محكم على وجه الندب وقال ابن العربي في احكامه اما قوله تعالى وسبحه ليلا طويلا فانه عبارة عن قيام الليل وقد كان النبي ص - يفعله كما تقدم وقد يحتمل ان يكون هذا خطابا للنبي ص - والمراد الجميع ثم نسخ عنا وبقي عليه ص - والاول اظهر انتهى
وقوله ان هؤلاء يعنى كفار قريش يحبون العاجلة يعنى الدنيا واعلم ان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفي الحديث عن النبي ص - ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس رواه ابن ماجه وغيره باسانيد حسنة قال ابن الفاكهاني قال القاضي ابو الوليد ابن رشد واما الباعث على الزهد فخمسة اشياء احدها انها فانية شاغلة للقلوب عن التفكر في امر الله تعالى والثاني انها تنقص عند الله درجات من ركن اليها والثالث ان تركها قربة من الله تعالى وعلو مرتبة عنده في درجات الآخرة والرابع طول الحبس والوقوف في القيامة للحساب والسؤال عن شكر النعيم والخامس رضوان الله تعالى والامن سخطه وهو اكبرها قال الله عز و جل ورضوان من الله اكبر قال ابن الفاكهاني ولو لم يكن في الزهد في الدنيا الا هذه الخصلة التي هي رضوان الله تعالى لكان ذلك كافيا فنعوذ بالله من ايثار الدنيا على ذلك وقد قيل من سمي باسم الزهد فقد سمي بألف اسم ممدوح هذا مع

ما للزاهدين من راحة القلب والبدن في الدنيا والآخرة فالزهاد هم الملوك في الحقيقة وهم العقلاء لايثارهم الباقي على الفاني وقد قال الشافعية لو اوصي لاعقل الناس صرف الى الزهاد انتهى من شرح الاربعين حديثا ولفظ ابي الحسن الماوردي وقد قيل العاقل من عقل عن الله امره ونهيه حتى قال اصحاب الشافعي فيمن اوصى بثلث ماله لاعقل الناس انه يكون مصروفا للزهاد لانهم انقادوا للعقل ولم يغتروا بالأمل انتهى والأسر الخلقة واتساق الاعضاء والمفاصل وعبارة البخاري اسرهم شدة الخلق وكل شيء شددته من قتب او غبيط فهو ما سور والغبيط شيء يركبه النساء شبه المحفة انتهى قال ع ومن اللفظة الاسار وهو القيد الذي يشد به الاسير ثم توعدهم سبحانه بالتبديل وفي الوعيد بالتبديل احتجاج على منكري البعث اي من هذه قدرته في الايجاد والتبديل فكيف تتعذر عليه الاعادة وقال الثعلبي بدلنا امثالهم تبديلا قال ابن عباس يقول اهلكناهم وجئنا باطوع لله منهم انتهى
وقوله تعالى ان هذه تذكرة القول فيها كالتي في سورة المزمل
وقوله سبحانه فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا كلام واضح لا يفتقر الى تفسير جعلنا الله ممن اهتدى بانواره وعمت عليه بركته في افعاله واقواله قال الباجي قال بعض اهل داود الطاءي قلت له يوما انك قد عرفت فأوصنى قال فدمعت عيناه ثم قال يا اخي انما الليل والنهار مراحل يرحلها الناس مرحلة مرحلة حتى تنتهي بهم الى ءاخر سفرهم فان استطعت ان تقدم من اول مرحلة زادا لما بين يدبك فافعل فان انقطاع السفر قريب والامر اعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما انت قاض من امرك فكان بالامر قد بغتك ثم قام وتركنى انتهى من سنن الصالحين
وقوله تعالى وما تشاءون الا ان يشاء الله نفي لقدرتهم على الاختراع وايجاد المعاني في نفوسهم ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب وقرأ عبد الله وما تشاءون الا ما شاء الله
وقوله تعالى عليما

حكيما معناه يعلم ما ينبغي ان ييسر عبده اليه وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه
تفسير سورة والمرسلات وهي مكية في قول الجمهور
وقيل فيها من المدني قوله تعالى واذا قيل لهم اركعوالا يركعون قال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع النبي ص - بحراء الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى والمرسلات عرفا يعنى الرياح يتبع بعضها بعضا قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقتادة وقيل المرسلات الملائكة وقيل جماعات الانبياء وعرفا معناه افضالا من الله تعالى ويحتمل ان يريد بقوله عرفا اي متتابعة ويحتمل ان يريد بالامر المعروف ويحتمل ان يكون عرفا بمعنى والمرسلات الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها ثم عقب بذكر الصنف الضار منها وهي العاصفات الشديدة القاصفة للشجر وغيره واختلف في قوله والناشرات فقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة هي الرياح تنشر رحمة الله ومطره وقيل الملائكة وقيل غير هذا والفارقات قال ابن عباس وغيره هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام وقيل هي ءايات القرءان واما الملقيات ذكرا فهي في قول الجمهور الملائكة وقال ءاخرون هي الرسل والذكر الكتب المنزلة والشرائع ومضمناتها والمعنى ان الذكر يلقى باعذار وانذار
وقوله تعالى انما توعدون لواقع

هو الجواب الذي وقع عليه القسم والاشارة الى البعث واحوال القيامة والطمس محو الاثر فطمس النجوم ذهاب ضوءها وفرج السماء هو بانفطارها وانشقاقها
واذا الرسل اقتت اي جمعت لميقات يوم معلوم وقرأ ابو عمرو وحده وقتت والواو هي الأصل لانها من الوقت والهمزة بدل قال الفراء كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة جاز ان تبدل منها همزة انتهى
وقوله تعالى لايى يوم اجلت تعجيب وتوقيف على عظم ذلك اليوم وهوله ثم فسر ذلك بقوله ليوم الفصل يعنى بين الخلق في منازعتهم وحسابهم ومنازلهم من جنة او نار ومن هذه الآية انتزع القضاة الآجال في الحكومات ليقع فصل القضاء عند تمامها ثم عظم تعالى يوم الفصل بقوله وما ادراك ما يوم الفصل على نحو قوله وما ادراك ما الحاقة وغير ذلك ثم اثبت الويل للمكذبين والويل هو الحرب والحزن على نوائب تحدث بالمرء ويروى انه واد في جهنم
وقوله عز و جل الم نهلك الاولين ثم نتبعهم الآخرين الآية قرأ الجمهور نتبعهم بضم العين على استيناف الخبر وروي عن ابي عمرو نتبعهم بجزم العين عطفا على نهلك وهي قراءة الاعرج فمن قرأ الاولى جعل الاولين الامم التي تقدمت قريشا باجمعها ثم اخبر انه يتبع الآخرين من قريش وغيرهم سنن اولائك اذا كفروا وسلكوا سبيلهم ومن قرأ الثانية جعل الاولين قوم نوح وابراهيم ومن كان معهم والآخرين قوم فرعون وكل من تأخر وقرب من مدة النبي ص - ثم قال كذلك نفعل بالمجرمين اي في المستقبل فيدخل هنا قريش وغيرها واما تكرار قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين في هذه السورة فقيل ذلك لمعنى التأكيد فقط وقيل بل في كل ءاية منها ما يقتضى التصديق فجاء الوعيد على التكذيب بذلك الذي في الآية والماء المهين معناه الضعيف والقرار المكين الرحم وبطن المرأة والقدر المعلوم هو وقت الولادة ومعناه معلوم عند الله وقرأ نافع والكساءي فقدرنا

بتشديد الدال والباقون بتخفيفها وهما بمعنى من القدرة والقدر ومن التقدير والتوقيت ت وفي كلام ع تلفيف وقال غيره فقدرنا بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة وهو حسن
وقوله القادرون يرجح قراءة الجماعة الا ان ابن مسعود روى عن النبي ص - انه فسر القادرون بالمقدرين والكفات الستر والوعاء الجامع للشيء باجماع تقول كفت الرجل شعره اذا جمعه بخرقة والارض تكفت الاحياء على ظهرها وتكفت الاموات في بطنها وخرج الشعبي الى جنازة فنظر الى الجبانة فقال هذه كفات الموتى ثم نظر الى البيوت فقال وهذه كفات الاحياء قال ع ولما كان القبر كفاتا كالبيت قطع من سرق منه والرواسى الجبال والشوامخ المرتفعة والفرات الصافي العذب والضمير في قوله انطلقوا هو للمكذبين الذين لهم الويل ثم بين المنطلق اليه قال عطاء الظل الذي له ثلاث شعب وهو دخان جهنم وقال ابن عباس هذه المخاطبة تقال يومئذ لعبدة الصليب اذا اتبع كل احد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل الا ظله ويقال لعبدة الصليب انطلقوا الى ظل معبودكم وهو الصليب له ثلاث شعب ثم نفى تعالى عنه محاسن الظل والضمير في انها لجهنم ترمى بشرر كالقصر اي مثل القصور من البنيان قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين وقال ابن عباس ايضا القصر خشب كنا في الجاهلية ندخره للشتاء وقرأ ابن عباس كالقصر بفتح الصاد جمع قصرة وهي اعناق النخل والابل وقال ابن عباس جذور النخل واختلف في الجمالات فقال جمهور من المفسرين هي جمع جمال كرجال ورجالات وقال ءاخرون اراد بالصفر السود وقال جمهور الناس بل الصفر الفاقعة لانها اشبه بلون الشرر وقال ابن عباس الجمالات حبال السفن وهي الحبال العظام اذا جمعت مستديرة بعضها الى بعض وقرأ ابن عباس جمالة بضم الجيم من الجملة لا من الجمل ثم خاطب تعالى نبيه عليه السلام بقوله هذا

يوم لا ينطقون الآية وهذا في موطن خاص اذ يوم القيامة هو مواطن
وقوله تعالى هذا يوم الفصل جمعناكم مخاطبة للكفار يومئذ ثم وقفهم بقوله فإن كان لكم كيد فكيدون اي ان كان لكم حيلة او مكيدة تنجيكم فافعلوها ثم ذكر سبحانه حالة المتقين وما اعدلهم والظلال في الجنة عبارة عن تكاثف الاشجار وجودة المبانى والا فلا شمس توذي هناك حتى يكون ظل يجير من حرها
وقوله تعالى كلوا وتمتعوا استيناف خطاب لقريش على معنى قل لهم يا محمد وهذه صيغة امر معناها التهديد والوعيد ومن جعل هذه الآية مدنية قال هي في المنافقين
وقوله تعالى واذا قيل لهم اركعوا لا يركعون قال قتادة والجمهور هذه حال كفار قريش في الدنيا يدعوهم النبي ص - فلا يجيبون وذكر الركوع عبارة عن جميع الصلاة وقيل هي حكاية حال المنافقين في الآخرة يوم يدعون الى السجود فلا يستطعيون على ما تقدم قاله ابن عباس وغيره
وقوله تعالى فباي حديث بعده يؤمنون يؤيد ان الآية كلها في قريش والمراد بالحديث هنا القرءان وروي عن يعقوب انه قرأ تؤمنون بالتاء من فوق على المواجهة ورويت عن ابن عامر
تفسير سورة عم يتساءلون وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل عم يتساءلون اصل عم عن ما ادغمت النون في الميم لاشتراكها في الغنة فبقي عما في الخبر وفي الاستفهام ثم حذفوا الالف في الاستفهام فرقا بينه وبين الخبر

ثم من العرب من يخفف الميم فيقول عم وهذا الاستفهام بعم استفهام توقيف وتعجيب والنبأ العظيم قال ابن عباس وقتادة هو الشرع الذي جاء به محمد ص - وقال مجاهد هو القرءان خاصة وقال قتادة ايضا هو البعث من القبور والضمير في يتساءلون لكفار قريش ومن نحا نحوهم واكثر النحاة ان قوله عن النبأ العظيم متعلق يتساءلون وقال الزجاج الكلام تام في قوله عم يتساءلون ثم كان مقتضى القول ان يجيب مجيب فيقول يتساءلون عن النبأ العظيم وله امثلة في القرءان اقتضاها ايجاز القرءان وبلاغته واختلافهم هو شك بعض وتكذيب بعض وقولهم سحر وكهانة الى غير ذلك من باطلهم
وقوله تعالى كلا سيعلمون رد على الكفار في تكذيبهم ووعيد لهم في المستقبل وكرر عليهم الزجر والوعيد تاكيدا والمعنى سيعلمون عاقبة تكذيبهم ثم وقفهم تعالى ودلهم على ءاياته وغرائب مخلوقاته وقدرته التي توجب للناظر فيها الاقرار بالبعث والايمان بالله تعالى ت وفي ضمن ذلك تعديد نعمه سبحانه التي يجب شكرها والمهاد الفراش الممهد وشبه الجبال بالاوتاد لانها تمنع الارض ان تميد بهم
وخلقناكم ازواجا اي انواعا والسبات السكون وسبت الرجل معناه استراح وروينا في سنن ابي داود عن معاذ بن جبل عن النبي ص - قال ما من مسلم يبيت على ذكر الله طاهرا فيتعار من الليل فيسال الله تعالى خيرا من امور الدنيا والآخرة الا اعطاه الله اياه وروى ابو داود عن بعض ءال ام سلمة قال كان فراش النبي ص - نحوا مما يوضع الانسان في قبره وكان المسجد عند رأسه انتهى ولباسا مصدر وكان الليل كذلك من حيث يغشى الاشخاص فهي تلبسه وتتدرعه والنهار معاشا على حذف مضاف او على النسب والسبع الشداد السموات والسراج الشمس والوهاج الحار المضطرم الاتقاد المتعالى اللهب قال ابن عباس وغيره المعصرات السحائب القاطرة وهو

ماخوذ من العصر لان السحاب ينعصر فيخرج منه الماء وهذا قول الجمهور والثجاج السريع الاندفاع كما يندفع الدم من عروق الذبيحة ومنه قوله ص - وقد قيل له ما افضل الحج فقال العج والثج اراد التضرع الى الله تعالى بالدعاء الجهير وذبح الهدي والفافا اي ملتفة الاغصان والاوراق ويوم الفصل هو يوم القيامة والافواج الجماعات يتلو بعضها بعضا وفتحت السماء بتشديد التاء قراءة نافع وابي عمرو وابن كثير وابن عامر والباقون دون تشديد
وقوله تعالى فكانت ابوابا قيل معناه تتشقق حتى يكون فيها فتوح كالابواب في الجدرات وقيل انها تتقطع السماء قطعا صغارا حتى تكون كألواح الابواب والقول الاول احسن وقد قال بعض اهل العلم تنفتح في السماء ابواب للملائكة من حيث ينزلون ويصعدون
وقوله تعالى فكانت سرابا عبارة عن تلاشيها بعد كونها هباء منبثا ومرصادا موضع الرصد وقيل مرصادا بمعنى راصد والاحقاب جمع حقب وهي المدة الطويلة من الدهر غير محدودة وقال ابن عباس وابن عمر الحقب ثمانون سنة وقال ابو امامة عن النبي ص - انه ثلاثون الف سنة وقد اكثر الناس في هذا واللازم ان الله تعالى اخبر عن الكفار انهم يلبثون احقابا كلما مر حقب جاء غيره الى غير نهاية نجانا الله من سخطه قال الحسن ليس للاحقاب عدة الا الخلود في النار
وقوله سبحانه لا يذوقون فيها بردا الآية قال الجمهور البرد في الآية مس الهواء البارد اي لا يمسهم منه ما يستلذ وقال ابو عبيدة وغيره البرد في الآية النوم والعرب تسميه بذلك لانه يبرد سورة العطش وقال ابن عباس البرد الشراب البارد المستلذ وقال قتادة وجماعة الغساق هو ما يسيل من اجسام اهل النار من صديد ونحوه
وقوله تعالى وفاقا معناه لاعمالهم وكفرهم ولا يرجون قال ابو عبيدة وغيره معناه لا يخافون وقال غيره الرجاء هنا على بابه وكذابا مصدر لغة فصيحة

يمانية وعن ابن عمر قال ما نزلت في اهل النار ءاية اشد من قوله تعالى فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا ورواه ابو هريرة عن النبي ص - والحدائق هي البساتين عليها حلق وحظائر وجدرات البخاري وكواعب اي نواهد انتهى والدهاق المترعة فيما قال الجمهور وقيل الصافية وقال مجاهد متتابعة وعبارة البخاري وقال ابن عباس دهاقا ممتلئة انتهى وكذابا مصدر وهو الكذب
وقوله عطاء حسابا اي كافيا قاله الجمهور من قولهم احسبنى هذا الامر اي كفانى ومنه حسبي الله وقال مجاهد حسابا معناه بتقسيط فالحساب على هذا بموازنة اعمال القوم اذ منهم المكثر من الاعمال والمقل ولكل بحسب عمله
وقوله تعالى لا يملكون الضمير للكفار اي لا يملكون من افضاله واجماله سبحانه ان يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها وهذا ايضا في موطن خاص
وقوله تعالى يوم يقوم الروح اختلف في الروح المذكور هنا فقال الشعبي والضحاك هو جبريل عليه السلام وقال ابن مسعود هو ملك عظيم اكبر الملائكة خلقة يسمى الروح وقال ابن زيد هو القرءان وقال مجاهد الروح خلق على صورة بني ءادم يأكلون ويشربون وقال ابن عباس عن النبي ص - الروح خلق غير الملائكة هم حفظة للملائكة كما الملائكة حفظة لنا وقيل الروح اسم جنس لأرواح بني ءادم والمعنى يوم تقوم الارواح في اجسادها اثر البعث ويكون الجميع من الانس والملائكة صفا ولا يتكلم احد منهم هيبة وفزعا الا من اذن له الرحمن من ملك او نبي وكان اهلا ان يقول صوابا في ذلك الموطن وقال البخاري صوابا حقا في الدنيا وعمل به انتهى وفي قوله فمن شاء اتخذ الى ربه مأبا وعد ووعيد وتحريض والعذاب القريب هو عذاب الآخرة اذ كل آت قريب وقال ابو هريرة وعبد الله بن عمر ان الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها بعد ذلك كونى ترابا فيعود جميعها ترابا فعند ذلك يقول الكافر ياليتنى كنت ترابا ت

واعلم حمك الله انى لم اقف على حديث صحيح في عودها ترابا وقد نقل الشيخ ابو العباس القسطلاني عن الشيخ ابى الحكم بن ابي الرجال انكار هذا القول وقال ما نفث روح الحياة في شيء ففني بعد وجوده قد نقل الفخر هنا عن قوم بقاءها وان هذه الحيوانات اذا انتهت مدة اعراضها جعل الله كل ما كان منها حسن الصورة ثوابا لاهل الجنة وما كان قبيح الصورة عقابا لاهل النار انتهى والمعول عليه في هذا النقل فان صح فيه شيء عن النبي ص - وجب اعتقاده وصير اليه والا فلا مدخل للعقل هنا والله اعلم
تفسير سورة والنازعات وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل والنازعات غرقا قال ابن عباس وابن مسعود النازعات الملائكة تنزع نفوس بنى ءادم وغرقا على هذا القول اما ان يكون مصدرا بمعنى الاغراق والمبالغة في الفعل واما ان يكون كما قال علي وابن عباس تغرق نفوس الكفرة في نار جهنم وقيل غير هذا واختلف في الناشطات فقال ابن عباس ومجاهد هي الملائكة تنشط النفوس عند الموت اي تحلها كحل العقال وتنشط بامر الله الى حيث شاء وقال ابن عباس ايضا الناشطات النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج ت زاد الثعلبي عنه وذلك انه ليس مؤمن يحضره الموت الا عرضت عليه الجنة قبل ان يموت فيرى فيها اشباها من اهله وازواجه من الحور العين فهم يدعونه اليها فنفسه اليهم نشيطة ان تخرج فتاتيهم انتهى وقيل غير هذا واختلف في السابحات هنا فقيل هي النجوم وقيل هي الملائكة لانها

تتصرف في الآفاق بامر الله وقيل هي الخيل وقيل هي السفن وقيل هي الحيتان ودواب البحر والله اعلم واختلف في السابقات فقيل هي الملائكة وقيل الرياح وقيل الخيل وقيل النجوم وقيل المنايا تسبق الآمال واما المدبرات فهي الملائكة قولا واحدا فيما علمت تدبر الامور التي سخرها الله لها وصرفها فيها كالرياح والسحاب وغير ذلك والراجفة النفخة الاولى والرادفة النفخة الاخيرة وقال ابن زيد الراجفة الموت والرادفة الساعة وفي جامع الترمذي عن ابي بن كعب قال كان رسول الله ص - اذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا ايها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه الحديث قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى وقد اتى به ع هنا وقال اذا ذهب ربع الليل والصواب ما تقدم ثم اخبر تعالى عن قلوب تجف في ذلك اليوم اي ترتعد خوفا وفرقا من العذاب واختلف في جواب القسم اين هو فقال الزجاج والفراء هو محذوف دل عليه الظاهر تقديره لتبعثن ونحوه وقال ءاخرون هو موجود في جملة قوله تعالى يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة كانه قال لتجفن قلوب قوم يوم كذا
وقوله تعالى يقولون أئنا لمردودون في الحافرة حكاية حالهم في الدنيا والمعنى هم الذين يقولون والحافرة قال مجاهد والخليل هي الارض حافرة بمعنى محفورة والمراد القبور والمعنى ائنا لمردودون احياء في قبورنا وقيل غير هذا ونخرة معناه بالية وقرأ حمزة ناخرة بألف والناخرة المصوتة بالريح المجوفة وحكي عن ابي عبيدة وغيره ان الناخرة والنخرة بمعنى واحد وقولهم تلك اذا كرة خاسرة اي اذ هي الى النار لتكذيبهم بالبعث وقال الحسن خاسرة معناه عندهم كاذبة اي ليست بكائنة ثم اخبر تعالى عن حال القيامة فقال انما هي زجرة واحدة اي نفخة في الصور فاذا هم بالساهرة وهي ارض المحشر
وقوله هل لك الى ان تزكى استدعاء

حسن والتزكى التطهر من النقائص والتلبس بالفضائل ثم فسر له موسى التزكى الذي دعاه اليه بقوله واهديك الى ربك فتخشى والعلم تابع للهدى والخشية تابعة للعلم انما يخشى الله من عباده العلماء والآية الكبرى العصا واليد قاله مجاهد وغيره وادبر كناية عن اعراضه وقيل حقيقة قام موليا عن مجالسة موسى فحشر اي جمع اهل مملكته وقول فرعون انا ربكم الاعلى نهاية في السخافة والمخرقة قال ابن زيد نكال الآخرة اي الدار الآخرة والاولى يعني الدنيا اخذه الله بعذاب جهنم وبالغرق وقيل غير هذا ثم وقفهم سبحانه مخاطبة منه تعالى للعالم والمقصد الكفار فقال ءانتم اشد خلقا الآية والسمك الارتفاع الثعلبي والمعنى أأنتم ايها المنكرون للبعث اشد خلقا ام السماء اشد خلقا ثم بين كيف خلقها اي فالذي قدر على خلقها قادر على احيائكم بعد الموت نظيره او ليس الذي خلق السموات والارض الآية انتهى واغطش معناه اظلم
وقوله تعالى والارض بعد ذلك دحاها متوجه على ان الله خلق الارض ولم يدحها ثم استوى الى السماء وهي دخان فخلقها وبناهم ثم دحا الارض بعد ذلك ودحوها بسطها وباقي الآية بين والطامة الكبري هي يوم القيامة قاله ابن عباس وغيره
فأما من طغى اي تجاوز الحد وءاثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة ومقام ربه هو يوم القيامة وانما المراد مقامه بين يديه والهوى هو شهوات النفس وما جرى مجراها المذمومة
وقوله تعالى يسئلونك عن الساعة يعنى قريشا قال البخاري عن غيره ايان مرساها متى منتهاها ومرسى السفينة حيث تنتهى انتهى ثم قال تعالى لنبيه على جهة التوقيف فيم انت من ذكراها اي من ذكر تحديدها ووقتها اي لست من ذلك في شيء انما انت منذر وباقي الآية بين قال الفخر قوله تعالى كانهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها تفسير هذه الآية هو كما ذكر في قوله كانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار

والمعنى ان ما انكروه سيرونه حتى كانهم كانوا ابدا فيه وكانهم لم يلبثوا في الدنيا الا ساعة من نهار يريد لم يلبثوا الا عيشة او ضحى يومها انتهى
تفسير سورة عبس وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى عبس وتولى ان جاءه الاعمى سببها ان النبي ص - كان يدعو بعض صناديد قريش ويقرأ عليه القرءان ويقول له هل ترى بما اقول بأسا فكان ذلك الرجل يقول لا والدمى يعنى الاصنام اذ جاء ابن ام مكتوم فقال يا رسول الله استدننى وعلمنى مما علمك الله فكان في ذلك كله قطع لحديث النبي ص - مع الرجل فلما شغب عليه ابن ام مكتوم عبس ص - واعرض عنه فنزلت الآية قال سفيان الثوري فكان بعد ذلك اذا رأى ابن ام مكتوم قال مرحبا بمن عاتبنى فيه ربي عز و جل وبسط له رداءه واستخلفه على المدنية مرتين ت والكافر المشار اليه في الآية هو الوليد بن المغيرة قاله ابن اسحاق انتهى ثم اكد تعالى عتب نبيه بقوله اما من استغنى اي بماله فأنت له تصدى اي تتعرض
وقوله وهو يخشى اي يخشى الله فانت عنه تلهى اي تشتغل تقول لهيت عن الشيء الهى اذا اشتغلت عنه وليس من اللهو وهذه الآية السبب فيها هذا ثم هي بعد تتناول من شاركهم في هذه الاوصاف فحملة الشرع والعلم مخاطبون بتقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العارى من الخير مثل ما خوطب به النبي ص - في

هذه السورة قال عياض وليس في قوله تعالى عبس وتولى الآية ما يقتضي اثبات ذنب للنبي ص - او انه خالف امر ربه سبحانه وانما في الآية الاعلام بحال الرجلين وتوهين امر الكافر والاشارة الى الاعراض عنه انتهى قال السهيلي وانظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا يشبه حال العاتب المعرض ثم اقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك لعله يزكى الآية علما منه سبحانه انه لم يقصد بالاعراض عن ابن ام مكتوم الا الرغبة في الخير ودخول ذلك المشرك في الاسلام اذ كان مثله يسلم باسلامه بشر كثير فكلم نبيه حين ابتدأ الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تانيسا له عليه السلام انتهى ثم قال تعالى كلا يا محمد ليس الامر كما فعلت ان هذه السورة او القراءة او المعاتبة تذكرة وعبارة الثعلبي ان هذه السورة وقيل هذه الموعظة وقال مقاتل ءايات القرءان تذكرة اي موعظة وتبصرة للخلق فمن شاء ذكره اي اتعظ بأي القرءان وبما وعظتك وادبتك في هذه السورة انتهى ص ذكره ذكر الضمير لان التذكرة هي الذكر انتهى
وقوله تعالى في صحف متعلق بقوله انها تذكرة وهذا يؤيد ان التذكرة يراد بها جميع القرءان والصحف هنا قيل انه اللوح المحفوظ وقيل صحف الانبياء المنزلة قال ابن عباس السفرة هم الملائكة لانهم كتبة يقال سفرت اي كتبت ومنه السفر وقال ابن عباس ايضا الملائكة سفرة لانهم يسفرون بين الله وبين انبيائه وفي البخاري سفرة الملائكة واحدهم سافر سفرت اصلحت بينهم وجعلت الملائكة اذا نزلت بوحي الله عز و جل وتاديته كالسفير الذي يصلح بين القوم انتهى قال ع ومن اللفظة قول الشاعر ... وما ادع السفارة بين قومى ... وما اسعى بغش ان مشيت ...
والصحف على هذا صحف عند الملائكة او اللوح
وقوله تعالى قتل الانسان

ما اكفره دعاء على اسم الجنس وهو عموم يراد به الانسان الكافر ومعنى قتل اي هو اهل ان يدعى عليه بهذا وقال مجاهد قتل معناه لعن وهذا تحكم ت ليس بتحكم وقد تقدم نحوه عن غير واحد
وقوله تعالى ما اكفره يحتمل معنى التعجب ويحتمل الاستفهام توبيخا وقيل الآية نزلت في عتبة بن ابي لهب وذلك انه غاضب اباه فاتى النبي ص - فأسلم ثم ان اباه استصلحه واعطاه مالا وجهزه الى الشام فبعث عتبة الى النبي ص - وقال انى كافر برب النجم اذا هوى فدعا عليه النبي ص - وقال اللهم ابعث عليه كلبك حتى ياكله ثم ان عتبة خرج في سفرة فجاء الاسد فاكله من بين الرفقة
وقوله تعالى من اي شيء خلقه استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الانسان منه فقدره اي جعله بقدر وحد معلوم ثم السبيل يسره قال ابن عباس وغيره هي سبيل الخروج من بطن امه وقال الحسن ما معناه ان السبيل هي سبيل النظر المؤدى الى الايمان
وقوله فاقبره معناه امر ان يجعل له قبر وفي ذلك تكريم له ليلا يطرح كسائر الحيوان
وقوله تعالى ثم اذا شاء يريد اذا بلغ الوقت الذي قد شاءه وهو يوم القيامة وانشره معناه احياه
وقوله تعالى كلا لما يقض اي لم يقض ما امره ثم امر الله تعالى الانسان بالعبرة والنظر الى طعامه والدليل فيه وكيف يسره له بهذه الوسائط والحب جمع حبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه والحبة بكسر الحاء كل ما ينبت من البزور لا يحفل به ولا هو بمتخذ والقضب قيل هي الفصفصة وهذا عندي ضعيف لان الفصفصة للبهائم وهي داخلة في الاب والذي اقول به ان القضب هنا هو كل ما يقضب لياكله ابن ءادم غضا من النبات كالبقول والهليون ونحوه فإنه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية الا في هذه اللفظة والحديقة الشجر الذي قد احدق بجدار ونحوه والغلب الغلاظ الناعمة والاب

المرعى والكلا قاله ابن عباس وغيره وقد توقف في تفسيره ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ومتاعا نصب على المصدر والمعنى تتمتعون به انتم وانعامكم فابن ءادم في السبعة المذكورة والانعام في الاب والصاخة اسم من اسماء يوم القيامة ص قال الخليل الصاخة صيحة تصخ الآذان صخا اي تصمها لشدة وقعتها انتهى
وقوله تعالى يوم يفر المرء من اخيه الآية قال جمهور الناس انما ذلك لشدة الهول كل يقول نفسي نفسي وقيل فرارهم خوفا من المطالبات لكل امرئى منهم يومئذ شأن يغنيه عن اللقاء مع غيره ثم ذكر تعالى اختلاف الوجوه من المؤمنين الواثقين برحمة الله حين بدت لهم تباشيرها ومن الكفار حين علاها قترها ومسفرة معناه نيرة باد ضوءها وسرورها والغبرة التي على الكفرة هي من العبوس كما يرى على وجه المهموم والميت والمريض شبه الغبار ص والقتر سواد كالدخان ابو عبيدة هو الغبار انتهى ثم فسر سبحانه اصحاب هذه الوجوه المغبرة بأنهم الكفرة الفجرة
تفسير

سورة التكوير
وهي مكية بإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه اذا الشمس كورت الآية هذه كلها اوصاف يوم القيامة وتكوير الشمس هو ان تدار كما يدار كور العمامة ويذهب بها الى حيث شاء الله تعالى وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات فمنهم من قال ذهب نورها قاله قتادة ومنهم من قال رمي بها قاله الربيع بن خثيم وغير ذلك مما هو اسماء توابع لتكويرها

وانكدار النجوم هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها وقال ابن عباس انكدرت تغيرت من قولهم ماء كدر والعشار جمع عشراء وهي الناقة التي قد مر لحملها عشرة اشهر وهي انفس ما عند العرب وانما تعطل عند اشد الاهوال
واذا البحار سجرت قال ابي بن كعب وابن عباس وغيرهما معناه اضرمت نارا كما يسجر التنور ويحتمل ان يكون المعنى ملكت وقيدت فتكون اللفظة ماخوذة من ساجور الكلب وقرأ ابن كثير وابو عمرو وسجرت بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها وتزويج النفوس هو تنويعها لان الازواج هي الانواع والمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله رواه النعمان بن بشير عن النبي ص - وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس وقال هذا نظير قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة وفي الآية على هذا حض على خليل الخير فقد قال عليه السلام المرء مع من احب وقال فلينظر احدكم من يخالل وعبارة الثعلبي قال النعمان بن بشير قال النبي ص - واذا النفوس زوجت قال الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله انتهى وقال مقاتل بن سليمان معناه زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهن من الحور وغيرهن
وقوله تعالى واذا الموءودة سئلت الموءودة اسم معناه المثقل عليها بالتراب وغيره حتى تموت وكان هذا صنيع بعض العرب ببناتهم يدفنونهن احياء وقرأ الجمهور سئلت وهذا على جهة التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك واستدل ابن عباس بهذه الآية على ان اولاد المشركين في الجنة لان الله قد انتصر لهم ممن ظلمهم
واذا الصحف نشرت قيل هي صحف الاعمال وقيل هي الصحف التي تتطاير بالايمان والشمائل والكشط التقشير وذلك كما يكشط جلد الشاة حين تسلخ وكشط السماء هو طيها كطي السجل وسعرت معناه اضرمت نارها وازلفت الجنة معناه قربت ليدخلها المؤمنون الثعلبي قربت لاهلها حتى يرونها نظيره وازلفت الجنة للمتقين

غير بعيد علمت نفس عند ذلك ما احضرت من خير او شر وهو جواب لقوله اذا الشمس وما بعدها انتهى
وقوله تعالى فلا اقسم بالخنس لا اما زائدة واما ان تكون ردا لقول قريش في تكذيبهم نبوة نبينا محمد عليه السلام ثم اقسم تعالى بالخنس الجوار الكنس وهي في قول الجمهور الدراري السبعة الشمس والقمر وزحل وعطارد والمريخ والزهرة والمشترى وقال علي المراد الخمسة دون الشمس والقمر وذلك ان هذه الكواكب تخنس في جريها اي تتقهقر فيما ترى العين وهي جوار في السماء وهي تكنس في ابراجها اي تستتر الثعلبي وقال ابن زيد تخنس اي تتأخر عن مطالعها كل سنة وتكنس بالنهار اي تستتر فلا ترى انتهى وعسعس الليل في اللغة اذا كان غير مستحكم الا ظلام قال الخليل عسعس الليل اذا اقبل وادبر وقال الحسن وقع القسم باقباله وقال وابن عباس وغيره بل وقع بادباره وقال المبرد اقسم باقباله وادباره معا وعبارة الثعلبي قال الحسن عسعس الليل اقبل بظلامه وقال ءاخرون ادبر بظلامه ثم قال والمعنيان يرجعان الى معنى واحد وهو ابتداء الظلام في اوله وادباره في ءاخره انتهى وتنفس الصبح اتسع ضوءه والضمير في انه للقرءان والرسول الكريم في قول الجمهور هو جبريل عليه السلام وقال ءاخرون هو النبي ص - في الآية كلها والقول الاول اصح وكريم صفة تقتضى رفع المذام ومكين معناه له مكانة ورفعة وقال عياض في الشفا في قوله تعالى مطاع ثم امين اكثر المفسرين على انه نبينا محمد ص - انتهى قال ع واجمع المفسرون على ان قوله تعالى وما صاحبكم يراد به النبي ص - والضمير في رءاه لجبريل عليه السلام وهذه الرؤية التي كانت بعد امر غار حراء وقيل هي الرؤية التي رءاه عند سدرة المنتهى
وقوله تعالى وما هو على الغيب بضنين بالضاد بمعنى ببخيل تبليغ ما قيل له كما يفعل الكاهن حين يعطى حلوانه وقرأ بن كثير وابو عمرو

والكساءي بظنين بالظاء اي بمتهم ثم نفي سبحانه عن القرءان ان يكون كلام شيطان على ما قالت قريش ورجيم اي مرجوم
وقوله تعالى فأين تذهبون توقيف وتقرير والمعنى اين المذهب لأحد عن هذه الحقائق والبيان الذي فيه شفاء ان هو الاذكر اي تذكرة ت روى الترمذي عن ابن عمر قال قال النبي ص - من سره ان ينظر الى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ اذا الشمس كورت واذا السماء انفطرت واذا السماء انشقت قال ابو عيسى هذا حديث حسن انتهى
تفسير سورة الانفطار وهي مكية بإجتماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا السماء انفطرت اي انشقت واذا الكواكب انتثرت اي تساقطت واذا البحار فجرت قيل فجر بعضها الى بعض ويحتمل ان يكون تفجرت من اعاليها ويحتمل ان يكون تفجير تفريغ من قيعانها فيذهب الله ماءها حيث شاء وبكل قيل وبعثرة القبور نبشها عن الموتى
وقوله سبحانه علمت نفس هو جواب اذا ونفس هنا اسم جنس وقال كثير من المفسرين في معنى قوله ما قدمت واخرت انها عبارة عن جميع الاعمال من طاعة او معصية
يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم روي ان النبي ص - قرأها فقال غره جهله فسبحان الله ما ارحمه بعباده قال الثعلبي قال اهل الاشارة انما قال بربك الكريم دون سائر اسمائه تعالى وصفاته كانه لقنه جوابه حتى يقول غرنى كرمك انتهى

وقرأ الجمهور فعدلك وكان النبي ص - اذا نظر الى الهلال قال ءامنت بالذي خلقك فسواك فعدلك وقرأ حمزة والكساءي وعاصم بتخفيف الدال والمعنى عدل اعضاءك بعضها ببعض اي وازن بينها
وقوله تعالى في اي صورة ما شاء ركبك ذهب الجمهور الى ان في متعلقة بركبك اي في صورة حسنة او قبيحة او سليمة او مشوهة ونحو هذا وما في قوله ما شاء ركبك زائدة فيها معنى التأكيد قال ابو حيان كلا ردع وزجر انتهى والدين هنا يحتمل ان يريد الشرع ويحتمل ان يريد الجزاء والحساب وباقي الآية واضح لمتأمله
وقوله تعالى يصلونها يوم الدين اي يوم الجزاء
وقوله تعالى وما هم عنها بغائبين قال جماعة معناه ما هم عنها بغائبين في البرزخ وذلك انهم يرون مقاعدهم من النار غدوة وعشية فهم لم يزالوا مشاهدين لها نسأل الله العافية في الدارين بجوده وكرمه ثم عظم تعالى قدر هول ذلك اليوم بقوله وما ادراك ما يوم الدين ثم ما ادراك ما يوم الدين الآية
تفسير

سورة المطففين
وهي مكية في قول جماعة
وقال ابن عباس وغيره هي مدنية وعنه نزل بعضها بمكة ونزل امر التطفيف بالمدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ويل للمطففين الآية المطفف الذي ينقص الناس حقوقهم والتطفيف النقصان اصله من الشيء الطفيف وهو النزر والمطفف انما ياخذ بالميزان او

بالمكيال شيأ خفيفا واكتالوا على الناس معناه قبضوا منهم وكالوهم معناه قبضوهم ويخسرون معناه ينقصون
وقوله سبحانه الا يظن بمعنى يعلم ويتحقق وقال ص الا يظن ذكر ابو البقاء ان لا هنا هي النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وليست ألا التي للتنبيه والاستفتاح لان ما بعد الا التنبيهية مثبت وهو هنا منفي انتهى وقيام الناس لرب العالمين يومئذ يختلف الناس فيه بحسب منازلهم وروي انه يخفف عن المؤمن حتى يكون على قدر الصلاة المكتوبة وفي هذا القيام هو الجام العرق للناس كما صرح به النبي ص - في الحديث الصحيح والناس ايضا فيه مختلفون بالتخفيف والتشديد قال ابن المبارك في رقائقه اخبرنا سليمان التيمي عن ابي عثمان النهدي عن سلمان قال تدنى الشمس من الناس يوم القيامة حتى تكون من رءوسهم قاب قوس او قاب قوسين فتعطى حر عشر سنين وليس على احد يومئذ طحربة ولا ترى فيه عورة مؤمن ولا مؤمنة ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة واما الآخرون او قال الكفار فتطبخهم فانما تقول اجوافهم غق غق قال نعيم الطحربة الخرقة انتهى ونحو هذا للمحاسبي قال في كتاب التوهم فاذا وافي الموقف اهل السموات السبع والارضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين ثم ادنيت من الخلائق قاب قوس او قاب قوسين فلا ظل في ذلك اليوم الا ظل عرش رب العالمين فكم بين مستظل بظل العرش وبين واقف لحر الشمس قد أصهرته واشتد فيها كربه وقلقه فتوهم نفسك في ذلك الموقف فانك لا محالة واحد منهم انتهى اللهم عاملنا برحمتك وفضلك في الدارين فانه لا حول لنا ولا قوة الا بك
وقوله تعالى كلا ان كتاب الفجار يعنى الكفار وكتابهم يراد به الذي فيه تحصيل امرهم وافعالهم ويحتمل عندي ان يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين اي هنالك كتبوا في الازل واختلف في سجين ما هو والجمهور ان سجينا بناء

مبالغة من السجن قال مجاهد وذلك في صخرة تحت الارض السابعة
وقوله تعالى وما ادراك ما سجين تعظيم لامر هذا السجين وتعجيب منه ويحتمل ان يكون تقرير استفهام اي هذا مما لم تكن تعلمه قبل الوحي وكتاب مرقوم على القول الاول مرتفع على خبر ان وعلى القول الثاني مرتفع على انه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو كتاب مرقوم ويكون هذا الكلام مفسرا لسجين ما هو ومرقوم معناه مكتوب لهم بشر وباقي الآية بين ثم اوجب ان ما كسبوا من الكفر والعتو قد ران على قلوبهم اي غطى عليها فهم مع ذلك لا يبصرون رشدا يقال رانت الخمر على قلب شاربها وران الغشي على قلب المريض وكذلك الموت قال الحسن وقتادة الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب وروى ابو هريرة ان النبي ص - قال ان الرجل اذا اذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه ثم كذلك حتى يتغطى فذلك الران الذي قال الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الفخر قال ابو معاذ النحوي الرين سواد القلب من الذنوب والطبع ان يطبع على القلب وهو اشد من الرين والاقفال اشد من الطبع وهو ان يقفل على القلب انتهى والضمير في قوله تعالى انهم عن ربهم للكفار اي هم محجوبون لا يرون ربهم قال الشافعي لما حجب الله قوما بالسخط دل على ان قوما يرونه بالرضى قال المحاسبي رحمه الله في كتاب توبيخ النفس وينبغي للعبد المؤمن اذا رأي القسوة من قلبه ان يعلم انها من الرين في قلبه فيخاف ان يكون الله تعالى لما حجب قلبه عنه بالرين والقسوة ان يحجبه غدا عن النظر اليه قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون احداهما تتلو الاخرى ليس بينهما معنى ثالث فان اعترض للمريد خاطر من الشيطان ليقتطعه عن الخوف من الله تعالى حتى تحل به هاتان العقوبتان فقال انما نزلتا في الكافرين فليقل فان الله لم يؤمن منهما كثيرا من

المؤمنين وقد حذر سبحانه المؤمنين ان يعاقبهم بما يعاقب به الكافرين فقال تعالى واتقوا النار التي اعدت للكافرين الى غير ذلك من الآيات انتهى ولما ذكر الله تعالى امر كتاب الفجار عقب ذلك بذكر كتاب ضدهم ليبين الفرق بين الصنفين واختلف في الموضع المعروف بعليين ما هو فقال ابن عباس السماء السابعة تحت العرش وروي ذلك عن النبي ص - وقال الضحاك هو سدرة المنتهى وقال ابن عباس ايضا عليون الجنة
وقوله تعالى يشهده المقربون يعنى الملائكة قاله ابن عباس وغيره وينظرون معناه الى ما عندهم من النعيم والنضرة النعمة والرونق والرحيق الخمر الصافية ومختوم يحتمل أنه يختم على كئوسه التي يشرب بها تهمما وتنظفا والظاهر انه مختوم شربه بالرائحة المسكية حسبما فسره قوله ختامه مسك قال ابن عباس وغيره خاتمة شربه مسك وقرأ الكساءي خاتمه مسك ثم حرض تعالى على الجنة بقوله وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
وقوله تعالى ومزاجه من تسنيم المزاج الخلط قال ابن عباس وغيره تسنيم اشرف شراب في الجنة وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة وهي عين يشرب بها المقربون صرفا ويمزج رحيق الابرار بها وهذا المعنى في صحيح البخاري وقال مجاهد ما معناه ان تسنيما مصدر من سنمت اذا علوت ومنه السنام فكأنه عين قد عليت على اهل الجنة فهي تنحدر وقاله مقاتل وجمهور المتأولين ان منزلة الابرار دون منزلة المقربين وان الابرار هم اصحاب اليمين وان المقربين هم السابقون
وقوله يشرب بها بمعنى يشربها
وقوله سبحانه ان الذين اجرموا كانوا يعنى في الدنيا يضحكون من المؤمنين روي ان هذه الآية نزلت في صناديد قريش وضعفة المؤمنين والضمير في مروا للمؤمنين ويحتمل ان يكون للكفار واما ضمير يتغامزون فهو للكفار لا يحتمل غير ذلك وفاكهين اي اصحاب فكاهة ونشاط وسرور باستخفافهم بالمؤمنين واما الضمير في رأوا وفي قالوا فقال

الطبري وغيره هو للكفار وقال بعضهم بل المعنى بالعكس وانما المعنى واذا رأى المؤمنون الكفار قالوا ان هؤلاء لضالون وما ارسل المؤمنون حافظين على الكفار وهذا كله منسوخ على هذا التأويل ت والأول اظهر
وقوله تعالى على الارائك ينظرون اي الى اعدائهم في النار قال كعب لاهل الجنة كوى ينظرون منها وقال غيره بينهم جسم عظيم شفاف يرون معه حالهم ت قال الهروي قوله تعالى على الارائك ينظرون قال احمد بن يحيى الاريكة السرير في الحجلة ولا يسمى منفردا اريكة وسمعت الازهري يقول كل ما تكئى عليه فهو اريكة انتهى هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون اي جزاء ما كانوا يفعلون وهل ثوب تقرير وتوقيف للنبي ص - وامته
تفسير سورة الانشقاق وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا السماء انشقت الآية هذه اوصاف يوم القيامة واذنت معناه استمعت وسمعت امر ربها ومنه قوله ص - ما اذن الله لشيء اذنه لنبي يتغنى بالقرءان وحقت قال ابن عباس معناه وحق لها ان تسمع وتطيع ويحتمل ان يريد وحق لها ان تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى ومد الارض هي ازالة جبالها حتى لا يبقي فيها عوج ولا امت وفي الحديث تمد مد الاديم والقت ما فيها يعنى من الموتى قاله الجمهور وخرج الختلي ابو القاسم اسحاق بن ابراهيم في كتاب الديباج له بسنده عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله

عليه السلام في قوله عز و جل اذا السماء انشقت واذنت لربها وحقت قال فقال رسول الله ص - انا اول من تنشق عنه الارض فاجلس جالسا في قبري فيفتح لي باب الى السماء بحيال رأسي حتى انظر الى العرش ثم يفتح لي باب من تحتى حتى انظر الى الارض السابعة حتى انظر الى الثرى ثم يفتح لي باب عن يمينى حتى انظر الى الجنة ومنازل اصحابي وان الارض تحركت تحتى فقلت ما لك ايتها الارض قالت ان ربى امرنى ان القي ما في جوفي وان اتخلى فاكون كما كنت اذ لا شيء في فذلك قوله الله عز و جل والقت ما فيها وتخلت واذنت لربها وحقت اي سمعت واطاعت وحق لها ان تسمع وتطيع الحديث انتهى من التذكرة وتخلت معناه خلت عما كان فيها لم تتمسك منهم بشيء
يا أيها الانسان انك كادح الآية الكادح العامل بشدة واجتهاد والمعنى انك عامل خيرا او شرا وانت لا محالة ملاقيه اي فكن على حذر من هذه الحال واعمل صالحا تجده واما الضمير في ملاقيه فقال الجمهور هو عائد على الرب تعالى وقال بعضهم هو عائد على الكدح ت وهو ظاهر الآية والمعنى ملاق جزاءه والحساب اليسير هو العرض ومن نوقش الحساب هلك كذا في الحديث الصحيح وعن عائشة هو ان يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه ونحوه في الصحيح عن ابن عمر انتهى وفي الحديث عن عائشة قالت سمعت رسول الله ص - يقول في بعض صلاته اللهم حاسبنى حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال ان ينظر في كتابه ويتجاوز عنه انه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله عنه حتى الشوكة تشوكه قال صاحب السلاح رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم انتهى وروى ابن عمر ان النبي ص - قال من حاسب نفسه في الدنيا هون الله عليه حسابه يوم القيامة قال عزالدين بن عبدالسلام في اختصاره

لرعاية المحاسبي اجمع العلماء على وجوب محاسبة النفس فيما سلف من الاعمال وفيما يستقبل منها فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله انتهى
وينقلب الى اهله اي الذين اعدهم الله له في الجنة واما الكافر فروي ان يده تدخل من صدره حتى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها
ويدعوا ثبورا معناه يصيح منتحبا واثبوراه واحزناه ونحو هذا والثبور اسم جامع للمكاره كالويل
وقوله تعالى انه كان في اهله يريد في الدنيا مسروا اي تملكه ذلك لا يدرى الا السرور باهله دون معرفة ربه
وقوله تعالى انه ظن ان لن يحور معناه ان لن يرجع الى الله مبعوثا محشورا قال ابن عباس لم اعلم ما معنى يحور حتى سمعت امرأة اعرابية تقول لبنية لها حورى اي ارجعى ص بلى ايجاب بعد النفي اي بلى ليحورن اي ليرجعن انتهى
وقوله تعالى فلا اقسم بالشفق لا زائدة وقيل لا رد على اقوال الكفار والشفق الحمرة التي تعقب غيبوبة الشمس مع البياض التابع لها في الاغلب ووسق معناه جمع وضم ومنه الوسق اي الاصوع المجموعة والليل يسق الحيوان جملة اي يجمعها ويضمها وكذلك جميع المخلوقات التي في الارض والهواء من البخار والجبال والرياح وغير ذلك واتساق القمر كماله وتمامه بدرا والمعنى امتلا من النور وقرأ نافع وابو عمرو وابن عامر لتركبن بضم الباء والمعنى لتركبن الشدائد الموت والبعث والحساب حالا بعد حال وعن تجيء بمعنى بعد كما يقال ورث المجد كابرا عن كابر وقيل غير هذا وقرأ حمزة والكساءي وابن كثير لتركبن بفتح الباء على معنى انت يا محمد فقيل المعنى حالا بعد حال من معالجة الكفار وقال ابن عباس سماء بعد سماء في الاسراء وقيل هي عدة بالنصر اي لتركبن امر العرب قبيلا بعد قبيل كما كان وفي البخاري عن ابن عباس لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال هكذا قال نبيكم ص - انتهى ثم قال تعالى فمالهم لا يؤمنون

اي ما حجتهم مع هذه البراهين الساطعة ويوعون معناه يجمعون من الاعمال والتكذيب كانهم يجعلونها في اوعية تقول وعيت العلم واوعيت المتاع وممنون معناه مقطوع
تفسير سورة والسماء ذات البروج وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمهور ان البروج هي المنازل التي عرفتها العرب وقد تقدم الكلام عليها واليوم الموعود هو يوم القيامة باتفاق كما جاء في الحديث وانما اختلف الناس في الشاهد والمشهود اختلافا كثيرا فقال ابن عباس الشاهد الله والمشهود يوم القيامة وقال الترمذي الشاهد الملائكة الحفظة والمشهود اي عليه الناس وقال ابو هريرة عن النبي ص - الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم معرفة ت ولو صح لوجب الوقوف عنده
وقوله تعالى قتل اصحاب الاخدود معناه فعل الله بهم ذلك لأنهم اهل له فهو على جهة الدعاء بحسب البشر لا ان الله يدعو على احد وقيل عن ابن عباس معناه لعن وهذا تفسير بالمعنى وقال الثعلبي قال ابن عباس كل شيء في القرءان قتل فهو لعن انتهى وقيل هو اخبار بأن النار قتلتهم قاله الربيع بن انس ص وجواب القسم محذوف اي والسماء ذات البروج لتبعثن وقال المبرد الجواب ان بطش ربك لشديد وقيل الجواب قتل واللام محذوفة اي لقتل واذا كان قتل هو الجواب فهو خبر انتهى وصاحب الاخدود مذكور في

السير وغيرها وحديثه في مسلم مطول وهو مالك دعا المؤمنين بالله الى الرجوع عن دينهم الى دينه وخد لهم في الارض اخاديد طويلة واضرم لهم نارا وجعل يطرح فيها من لم يرجع عن دينه حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست فقال لها الطفل يا امه اصبري فإنك على الحق فاقتحمت النار
وقوله النار بدل من الاخدود وهو بدل اشتمال قال ع وقال الربيع بن انس وابو اسحاق وابو العالية بعث الله على اولائك المؤمنين ريحا فقبضت ارواحهم او نحو هذا وخرجت النار فاحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الاخدود وعلى هذا يجيء قتل خبرا لادعاء
وقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات الآية فتنوهم اي احرقوهم ت قال الهروي قوله تعالى فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق اي لهم عذاب لكفرهم وعذاب باحراقهم المؤمنين انتهى قال ع ومن قال ان هذه الآيات الاواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب ويقوى هذا التاويل بعض التقوية قوله تعالى ثم لم يتوبوا لان هذا اللفظ في قريش اشبه منه في اولائك والبطش الاخذ بقوة
وقوله انه هو يبدئي ويعيد قال الضحاك وابن زيد معناه يبدئي الخلق بالانشاء ويعيدهم بالحشر وقال ابن عباس ما معناه ان ذلك عام في جميع الاشياء فهي عبارة على انه يفعل كل شيء اي يبدئي كل ما يبدأ ويعيد كل ما يعاد وهذان قسمان يستوفيان جميع الاشياء والجنود الجموع وفرعون وثمود في موضع خفض على البدل من الجنود ثم ترك القول بحاله واضرب عنه الى الاخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد وشرعه لا حجة لهم ولا برهان بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد ثم توعدهم سبحانه بقوله والله من روائهم محيط اي عذاب الله ونقمته من ورائهم اي يأتي بعد كفرهم وعصيانهم وقرأ الجمهور في لوح محفوظ بالخفض صفة للوح وقرأ نافع محفوظ بالرفع اي محفوظ في القلوب لا يدركه الخطأ والتبديل

تفسير سورة والسماء والطارق وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم الله تعالى بالسماء المعروفة في قول الجمهور وقيل السماء هنا هو المطر والطارق الذي يأتي ليلا ثم فسر تعالى هذا الطارق بانه النجم الثاقب واختلف في النجم الثاقب فقال الحسن بن ابي الحسن ما معناه انه اسم جنس لانها كلها ثاقبة اي ظاهرة الضوء يقال ثقب النجم اذا اضاء وقال ابن زيد اراد نجما مخصوصا وهو زحل وقال ابن عباس اراد الجدي وقال ابن زيد ايضا هو الثريا وجواب القسم في قوله ان كل نفس الآية وان هي المخففة من الثقيلة واللام في لما لام التاكيد الداخلة على الخبر هذا مذهب حذاق البصريين وقال الكوفيون ان بمعنى ما النافية واللام بمعنى الا فالتقدير ما كل نفس الا عليها حافظ ومعنى الآية فيما قال قتادة وغيره ان على كل نفس مكلفة حافظا يحصى اعمالها ويعدها للجزاء عليها وقال ابو امامة قال النبي ص - في تفسير هذه الآية ان لكل نفس حفظة من الله يذبون عنها كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل المرء الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين
وقوله تعالى فلينظر الانسان مم خلق توقيف لمنكري البعث على اصل الخلقة الدال على ان البعث جائز ممكن ثم بارد اللفظ الى الجواب اقتضابا واسراعا الى اقامة الحجة فقال خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب قال الحسن وغيره معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه وقال جماعة من بين صلب

الرجل وترائب المرأة والتريبة من الانسان ما بين الترقوة الى الثدي قال ابو عبيدة معلق الحلي الى الصدر وقيل غير هذا
وقوله تعالى انه على رجعه لقادر قال ابن عباس وقتادة المعنى ان الله على رد الانسان حيا بعد موته لقادر وهذا اظهر الاقوال هنا وابينها ودافق قال كثير من المفسرين هو بمعنى مدفوق والعامل في يوم الرجع من قوله على رجعه
وتبلى السرائر معناه تختبر وتكشف بواطنها وروى ابو الدرداء عن النبي ص - ان السرائر التي يبتليها الله من العباد التوحيد والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة قال ع وهذه معظم الامر وقال قتادة الوجه في الآية العموم في جميع السرائر ونقل ابن العربي في احكامه عن ابن مسعود ان هذه المذكورات من الصلاة والزكاة والوضوء والوديعة كلها امانة قال واشد ذلك الوديعة تمثل له اي لمن خانها على هيئتها يوم اخذها فترمى في قعر جهنم فيقال له اخرجها فيتبعها فيجعلها في عنقه فاذا اراد ان يخرج بها زلت منه فيتبعها فهو كذلك دهر الداهرين انتهى ت قال ابو عبيد الهروي قوله تعالى يوم تبلى السرائر الواحدة سريرة وهي الاعمال التي اسرها العباد انتهى والرجع المطر وماؤه وقال ابن عباس الرجع السحاب فيه المطر قال الحسن لانه يرجع بالرزق كل عام وقال غيره لانه يرجع الى الارض والصدع النبات لان الارض تتصدع عنه والضمير في انه للقرءان وفصل معناه جزم فصل الحقائق من الاباطيل والهزل اللعب الباطل ثم اخبر تعالى عن قريش انهم يكيدون في افعالهم واقوالهم بالنبي عليه السلام واكيد كيدا وهذا على مامر من تسمية العقوبة بإسم الذنب ورويدا معناه قليلا قاله قتادة وهذه حال هذه اللفظة اذا تقدمها شيء تصفه كقولك سيرا رويدا او تقدمها فعل يعمل فيها كهذه واما اذا ابتدأت بها فقلت رويدا يا فلان فهي بمعنى الامر بالتماهل ص رويدا ابو البقاء نعت لمصدر محذوف اي امهالا رويدا ورويدا تصغير رود وانشد ابو عبيدة

يمشي ولا تكلم البطحاء مشيته
كانه ثمل يمشي على رود اي على مهل ورفق انتهى
تفسير سورة سبح اسم ربك وهي مكية في قول الجمهور
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح في هذه الآية بمعنى نزة وقدس وقل جل سبحانه عن النقائص والغير جميعا وروي ابن عباس ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال سبحان ربي الاعلى وكان ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير يفعلون ذلك ولما نزلت قال النبي ص - اجعلوها في سجودكم وعن سلمة بن الاكوع قال ما سمعت النبي ص - يستفتح دعاء الا استفتحه بسبحان ربي الاعلى الوهاب رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد انتهى من سلاح المؤمن
وسوى معناه عدل واتقن
وقوله فهدى عام لوجوه الهدايات في الانسان والحيوان وقال الفراء معناه هدى واضل والعموم في الآية اصوب والمرعى النبات والغثاء ما يبس وجف وتحطم من النبات وهو الذي يحمله السيل والاحوى قيل هو الاخضر الذي عليه سواد من شدة الخضرة والغضارة فتقدير الآية الذي اخرج المرعى احوى اي اسود من خضرته وغضارته فجعله غثاء عند يبسه فاحوى حال وقال ابن عباس المعنى فجعله غثاء احوى اي اسود لان الغثاء اذا قدم واصابته الامطار اسود وتعفن فصار

احوى فهذا صفة
وقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى قال الحسن وقتادة ومالك ابن انس هذه الآية في معنى قوله تعالى لا تحرك به لسانك الاية وعده الله ان يقرئه واخبره انه لا ينسى نسيانا لا يكون بعده ذكر وقيل بل المعنى انه امره تعالى بان لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد وقال الجنيد معنى لاتنسى لا تترك العمل بما تضمن من امر ونهي
وقوله تعالى الا ما شاء الله قال الحسن وغيره معناه مما قضى الله بنسخه ورفع تلاوته وحكمه وقال ابن عباس الا ما شاء الله ان ينسيكه ليسن به على نحو قوله عليه السلام انى لا نسى او نسى لاسن قال ع ونسيان النبي ص - ممتنع فيما امر بتليغه اذ هو معصوم فاذا بلغه ووعي عنه فالنسيان جائز على ان يتذكر بعد ذلك او على ان يسن او على النسخ
وقوله تعالى ونيسرك لليسرى معناه نذهب بك نحو الامور المستحسنة في دنياك وءاخرتك من النصر والظفر ورفعة الرسالة وعلو المنزلة يوم القيامة والرفعة في الجنة ثم امره تعالى بالتذكير قال بعض الحذاق قوله تعالى ان نفعت الذكرى اعتراض بين الكلامين على جهة التوبيخ لقريش ثم اخبر تعالى انه سيذكر من يخشى الله والدار الآخرة وهم العلماء والمؤمنون كل بقدر ما وفق له ويتجنب الذكرى ونفعها من سبقت له الشقاوة
وتزكى معناه طهر نفسه ونماها بالخير ومن الاربعين حديثا المسندة لابي بكر محمد بن الحسين الآجري الامام المحدث قال في ءاخرها وحديث تمام الاربعين حديثا وهو حديث كبير جامع لكل خير حدثنا ابو بكر جعفر بن محمد الفريابي املاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين قال حدثنا ابراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال حدثني ابي عن جدي عن ابي ادريس الخولاني عن ابي ذر قال دخلت المسجد فاذا رسول الله ص - جالس فجلست اليه فقال يا ابا ذر للمسجد تحية وتحيته ركعتان قم فاركعهما قال فلما ركعتهما جلست اليه فقلت يا رسول الله انك

امرتنى بالصلاة فما الصلاة قال خير موضوع فاستكثر او استقلل الحديث وفيه قلت يا رسول الله كم كتابا انزل الله عز و جل قال مائة كتاب واربعة كتب انزل الله على شئت خمسين صحيفة وعلى خانوخ ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وانزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وانزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان قال قلت يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم قالت كانت امثالا كلها ايها الملك المسلط المبتلى المغرور انى لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضعا على بعض ولكني بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فإني لا اردها ولو من كافر وكان فيها امثال وعلى العاقل ان تكون له ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر في صنع الله عز و جل اليه وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل ان لا يكون ظاعنا الا لثلاث تزود لمعاد او مؤنة لمعاش او لذة في غير محرم وعلى العاقل ان يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شانه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعينه قال قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن ايقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن ايقن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها باهلها ثم أطمان اليها وعجبت لمن ايقن بالحساب غدا ثم لا يعمل قال قلت يا رسول الله فهل في ايدينا شيء مما كان في ايدي ابراهيم وموسى مما أنزل الله عز و جل عليك قال نعم اقرأ يا ابا ذر قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحيوة الدنيا الى ءاخر هذه السورة يعنى ان ذكر هذه الآيات لفى صحف ابراهيم وموسى قال قلت يا رسول الله فأوصنى قال اوصيك بتقوى الله عز و جل فإنه راس امرك قال قلت يا رسول الله زدنى قال عليك بتلاوة القراءن وذكر الله عز و جل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الارض قال قلت يا رسول الله زدنى قال واياك وكثرة الضحك فإنه يميت

القلب ويذهب بنور الوجه قال قلت يا رسول الله زدنى قال عليك بالجهاد فانه رهبانية امتى قال قلت يا رسول زدنى قال عليك بالصمت الا من خير فانه مطردة للشيطان وعون لك على امر دينك انتهى
وقوله تعالى وذكر اسم ربه اي وحده وصلى له الصلوات المفروضة وغيرها وقال ابو سعيد الخدري وغيره هذه الآية نزلت في صبيحة يوم الفطر فتزكي ادى زكاة الفطر وذكر اسم ربه في طريق المصلى وصلى صلاة العيد ثم اخبر تعالى الناس انهم يوثرون الحياة الدنيا وسبب الايثار حب العاجل والجهل ببقاء الآخرة وفضلها وروينا في كتاب الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص - استحيوا من الله حق الحياء قال فقلنا يا رسول الله انا نستحي والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن اراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء انتهى قال الغزالي وايثار الحياة الدنيا طبع غالب على الانسان ولذلك قال تعالى بل توثرون الحيوة الدنيا ثم بين سبحانه ان الشر قديم في الطباع وان ذلك مذكور في الكتب السالفة فقال ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى انتهى من الاحياء
وقوله تعالى ان هذا قال ابن زيد الاشارة بهذا الى هذين الخبرين افلاح من تزكى وايثار الناس للدنيا مع فضل الآخرة عليها وهذا هو الارجح لقرب المشار اليه وعن ابي بن كعب قال كان رسول الله ص - يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الاعلى وقل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد فاذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ويرفع رواه ابو داود والنساءي وهذا لفظه ورواه الدارقطني في سننه ولفظه فاذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته في الاخيرة ويقول رب الملائكة والروح انتهى من السلاح قال

النووي وروينا في سنن ابي داود والترمذي والنساءي عن علي رضي الله عنه ان النبي ص - كان يقول في ءاخر وتره اللهم اني اعوذ برضاك من سخطك واعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك قال الترمذي حديث حسن انتهى
تفسير سورة هل اتاك حديث الغاشية وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قال بعض المفسرين هل بمعنى قد وقال الحذاق هي على بابها توقيف فائدته تحريك نفس السامع الى تلقى الخبر والغاشية القيامة لانها تغشى العالم كله بهولها والوجوه الخاشعة هي وجوه الكفار وخشوعها ذلها وتغييرها بالعذاب
وقوله سبحانه عاملة ناصبة قال الحسن وغيره لم تعمل لله فى الدنيا فاعملها وانصبها فى النار والنصب التعب وقال ابن عباس وغيره المعنى عاملة في الدنيا ناصبة فيها على غير هدى فلا ثمره لعملها الا النصب وخاتمته النار قالوا والآية في القسيسين وكل مجتهد في كفر وقرأ أبو بكر عن عاصم وابو عمرو تصلى بضم التاء والباقون بفتحها والآنية التي قد انتهى حرها كما قال تعالى وبين حميم آن وقال ابن زيد ءانية حاضرة والضريع قال الحسن وجماعة هو الزقوم وقال ابن عباس وغيره الضريع شبرق النار وقال النبي ص - الضريع شوك في النار ت وهذا ان صح فلا يعدل عنه وقيل غير هذا ولما ذكر تعالى وجوه اهل النار عقب ذلك

بذكر وجوه اهل الجنة ليبين الفرق وقوله تعالى لسعيها يريد لعملها في الدنيا وطاعتها والمعنى لثواب سعيها والتنعيم عليه ووصف سبحانه الجنة بالعلو وذلك يصح من جهة المسافة والمكان ومن جهة المكانة والمنزلة ايضا
لا تسمع فيها لاغية قيل المعنى كلمة لاغية وقيل جماعة لاغية او فئة لاغية واللغو سقط القول قال الفخر قوله تعالى فيها سرر مرفوعة اي عالية في الهواء وذلك لاجل ان يرى المؤمن اذا جلس عليها جميع ما اعطاه الله تعالى في الجنة من النعيم والملك قال خارجة بن مصعب بلغنا ان بعضها فوق بعض فترتفع ما شاء الله فاذا جاء ولي الله ليجلس عليها تطامنت له فاذا استوى عليها ارتفعت الى حيث شاء الله سبحانه انتهى
واكواب موضوعة اي باشربتها معدة والنمرقة الوسادة والزرابي واحدها زربية وهي كالطنافس لها خمل قاله الفراء وهي ملونات ومبثوثة معناه كثيرة متفرقة ثم وقفهم سبحانه على مواضع العبرة في مخلوقاته والابل في هذه الآية هي الجمال المعروفة هذا قول الجمهور وفي الجمل ءايات وعبر لمن تأمل وكان شريح القاضي يقول لاصحابه اخرجوا بنا الى الكناسة حتى ننظر الى الابل كيف خلقت وقال المبرد الابل هنا السحاب لان العرب قد تسميها بذلك اذ تأتي ارسالا كالابل ونصبت معناه اثتبت قائمة في الهواء وظاهر الآية ان الارض سطح لا كرة وهو الذي عليه اهل العلم وقد تقدم الكلام على هذا المعنى ثم نفي ان يكون النبي ص - مصيطرا على الناس أي قاهرا جابرا لهم مع تكبر متسلطا عليهم وقوله تعالى الا من تولى وكفر قال بعض المتأولين الاستثناء متصل والمعنى الا من تولى فانك مصيطر عليه فالآية على هذا لا نسخ فيها وقال ءاخرون الاستثناء منفصل والمعنى لست عليهم بمصيطر لكن من تولى وكفر فيعذبه الله وهي ءاية موادعة منسوخة

بالسيف وهذا هو القول الصحيح لان السورة مكية والقتال انما نزل بالمدنية ص وقرأ زيد بن اسلم الا من تولى حرف تنبيه واستفتاح انتهى وقال ابن العربي في احكامه روى الترمذي وغيره ان النبي ص - قال امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا في دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله ثم قرأ فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمصيطر مفسرا معنى الآية وكاشفا خفاء الخفاء عنها المعنى اذا قال الناس لا اله الا الله فلست بمسلط على سرائرهم وانما عليك الظاهر وكل سرائرهم الى الله تعالى وهذا الحديث صحيح المعنى والله اعلم انتهى وايابهم مصدر من آب يئوب اذا رجع
تفسير سورة والفجر وهي مكية عند الجمهور وقيل مدنية والاول اصح واشهر
بسم الله الرحمن الرحيم
الفجر هنا عند الجمهور هو المشهور المعروف الطالع كل يوم وقال ابن عباس

وغيره الفجر الذي اقسم الله به صلاة الصبح وقيل غير هذا واختلف في الليالي العشر فقيل العشر الاول من رمضان وقيل العشر الاواخر منه وقيل عشر ذي الحجة وقيل غير هذا والله اعلم بما اراد فان صح عن النبي ص - شيء في هذا صير اليه واختلف في الشفع والوتر ما هما على اقوال كثيرة وروى عمران بن حصين عن النبي ص - انه قال هي الصلوات منها الشفع ومنها الوتر وسرى الليل هو ذهابه وانقراضه هذا قول الجمهور وقيل المعنى اذا يسرى فيه
هل في ذلك قسم لذي حجر اي هل في هذه الاقسام مقنع لذي عقل ثم وقف تعالى على مصارع الامم الخالية وعاد قبيلة بلا خلاف واختلف في ارم فقال مجاهد هي القبيلة بعينها وقال ابن اسحاق ارم هو ابو عاد كلها وقال الجمهور ارم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن واختلف في قوله تعالى ذات العماد فمن قال ارم المدينة قال العماد اعمدة الحجارة التي بنيت بها وقيل القصور العالية والابراج يقال لها عماد ومن قال ارم قبيلة قال العماد اما اعمدة بنيانهم واما اعمدة بيوتهم التي يرحلون بها قاله جماعة والضمير في مثلها يعود اما على المدينة واما على القبيلة
وجابوا الصخر معناه خرقوه ونحتوه وكانوا في واديهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة وفوعون هو فرعون موسى واختلف في اوتاده فقيل ابنيته العالية وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد اوتادا خبية عساكره وذكرت لكثرتها قاله ابن عباس وقال مجاهد كان يوتد الناس باوتاد حديد يقتلهم بذلك يضربها في ابدانهم حتى تنفذ الى الارض وقيل غير هذا والصب مستعمل في السوط وانما خص السوط بان يستعار للعذاب لانه يقتضى من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره وقال بعض اللغويين السوط هنا مصدر من ساط يسوط اذا خلط فكانه قال خلط عذاب ص قال ابن الانباري ان ربك لبالمرصاد هو جواب القسم وقيل محذوف وقيل الجواب هل في ذلك

وهل بمعنى ان وليس بشيء انتهى والمرصاد والمرصد موضع الرصد قاله بعض اللغويين اي انه تعالى عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل واذا علم العبد ان مولاه له بالمرصاد ودامت مراقبته في الفؤاد حضره الخوف والحذر لا محالة واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه قال ابو حامد في الاحياء وبحسب معرفة العبد بعيوب نفسه ومعرفته بجلال ربه وتعاليه واستغنائه وانه لا يسئل عما يفعل تكون قوة خوفه فاخوف الناس لربه اعرفهم بنفسه وبربه ولذا قال ص - انا اخوفكم لله ولذلك قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء ثم اذا كملت المعرفة اورثت الخوف واحتراق القلب ثم يفيض اثر الحرقة من القلب على البدن فتنقمع الشهوات وتحترق بالخوف ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانة ويصير العبد مستوعب الهم بخوفه والنظر في خطر عاقبته فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل الا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالانفاس واللحظات ومواخذة النفس في الخطرات والخطوات والكلمات ثم قال واعلم انه لا تنقمع الشهوات بشيء كما تنقمع بنار الخوف انتهى
وقوله سبحانه فاما الانسان اذا ما ابتلاه ربه الآية ذكر تعالى في هذه الآية ما كانت قريش تقوله وتستدل به على اكرام الله واهانته لعبده وجاء هذا التوبيخ في الآية لجنس الانسان اذ قد يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع وابتلاه معناه اختبره ونعمه اي جعله ذا نعمة
وقدر بتخفيف الدال بمعنى ضيق ثم قال تعالى كلا ردا على قولهم ومعتقدهم اي ليس اكرام الله تعالى واهانته كذلك وانما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغنى ان يشكر ويطيع ومن ابتلي بالفقر ان يشكر ويصبر واما اكرام الله فهو بالتقوى واهانته فبالمعصية وطعام في هذه الآية بمعنى اطعام ثم عدد عليهم جدهم في اكل التراث لانهم كانوا كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الاولاد وانما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمى الحوزة واللم الجمع واللف

قال الحسن هو ان يأخذ في الميراث حظه وحظ غيره والجم الكثير الشديد ومنه قول الشاعر ... ان تغفر اللهم تغفر جما ... واي عبد لك الا الما ...
ومنه الجم من الناس ودك الارض تسويتها
وقوله تعالى وجاء ربك معناه جاء امره وقضاؤه وقال منذر بن سعيد معناه ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة وكذلك مجيء الصاخة ومجيء الطامة والملك اسم جنس يريد به جميع الملائكة وصفا اي صفوفا حول الارض يوم القيامة على ما تقدم في غير هذا الموضع وجيء يومئذ بجهنم روي في قوله تعالى وجيء يومئذ بجهنم انها تساق الى المحشر بسبعين الف زمام يمسك كل زمام سبعون الف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل باختلاف الفاظ
وقوله تعالى يومئذ يتذكر الانسان معناه يتذكر عصيانه وما فاته من العمل الصالح وقال الثعلبي يومئذ يتذكر الانسان اي يتعظ ويتوب وانى له الذكرى انتهى
وقوله يا ليتنى قدمت لحياتي قال الجمهور معناه لحياتي الباقية يريد في الآخرة
فيومئذ لا يعذب عذابه احد اي لا يعذب كعذاب الله احد في الدنيا ولا يوثق كوثاقه احد ويحتمل المعنى ان الله تعالى لا يكل عذاب الكافر يومئذ الى احد وقرأ الكساءي بفتح الذال والثاء اي لا يعذب كعذاب الكافر احد من الناس ثم عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال يا ايتها النفس المطمئنة الآية والمطمئنة معناه الموقنة غاية اليقين الا ترى قول ابراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي فهي درجة زائدة على الايمان واختلف في هذا النداء متى يقع فقال جماعة عند خروج روح المؤمن وروي في ذلك حديث وفي عبادى اي في عداد عبادى الصالحين وقال قوم النداء عند قيام الاجساد من القبور فقوله ارجعي الى ربك معناه بالبعث وادخلى في عبادى اي في الاجساد وقيل النداء

هو الآن للمؤمنين وقال ءاخرون هذا النداء انما هو في الموقف عند ما ينطلق بأهل النار الى النار ت ولا مانع ان يكون النداء في جميع هذه المواطن ولما تكلم ابن عطاء الله في مراعاة احوال النفس قال رب صاحب ورد عطله عن ورده او الحضور فيه مع ربه هم التدبير في المعيشة وغيرها من مصالح النفس وانواع وساوس الشيطان في التدبير لا تنحصر ومتى اعطاك الله سبحانه الفهم عنه عرفك كيف تصنع فأي عبد توفر عقله واتسع نوره نزلت عليه السكينة من ربه فسكنت نفسه عن الاضطراب ووثقت بولي الاسباب فكانت مطمئنة اي خامدة ساكنة مستسلمة لاحكام الله ثابتة لا قداره وممدودة بتاييده وانواره فاطمأنت لمولاها لعلمها بانه يراها او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد فاستحقت ان يقال لها يا ايتها النفس المطئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية وفي الآية خصائص عظيمة لها منها ترفيع شأنها بتكنيتها ومدحها بالطمانينة ثناء منه سبحانه عليها بالإستسلام اليه والتوكل عليه والمطمئن المنخفض من الارض فلما انخفضت بتواضعها وانكسارها اثنى عليها مولاها ومنها قوله راضية اي عن الله في الدنيا باحكامه ومرضية في الآخرة يحوده وانعامه وفي ذلك اشارة للعبد انه لا يحصل له ان يكون مرضيا عند الله في الآخرة حتى يكون راضيا عن الله في الدنيا انتهى من التنوير
تفسير

سورة البلد
وهي مكية في قول الجمهور وقيل مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لا اقسم بهذا البلد الكلام في لا تقدم في لا اقسم والبلد هو

مكة
وقوله تعالى وانت حل قال ابن عباس وجماعة معناه وانت حلال بهذا البلد يحل لك فيه قتل من شئت وكان هذا يوم فتح مكة وعلى هذا يتركب قول من قال السورة مدنية نزلت عام الفتح وقال ءاخرون المعنى وانت حال ساكن بهذا البلد
وقوله تعالى ووالد وما ولد قال مجاهد هو ءادم وجميع ولده وقال ابن عباس ما معناه ان الوالد والولد هنا على العموم فهي اسماء جنس يدخل فيها جميع الحيوان والقسم واقع على قوله لقد خلقنا الانسان في كبد قال الجمهور الانسان اسم جنس والكبد المشقة والمكابدة اي يكابد امر الدنيا والآخرة وروي ان سبب نزول هذه الآية رجل من قريش يقال له ابو الاشد وقيل نزلت في عمرو بن عبدود وقال مقاتل نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل اذنب فاستفتى النبي ص - فامره بالكفارة فقال لقد اهلكت مالا في الكفارة والنفقات مذ تبعت محمدا وكان كل واحد منهم قد ادعى انه انفق مالا كثيرا على افساد امر النبي ص - او في الكفارات على ما تقدم
وقوله اهلكت مالا لبدا اي انفقت مالا كثيرا ومن قال ان المراد اسم الجنس غير معين جعل قوله ايحسب ان لم يره احد بمعنى ايظن الانسان ان ليس عليه حفظة يرون اعماله ويحصونها الى يوم الجزاء قال السهيلي وهذه الآية وان نزلت في ابي الاشد فان الالف واللام في الانسان للجنس فيشترك معه في الخطاب كل من ظن ظنه وفعل مثل فعله وعلى هذا اكثر القرءان ينزل في السبب الخاص بلفظ عام يتناول المعنى العام انتهى وخرج مسلم عن ابي برزة قال قال رسول الله ص - لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيما افناه وعن جسده فيما ابلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وخرجه ايضا الترمذي وقال فيه حديث حسن صحيح انتهى وقرأ الجمهور لبدا اي كثيرا متلبدا بعضه فوق بعض ثم عدد تعالى على

الانسان نعمه في جوارحه والنجدين قال ابن عباس والناس هما طريقا الخير والشر اي عرضنا عليه طريقهما وليست الهداية هنا بمعنى الارشاد وقال الضحاك النجدان ثديا الام وهذا مثال والنجد الطريق المرتفع
وقوله تعالى فلا اقتحم العقبة الآية قوله فلا هو عند الجمهور تحضيض بمعنى الا اقتحم والعقبة في هذه الآية على عرف الكلام العرب استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل واقتحم معناه دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة ثم عظم تعالى امر العقبة في النفوس بقوله وما ادراك ما العقبة ثم فسر اقتحام العقبة بقوله فك رقبة الآية وهذا على قراءة من قرأ فك رقبة بالرفع على المصدر واما من قرأ فك رقبة او اطعم على الفعل ونصب الرقبة وهي قراءة ابي عمرو فليس يحتاج ان يقدر وما ادراك ما اقتحام بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ويجيء فك بدلا من اقتحم ومبينا له وفك الرقبة هو عتقها من ربقة الاسر او الرق وفي الحديث عن النبي ص - من اعتق نسمة مؤمنة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار والمسبغة المجاعة والساغب الجائع وذا مقربة معناه ذا قرابة لتجتمع الصدقة والصلة وذا متربة معناه مدقعا قد لصق بالتراب وهذا ينحو الى ان المسكين اشد فاقة من الفقير قال سفيان هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب لا بيوت لهم وقال ابن عباس هو الذي يخرج من بيته ثم يقلب وجهه الى بيته مستيقنا انه ليس فيه الا التراب
وقوله تعالى ثم كان معطوف على قوله اقتحم والمعنى ثم كان وقت اقتحامه العقبة من الذين ءامنوا
وقوله تعالى وتواصوا بالصبر معناه على طاعة الله وبلائه وقضائه وعن الشهوات والمعاصي والمرحمة قال ابن عباس كل ما يؤدي الى رحمة الله تعالى وقال ءاخرون هو التراحم والتعاطف بين الناس وفي ذلك قوام الناس ولو لم يتراحموا جملة لهلكوا والميمنة فيما روي عن يمين العرش

وهو موضع الجنة ومكان المرحومين من الناس والمشأمة الجانب الاشأم وهو الايسر وفيه جهنم وهو طريق المعذبين وموصدة معناه مطبقة مغلقة
تفسير سورة والشمس وضحاها وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم الله تعالى بالشمس اما على التنبيه منها على الاعتبار المؤدي الى معرفة الله تعالى واما على تقدير ورب الشمس والضحى بالضم والقصر ارتفاع ضوء الشمس واشراقه قاله مجاهد وقال مقاتل ضحاها حرها كقوله في طه ولا تضحى والضحاء بفتح الضاد والمد ما فوق ذلك الى الزوال والقمر يتلو الشمس من اول الشهر الى نصفه في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ويتلوها في النصف الآخر بنحو آخر وهو ان تعرب هي فيطلع هو وقال الحسن تلاها معناه تبعها دأبا في كل وقت لانه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك وقال الزجاج وغيره تلاها في المنزلة من الضياء والقدر لانه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر
وقوله والنهار ظاهر هذه السورة والتي بعدها ان النهار من طلوع الشمس وكذلك قال الزجاج في كتاب الانواءوغيره واليوم من طلوع الفجر ولا يختلف ان نهايتهما مغيب الشمس والضمير في جلاها يحتمل ان يعود على الشمس ويحتمل ان يعود على الارض او على الظلمة وان كان لم يجر لذلك ذكر فالمعنى يقتضيه قاله الزجاج وجلى معناه كشف وضوى والفاعل بجلى على هذه التاويلات النهار ويحتمل ان يكون الفاعل الله تعالى كانه قال والنهار اذ جلى الله

الشمس فاقسم بالنهار في اكمل حالاته ويغشي معناه يغطى والضمير للشمس على تجوز في المعنى او للارض
وقوله تعالى وما بناها وكل ما بعده من نظائره في السورة يحتمل ان تكون ما فيه بمعنى الذي قاله ابو عبيدة اي ومن بناها وهو قول الحسن ومجاهد فيجيء القسم بالله تعالى ويحتمل ان تكون ما في جميع ذلك مصدرية قاله قتادة والمبرد والزجاج كانه قال والسماء وبنائها وطحا بمعنى دحا ت قال الهروي قوله تعالى والارض وما طحاها اي بسطها فاوسعها ويقال طحا به الامر اي اتسع به في المذهب انتهى والنفس التي اقسم بها سبحانه اسم جنس وتسويتها اكمال عقلها ونظرها الثعلبي فسواها اي عدل خلقها انتهى
وقوله سبحانه فالهمها فجورها وتقواها اي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور او اكتساب التقوى وجواب القسم في قوله قد افلح والتقدير لقد افلح زاد ص وحذفت اللام للطول انتهى والفاعل بزكى يحتمل ان يكون الله تعالى قاله ابن عباس وغيره ويحتمل ان يكون الانسان قاله الحسن وغيره وزكاها اي طهرها ونماها بالخيرات ودساها معناه اخفاها وحقرها وصغر قدرها بالمعاصى والبخل بما يجب واصل دسى دسس ومنه قول الشاعر ... ودسست عمرا في التراب فاصبحت ... حلائله منه ارامل ضيعا ...
ت قال الشيخ ابو عبدالرحمن السلمي ومن عيوب النفس الشفقة عليها والقيام بتعهدها وتحصيل مئاربها ومداواتها الاعراض عنها وقلة الاشتغال بها كذلك سمعت جدي يقول من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه انتهى من تاليفه في عيوب النفس وروي ان النبي ص - كان اذا قرأ هذه الآية قال اللهم ءات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها قال صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية النفس الزكية زينتها نزاهتها

وعافيتها عفتها وطهارتها ورعها وغناها ثقتها بمولاها وعلمها بأنه لا ينساها انتهى ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم والطغوى مصدر وقال ابن عباس الطغوى هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم ويؤيده قوله تعالى فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية وقال جمهور من المتأولين الباء سببية والمعنى كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها واشقاها هو قدار ابن سالف وقد تقدم قصصهم ت وناقة الله وسقياها قيل نصب بفعل مضمر تقديره احفظوا او ذروا وقال ص ناقة الله الجمهور بنصب ناقة على التحذير اي احذروا ناقة الله وهو مما يجب اضمار عامله انتهى ودمدم معناه انزل العذاب مقلقلا لهم مكررا ذلك وهي الدمدمة الثعلبي قال مؤرج الدمدمة اهلاك باستيصال انتهى وكذلك قال ابو حيان وقال الهروي قال الازهري فدمدم عليهم ربهم اي اطبق عليهم العذاب وقيل فدمدم عليهم اي غضب عليهم انتهى
وقوله تعالى فسواها اي فسوى القبيلة في الهلاك لم ينج منهم احد وقرأ نافع وابن عامر فلا يخاف عقباها والمعنى فلا درك على الله تعالى في فعله بهم وهذا قول ابن عباس والحسن ويحتمل ان يكون الفاعل بيخاف صالحا عليه السلام اي لا يخاف عقبى هذه الفعلة بهم اذ كان قد انذرهم وقرأ الباقون ولا يخاف بالواو فتحتمل الوجهين وتحتمل هذه القراءة وجها ثالثا ان يكون الفاعل بيخاف المنبعث قاله الزجاج والضحاك والسدي وغيرهم وتكون الواو واو الحال كانه قال انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله

تفسير سورة والليل وهي مكية في قول المجهور
بسم الله الرحمن الرحيم
اقسم تعالى بالليل اذا غشي الارض وجميع ما فيها وبالنهار اذا تجلى اي ظهر وضوى الآفاق وقال ص يغشي مفعوله محذوف فيحتمل ان يكون النهار كقوله يغشى الليل النهار او الشمس كقوله تعالى والليل اذا يغشاها وقيل الارض وما فيها انتهى
وقوله تعالى وما خلق الذكر والانثى يحتمل ان تكون ما بمعنى الذي ويحتمل ان تكون مصدرية والذكر والانثى هنا عام وقال الحسن المراد ءادم وحواء والسعي العمل فاخبر تعالى مقسما ان اعمال العباد شتى اي مفترقة جدا بعضها في رضى الله وبعضها في سخطه ثم قسم تعالى الساعين فقال فاما من اعطى واتقى الآية ويروي ان هذه الآية نزلت في ابي بكر الصديق رضي الله عنه
وقوله تعالى وصدق بالحسنى قيل هي لا اله الا الله وقيل هي الخلف الذي وعد الله به وقيل هي الجنة وقال كثير من المتأولين الحسنى الاجر والثواب مجملا والعسرى الحال السيئة في الدنيا والآخرة ومن جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال ايضا لتعظم المذمة ومن جعل بخل عاما في جميع ما ينبغي ان يبذل من قول او فعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه وظاهر قوله وما يغنى عنه ماله ان الاعطاء والبخل المذكورين انما هما في المال
وقوله تعالى اذا تردى قال قتادة وغيره معناه تردى في جهنم وقال مجاهد تردى معناه هلك من الردى وخرج البخاري وغيره عن علي رضي الله عنه قال كنا مع النبي ص - في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم من احد او ما من

نفس منفوسة الا وقد كتب مكانها من الجنة والنار والا قد كتبت شقية او سعيدة فقالوا يا رسول الله افلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من اهل السعادة فسيصير الى اهل السعادة ومن كان منا من اهل الشقاء فسيصير الى عمل اهل الشقاء قال اما اهل السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة واما اهل الشقاوة فييسرون لعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى الى قوله للعسرى وفي رواية لما قيل له افلا نتكل على كتابنا قال لا بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له الحديث وخرجه الترمذي ايضا انتهى قال ابن العربي في احكامه وسأل شابان رسول الله ص - فقالا العمل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير ام فى شيء مستانف فقال بل فيما جفت به الاقلام وجرت به المقادير قالا ففيم العمل اذن قال اعملوا فكل ميسر لعمله الذي خلق له قالا فالآن نجد ونعمل انتهى وقال قوم معنى تردى اي باكفانه من الرداء ومنه قول الشاعر ... نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداء ان تلوى فيهما وحنوط ...
ثم اخبر تعالى ان عليه هدى الناس جميعا اي تعريفهم بالسبل كلها وليست هذه الهداية بالارشاد الى الايمان ولو كان ذلك لم يوجد كافر قال البخاري تلظى توهج وقال الثعلبي تتوقد وتتوهج انتهى
وقوله سبحانه لا يصلاها الا الاشقى المعنى لا يصلاها صلي خلود ومن هنا ضلت المرجئة لانها اخذت نفي الصلي مطلقا ولم يختلف اهل التاويل ان المراد بالاتقي الى ءاخر السوة ابو بكر الصديق ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات وباقي الآية بين ثم وعده تعالى بالرضى في الآخرة وهذه عدة لابي بكر رضي الله عنه

تفسير سورة والضحى وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدم تفسير الضحى بانه سطوع الضوء وعظمه وقال قتادة الضحى هنا النهار كله وسجى معناه سكن واستقر ليلا تاما وقيل معناه اقبل وقيل معناه ادبر والاول اصح وعليه شواهد وقال البخاري قال مجاهد اذا سجى استوى وقال غيره اظلم وسكن انتهى وقرأ الجمهور ما ودعك بشد الدال من التوديع وقرئى بالتخفيف بمعنى ما تركك وقال البخاري ما ودعك ربك بالتشديد والتخفيف ما تركك انتهى
وقلى ابغض نزلت بسبب ابطاء الوحي مدة وللآخرة يعنى الدار الآخرة خير لك من الدنيا ولسوف يعطيك ربك فترضى قيل هي ارجى ءاية في القرءان لانه ص - لا يرضى وواحد من امته في النار وروي انه عليه السلام قال لما نزلت اذن لا ارضى واحد من امتى في النار قال عياض وهذه ءاية جامعة لوجوه الكرامة وانواع السعادة في الدارين انتهى ت وفي صحيح مسلم من رواية عبدالله بن عمرو بن العاصى ان النبي ص - تلا قول الله عز و جل في ابراهيم عليه السلام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم وقول عيسى عليه السلام ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال اللهم امتى امتى وبكى فقال الله جل ثناؤه يا جبريل اذهب الى محمد فقل له انا سنرضيك في امتك ولا نسوءك انتهى مختصرا ثم وقف تعالى نبيه على المراتب التي درجه عنها بانعامه فقال الم يجدك يتيما فئاوى
وقوله تعالى ووجدك ضالا فهدى اختلف الناس في تاويله والضلال يختلف فمنه البعيد

ومنه القريب فالبعيد ضلال الكفار وهذا قد عصم الله منه نبيه فلم يعبد ص - صنما قط ولا تابع الكفار على شيء مما هم عليه من الباطل وانما ضلاله ص - هو كونه واقفا لا يميز المهيع بل يدبر وينظر وقال الترمذي وعبدالعزيز بن يحيى ضالا معناه خامل الذكر لا يعرفك الناس فهداهم اليك ربك والصواب انه ضلال من توقف لا يدرى كما قال عز و جل ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان وقال الثعلبي قال بعض المتكلمين اذا وجدت العرب شجرة مفردة في فلاة سموها ضالة فيهتدى بها الى الطريق اي فوجدتك وحيدا ليس معك نبي غيرك فهديت بك الخلق الي انتهى قال عياض قال الجنيد المعنى ووجدك متحيرا في بيان ما انزل اليك فهداك لبيانه لقوله وانزلنا اليك الذكر الآية قال عياض ولا اعلم احدا من المفسرين قال فيها ضالا عن الايمان وكذلك في قصة موسى عليه السلام قوله فعلتها اذا وانا من الضالين اي المخطئين وقال ابن عطاء ووجدك ضالا اي محبا لمعرفتي والضال المحب كما قال تعالى انك لفي ضلالك القديم اي محبتك القديمة انتهى والعائل الفقير فاغنى اي بالقناعة والصبر ثم وصاه تعالى بثلاث وصايا بازاء هذه النعم الثلاث والسائل هنا قال ابو الدرداء هو السائل عن العلم وقيل هو سائل المال وقال ابراهيم بن ادهم نعم القوم السؤال يحملنا زادنا الى الآخرة
وقوله تعالى واما بنعمة ربك فحدث قال مجاهد وغيره معناه بث القرءان وبلغ ما ارسلت به قال عياض وهذا الامر يعم الامة انتهى وقال ءاخرون بل هو عموم في جميع النعم وفي سنن ابي داود عن النبي ص - قال اعطوا الاجير حقه قبل ان يجف عرقه واعطوا السائل وان جاء على فرس قال البغوي في المصابيح هذا حديث مرسل انتهى

تفسير سورة الم نشرح وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
عدد الله تعالى على نبيه نعمه عليه في ان شرح صدره للنبوءة وهيأه لها وذهب الجمهور الى ان شرح الصدر المذكور انما هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقى ما يوحى اليه وقال ابن عباس وجماعة هذه اشارة الى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره وفي وقت الاسراء اذ التشريح شق اللحم والوزر الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثقل الذي كان يجده ص - في نفسه من اجل ما كانت قريش فيه من عبادة الاصنام فرفع الله عنه ذلك الثقل بنبوته وارساله وقال ابو عبيدة وغيره المعنى خففنا عنك اثقال النبوءة واعناك على الناس وقيل الوزر هنا الذنوب نظير قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وقد تقدم بيانه الثعلبي وقيل معناه عصمناك من احتمال الوزر انتهى وانقض معناه جعله نقضا اي هزيلا من الثقل قال عياض ومعنى انقض اي كاد ينقضه انتهى ورفعنا لك ذكرك اي نوهنا باسمك قال ع ورفع الذكر نعمة على الرسول وكذلك هو جميل حسن للقائمين بامور الناس وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة والمعنى في هذا التعديد انا قد فعلنا جميع هذا بك فلا تكترث باذى قريش فان الذي فعل بك هذه النعم سيظفرك بهم قال عياض وروى ابو سعيد الخدري ان النبي ص - قال اتاني جبريل فقال ان ربي وربك يقول اتدرى كيف رفعت ذكرك قلت الله تعالى اعلم قال اذا ذكرت ذكرت معي انتهى ثم قوى سبحانه رجاءه بقوله فان مع العسر يسرا وكرر تعالى ذلك مبالغة وذهب كثير من العلماء الى ان مع كل عسر يسرين بهذه الآية من حيث

ان العسر معرف للعهد واليسر منكر فالاول غير الثاني وقد جاء في هذا التأويل حديث عن النبي ص - انه قال لن يغلب عسر يسرين ثم امر تعالى نبيه اذا فرغ من شغل من اشغال النبوة والعبادة ان ينصب في ءاخر والنصب التعب والمعنى ان يدأب على ما امر به ولا يفتر وقال ابن عباس اذا فرغت من فرضك فانصب في التنفل عبادة لربك ونحوه عن ابن مسعود وعن مجاهد فاذا فرغت من العبادة فانصب في الدعاء
وقوله تعالى والى ربك فارغب امر بالتوكل على الله عز و جل وصرف وجوه الرغبات اليه لا الى سواه
تفسير سورة والتين وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس وغيره التين والزيتون المقسم بهما هما المعروفان وقال السهيلي اقسم تعالى بطور تينا وطور زيتا وهما جبلان عند بيت المقدس وكذلك طور سيناء ويقال ان سيناء هي الحجارة والطور عند اكثر الناس هو الجبل وقال الماوردي ليس كل جبل يقال له طور الا ان تكون فيه الاشجار والثمار والا فهو جبل فقط انتهى وطور سينين جبل بالشام والبلد الامين مكة والقسم واقع على قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم اي في احسن تقويم ينبغي له وقال بعض العلماء بالعموم اي الانسان احسن المخلوقات تقويما ولم ير قوم الحنث على من حلف بالطلاق ان زوجته احسن من الشمس محتجين بهذه الآية وحسن التقويم يشمل جميع محاسن الانسان الظاهرة والباطنة من حسن صورته

وانتصاب قامته وكمال عقله وحسن تمييزه والانسان هنا اسم جنس وتقدير الكلام في تقويم احسن تقويم لان احسن صفة لا بد ان تجري على موصوف
ثم رددناه اسفل سافلين قال قتادة وغيره معناه بالهرم وذهول العقل وهذه عبرة منصوبة وعبارة الثعلبي في احسن تقويم قيل اعتداله واستواء شبابه وهو احسن ما يكون ثم رددناه اسفل سافلين بالهرم كما قال الى ارذل العمر والسافلون الهرمى والزمنى والذين حبسهم عذرهم عن الجهاد فى عهد النبي ص - فانزل الله عذرهم واخبرهم ان لهم اجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم انتهى وفي البخاري عنه ص - اذا مرض العبد او سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا وهكذا قال في الذين حبسهم العذر انتهى قال ص الا الذين قيل منقطع بناء على ان معنى اسفل سافلين بالهرم وذهول العقل وقيل متصل بناء على ان معناه في النار على كفره انتهى قال ع وفي حديث عن انس قال قال رسول الله ص - اذا بلغ المؤمن خمسين سنة خفف الله حسابه فاذا بلغ ستين رزقه الانابة اليه فاذا بلغ سبعين احبه اهل السماء فاذا بلغ ثمانين كتبت حسناته وتجاوز الله عن سيئاته فاذا بلغ تسعين غفرت ذنوبه وشفع في اهل بيته وكان اسير الله في ارضه فاذا بلغ مائة ولم يعمل شيأ كتب له مثل ما كان يعمل في صحته ولم تكتب عليه سيئة وفي حديث ان المؤمن اذا رد الى ارذل العمر كتب له خيرا ما كان يعمل في قوته وذلك اجر غير ممنون ثم قال سبحانه الزاما للحجة وتوبيخا للكافر فما يكذبك ايها الانسان اي فما يجعلك ان تكذب بعد هذه الحجة بالدين وقال قتادة المعنى فمن يكذبك يا محمد فيما تخبر به من الجزاء والحساب وهو الدين بعد هذه العبر ويحتمل ان يريد بالدين جميع دينه وشرعه وروي عن قتادة ان النبي ص - كان اذا قرأ اليس الله باحكم الحاكمين قال بلى وانا على ذلك من

الشاهدين قال ابن العربي في احكامه روى الترمذي وغيره عن ابي هريرة ان النبي ص - قال اذا قرأ احدكم اليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن رواية عبدالله اذا قرأ احدكم او سمع اليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى انتهى ت وهذان الحديثان وان كان قد ضعفهما ابن العربي فهما مما ينبغي ذكرهما في فضائل الاعمال والله الموفق بفضله
تفسير سورة القلم وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اقرأ باسم ربك هو اول ما نزل من كتاب الله تعالى نزل صدر هذه الآية الى قولهما لم يعلم في غار حراء حسب ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ومعنى قوله اقرأ باسم ربك اي اقرأ هذا القرءان باسم ربك اي مبتدئا باسم ربك ويحتمل ان يكون المقروء الذي امر بقراءته هو باسم ربك الذي خلق كأنه قيل له اقرأ هذا اللفظ والعلق جمع علقة وهي القطعة اليسيرة من الدم والانسان هنا اسم جنس ثم قال تعالى اقرأ وربك الاكرم على جهة التأنيس كأنه يقول امض لما امرت به وربك ليس كهذه الارباب بل هو الاكرم الذي لا يلحقه نقص ثم عدد تعالى نعمة الكتابة بالقلم على الناس وهي من اعظم النعم
وعلم الانسان ما لم يعلم قيل هو ءادم وقيل هو اسم جنس وهو الاظهر
وقوله تعالى كلا ان الانسان ليطغى الى ءاخر السورة نزلت في ابي جهل وذلك انه طغى لغناه وكثرة من يغشى ناديه فناصب رسول الله ص - ونهاه

عن الصلاة في المسجد وقال لئن رأيت محمدا يسجد عند الكعبة لاطأن عتقه فيروى ان النبي ص - رد عليه القول وانتهره وعبارة الداودي فتهدده النبي ص - فقال ابو جهل اتهددنى اما والله اني لاكثر اهل الوادى ناديا فنزلت الآية انتهى وكلا رد على ابي جهل ويتجه ان تكون بمعنى حقا والضمير في رءاه للانسان المذكور كأنه قال ان رأي نفسه غنيا وهي رؤية قبيلة ولذلك جاز ان يعمل فعل الفاعل في نفسه كما تقول وجدتنى وظننتنى ثم حقر تعالى غنى هذا الانسان وحاله بقوله ان الى ربك الرجعى اي بالحشر والبعث يوم القيامة وفي هذا الخبر وعيد للطاغين من الناس ثم صرح بذكر الناهي لمحمد عليه السلام ولا خلاف ان الناهي ابو جهل وان العبد المصلي هو محمد عليه السلام
وقوله تعالى الم يعلم بان الله يرى اكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوقيفات الثلاث يصلح مع كل واحد منها ت وفي قوله تعالى الم يعلم بان الله يرى ما يثير الهمم الراكدة
ويسيل العيون الجامدة
ويبعث على الحياء والمراقبة قال الغزالي اعلم ان الله مطلع على ضميرك ومشرف على ظاهرك وباطنك فتأدب ايها المسكين ظاهرا وباطنا بين يديه سبحانه واجتهد ان لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث امرك ولا تدع عنك التفكر في قرب الاجل
وحلول الموت القاطع للامل
وخروج الامر من الاختيار
وحصول الحسرة والندامة بطول الاغترار
انتهى ثم توعده تعالى ان لم ينته ليوخذن بناصيته فيجر الى جهنم ذليلا تقول العرب سفعت بيدي ناصية الفرس والرجل اذا جذبتها مذللة وقال بعض العلماء بالتفسير معناه لتحقرن من قولهم سفعته النار واكتفى بذكر الناصية لدلاتها على الوجه والرأس والناصية مقدم شعر الرأس ثم ابدل النكرة من المعرفة فى قوله ناصية كاذبة ووصفها بالكذب والخطا من حيث هي صفات لصاحبها
فليدع ناديه اي اهل مجلسه والنادى

والندي المجلس ومنه دار الندوة وقال البخاري قال مجاهد ناديه عشيرته
وقوله سندع الزبانية اي ملائكة العذاب ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام كلا لا تطعه اي لا تلتفت الى نهيه وكلامه واسجد لربك واقترب اليه بسجودك وفي الحديث اقرب ما يكون العبد من ربه اذا سجد فاكثروا من الدعاء في السجود فقمن ان يستجاب لكم وروى ابن وهب عن جماعة من اهل العلم ان قوله واسجد خطاب للنبي ص - وان قوله واقترب خطاب لابي جهل اي ان كنت تجترئي حتى ترى كيف تهلك ت والتاويل الاول اظهر يدل عليه قوله ص - اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وعن ربيعة بن كعب الاسلمي قال كنت ابيت مع النبي ص - فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي سل فقلت اسألك مرافقتك في الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذاك قال فاعنى على نفسك بكثرة السجود رواه الجماعة الا البخاري ولفظ الترمذي كنت ابيت عند باب النبي ص - فاعطيه وضوءه فاسمعه الهوي من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه الهوي من الليل يقول الحمد لله رب العالمين قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وليس لربيعة في الكتب الستة سوى هذا الحديث انتهى من السلاح وروي ان ابا جهل جاء والنبي ص - يصلى فهم بان يصل اليه ويمنعه من الصلاة ثم كع وولى ناكصا على عقبيه متقيا بيديه فقيل له ما هذا فقال لقد عرض بينى وبينه خندق من نار وهول واجنحة فيروي ان النبي ص - قال لودنا منى لاخذته الملائكة عيانا ت ولما لم ينته عدو الله اخذه الله يوم بدر وامكن منه وذكر الوائلي الحافظ في كتاب الابانة له من حديث مالك ابن مغول عن نافع عن ابن عمر قال بينا انا اسير بجنبات بدر اذ خرج رجل من الارض في عنقه سلسلة يمسك طرفها اسود فقال يا عبدالله اسقنى فقال ابن

عمر لا ادرى اعرف اسمى او كما يقول الرجل يا عبدالله فقال لي الاسود لا تسقه فانه كافر ثم اجتذبه فدخل الارض قال ابن عمر فاتيت النبي ص - فاخبرته فقال او قد رأيته ذلك عدو الله ابو جهل بن هشام وهو عذابه الى يوم القيامةانتهى من التذكرة للقرطبي وقد ذكرت هذه الحكاية عن ابي عمر بن عبدالبر باتم من هذا عند قوله تعالى فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا الآية
تفسير سورة انا انزلناه في ليلة القدر قال ابن عباس هي مدنية وقال قتادة هي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى انا انزلناه الضمير في انزلناه للقرءان قال الشعبي وغيره المعنى انا ابتدأنا انزال هذا القرءان اليك في ليلة القدر وقد روي ان نزول الملك في حراء كان في العشر الاواخر من رمضان فيستقيم هذا التأويل وقال ابن عباس وغيره انزله الله تعالى ليلة القدر الى سماء الدنيا جملة ثم نجمه على محمد ص - عشرين سنة وليلة القدر خصها الله تعالى بفضل عظيم وجعلها افضل من الف شهر لا ليلة قدر فيها قاله مجاهد وغيره وخصت هذه الامة بهذه الفضيلة لما رأى النبي ص - اعمار امته وتقاصرها وخشي ان لا يبلغوا من الاعمال مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فاعطاه الله عز و جل ليلة القدر خير من الف شهر قال ابن العربي في احكامه وقد روى مالك هذا الحديث في المؤطا

ثبت ذلك من رواية ابن القاسم وغيره انتهى ثم فخمها سبحانه بقوله وما ادراك ما ليلة القدر قال ابن عيينة فى صحيح البخاري ما كان فى القرءان وما ادراك فقد اعلمه وما قال وما يدريك فانه لم يعلمه وذكر ابن عباس وغيره انها سميت ليلة القدر لان الله تعالى يقدر فيها الآجال والارزاق وحوادث العام كلها ويدفع ذلك الى الملائكة لتمتثله قال ع وليلة القدر مستديرة في اوتار العشر الاواخر من رمضان هذا هو الصحيح المعول عليه وهي في الاوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر فينبغي لمرتقبها ان يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة الى ءاخر الشهر وصح عن ابي بن كعب وغيره انها ليلة سبع وعشرين ثم اخبر تعالى ان ليلة القدر خير من الف شهر وهي ثمانون سنة وثلاثة اعوام وثلث عام وفي الصحيح عن النبي ص - من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والروح هو جبريل عليه السلام وقيل هو صنف حفظة للملائكة قال الفخر وذكروا في الروح اقوالا احدها انه ملك عظيم لو التقم السموات والارض كان ذلك له لقمة واحدة وقيل الروح طائفة من الملائكة لايراهم الملائكة الا ليلة القدر كالزهاد الذين لا نراهم الا يوم العيد وقيل خلق من خلق الله ياكلون ويشربون ويلبسون ليسوا من الملائكة ولا من الانس ولعلهم خدم اهل الجنة وقيل الروح اشرف الملائكة وقال ابن ابي نجيح الروح هم الحفظة الكرام الكاتبون والاصح ان الروح ها هنا هو جبريل وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه انتهى
وقوله تعالى بإذن ربهم من كل امر الثعلبي أي بكل امر قدره الله وقضاه في تلك السنة الى قابل قاله ابن عباس ثم تبتدئي فتقول سلام هي ويحتمل ان يريد من كل فتنة سلامة انتهى قال ع وعلى التأويل الاول يجيء سلام خبر ابتداء مستأنفا اي سلام هي هذه الليلة الى اول يومها ثم ذكر ما تقدم وقال الشعبي ومنصور سلام التحية اي تسلم الملائكة على المؤمنين

تفسير سورة لم يكن وهي مكية في قول الجمهور وقيل مدنية والاول اشهر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لم يكن الذين كفروا وفي حرف ابن مسعود لم يكن المشركون واهل الكتاب منفكين
وقوله تعالى منفكين معناه منفصلين متفرقين تقول انفك الشيء عن الشيء اذا انفصل عنه واما انفك التي هي من اخوات كان فلا مدخل لها هنا قال مجاهد وغيره لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة واوقع المستقبل موقع الماضي في تأتيهم والبينات محمد ص - وشرعه قال الثعلبي والمشركين يعنى من العرب وهم عبدة الاوثان انتهى وقال لاالفراء وغيره لم يكونوا منفكين عن معرفة صحة نبوة محمد ص - والتوكف لامره حتى جاءتهم البينة فتفرقوا عند ذلك ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى وذلك ان يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم منفكين من امر الله ونظره لهم حتى يبعث اليهم رسولا تقوم عليهم به الحجة وتتم على من آمن به النعمة فكانه قال ما كانوا ليتركوا سدى والصحف المطهرة القرءان في صحفه قاله قتادة والضحاك وقال الحسن الصحف المطهرة في السماء فيها كتب اي احكام كتب وقيمة معناه قائمة معتدلة آخذه للناس بالعدل ثم ذم تعالى اهل الكتاب في انهم لم يتفرقوا في امر محمد ص - الا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته وحنفاء جمع حنيف وهو المستقيم وذكر الزكاة مع ذكر بني اسرائيل يقوى قول من قال

السورة مدنية لان الزكاة انما فرضت بالمدينة ولان النبي ص - انما دفع الى مناقضة اهل الكتاب بالمدينة وقرأ الجمهور وذلك دين القيمة على معنى الجماعة والفرقة القيمة وقال ص قراءة الجمهور وذلك دين القيمة على تقدير الامة القيمة اي المستقيمة او الكتب القيمة وقرأ عبدالله وذلك الدين القيمة بتعريف الدين ورفع القيمة صفة والهاء فيه للمبالغة او على تأويل ان الدين بمعنى الملة انتهى والبريئة جميع الخلق لان الله تعالى برأهم اي اوجدهم بعد العدم
وقوله تعالى رضي الله عنهم قيل ذلك في الدنيا فرضاه عنهم هو ما اظهره عليهم من امارات رحمته ورضاهم عنه هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الارزاق والاقدار قال بعض الصالحين رضي العباد عن الله رضاهم بما يرد من احكامه ورضاه عنهم ان يوفقهم للرضى عنه وقال سري السقطي اذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه ان يرضى عنك وقيل ذلك في الآخرة وخص تعالى بالذكر اهل الخشية لانها رأس كل بركة وهي الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر
تفسير سورة اذا زلزلت وهي مكية قاله ابن عباس وغيره وقال قتادة ومقاتل هي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اذا زلزلت الارض قد تقدم معنى الزلزلة والاثقال الموتى قاله ابن عباس وقيل اخرجت موتاها وكنوزها وقول الانسان ما لها هو على معنى

التعجب من هول ما يرى قال الجمهور الانسان هنا الكافر وقيل عام في المؤمن والكافر واخبار الارض قال ابن مسعود وغيره هي شهادتها بما عمل عليها من عمل صالح وفاسد ويؤيد هذا التأويل قوله ص - فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن انس ولا جن ولا شيء الاشهد له يوم القيامة ت وخرج الترمذي في جامعه عن ابي هريرة قال قرأ رسول الله ص - هذه الآية يومئذ تحدث اخبارها قال اتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبد وامة بما عمل على ظهرها تقول عمل علي يوم كذا كذا فهذه اخبارها قال ابو عيسى هذا حديث حسن صحيح انتهى وكذا رواه ابو بكر بن الخطيب وفيه عمل علي في يوم كذا وكذا وفي يوم كذا وكذا
وقوله تعالى بان ربك اوحى لها الباء باء السبب وقال ابن عباس وغيره المعنى اوحى اليها قال ص المشهور ان اوحى يتعدى بإلى وعدي هنا باللام مراعاة للفواصل وقال ابو البقاء لها بمعنى اليها انتهى
وقوله سبحانه يومئذ يصدر الناس اشتاتا بمعنى ينصرفون من موضع ورودهم مختلفي الاحوال قال الجمهور ورودهم بالموت وصدورهم هو القيام الى البعث والكل سائر الى العرض ليرى عمله ويقف عليه وقيل الورود هو ورود المحشر والصدر اشتاتا هو صدر قوم الى الجنة وقوم الى النار ليروا جزاء اعمالهم
وقوله جلت عظمته فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الآية كان النبي ص - يسمى هذه الآية الجامعة الفاذة ويروى انه لما نزلت هذه السورة بكى ابو بكر وقال يا رسول الله او اسأل عن مثاقيل الذر فقال له النبي ص - يا ابا بكر ما رأيته في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك الله مثاقيل ذر الخير الى الآخرة قال الداودي بينما عمر بن الخطاب بطريق مكة ليلا اذا ركب مقبلين من جهة فقال لبعض من معه سلهم من اين اقبلوا فقال له احدهم من الفج العميق يريد البلد العتيق

فاخبر عمر بذلك فقال اوقعوا في هذا قل لهم فما اعظم ءاية في كتاب الله واحكم ءاية في كتاب الله واعدل ءاية في كتاب الله وارجى ءاية في كتاب الله واخوف ءاية في كتاب الله فقال له قائلهم اعظم ءاية في كتاب الله ءاية الكرسي واحكم ءاية في كتاب الله ان الله يامر بالعدل والاحسان واعدل ءاية في كتاب الله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وارجى ءاية في كتاب الله ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويوت من لدنه اجرا عظيما واخوف ءاية في كتاب الله من يعمل سواء يجز به فاخبر عمر بذلك فقال لهم عمر افيكم ابن ام عبد فقالوا نعم وهو الذي كلمك قال عمر كنيف ملئي علما آثرنا به اهل القادسية علة انفسنا قال الداودي ومعنى اعظم ءاية يريد في الثواب انتهى
تفسير سورة والعاديات وهي مكية في قول جماعة وقيل مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس وغيره المراد بالعاديات الخيل لانها تعدو بالفرسان وتضج باصواتها وعن ابن مسعود وعلي ان العاديات هنا الابل لانها تضبح في عذوها قال علي رضي الله عنه والقسم بالابل العاديات من عرفة ومن المزدلفة اذا دفع

الحاج وبابل غزوة بدر والضبح تصويت جهير عند العدو قال الداودي وهو الصوت الذي يسمع مع اجوافها وقت الركض انتهى
وقوله تعالى فالموريات قدحا قال علي وابن مسعود هي الابل وذلك بانها في عدوها ترجم الحصباء بالحصباء فتتطاير منها النار فذلك القدح وقال ابن عباس هي الخيل وذلك بحوافرها في الحجارة وقال ابن عباس ايضا وجماعة الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه نارا ص قدحا ابو البقاء مصدر مؤكد لان الموري هو القادح انتهى فالمغيرات صبحا قال علي وابن مسعود هي الابل من مزدلفة الى منى وفي بدر وقال ابن عباس وجماعة كثيرة هي الخيل واللفظة من الغارة في سبيل الله وغير ذلك من سير الامم وعرف الغارات انها مع الصباح والنقع الغبار الساطع المثار والضمير في به ظاهره انه للصبح المذكور ويحتمل ان يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى ومشهور اثارة النقع هو للخيل وقال علي هو هنا للابل
فوسطن به جمعا قال علي وابن مسعود هي الابل وجمعا هي المزدلفة وقال ابن عباس وجماعة هي الخيل والمراد جمع من الناس هم المغزوون والقسم واقع على قوله ان الانسان لربه لكنود وروي عن النبي ص - انه قال اتدرون ما الكنود قالوا لا يا رسول الله قال هو الكفور الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده وقد يكون في المؤمنين الكفور بالنعمة فتقدير الآية ان الانسان لنعمة ربه لكنود وارض كنود لا تنبت شيأ والكنود العاصى بلغة كندة ويقال للبخيل كنود وفى البخاري عن مجاهد الكنود الكفور انتهى
وقوله تعالى وانه على ذلك لشهيد يحتمل الضمير ان يعود على الله تعالى وقاله قتادة ويحتمل ان يعود على الانسان انه شاهد على نفسه بذلك وهذا قول مجاهد وغيره
وانه لحب الخير اي وان الانسان لحب الخير والمعنى من اجل حب الخير لشديد اي بخيل بالمال ضابط له والخير هنا المال ويحتمل

ان يراد هنا الخير الدنيوي من مال وصحة وجاه عند الملوك ونحوه لان الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك واما الحب في خير الآخرة فممدوح مرجوله الفوز وقال الفراء معنى الآية ان الانسان لشديد الحب للخير ولما تقدم الخير قبل شديد حذف من آخره لانه قد جرى ذكره ولرءوس الآي انتهى
وقوله تعالى افلا يعلم توقيف اي افلا يعلم مئاله ومصيره فيستعدله
وحصل ما في الصدور اي ميز وابرز ما فيها ليقع الجزاء عليه ويفسر هذا قوله ص - يبعثون على نياتهم وفي قوله تعالى ان ربهم بهم يومئذ لخبير وعيد ص والعامل في يومئذ لخبير على تضمينه معنى لمجاز لانه تعالى خبير دائما انتهى
تفسير

سورة القارعة
وهي مكية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الجمهور القارعة القيامة نفسها والفراش الطير الذي يتساقط في النار ولا يزال يتقحم على المصباح وقال الفراء هو ضغير الجراد الذي ينتشر في الارض والهواء وفي البخاري كالفراش االمبثوث كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا كذلك الناس يومئذ يجول بعضهم في بعض انتهى والمبثوث هنا معناه المتفرق جمعه وجملته موجودة متصلة والعهن هو الصوف والنقش خلخلة الاجزاء وتفريقها عن تراصيها
وقوله تعالى فامه هاوية قال كثير من المفسرين المراد بالام نفس الهاوية وهذا كما يقال للارض ام الناس لانها تؤويهم وقال ابو صالح وغيره

المراد ام رأسه لأنهم يهوون على رءوسهم وروى المبرد ان النبي ص - قال لرجل لا ام لك فقال يا رسول الله تدعونى الى الهدى وتقول لا ام لك فقال عليه السلام انما اردت لا نار لك قال الله تعالى فامه هاوية
تفسير

سورة التكاثر
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى الهاكم التكاثر اي شغلكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والاولاد والعدد وهذا هجيرى ابناء الدنيا العرب وغيرهم لا يتخلص منه الا العلماء المتقون قال الفخر فالالف واللام في التكاثر ليس للاستغراق بل للمعهود السابق في الذهن وهو التكاثر في الدنيا ولذاتها وعلائقها فانه هو الذي يمنع عن طاعة الله عبوديته ولما كان ذلك مقررا في العقول ومتفقا عليه في الاديان لا جرم حسن دخول حرف التعريف عليه فالآية دالة على ان التكاثر والتفاخر بما ذكر مذموم انتهى
وقوله تعالى حتى زرتم المقابر اي حتى متم فدفنتم في المقابر وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر وفي الحديث الصحيح عنه ص - يقول ابن ءادم مالى مالى وهل لك يا بن ءادم من مالك الا ما اكلت فأفنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت قال ص قرأ الجمهور الهاكم على الخبر وابن عباس بالمد والكساءي في رواية بهمزتين ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقرير انتهى قال الفخر اعلم ان اهم الامور واولاها بالرعاية ترقيق القلب وازالة حب الدنيا منه

ومشاهدة القبور تورث ذلك كما ورد به الخبر انتهى
وقوله تعالى كلا سوف تعلمون زجر ووعيد ثم كرر تاكيدا ويأخذ كل انسان من هذا الزجر والوعيد المكرر على قدر حظه من التوغل فيما يكره هذا تأويل الجمهور وقال علي كلا سوف تعملون في القبر ثم كلا سوف تعلمون في البعث قال الفخر وفي الآية تهديد عظيم للعلماء فانها دالة على انه لو حصل اليقين لتركوا التكاثر والتفاخر فهذا يقتضي ان من لا يترك التكاثر والتفاخر ان لا يكون اليقين حاصلا له فالويل للعالم الذي لا يكون عاقلا ثم الويل له انتهى
وقوله تعالى كلا لو تعلمون علم اليقين جواب لو محذوف تقديره لا ازدجرتم وبادرتم انقاذ انفسكم من الهلكة واليقين اعلى مراتب العلم ثم اخبر تعالى الناس انهم يرون الجحيم وقال ابن عباس هذا خطاب للمشركين والمعنى على هذا التأويل انها رؤية دخول وصلي وهو عين اليقين لهم وقال ءاخرون الخطاب للناس كلهم فهي كقوله تعالى وان منكم الا واردها فالمعنى ان الجميع يراها ويجوز الناجى ويتكردس فيها الكافر ص لترون ابن عامر والكساءي بضم التاء والباقون بفتحها انتهى
وقوله تعالى ثم لترونها عين اليقين تاكيد في الخبر وعين اليقين حقيقته وغايته ثم اخبر تعالى ان الناس مسؤلون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ولم ءاثروه وتتوجه في هذا اسئلة كثيرة بحسب شخص شخص وهي منقادة لمن اعطي فهما في كتاب الله عز و جل وقد قال ص - لاصحابه والذي نفسي بيده لتسئلن عن نعيم هذا اليوم الحديث في الصحيح اذ ذبح لهم ابو الهيثم ابن التيهان شاة واطعمهم خبزا ورطبا واستعذب لهم ماء وعن ابي هريرة في حديثه في مسير النبي ص - وابي بكر وعمر الى بيت ابي الهيثم واكلهم الرطب واللحم وشربهم الماء وقوله ص - هذا هو النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة وان ذلك كبر على اصحابه وان رسول الله ص

قال اذا اصبتم مثل هذا وضربتم بايدكم فقولوا بسم الله وعلى بركة الله واذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي اشبعنا واروانا وانعم علينا وافضل فان هذا كفاف بذاك هذا مختصر رواه الحاكم في المستدرك انتهى من سلاح المؤمن قال الداودي وعن الحسن وقتادة ثلاث لا يسئل الله عنهن ابن ءادم وما عداهن فيه الحساب والسؤال الا ما شاء الله كسوة يوارى بها سوءته وكسرة يشد بها صلبه وبيت يكنه من الحر والبرد انتهى
تفسير سورة العصر وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عباس العصر الدهر وقال مقاتل العصر هي صلاة العصر وهي الوسطى اقسم الله بها وقال ابي بن كعب سألت النبي ص - عن والعصر فقال اقسم ربكم باخر النهار والانسان هنا اسم جنس والخسر النقصان وسوء الحال ومن كان من المؤمنين في مدة عمرة في التواصى بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه وقد جمع الخير كله

تفسير

سورة الهمزة
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدم تفسير ويل والهمزة الذي يهمز الناس بلسانه اي يعيبهم ويغتابهم واللمزة قريب في المعنى من هذا وقد تقدم بيانه في قوله تعالى ولا تلمزوا انفسكم وفي قوله والذين يلمزون المطوعين وغيره قيل نزلت هذه الآية في الاخنس بن شريق وقيل في جميل بن عامر ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات
وعدده معناه احصاه وحافظ على عدده ان لا ينتقص وقال الداودي وعدده اي استعده انتهى لينبذن ليطرحن ص نار الله خبر مبتدأ محذوف اي هي نار الله انتهى
والتي تطلع على الافئدة اي التي يبلغ احراقها والمها القلوب
وموصدة اي مطبقة مغلقة
في عمد جمع عمود وقرأ ابن مسعود موصدة بعمد ممددة وقال ابن زيد المعنى في عمد حديد مغلولين بها والكل من نار عافانا الله من ذلك

تفسير سورة الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه السورة تنبيه على العبرة في اخذ الله تعالى لأبرهة امير الحبشة حين قصد الكعبة ليهدمها وكان صاحب فيل يركبه وقصته شهيرة في السير فيها تطويل واختصارها ان ابرهة بني في اليمن بيتا واراد ان يرد اليه حج العرب فذهب اعرابي واحدث في ذلك البيت فغضب ابرهة واحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة فلما قرب منها فرت قريش الى الجبال والشعاب من معرة الجيش ثم تهيأ ابرهة لدخول مكة وهيأ الفيل فاخذ نفيل بن حبيب بأذن الفيل وكان اسمه محمودا فقال له ابرك محمود فانك في حرم الله وارجع من حيث جئت راشدا فبرك الفيل بذي الغميس فبعثوه فابى فضربوا رأسه بالمعول وراموه بمحاجنهم فابى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول فبعث الله عليهم طيرا جماعات جماعات سودا من البحر عند كل طائر ثلاثة احجار في منقاره ورجليه كل حجر فوق العدسة ودون الحمصة ترميهم بها فماتوا في طريقهم متفرقين وتقطع ابرهة انملة انملة حتى مات وحمى الله بيته والابابيل الجماعات تجيء شيا بعد شيء قال ابو عبيدة لا واحد له من لفظه قال الفخر وفي تضليل معناه في تضييع وابطال يقال ضلل كيده اذا جعله ضالا ضائعا ونظيره قوله تعالى وما كيد الكافرين الا في ضلال انتهى والعصف ورق الحنطة وتبنه والمعنى صاروا طحينا

ذاهبا كورق حنطة اكلته الدواب وراثته فجمع لهم المهانة والخسة والتلف قال الفخر وقيل المعنى كعصف صالح للاكل والمعنى جعلهم كتبن تاكله الدواب وهو قول عكرمة والضحاك انتهى ومن كتاب وسائل الحاجات وآداب المناجات للامام ابي حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال وقد بلغنا عن غير واحد من الصالحين وارباب القلوب انه من قرأ في ركعتي الفجر في الاولى الفاتحة والم نشرح وفي الثانية الفاتحة والم تر قصرت يد كل عدو عنه ولم يجعل لهم اليه سبيل قال الامام ابو حامد وهذا صحيح لا شك فيه انتهى
تفسير سورة لايلاف قريش وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قريش ولد النضر بن كنانة والتقرش التكسب والمعنى ان الله تعالى جعل قريشا يالفون رحلتين في العام واحدة في الشتاء واخرى في الصيف قال ابن عباس كانوا يرحلون في الصيف الى الطائف حيث الماء والظل ويرحلون في الشتاء الى مكة قال الخليل معنى الآية لان فعل الله بقريش هذا ومكنهم من الفهم هذه النعمة فليعبدوا رب هذا البيت
وقوله تعالى من جوع معناه ان اهل مكة قاطنون بواد غير ذي زرع عرضة للجوع والجدب لولا فضل الله عليهم

تفسير سورة ارأيت الذي وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله سبحانه ارأيت الذي يكذب بالدين الآية توقيف وتنبيه لتتذكر نفس السامع كل من تعرفه بهذه الصفة والدين الجزاء
ودع اليتيم دفعه بعنف اما عن اطعامه والاحسان اليه واما عن حقه وماله وهو اشد ويروى ان هذه الآية نزلت في بعض المضطربين في الاسلام بمكة لم يحققوا فيه وفتنوا فافتتنوا وربما كان يصلى بعضهم احيانا مع المسلمين مدافعة وحيرة فقال تعالى فيهم فويل للمصلين الآية ونقل الثعلبي عن ابن عباس وغيره ان الاية نزلت في العاص بن وائل انتهى وقال السهيلي قال اهل التفسير نزل اول السورة بمكة في ابي جهل وهو الذي يكذب بالدين ونزل ءاخرها بالمدينة في عبدالله بن ابي ابن سلول واصحابه وهم الذين يراءون ويمنعون الماعون انتهى قال سعد بن ابي وقاص سألت النبي ص - عن الذين هم عن صلاتهم ساهون فقال هم الذين يؤخرونها عن وقتها يريد والله اعلم تاخير ترك واهمال والى هذا نحا مجاهد وقال عطاء بن يسار الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم
وقوله تعالى الذين هم يراءون بيان ان صلاة هؤلاء ليست لله تعالى بايمان وانما هي رياء للبشر فلا قبول لها
وقوله تعالى ويمنعون الماعون وصف لهم بقلة النفع لعباد الله وتلك شر خصلة وقال على وابن عمر الماعون الزكاة وقال ابن

مسعود وابن عباس وجماعة هو ما يتعاطاه الناس كالفاس والدلو والآنية والمقص ونحوه وسئل النبي ص - ما الشيء الذي لا يحل منعه فقال الماء والنار والملح وروته عائشة رضي الله عنها وفي بعض الطرق زيادة الابرة والخمير قال البخاري الماعون المعروف كله وقال بعض العرب الماعون الماء وقال عكرمة اعلاه الزكاة المفروضة وادناه عارية المتاع انتهى
تفسير سورة انا اعطيناك الكوثر وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال جماعة من الصحابة والتابعين الكوثر نهر في الجنة حافتاه قباب من لؤلؤ مجوف وطينه مسك وحصباؤه ياقوت ونحو هذا من صفاته وان اختلفت الفاظ رواته وقال ابن عباس الكوثر الخير الكثير قال ابن جبير النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي اعطاه الله اياه ت وخرج مسلم عن انس قال بينما رسول الله ص - ذات يوم بين اظهرنا اذ اغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقال نزلت علي ءانفا سورة فقرأ انا اعطيناك الكوثر الى ءاخرها ثم قال اتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض ترد عليه امتى يوم القيامة الحديث انتهى وخرج ابن ماجه من حديث ثوبان عن النبي ص - قال اول من يرد علي الحوض فقراء المهاجرين الدنس ثيابا الشعث رءوسا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم ابواب السدد قال الراوى فبكى عمر بن عبد العزيز حتى اخضل لحيته حين بلغه الحديث وقال

لا جرم انى لااغسل ثوبى الذي يلى جسدي حتى يتسخ ولا ادهن رأسي حتى يشعث وخرجه ابو عيسى الترمذي عن ثوبان عن النبي ص - بمعناه ونقل صاحب التذكرة عن انس بن مالك قال اول من يرد الحوض على النبي ص - الذابلون الناحلون السائحون الذين اذا اجنهم الليل استقبلوه بالحزن انتهى من التذكرة وروى ابو داود في سننه عن ابي حمزة عن زيد بن ارقم قال كنا مع رسول الله ص - فنزلنا منزلا فقال ما انتم جزء من مائة الف جزء ممن يرد علي الحوض قال قلت كم كنتم يومئذ قال سبعمائة او ثمانمائة انتهى
وقوله تعالى فصل لربك وانحر امر بالصلاة على العموم والنحر نحر الهدي والنسك والضحايا على قول الجمهور
وقوله تعالى ان شانئك هو الابتر رد على مقالة بعض سفهاء قريش كأبي جهل وغيره قال عكرمة وغيره مات ولد النبي ص - فقال ابو جهل بتر محمد فنزلت السورة وقال تعالى ان شانئك هو الابتر اي المقطوع المبتور من رحمة الله والشانئى المبغض قال الداودي كل شانئى لرسول الله ص - فهو ابتر ليس له يوم القيامة شفيع ولا حميم يطاع انتهى
تفسير سورة قل يا ايها الكافرون وهي مكية اجماعا
بسم الله الرحمن الرحيم
روي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره ان جماعة من صناديد

قريش قالوا للنبي ص - دع ما انت فيه ونحن نمولك ونملكك علينا وان لم تفعل هذا فلتعبد ءالهتنا ونعبد الهك حتى نشترك فحيث كان الخير نلناه جميعا وروي ان هذه الجماعة المذكورة هم الوليد بن المغيرة والعاصى بن وائل وامية بن خلف وابي بن خلف وابو جهل وابناء الحجاج ونظراؤهم ممن لم يكتب له الاسلام وحتم بشقاوته فاخبرهم ص - عن امر الله عز و جل انه لا يعبد ما يعبدون وانهم غير عابدى ما يعبد ولما كان قوله لا اعبد محتملا ان يراد به الآن ويبقى المستانف منتظرا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله ولا انا عابد ما عبدتم اي ابدا ثم جاء قوله ولا انتم عابدون ما اعبد الثانى حتما عليهم انهم لا يؤمنون به ابدا كالذي كشف الغيب ثم زاد الامر بيانا وتبريا منهم قوله لكم دينكم ولي دين وقال بعض العلماء في هذه الالفاظ مهادنة ما وهي منسوخة

تفسير سورة النصر وهي مدنية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
روت عائشة ان النبي ص - لما فتح مكة واسلمت العرب جعل يكثر ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك يتأول القرءان في هذه السورة وقال لها مرة ما اراه الا حضور اجلى وتأويله عمر والعباس بحضرة النبي ص - فصدقهما ونزع هذا المنزع ابن عباس وغيره والفتح هو فتح مكة كذا فسره ص - في صحيح مسلم والافواج الجماعة اثر الجماعة ص بحمد ربك اي متلبسا فالباء للحال انتهى
وقوله تعالى انه كان توابا بعقب واستغفره ترجية عظيمة للمستغفرين قال ابن عمر نزلت هذه السورة على النبي ص - بمنى في اوسط ايام التشريق في حجة الوداع وعاش بعدها ثمانين يوما او نحوها
تفسير سورة تبت يدا ابي لهب وهي مكية باجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله ص - حتى صعد الصفا

فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال ارأيتم ان اخبرتكم ان خيلا تخرج من سفح هذا الجبل اكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ما جمعتنا الا لهذا ثم قام فنزلت تبت يدا ابي لهب الى ءاخرها وتبت معناه خسرت والتباب الخسران والدمار واسند ذلك الى اليدين من حيث ان اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك ثم اوجب عليه انه قد تب اي حتم ذلك عليه وفي قراءة ابن مسعود وقد تب وابو لهب هو عبدالعزى بن عبد المطلب وهو عم النبي ص - ولكن سبقت له الشقاوة قال السهيلي كناه الله بأبي لهب لما خلقه سبحانه للهب واليه مصيره الا تراه تعالى قال سيصلى نارا ذات لهب فكانت كنيته بأبي لهب تقدمت لما يصير اليه من اللهب انتهى
وقوله سبحانه ما اغنى عنه ماله يحتمل ان تكون ما نافية على معنى الخبر ويحتمل ان تكون ما استفهامية على وجه التقرير اي اين الغناء الذي لماله وكسبه وما كسب يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه وقيل كسبه بنوه
وقوله سبحانه سيصلى نارا ذات لهب حتم عليه بالنار واعلام بانه يتوفي على كفره نعوذ بالله من سوء القضاء ودرك الشقاء
وقوله تعالى وامرأته حمالة الحطب هي ام جميل اخت ابي سفيان بن حرب وكانت موذية للنبي ص - وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها وكانت تطرح الشوك في طريق النبي ص - وطريق اصحابه ليعقرهم فلذلك سميت حمالة الحطب قاله ابن عباس وقيل هو استعارة لذنوبها قال عياض وذكر عبد بن حميد قال كانت حمالة الحطب تضع العضاه وهي جمر على طريق النبي ص - فكأنما يطأها كثيبا اهيل انتهى ص وقرئى شاذا ومر يئسنه بالتصغير والجيد هو العنق اه
وقوله تعالى في جيدها حبل من مسد قال ابن عباس وجماعة الاشارة الى الحبل حقيقة الذي

ربطت به الشوك والمسد الليف وقيل ليف المقل وفي صحيح البخاري يقال من مسد ليف المقل وهي السلسلة التي في النار انتهى وروى في الحديث ان هذه السورة لما نزلت وقرئت بلغت ام جميل فجاءت ابا بكر وهو جالس مع النبي ص - في المسجد وبيدها فهر حجر فاخذ الله ببصرها وقالت يا ابا بكر بلغني ان صاحبك هجانى ولو وجدته لضربته بهذا الفهر وانى لشاعرة وقد قلت فيه ... مذمما قلينا ... ودينه ابينا ...
فسكت ابو بكر ومضت هي فقال النبي ص - لقد حجبتنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفانى الله شرها
تفسير سورة الاخلاص قيل مكية وقال ابن عباس مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
روي ان اليهود دخلوا على النبي ص - فقالوا له يا محمد صف لنا ربك وانسبه فانه وصف نفسه في التوارة ونسبها فارتعد النبي ص - من قولهم حتى خر مغشيا عليه ونزل جبريل بهذه السورة
واحد معناه واحد فرد من جميع جهات الوحدانية ليس كمثله شيء وهو ابتداء والله ابتداء ثان واحد خبره والجملة خبر الاول وقيل هو ابتداء والله خبره واحد بدل منه وقرأ عمر بن الخطاب وغيره قل هو الله الواحد الصمد والصمد في كلام العرب

السيد الذي يصمد اليه في الامور ويستقل بها وانشدوا لقد بكر الناعى بخير بنى اسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد وبهذا تتفسر هذه الآية لان الله تعالى جلت قدرته هو موجد الموجودات واليه تصمد وبه قوامها سبحانه وتعالى
وقوله تعالى لم يلد ولم يولد رد على اشارة الكفار في النسب الذي سألوه وقال ابن عباس تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله قال ع لان الافهام تقف دون ذلك حسيرة
وقوله سبحانه ولم يكن له كفؤا احد معناه ليس له ضد ولا ند ولا شبيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والكفؤ النظير وكفؤا خبر كان واسمها احد قال ص وحسن تاخير اسمها لوقوعه فاصلة وله متعلق بكفؤا اي لم يكن احد كفؤا له وقدم اهتماما به لاشتماله على ضمير الباري سبحانه انتهى وفي الحديث الصحيح عنه ص - ان قل هو الله احد تعدل ثلث القرءان قال ع لما فيها من التوحيد وروى ابو محمد الدارمى في مسنده قال حدثنا عبدالله بن مزيد حدثنا حيوة قال اخبرنا ابو عقيل انه سمع سعيد بن المسيب يقول ان النبي ص - قال من قرأ قل هو الله احدى عشرة مرة بني له قصر في الجنة ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران في الجنة ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له ثلاثة قصور في الجنة فقال عمر بن الخطاب اذن تكثر قصورنا يا رسول الله فقال رسول الله ص - اوسع من ذلك اي فضل الله اوسع من ذلك قال الدارمى ابو عقيل هو زهرة بن معبد وزعموا انه من الابدال انتهى من التذكرة

تفسير سورة المعوذة الاولى قال ابن عباس مدنية وقال قتادة مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل لاقل اعوذ برب الفلق الخطاب للنبي ص - والمراد هو وءاحاد امته قال ابن عباس وغيره الفلق الصبح وقال ابن عباس ايضا وجماعة من الصحابة الفلق جب في جهنم ورواه ابو هريرة عن النبي ص -
وقوله تعالى من شر ما خلق يعم كل موجود له شر واختلف في الغاسق فقال ابن عباس وغيره الغاسق الليل ووقب اظلم ودخل على الناس وفي الحديث الصحيح عن عائشة ان النبي ص - اشار الى القمر وقال يا عائشة تعوذي بالله من شر هذا الغاسق اذا وقب قال السهيلي وهذا أصح ما قيل لهذا الحديث الصحيح انتهى ولفظ صاحب سلاح المؤمن عن عائشة رضي الله عنها ان النبي ص - نظر الى القمر فقال يا عائشة استعيذى بالله من شر هذا فان الغاسق اذ وقب رواه الترمذي والنساءي والحاكم فى المستدرك واللفظ للترمذي وقال حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد ووقب القمر وقوبا دخل في الظل الذي يكسفه قاله ابن سيده انتهى من السلاح
والنفاثات في العقد السواحر ويقال ان الاشارة اولا الى بنات لبيد ابن الاعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع ابيهن رسول الله ص - والنفث شبه النفخ دون تفل ريق وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك قال ع وهذا الشأن

في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب وحدثنى ثقة انه رأى عند بعضهم خيطا احمر قد عقدت فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع امهاتها فكان اذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل الى امه في الحين فرضع اعاذنا الله من شر السحر والسحرة
وقوله تعالى ومن شر حاسد اذا حسد قال قتادة من شر عينه ونفسه يريد بالنفس السعي الخبيث وقال الحسين بن الفضل ذكر الله تعالى الشرور في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليعلم انه اخس الطبائع
تفسير سورة المعوذة الثانية قال ابن عباس وغيره هي مدنية وقال قتادة مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخناس الوسواس اسم من اسماء الشيطان وقوله الخناس معناه الراجع على عقبه المستتر احيانا فاذا ذكر العبد الله تعالى وتعوذ تذكر فابصر كما قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف الآية قال النووي قال بعض العلماء يستحب قول لا اله الا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما فان الشيطان اذا سمع الذكر خنس اي تأخر وبعد ولا اله الا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة الجلة من صفوة هذه الامة اهل تربية السالكين وتاديب المريدين قول لا اله الا الله لاهل الخلوة وامروهم بالمداومة عليها وقالوا انفع علاج في دفع الوسوسة الاقبال على ذكر الله تعالى والاكثار منه وقال السيد الجليل احمد بن ابي

الحواري شكوت الى ابي سليمان الداراني الوسواس فقال اذا اردت ان ينقطع عنك فاي وقت احسست به فافرح فانك اذا فرحت به انقطع عنك لانه ليس شيء ابغض الى الشيطان من سرور المؤمن وان اغتممت به زادك ت وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الائمة ان الوسواس انما يبتلى به من كمل ايمانه فان اللص لا يقصد بيتا خربا انتهى ت ورأيت في مختصر الطبري نحو هذا
وقوله تعالى من الجنة يعنى الشياطين ويظهر ان يكون قوله والناس يراد به من يوسوس بخدعة من الشر ويدعو الى الباطل فهو في ذلك كالشيطان قال احمد بن نصر الداودي وعن ابن جريح من الجنة والناس قال انهما وسواسان فوسواس من الجنة ووسواس من نفس الانسان انتهى وفي الحديث الصحيح ان النبي ص - كان اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما من رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات صلى الله عليه وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الفقير الى الله تعالى عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين قد يسر الله عز و جل في اتمام تلخيص هذا المختصر
وقد اودعته بحول الله جزيلا من الدرر
قد استوعبت فيه بحمد الله مهمات ابن عطية واسقطت كثيرا من التكرار وما كان من الشواذ في غاية الوهي وزدت من غيره جواهر ونفائس لا يستغنى عنها مميزة معزوة لمحالها منقولة بالفاظها وتوخيت في جميع ذلك الصدق والصواب
والى الله ارغب في جزيل الثواب
وقد نبهت بعض تنبيه وعرفت بايام رحلتى في طلب العلم بعض تعريف عند ختمى لتفسير سورة الشورى فلينظر هناك والله المسئول ان يجعل هذا السعي منا خالصا لوجهه وعملا صالحا يقربنا الى مرضاته ومن وجد في هذا

الكتاب تصحيفا او خللا فارغب اليه ان يصلحه من الامهات المنقول منها متثبتا في ذلك لا برأيه وبديهة عقله ... فكم من عائب قولا صحيحا ... واءفته من الفهم السقيم ...
وكان الفراغ من تاليفه في الخامس عشر من ربيع الاول من عام ثلاثة وثلاثين وثمانمائة وانا ارغب الى كل اخ نظر فيه ان يخلص لى وله بدعوة صالحة وهذا الكتاب لا ينبغي ان يخلو عنه متدين ومحب لكلام ربه فانه يطلع فيه على فهم القرءان اجمع في اقرب مدة وليس الخبر كالعيان هذا مع ما خص به من تحقيق كلام الائمة المحققين رضي الله عنهم نقلته عنهم بالفاظهم متحريا للصواب
ومن الله ارتجى حسن المئاب
وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين
وعلى ءاله وصحبه اجمعين
وءاخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
خاتمة الطبع
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك من بيده الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا
والحمد لله الذي نزل الفرقان على نبيه ليكون لكافة الناس بشيرا ونذيرا
والصلاة والسلام على من ارسله ربه داعيا اليه باذنه وسراجا منيرا
وانزل عليه ولا ياتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا
سيدنا محمد ممدن العالم
وخلاصة المصطفين من بنى ءادم
وعلى ءاله واصحابه الأماجد الاعيان
الذين بلغوا الينا القرءان العظيم الشان
وحفظوا مبانيه
وفهموا معانيه
وعملوا بمقتضى أحكامه
فنالوا رضا الله وغاية اكرامه
اما بعد فيقول العبد الفقير الى رحمة ربه العلي الكبير
محمد بن مصطفى ابن الخوجه المدرس والامام الخطيب بجامع سفير
قد اكملت تصحيح هذا

الكتاب
الذي هو ذخيرة العلماء وكنز الطلاب
بعد ان قابلته بنسخ متعدده
وعارضته على بعض الامهات المعتمدة
مستعينا بصديقنا وصهرنا الفاضل المكرم
السيد قدور بن محمد الامام الاول بالمسجد الاعظم
وايم الله انه لتفسير جليل
قد فصل مقاصد الذكر الحكيم احسن تفصيل
وحوى عباب المنقول واشتمل على لباب المعقول واتى من درر الفرائد بما يبهر العقول ومن غرر الفوائد بما تذعن له الفحول ولا غرو فمؤلفه العلامة النحرير والولي الصالح الشهير
فخر مدينة الجزائر
سليل الاماثل الاكابر
سيدي عبدالرحمن الثعالبي قدس الله روحه
واعاد علينا سره وفتوحه
ولما كان هذا التاليف كنزا مخفيا
وقد قصرت عنه يد من اضحى بنفائس الجواهر حفيا
نهض الخيران السيد احمد بن مراد وشقيقه السيد قدور لطبعه
رغبة منهما حفظهما الله تعالى في تعميم نفعه
وذلك في مطبعتهما البهيه
الموصوفة بالثعالبيه
وقد تم طبعه في اخير ذي الحجة الحرام
ختام سنة 1327 من هجرة سيد الرسل الكرام ص - وشرف ومجد وعظم
ولما لاح بدر تمامه
وفاح مسك ختامه
واطلع عليه حضرة صاحب الفضيله
والاخلاق الحميدة والاعمال الجليله
العلامة الاشهر
والاستاذ الاكبر
الشيخ السيد ابن زكرى محمد سعيد بن احمد مفتى السادة المالكيه
والمدرس في القسم العالى من المدرسة الثعالبية
كتب حرس الله كماله
وبلغه في الدارين ءاماله
ما نصه
حمدا لمن خلق الانسان من علق
وبه الاستعاذة من شر ما خلق
وصلاة وسلاما على من تحنث ليالي عديدة بغار حراء
سيدنا محمد بن عبدالله

روح الوجود وسر الكون بلا مراء
وعلى ءاله واصحابه
وعترته وانصاره واحزابه
وبعد فان الله جلت نعمته
وعمت الخلائق رحمته
قد حبا رسوله بفضيلة التنزيل
وشرف الوسيطة وزيره جبريل
فاتاه من مرسل بكتاب مجيد
لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
كتاب الكريم
من لدن سميع عليم
بيد انه لا وصم فيه ولا عيب
واليه الرمز بقوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب
فيه نور وهدى للمتقين
وطمس لاطلال ضلال المنافقين
قامع الجبارين بساطع برهانه
وناكس رءوس المتكبرين ببالغ سلطانه
فاستنارت امة بمشكاة نوره فاهتدت
وبقيت اخرى في ظلمات جهلها يكاد البرق يخطف ابصارها فاعتدت
كتاب حقا للتي هي اقوم
ويبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا في دار النعم
كتاب مأمون سبيله
ومستعذب لدي اهل الذوق السليم سلسبيله
كتاب صفا للظمآن مورده
وصح لدي كل راو سنده
عن ثقات السلف الصالح
الى هداة الخلق من الخلف الناجح
لله در اقوام مخلصين في خدمة كتابه
يرجون رحمة ربهم ويخافون سوء عذابه
امالوا عنان العزم صوب ابراز مخدرات اسراره
واستضاءوا في دياجى المشكلات بمصابيح انواره
فكلما غشيهم موج كالظلال من بحر اعجازه
سلكوا سبيل النجاة برعي حقيقته ومجازه
فهم لنا ادلة على الهدى
وانجم مشرقة للاهتدا
ومن بين اولئك الاعلام
الهداة للانام
الرعاة للذين هم كالانعام
رحالة زمانه لرواية الحديث
كما اشتهر بذلك في القديم والحديث
امام المتقين
واستاذ المحققين
منهل المعارف واللطائف
سيدي عبدالرحمن الثعالبي ملجأ كل خائف
احسن الله الى روحه الطاهرة في غرف الجنان
كما احسن هو الى هذه الامة بالجواهر الحسان

ربى حسن به ظنى حتى اقول لحسان مدحه ليتك حسان
يا واقفا لدي الباب
ادخل بسلام الى جنات هذا الكتاب
تراها ذات بهجة ما كان لك ان تجني ثمرتها الا باكتساب
هذا الكتاب
وما ادراك ما الكتاب
كتاب يهون على النفس المصاب
ويخلصها من الشك والارتياب
وكيف لا وهو تفسير جليل
عار عن شبهات الضلال والتضليل
الا ترى اليه في كل حال
يصرح بمثل هذا المقال
رب انى اعوذ بك من همزات الشياطين
ومن نزعات فلسفة الزاعمين انهم لسماء الحكمة اساطين
فسلك فيه مسلك الصواب
فجاء ولله الحمد تبصرة وذكرى لاولى الالباب
رمى صاحبه بسهم فاصاب
واتى بالحق المبين وفصل الخطاب
الا تسمع بتفسير مرونق بحسان الجواهر
مطبوع بحرف شرقي على ورق جيد بالمطبعة الثعالبيه في الجزائر
مطبعة الشقيقين ابني مراد
بلغهما الله في الدارين حسن المراد
ولا تنس شكر المصحح
فعمله الجميل لفضله مرجح
لانه تقدم طبعا على الطبع قطعا
فكمال الطبع موقوف على الكمال وضعا
الا ترى الى الصلاة بدون الامام
تنقص درجاتها او تبطل على مذهب كل امام
نسأل الله تعالى للفاضل الامين والاستاذ ابن مصطفى
ان يجزيهما على حسن صنعهما الجزاء الاوفي
بجاه عين الرحمة سيدنا ومولانا محمد وءاله
واصحابه الاخيار وكل ناسج على منواله
الفقير الى ربه ابن زكرى محمد سعيد بن احمد الزواوي مفتى السادة المالكية بعاصمة الجزائر وفقه الله ءامين

وتلاه جناب العالم العامل والمفضال الكامل الشيخ السيد عبدالحليم بن علي ابن سمايه المدرس بالجامع الجديد واحد اساتذة المدرسة الثعالبية فقال ادام الله النفع به
الحمد لله الذي منح احبابه من كنز مواهبه بالجواهر الحسان
والبسهم من مطارف المعارف ما يخرس وصفه شقاشق اللسان
وعقد لهم على بساط المكارم منبرا
وتضوعت انفاسهم الزكية بين الورى مسكا وعنبرا
فهم ما هم
تعرفهم بسيماهم
عرف التحقيق
من ادراج كلامهم عبيق
وقول فصل
يفل غرار النصل
وجادة مستقيمة لا تلوى
وانجم ثاقبة لا تهوى
تنبع ينابيع الحكمة من صدورهم صافية من كل كدر
متسلسة بصفاء التصحيح في المنقول عن الصادق الامين من الخبر
اعرضوا عن القيل والقال
ونبذوا ظهريا كل ما ادى الى المراء والجدال
قد علموا وان لم يعلموا هم فمن يعلم
ان خير الهدي هدي سيدنا محمد ص -
الذي بلغ الرساله
وبين طرق الحق من الضلاله
وترك الجدال والمراء مع العالمين
ووقف في إقامة الحجة على الخلق على ما نطق به الكتاب المبين
ومن استضاء بالانوار النبوية فله اسوة حسنة في اتباعه
تغنيه عما يخترعه من وساوس ابتداعه
الاوان ذلك هو العقل الذيل لا يثبت عليه الا من احكم بحبل من حكمة النبوءة متسين
ولا يقف عنده الا من منحه الله بخلق من اخلاق الانبياء والمرسلين
ولذلك كان تفسير هذا الطود الشامخ
واساس العلم الراسخ
السيد الذي اخذ في مجال الحق باليمين اعلامه
والف في الفنون المتعددة وضرب في مغازيها سهامه
وتفجرت بالعلم النافع من بين اصابعه ينابيع الاقلام
وانحى بتنقيحه السنة النبوية على ما ابتدع فيها بباتر حسام
حتى شهدت بغزارة علمه فطاحل

العلماء
وحمد فضله اهل الارض ولا شك انه محمود في السماء
واعترفوا بانه قطب زمانه الذي دارت عليه امور دين المتقين
واتخذه القاصى والدانى واسطة الارشاد في السلوك الى رب العالمين
والمولى الذي لمن تشخص عظيم قدره
واضطلاعه بالخلافة النبوية في نهي الله وامره
ان كان ممن له حياء ذاب حياء
او كان ممن له شعور طارت نفسه شعاعا وانبثت هباء
سيدي عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي رضي الله عنه ونفعنا ببركاته
وجعلنا ممن سلك مسالك كمل الرجال في سكناته وحركاته
تفسيرا حوى من نوابغ البيان اوضحها
ومن نقل الاقوال امتنها وارجحها
طوى كشحه عما ضعف نقله
وافرغ نصحه فيما جزل نفعه وجل فصله
انتخل التفاسير انتخالا
وروق منها ما صفا مشربه زلالا حلالا
وضرب بما يشم رائحة البدعة عرض الجدار
وشخص للقارئى اخلاق الصحابة والسلف الاخيار
اذ هم القدوة في هذه المسالك على التحقيق
وهم الذين من لم يسر على ءاثارهم فقد ضل سواء الطريق
وهل الامة المحمدية التي نسئل الله تعالى ان يجعلنا منها الا هؤلاء المتقون
الذين اثنى عليهم الرب الكريم بقوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطعما ومما رزقناهم ينفقون
وهل يطمع ان يعد في عدادهم
الا من سدد قوله وفعله بسدادهم
وهل حصل ما حصل هذا السيد الجليل من المكانة عند الله على ما هو حسن المعتقد
ورفع الكعب بين العباد كما هو معروف لا ينكره احد
الا باتباع الحق بين الخلق
واطراح الهوى وسلوك سبل الجد والصدق
وهي وراثة نبوية مقسومة على ذوى الارحام في الدين
ممن الزم نفسه قصر طرفه على العمل باقوال وافعال سيد المرسلين
والعلماء العاملون ورثة الانبياء
وهم الاتقياء والاصفياء والاولياء

فنسئل الله ان يجزي هذا السيد الجليل
وعن الامة المحمدية الجزاء الجزيل
وان يجعلنا ممن سمع ووعى
ولعهد الله حفظ ورعى
وان يجعل سعي اخينا السيد محمد بن مصطفى ابن الخوجة في تصحيح هذا الكتاب
ومقابلته له بسبع نسخ مع مراجعة بعض الاصول حتى تهذب من تحريف الكتاب
سعيا مشكورا
وذنب الجميع ذنبا مغفورا
انه أهل التقوى واهل المغفرة
وهو رحيم الرحمن في الدنيا والآخرة
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الهادي بمحض فضله الى الصراط المستقيم
ثم قرضه بهذه القصيدة اللطيفه
ذو الشيم المرضية الشريفه
ولدنا البار الزكى
والشاب النجيب الذكي
السيد قدور بن محيى الدين
اكثر الله من انداده ءامين
وهي ... اعز مغتنم تصفو مشاربه ... يحظى به لهج بالعلم مسرور ... حقائق في الجواهر الحسان لها ... في الصدر شرح وفي عين الحجانور ... والخلق من ناهج سبلا مغبتها ... حميدة سعيه في الخير مشكور ... مأموله المجد لا لهو يثبطه ... عن المعالى ولا يثنيه تقصير ... وذاهل خابط في التيه معتسف ... وعقله بخسيس الشيء مبهور ... فما يحصل من نيل لمأربه ... الا كما نقر الماء العصافير ... فأين ذا من امام بدر همته ... بين النجوم له هدي وتنوير ... طلاع انجدة كشاف معضلة ... خضم معرفة بالعلم مسجور ... فخر الجزائر من له العلى انتسبت ... وطار صيت له في الناس مذكور ... نجل ابن مخلوف الثعالبي عابد ال ... رحمن من بهجت به الطوامير

فدونك الدر في تفسيره نضدا ... والبحر يقذفه والدر منثور ... بدت لدى فصل ءاي الله ءايته ... شمس الضحى بزغت ما دونها سور ... تكاد تنطق في الاوراق احرفه ... اذ رضعت الوضع فيها منه تدبير ... لولا الطروس لها بالرقم ما سكة ... لكان منها مع الارواح تطيير ... رقت اساليبه جمت عجائبه ... لذت اطايبه ما فيه منكور ... وما تظن بقطب يوحه سطعت ... وقلبه مخلص بالحق مقطور ... ان العصور تنافست مناقبه ... فمجده ببقاء الدهر مأثور ... وخلدت ذكر بان في الورى شرفا ... ولو مشيده في الرمس مقبور ... ان غاب تفسيره عن طرفنا زمنا ... وكاد تذهبه عنا الاعاصير ... فقد تصدى له بالنشر مجتهد ... سامى المقام طويل الباع تحرير ... ذو خبرة احكمت تصحيحه فغدا ... له من المسخ والتحريف تحرير ... وقابل الفرع بالاصول فارتجعت ... وصح ما سامه من قبل تكسير ... هو الكمال ابن مصطفى محمدنا ... مسدد الرأي ماضى العزم شمير ... حبر معارفه بحر مآثره ... غر وبالفضل في الآفاق مشهور ... دامت مساعيه في الدنيا ممدحه ... واجره عند رب العرش موفور ...
تم تدقيقه بحمد الله

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10