كتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء
المؤلف: أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي

وكتب عمر إلى سعد أيضا انبئني من وجدت أصبر ليلة الهرير فكتب إليه إن الحسن سكن عني حتى إذا كان وجه الصبح سمعت انتماء في مضر وانتماء في ربيعة ثم انتسابا في اليمن فوجدت المنتمين من تميم وأسد وقيس والنتمين من بكر وحلفائها والمنتسبين في أهل اليمن من مذحج وكندة
وفي كتاب المدائني أن عمر كتب إلى سعد يسأله أي الناس كان أصبر بالقادسية فكتب إليه سعد أن الحرب ركدت ليلة فلم أسمع إلا هماهم الرجال وهريرهم ووقع الحديد فلما كان قبيل الفجر سمعت الانتماء من كل أنا ابن معدي كرب أنا الجاذمي أنا المالكي من أسد أنا الأشعري ثم صار الأنتماء قصره في جذيمة فلما انجلت الحرب رأيت جماعة قتلى في ربضة فقلت من هؤلاء قالوا من جذيمة النخع اصيبوا من آخر لليل وهم ينتمون فنفلهم عمر خمسة وعشرين فرسا يعني بني جذيمة
وحكى المدائني عن الشعيبي قال كان السبي بالقادسية وجلولاء مائة ألف رأس وقد قيل أقل من هذا وقول الشعبي أكثر وأشهر
ويروى أنه لما كان العطاء فضل من أهل البلاء بالقادسية بخمسمائة خمسمائة في أعطياتهم خمسة وعشرون رجلا منهم زهرة بن الجوية وعصمة الضبي والكلح الضبي وأما أهل البلاء قبلهم ففرض لهم العطاء على ثلاثة آلاف فضلوا على أهل القادسية
وذكر سيف بن عمر عن رجاله قالوا كانت العرب توقع وقعة العرب وأهل فارس في القادسية يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها وكانت في كل بلدة
مصيخة إليها تنظر ما يكون من أمرهاحتى ان كان الرجل ليريد الأمرفيقول لا انظر فيه حتى أرى ما يكون من أمر القادسية فلما كانت وقعتها سارت بها الجن إلى ناس من الإنس فسبقت أخبار الإنس إليهم قالوا فبرزت امرأة ليلا على جبل بصنعاء لايدري من هي وهي تقول
حييت عنا عكرم ابنة خالد
وما خير زاد بالقليل المصرد
وحيتك عني الشمس عند طلوعها
وحياك عني كل ناج مفرد
وحيتك عني عصبة حنفية
حسان الوجوه آمنوا بمحمد
أقاموا لكسرى يضربون جنوده
بكل رقيق الشفرتين مهند
الطويل

وسمع أهل اليمامة مجتازايغني بهذه الأبيات
وجدنا الأكثرين بني تميم
غداة الروع أصبرهم رجالا
هم ساروا بأرعن مكفهر
إلى لجب يوازنهم رعالا
بحور للأكاسر من رجال
كأسد الغاب تحسبهم جبالا
هم تركوا بقادس عز فخر
وبالنجفين أياما طوالا
مقطعة اكفهم وسوق
بمردى حيث قابلت الجبالا
الوافر
وسمع أهل البحرين راكبا يقول
ألاحييا أفناء بكر بن وائل
فقد تركوا جمع الأعاجم واجما
هم صدقوا يوم القوادس فارسا
بأسيافهم ضربا يبل القوائما
( أناخوا لهم في عرصة الدار وانتموا
إلى باذخ يعلو الذرى والجماجما الطويل
وسمع سامع بعمان قائلا
ألا إن عبد القيس كانوا بأسرهم
غداة قديس كالأسود الشداقم
وإذا هم من تغلب إبنة وائل
كتائب تردى بالقنا والقوائم
هم فرقوا جمع الأعاجم وابتنوا
قرارهم بالمقربات السواهم
فقولا لعبد الله أهلا ومرحبا
وتغلب إذ فضوا هوادي الأعاجم
وأشقوا رؤوس العجم بالبيض وانتموا
لأكرم أنساب العريب الأكارم
الطويل
وذكر الرواة أنهم سمعوا نحو هذا بالمدينة ومكة ونجران وأنشدوا ما سمع في كل موضع منها تركت ذكر ذلك إختصارا
ومما قيل أيضا في فتح القادسية من الشعر الذي لم يزل العلماء قديما يروونه قول بشر بن ربيعة الخثعمي
تذكر هداك الله وقع سيوفنا
بباب قديس والمكر ضرير
عشية ود القوم لو أن بعضهم
يعار جناحي طائر فيطير
إذا ما فرغنا من قراع كتيبة
برزنا لأخرى كالجبال تسير
ترى القوم منها واجمين كأنهم
جمال بأحمال لهن زفير
وعند أبي حفص عطاء لراحل
وعند المعنى فضة وحرير
الطويل
وقال القعقاع بن عمرو يذكر شدة ذلك اليوم وما لقيت الفيول فيه وتأثيره فيها
حضض قومي مضر حي بن يعمرو
فلله قومي حين هزوا العواليا
وما خام عنها يوم سادة جموعنا
لأهل قديس يمنعون المواليا
فإن كنت قاتلت العدو بنية
فإني لألقى في الحروب والدواهيا
فويلا أراها كالليوث مغيرة
أسمل أعيانا لها ومآقيا
الطويل
وقال حمال الأسدي في مثل ذلك
ألا هل أتاها يوم أعماس إنني

أمارس آسادآ لها وفيولا
أمارس فيلا مثل كعبة أبهر
ترى دونه رجراجة وخيولا
طعنت برمحي عينه فرددته
يرشح بولا خشية وجفولا
الطويل
وقال الشماخ بن ضرار
ويوم بجو القادسية إذ سموا
فعجت بقصاب من الهند نافح
أجالدهم والحي حولي كأنهم
رجال تلاقوا بينهم بالسوافح
وإني لمن قوم على أن ذممتهم
إذا أولموا لم يولموا بالأنافح
وإنك من قوم تحن نساؤهم
إلى الجانب الأقصى حنين المنائح
الطويل
وقال أيضا
فليت أبا حفص رآنا ووقعنا
بباب قديس بعدما عدل الصف
حملنا على الآساد آساد فارس
كحملة هرماس يحربه الصرف
الطويل
وقال عاصم بن عمرو
شاب المفارق والأعراض فالتمعت
من وقعة بقديس جرها العجم
جاب الكتائب والأوزاع وانشمرت
من صكة صكها ديانها الحكم
بينا بجيلة قد كدت سراتهم
سالت عليهم بأيدي الناصر العصم
سرنا إليهم كأن عارض برد
تزجي تواليه الأرواح والديم
كان العتيق لهم مثوى ومعركة
فيها الفرائص والأوصال واللمم
البسيط
وقال أبو بجيد نافع بن الأسود التميمي يمدح قومه ويذكرهم أثرهم في الجاهلية والإسلام
وقال القضاة من معد وغيرها
تميمك أكفاء الملوك الأعاظم
هم أهل عز ثابت وأرومة
وهم من معد في الذرى والغلاصم
وهم يضمنون المال للجار ماثوى
وهم يطعمون الدهر ضربة لازم
سديف الذرى من كل كوماء بازل
مقيما لمن يعفوهم غير جارم
فكيف تناحيها الأعاجم بعدما
علوا لجسيم المجد أهل المواسم
وبذل الغدى للسائلين إذا إعتفوا
وكب المتالي في السنين الأوازم
ومدهم الأيدي إلى غاية العلا
إذا أقصرت عنها أكف الألائم
وإرسالهم في النابئات تلادهم
لفك العناة أو لكشف المغارم
وقودهم الخيل العتاق إلى العدى
ضواري تردى في لجاج المخارم
مجنبة تشكو النسور من الوجى
يعاندن أعناق المطي الرواسم
لتنقض وترا أو لتحوي مغنما
كذلك قدماهم حماة المغانم
وكائن أصابوا من غنيمة قاهر
حدائق من نخل بقران ناعم
وكان لهذا الحي منهم غنيمة
كما أحرزوا المرباع عند المقاسم
كذلك كان الله شرف قومنا

بها في الزمان الأول المتقادم
وحين أتى الإسلام كانوا أئمة
وقادوا معدا كلها بالجزائم
إلى هجرة كانت سناء ورفعه
لباقيهم فيهم وخيرا مراغم
إذا الريف لم ينزل عريف بصحبه
وإذ هو تكفيه ملوك الأعاجم
فجائت تميم في الكتائب نصرة
يسيرون صفا كالليوث الضراغم
على كل جرداء السراة وملهب
بعيد مدى التقريب عبل القوائم
عليهم من الماذي زعف مضاعف
له حبك من شكة المتلازم
فقيل لكم مجد الحياة فجاهدوا
فأنتم حماة الناس عند العظائم
فصفوا لأهل الشرك ثم تكبكبوا
وطاروا عليهم بالسيوف الصوارم
فما برحوا يعصونهم بسيوفهم
على الهام منهم والأنوف الرواغم
لدن غدوة حتى تولوا تسوقهم
رجال تميم ذحلها غير نائم
من الراكبين الخيل شعثا إلى الوغى
بصم القنا والمرهفات القواصم
فتلك مساعي الأكرمين ذوي الندى
تميمك لا مسعاة أهل الألائم
الطويل

ذكر فتح المدائن وما نشأ بينه وبين القادسية من الأمور

والمدائن على مسافة بعض يوم من بغداد ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقا وغربا ودجلة تشق بينها ولذلك سميت المدائن المدينة الغربية منهاتسمى بهرسير والمدينة الشرقية تسمى العتيقة وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلهم وفيها إيوان كسرى العجيب الشأن الشاهد بضخامة ملك بني ساسان ويقال أن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه وهو من أكابر ملوكهم وقد بنى ببلاد فارس وخراسان مدنا كثيرة ذكرها أبو بكربن ثابت الخطيب في صدر كتابه في تاريخ بغداد قال وكان الأسكندر أجل ملوك الأرض وقيل أنه ذو القرنين الذي ذكره الله في كتابه فقال إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيءسببا فأتبع سببا ( 84 - 85 الكهف ) حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر فبنى في المغرب الأسكندرية وبخراسان العليا على ما يقال سمرقند ومدينة الصد وبخراسان السفلى مرو وهراة وبناحية الجبل جي ومدينة أصبهان وبنى مدنا
أخرى كثيرة في نواحي الأرض وأطرافها وجال الدنيا كلها ووطئها فلم يختر منها منزلا سوى المدائن فنزلها وبنى بها مدينه عظيمه وجعل عليها سورا أثره باق وهي المدينه التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي وأقام بالإسكندرية راغبا عن بقاع الأرض كلها وعن بلاده ووطنه
وذكر بعض أهل العلم إنها لم تزل مستقره منذ نزلها حتى مات بها وحمل منها فدفن بالإسكندريه لمكان ولدته فإنها كانت إذ ذاك باقيه هناك
وقد كان ملوك الفرس لهم حسن التدبير والسياسة والنظر في الممالك واختيار المنازل فكلهم اختار المدائن وما جاورها لصحة تربتها وطيب هوائها واجتماع مصب دجلة والفرات بها

ويذكر عن الحكماء أنهم كانوا يقولون إذا أقام الغريب على دجلة من بلاد الموصل تبين في بدنه قوة وإذا أقام بين دجلة والفرات بأرض بابل تبين في عقله زياده وفي فطنته ذكاء وحدة وذلك الذي أورث أهل بغداد الإختصاص بحسن الأخلاق والتفرد بجميل الأوصاف وقل ما إجتمع اثنان متشاكلان وكان أحدهما بغدادي إلا كان هو المقدم في لطف الفطنه وحسن الحيلة وحلاوة القول وسهولة البذل ووجد إلينهما جانبا وأجملهما معاشرة
وكان حكم المدائن إذ كانت عامرة آهلة هذا الحكم ولم تزل دار مملكة الأكاسرة ومحل كبار الأساورة ولهم بها آثار عظيمه وأبنيه قديمه منها الإيوان الذي لم ير في معناه أحسن منه صنعة ولا أعجب عملا وقد أحسن في وصفه أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري في قصيدة له على ما روي السين يقال إنه ليس للعرب سينية مثلها ووصف ايضا معه القصر الأبيض وما كان مصورا فيه من الصور العجيبة والتماثيل البديعة والصنائع الغريبة فأبدع في وصف ذلك وأحسن ما شاء فقال
حضرت رحلي الهموم فوجهت
إلى أبيض المدائن عنس
أتسلى عن الحظوظ وآسى
لمحل من آل ساسان درس
أذكرتنيهم الخطوب التوالي
ولقد تذكر الخطوب وتنس
وهم خافضون في ظل عال
مشرف يحسر العيون ويخس
حلل لم تكن كأطلال سعدا
في قفار من البسابس ملس
ومساع لولا المحاباة مني
لم تطقها مسعاة عنس وعبس
لم تراه علمت أن الليالي
جعلت فيه مأتما بعد عرس
هو ينبيك عن عجائب قوم
لا يشاب البيان فيهم بلبس
وإذا ما رأيت صورة أنطاكية
إرتعت بين روم وفرس
والمنايا مواثل وأنو شروان
يزجى الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس على أصفر
يختال في صبيغة ورس
وعراك الرجال بين يديه
في خفوت منهم وإغماض جرسي
من مشيح يهوى بعامل رمح
ومليح من السنان بترس
تصف العين أنهم جدوا أحياء
لهم بينهم إشارة خرس
يغتلي فيهم إرتيابي حتى
تتقراهم يداي بلمس
حلم مطبق على الشك عيني
أم أمان غيرن ظني وحدس
وكأن الإيوان من عجب الصنعة
جوب في حنب أرعن جلس

يتظنى من الكآبة إذ يبدوا
لعيني مصبح أو ممس
مزعجا بالفراق عن أنس ألف
عز أو مرهق بتطليق عرس
عكست حظه الليالي وبات المشتري
فيه وهو كوكب نحس
فهو يبدي تجلدا وعليه
ككل من كلاكل الدهر مرس
لم يعبه أن بز من بسط الديباج
واستل من ستور الدمقس
مشمخر تعلوا له شرفات
رفعت في رؤوس رضوى وقدس
لابسات من البيض فما تبصر
منها إلا جلائل برس
لست تدري أصنع إنس لجن
صنعوه أم صنع جن لإنس
غير أني أراه يشهد أن لم
يك بانيه في الملوك بنكس
الخفيف
ولا أعلم أحد من الشعراء وصف القصر الأبيض وهذا الإيوان بأبدع من هذا الوصف ولا أشجى ولا أوقع
ويروى أن أبا جعفر المنصور رحمه الله لما أفضت إليه الخلافه هم بنقض هذا الإيوان واستشار في ذلك جلسائه وذوي الرأي عنده من رجاله فكلهم وافقه على رأيه وأشار عليه بما يطابق هواه إلا خالد بن برمك فإنه قال له لا تفعل يا أمير المؤمنين فإنه آية الإسلام وإذا رآه من يأتي في مستقبل الزمان علم أن أصحاب مملكته لم يغلبوا عليه إلا بأمر من عند الله وبتأييد أمد به المسلمين الذين قهروهم وبقائه فخر لكم وذكر ومع هذا فالمؤونة في هدمه أكثر من العائد عليه فاستغشه المنصور في ذلك وقال له يا خالد أبيت إلا ميلا مع العجمية ثم أمر بنقض الإيوان فبلغت النفقه في نقض الشيء اليسير منه مبلغا عظيما فكتب إليه بذلك فعزم على تركه وقال لخالد بن برمك قد صرنا على رأيك فقال له خالد إن رأيي الآن أن تبلغوا به الماء فقال له المنصور وكيف ذلك قال لأني آنف لكم أن يكون أولئك بنو بناء تعجزون أنتم عن هدمه والهدم أسهل من البناء ففكر المنصور في قوله فعلم أنه قد صدق ثم نظر فإذا هدمه يتلف الأموال فأمر بالإمساك عنه وكان بعد يقول لقد حبب إلي هذا البناء إن لا أبني إلا بناء جليلا يصعب هدمه

وقد بشر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أصحابه بالإستيلاء على مملكة فارس ووعدهم بإفتتاح المدائن فضرب يوم الخندق بمعول أخذه صخرة عظيمة إعتاصت عليهم في الخندق فكسر ثلثها بضربه وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني
لأبصر قصورها الحمر الساعه ثم ضرب الثانيه فكسر ثلثها الثاني وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ثم ضرب الثالثة فكسر بقية الحجر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأرى أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة فصدق الله وعده وأنجز لمحمد {صلى الله عليه وسلم} ما بشرهم به واستأصل بهم مملكة فارس وفتح عليهم المدائن في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما نذكره إن شاء الله تعالى

وذكر سيف بن عمر عمن سماه من رجاله وربما زدت في تضاعيفه من حديث غيره قالوا عهد عمر رضي الله عنه إلى سعد حين أمره بالمسير إلى المدائن أن يخلف النساء والعيال بالعتيق ويجعل معهم كثفا من الجند ففعل وعهد إليه أن يشركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم قالوا وكان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح شهرين في مكاتبة عمر رضي الله عنه في العمل بما ينبغي فقدم سعد زهرة بن جوية نحو اللسان وهو لسان البحر الذي أدلعه في الريف وعليه الكوفة اليوم وكانت عليه قبل اليوم الحيره وكان النخيرجان معسكرا به فأرفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم إليه ولحق بأصحابه ثم أمر سعد عبد الله بن المعتم ان يتبع زهرة وأمر شرحبيل بن السمط أن يتبع عبد الله ثم أتبعهم هاشم بن عتبة وولاه خلافته التي كان عليها قبل خالد ابن عرفطة وجعل خالدا على الساقة ثم ارتحل سعد يتبعهم بعد فراغه من أمر القادسية كله وكل المسلمين فارس مؤد قد نقل الله عز وجل إليهم ما كان في عسكر فارس من سلاح وكراع ومال فسار زهرة حتى ينزل الكوفة الكوفة كلها حصباء ورملة حمراء مختلطتين ثم نزل عليه عبد الله وشرحبيل فارتحل زهرة عند ذلك نحو المدائن لما انتهى إلى برس لقيه بها بصبهري في جمع فناوشهم زهرة فهزمهم وهربوا إلى بابل وبها فالة القادسية

وبقايا رؤسائهم وكان زهرة قطعنا بصبهري يوم برس فمات من طعنته بعدما لحق ببابل وأقبل عند ذلك بسطام دهقان برس فاعتقد من زهرة وعقد له الجسور وآتاه بخبر الذين جتمعوا ببابل وقدموا على أنفسهم الفيرزان فكتب بذلك زهرة إلى سعد فأتاه الخبر وقد نزل بالكوفة على من بها مع هاشم بن عتبة فقدمهم ثم أتبعهم حتى نزل برس فقدم منها زهرة وأتبعه الآخرين ثم أتبعهم حتى نزلوا على الفيرزان ببابل فاقتتلوا فهزموا المشركين في أسرع من لفت الرداء فانطلقوا على وجهين ولم تكن لهم همة إلا الإفتراق فخرج الهرمزان نحو الأهواز وخرج الفيرزان معه حتى طلع على نهاوند وبها كنوز كسرى فأخذها وأكل الماهين وصمد النخيرجان ومهران الرازي للمدائن حتى عبرا بهرسير إلى جانب دجلة الآخر ثم قطعا الجسر وخلفا شهريار دهقانا من دهاقين الباب في جمع بكوثى فقدم سعد زهرة بن جوية ثم إتبعه الجنود فساروا إليه فلما التقى بأطراف كوثى جيش شهريار وأوائل خيل المسلمين خرج شهريار فنادى ألا رجل ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إلي حتى أنكلكم به فقال زهرة وكايده لقد أردت أن أبارزك فأما إذ سمعت قولك فإني لا أخرج إليك إلا عبدا فإن أقمت له قتلك وإن فررت منه فإنما فررت من عبد ثم أمر أبا نباته نائلا الأعوجي وكان من شجعان بني تميم فخرج إليه مع كل واحد منهما الرمح وكلاهما وثيق الخلق إلا أن شهريار مثل الجمل فلما رأى نائلا ألقى الرمح ليعتنقه وألقى نائل الرمح ليعتنقه وانتضيا سيفيهما فاجتلدا ثم اعتنقا فخرا عن دابتيهما فوقع شهريار على نائل كأنه بيت فضعضعه بفخذه وأخذ الخنجر وأراد حل أزرار درعه ليذبحه فوقعت إبهامة في فم نائل فمضغها فحطم عظمها وأحس منه فتورا فثاوره فجلد به الأرض ثم قعد على صدره وأخذ خنجره فكشف درعه عن بطنه فطعن في بطنه وجنبه حتى مات فأخذ فرسه وسواريه وسلبه وانكشف

أصحابه فذهبوا في البلاد وأقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد فغنم سعد نائلا ذلك السلب كله وقال له عزمت عليك يا نائل إلا لبست سواريه وقباءه ودرعه وركبت دابته فانطلق فتدرع سلبه ثم أتاه في سلاحه على دابته فقال له سعد اخلع سواريك إلا أن ترى حربا فالبسهما وكان اول رجل من المسلمين سور بالعراق
قالوا فأقام سعد بكوثى أياما وأتى المكان الذي حبس فيه إبراهيم عليه السلام بكوثى والبيت الذي كان فيه محبوسا فنظر إليه وصلى على رسول الله وعلى إبراهيم وعلى أنبياء الله صلوات الله على جميعهم وقرأ وتلك الأيام نداولها بين الناس ( 140 آل عملاان ) ثم إن سعدا قدم زهرة إلى بهرسير فمضى من كوثى في المقدمات وتبعته المجنبات وخرج هاشم وخرج سعد في أثره وقد فل زهرة كتيبة كسرى التي كانت تدعى بوران حول المظلم مظلم ساباط وكان رجالها يحلفون كل يوم بالله لا يزول ملك فارس ما عشنا ولما انتهى هاشم إلى مظلم ساباط وقف لسعد حتى لحق به فلما نزله قال أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال ( 44 إبراهيم ووافق ذلك رجوع المقرط أسد كان كسرى قد ألفه وتخيره من أسود المظلم فبادر المقرط الناس حتى انتهى إليهم سعد فنزل إليه هاشم فقتلة فقبل سعد رأسه وقبل هاشم قدميه
وقال المدائني فنظر هاشم إلى الناس وقد أحجموا ووقفوا فقال ما لهم فقيل له أسد قد منعهم ففرج هاشم الناس وقصد له فثاوره الأسد وضربه هاشم فقطع موصله كأنما اجتلم به غصنا ووقعت الضربة في خاصرته وقال بعضهم على هامته فقتله
قالوا وقدم سعد هاشما إلى بهرسير ثم ارتحل سعد فنزل على الناس بها وجعل

المسلمون المتقدمون إليها كلما قدمت عليهم خيل وقفوا ثم كبروا حتى نجز آخر من كان مع سعد ولمانزل سعد على بهرسير بث الخيول فأغار على ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل الفرات فأصابوا مائة ألف فلاح فقال شيرزاذ دهقان ساباط وكان قد تلقى زهرة في طريقه بالصلح وتأدية الجزية فقال لسعد عندما أتى بالفلاحين فخندق لهم إنك لاتصنع بهؤلاء شيئا إنما هؤلاء علوج لأهل فارس فدعهم إلي حتى يفرق لك الرأى فيهم فكتب عليه بأسمائهم ودفعهم إليه فقال لهم شيرزاذ انصرفوا ألى قراكم وكتب سعد إلى عمر رحمهما الله إنا وردنا بهرسير بعد الذي لقينا بين القادسية وبهرسير فلم يأتنا أحد لقتال فبثثت الخيول فجمعت الفلاحين من القرى والآجام فرأيك فأجابه عمر إن من أتاكم من الفلاحين إذا كانوا مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ومن لم يأتكم ولم يهرب فهو أمانهم ومن هرب فأدركتموهفشأنكم به
فلما جاء سعدا الكتاب خلى عنهم وراسله الدهاقين فدعاهم إلى الإسلام أو الجزاء ولهم الذمة والمنعة فرضيوا بالجزية والمنعة ولم يبق في غربي دجلة إلى أرض العرب سوادي إلا أمن واغتبط بملك الإسلام واستقبلوا الخراج
وأقام سعد بالناس على بهرسير شهرين يرمونهم بالمجانيق ويدبون إليهم بالدبابات ويقاتلونهم بكل عدة
قال بعضهم وكان سعد عندما نزلها وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب استصنع شيرزاذ المجانيق فنصب على أهلها عشرين منجنيقا فشغلهم بها

وكان الأعاجم والعرب مطيفين بهم وربما خرجوا يمشون على المسنيات المشرفة على دجلة في جماعتهم وعدتهم لقتال المسلمين فلا يقومون لهم فكان آخر ما خرجوا في رجالة وناشبة وتجردوا للحرب وتتابعوا على الصبر فقاتلهم المسلمون فكذبوا وتوالوا وكانت على زهرة بن الجوية يومئذ درع مفصومه فقيل له لو أمرت بهذا الفصم فسرد فقال ولم فقالوا إنا نخاف عليك منه فقال إني لكريم على الله أن ترك سهم فارس الجند كلهم ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت في فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابة فثبتت فيه من ذلك الفصم فقال بعضهم إنزعوها عنه فقال دعوني فإن نفسي معي ما دامت في لعلي أن أصيب فيهم بطعنة أو بضربة أو خطوة فمضى نحو العدوفضرب بسيفه شهربراز من أهل اصطخر فقتله وأحيط به فقتل وانكشفوا وسيأتي بعد من أخبار زهرة بن الجوية وآثاره في الوقائع التي لاشك في كونها بعد هذه ما يوهن خبر قتله المذكور آنفا والأولى بحسب هذا إن شاء الله أن يكون غير زهرة هو صاحب هذه القصة إذ قد ذكر المدائني أن هاشم بن عتبة قال لزهير بن سليم الأزدي قال ويقال لغيره ورأى في درعه فصما إني لا آمن أن تصيبك نشابة في هذا الموضع فلو سردته قال لئن تركت نشابة الفارسي جسدي كله إلاهذا الموضع إني إذالسعيد ثم ذكر نحو ماتقدم فالله أعلم
وقال أنيس بن الحليس بينا نحن محاصرون بهرسيربعد زحفهم وهزيمتهم أشرف علينا رسول فقال إن الملك يقول لكم هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة وجبلها ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم فبدر الناس أبو مفزر الأسود بن قطبة وقد أنطقه

الله عز وجل بما لا يدري ما هو ولا نحن فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئا هو ولا نحن فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون إلى المدائن فقلنا يا أبا مفزر ما قلت له قال لا والذي بعث محمدا بالحق ما أدري ما هو وإلا أني علتني سكينة وأرجو أن أكون أنطقت بالذي هو خير وانتاب الناس يسألونه حتى سمع بذلك سعد فجاءنا فقال يا أبا مفزر ما قلت له فوالله إنهم لهراب فحدثه بمثل حديثه إيانا فنادى في الناس ثم نهد بهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان فأمناه فقال ما بقي أحد فيها فما يمنعكم فتسورها الرجال وافتتحناها فما وجدنا فيها شيئا ولاأحدا إلا أسارى أسرناهم خارجا منها فسألناهم وذلك الرجل لأي شيء هربوا فقال بعث إليكم الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه أنه لايكون بيننا وبينكم صلح أبدا حتى نأكل عسل أفريذون بأترج كوثى فقال الملك واويلة ألا أرى الملائكة تكلم على ألسنتهم ترد علينا وتجيبنا عن العرب ووالله لئن لم يكن كذلك ما هو إلا شيء ألقي علي في هذا الرجل لننتهي فأرزوا إلى المدينة القصوى
قالوا ولما دخل سعد والمسلمون بهرسير أمر بها فثلمت وتحول العسكر إليها ولاح لهم وذلك في جوف الليل القصر الأبيض فقال ضرار بن الخطاب الله أكبر أبيض كسرى هذا ما وعد الله رسوله وتابعوا التكبير حتى أصبحوا
وقال القعقاع بن عمرو
ألم يأتيك والأخبار تنمي
وتصعد في الملمعة الفياف
توافينا ومنزلنا جميعا
أمام الخيل بالسمر الثقاف
قسمنا أرضهم قسمين حتى
نزلنا مثل منزلهم كفاف
دعاء ما دعونا آل كسرى
وقد هم المرازب بانصراف
وما أن طبهم جبن ولكن
رميناهم بداعية ذعاف
فتحنا بهرسير بقول حق
أتانا ليس من سجع القوافي
وقد طارت قلوب القوم منا
وملوا الضرب بالبيض الخفاف

الوافر ولما نزل سعد بهرسير وهي المدينة الدنيا من المدائن طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى منها فلم يقدر على شيء ووجدهم قد ضموا السفن فأقاموا أياما يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين ودجلة قد طما ماؤها يتدفق جانباها فيروى أنه بينا سعد والمسلمون كذلك إذ سمعوا ليلا قائلا يقول يا معشر المسلمين هذه المدائن قد غلقت أبوابها وغيبت السفن وقطعت الجسور فما تنتظرون فربكم الذي يحملكم في البر هو الذي يحملكم في البحر فندب سعد الناس إلى العبور فأتاه قوم من العجم ممن قد اعتقد منه ذمة فقالوا ندلك على موضع أقل غمرا من هذا فدلوه على ديلمايا
وقيل إن سعدا رأى رؤيا كأن خيول المسلمين اقتحمت دجلة فعبرتها وقد أقبلت من المد بأمر عظيم فعزم على تأويل رؤياه على العبور وفي سنة جود صيبها متتابع فجمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم معه وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه فقد كفاكموهم أهل الأيام واعطوا ثغورهم وأفنوا ذادتهم وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصدكم الدنيا ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم فقالوا جميعا عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل فقال من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى يتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم الخروج فانتدب له عاصم بن عمرو أول الناس وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات

واستعمل عليهم عاصما فسار فيهم حتى وقف على شاطيء دجلة فقال من ينتدب معي لنمنع الفراض من عدوكم حتى تعبروا فانتدب له ستون فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكور ليكون أسلس لعوم الخيل ثم اقتحموا دجلة واقتحم بقية الستمائة على أثرهم وقد شدوا على خيولهم حزمها وألبابها وقرطوها أعنتها وشدوا عليهم أسلحتهم فلما رأتهم الأعاجم وما صنعوا أعدوا للخيل التي تقدمت خيلا مثلها فاقتحموا إليهم دجلة فلقوا عاصما في السرعان وقد دنا من الفراض فقال الرماح الرماح أشرعوها وتوخوا العيون فالتقوا فاطعنوا في الماء وتوخى المسلمون عيونهم فتولوا نحو البر والمسلمون يشمسون بهم خيلهم حتى ما يملكون منها شيئا فلحقوا بهم في البر فقتلوا عامتهم ونجا باقيهم عورانا ونزلت بالمسلمين خيولهم حتى انتقضت على الفراض وتلاحق باقي الستمائة بأوائلهم الستين غير متعتعين
ويروى أن أولئك الستين خرجوا يومئذ من دجلة منقطعين زمرا الزمرة الأولى تسعة فيهم عاصم والثانيه ثمانيه عشر والثالثه ثلاثة وثلاثون ويومئذ سميت كتيبة عاصم هذه كتيبة الأهوال لما رأى منهم في الماء والفراض
ولما رأى سعد عاصما على الفراض وقد منعها أذن الناس في الاقتحام وقال قولوا نستعين بالله ونتوكل على الله حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وتلاحق عظم الجند فركبوا اللجة وأعترضوا دجلة وإنها لمسودة تزخر لها حدب يقذف بالزبد فكان أول من اقتحم سعد ابن أبي وقاص ثم اقتحم الناس وقد قرنوا أنثى بكل حصان يتحدثون على ظهورها كما يتحدثون على الأرض وطبقوا دجلة خيلا ودواب ورجالا حتى ما
ا يرى الماء من الشاطئ أحد وسلمان الفارسي يساير سعدا يحدثه ووالماء يطفوا بهم والخيل تعوم فإذا أعيا فرس استوى قائما يستريح كأنه على الأرض فقال قيس بن أبي حازم إني لأسير في دجلة في أكثر مائها إذنظرت إلى فارس وفرسه كأنه واقف ما يبلغ الماء حزامه

وقال بعضهم لم يكن بالمدائن أمر أعجب من ذلك فقال سعد ذلك تقدير العزيز العليم ( 14 فصلت )
وفي روايه أنه قال لسلمان وهو يسايره في الماء والله لينصرن الله وليه وليظهرن الله دينه وليهزمن عدوه إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات فقال سلمان يا أبا إسحاق الإسلام جديد ذلل الله لكم البحر كما فرقه وذلله لبني إسرائيل والذي نفس سلمان بيده لتخرجن منه أفواجا كما دخلتموه أفواجا فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئا ولم يغرق فيه أحد
قال أبو عثمان النهدي إلا رجلا من بارق يدعى غرقدة زل عن ظهر فرس له شقراء كأني أنظر إليها عريا تنفض عرفها والغريق طاف فثنى القعقاع بن عمرو عنان فرسه إليه فجره حتى عبر فقال البارقي وكان من أشد الناس أعجزت الأخوات أن يلدن مثلك يا قعقاع وكانت للقعقاع فيهم خؤوله
وقال بعض رجال سيف بن عمر إنه لم يذهب للمسلمين يومئذ في الماء شيء إلا قدح كانت علاقته رثة فانقطعت فذهب به الماء فقال الرجل
الذي كان يعاوم صاحب القدح معيرا له أصابه القدر فطاح فقال إني لأرجوا والله أن لا يسلبني الله قدحي من بين أهل العسكر وإذا رجل من المسلمين ممن تقدم ليحمي الفراض قد سفل حتى طلعت عليه أوائل الناس وقد ضربت الرياح والأمواج القدح حتى وقع إلى الشاطيء فتناوله برمحه فجاء به إلى العسكر فعرفه فعرفه صاحبه فأخذه وقال لصاحبه الذي كان يعاومه ألم أقل لك فيروى أن عمر رحمه الله بلغه ما كان قال له صاحبه أولا فأنكره وأرسل إليه أنت القائل أصابه القدر فطاح تفجع مسلما
وقال الأسود بن قطبة أبو مفزر يرتجز يومئذ
يا دجل إن الله قد أشجاك
هذي جنود الله في قراك
فلتشكري الذي بنا حباك
ولا تروعي مسلما أتاك
الرجز
وقال عاصم بن عمرو في ذلك
ألا هل أتاها ان دجلة ذللت
على ساعة فيها القلوب تقلب
ترانا عليها حين عب عبابها
تباري إذا جاشت بموج تصوب
نفينا بها كسرى عن الدار فانتوى
لأبعد ما ينوي الركيك المرقب
الطويل

قال وفجأ المسلمون أهل فارس من هذا العبور بأمر لم يكن في حسبانهم فأجهضوهم وأعجلوهم عن حمل أموالهم وخرجوا هرابا وقد كان يزدجرد خرج قبلهم إلى حلوان فنزلها بعد ان قدم إليها عياله حين أخذت بهرسير وخرجوا معهم بما قدروا عليه من حر متاعهم وخفيفه وبالنساء والذراري وما قدروا عليه من بيت المال وتركوا في الخزائن من الثياب والمتاع والآنية والألطاف والأدهان ما لا يدري ما قيمته وخلفوا ما كانوا أعدوا للحصار
من البقر والغنم وكل الأطعمه والأشربه فدخل المسلمون المدائن واستولوا على ذلك كله فكان أول من دخلها كتيبة الأهوال ثم تبعتها الخرساء كتيبة سعد فأخذوا في سككها لايلقون أحدا ولا يحسونه إلا ما كان في القصر الأبيض فأحاطوا بهم ودعوهم فاستجابوا لسعد على الجزاء والذمة ويرجع إليها أهل المدائن على مثل عهدهم ليس في ذلك ما كان لآل كسرى ومن خرج معهم ونزل سعد القصر الأبيض وسرح زهرة في آثار القوم إلى النهروان فانتهى إليها وسرح مقدار ذلك في طلبهم من كل وجه
وقال حبيب بن صبهان لما عبر المسلمون دجلة جعل أهل فارس وهم ينظرون إليهم يعبرون يقول بعضهم لبعض بالفارسية ما تفسيره بالعربية إنكم والله ما تقاتلون الإنس وإنما تقاتلون الجن

قالوا وما زالت حماة أهل فارس يقاتلون على ماء الفراض يمنعون المسلمين من العبور حتى ناداهم مناد علام تقتلون أنفسكم فوالله ما في المدائن من أحد فأنهزموا وأقتحمتها الخيول عليهم ولما دخلها سعد فرأى خلوتها وانتهى إلى إيوان كسرى أقبل يقرأ كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمه كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ( 25 - 28 الدخان ) وصلى فيه صلاة الفتح ولا تصلى جماعة فصلى ثماني ركعات لا يفصل بينهن واتخذ الإيوان مسجدا وفيه تماثيل الجص رجال وخيل فلم يمتنع هو ولا المسلمون يعني من الصلاة فيه لأجلها وتركوها على حالها واتم سعد الصلاة يوم دخلها لأنه أراد المقام بها وبالمدائن كانت أول جمعة جمعت بالعراق في الصفر سنة ست عشرة ووكل سعد بالأقباض من يجمعها وأمره بجمع ما في القصر والإيوان ومنازل كسرى وسائر الدور وإحصاء ما يأتيه به
الطلب وقد كان اهل المدائن تأهبوا عند المدائن للغارة ثم طاروا في كل وجه فما أفلت أحد منهم بشيء ولا بخيط ألح عليهم الطلب فتنفذوا ما في أيديهم ورجعوا بما أصابوا من الأقباض فضموها إلى ما قد جمع
وقال حبيب بن صهبان دخلنا المدائن أتينا على قباب تركيه مملوءه سلالا مختمة بالرصاص فما حسبناها إلا طعاما فإذا هي آنية الذهب والفضة وقسمت بعد بين الناس
قال ولقد رأيت الرجل يطوف ويقول من معه بيضاء بصفراء وأتينا على كافور كثير فما حسبناه إلا ملحا فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز

وعن الرفيل بن ميسور قال خرج زهرة يعني ابن الجوية في المقدمة يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه فازدحموا فوقع بغل في الماء وعجلوا عنه ثم كلبوا عليه فقال زهرة أقسم بالله إن لهذا البغل لشانا ما كلب القوم عليه ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك بعدما أرادوا تركه إلا لشيء فترجل حتى إذا أزاحهم أمر أصحابه فاحتملوا البغل بما عليه حتى أدوه إلى الأقباض ما يدرون ما عليه وإذا الذي عليه حلية كسرى ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي كان فيها الجوهر وكان يجلس فيها للمباهاة
وقال الكلج الضبي كنت فيمن خرج للطلب فإذا أنا ببغالين قد ذبا الخيل عنهما بالنشاب فما بقي معهما غير نشابتين فلتظظت بهما فاجتمعا وقال أحدهما لصاحبه إرمه وأحميك أو أرميه وتحميني فحمى كل واحد منهما صاحبه حتى رميا بهما ثم إني حملت عليهما فقتلتهما وجئت بالبغلين ما أدري ما عليهما حتى بلغتهما صاحب الأقباض فإذا هو يكتب ما يأتيه به الرجال وما كان في الخزائن والدور فقال على رسلك حتى ننظر ما معك فحططت عنهما فإذا سفطان على أحد البغلين فيهما تاج كسرى مفسخا وكان لاتحمله إلا
أسطوانتان وفيهما الجوهر وعلى الآخر صفطان فيهما ثياب كسرى التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجا منظوما

قالوا وخرج القعقاع يومئذ في الطلب فلحق بفارسي يحمي الناس فاقتتلا فقتله القعقاع وإذا معه جنبية عليها عيبتان وغلافان في أحدهما خمسة أسياف وفي الآخر ستة وفي العيبتين أدراع درع كسرى ومغافره وساقاه وساعداه ودرع هرقل ودرع خاقان ودرع النعمان ودرع داهر ودرع سياوخش ودرع بهرام شوبين وكانوا استلبوا ما لم يرثوا منها مما استلبوا أيام غزاتهم خاقان وهرقل وداهر وأما النعمان وبهرام فحين هربا وخالفا كسرى وفي أحد الغلافين سيف كسرى وهرمز وكسوتي قباذ وفيروز وفي الآخر سيوف سائر من نسبت إليه دروع من تلك الدروع فجاء القعقاع بذلك كله إلى سعد فقال له إختر أحد هذه الأسياف فاختار سيف هرقل وأعطاه إياه معه درع بهرام ونفل سعد سائر ذلك في الخرساء كتيبته إلا سيف كسرى والنعمان فإنه بعث بهما إلى عمر في الأخماس مع حلي كسرى وتاجه وثيابه ليرى ذلك المسلمون ولتسمع به العرب لمعرفتهم بها
وقال عصمة الضبي خرجت فيمن خرج يطلب فأخذت طريقا مسلوكا فإذا عليه حمار فلما رآني حث حماره فلحق آخر قدامه فمالا وحثا حماريهما فانتهينا إلى جدول قد كسر جسره فثبتا حتى أتيتهما ثم تفرقا ورماني أحدهما فألظظت به حتى قتلته وأفلت الآخر فرجعت إلى الحمارين فأتيت بهما صاحب الأقباض فنظر فيما على أحدهما فإذا سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسروج بسرج من فضة على ثغره ولببه الزمرد والياقوت منظومين على
على الفضة ولجام كذلك وفارس من فضة مكلل بالجوهر وإذا في الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب وزمام من ذهب وكل ذلك منظوم بالياقوت وإذا عليها رجل من ذهب مكلل بالجوهر كان كسرى يضعهما إلى إسطوانتي التاج

وعن أبي عبيدة العنبري قال لما هبط المسلمون بالمدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال هو والذين معه لما نظروا إلى ما فيه ما رأينا مثل هذا قط ثم قالوا له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني ولكني أحمد لله وأرض بثوابه فأتبعوه رجلا حتى أتى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر ابن عبد قيس
ويروى أن سعدا رحمه الله قال حين رأى ما رأى من ورع الناس وكونهم لم يتعلق على أحد منهم بغلول فيما جمعوا من الغنائم والله إن هذا الجيش لأهل أمانة ولولا ما سبق لأهل بدر ما فضلتهم عليهم ولقد نالت الدنيا من رجال من أهل بدر حين أصابوها
وقال جابر بن عبد الله والله الذي لاإله إلا هو ما أطلعنا على أحد من اهل القادسية يريد الدنيا مع الآخرة
قال بعضهم ولقد كانوا يخافون قيس بن مكشوح وعمرو بن معدي كرب وطليحة بن خويلد وأشباههم على الغلول فما تعلق على أحد منه بشيء يكرهونه ولا أرادوا الدنيا
ولما قدم على عمر رحمه الله بسيف كسرى ومنطقته وزبرجه قال إن
أقواما أدوا هذا لذووا أمانة فقال علي رضي الله عنه إنك عففت فعفت الرعية
قالوا ولما اجتمعت الغنائم وتراجع الطلب قسم سعد بين الناس فيئهم بعدما خمسه فأصاب الفارس إثنا عشر ألفا وكلهم كان فارسا ليس فيهم راجل وكانت الجنائب في المدائن كثيرة ويقال كانوا بين أهل الأيام وأهل القادسية الذين لم يشهدوا الأيام وبين من لحق بهم في ثلاث من غير أهل الأيام بالقادسية وبين أهل الروادف ستين ألفا وقسم سعد دور المدائن بين الناس واوطنوها وكان الذي ولي القبض عمرو بن عمرو المزني والذي ولي القسم سلمان بن ربيعة
وقال الشعبي بعث سعد إلى العيالات فأنزلهم الدور لما قسمها وفيها المرافق فأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل ثم تحولوا إلى الكوفة بعد

قالوا وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء أراد أن يعجب به عمر من ثياب كسرى وحليه وسيفه ونحو ذلك ونفل من الأخماس في أهل البلاء ولم يجهدها وفضل بعد القسم بين الناس وإخراج الخمس القطف فلم يعتدل فقال للمسلمين هل لكم في أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماسه ونبعث به إلى عمر فيضعه حيث يرى فإنا لا نراه يتفق وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعا فقالوا نعم فبعث به على ذلك الوجه والقطف هو بهار كسرى ثقل عليهم أن يذهبوا به فتركوه بالمدائن فأصابه المسلمون وكان بساطا واحدا ستين ذراعا في ستين ذراعا فيه طرز كالسور وفصوص كالأنهار وفي خلال ذلك كالدير في حافاته كالأرض المزروعة والأرض
المبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قضبان الذهب ونواره بالذهب والفضة وأشباه ذلك وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين فكان إذا أرادوا الشراب شربوا عليه فكانهم في رياض وكانت العرب تسميه القطف فبعث به سعد مع الأخماس إلى عمر رضي الله عنه مع بشير بن الخصاصية فلما قدم عليه نفل من الخمس اناسا وقال إن الأخماس ينفل منها من شهدها ومن غلب من أهل البلاء فيما بين الخمسين ولا أرى القوم جهدوا الخمس ثم قسم الخمس في مواضعه ثم قال أشيروا علي في هذا القطف فأجمع ملؤهم على أن قالوا قد جعلوا ذلك لك فراء رأيك إلا ما كان من علي رضي الله عنه فغنه قال يا أمير المؤمنين الأمر كما قالوا ولم يبق إلا التروية إنك إن تقبله اليوم على هذا لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له قال صدقتني ونصحتني
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه استشارهم فيه فمن بين مشير بقبضه وآخر مفوض إليه وآخر مرفق فقام علي رضي الله عنه حين رأى عمر تأنى حتى انتهي إليه فقال لم تجعل علمك جهلا ويقينك شكا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت قال صدقتني فقطعه فقسمه بين الناس فأصاب عليا قطعة منه فباعها بعشرين ألفا وما هي بأجود تلك القطع

وذكر المدائني أن عمر حين قال له علي إن قبلته لم تعدم بعدك من يستحق مأثما بك صرفه إلى سعد وكتب إليه أن بعه واقسم ثمنه على من أفاءه الله عليهم
قال رجال سيف ولما أتى عمر بحلى كسرى وزيه في المباهاة وفي غير ذلك وكانت له عدة أزياء لكل حالة زي قال علي بمحلم وكان أجسم عربي يومئذ بأرض المدينة فألبس تاج كسرى على عمودين من خشب
وصب عليه أوشحته وقلائده وثيابه وأجلس للناس فنظر إليه عمر ونظر إليه الناس فرأوا أمرا عظيما من أمر الدنيا وفتنتها ثم قام عن ذلك فألبس زيه الذي كان يلبسه فنظروا إلى مثل ذلك في غير نوع حتى أتى على الأزياء كلها ثم ألبسه سلاحه وقلده سيفه فنظروا إليه في ذلك ثم وضعه ثم قال والله غن أقوما ادوا لذووا أمانة ونقل سيف كسرى محلما هكذا وقع ذكر محلم في هذا الحديث ولا أعرف ولا أعلم في ذلك الصدر من اسمه محلم إلا محلم بن جثامة ويقال إنه توفي على عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقصته في الدم الذي أصابه والعفو عند وجوب القود ودعاء النبي {صلى الله عليه وسلم} لما مثل بين يديه قصة مشهورة
وقد قيل إنه عاش بعد النبي {صلى الله عليه وسلم} فالله أعلم
وكذلك قيل إن الذي ألبسه عمر سواري كسرى هو سراقة بن مالك المدلجي
وروى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال لسراقة بن مالك كيف بك إذا لبست سواري كسرى قال فلما أتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه إياهما وكان سراقة رجلا أزب كثير شعر الساعدين وقال له ارفع يديك فقل الحمد لله الله أكبر الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابيا من بني مدلج ورفع بها عمر صوته
وذكر أبو الحسن المدائني في فتوح العراق خبر المدائن فخالف فيه كثيرا مما تقدم وزاد ونقص وسأذكر من ذلك ما يحسن ذكره على سبيل الإختصار والتوخي لحذف ما يكون ذكره تكرارا إلا ما يعتاض فضله من الحديث للحاجة إليه

فمن ذلك أن يزدجرد لما غلب سعد على مدينة نهرسير واعتقد أهل غربي دجلة منه الذمة نقل خزائنه وأمواله ودواوينه إلى حلوان وأقام في الإيوان في
مقاتلته وسعد والمسلمون في دير المنازل فبينما هم به ودجلة قد طماها ماؤها يتدفق جانباها إذ سمعوا ليلا قائلا يقول يا معشر المسلمين هذه المدائن قد غلقت أبوابها وغيبت السفن وقطعت الجسور فما تنتظرون فربكم الذي يحملكم في البر يحملكم في البحر فندب سعد الناس إلى العبور ثم ساق الحديث في ركوبهم دجلة على ظهور خيلهم نحوا مما تقدم ثم قال ونظر ضرار بن الخطاب والمسلمون فرأوا بناء أبيض فقال ضرار الله أكبر أبيض المدائن ورب الكعبة وهرب أهل المسالح حين عبر المسلمون واعروها وقالوا هؤلاء من السماء وخرج أهل الرومية ومن كان فيها من الأساورة معهم الفيلة فقاتلهم المسلمون فكانت الفيلة تهم في وجوه الخيل والمسلمون قليل ليست لهم رجالة تقاتل عن خيلهم فكانت الخيل تنفر فأتى رجل سعدا فقال تؤمنني على نفسي وأهلي ومالي وأدلك على ما ترد به الفيلة قال نعم قال الخنازير قال وأنى لي بها قال انا أجيئك بها فجاءه بخنازير فضربت فجعلت تقيع في وجوه الفيلة فولت وانهزم المشركون فوقف رجل يحميهم واعترض الطريق فلما دنا منه المسلمون ضرب فرسه ليقدم عليهم فاعتاص وضربه ليهرب فاعتاص فطعنه رجل من المسلمين فقتله ودخل الآخرون الرومية ومضى الأساورة إلى يزدجرد بالإيوان فهرب هو وأساورته ومقاتلته وسمعوا صوتا من ورائهم علام تقتلون أنفسكم وقد ذهبت مدة ملككم

ومضى سعد إلى المدينة العتيقة فمر المسلمون بمجلس لكسرى كان يسمى بهشت إيوان فوقفوا ينظرون إليه وقد تقدم سعد فانطوى عليه فظن أنهم اقتطعوا فسأل عنهم فأخبر فقال لبعض من معه من العجم ما هذا المجلس قالوا بهشت إيوان قال وما تفسيره قالوا الجنة فأرسل سعد قوما فأحرقوه وخرج أهل المدائن إلى سعد فتلقوه بجامات الذهب والفضة مملؤة دنانير ودراهم يسألونه الأمان على أن يعطوا الجزية فقبل ذلك منهم ونزل القصر الأبيض وأمر أهل المدائن فعقدوا الجسر فعبر المسلمون جميعا وأثقالهم
وإبلهم وتحول سعد فعسكر في مكانين على الناقوس وعلى نهر أبغش بين العسكرين ميل وكان أكثر العسكرين أهلا الذين على نهر أبغش واتخذ سعد مسجدا على الناقوس فهو إلى اليوم يسمى مسجد العسكر وصلى فيه علي بن أبي طالب حين قدم المدائن وهو يريد صفين
ولم يأخذ سعد من المدينة ومن أهلها إلاما كان للملك وأهل بيته ولمن هرب وأصابوا في خزائنهم ما عجزوا عن حمله من المتاع وصنوف الأطعمة ما لايوصف كثرة فأمر سعد بجمع ذلك فجمع وولاه النعمان بن مقرن ثم تلا أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( 44 - 45 إبراهيم )
وكتب سعد إلى عمر بفتح المدائن وبهرب ابن كسرى فكتب إليه عمر

أوصيك بتقوى الله الذي بتقواه سعد من سعد وبترك تقواه شقي من شقي وقد عرفت بلاء الله عندنا أيها الرهط أنه استقذنا من الشرك وأهله وأخرجنا من عبادة أوثانهم وهدانا من ضلالتهم وعرفت مخرجنا من عندهم كيف خرجنا وأن الرهط على بعير عليه أنفسهم وزادهم يتعاور اللحاف الواحد العدة منا من بلغ مأمنه منا بلغ مجهودا ومن أقام في أرضه أقام مفتونا في دينه معذبا في بدنه أشد أهله عليه أقربهم منه ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقسم بالله لتأخذن كنوز كسرى وقيصر يعجب من ذلك من سمعه فأبقاك الله حتى وليت ذلك بنفسك فأعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الخماص الذين ذهبوا في شمالهم لاصقة بطونهم بظهورهم ليس بينهم وبين الله حجاب لم تفتنهم الدنيا ولم يغتروا بها فاقتدوا بهديهم ولا تضللن أنفسكم وكونوا الأمة الممدوحة
المباركة التي قال الله تبارك وتعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ( 73 ألأنبياء )
قال وحصر سعد الرومية تسعة أشهر حتى أكل السنانير والكلاب بعضهم فأتى سعدا رجل مستأمن فسأله الأمان لنفسه وأهله على أن يدله على عورة المدينة فأمنه فدله على مجرى الماء إلى المدينة وكان يأتيهم الماء في قناة من دجلة فغورها المسلمون فارتحل أهل الرومية حين انقطع الماء عنهم من ليلتهم وحملوا ما خف من أموالهم وخرجوا على حامية معهم أتقالهم فأخذوا طريق خراسان فأتت امرأة منهم سعدا فسألته الأمان فأمنها فقالت لم يبق في المدينة أحد من المقاتلة ولامن عيالاتهم بقي قوم ضعفاء فدخلها سعد فأصابوا متاعا كثيرا وسلاحا وسبيا قليلا فبعث بخمس ما أصاب من الرومية وما صالح عليه أهل المدائن إلى عمر مع بشير بن الخصاصية
وذكر من حديث البساط الذي مر ذكره نحوا مما تقدم

وذكر أيضا عن حرملة بن صدقة بإسناده إليه قال غزوت خراسان فرأيت رجلا من العجم يشبه الروم فسألني عن مسكني فقلت المدائن قال أيها قلت الرومية قال فأين منزلك منها فوصفته له قال هذه داري إني أحدث أصحابي عنها وعن حالي وما كنت فيه فيكذبونني ولقد دفنت حين حصرنا العرب في الدكان التي على باب الدار عشرة آلاف درهم وآنية ذهب وفضة كثيرة فأغضيت على ما قال واتاذنت أميري في القمل فإذن لي فقدمت فاحتفرت ذلك الموضع فأصبحت ما قال على ما قال فأحرزته ورجعت إلى مركزي
قال المدائني واقتسم المسلمون الرومية أرباعا فنزلوها ونسبت الأرباع إلى قبائل ومعهم فيها غيرهم غير أنه قيل ربع عبد القيس وربع بجيلة وأسد وربع خزاعة وربع بقي على ما كان يسمى في الجاهلية طسوج هندوان
وكان كسرى أنزله قوما من الزط فهو يسمى بذلك الإسم إلى اليوم واتخذ آل صوحان مسجدا بالرومية واختطت القبائل فيما حول الإيوان ونزلوا المدينة العتيقة ولم ينزلوا إلا ما كان للملك ولأهل بيته ولمن هرب مما لم يصالح عليه فاختط حول الإيوان والرومية تميم وسليم وعبس وبكر ومزينة وجهينة وهمدان وثقيف والأنصار ومراد ونزل بنو أسد الفارقين ونزل المسلمون الإيوانات وبيوت النيران والمرابط والسكك ودور الضرب والدواوين وصار بستان الملك الذي كان يدخله إذا فرغ من الزمزمة مقابر للمسلمين ونزل حذيفة مربط يزدجرد ونزل سعد القصر الأبيض والمسجد الذي يجتمعون فيه مسجد العسكر على الناقوس فلم يزل المسلمون بالمدائن وما حولها حتى تحولوا إلى الكوفة فتركوا خططهم على حالها تعرف بهم وأقام قوم اتخذوا الضياع بالسواد فلم يتحولوا وكان مقامهم بعد الحرب سنتين

وذكر أيضا أن سعد بن أبي وقاص كان حين سار إلى المدائن خلف قوما بأرض الكوفة فقسم لهم مع من شهد المدائن حين فتحها فقام إليه رجل من هذيل فقال له عمدت إلى فيئنا فأعطيته من لم يشهد وركب إلى عمر فشكا سعدا فأرسل عمر عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال إن وجدتماه بالكوفة فلا تبيتن بها وإن وجدتماه خارجا عن الكوفة فلا تدعاه يدخلها وخذا الخاتم من يده فلقياه بفيين فأخذ أحدهما الخاتم من يده فنظر إلى الآخر فقال أمر بذلك فقال سعد
خذيني فجريني ضباع وأبشري
بلحم امريء لم يحضر اليوم ناصره
الطويل
قال دعوني أدخل الكوفة قالا لا فقطعا به الفرات من دير الأعور فلما قدم على عمر قال أين الهذلي فقام فقال ما يقول هذا قال سعد صدق قال ارجع فخذه منهم ثم أقسمه
وذكر عن عبد الله بن سليم وغيره قالوا اجتمع الأساورة بحلوان عند

يزدجرد فذكروا العرب ورثاثة سلاحهم وسوء عدتهم وظهورهم عليهم فتلاوموا وقالوا أسلمنا ملكنا وما كنا فيه إلى عصابة لم تكن في الأرض أمة أصغر أمرا عندنا منهم فقال بعضهم لا تعجبوا من هذا فإنها دولة جاءت قوما ومدة انقضت عنكم وهذا أمر أراده الله والله لا يغلب فقال رجل منهم ارفعوا لي كرة فرفعوها فرماها بنشابات فلم يخطئها قال هذا ما ترون من رميي ولقد رأيتني مرة في بستان أرمي الزنانير بجلاهق فما أخطأت بواحدة فقدم العرب فهربت وأتبغي رجل فرميته بخمس نشابات فما أصبته ودعا رجل بقوسه فرما بنشابة في حائط لبن فغيبها إلى قريب من الريش ثم اعترض ساقا من شجرة بسيفه فاجتمه ثم قال ترون رميي وضربي قالوا نعم قال فإني رميت رجلا يعني من المسلمين ليس عليه سلاح ولا ثوب يقيه فأصبت بطنه فما خدشه ولقد ضربت رجلا حاسرا أصلع بسيفي هذا فخرج من رأسه شبه الدقيق وحدث بعض العجم قال كنت فيمن انهزم عن العرب فإني لأسير في عشرة من الأساورة إذ إنتهينا إلى نهر ورجل من العرب يسقي فرسه فلما رآنا شد حزام فرسه وألجمه وركبه وحمل علينا فولينا وانفردت من أصحابي دهشا وطمع في فأتبعني حتى صرت في مؤخر النهر وفرسي أقوى من فرسه فزجرت فرسي فطغى بي النهر ووقف ينظر إلي لا يقدر على العبور فالتفت إليه فقال أولى لك فلم أدر ما قال لي حتى سألت بعد وعلمت فما خرج رعب تلك الكلمة من قلبي
وذكر بإسناد له إلى عبد الله بن معقل بن مقرن المزني قال اصطفى عمر من مال العجم أصنافا مال من هرب ومن قتل وكل مال لكسرى أو لأحد من أهل بيته وكل مسيل ماء وكل دير يريد فكان خراج ما اصطفى سبعة آلاف ألف حتى كان يوم دير الجماجم أحرق الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم
قال المدائني وكان المغنم بالمدائن والرومية قريبا من مغنم القادسية
ومما قيل في ذلك من الشعر قول أبي بجيد نافع بن الأسود التميمي يفخر بقومه
بنو تميم عتاد الحرب قد علموا
والناهضون إذا فرسانها ركبوا

والحاملون إذا ما أزمة أزمت
ثقل العشائر إن جموا وإن ندبوا
والفاصلون إذا ما خطة جهلت
عند الجموع وفيهم تفصل الخطب
والمانعون من الأعداء دارهم
عند الهياج إذا ما اهتزت الطنب
والواردون على كسرى مدائنه
قسرا ومن دونها بحر له لجب
نحوى نهابهم والخيل مشعلة
وسط الديار ومنها حولهم عصب
شعث عليها ليوث ما يهجهجها
عند الصياح بها عجم ولا عرب
شمس بأيديهم سمر مثقفة
وكل عضب له في متنه شطب
إذا جلوها على الأعداء في فزع
لاحت كأن فوق أيديهم بها شهب
البسيط
وقال أيضا
ونحن صبحنا يوم دجلة أهلها
سيوفا وأرماحا وجيشا عرمرما
نراوح بالبيض الرقاق رءوسهم
إذ الرمي أغرى بيننا فتضرما
أذقناهم يوم المدائن بأسنا
صراحا وأسعطنا الألائم علقما
سقيناهم لما تولوا إلى الردى
كؤوسا ملأناهن صابا وشبرما
أبيتم علينا السلم ثم رجعتمو
إلى السلم لما أصبح السلم محرما
ويوم يطير القلب من نعراته
ربطنا له جأشا وهجنا به دما
دعونا إليه من تميم معاشرا
يجيبون داعيهم وإن كان مجرما
يحلون في اليوم الشديد قيامه
عن الشمس والآفاق أغبر مظلما
ألا أيها ذا السائل عن عشيرتي
ستخبر عنهم إن سألت لتعلما
فمهما عقدنا جاز في الناس حكمنا
وننقضه منهم وإن كان محكما
الطويل
وقال أيضا
أي يوم لنا كيوم قديس
قد تركنا به القنا مرفوضا
كم سبينا من تاج ملك وأسوار
ترى في نطاقه تفضيضا
وقربنا خير الجيوش شتاء
وربيعا مجملا وغريضا
ونفرنا في مثلهم عن تراض
لم نعرض ولم نذق تغميضا
ثم سرنا من فورنا نحو كسرى
ففضضنا جموعه تفضيضا
وأملنا على المدائن خيلا
بحرها مثل برهن أريضا
وانتثلنا خزائن المرء كسرى
يوم ولي وحاص منا جريضا
الخفيف
وقال النابغة الجعدي من كلمة يذكر أيامهم تلك مع كسرى وغيره
فمضت كتائبنا إليه عنوة
حتى حللنا حيث ينخرق الصبا
نرمي مدينته ونحطم جمعه
ونصك رأس عموده حتى انشطا
ولقيصر أخرى رمينا رمية
قطعت قرينته كما انقطع السدا
والخيل تخفق بين دجلة عنوة

بالسفح من أقر إلى وادي القرى
لا قيصر أبدا ولا كسرى بها
قضى الحديث وكان شيئا فانقضى
الكامل

حديث وقعة جلولاء
ذكر سيف عن قيس بن أبي حازم قال أقمنا بالمدائن حين هبطناها واقتسمنا ما فيها فأتانا الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق عليه وأن اهل الموصل قد عسكروا بتكريت فكتب سعد بذلك إلى عمر فأجابه أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفا واجعل على مقدمته القعقاع ابن عمرو
وروى من سماه سيف من رجاله أن عمر كتب أيضا إلى سعد لئن هزم الله الجندين جند مهران وجند الأنطاق فقدم القعقاع حتى يكون على حد سوادكم بين السواد والجبل
قالوا وكان من حديث جلولاء أن الأعاجم لما انتهوا إليها بعد الهرب من المدائن وتفرقت الطرق بأهل أذربيجان والباب وبأهل الجبال وفارس تذامروا وقالوا إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا وهذا مكان يفرق بيننا فهلموا
فلنجتمع به للعرب ولنقاتلهم فإن كان لنا فهو الذي نريد وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا ما علينا وأبلينا عذرا فاحتفروا الخندق واجتمعوا فيه على مهران ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها ورماهم بالرجال وخلف فيهم الأموال فأقاموا في خندقهم وقد أحاطوا به الحسك من الخشب إلا طرقهم فضل هاشم بالناس من المدائن في اثني عشر ألفا فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب فسار إلى جلولاء أربعا حتى قدم عليهم فحاصرهم وأحاط بهم فطاولهم أهل فارس وجعلوا لايخرجون عليهم إلا إذا أرادوا وزاحفهم المسلمون ثمانين زحفا كل ذلك يعطيهم الله الظفر على المشركين وغلبوهم على حسك الخشب فاتخذوا حسك الحديد

وعن بعض الرواة ان هاشما لما نزل على مهران بجلولاء جعل يقوم في الناس ويقول إن هذا منزل له ما بعده وجعل سعد يمده بالفرسان حتى إذا كانوا أخيرا قال بعضهم لبعض أبلوا الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الأجر والمغنم واعلموا لله فإنكم ردء المسلمين فالتقوا فاقتتلوا وبعث الله عليهم ريحا أظلت عليهم البلاد ولم يستطيعوا إلا المحاجزة فتهفتت فرسانهم في الخندق فلم يجدوا بدا من أن يجعلوا فرضا مما يليهم تصعد منه خيلهم فأفسدوا حصنهم وبلغ ذلك المسلمين فنظروا إليه فقالوا ننهد إليهم ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه فلما نهدوا الثانية خرج القوم فرموا حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا تقدم عليهم الخيول وتركوا للمجال وجها فخرجوا منه على المسلمين فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير إلا أنه كان أكمش وأعجل وانتهى القعقاع في الوجه الذي زحف منه إلى باب خندقهم فأخذ به وأمر مناديا فنادى يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل خندق القوم فأقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله وإنما
فعل القعقاع ذلك ليقوي المسلمين فحملوا حملة لم يقم لها شيء حتى انتهوا إلى باب الخندق ولايشكون أن هاشما به فإذا هم بالقعقاع قد أخذ به وأخذ المشركون في الهزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم فهلكوا فيما أعدوا للمسلمين فعقرت دوابهم وعادوا رجالة وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة
وقال بعضهم كان أشقى أهل فارس بجلولاء أهل الري كانوا بها حماة أهل فارس ففني أهل الري يوم جلولاء

وفي حديث عن محفز بن ثعلبة وكان شهدها أن أهل فارس لما رأوا أمداد المسلمين بادروا بقتالهم توا في عددهم ثم وصف من شدة قتالهم قال حتى أنفذوا النبل وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات وكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهيرة ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة من كتائب المشركين وجاءت أخرى فوقفت مكانها فأقبل القعقاع على الناس فقال أهالتكم هذه قالوا نعم نحن مكلون وهم مريحون والكال يخاف العجز إلا أن يعقب فقال إنا حاملون عليهم ومجادوهم وغير كافين عنهم ولا مقلعين عنهم حتى يحكم الله بيننا فاحملوا حملة رجل واحد حتى تخالطوهم ولا يكذبن أحد منكم فحمل فانفرجوا فما نهنه أحد عن باب الخندق وألبسهم الليل رواقه فأخذوا يمنة ويسرة ونادى منادي القعقاع أين تحاجزون وأميركم في الخندق فحمل المسلمون فأدخل الخندق فأتى فسطاطا فيه مرافق وثياب وإذا ترس على
إنسان فأنبشه فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس فأخذها وثيابها فاديت الثياب وطلبت الجارية حتى صارت إلي فاتخذتها أم ولد
قالوا وأمر هاشم القعقاع بالطلب فطلبهم حتى بلغ خانقين وأدرك بها مهران فقتله وأدرك الفيرزان فنزل فتوقل في الظراب وخلى فرسه وأصاب القعقاع سبايا فبعث بهن إلى هاشم فكن مما اقتسم واتخذن فولدن في المسلمين فذلك السبي ينسب إلى جلولاء ومنه كانت أم الشعبي ويقال من القادسية
ويروى أن عمر رضي الله عنه قال وقد بلغه ما أصيب من هؤلاء السبايا اللهم إني أعوذ بك من أبناء الجلوليات قالوا ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار في حلوان نحو الجبل فنزل القعقاع بحلوان في جند فلم يزل بها إلى أن تحول سعد بالناس من المدائن إلى الكوافة فلحق به

قالوا وكتبوا إلى عمر بفتح جلولاء وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في اتباعهم فأبى وقال لو وددت أن بين السواد والجبل سدا لايخلصون إلينا ولا نخلص إليهم حسبنا من الريف السواد إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال
وساق المدائني خبر جلولاء مساقا بينه وبين ما تقدم بعض اختلاف وأسنده عن جماعة سمي منهم قال وبعضهم يزيد على بعض فسقت حديثهم أن يزجرد هرب إلى حلوان فلما فتح سعد الرومية كتب إلى عمر يستأذنه في البعثة إلى ابن كسرى فكتب إليه الحمد لله الذي أذل ابن كسرى وشرده فأقم بمكانك واحذر على من معك من المسلمين فأقام سعد بالمدائن سنتين لم يوجه

أحدا وكتب ابن كسرى إلى الجبال فجمع المقاتلة فوجههم إلى جلولاء وأمر الأساورة والجنود فنزلوها فاجتمع بها جمع عظيم عليهم خرزادين خرمهر فكتب سعد إلى عمر بجمعهم فكتب إليه أقم بمكانك ووجه إليهم جيشا فإن الله ناصرك ومتم وعده الذي وعد نبيه {صلى الله عليه وسلم} فعقد سعد لهاشم بن عتبة وندب الناس فانتدب معه أربعة آلاف فيهم طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب وفرسان المسلمين فسار فلما كان بمهروذ آتاه دهقانها فصالحه على أن يفرش له جريبا دراهم فقبل منه ومضى إلى جلولاء فقدم على قوم قد أعدوا عدة عظيمة وتحرزوا بالخنادق فقاتلوهم قتالا شديدا عن العيال والذراري وكتب هاشم إلى سعد يستمده وأتى المشركون أهل أذربيجان مددا فعاجلوهم القتال وكثروهم فجال المسلمون وانكشفوا فناداهم هاشم يا معشر المسلمين أين أما رأيتم ما خلفتم أتأتون عمر منهزمين فعطف الناس وعلى الميمنة حجر بن عدي وعلى الميسرة عمرو بن معدي كرب وعلى الخيل زهرة بن جوية وعلى الرجال طليحة بن خويلد فاشتد القتال بينهم حتى مضى وقت الظهر فصلى المسلمون يومئون إيماء وألح المشركون عليهم وطلعت كتيبة للمشركين حامية فجازت الخندق ثم طلعت أخرى فقال طليحة وعمرو بن معدي كرب يا معشر الفرسان الأرض واقرنوا خيولكم ففعلوا وجفوا وأشرعوا الرماح فرجعت الخيل عنهم ورموهم بالنشاب فتترسوا فمكثوا بذلك مليا وأشفق المسلمون فحضهم طليحة وزهرة وعمرو فبينا هم على ذلك إذ سمعوا تكبيرا للمسلمين وراءهم فإذا قيس بن مكشوح قد جاءهم في ألف وأربعمائة فارس وستمائة راجل فانهزم المشركون قبل أن يصل إليهم وهاجت ريح شديدة أظلمت لها الأرض فتهافت المشركون في الخندق وأتبعهم المسلمون فانتهوا إلى خنادقهم وقد انجلت عنهم الظلمة فركبوا أكتافهم فقتلوا منهم مقتله عظيمة وحووا عسكرهم فأصابوا شيئا لم يصيبوا مثله من الأموال والسلاح والمتاع والسبايا والدواب فجمع ذلك كله إلى هاشم فجاء رجل من آل خارجه بن الصلت بتمثال ناقة من

ذهب موشحه بالدر وألقاها في المغنم وجاء
مجفر بن ثعلبة بجارية وجاء كل رجل بما صار في يديه فحمل هاشم ذلك كله إلى سعد فكتب سعد إلى عمر بالفتح وبما أصاب من السبايا واستأذنه في اتباع العجم والمسير إلى الجبال فكتب إليه عمر رحمه الله أقم مكانك عامك هذا حتى ننظر واحذر على المسلمين واترك أهل الجبال ما تركوك فوددت أن بيننا وبين الجبال سدا من نار لايخلصون إلينا ولانخلص إليهم حسبنا من الريف السواد فأقم ولا تطلب ما سوى ذلك عامك هذا إلا أن ينزل عدوا بقربك وأقسم بين المسلمين ما أفاء الله عليهم
وكانت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف فبلغت السهام ثلاثة آلاف للفرس سهمان وللراجل سهم وقال قوم كانت الغنائم ستة وثلاثين ألف ألف وكانت السهام ستة آلاف وثمانية من الدواب للفرس سهمان وللراجل سهم فحمل سعد الخمس مع زياد بن أبي سفيان
وفي كتاب سيف عمن سمي من رجاله قالوا ونفل سعد من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ومن أعظمه ممن كان ثابتا بالمدائن وبعث بالأخماس مع قضاعي بن عمرو الدؤلي من الذهب والورق والآنيه والثياب وبعث بالسبي مع أبي مفزر الأسود بن قطبة قال بعضهم وبعث بالحساب مع زياد بن أبي سفيان وكان الذي يكتبه للناس ويدونهم فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء به ووصف له فقال له عمر هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به فقال والله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك فكيف لاأقوى على هذا في غيرك فقام في الناس بما أصابوا وبما صنعوا وبما يستأذنون فيه من الإنسياح في البلاد فقال عمر رضي الله عنه هذا الخطيب المصقع فقال زياد إن جندنا أطلقوا بأفعالهم لساني

وعن أبي سلمة قال لما قدم على عمر رحمه الله بالأخماس من جلولاء قال عمر والله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد فلما أصبح جاء في الناس وكشف عنه جلابيبه وهي الأمطاع فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى فقال له عبد الرحمن ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا إلا موطن شكر فقال عمر والله ما ذاك يبكيني وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم ثم دعا الحسن فيما ذكر المدائني فحثا له ثم دعا الحسين فحثا له ثم قال ما ترى أن أنحثي لهم حثيا أم نكيل بالصاع قال بل احث لهم ففعل ثم دون الدواوين وفرض وقسم
وذكر المدائني أيضا ان سعدا كتب إلى عمر رحمه الله مع زياد يستأذنه في اتباع المشركين ويصغر أمرهم عنده فكتب إليه عمر جاءني كتابك تستأذنني في إتباع المشركين وسيأتي فيهم أمري وذلك من حق إمامك عليك وإنما حق المسلم على المسلم بحق الله وإن أعظم اهل الإسلام حقا عليهم إمامهم وذلك انه لا تجد احدا من الناس صلاح أهل الأرض في صلاحه إلا نبي أو خليفه فالأمر إليك في إتباعهم في غير تغرير بالمسلمين وانظر ما أجلب الناس به عليك في العساكر من مال أو كراع أو سلاح أو متاع فأقسمه بين من حضر واترك الأرضين والأنهار فتكون في أعطية المسلمين فإنك إن قسمتها بين من حضرك لم يكن لمن بعدهم شيء ولا طوطن ولدا من والده ولا تمسن أنثى من السبي حتى يطيب رحمها ولاتتخذن مشركا أمينا على المسلمين فإنهم يأخذون الرشوة في دينهم ولا رشوة في دين الله وادع الناس فمن استجاب لك وأسلم قبل القتال فهو رجل من المسلمين وله سهم في الإسلام ومن أسلم بعد القتال وبعد الهزيمة فهو رجل من المسلمين وماله لأهل الإسلام والأسير إذا أسلم في أيدي المسلمين فقد أمن على دمه وهو فيء للمسلمين وأقر الفلاحين على حالهم

إلا من حاربك أو هرب أو ترك أرضه وخلاها فهي لكم فإن رجع فقبلتم منه الجزية فهو ذمة
وذكر سيف عن رجاله قالوا كان صلح عمر الذي صالح عليه أهل الذمة أنهم إن غشوا المسلمين لعدوهم برئت منهم الذمة وأن سبوا مسلما أن ينهكوا عقوبة وإن قاتلوا مسلما أن يقتلوا وعلى عمر منعهم وبرى ء عمر إلى كل ذي عهد من معرة الجيش
قال بعضهم فكان الفلاحون للطرق والجسور الأسواق والحرث والدلالة مع الجزي عن أيديهم على قدر طاقتهم وكانت الدهاقين للجزية عن أيديهم والعمارة وعلى كلهم الإرشاد وضيافة ابن السبيل من المهاجرين
قال المدائني وشهد عبد الله بن عمر جلولاء واشترى من المغنم متاعا بأربعين ألفا فلما قدم المدينة أتاه عمر في منزله فقال لإمرأته يا صفية احتفظي بما جاء به عبد الله ولا يصلن منه إلى شيء ثم قال لعبد الله يا عبد الله إشتريت من غنائم المسلمين فقالوا ابن عمر وصاحب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلأن يرخصوا عليك بمائة أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم لك فيما اشتريت ربحا لدرهم درهم فدعا عمر التجار فعرضه عليهم وقال اشتروا فإنه للمسلمين فتزايدوا حتى بلغ مائة ألف فباعه وأعطى عبد الله ثمانين ألفا وبعث بالباقي إلى سعد وكتب إليه اقسمه فيمن شهد سنة تسع عشرة
وعن رجال سيف قالوا ولما رجع أهل جلولاء إلى المدائن نزلوا قطائعهم وصار السواد ذمة لهم إلى ما أصفاهم الله به من مال الأكاسره ومن لج معهم
وقال القعقاع بن عمرو يذكر نزوله بجلولاء
من مبلغ عني القبائل مالكا
وقد أحسنت عند الهياج القبائل
فلله جاهدنا وفي الفرس بغية
ونحن على الثغر المخوف نساجل
وانتم عتاد إن ألمت ملمة
وجلت علينا في الثغور الجلائل
وهل تذكرون إن نزلنا وأنتم
منازل كسرى والأمور حوائل
فصرنا لكم ردئا لحلوان بعدما
نزلنا جميعا والجموع نوازل
فنحن الأولى فزنا بحلوان بعدما
أرنت على كسرى الإما والحلائل
الطويل
وقال أبو بجيد في ذلك
ويوم جلولاء الوقيعة أصبحت
كتائبنا تردى بأسد عوابس

فضضت جموع الفرس ثم أتمهم
فتبا لأجساد المجوس النجائس
وأفلتهن الفيرزان بجرعة
ومهران أردت يوم حز القوانس
أقاموا بدار للمنية موعد
ولترب تحثوها خجوج الروانس
الطويل
حديث يوم تكريت
وكان سعد رحمه الله لما كتب إلى عمر رضي الله عنه بأمر جلولاء وأجابه بما ذكر قبل كتب إليه أيضا باجتماع أهل الموصل إلى الأنطاق وإقباله بهم إلى تكريت حتى نزل بها وخندق عليه ليحمي أرضه فأمر عمر سعدا أن يسرح عبد الله بن المعتم إلى الأنطاق وعين لمقدمته وميمنته وميسرته وساقته رجالا سماهم له ففصل عن ذلك عبد الله من المدائن في خمسة آلاف فسار إلى تكريت حتى ينزل على الأنطاق ومعه الروم وإياد وتغلب والنمر وقد خندقوا فحصرهم أربعين يوما وتزاحفوا أربعة وعشرين زحفا في كلها هزم المشركون ولا يخرجون خرجة إلا كانت عليهم فلما رأت الروم ذلك تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن وقد كان عبد الله بن المعتم وكل بالعرب ليدعوهم إليه وإلى نصرته على الروم رجالا من تغلب وإياد والنمر فكانوا لا يخفون عليه شيئا فأقبلت إليه العيون منهم بما فعلت الروم وسألوه للعرب السلم وأخبروه أنهم قد استجابوا فأرسل إليهم إن كنتم صادقين فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقروا بما جاء به من عند الله ثم أعملوا بما نأمركم فردوا إليه رسلهم بالإسلام فأرسل إليهم إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا قد نهدنا إلى الأبواب التي تلينا لندخل عليهم منها فخذوا بالأبواب التي تلي دجلة وكبروا وقاتلوا واقتلوا من قدرتم عليه فانطلقوا حتى واطؤوهم على ذلك ونهد عبد الله والمسلمون لما يليهم وكبروا وكبرت تغلب
وإياد والنمر وقد أخذوا بالأبواب فحسب القوم أن المسلمين قد أتوهم من خلفهم فابتدروا الأبواب التي أمامهم فأخذتهم سيوف المسلمين مستقبلتهم وسيوف الربعيين الذين أسلموا ليلتئذ من خلفهم فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وإياد والنمر

وقال سيف كان عمر رضي الله عنه قد عهد إلى سعد إن هزم أهل تكريت أن يأمر عبد الله بن المعتم بتسريح ربعي بن الإفكل العنزي إلى الحصنين وربعي هو الذي كان عمر رسم أن يكون على مقدمة عبد الله في هذا الوجه فسرحه عبد الله إلى الحصنين وقال له اسبق الخبر وسر ما دون القيل وأحي الليل وسرح معه تغلب وإياد والنمر فقدمهم وعليهم عتبة بن الوعل أحد بني سعد بن جشم وذو القرط وأبو وداعة بن أبي كرب وابن ذي السنينة قتيل الكلاب وابن الحجير الأيادي وبشر بن أبي حوط متساندين فساروا يسبقون إلى الحصنين خبر الهزيمة ليغزوا أهلها فلما كانوا قريبا منها قدموا عتبة بن الوعل فادعى الظفر والنفل والقفل ثم الرجال المسمون آنفا واحدا بعد آخر كلما وصل واحد منهم ذكر مثل ما ذكر عتبة فوقفوا بالأبواب وقد أخذوا بها وأقبلت سرعان الخيل مع ربعي بن الإفكل حتى اقتحمت الحصنين على أهلهما فكانت إياها فنادوا بالإجابة إلى الصلح فأقام من استجاب وهرب من لم يستجب إلى ان أتاهم عبد الله بن المعتم فدعا من لج وهرب ووفى لمن أقام فتراجع الهارب واغتبط مع المقيم وصارت لهم جميعا الذمة والمنعة واقتسم المسلمون بتكريت ما أفاء الله عليهم على ان لكل سهم ألف درهم للفارس ثلاثة آلاف وللراجل ألف وبعثوا بالأخماس مع فرات ابن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان وولي حرب الموصل ربعي بن الأفكل والخراج عرفجة بن هرثمة

ذكر يوم ما سبذان ويوم قرقيسيا

ذكروا انه لما رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن بلغ سعدا أن آذين ابن الهرمزان جمع جمعا فخرج بهم إلى السهل وأن أهل الجزيرة بعثوا جندا إلى هيت فكتب سعد بذلك إلى عمر فكتب إليه أن يبعث ضرارا بن الخطاب في جند إلى ابن الهرمزان ويبعث عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند إلى هيت ورسم لكلا الجندين صاحب مقدمتيه ومجنبتين وساقه وسماهم فخرج ضرار في الجند وقدم صاحب مقدمته حتى انتهى إلى سهل ما سبذان فالتقوا بمكان يدعى بهندف فاقتتلوا به فأسرع المسلمون في المشركين وأخذ ضرار آذين بن الهرمزان سلما فأسره فانهزم عنه جيشه فقدمه فضرب عنقه ثم خرج في الطلب حتى انتهى إلى السيروان فأخذ ما سبذان عنوة فتطاير أهلها في الجبال فدعاهم فاستجابوا له وأقام بها حتى تحول سعد من المدائن فأرسل إليه فنزل الكوفة واستخلف على ما سبذان وكانت إحدى فروج الكوفة
وخرج عمر بن مالك في جنده سائرا نحو هيت وقدم الحارث بن يزيد العامري وهو المعين لمقدمته حتى نزل بهيت وقد خندقوا عليهم فلما رأى عمر بن مالك امتناع القوم بخندقهم استطال أمرهم فترك الأخبية على حالها وخلف عليهم الحارث بن يزيد يحاصرهم وخرج في نصف الناس يعارض الطريق حتى جاء قرقيسيا في عرة فأخذها عنوة فأجاب أهلها إلى الجزاء وكتب إلى الحارث في أهل هيت إن هم استجابوا فخل عنهم وإلا فخندق على خندقهم خندقا أبوابه مما يليك حتى أرى من رأيي فسمحوا بالإستجابة وانضم الجند إلى عمر بن مالك والأعاجم إلى أهل بلدهم وقال ضرار بن الخطاب يذكر ملئقاهم بهندف
ولما لقينا في بهندف جمعهم
تنادوا وقالوا يا صبر وايال قارس
فقلنا جميعا نحن أصبر منكم
وأكرم في يوم الوغى والتمارس
ضربناهم بالبيض حتى إذا انثنت
أقمنا لها ميلا بضرب القوانس
فولوا سراعا نحو دار أبيهم
وقد خومروا يوم الوغا بالوساوس
فما برحت خيلي تقص طريقهم
وتقتلهم بين اشتباك الحنادس
الطويل

ذكر الحديث عن تمصير الكوفة البصرة
وتحول سعد بن أبي وقاص عن المدائن إلى الكوفة وما يندرج مع ذكر البصرة من فتح الأبلة
ذكروا أنه جاء عمر رضي الله عنه فتح جلولاء وما ذكر بعدها ونزول المسلمين حيث ذكر قبل نزولهم منها ولما قدمت الوفود بذلك عليه أنكرهم حين رآهم وقال والله ما هيئتكم بالهيئة التي بدوتم بها ولقد قدمتم وفود القادسية والمدائن وإنهم لكما بدوا فما غيركم قالوا وخومة البلاد
فنظر في حوائجهم وعجل سراحهم وكتب إلى سعد أنبئني مالذي غير ألوان العرب ولحومهم فكتب إليه إن العرب خددهم وغير ألوانهم وخومة المدائن ودجلة فكتب إليه عمر إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان فابعث سلمان رائدا وحذيفة وكانا رائدي الجيش فليرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر ولم يكن بقي من أمر الجيش شيء إلا وقد أسنده عمر إلى رجل فبعث سعد حذيفة وسلمان فخرج سلمان حتى أتى الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرى شيئا حتى أتى الكوفة وخرج
حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة فأتي عليها وفيها ديارات ثلاث دير حرقة ودير أم عمرو ودير سلسله وأخصاص خلال ذلك فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا وقال كل واحد منهما اللهم رب السموات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الريح وما أذرت والنجوم وما هوت والبحار وما جرت والشياطين وما أضلت والخصاص وما أجنت بارك لنا في هذه الكوفة واجعله من منزل ثبات فرجعا إلى سعد بالخبر
وذكر المدائني أن الناس اجتووا المدائن بعد ان رجعوا من جلولاء فشكوا ذلك إلى عمر فقال عمر هل تصبر بها الإبل قالوا لا لأن بها بعوضا قال فإن العرب لا تصبر ببلاد لا تصبر بها الإبل اخرجوا فارتادوا بها منزلا

قال أبو وائل فخرجنا فأردنا أن ننزل الحيرة فقال رجل من أهلها يا معشر المعذبين ألا أدلكم على ما ارتفعت عن البعوضة وتطأطأت عن الثلجة وطعنت في البرية وخالطت الريف قلنا بلى فدلنا على الكوفة فاختط الناس ونزلوا الكوفة فكتب إلى عمر بذلك
وذكر سيف عمن سماه من رجاله قالوا مصر المسلمون المدائن وأوطنوها حتى إذا فرغوا من جلولاء وتكريت وأخذوا الحصنين كتب عمر إلى سعد أنت ابعث عتبة بن غزوامن إلى فرج الهند فليرتد منولا يمصره وابعث معه سبعين رجلا من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وابعث بعده عرفجة بن هرثمة واجعل مكانه الحارث بن حسان وابعث عاصم بن عمرو وحذيفة بن محصن ومجزأة ابن ثور والحصين بن القعقاع فخرج عتبة في سبعمائة من المدائن وأتبعه عرفجة في سبعمائة ثم عاصم ثم حذيفة ثم مجزأة ثم الحصين كل واحد منهم في سبعمائة ثم سعد بن سلمى في سبعمائة فساروا حتى أتوا على البصرة اليوم فنزلوها وثبتوا بها والبصرة كل أرض حجارتها جص
قالوا ولما نزل أهل الكوفة الكوفة واستقرت بأهل البصرة الدار عرف القوم أنفسهم وثاب إليهم ما كانوا فقدوا ثم إن أهل المصرين استأذنوا في بنيان القصب فقال عمر رضي الله عنه العسكرة أجد لحربكم وأذكى لكم وما أحب أن أخالفكم وما القصب قالوا العكرش إذا روي قصب فصار قصبا قال فشأنكم فابنوا بالقصب ثم وقع الحريق في المصرين وكانت الكوفة أشدهما حريقا فاحترق ثمانون عرشا ولم يبق فيها قصبة فبعث سعد نفرا منهم إلى عمر يستأذنونه في البنيان باللبن ويخبرونه عن الحريق وما بلغ منهم وكانوا لايدعون شيئا ولا يأتونه إلا أمروه فيه فقال ابنوا ولا يزيدن أحد على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة فرجع القوم بذلك إلى الكوفة
وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة بمثل ذلك وعهد عمر إلى الوفد وتقدم إلى الناس ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر قال ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم من القصد

فأول شيء خط بالكوفة وبني حين عزموا على البناء المسجد فاختط ثم قام رجل شديد النزع فرمى عن يمينه ومن بين يديه ومن خلفه وعن شماله وأمر من شاء أن يبني وراء مواقع تلك السهام وبنوا لسعد دارا بحياله بينهما الطريق وجعل فيها بيوت الأموال وهي قصر الكوفة اليوم وبنى سعد في الذي خطوا للقصر قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيتة ثم إن بيت المال نقب عليه منه فأخذ من المال وكتب سعد بذلك إلى عمر ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جانب الدار واجعل الدار قبالته فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل وفيهم حصن لمالهم فنقل المسجد وأراع بنيانه فقال له
دهقان من أهل همذان يقال له روزبة بن بزرجمهر أنا أبنيه لك وأبن لك قصرا وأصلهما ويكون بنيانا واحدا فخط قصر الكوفة على ما خط عليه ثم أنشأه من بعض آجر قصر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة على مساحته اليوم ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكنائس لكسرى بغير مجنبات فلم يزل على ذلك حتى بنى زمن معاوية بنيانه اليوم على يدي زياد ولما اراد زياد بناءه دعا بناءين من بنائي الجاهلية فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يزيد من طوله في السماء وقال أشتهي من ذلك شيئا لاأقع على صفته فقال له بناء قد كان بني لكسرى لا يجيء هذا إلا بأساطين من جبال الأهواز تنقر ثم تثقب وتحشى بالرصاص وبسافيد الحديد فترفعه ثلاثين ذراعا في السماء ثم تسقفه ثم تجعل له مجنبات ومواخر فيكون أثبت له فقال هذه الصفة التي كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبرها
قال عطاء مولى إسحاق بن طلحة كنت أجلس في المسجد الأعظم من قبل أن يبنيه زياد وليست له مجنبات ولا مواخر فأرى منه دير هند وباب الجسر

وذكر الطبري عن المدائني أن عمر بن الخطاب وجه عتبة بن عزوان إلى البصرة سنة أربع عشرة وذكر عن الشعبي قال قتل الخطاب مهران في صفر سنة أربع عشرة فقال عمر لعتبة قد فتح الله على إخوانكم الحيرة وما حولها وقتل عظيم من عظمائها ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس فأنا أريد أن أوجهك إلى أرض الهند والبصرة يومئذ تدعى أرض الهند لتمنع أهل ذلك الحيز من إمداد إخوانكم على إخوانكم وتقاتلهم لعل الله أن يفتح عليكم فسر على بركة الله واتق الله ما استطعت واحكم بالعدل وصل الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله
دهقان من أهل همذان يقال له روزبة بن بزرجمهر أنا أبنيه لك وأبن لك قصرا وأصلهما ويكون بنيانا واحدا فخط قصر الكوفة على ما خط عليه ثم أنشأه من بعض آجر قصر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة على مساحته اليوم ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكنائس لكسرى بغير مجنبات فلم يزل على ذلك حتى بنى زمن معاوية بنيانه اليوم على يدي زياد ولما اراد زياد بناءه دعا بناءين من بنائي الجاهلية فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يزيد من طوله في السماء وقال أشتهي من ذلك شيئا لاأقع على صفته فقال له بناء قد كان بني لكسرى لا يجيء هذا إلا بأساطين من جبال الأهواز تنقر ثم تثقب وتحشى بالرصاص وبسافيد الحديد فترفعه ثلاثين ذراعا في السماء ثم تسقفه ثم تجعل له مجنبات ومواخر فيكون أثبت له فقال هذه الصفة التي كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبرها
قال عطاء مولى إسحاق بن طلحة كنت أجلس في المسجد الأعظم من قبل أن يبنيه زياد وليست له مجنبات ولا مواخر فأرى منه دير هند وباب الجسر

وذكر الطبري عن المدائني أن عمر بن الخطاب وجه عتبة بن عزوان إلى البصرة سنة أربع عشرة وذكر عن الشعبي قال قتل الخطاب مهران في صفر سنة أربع عشرة فقال عمر لعتبة قد فتح الله على إخوانكم الحيرة وما حولها وقتل عظيم من عظمائها ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس فأنا أريد أن أوجهك إلى أرض الهند والبصرة يومئذ تدعى أرض الهند لتمنع أهل ذلك الحيز من إمداد إخوانكم على إخوانكم وتقاتلهم لعل الله أن يفتح عليكم فسر على بركة الله واتق الله ما استطعت واحكم بالعدل وصل الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله
فأقبل عتبة في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وضوى إليه قوم من الأعراب وأهل البوادي فقدم البصرة في خمسمائة يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا
وذكر من طريق آخر أنه قدمها في ثلاثمائة فلما رأى منبت القصب وسمع نقيق الضفادع قال إن أمير المؤمنين أمرني أن أنزل أقصى البر من أرض العرب وأدنى أرض الريف من أرض العجم فهذا حيث وجب علينا طاعة إمامنا فنزل الخريبة
وفي حديث الشعبي وليس بها يعني بالبصرة يومئذ إلا سبع دساكر فكتب إلى عمر ووصف له منزله فكتب إليه عمر أجمع الناس موضعا واحدا ولا تفرقهم وأقام عتبة أشهرا لايغزو ولا يلقى أحدا

وفي حديث آخر أن عتبة أقبل بمن كان معه حتى إذا كانوا بالمربد وجدوا هذا الكذان قالوا هذه البصرة فساروا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير فإذا حلفاء وقصب نابتة فقالوا هاهنا أمرتم فنزلوا دون صاحب الفرات فأتى فقيل له إن هاهنا قوما معهم راية وهم يريدونك فأقبل في أربعة آلاف أسوار فقال ما هم إلا ما رأى اجعلوا في أعناقهم الحبال وأتوني بهم فجعل عتبة يوجل ويقول إني شهدت القتال مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يعني فكان لايقاتل حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر حتى إذا زالت الشمس قال عتبة لأصحابه احملوا فحملوا عليهم فقتلوهم أجمعين إلا صاحب الفرات أخذوه أسيرا فقال عتبة ابغوا لنا منزلا هو أنزه من هذا وكان يوم عكاك فرفعوا له منبرا فقام يخطب فقال إن
الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة الإناء ألا وأنكم منتقلون منها إلى دار القرار فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ولقد ذكر لي أن صخرة ألقيت من شفير جهنم هوت سبعين خريفا ولتملأنه أفعجبتم ولقد ذكر لي أن مابين مصراعين من مصاريع الجنة ميسرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم له وكظيظ من الزحام ولقد رأيتني وإني لسابع سبعة مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما لنا طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد فما منا من أولئك السبعة من أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار وستجربون الأمراء بعدنا

وفي بعض ما ذكره الطبري من الأحاديث عن مقدم عتبة البصرة وأنه نزل الخريبة قال وبالأبلة خمسمائة من الأساورة يحمونها وكان مرفأ السفن من الصين وما دونها فسار عتبة فنزل دار الإجانة فأقام نحوا من شهر ثم خرج إليه أهل الأبلة فناهضهم عتبة وجعل قطبة بن قتادة السدوسي وقسامة بن زهير المازني في عشرة فوارس وقال لهما كونا ظهورنا فتردا المنهزم وتمنعا من أرادنا من ورائنا ثم التقوا فما اقتتلوا مقدار جزر جزور وقسمها حتى منحهم الله أكتافهم وولوا منهزمين حتى دخلوا المدينة ورجع عتبة إلى عسكره فأقاموا أياما وألقى الله في قلوبهم الرعب فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف لهم وعبروا إلى الفرات وخلوا المدينة فدخلها المسلمون فأصابوا متاعا وسلاحا وسبيا وعينا فاقتسموا العين فأصاب كل رجل منهم درهمان
وولي نافع بن الحارث أقباض الأبلة فأخرج خمسه ثم قسم الباقي بين من أفاء الله عليه وكتب بذلك مع نافع بن الحارث
وقال داود ابن أبي هند أصاب المسلمون بالأبلة من الدراهم ستمائة درهم فأخذ كل رجل درهمين ففرض عمر لأصحاب الدرهمين في ألفين من العطاء
وقال الشعبي شهد فتح الأبلة مائتان وسبعون فيهم أبو بكرة نفيع بن الحارث وشبل بن معبد والمغيرة بن شعبة ومجاشع بن مسعود وأبو مريم البلوي
وفي حديث يروى عن عمرة ابنة قيس انه لما خرج الناس لقتال أهل الأبلة وكانوا حيالها قالوا للعدو نعبر إليكم أو تعبرون إلينا قال اعبروا إلينا فأخذوا خشب العشر فأوثقوه وعبروا فقال المشركون لا تأخذوا أولهم حتى يعبر آخرهم فلما صاروا على الأرض كبروا تكبيرة ثم كبروا الثانية فقامت دوابهم على أرجلها ثم كبروا الثالثة فجعلت الدابة تضرب بصاحبها الأرض وجعلنا ننظر إلى رءوس تندر ما نرى من يضربها وفتح الله على أيديهم المدينة

وقال سلمة بن المحبق شهدت فتح الأبلة فوقع في سهمي قدر نحاس فلما نظرت إذا هي ذهب فيها ثمانون ألف مثقال وكتب في ذلك إلى عمر فكتب أن تصبر يمين سلمة بالله لقد أخذها يوم أخذها وهي عنده نحاس فإن حلف سلمت إليه وإلا قسمت بين المسلمين قال فحلفت فسلمت لي
قال المثنى بن موسى بن سلمة فأصول أموالنا اليوم منها
وقال عباية بن عبد عمرو شهدت فتح الأبلة مع عتبة فبعث نافعا إلى عمر وجمع لنا أهل دست ميسان فقال عتبة أرى أن نسير إليهم فسرنا فلقينا مرزبان دست ميسان فقاتلناه فانهزم أصحابه وأخذ أسيرا فأخذه قباؤه ومنطقته فبعث بها عتبة مع أنس بن حجية اليشكري
قال أبو المليح الهذلي فسأله عمر كيف المسلمون قال انثالت عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة فرغب الناس في البصرة فأتوها
وعن علي بن زيد قال لما فرغ عتبة من الأبلة جمع له مرزبان دست ميسان فسار إليه عتبة من الأبلة فقتله ثم سرح مجاشع بن مسعود إلى الفرات وبها مدينة ووفد عتبة إلى عمر وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع من الفرات فإذا قدم فهو الأمير فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة وجمع الميلكان عظيم من عظماء الأعاجم للمسلمين فخرج إليه المغيرة فلقيه بالمرغاب فظفر به فكتب إلى عمر بالفتح فقال عمر لعتبة من استعملت على البصرة فقال مجاشع بن مسعود قال تستعمل رجلا من أهل الوبر على أهل المدر تدري ما حدث قال لا فأخبره بما كان من أمر المغيرة وأمره ان يرجع إلى عمله فمات عتبة في الطريق واستعمل عمر المغيرة
وفي رواية أن أهل ميسان هم الذين جمعوا فلقيهم المغيرة وظهر عليهم قبل قدوم مجاشع من الفرات وبعد أن شخص عتبة إلى عمر أثر ما قتل مرزبان دست ميسان

وذكر الطبري بسنده عن قتادة قال جمع أهل ميسان للمسلمين فسار إليهم المغيرة وخلف الأثقال فلقيهم دون دجلة فقالت أردة بنت الحارث بن كلدة لو لحقنا بالمسلمين فكنا معهم فاعتقدت لواء من خمارها واتخذ النساء من خمرهن رايات وخرجن يردن المسلمين فانتهين إليهم والمشركون يقاتلونهم فلما رأى المشركون الرايات مقبلة ظنوا أن مددا أتى المسلمين فانكشفوا وأتبعهم المسلمون فقتلوا منهم عدة
أردة بنت الحارث بن كلدة
هذه كانت تحت شبل بن معبد البجلي وكانت أختها صفية عند عتبة بن غزوان فلما ولي عتبة البصرة انحدر معه اصهاره أبو بكر ونافع وشبل وانحدر معهم زياد فلما فتحوا الأبلة لم يجدوا قاسما يقسم بينهم فكان زياد قاسمهم وهو ابن أربع عشرة سنة له ذؤابة فأجروا عليه كل يوم درهمين
قال الطبري وكان ممن سبي من ميسان يسار أبو الحسن البصري وأرطبان جد عبد الله بن عون بن أرطبان
والأخبار في شأن هذين المصرين يوهم ظاهرها الاختلاف المتباين في وقت عمارة المسلمين لهما فأكثرها على أن ذلك كان بعد المدائن وبعد جلولاء وقد ذكرنا ما ذكر الطبري في بعض ما أورده أن عمر وجه الناس مع عتبة إلى البصرة في سنة أربع عشرة وهذا يقتضي أنه قبل القادسية فضلا عن المدائن وكذلك ذكر المدائني من حديث حميد بن هلال أن خالد بن عمير العدوي حدثه قال لما كان أيام القادسية كتب إلينا أهل الكوفة يستمدوننا فأمدهم أهل البصرة بألف وخمسمائة راكب كنت فيهم فقدمنا على سعد بالقادسية وهو مريض وذكر بقية الحديث
ولعل نزول المسلمين بهذين الموضعين كان متقدما على تمصيرهما وبنيانهما بزمان ومع ذلك فلا يرتفع الخلاف في ذلك بين الأخبار كل الإرتفاع والله تعالى أعلم

وكان عمر رضي الله عنه قد امر سعدا بعدما وجهه إلى العراق أن يجعل الناس أعشارا فلما كان بعد ذلك رجح الأعشار بعضهم بعضا رجحانا كثيرا فكتب سعد إلى عمر في تعديلهم فكتب إليه أن عدلهم فأرسل سعد إلى قوم من نساب العرب وعقلائهم وذوي الرأي منهم كسعيد بن نمران ومشعلة بن نعيم فعدلوهم فجعلوهم أسباعا فلم يزالوا كذلك عامة إمارة معاوية حتى ولي زياد فربعهم

ذكر الجزيرة وذكر السبب الذي دعا عمر إلى الأمر بقصدها
وذلك أن هرقل أغزى حمص في البحر بعد أن غلب عليها المسلمون واستمد أهل الجزيرة على أبي عبيدة ومن فيها من المسلمين فأجابوه وبلغت أمداد الجزيرة ثلاثين ألفا سوى امداد قنسرين من تنوخ وغيرهم فبلغوا من المسلمين كل مبلغ فضم أبو عبيدة مسالحه وعسكروا بفناء مدينة حمص وخندقوا عليها وكتبوا إلى عمر واستصرخوه وكان عمر رضي الله عنه قد اتخذ في كل مصر على قدرها خيولا من فضول اموال المسلمين عدة لما يعرض فكان من ذلك بالكوقة أربعة آلاف فرس يشتيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته بمكان يسمى لأجل ذلك الآري ويربعها فيما بين الفرات والأبيات من الكوفة مما يلي العاقول فسمته الأعاجم آخر الشاهجان يعنون معلف الأمراء وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلي في نفر من أهل الكوفة يصنع سوابقها ويجريها في كل يوم وبالبصرة نحو منها وقيمه عليها جزء بن معاوية وفي كل مصر من الأمصار على قدره فلما وقع إلى عمر كتاب أبي عبيدة يستصرخه كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرحهم من يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص فإن أبا عبيدة قد أحيط به وتقدم إليهم في الجد والحث
وكتب إليه أيضا أن سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص وإن أهل

قرقيسيا لهم سلف وسرح عبد الله بن عتبان إلى نصيبين ثم لينفضا حران والرها وسرح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ وسرح عياض بن غنم فإن كان قتال فقد جعلت أمرهم جميعا إلى عياض فمضى القعقاع في أربعة آلاف من يومهم الذي آتاهم فيه الكتاب نحو حمص وحديثهم مذكور في أمر حمص من فتح الشام وإنما أعيد منه هنا هذا القدر تطريقا لحديث الجزيرة وتمهيدا له وخرج عياض بن غنم وأمراء الجزيرة فسلكوا طريق الجزيرة على الفراض وغيرها فتوجه كل أمير إلى الكورة التي أمر عليها ولما بلغ أهل الجزيرة الذين أعانوا الروم على أهل حمص أن الجنود قد خرجت من الكوفة ولم يدروا الجزيرة يريدون أم حمص تفرقوا إلى بلدانهم خوفا عليها وخلوا الروم فأتى سهيل بن عدي حتى انتهى إلى الرقة وقد حصر فيها أهلها الذين ارفضوا عن حمص فنزل عليهم وأقام محاصرهم حتى صالحوه وذلك أن قالوا فيما بينهم إنكم بين أهل العراق وأهل الشام فما بقاؤكم على حرب هؤلاء وهؤلاء فبعثوا بذلك إلى عياض وهو في منزل واسط بالجزيرة فقبل منهم وعقد لهم عن أمرة سهيل بن عدي وخرج عبد الله بن عبد الله بن عتبان فسلك على دجلة حتى انتهى إلى الموصل عبر إلى البلد ثم أتى نصيبين فلقوه بالصلح وصنعوا كما صنع أهل الرقة وخافوا مثل الذي خافوا فعقد لهم عبد الله عن أمر عياض وأجروا ما أخذوه عنوة من الرقة ونصيبين ثم أجابوا مجرى أهل الذمة ولما أعطى أهل الرقة ونصيبين الطاعة ضم عياض سهيلا وعبد الله إليه فسار بالناس إلى حران فأخذ ما دونها فلما انتهى إليهم اتقوه بالإجابة إلى الجزية فقبل منهم وأجرى من أجاب بعد غلبته مجرى أهل الذمة ثم سرح سهيلا وعبد الله إلى الرها فاتقوهما بالإجابة إلى الجزية فقبل ذلك عياض منهم وأجرى من دونهم مجراهم فكانت الجزيرة أسهل البلدان أمرا وأيسره فتحا
وقال سهيل بن عدي في ذلك
وصادمنا الفرات غداة سرنا
إلى أهل الجزيرة بالعوالي
ولم نثن الأعنة حين سرنا

بجرد الخيل والأسل النهال
فأجهضنا الأولى قادوا لحمص
وقد منوا أماني الضلال
أخذنا الرقة البيضاء لما
رأينا الشهر لوح بالهلال
وازعجت الجزيرة بعد خفض
وقد كانت تخوف بالزوال
وصار الخرج صافية إلينا
بأكناف الجزيرة عن تغال
الوافر
وقال في ذلك عبد الله بن عتبان
ألا من مبلغ عني بجيرا
فما بيني وبينك من بعاد
فأن تقبل تلاق العدل فينا
وتنسى ما عهدت من الجهاد
وإن تدبر فما لك من نصيب
نصيبي فيلحق بالعباد
وقد ألقت نصيبين إلينا
سواد البطن بالخرج السداد
لقد لقيت نصيبين الدواهي
بدهم الخيل والجرد الوراد
ونفست الجياد عن أهل حمص
جنود الروم أصحاب الفساد
وعاين عامر منهم عديدا
ودهما مثل سائمة الجراد
الوافر
وخرج الوليد بن عقبة حتى قدم على بني تغلب وعرب الجزيرة فنهض معه مسلمهم وكافرهم إلا إياد بن نزار فإنهم ارتحلوا بكليتهم فاقتحموا أرض الروم فكتب الوليد بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى ملك الروم إنه بلغني أن حيا من أحياء العرب ترك دارنا وأتى دارك فوالله لتخرجنه أو لننبذن إلى النصارى ثم لنخرجنهم إليك فأخرجهم ملك الروم فتم منهم على الخروج أربعة آلاف وخنس بقيتهم فتفرقوا مما يلي الشام والجزيرة من بلاد الروم فكل إيادي في أرض العرب من أولئك الأربعة آلاف وأبى الوليد أن يقبل من بني تغلب إلا الإسلام وكتب فيهم إلى عمر فأجابه إنما ذلك لجزيرة العرب لايقبل منهم فيها إلا الإسلام فدعهم على أن لا ينصروا وليدا وأقبل منهم إذا أسلموا فقبل منهم على أن لاينصروا وليدا ولا يمنعوا أحد منهم من الإسلام وأبى بعضهم إلا الجزاء ورضي منهم بما
رضي به من العباد وتنوخ

وفي حديث عن أبي سيف التغلبي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كان عاهد وفد بني تغلب على أن لاينصروا وليدا فكان ذلك الشرط على الوفد وعلى من وفدهم ولم يكن على غيرهم فلما كان زمان عمر قال مسلموهم لا تنفروهم بالخراج فيذهبوا ولكن أضعفوا عليهم الصدقة التي تأخذونها من أموالهم فإنهم يغضبون من ذكر الجزاء على أن لا ينصروا وليدا إذا أسلم آباؤهم فخرج وفدهم في ذلك إلى عمر رحمه الله
ولما بعث الوليد إليه برءوس النصارى وبديانيهم فأمرهم عمر بأداء الجزية قالوا له أبلغنا مأمننا فوالله لئن وضعت علينا الجزاء لندخلن أرض الروم ووالله لتفضحنا من بين العرب فقال لهم أنتم فضحتم أنفسكم وخالفتم أمتكم والله لتؤدنها وأنتم صغرة قمأة ولئن هربتم إلى الروم لأكتبن فيكم ثم لأسبينكم قالوا فخذ منا شيئا ولا تسميه جزاء فقال أما نحن فنسميه الجزاء وسموه أنتم ما شئتم فقال له علي بن أبي طالب وأصغى إليه عمر يا أمير المؤمنين ألم يضعف عليهم سعد بن مالك الصدقة قال بلى قال فرضي به منهم جزاء ورضي القوم بذلك فبنو تغلب تسمي جزيتهم صدقة واما تنوخ فلم تبال أي ذلك كان فهم يسمونها الجزية وكان في بني تغلب عز وامتناع فلا يزالون ينازعون الوليد فيهم بهم ويقول
إذا ما عصبت الرأس مني بمشوذ
فغيك مني تغلب ابنة وائل
الوافر
وبلغت عمر رحمه الله فخاف أن يخرجوه وأن يضعف صبره فيسطو عليهم فعزله وأمر عليهم فرات بن حيات وهند بن عمرو الجملي

ذكر فتح سوق الأهواز ومناذر ونهرتير

ذكر سيف عن شيوخه قالوا لما انهزم الهرمزان بالقادسية جعل وجهه إلى أمته فملكهم وقاتل بهم من أرادهم فكان يغير على ميسان ودست ميسان من وجهين من مناذر ونهرتير فاستمد عتبة بن غزوان سعدا فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وأمرهما أن يكونا بين أهل ميسان ودست ميسان وبين نهرتير ووجه عتبة سلمى بن القين وحرملة بن مريطة الحنظليين فنزلا على حدود أرض ميسان ودست ميسان بينهم وبين مناذر ودعوا بني العم بن مالك فخرج إليهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكلبي فتركا نعيما ونعيما وأتيا سلمى وحرملة وقالا أنتما من العشيرة وليس لكما منزل فإذا كان يوم كذا فانهدوا للهرمزان فإن أحدنا يثور بمناذر والآخر بنهرتير فنقتل المقاتلة ثم يكون وجهنا إليكم فليس دون الهرمزان شيء إن شاء الله
فلما كانت ليلة الموعد خرج سلمى وحرملة صبيحتها في تعبئة وأنهضا نعيما ونعيم وسلمى على أهل البصرة ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهرتير فاقتتلوا فبينا هم في ذلك أقبل المدد من قبل

غالب وكليب وأتى الهرمزان الخبر بأخذ مناذر ونهرتير فكسر الله في ذرعه وذرع جنده وهزمه وإياهم فقتل المسلمون منهم ما شاءوا وأصابوا ما شاءوا واتبعوهم حتى وقفوا على شاطيء دجيل وأخذوا ما دونه وعسكروا بحيال سوق الأهواز وقد عبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وأقام بها وصار دجيل بينه وبين المسلمين ورأى الهرمزان ما لا طاقة له به فطلب الصلح وكتبوا إلى عتبة يستأمرونه فيه وكاتبه الهرمزان فأجاب عتبة إلى ذلك على الأهواز كلها ومهرجان قذق ما خلا نهرتير ومناذر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز فإنا لا نرد عليهم ما تنقذنا وجعل عتبة على مناذر سلمى بن القين مسلحة وأمرها إلى غالب وحرملة على نهرتير وأمرها إلى كليب فكانا على مسالح البصرة وهاجرت طوائف بني العم فنزلوا البصرة وجعلوا يتبايعون على ذلك وكتب عتبة بذلك إلى عمر رحمه الله ووفد وفدا منهم سلمى وحرملة وأمرهما أن يستخلفهما على عمليهما وغالب وكليب ووفد يومئذ من البصرة وفودا فأمرهم عمر أن يرفعوا حوائجهم فكلهم قال أما العامة فأنت صاحبها فلم يبق إلا خواص أنفسنا فطلبوا لأنفسهم إلا ما كان من الأحنف بن قيس فإنه قال يا أمير المؤمنين إنه لكما ذكروا ولقد يغرب عنك ما يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة وإنما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخير ويسمع بآذانهم وإنا لم نزل ننزل منزلا بعد منزل حتى أرزنا إلى البر وإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حدقة البعير الغاسقة من العيون العذاب والجنان الخصاب فتأتيهم ثمارهم غضة لم تخضد وإنا معاشر أهل البصرة نزلنا بسبخة هشاشة زعقة نشاشة طرف لها في الفلاة

وطرف لها في البحر الأجاج يجر إليها ما جر في مثل مرى ء النعامة دارنا مفعمة ووظيفتنا ضيقة وعددنا كثير وأشرافنا قليل وأهل البلاء فينا كثير ودرهمنا كبير وفقيرنا صغير وقد وسع الله علينا وزادنا في أرضنا فوسع علينا يا أمير المؤمنين وزدنا وظيفة تطوف علينا ونعيش بها فنظر عمر إلى منازلهم التي كانوا بها إلى أن صاروا إلى الحجر فنفلهموها وأقطعهم إياها وكان ذلك مما كان لآل كسرى فصار فيئا فيما بين دجلة والحجر فاقتسموه وكان سائر ما كان لآل كسرى في أرض البصرة على حال ما كان في أرض الكوفة ينزلونه من أحبوا ويقتسمونه بينهم لا يستأثرون به على بدء ولا ثني بعدما يرفعون خمسة إلى الوالي فكانت قطائع أهل البصرة نصفين نصفها مقسوم ونصفها متروك للعسكر وللاجتماع وكان أصحاب الألفين ممن شهد القادسية ثم أتى البصرة مع عتبة خمسة آلاف وكانوا بالكوفة ثلاثين ألفا فألحق عمر أعدادهم بأهل البصرة حتى ساواهم بهم ألحق جميع من شهد الأهواز ثم قال هذا الغلام سيد أهل البصرة يعني الأحنف وكتب إلى عتبة أن يسمع منه ورد سلمى وحرملة وغالبا وكليبا إلى مناذر ونهرتير فكانوا عدة فيها لما يعرض
حديث فتح الأهواز ومدينة سرق

واتصل ما بين أهل البصرة وبين أهل ذمتهم على ما ذكر إلى أن وقع بين الهرمزان وبين غالب وكليب في حدود الأرضين اختلاف فحضر سلمى وحرملة لينظرا فيما بينهم فوجدا غالبا وكليبا محقين والهرمزان مبطلا فحالا بينه وبينهما فكفر الهرمزان ومنع ما قبله واستعان بالأكراد فكثف جنده وكتبوا ببغيه وكفره إلى عتبة فكتب بذلك إلى عمر فأمدهم عمر بحرقوص ابن زهير السعدي وكانت له صحبة وأمره على القتال وعلى ما غلب عليه فنهدوا معه ونهد الهرمزان بمن معه حتى إذا انتهوا إلى جسر سوق الأهواز عبر الهرمزان فوق الجسر بعد أن خيرهم فقالوا له أعبر فاقتتلوا هنالك فهزم الله الهرمزان ووجه نحو رامهرمز وافتتح حرقوص سوق الأهواز فأقام بها ونزل الجبل واتسقت له بلاد سوق الأهواز إلى تستر ووضع الجزية وكتب بالفتح والأخماس إلى عمر فحمد الله ودعا له بالثبات والزيادة
وكان عمر رضي الله عنه قد عهد إلى حرقصوص إن فتح الله عليهم أن يبعث جزء بن معاوية في أثر الهرمزان وهو متوجه إلى رامهرمز فما زال يقاتلهم حتى انتهى إلى قرية الشغر وأعجزهم بها الهرمزان فمال منها جزء إلى دورق ومدينة سرق فيها قوم لا يطيقون منعها فأخذها صافية ودعا من هرب إلى الجزاء والمنعة فأجابوه وكتب بذلك كله إلى عمر وإلى عتبة فكتب عمر رحمه الله إلى جزء وإلى حرقوص بلزوم ما غلبا عليه والمقام
حتى يأتيهما أمره ففعلا وأستأذنه جزء في عمران ما دثر فاذن له فشق الأنهار وعمر الموات
ولما نزل الهرمزان رامهرمز وضاقت عليه الأهواز بالمسلمين طلب الصلح وراسل فيه حرقوصا وجزءا فكتب فيه حرقوص إلى عمر فكتب إليه وإلى عتبة يأمر بقبول صلح الهرمزان على ما لم يفتتحوا من البلاد على رامهرمز وتستر والسوس وجندي سابور والبنيان ومهرجان نقذق فقبل ذلك الهرمزان وأجابهم إليه فأقام أمراء الأهواز على ما أسند إليهم عمر وأقام الهرمزان على صلحه يجبي إليهم ويمنعونه وإن غاوره أكراد فارس أعانوه وذبوا عنه

وكتب عمر إلى عتبة يوفد عليه عشرة من صلحاء جند البصرة فوفد إليه منهم عشرة فيهم الأحنف بن قيس فلما قدموا عليه قال للأحنف إنك عندي مصدق وقد رأيتك رجلا فأخبرني أظلمت الذمة المظلمة نفروا أم لغير ذلك فقال بل لغير مظلمة والناس على ما تحب قال فنعم إذا أنصرفوا إلى رحالكم
وكتب عمر إلى عتبة أن أصرف الناس عن الظلم واتقوا الله واحذروا أن يدال عليكم لغدر يكون منكم أو بغي فإنكم إنما أدركتم بالله ما أدركتم على عهد عاهدكم عليه وقد تقدم إليكم فيما أخذ عليكم فأوفوا بعهد الله وقوموا على أمره يكن لكم عونا وناصرا
وبلغ عمر رحمه الله حرقوصا نزل جبل الأهواز والناس يختلفون إليه والجبل كئود يشق على من رامه فكتب إليه بلغني أنك نزلت منزلا كئودا لا تؤتي فيه إلا على مشقة فأسهل ولا تشقن به على مسلم ولا معاهد وقم في أمرك على رجل تدرك الآخرة وتصف لك الدنيا ولا تدركنك فترة ولا عجلة فتكدر دنياك وتذهب آخرتك

ذكر غزو المسلمين أرض فارس
قالوا وكان المسلمون بالبصرة وأرضها يومئذ سوادها والأهواز على ما هم عليه ما علبوا عليه منها ففي أيديهم وما صالحوا عليه ففي أيدي أهله يؤدون الخراج ولا يدخل عليهم ولهم الذمة والمنعة وعميد صلح الهرمزان
وقد قال عمر رحمه الله حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز وددت أن بيننا وبين فارس جبلا من نار لا نصل إليهم منه ولا يصلون إلينا كما قال لأهل الكوفة وددت أن بينهم وبين الجبل جبلا من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم

وكان العلاء بن الحضرمي على البحرين رده إليها عمر بعد أن عزله عنهما بقدامة بن مظغون وكان العلاء يناويء سعد بن أبي وقاص لصدع صدعه القضاء بينهما فطار العلاء على سعد في الردة بالفضل فلما ظفر سعد بالقادسية وأزاح الأكاسرة واستعلى بأعظم مما كان جاء به العلاء أسر العلاء أن يصنع شيئا في الأعاجم ورجاء أن يدال كما قد كان أديل ولم يقدر العلاء ولم ينظر فيما بين فضل الطاعة وفضل المعصية وعواقبها فندب اهل البحرين إلى أهل فارس فتسرعوا إلى ذلك ففرقهم أجنادا على أحدها الجارود بن المعلى وعلى الآخر السوار بن همام وعلى الآخر خليد بن المنذر بن ساوى وهو مع ذلك على جماعة الناس فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر وكان
عمر رحمه الله لا يأذن لأحد في ركوبه غازيا يكره التغرير بجنده استنانا يالنبي {صلى الله عليه وسلم} وبأبى بكر إذا لم يغزيا فيه أحدا فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في اصطخر وبإزائهم أهل فارس قد اجتمعوا على الهربذ فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم فقام خليد في الناس فقال إن الله إذا قضى لأحد أمرا جرت به المقادير حتى يصيبه وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم لحربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( 45 البقرة ) فأجابوه فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع يدعى طاووس وجعل السوار يحض ويذكر قومه عبد القيس حتى قتل وقتل الجارود ويومئذ ولى عبد الله بن المسور والمنذر بن الجارود حياتهما إلى أن ماتا وجعل خليد بن المنذر يومئذ يقول للمسلمين انزلوا فنزلوا فقاتلوا القوم فقتل أهل فارس مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها ثم خرج المسلمون يريدون البصرة إذ غرفت سفنهم ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا فوجدوا شهرك قد أخذ عليهم الطرق فعسكروا وامتنعوا

ولما بلغ عمر رحمه الله ما صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر يعني قبل أن يبلغه ما عرض لهم ألقى في روعه نحو من الذي كان فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه بعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه بتأمر سعد عليه وقال الحق بسعد بن أبي وقاص فيمن قبلك فخرج نحوه بمن معه
وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن العلاء بن الحضرمي حمل جندا من

المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعصاني وأظنه لم يرد الله بذلك فخشيت عليهم ألا ينصروا وأن يغلبوا وينشبوا فاندب الناس إليهم واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة الناس وأخبرهم بكتاب عمر فانتدب عاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن ومجزأة بن ثور والأحنف بن قيس وصعصعة بن معاوية وآخرون من رءوس المسلمين وفرسانهم فخرجوا في اثني عشر ألفا على البغال يجنبون الخيل وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم أحد بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي والمسالح على حالها بالأهواز والذمة وهم ردء الغازي والمقيم فسار أبو سبرة بالناس وساحل لا يلقاه أحد ولا يعرض له حتى التقى بخليد وأصحابه بحيث أخذ عليهم الطريق وكان أهل اصطخر حيث اخذوا عليهم الطريق وأنشبوهم استصرخوا عليهم أهل فارس كلهم فضربوا إليهم من كل وجه وكورة فالتقوا هم وأبو سبرة وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم وإلى المشركون أمدادهم وعلى المشركين شهرك وهو الذي كان أخذ عليهم الطريق غب وقعة القوم بطاووس فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركون وأصا بالمسلمون المنهم ما شاءوا وهي الغزاة التي شرفت بها نابتة البصرة فكانوا أفضل المصرين نابتة ثم إنكفأوا بما أصابوا وقد عهد إليهم عتبة وكاتبهم بالحث وقلة العرجة فانضموا إليه بالبصرة فرجع أهلها إلى منازلهم منها وتفرق الذين تنقذوا من أهل هجر إلى قبائلهم والذين تنفذوا من عبد القيس في موضع سوق البحرين ولما أحرز عتبة الأهواز وأوطأ فارس استأذن عمر في الحج فأذن له فلما قضى حجه استعفاه فأبى أن يعفيه وعزم عليه ليرجعن إلى عمله فدعا الله ثم انصرف فمات

في بطن نخلة فدفن بها ومر به عمر زائرا لقبره فقال أنا قتلتك لولا أنه أجل معلوم وكتاب مرقوم وأثنى عليه بفضله ومات عتبة وقد استخلف على الناس أبا سبرة بن أبي رهم وعماله على حالهم ومسالحه على نهرتير ومناذر وسوق الأهواز وسرق وأمر عمر أبا سبرة على البصرة بقية السنة التي مات فيها عتبة ثم عزله واستخلف عبد الرحمن بن سهل ثم استعمل المغيرة بن شعبة فعمل عليها بقية تلك السنة التي ولاه فيها والسنة التي تليها لم ينتقض عليه أحد في عمله وكان مرزوق السلامة

ذكر فتح رامهرمز والسوس وتستر وأسر الهرمزان
ذكر سيف عن أصحابه قالوا لم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفا على ما خرج عنهم فكتب إليهم وهو بمرو يذكرهم الأحقاد ويؤنبهم أن قد رضيتم يا أهل فارس أن غلبتكم العرب على السواد وما والاه وعلى الأهواز ثم لم يرضوا بذلك حتى يوردوكم في بلادكم وعقر داركم فخرجوا وتكاتبوا هم وأهل الأهواز وتعاهدوا وتواثقوا على النصرة وجاءت الأخبار حرقوص بن زهير وجزءا وسلمى وحرملة عن خبر غالب وكليب فكتبوا إلى عمر وإلى المسلمين بالبصرة فكتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن وعجل وابعث سويد بن مقرن وعبد الله بن ذي السهمين وجرير بن عبد الله الحميري وجرير بن عبد الله البجلي فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتيقنوا أمره وكتب إلى أبي موسى وهو على البصرة أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا وأمر عليهم سهيل بن عدي وابعث معه البراء بن مالك وعاصم بن عمرو ومجزأة بن ثور وكعب بن سور وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وعبد الرحمن بن سهل والحصين بن معبد وعلى أهل الكوفة والبصرة جميعا أبو سبرة بن أبي رهم وكل من أتاه فمدد له
وخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة فأخذ وسط السواد حتى قطع دجلة

بحيال ميسان ثم أخذ البر إلى الأهواز على البغال يجنبون الخيل وانتهى إلى نهرتير فجازها وجاز مناذر ثم شق الأهواز وخلف حرقوصا وسلمى وحرملة ثم سار نحو الهرمزان وهو برامهرمز فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره ورجا أن يقتطعه وقد طمع في نصر أهل فارس وقد أقبلوا نحوه ونزلت أوائل أمدادهم بتستر فالتقى النعمان والهرمزان بأزبك فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن الله هزم الهرمزان وأخلى رامهرمز ولحق بتستر وسار النعمان من أربك حتى ينزل برامهرمز ثم صعد لايذج فصالحه عليها تيرويه فقبل منه وتركها ورجع إلى رامهرمز فأقام بها
وجاء سهل في أهل البصرة حتى نزلوا سوق الأهواز فأتاهم بها خبر الوقعة التي أوقعها النعمان بالهرمزان حتى لحق بتستر فمالوا نحوه من سوق الأهواز فكان وجههم منها إلى تستر ومال النعمان إليها من رامهرمز وخرج سلمى وحرملة وحرقوص وجزء فنزلوا جميعا على تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس وأهل الجبال وأهل الأهواز في الخنادق فكتبوا بذلك إلى عمر رحمه الله واستمده أبو سبرة فأمده بأبي موسى فساجلوهم وعلى أهل الكوفة النعمان وعلى أهل البصرة أبو موسى وعلى الفريقين أبو سبرة فحاصروهم أشهرا وأكثروا فيهم القتل وقتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مبارزة مائة سوى من قتل في غير المبارزة وقتل مجزأة بن ثور مثل ذلك وقتل كعب بن سور وأبو تميمة كل واحد منهما مثل ذلك وهؤلاء في عدة من أهل البصرة وفعل مثل ذلك من الكوفيين رجال منهم حبيب بن قرة وربعي بن عامر وعامر بن عبد الأسد وكان من الرؤساء في ذلك ما ازدادوا به إلى ما كان منهم وزاحفهم المشركون في أيام تستر ثمانين زحفا تكون عليهم مرة ولهم أخرى حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم

لنا فقال البراء بن مالك اللهم اهزمهم لنا واستشهدني فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم فارزوا إلى مدينتهم فأحاط المسلمون بها فبينا هم على ذلك وقد ضاقت المدينة بهم وطالت حربهم خرج رجل إلى النعمان فاستأمنه على أن يدله على مدخل يوصل منه إلى المدينة ويكون منه فتحها فأمنه النعمان فقال انهدوا من قبل مخرج الماء ورمى رجل آخر غير ذلك الرجل من ناحية أبي موسى بسهم يستأمنهم فيه على أن يدلهم على ذلك فأمنوه في نشابة فرمى إليهم بأخرى ودلهم على مخرج الماء فندب الأميران أصحابهما فانتدب لأبي موسى كعب بن سور ومجزأة بن ثور وبشر كثير وانتدب للنعمان أيضا بشر كثير منهم سويد بن المثعبة وعبد الله بن بشر الهلالي فنهدوا فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج وقد تسرب سويد وعبد الله فأتبعهم الفريقان حتى إذا جتمعوا فيها والناس على رجل من خارج كبروا فيها وكبر المسلمين من خارج وفتحت الأبواب فاجتلدوا فيها فأناموا كل مقاتل وأرز الهرمزان إلى القلعة فأطاف به الذين دخلوا من مخرج الماء فلما عاينوه وأقبلوا قبله قال لهم ما شئتم قد ترون ضيق ما انا فيه وأنتم وإن معي في جعبتي مائة نشابة ووالله لا تصلون إلي ما دامت معي نشابة وما يقع لي سهم إلا في رجل وما خير أسارى إذا أصبت منكم مائة بين قتيل وجريح قالوا فتريد ماذا قال أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع بي ما شاء قالوا فذلك لك فرمى بقوسه وأمكنهم من نفسه فشدوه وثاقا واقتسموا ما أفاء الله عليهم فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألفا وجاء الرجل الذي خرج بنفسه إلى النعمان والآخر الذي رمى بالسهم في ناحية أبي موسى فقالا للمسلمين من لنا بالأمان الذي طلبنا علينا وعلى من مال معنا قالوا ومن مال معكم قالوا من أغلق عليه بابه مدخلكم فأجازوا ذلك لهم وقتل ليلتئذ من المسلمين ناس كثير منهم مجزأة بن ثور والبراء بن مالك قتلهما الهرمزان

وخرج أبو سبرة من تستر في أثر الفل وقد قصدوا السوس وأخرج معه النعمان وأبا موسى ومعهما الهرمزان حتى نزلوا على السوس وكتبوا بذلك إلى

عمر فكتب إلى أبي موسى برده على البصرة فانصرف عليها وأمر عمر على جند البصرة المقترب وهو الأسود بن ربيعة وكتب إلى زر بن عبد الله ابن كليب الفقيمي أن يسير إلى جندي سابور فسار حتى نزل عليها وكان الأسود وزر من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من المهاجرين إليه الوافدين عليه فقال له الأسود لما وفد عليه جئت لأقترب إلى الله بصحبتك فسماه المقترب وقال له زر يا رسول الله فني بطني وكثر إخوتنا فادع الله لنا فقال اللهم أوف لزر عمارته فتحول إليهم العدد ووفد أبو سبرة وفدا فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس وأرسل الهرمزان معهم فقدموا مع أبي موسى البصرة ثم خرجوا نحو المدينة حتى إذا دخلوها هيئوا الهرمزان في هيئته فألبسوه كسوته من الديباج ووضعوا على رأسه تاجا مكللا بالياقوت كما يراه عمر والمسلمون في هيئته ثم خرجوا به على الناس يريدون عمر في منزله فلم يجدوه فسألوا عنه فقيل لهم جلس في المسجد لوفد قدموا عليه من الكوفة فانطلقوا يطلبونه في المسجد فلم يروه فلما انصرفوا مروا بغلمان يلعبون فقالوا لهم ما تلددكم تريدون أمير المؤمنين فإنه نائم في ميمنة المسجد متوسد برنسه وكان عمر رحمه الله قد جلس لوفد الكوفة في برنس فلما فرغ من كلامهم وارتفعوا عنه وأخلوه نزع برنسه ثم توسده فنام فانطلقوا ومعهم النظارة حتى إذا رأوه جلسوا دونه وليس في المسجد نائم ولا يقظان غيره والدرة في يده فقال الهرمزان أين عمر قالوا هو ذا وجعل الوفد يشيرون إلى الناس أن اسكتوا عنه فقال لهم الهرمزان أين حرسه وحجابه فقالوا ليس له حارس ولا حاجب ولا كاتب ولا ديوان فقال ينبغي له أن يكون نبيا قالوا بل يعمل عمل الأنبياء وكثر الناس فاستيقظ عمر رحمه الله بالجلبة فاستوى جالسا ثم نظر إلى الهرمزان فقال الهرمزان قالوا نعم فتأمله وتأمل ما عليه وقال اعوذ بالله من النار وأستعين الله ثم قال الحمد لله الذي أذل

بالإسلام هذا وأشباهه يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدى نبيكم ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غرارة فقال الوفد هذا ملك الأهواز فكلمه فقال لا حتى لا يبقى عليه من حليته شيء فرمى عنه بكل شيء كان عليه إلا شيئا يستره وألبسوه ثوبا صفيقا فقال عمر هي يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله فقال يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان معكم غلبتمونا فقال عمر إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا ثم قال عمر ما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك قال لا تخف ذلك واستسقى ماء فأتى به في قدح غليظ فقال لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فأتى به في إناء يرضاه فجعلت يده ترعد وقال إني أخاف أن أقتل وانا أشرب فقال عمر لا بأس عليك حتى تشربه فأكفأه فقال عمر أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش فقال لا حاجة لي في الماء إنما أردت أن أستأمن به فقال عمر إني قاتلك فقال قد أمنتني قال كذبت قال أنس صدق يا أمير المؤمنين قد أمنته قال ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة والبراء بن مالك والله لتأتين بمخرج وإلا عاقبتك قال قلت له لا بأس عليك حتى تخبرني وقلت له لا بأس عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فأقبل على الهرمزان وقال خدعتني والله لا أنخدع إلا أن تسلم فأسلم ففرض له على ألفين وأنزله المدينة
ويروى أن المغيرة بن شعبة كان الترجمان يومئذ بين عمر وبين الهرمزان إلى أن جاء المترجم وكان المغيرة يفقه من الفارسية شيئا فقال له عمر ما أراك بها حاذقا ما أحسنها أحد منكم إلا خب ولا خب إلا دق إياكم وإياها فإنها تنقص الإعراب

ذكر فتح السوس

والأخبار التي نذكرها بعد ذلك شديدة الخلاف لبعض ما تقدم وكذلك قال أبو جعفر الطبري إن اهل السير اختلفوا في أمرها قال فأما المدائني فإنه قال لما انتهى فل جلولاء إلى يزدجرد وهو بحلوان دعا بخاصته وبالموبذ فقال إن القوم لا يلقون جمعا إلا فلوه فما ترون فقال الموبذ نرى ان نخرج فننزل اصطخر فإنها بيت المملكة وتضم إليك خزائنك وتوجه الجنود فأخذ برأيه وسار إلى أصبهان ودعا سياه فوجهه في ثلاثمائة فيهم سبعون من عظمائهم وأمره أن ينتخب من كل بلدة يمر بها من أحب فمضى سياه واتبعه يزدجرد حتى نزلوا اصطخر وأبو موسى محاصر السوس فوجه سياه إلى السوس والهرمزان إلى تستر فنزل سياه منزلا تحول عنه حين سار أبو موسى إلى تستر فنزل سياه بينها وبين رامهرمز ودعا الرؤساء الذين كانوا خرجوا معه من أصبهان وقد عظم أمر المسلمين عنده فقال قد علمتم أنا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم أهل الشقاء والبؤس سيغلبون على هذه المملكة وتروث دوابهم في إيوانات اصطخر ومصانع الملوك ويشدون خيولهم بشجرها وقد غلبوا على ما رأيتم وليس يلقون جندا إلا فلوه ولا ينزلون بحصن إلا فتحوه فانظروا لأنفسكم قالوا رأينا رأيك قال فليكفني كل رجل منكم حشمه والمنقطعين إليه فإني أرى أن ندخل في دينهم فوجهوا شيرويه في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى فقدم عليه فقال إنا قد رغبنا في دينكم فنسلم على أن نقاتل العجم
معكم وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منهم وننزل حيث شئنا ونكون فيمن شئنا منكم وتلحقونا بأشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الذي هو فوقك فقال أبو موسى بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا فقال لا نرضى

وكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمرهم فأجابه أعطهم ما سألوك فكتب لهم أبو موسى فأسلموا وشهدوا معه حصار تستر فلم يكن أبو موسى يرى منهم جدا ولا نكاية فقال لسياه يا أعور ما أنت وأصحابك كما كنا نرى قال لسنا مثلكم في هذا الدين ولا بصائرنا كبصائركم وليس لنا فيكم حرم نحامي عنهم ولم تلحقونا بأشراف العطاء ولنا سلاح وكراع وأنتم حسر فكتب أبو موسى إلى عمر في ذلك فكتب إليه أن ألحقهم على قدر البلاء في أفضل العطاء وأكثر شيء أخذه أحد من العرب ففرض لمائة منهم في ألفين ألفين ولستة منهم في ألفين وخمسمائة لسياه وخسرو وابنه مقلاص وشهريار وشهرويه وأفريذون وإياهم عنى الشاعر بقوله
ولما رأى الفاروق حسن بلائهم
وكان بما يأتي من الأمر أبصرا
فسن لهم ألفين فرضا وقد رأى
ثلاثمئين فرض عك وحميرا
الطويل قال فحاصروا حصنا بفارس فمشى سياه في آخر الليل في زي العجم حتى رمى بنفسه إلى جانب الحصن ونضح ثيابه بالدم وأصبح أهل الحصن فرأوا رجلا في زيهم صريعا فظنوا أنه رجل منهم أصيبوا به ففتحوا باب الحصن ليدخلوه وثار فقاتلهم حتى دخلوا عن باب الحصن وهربوا ففتح الحصن وحده ودخله المسلمون وقوم يقولون فعل هذا الفعل سياه بتستر وحاصروا
حصنا آخر فمشى خسروا إلى الحصن فأشرف عليه رجل منهم فكلمه فرماه خسرو بنشابة فقتله

أما سيف فإنه ذكر بإسناد له قال لما نزل أبو سبرة في الناس على السوس وأحاط المسلمون بها وعليهم شهريار أخو الهرمزان ناوشهم مرات كل ذلك يصيب أهل السوس من المسلمين فأشرف عليهم الرهبان والقسيسون فقالا يا معشر العرب إن مما عهد إلينا علماؤنا وأوائلنا أنه لايفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها وإن لم يكن معكم فلا تعنوا بحصارنا وجاء صرف أبي موسى إلى البصرة وعمل مكانه على جندها الذين بالسوس المقترب والنعمان على أهل الكوفة فحاصر السوس مع أبي سبرة فجاء كتاب عمر بصرف النعمان إلى أهل نهاوند لاجتماع الأعاجم بها فتهيأ للمسير ثم استقبل في تعبئته فناوش أهل السوس قبل مضيه فعاد الرهبان والقسيسون وأشرفوا على المسلمين وغاظوهم وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في خيله فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله وقال انفتح فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون فألقى المشركون بأيديهم ونادوا الصلح الصلح فأجابهم المسلمون إلى ذلك بعدما دخلوها عنوة واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح ثم افترقوا

فتح جندي سابور

قالوا ولما فرغ أبو سبرة من السوس خرج في جنده حتى ينزل على جندي سابور وزر بن عبد الله محاصرهم فأقاموا عليها يغادونهم ويراوحونهم القتال فلم يفجأ المسلمين يوما إلا وأبوابها تفتح ثم خرج السرح وخرجت الأسواق وانبث أهلها فأرسل إليهم المسلمون أن مالكم قالوا رميتم لنا بالأمان فقبلناه وأقررنا لكم الجزاء على أن تمنعونا فقال المسلمون ما فعلنا فقال أهل جندي سابور ما كذبنا فسأل المسلمون فيما بينهم فإذا عبد يدعى مكنفا كان أصله منها هو الذي كتب لهم أمانا فرمى به إليهم من عسكر المسلمين فقالوا إنما هو عبد فقال المشركون إنا لا نعرف حركم من عبدكم وقد جاءنا أمان فنحن عليه قد قبلناه ولم نبدل فإن شئتم فاغدروا فأمسكوا عنهم وكتبوا بذلك إلى عمر فأجابهم إن الله عظيم الوفاء فلا تكونون أوفياء حتى توفوا ما دمتم في شك أجيزوهم وفوا لهم ففعلوا وانصرفوا عنهم
وقال عاصم بن عمرو في ذلك
لعمري لقد كانت قرابة مكنف
قرابة صدق ليس فيها تقاطع
أجارهم من بعد ذل وقلة
وخوف شديد والبلاء بلاقع
فجاز جواز العبد بعد اختلافنا
ورد أمورا كان فيها تنازع
إلى الركن والوالي المصيب حكومة
فقال بحق ليس فيه تخادع
فلله جندي ساهبور لقد نجت
غداة منتها بالبلاء اللوامع
الطويل
حديث وقعة نهاوند
والاختلاف فيها بين أهل الأخبار كثير ولكن الذي ذكره أبو الحسن المدائني من حديثها أحسن ما وقفت عليه من الأحاديث منساقا وأطوله اقتصاصا فلذلك آثرت الإبتداء به وربما أدرجت في تضاعيفه من حديث غيره ما يحسن إدراجه فيه ثم أذكر بعد انقضائه ما اختار ذكره من الأخبار التي أوردها سواه عن هذه الوقعة إن شاء الله

ذكر المدائني عن رجال من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الهرمزان فقال له أما إذ فتني بنفسك فأشر علي أبفارس أبدا أم بالجبال أذربيجان وأصبهان قال فارس الرأس والجبال جناحان فاقطع الجناحين فلا يتحرك الرأس قال عمر بل أقطع الرأس فلا يقوم جسد ولا جناح ولا رجل فكتب عمر إلى عثمان بن أبي العاص وهو بتوج أن سر إلى اصطخر وقدم عليه أبو موسى فأمره ان يرجع إلى البصرة ويسير إلى ابن كسرى مع عثمان بن أبي العاص وقال كل واحد منكم أمير على جنده فقدم أبو موسى البصرة فسار إلى يزدجرد باصطخر وسار

إليه عثمان من توج فلما ألحوا على يزدجرد كتب إلى أهل الري وأهل الجبال أصبهان وهمدان وقومس أن العرب قد ألحوا علي فاشغلوهم عني وردوهم إلى بلادهم فكتب بعضهم إلى بعض أن صاحب العرب الذي جاء بدينهم وأظهر أمرهم هلك وملك بعده رجل لم يلبث إلا قليلا حتى هلك وإن صاحبهم هذا عمر وطال سلطانه وأغزى جنوده بلادكم فليس بمنته حتى تخرجوه من بلادكم وتغزوه في بلاده فأجمعوا على ذلك وتمالوا عليه وتعاقدوا وأنفذوا أن يجتمعوا بنهاوند وبلغ ذلك أهل الكوفة فكتبوا به إلى عمر فخرج يمشي حتى قام على المنبر فقال أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال إن عظماء أهل الري وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها وقد تعاهدوا ان يخرجوا إخوانكم من بلادهم وأن يغزوكم في بلادكم فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا فتفشع بكم الأمور فقام طلحة وكان من خطباء قريش وذوي رأيهم ومن عليه أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال يا أمير المؤمنين قد حنكتك الأمور وجربتك الدهور وعجمتك البلايا وأحكمتك التجارب فأنت ولي ما وليت لا ينبثر في يديك ولا يحل عليك فمرنا نطع واحملنا نركب وقدنا ننقد فإنك مبارك الأمر ميمون النقيبة وقد أخبرت وخبرت وجربت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيار
قال تكلموا فقال عثمان اكتب إلى أهل الشام أن يسيروا من شامهم وإلى أهل اليمن فليسيروا من يمنهم وسر بنفسك في أهل الحرمين إلى أهل المصرين فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين فيتعال في عينك ما قد كثر عندك وتكون أعز منهم إنك لن تستبقي من نفسك باقية بعد العرب ولن تمتنع من الدنيا بعزيز ولا تلوذ منها بحريز وهذا يوم له ما بعده فاحضرهم برأيك واشهدهم بمقدرتك
قال تكلموا فقال علي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين إن كتبت إلى أهل

الشام فساروا من شامهم أغارت الروم على بلادهم وإن سار أهل اليمن من يمنهم خلفتهم الحبش في عيالاتهم وإن سرت باهل الحرمين انتقضت الأرض عليك من أقطارها حتى يكون ما تخلفه من العورات في العيالات أهم إليك مما بين يديك وأما ما ذكرت من مسيرهم فالله لمسيرهم أكره وهو أقدر على تغيير ما كره وأما كثرتهم فإنا لم نلق عدونا بالكثرة ولكنا كنا نلقاهم بالصبر إنك إن نظر إليك الأعاجم قالوا هذا أمير العرب فكان أشد لحربهم وكلبهم ولكن اكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق فلتقم فرقة في ديارهم وفرقة في أهل عهدهم وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة
قال هذا رأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه لعمري لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلي الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم وليقولن أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب فأشيروا علي برجل أوليه واجعلوه عراقيا قالوا أنت أفضل رأيا وأعلم بأهل العراق وهم عمالك وقد وفدوا عليك وعرفتهم قال لأولينها رجلا يكون لأول أسنة يلقاها النعمان بن مقرن وكان النعمان بكسكر قد كتب إلى عمر يا أمير المؤمنين إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر وإني أذكرك الله إلا بعثتني في جيش إلى ثغر غازيا ولا تبعثني جابيا فندب عمر أهل المدينة فانتدب منهم جمع فوجههم إلى الكوفة وكتب إلى عمار بن ياسر أن يستنفر ثلث أهل الكوفة وأن يسيروا إلى العجم بنهاوند فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن المزني وكتب إلى أهل الكوفة بذلك وكتب إلى أبي موسى أن يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند وكتب إلى النعمان إني وجهت جيشا من أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة إلى نهاوند فأنت على الناس ومعك في الجيش طليحة ابن خويلد وعمرو بن معدي كرب فأحضرهما الناس وشاورهما في الحرب فإن حدث بك حدث فأمير الناس حذيفة فإن قتل فجرير بن عبد الله فإن قتل فالمغيرة ابن شعبة فإن قتل فالأشعث بن قيس وذكر الأشعث في هذا غريب فإن

المعروف من عمر رضي الله عنه أنه لم يستعمل أحدا ممن ارتد ولكن هذا وقع في هذا الحديث والله أعلم

وبعث عمر بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف وقال له وإن سلم الله ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم فلا ترفعن إلا باطلا ولا تمنعن أحدا حقه وإن هلك ذلك الجند فاذهب فلا أرينك أبدا فقدم السائب الكوفة فيمن نفر من أهل المدينة وبعث بكتاب أهل البصرة مع عمرو بن معدي كرب فاستنفرهم أبو موسى فنفر ثلثهم وخرجوا إلى الكوفة عليهم مجاشع بن مسعود وعلى أهل الكوفة حذيفة بن اليمان ثم ساروا جميعا مع من قدم من أهل المدينة إلى نهاوند وسار النعمان بن مقرن فتوافوا بنهاوند والأعاجم بها ستون ألفا عليهم ذو الفروة وهو ذو الحاجب وهم بمكان يقال له الاسفيذهان بقرية يقال لها فيديسجان دون مدينة نهاوند بفرسخين وقد خندق الأعاجم وهالوا في الخندق ترابا قد نخلوه فبعث النعمان طليحة بن خويلد وبكير بن الشداخ فارس أطلال ليعلما علم القوم فأما بكير فانصرف فقيل له ما درك قال أرض العجم ولم يكن لي بها علم فخفت أن يأخذ على مضيق أو بعض جبالها ومضى طليحة فأبطأ حتى ساء ظن الناس به فعلم علمهم ثم رجع فلم يمر بجماعة إلا كبروا فأنكر ذلك منهم وقال ما لكم تكبرون إذا رأيتموني قالوا ظننا أنك فعلت كفعلتك قال لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وأقام النعمان أياما حتى استجم الناس أنفسهم وظهرهم فلما كان يوم الأربعاء من بعض تلك الأيام دنا من عسكر المشركين وقال إن أمير المؤمنين كتب إلي أن لا أقاتلهم حتى أدعوهم فمن رجل يأتيهم بكتابه ومعه في عسكره ممن قدم من المدينة عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرأو الزبير وابنه عبد الله فتواكل الناس فقام المغيرة بن شعبة يتذيل في مشيته وكان آدم طويلا ذا ضفيرتين أعور فأخذ الكتاب فأتاهم فقال القوا إلي شيئا فألقوا له ترسا فجلس عليه فقال الترجمان ما أقدمكم فذكر ماكانوا فيه من ضيق المعيشة وقال كنا

أهل جهد وجفاء بين شوك وحجر ومدر وحية وعقرب يغير بعضنا على بعض فأتينا بلادكم فأصبنا مطعما طيبا وشرابا عذبا ولبوسا لينا وطلا باردا فلسنا براجعين إلى ما كنا فيه حتى نصيب حاجتنا أو نموت فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا صدق فقالوا إنكم معشر العرب أرجاس أنجاس وإنما غركم مناخر نبد جوى الأهواز وعوران المدائن الذين لقوكم وإنه ليس ممن ترى إلا فارسي محض اسوار ولولا فساد الأرض لقتلناكم فما حاجتكم التي تريدون أن تصيبوها فقرأ عليهم المغيرة كتاب عمر إنا ندعوكم إلى ما دعاكم الله إليه ورسوله أن تدخلوا في السلم كافة فإن فعلتم فأنتم إخواننا لكم مالنا وعليكم ما علينا فإن أبيتم الإسلام فالجزية فإن أبيتم الجزية استنصرنا الله عليكم
قالوا الآن حين نقرنكم في الجبال فرجع المغيرة فقال للنعمان حبست الناس حتى طمحت أبصارهم أما والله إن لو كنت صاحبها قال ربما كنت فلم يخزك الله ولم تخب ونهض المسلمون للحرب فأقبل ذو الحاجب على برذون أمام العجم فقالوا انزلوا بالطائر الصالح الذي نصرتم به على الأمم وتهزمون به العرب فبرز له رجل من المسلمين فقتله ذو الحاجب وتهايجوا واقتتلوا حتى كثرت بينهم القتلى والجرحى ثم تحاجزوا وغدا المشركون غداة الخميس من غد يجرون الحديد ويسحبون الدروع وغدا المسلمون على راياتهم فتقدم رجل من العجم قد أعلم بعصابة فيها جواهر أمام أصحابه فحمل عليه أوفى بن سبرة القشيري فقتله وسلبه فنقلة النعمان وسلبه وحمل المشركون فتلقاهم المسلمون فاقتتلوا حتى صبغت الدماء ثنن الخيل وتحاجزوا عند المساء فبات المسلمون يوقدون النيران ويعصبون بالخرق لهم أنين من الجراح ودوي بالقرآن كدوي النحل وبات المشركون في المعازف والخمور وبهم من الجراح مثل ما

بالمسلمين وأصبحوا يوم الجمعة فأقبل النعمان معلما ببياض على برذون قصير عليه قباء أبيض مصقول وقلنسوة بيضاء فوقف على الرايات فحضهم وقال يا معشر المسلمين إن هؤلاء قد أخطروا لكم دنيا وأخطرتم لهم أخطارا اخطورا لكم دنيا وأخطرتم لهم الإسلام فالله الله في الإسلام أن تخذلوه فإنكم أصبحتم بابا بين المسلمين والمشركين فإن كسر الباب دخل على الإسلام ليشغل كل امرى ء منكم قربه ولا يخلفه على صاحبه فإنه لوم وخذلان ووهن وفشل إني هاز الراية فإذا هززتها فليأخذ الرجال همايينها في احقيتها وشسوعها في نعالها وليتعهد أصحاب الخيل أعنتها وحزمها فإذا هززتها الثانية فليعرف كل امرى ء منكم مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله فإذا هززتها الثالثة وكبرت فكبروا واستنصروا الله واذكروه فإذا حملت فاحملوا فقال رجل من أهل العراق قد سمعنا مقالتك أيها الأمير فنحن واقفون عند قولك منتهون إلى رأيك فأي النهار أحب إليك أوله ام آخره قال آخره حين تهب الرياح وتحل الصلاة وينزل النصر لمواقيت الصلاة فأمهل الناس حتى إذا زالت الشمس هز الراية فقضى الناس حوائجهم وشدت الرجال مناطقها ونزع أصحاب الخيل المخالي عن خيلهم وقرطوها وأعنتها وشدوا حزمها وتأهبوا للحرب ثم امهل حتى إذا كان في آخر الوقت هزها فصلى الناس ركعتين وجال أصحاب الخيل في متونها وصوبوا رماحهم فوضعوها بين آذان خيولهم وأقبلت الأعاجم على براذينهم عليهم الرايات المدبجة والمناطق المذهبة ووقف ذو الحاجب على بغلة فلقد رأى الأعاجم وهم في عدتهم وإن لإقدامهم في ركبهم لزلزلة وإن الأسوار ليأخذ النشابة فما يسدد الفوق للوتر وما يتمالك أن يضعها على قوسه فقال النعمان يا معشر المسلمين إني هاز الراية وحامل فاحملوا ولا يلوي احد على أحد وإن قيل قتل النعمان فلا يلوين علي أحد وأنا داع بدعوة فعزمت على كل رجل منكم إلا أمن ثم قال اللهم اعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين وافتح عليهم ثم نثل درعه

وهز الراية وكبر فكبر الأدنى فالأدني ممن حوله حتى غشيهم التكبير من السماء وصوب رايته كأنها جناح

طائر وحمل وحمل الناس فكان أول صريع رحمه الله ومر به معقل بن يسار فذكر عزمته ألا يلوي أحد علي فجعل علما عنده ومر أخوه سويد بن مقرن أو نعيم فألقى عليه ثوبا لكي لا يعرف ونصب الراية تقطر دما قد قتل بها قبل ان يصرع وسقط ذو الحاجب عن بغلته فانشق بطنه وانهزم المشركون فأتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا فقال بعض من حضر ذلك اليوم إني لفي الثقل فثارت بيننا وبين القوم عجاجة قسطلانية فجعلت أسمع وقع السيوف على الهام ثم كشفت فإذا المسلمون يتبعونهم كالذباب يتبع الغنم فأتبعتهم طائفة من المسلمين حتى دخلوا مدينتهم ثم رجعوا وحوى المسلمون عسكرهم ورجع معقل بن يسار إلى النعمان بعد انهزام المشركين ومعه أداوة فيها ماء فغسل التراب عن وجهه فقال من أنت قال معقل بن يسار قال ما فعل الناس قال فتح الله عليهم قال الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر وفاضت نفسه فاجتمع الناس وفيهم ابن الزبير وابن عمر فأرسلوا إلى أم ولده فقالوا أعهد إليك عهدا فقالت هاهنا سفط فيه كتاب فأخذوه فإذا كتاب عمر إلى النعمان إن حدث بك حدث فالأمير حذيفة فإن قتل ففلان فإن قتل ففلان فتولى أمر الناس حذيفة فأمر بالغنائم فجمعت ثم سار إلى مدينة نهاوند وقد حملت الغنائم إلى عسكرهم وحصر أهل المدينة وقاتلوهم فبيناهم يطاردونهم إذ لحق سماك بن عبيد عظيما من عظمائهم يقال له دينار فسأله الأمان فأمنه وأدخله على حذيفة فصالحه عن البلد على ثمانمائة ألف وشيء من العسل والسمن وقال إن لكم لوفاء بالعهد وأخاف عليكم خمسة أشياء الخب والبخل والغدر والخيلاء والفجور وأخاف أن يأتيكم الخب من قبل النبط والخيلاء من قبل الروم والبخل من قبل فارس والفجور والغدر من قبل أهل الأهواز وأتى السائب ابن الأقرع دهقان وقد جمعت الغنائم فقال له أتؤمنني على دمي ودماء قرابتي وأدلك على كنز النخيرجان ثم تجلبوا عليه في الحرب فيقسم وتجري عليه السهام ولم يحرزوه بجزية أقاموا عليها وإنما هو دفين دفنوه

وفروا عنه فتأخذه لصاحبكم يعني عمر رضي الله عنه تخصه به قال أنت آمن إن كنت

صادقا قال فانهض معي فنهض معه فانتهى إلى قلعة فرفع صخرة ودخل غارا فاستخرج سفطين فإذا قلائد منظومة بالدرر والياقوت وقرطة وخواتم وتيجان مكللة بالجوهر فأمنه ثم أتى به حذيفة فأخبره فقال اكتمه فكتمه حتى قسم الغنائم بين الناس وعزل الخمس ثم خرج السائب مسرعا فقدم على عمر فقال له عمر ما وراءك فوالله ما نمت هذه اليلة إلا تغررا وما أتت علي ليلة بعد الليلة التي أصبح فيها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ميتا أعظم من هذه الليلة قال أبشر بفتح الله ونصره وحسن قضائه لك في جنودك ثم اقتص الخبر حتى انتهى إلى قتل النعمان فقال إنا لله يرحم الله النعمان ثم مه قال ثم والله ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه قال لا أم لك ولا أب قتل الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر ابن أم عمر وأكب طويلا وبكى ثم قال أصيبوا بمضيعة قال لا ولكن أكرمهم الله بالشهادة وساقها إليهم فقال ويحك أغلبتم على أجساد إخوانكم أم دفنتموهم قال دفناهم قال فأعطيت الناس حقوقهم قال نعم قال فنهض عمر فأخذ السائب بثوبه وقال حاجة قال ما حاجتك إذ أعطيت الناس حقوقهم قال حاجة لك وإليك فجلس فجر السائب الغرارة فأخرج السفطين ففتحهما ونظر إلى ما فيهما كأنه النيران يشب بعضها بعضا فقال عمر ما هذا فأخبره فدعا عليا وعبد الله بن أرقم وغيرهما فختموا على السفطين وقال له اختم معك فختمه وقال لعبد الله بن أرقم ارفعه ورجع السائب فرأى عمر ليالي كالحيات يردن نهشه فسرح رجلا وكتب إلى السائب إن صادفك رسولي في الطريق فلا تصلن إلى أهلك حتى تأتيني وإن وصلت إلى أهلك فعزمة مني إليك إذا قرأت كتابي أن تشد على باب راحلتك وتقبل إلي وكتب إلى عمار لا تضعن كتابي حتى ترحل إلى السائب وأمر الرسول أن يعجله فقدم الرسول فقال له السائب أبلغه عني شيء أم به على سخطة قال ما رأيت ذلك ولا أعلمه بلغه عنك خير ولا شر وركب فقدم على عمر فقال له يا ابن أم مليكة يا ابن الحميرية ما لي ولك أم مالك ولي ثكلتك أمك مالذي جئتني به فلقد

بت مما جئتني به مروعا أظن
الحيات تنهشني أخبرني عن السفطين قال والله لئن أعدت عليك الحديث فزدت حرفا أو نقصت حرفا لأكذبن قال إنك لما انصرفت فأخذت مضجعي لمنامي أتتني الملائكة فأوقدوا علي سفطيك جمرا ودفعوهما في نحري وأنا أنكص وأعاهدهم أن أردهما فأقسمهما على من أفاءهما الله عليه فكاد ابن الخطاب يحترق ثم لم أزل مروعا أظن الحيات تنهشني فأردد هذين السفطين فبعهما بعطاء الذرية والمقاتلة أو بنصف ذلك وأقسم ثمنهما على من أفاءهما الله عليه
وقال بعضهم قال له بعهما واجعل ثمنهما في أعطية المسلمين بالبصرة والكوفة فإن خرج كفافا فذاك وإن فضل فاجعله في بيت مال المسلمين
فقدم السائب بهما فاشتراهما عمرو بن حريث بعطاء الذرية والمقاتلة وقال بعضهم اشتراهما بأعطية أهل المصرين فباع أحدهما من أهل الحيرة بما أخذهما به واستفضل الآخر وقال بعضهم استفضل مائة ألف دينار فكان أول مال أعتقده
قال وكان النخيرجان تحصن في قلعة من قلاع نهاوند ومعه مائة امراة من نساء الأساورة ومعه حلية كثيرة من كنز كسرى فصالحه حذيفة على ما كان معه وافتتح حذيفة رساتيق مما يلي أصبهان
وكان أهل نهاوند قد حفروا خندقا وهالوا فيه ترابا متحولا فلما انهزموا جعلوا يسقطون لك الخندق ويغرقون في ذلك التراب
وكان يقال لفتح نهاوند فتح الفتوح
وذكر المدائني أيضا عن موسى بن عبيدة عن أخيه قال قدمت البصرة فرأيت بها شيخا أصم فقلت ما أصابك قال أنا من أهل نهاوند فنزل المسلمون يعني عندما نزلوا عليها فكبروا تكبيرة ذهب سمعي منها

وذكر الطبري فيما ذكره من الأخبار المختلفة في هذه الوقعة عن سيف عن أبي بكر الهذلي نحوا من هذا الحديث وزاد فيه أشياء وخالفه في أماكن منه منها أن النعمان بن مقرن عندما أمره عمر رضي الله عنه على هذه الحرب في هذا الوجه كان يومئذ بالبصرة ومعه قواد من قواد أهل الكوفة قد أمد بهم عمر رحمه الله أهل البصرة عند انتقاض الهرمزان فافتتحوا رامهرمز وايذج واعانوهم على تستر وجندي سابور والسوس فكتب إليه عمر إني قد وليتك حربهم يعني الأعاجم الذين اجتمعوا بنهاوند فسر من وجهك هذا حتى تأتي ماه فإني قد كتبت إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها فإذا اجتمع إليك جندك فسر إلى الفيرزان ومن تجمع إليه من الأعاجم من أهل فارس وغيرهم واستنصر الله وأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله وإن حدث بك حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن
وفي حديثه أنه لما استحث أهل الكوفة كان أسرعهم إلى ذلك الوجه الروادف ليبلوا في الدين وليدركوا حظا وأن حذيفة بن اليمان خرج بأهل الكوفة أميرا عليهم بأمر عمر حتى ينتهي إلى النعمان وخرج معه نعيم بن مقرن حتى قدموا على النعمان بالطرز وجعلوا بمرج القلعة خيلا عليها النسيسر وكتب عمر رحمه الله إلى سلمى بن القين وحرملة بن مريطة ورز بن كليب والمقترب بن ربيعة والقواد الذين كانوا بين فارس والأهواز ان اشغلوا فارس عن إخوانكم وحوطوا بذلك أمتكم وأرضكم وأقيموا على حدود ما بين فارس والأهواز حتى يأتيكم أمري وبعث مجاشع بن مسعود إلى الأهواز وقال له أفصل منها على ماه ففعلوا ما أمرهم به وقطعوا بذلك على أهل نهاوند أمداد فارس
وفيه أن النعمان لما أتاه طليحة بخبر نهاوند وأعلمه انه ليس بينه وبينها

أحد ولا شيء يكرهه وقد توافى إليه أمداد المدينة نادى عند ذلك بالرحيل وبعث إلى مجاشع أن يسوق الناس وسار النعمان على تعبئته وعلى مقدمته أخوه نعيم وعلى مجنبتيه أخوه سويد وحذيفة بن اليمان وعلى المجردة القعقاع وعلى الساقة مجاشع فانتهوا إلى الأسبيذهان والفرس به وقوف على تعبئتهم أميرهم الفيرزان وقد توافى إليه بنهاوند كل من غاب عن القادسية والأيام من أهل الثغور وأمرائها وأعلام من أعلامهم ليسوا بدون من شهد الأيام والقوادس فلما رآهم النعمان كبر ثلاثا وكبر الناس معه فزلزلت الأعاجم وأمر النعمان وهو واقف بحط الأثقال وبضرب الفسطاط فضرب وهو واقف بحط الأثقال وبضرب الفسطاط وهو واقف وابتدره أشراف أهل الكوفة وأعيانهم فسبق إليه عدة منهم سابقوا أكفاءهم فسبقوهم وهم أربعة عشر رجلا حذيفة بن اليمان وعقبة بن عمرو والمغيرة بن شعبة وبشير بن الخصاصية وحنظلة بن الربيع الكاتب وابن الهدير وربعي بن عامر وعامر بن مطر وجرير بن عبد الله الحميري وجرير البجلي والأشعث ابن قيس والأقرع بن عبد الله الحميري وسعيد بن قيس الهمداني ووائل بن حجر فلم ير بناة فسطاط بالعراق كهؤلاء وأنشب النعمان القتال فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم في ذلك سجال ثم انحجزوا في خنادقهم يوم الجمعة وحصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ما شاء الله والأعاجم بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج فاشتد ذلك على المسلمين وخافوا أن يطول أمرهم وأحبوا المناجزة فتجمع أهل الرأي من المسلمين وأتوا النعمان في ذلك فوافقوه تروي في الذي رووا فيه فقال على رسلكم لا تبرحوا ثم بعث إلى من بقي ممن لم يأته من أهل النجدات والرأي في الحرب فتوافوا إليه فتكلم النعمان فقال قد ترون المشركين واعتصامهم بالحصون من الخنادق والمدائن وأنهم لا يخرجون إلا إذا شاءوا ولا يقدر المسلمون على

إنغاضهم وانبعاثهم قبل مشيئتهم وهم يرون ما المسلمون فيه من التضايق فما الرأي الذي به نحمشهم ونستخرجهم إلى المناجزة
فقال بعض المسلمين التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم فدعهم وطاولهم وقاتل من أتاك منهم
فردوا جميعا عليه رأيه وقالوا إنا لعلى يقين من إنجاز ربنا موعده فما لنا وللمطاولة حتى لا نجد منها بدا
وتكلم عمرو بن معدي كرب يومئذ فلم يوافقهم قوله الذي قال وردوه عليه
وقال طليحة أما انا فأرى أن نبعث خيلا مؤدية فيحدقوا بهم ثم يراموهم ليحمشوهم وينشبوا القتال فإذا استحمشوا واختلطوا بهم أرزت إلينا خيلنا تلك استطرادا فإنا لم نستطردلهم في طول ما قاتلناهم وإنا إذا فعلنا ورأوا ذلك منا طمعوا في هزيمتنا ولم يشكوا فيها فخرجوا فجادونا وجاددناهم حتى يقضي الله فينا وفيهم ما أحب
فأمر النعمان القعقاع صاحب المجردة بذلك ففعل وأنشب القتال فأنغضهم فلما خرجوا نكص ثم نكص ثم نكص فاغتنمتها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة وخرجوا فلم يبق أحد إلا من يقوم لهم على الأبواب وجعلوا يركبون القعقاع حتى أرزا إلى الناس وانقطع القوم من حصنهم بعض الانقطاع والنعمان والمسلمون على تعبئتهم في يوم الجمعة وفي صدر النهار وقد عهد النعمان إلى الناس عهده وأمرهم ان يلزموا الأرض ولا يقاتلوهم حتى يأذن لهم ففعلوا واستتروا بالحجف من الرمي وأقبل المشركون عليهم يثفنونهم حتى

أفشوا فيهم الجراحات وشكا الناس ذلك بعضهم إلى بعض ثم قالوا للنعمان ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما لقي الناس فما تنتظر بهم أئذن للناس في قتالهم فقال النعمان رويدا رويدا تروا أمركم فقال المغيرة لو أن هذا الأمر إلي علمت ما أصنع فقال النعمان رويدا ترى أمرك فقد كنت تلي الأمر فتحسن ولا يخذلنا الله وإياك ونحن نرجوا من المكث مثل الذي ترجوا في الحث وجعل النعمان ينتظر بالكتائب أحب الساعات كانت إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في القتال أن يلقى فيها العدو وذلك عند الزوال وتفيؤ الأفياء ومهب الأرواح فلما كان قريبا من تلك الساعة تحشحش النعمان وسار في الناس على برذون أحوى قريب من الأرض فجعل يقف على كل راية فيحمد الله عز وجل ويثني عليه ويقول قد علمتم ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور وقد أنجز لكم هوادي ما وعدكم وصدروه وإنما بقيت اعجازه وأكارعه والله منجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله واذكروا ما مضى إذ أنتم أذلة وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة فأنتم اليوم عباد الله حقا وأولياؤه وقد علمتم انقطاعكم من إخوانكم من أهل الكوفة والذي لهم في ظفركم وعزكم والذي عليهم في هزيمتكم وذلكم وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم وما أخطرتم وما أخطروا لكم فأما ما أخطروا لكم فهذه الزينة وما ترون من هذا السواد واما ما أخطرتم لهم فدينكم وبيضتكم ولا سواء ما أخطرتم وأخطروا فلا يكونن على دنياهم أحمى منكم على دينكم وأتقى الله عبد صدق الله وأبلى نفسه فأحسن البلاء فإنكم بين خيرين تنتظرون إحدى الحسنيين من بين شهيد حي مرزوق أو فتح قريب وظفر يسير فكفى كل رجل ما يليه ولم يكل قرنه إلى أخيه فإذا قضيت أمري فاستعدوا فإني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الأولى فليتهأ من لم يكن تهيأ فإذا كبرت الثانية فليجمع عليه رداءه

وليشد عليه سلاحه وليتأهب للنهوض فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا معا اللهم أعز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان اول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك
وفي رواية انه قال اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار ثم اقبضني بعد ذلك على الشهادة أمنوا يرحمكم الله فأمنا وبكينا
فلما فرغ النعمان من التقدم إلى أهل المواقف رجع إلى موقفه فكبر الأولى والثانية والثالثة والناس سامعون مطيعون مستعدون للمناهضة ينحى بعضهم بعضا عن سننه وحمل النعمان وحمل الناس وراية النعمان تنقض نحوهم انقضاض العقاب فالتقوا بالسيوف فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بوقعه يوم قط كانت أشد منها قتالا فقتلوا فيها من أهل فارس فيما بين الزوال والاعتام ما طبق أرض المعركة دما يزلق الناس والدواب وأصيب فرسان من فرسان المسلمين في الزلق في الدماء منهم النعمان أميرهم زلق فرسه في الدماء فصرعه فأصيب عند ذلك رحمه الله وتناول الراية منه قبل أن تقع أخوه نعيم بن مقرن وسجى النعمان بثوب وأتى حذيفة بالراية فدفعها إليه وكان اللواء مع حذيفة وقال المغيرة اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع الله فينا وفيهم لئلا يهن الناس فاقتتلوا حتى إذا أظلم الليل عليهم انكشف المشركون وذهبوا والمسلمون مظلون بهم فعمى على المشركين قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب وهو الخندق الذي كانوا انزلوا دونه فوقعوا فيه فمات فيه منهم مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل منهم في المعركة وهم أعداد الذين هووا ولم يفلت إلا الشريد ونجا الفيرزان من بين الصرعى في المعركة فهرب نحو همدان في ذلك الشريد فأتبعهم نعيم بن مقرن وقدم القعقاع فأدركه حين انتهى إلى ثنية همدان والثنية مشحونة من بغال وحمير موقورة عسلا فحبسه

على أجله فقتله على الثنية بعدما امتنع لم يزل يتوقل في الجبل لما غشيه إذ لم يجد مساغا وتوقل القعقاع في أثره حتى أخذه واستاق العسل وما خالطه من سائر الأحمال فأقبل به وسميت تلك الثنية بذلك ثنية العسل وقال القعقاع في ذلك
قولا لأصرام بأكناف الجبل
بأن لله جنودا من عسل
تقتل أحيانا بأسياف الأجل
الرجز
ومضى الفلال حتى انتهوا إلى مدينة همدان فدخلوها والخيل في آثارهم فنزلوا عليها وحووا ما حولها فلما رأى ذلك خسروشنوم استامنهم على ان يضمن لهم همدان ودستبي وأن لايؤتي المسلمون منهم فقبل المسلمون ذلك وأجابوا إليه وآمنوهم فأقبل كل من كان هرب ولما بلغ الخبر أهل الماهين بأن همدان قد أخذت ونزلها نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو اقتدوا بخسروشنوم فراسلوا حذيفة فأجابهم إلى ما طلبوا فأجمعوا على إتيانه فخدعهم دينار وكان ملكا إلا انه كان دون أولئك الملوك وأتى إلى المسلمين في الديباج والحلي فأعطاهم حاجتهم واحتمل لهم ما أرادوا فعاقدوه عليهم ولم يجد الآخرون بدا من متابعته والدخول في أمره فقيل لأجل ذلك ماه دينار فنسبت إليه وذهب حذيفة بها وكان النعمان بن مقرن قد عاهد بهراذان على مثل ذلك فقيل ماه بهراذان فنسبت إليه لأجل ذلك ووكل النسير بن ثور بقلعة قد كان لجأ إليها قوم فحاصرها فافتتحها فنسبت إلى النسير
وفي غير هذا الحديث أن أهل نهاوند خرجوا ذات يوم على المسلمين فلم

يلبثهم المسلمون أن هزموهم وتبع سماك بن عبيد العنسي رجلا منهم معه نفر ثمانية على أفراس لهم فبارزهم فلم يبرز له أحد منهم إلا قتله حتى أتى عليهم ثم حمل الفارسي الذي كانوا معه فأسره سماك وأخذ سلاحه ووكل به رجلا فقال اذهبوا بي إلى أميركم حتى أصالحه على هذه الأرض وأؤدي إليه الجزية واسألني أنت عن أسارك ما شئت وقد مننت علي إذ لم تقتلني وإنما انا عبدك الآن وإن أدخلتني على الملك فأصلحت ما بيني وبينه وجدت لي شكرا وكنت لي أخا فخلى سبيله وآمنه وقال من أنت قال أنا دينار والبيت يومئذ في آل قارن فأتى به حذيفة فحدثه دينار عن نجدة سماك وما قتل وصالحه على الخراج فنسبت إليه ماه فكان بعد يواصل سماكا ويهدي له ويوافي الكوفة فقدمها في إمارة معاوية مرة فقال للناس يا معشر أهل الكوفة إنكم أول ما مررتم بنا كنتم خيار الناس فعمرتم بذلك زمان عمر وعثمان ثم تغيرتم وفشت فيكم خصال أربع بخل وخب وغدر وضيق ولم تكن فيكم واحدة منهن فرمقتكم فإذا ذلك في مولديكم فعلمت من أين أتى ذلك وإذا الخب من قبل النبط والبخل من قبل فارس والغدر من قبل خراسان والضيق من قبل الأهواز

وقسم حذيفة لمن خلفوا بمرج القلعة وغيره ولأهل المسالح جميعا من فيء نهاوند مثل الذي قسم لأهل المعركة لأنهم كانوا ردءا للمسلمين وكان سهم الفارس يوم نهاوند ستة آلاف وسهم الراجل ألفين ونفل حذيفة من الأخماس من شاء من أهل البلاء ودفع ما بقي منها إلى السائب فخرج بها إلى عمر وتململ عمر رضي الله عنه تلك الليلة التي كان قدر لملاقاتهم وجعل يخرج ويلتمس الخبر فبينا رجل من المسلمين قد خرج في بعض حوائجه فرجع إلى المدينة ليلا لحق به راكب في الليلة الثالثة من يوم نهاوند يريد المدينة فقال له الرجل يا عبد الله من أين أقبلت فقال من نهاوند فقال الخبر قال فتح الله على النعمان واستشهد واقتسم المسلمون فيء نهاوند فأصاب الفارس منه ستة آلاف وطواه الراكب حتى انغمس في المدينة فلما أصبح الرجل تحدث بحديثه
ونمى الخبر حتى بلغ عمر رحمه الله وهو فيما هو فيه فأرسل إليه فسأله فأخبره فقال صدق وصدقت هذا غيثم بريد الجن وقد رأى بريد الإنس فقدم بعد ذلك عليه بالفتح طريف بن سهم أخو ربيعة بن مالك وقدم السائب على أثره بالأخماس
وذكر من حديث السفطين قريبا مما تقدم في الحديث الآخر إلا انه ذكر فيه أنه صرف معه السفطين من فوره وقال له النجاء النجاء عودك على بدئك حتى تأتي حذيفة فيقسمهما على من أفاءهما الله عليه وانه أصاب الفارس منها لما باعهما حذيفة وقسم ثمنهما أربعة آلاف

وفي بعض ما ذكره الطبري عن سيف عن شيوخه أن انبعاث الأعاجم للاجتماع بنهاوند كان بدؤه في زمان سعد بن أبي وقاص بالكوفة وإليه بلغ الخبر فأعلم به عمر ثم انبري لسعد قوم تشكوا منه ظالمين له إلى عمر أحدهم الجراح بن سنان الأسدي فاستقدمه عمر مع محمد بن مسلمة بعد ان وجه محمدا لسؤال أهل الكوفة عنه والطواف به على مساجدها فكلهم يقول إذا سئل لا نعلم إلا خيرا ولا نشتهي به بدلا إلا الجراح وأصحابه فإنهم كانوا يسكتون يتعمدون ترك الثناء ولا يسوغ لهم قول الشر حتى انتهوا إلى بني عبس فقال محمد أنشد الله رجلا علم حقا إلا قاله فقال أسامة بن قتادة اللهم إذ نشدتنا فإنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية ولا يغزو في السرية فقال سعد اللهم إن كان قالها كاذبا رياء وسمعة فأعم بصره وأكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن فعمي واجتمع عنده عشر بنات وكان يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يجسها فإذا غير عليه يقول دعوة سعد الرجل المبارك ثم أقبل سعد يدعو على أولئك النفر الذين انبروا له وخرجوا إلى عمر متشكين به فقال اللهم إن كانوا خرجوا اشرا وبطرا وكذبا فأجهد بلاءهم ففعل الله ذلك
بهم فقطع جراح بالسيوف يوم ثاور الحسن بن علي ليغتاله بساباط وشدخ قبيصه بالحجارة وقتل أربد بالوجء وبنعال السيوف وقال سعد والله إني لأول رجل هراق دما في المشركين ولقد جمع لي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أبويه وما جمعهما لأحد قبلي ولقد رأيتني خمس الإسلام وبنو أسد تزعم أني لاأحسن أصلي وأن الصيد يلهيني وخرج محمد بن مسلمة به وبهم حتى قدموا على عمر فقال يا سعد ويحك كيف تصلي فقال أطيل الأوليين وأحذف الأخريين فقال هكذا الظن بك ثم قال لولا الاحتياط لكان سبيلهم بيننا ثم قال من خليفتك يا سعد على الكوفة فقال عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقره عمر واستعمله
قال فكان سبب نهاوند وبدء مشورتها وبعوثها في زمان سعد وأما الوقعة ففي زمان عبد الله

وكان من حديثهم أنهم نفروا لكتاب يزدجرد فتوافوا إلى نهاوند مائة وخمسين ألف مقاتل واجتمعوا على الفيرزان وإليه كانوا توافوا ثم قالوا إن محمدا الذي جاء العرب بالدين لم يغرض غرضا يريدون النبي ص قالوا ثم ملكهم أبو بكر من بعده فلم يغرض غرض فارس إلا في غارة تعرض لهم فيها وإلا فيما يلي بلادهم من السواد ثم ملك عمر فطال ملكه وغرض حتى تناولكم وانتقضكم السواد والأهواز وأوطأها ثم لم يرض حتى أتى أهل فارس في عقر دارهم وهو آتيكم إن لم تأتوه وقد أخذ بيت مملكتكم فاقتحم بلاد ملككم وليس بمنته حتى تخرجوا من في بلادكم من جنوده وتقلعوا هذين المصرين ثم تشغلوه في بلاده وقراره فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا وكتبوا بينهم به كتابا
وبلغ الخبر سعدا فكتب به إلى عمر ثم لقيه بالخبر مشافهة لما شخص إليه
وقال إن اهل الكوفة يستأذنونك في الإنسياح إليهم ومبادرتهم الشدة وكان عمر منعهم من الإنسياح في الجبل ثم كتب إليه عبد الله بن عبد الله بمن اجتمع منهم وقال إن جاؤنا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك عليهم وبعث بكتابه مع قريب بن ظفر العبدي

فلما قرأعمر الكتاب قال للرسول ما إسمك قال قريب قال ابن من قال ابن ظفر فتفاءل إلى ذلك وقال ظفر قريب إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ونودي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس وحينئذ وافاه سعد فتفاءل أيضا إلى سعد بن مالك وقام عمر على المنبر خطيبا فأخبر الناس الخبر واستشارهم وقال هذا يوم له ما بعده من الأيام ألا وإني قد هممت بأمر وإني عارضه عليكم فاسمعوه ثم أجيبوني وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ولا تكثروا ولا تطيلوا فتفشع بكم الأمور ويلتوي عليكم الرأي أفمن الرأي أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه حتى أنزل منزلا واسطا بين المصرين فأستنفرهم ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب فقام عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقالوا لا نرى ذلك ولكن لا يغيبن عنهم رأيك وأمرك وبإزائهم وجوه العرب وفرسانهم وأعلامهم ومن قد فض جموعهم وقتل ملوكهم وباشر من حروبهم ما هو أعظم من هذا وإنما استأذنوك ولم يستصرخوك فأذن لهم واندب إليهم وادع لهم فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أصاب القوم يا أمير المؤمنين الرأي وفهموا ما كتب به إليك وإن هذا الأمر لم يبن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا لقلة هو دينه الذي أظهر وجنده الذي أعز وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ ونحن على موعود من الله سبحانه والله منجز وعده وناصر جنده ومكانك منهم مكان النظام
من الخرز يجمعه ويمسكه فإن إنحل تفرق ما فيه وذهب ثم لم تجتمع بحذافيره أبدا والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثير عزيز بالإسلام فأقم واكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم ومن لم يحفل بمن هو أجمع من هؤلاء وأحد وأجد فليأتهم الثلثان وليقم الثلث واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم
فسر عمر رحمه الله بحسن رأيهم وأعجبه ذلك منهم وقام سعد فقال خفض عليك يا أمير المؤمنين فإنهم إنما جمعوا لنقمة نازلة بهم

وبالوقوف على ما أثبتناه من الأخبار عن هذه الوقعة يعرف ما اتفقت عليه وما اختلفت فيه وقد حذفنا منها ما قدرنا الاستغناء عن إيراده مما لعل في بعضه زيادة في الخلاف
وذكر المدائني أن وقعة نهاوند كانت في سنة إحدى وعشرين وذكر الطبري أنها كانت في أول سنة تسع عشرة لست سنين من إمارة عمر رضي الله عنه
وذكر أيضا عن سيف عن شيوخه ما كتب به النعمان بن مقرن من الأمان لأهل ماه بهراذان وحذيفة لأهل ماه دينار وكلا الكتابين موافق للآخر لفظا ومعنى وكتاب النعمان
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى نعمان بن مقرن أهل ماه بهراذان أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأراضيهم لا يغيرون على ملتهم ولا يحال بينهم وبين شرائعهم ولهم المنعة ما أدوا الجزية في كل سنة إلى من وليهم على كل حالم في ماله ونفسه على قدر طاقته وما أرشدوا ابن السبيل
وأصلحوا الطرق وقروا جنود المسلمين ممن مر بهم فأوى إليهم يوما وليلة ووفوا ونصحوا فإن غشوا وبدلوا فذمتنا منهم بريئة شهد عبد الله بن ذي السهمين والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبد الله وكتب في المحرم سنة تسع عشرة قالوا وألحق عمر رضي الله عنه من شهد نهاوند من الروادف فأبلى بلاءا حسنا فاضلا في ألفين ألحقهم بأهل القادسية
وقال القعقاع بن عمرو في ذلك
جذعت على الماهات آناف فارس
لكل فتى من صلب فارس حادر
هتكت بيوت الفرس لما لقيتهم
وما كل من يلقى الحروب بثائر
حبست ركاب الفيرزان وجمعه
على قتر من حرها غير فاتر
هدمت به الماهات والدرب بغتة
إلى غاية أخرى الليالي الغوابر
الطويل
وقال أبو بجيد في ذلك
لو أن قومي في الحروب أذلة
لأخنث عليهم فارس في الملاحم
ولكن قومي أحرزتهم سيوفهم
فأبوا وقد عادوا حواة المكارم
أبينا فلم نعط الظلامة فارسا
ولكن قبلنا عفو سلم المسالم
ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا
لشر ليال أنتجت للأعاجم
نتجن لهم فينا وعضل سخلها
غداة نهاوند لإحدى العظائم
ملأن شعابا في نهاوند منهم

رجالا وخيلا أضرمت في الضرائم
وأركضهن الفيرزان على الصفا
فلم ينجه منا إنفساح المخارم
الطويل

ذكر الإنسياح في بلاد فارس وعمل المسلمين به بإذن عمر رضي الله عنه فيه بعد منعه إياهم وما تبع ذلك من الفتوح في بقية خلافته وقتال الترك والديلم وغيرهم
ولم يزل عمر رضي الله عنه ينهى المسلمين عن الإنسياح في بلاد فارس ويأمرهم بالإقتصار على ما في أيديهم والجد في القتال من قاتلهم نظرا للإسلام واحتياطا على أهله وإشفاقا ولا يزال أهل فارس يجهدون بعد كل نيل منهم وهزيمه تأتي على جموعهم في إنباعث جموع آخر رجاء الإستدراك لما قد أذن الله في إقامته والإبقاء من أمرهم لما سبقت المشيئة بزواله واستيلاء الإسلام عليه وعلى سواه تتميما لنوره وإنجازا لموعود رسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
وكان بعض أهل الذمة الذين قهرهم الإسلام على الصلح وأقرهم على الجزية ينتقضون عند تحرك اهل فارس فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفد أهل البصرة ع - ن ذلك وهل يفضي المسلمون إلى اهل الذمة بأذى أو بأمور لها ينتقضون فقالوا لا نعلم إلا وفاء وحسن ملكه قال كيف هذا فلم يجد عند أحد منهم شيئا يشفيه ويبصر به ما يقولون إلا ما كان من الأحنف بن قيس فإنه قال يا أمير المؤمنين أخبرك انك نهيتنا عن الإنسياح في البلاد وامرتنا بالإقتصار على ما كان في أيدينا وان ملك فارس حي بين أظهرهم وإنهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج أحدهما صاحبه وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئا بعد شيء إلا

بانبعاثهم وإن ملكهم هو الذي يبعثهم ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فنسيح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه من مملكته وعن أمته فهناك ينقطع رجاء أهل فارس فقال صدقتني والله وشرحت لي الأمر عن حقه وأذن عمر عند ذلك في الإنسياح وانتهى إلى رأي الأحنف وعرف فضله وصدقه ورأى أن يزدجرد يبعث عليه في كل عام حربا إن لم يأذن للناس في الإنسياح في أرض العجم ورأى أن يزدجرد على ما كان في يدي كسرى فوجه عمر رضي الله عنه الأمراء من أهل البصرة وأهل الكوفة وأمر على كلا المصرين أمراء أمرهم بأمرهم وأذن لهم في الإنسياح فنساح وبعث بألويه من ولي مع سهيل بن عدي حليف بني عبد الأشهل فقدم سهيل البصرة بالألوية فدفع لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس ولواء أردشير خرة وسابور إلى مجاشع بن مسعود السلمي ولواء اصطخر إلى عثمان بن أبي العاص ولواء فساودر ابجرد إلى سارية بن زنيم الكناني ولواء كرمان مع سهيل بن عدي ولواء سجستان إلى عاصم بن عمرو ولواء مكران إلى الحكم بن عمرو التغلبي فعسكروا ليخرجوا إلى هذه الكور وذلك في سنة سبع عشرة في بعض ما ذكره الطبري عن سيف عن شيوخه قالوا فلم يستتب مسيرهم حتى دخلت سنة ثماني عشر
وذكر الطبري أيضا عن سيف أن إذن في الإنسياح إنما كان فتح نهاوند وهذا لا يكون إلا في سنة تسع عشرة أو بعدها على ما ذكرنا من الإختلاف في فتح نهاوند
وذكر أيضا أنه قدمت الألوية من عند عمر رحمه الله إلى نفر بالكوفة فقدم لواء منها على نعيم بن مقرن وأمره بالمسير نحو همدان وكان أهلها كفروا بعد الصلح الذي تقدم ذكره بعد هزيمة فارس بنهاوند

وقال له إن فتح الله عليك فما وراءك لك في وجهك كذلك إلى خراسان وبعث عقبة بن فرقد وبكير بن عبد الله وعقد لهما على أذربيجان وفرقها بينهما وامر أحدهما ان يأخذ إليها من حلوان على ميمنتها والآخر أن يأخذ إليها من الموصل على ميسرتها فتيامن هذا عن صاحبه وتياسر هذا وبعث إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان وكان شجاعا بطلا من أشراف الصحابه ومن وجوه الأنصار وأمده بأبي موسى من البصرة وأمر مكانه على البصرة عمر بن سراقة وكان عبد الله خليفة سعد على الكوفة عندما توجه إلى عمر فأقره عمر مستعملا عليها ثم صرفه عنها بزياد بن حنظلة وكتب إليه عندما أراد توجيهه إلى أصبهان أن سر من الكوفة حتى تنزل المدائن فاندبهم ولا تنتخبهم ثم اكتب إلي بذلك فلما أتى إلى عمر إنبعاث عبد الله بعث حينئذ زياد بن حنظلة على الكوفة فلما آتاه إنبعاث الجنود وإنسياحهم أمر عمار بن ياسر على الكوفة وقرأ قول الله تعالى ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 القصص )
ويروى ان زيادا ألح على عمر في الإستعفاء بعد ان عمل قليلا فأعفاه وولي عمارا وكان زياد من المهاجرين
ولما بعث عمر رضي الله عنه عمارا على الكوفة بعث عبد الله بن مسعود ليعلم الناس وكتب إلى أهل الكوفة إني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وجعلت عبد الله بن مسعود معلما ووزيرا وهما من النجباء من أصحاب محمد {صلى الله عليه وسلم}
وفي رواية ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة وما وراءها ووليت عثمان ابن حنيف الفرات وما سقى

وسنذكر إن شاء الله الجهات والكور التي عقد عليها عمر رضي الله عنه الألوية لمن ذكر قبل من أمرائه جهة جهة وبلدا بلدا غير متقلدين في ذلك تاريخا ولا متبرئين فيه من عهده الخطأ في تقديم مؤخر أو تأخير مقدم لكثرة ما بين أهل الأخبار في ذلك من الإختلاف الذي لا يتحصل معه حقيقة سوى المقصود من صنع الله لأوليائه في إظهار كلمة الإسلام ونصره إياهم على كل من ناوأهم من الأمم تتميما لأمره وإنجازا لموعوده وتصديقا في كل زمان ومكان لقوله وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ( 40 التوبة )
ذكر الخبر عن أصبهان
فأما أصبهان فإن عبدلله بن عبدلله بن عتبان خرج إليها بأمر عمر رضي الله عنه وعلى مقدمته عبد الله بن ورقاء الرياحي وعلى مجنبتيه عبد الله بن بديل بن ورقاء الأسدي وليس الخزاعي وعصمه بن عبد الله وسار عبد الله في الناس نحو جي وقد اجتمع له أهل أصبهان عليهم الأستندار وعلى مقدمته شهر براز جاذوية شيخ كبير في جمع عظيم فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق أصبهان فاقتتلوا قتالا شديدا ودعا الشيخ إلى البراز فبرز له عبد الله بن ورقاء فقتله وانهزم أهل أصبهان وسمى المسلمون ذلك الرستاق رستاق الشيخ فما زال ذلك اسمه بعد ودعى عبد الله من يليه فسارع الأستندار إلى الصلح فصالحه عبد الله ثم سار من رستاق الشيخ نحو جي فانتهى إليها وبها ويومئذ ملك أصبهان الفاذوسفان في جمعه فحاصرهم عبد الله وخرجوا إليه فلما التقوا قال له ملكهم لاتقتل أصحابي ولا أقتل أصحابك ولكن ابرز إلي فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمك أصحابي وأن كان أصحابي لا تقع لهم نشابه إلا في رجل فبرز له عبد الله وقال إما أن تحمل علي وإما أن أحمل عليك فقال أحمل عليك فوقف له عبد الله فحمل عليه الفاذوسفان فطعنه فأصاب قربوس السرج فكسره وقطع اللبد والحزام وزال اللبد والسرج فوقع عبد الله قائما ثم استوى على

الفرس عريا وقال له اثبت فحاجزه وقال ماأحب أن أقاتلك فإني قد رأيتك رجلا كاملا ولكن ارجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع إليك المدينه على أن من شاء أقام وأدى الجزية وقام على ماله وعلى أن تجري مجراهم من أخذتم ماله عنوة ويتراجعون ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء ولكم أرضه
فقال له عبد الله لكم ذلك فرجع القوم إلى جي إلا ثلاثين رجلا من أصبهان خالفوا قومهم فخرجوا فلحقوا بكرمان ودخل عبد الله وأبو موسى جيا مدينة أصبهان وإنما وصل إليه أبو موسى من ناحية الأهواز بعد الصلح واغتبط من أقام وندم من شخص
وكتب عبد الله بالفتح إلى عمر فأمره أن يلحق بسهيل بن عدي فيجتمع معه على قتال من بكرمان وأن يستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع ففعل عبد الله ما أمره به وخرج في جريدة خيل فلحق بسهيل قبل أن يصل إلى كرمان وسيأتي ذكر فتحها بعد أن شاء الله
والكتاب الذي كتبه عبد الله لأهل أصبهان
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب من عبد الله للفاذوسفان وأهل أصبهان وما حواليها إنكم آمنون ما أديتم الجزية وعليكم من الجزية على قدر طاقتكم كل سنة تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم عن كل حالم ودلالة المسلم وإصلاح طريقة وقراه يوما وليلة وحملان الراجل إلى مرحلة ولا تسلطوا على مسلم وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليكم ولكم الأمان ما فعلتم فإذا غيرتم شيئا أو غيره مغير منكم ولم تسلموه فلا أمان لكم ومن سب مسلما بلغ منه فإن ضربه قتلناه وكتب وشهد عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله

ذكر فتح همذان ثانية وقتال الديلم

وقد كان حذيفة اتبع فالة نهاوند نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو فبلغا همذان فصالحهم خسروشنوم على همذان ودستبي فرجعوا عنه ثم أن أهل همذان كفروا بعد ونقضوا ذلك الصلح فكتب عمر رحمه الله إلى نعيم ابن مقرن أن سر حتى تأتي همذان وابعث على مقدمتك سويد بن مقرن وعلى مجنبتيك ربعي بن عامر ومهلهل بن زيد هذا طائي وذاك تميمي فخرج نعيم في تعبئته فسار حتى نزل مدينة همذان وقد تحصنوا فحاصرهم وأخذ ما بينها وبين جرميذان واستولى على بلاد همذان كلها فلما رأى ذلك أهل المدينة سألوا الصلح على أن يجريهم ومن استجاب له مجرى واحدا ففعل وقبل منهم الجزاء على المنعة وفرق دستبي بين النفر من أهل الكوفة وبين عصمة بن عبد الله الضبي ومهلهل بن زيد الطائي وسماك بن عبيد العبسي وسماك بن مخرمة الأسدي وسماك بن خرشة الأنصاري فكان هؤلاء أول من ولى مسالح دستبي وقاتل الديلم
فبينا نعيم في مدينة همذان قي توطئتها في اثني عشر ألفا من الجند تكاتب الديلم وأهل الري وأهل أذربيجان ثم خرج موثا في الديلم حتى ينزل بواج الروذ وأقبل أبو الفرخان في أهل الري حتى انضم إليه وأقبل أخو رستم في أهل أذربيجان حتى انضم إليه وتحصن أمراء مسلح دستبي وبعثوا إلى نعيم بالخبر

فاستخلف يزيد بن قيس وخرج إليهم في الناس حتى نزل عليهم بواج الروذ فاقتتلوا بها قتالا شديدا وقتل القوم مقتلة عظيمة لم تكن دون وقعة نهاوند ولا قصرت ملحمتهم عن الملاحم الكبار وقد كانوا كتبوا إلى عمر رحمه الله باجتماعهم ففزع عمر واهتم لحربهم وتوقع ما يأتيه عنهم فلم يفجأه الا البريد بالبشارة فقال أبشير فقال بل عروة فلما ثنى عليه أبشير فهم عنه ما أراد فقال بشير فقال عمر رسول نعيم قال رسول نعيم قال الخبر قال البشرى بالفتح والنصر وأخبره الخبر فحمد الله وأمر بالكتاب فقرى ء على الناس فحمدالله تعالى ثم قدم عليه بالأخماس سماك بن مخرمة وسماك بن عبيد وسماك بن خرشة في نفر من أهل الكوفة فنسبهم فانتسبوا له فقال بارك الله فيكم اللهم أسمك بهم الإسلام وأيدهم بالإسلام ثم كتب إلى نعيم
أما بعد فاستخلف على همذان وآمد بكير بن عبد الله بن سماك بن خرشة وسر حتى تقدم الري فتلقى جمعهم ثم أقم بها فإنها أوسط تلك البلاد وأجمعها لما تريد
فأقر نعيم يزيد بن قيس على همذان وسار بالناس من واج الروذ إلى الري
وقال نعيم يذكر قتالهم في واج الروذ من أبيات
صدمناهم في واج روذ بجمعنا
غداة رميناهم باحدى القواصم
فما صبروا في حومة الموت ساعة
لجد الرماح والسيوف الصوارم
أصبنا بها موثا ومن لف جمعه
وفيها نهاب قسمها غير عاتم
تبعناهم حتى أووا في شعابهم
نقتلهم قتل الكلاب الحوائم
كأنهم عند انثياب جموعهم
جدار تشظى لبنه للهوادم
الطويل
وقال سماك بن مخرمة الأسدي بعد تلك الأيام
برزت لأهل القادسية معلما
وما كل من يلقى الكريهة يعلم
وقومي بنو عمرو بن نصر كأنهم
أسود بتوج حين شبوا وأسلموا
ويوم بأكناف النخيلة قبلها
لججت فلم ابرح أدمى وأكلم
وأقعص منهم فارسا بعد فارس
وما كل من يغشى الكريهة يسلم
فنجاني الله الأجل وجرأتي
وسيف لأطراف المآرب مخذم
وحولي بنو ذودان لايبرمونني
إذاسرحت صاحوا بهم ثم صمموا
وأيقنت يوم الديلمين أنه

متى ينصرف قومي عن الناس يهزم
محافظة إني امرؤ ذو حفيظة
إذا لم أجد مستأخرا أتقدم
الطويل

فتح الري
وخرج نعيم بن مقرن إلى الري فلقيه أبو الفرخان مسالما ومخلفا بالري يومئذ سياوخش بن مهران بن بهرام وكان سياوخش قد استمد أهل دنباوند وطبرستان وقرمس وجرجان وقال قد علمتم أن هؤلاء إن حلوا بالري إنه لا مقام لكم فاحتشدوا له فناهد بهم المسلمين فالتقوا بسفح جبل الري الذي إلى جانب مدينتها فاقتتلوا به وقد كان أبو الفرخان قال لنعيم إن القوم كثير وأنتم في قلة فابعث معي خيلا أدخل مدينتهم من مدخل لا يشعرون به وناهدهم أنت فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك فبعث معه نعيم من الليل خيلا عليها ابن أخيه المنذر بن عمرو فأدخلهم المدينة ولا يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم فاقتتلوا وصبروا حتى سمعوا التكبير من ورائهم فانهزموا فاقتتلوا مقتلة عدو فيها بالقصب وأفاء الله على المسلمين بالري نحوا من فيء المدائن وصالح أبو الفرخان نعيما على أهل الري فلم يزل بعد شرف الري في آله وسقط آل بهرام وأخرب نعيم مدينة الري وهي التي يقال لها العتيقة وأمر أبا الفرخان فبنى مدينة الري الحدثاء وكتب لهم نعيم كتابا أعطاهم فيه الأمان لهم ولمن كان معهم من غيرهم على أن على كل حالم من الجزية طاقته في كل سنة وعلى أن ينصحوا ولا يغلوا ولا يسلوا ويدلوا المسلم ويقروه يوما وليلة ويفخموه فمن سب مسلما أو استخف به نهك عقوبة ومن ضربه قتل
ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد غير جماعته
وأرسل عند ذلك نعيما مردانشاه مصمعان نهاوند في الصلح على شيء يفتدى به من غير أن يسأله النصر والمعونة ففعل ذلك نعيم وكتب له به ولأهل موضعه كتابا على أن يتقي من ولي الفرج من بمائتي ألف درهم في كل سنة
وقال أبو بجيد في يوم الري
ألا هل أتاها أن بالري معشرا
شفوا سقما لما استجاشوا وقتلوا
لها موطنان عاينوا الهلك فيهما
بأيد طوال لم يخنهن مفصل

وخيل تعادي لا هوادة عندها
وزاد وكمت تمتطى ومحجل
ودهم وشقر تنشر البلق بينها
إذا ناهبت قوما وتولوا وأوهلوا
قتلناهم بالسفح مثنى وموحدا
وصار لنا فيها مداد ومأكل
قتلنا سيا وخشا ومن مال ميله
ولم ينج منهم بالسفوح مؤمل
جزا الله خيرا معشرا عصبوهم
وأعطاهم خير العطاء الذي ولوا
الطويل
وقال أيضا
وبالري إن سألت بنا أم جعفر
فمنا صدور الخيل والخيل تنفر
إذا حذر الأقرام منهن قارح
تفخمه في الموت أغيد أزهر
أخو الهيج والروعات إن زفرت به
أناخ إليها صابرا حين يزفر
فتسفر عنها الحرب بعد إنصبابها
وفينا البقايا والفعال المسهر
قتلنا بني بهرام لما تتابعوا
على أمر غاويهم وغاب المسور
وبالسفح موتى لا تطير نسورها
لها في سواء السفح مثوى ومغبر
ولولا إلتقاء القوم بالسلم أقفرت بلادهم أو يهربون فيعذروا
خلفناهم بالري والري منزل له جانب صعب هناك معور
الطويل

ذكر فتح قومس وجرجان
فاما قومس فإن عمر رحمه الله كان كتب إلى نعيم بن مقرن حين أعلمه بفتح الري أن قدم سويد بن مقرن إلى قومس ففصل إليها سويد من الري في تعبئته فلم يقم له أحد فأخذها سلما وعسكر بها وكاتب الذين لجأوا إلى طبرستان منهم والذين أخذوا المفاوز يدعوهم إلى الصلح والجزاء وكتب لهم بذلك كتابا
وأما جرجان فإن سويدا سار إليها فكاتبه ملكها وبدأه بالصلح على أن يؤدي له الجزاء ويكفيه حرب جرجان فإن غلب أعانه فقبل سويد ذلك منه ثم تلقاه قبل أن يدخل جرجان فدخلها معه وعسكر سويد بها حتى جبى إليه خراجها وسمى فروجها فسدها بترك دهستان ورفع الجزاء عمن أقام بمنعها وأخذ الخراج من سائر أهلها وكتب سويد بذلك كتابا لملكها رزبان صول وأهل دهستان وسائر أهل جرجان
ذكر فتح طبرستان
وراسل الأصبهذ سويدا في الصلح على ان يتواعدا ويجعل له شيئا على غير نصرة ولا معونة على أحد فقبل ذلك منه وكتب له

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من سويد بن مقرن للفرخان أصبهبذ خراسان على طبرستان وجبل جيلان إنك آمن بآمان الله على أن تكف نصرتك وأهل حواشي أرضك ولا تؤوي لنا بغية وتتقي من ولي فرج أرضك بخمسمائة ألف درهم من دراهم أرضك فإذا فعلت ذلك فليس لأحد منا ان يغير عليك ولا أن يتطوف أرضك ولا يدخل عليك إلا بإذنك سبيلنا عليكم بالإذن آمنة وكذلك سبيلكم ولا تسألون لنا إلى عدو ولا تغلون فإن فعلتم فلا عهد بيننا وبينكم

فتح أذربيجان
ولما إفتتح نعيم همذان ثانية وسار إلى الري كتب إليه عمر أن يبعث سماك بن خرشة الأنصاري وليس بأبي دجانة ممدا لبكير بن عبد الله بأذربيجان وكان عمر قد فرق أذربيجان بين بكير وبين عتبة بن فرقد وأمر كل واحد منهما بطريق غير طريق صاحبه فسار بكير حين بعث إليها حتى إذا طلع بحيال جرميذان طلع عليه أسفندياذ بن الفرخازاد مهزوما من واج روز فكان أول قتال لقيه باكير بأذربيجان فاقتتلوا فهزم الله جند أسفندياذ وأخذه بكير أسيرا فقال له الصلح أحب إليك أم الحرب فقال بكير بل الصلح قال فأمسكني عندك فإن أهل أذربيجان إن لم أصالح عليهم وأراضي لم يقيموا لك وجلوا إلى الجبال التي حولها من القبج والروم ومن كان في حصن تحصن إلى يوم ما فأمسكه عنده وصارت البلاد إليه إلا ما كان من حصن وقدم سماك على بكير وأسفندياذ في إساره وقد إفتتح ما يليه وافتتح عتبة بن فرقد ما يليه وتشوفت نفس باكير إلى المضي قدما فقال لسماك إن شئت كنت معي وإن شئت أتيت عتبة فإني لا أراني إلا تارككما وطالبا وجها هو أكره من هذا فاستأذن عمر فكتب إليه بالإذن على أن يتقدم نحو الباب وأمره أن أن يستخلف على عمله فاستخلف عتبة على ما افتتح منه ودفع إليه أسفندياذ

فأمر عتبة سماكا على ما استخلفه عليه بكير وجمع عمر رحمه الله أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد وكان بهرام بن الفرخزاذ قد أخذ بطريق عتبة وأقام له في عسكره حتى لحق عتبة فاقتتلوا فهزمهم عتبة وهرب بهرام فلما بلغ الخبر اسفندياذ وهو بعد في إسار بكير قال الآن تم الصلح وطفئت الحرب فصالح بكير وأجاب إلى ذلك جميعهم وعادت أذربيجان سلما وكتب عتبة بينه وبين أهلها كتابا إذ جمع له عمل بكير إلى عمله
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان سهلها وجبلها وحواشيها وشعاريها وأهل ملكها كلهم من الأمان على أنفسهم وأموالهم وملتهم وشرائعهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم ليس ذلك على صبي ولا على إمرأة ولا زمن ليس في يده من الدنيا شيء ولا متعبد متخل ليس في يديه من الدنيا لهم ذلك ولمن سكن معهم وعليهم قرى المسلم من جنود المسلمين يوما وليلة ودلالته ومن حشر منهم في سنة رفع عنه جزاء تلك السنة ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك ومن خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حرزه
حديث فتح الباب

وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه سراقة بن عمرو إلى الباب بعد أن رد أبا موسى مكانه إلى البصرة وكان سراقة يدعى ذا النور وجعل عمر على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة وكان ايضا يدعى ذا النور وجعل على إحدى مجنبتية حذيفة بن أسيد الغفاري وسمى للأخرى بكير بن عبد الله الليثي وكان بإزاء الباب قبل قدوم سراقة عليه وكتب إليه أن يلحق به وجعل على المقاسم سلمان بن ربيعة فقدم سراقة عبد الرحمن وخرج في الأثر حتى إذا خرج من أذربيجان نحو الباب قدم عليه بكير في أدنى الباب فاستدفأ ببكير ودخل بلاد الباب على ما عباه عمر رحمه الله وكان ملك الباب يومئذ شهربراز رجل من آل شهر براز الملك الذي أفسد بني إسرائيل وأعرى منهم الشام فلما أطل عليه عبد الرحمن بن ربيعة بالباب كاتبه شهربراز واستأمنه على أن يأتيه فأمنه عبد الرحمن على ذلك فأتاه فقال إني بإزاء عدو كلب وأمم مختلفة لا ينسبون إلى أحساب وليس ينبغي لذي العقل والحسب أن يعين أمثال هؤلاء ولا يستعين بهم على ذوي الأحساب والأصول وذو الحسب قريب ذي الحسب حيث كان ولست من الفتح في شيء ولا من الأرض وإنكم قد غلبتم على بلادي وأمتي فأنا اليوم منكم يدي مع أيديكم وصبري معكم فمرحبا بكم وبارك الله لنا ولكم وجزيتنا إليكم ولكم
النصر والقيام بما تحبون ولا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم فقال عبد الرحمن فوقي رجل قد أظلك فسر إليه فجوزه فسار إلى سراقة فلقيه بمثل ذلك فقال له سراقة قد قبلت ذلك فيمن كان معك على هذا ما دام عليه ولا بد من الجزاء على من يقيم ولا ينهض فقبل ذلك شهربراز وصارت سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين وفيمن يستنفر من أهل الجزية فتوضع عنه جزية تلك السنة التي استنفر فيها

وكتب سراقة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فأجازه وحسنه وليس في تلك البلاد التي في ساحة الجبال نبك لم يقم الأرمن بها إلا على أوفاز وإنما بها سكان ممن حولها ومن الطراء إستؤصلت الغارات نبكها من أهل القرار وأرز أهل الجبال منهم إلى جبالهم وجلوا عن قرار أرضهم فكان لا يقيم بها إلا الجنود ومن أعانهم أو تجر إليهم
واكتتبوا من سراقة بن عمرو كتابا بالأمان لشهر براز وسكان أرمينية والأرمن على أنفسهم وأموالهم وملتهم لا يضارون ولا ينتقضون وعلى أهل أرمينية والأبواب الطراء منهم والتناء ومن حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة وينفروا ولكل أمر رآه الوالي صلاحا ناب أو لم ينب على ان توضع على من أجاب إلى ذلك الجزاء ومن استغنى منهم فقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنزول يوما كاملا فإن حشروا وضع ذلك عنهم وإن تركوا أخذوا به
ثم ان سراقة بن عمرو وجه بعد ذلك بكير بن عبد الله وحبيب بن مسلمة وكان عمر أمد به سراقة وحذيفة بن أسيد وسلمان بن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية فوجه بكيرا إلى موقان وحبيبا إلى تفليس وحذيفة إلى من بجبال اللان وسلمان إلى وجه آخر
وكتب سراقة بالفتح وبالذي وجه فيه هؤلاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاتى عمر أمرا لم يكن يرى أنه يستتم له على ما خرج عليه سريعا بغير مؤونة وكان فرجا عظيما به جند عظيم إنما ينتظر أهل فارس صنيعهم ثم يضعون الحرب أو يبعثونها
فلما استوثقوا واستحلوا عدل الإسلام مات سراقة رحمه الله واستخلف عبد الرحمن بن ربيعة وقد مضى أولئك القواد الذين بعثهم سراقة فلم يفتح أحد منهم ما وجه له إلا بكيرا فإنه فض موقان ثم تراجع أهلها على الجزية فقبل منهم وكتب لهم بها وبأمانهم عليها

ولما بلغ عمر رحمه الله موت سراقة واستخلافه عبد الرحمن أقره عمر وأمره بغزو الترك فخرج بالناس حتى قطع الباب فقال له شهربراز ما تريد أن تصنع قال أريد بلنجر فقال شهر براز إنا لنرضى منهم ان يدعونا من وراء الباب فقال عبد الرحمن لكنا لا نرضى منهم بذلك حتى نأتيهم في ديارهم وبالله إن معنا لأقواما لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الردم قال وما هم قال أقوام صحبوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ودخلوا في هذا الأمر بنية وكانوا أصحاب حياء وتكرم في الجاهلية قازداد حياؤهم وتكرمهم ولا يزال هذا الأمر دائما لهم والنصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم وحتى ينقلوا عن حالهم فغزا عبد الرحمن بلنجر غزاة في زمان عمر رضي الله عنه لم تئم فيها امرأة ولم ييتم صبي وبلغت خيله في غزاته البيضاء على رأس ما أتيت فرسخ من بلنجر ثم غزا فسلم ثم غزا غزوات في زمان عثمان رضي الله عنه ثم أصيب عبد الرحمن حين تبدل أهل الكوفة في إمارة عثمان لإستعماله من كان إرتد إستصلاحا لهم فلم يصلحهم ذلك وزادهم فسادا أن سادهم من طلب الدنيا وعضلوا بعثمان رضي الله عنه ورحمه حتى جعل يتمثل
وكنت وعمرا كالمسمن كلبه
فخدشه أنيابه وأضافره
الطويل

وقال سلمان بن ربيعة لما دخل عبد الرحمن بن ربيعة عليهم يعني على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا ما إجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت فتحص نوا منه فرجع بالغنم والظفر وذلك في إمارة عمر ثم لما غزاهم غزوات في زمان عثمان ظفر بهم كما كان يظفر حتى إذا تبدل أهل الكوفة وذكر بعض ما تقدم من استعمال من إرتد وغزاهم بعد ذلك تذمرت الترك وقالوا انظروا وكانوا يقولون أنهم لا يموتون قال فاختفوا لهم في الغياض فرما رجل منهم رجلا من المسلمين على غرة فقتله وهرب عنه أصحابه فخرجوا عليه عند ذلك فاقتتلوا فاشتد قتالهم وناد مناد من الجو صبرا آل عبدالرحمن وعدكم الجنة فقاتل حتى قتل عبد الرحمن وانكشف المسلمون وأخذ سلمان بن ربيعة الراية فقاتل بها وناد مناد من الجو صبرا آل سلمان فقال سلمان أو ترى جزعا ثم خرج بالناس وخرج سلمان الفارسي وأبو هريرة الدوسي على جيلان فقطعوها إلى جرجان واجترأ الترك بعدها ولم يمنعهم ذلك من اتخاذ جسد عبد الرحمن فما زالوا بعد يستسقون به
وجعل عثمان رحمه الله يغزيها مع حبيب بن مسلمة
وحدث مطر بن ثلج التيمي قال دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهربراز عنده فأقبل رجل عليه شحوب حتى جلس إلى شهربراز فتساءلا ثم أن شهربراز قال لعبد الرحمن أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل إني بعثته منذ سنتين نحو السند لينظر لي ما حاله ومن دونه وزودته مالا عظيما وكتبت له إلى من يليني وأهديت له وسألته أن يكتب إلى من وراءه وزودته لكل ملك هدية ففعل ذلك بكل ملك بيني وبينه حين انتهى إليه حتى انتهى إلى الملك الذي السد في ظهر أرضه فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه فبعث معه بازياره ومعه عقابه فذكر انه أحسن إلى البازيار وقال فتكشر لي

البازيار فلما انتهينا إذا جبلان بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين بعدما استوى بهما وإذا دون السد خندق أشد سوادا من الليل لبعده فنظرت إلى ذلك وتفرست فيه ثم ذهبت لأنصرف فقال لي البازيار على رسلك أكافئك إنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمى به في هذا اللهب فشرح بضعة لحم معه فألقاها في ذلك الهوى وانقضت عليها العقاب وقال إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شيء فخرجت علينا العقبان باللحم في مخالبها وإذا فيها ياقوته فأعطانيها وهي هذه فتناولها منه شهر براز وهي حمراء فناولها عبد الرحمن فنظر إليها ثم ردها إليه فقال شهر براز لهذه خيرمن هذه البلد يعني الباب وأيم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى ولو كنت في سلطانهم ثم لغهم خبرها لانتزعوها مني وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أووفى ملككم الأكبر
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال ما حال الردم وما شبهه فقال هذا الثوب الذي على هذا الرجل وأشار إلى مطر بن ثلج وكان عليه قباء برود يمنية أرضه حمراء ووشيه أسود أو وشيه احمر وأرضه سوداء فقال مطر صدق والله الرجل لقد نفذ ورأى قال عبد الرحمن أجل ووصف صفة الحديد والصفر وقرأ آتوني زبر الحديد إلى آخر الآية ( 96 الكهف ) وقال عبد الرحمن لشهر براز كم كانت هديتك قال قيمة مائة ألف في بلادي هذه وثلاثة آلاف ألف وأكثر في تلك البلدان

ذكر مسير يزدجرد إلى خراسان ودخول الأحنف إليها غازيا

ذكروا ان يزدجرد لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الري وقد جعل له محمل يطيق ظهر بعيره وكان إذا سار نام ولم يعرس بالقوم فانتهى به إلى مخاضه وهو نائم في محمله فأنبهوه ليعلم ولئلا يفزع إن هو استيقظ إذا خاض البعير به فعنفهم على إنباهه وقال بئس ما صنعتم والله لو تركتموني لعلمت ما مدة هذه الأمة إني رأيت أني ومحمدا يعني النبي {صلى الله عليه وسلم} تناجينا عند الله تعالى فقال له أملككم مائة سنة فقال زدني فقال عشرا ومائة فقال زدني فقال عشرين ومائة سنة فقال زدني فقال لك وأنبهتموني ولو تركتموني لعلمت
فما انتهى إلى الري وثب عليه آبان جاذويه وكان على الري حينئذ فاخذه فقال له يزدجرد يا أبان جاذوية تغدربي فقال لا ولكن قد تركت ملكك وصار في يدي غيرك فأحببت ان أكتتب على ما كان لي من شيء وما أردته من غير ذلك وأخذ خاتم يزدجرد ووصل الأدم واكتتب الصكاك وسجل السجلات بكل ما أعجبه ثم ختم عليها ورد الخاتم ثم أتى بعد سعدا فرد عليه كل شيء في كتابه

ولما صنع آبان جاذويه بيزدجرد ما صنع خرج يزدجرد من الري إلى أصبهان وكره جوار آبان ولم يأمنه ثم عزم على كرمان فأتاها ومعه النار فأراد أن يضعها في كرمان ثم عزم على خراسان فأتى مروفنزلها وقد نقل النار فبنى لها بيتا وأتخذ بستانا وبنى أزجا فرسخين من مرو إلى البستان فاطمأن في نفسه وأمن أن يؤتى وكاتب من مرو من بقي من الأعاجم حيث لم يفتتحه المسلمون فدانوا له حتى إذا ثار أهل فارس والفيرزان فنكثوا وثار أهل الجبال والفيروزان فنكثوا وصار ذلك داعية إلى إذن عمر رضي الله عنه في الانسياح فانساح أهل البصرة وأهل الكوفة حتى أثخنوا في الأرض فخرج الأحنف إلى خراسان فأخذ على مهرجان نقذف ثم خرج على أصبهان وأهل الكوفة محاصروجي فدخل خراسان من الطبسين فافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي ثم سار نحو مرو الشاهجان وأرسل إلى نيسابور وليس دونها قتال مطرف بن عبد الله بن الشخير وإلى سرخس الحارث بن حسان فلما دنا الأحنف من مرو الشاهجان خرج منها يزدجرد نحو مرو الروذ حتى نزلها ونزل الأحنف مرو الشاهجان وكتب يزدجرد إلى خاقان وملك الصغد وصاحب الصين يستمدهم ويستعين بهم وخرج الأحنف من مرو الشاهجان واستخلف عليها حارثه بن النعمان الباهلي بعدما لحقت به أمداد الكوفة على أربعة أمراء علقمة بن النضر النضري وربعي بن عامر التميمي وعبد الله بن أبي عقيل الثقفي وابن أم غزال الهمداني وبلغ يزدجرد خروج الأحنف سائر انحوه فخرج إلى بلخ ونزل الأحنف مرو الروذ وقدم أهل الكوفة فساروا إلى بلخ وأتبعهم الأحنف والتقى أهل الكوفة ويزدجردببلخ فهزمه الله بهم وتوجه في أهل فارس إلى النهر فعبروا ولحق الأحنف بأهل الكوفة وقد فتح الله عليهم وتتابع أهل خرسان ممن شذ وتحصن على الصلح فيما بين نيسابور إلى
طخارستان وعاد الأحنف إلى مرو الروذ فنزلها واستخلف على طخارستان ربيعي بن عامر وهو الذي يقول له النجاشي وينسبه إلى أمه وكان من أشراف العرب

ألا رب من تدعو فتى ليس بالفتى
ألا إن ربعي بن كأس هو الفتى
طويل قعود القوم في قعر بيته
إذا شبعوا من ثفل جفنته سقى
الطويل وكتب الاحنف بفتح خراسان إلى عمر رحمه الله فقال لوددت إني لم أكن بعثت إليها جندا ولوددت أنه كان بيننا وبينها بحر من نار فقال علي رضي الله عنه ولم يا أمير المؤمنين قال لأن أهلها سينقضون ثلاث مرات فيجتاحون في الثالثة فكان أن يكون ذلك بأهلها أحب إلي من أن يكون بالمسلمين وكتب عمر إلى الاحنف أما بعد فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه وقد عرفتم بأي شيء دخلتم خراسان فدوموا على الذي دخلتم به يدم لكم النصر وإياكم وإياكم أن تغيروا فتنقضوا
ولما بلغ رسول يزدجرد إلى خاقان لم يستتب له إنجاده حتى عبر إليه النهر مهزوما وقد استتب له ذلك والملوك ترى على أنفسها إنجاد الملوك فأقبل في الترك وحشر أهل فرغانة والصغد ثم خرج بهم وخرج يزدجرد راجعا إلى خرسان حتى عبر النهر إلى بلخ وعبر معه خاقان فأرز أهل فارس إلى الأحنف بمرو الروذ وجاء المشركون حتى نزلوا بها عليه وكان حين بلغه عبورهم قاصدين له خرج ليلا في عسكره يتسمع في ليلة مظلمة هل يسمع برأي ينتفع به فمر برجلين ينقيان علفا إما تبنا وإما شعيرا وأحدهما يقول لصاحبه لو أن الأمير اسندنا إلى هذا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقا والجبل في ظهورنا لئلا يأتونا من خلفنا وكان قتالنا من وجه واحد

رجوت أن ينصرنا الله عز وجل فرجع الأحنف واجتزأ بها فلما أصبح جمع الناس وقال إنكم قليل وإن عدوكم كثير فلايهولنكم فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيره بإذن الله والله مع الصابرين ارتحلوا من مكانكم هذا فاسندوا إلى هذا الجبل فاجعلوه في ظهوركم واجعلوا النهر بينكم وبين عدوكم وقاتلوهم من وجه واحد ففعلوا وقد أعدوا ما يصلحهم والأحنف في عشرة آلاف من أهل البصرة وأهل الكوفة نحو منهم واقبلت الترك ومن اجتلبت حتى نزلوا بهم فكانوا يغادونهم ويراوحونهم ويتنحون عنهم بالليل ما شاء الله وطلب الأحنف علم مكانهم بالليل حتى علم علمهم ثم خرج ليلة طليعه لأصحابه حتى كان قريبا من عسكر خاقان فوقف فلما كان في وجه الصبح خرج فارس الترك بطوقه وضرب طبله ثم وقف من العسكر موقفا مثله فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف فقتله وهو يرتجز
إن على كل رئيس حقا
أن يخضب الصعدة أو تندقا
إن لها شيخا بها ملقا
سيف أبي حفص الذي تبقى
الرجز
ثم وقف موقف التركي وأخذ طوقه ثم خرج آخر من الترك ففعل فعل صاحبه ثم وقف دونه فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف فقتله وهو يرتجز
إن الرئيس يرتبي ويطلع
ويمنع الخلاء إذا ما أرتعوا
الرجز
ثم وقف موقف التركي الثاني وأخذ طوقه ثم خرج ثالث من الترك ففعل فعل صاحبيه ووقف دون الثاني منهما فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف فقتله وهو يرتجز
جري الشموس ناجزا بناجز
محتفلا في جريه مشارز
الرجز

ثم انصرف الأحنف إلى عسكره ولا يعلم بذلك أحد منهم حتى دخله واستعد وكان من شيمة الترك أنهم لا يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم كهؤلاء كلهم يضرب بطبله ثم يخرجوا بعد خروج الثالث فخرجت الترك ليلتئذ بعد الثالث فأتوا على فرسانهم مقتلين فتشائم خاقان وتطير وقال قد طال مقامنا وقد أصيب هؤلاء بمكان لم يصب بمثله قط أحد منا فما لنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا بنا فكان وجههم راجعين وارتفع النهار للمسلمين ولا يرون شيئا فأتاهم الخبر بانصراف خاقان إلى بلخ فقال المسلمون للأحنف ما ترى في إتباعهم فقال أقيموا بمكانكم ودعوهم
وكان يزدجرد لما نزل خاقان بمرو الروذ خرج إلى مرو الشاهجان فتحصن منه حارثة بن النعمان ومن معه فحاصرهم واستخرج خزائنه من مواضعها وخاقان ببلخ مقيم له فلما جمع يزدجرد ما كان في يده مما وضع بمرو فأعجل عنه وأراد أن يستقل منها إذا أمر عظيم من خزائن أهل فارس فقال له أهل فارس أي شيء تريد أن تصنع فقال أريد اللحاق بخاقان فأكون معه أو بالصين فقالوا له مهلا فإن هذا رأي سوء إنك إنما تأتي قوما في مملكتهم وتدع أرضك وقومك ولكن أرجع إلى هؤلاء القوم يعنون المسلمين فنصالحهم فإنهم أوفياء وأهل دين وهم يلون بلادنا وإن عدوا يلينا في بلادنا أحب إلينا ملكه من عدو يلينا في بلاده لا دين لهم ولا ندري ما وفاؤهم فأبا عليهم وأبوا عليه فقالوا فدع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يليها ولا تخرجها من بلادنا إلى غيرها فأبى فقالوا إنا لاندعك فاعتزلوه وتركوه في حاشيتة فاقتتلوا فهزموه وأخذوا الخزائن واستولوا عليها وكتبوا إلى الأحنف

بالخبر فاعترضهم المسلمون والمشركون يثفنونه فقاتلوه وأصابوا في آخر القوم وأعجلوه عن الأثقال ومضى مزايلا حتى يقطع النهر إلى فرغانة والترك فلم يزل مقيما بقية زمان عمر رضي الله عنه يكاتبهم ويكاتبونه أو من شاء الله منهم إلى أن كان زمن عثمان رضي الله عنه فكفر أهل خراسان فأقبل حتى نزل مرو فكان من أمره إلى حين مقتله ما نذكره بعد في موضعه إن شاء الله
وأقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه ودفعوا إليه تلك الخزائن والأموال وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة فكانوا كأنهم في ملكهم إلا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم فاغتبطوا وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية
ولما سمع خاقان وهو والترك ببلخ ما لقي يزدجرد وأن الأحنف خرج من المسلمين من مرو الروذ نحوه ترك بلخ وعبر النهر وأقبل الأحنف حتى نزل بلخ ونزل أهل الكوفة في كورها الأربع ثم رجع إلى مرو الروذ فنزل بها وكتب بالفتح الذي صنع الله في خاقان ويزدجرد إلى عمر رحمه الله وبعث إليه بالأخماس ووفد الوفود
ولما عبر خاقان النهر وعبرت معه حاشية آل كسرى أو من أخذ نحو بلخ منهم مع يزدجرد لقوا رسول يزدجرد الذي كان بعثه إلى ملك الصين وأهدى إليه معه ومعه جواب كتاب يزدجرد من ملك الصين فسألوه عما وراءوه فقال لما قدمت عليه بالكتاب والهدايا كافأنا بما ترون وأراهم هديته وأجاب يزدجرد بهذا الكتاب بعد أن كان قال لي قد عرفت أن حقا على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر منهم قلة وكثرة منكم ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل

الذي تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا لخير عندهم وشر فيكم فقلت أسألني عما أحببت فقال أيوفون بالعهد قلت نعم قال وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم قلت يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم فإن أحبناهم أجرونا مجراهم أو الجزية والمنعة أو المنابذة قال فكيف طاعتهم أمراءهم قلت أطوع قوم لمرشدهم قال فيما يحلون وما يحرمون فأخبرته فقال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم قلت لا قال فإن هؤلاء القوم لا يهلكون ابدا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم ثم قال أخبرني عن لباسهم فأخبرته وعن مطاياهم فقلت الخيل العراب ووصفتها فقال نعمت الحصون هذه ووصفت له الإبل بركها وانبعاثها بحملها فقال هذه صفة دواب طوال الأعناق
وكتب معه إلى يزدجرد أنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علي ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها ولو خلى لهم سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف فسالمهم وأرض منهم بالسلامة ولا تهيجهم ما لم يهيجوك
فأقام يزدجرد وآل كسرى بفرغانة على عهد من خاقان ولما وقع الرسول بالفتح والوفد بالخبر ومعهم الغنائم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل الأحنف جمع الناس وخطبهم وأمر بكتاب الفتح فقرى ء عليهم وقال في خطبته إن الله تبارك وتعالى ذكر رسوله وما بعثه به من الهدى ووعد على اتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة فقال عز وجل هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( 33 التوبة ) فالحمد لله الذي انجز وعده ونصر جنده ألا وإن الله قد اورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون ألا أن المصرين اليوم من مسالحها كأنتم والمصرين فيما مضى من البعد وقد وغلوا في

البلاد والله بالغ أمره ومنجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله فقوموا في أمره على رجل يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده ولا تغيروا فيستبدل الله بكم قوما غيركم فإني لا أخاف على هذه الأمة أن يؤتوا إلا من قبلكم
وسيأتي بعد إن شاء الله ما كان من انتقاض خراسان وغيرها في خلافة عثمان رضي الله عنه
ونذكر الآن بقية فتوح أهل البصرة الذين عقد لهم عمر رضي الله عنه عند الإذن لهم في الإنسياح على ما تقدم

فتح توج
قالوا وخرج أهل البصرة الذين وجهوا أمراء على فارس ومعهم سارية ابن زنيم ومن بعث معهم الى ما وراء ذلك وأهل فارس مجتمعون بتوج فلم يصمدوا بجمعهم ولكن قصد كل أمير منهم قصد إمارته وكورته التي أمر بها وبلغ ذلك أهل فارس فتفرقوا إلى بلدانهم ليمنعوها كما تفرق المسلمون في القصد إليها فكانت تلك هزيمة أهل فارس تشتت أمورهم وتفرقت جموعهم فتطيروا من ذلك كأنما كانوا ينظرون إلى ما صاروا إليه فقصد مجاشع بن مسعود فيمن معه من المسلمين لسابور وأردشير خره فالتقوا بتوج مع أهل فارس فاقتتلوا ما شاء الله عز وجل ثم إن شاء الله عز وجل سلط المسلمين على أهل توج فهزموهم وقتلوهم كل قتلة وبلغوا منهم ماشاءوا وغنمهم ما في عسكرهم فحووه
وهذه توج الآخرة لم يكن لها بعدها شوكة والأولى التي تنقذ فيها جنود العلاء بن الحضرمي أيام طاووس والوقعتان متساجلتان
ثم دعوا بعد هزيمتهم هذه الآخرة إلى الجزية والذمة فتراجعوا وأقروا وخمس مجاشع الغنائم وبعث بخمسها ووفد وفدا وقد كانت البشرى والوفود يجازون وتقضي لهم حوائجهم لسنة جرت بذلك من رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وحدث عاصم بن كليب عن أبيه قال خرجنا مع مجاشع غازين توج

فحاصرناها وقاتلناهم ما شاء الله فلما افتتحناها حوينا نهبا كثيرا وقتلنا قتلى عظيمة فكان علي قميص قد تخرق فأخذت إبرة وسلكا فجعلت أخيط قميصي بها ثم إني نظرت إلى رجل من القتلى عليه قميص فنزعته فأتيت به الماء فجعلت أضربه بين حجرين حتى ذهب ما فيه فلبسته فلما جمعت الرثة قام مجاشع خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس لا تغلوا فإنه من غل جاء بما غل يوم القيامة ردوا ولو المخيط فلما سمعت ذلك نزعت القميص فألقيته في الأخماس
وفي ذلك يقول مجاشع
ونحن ولينا مرة بعد مرة
بتوج أبناء الملوك الأكابر
لقينا جنود الماهيان بسحرة
على ساعة تلوي بأيدي الخطائر
فما فتئت خيلي تكر عليهم
ويلحق منها لاحق غير جائر
لدن غدوة حتى أتى الليل دونهم
وقد عولجوا بالمرهفات البواتر
وكان كذاك الدأب في كل كورة
أجابت لإحدى المنكرات الكبائر
الطويل
حديث اصطخر
قالوا وقصد عثمان بن أبي العاص لاصطخر فالتقى هو وأهلها بجور فاقتتلوا ما شاء الله ثم فتح الله على المسلمين جور واصطخر فقتلوا ما شاء الله وتفرق من تفرق ثم إن عثمان دعا الناس إلى الجزاء والذمة فراسلوه وراسلهم فأحابه الهربذ وكل من هرب أو تنحى فتراجعوا وباحوا بالجزاء وجمع عثمان حين هزمهم ما أفاء الله عليهم فخمسه وبعث بالخمس إلى عمر رحمه الله وقسم الباقي في الناس وعف الجند عن النهاب وأدوا الأمانة واستدقوا الدنيا فجمعهم عثمان ثم قام فيهم وقال إن هذا الأمر لا يزال مقبلا وأهله معافون مما يكرهون ما لم يغلوا فإذا غلوا رأوا ما ينكرون ولم يسد الكثير مسد القليل اليوم
وعن الحسن قال قال عثمان بن أبي العاص يوم اصطخر إن الله عز وجل إذا أراد بقوم خيرا كفهم ووفر أمانتهم فاحفظوها فإن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة فإذا فقدتموها جدد لكم في كل يوم فقدان شيء من أموركم

ثم إن شهرك خلع في آخر إمارة عمر أو أول إمارة عثمان رحمهما الله ونشط أهل فارس ودعاهم إلى النقض فوجه إليه عثمان بن أبي العاص
ثانية وبعث معه جنودا أمد بهم عليهم عبيد الله بن معمر وشبل بن معبد فالتقوا بفارس فقال شهرك لابنه وهو في المعركة وبينهم وبين قرية لهم تدعى ريشهر ثلاثة فراسخ وكان بينهم وبين قرارهم اثنا عشر فرسخا يا بني أين ترى أن يكون غداؤنا هنا أو بريشهر فقال يا أبت إن تركونا فلا يكون غداؤنا هنا ولا بريشهر ولا يكون إلا في المنزل ولكن والله ما أراهم يتركوننا فما فرغا من كلامهما حتى أنشب المسلمون القتال فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل فيه شهرك وابنه وقتل من المشركين مقتله عظيمة وولي قتل شهرك الحكم بن أبي العاص أخو عثمان بن أبي العاص
وذكر الطبري عن أبي معشر أن اصطخر الآخرة كانت سنة ثمان وعشرين وذلك وسط إمارة عثمان بن عفان رضي الله عنه
وذكر ايضا بسنده إلى عبيد الله بن سليمان قال كان عثمان بن أبي العاص أرسل إلى البحرين فأرسل أخاه الحكم في ألفين إلى توج وكان كسرى قد فر عن المدائن ولحق بجور من أرض فارس
قال الحكم فقصد إلى شهرك وكان كسرى أرسله فهبطوا من عقبة عليهم الحديد فخشيت ان تغشى أبصار الناس فأمرت مناديا فنادى أن من كانت له عمامة فليلقها على عينيه ومن لم يكن له عمامة فليغمض بصره وناديت أن حطوا عن دوابكم فلما رأى شهرك ذلك حط أيضا ثم ناديت أن اركبوا وصففنا لهم وركبوا فجعلت الجارود العبدي على الميمنة وأبا صفرة يعني أبا المهلب على الميسرة فحملوا على المسلمين فهزموهم حتى ما أسمع لهم صوتا فقال لي الجارود أيها الأمير الجند فقلت إنك سترى أمرك فما لبثنا أن رجعت خيلهم ليس عليها فرسانهم والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم فنثرت الرءوس بين يدي وأتيت برأس ضخم وكان معي

بعض ملوكهم فارق كسرى ولحق بي فقال هذا رأس الأزدهاق يعنون شهرك فحوصروا في مدينة سابور فصالحهم الحكم وكان ملكهم آذربيان فاستعان به الحكم على قتال أهل اصطخر
وقال يزيد بن الحكم بن أبي العاص يذكر اصطخر الآخرة
أنا ابن عظيم القريتين كليهما
نتمني إلى العليا الفروع الفوارع
لنا مجد بطحاوي ثقيف وغالب
إذا عد بطحاواهما والد سائع
لنا الحسب العود الذي لا تناله
عيون العدى والحاسدات الدواسع
أبي سلب الجبار بيضة ملكه
فخر وأطراف الرماح شوارع
بمعترك ضنك به قصد القنى
وهام وأيد تختليها القواطع
بأيدي سراة كلهم باع نفسه
فأوفوا بما باعوا وأوفى المبايع
هم المؤمنون الواردو الموت في الوغى
كما ترد الماء العطاش النوائع
نجاهد في نصر لخير شريعة
إذا ذكرت يوم الحساب الشرائع
سمونا لزحف المشركين بوقعة
بها در مال الجزية المتتابع
تركنا من القتلى نثارا تعودها
نسور تراماها الضباع الجوامع
جثى من عظام المشركين كأنها
تلوح من الرأي البعيد صوامع
تركنا سباع الأرض والطير منهم
شباعا وما فيها إلى الحول جائع
الطويل
حديث فساودار ابجرد

وقالوا وقصد سارية بن زنيم لفساودارابجرد حتى أفضى إلى عسكرهم فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله ثم إنهم استمدوا فتجمعوا وتجمعت اليهم أكراد فارس فدهم المسلمين أمر عظيم وجمع كثير فرأى عمر رضي الله عنه في تلك الليلة معركتهم وعددهم في ساعة من النهار فنادى من الغد الصلاة جامعة حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم وكان أريهم والمسلمين بصحراء إن أقاموا فيها أحيط بهم وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ثم قام فقال أيها الناس إني رأيت هذين الجمعين وأخبر بحالهما ثم قال يا سارية الجبل الجبل ثم أقبل عليهم فقال إن لله عز وجل جنودا ولعل بعضها أن يبلغهم ولما كان تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الإسناد إلى الجبل ففعلوا وقاتلوا القوم من وجه واحد فهزمهم الله لهم وكتبوا بذلك إلى عمر رحمه الله وباستيلائهم على البلد ودعاء أهله وتسكينهم
وعن رجل من بني مازن قال كان عمر رحمه الله قد بعث سارية بن زنيم الدؤلي إلى فساودارابجرد فحاصرهم ثم إنهم تداعوا فأصحروا له وكثروه وأتوه من كل جانب فقال عمر رضي الله عنه وهو يخطب في يوم جمعة يا سارية بن زنيم الجبل الجبل
وفي غير هذا الحديث ثم عاد عمر في خطبته فعجب الناس لندائه سارية على بعده فقضى الله سبحانه أن كان سارية وأصحابه في ذلك الوقت موافقين للمشركين وقدضايقهم المشركون من كل جانب وإلى جانب المسلمين جبل إن لجأوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد فسمعوا صوتا يقول يا سارية بن زنيم الجبل الجبل كما قال عمر رضي الله عنه وفي ذلك الوقت بعينه فلجأوا إلى الجبل فنجوا وهزموا عدوهم وأصابوا مغانم كثيرة

قال المازني في حديثه إن سارية أصاب في المغانم سفطا فيه جوهر فاستوهبه المسلمون لعمر فوهبوه له فبعث به وبالفتح رجلا وقال له استقرض ما تبلغ به وما تخلفه في أهلك على جائزتك وكان الرسل والوفد يجازون فقدم الرجل البصرة ففعل ثم خرج فقدم على عمر رحمه الله فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره فقصده فأقبل عليه بها فقال اجلس فجلس حتى إذا أكل انصرف عمر وقام الرجل فأتبعه فظن عمر أنه رجل لم يشبع فقال حين انتهى إلى باب داره أدخل فلما جلس في البيت أتى بغذائه خبز وزيت وملح وجريش فوضع له ثم قال للرجل أدن فكل فأكلا حتى إذا فرغ قال له الرجل رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين فقال مرحبا وأهلا ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته ثم سأله عن المسلمين ثم سأله عن سارية فأخبره بقصة الدرج فنظر إليه ثم صاح به وقال لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجيش فتقسمه بينهم وطرده فقال يا أمير المؤمنين إني قد أنضيت إبلي واستقرضت على جائزتي فأعطني ما أتبلغ به فما زال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقة وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة ورجع الرجل مغضوبا عليه محروما حتى قدم البصرة فنفذ لما أمره به عمر رحمه الله وقد كان أهل المدينة سألوه عن سارية وعن الفتح وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة فقال نعم سمعنا يا سارية الجبل الجبل وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا

حديث فتح كرمان

قالوا وقصد سهيل بن عدي إلى كرمان ولحقه عبد الله بن عبد الله ابن عتبان وعلى مقدمته سهيل بن عدي النسير بن عمرو العجلي وقد حشد له أهل كرمان واستعانوا بالقفس فاقتتلوا في أدنى أرضهم ففضهم الله تعالى فأخذوا عليهم بالطريق وقتل النسير مرزبانها ودخل سهيل من قبل طريق القرى إلى جيرفت وعبد الله بن عبد الله من مفازة شير فأصابوا ما شاءوا من بعير أو شاة فقدموا الإبل والغنم فتحاصوها وأخروا البخت لعظم البخت على العرب وكرهوا أن يزيدوا وكتبوا إلى عمر فأجابهم إن البعير العربي إنما قوم ببعير اللحم وذلك مثله فإذا رأيتم أن للبخت فضلا فزيدوا
وذكر المدائني أن الذي فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر بن الخطاب ثم أتى الطبسين من كرمان ثم قدم على عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين إني افتتحت الطبسين فأقطعنيهما فأراد أن يفعل فقيل لعمر إنهما رستاقان عظيمان فلم يقطعه إياهما وهما بابا خراسان
فتح سجستان

قالوا وقصد عاصم بن عمرو لسجستان ولحقه عبد الله بن عمير فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم فهزموهم ثم أتبعوهم حتى حصروهم بزرنج ومخر المسلمون أرض سجستان ما شاء الله ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوا من الأرضين فأعطاهم ذلك المسلمون وكان فيما اشترطوا من صلحهم أن فدافدها حمى فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروها خشية أن يصيبوا منها فيخفروا فتم أهل سجستان على الخراج فكانت سجستان على الخراج فكانت سجستان أعظم من خراسان شأنا وأبعد فروجا يقاتلون القندهار والترك وأمما كثيرة وكانت فيما بين السند إلى نهر بلخ فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرها عددا وجندا حتى كان زمن معاوية فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل ودانوا لسلم بن زياد وهو يومئذ على سجستان ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم تلك البلاد وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه فقال معاوية إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له ان يحزنه قالوا ولم يا أمير المؤمنين قال لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة وتضايق وهؤلاء قوم غدر نكر فيضطرب الجبل غدا فأهون ما يجيء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها
وتم لهم على عهد ابن زياد فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر معاوية الشاه وخلت آمل وخافه أخوه فاعتصم منه بمكانه الذي هو به ولم يرضه ذلك حين تشاغل
الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة
قالوا وسار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد شجا لم ينتزع إلى اليوم وقد كانت البلاد مذللة إلى ان مات معاوية رحمه الله
فتح مكران

قالوا وقصد الحكم بن عمرو التغلبي لمكران حتى انتهى إليها ولحق به شهاب بن مخارق بن شهاب فانضم إليه وأمده سهيل بن عدي وعبد الله بن عتبان بأنفسهما فانتهوا إلى دوين النهر وقد انفض أهل كرمان إليه حتى نزلوا على شاطئه فعسكروا وعبر إليهم راسل ملكهم ملك السند فازدلف بهم يستقبل المسلمين فالتقوا فاقتتلوا بمكان من مكران من النهر على أيام فهزم الله راسلا وسلبه وأباح المسلمين عسكره وقتلوا في المعركة من المشركين مقتلة عظيمة وأتبعوهم يقتلونهم أياما حتى انتهوا إلى النهر
ثم رجعوا فأقاموا بمكران وكتب الحكم إلى عمر بالفتح وبعث بالأخماس مع صحار العبدي واستأمره في الفيله فقدم صحار على عمر رحمه الله فسأله عن مكران وكان لايأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه فقال يا أمير المؤمنين أرض سهلها جبل وماؤها وشل وتمرها دقل وعدوها بطل وخيرها قليل وشرها طويل والكثير بها قليل والقليل بها ضائع وما وراءها شر منها فقال عمر رحمه الله أسجاع أنت أم خير فقال بل مخبر فقال لا والله لايغزوها لي جيش ما أطعت وكتب إلى الحكم وإلى سهيل أن لا يجوزن مكران أحد من جنودكما واقتصرا على ما دون النهر وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام وقسم أثمانها على من أفاءها الله عليه
حديث بيروذ

قالوا لما فصلت الجنود إلى الكور اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد وغيرهم وكان عمر رحمه الله قد عهد إلى أبي موسى حين سارت الجنود إلى الكور أن يسير حتى ينتهي إلى حد ذمة البصرة كي لا يؤتى المسلمون من خلفهم وخشي أن يستلحم بعض جنوده أو ينقطع منهم طرف أو يخلف في أعقابهم فكان الذي حذر من اجتماع أهل بيروذ وقد أبطأ أبو موسى حتى تجمعوا فخرج أبو موسى حتى ينزل ببيروذ على الجمع الذي تجمع بها وذلك في رمضان فنزل على جمع لهم منعه فالتقوا بين نهر تيري ومناذر وقد توافى إليها أهل النجدات من أهل فارس والأكراد ليكيدوا المسلمين أو ليصيبوا منهم عورة ولم يشكوا في واحدة من اثنتين فقام المهاجر بن زياد وقد تحنط واستقتل فقال لأبي موسى أقسم على كل صائم الإرجع فأفطر فرجع أخوه فيمن رجع لإبرار القسم وذلك الذي أراد المهاجر أن يرجع أخوه لئلا يمنعه من الاستقتال وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله وفرق الله عز وجل المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة وأقبل الربيع بن زياد أخو المهاجر فاشتد حزنه عليه ورق له أبو موسى للذي رآه دخله من مصاب أخيه فخلفه عليهم وخرج أبو موسى حتى بلغ أصبهان فلقي بها جنود أهل الكوفه محاصرين جي ثم أنصرف إلى البصرة وقد فتح الله على الربيع بن زياد أهل بيروذ من نهر تيري فهزمهم وجمع السبي والأموال فتنقى أبو موسى ستين غلاما من أبناء الدهاقين وعزلهم وبعث بالفتح إلى عمر رحمه الله ووفد وفدا فجاءه رجل من عنزة

يقال له ضبة بن محصن فقال اكتبني في الوفد فقال قد كتبنا من هو أحق منك فانطلق مغاضبا مراغما وكتب أبو موسى إلى عمر بقصة الرجل فلما قدم الكتاب بالفتح والوفد على عمر قدم العنزي فأتى عمر فسلم عليه فقال من أنت فأخبره فقال لا مرحبا ولا أهلا فقال أما المرحب فمن الله وأما الأهل فلا أهل فاختلف إليه ثلاثا يقول هذا ويرد عليه هذا حتى إذا كان اليوم الرابع فدخل عليه فقال له مانقمت على أميرك فقال تنقي ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه وله جارية تدعى عقيلة تغذى جفنة وتعشى جفنة وليس منا رجل يقدر على ذلك وله قفيزان وله خانان وفوض إلى زياد وكان زياد هو ابن أبي سفيان يلي أمور البصرة وأجاز الحطيئة بألف
فكتب عمر رحمه الله كل ما قال وبعث إلى أبي موسى فلما قدم حجبه أياما ثم دعى به ودعا ضبة بن محصن ودفع إليه الكتاب فقال إقرأ ما كتبت فقرأ أخذ ستين غلاما لنفسه فقال أبو موسى دللت عليهم وكان لهم فداء ففديتهم فأخذته فقسمته بين المسلمين فقال ضبة والله ما كذب ولا كذبت وقرأ له قفيزان فقال أبو موسى قفيز لأهلي أقوتهم به وقفيز في أيديهم للمسلمين يأخذون به أرزاقهم فقال ضبة والله ما كذب ولا كذبت فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر وعلم أن ضبة قد صدقه قال وزياد يلي أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلي فقال أبو موسى وجدت له نبلا ورأيا فأسندت إليه عملي قال وأجاز الحطيئة بألف قال سددت فمه بمالي أن يشتمني فقال قد فعلت ما فعلت فرده عمر رحمه الله وقال إذا قدمت فأرسل إلي زيادا وعقيلة ففعل فقدمت عقيلة قبل زياد وقدم زياد فأقام بالباب فخرج عمر وزياد بالباب قائم وعليه ثياب بيض كتان فقال ما هذه الثياب فأخبره فقال كم أثمانها فأخبره بشيء يسير وصدقه فقال له

كم عطاؤك قال ألفان قال ما صنعت بأول عطاء خرج لك فقال اشتريت به والدتي فأعتقتها واشتريت في الثاني ربيبي عبيدا فأعتقته فقال وفقت وسأله عن الفرائض والسنن والقرآن فوجده فقيها فرده وأمر أمراء البصرة أن يستعينوا برأيه وحبس عقيلة بالمدينة
وقال عمر رضي الله عنه ألا إن ضبة بن محصن غضب على أبي موسى في الحق أن أصابه وفارقه مراغما أن فاته أمر من أمور الدنيا فصدق عليه وكذب فأفسد كذبه صدقه فأياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى النار
وكان الحطيئة قد لقيه في غزاة يبروذ وكان أبو موسى ابتدأها فحاصرهم حتى فلهم ثم جازاهم ووكل بهم الربيع ثم رجع إليهم بعد الفتح فولى القسم
ومن مدح الحطيئة في أبي موسى
وغارة كشعاع الشمس مشعلة
تهوى بكل صبيح الوجه بسام
قب البطون من التعداء قد علمت
أن كل عام عليها عام الجام
مستحقبات رواياها جحافلها
يسمو بها أشعري طرفه سامي
لايزجر الطير أن مرت به سنحا
ولا يفاض له قسم بأزلام
جمعت من عامر فيها ومن أسد
ومن تميم وذبيان ومن حام
وما رضيت لهم حتى رفدتهم
من وائل رهط بسطام بإصرام
في متلف طائعا لله محتسبا
يرجو ثواب كريم العفو رحام
البسيط

غزوة سلمة بن قيس الأشجعي الأكراد

ذكر الطبري من طريقين كلاهما ينمى إلى سليمان بن بريدة واللفظ في الحديثين متقارب وربما كان في أحدهما زيادة على الآخر وأحدهما عن سيف ابن عمر وفيه أن سليمان بن بريدة قال لقيت رسول سلمة بن قيس الأشجعي فقال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتمع له جيش من العرب بعث عليهم رجلا من أهل العلم والفقه فاجتمع إليه جيش فبعث عليهم سلمة بن قيس فقال سر باسم الله قاتل في سبيل الله من كفر بالله فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى ثلاث خصال ادعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا واختاروا دارهم فعليهم في أموالهم الزكاة وليس لهم في فيء المسلمين نصيب وإن اختاروا أن يكونوا معكم فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي عليكم وإن أبوا فسلوهم الخراج فإن أعطوكموه فقاتلوا عدوكم من ورائهم وفرغوهم لخراجهم ولا تكلفوهم فوق طاقتهم فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم وإن تحصنوا منكم في حصن فسألوكم أن ينزلوا على حكم الله ورسوله فلا تعطوهم على حكم الله ورسوله فإنكم لا تدرون ما حكم الله ورسوله فيهم وإن سألوكم أن ينزلوا على ذمة الله ورسوله فلا تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله وأعطوهم ذمم أنفسكم فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا قال فلقينا عدونا من المشركين

من الأكراد فدعوناهم إلى ما امر به أمير المؤمنين من الإسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة فوجد فيها سلمة حقي جوهر فجعلهما في سفط ثم قال إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا فإن طابت أنفسكم به لأمير المؤمنين بعثت به إليه فإن له بردا ومؤونة فقالوا نعم قد طابت أنفسنا فبعثني سلمة يعني بالخبر والسفط إلى أمير المؤمنين قال فدفعت إليه ضحى والناس يتغدون وهو متكى ء على عصا كهيئة الراعي في غنمه يطوف في تلك القصاع يقول يا يرفاء زد هؤلاء لحما زد هؤلاء خبزا زد هؤلاء مرقة فلما دفعت إليه قال إجلس فجلست في أداني الناس فإذا طعام فيه خشونه وغلظ طعامي الذي معي أطيب منه فلما فرغ الناس قال يا يرفاء إرفع قصاعك ثم أدبر واتبعته فدخل داره ثم دخل حجرته فاستأذنت وسلمت فأذن لي فإذا هو جالس على مسح متكى ء على وسادتين من أدم محشوتين ليفا فنبذ إلي إحداهما فجلست عليها فقال يا أم كلثوم غداءنا فجاؤا إليه بقصعة فيها خبز وزيت في عرضها ملح لم يدق فقال لي كل فأكلت قليلا وأكل حتى فرغ ما رأيت رجلا أحسن أكلا منه ما يتليس طعامه بيده ولا فمه ثم قال اسقونا فجاؤا بفس فقال اشرب فشربت قليلا شرابي الذي معي أطيب منه فأخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته وقال إنك لضعيف الأكل والشرب ثم قال الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وسقانا فأروانا قال قلت قد أكل أمير المؤمنين فشبع وشرب فروي حاجتي يا أمير المؤمنين قال وما حاجتك قلت أنا رسول سلمة بن قيس فقال مرحبا بسلمة وبرسوله وكأنما خرجت من صلبه قال حدثني عن المهاجرين كيف هم قلت كما تحب من السلامة والظفر على العدو قال كيف أسعارهم قلت أرخص أسعار قال كيف اللحم فيهم فإنه شجرة العرب ولا تصلح العرب إلا بشجرتها قلت البقرة

بكذا والشاه بكذا ثم قلت يا أمير المؤمنين سرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم إلى ما أمرتنا به من الإسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة وخرج له عن الحديث كله حتى انتهى إلى السفط وأخرجه إليه قال فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين أحمر وأصفر وأخضر وثب وجعل يديه في خاصرتيه وقال لا أشبع الله إذن بطن عمر وظن النساء أني قد إغتلته فكشفن الستر فقال يا يرفاء جأ عنقه فوجأ عنقي وأنا أصيح فقال النجاء وأظنك ستبطى ء أما والذي لا إله غيره لإن تفرق الناس إلى مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك وبصاحبك فاقرة قلت يا امير المؤمنين ابدع بي فاحملني قال يا يرفاء أعطه راحلتين من الصدقة فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه قلت نعم وارتحلت حتى أتيت سلمة فقلت ما بارك الله لي فيما إختصصتني به اقسم هذا في الناس قبل أن أفضح والله وتفضح قال فقسمه فيهم قبل التفرق إلى مشاتيهم والفص يباع بخمسة دراهم وستة دراهم وهو خير من عشرين ألفا
وقد تقدم قبل في فتح فساودرابجرد خبر لرسول سارية بن زنيم شبيه بهذا الخبر فالله تعالى أعلم
وذكر الطبري غزوة سلمة بن قيس هذه في سنة ثلاث وعشرين وهي السنة التي قتل عمر رضي الله عنه في آخرها على ما نذكره إن شاء الله تعالى

ذكر الخبر عن إحرام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى حين مقتله

لم يزل عمر رضي الله عنه قائما على امر الله مجتهدا فيه مجاهدا لأعدائه متعرفا منه سبحانه من المعونة والتأييد وجميل الكفاية والعناية والصنع ما وطأ له البلاد ودوخ الممالك وألقى إليه مقاليد الأمم من الفرس والروم والترك والأكراد وغيرهم من الأمم والأجيال الذين تقدم ذكرهم وأنجز الله في مدة خلافته معظم ما وعد به رسوله {صلى الله عليه وسلم} من الفتوح وجمع إليه أكثر ما زواه له من الأرض وتغلغلت جنوده في الآفاق عندما أذن لها في الإنسياح حتى أمرهم آخر إمارته بالإقصار والكف احتياطا على المسلمين ونظرا للإسلام وأقبل عندما أذن لهم في ذلك على الدعاء وتتبع آثار العمال بالعيون والنصحاء في السر والعلانية وتفقد الناس في الشرق والغرب إلى ان أتته منيته المحتومة بالشهادة المقدرة له في مصلاه على ما يأتي الذكر له إن شاء الله تعالى
وقد ورد في غير موضع من الآثار ذكر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لاستشهاده مخبرا وداعيا وهو الداعي المجاب والصادق المصدوق صلوات الله وبركاته عليه
وروي عن عوف بن مالك الأشجعي انه رأى في المنام على عهد أبي بكر رحمه الله تعالى كأن الناس جمعوا فإذا فيهم رجل قد علاهم فهو فوقهم بثلاثة أذرع قال فقلت من هذا قالوا عمر قلت ولم قالوا لأن فيه ثلاث خصال لا يخاف في الله لومة لائم وإنه خليفة مستخلف وشهيد مستشهد قال فأتى أبا بكر فقصها عليه فأرسل أبو بكر إلى عمر ليبشره قال فجاء فقال لي أبو بكر أقصص رؤياك فلما بلغت خليفة مستخلف
زبرني عمر وانتهرني وقال اسكت تقول هذا وأبو بكر حي قال فلما كان بعد وولي عمر مررت بالشام وهو على المنبر فدعاني فقال أقصص رؤياك فقصصتها فلما قالت إنه لا يخاف في الله لومة لائم قال إني لأرجوا أن يجعلني الله منهم فلما قلت خليفة مستخلف قال قد استخلفني فأسأله ان يعينني على ما ولاني فلما ذكرت شهيد مستشهد قال أنى لي الشهادة وانا بين أظهركم تغزون ولا أغزو ثم قال بلى يأتي الله بها أنى شاء يأتي الله بها أنى شاء

وكان عمر رحمه الله ملازما للحج في سني خلافته كلها وكان من سيرته أن يأخذ عماله بموافاته كل سنة في موسم الحج ليحجزهم بذلك عن الرعية ويحجر عليهم الظلم ويتعرف أحوالهم في قرب وليكون للرعية وقت معلوم ينهون إليه شكاويهم فيه فلما كانت السنة التي قتل منسلخها رضي الله عنه خرج إلى الحج على عادته وأذن لأزواج النبي {صلى الله عليه وسلم} فخرجن معه فلما وقف عمر رحمه الله يرمي الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته فأدماه وثم رجل من بني لهب قبيلة من الأزد تعرف فيها العيافة والزجر وإياها عنى القائل
تيممت لهبا أبتغي العلم عندهم
وقد رد علم العالمين إلي لهب
فقال اللهبي عندما أدمى عمر رحمه الله أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدهم
ويروى عن عائشة رضي الله عنها وحجت مع عمر تلك الحجة انه لما ارتحل من الحصبة أقبل رجل متلثم قلت فقال وأنا أسمع أين كان منزل أمير المؤمنين فقال قائل هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى
عليك سلام من أمير وباركت
يد الله في ذلك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
بوائق في أكمامها لم تفتق
الطويل
قالت عائشة فقلت لبعض أهلي إعلموا لي من هذا الرجل فذهبوا فلم يجدوا في مناخه أحد قالت عائشة فو الله إني لأحسبه من الجن فلما قتل عمر نحل الناس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار أو لأخيه مزرد
وقال سعيد بن المسيب لما صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى
قال سعيد فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل رحمه الله

وروى عن عمر رحمه الله أنه لما انصرف من حجته هذه التي لم يحج بعدها وانتهى إلى ضجنان وقف فقال الحمد الله ولا إله إلا الله يعطي من يشاء ما يشاء لقد كنت بهذا الوادي أرعى أبلا للخطاب وكان فظا غليظا يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت وقد أصبحت وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه ثم تمثل
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته
يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له
والإنس والجن فيما بينها برد
أين الملوك التي كانت نوافلها
من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب
لابد من ورده يوما كما وردوا
الطويل

ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن قدم المدينة من حجه خرج يوما يطوف بالسوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال يا أمير المؤمنين أعدني على المغيرة فأن علي خراجا كثيرا قال وكم خراجك قال درهمان في كل يوم قال وإيش صناعتك قال نجار نقاش حداد قال فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال قال وبلغني أنك تقول لو أردت أن أعمل رحا تطحن بالريح لفعلت قال نعم قال فاعمل لي رحا قال لئن سلمت لأعملن لك رحا يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه فقال عمر لقد توعدني العلج آنفا ثم انصرف عمر إلى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال يا أمير المؤمنين اعهد فأنك ميت في ثلاثة أيام قال وما يدريك قال أجده في كتاب الله التوراة فقال عمر آلله إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة قال اللهم لا ولكن أجد صفتك وحليتك بأنه قد فنى أجلك وعمر لايحس وجعا ولا ألما فلما كان من الغد جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي يومان ثم جاء من بعد الغد فقال ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي لك إلى صبحها فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت أخبروه فكبر ودخل أبو لؤلؤة في الناس في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه وضرب به عمر ست ضربات
إحداهن تحت سرته هي التي قتلته فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال دونكم الكلب فإنه قتلني وماج الناس وأسرعوا إليه فجرح منهم ثلاثة عشر رجلا حتى جاء رجل منهم فاحتضنه من خلفه وقيل ألقي عليه برنسا فقيل أنه لما أخذ قتل نفسه

وقال عمر رضي الله عنه عندما سقط أفي الناس عبد الرحمن بن عوف قالوا نعم يا أمير المؤمنين هو ذا قال تقدم فصل بالناس قال فصلى عبد الرحمن بن عوف وحمل عمر إلى منزله فدعا عبد الرحمن بن عوف فقال إني أريد أن أعهد إليك قال أنشدك الله يا أمير المؤمنين أتشير على بذلك قال اللهم لا قال والله لا أدخل فيه أبدا قال فهبني صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو عنهم راض ادعو لي عليا وعثمان والزبير وسعدا قال وانتظروا أخاكم طلحه ثلاثا فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم أنشدك الله يا علي إن وليت من أمر الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس وأنشدك الله يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس أنشدك الله يا سعد إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب وأمرهم أن يحضر معهم عبد الله بن عمر على أن لا يكون له في الأمر شيء ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فقال قم على بابهم لا تدع أحدا يدخل إليهم وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان أن يحسن إلى محسنهم وأن يتجاوز عن مسيئهم وأوصي الخليفة من بعدي بالعرب فإنها مادة الإسلام أن تؤخذ صدقات أغنيائهم فتوضع في فقرائهم وأوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن يوفي لهم بعهدهم اللهم هل بلغت تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة يا عبد الله بن عمر اخرج فانظر من قتلني فقال يا أمير المؤمنين قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قال الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة

واحدة يحاجني بلا إله إلا الله يا عبد الله إن اختلف القوم فكن مع الأكثر وإن كانوا ثلاثة وثلاثة فاتبع الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف يا عبد الله أئذن للناس فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم أعن ملأ منكم كان هذا فيقولون معاذ الله ودخل في الناس كعب فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول
وأوعدني كعب ثلاثا أعدها
ولا شك أن القول ما قاله كعب
وما بي حذار الموت إني لميت
ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
الطويل فقيل له لو دعوت الطبيب فدعى له طبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج مشكلا فقال اسقوه لبنا فخرج اللبن أبيض فقال له الطبيب لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل وفي رواية أنه قيل له عند ذلك يا أمير المؤمنين اعهد قال قد فرغت وقال لعبد الله أبنه يا عبد الله أذهب إلى عائشة فاسألها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي {صلى الله عليه وسلم} وأبي بكر وفي رواية أنه قال له أذهب إلى عائشة فقل لها أن عمر يستأذن أن يدفن مع صاحبيه ولا تقل أمير المؤمنين فأني لست اليوم بأمير المؤمنين فذهب إليها عبد الله فوجدها تبكي فذكر لها ذلك فقالت نعم قد كنت أردته لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فرجع إليه عبد الله وهو متطلع إليه فقال ما قالت لك قال أذنت قال الحمد لله ما كان علي أمر أهم من هذا فإذا أنا مت فاغسلني ثم احملني وأعد عليها الاستئذان فأن أذنت وإلا فاصرفني إلى مقابر المسلمين
فلما توفي رحمه الله ورضي عنه خرجوا به فصلى عليه صهييب ودفن في بيت عائشة رضي الله عنه وعنها ويروى أنه لما أحتضر قال ورأسه في حجر ابنه عبد الله رضي الله عنهما
ظلوم لنفسي غير إني مسلم
أصلي الصلاة كلها وأصوم
الطويل
وكان مقتله لأربع بقين من ذي الحجة من سنة ثلاث وعشرين وقيل لثلاث بقين منه وقيل إن وفاته كانت غرة المحرم من سنة أربع وعشرين

ونزل في قبره عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص وقيل صهيب وابنه عبد الله بن عمر عوضا من الزبير وسعد
واختلف في مبلغ سنه يوم توفي وأشهر ما في ذلك أنه توفي ابن ثلاث وستين سنة وإنه استوفى عدة خلافة سن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} التي توفي لها وسن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
ويروى عن عامر الشعبي أنه لما طعن عمر رضي الله عنه دخل عليه عبد الله بن عباس فقال يا أمير المؤمنين أبشر بالجنة فقال ما تقول قال اللهم نعم أسلمت حين كفر الناس وقاتلت مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين خذله الناس ومات نبي الله {صلى الله عليه وسلم} وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك رجلان ثم قتلت شهيدا فقال عمر والله إن من تغرونه لمغرور والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء لأفتديت به من هول المطلع
وعن ابن عباس أيضا قال لما وضع عمر في أكفانه إكتنفه الناس يصلون عليه ويدعون فإذا أنا برجل قد زحمني من خلفي فنظرت فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقام فدعا له وترحم عليه ثم قال والله ما أصبح أحد أحب إلي من أن ألقى الله بمثل صحيفته منك وإني لأرجوا أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا ما سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول خرجت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وفعلت أنا وأبو بكر وعمر فإني أرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك
وذكر عبد الله بن مسعود يوما عمر رضي الله عنه فهملت عيناه وهو قائم حتى بل الحصى ثم قال إن عمر كان حائطا كثيفا يدخله المسلمون ولا يخرجون منه فلما مات عمر إنثلم الحائط فهم يخرجون ولا يدخلون وما من أهل بيت من المسلمين لم تدخل عليهم مصيبة من موت عمر إلا أهل بيت سوء فإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر
وروى انس بن أبي طلحة أنه قال والله ما أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم لموت عمر رضي الله عنه نقص في دينهم وفي دنياهم
وعن أبي وائل قال خرج حذيفة إلى المدائن وهم يذكرون الدجال فأخبرنا مسروق أنه سأله عن ذلك فقال نجب تجيء من ها هنا تنعي عمر

وعن حذيفة أيضا قال كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا
قربا فلما قتل عمر رضي الله عنه كان كالرجل المدبر لايزداد إلا بعدا
وقالت عاتكة إبنة زيد بن عمرو بن نفيل إمرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترثيه
وفجعني فيروز لا در دره
بأبيض تال للكتاب منيب
رءوف على الأدنى غلظ على العدا
أخى ثقة في النائبات نجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله
سريع إلى الخيرات غير قطوب
الطويل
ومما ينسب إلى الشماخ بن ضراروإلى اخيه مزرد بن ضرار أنه قاله في عمر ابن الخطاب ويروى عن عائشة أن الجن بكت به على عمر رحمه الله قبل أن يقتل بثلاث وقد تقدم ذكر بعض هذا الشعر
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
له الأرض تهتز العضاة بأسوق
جزى الله خيرا من إمام وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته
بكفي سبنتى أزرق العين مطرق
الطويل
وقبل هذا البيت ببيتان قد تقدما قبل فلذلك حذفناهما الآن هنا اختصارا
ذكر خلافة ذي النورين أبي عمرو عثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله عنه ومبايعة أهل الشورى له بعد وفاة عمر رضي الله عنه
ولما مضى عمر رحمه الله لسبيله تفاوض أهل الشورى فيما بينهم ثلاثا بعد وفاته وانصرف أمر جميعهم إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فبايع لعثمان رحمه الله فبايعه بقيه أهل الشورى وكافة الصحابة رضي الله عن جميعهم وذلك يوم السبت غرة المحرم من سنة أربع وعشرين

وذكر سيف بإسناد له أنه لما بايع أهل الشورى عثمان رحمه الله خرج وهو أشدهم كآبة فآنى منبر النبي {صلى الله عليه وسلم} فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه {صلى الله عليه وسلم} ثم قال إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صبحتم أو مسيتم ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( 33 لقمان ) اعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا فإنه لا يغفل عنكم أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثروها وعمروها ومتعوا بها طويلا ألم تلفظهم ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها واطلبوا الآخرة فإن الله ضرب لها مثلها والذي هو خير فقال واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على
كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ( 44 - 45 الكهف )
وذكر سيف أن أول كتاب كتبه عثمان رضي الله عنه إلى عماله
أما بعد فإن الله عز وجل أمر الأئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم في أن يكونوا جباة وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة فإذا عادوا كذلك أنقطع الحياء والأمانة والوفاء إلا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور الناس وفيما عليهم فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء
قال وأول كتاب كتبه إلى أمراء الجنود في الفروج
أما بعد فإنكم حماة المسلمين وذادتهم وقد وضع لكم عمر رحمه الله مالم يغب عنا بل كان عن ملأ منا فلا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغير الله بكم ويستبدل بكم غيركم فانظروا كيف تكونون فإني أنظر فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام عليه

وكتب رحمه الله إلى عمال الخراج أما بعد فإن الله تعالى خلق الخلق بالحق ولا يقبل إلا الحق خذوا الحق وأعطوا الحق به والأمانة الأمانة قوموا عليها ولا تكونوا أول من سلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم والوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن الله ورسوله خصم لمن ظلمهم
وكان كتابه إلى العامة
أما بعد فإنكم بلغتم ما بلغتم بالإقتداء والإتباع فلا تلفتنكم الدنيا عن
أمركم فإن أمر هذه الأمة صائر إلى الإبتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم تكامل النعم وبلوغ أولادكم من السبايا وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن فان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال الكفر في العجمة فاذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا
وزاد عثمان رضي الله عنه الناس في أعطياتهم مائة مائة وهو أول خليفة زاد الناس في العطاء وكان عمر رحمه الله يجعل لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهما في كل يوم وفرض لأزواج النبي {صلى الله عليه وسلم} درهمين درهمين فقيل له لو وضعت لهم طعاما فجمعتهم عليه فقال أشبع الناس في بيوتهم فأقر عثمان الذي صنع عمر وزاد فوضع طعام رمضان للمتعبد الذي يبيت في المسجد ولابن السبيل وللمثوبين بالناس في رمضان
وكان في مدة خلافته رحمه الله فتوح عظام في البر والبحر وهو أول من أغزى فيه وقد تقدم ذكر كثير من ذلك كأفريقية وغزوة ذات الصواري في البحر على يدي عبد الله بن سعد وغزوة قبرس على يدي معاوية بن أبي سفيان وغير ذلك مما سلف في هذا الكتاب
ونذكر الآن من ذلك ما تيسر ذكره إن شاء الله تعالى مما لم نذكر قبل وأكثر من ذلك مما كان قد افتتح على عهد عمر رحمه الله وانتقض بعد وفاته فوجه اليه عثمان رحمه الله فاسترده حتى استوثق الأمر وانتظمت الفتوح
ذكر غزوة الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما صالحوا عليه أهل الإسلام أيام عمر بن الخطاب
ويقال إنها كانت في السنة التي بويع فيها عثمان وقيل في سنة خمس وعشرين بعدها وقيل في سنة ست ذكر ذلك كله الطبري

وحكى أيضا عن أبي مخنف عن قرة بن لقيط الأزدي ثم العامري أن مغازي أهل الكوفة كانت الري وأذربيجان وكان بالبحرين عشرة الآف مقاتل من أهل الكوفة ستة آلاف بأذربيجان وأربعة آلاف بالري وكان بالكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل وكان يغزو هذين المصرين منهم عشرة آلاف كل سنة فكان الرجل تصيبه في كل أربع سنين غزوة فغزا الوليد بن عقبة في أزمانه على الكوفة في سلطان عثمان أذربيجان وأرمينية فدعى سلمان بن ربيعة الباهلي فبعثه أمامه مقدمة له وخرج الوليد في جماعة الناس يريد أن يمعن في أرض أرمينية فمضى حتى دخل أذربيجان فبعث عبد الله بن شبل بن عوف الأحمسي في أربعة آلاف فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان فأصاب من أموالهم وغنم وسبى سبيا يسيرا وتحرز القوم منه فأقبل بذلك إلى الوليد
ثم أن الوليد صالح أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وذلك هو الصلح الذي كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حبسوها بعد وفاته فلما وطئهم الوليد بالجيش انقادوا وطلبوا إليه أن يتم لهم على ذلك الصلح ففعل وقبض منهم المال وبث الغارات فيمن حولهم من أعداء الإسلام فبعث سلمان بن ربيعة إلى أرمينية في اثني عشر ألفا فسار في أرضها فقتل وسبى وغنم وانصرف مملوء اليدين إلى الوليد فانصرف الوليد وقد ظفر وأصاب حاجته فلما دخل الموصل راجعا أتاه كتاب من عثمان رحمه الله
أما بعد فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إلي يخبرني أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع كثيرة عظيمة وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وسخاءه وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي والسلام

فقام الوليد في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإن الله قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاء حسنا فرد عليهم بلادهم التي كفرت وفتح بلادا لم تكن افتتحت وردهم سالمين غانمين مأجورين والحمد الله رب العالمين وقد كتب إلي أمير المؤمنين أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى ثمانية آلاف تمدون إخوانكم من أهل الشام فإنهم قد جاشت عليهم الروم وفي ذلك الأجر العظيم والفضل المبين فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة فانتدب الناس فلم يمض ثلاثة أيام حتى خرج في ثمانية آلاف من أهل الكوفة فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم فشنوا عليهم الغارات وأصابوا ما شاءوا من سبي وملأوا أيديهم من المغانم وافتتحوا بها حصونا كثيرة
وكان على أهل الشام حبيب بن مسلمة وسلمان على أهل الكوفة وزعم
الواقدي ان سعيد بن العاص هو الذي أمد حبيبا بسلمان وإن سبب ذلك أن عثمان رضي الله عنه أمر معاوية بإغزاء حبيب في أهل الشام أرمينية فوجهه إليها معاوية فبلغ حبيبا أن الموريان الرومي قد توجه نحوه في ثمانين ألفا من الروم والترك فأعلم بذلك معاوية فكتب معاوية إلى عثمان فكتب عثمان إلى سعيد بإمداد حبيب فأمده بسلمان في ستة آلاف وكان حبيب صاحب كيد فأجمع على أن يبيت الموريان فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية يذكر ذلك فقالت له فأين موعدك قال سرادق الموريان أو الجنة ثم بيتهم فقتل من إشرأب له وأتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق ثم مات عنها حبيب فخلف عليها الضحاك بن قيس الفهري فهي أم ولد

ذكر انتقاض فارس ومسير عبد الله بن عامر إليها وفتحه إياها

ولما ولي عثمان رحمه الله أقر أبا موسى الأشعري على البصرة ثلاث سنين وعزله في الرابعة وأمر على خراسان عمير بن عثمان بن سعد وعلى سجستان عبيد الله بن عمير الليثي من بني ثعلبة فأثخن فيها إلى كابل وأثخن عمير في خراسان حتى بلغ فرغانة فلم يدع دونها كورة إلا أصلحها وبعث إلى مكران عبيد الله بن معمر التيمي فأثخن فيها حتى بلغ النهر وبعث على كرمان عبيد الله بن عنيس وبعث إلى فارس والأهواز نفرا وأبو موسى في كل ذلك على البصرة فلما كان في السنة الثالثة كفر أهل ايذج والأكراد فنادى أبو موسى في الناس وحضهم وذكر من فضل الجهاد في الرجلة حتى حمل نفر على دوابهم وأجمعوا على ألا يخرجوا إلا رجالة ثم نشأ بينه وبين أهل البصرة في هذا الإستنفار ما نفرهم عنه وطلبوا إلى عثمان أن يديلهم عنه فدعا عثمان عند ذلك عبد الله بن عامر فأمره على البصرة وصرف عبيد الله بن معمر إلى فارس واستعمل مكانه عمير بن عثمان بن سعد واستعمل على خراسان أمين بن أحمر اليشكري وعلى سجستان عمران بن الفضل البرجمي وعلى كرمان عاصم ابن عمرو فمات بها فجاشت فارس فانتقضت بعبيد الله بن معمر واجتمعوا له باصطخر فالتقوا على بابها فقتل عبيد الله وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة إليهم وخرج في الناس وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص فالتقى هو وأهل فارس باصطخر فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يزالوا منها في ذل
وكتب بذلك إلى عثمان بن عفان فكتب إليه يأمره أن يولي على كور فارس نفرا سماهم له وفرق خراسان بين ستة نفر منهم الأحنف بن قيس على المورين

ذكر انتقاض خراسان وخروج سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر إليها وذكر طبرستان واستيلاء سعيد عليها

ذكر الطبري أن أداني أهل خراسان وأقاصيهم اعترضوا زمان عثمان رضي الله عنه لسنتين خلتا من إمارته فبدأ بنو كناري وهم أخوال كسرى فأنثروا في نيسابور وألجأوا عبد الرحمن بن سمرة وعماله إلى مرو الروذ وثنى أهل مرو الشاهجان وثلث بنيزل فاستولى على بلخ وأرز من بها إلى مروالروز وعلها بن سمرة فكتب إلى عثمان بخلع أهل خراسان فأرسل إلى ابن عامر أن يسير في جند البصرة فخرج ابن عامر في الجنود حتى يدخل خراسان على الطبسين من قبل يزدجرد وبث الجنود في كورها وأمرهم أن يطأوا فيهم ووطأ هو في أهل هراة بعدما وهنهم الجزاء وصالحوه ثم ثنى بنيسابور ففعلت فعل هراة ولقيت الكور من الجنود مثل ذلك فذلوا لهم واكتتب منهم أهل مرو الشاهجان وسائر خراسان وسار ابن عامر إلى نيزل فقتل تركه قتل الكلاب ولحق هو بترك بلاد الشام وستأتي بعد هذه المجملات مفصلة بعد
وذكر الطبري بإسناد له قال غزا سعيد بن العاص وهو على الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن الزبير وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدا ونزل ابرشهر وبلغ ذلك سعيدا فنزل قرمس وهي صلح صالحهم حذيفة بعد
نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من طبرستان متاخمة لجرجان وهي مدينة على ساحل البحر فقاتله أهلها حتى صلى يومئذ صلاة الخوف وهم يقتتلون بعد أن سأل حذيفة فأخبره كيف صلاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وضرب يومئذ سعيد رجل من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من مرفقه وحاصرهم فطلبوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إلا رجلا واحدا وحوى ما كان في الحصن

وذكر الطبري من طريق آخر أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان ثم امتنعوا وكفروا فلم يأتي جرجان بعد سعيد أحد ومنعوا ذلك الطريق فلم يكن يسلك طريق خراسان من ناحية قومس إلا على وجل وخوف من أهل جرجان وكان الطريق إلى خراسان من فارس إلى كرمان فأول من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان
وعن بشر بن حنظلة العمي أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان فكانوا يجبون أحيانا مائة ألف ويقولون صلحنا وأحيانا مائتي ألف وأحيانا ثلاثمائة ألف وكانوا ربما أعطوا ذلك وربما منعوه ثم امتنعوا وكثروا فلم يعطوا خراجا حتى أتاهم يزيد بن المهلب فلما صالح صولا وفتح البحيرة ودهستان صالح أهل جرجان على صلح سعيد بن العاص

ذكر مقتل يزدجرد
قال الطبري اختلف في سبب قتله كيف كان فذكر عن ابن إسحاق أن يزدجرد هرب من كرمان في جماعة ليسير إلى مرو فسأل مرزبانها مالا فمنعه فخافوا على أنفسهم فأرسلوا إلى الترك يستنصرون بهم عليه فأتوه فبيتوه وقتلوا أصحابه وقيل بل أهل مرو هم الذين بيتوه لما خافوه ولم يستجيشوا عليه الترك فقتلوا أصحابه وخرج هاربا على رجليه معه منطقته وسيفه وتاجه حتى أتى إلى منزل نقار على شط المرغاب فلما غفل يزدجرد وقيل لما نام قتله النقار وأخذ متاعه وألقى جسده في المرغاب فأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفي عليهم عند منزل النقار فأخذوه فأقر لهم بقتله وأخرج متاعه فقتلوا النقار وأهل بيته وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب فجعلوه في تابوت خشب فزعم بعضهم أنه حمل إلى اصطخرفدفن بها في أول سنة إحدى وثلاثين
وكان يزدجرد قد وطيء امرأة بمرو فولدت منه بعد مقتله غلاما ذاهب الشق فسمي المخدج وعاش حتى ولد له أولاد بخراسان فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين فقيل له إنهما من ولد المخدج فبعث بهما أو بإحداهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث بها إلى الوليد بن عبد الملك فولدت له يزيد بن الوليد بن عبد الملك الناقص

وذكر عن المدائني أن يزدجرد أتى خراسان ومعه خرزادمهر أخو رستم فقال لمرزبان مرو واسمه ما هويه إني قد أسلمت إليك الملك ثم أقام بمرو وهم بعزل ما هويه فكتب ماهوية إلى الترك يخبرهم بمكانه وعاهدهم على المؤازرة عليه وخلى لهم الطريق فأقبلوا إلى مرو وخرج إليهم يزدجرد في أصحابه فقاتلهم ومعه ماهوية في أساورة مرو فأثخن يزدجرد في الترك حتى خشي ماهوية أن ينهزموا فتحول إليهم في أساوره مرو فانهزم جند يزدجرد وقتلوا وعقر عند المساء فرس يزدجرد فمضى ماشيا هاربا حتى انتهى إلى بيت فيه رحى على شط المرغاب فمكث فيه ليلتين فطلبه ماهوية فلم يقدر عليه إلى أن دخل صاحب الرحى بيته في اليوم الثاني فرأى يزدجرد فقال ما أنت إنسي أم جني قال انسي فهل عندك طعام قال نعم فأتاه به فقال إني مزمزم فأتني بما أزمزم به فذهب الطحان إلى بعض الأساورة فطلب منه ما يزمزم به قال وما تصنع به فقال عندي رجل لم أرى مثله قط وقد طلب هذا مني فجاء الأسوار بالطحان إلى ما هويه فأخبره فقال هذا يزدجرد اذهبوا فجيئوني برأسه فقال له الموبذ ليس ذلك إليك قد علمت أن الدين والملك مقترنان لا يستقيم أحدهما إلا بالآخر ومتى فعلت انتهكت الحرمة العظيمة وتكلم الناس فأعظموا ذلك فشتمهم ماهويه وقال للأساورة من تكلم فاقتلوه وأمر عدة فذهبوا مع الطحان ليقتلوا يزدجرد فانطلقوا فلما رأوه كرهوا قتله وتدافعوا ذلك وقالوا للطحان ادخل فاقتله فدخل عليه وهو نائم ومعه حجر فشدخ به رأسه ثم اجتزه فدفعه إليهم والقى جسده في المرغاب فخرج قوم من أهل مرو فقتلوا الطحان وهدموا أرحاءه
وذكر الطبري حديثين مختلفين مطولين وأحدهما أطول من الآخر يتضمن ضروبا من الإضطرابات تقلب فيها وأنواعا من الدوائر دارت عليه حتى كانت منيته آخرها وفيه أن رجال ما هويه الذين وجههم لطلب يزدجرد وأمرهم بقتله لما انتهوا إلى الطحان فسألوه عنه فأنكره فضربوه ليدل عليه فلم يفعل

فلما أرادوا الإنصراف قال أحدهم إني أجد ريح المسك ونظر إلى طرف ثوب من ديباج في الماء فاجتذبه فإذا هو يزدجرد فسأله ألا يقتله ولا يدل عليه وجعل له سواره وخاتمه ومنطقته فأبى عليه إلا أن يعطيه أربعة دراهم ويخلي عنه ولم يكن ذلك عند يزدجرد فقال قد كنت أخبر أني سأحتاج إلى أربعة دراهم وقال للرجل ويحك خاتمي لك وثمنه لا يحصى فأبى وأنذر أصحابه فآتوه فطلب إليهم يزدجرد ألا يقتلوه وقال ويحكم إنا نجد في كتبنا أن من إجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا مع ما هو قادم عليه فلا تقتلوني وأتوا بي إلى الدهقان أو سرحوني إلى العرب فإنهم يستحيون مثلي من الملوك فأخذوا ما كان عليه من الحلي فجعلوه في جراب وختموا عليه ثم خنقوه بوتر وطرحوه في نهر مرو
وفي آخر الحديث أنه لما بلغ مقتله رجلا من أهل الأهواز كان مطرانا على مرو جمع من كان قبله من النصارى وقال لهم إنا ملك الفرس قد قتل وهو ابن شهريار بن كسرى ولهذا الملك عنصر في النصرانية وإنما شهريار ولد شيرين التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتها في غير وجه مع ما نال النصارى في مملكة جده كسرى من الشرق وقبل ذلك في مملكة ملوك من أسلافه حتى بنى لهم بعضهم البيع وسدد لهم بعضهم يعني للنصارى ملتهم فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك ونظهر من كرامته بقدر ما كان من احسان سلفه وجدته إلى النصارى وقد رأيت أن ابني له ناووسا واحمل جثته في كرامه حتى أواريها فقال له النصارى أمرنا لأمرك تبع ونحن لك على رأيك هذا مواطئون فأمر المطران ببناء ناووس في حرف بستان المطارنه بمرو ومضى بنفسه ومعه نصارى مرو حتى استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها وجعلها في تابوت وحملها هو وأولئك النصارى على عواتقهم حتى أتوا به الناووس الذي بنى له وواروه فيه وردموا بابه فكان ملك يزدجرد عشرين سنة منها
أربع سنين في دعة وست عشرة في تعب من محاربة العرب إياه

وكان آخر ملك من آل أردشير بن بابك وصفا الملك بعده للعرب فسبحان ذي العظمة والملكوت والملك الحق الحي الدائم الذي لا يموت لاإله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون

ذكر فتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا وسرخس وصلح مرو
ذكر الطبري أن ابن عامر لما فتح فارس قام إليه اوس بن حبيب التميمي فقال أصلح الله الأمير إن الأرض بين يديك ولم تفتح من ذلك إلا القليل فسر فإن الله ناصرك قال أولم نأمرك بالمسير وكره أن يظهر له انه قبل رأيه
وذكر في بعض ما ذكره عن المدائني أن ابن عامر لما فتح فارس رجع إلى البصرة واستعمل على اصطخر شريك بن الأعور الحارثي فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم يقال له الأحنف وقيل غيره فقال له إن عدوك منك هارب ولك هائب والبلاد واسعة فسر فإن الله ناصرك ومعز دينه
فتجهز ابن عامر وأمر الناس بالتجهز للمسير واستخلف على البصرة زيادا وسار إلى كرمان ثم أخذ إلى خراسان
قال وأشياخ كرمان يذكرون أنه نزل العسكر بالسيرجان وسار إلى خراسان واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود واخذ ابن عامر على مفازة رابر وهي ثمانون فرسخا ثم سار إلى الطبسين يريد أبرشهر وهي مدينة نيسابور وعلى مقدمته الأحنف بن قيس فأخذ إلى قهستان وخرج إلى ابرشهر فلقيته الهياطلة فقاتلهم الأحنف فهزمهم ثم أتى ابن عامر نيسابور
وافتتح ابن عامر مدينة أبر شهر قيل صلحا وقيل عنوة وفتح ما حولها طوس وبيورد ونسى وحمران وسرخس
ويقال إنه بعث إلى سرخس عبد الله بن خازم ففتحها وأصاب جاريتين من آل كسرى
ويروى أن أهل أبرشهر لما فتحها ابن عامر صلحا في قول من قال ذلك أعطوه جاريتين من آل كسرى

وعن أشياخ من أهل خراسان أن ابن عامر سرح الأسود بن كلثوم من عدي الرباب إلى بيهق وهي من أبر شهر بينهما ستة عشر فرسخا ففتحها وقتل الأسود وكان فاضلا في دينه ومن أصحاب عامر بن عبد قيس وكان عامر يقول بعدما خرج من البصرى ما آسى من العراق على شيء إلا على ظماء الهواجر وتجاوب المؤذنين وإخوان مثل الأسود بن كلثوم
ويروى أن ابن عامر لما غلب على من بنيسابور أرسل إليه أهل مرو يطلبون الصلح فبعث إليهم حاتم بن النعمان الباهلي فصالح مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف
وقال مقاتل بن حيان على ستة آلاف ألف ومائتي ألف
قال الطبري وفي سنة اثنتين وثلاثين كانت غزوة معاوية بن أبي سفيان مضيق القسطنطينية ومعه زوجته عاتكة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وقيل فاختة
واستعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على فرج بلنجر وأمد الجيش الذي كان به مقيما مع حذيفة بأهل الشام عليهم حبيب بن مسلمة
وكان عثمان رحمه الله قد أمر سعيدا بإغزاء سلمان فيما ذكره سيف عن بعض رجاله وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة الذي يقال له ذو النور وهو على الباب أن الرعية قد أبطر كثيرا منها البطنة فقصر ولا تقتحم بالمسلمين فإني خاش أن يبتلوا فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته فغزا في السنة التاسعة من إمارة عثمان حتى إذا بلغ بلنجر حصرها ونصب عليها المجانيق والعرادات فجعل لا يدنوا منها أحد إلا اعنتوه أو قتلوه وأسرعوا في الناس
ثم أن الترك اتعدوا يوما فخرج اهل بلنجر وتوافى إليهم الترك فاقتتلوا فأصيب عبد الرحمن ذو النور فانهزم المسلمون وتفرقوا
وقد تقدم ذكر مقتله قبل وإن المشركين احتازوه إليهم فجعلوه في سفط فكانوا يستسقون به بعد ويستنصرون به

وذكر سيف من بعض طرقه انه لما تتابعت الغزوات على الخزر تذامروا وتعايروا وقالوا كنا أمة لا يقوم لها أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها فقال بعضهم إنهم لا يموتون ولو كانوا يموتون لما افتتحوا علينا ثم كمنوا في الغياض ليجربوا فرموا بعض من مر بهم في ذلك الكمين من جند المسلمين فقتلوهم فعند ذلك تداعوا إلى الحرب وتواعدوا يوما فاقتتلوا فقتل عبد الرحمن وتفرق الناس فرقتين فرقة نحو الباب فحماهم سلمان الفارسي حتى أخرجهم وفرقة نحو الخزر فطلعوا على جيلان وجرجان فيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة
وقال بعضهم غزا أهل الكوفة ثمان سنين من إمارة عثمان رضي الله عنه لم تئم فيهن امرأة ولم ييتم فيهن صبي من قتل حتى كان يعني في السنة التاسعة فكان ما ذكر من قتل عبد الرحمن بن ربيعة ومن أصيب معه

ذكر فتح مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان

ذكر الطبري بإسناده عن ابن سيرين قال بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ مخصر أهلها فخرجوا إليهم فقاتلوهم فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصونهم فأشرفوا عليهم فقالوا يا معشر العرب ما كنتم عندنا كما نرى لو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه فأمهلونا ننظر في يومنا وارجعوا إلى عسكركم فرجع الأحنف فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له فخرج من المدينة رجل من العجم معه كتاب فقال أني رسول فأمنوني فأمنوه فإذا هو ابن أخي مرزبان مرو ومعه كتابه إلى الأحنف وإذا فيه إلى أمير الجيش إنا نحمد الله الذي بيده الدول يغير ما يشاء من الملك ويرفع من شاء بعد الذلة ويضع من شاء بعد الرفعة إني دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدي وما كان رأي من صاحبكم من الكرامة والمنزلة فمرحبا بكم فأبشروا وأنا أدعوكم إلى الصلح على أن أؤدي إليكم خراجنا ستين ألف درهم وأن تقروا بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي أكلت الناس وقطعت السبيل من الأرض والقرى بما فيها من الرجال ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئا من الخراج ولا تخرجوا المرزبة من أهل بيتي إلى غيرهم فإن جعلت ذلك لي خرجت إليك وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك بما سألت

فكتب إليه الأحنف بسم الله الرحمن الرحيم من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرو الروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم سلام على من اتبع الهدى وآمن واتقى أما بعد فإن ابن أخيك ماهك قدم علي فنصح لك جهده وأبلغ عنك وقد عرضت ذلك على من معي من المسلمين وأنا وهم فيما عليك سواء وقد أجبناك إلى ما سألت وعرضت على أن تؤدي عن كورتك وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلى وإلى الوالي بعدي من أمراء المسلمين إلا ما كان من الأرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه أقطعها جد أبيك والأرض لله يورثها من يشاء من عباده وأن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون ذلك وإن لك على ذلك نصر المسلمين على من يقاتل من ورائك من أهل ملتك جار لك بذلك مني كتاب يكون لك بعدي ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوي الأرحام وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك ما للمسلمين من العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم ولك بذلك ذمتي وذمة أبي وذمة المسلمين وذمم آبائهم
وعن مقاتل بن حيان أن ابن عامر صالح أهل مرو وبعث الأحنف في اربعة آلاف إلى طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الأحنف من مرو الروذ وجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب وكانوا ثلاثة زحوف ثلاثين ألفا وأتى الأحنف خبرهم فاستشار الناس فاختلفوا فمن قائل نرجع إلى مرو وقائل نرجع إلى ابرشهر وقائل نقيم ونستمد وقائل نلقاهم فنناجزهم
قال فلما أمسى الأحنف خرج يمشي في العسكر ويسمع حديث الناس فمر بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن وهم يتحدثون ويذكرون العدو فقال بعضهم الرأي للأمير إذا أصبح أن يسير حتى يلقى القوم حيث لقيناهم

فإنه ارعب لهم فنناجزهم فقال صاحب الخزيرة أو العجين إن فعل ذلك فقد أخطأ أتأمرونه أن يلقى حد العدو مصحرا في بلاده فيلقى جمعا كثيرا بعدد قليل فإن جالوا جولة اصطلموا ولكن الرأي له أن ينزل بين المرغاب والجبل فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقاه من عدوه وإن كثروا إلا عدد أصحابه فرجع الأحنف وقد اعتقد ما قال فضرب عسكره وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن يقاتلوا معه فقال إني أكره أن أستنصر بالمشركين فأقيموا على ما أعطيناكم فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا لكم وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم
قال فوافوا المسلمين صلاة العصر فعاجلهم المشركون فناهضوهم وقاتلوهم فصبر الفريقان حتى أمسوا والأحنف يتمثل
أحق من لم يكره المنيه
حزور ليست له ذرية
الرجز وفي غير حديث مقاتل أن الأحنف لقيهم في المسلمين ليلا فقاتلوهم حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم الله فقتلهم المسلمون حتى أنتهو إلى رسكن وهي على اثني عشر فرسخا من قصر الأحنف وكان مرزبان مرو الروذ قد تربص بحمل ما كان صالح عليه لينظر ما يكون من أمرهم فلما ظفر الأحنف سرح رجلين إلى المرزبان وأمرهما أن لايكلماه حتى يقبضاه ففعلا فعلم أنهما لم يصنعا ذلك به إلا وقد ظفروا فحمل ما كان عليه
وبعث الأحنف إلى الجوزجان الأقرع بن حابس في جريدة خيل إلى بقية كانت بقيت من الزحوف التي هزمهم الأحنف فقاتلهم الأقرع بخيله فجال المسلمون جولة فقتل بعض فرسانهم ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم وأولئك القتلى من فرسان المسلمين عنى أبو كثير النهشلي إذ قال
سقى مزن السحاب إذا استهلت
مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق خوط
أقادهم هناك الأقرعان
الوافر
وهي طويلة

ذكر جري الصلح بين الأحنف وبين أهل بلخ

قال المدائني بإسناده عن إياس بن المهلب سار الأحنف من مرو الروز إلى بلخ فحاصرهم فصالحه أهلها على أربعمائة ألف فرضي بذلك منهم واستعمل ابن عمه أسيد بن المتشمس على أخذها منهم ومضى إلى خوارزم فأقام حتى هجم عليه الشتاء فقال لأصحابه ما ترون فقال له حصين قد قال عمرو بن معدي كرب
إذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
الوافر
فأمر الأحنف بالرحيل ثم انصرف إلى بلخ وقد قبض ابن عمه ما صالحهم عليه ووافق مهرجانهم وهو يجيبهم فأهدوا إليه هدايا من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع ودواب فقال أسيد هذا لم نصالحكم عليه قالوا لا ولكن هذا شيء نصنعه في هذا اليوم لمن ولينا نستعطفه به قال ما أدري ما هذا وإني لأكره أن أرده ولعله من حقي ولكني أقبضه وأعزله حتى أنظر وقدم الأحنف فأخبره فسألهم عنه فقالوا مثل ما قالوا له فقال الأحنف أتى به الأمير فحمله إلى ابن عامر وأخبره عنه فقال أقبضه يا أبجر فهو لك قال لا حاجة لي فيه فقال ابن عامر ضمه إليك يا مسمار قال فضمه القرشي وكان مضما
وذكر المدائني بإسناد آخر أن ابن عامر حين صالح أهل مرو وصالح
الأحنف أهل بلخ بعث خليد بن عبد الله الحنفي إلى هراة وإلى باذغيس فافتتحهما ثم كفر العدو بعد ذلك فكان مع قارن
وقال ولما رجع الأحنف قال الناس لابن عامر ما فتح على أحد ما فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان فقال لا جرم لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج معتمرا من موقفي فأحرم بعمرة من نيسابور فلما قدم على عثمان رضي الله عنه لامه على إحرامه من خراسان وقال له ليتك تضبط الميقات الذي يحرم منه الناس

قال استخلف ابن عامر على خراسان حين خرج منها سنة اثنتين وثلاثين قيس بن الهيثم فجمع قارن جمعا كثيرا من ناحية الطبسين وأهل باذغيس وهراة وقهستان فأقبل في أربعين ألفا فقال قيس لعبد الله بن خازم ما ترى قال أرى أن تخلي البلاد فإني أميرها ومعي عهد من ابن عامر إذا كانت حرب بخراسان فأنا أميرها وأخرج كتابا قد افتعله فكره قيس مشاغبته فخلاه والبلاد وأقبل إلى ابن عامر فلامه ابن عامر وقال تركت البلاد حربا وأقبلت قال جاءني بعهد منك
قال وسار ابن خازم إلى قارن في أربعة آلاف وأمر الناس فحملوا الودك فلما قرب من عسكره أمر الناس أن يدرج كل واحد منهم على زج رمحه ما كان من خرقة أو قطن أو صوف ثم يوسعوه ودكا من سمن أو زيت أو دهن أو اهالة وقدم مقدمته ستمائة ثم أتبعهم وأمر الناس فأشعلوا النيران في أطراف الرماح وجعل بعضهم يقتبس من بعض وانتهت مقدمته إلى عسكر قارن نصف الليل ولهم حرس فناوشوهم وهاج المشركون على دهش وكانوا آمنين على أنفسهم من البيات ودنا ابن خازم منهم فرأوا النيران يمنة ويسرة وتتقدم وتتأخر وتنخفض وترتفع ولا يرون أحدا فهالهم ذلك ثم غشيهم ابن
خازم بالمسلمين ومقدمته تقاتلهم فقتل قارن وانهزم العدو فأتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا وأصابوا سبيا كثيرا وأخذ ابن خازم عسكر قارن بما كان فيه وكتب بالفتح إلى ابن عامر فرضي وأقره على خراسان فلبث عليها حتى انقضى أمر الجمل

وقد روي انه لما جمع قارن هذا الجمع للمسلمين ضاق المسلمون بأمرهم واستشار قيس عبد الله بن خازم في ذلك فقال له إنك لا تطيق كثرة من أتانا فاخرج بنفسك إلى ابن عامر فتخبره بكثرة من جمعوا لنا ونقيم نحن في هذه الحصون نطاولهم حتى تقدم ويأتينا مددكم فخرج قيس فلما أمعن أظهر ابن خازم عهدا وقال قد ولاني ابن عامر على خراسان فسار إلى قارن وظفر به وكتب بالفتح إلى ابن عامر فأقره على خراسان فلم يزل أهل البصرة يغزون من لم يكن صالح من أهل خراسان فإذا رجعوا خلفوا أربعة آلاف للعقبة فكانوا كذلك حتى كانت الفتنة فالله أعلم أي ذلك كان

فتح عمورية وانتقاضها
وعن سعيد بن عبد العزيز أن عثمان رضي الله عنه إئتم بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في أثره المجاهدين وتقويتهم بالأموال ولقد زاد عثمان أهل العطاء مائة مائة وتابع إغزاءهم أرض الروم حتى ذلت عمورية وما دونها من مدائن ضاحية الروم على أداء الجزية وعلى إنزال جماعة من المسلمين مدينة عمورية يقاتلون من خلفها فلم يزل المسلمون بها حتى بلغ أهل عمورية قتل عثمان رضي الله عنه قبل أن يبلغ ذلك من كان بها من المسلمين فقتلوهم على فرشهم وانتقض ذلك الصلح
وتمت الفتوح بعثمان رضي الله عنه ورحمه فلم تفتح بعده بلدة إلا صلحا كان كفر أهلها أو أرض مما افتتح عيال على ما افتتح عمر لا يقوى عليها الجنود إلا بالفيء الذي أفاء الله عز وجل على عمر رضي عنه
مقتل عثمان رضي الله عنه
وقتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة في الثامن عشر لذي الحجة سنة خمس وثلاثين وقيل في وسط أيام التشريق وقيل يوم التروية وقيل غير ذلك ولا خلاف بينهم في أنه قتل في ذي الحجة إنما الخلاف في أي يوم منه قتل وكانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأياما وسنه يوم قتل مختلف فيها أيضا على ما قيل في ذلك أنه كان ابن تسعين سنة وقيل ابن ثمان وثمانين سنة وقيل ابن ست وثمانين سنة وقيل ابن اثنتين وثمانين وقيل ابن ثمانين

وقتل رحمه الله ورضي عنه ظلما وتعديا بمقدمات فتن نشأت على عهده قد كان رسول {صلى الله عليه وسلم} أنذر بها وأخبر أن الحق مع عثمان رحمه الله ورضي عنه فيها
وروى مرة البهزي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال إنها ستكون فتن كأنها صياصي فمر علينا رجل متقنع فقال هذا وأصحابه على الحق فذهبت فنظرت إليه فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه
وحديث عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول له إن الله ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه قال فلم أدر ما هو حتى رأيت عثمان قد أعطى كل شيء سئله إلا الخلع فعلمت أنه على عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الذي سمع منه
وفي حديث آخر عنها أنها رأت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يسار عثمان ولون عثمان يتغير فلما حصر قيل له ألا تقاتل قال لا إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عهد إلي عهدا فأنا صابر نفسي عليه
وضايق الناس عثمان رضي الله عنه وتبسطوا عليه وآذوه وهو صابر على عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} راض بقضاء الله فيه آمر بكف الأسلحة والأيدي كل من انبعث لنصره واق للمؤمنين بنفسه
حدث عبد الله بن ربيعة أنهم كانوا معه في الدار فلما سمع أنهم يريدون قتله قال ما أعلم أنه يحل دم المؤمن إلا الكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان أو قتل نفس بغير حق وأيم الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام وما ازددت للإسلام إلا حبا ولا قتلت نفسا بغير حق فعلام تقتلونني ثم عزم علينا أن نكف أيدينا وأسلحتنا وقال إن أعظمكم غناء أكفكم ليده وسلاحه
وقال أبو هريرة لأهل الدار وهو معهم فيها أشهد لسمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول تكون بعدي فتن وأمور قلنا فأين الملتجأ منها يا رسول الله قال إلى الأمين وحزبه وأشار إلى عثمان فقام الناس فقالوا قد أمكنتنا البصائر فأذن لنا في الجهاد فقال عثمان أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل
ومما ينسب إلى كعب بن مالك يذكر هذه الحال من عثمان بعد قتله رضي الله عنه وقال مصعب هي لحسان وقال ابن أبي شيبة هي للوليد بن عقبة
فكف يديه ثم أغلق بابه
وأيقن أن الله ليس بغافل

وقال لأهل الدار لا تقتلونهم
عفا عن ذنب امرى ء لم يقاتل
فكيف رأيت الله ألقى عليهم العداوة
والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر بعده
عن الناس إدبار السحاب الحوامل
الطويل
وقال ابن عمر لبعض من وقع عنده في عثمان أما والله ما نعلم عثمان قتل نفسا بغير حق ولا جاء من الكبائر شيئا ولكن هو هذا المال إن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه ذوي قرابته سخطتم إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم لا يتركون أميرا إلا قتلوه وفاضت عيناه من الدمع وقال اللهم إنا لا نريد ذلك
وحسب عثمان رضي الله عنه من الفضل العظيم والحظ الجسيم إلى ما له في الإسلام من الآثار الكرام والنفقات التي بيضت وجه النبي عليه السلام قوله {صلى الله عليه وسلم} أنت وليي في الدنيا والآخرة
ويروى أنه لما قتل سقطت من دمه قطرة أو قطرات على المصحف فصادفت قول الله تعالى فسيكفيكهم الله ( 137 البقرة ) ويقال إن الذي تولى قتله من الذين دخلوا عليه رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم وكذلك كان جمهور الداخلين عليه من أهل مصر فيروى عن يزيد بن أبي حبيب وهو من جملة المصريين أنه قال بلغني أن عامة النفر الذين ساروا إلى عثمان بن عفان جنوا
وعن أبي قلابة قال كنت في فندق بالشام فسمعت مناديا ينادي يا ويلة النار النار فقمت فإذا أنا برجل مقطوع اليدين من المنكبين مقطوع الرجلين من الحقوين أعمى منكب لوجهه ينادي يا ويلة النار النار فقلت

ما لك قال كنت فيمن دخل على عثمان يوم الدار وكنت في سرعان الناس أو من أول الناس وصل إليه فلما دنوت منه صاحت امرأته فلطمتها فنظر إلي عثمان فتغرغرت عيناه بالدموع وقال ما لك سلب الله يدك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك جهنم قال فأخذتني رعدة شديدة ولا والله ما أحدثت شيئا غير هذا فخرجت وركبت راحلتي حتى إذا صرت بموضعي هذا ليلا أتاني آت والله ما أدري إنسي هو أم جني ففعل بي الذي ترى وقد استجاب الله دعوته في يدي ورجلي وبصري فوالله إن بقي إلا النار قال أبو قلابة فهممت أن أطأه برجلي ثم قلت بعدا وسحقا
وكان مع عثمان رحمه الله ورضي عنه في الدار جماعة من الصحابة وأبناء الصحابة يدرءون عنه وقاتلوا عنه يوم الدار حتى أخرج منهم يومئذ أربعة من شباب قريش محمولين مضرجين بالدم وهم الحسن بن علي وعبد الله ابن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم ولما أخبر علي بقتله قال للذين أخبروه تبا لكم آخر الدهر وسمع يومئذ ضجة فسأل عنها فقيل عائشة تلعن قتله عثمان والناس يؤمنون فقال علي اللهم العن قتله عثمان اللهم العن قتله عثمان
وقال سعيد بن زيد لو أن أحدا انقض لما فعل بعثمان لكان حقيقا أن ينقض
وقال ابن عباس لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط
وقال عبد الله بن سلام لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا ينغلق عنهم إلى يوم القيامة
وفي ذلك يقول بعضهم
لعمر أبيك ولا تكذبين
لقد ذهب الخير إلا قليلا
لقد سفة الناس في دينهم
وخلى ابن عفان شرا طويلا
المتقارب
وذكرت عائشة رضي الله عنها قتله وقتلته فقالت اقتحم عليه النفر الثلاثة حرمة البلد الحرام والشهر الحرام وحرمة الخلافة ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرحم وأتقاهم لربه
وقال أيمن بن خريم
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى
فأي ذبح حرام ويلهم ذبحوا
وأي سنة كفر سن أولهم
وباب شر على سلطانهم فتحوا
ماذا أرادوا أضل الله سعيهم
بسفك ذاك الدم الذاكي الذي سفحوا

البسيط
وقال علي بن حاتم سمعت يوم قتل عثمان صوتا يقول
أبشر يا ابن عفان بروح وريحان
أبشر يا ابن عفان برب غير غضبان
أبشر يا ابن عفان بغفران ورضوان
الهزج وأحباب التفعيلة الأولى الخرم
قال فالتفت فلم أر أحدا
والأخبار والأشعار في هذا المعنى كثيرة أعجلتنا عن الإكثار منها محاولة الخاتمة فنسأل الله أن يجعلها جميلة ويتقبلها قربة إليه وإلى رسوله ووسيلة
الخاتمة
وقد انتهى والحمد لله ما عملنا عليه في هذا الكتاب من قصد الإستيفاء لمغازي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومغازي الثلاثة الخلفاء ولم يقع في خلافة رابعهم في تقلدها المحتوم بأيام إمارته محتوم أمدها أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم من أمثال هذه الفتوح ما نثبته معها ونجري في إيراده على الطريقة التي سلكنا مهيعها لاستقباله بخلافته رضي الله عنه من مكابدة الفتن المارجة ومحاربته الفئة الباغية والفرقة الخارجة ما اشتهر عند أهل الإسلام وأغنى العلم به عن الإعلام ولو كان لاغتنمنا به زيادة الإمتاع وإفادة القلوب والأسماع لأن هؤلاء الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم هم بعد نبيهم صلوات الله عليه خير الأمة والراشدون من الأئمة وأولى من صرف إلى تقييد أخبارهم وتخليد آثارهم عنان الهمة وأحق من اعتلق من حبهم والإيواء إلى شعبهم والثناء عليهم والإنضواء إلى حزبهم بأوثق أسباب العصمة وأمتن ذرائع الحرمة والرحمة وكل صحابة المصطفى أهل منا لذلك والموفق من سلك في حبهم هذه المسالك
وما فضل أصحاب النبي وقومه
لمن رام إحصاء له بمحسب
ولكنه أجر وزخر أعده
وأجعله أمني وحصني ومهربي
سأقطع عمري بالصلاة عليهم
وأدأب في حبي لهم كل مدأب
إليك رسول الله منها وسيلة
تناجيك عن قلب بحبك مشرب
يزورك عن شحط الديار مسلما
ويلقاك بالإخلاص لم يتنكب
الطويل

تم كتاب الإكتفاء من مغازي سيدنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومغازي الثلاثة الخلفاء رضي الله عنهم وحشرنا معهم وربنا المحمود لا إله غيره ولا مرجو إلا بركته وخيره برسم الفقير إلى الله تعالى جمال الدين محمد ابن ناصر الدين محمد بن السابق الحنفي الحموي لطف الله تعالى به على يد الفقير لعفو ربه القدير محمد بن خليل بن إبراهيم الحنفي عامله الله بلطفه الخفي وفرغ من كتابته في اليوم المبارك نهار الأربعاء السادس من صفر سنة ستين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9