كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

253 - أحمد بن محمد التباسي: أحمد بن محمد سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أبو العباس المغربي التونسي، المشهور بالتباسي - بفتح المثناة فوق وتشديد الموحدة، - ويقال: الدباسي - بالدال - المالكي، وهو شيخ سيدي علي بن ميمون - رحمه الله تعالى - كان والده من أهل الثروة والنعمة، فلم يلتفت إلى ذلك. بل خرج عن ماله وبلاده، وتوجه إلى سيدي أبي العباس أحمد بن مخلوف الشابي - بالمعجمة والموحدة - الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة، فخدمه وأخذ عنه الطريق، وكان سيدي أحمد بن مخلوف من أكابر الأولياء، ومن مناقبه أن الشيخ أبا الفتح الهندي لما توجه إلى المغرب يقصد زيارة الشيخ أبي مدين كشف له في بعض بلاد الله تعالى عن شجرة مكتوب على أوراقها: لا إله إلا الله محمد رسول الله الشابي ولي الله، ثم آل أمره إلى أن صحبه، وفتح للشابي على يديه، فلازم التباسي خدمته حتى فتح له، وصار من كبار العارفين، وكان ينفق من الغيب، ولم يقرأ من القرآن إلا سورة يوسف، ومع ذلك كان إذا تكلم في الطريق يستحضر من البقرة إلى الجنة والناس، وكان يستحضر نصوص المدونة للإمام مالك رضي الله تعالى عنه - قال سيدي علي بن ميمون رضي الله تعالى عنه: دخلت عليه فوجدته يقرأ رسالة ابن أبي زيد على مقتضى ظاهر الشرع، وباطن الطريق حتى قلت في نفسي: هذا هو التقرير أو كما قال: قال: سيدي محمد ابن الشيخ علوان الحموي في كتابه " تحفة الحبيب " وكان مما بلغنا إذا أشكل على جهابذة المحققين من أعيان المدرسين من علماء ناحيته شيء في مسألة من مسائل العلوم الظاهرة يرسلون إليه، فيوضحها ويقررها على أحسن ما يكون، ولم يمت حتى كتب على خديه بقلم نوراني " رحمه الله " فكان لفظ رحمه مكتوباً على خده الأيمن والجلالة على الأيسر، وكانت هذه الكتابة واضحة يقرأها كل من يدرك القراءة إذا قرب من الشيخ. قال: ومن غريب ما بلغنا من بعض الثقات أن الشيخ حصل له مرض، فاحتاج إلى النقلة من محل إلى آخر، فنادى أربعة أنفار من أصحابه ليحملوه، وكان مستلقياً على نحو بساط، فقام كل من الأنفار الأربعة عند طرف من أطرافه، فلم يستطيعوا رفعه، فاستدعى بأربعة معهم، فلما كملت عدتهم ثمانية خف عليهم حتى حملوه، ونقلوه لسر إلهي، ونقل والده سيدي الشيخ علوان - رضي الله تعالى عنه - عن الشيخ مسعود الصنهاجي وكان من أصحاب التباسي أن رجلاً كانت منه نظرة لأجنبية فدخل على الشيخ فاستطرد الشيخ في الكلام، ثم قال: ما قرأ أحدهم يدخل علينا، وعينه تقطر من الزنا، فاعترف صاحب الذنب بعد وجل الباقين. وكانت وفاة التباسي - رضي الله تعالى عنه - بنفزاوة - بالنون والفاء والزاي - في ذي القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة. كما ذكره ابن الحنبلي في تاريخه في ترجمة سيدي علي بن ميمون نقلاً عن خط شيخه الزين بن الشماع، وذكر ابن طولون في تاريخه في وقائع سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة يوم الجمعة ثالث عشري المحرم. صلي غائبة بالجامع الاموي على الشيخ المسلك أحمد الدباسي المغربي التوزي. توفي بمعاملة نفزاوة من الجناح الأخضر من الغرب، وقد جاوز المئة سنة، وشاع أنه شيخ السيد علي بن ميمون رحمه الله تعالى.
254 - أحمد بن محمد الباني: أحمد بن محمد، الشيخ الصالح الفاضل المعتبر شهاب الدين أبو العباس ابن الشيخ المسند العالم المعمر شمس الدين الباني المصري الشافعي الأصم كأبيه. صنف تفسيراً من سورة يس إلى آخر القرآن، وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته، وولده الشيخ شمس الدين الباني أحد شيوخ جلال الدين السيوطي، وخرج له السيوطي مشيخة، وقرأها عليه، وكانت وفاة والده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
255 - أحمد بن إبراهيم الحاملي: أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم القاضي شهاب الدين ابن شيخ الإسلام برهان الدين الأنصاري الحاملي، ثم المقدسي الشافعي. ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده، وعلى شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، وباشر نيابة الحكم العزيز بالقدس الشريف في حياة والده ذكره صاحب الأنس الجليل، وقال: وهو خير متواضع: ولي مشيخة الخثنية بنزول صدر من والده. قال: وهو مستمر إلى يومنا - يعني بعد سنة إحدى وتسعمائة، وتقدم ذكره أخيه في المحمدين، ولم يتفق لي تحرير وفاتهما - رحمهما الله تعالى.

256 - أحمد بن إبراهيم بن منجك: أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الأمير شهاب الدين الدمشقي لم يحمد ابن طولون سيرته في أوقافهم، ومات بطرابلس وحمل إلى دمشق في محفة، ودخلوا به لدمشق يوم الأحد سابع عشر المحرم سنة ثمان عشرة وتسعمائة، ودفن بتربتهم بميدان الحصا، وتولى أوقافهم بعده الأمير عبد القادر بن منجك - رحمه الله تعالى - .
257 - أحمد بن إبراهيم الأقباعي: أحمد بن إبراهيم ابن أخي الشيخ الصالح الصوفي ابن الشيخ العارف بالله تعالى برهان الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى القطب الغوث سيدي أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي. ولد في سنة سبعين تقريباً. واشتغل في العلم على والده، وابن عمته الشيخ رضي الدين، وأخذ الطريق عن أبيه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانباً من عيون الأسئلة للقشيري، وحضر بعض دروسه، وتولى مشيخه زاوية جده بعد أبيه، وكان على طريقة حسنة، وتوفي في صبيحة يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. قال الشيخ الوالد: ووقفت على غسله وحملت تابوته، وتقدمت في الصلاة عليه. قال النعيمي: ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه.
258 - أحمد بن أي بكر الحموي: أحمد بن أبي بكر بن محمود الأصلي العريق بدر الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين الحموي، ثم الحلبي الشافعي ناظر أوقاف الحرمين الشريفين حلب. كان له حشمة ورئاسة، وذكاء عجيب، واستحضار جيد لفوائد أصلية وفرعية، غير أنه نضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها، وداخل في أمور السلطنة، وصار له عنده اليد النافذة، وهرع الناس إليه لذلك، فلما قتل قرا قاضي في جامع حلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة قتل معه وأرادوا العامة حرقه، فاستخلصه منهم أهله وجماعته، فغسلوه وكفنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه.
259 - أحمد بن أحمد بن خليل: أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل، الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس الحاضري الأصل، الحلبي الحنفي عرف بابن خليل. أخذ عن الحافظ برهان الدين الحلبي سبط بن العجمي، وكان يفتي بحلب، ويعظ بجامعها، وكان وعظه نافعاً يكاد يغيب لفرط خشوعه، وكان ديناً خيراً تلمذ له شيخ الشيوخ بحلب الموفق ابن أبي ذر المحدث قال ابن الحنبلي، وأخبرني أنه كان يتمثل بقول القائل:
وكان فؤادي خالياً قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجبته ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
توفي سنة ثلاث عشرة وتسعمائة بحلب، وتأسف الناس عليه - رحمه الله تعالى - .
260 - أحمد بن أحمد الرملي: أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الإمام العلامة، والمفيد الفهامة، شمس الدين الرملي، ثم الدمشقي الشافعي. ولد بالرملة في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وكان يعرف قديماً بابن الحلاوي، وبابن الشفيع كما قال الحمصي في تاريخه. دخل دمشق وأخذ عن ابن نبهان، وابن عراق، والتليلي، والزين خطاب، ثم رحل إلى القاهرة، فأخذ عن المناوي، والمحب بن الشحنة، وابن الهائم الشاعر، وقرأ القرآن على النور الهيثمي والشيخ جعفر السنهوري وغيرهما من مشايخ الاقراء وقرأ القرآن العظيم بما تضمنه حرز الأماني، وأصله على الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الحمصاني نحو قراءته له على الشيخ عبد الرحمن شهاب الدين، المعروف بابن عياش نحو قراءته على الشمس العسقلاني. وشمع على الجمال عبد الله بن جماعة خطيب المسجد الأقصى المسلسل بالأولية وغيره، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم مراراً، فحمدت سيرته ومروءته، وناب في إمامة الجامع الأموي عن العلامة غرس الدين خليل اللدي، ثم لما مات استقل بها، فباشرها سنين حتى توفي، وانتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق، وكان له مشاركة جيدة في عدة من العلوم، وله نظم حسن، وتوفي يوم السبت عشر في الحجة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة آمين.

261 - أحمد بن إسكندر الحلبي: أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل: ابن يوسف بن إسكندر، الشيخ العلامة شهاب الدين الدين الحلبي نزيل دمشق الشافعي، المعروف بابن الشيخ إسكندر هو جد أخي لوالدي لأمه، الشيخ العلامة العارف بالله تعالى شهاب أحمد الغزي أخذ عن جماعة منهم جدي ووالدي. قال شيخ الإسلام الوالد: وكان له في علم الهيئة والمنطق والحكمة وغير ذلك، وكان مدرس السيبائية بتقرير من واقفها سيبائي نائب الشام، وناظراً على وقف سيدي إبراهيم بن أدهم - رضي الله تعالى عنه - قتله اللصوص بدرب الروم سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
262 - أحمد بن أسعد التنوخي الحنبلي: أحمد بن أسعد بن علي بن محمد بن محمد بن منجا بن سعد القاضي شهاب الدين أبي العباس ابن القاضي وجيه الدين ابن قاضي القضاة علاء الدين ابن القاضي صلاح الدين ابن القاضي شرف الدين ابن الشيخ زين الدين ابن الشيخ عز الدين ابن القاضي وجيه الدين التنوخي الصالحي الدمشقي الحنبلي. ولد في سابع عشري صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وحفظ القرآن، واشتغل في العلم، ثم غلب عليه التصوف، ثم عاد فقيها، وولي نيابة الحكم للقاضي برهان الدين بن مفلح وغيره، ثم غلب عليه جانب التصوف، وبنى بمنزله بحارة الفواخير لصيق التربة العادلية بسفح قاسيون رواقاً بمحراب، وكان له نظم حسن، ومنه كتاب " العقيدة " في نحو سبعمائة بيت على طريقة السلف، وقد أنكر عليه في بعضها الشيخ العلامة عبد النبي المالكي، وتوفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
263 - أحمد بن بترس الصفدي: أحمد بن بترس الصفدي، الشيخ العارف بالله تعالى، المكاشف بأسرار غيب الله. كان ظاهر الأحوال بصفد، مسموع الكلمة عند حكامها، وكان الناس يترددون إليه، فيشفع لهم، ويقضي حوائجهم، ويقريهم ويضيفهم، وكان ذا شيبة نيرة، وكان إذا أراد أن يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض، ثم يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيبات، وكان في بداءته ذا رياضة ومجاهدة، كان له نحل كثير، وكان قبل أن يظهر عليه الحال يمضي إلى النحل ويجتنيه، فإذا جناه لا يأكل من عسله، ولا يلعق يده، واجتمع به الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - في سنة أربع وعشرين وتسعمائة بصفد، وقصده زائراً فدخل عليه في يوم جمعة، وقبل يده فأمره بالجلوس، فجلس عنده إلى قرب صلاة الجمعة، والخلق ترد عليه ما بين زائر ومتشفع به إلى الحكام، وجائع يقصده للطعام وغير ذلك، ثم ذهب لصلاة الجمعة، ثم عاد بعدها، وجلس عنده إلى انقضاء صلاة العشاء الآخرة، وأضمر أن يبيت عنده تبركاً، قال: فلما انصرف الناس عنه رأيته تجشأ عشر مرات متتابعات، فقلت في نفسي، واعجباً أنا اليوم ملازم له، ولم أره أكل ولا شرب، ثم قلت في نفسي، ربما يكون جشاؤه عن جوع، فبادر، وقال: لا ليس هو عن جوع، ولا عن أكل قال: فقلت له: وإلا عما ذا؟ قال: أرأيت هذا الكلام الذي وقع من الناس في مجلسنا في يومنا دخل مع الروح نهاراً لمصالح المسلمين، فالروح تخرج ليلاً لتختلي بمولاها ومناجاته. قال: فقف شعري وهبته، وطلبت الأذن منه، وانصرفت إلى منزلي.

وذكر أيضاً أنه كان عنده في اليوم الثاني من هذه القصة بعد أن صلى الصبح إماماً به، وبمن عنده وانصرف الناس إلى أشغالهم، وبقي عنده إلى ارتفاع النهار. قال: وإذا أنا بالشيخ تحرك، وقام وقعد، وأرعد وأزبد. قال: فبقيت باهتاً لا أدري ما السبب. قال: ثم جلس الشيخ في مجلسه، واستقبل باب الطبقة، وقال: جوز موز قال: فرفع الستارة شاب مغربي عليه ثوب أبيض نظيف، وعمامة نظيفة بيضاء، فدخل خائفاً مضطرباً يلتفت يميناً وشمالاً، ولم ير الشيخ ورآني فقصدني، ووقع علي وأنا جالس لم أتحرك، ولم أتكلم قال: فأخذت بكتفه وأجلسته. قال: ثم أن الشيخ دعاه فرأى الشيخ حينئذ، فقام إليه وقبل قدميه ويديه، ثم حضر الناس من أشغالهم، فقال الشيخ: هاتوا له لبناً وعسلاً وخبزاً، فوضعه له فأكل قليلاً، ثم أذن له الشيخ فخرج فقال الناس للشيخ: ما هذا الرجل المغربي. فقال. أتاني ليسلبني حالي، فأظفرني الله تعالى به، وعفوت عنه. قال الشيخ موسى - رحمه الله تعالى - : وكانت معي طاسة تساوي نحو خمسين درهما للشرب والأكل. قال: فقعدنا عند وادي دلبية لأجل الغداء، فلما وصلت إلى صفد فقدتها، وسألت رفيقي عنها، والشيخ يسمعني أسأله، فقال: لا تسأل عنها نسيتها وقت غدائكم بوادي دلبية. قال: وكنت جالساً عنده وحدي، فخطر لي خاطر. هل للشيخ قوة التمكين؟ فقال: نعم لنا قوة التمكين، فسكت ولم أزد على ذلك. قال: وقد مات بصفد سنة ست أو سبع وعشرين وتسعمائة. قلت: ذكر ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشري ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة، وأنه توفي بصفد - رحمه الله تعالى - .
264 - أحمد بن حجي: أحمد بن حجي، القاضي شهاب الدين أبو العباس الحسباني الدمشقي الأطروش أحد عقلاء دمشق. ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وسمع قبل طرشه على الحافظ بن حجر، والمسند علاء الدين بن بردوس البعلي وغيرهما، وأذن للنعيمي في الرواية عنه، وأجازه بكل ما يجوز له روايته، وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان سنة سبع وتسعمائة، ودفن في تربة باب الفراديس - رحمه الله تعالى - .
265 - أحمد بن حسن المقدسي الحنبلي: أحمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، الشيخ الإمام العلامة الصالح المفيد مهذب الدين أبو العباس بن عبد الهادي المقدسي الأصل، الصالحي الدمشقي الحنبلي، قال أخوه الشيخ جمال الدين يوسف بن عبد الهادي: ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة، وسمع الحديث من جماعة كالنظام بن مفلح بن الشريف، وفاطمة الحرستانية، وجماعة من أصحاب بن المحب أصحاب ابن التفليسي، وأصحاب عائشة بنت عبد الهادي.
266 - أحمد بن حسين العليني: أحمد بن حسين بن محمد الشيخ شهاب الدين أبو العباس العليني المكي الشافعي نزيل المدينة. ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسمع على جماعة، وأجازه آخرون. قال ابن طولون: أجازني في استدعاء بخط شيخنا النعيمي مؤرخ في سنة عشرين وتسعمائة قال: وربما اجتمعت به - رحمه الله تعالى - .
267 - أحمد بن خضر الرومي: أحمد بن خضر، العالم الفاضل المولى أحمد باشا ابن المولى خضر بيك ابن جلال الدين الرومي الحنفي، كان عالماً متواضعاً محباً للفقراء، ولما بنى السلطان محمد خان المدارس الثماني أعطاه واحدة منها، وسنه يومئذ دون العشرين، ثم تنقل في المناصب حتى صار مفتياً بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد خان، وأقام بها مدة متطاولة، وله مدرسة هناك بقر بالجامع الكبير منسوبة إليه، وله كتب موقوفة على المدرسة، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين وتسعمائة. قال في الشقائق: وجاوز سنه التسعين - رحمه الله تعالى - .

268 - أحمد بن حمزة الطرابلسي: أحمد بن حمزة، الشيخ الإمام الصالح العالم العلامة شهاب الدين التركي الطرابلسي الدمشقي الشافعي الصوفي. ولد في شوال سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وكان إماماً لكافل طرابلس الشام " البجاني " ، ولما جاء من كفالة طرابلس إلى كفالة دمشق صحبه المذكور إلى دمشق، وكان على طريقة حسنة. قال الحمصي: كان رجلاً عالماً صالحاً، ومن محاسنه أنه صلى بالجامع الأموي في شهر رمضان بالقرآن جميعه في ركعتين، وقال النعيمي: أصيب في بصره سنة خمس عشرة وتسعمائة بعد أن أصيب في أواخر القرن التاسع بأولاد نجباء، وصبر عليهم، ثم انقطع عن الناس بالمدرسة التقوية إلى أن توفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة سنة عشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
269 - أحمد بن شعبان بن شهاب الدين: أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان الإمام العلامة العمدة شهاب الدين، وكان ممن اصطحب هو وشيخ الإسلام الجد. أخذ العلم والحديث عن الشيخ العلامة المسند شهاب الدين أحمد الحجازي، وعن شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، والمسند الحافظ عبد الرحمن جلال الدين أبي هريرة القمصى وعن الإمام المسند شمس الدين محمد بن عمر الملتوتي الوفائي، وتلقن الذكر من الإمام العارف بالله تعالى، أبي إسحاق جمال الدين بن نظام الشيرازي بجامع الأزهر، ومن الشيخ العارف بالله تعالى زيد الدين الحافي أحد أصحاب الشيخ عبد الرحمن الشيريسي، ومن الشيخ العارف بالله تعالى شرف الدين الغزي أحد أصحاب الشيخ ركن الدين السمناني، ومن الشيخ الإمام القدوة أبي عبد الله محمد بن أحمد المديني ابن أخت سيدي مدين المصري ومن غيرهم، ولبس الخرقة القادرية والسهروردية والأحمدية من الشيخ أبي العباس أحمد الأسياطي بحق لباس للخرق الثلاث من ابن الجزري، ولبس الخرقة القادرية أيضاً من الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية، والشيخ زين الدين التميمي كلاهما عن ابن الناصح، ولبس الخرقة الأحمدية أيضاً عن الشيخ الكبير سيدي إبراهيم المتبولي، وتوفي بغزة سنة ست عشرة وتسعمائة، وصلى عليه غائبة بدمشق عقب صلاة الجمعة تاسع رجب منها - رحمه الله تعالى - .
270 - أحمد بن شقير: أحمد بن شقير، الشيخ الإمام العالم العلامة، والمحقق المتقن الفهامة، شهاب الدين المغربي التونسي النحوي، المعروف بابن شقير، وربما عرف بشقير نزيل القاهرة عده شيخ الإسلام الجد ممن اصطحب بهم من أولياء الله تعالى، وهو من مشاهير المحققين من علماء القاهرة. أخذ عنه المقر السيد عبد الرحيم العباسي وغيره، وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد، ومن خطه نقلت قال: أنشدني المقر الكريم العلامة السيد عبد الرحيم العباسي للعلامة المحقق شهاب الدين بن شقير التونسي:
سائلي عن قضيتي في البراغيث ... خذ الشرح إن أردت التقصي
نحن منها ما بين فتل وقتل ... وهي منا مابين قرص ورقص
توفي يوم الاثنين سادس القعدة سنة تسع وتسعمائة بمصر، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن محرم سنة عشر وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
271 - أحمد بن صدقة الدمشقي: أحمد بن صدقة، الشيخ الفاضل شهاب الدين الدمشقي الشافعي أحد العدول بدمشق. توفي وهو متوجه إلى مصر بالعريش في أواخر جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
272 - أحمد بن عبد الله القرعوني: أحمد بن عبد الله، الشيخ الصالحي المبارك شهاب الدين القرعوني الدمشقي - الشافعي. توفي بدمشق يوم الثلاثاء خامس عشر الحجة سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .
273 - أحمد بن عبد الحق: أحمد بن عبد الحق الشيخ شهاب الدين الشافعي. توفي بدمشق يوم الأحد سادس رجب سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله.

274 - أحمد الشهير بابن مكية: أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيخ شهاب الدين الشهير بابن مكية النابلسي، ثم الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن حامد الصفدي، وكان أول دخوله إلى دمشق في سنة ست وتسعين وثمانمائة، ووعظ بها بعد صلاة الجمعة عشري جمادى الآخرة تجاه محراب الحنفية على كرسي الواعظ شهاب الدين بن عبية، وكان حاضراً إذ ذاك، فتكلم صاحب الترجمة على البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلمماء في ذلك، فكان هذا أول أمره بدمشق، وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي، وكانت وفاته في آخر أيام التشريق سنة سبع وتسعمائة، ودفن عند الشيخ إبراهيم الناجي غربي سيدنا معاوية - رضي الله ى عنه - بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
275 - أحمد بن عبد الرحمن الشويكي الحنبلي: أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي، ثم الصالحي الحنبلي الشاب شهاب الدين الفاضل. حفظ القرآن العظيم، ثم المقنع، ثم شرع في حله على ابن عمه العلامة شهاب الدين الشويكي الآتي ذكره أيضاً، وكان له سكون وحشمة، وميل إلى فعل الخيرات، وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن بالسفح، وتأسف الناس عليه، وصبر والده واحتسب، ومات وهو دون العشرين سنة رحمه الله تعالى.
276 - أحمد بن عبد الرحيم التلعفري: أحمد بن عبد الرحيم بن حسن الرئيس الفاضل العلامة شهاب الدين التلعفري الدمشقى القبيباتي الشافعي، الشهير بابن المحوجب. ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطلب العلم، وكان له خط حسن، وكتب بخطه كثيراً لنفسه، وعندي نسخة من شرح الروض بخطه في أربع مجلدات نقلها من خط المصنف، وكان مهاباً عند الملوك والأمراء، وله كرم وافر، وسماطه من أفخر الأطعمة يأكل منه الخاص والعام حتى نائب دمشق وقاضيها فمن دونهما، وكان له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم، وكان قد جزأ الليل ثلاث أثلاث. ثلثاً للسمر مع جلسائه والكتابة، وثلثاً للنوم وثلثاً للتهجد والتلاوة، وكان شيخ الإسلام زين خطاب يأتي إليه، ويبيت عنده الليالي، وكان يتردد إليه أكابر الناس العلماء والأمراء وغيرهم، وبالجملة انتهت إليه الرئاسة والسيادة بالشام وتردد إلى مصر كثيراً، ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة المقدس، وهو بمصر عند موت بعض خطبائه من غير طلب منه فقبلها، ثم نزل عنها لبعض المقادسة، ورأى شدة عنايتهم بطلبها مع تصميم على تقريره فيها، وكان ذلك من كمال عقله ورزانته، وكان كث اللحية والحاجبين وافرهما، أشعر الأذنين، واسع الصدر، وكانت وفاته يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن برؤوس العمائر قبلي قبر الشيخ تقي الدين الحصني رحمه الله تعالى.
277 - أحمد بن عبد العزيز السنباطي: أحمد بن عبد العزيز، الشيخ الإمام العلامة المفنن شهاب الدين أبو السعود ابن الشيخ العلامة المحدث عز الدين السنباطي المصري الشافعي. ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وكان أحد العدول بالقاهرة. سمع صحيح البخاري على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين بالقاهرة، وكانوا نحو أربعين شيخاً منهم العلامة علاء الدين القلقشندي ممن أخذ الصحيح عن الحافظ عبد الرحيم العراقي، وابن أبي المجد والتنوخي، ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني، والشهاب الأبدي صاحب الحدود في النحو، والعلامة ناصر الدين بن قرقماش الحنفي صاحب زهر الربيع في شواهد البديع أخذه عنه وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدين الغيطي قرأ عليه جميع صحيح البخاري، وكان وفاته سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
278 - أحمد بن عب(د القادر النبراوي الحنبلي: أحمد بن عبد القادر الثشب الفاضل شهاب الدين ابن القاضي محب الدين النبراوي المصري الحنبلي، توفي يوم الخميس عشري ربيع الأول سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

279 - أحمد بن عبد الملك الموصلي الشيباني: أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله، الشيخ الصالح الورع، الزاهد العابد، المحقق المسلك شهاب الدين أبي العباس ابن الشيخ الصالح عبد الملك الموصلي الشيباني المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي الصوفي أحد مشايخ الصوفية بدمشق والقدس، وشيخ زاويتي جده بهما. ولد بالقدس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن قاضي القضاة قطب الدين الخيضري وعن غيره، ولبس خرقة التصوف من ابن عمه الشيخ زين الدين عبد لقادر بلباسه لها من يد والده الشيخ إبراهيم بلباسه لها من يد والده الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي بكر الموصلي، وهو جد صاحب الترجمة أيضاً، قال ابن طولون: جالسته كثيراً بالجامع الأموي، وانتفعت به، وأجازني شفاهاً غير مرة، وكتبت عنه أشياء انتهى.
وكانت وفاته يوم الاثنين حادي عشر القعدة سنة خمس وعشرين وتسعمائة ودفن جوار قبر الشيخ إبراهيم الناجي بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
280 - أحمد بن عبد الوهاب العيني: أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي، الشاب الفاضل شهاب الدين ابن القاضي تاج الدين ابن ديوان القلعة، سبط شيخ الإسلام زين الدين العيني. قرأ بدمشق على القطب ابن سلطان الآتي ذكره في الطبقة الثانية، وسمع على علماء عصره بالجامع الأموي، وتوفي مطعوناً ثالث عشر رجب سنة ثلاثين وتسعمائة عن نحو ثماني عشرة سنة، وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدين بن حمزة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
281 - أحمد بن عثمان منلا زاده: أحمد بن عثمان، الشيخ الإمام العالم العلامة الشهير بمنلا زاده الجرخي السمرقندي، الخطابي الشافعي. دخل بلاد العرب، وكان فقيهاً عارفاً بالقراءات، وكان بينه وبين الشاطبي أربعة رجال، وجمع بين الهداية والمحرر في تأليف واحد، ومن مؤلفاته شرح هداية الحكمة، وله مؤلفات أخرى حافلة، دخل حلب ودمشق وأخذ عنه شيخ الإسلام الجد، وقرأ عليه المتوسط، وشرح الشمسية وغيرهما، وسأله مفتي حلب البدري حسن السيوفي عن عبارة أشكلت عليه في المطول، فرفع له الإشكال بإرجاع ضمير فيها إلى خلاف ما ظنه السيوفي. فاعتقد فضله، ثم أخذ عنه " تفسير البيضاوي " وصار يثني عليه الثناء الجميل، وكان يخبر عنه أنه كان يقول: عجبت لمن يحفظ شيئاً كيف ينساه: قال الشيخ شمس الدين الخناجري فيما نقله ابن الحنبلي في تاريخه: وقد كنت مع البدر ابن السيوفي يوم توديعه إياه، فلما عزم الناس على المسير في خدمته، قال له البدر: أنمشي خلفكم أو قدامكم؟ فقال له: كيف دستور العرب؟ قال: أن نمشي قدام الشيخ ليلاً وخلفه نهاراً، ولكن كيف دستور العجم؟ قال: دستورنا نحن ترك التكلف. فساروا في خدمته كما أراد. انتهى.
ولعل وفاته تأخرت إلى أول القرن العاشر - رحمه الله تعالى - .

282 - أحمد بن علي الشعراوي: أحمد بن علي بن شهاب، الشيخ العالم الصالح شهاب الدين الشعراوي الشافعي والد الشيخ عبد الوهاب الشعراوي. اشتغل في العلم على والده الشيخ نور الدين علي الشعراوي، ووالده حمل العلم عن الحافظ بن حجر، والعلم صالح البلقيني، والشرف يحيى المناوي، وكان فقيهاً نحوياً مقرئاً، وله صوت شجي في قراءة القرآن يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه قاضي القضاة كمال الدين الطويل، فكاد أن يخر إلى الأرض من فرط الخشوع، وقال له: أنت لا يناسبك إلا إمامة جامع الأزهر، وكان ماهراً في علم الفرائض، وعلم الفلك، وكان يعمل الدوائر، ويشد المناكيب، وكان له شعر ونثر أمة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر، وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك، وكان له توجه صادق في قضاء حوائج الناس، ويشهد بينهم، ويحسب، ويكتب محتسباً في ذلك، وكان يقوم كل ليلة بثلث القرآن، أو بأكثر. قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه مرة في سورة والصافات، فلما بلغت قوله تعالى: " فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال: تالله إن كدت لتردين " " سورة الصافات: الآية - 55 - 56 " بكى حتى أغمي عليه، وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح. قال: وصنف عدة مؤلفات في علم الحديث والنحو والأصول والمعاني والبيان، فنهبت مؤلفاته كلها، فلم يتغير وقال: قد ألفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا توفي - رحمه الله تعالى - سنة سبع وتسعمائة، ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة إلى جانب قبر والده بزاويتهم رحمهم الله تعالى.
283 - أحمد بن علي المقرئ: أحمد بن علي الشيخ العالم المقرئ شهاب الدين بن الشيخ نور الدين شيخ القراء بالقاهرة. توفي في يوم الأحد عاشر القعدة سنة ثلاث عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
284 - أحمد الباعوني: أحمد بن علي بن إبراهيم، الشيخ شهاب الدين الباعوني الأصل من باعون قرية بالموصل - الحلبي المولد والدار، الشاعر المعروف بابن الصواف ، المعروف أبوه بالصغير - بالتصغير - كان أديباً شاعراً، ذكره جار الله بن فهد في رحلته إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وذكره في " معجم الشعراء " الذين سمع منهم الشعر وأنشد له:
روحي الفداء لذي لحاظ قد غدت ... بسوادها البيض الصحاح مراضا
كالغصن قداً، والنسيم لطافةً ... والياسمين ترافةً وبياضاً
وله مطلع قصيدة التزم بها واوين أول البيت وآخره:
وواد به الغيد الحسان قد استووا ... وورد ظباء الحي في ظله ثووا
ووافوا به من مهجتي في الهوى حووا ... وولوا وعن عهد المحبين ما لووا
توفي بالحريق في داره بحلب سنة أربع وعشرين وتسعمائة.

285 - أحمد البغدادي: أحمد بن علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم، الشيخ العلامة القاضي شهاب الدين ابن القاضي العلامة علاء الدين البغدادي الدمشقي الصالحي الحنبلي، ولد ليلة الاثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه وغيره، وكان من العلماء المتميزين في الفقه والفرائض، وانتهت إليه رئاسة مذهبه، وقصد بالفتاوي، وانتفع الناس به فيها وفي الاشغال، وتعاطى الشهادة على وجه إتقان لم يسبق عليه، وفوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية قاضي القضاة زين العابدين في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ثم ترك القضاء، وأقبل على العلم والعبادة، وكان من أخص أصحاب شيخ الإسلام الجد، وله على الوالد مشيخة، وللوالد عليه مشيخة أيضاً، أخذ عنه كثيراً من نظمه وتأليفه، وهو الذي أشار إليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده شيخ الإسلام - رضي الدين الغزي وكان يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه، فاستأذنه له في الكتابة صاحب الترجمة، فأذن له فيها، وكتب ليلة عيد الأضحى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة كما استوفيت القصة في كتاب بلغة الواجد في ترجمة الوالد، ثم كانت وفاة الشيخ شهاب الدين البغدادي بكرة النهار يوم الجمعة حادي عشري رجب سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس.286 - أحمد الجعفري: أحمد بن عمر بن سليمان بن الشيخ العلامة شهاب الدين الجعفري الشافع الصوفي الوفائي الدمشقي. له كتاب لطيف شرح فيه حكم ابن عطا آلله - رحمه الله تعالى - وضعه على أسلوب غريب، وكلما تكلم على حكمة اتبعها بشعر عقدها فيه فمن ذلك قوله:
أجل أوقات عارف زمن ... يشهد فيه وجود فاقته
متصفاً بالذي يقربه ... من ربه من وجود زلته
عقد فيه قول ابن عطا الله: خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك وترد إلى وجود زلتك. وقال أيضاً:
خيرماتطلب منه ... هو ما يطلب منك
فاطلب التوفيق منه ... للذي يرضيه عنك
عقد فيه قول ابن عطا الله: خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك. وقال أيضاً:
إن وسع الكون صغير جرم جثمانيتك
فإنه يضيق عن ... عظيم روحانيتك
عقد فيه قول ابن عطا الله: وسعك الكون من حيث جثمانيتك، ولم يسعك من ثبوت روحانيتك. قرأت بخط صاحب الترجمة في آخر كتابه المذكور أنه فرغ منه في آخر يوم الجمعة ثالث عشري القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة بمكة المشرفة تجاه البيت الحرام، وهو من هذه الطبقة كما هو الغالب على الظن والله سبحانه وتعال أعلم.
287 - أحمد الفرفوري: أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمد، قاضي القضاة العلامة شهاب الدين أبو العباس، الشهير بابن الفرفور الدمشقي الشافعي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن الشيخ برهان الدين الباعوني، وأبي الفرج ابن الشيخ خليل، والشيخ زين الدين خطاب الغزاوي، والشيخ نجم الدين قاضي عجلون، والشيخ شمس الدين محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين وغيرهم، وفضل وبرع وتميز على أقرانه، وكان جامعاً بين العلم، والرئاسة، والكرم، وحسن العشرة بحيث أن الحمصي - رحمه الله تعالى - قال: إنه ختام رؤوساء الدنيا على الإطلاق. وقال: إنه كان سلطان الفقهاء والرؤوساء، ولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع له بينه وبين قضاء مصر يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي الدين واستمرت بيده الوظيفتان إلى أن مات، فتولى قضاء مصر بعده شيخ الإسلام إبراهيم القلقشندي، وقضاء دمشق ولده المذكور، وكان له شعر متوسط منه ما قرأت بخط الشيخ شمس الدين ابن طولون في تاريخه، ونقلته من خطه أيضاً. قال: أنشدنا قاضي القضاة ولي الدين بن الفوفور لوالده قاضي القضاة بمصر والشام الشهابي بن الفرفور يمدح سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري، فقال في العشر الأخير من جمادى الأولى سنة ثمان وتسعمائة:
لك الملك بالفتح المبين مخلد ... لأنك بالنصر العزيز مؤيد
وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ... هو الأشرف الغوري، وهو المسدد
تملكته والسيف كاللحظ هاجع ... بأجفانه، والرمح هاد ممدد

بأمن ولا خوف، وسلم ولا وغا ... ولكنه عيد لعود يؤبد
فملكك يوم العيد جاء مبشراً ... بعود سرور كل عام يجدد
ولم تك يوماً ساعياً طالباً له ... ولكنه وافاك يسعى ويجهد
تقلدته من مالك الملك راضياً ... بما قد أراك الله تثني وتحمد
وكان لك الله ا(لمهيمن حافظاً ... يعينك في كل الأمور ويسعد
وكم فئة لابت عليهم قلوبهم ... ولكن إليه لم تطل منهم يد
ومن عاند المقدور منه فقد قضى ... وكان له من منهل الهلك مورد
فبشرى بتمكين من الله دائم ... ونصر على الباغي، ومن كان يحسد
لقد شاع في الإسماع ما قد حويت من ... صفات بها منها الكمال مؤكد
ففي السلم حلم فيه كالماء رقة ... وفي الحرب نار جمرها يتوقد
لأنك حامي حومة الدين بالظبا ... وللسيف خد بالدماء مورد
بذلك شم الراسيات بعسكر ... إذا سار ضاهاه الجراد المبدد
وإن دخلوا داراً لأعداك أقفرت ... وإن وردوا بحراً يجف وينفد
وقد ساقنا ما شاقنا من سماعها ... محساً نراها بالعيان ونشهد
وكان الذي قد شاهدته عيوننا ... بأضاف ما قال الرواة وعددوا
فتجلس في التخت الشريف بطلعة ... بها تدهش الأبصار إذ تتردد
يدبر أمر الملك منك روية ... يريك بها الله الصواب فترشد
وتجلس في الشورى مع الأمراء في ... نهارك للملك الشريف تمهد
وتستقبل الإذكار بالليل ساهراً ... بترتيب أوراد بها تتعبد
فتستغرق الوقتين حكماً وحكمةً ... فتجهد إما في الدجا تتهجد
كما قد رأينا الحال ليلة مولد ... فيا حبذا ذكر وورد ومورد
ويا حبذا لحن عن اللطف معرب ... ونظم بديع فهو در منضد
فذكر وتسبيح وتمجيد خالق ... وتقديسه لا لغو فيه ولا دد
فهذا هو الذكر الجميل الذي غدا ... على طول هذا الدهر يروى ويسند
فللخلفاء الراشدين بمثل ذا ... مآثر تروى عنهم ليس تجحد
ونعم المماليك الذين تعلموا ... وقد لازموا الأوراد حتى تعودوا
مزامير داود وإلا بلابل ... وورق وكل كالغزال يغرد
وأطربنا في المجلس الشيخ حيدر ... فطبنا وقلنا: إنما هو معبد
وجانم في الإيقاع تحريك عضوه ... على الوزن في أمثاله ليس يوجد
ومنه لنعمان سمعنا قراءة ... بها كل مسموع سوى الذكر يزهد
فألحانهم فخر لهم وسعادة ... وخير وفضل وارتقاء وسودد
فلله أوفى الحمد نلنا مرادنا ... وفزنا بما كنا نروم ونقصد
وقد شاهدت سلطاننا العين قد حوى ... صفات كمال مثلها ليس يوجد
محب لأهل العلم والفضل والتقى ... بحيث إليهم دائماً يتودد
ويسأل في العلم الشريف مسائلاً ... تعز على درك الفهوم وتبعد
كذا أولياء الله أيضاً يحبهم ... ويدعو لهم في ورده ويمجد
ومولد خير الخلق أحراه عادة ... بها كل خير دائماً يتولد
فبالأشرف الغوري يطوى حديث من ... بأخبارهم كم جاء سفر مجلد
فأقسم لا يسعى إليه مشقة ... ولا سفرة أدت لرؤياه تبعد
وقد حاز أنواع المحاسن كلها ... كمالاً وفضلاً فهو في الدهر مفرد
فدام له النجل السعيد ممتعاً ... بما يرتضي والعيش أصفى وأرغد
وقرت به عيناه طول زمانه ... على درجات العز يرقى ويصعد

ولا زال في عز ونصر وملكه ... على رغم أنف الحاسدين مخلد
وألف صلاة مع سلام تصاعدت ... يلقاها خير الأنام محمد
فلما وقف عليها السلطان الغوري ابتهج بها، وقرأها بنفسه على من حضر، وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهزها إليه وهي:
أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ... مديحاً به أثني عليه وأحمد
شهاب لدين الله، والشمس باهر ... مناقبه مشهورة ليس تجحد
وقاضي قضاة الشام جاء يزورنا ... ويثبت دعوى حبنا ويؤكد
ويهدي لنا منه الدعاء فمرحبا ... به زائراً للأنس جاء يجدد
له عندنا الإكرام والعز والرضى ... وفوق الذي من غيرنا كان يعهد
ولما تأملنا بديع بيانه ... وحسن معاني نظمه حين ينشد
وجدنا قصيداً كل بيت به غدا ... يرى أنه في الحسن قصر مشيد
بلاغتها كالسحر وهي فصيحة ... وألفاظها الدر النفيس المنضد
وبشرنا فيها بتمكين ملكنا ... وإنا بنصر الله فيه نؤيد
لأن إلينا مالك الملك ساقه ... بحيث أتانا، وهو يسعى ويجهد
ولاحظ أن العيد عود تفاؤلاً ... لنا بسرور عوده يتأبد
وإنا بعون الله نقهر ضدنا ... ومن قد بغى جهلاً ومن كان يحسد
وترجم عنا في الحماسة والوغا ... بأبلغ ما في مثل ذلك يقصد
ووصف الذي قد كان ليلة مولد ... عبارته فيها لجين وعسجد
ففيها قد استوفى الوقائع كلها ... بنظم به الذكر الجميل مخلد
وعدد أوصافا لنا في مديحه ... بأحسن لفظ في المدائح يورد
وقد سرنا في ملكنا أن مثله ... لما فيه من جمع الكمالات يوجد
إمام كبير في العلوم وقد حوى ... محاسن في أوصافه تتعد
سخاء وجود عفة ونزاهة ... وفخر على أهل الزمان وسؤدد
ويحمل كل الكل إن كان حادث ... وإن جل خطب أو تكدر مورد
فهذا به في الحكم تبرأ ذمة ... وهذا له فصل القضاء يقلد
وهذا به استدراك ما اختل كله ... وهذا به إصلاح ما كان يفسد
فأهلاً وسهلاً مرحباً لقدومه ... له عندنا أعلى مقام وأحمد
وسوف يرى من قربنا ما يسره ... ونطرد عنه كل سوء ونبعد
بحيث تقر العين منه ولا يرى ... من الدهر في أيامنا ما ينكد
ونسعفه في كل ما قد أهمه ... ونبسط في حكم لديه ونعضد
ويبلغ في أيامنا غاية المنى ... ويأتيه إحدى العيش فيها وأرغد
فإنا رغبنا منه في صالح الدعا ... ولا سيما في الليل إذ يتهجد
فناظمها الغوري غاية قصده ... دعا له من مخلص القلب يصعد
بعفو وغفران، وحسن عواقب ... وخاتمة بالخير وهو يوحد
وبالحشر مع من أنعم الله بالهدى ... عليهم ومن من نوره النار تخمد
وبعد صلاة من إلهي دائماً ... على المصطفى، وهو النبي محمد
وآل وصحب كلما هبت الصبا ... وناح على الأفنان طير مغرد

قلت: ولا شك أن القصيدة الثانية أقرب من الأولى إلى الحسن والرقة وبين القصيدتين فرق ظاهر، وللفاضل الأديب علاء الدين ابن مليك في صاحب الترجمة وولده الولوي مدائح فائقة، وقصد رائقة، ضمنها ديوانه، وكانت وفاة قاضي القضاة شهاب الدين بالقاهرة في سابع جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة. قال الحمصي: شرع في وضوء صلاة الصبح، فتوفي وهو يتوضأ، وكان مستسقياً. وحمل تابوته الأمراء، وكانت جنازته حافلة، ودفن بالتربة المنسوبة إلى ابن أجا الحلبي كاتب الأسرار بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة إحدى عشر المذكورة رحمه الله تعالى.288 - أحمد بن محمود المالكي: أحمد بن محمود الشيخ شهاب الدين المالكي أحد العدول بباب مدرسة الصالحية بالقاهرة؛ كان عالماً فاضلاً، ومات بالقاهرة حادي عشر شوال سنة اثنتي عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.289 - أحمد بن ولي الدين الرومي: أحمد بن ولي الدين، العالم الفاضل الشاعر الشهير بأحمد باشا بن المولى ولي لدين الحسيني الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره وفضل، وتنقل في المناصب حتى صار قاضي العسكر، ثم جعله السلطان محمد خان الغازي معلماً لنفسه، واشتد ميله إليه حتى استوزره، ثم عزله عن الوزارة لأمر جرى بينهما، وجعله أميراً على بعض البلاد مثل تيرة وأنقرة وبروسا، وكان رفيع القدر، عالي الهمة، كريم الطبع، سخي النفس، ولم يتزوج لعنة كانت به، وكان له نظم منه بالعربية:
يا رامي قلبي بسهام اللحظات
هيهات نجاتي
ما زلت فداك روحي وحياتي
من قبل مماتي
نمقت إلى بابك قرة عيني ... بالدمع كتابا
أشهدت على الوجد مداد ... دواتي سل من عبراتي
جلباب دجى صدغك هذا ... قد أصبح مسكا
يا ريم لقد أحرق في الصين ... قلوب الظبيات
كم تحرق أحشاي وفيك زلال
والشارب على منه خضرا ... في ماء الحياة
من أحمد في ليله أصداغ ملاح ... لاحت كلماتي
من شمها فاز بمسك الدعوات ... حسب الغدوات
ذكر صاحب الشقائق النعمانية أن أحمد باشا أراد أن يعارض بذلك موشحاً للمولى خضر بيك ابن المولى جلال الدين العلامة الملقب بجراب العلم، المتوفي في سنة ثلاث وستين وثمانمائة بمدينة قسطنطينية حين كان قاضياً بها، وهو أول قاض بها من بعد فتحها على يد سلطان محمد خان وهو قوله:
يا من ملك الأنس بلطف الملكات
في حسن صفات
حركت جنوني بفنون الحركات
يا جنة ذاتي
العارض والخال وأصداغك حفت ... إطراق محياك
والجنة كيف احتجبت بالشهوات ... من كل جهات
إن ضاق عن الوسع عبارات لساني ... لا عبرة فيها
في القلب نكات كتبت بالعبرات ... تحكي نكبات
قد سال على بابك أنهار دموعي ... ليلاً ونهاراً
فالرحم على السائل أولى الحسنات ... ثم العزمات
كرر عدة الوصل وصلها بخلاف ... فالوعد كفاني
والصب يرى لذته في الفلوات ... من ذكر فرات
لو مرعلى تربة من حيك ... ظل يا مؤنس روحي
أحييت عظامي ورفاتي ... من بعد مماتي
في خطي إذا نقل من فيه ... مثالاً يحكيك بلطف
من شاربك الخضر روي في ... الظلمات عن عين حياتي
قلت: عجبت ممن يذكر أن هذا الموشح معارض بالذي قبله فضلاً عن من يدعي معارضته به، وقد توفي أحمد باشا، وهو أمير بروسا في سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بها، وله فيها مدرسة وقبة مبنية على قبره، وقد كتب على بابها تاريخ وفاته. قال في الشقائق والتاريخ: لمحمد ابن أفلاطون نائب لمحكمة بروسا وهو هذا:

هذه أنوار مشكاة لمن ... عده الرحمن من ممدوحه
فر من أدناس تلك الدار إذ ... كان مشتاقاً إلى سبوحه
قال روح القدس في تاريخه: ... إن في الجنات مأوى روحه
290 - أحمد بن يحيى بن المهندس: أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين، الشيخ العالم المورق المتقن شهاب الدين، الشهير بابن المهندس الشيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي. ولد في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. قال النعيمي: رافقناه على جماعة من العلماء، ثم انتهى إليه الاتقان في كتابة الوثائق والتواقيع حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك، وتوفي ليلة الخميس سادس عشري رجب سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
291 - أحمد بن يوسف الطرابلسي: أحمد بن يوسف القاضي شهاب الدين، الشهير بالطرابلسي المالكي نزيل دمشق. ولد سنة ثمان وثمانمائة فوض إليه نيابة الحكم قاضي القضاة محيي الدين بن عبد الوارث، واستمر على تقوى وحرمة حتى توفي ليلة الأربعاء ثامن رمضان سنة سبع وتسعمائة، ودفن عند قبر الشيخ تقي الحصني برؤوس العمائر.
292 - أحمد بن يوسف المالكي: أحمد بن يوسف المقريء المالكي، العارف بالله تعالى أحد رجال المغرب وأوليائها: كان موجوداً في أول هذا القرن، ومن أصحابه سيدي أحمد البيطار، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية.
293 - أحمد بن يوسف الباعوني: أحمد بن يوسف ابن الشيخ الأديب الفاضل القاضي شهاب الدين ابن القاضي جمال الدين الباعوني الدمشقي الشافعي. ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وحفظ المنهاج وغيره، وسمع على عمه البرهان الباعوني، والبرهان بن مفلح، والبرهان الأنصاري المقدسي، والبرهان الأذرعي، وولده الشهاب الأذرعي، والقطب الخيضري، والزين خطاب، وجمع عدة دواوين قال ابن طولون: وكان قليل الفقه، كثير الأدب، وسافر إلى مصر مراراً، وتوفي ليلة السبت حادي عشر رمضان سنة عشر وتسعمائة.
294 - أحمد بن يوسف الخالدي: أحمد بن يوسف الخواجا المتصوف شهاب الدين ابن الشيخ المتصوف المعمر زين الدين الخالدي الدمشقي الحنفي. قال ابن طولون: أنشدني لنفسه في قضاة زمانه:
قضاة زماننا احتجوا بعلموما لهم على ذاك اجتماعفأضحى العلم منفرداً يناديأضاعوني وأي فتى أضاعواتوفي يوم الأحد سابع عشر رجب سنةأربع وعشرين وتسعمائة، وقد بلغ الثمانين عن دنيا واسعة، ودفن بالحمرية على والده رحمه الله تعالى.
295 - أحمد بن شكم: أحمد الشيخ العالم العلامة الصالح الناسخ شهاب الدين الشهير بابن شكم الدمشقي الصالحي. اشتغل على الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، والشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون وغيرهما، وكان على طريقة حميدة ساكناً في أموره. مطرحاً، نحيف البدن على وجهه أثر العبادة، وانتفع عليه جماعة من أهل الصالحية وغيرهم في علوم سيما العربية. توفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.

296 - أحمد الغمري: أحمد، الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو العباس الغمري القاهري، كان رضي الله تعالى عنه جبلاً راسياً، وطوداً راسخاً في العلوم والمعارف، وهو ممن صحبه شيخ الإسلام الجد من أولياء الله تعالى، وكان رضي الله تعالى عنه يحب بناء المساجد والجوامع حتى قيل: إنه بنى خمسين جامعاً منها جامعه المعروف به بمصر، وجامعه بالمحلة. كان معاناً في نقل العمد والرخام وغيرها من الكيمان في الشذرات، والبلاد الكفرية حتى أن عمد جامعه بمصر والمحلة يعجز عن نقلها سلطان، وذكر عنه إمام جامعه بمصر سيدي الشيخ أمين الدين بن النجار أنه أقام صف العمد التي على محراب جامعه المذكور كلها في ليلة واحدة والناس نائمون، وكان الفعلة قد باتوا على أن يقيموها بكرة النهار، فأصبحوا فوجدوا عمد الصف الأول كلها قائمة فقال له بعض من يدل عليه: وعزة ربي لو أنك قلت لجميع هذه العمد: قومي بإذن الله تعالى لم يتخلف منها عمود واحد، وكراماته - رضي الله تعالى عنه - كثيرة مستفيضة، وحكى ولده سيدي أبو الحسن الغمري. قال: كنت مع والدي ومعنا عمود رخام على جملين، فجئنا إلى قنطرة ضيقة لا تسع سوى جمل واحد، فساق الشيخ الجمل الآخر، فمشى على الهواء بالعمود، وكان لا يمكن صغيراً يمزح مع كبير، ولا يمكن أمرد من الأذان في جامعه حتى يلتحي، وكان السلطان قايتياي محمد الناصر يزوره غفلة، فلما ولي قال: أخذنا على غفلة ومناقبه - رضي الله تعالى عنه - لا تحصى. توفى رابع عشر صفر في مصر سنة خمس وتسعمائة، ودفن في جامعه بمصر رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
297 - أحمد بن ماقي: أحمد القاضي شهاب الدين بن ماقي. توفي مطعوناً بدمشق يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة.
298 - أحمد النشيلي: أحمد، الشيخ الفاضل العلامة القاضي شهاب الدين النشيلي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية. كان من ندماء السلطان الغوري وخواصه مات في ختام رمضان سنة عشر وتسعمائة، وكان يتهم بمال له صورة، فلم يظهر له أثر بعد موته.
299 - أحمد الفيشي: أحمد القاضي شهاب الدين الفيشي الشافعي خليفة الحكم أيضاً بالقاهرة. توفي يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة سنة عشر وتسعمائة مطعوناً رحمة الله تعالى.
300 - أحمد المنصوري الحنبلي: أحمد القاضي شهاب الدين المنصوري الحنبلي خليفة الحكم بالقاهرة. كان سميناً مفرطاً في السمن، ومات يوم الاثنين تاسع عشري جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة بالقاهرة.
301 - أحمد بن العسكري الحنبلي: أحمد الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين ابن العسكري الصالحي الدمشقي مفتي الحنابلة بها، كان صالحاً، ديناً، زاهداً، مباركاً يكتب على الفتيا كتابة عظيمة، ولم يكن له في زمنه نظير في العلم والتواضع والتقشف على طريقة السلف، وكان منقطعاً عن الناس قليل المخالطة لهم، وألف كتاباً في الفقه جمع فيه بين المقنع والتنقيح، ومات قبل تمامه ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة بدمشق، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى.
302 - أحمد الإعزازي: أحمد الشيخ العلامة القاضي شهاب الدين الإعزازي الدمشقي الصالحي، كان صالحاً، مباركاً ديناً. (وناب في القضاء بدمشق، وتوفي بها يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وصلى عليه بالأموي بعد صلاة الجمعة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.303 - أحمد بن كركر: أحمد الشيخ العدل شهاب الدين الدمشقي، الشهير بابن كركر سافر إلى مصر القاهرة صحبة تاج الدين ديوان القلعة، فمرض في بيت الأمير سودون أمير مجلس، ومات يوم السبت تاسع عشر شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.304 - أحمد الخشاب: أحمد الشيخ العلامة شهاب الحموي، ثم الدمشقي الخشاب.كان من فضلاء الشافعية، وكان خطيباً بجامع القصب، وتوفي في الحجة سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.305 - أحمد بن الفاقوسي: أحمد القاضي شهاب الدي الموقع بديوان السلطان الغوري بالقاهرة، عرف بابن الفاقوسي. مات بالقاهرة في خامس عشر صفر سنة أربع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

306 - أحمد بن عيد: أحمد القاضي شهاب الدين، الشهير بابن عيد الحنفي، ولي نيابه القضاء بالقاهرة، وسافر إلى دمشق، وولي بها نيابة القضاء عن ابن يوسف، وتزوج بدمشق زوجة القاضي الفاضل إسماعيل الحنفي، وطلع هو وهي إلى بستان بالمزار، فنزل عليه السوقة ليلاً فقتلوه، وقتلوا غلامه، فأصبح نائب الشام سيبائي رسم على زوجته بسببه، وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشري الحجة سنة أربع عشرة وتسعمائة.
307 - أحمد بن قطيبا: أحمد الشيخ شهاب الدين الشهير بابن قطيبا القدسي أحد العدول بدمشق، مات يوم الثلاثاء سادس رمضان سنة خمس عشر وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
308 - أحمد بن الرقام: أحمد القاضي شهاب الدين بن الرقام قاضي تدمر، وأحد الشهود بدمشق. مات بها في رابع عشري جمادى الآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
309 - أحمد الفيومي: أحمد، الشيخ العلامة شهاب الدين الفيومي خطيب جامع برد بيك بدمشق، وهو المعروف بالجامع الجديد خارج بابي الفراديس والفرج، وأخذ عنه الخطابة صاحبه والد شيخنا الشيخ العلامة يونس العيثاوي، واستمرت في يده إلى أن مات. توفي صاحب الترجمة ثاني رمضان سنة سبع عشرة وتسعمائة.
310 - أحمد المغربي: أحمد الشميخ المعتق شهاب الدين أبو العباس المغربي القسطنطيني، ثم القاهري أحد جماعة الشيخ أبي المواهب التونسي المتقدم في المحمدين. كان يجلس متصدراً تجاه رواق المغاربة بالجامع الأزهر في موضع الشيخ أبي المواهب ملازماً لحزب الشيخ أبي المواهب المذكور، وطريقه بعد عصر الجمعة في محفل، وكانت وفاته ليلة الأحد عشري ربيع الأول سنة ثماني عشرة وتسعمائة بالقاهرة.
311 - أحمد الشيشني الحنبلي: أحمد الشيخ العلامة قاضي القضاة شهاب الدين الشيشني المصري الحنبلي، ولي قضاء الحنابلة بمصر سنين، وتوفي في سنة سبع عشرة وتسعمائة، وولي قضاء الحنابلة بعده قاضي القضاة عز الدين، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ختام صفرالمذكور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
312 - أحمد الضرير: أحمد الضرير، الشيخ الصالح أحد تلامذة سيدي عمر الروشني أحد سادات العجم. دخل مصر، ولقيه الشعراوي في سنة نيف وعشر، فذكر عنه في كتاب " البحر المورود، في المواثيق والعهود " ، أنه حكي له أن جماعة من العلماء بتبريز اعترضوا على جماعة سيدي عمر الروشني في الصباح، وعقدوا على ذلك عقد مجلس، فنادى الشيخ: أيها الفقراء من كان منا، فليكتم ورده ولا يصح ولا ينطق، فافتتح الشيخ الذكر، فغرقوا فيه، فصار الفقير. يكتم ويخفت نفسه فيموت فمات منهم اثنا عشر رجلاً وغشي على نحو من أربعمائة فقير قال الشيخ أحمد المذكور: فأتوا بي إلى هؤلاء الموتى، فجسستهم بيدي، فوجدت أمعآءهم قد انفتقت واحترقت أكبادهم كأنها شويت على الجمر. قال: فأمسكتها، فتفتتت تحت يدي، ثم إن الشيخ عمر أرسل وراء من كان تولى أمر تلك الواقعة، وجمع العلماء لعقد المجلس، وكان اسمه منلا عبد اللطيف من أعيان المدرسين بتوريز، وقال له: انظر هؤلاء الموتى. هل يقول عاقل قط أن هؤلاء متصنعون سهم الله في البعيد؟ فسقطت عليه داره، فهلك هو وأولاده وعياله وجيله، ولم ينج منهم أحد، وكان يوماً مشهوداً بتوريز رحمه الله تعالى.
313أ - حمد القرعوني: أحمد، الشيخ الصالح المعتقد شهاب الدين القرعوني، ثم الدمشقي. كان من المغالين في اعتقاد الشيخ محيي الدين بن العربي. قال الشيخ عبد الباسط العليوي: وهو ابن بنت أخي القرعوني صاحب الترجمة أخبرني أنه قرأ على ابن حجر، وسنه حيتئذ نحو الثلاثين سنة لكنه لم يشتهر بالحديث، وتوفي يوم الثلائاء خامس عشر الحجة سنة عشرين وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
314 - أحمد أبي عراقية: أحمد، الشيخ الصالح المعتقد المكنى بأبي عراقية. أصله من العجم، وكان مقيماً بدمشق، وكان للأروام فيه اعتقاد. قال ابن طولون: وهو ممن أخذ عنه، وقد أخبرنا كثيراًعن استيلائهم عن هذه البلاد، وعمارتهم عند قبر المحيوي ابن العربي تكية قبل موته، وقد وقع ذلك بعد موته بسنين. ما قال. انتهى.
وكانت وفاته في سنة عشرين وتسعمائة ودفن عند صفة الدعاء أسفل الروضة من سفح قاسيون رحمه الله تعالى.

315 - أحمد الحسيني البخاري: أحمد، الشيخ العارف بالله تعالى، السيد الحسيني البخاري صحب في بداءته الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السمرقندي، ثم صحب بأمره الشيخ الإلهي، وسار معه إلى بلاد الروم، وترك أهله وعياله ببخارى، وكان الشيخ الإلهي يعظمه غاية التعظيم، وعين له جانب عيشه، وكان يقول: إن السيد أحمد البخاري صلى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين، وسئل السيد أحمد عن نومه في تلك المدة. قال: كنت آخذ بغلة الشيخ وحماره في صبيحة كل يوم، وأصعد الجبل لنقل الحطب إلى مطبخ الشيخ، وكنت أرسلهما ليرتعا في الجبل، وأستند إلى شجرة، وأنام ساعة، وذهب بأذن شيخه إلى الحجارة على التجرد والتوكل، وأعطاه الشيخ حماراً وعشرة دراهم، وأخذ من سفرة الشيخ خبزة واحدة، ولم يصحب سوى ذلك إلا مصحفاً ونسخة من المثنوي، فسرق المصحف، وباع المثنوي بمئة درهم، وكان مع ذلك على حسن حال، وسعة نفقة. وجاور بمكة المشرفة قريباً من سنة، ونذر أن يطوف بالكعبة كل يوم سبعاً، ويسعى بين المروتين سبعاً، وكان كل ليلة يطوف تارة، ويتهجد أخرى، وتارة يستريح ولا ينام ساعة مع ضعف بنيته، وزار القدس الشريف وسكنه مدة، ثم رجع إلى شيخه وخدمته ببلدة سيما، ثم وقع في نفسه زيارة مشايخ القسطنطينية، فاستاذن من شيخه فأذن له فذهب إليها، ثم كتب إلى شيخه يرغبه في سكناها، فرحل إليه شيخه، ثم لما مات شيخه صار خليفة في مقامه، ورغب الناس في خدمته حتى تركوا المناصب، واختاروا خدمته، وكان مجلسه عليه الهيبة والوقار، وكان له أشراف على الخواطر، ولا يجري في مجلسه ذكر الدنيا، وكان طريقته الأخذ بالعزيمة، والعمل بالسنة، والتجنب عن البدعة، وترك الصورة والعزلة والجوع، والصمت، وإحياء الليل، وصوم النهار، والمحافظة على الذكر الخفي، وتوفي في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده، وقبره يزار، ويتبرك به. قيل: ولما وضع في قبره توجه هو بنفسه إلى القبلة، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم رحمه الله تعالى.
316 - أحمد الزواوي: أحمد الزواوي، الشيخ الصالح العابد. أخذ الطريق عن الشيخ شعبان البلقطري، وكان ورده في اليوم والليلة عشرين ألف تسبيحة وأربعين ألف صلاةعلى النبي صلى الله عليه وسلم. دخل القاهرة، وكان الغوري قد سافر إلى ابن عثمان، فقال: جئت لأرد ابن عثمان عن مصر، فعارضه الأولياء، وأخذه البطن، فحمل إلى بلده، فمات في الطريق في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
317 - أحمد الفيشي: أحمد الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين الفيشي المالكي خليفة الحكم بالقاهرة، ومفتي المالكية بها، سافر به السلطان سليم إلى الروم، وتوفي بالقسطنطينية، وورد خبره إلى دمشق في رمضان سنة أربع وعشرين وتسعمائة.
318 - أحمد الحسامي: أحمد الشيخ الإمام العلامة، المحقق، المجد، الفقيه، النحوي، الصوفي شهاب الدين الحسامي القاهري الشافعي. كان صالحاً، قانعاً، باراً بأمه، قائماً بمصالحها، صابراً، متواضعاً يخدم نفسه، ويشتري حوائجه من السوق، ويحملها بنفسه، ولا يمكن أحداً يحملها عنه، وكان يتعمم بالقطن من غير قصارة، وثيابة قصيرة اقتداء بالسلف، وكان ملازماً للطهارة لا يكاد يدخل عليه وقت، وهو محدث، وكان كثير الصمت، قليل الكلام، تجلس معه اليوم واليومين، فلا تسمع منه كلمة لغو، وكان كثير الصيام والقيام يقوم النصف الثاني من الليل كل ليلة، وكان يتورع عن صدقات الناس، ولا يقبل هدية من أحد لا يتورع في كسبه، وكان صوفياً. أخذ التصوف عن الشيخ المرصفي، وكان يذهب إلى مجلسه كل يوم جمعة، وكان العلماء مع ذلك يرجعون إليه في المعقولات، ويعدلونه في العربية بابن مالك وابن هشام، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الثاني سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

319 - أحدم الطواقي: أحمد الشيخ شهاب الدين الطواقي الدمشقي المتصوف. انفرد بإتقان علم الموسيقي، ورحل بسببه إلى الشرق، ثم إلى الروم، ثم قطن دمشق، وسكن بمحلة باب السريجة، وكان يتشكل في لباسه، ويلبس على رأسه مئزراً عسلياً، ويضع على أكتافه مئزراً أخضر، وفي رقبته مسبحة، وبيده اليمنى سجادة، وكان ينظم الشعر، ويعتقد المحيوي بن العربي، ويدعي أنه من ذريته قال ابن طولون وليس كذلك فقد أخبر الثقة ممن يعرفه ويعرف أهله أن أصله تركماني، وكان ينسب إلى معاشرة المرد، وتوفي له ولد، فوجد عليه، وبنى على قبره بيتاً في تربة التوتة قبلي القنوات، ولازمه مدة، وكان الناس يترددون إليه ثمة، ومات قتلاً في أوائل الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن سن عالية، ودفن عند ولده رحمهما الله تعالى.
320 - أحمد بن نابتة: أحمد، الشيخ الفاضل الصالح الفقيه المقري شهاب الدين، المعروف بابن نابتة المصري الحنفي. حضر في الفقه طى العلامة الشمس قاسم بن صبغا، وأخذه أيضاً عن الشيخ جلال الدين الطرابلسي، والقراءات عن الشمس الحمصاني، وكان متزهداً متقللاً، وأقبلت عليه الطلبة، واشتغل الناس عليه، وأصيب بالفالج أشهراً، ثم مات به في ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وهو في أواخر الثمانين، ودفن بتربة الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى.
321 - أحمد المنوفي: أحمد، الشيخ الفاضل المحدث المعتقد القاضي شهاب الدين المنوفي الشافعي متولي الظاهرية القديمة بمصر، ولي قضاء بلدة منوف العليا، فباشر القضاء بعفة ونزاهة، وطرد البغايا من تلك الناحية، وأزال المنكرات، واستخلص الحقوق بحيث كانت تأتيه الخصوم من بلاد بعيدة أفواجاً، وتستخلص بهمته وعدله حقوقاً كانت قد ماتت. قال العلائي: وقد أوقفنى على عدة مختصرات له في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية حوت مع الاقتصار فوائد وفرائد خلت منها كثير من المختصرات والمطولات، وكانت وفاته في مستهل شوال سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
322 - أحمد السنباطي: أحمد الشيخ الفاضل الصالح شهاب الدين السنباطي المصري، وهو غير الشيخ شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي، فإنه متأخر عن هذه الطبقة، وكان صاحب الترجمة شاهداً بحارة عبد الباسط. قال العلائي: وهو آخر من يروي عن ابن حجر والخطيب الرشيدي. توفي في أواخر رجب سنة ثمان وعشرين وتسعمائة.
323 - أحمد الراعي: أحمد، الشيخ الفاضل العريق المعتبر شهاب الدين ابن الشيخ العالم، المعروف بالراعي شارح الجرومية. قال العلائي: وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر، وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل. واعتبر، وله فيه مصنفات، وتوفي في تاسع جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
324 - أحمد أبو طاقية: أحمد. الشيخ المعتقد أبو طاقية المصري. كانت الجراكسة وغيرهم يعتقدونه ويجيئون إليه، وكان يلبس عليه عرقية بغير عمامة، وجبة صوف صيفاً وشتاء، وكان منفرداً لا عيال له. ولا أهل. وجد ميتاً بحجرته بالمدرسة البندقدارية قد تدلى لسانه وتمزق بدنه كأنه أكل شيئاً مسموماً بحيث غسل بخمس روايا، وحفظ بدنه بأربعة أرطال من القطن وورق الموز، وكان ذلك يوم السبت خامس عشري شعبان سنة ثمان وعشر وتسعمائة، ووجد عنده ما يقرب من الذي دينار.
325 - أحمد البهلول: أحمد البهلول المصري أحد أصحاب الشيخ شعبان البلقطري كان سيدي محمد ابن عنان يعظمه، وله كرامات وخوارق، وكان يقول: لا تدفنوني إلا خارج باب القرافة في الشارع، ولا تجعلوا لقبري شاهداً، ودعوا الناس والبهائم تمشي علي، فقيل له: قد عملنا لك قبراً في جامع بطيحة. فقال: إن قدرتم أن تحملوني، فافعلوا، فلما مات عجزوا أن يحركوا النعش إلى ناحية جامع بطيحة، فلما حملوه إلى ناحية القرافة خف علي وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

326 - أحمد البحيري: أحمد الشيخ العلامة المفنن السالك الشاعر المعمر شهاب الدين البحيري المصري المالكي. حفظ القرآن العظيم، وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم الزاهد الناسك أبي العباس المرسي مريد الشيخ الملك محمد الحنفي الشاذلي، وأخذ الشيخ مدين، واستقل في العلم، وأمعن في العربية ولا سيما التصريف، وألف فيه شرحا جيداً على المراح، وتب بخطه كثيراً، ومما كتب شرح مسلم للابي، وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي، وله نظم جيد وألغاز، وكان قانعاً متقللاً، وتزوج وهو شاب، ثم تجرد، وتوفي خامس شوال سنة تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
327 - أحمد السهروردي: أحمد الشيخ شهاب الدين السهروردي المصري. كان بيده جهات كثيرة، وأنظار، وسافر إلى الروم، وعاد إلى مصر، فتوفي بها في ليلة الاثنين أو صبيحته تاسع جمادى الأولى سنة ثلاثين وتسعمائة.
328 - أحمد الخجا ناظر الجامع الأموي: أحمد الطالشي العجمي، المشهور بالخجا ناظر الجامع الأموي نحو سنة، فقطع جوامك أكثر مرتزقته، ونقص من مؤذنيه ومؤقتيه وأئمته ومدرسيه، وأبطل أموراً، ورتب فيه قراء يقرأون الربعة الشريفة تحت قبة النسر، وعدتهم ستون نفراً، ووضع يده على أنظار المدارس التي حول الجامع، ومات يوم الأحد خامس عشري شعبان سنة ثلاثين وتسعمائة.
329 - أحمد ابن الجيعان: أحمد القاضي شهاب الدين بن الجيعان نائب كتابة السر بمصر، وأحد أعيانها. قبض عليه في فتنة أحمد باشا لما ادعى السلطنة بمصر لنفسه، وبعث السلطان سليمان إليه إبراهيم باشا في عساكر ثخينة فقتله، واتهم بإغراء أحمد باشا على طلب السلطنة جماعة من أعيان مصر منهم القاضي شهاب الدين بن الجيعان صاحب الترجمة، والشيخ شمس الدين الدمياطي، فقبض عليهما، ثم أخرج ابن الجيعان من العرفانة، فشنق بعد أن طلب من الجلاد أن يخليه ليصلي ركعتين فصلى، ثم شنق في يوم الخميس تاسع عشري رجب سنة ثلاثين وتسعمائة، وطالت مدة حبس الدمياطي، ثم أخذت منه أموال وأطلق.

330 - أحمد باشا الطاغية: أحمد باشا الطاغية، كان من خواص مماليك السلطان سليم بن السلطان أبي يزيد بن عثمان، ولما استعفى الوزير محمد الجمالي، المعروف ببيري باشا من الوزارة العظمى تقدم إلى التصدي لها أحمد باشا المذكور، وكان ميل السلطان سليمان إلى تصدير إبراهيم باشا، فأعمل السلطان سليمان الفكر في دفعه، فأنعم عليه بنيابة مصر، وأعطاها له تيماراً ليستجلب خاطره، ويستشلحه عن الوزارة العظمى، فسافر إلى مصر، فدخلها في صبيحة الأحد ثامن عشر شوال سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ومعه الأمير جانم الحمزاوي، والأمير إبراهيم المرقباني، واستولى عليها، وأظهر الطغيان والتجبر، وصادر أكابرها في الأموال، وقتل جماعة من أمرائها، وكان ممن قبض عليه جانم الحمزاوي الذي أقامه الخنكار معه مرجعاً ومستشاراً وعمدة في المملكة، والأمير فارس، وضم إليهما الأمير إبراهيم المرقباني صورة، فإنه كان من أعوانه وخواصه، واعتقلهم أياماً، ثم أحضر مباشري الأمير فارس، وعذبهم عذاباً شديداً بحيث قطع من لحومهم، وأطعمهم منها، فاعترفوا بما ليس عليهم، فعاتبه الأمير فارس على ذلك، وويخه وقال له: لأخبرن السلطان سليمان بتفاصيل أفعالك، فأمر بضرب عنقه، فضربت عنق الأمير فارس، في الحال، ثم ضيق على الأمير جانم لحمزاوي، وطلب منه مائة وستين ألف دينار، وحبسه، فتكلم في أمره قرا موسى، والأمير محمد بيك الرومي، والأمير داود بيك، وشفعوا فيه عنده، فلم يقبل شفاعتهم، فحنقوا عليه، ثم أمر بقتل قرا موسى في قصص طويلة، ثم تطاول إلى السلطنة بمصر وقال: إن السلطان سليمان قد سمح له بذلك، فادعى السلطنة لنفسه، وأمر أن يخطب باسمه في المنابر، وأن تضرب سكه الدنانير والدراهم باسمه، ورتب عسكراً من الجراكسة والعوانية والعامة، وعصى عليه أهل قلعة الجبل وحاصرها، وصمم الينكجرية على عدم التسليم له، وقالوا: نحن مماليك السلطان الحافظون لقلعته، فإن ورد علينا أمر منه نتركها ونسلمها، وإلا نحن باقون على دركنا لا ندعه أبداً بعد أن أرسل إليهم في ذلك بعض أكابر مصر، فأجابوا بذلك، فابتدأ الحصار من يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الأول سنة ثلاثين وتسعمائة، واستمر على ذلك يعمل الحيل البالغة في أخذها، حتى دخلها في مستهل ربيع الثاني من السنة المذكورة، فقبض على من فيها، وقتل أئمة الجوامع والمؤذنين، وهبروا بالسيوف نحو ألف نفس ممن فيها، ولم يرحموا صغيراً ولا كبيراً بحيث كان المقتول في هذه الحادثة من الفريقين من الينكجرية نحو ألف وخمسمائة، ومن الجراكسة نحو ستمائة، ومن العوام نحو ألف وانتهب بيوت من بقي من الينكجرية، واستباحوا حريمهم، ثم أمر بإعادة بعض ما انتهب منهم، وأحضر القضاة يوم الخميس سادس ربيع الثاني المذكور، وابن الخليفة في بيت طراباي، وطلب منهم المبايعة على السلطنة بمصر وأعمالها، ولبس شعار الملوك، ثم برز به جهاراً إلى المقعد على رؤوس الإشهاد زاعماً أن السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - من عليه بذلك في نصرته بفتح رودس حين البيعة بها بحسن صنيعه.

ثم أخذ بعد ذلك في مصادرة الأكابر كالأمير جانم الحمزاوي طلب منه مائة وخمسين ألف دينار، وكذلك قاضي القضاة الشافعية شرف الدين البرديني، والقاضي بدر الدين بن الوقاد السعودي، والخواجا بن عبد الله، والخواجا قاسم الشرواني، والخواجا عبد الرحمن بن الجمال، والخواجا بن الصيرفي الإسكندري، وطلب من كل واحد منهم مائة ألف دينار، وأحضرهم في مجلس واحد، وأحضر معهم جماعة من أعيان اليهود وغيرهم، فأمر بتعذيبهم بحضرتهم بأنواع العذاب حيث مات بعضهم، فقال القاضي بدر الدين: هذا لا يحل، واستغاث. فقال له: ليس هذا غيرة للإسلام، وإنما هو توجع لليهود المعاملين لك، وقيل: إنه أمر بضرب القاضي شرف الدين والتضييق عليه، وأمر بضرب جماعة من التجار مقارع وكسارات، ثم صادر الخواجا أبا سعيد كبير المغاربة، وأخذ منه ومن المغاربة أموالاً كثيرة، وكذلك من اليهود والنصارى، وكان يساعده على ذلك ويفقهه في المظالم جماعة منهم الأمير إبراهيم المرقباني، فكان من تدبيره السيئ أن سعى عند أحمد باشا في أمان عبد الدائم بن بقر الذي كان السلطان الغوري قد حبسه لفساده في بعض الأبراج، فأطلقه وضمنه البلاد الشرقية، فالتزم بها بثلاثين ألف دينار يجمعها من العربان، وضمنه المرقباني المذكور، فحذره منه فقال: إن حصل منه خلل اشنقني فاتفق أن عبد الدائم أظهر العصيان، وانحاز إلى برج دمياط، فقال أحمد باشا للمرقباني: أنت قلت في ضمانك إن حصل منه خلل اشنقني فأمر بشنقه، وصدق عليه من أعان ظالماً سقط عليه ثم أصر أحمد باشا على هذه الاحوال أياماً، وكان ذلك بإغراء قاضي زاده الإردبيلي، واستمالته لأحمد باشا عن اعتقاد أهل السنة إلى اعتقاد إسماعيل شاه، ومذهب الإمامية وإباحته له أموال أهل السنة فيما نقله العلائي. فلما كان ضحوة يوم الاثنين سابع عشر ربيع الثاني المذكور حسن عند أحمد باشا النزول إلى حمام خشقدم الزمان برأس الرميلة، وكان أخبر أهل التقويم بحدوث عارض كبير، وضرب سيف في الحمام المذكور، فدخلها وأمر جماعة من الجراكسة ومماليكه أن يحرسوا درب الحمام، فبلغ الأمراء بمصر منهم الأمير جانم الحمزاوي، والأمير محمد بيك الرومي، والأمير تنم ناظر الدشيشة، والأمير علي ابن عمر أنه دخل الحمام، فنزلوا إليه وبعثوا جماعة يقتحمون عليه الحمام، فمانعهم المماليك والجراكسة وجماعة، ووقع بعضهم في بعض حتى قتل بينهم نحو ستين نفساً، فلما بلغه الخبر وهو بالحمام استغاث بالحمامي، فأخرجه من المستوقد، ثم ألبس قفطاناً أخضر، وركب فرساً، ودار من جانب باب القرافة، وانحاز إلى المبيت، فلم يظفر بشيء من المال، فنزل عند المساء في نحو خمسة عشر نفساً من جماعته، فتوجهوا إلى بركة الحاج، ثم انحاز إلى عبد الدائم بن بقر فخرج في أثره الأمير جانم والأمير تنم في نحو خمسمائة نفس، فاستكشفوا أمره، فوجدوا معه قبائل من العربان والجراكسة والعثمانية مناهم بأمور منها أن يبيح لهم القاهرة وأعمالها، وأن يسامع العربان في الخراج ثلاث سنين، فلم يجدوا لهم بهم طاقة، فرجعوا إلى مصر يوم الخميس عشري ربيع الثاني المذكور، فتبعهم بعض جماعة أحمد باشا، فقطعوا منهم رأس بدوي وجركسي، وعلقا بباب زويلة، ثم قبضا في اليوم المذكور على هامان أحمد باشا قاضي زاده، فقطعت رأسه، وعلقت بباب زويلة أيضاً، ثم اجتمعت الأمراء، وأقيم الأمير تنم باشا على الجراكسة، ونودي لهم بالأمان، والأمير جانم باشا على الينكجرية، والأمير محمد بيك محافظاً للقلعة، ثم اجتمعوا أسفل مدرسة السلطان حسن، فكتبوا وصرفت عليهم نفقاتهم، وحرض عليهم الأمير تنم في المصادقة مع السلطان سليمان حفظاً لمهجهم، ثم نودي بأن النفير عام، فتأهب لذلك طوائف من الروم، والعجم، وأهل الشام، والمغاربة والعوام. وطلبوا القضاة، وطلعوا إلى القلعة، وانكشف أمر أحمد باشا بأنه داعية لإسماعيل شاه الصوفي في سفارة قاضي زاده وتسويله، ووجدوا تاجاً عنده من شعار الصوفي، واستفيض أنه استحل قتل أهل السنة، وسلب أموالهم، وعزم على تقديم الاثني عشر إماماً على اعتقاد الرافضة، واظهار ذلك على المنابر وغير ذلك بحيث ثبت عندهم كفره، ثم ركب القضاة الأربعة في محفل عظيم، والتاج على رمح، والمنادي ينادي أمامهم وسط القصبة إن أحمد باشا ثبت كفره وإظهاره شعار الصوفي، فعليكم بالجهاد فيه، وإن يقاتل كل

إنسان عن نفسه وعن عياله، ومن لم يخرج بنفسه أعطى دراهم للبدل عنه، ثم توجه الأمير جانم الحمزاوي، والأمير تنم في نحو الذي نفس، وثمان عربات، وحصل بينهم مجاوشات قتل فيها خلالق، ثم حصل فيما قبل اختلاف بين العربان الذين اجتمعوا على أحمد باشا، فافترقوا فرقتين بين حرام وبين وائل، واقتتلا فقتل بينهم نحو المائة، ثم وصل إلى الإسكندرية ألف ينكجري من الروم بعثهم السلطان سليمان لحفظ بعض الأبراج، فصادف وصولهم هذه الحادثة، فتلائموا على عسكر السلطان، واجتمعوا على قتال أحمد باشا ومن معه، فاجتمع الأمير أحمد بن بقر شيخ عرب الشرقية من أعمال مصر بأولاده الثلاثة المطيعين، وبعثوا إلى عبد الدائم، فقال له أبوه الأمير أحمد: يا ولدي إما أن ترجع إلى الله تعالى وتكفينا شر سطوة السلطان سليمان، وترحم نفسك، وترحمنا وتعدل عن صحبة أحمد باشا ونصرته ونقبض عليه، وإلا هلكنا عن آخرنا، فإن الأمور تضايقت، وقد وصل طلاع عسكر السلطان سليمان إلى مصر، فانحل عبد الدائم عن أحمد باشا، وانفلت عنه العربان، وغالب الجراكسة، فلما علم ضعف حاله، وانقلال الخلق عنه قصد أن يعدي إلى زفتة، فنزل هو وستة أنفار من خواصه، فلما وصل إلى البر دهمته عربان الأمير حسام الدين ابن بغداد، فتوارى منهم، وتنكر بلبس عباءة خولي، فلما فقدوه تتبعوا أمره، واستقصوا عليه حتى قبض عليه وعلى من معه، فقطعت أعناقهم، وعلق رأس أحمد باشا في صنجقة ، وركب القضاة والأعيان، واشتهرت ونودي عليها بعد أن زينت مصر والقاهرة، وفرج عن الناس كرب كثير، وذلك يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ثلاثين وتسعمائة، ثم علقت رأسه على باب زويلة، ثم جهزت إلى السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - في ثالث جمادى الأولى، وضبط الأمراء مصر إلى أن وردها مصطفى باشا. عن نفسه وعن عياله، ومن لم يخرج بنفسه أعطى دراهم للبدل عنه، ثم توجه الأمير جانم الحمزاوي، والأمير تنم في نحو الذي نفس، وثمان عربات، وحصل بينهم مجاوشات قتل فيها خلالق، ثم حصل فيما قبل اختلاف بين العربان الذين اجتمعوا على أحمد باشا، فافترقوا فرقتين بين حرام وبين وائل، واقتتلا فقتل بينهم نحو المائة، ثم وصل إلى الإسكندرية ألف ينكجري من الروم بعثهم السلطان سليمان لحفظ بعض الأبراج، فصادف وصولهم هذه الحادثة، فتلائموا على عسكر السلطان، واجتمعوا على قتال أحمد باشا ومن معه، فاجتمع الأمير أحمد بن بقر شيخ عرب الشرقية من أعمال مصر بأولاده الثلاثة المطيعين، وبعثوا إلى عبد الدائم، فقال له أبوه الأمير أحمد: يا ولدي إما أن ترجع إلى الله تعالى وتكفينا شر سطوة السلطان سليمان، وترحم نفسك، وترحمنا وتعدل عن صحبة أحمد باشا ونصرته ونقبض عليه، وإلا هلكنا عن آخرنا، فإن الأمور تضايقت، وقد وصل طلاع عسكر السلطان سليمان إلى مصر، فانحل عبد الدائم عن أحمد باشا، وانفلت عنه العربان، وغالب الجراكسة، فلما علم ضعف حاله، وانقلال الخلق عنه قصد أن يعدي إلى زفتة، فنزل هو وستة أنفار من خواصه، فلما وصل إلى البر دهمته عربان الأمير حسام الدين ابن بغداد، فتوارى منهم، وتنكر بلبس عباءة خولي، فلما فقدوه تتبعوا أمره، واستقصوا عليه حتى قبض عليه وعلى من معه، فقطعت أعناقهم، وعلق رأس أحمد باشا في صنجقة ، وركب القضاة والأعيان، واشتهرت ونودي عليها بعد أن زينت مصر والقاهرة، وفرج عن الناس كرب كثير، وذلك يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ثلاثين وتسعمائة، ثم علقت رأسه على باب زويلة، ثم جهزت إلى السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - في ثالث جمادى الأولى، وضبط الأمراء مصر إلى أن وردها مصطفى باشا.

331 - إدريس بن حسام الدين البدليسي: إدريس بن حسام الدين، العالم الفاضل المولى البدليسي العجمي، ثم الرومي الحنفي. قال في الشقائق: كان موقعاً لديوان أمراء العجم، ولما حدثت فتنة ابن أردويل ارتحل إلى الروم، فأكرمه السلطان أبو يزيد غاية الإكرام، وعين له مشاهرة ومسانهة، وعاش في كنف حمايته عيشة راضية، وأمره أن ينشيء تواريخ آل عثمان بالفارسية فصنفها، وكان عديم النظير، فاقد القرين بحيث أنسى الأقدمين، ولم يبلغ إشاءه أحد من المتأخرين، وله قصائد بالعربية والفارسية تفوت الحصر، وله رسائل عجيبة في مطالب متفرقة، وبالجملة كان من نوادر الدهر، ومفردات العصر. توفي في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.
332 - إدريس بن عبد الله اليمني: إدريس بن عبد الله، الشيخ الفاضل، اليمني، الشافعي نزيل دمشق. كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد ممن حضر، وشملته إجازته، وكان قد عزم على قراءة المنهاج عليه وعلى غيره والاشتغال، فعاجلته المنية سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
333 - إدريس المؤرخ المارديني: إدريس، الشيخ الفاضل، العالم المؤرخ المنشيء صدر الدين المارديني القاهر. توفي بها في سنة سبع بتأخير الموحدة وعشرين وتسعمائة.
334 - إسماعيل خطيب السقيفة: إسماعيل بن محمد ابن الشيخ علي العلامة عماد الدين السيوفي الدمشقي الشافعي، الشهير بخطيب جامع السقيفة بباب توما بدمشق. ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وقرأ في القرآن العظيم على الشمس بن النجار، وحفظ التنبيه، ومنهاج البيضاوي، والشاطبية، وعرض على الشيخ تقي الدين الحريري، والشيخ برهان الدين الباعوني، والشيخ علاء الدين البخاري، وسمع بقراءة القطب الخيضري، وعلي الخردفوشي، وابن بردس، وابن الطحان وغيرهم، وجلس في أول أمره بمركز الشهود، وخطب بجامع السقيفة، وكان فيه دهاء وحيلة، وهو والد الشيخ العلامة شمس الدين، الشهير بابن خطيب السقيفة بينه وبينه في السن إحدى عشرة سنة لا تزيد ولا تنقص، فإن مولد ولده سنة أربع وأربعين وثمانمائة في ربيع الأول أيضاً كما حرر النعيمي مولاهما، وهو أمر غريب لا يكاد يتفق، وكانت وفاة الشيخ شمس الدين قبل أبيه يوم الأحد ثاني صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وتوفي والده الشيخ عماد الدين صاحب الترجمة يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان - رضي الله تعالى عنه - قال النعيمي: وبه انقرض ذكر بيت السقيفة.
335 - إسماعيل بن اكرم العنابي: إسماعيل بن محمد الفاضل الأمير عماد الدين أبو الفدا ابن الأمير ناصر الدين بن الأكرم العنابي الدمشقي. سمع شيئاً من البخاري على البدر بن نبهان، والجمال بن المبرد، وولى أمرة التركمان في الدولتين الجراكسية والعثمانية، ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن عثمان، وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم، فحصل دنيا عريضة، وجهات كثيرة، وفي آخر عمره انتقل من العنابة، وعمر له بيتاً غربي المدرسة المقدمية داخل دمشق، وكان عنده تودد لطلبة العلم، ومحبة لهم واعتقاد في الصالدين، وبعض إحسان إليهم. خرج مع نائب دمشق إلى قتال اللدروز، فتضعف في البقاع، ورجع منه في شقدوف إلى أن وصل إلى قرية دمر، فمات بها أو في الطريق منها، وحمل إلى دمشق وهو ميت، فغسل بمنزله الجديد، وصلي عليه عند مقصورة الأموي، ودفن بالعنابة، وحضر جنازته السيد كمال الدين بن حمزة والأعيان، وكان موته في صبيحة الخميس حادي عشر المحرم سنة ثلاثين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة رحمه الله تعالى.
336 - إسماعيل بن عبد الله الصالحي: إسماعيل بن عبد الله الصالحي، الشيخ الصالح الموله، قرأ القرآن بمدرسة الشيخ أبي عمر، جف دماغه بسبب كثرة القراءة، فزال عقله، وقيل: عشق فعف، وكان في جذبه كثير التلاوة، ويتكلم بكلمات حسنة، وللناس فيه اعتقاد حتى الأعيان، وكان يلازم الجامع الجديد، وجامع الأفرم بالصالحية قال ابن طولون: وأنشدني:
إذا المرء عوفي في جسمه ... وملكه الله قلباً قنوعاً
وألقى المطالع عن نفسه ... فذاك الغني وإن مات جوعاً

توفي في تاسع عشري رمضان سنة تسعمائة، ودفن بالروضة من جهة الشرق بالقرب من قبر ابن مالك بالسفح، وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
337 - إسماعيل بن قاسم الموقع: إسماعيل بن قاسم بن طوغان، الشيخ الصالح عماد الدين الشهير بابن الموقع الدمشقي. ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان مباركاً. وتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الصغير.
338 - إسماعيل الشويكي: إسماعيل، الشيخ الصالح عماد الدين النحاس، الشهير بالشويكي ثم الدمشقي الشافعي. ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، واشغل في العلم على جماعة، وكانت وفاته في عشرين رمضان سنة سبع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
339 - إسماعيل الزاهر: إسماعيل الفرا، الشيخ العارف بالله تعالى الولي المعتقد، المعروف بالزاهر القاهري. كان صديقا لشيخ الإسلام الجد، وهو ممن اصطحب لهم في طريق الله تعالى من الأولياء، والصالدين، واجتمع به شيخ الإسلام الوالد، وضمن لوالده أن يكون من أهل العلم والصلاح، فوفى الله تعالى عنه ما ضمنه، وكان الأمر كذلك ولله الحمد. توفي بالقاهرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بعد صلاة الجمعة في الجامع الأموي سابع شعبان من السنة المذكورة كما ذكره ابن طولون في تاريخه رحمه الله تعالى.
340 - إلياس الرومي: إلياس العالم الفاضل المولى شعاع الدين الرومي. كان من نواحي قسطمون، واشتغل في العلم، وتقدم في الفضل حتى صار معيداً لدرس المولى الفاضل خواجه زاده، ثم اشتغل في التدريس حتى صار مدرساً بإحدى الثماني بإسلام بول، ثم أعطي تقاعداً، وكان كريم النفس، متخشعاً، مشتغلاً بنفسه، منقطعاً عن الخلق، ويقال: أنه جاوز التسعين، ومات سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وله شريك في لقبه سيأتي في جزء الشين المعجمة رحمه الله تعالى.
341 - أمر الله ابن آق شمس الدين: أمر الله بن محمد بن حمزة، الشيخ العارف بالله تعالى المولى ابن الشيخ العارف بالله تعالى، المعروف بآق شمس الدين الدمشقي الأصل الرومي المولد والمنشأ. قرأ على علماء عصره، ثم اتصل بخدمة المولى الفاضل الشهير بالخيالي، ولما توفي والده أخذت أوقافه من يده، فجاء شاكياً إلى السلطان محمد خان بن عثمان، فعوضه الوزير محمد باش القراماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا، وصار متولياً على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضاً، ثم ابتلي بمرض النقرس، واختلت منه رجلاه واحدى يديه، فأعطي تقاعداً. وأقعد سنين كثيرة حتى مات، وكان يبكي كل وقت، ويقول: ما أصابتني هذه البلية إلا بترك وصية والدي، وكان يوصي أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية. وكانت وفاته في سنة تسع وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً.
342 - أمة الخالق: أمة الخالق الشيخة الأصلية المعمرة أم الخير. ولدت سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وحضرت على الجمال الحنبلي، وأجاز لها الشرف ابن الكويك وغيره. وهي آخر من يروي عن أصحاب الحجاز. نزل أهل الأرض درجة في رواية البخاري بموتها، وكانت وفاتها في سنة اثنتين وتسعمائة رحمها الله تعالى رحمة واسعة.
343 - أم الهنا: أم الهنا بنت محمد الشيخة المباركة الصالحة بنت القاضي ناصر الدين البدراني المصرية. قال الحمصي: كانت فاضلة، ولها رواية في الحديث. توفيت في ثامن جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ودفنت بالقرب من ضريح سيدي العارف بالله تعالى عبد الله المتوفي بالقاهرة رحمها الله تعالى.
حرف الباء الموحدةمن الطبقة الأولى 344 - باشا جلبي الرومي: باشا جلبي، العالم المولى ابن المولى زيرك الرومي الحنفي. كان من الأفاضل، وله ذكاء تام ولطف محاورة. تخزج عنده كثير من الطلبة، وكان من مشاهير المدرسين، وتنقل في التداريس حتى ولي تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها في أوائل سلطنة السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد، وله شريك في اسمه في الطبقة الثانية رحمه الله تعالى.

345 - باكير الرومي: باكير، الشيخ الفاضل تقي الدين الرومي ناظر التكية السليمية، ولي نظارة الجامع الأموي، ودخل دمشق... ونزل عند شيخ الإسلام الجد، وكان من أصحابه وتلاميذه وترجمه بالولاية والفضل، ثم عزل من الجامع الأموي، وأعطي تولية التكية السسليمية، ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفر الدين المكي، ثم سافر إلى بلاد الروم، وعاد بتولية الجامع، وتولية التكية جميعاً، ودخل دمشق عاشر رجب سنة ست وعشرين وتسعمائة، فصرفه نائب الشام في تولية التكية دون الجامع، ثم كانت وفاته ليلة الجمعة خامس الحجة الحرام سنة ست وعشرين المذكورة، ودفن بالقرب من الشيخ محيي الدين بن العربي تحت السماء رحمه الله تعالى.
346 - بالي الأيدي: بالي الأيدي، المولى العالم الفاضل الرومي الحنفي. أخذ العلم عن علماء عصره، واتصل بخدمة المولى خطيب زاده، ثم بخدمة المولى سنان جلبي، ثم تنقل في التداريس حتى صار مدرساً باحدى الثماني، ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانياً، ثم أعطي قضاء بروسا، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، ثم ولي قضاء بروسا ثانياً، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، واستمر حتى مات وهو مدرس بها، وكان له مشاركة جيدة في سائر العلوم قادراً على حل غوامضها. قوي الحفظ. مكباً على الاشتغال حتى سقط مرة عن فرسه. فانكسرت رجله، فاستمر ملقى على ظهره مدة شهرين أو كثر، ولم يترك درسه في المدة، واقتنى كتباً كثيرة، وألف رسالة أجاب فيها عن إشكالات المولى سيدي الحميدي، وكانت وفاته في سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده بالقسطنطينية رحمه الله تعالى.
347 - بخشي خليفة الرومي: بخشي خليفة المولى الفاضل الأماسي الرومي الحنفي. اشتغل في العلم بأماسة على علمائها، ثم رحل إلى ديار العرب، فأخذ عن علمائهم، وصار له يد طولى في الفقه والتفسير، وكان يحفظ منه كثيراً، وله مشاركة في سائر العلوم، وكان كثيراً ما يجلس للوعظ والتذكير، وغلب عليه التصوف، فنال منه منالاً جليلاً، وفتح عليه بأمور خارقة حتى كان ربما يقول: رأيت في اللوح المحفوظ مسطوراً كذا وكذا، فلا يخطيء أصلاً، ويكون الأمر كما قال، وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان خاضعاً خاشعاً متورعاً متشرعاً يلبس الثياب الخشنة، ويرضى بالعيش القليل. توفي بعد الثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
348 - برادر الرومي: برادر بكسر الموحدة وبالراء بعدها دال مهملة مفتوحة، ثم راء آخر الحروف المنلا برادر الرومي العثماني الكاتب الفاضل نزيل رواق الأروام بالجامع الأزهر سنين كثيرة. كان فصيحاً في التركية، والفارسية، والعربية، كاتباً، منشئاً، عارفاً، عفيفاً نظيفاً، قنوعاً. توفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء ثالث صفر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة.
349 - بركات بن محمد الشريف: بركان بن محمد الشريف أمير مكة وسلطانها. توفي بمكة ليلة الأربعاء رابع عشري القعدة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، وتولى مكانه ولده أبو نمي بن بركات. ذكره العلائي في تاريخه استطراداً رحمه الله تعالى.
350 - بركات بن إبراهيم الأذرعي: بركات بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الشيخ الإمام الفاضل زين الدين، وقال النعيمي محب الدين الأذرعي الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بابن سقط: ولد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان من أهل الفضل، وكان أحد عدول دمشق. توفي ليلة الجمعة ثاني عشر شوال سنة تسع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.

351 - بركات بن أحمد بن الكيال: بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد الشيخ العالم الصالح الواعظ زين الدين الدمشقي الصالحي، الشهير بابن الكيال. ولد كما روى بخطه سنة ثلاث وستين وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره تاجراً، ثم ترك التجارة بعد أن ترتب عليه ديون كثيرة، ولازم الشيخ برهان الدين التاجي زماناً طويلاً، وانتفع به قال الحمصي: وقرأ عليه صحيح البخاري كاملاً، وكتب من مصنفاته، ودرس بالجامع الأموي في علم الحديث، وكان متقناً محرراً، وخرج أحاديث مسند الفردوس، وانتفع الناس به وبوعظ وحديثه. قال ابن طولون: ورأس بعد موت شيخه، ولازم الجامع الأموي تجاه محراب الحنابلة، ووعظ بمسجد الأقصاب، وجامع الجوزة وغيرهما، وخطب بالصابونية سنين وحصل دنيا كثيرة، وصنف عدة كتب. قلت: ومنها كتاب " حياة القلوب، ونيل المطلوب " في الوعظ، ومنها " الكواكب الزاهرات، في معرفة من اختلط من الرواة الثقات " ، في علم الحديث، ومنها " أسنى المقاصد، في معرفة حقوق والولد على الوالد " ، ومنها الجواهر الزواهي، في ذم الملاعب والملاهي " ، ومنها والأنجم الزواهر، في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر " كما نقلت ذلك من خطه وطالعت المؤلفين الأخيرين من مؤلفاته بخطه والظاهر أن عربيته كانت قليلة، وكانت وفاته يوم الأحد ثامن أو تاسع ربيع الأول سنة تسع وعشرين وتسعمائة. قال الحمصي: وسبب موته أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي، فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه، وضرب على صدره، فانقطع في بيته، ثم بعد ذلك أراد الخروج إلى الجامع، فما استطاع ذلك فتوضأ وصلى الصبح والضحى في بيته، ودفن بعد صلاة الضحى، وذكر ابن طولون أنه قبل موته بثلاث أيام حصل من مشد الزبالة في حقه قلت: أدب بسبب زبالة وجدها عند باب بيته، وذكر أن الذي ضربه، وحل عمامته رجل مجذوب. كان من أتباع الشيخ العقيبي لأن الشيخ بركات كان ينكر على الشيخ عمر ما كان يعتاده من أمر بعض فقرائه أن يطوفوا في الأسواق، وفي رقابهم المعاليق وغير ذلك. وهم يجهرون بالذكر حتى ربما صرح الشيخ بركات بالإنكار في مجالسه العامة، فأضمر ذلك له ذلك المجذوب حتى ظفر به، وقال له مالك: وللشيخ عمر وكانت هذه الحادثة سبب موته - رحه الله تعالى - وصلى عليه الشيخ شمس الدين الكفرسوسي في صحن الجامع الأموي، وكانت جنازته حافلة، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من سيدي أوس. قال ابن طولون: ولم يخلف بعده في دمشق مثله في الوعظ، وحسن صوته، وإدراكه لفن النغمة، ورثاه الفاضل الشيخ شهاب الدين ابن التدمري بقصيدة أنشأها بعد الفراغ من الفراغ في صبحته أولها:
مات من كان للنواظر قره ... ولأهل الصلاح كان مسره
مات من كان خادم العلم دهراً ... فلهذا في العلم حصل عمره
سهر الليل في العلوم وسيما ... في حديث النبي أشغل فكره
كم له في الحديث قول صحيح ... شرح الله للأحاديث صدره
ناصر للحديث طول زمانه ... فلهذا قد عزز الله نصره
وله في العلوم قول سديد ... فيه شدد المهيمن أزره
وهي طويلة ونظمها متوسط ومن أبياتها:
ليس من أهل ذا الزمان، ولكن ... آخر المولد المبارك عمره
حافظ حد ربه فلهذا ... حاد عما نهى وتابع أمره
وإذا كان حاضراً بين جمع ... فتراه في الجمع قد صار صدره
وله في مجالس الوعظ قول ... ينفع السامعين في كل كره
إن يعد في الأنام يوماً مريضاً ... بدعاه فيكشف الله ضره
طالما قد دعا على كل نحس ... من ذوي العلم أخمد الله جمره
كم يؤاسي الفقير منه بفضل ... ثم يكفي لسائر الناس شره
إلى أن قال:
فتوفاه ذو الجلال شهيداً ... ليوفيه في القيامة أجره
راح من كف أهله وبنيه ... ومحبيه درة أي دره
يوم موت له بكى الناس حتى ... خلت فوق الثرى من الدمع مطره
قد بكته مجالس الوعظ لما ... غاب عنها وخلد الله ذكره

بلغ الله روحه ما تمنى ... في جنان الرضى بأعلى الأسره
وجزاه الإله خيراً دواماً ... ثم أعلى في جنة الخلد قصره
وحباه بكل روح وريح ... ان ونعمى وغبطة ومسره
وما أحسن قوله فيها:
من يكن ذا نباهة ورشاد ... وسداد فليس يأمن دهره
أعظم الله أجركم في أخيكم ... وكفاه نار الجحيم وحره
ووقاكم من حادثات الليالي ... وكفاكم من حاسد السوء شره
352 - بركات ابن حسن الفيجي: بركات بن حسن الفيجي المقريء. أخذ عن والده وعن غيره، وأجازه البدر حسن ابن الشويخ في سنة أربع وتسعمائة.
353 - بركات المصري: بركات الشيخ الصالح المجذوب المصري. كان يحب الإقامة بالأخلية، وكان أكثر إقامته بميضأة الكاملية بمصر، أو بميضأة الحجازية، وكان يرى الناس أنه يأكل الحشيش، سل عليه جندي سيفاً. وقال له: كيف أنت شيخ وتأكل الحشيش؟ فقال له: هذا ما هو حشيش. وأعطاه الجندي: فوجده مأمونية حارة، وله كرامات كثيرة. توفي سنة خمس عشرة وتسعمائة.
354 - بركات الخياط: بركات الخياط المصري الشيخ الصالح الملامتي. كان يأكل من كسب يمينه، ويخيط المضربات المثمنة، وكان يقول لمن يخيط له: هات معك فوطة وإلا اتسخ قماشك من ثيابي، وكان يتستر بالتقذر لا يدع جيفة يجدها من كلب أو قط إلا وضعها في دكانه، وكان الشيخ نور الدين المرصفي وغيره يرسلون إليه الحملات، فيضعونه له الحجر على حانوته، فيعلم بالحاجة، فيقضيها ويقول: الاسم لطوبه والفعائل لأمشير نحن نتعب مع الناس وهؤلاء يأخذون الهدايا منهم، وأخبر بدخول ابن عثمان مصر في الوقت الذي دخل فيه، وهوآخر يوم من سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وكان الأمر كما قال. ومات في ثالث شهر من دخوله، ودفن بالقرب من حوض الصارم بالحسينية بالزاوية التي بناها له تلميذه الشيخ رمضان، ودفن معه جماعة من الصلحاء منهم سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى.
حرف التاء المثناةمن الطبقة الأولى: 355 - التوقاتي الرومي: التوقاتي المولى العالم المدرس ببلدة أماسية الرومي الحنفي. كان فاضلاً منقطعاً عن الناس بالكلية. مشتغلاً بالدرس والعبادة، وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياء، وكان صالحاً مباركاً. مات بأماسية في أواسط سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.
حرف الثاء المثلثة خال

حرف الجيم من الطبقة الأولى

356 - جان بردي: جان بردي بن عبد الله الجركسي، الشهير بالغزالي. سخيف الرأي كان في الدولة الجراكسية كافل حماة ثم دمشق، ثم لما قتل الغوري بمرج دابق رجع جان بردي إلى مصر، وقد تسلطن طومان باي لما وصل موت الغوري إلى مصر، فأقامه طومان باي كافلاً لدمشق، وبعث معه قوة من الجيش، فلما وصل جان بردي وعسكره، إلى غزة تلاقى هو وسنان باشا وزير السلطان سليم، وكان قد جهزه السلطان سليم أمامه إلى مصر، فانتصر عليه، وهرب جان بردي إلى مصر، فلما أخذ السلطان سليم مصر أمنه، وولاه كفالة الشام دمشق، وصفد، وغزة والقدس وأعمالها، كما وعده بذلك، ووعد خير بك بنيابة مصر حين كانا في عسكر الغوري، وبعثا يطلبان من السلطان سليم الأمان أن لا يقتلهما، وأن يكرمهما، وأن يفرا عن الغوري ولا يثبتا في عسكره، فلما التقى الجمعان فر خير بك بمن معه من ميمنة الغوري، وجان بردي بمن معه من ميسرته، فوافاهما السلطان سليم بما وعدا، ثم لما رجع جان بردي إلى مصر وافق طومان باي، ومع ذلك ثبت السلطان سليم على ميثاقه، ووعده وولاه نيابة الشام، ورجع في ركاب السلطان سليم إلى دمشق، ثم خرج في وداعه، ثم عاد إلى دمشق، وقد ولى السلطان سليم قاضي القضاة ابن الفرفور بعد أن تحنف وكان شافعياً، وأبطل القضاة الأربعة إلا ابن فرفور، فكان قاضياً، وكان جان بردي نائباً، وأعاد الشهود إلى مراكزهم على عادتهم في الدولة الجركسية بعد أن كان السلطان سليم قد رفعهم مع القضاة من مراكزهم، ووقع بينه وبين ابن الفرفور بهذا السبب، ونشر العمل في دمشق وأعمالها، وأبطل ما كان حدث بها من اليسق ومنع من أخذه، ومنع البوابين أن يأخذوا شيئاً من الداخلين إلى المدينة، وجرد السيف على كل من تعرض من الأروام لا مرأة أو صبي، وكتب بذلك إلى السلطان سليم، وأخبره بأن دمشق غير معتادة لهذه المناكر، فأجيب بأنا قلدناك أمر الرعية، فافعل ما هو الشرع، وزادت محبة السلطان له والناس، وصار بينه ويين الفرفوري تباين وتنافر، فإنه كان يميل إلى ابقاء القديم على قدمه، وكان ابن الفرفور يأبى إلا قانون الأروام، وهرب منه إلى حلب خوفاً من انتهاك حرمته، وعرض جان بردي بالقضاء لقاضي القضاة شرف الدين بن مفلح الحنبلي بدلاً عن ابن فرفور، فأجيب إلى ذلك، وولي ابن مفلح القضاء إلى أن قتل جان بردي الغزالي.
قال والد شيخنا: وكان سيرتهما في مدتهما حسنة إلى سنة ست وعشرين وتسعمائة، وكان الغزالي في بيروت، وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من ساعته إلى دمشق، وحاصر قلعتها أياماً يسيرة، ثم سلمها إليه أهلها، ونفى نائبها إلى بيت المقدس، واستخدم من كان فيها من الينكجرية، ورد أولاد العرب من المقدمين، ورؤساء النوب والبارودية والجلخية والبوابين إلى مناصبهم بالقلعة، وجعل نيابتها للأمير إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته، ويدعون له بها على المنابر، وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس لما يعلمونه من قوة بأس بني عثمان، وحذراً عليه أن لا تبقى نيابة بيده بسبب بذلك فيعدمونه ويعدمون حسن سياسته، ثم توجه إلى طرابلس وحمص وحماة وحلب، وحاصر قلاعها، ولم يظفر بطائل لكنه قبض على كافل حمص وقتله، ثم دخل حماة وقد فر كافلها وقاضيها إلى حلب، فأخذ من كان معه في النهب، وقتل من كان له غرض في قتله، وأوقع الحمويين في أمر مذبح.

ولما بلغ السلطان سليمان خان ما فعله جان بردي الغزالي جهز جيشاً إليه، واشتد الخوف على أهل دمشق وأعمالها لما سمعوا بذلك، واضطربت الأحوال، واختلفت الآراء وودوا العقلاء موت الغزالي أو قبضه ليتلقوا الجيش به ليدفعوا عن أنفسهم تهمة ما فعله ويسلموا من انتهاك الحرم، وأخذ المهج، وصار الغزالي إلى تحصين ما حول القلعة، ويبني التداريب المانعة من الدخول إلى المدينة، ونصب منجنيقاً في داخل القلعة ليرمي بها الحاصرين لها، وكان الجهلاء والذين كتبهم في عسكره فرحين بذلك متدرعين بالسلاح يقولون: نكسرهم إلى أبواب الروم والعقلاء مهمومون بذلك لعلمهم بما يحدث بعده من حكام الأروام، ولا يقدرون على نصحه، واستمر الناس في الخوف، وحاروا في أمورهم، فمنهم من نقل حرب إلى القوى، ومنهم من دخل المدينة بماله وعياله، وصار الغزالي يكثر الركوب إلى داخل القلعة، ويرجع إلى دار السعادة، وضاقت عليه الأرض، وهم بالهرب، وكانت جهالة عساكره الذين جمعهم من القرى يقولون له: نحن فينا كفاية لصدهم، وصار ينادي كل يوم بالأمان والإطمئنان، وأن لا يخرج أحلأ من محلته. قال الحمصي في تاريخه: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه - أي من شهر صفر - سنة سبع وعشرين تسعمائة أمر جان بردي الغزالي يخطبوا له بالسلطنة، ويلقبوه بالأشرف، فصلى بالجامع الأموي بالمقصورة، وخطب بالأشرف، ووقف على المقصورة بساطاً في اليوم المذكور. قال: وفي يوم السبت رابع عشريه جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي، وحلفهم أنهم معه ولا يخونوه، وإنما يكونوا على كلمة واحدة، وفي الاثنين سادس عشريه ركب هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون، فبلغه أن عسكر السلطان بن عثمان وصل إلى القصير، وأن عدتهم اثنان وستون ألفاً، وأن باشهم الوزير الثالث فرحات وصحبته نائب حلب قراجا باشا، والأمير شاه سوار، والأمير إياس باش الينكجرية، والأمير محمد ابن قرقماس، والأمير محمد بن قرمان، وقاضي القضاة ولي الدين بن الفرفور، وقد أعيد إلى وظيفة القضاء على عادته عوضاً عن قاضي القضاة شرف الدين بن مفلح، فلما بلغ الغزالي ذلك ركب هو والعساكر إليهم، واقتتلوا وكسر عسكر الغزالي، واستأصل جميع عسكره الأسافل، وذكروا أن عدة القتلى سبعة آلاف، ثم دخل العسكر العثمانية إلى لدمشق على حمية على أثرهم، فوجدوا أبواب دمشق مفتحة، ولم يقف أحد منهم في وجوههم، فطلع إليهم نائب القلعة الأمير إسماعيل بن الأكرم بمفاتيح القلعة، وسلمهم إياها، ثم دخلوا البلد وانتهبوها، ولم يسلم منهم إلا ما قل.
وذكر والد شيخنا أن رعايا أهل دمشق كانوا يتضرعون إلى الله تعالى أن يلقى الغزالي عساكر الأروام في الفلاة ليسلموا هم وحريمهم، فاستجاب الله دعاءهم، وقبل تضرعهم، فخرج الغزالي إليهم هو وعسكره، وكان معه الأمير يونس بن القواس بعشيره، والأمير عمر بن الغرقي بعشيره، والتقى العسكران بين دوما وعيون فاسريا والقصير، فلما التقى الجيشان فر ابن القواس بعشيره، وثبت الغزالي هو وقليل ممن معه، فقتلوا وقتل معه عمر ابن الغرقي ثم تبع الأروام بقية الفارين وأخذوا في سلب ما عليهم وبايديهم ولو قصدوا قتل العوام الذين تجيشوا مع الغزالي لقتلوا خلقاً كثيراً حتى وصلوا إلى القابون وآخر عسكر الروم بل أثناؤهم لا يعرفون أن الغزالي برز إليهم حتى رأوا القتلى، فقالوا: ما شأن هؤلاء؟ فقيل لهم: إنه عسكر الغزالي، ولم يدخل من عسكر الغزالي إلى البلد أحد. بل من سلم منهم من القتل فروا في القرى والقفار. قال والد شيخنا: سوى عبد أسود بيده رمح راكب على فرس سايقها سوقاً حثيثاً، فقال له الواقفون برأس الأباريز: بشر بشر، فقال: انكسروا، فكبروا فرحين ظناً منهم أن الغزالي انتصر، فقال لهم رجل من العقلاء: من له بيت أو محلة فليذهب إليها، فإنما أراد بقوله: انكسروا الغزالي وعسكره، فقيل له: بل انتصر، فبينما هم في المحاورة إذ نادى رجل من أعلى القلعة من كان بيته داخل المدينة. فليدخل قبل إغلاق الباب، فهرع الناس إلى مساكنهم وبيوتهم، فلم يكن بأسرع أن دخل عسكر الروم المدينة، وكان ذلك يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة.

357 - جان بلاط: جان بلاط بن عبد الملك الأشرف أبو النصر سلطان مصر اشتراه بشتك الدوادر وقدمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له، فجعله خاصكياً، وقربه إليه، وعلمه القرآن والحساب، والرمي، وصار رئيساً محتشماً، ثم رقاه أستاذه حتى أعطاه تقدمة ألف على التجارة، واستمر على ذلك حتى ولي الدوادارية الكبرى في زمن ولده الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، وأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، وأقام بها سبعة أشهر. قال ابن طولون: وفي أيام ولايته بدمشق ذهبت في خدمة شيخنا المحدث الجمال ابن المبرد إليه، فقال له: عني هذا ولدك فقال: لا هذا طالب علم. فأنشد:
يا طالب العلم لا تركن إلى الكسل ... واعجل فقد خلق الإنسان من عجل
واستعمل الصبر في كسب العلوم وقل: أعوذ بالله من علم بلا عمل ثم قدم القاهرة في زمن الظاهر، فولاه الأمرة الكبرى، وزوجه بأخته، وصار العادل طومان بأي يرمي الفتنة بينه وبين الظاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظاهر، فخرج من قلعة مصر وتركها له، فصعد جان بلاط القلعة، وتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة، ثم جرد قصروه نائب الشام، فأرسل إليه عسكراً مقدمهم الدوادار الكبير، وأمير سلاح العادل طومان باي، فاتفقا عليه، وعادا إلى القاهرة، فحصروا القلعة جمعة، وخامر عسكر جان بلاط عليه، ففروا عنه، فطلع إليه طومان باي في يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة ثاني سنة ولايته، وهي سنة ست وتسعمائة، فأمسكه وأرسله إلى الإسكندرية، ثم قتله خنقاً، ودفن بها مدة شهر، ثم نقل إلى القاهرة ودفن بتربة أستاذه قايتباي الأشرف نحو ثلاث أيام، ثم رد إلى تربته التي أعدها لنفسه خارج باب النصر، فنقل إليها، ولم تتغير جثته رحمه الله تعالى.
358 - جبريل الكردي: جبريل بن أحمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام العلامة أمين الدين الكردي، ثم الحلبي الشافعي. أحد المدرسين بحلب والمعتبرين بها، كان له القدم الراسخة في الفقه والكتابة الحسنة المعربلة على رقاع الفتاوى أخذ الحديث عن السيد علاء الدين بن محمد بن عفيف الدين بن محمد ابن السيد بدر الدين الألجي، وأجاز له جميع ما يجوز له وعنه روايته، وأخذ الصحيحين عن الكمال ابن الناسخ بحق قراءته لهما عن الحافظ برهان الدين الحلبي، وقرأ صحيح مسلم على قاضي القضاة نظام الدين بن التادفي الحنبلي، وكان ديناً، خيراً، متواضعاً، مشغولاً بإقراء الطلبة في الفقه والعربية وغيرهما، ولف في آخر عمره مئزراً على رأسه، وتوفي سنة ثلانين وتسعمائة كما قال ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
359 - جبريل الشافعي: جبريل قال الحمصي في تاريخه: سنة سبع عشرة وتسعمائة رابعة الجمعة صلي بالجامع الأموي - يعني بدمشق - صلاة الغيبة على الشيخ العلامة وجيه الدين جبريل الشافعي مفتي حلب، وتوفي بها قلت: الظاهر أنه غير جبريل المتقدم، ولم يذكره ابن الحنبلي في تاريخه.
360 - جعفر بن إبراهيم السنهوري: جعفر بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة المقريء المجود نور الدين أبو الفتح ابن الشيخ صارم الدين أبي إسحاق السنهوري، المصري، الشافعي، البصير أخذ القراءات عن الشيخ شهاب الدين أبي جعفر أحمد الكيلاني، المعروف بابن الحافظ وعن غيره، وكانت وفاته في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
361 - جعفر بن تاجي بيك: جعفر بن تاجي بيك المولى الفاضل الرومي الحنفي، كان والده في خدمة السلطان أبي يزيد خان حين كان أميراً على أماسية، ورغب هو في طلب العلم، وخدم الموالي كالمولى بن الحاج حسن، والمولى القسطلاني، والمولى خطيب زده، والمولى خواجه زاده، واشتهر بالفضل، ورغب في خدمة الفضلاء، وأعطاء السلطان أبو يزيد خان مدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ودرس بها وأفاد، ثم جعله موقعاً بالديوان السلطاني، وعاش في دولة وافرة، ونكب فانتهبت ثاره، وعزل عن منصبه في آخر سلطنة السلطان أبي يزيد بحادثة يطول شرحها، وأعطي تقاعداً مائة درهم كل يوم، فلم يقبله، ولما تسلطن السلطان سليم خان أضاف إليها قضاء بعض البلاد فقبلها، ثم جعله موقع الديوان، ثم قاضياً بالعساكر الأناظولية، ثم قتله لأمر أوجب ذلك في قصة يطول شرحها.

362 - جمال خليفة القراماني: جمال خليفة، الشيخ العارف بالله تعالى جمال الدين القراماني الحنفي: كان مشتغلاً في العلم، فاضلاً في فنونه. قرأ على قاضي زاده. وخدم المولى مصلح الدين القسطلاني، وكان خطه حسناً استكتبه السلطان محمد خان في نسخة من كافية ابن الحاجب، وأجازه بمال حج به، ثم رجع إلى القسطنطينية، فدخل يوماً على القسطلاني، وهو يومئذ قاض بالقسطنطينية، ومعه مصحف بخط أرغون الكاتب لبعض إخوانه يريد بيعه، فعرضه على السلطان، فقال له. كم درهماً يريد صاحبه؟ فقال: ستة آلاف درهم. فقال: كثير ودفعه إلى جمال خليفة، ثم عرضت على المولى القسطلاني أفراس وردت من بلاد قرامان، فاشترى فرساً منها بعشرة آلاف درهم. قال جمال خليفة - رحمه الله تعالى - : فقلت في نفسي: أنا لا أصير في العلم مثل المولى القسطلاني، ومع ذلك هذا حاله في آخر عمره، وكان ذلك سبباً لإنقطاعي عن طريق العلم، وميلي إلى طريق الصوفية، ثم صحب جمال خليفة في طريق الله تعالى الشيخ حبيب القراماني الآتية ترجمته في حرف الحاء المهملة، ولزم خدمته، واشتغل بالرياضات والمجاهدات حتى أجازه بالإرشاد، فأقام مدة في بلاد قرامان، ثم دخل القسطنطينية، وبنى له الوزير بيري باشا زاوية، فأقام بها حتى مات.
وكان يتكلم في التفسير، ويعظ الناس ويذكرهم ويلحقه عند ذلك وجد وحال، وربما غلب عليه الحال، فألقى نفسه من على المنبر، وكان لا يسمع صوته أحد إلا ويحصل له حال، وتاب على يديه جماعة، وسمع صوته مرة كافر من بعد، فدخل المسجد وأسلم على يده، وكان عابداً، زاهداً، ورعاً، متضرعاً يستوي عنده الغني والفقير، يحب الطهارة، ويغسل أثوابه بنفسه مع ما له من ضعف المزاج، وكان يقول: التوحيد والإلحاد يعسر التمييز بينهما، وكان متمسكاً بالشريعة، محذراً ممن لا يتمسك بها، ويقول: إن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
363 - جبير بن نصر التبريزي: جبير بن نصر العجمي التبريزي، الشيخ الصالح نزيل دمشق. كان كثيراً ما ينشد قول محمد بن عبد الباقي الشهير بابن نصر الكاتب:
كيف السلوك إلى سبيل محجة ... في الوصل تستبقي الصديق صديقاً
إن زرته مدداً يمل، وإن أزر ... غباً يراه قطيعة وعقوقا
توفي بدمشق في أوائل جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ودفن بجانب الشارع الأعظم قبلي تربة الطواشي رحمه الله تعالى.
حرف الحاء المهملةمن الطبقة الأولى: 364 - حبيب القراماني: حبيب القراماني العمري من جهة الأب، البكري من جهة الأم، الشيخ العارف بالله تعالى أحد شيوخ الروم. اشتغل في أول عمره بالعلم، وقرأ في شرح العقائد، ثم ارتحل إلى خدمة السيد يحيى ابن السيد بهاء الدين الشيرازي، فلقي في طريقه جماعة من مريديه، فقال لهم: إن يقدر شيخكم أن يريني الرب في يوم واحد، فلطمه أحدهم لطمة شديدة حتى خر مغشياً عليه، فعلم السيد يحيى بهذه القصة، فدعا الشيخ، وقال له: لا بأس عليك إن الصوفية تغلب الغيرة عليهم، وإن الأمر كما ظننت، وأمره بالجلوس في موضع معين، وأن يقص عليه ما يراه، ثم قال لمريديه: إنه من العلماء، فحكي عن الشيخ أنه قال: لما دخلت من الموضع جاءتني تجليات الحق مرة بعد أخرى، وفنيت عن كل مرة، ثم داوم على خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة، ثم استأذن منه، وعاد إلى بلاد الروم، وسكن مدة بأنقرة، ولازم زيارة الشيخ المعروف بحاج بيرام، وصحبة الشيخ آق شمس الدين، والأمير النقشبندي القصيري، والشيخ عبد المعطي الرسي وغيرهم، وكان له أشراف على الخواطر، ولم يره أحد راقداً، ولا مستنداً إلا في مرض موته. توفي - رحمه الله تعالى - سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن في مدينة إماسية بعمارة محمد باشا.
365 - حسام بن الدلاك: حسام العالم المولى الرومي الحنفي، المعروف بابن الدلاك. كان خطيباً بجامع السلطان محمد خان بالقسطنطينية، وكان يعرف العربية، وكان له مهارة تامة في علم القراءات. حسن الصوت، حسن التلاوة. مات في أوائل القرن العاشر رحمه الله تعالى.

366 - حسن بن محمد بن سعد الدين الجباوي: حسن بن محمد الجباوي، ثم الدمشقي القبيباتي الشافعي، الصوفي، المعروف بابن الشيخ سعد الدين الجباوي. سأله الشيخ شمس الدين بن طولون: هل أخذت عن أحد؟ فذكر له أنه أخذ عن الشمس الارتحي وجماعة، فاستجازه فأجاز له، ومن المشهورين طريقهم أنهم يبرئون من الجنون بإذن الله تعالى بنشر يخطون فيها خطوطاً كيف اتفق، فيشفى بها العليل، ويحتمي لشربها عن كل ما فيه روح، ثم يكتبون للمبتلى عند فراغه من شرب النشر حجاباً.، وفي الغالب يحصل الشفاء على أيديهم، وأخبرني بعض من اعتقد صلاحه وصدقه من جماعتهم أنهم يقصدون بتلك الخطوط التي يكتبونها في نشرهم وحجبهم: بسم الله الرحمن الرحيم، وهم يتلفظون بها حال الكتابة، وأصل هذه الخاصية التي لهم أن جدهم الشيخ سعد الدين لما فتح الله تعالى عليه، وكوشف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - وكان قبل ذلك من قطاع الطريق، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً - رضي الله تعالى عنه - أن يطعمه ثمرات أغمي على الشيخ سعد الدين أياماً، ثم لما يفق إلا وقد تاب الله تعالى عليه وفتح عليه، ثم كشف الله تعالى. له عن كبير الجان، فأخذ عليه العهد بذلك، وكانت وفاة صاحب الترجمة يوم الخميس عاشر جمادى الأولى سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
367 - حسن بن محمد بن الشويخ: حسن بن محمد ابن الشيخ العلامة المقرئ الصوفي بدر الدين ابن الشيخ محمد المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشويخ. أخذ القراءات، ولبس خرقة التصوف من الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي إمام الكاملية بين القصرين بالقاهرة بحق لباسه لها من الشيخ العلامة المقري الصوفي، المعروف بابن الجزري، ولبسها أيضاً من الشيخ محمد البسطامي شيخ زاوية سيدي تقي الدين العجمبم البسطامي الكائنة بمصر أسفل قلعة الجبل بالمصنع، وأخذ عليه العهد ولقنه الذكر بمكة في سابع رمضان سنة خمس وتسعمائة، وأخذ الحديث عنه الحافظ عثمان الديمي الشافعي رحمه الله تعالى.
368 - حسن بن محمد منلا بدر الدين: حسن بن محمد منلا بدر الدين الرومي الحنفي قدم دمشق مع الدفتردار الزيني عمر الفيقي، وكان يقريء ولده، فأخذ له تدريس القصاعية الحنفية، فدرس بها، وحضره بعض أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرس القاهرية الجوانية، وحج في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشري جمادى الآخرة سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
369 - حسن بن إبراهيم الدسوقي: حسن بن إبراهيم، الشيخ الصالح ابن الشيخ المعتقد الماوردي الزبداني، المعروف بابن الدسوقي. كان له لطف ومحاورة. قال ابن طولون: أنشدنا ببيته بالزبداني لأبي الحسن القيرواني:
كم من أخ قد كان عندي شهدة ... حتى بلوت المر من أخلاقه
كالملح يحسب سكراً في لونه ... ومجسه ويحول عند مذاقه
توفي ليلة الأربعاء سادس عشر القعدة سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
370 - حسن بن إبراهيم الحنبلي: حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد بن عيسى بن عثمان بن عمر بن علي بن سلامة، الشيخ بدر الدين العجمي الأصل، المقدسي البيت لبدي، ثم الصالحي الحنبلي. حفظ المحرر للمجد بن تيمية، وحله على شارحه الشيخ علاء الدين البغدادي، ولازم شيخ الحنابلة الشهاب العسكري في حل المقنع والتنقيح، وحل توضيح ابن هشام في النحو على الشيخ شهاب الدين بن شكم، ولازمه مدة طويلة وتسبب بالشهادة في مركز العشر، وتوفي يوم الخميس حادي عشر المحرم سنة خمس عشرين وتسعمائة بالصالحية، ودفن بتربة القاضي علاء الدين الزواوي رحمه الله تعالى.
371 - حسن بن أبي بكر بن مزهر: حسن بن أبي بكر بن مزهر، القاضي بدر الدين ابن القاضي زين الدين كاتب الأسرار بالقاهرة. صودر وحبس، ثم ضرب بحضرة السلطان الغوري، ثم عصر، ثم لف القصب والمشاق على يديه وأحرقت، ثم عصر رأسه، ثم أحمي له الحديد ووضع على ثدييه، وأقطع ثديه، وأطعم لحمه واستمر في العذاب إلى أن مات بقلعه مصر، وعذب عذاباً شديداً - رحمه الله تعالى - وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع رجب سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.

372 - حسن بن أحمد الكبيسي: حسن بن أحمد، الشيخ الصالح بدر الدين الكبيسي، ثم الحلبي. سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحيشي على مسند الدنيا الشيخ محمد بن مقبل بن عبد الله المؤذن، الحلبي، وأجاز لهما، وكان معتقداً عند الناس، محباً للعلماء والصلحاء، شديد الحرص والميل إلى مجالس العلم والذكر، وقال الشيخ زين الدين بن الشماع: لم تر عيني مثله في شدة ضبطه للسانه، وتمسكه بالشريعة. قال ابن الحنبلي: ولم يضبط عنه أنه حلف يوماً على نفى ولا إثبات، وحكي أنه لما قربت وفاته أوصى أن يجهز ويدفن متى مات ليلاً أو نهاراً، وأن يكفن في شاش كان على رأسه، فكفن به بعد أن تبرع له معتقدوه بأكفان كثيرة، وكانت وفاته في سنة إحدى وتسعمائة أو بعدها بيسير رحمه الله تعالى.
373 - حسن بن أحمد الوفائي: حسن بن أحمد، الشيخ الصوفي الوفائي الحلبي.كان سالكاً على طريقة سيدي علي وفاء. كما كان أبوه كذلك، وكان خياطاً ومحبوه يترددون إلى حانوته ويتبركون بخياطته، وكان أسمر اللون، وشعر رأسه مسترسل، وعلى رأسه مدلوكة من صوف أسود وعمامة سوداء، وعباءة سوداء، وكان متقشفاً مخشوشناً ملازماً علي الذكر في مريديه بمسجد قرب داره في زقاق الكلاسة بحلب، وهو غير محلة الكلاسة بها إلى أن توفي في سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
374 - حسن ابن ثابت الزمزمي: حسن بن ثابت بن إسماعيل الشيخ الإمام الحيسوب المفيد بدر الدين الزمزمي، المكي. خادم بئر زمزم. وسقاية العباس - رضي الله تعالى عنه - نزيل دمشق الشافعي. أخذ العلم عن قريبه الشيخ إبراهيم الزمزمي وغيره، ثم اعتنى بعد الزيارج، وبتصانيف الشيخ جلال الدين السيوطي - رحمه الله تعالى - وتوفي بالمدرسة الباذرائية داخل دمشق في سابع عشر ربيع الأول تقريباً سنة إحدى وعشرين وتسعمائة تحقيقاً، ودفن بمقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
375 - حسن بن صالح السرميني: حسن بن صالح بن سلامة الشيخ، الفاضل، الأديب بدر الدين السرميني، الإدلبي، الأزهري، ثم الحلبي، الشافعي، الصوفي، الشاعر. ولد في حدود الثمانين وثمانمائة بسرمين، ونشأ بها يتيماً عند أمه، ثم بلغ ثم ارتحل إلى الشام وزار بيت المقدس، ثم رحل إلى القاهرة، وأقام بالأزهر أربع سنين، واشتغل بالعلم، ولازم الشيخ نور الدين المحلي وغيره. وتردد إلى شيخ الإسلام القاضي زكريا، ثم ذهب إلى مكة في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وجاور بها سبع سنين متوالية، وقرأ بها العلم. وقرأ جانباً من البخاري على الحافظ تقي الدين بن فهد، ولعله مات في حدود هذه الطبقة.
376 - حسن بن عطية العلوي: حسن بن عطية بن محمد بن فهد، المسند بدر الدين العلوي الهاشمي المكي الشافعي، ولد يوم الأربعاء تاسع المحرم سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده وعمه الحافظ تقي الدين بن فهد، وأبي الفتح المراغي، وعبد الرحيم الأسيوطي، وأبي الفضل بن حجر العسقلاني، واجتمع به ابن طولون في سنة عشرين وتسعمائة، وأجاز له ولم يسمع منه، وتوفي في القعدة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
377 - حسن بن علي المنوفي: حسن بن علي القاضي، بدر الدين المنوفي المصري، ثم الدمشقي المالكي الشهير في بلده بابن مشعل. قال ابن طولون: حدث بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدين السخاوي، وقرأت عليه في دار الحديث وغيرها قطعاً من كتب وأربعينات وأجزاء، ومنه وصلت المسلسل بالمالكية سنة سبع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
378 - حسن بن المرادي الحنبلي: حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد بن إبراهيم، الشيخ، الإمام، الفاضل بدر الدين أبو علي المرادي، ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي. حفظ القرآن العظيم وعدة كتب، واشتغل أولاً على جماعة، وآخراً على الشيخ زين الدين بن العيني، فقرأ عليه شرحيه على الألفية، وعلى الخزرجية، وأخذ الحديث عن ابن السلمي، وأبي الشريفة، النظام بن مفلح، ورحل مع الجمال بن المبرد إلى بعلبك، فسمع بها غالب مسموعاته، وسمع على جماعة كثيرين، وكان له خط حسن، وكان يتكسب بالشهادة، وهو من شيوخ ابن طولون ومجيزيه. توفي يوم الخميس تاسع رمضان سنة ست عشرة وتسعمائة.

379 - حسن البعلي: حسن بن علي الشيخ الإمام العالم بدر الدين بن أبي الحسن البعلي إمام الجامع الكبير بها. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
379 - حسن بن علي الماتاني الصالحي: حسن بن علي بن محمد الشيخ بدر الدين الماتاني الصالحي سمع على الشهاب بن زيد، والنظام بن مفلح، والبدر بن نبهان وغيرهم، وكان له استحضار عظيم في السيرة، ومعقول حسن، ومحبة لأهل الحديث. توفي ليلة الأربعاء ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
380 - حسن بن علي الحصكفي: حسن بن علي بن يوسف بن المختار، الشيخ الإمام شيخ الإسلام بدر الدين الإربلي الأصل، والحصكفي، الحلبي، الشافعي، الشهير بابن السيوفي. خاتمة علماء الشافعية بحلب. ولد تقريباً في سنة خمسين وثمانمائة بحصن كيفا. كذا ذكره السخاوي في الضوء اللامع، والذي نقله الشيخ زين الدين بن الشماع عن المحب جار الله بن فهد عن نفس صاحب الترجمة أنه ولد في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأنه نشأ بالحصن، وحفظ القرآن العظيم، و " المنهاج " للنووي، و " الإرشاد " لابن المقري، وألفيتي العراقي في الحديث، وفي السيرة، و " منهاج البيضاوي " في الأصول و " الطوالع " . له أيضاً في أصول الدين، و " الشاطبية " في القراءات و " الكافية " لابن الحاجب، و " الألفية " لابن ممالك في النحو، و " تصريف العزي " في الصرف، و " الشمسية " في المنطق، وقرأ الشاطبية والقرآن العظيم بمضمونها على شيخ القراء أبي محمد سليمان بن أبي بكر بن المبارك شاه الهروي، وهو على الجلال أبي عبد الله يوسف بن رمضان بن الخضر الهروي، وهو عن ابن الجزري، وأخذ عن الهروي المذكور أيضاً علم العروض، وأنهى عليه كتاب القسطاس للزمخشري قراءة بحلب، وقرأ أيضاً بعض السبع على أبي الحسن الجبرتي نزيل سطح الجامع الأزهر في دخلته إلى القاهرة، وقرأ ثمن حزب أو دونه للأربعة عشر على الزين جعفر السنهوري، وأخذ الفقه وغيره بها عن الشيخ العلامة شمس الدين الجوجري، وسمع عليه، وأخذ بالقدس عن الكمال بن أبي شريف بعض " الحاوي " وقرأ عليه أيضاً حاشيته على شرح العقائد، وشيئاً من شرحه على المسايرة للإمام ابن الهمام، وشيئاً من حاشيته على شرح المحلي لجمع الجوامع، وكان صاحب الترجمة كتب على هوامش نسخته أنظاراً على شيخه المؤلف المشار إليه، فلما دفع إليه نسخته ليكتب عليها الإجازة تذكرها، فتكدر حياءً من شيخه، فاتفق أن الشيخ اطلع عليها، وردها عن آخرها، وأجازه من غير اكتراث، ولا تغير عليه، وهذه منقبة عظيمة للكمال بن أبي شريف، ولصاحب الترجمة رواية أيضاً عن القطب الخيضري، وقرأ الشاطبية أيضاً على الشمس السلامي الحلبي بها، وأخذ عنه الفقه والحديث أيضاً، وقرأ عليه في الصحيحين، وشرح ألفية العراقي، وحمل عنه أيضاً ألفية ابن معطي، وألفية بن مالك كلاهما في النحو، وأخذ عن الشيخ علي قرا ثرويش الأصول والمنطق والمعاني والبيان، وأخذ الحديث أيضاً من الشيخ أبي ذز بن البرهان الحلبي، وقرأ عليه في الصحيحين و " الشفاء " للقاضي عياض، وأخذ عنه أيضاً " إعراب المنهاج " له، وعن الشيخ نصر الله " الكافية " لابن الحاجب، وعن منلا زاده " تفسير البيضاوي " . وتلمذ أيضاً للعلامة المحقق منلا عبد الرحمن الجامي، وحج قديماً سنة ست وستين وثمانمائة، وأخذ بمكة عن التقي بن فهد، وسمع على الشيخ عبد الرحمن بن خليل الأذرعي بدمشق سنة سبع وستين تأليفه المسمى بشارة المحبوب، بتكفير الذنوب، وأخذ عن البرهان البقاعي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، وأجازه بالإفتاء والتدريس جماعة، وصار أعجوبة زمانه، وواسطة عقد أقرانه، ثم تصدر ببلده للإفادة، وانتفع الناس بتدريسه وإفادته، وصار شيخ بلده ومفتيها ومحققها ومدققها مع الديانة والصيانة، غير أنه كان يكثر الدعوى والتبجح والمشاححة لطلبة العلم في ألفاظ وغيرها، وتنافس في المباحثة مع الشيخ عبد الغني المغربي شيخ المالكية بدمشق ومع غيره.
وكان طويل القامة، نير الشيبة، مهيباً، من رآه لا يشك أنه من كبار العلماء، وعظام النبلاء غير أنه كان يخضب لحيته بالسواد في أول شيبه، ثم ترك آخراً، وله من المؤلفات حاشية على شرح المنهاج للمحلي، وحاشية على شرح الكافية المتوسط للسيد ركن الدين، ومن شعره ما كتبه على غطاء علبة:

إلهي فاحفظني وقال: اتكشف الغطا ... إذا ما كشفت السر عن كل مضمر
ولكن غطاء القلب، فاكشفه سيدي ... وأشهدني الأسرارفي كل مظهر
وقال رحمه الله تعالى:
إذا ما نالت السفهاء عرضي ... ولم يخشوا من العقلاء لوما
كسوت من السكوت فمي لثاماً ... وقلت: نذرت للرحمن صوما
وقال في مؤذن اسمه قاسم، ولم يكن حسن الصوت:
إذا ما صاح قاسم في المنار ... بصوت منكر شبه الحمار
فكم سبابة في كل أذن ... وكم سبابة في كل دار
توفي بحلب في رييع الأول سنة خمس وعشرين وتسعمائة بعد أن ألمت به كائنة بغير حق من قبل قاضي حلب زين العابدين محمد بن الفناري، وقد أشرنا إليه في ترجمة المذكور، وفي تاريخ ابن طولون أنه مات قهراً بسبب تلك الكائنة، ولم تطل مدة القاضي بعدها كما تقدم، وكان للصلاة على الشيخ بدر الدين مشهد عظيم بالجامع الكبير بحلب، ودفن في مقابر الحجاج، ووضع تحت رأسه طاقية كان قد وهبها له الشيخ الصالح علاء الدين علي بن يوسف ابن صبر الدين الجبرتي بوصية منه. ورآه أحد ولديه في المنام، وهو يشكو من سقوط لبن القبر على ضلعه، فتوجه إليه ولده والحاج أبو بكر الحجار، المعروف بابن الحصينة، فنظرا، فإذا هو قد سقط قال أبو بكر: فكشفت عليه، فوجدته لم يتغير، ولا ظهر له رائحة كريهة، وإنما انقطع الكفن من عند كتفه قليلاً.
وصلي عليه غائبة بدمشق في الجامع الأموي يوم الجمعة بعد صلاتها رابع ربيع الثاني من سنة خمس وعشرين المذكورة - رحمه الله تعالى - .
382 - حسن بن عمر الحبار الرحيبي: حسن بن عمر. وقال الشيخ موسى الكناوي: حسن بن محمد الشيخ الصالح المبارك الحبار الدوباي الرحيبي نسبة إلى الرحيبة من عمل دمشق عنها يوماً ونصف يوم، ثم الدمشقي. كان من عباد الله تعالى الصالدين، وأوليائه المقربين، وكان يعمل الحبر المليح ويبيعه ويقتات من كسب يمينه، وكان لا يلقى أحداً إلا مبتسماً، ويسابقه بالسلام، وكاد سليم الصدر من الغش والحسد، ملازماً على الذكر، مشغول القلب بالله تعالى، وكان يقرأ عنده جماعة بتربة عمر بن منجك، منهم رجل اسمه موسى الرشاني، فمرض. فقال للشيخ حسن: إني دفنت في موضع كذا سبعين أشرفياً قايتبائياً أخرج علي منها، والباقي لك لا أستحق فيه حقاً دونك، فمات موسى المذكور، وصرف عليه الشيخ أشرفيين، وبعد أيام حضر ابن عم له، فسأل: هل خلف شيئاً؟ فأحضر له جميع المبلغ المذكور، ودفعه إليه، ولم يأخذ شيئاً، وكان بميدان الحصا امرأة غاب عنها زوجها، ولها أولاد أيتام، وكان الشيخ يجمع لها من الفطرة كل سنة ثلاثة أكيال، فاستاجر في بعض السنين من رجل يقال له عمر الإقبالي الحمصي حماراً يحمل عليه القمح، فذهب مع الشيخ إلى بيت تلك المرأة، فلما أفرغ المغل رأى المرأة قد أقبلت على الشيخ، فدعت له، ولم يرد عليها الشيخ ولا كلمة، ولا أعارها طرفه. قال: فرأيتها امرأة جميلة، فلما كنا في أثناء الطريق. قلت له: يا سيدي هذه امرأة جميلة، ولم لا تتزوجها؟ قال: وما أعلمك بأنها جميلة. فقلت: قد رأيتها، فقال: هه - كلمة تعجب وزجر - قال: ولم يخاطبني، ولم ينظر إلي بعد ذلك يومين، وكانت هذه عادته مع الأرامل والأيتام يتفقدهم، ويملأ لهم الماء، ويقضي حوائجهم، ويدفع إليه مما يدفعه إليه أهل الخير من زكوات أموالهم، وكانوا يستحبون دفع الصدقات والزكوات إليه ليصرفها على مستحقيها ثقة بأمانته، وديانته، ومعرفته للمحتاجين، والحكايات عنه في ذلك كثيرة، ولما كان سيدي محمد بن عراق بالصالحية في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. قام في عمارة الرصيف الذي بدرب الصالحية، فكان الشيخ الحبار يمضي ويعاونهم في عمارته، ويضرب لثاماً كي لا يعرف، فقدر أنه مرض، فجاء إليه سيدي محمد بن عراق " مختفياً " ، وأهدى إليه هدية، وذكره في سفينته، فيمن صحبهم في طريق الله تعالى، وشهد فيه أنه من الأخيار، وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه يوم الاثنين ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير قريباً من تربة عمر بن منجك. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - ورأيته بعد موته في المنام، فقلت له: كيف وجدت الله. فقال: خير موجود رحمه الله.

383 - حسن بن عيسى الفلوجي: حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم الحنفي بدر الدين اشتغل قليلاً على الزيني بن العيني، واعتنى بالشهادة، ثم تركها، وحضل دنيا واسعة، وحج سنة عشرين، وجاور، وولي نظر الماردانية والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها، وعدة مدارس، ولم يكن فيه أهلية فتفرقها الناس مع أنه كثير الشر. كما قال ابن طولون، ومات يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء عشرين صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن بالسفح رحمه الله تعالى.
384 - حسن الطحينة: حسن، الشيخ الصالح، الحلبي، الشافعي، الشهير بالشيخ حسن الطحينة. قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبار الحلبي، ثم صار من مريدي الشيخ موسى الأريحاوي، وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ بمصطبة الطحينة، نحو أربعين سنة بحيث لا يتغير من مكانه صيفاً ولا شتاء.
وحكيت عنه مكاشفات، وهرع إليه الناس بالأموال وغيرها، وكان يصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا، وإصلاح كثير من الطرقات وإزالة ما فيها، وكان إذا رأى طائراً على بركة الجامع الكبير بحلب. قال: هذا رسولي يخبر بكذا وكذا، وكان يكره سماع اليراع، وينفر منه إذا سمعه، وكان يخلط المآكل المنوعة إذا وضعت له، فإذا قيل له في ذلك قال: الكل يجري في مجرى واحد. توفي - رحمه الله تعالى - في سنة سبع وتسعمائة.
385 - حسن المطراوي: حسن المطراوي المصري، صاحب الكرامات والخوارق، وكان مقيماً بجامع القرافة، والناس يقصدونه بالزيارة، وكان شيخاً طاعناً في السن قارب المائة سنة ومع ذلك يقوم الليل على الدوام، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: وأخبرني أنه فقد الماء الذي يتوضأ منه في ليلة، فتوجه إلى الله تعالى، وإذا بشخص من أرباب الأحوال طائر، وفي عنقه قربة ماء ملأها من النيل،. فنزل عليه، وصبها له في الخابية، وصعد في الهواء. قال: ثم قال لي: يا ولدي من صدق مع الله تعالى سخر له الوجود، فإني لو أعلم أني لو كنت غير صادق معه في قيام الليل، أو قمت لعلة ما سخر لي بعض أوليائه. توفي في سنة عشر تقريباً رحمه الله تعالى.
386 - حسن مؤدب الأطفال: حسن الشيخ، الصالح، المبارك، الفقيه اللطيف بدر الدين المصري مؤدب الأطفال بخروبيها أدب جماعة من أكابرها وأعيانها كالقافي بدر الدين بن عبد الوارث وأولاد ابن عبد المنعم وغيرهم منذ سنين طبقة بعد طبقة. قال العلائي: وقد ذكر لي أنه وجد بعد موت والده عدة مساطير بمعاملات كثيرة، فتفكر في تخليصها ومخاصمات أربابها، وما في ذلك من المشاق، فغلب عليه طريق الراحة والخير، فغسلها أجمع وقنع بجهة التعليم، وكان أمة في ذلك مواظباً درباً مباركاً فيه متبركاً به، ونال منه معايش مع الانجماع، وفراغ القلب، وكأن ملازماً لأذان الخروبية السكري سكنه، والإمامة بجامع الحسنات، توفي ليلة الثلاثاء سادس عشر صفر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة عن نحو تسعين سنة رحمه الله تعالى.

387 - حسن العراقي: حسن العراقي نزيل مصر، الشيخ الصالح العابد الزاهد صاحب الأحوال العجيبة، والكشف الصحيح، كان عن طريقه إذا أتاه أحد بشيء من الأثواب النفيسة ويقول هذا نذر لك يا شيخ حسن يقبلها ثم يأخذ السكين فيقطعه قطعاً ثم يخيطها بخيط ومسلة، ويقول: إن العبد إذا لبس الجديد تصير النفس سارقة بالنظر إليه، وتعجب به، فإذا قطعناها تقطع خاطر النفس، وحكى عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي حكاية عجيبة أخبر بها عن نفسه أنه كان في مبتدأ أمره شاباً من أهل دمشق، وكان ينسج العباء، وكان مسرفاً على نفسه، فجاءه التنبيه من الله تعالى: ما لهذا خلقت، فدخل الجامع الأموي، فوجد شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهدي وخروجه، فاشتاق إلى لقائه، وصار يدعو الله تعالى في سجوده أن يجمعه بالمهدي، فبيمنا هو ليلة بعد صلاة المغرب في الجامع يصلي السنة إذ دخل عليه شخص عليه عمامة كعمائم العجم، وجبة من وبر الجمال، فجلس خلفه، وحس بيده على كتفه، وقال له: قد استجاب الله تعالى دعاك يا ولدي أنا المهمي، فقال: تذهب معي إلى الدار؟ فذهب معه وقال له: أخل لي مكاناً أنفرد به، فأخلى له مكاناً، فأقام عنده سبعة أيام بلياليها، ولقنه الذكر وقال له: اعلمك وردي تداوم عليه إن شاء الله تعالى تصوم يوماً، وتفطر يوماً، وتصلي كل ليلة، خمسمائة ركعة فكان يصليها خلفه كل ليلة في تلك المدة وكان إذ ذاكأمرد حسن الصورة وكان المهدي يقول له: لا تجلس قط إلا ورائي، فلما انقضت السبعة أيام خرج فودعه، فأخبره أنه سيعمر طويلاً، فكان الشيخ يقول في أواخر عمره: إن سنه مائه وسبع وعشرون سنة، ثم خرج سائحاً، فرحل إلى مكة، ثم إلى اليمن، ثم إلى الهند، ثم إلى السند، ثم إلى الصين، ثم عاد إلى بلاد العجم، ثم سافر إلى بلاد الروم، ثم أقصى المغرب، ثم دخل إلى مصر بعد خمسين سنة في السياحة، فلما دخل إلى مصر وجد أن المشار إليه بها هو سيدي إبراهيم المتولي، فلم يأذن له بدخول مصر، وقال له: اسكن في القرافة، ولا تجتمع بأحد، فأقام في قبة مهجورة عشر سنين تخدمه الدنيا في صورة عجوز تأتيه كل يوم برغيفين وإناء فيه طعام، ولم يكلمها قط، ولم تكلمه ثم استأذن في دخول مصر، فأذن له أن يسكن في بركة القرع، فأقام فيها سنين عديدة، ثم أراد الشيخ عبد القادر الدشطوطي أن يبني له جامعاً هناك، فعارضه. وقال له: أخرج من هذه الحارة، فلم يزل به حتى خرج إلى الكوم المدفون به الآن خارج باب الشعرية بالقرب من بركة الرطلي، وجامع البشيري بمصر، فمكث به سبع سنين، فبينماً هو يوماً جالس هناك إذ طلع إليه الدشطوطي، فقال له: إنزل من هذا الكوم، فقال له: لا أنزل، وتنازعا فدعا عليه الدشطوطي بالكساح، ودعا هو على الدشطوطي بالعمى، فاستجيبت دعوة كل منهما في صاحبه، وبقي الشيخ حسن معقداً بالكوم المذكور حتى توفي به في سنة نيف وعشرين وتسعمائة، ودفن به - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
388 - حسن بن محمد بن الشحنة: حسن بن محمد بن محمد قاضي القضاة ابن قاضي القضاة أبو الطيب عفيف الدين، وقال الحمصي وابن طولون بدر الدين بن أبي اليمن أثير الدين بن أبي الفضل محب الدين بن الشحنة. قال ابن طولون الحنفي، وقال ابن الحنبلي في تاريخه الشافعي: ولد في سنة ثمان وخسمين وثمانمائة، وحصل بالقاهرة طرفاً من العلم، وأخذ البخاري عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن طريف الشاوي - بالمعجمة - المصري، الحنفي الصوفي، وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي المجد، الخطيب الدمشقي، وقرأ شرح " جمع الجوامع " بحلب على العلامة المنلا علي، الشهير بعلي درويش الخوارزمي قراءة تحقيق، وتدقيق، وولي قضاء حلب، وكتابة السر بها، وتوفي في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة عشر وتسعمائة. قال ابن طولون: مطعوناً بالقاهرة رحمه الله تعالى.

389 - حسين بن أحمد بن الأطعاني: حسين بن أحمد بن حسين، الشيخ، الصالح، الموصلي الأصل، العزازي الحلبي الشافعي، المعروف بابن الأطعاني. قال ابن الحنبلي: كان فيما بلغني صالحاً فاضلاً، حسن الخط، له اشتغال على البدر السيوفي في العربية والمنفق. قال: وكان أبوه متزوجاً بنت الشهاب أحمد ابن الشمسي محمد الأطعاني، ولم يرزق الشيخ حسن منها بل من أمة أذنت له في التسري بها كانت عاقراً، فاشتهر بواسطة ذلك بالأطعاني قال: وكان من شأنه فيما بلغني عن سقاء كان بمكة يدعى بعزرائيل أنه لما توفي بها طلب منه ماء لغسله يأتي به من سبيل الجوخي لقلة الماء بمكة إذا ذاك. قال: فذكرت أني الآن فارقته خالياً عن الماء، فصمموا علي في الذهاب إليه، فذهبت لآتي بالماء من غيره، فمررت به فإذا هو ممتلئ، فملأت قربتي، وعدت وعد ذلك من كراماته، وكانت وفاته في سنة اثنتي عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
390 - حسين ابن حسن البيري: حسين بن حسن بن عمر، الشيخ حسام الدين البيري، ثم الحلبي، الشافعي الصوفي، وصفه شيخ الإسلام الوالد في رحلته وغيرها الشيخ الإمام الكبير العلامة المفتي العارف بالله تعالى. ولد ببيرة الفرات، ثم انتقل إلى حلب، وجاور بجامع الطواشي، ثم بالألجيهية، ثم ولي في سنة أربع وتسعمائة النظر والمشيخة بمقام سيدي إبراهيم بن أدهم، وكان له فوق ونظم ونثر بالعربية، والفارسية، والتركية، وله رسالة في " القطب والإمام " وعرب شيئاً من " المثنوي " من الفارسية، وشيئاً من " منطق الطير " من التركية منه:
اسمعوا يا سادتي صوت اليراع ... كيف يحكي عن شكايات الوداع
ومنه:
ما ترى قط حريصاً قد شبع ... ما حوى الدرالصدف حتى قنع
ومن شعره رضي الله تعالى عنه:
بقايا حظوظ النفس في الطبع أحكمت ... كذلك أوصاف الأمور الذميمة
تحيرت في هذين، والعمر قد مضى ... إلهي فعاملنا، بحسن المشيئة
قال ابن الحنبلي، وأنشدني له الشيخ قاسم بن الجبريني:
من البطون بسر اللطف أرباني ... إلى الظهور، وذاك اللطف رباني
وقد بنى في وجودي والبنان بنا ... لو خلته قلت: واشوقي إلى الباني
الله أكرمني، الله أوهبني ... الله أمنحني، الله أعطاني
أنساني الغير بالإحسان واعجبا ... فكيف أنسى لمن للغير أنساني؟
إنسان عيني مغمور بحكمته ... واحيرتي كيفما أدركت إنساني!
ما ثم في الكون معبود سواه يرى ... ولا له أبداً في ملكه ثاني
في طي أسمائه الحسنى له حكم ... إذا نشرت ترى القاصي بها داني
وكانت وفاته في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
391 - حسين بن حسن الجباوي: حسين بن حسن بن محمد، الشيخ الصوفي المتقدم ذكره الجباوي، ثم الدمشقي القبيباتي الشافعي، الشهير بابن سعد الدين قال ابن طولون: مشى على طريقة أهله، ثم أقبل على الدنيا، واستأجر عدة جهات، وتقدم عند الحكام، واجتمعت به مراراً بمنزله بالقبيبات، فوجدت عنده كرماً ومحادثة حسنة. قلت: وهو والد الشيخ أحمد، والشيخ سعد الدين، وستأتي ترجماتهما - إن شاء الله تعالى - توفي يوم الاثنين خامس عشر ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن نحو خمس وثلاثين سنة تقريباً، ودفن عند والده برؤوس العمائر عند باب الله رحمه الله تعالى.
392 - حسين بن سليمان الإسطواني الحنبلي: حسين بن سل(يمان بن أحمد، الفاضل بدر الدين بن عبد الله الأسطواني الصالحي الحنبلي. قال ابن طولون: حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر، وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة، وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه. قال: وسمعت بقرائته عدة أشياء، ولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية. انتهى.
وقال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض دروسي، وشملته إازتي، وقرأ علي، وسألني أسئلة في الفقه، وذاكرني فيه، وقرر في الكاملية سبع سنين إلى أن توفي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس - رحمه الله تعالى.

393 - حسين بن عبد الرحمن الرومي: حسين بن عبد الرحمن العالم الفاضل المولى حسام الدين الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره ودخل إلى خدمة المولى أفضل زاده ثم ولي التداريس حتى صار مدرساً بمدرسة السلطان محمد خان ببروسا ثم بمدرسة أبي يزيد خان باماسية ثم بإحدى الثماني ومات وهو مدرس بها وكان فاضلاً بارعاً حسن الصوت لطيف المعاشرة وله أدب ووقار وله حواش على أوائل حاشية التجريد وكلمات متعلقة بشرح الوقاية لصدر الشريعة ورسالة في جواز استخلاف الخطيب ورسالة في جواز الذكر الجهري وغير ذلك توفي في سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
394 - حمزة الشهير بليس جلبي: حمزة العالم المولى نور الدين الرومي الحنفي الشهير بليس جلبي قرأ على علماء عصره وخدم المولى خواجه زاده ثم صار حافظاً لدفتر بيت المال والديوان في زمن السلطان محمد خان ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان مراد خان ببروس ثم صار حافظاً لدفتر بيت المال أيضاً في سلطنة السلطان أبي يزيد خان ثم عزل وبقي متوطناً في بروسا وبنى بها زاوية للصلحاء ومات في سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وتسعمائة ودفن في زاويته المذكورة رحمه الله تعالى.
395 - ابن الحطاب الشويكي: ابن الحطاب الأبله، المبارك الشويكي الممشقي. كان في أول أمره حائكاً مجيداً، وحصل له توله وتزايد عليه، وكان الناس يتبركون به، وتوفي في سابع عشر شعبان يوم السبت سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ودفن بمقبرة الحمرية، وجعل على قبره إشارة رحمه الله تعالى.
396 - حميد الدين الحسيني: حميد الدين بن أفضل الدين العالم العلامة المولى حمد الله الحسيني. كان له حظ عظيم من الورع والتقوى والعلم والفضل. قرأ على والده، وكان والده عالماً صالحاً زاهداً قانعاً صبوراً، وعلى غير والده، ثم خدم المولى بيكان، ثم أعطي تدريس مدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وعزل عنها في أوائل دولة السلطان محمد خان، فأتى القسطنطينية، فبينما هو ذات يوم مار في بعض طرقاتها إذ لقي السلطان محمد، وهو ماش مع عدة من علمائه، وكان ذلك عادته قال: فعرفته، ونزلت عن فرسي، ووقفت فسلم علي، وقال: أنت ابن أفضل الدين؟ قلت: نعم، قال: أحضر الديوان غداً، قال: فحضرت، فلما دخل الوزراء عليه قال: جاء ابن أفضل الدين، قالوا: نعم قال: أعطيته مدرسة والدي السلطان مراد خان ببروسا، وعينت له كل يوم خمسين درهماً، وطعاماً يكفيه من مطبخ عماتي. قال: فلما دخلت عليه، وقبلت يده أوصاني بالإشتغال بالعلم، وقال: أنا لا أغفل عنك، ثم أعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثماني، ثم جعله قاضياً بالقسطنطينية، ثم صار مفتياً بها في أيام السلطان أبي يزيد خان، واستمر حتى مات، وكان عالماً كبيراً. ذكر تلميذه المولى محيي الدين الفناري أنه لم يجد مسألة من المسائل شرعية أو عقلية إلا وهو يحفظها، وقال: لو ضاعت كتب العلم كلها لأمكن أن يمليها من حفظه، وهذا الكلام في نفس الأمر غلو وإغراق.
وحكى في الشقائق عنه أنه حكى عن نفسه أنه وقع بالقسطنطينية طاعون حين كان مدرساً بإحدى الثماني، فخرج ببعض أولاده إلى بعض القرى، وهي زلة لا تليق بمقام مثله، وكان حليماً صبوراً لا يكاد يغضب حتى تحاكم إليه، وهو قاض رجل وإمراة، فحكم للرجل، فاستطالت عليه المرأة، وأساءت القول في حقه، فلم يزدها على أن قال: لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغير، وإن شئت أن أغضب عليك، فلا تطمعي، وله حواش على شرح الطوالع للأصبهاني، وهي متداولة مقبولة، وحواش على شرح المختصر للسيد الشريف، وهي مقبولة أيضاً، وكانت وفاته في سنة ثمان وتسعمائة.

397 - حيدر الخيالي: حيدر العالم الفاضل المولى الرومي، الحنفي ابن أخي المولى الخيالي، وحفيد المولى محمد بن الفناري. اشتغل في العلم، وخدم المولى محمود القوجوي، وصار معيد الدرس، وكان يومئذ مدرساً بدار الحديث بأدرنة، وقرأ عليه المطول من أوله إلى آخره، وصحيح البخاري من أوله إلى آخره، وكان يقرأ عليه في أثناء الدرس شرح الكرماني، ثم رحل إلى مصر، وأخذ عن علمائها التفسير، والحديث، والأصول، والفروع، ثم عاد إلى الروم، فصار متولياً على أوقاف عمارة السلطان محمد خان ببروسا، ثم على أوقاف السلطان أورخان بها، وكان له يد طولى في النظم والنثر بالعربية مع الفصاحة والبلاغة. توفي ببروسا في أواخر دولة السلطان سليم خان بن السلطان أبي يزيد خان رحمهم الله تعالى.
حرف الخاء المعجمةمن الطبقة الأولى: 398 - خالد بن عبد الله الأزهري: خالد بن عبد الله بن أبي بكر، الشيخ العلامة النحوي زين الدين المصري الأزهري الوقاد به. اشتغل وبرع، وانتفعت به الطلبة، وصنف شرحاً على أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، وهو المشهور بالتوضيح، وإعراباً على الألفية لابن مالك، وشرحاً على الجرومية، وآخر على قواعد الإعراب لابن هشام، وآخر على الجزرية في التجويد، وآخر على البردة، والمقدمة الأزهرية، وشرحها، وكثر النفع بتصانيفه لوضوحها. وكانت وفاته في رابع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة بعد أن حج، ووصل إلى بركة الحاج خارج القاهرة، وكان صحبة الركب الأول، وحصل له محنة من العرب رحمه الله تعالى.
399 - خضر بن محمد الحسباني: خضر بن محمد الشيخ زين الدين الحسباني عامل أوقاف الحرمين الشريفين بدمشق. مولده تقريباً في أوائل الثلاثين وثمانمائة، وتوفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال سنة ست عشرة وتسعمائة، ودفن شرقي القلندرية بمقبرة باب الصغير عند والده أبي الفضل. قال ابن طولون: وبمجرد إهالة التراب في قبره أذن المغرب، فأذن شخص عند قبره وفرح - رحمه الله تعالى - .
400 - خضر بن أحمد الرومي: خضر بن أحمد، الشيخ. العارف المولى خضر بيك ابن المولى أحمد باشا الرومي الحنفي. تربى عند والده، وحصل فضيلة وافرة من العلم وصار مدرساً بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسا، وانتفع به الطلبة، وفضلوا عنده، ثم مال إلى التصوف وتهذيب الأخلاق، وصار خاشعاً. وقوراً، ساكناً، مهيباً، متأدباً، متواضعاً مراعياً لجانب الشريعة، حافظاً لآداب الطريقة، مقبولاً عند الخاصة والعامة. حتى توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وتسعمائة رحمه الله.
401 - خضر نائب قلعة مصر: خضر الأمير خير الدين نائب قلعة مصر، كان ديناً عفيفاً، عاقلاً، شفوقاً، محترماً، ذا رأي وتؤدة يحمل هم الخلق في الحوادث، ويشفع وينفع مع حسن اعتقاد. وبر للفقراء والمساكين دائماً من سماطه صباحاً ومساءً، وعمر مسكنه بالقلعة مسجداً، وأوصى أن يعمر مقام سيدي سارية، وأن يدفن فيه. ففعلوا، ومات ليلة الأربعاء خامس ربيع الثاني سنة سبع بتأخير الباء الموحدة وعشرين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة بمصر، وأوصى بألفي دينار من ماله للصدقات، وأن يحج عنه.
402 - خطاب بن محمد الصالحي الحنبلي: خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي، ثم الصالحي، الدمشقي، الحنبلي الشيخ المفيد زين الدين. حفظ القرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، وأخذ عن الشيخ صفر، والشهاب بن زيد وغيرهم، واشتغل في العربية على الشيخ شهاب بن شكم، وحل عليه ألفية العراقي في علم الحديث، واعتنى بهذا الشأن. قال ابن طولون: أنشدنا لنفسه في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وكان الطاعون موجوداً بدمشق يومئذ:
بطشت يا موت في دمشق ... وفي بنيها أشد بطش
وكم بنات بها بدوراً ... كانت فصارت بنات نعش
وقال: عرض له ضعف في بعض الأحيان، وكان عند الناس أنه فقير، فأوصى بمبلغ من الذهب له كمية جيدة، ثم برأ من ذلك الضعف، فشنق نفسه بخلوته بالضيائية في سابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعمائة. رحمه الله تعالى.

403 - خليل بن محمد بن خلفان: خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان - بفتح المعجمة والفاء، وإسكان اللام بينهما، وبالنون آخره - القاضي غرس الدين الدمشقي الحنبلي، المعروف بالسروجي. ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا، واشتهر بالشهادة، ثم فوض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة، وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة الجورة بالميدان - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .
404 - خليل بن إيراهيم الصالحي: خليل بن إبراهيم بن عبد الله، الشيخ المحدث أبو الوفاء، ابن أبي الصفا الصالحي، الحنفي، ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. أجاز ابن طولون، والكفرسوسي، وابن شكم وغيرهم في صفر سنة سبع وتسعمائة، وأجاز لمن أدرك حياته، ومن مشايخه ابن حجر، والشيخ سعد الدين الديري الحنفي، والعيني، والقاياتي، والعلم البلقيني وغيرهم رحمه الله تعالى.
405 - خليل بن سالم الحلبي: خليل بن سالم، الشيخ الصالح. الصوفي. الحريري. الخرقة الحلبي، المعروف بابن النفاش بالفاء، كان يصدع بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكان له اهتمام بترميم المساجد من ماله حتى اتهمه الأستادار في الدولة الجراكسية بدفين ظفر به، وأراد أن يأخذ منه مالاً بطريق الجور، فصدعه بالقول وهول عليه، فلم يستطع التوصل إليه ذكره ابن الحنبلي. وقال: توفي عن سن عالية في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة أو بعدها - رحمه الله تعالى.
406 - خليل بن عبد القادر بن غرس الدين: خليل بن عبد القادر بن عمر بن محمد، الشيخ الإمام، العالم المحدث غرس الدين أبو سعيد بن الشيخ أبي المفاخر زين الدين ابن الشيخ العلامة سراج الدين، الجعبري الأصل، الحلبي الشافعي سبط خطيب الأقصى، الشيخ شهاب الدين القرقشندي. ولد في المحرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف، واشتغل في العلم على جماعة منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، والشيخ العلامة برهان الدين الخليلي الأنصاري وغيرهما، وجمع معجماً لاسماء شيوخه. ولي حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفي في المحرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وكان رجلاً خيراً ديناً من أهل العلم، والتواضع والناس سالمون من يده ولسانه، وتوفي في أحد الربيعين سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
407 - خليل بن نور الله بن خليل الله: خليل بن نور الله، الشيخ العلامة، المعروف بمنلا خليل الله الشافعي تلميذ المنلا علي القوشجي. دخل حلب وقطنها، واكب على القراءة عليه بها جماعة، منهم الشمس السفيري، وكتب على الفتوى، وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام. قيل: وكان يفتي من الرافعي الكبير بقوة المطالعة، وكانت له مواعيد حسنة بجامع حلب، وألف رسالة في المحبة، ورسالة في الفتوح، في بيان النفس والروح ، ورسالة في بيان " نكتة التثنية، في قوله تعالى: " رب المشرقين ورب المغربين " " سورة الرحمان: الآية 17 " مع الإفراد في قوله: " رب المشرق والمغرب " " سورة المزمل: الآية 9 " والجمع في قوله: " رب المشارق والمغارب " " سورة المعارج: الآية 40 " وكانت وفاته سنة ثمان وتسعمائة، وحمل سريره برسباي الجركسي كافل حلب، ودفن بتربة السفيرفي خارج باب المقام، وتأسف لفقده الفضلاء والنبلاء رحمه الله تعالى.
408 - خليل بن خليل الفراديسي الحنبلي: خليل بن خليل الفراديسي الصالحي الحنبلي. الشيخ غرس الدين أبو القاسم. كما قال ابن طولون: حفظ القرآن، ثم قرأ المحرر للمجد بن تيمية، وأخذ عن النظام بن مفلح، والشهاب بن زيد، والشيخ صفي الدين، ولازم شيخنا القاضي ناصر الدين بن زريق، وأكثر من الأخذ عنه، ثم أقبل على الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها، قال ابن طولون: أجاز لنا، وكتب عنه فوائد، توفي في حبس كرتباي الأحمر ملك الأمراء بدمشق سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
409 - خليل الأوسي: خليل القاضي غرس الدين الأوسي، الرملي الشافعي. قاضي الرملة، المعروف بابن المدققة. توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال سنة تسع وتسعمائة - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

410 - خليل الرومي: خليل. العالم الفاضل المولى الرومي. الحنفي، المشهور بمنلا خليلي. كان حليماً كريماً متواضعاً متخشعاً إلا أنه كان يغلب عليه الغفلة في سائر أحواله. درس في بعض مدارس الروم، ثم بإحدى الثماني، ثم (بمدرسة أدرنة، ثم أعطي قضاء القسطنطينية في دولة السلطان أبي يزيد خان، ثم قضاء العسكري الأناظولي، ثم الروم إيلي، ومات على ذلك فى أوائل دولة السلطان سليم خان بن أبي يزيد خان رحمه الله تعالى.
411 - خليل القلعي: خليل القلعي، الشافعي، العبد الصالح والد إمام الجوزة. كان على طريقة السلف الصالحين رحمه الله تعالى.
412 - خليل المقيم بالكلاسة: خليل، الشيخ الصالح الموله المقيم بالكلاسة بدمشق، كان للناس فيه اعتقاد عظيم، وكان يحبون أن يطلب منهم الدراهم. فيعطونه. توفي في أواخر الحجة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
413 - خميس المجذوب: خميس، الشيخ الصالح المجنوب صاحب الحال والتمكين بدمشق، واشتهر أنه هو الذي أدخل الشي حسن ابن الشيخ سعد الدين الجباوي إلى الشام، وكان سبب رسوخ الطائفة السعدية في دمشق، وكان إذا مر به أحد يأمره بتقبيل يد الشيخ حسن واعتقاده، وقال الشيخ موسى الكناوي: لم أره. وحكى عنه أصحابنا حكايات تدل على تصرفه وسعة حاله. قال: ومن أصحابه سيدي محمد بن قيصر القبيباتي. قلت: من الحكايات المشهورة عنه أن بعض جماعته، ولعله ابن قيصر. كان يتردد إلى سيدي علي بن ميمون بالصالحية، وكان ابن ميمون ربما لاح منه إنكار على الشيخ حسن، فذكر ذلك لسيدي خميس، فقال لذلك الرجل: الذي كان يتردد إلى سيدي علي بن ميمون. قل لابن ميمون لما سقطت نعلك في البحر. وأنت في السفينة في يوم كذا من ردها إليك إلا رجال الشام، فذكر ذلك لابن ميمون، فاعترف بذلك، وصار يتأدب بعد ذلك مع الشيخ خميس - رحمه الله تعالى - ومات سيدي خميس في سنة ثماني عشرة وتسعمائة أو دونها، ودفن بمقبرة القبيبات رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
414 - خديجه بنت محمد البيلوني: خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، المعروف بابن البيلوني، الشافعي. الشيخة الصالحة المتفقهة، الحنفية، أجاز لها الكمال بن الناسخ الإطرابلسي وغيره رواية صحيح البخاري، واختارت مذهب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - مع أن أباها وأخوتها شافعيون حفظاً لطهارتها عن الانتقاض بما عساه يقع من مس الزوج لها، وحفظت في مذهب الحنفية كتاباً، وكانت دينة، صينة، متعبدة، مقبلة على التلاوة إلى أن توفيت في رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة رحمها الله تعالى.
حرف الدال المهملةمن الطبقة الأولى:

415 - دمرادش المحدث: دمرداش المحمدي، الشيخ الصالح الورع المعتقد، صاحب الزاوية، والغيط بالقاهرة ذكر ابن طولون أنه كان أحد مماليك السلطان قايتباي الملك الأشرف، والظاهر أنه ليس كذلك، فإن الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، ذكر أنه كان أجل أصحاب سيدي أحمد بن عقبة المغربي، المدفون في حوش السلطان برقوق، بصحراء مصر، فلما مات شيخه، ساح في البلاد حتى دخل تبريز العجم، فصحب الشيخ العارف سيدي عمر روشني بها وأقام عنده مدة، ثم رجع إلى مصر، فنزل بالبرية خارج الحسينية، فسأل السلطان قايتباي أن يأفن له في إحياء أرض زاويته، والغيط المعروف به الآن، فأذن له فأقام بغرس النخيل، وسقيه نحو خمس سنين، وهو في خص، هو وزوجته، فغرس ألف نخلة فلم يخطيء منها واحدة، وليس منذ غرس غيطة بمصر، أحسن تمراً من غيطه، ولتمره شهرة زائدة، وكل ذلك ببركة التقوى، وملاحظة النية عند غرسه فإنه أخبر عن نفسه، أنه لم يغرس نخلة قط، إلا على نية الفقراء، والمساكين الذين هو من جملتهم، وذكر أن سيدي إبراهيم المتبولي، هو الذي أشار عليه بذلك، وقال له:يا دمرداش كل من عمل يدك، وإياك والأكل من صدقات الناس، فإنهم يتقاسمون حسناتك في الآخرة، وقد وقف غيطه، وشرط أن تنقسم غلته أثلاثاً ثلاث لمصالح الغيط، وثلث لورثته، وثلث الفقراء والمساكين القاطنين بالزاوية، والواردين إليها، وشرط على القاطنين بزاويته، أن يقرأوا كل يوم ختماً يتناوبونه، ثم يجتمعون قبيل المغرب، ويهدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الشيخ محيي الدين بن العربي - رضي الله تعالى عنه - وقال العلائي: كان على سمت حسن يكل الحلال، ويطعمه، وكان يعتقد ابن العربي، وابن الفارض، واستكتب، الفتوحات المكية، وغالب شروح التائية، وقال الشعراوي: أقام عند الفقراء الصادقون، وانتفعوا به، واستخلف منهم جماعة، وأذن لهم بالتسليك في مصر، منهم الشيخ حسن الجركسي، والشيخ محمد الحانوتي، والشيخ كريم الدين بن الزيات، وهو الذي أحيى طريقة شيخه بعده، قال: وزاوية الشيخ دمرداش عامرة بالسماط، والفقراء، وليس في مصر زاوية يأكل فقراؤها حلالاً مثلها لأن وقفها، من عمل الشيخ بيده، لا منة لأحد فيه على الفقراء، ولا رياء فيه، ولا سمعة قال: وكان إذا غلب عليه الحال يأكل الإردب الفلفل، وعمل له مرة الأمير قبردي الدوادار سماطاً، وأرسل يقول له: ائت بجميع أصحابك، فلم يأت معه أحد، فجلس على السماط قيل: وكان يكفي خمسمائة نفس، فقال: أما ننتظر الجماعة فقال الشيخ: أنا أسد عنهم، فصار يأكل من الإناء، ويلحسه حتى أكله كاملاً، وقال: لم أشبع فآتوه بكسر يابسة، وبقية الطعام الذي ترك للعيال، والغز، فاستغفر الأمير، واعتذر للشيخ وقيل له: كيف أكلت ذلك كله؟ فقال: رأيته شبهات، فحضرت بطائفة من الجن فكلوه، وحميت الفقراء منه، وذكر العلائي أنه توفي في عصر يوم السبت، حادي عشري في الحجة سنة تسع، بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة، وأقيم مكانه ولده سيدي محمد، وذكر ابن طولون، أنه صلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة سابع عشر المحرم، سنة ثلاثين وتسعمائة، ثم صلي عليه بالعمارة السليمية بالصالحية، في الجمعة التي تليها، ولعل ذلك لاعتقاده الزائد في ابن العربي - رضي الله تعالى عنهما - ورحمهما رحمة واسعة.
حرف الذال المعجمةمن الطبقة الأولى: 416 - ذو النون الكملاني: ذو النون الشيخ الإمام، العالم الصالح الزاهد المجذوب الكملاني، كذا ترجمه الشيخ شهاب الدين الحمصي، في تاريخه، وقال: وكان له أحوال ظاهرة ومكاشفات غريبة، وكان لا يستقر في مكان إلا قليلاً، وانتقل في آخر أمره إلى الجبل المانع، بالقرب من قرية الكسوة بدمشق، وأقام به مدة، ثم رجع إلى مقام السيد ضرار بن الأزور الصحابي - رضي الله تعالى عنه - خارج دمشق، وأقام به مدة، ثم عاد إلى الجبل المانع، فعدا عليه جماعة من المناحيس، الفلاحين الفسقة، فقتلوه ليلاً، وقطعوا رجله، ودفنوه تحت أحجار بالجبل المذكور، ففطن به جماعة من جيرة الجبل المذكور، فأخرجوه، وأحضروه إلى قرب سيدي الشيخ أرسلان، فغسلوه، وكفنوه، ودفنوه بالمكان الذي أنشأه القرب من سيدي ضرار بن الأزور، المذكور، وتأسف الناس عليه، وكان قتله في رجب سنة تسع وعشرين، وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الراءمن الطبقة الأولى:

417 - رجب قاضي البقاع: رجب القاضي زين الدين قاضي البقاع، من أعمال دمشق. قال الحمصي: كان من الفضلاء. توفي في رابع عشر القعدة سنة ثماني عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
418 - رستم الرومي: رستم الشيخ العارف بالله تعالى، رستم خليفة الرومي البرسوي الحنفي، أصله من قصبة كونيك، من ولاية أناظولي، وأخذ الطريق عن الشيخ العارف المعروف بحاجي خليفة الرومي، ويفهم من سيرته أنه كان أويسيا، له خوارق، ويتستر بتعليم الأطفال، وكان لا يتكلم إلا عن ضرورة، وله أنعام تام على الأغنياء والفقراء، وإذا أهدى إليه أحد شيئاً كافأه بأضعافه، ولم يكن له منصب، ولا مال، وحكى عن نفسه، أنه رمد مرة فلم ينفعه الدواء، فرأى رجلاً فقال له: يا ولدي إقرأ المعوذتين في الركعتين الأخيرتين من السنن المؤكدة قال: فداومت على ذلك فشفي بصري، وكان بعض جماعته يقول: نرى أن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام، وخرج جماعة من المارقين على بروسا، في سنة سبع عشر وتسعمائة، فاضطرب الناس اضطراباً شديداً، حتى هموا بالفرار، فاستغاثوا بالشيخ رستم خليفة، فقال لهم هؤلاء الجماعة: لا يدخلون هذا البلد، ولا يلحق أهله ضرر من جهتهم، فثبتوا مكانهم، وكان كما قال: ومات في تلك السنة، ودفن ببروسا رحمه الله.
419 - رمضان الرومي: رمضان الرومي، الشيخ العارف بالله تعالى، المقيم بأدرنة، كان صوفياً، وأخذ عن الشيخ العارف المعروف بالحاج بيرام، وكان بحراً زاخراً في المعارف الإلهية، وطوداً شامخاً في الإرشاد، وسلك على يديه جماعة من المريدين، وكان مجاب الدعوة، انقطع المطر مرة بأدرنة في سلطنة السلطان بايزيد خان، فاستسقى أهلها، فلم يسقوا حتى استغاثوا به، فحضر إلى المصلى، وصعد المنبر، ودعا الله تعالى، وتضرع إليه فما نزل من المنبر إلا وقد نزل المطر، وتوفي بأدرنة في أيام سلطنة السلطان المذكور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
420 - رمضان الرومي أيضاً: رمضان الرومي أيضاً العالم الزاهد الورع الخاشع، المعروف بحاج رمضان المتوطن ببلدة قسطموني، من بلاد الروم، كان قائم الليل، صائم النهار، منقطعاً إلى الله تعالى، منجمعاً عن الناس قال في الشقائق: وكان بركة من بركات المسلمين، توفي في أوائل دولة السلطان سليمان خان، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.
حرف الزايمن الطبقة الأولى:

421 - زكريا ابن القاضي زين الدين الأنصاري: زكريا بن محمد بن زكريا الشيخ الإمام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدثين، الحافظ المخصوص بعلو الأسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم، العامل، والولي الكامل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والسالك إلى الله تعالى أقوم مسالك الطريقة، مولانا وسيدنا قاضي القضاة، أحد سيوف الحق المنتضاة، زين الدين أبو يحيى الأنصاري السنيكي، المصري، الأزهري، الشافعي، وسنيكة المنسوب إليها - بضم السين وفتح النون وإسكان الياء المثناة تحت وآخر الحروف تاء التأنيث - بليدة من شرقية مصر. قرأت بخط شيخ الإسلام الوالد أنه ولد ببلده في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة. وقال الحمصي: في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وحكى العلائي. عن الشيخ الصالح المعتقد ربيع ابن الشيخ المصطلم عبد الله السلمي الشنباري أنه يوماً بسنيكة مسقط رأس الشيخ زكريا، وإذا بامرأة تستجير به وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عليه يروم أن يكتبه موضع أبيه في صيد الصقور، فخلصه الشيخ منه، وقال لها: إن أردت خلاصه فافرغي عنه يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر، وعلي كلفته، فسلمت إليه الشيخ زكريا على ذلك ليتنصل من الفلاحة، وكان عليه يومئذ خلق ثوب وزمط مقور، فلا زال يشتغل الشيخ زكريا حتى صار إلى ما صار إليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. قال العلائي: وكان إذا ورد عليه الشيخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجله في زمن صمدته ومنصبه، وكان يقضي حوائجهم، ويعترف بالفضل لهم، وربما مازحته زوجة الشيخ ربيع التي ربته، وحكى الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، عن الشيخ زكريا - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: جئت من البلاد وأنا شاب، فلم أعكف على الاشتغال بشيء من أمور الدنيا، ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق. قال: وكنت أجوع في الجامع كثيراً. فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل ما أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بها عن الخبز، فأقمت على ذلك الحال سنين، ثم إن الله تعالى قيض لي شخصاً من أولياء الله تعالى كان يعمل في الطواحين في غربلة القمح، فكان يتفقدني ويشتري لي ما أحتاج إليه من الأكل والشرب والكسوة والكتب، ويقول لي: يا زكريا لا تخف عني عن أحوالك شيئاً، فلم يزل معي كذلك عدة سنين، فلما كان ليلة من الليالي أخذ بيدي والناس نائمون. وقال لي: قم معي، فقمت معه فأوقفني على سلم الوقادة الطويل بالجامع، وقال: إصعد هذا الكرسي، فلم يزل يقول لي اصعد إلى آخر درجة. ثم قال: إنزل، فنزلت، فقال لي: يا زكريا إنك تعيش حتى تموت أقرانك، ويرتفع شأنك، وتتولى مشيخة الإسلام - يعني قضاء القضاة مدة طويلة - وترتفع على أقرانك، وتصير طلبتك مشايخ الإسلام في حياتك حتى يكف بصرك قلت: ولا بد لي من العمى. فقالا: لا بد، ثم انقطع عني فلم أره من ذلك. انتهى.

واشتغل - رضي الله تعالى عنه - في سائر العلوم المتداولة، وبرع فيها، فقرأ القرآن العظيم على جماعة منهم الإمام الرحلة زين الدين أبو النعيم رضوان بن محمد العقبي، والإمام المقريء نور الدين علي بن محمد ابن الإمام فخر الدين المخزومي البلبيسي الشافعي إمام الأزهر قراءة عليهما جميعاً للأئمة السبعة، ومنهم الإمام العلامة زين الدين ظاهر بن محمد بن علي النويري المالكي جميعاً للأئمة الثلاثة زيادة على السبع، وقرأ على العقبي الشاطبية، والرائية، وسمع عليه من التيسير للداني يسيراً، وتفقه بجماعة منهم شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وفقيه الوقت الشرف موسى بن أحمد السبكي، ثم القاهري، والشيخ شمس الدين محمد بن علي البدشيني نزيل تربة الجبرتي بالقرافة، والعلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن رجب القاهري عرف بالمجدي، والعلامة شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الحجازي مختصر الروضة، والشيخ العلامة شمس الدين محمد بن إساعيل الوفائي، وقرأ على شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن على القاياتي أول شرح البهجة للعراقي إلى الأمان، ومن الأمان إلى آخره، وعلى العلامة علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وأذن له جماعة من هؤلاء وغيرهم بالتدريس والإفتاء، وقرأ كتاب " التبيان، في آداب حملة القران " ، للنووي على الشيخ أبي إسحاق الصالحي، وأخذ العربية، والأدب، والأصول، والمعقولات عن شيخ الإسلام ابن حجر، وعن المحيوي الكافيجي، والتقي الحصكفي وعن غيرهم، وكان رفيقاً للجمال يوسف الكوراني، والعماد إسماعيل الكردي، على الشمس الشرواني في هذه، وسمع عليه هو والعماد المذكور بقراءة الكوراني شرح المواقف. لكن نقل العلائي أن الشمس الشرواني لما سئل عن هؤلاء في فهم الكتاب المذكور قدم الكوراني عليهما، وأخذ القاضي زكريا - رحمه الله تعالى - الحديث عن جماعة منهم ابن حجر قرأ عليه السيرة النبوية لابن سيد الناس، والسنن لابن ماجة لما عدا من قوله في آخر الدعوات ما يدعو به الرجل إذا خرج من بيته إلى آخر الكتاب، فمات ابن حجر قبل إكماله، وسمع عليه أشياء كثيرة، وقرأ على أبي النعيم رضوان العقبي مسند الإمام الشافعي، وصحيح مسلم، والسنن الصغرى للنسائي، وسمع عليه شرح معاني الآثار للطحاوي وغير ذلك كثيراً، وقرأ صحيح البخاري على أبي إسحاق إبراهيم بن صدقة الحنبلي، وسمع جميعه على الشمس القاياتي، وأكثره على ابن حجر، وأجازه خلائق يزيدون على مائة وخمسين نفساً ذكرهم في ثبته، ولبس الخرقة الصوفية من الشيخ أبي العباس أحمد بن علي الأتكاوي، والشيخ أبي الفتح محمد بن أبي أحمد الغزي، والشيخ أبي حفص عمر بن علي النبتيتي، والشيخ أحمد ابن الفقيه علي الدمياطي. الشهير بابن الزلباني، والشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي التميمي الخليلي، وكلهم شافعيون، وتلقن منهم الذكر، وأذنوا له بالتلقين والإلباس، وكنلك أخذ الطريق عن أوحد الجماعة القائم في النصيحة بين العباد بما استطاعه سيدي محمد بن عمر الواسطي، الغمري، الشافعي بحق أخذه عن سيدي الشيخ أحمد الزاهد صاحب الستين مسألة في الفقه - رضي الله تعالى عنه - وسافر شيخ الإسلام زكريا وهو بالمحلة الكبرى من مصر، وأقام عنده أربعين يوماً، وقرأ عليه كتاب " قواعد الصوفية " له كاملاً، ثم رجع إلى مصر. قال الشعراوي: وأخبرني - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل مرة على سيدي محمد الغمري الخلوة على غفلة، فرأى له سبع عيون قال: لما بهت فيه. قال لي: يا زكريا إن الرجل إذا كمل صار له عيون بعدد أقاليم الدنيا. قال: ودخلت عليه مرة أخرى، فرأيته متربعاً في الهواء قريباً من سقف الخلوة. قال الشعراوي: وأخبرني أنه من حين كان شاباً يحب طريق الصوفية، ويحضر مجالس ذكرهم حتى كان أقرانه يقولون: زكريا لا يجيء منه شيء في طريق الفقهاء لكوني كنت مكباً على مطالعة رسائل القوم، مواظباً على مجالس الذكر، قال: ولما اشتغلت بالعلم، وبرعت فيه - بحمد الله تعالى - شرحت البهجة. قال: فلما أتممت شرحها غار بعض الأقران، فكتب على بعض نسخ الشرح كتاب الأعمى والبصير تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فيه رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه. قال: فاحتسبت بالله تعالى، ولم ألتفت إلى مثل ذلك. قال: وكان تأليفي لشرح البهجة في يوم الاثنين، والخميس لكونها

ترفع فيها الأعمال. كما ورد في الحديث. انتهى.ع فيها الأعمال. كما ورد في الحديث. انتهى.
ثم وكان - رضي الله تعالى عنه - بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً، وتفسيراً، وفقهاً، وأصولاً، وعربية، وأدباً، ومعقولاً، ومنقولاً. فأقبلت عليه الطلبة للإشتغال عليه، وعمر حتى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرت عينه بهم في محافل العلم، ومجالس الأحكام قصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام ومن أعيان من أخذ عنه الشيخ الإمام العلامة جمال الدين عبد الله الصافي، والشيخ الإمام نور الدين المحلي، والشيخ الإمام مجلي، والشيخ الفقيه عميرة البرلسي، والشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي، والشيخ بهاء الدين المفصي، وشيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد. قرأ عليه المنهاج والألفية، وسمع عليه أشياء كثيرة، والشيخ العلامة مفتي البلاد الحلبية البدر بن السيوفي، والشيخ العلامة شهاب الدين الحمصي، والشيخ العلامة بدر الدين العلائي الحنفي، والشيخ العلامة شمس الدين الشبلي، والشيخ الصالح الولي عبد الوهاب الشعراوي، والشيخ العلامة فقيه مصر شهاب الدين الرملي القاهري، وولده شيخنا العلامة شمس الدين الرملي، والشيخ العلامة مفتي الحجاز، وعالمها شهاب الدين بن حجر الهيتمي. شارح المنهاج، وولد الشيخ زكريا الشيخ العلامة الصالح العلامة نور الدين النسفي المصري، ثم الدمشقي وغيرهم. وولي الجهات والمناصب، وولاه السلطان قايتباي قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة كلية، ثم عزل عن القضاء بسبب خطه على السلطان بالظلم، وزجره عنه تصريحاً وتعريضاً. قال العلائي: وعاش عزيزاً مكرماً محظوظاً في جميع أموره ديناً ودنيا بحيث قيل: إنه حصل له من الجهات والتداريس والمرتبات والأملاك قبل دخوله في منصب القضاء كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، وجمع من الأموال، والكتب النفيسة ما لم يتفق لمثله. قال: ومتع بالقول على ملازمة العلم والعمل ليلاً ونهاراً مع مقارنة مئة سنة من عمره من غير كلل ولا ملل مع عروض الإنكفاف له. بحيث شرح البخاري جامعاً فيه ملخص عشرة شروح، وحشى تفسير البيضاوي في هذه الحالة، وكان يبر من الطلبة من يسوق له عبارات الكتب، فيأمره بكتابة ما يراه منها، " ويحرر من غير ضجر، وكان يقرأ عليه الدروس ومروياته في الحديث، ويراجع مصنفاته فيصلحها " ويحررها المرة بعد الأخرى إلى آخر وقت قال: وكان رجاعاً إلى الخير. منقاداً للمعروف، ولو من الأداني، منصفاً لمن أوله ولو صغيراً غير متكثر بالعلوم والمشيخة، ضابطاً لأوقاته غير مضيع لعمره، سليماً من العوارض والعواطل غير أنه تحمل في منصب القضاء لمراعاة مصالح دنياه وحفدته أموراً تخشى عاقبتها، حتى أنشد فيه الشيخ تاج الدين بن شريف.
قاضي سنيكة عالم متبحر ... لكنه لكنه لكنه
ثم انتقد عليه أموراً ظاهرها التعصب، ومنها حادثة وقعت للعلائي نفسه، مع رأس نوبة النواب الأمير أزبك اليوسفي، بسبب المدرسة العلائية الديلمية، زعم العلائي أن صاحب الترجمة راعى جانب الأمير أزبك فيها، ثم قال العلائي. معتذراً: لعمري أني رقمت هذه الأمور، وإني في تأثر وحيرة، فإنه من شيوخنا في الجملة دراية، وروايةً وإن شاركناه في كثير من شيوخه، وقد جمع من أنواع العلوم، والمعارف، والمؤلفات المقبولة، ومكارم الأخلاق، وحسن السمت، والتؤدة، والأخذ عن الأكابر، ما لم يجمعه غيره، فإنه آخر من روى عن الضابط الصين المسند أبي النعيم رضوان العقبي، وعن القاياتي إلى أن قال: وكان قلمه أجود من تقريره، لكنه رزق حظاً وافراً وتكاثرت عليه صغار الطلبة، والمشايخ الكمل، ووسع الناس، واستجلبهم بقبول ما يأتون، والتوجه إلى ما يبدون. قال: وسبب ذلك في الحقيقة كثرة اطلاعه، وتحصيل الكتب الواسعة، ولفظ نكت المتأخرين، ونوابغهم، وغفلة غالب الناس عن ما أخذه لقصور هممهم، وعدم اطلاعهم انتهى.

وإنما ذكرت كلام العلائي هذا لاشتماله على تقرير حال الشيخ - رضي الله تعالى عنه وإن اشتمل على غض قليل من مقامه لأن الفاضل لا يخلو من حاسد مناكد، ولا بد لكل من تولى القضاء من راض منه وساخط، وكذلك تباعد أكثر السلف عن تولية القضاء كأبي حنيفة، وسفيان الثوري، ويحيى بن يحيى النيسابوري وأمثالهم، فمثل ذلك لا يكون جرحاً في مثل صاحب الترجمة مع إطباق الناس على تعديله، واعتقاد تقديمه وتفضيله، وقد كان - رضي الله تعالى عنه - يتأسف على تولية القضاء. قال الشعراوي: قال في مرة إنها كانت غلطة. فقلت له: ما هي؟ فقال: لي توليتي للقضاء صيرتني وراء الناس مع أني كنت مستوراً قال: فقلت له: يا سيدي إني سمعت بعض الأولياء يقول: كانت ولاية الشيخ للقضاء ستراً لحاله لما شاع عند الناس من صلاحه وزهده وورعه ومكاشفاته. قال: فقال: الحمد لله الذي خففت عني يا ولدي. قال الشعراوي: وكانت أول شهرة يعني بالصلاح والولاية في أيام السلطان خشقدم، وذلك أنه كان في باب النصر رجل مشهور بالصلاح، فمر عليه السلطان خشقدم، فوقف عليه يزوره، فقال للسلطان: إذا كان لك حاجة. فاسأل فيها الشيخ زكريا، فركب السلطان فزاره، فأسرعت الناس إليه، فمن ذلك اليوم اشتهر بالصلاح. وقال الشعراوي أيضاً: أخبرني يوماً أن الخضر عليه السلام كان يجتمع بسيدي علي الضرير النبتيتي، فسأله يوماً عن أحوال علماء العصر، فصار يقول: ونعم منهم، فسأله عني فقال: ونعم منه إلا أن عنده نفيسة، فقلت: يتوب منها، ولم يبين له الخضر ذلك. قال: فتنكرت على أفعالي، وصار عندي تطير من جميع أفعالي، فأرسلت أقول لسيدي علي: إذا رأيته مرة أخرى، فاسأله يبين النفيسة لأتوب عنها، فأتاه فأخبره. وقال: إنه إذا كاتب الأمراء في حاجة يقول لقاصده: قل هذا الكتاب من الشيخ زكريا، فيسمي نفسه شيخاً. قال: فمن ذلك اليوم ما تلفظت بهنه الكلمة، وكان الشيخ بعد ذلك يقول لقاصده، إذا أرسله إلى أحد من الأمراء: يقول لك زكريا خادم الفقراء.

وذكر الشعراوي في طبقاته الكبرى والوسطى وغيرهما جملة من كراماته. منها أنه دعا لأعمى مرة، فأبصر. قلت: وحدثت عن والدي - رضي الله تعالى عنه - أن الشيخ دخل إلى الغوري في حادثة تعصب الغوري فيها، فعلم الغوري بان الشيخ جاء في ذلك، فأمر البوابين، فوضعوا السلسلة على بابه، فجاء الشيخ وهو راكب على بغلته، فقطع السلسلة بكراسة كانت في يده من غير اكتراث ثم دخل ودخل الناس معه وبالجملة فقد صار أمثل أهل زمانه وأرأس العلماء من أقرانه، ورزق البركة في عمره، وعلمه وعمله، وأعطي الحظ في مصنفاته وتلاميذه حتى لم يبق بمصر إلا طلبته وطلبة طلبته، وقرئ عليه شرحه على البهجة سبعاً وخمسين مرة حتى حرره أتم تحرير، ولم ينقل ذلك عن غيره من المؤلفين، وكانت مؤلفاته " شرح الروض " و " شرح البهجة " و " المنهج " وشرحه يدرسها الناس، ويرجع إليها مدرس كل كتاب منها في حل مشكلاته، وأقرأ شيخ الإسلام الجد في شرحه على الروض وغيره، وراجعه في مواضع منه، فأصلحها، ومؤلفاته كلها حافلة، جليلة، معتبرة، مقبولة فما يتعلق بالفقه منها " المنهج وشرحه " وشرحا البهجة الكبير والصغير، وسماه بالخلاصة، وشرح الروض، وشرح التنقيح ومختصره، وشرحه مختصر أدب القضاء للغزي، والفتاوي وما يتعلق بعلم الفرائض شرحان على الفصول، وشرح الكفاية لابن الهائم، وشرح النفحة القدسية لابن الهائم أيضاً، وما يتعلق بالأول مختصر جمع الجوامع، وشرح المختصر المذكور، وحاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي، وقطعة على مختصر ابن الحاجب، وشرح الطوالع في أصول الدين، وما يتعلق بالتفسير حاشية على البيضاوي، ومقدمة في البسملة والحمدلة، وما يتعلق بالقراءات، والتجويد مختصر المرشد للعمادي، وشرح الجزرية، ومختصر قرة العين في الفتح، والإمالة، ومقدمة في أحكام النون الساكنة والتنوين، وما يتعلق بالحديث شرح البخاري والإعلام بأحاديث الأحكام، ومختصر الآداب للبيهقي وشرح الفية العراقي، ومما يتعلق بالتصوف شرح رسالة القشيري، وشرح رسالة الشيخ أرسلان، وما يتعلق بالنحو والتصريف حاشية على ابن المصنف، وشرح الشافية لابن الحاجب، وشرح الشذور لابن هشام، وما يتعلق بالمنطق شرح إيساغوجي، وما يتعلق بالجدل شرح آداب البحث، وما يتعلق بغير ذلك مختصر بنل الماعون، وشرحا المنفرجة كبير وصغير، وديوان خطب، والثبت الذي أثبت فيه مروياته ومجيزيه، فجملة مؤلفاته أحد وأربعون مؤلفاً، وكلها نرويها بالإجازة الخاصة من شيخ الإسلام الوالد بحق أخذها عنه حين كان في طلب العلم بالقاهرة.

وكان صاحب الترجمة معما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالاً، واستعمالاً وإفتاءً، وتصنيفاً، ومعما كان عليه من مباشرة القضاء، ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا لا يكاد يفتر عن الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً، مهيباًَ، مؤانساً، ملاطفاً يصلي النوافل من قيام مع كبر سنه وبلوغه مائة سنة وأكثر، ويقول: لا أعود نفسي الكسل حتى في حال مرضه كان يصلي النوافل قائماً، وهو يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له في ذلك. فقال: يا ولدي النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك، وكان إذا أطال عليه أحد في الكلام يقول له: عجل قد ضيعت علينا الزمان، وكان إذا أصلح القاريء بين يديه كلمة في الكتاب الذي يقرأه ونحوه يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً. الله الله لا يفتر عن ذلك حتى يفرغ، وكان قليل الأكل لا يزيد على ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول؛ إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كان من الملوك الصالحين، وذكر أنه عمرها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان - رضي الله تعالى عنه - كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعة يرتب لهم من صدقته ما يكفيهم إلى يوم، وإلى جمعة، وإلى شهر، وكان يبالغ في إخفاء ذلك حتى كان غالب الناس يعتقدون في الشيخ قلة الصدقة، وكان إذا جاءه سائل بعد أن كف بصره يقول لمن عنده من جماعته: هل هذا أحد؟ فإن قال له: لا أعطاه، وإن قال له: نعم قال، له: قل، له: يأتينا في غير هذا الوقت، قال الشعراوي: وقد جاء مرة رجل شريف أسود من صوفية تربة قايتباي. فقال: يا سيدي خطفت عمامتي في هذه الليلة، وكان حاضراً الشيخ جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري جابي الحرمين، فأعطاه الشيخ جديداً، فرماه في وجه الشيخ، وخرج غضبان، فأعلمت الشيخ بذلك. فقال: هو أعمى القلب الذي جاء هؤلاء الجماعة انتهى.
وكان - رضي الله تعالى عنه - يعتقد ابن العربي، وابن الفارض، وأنظارهما من كبار الصوفية، ويتأول كلامهم بتآويل جلية حتى ضمن ذلك كتابه شرح الروض ورد فيه على ابن المقري قال المسند زين الدين بن الشماع. محدث جلبي: وكان قد رحل إلى مصر، وأخذ عن صاحب الترجمة وغيره قال: أول ما اجتمعت به قال لي: ما اسمك؟ قلت: عمر، فترنم لهذا الاسم، ثم قال: والله يا سيدي أنا أحب عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وأحب من اسمه عمر لأجل سيدي عمر. قال ابن الشماع: ثم ذكر لي مناماً رآه حاصله أنه رأى سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في منامه وهو طوال قال: فقلت له: اجعلني في صدرك أو في قلبك. فقال له سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - يا زكريا أنت عين الوجود، ثم ذكر لي أنه استيقظ، وهو يجد لذة هذه الكلمة. قال ابن الشماع: ثم ذكر لي أنه اختصم شخصان من أمراء الدولة في الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض - رحمه الله تعالى - فقال أحدهما: هذا ولي الله، وقال الآخر: هو كافر، وإن القائل بكفره كتب صورة سؤال في كفره، وطلب منه الكتابة قال شيخ الإسلام زكريا: فامتنعت من ذلك، واعتذرت بأن القول بكفر مسلم هي خطر قال: فلما سمع القائل بولايته لذلك طمع في الكتابة بولايته، فكتب صورة سؤال، وطلب الكتابة بولايته، فامتنعت أيضاً، واعتذرت بأن الجزم بولاية من لم نتحقق ولايته فيه خطر أيضاً، فلم يقنع بل طلب الكتابة، وترك السؤال عندي، فذهبت بعد صلاة الجمعة إلى جامع الأزهر لزيارة شخص كنت أعتقده لاستشيره في الكتابة في الولاية، فلما رآني ابتدرني قبل أن أكلمه بقول: نحن مسلمون أولا؟ قلت له: بل أنتم من خيار المسلمين قال: فما الذي يوقفك عن الكتابة. فقلت له: كنت أنتظر الأذن قال: ثم فتح علي بكتابة عظيمة في القول بولايته، قال ابن الشماع: هذا ملخص ما سمعته من لفظه انتهى.

ذكره ابن الحنبلي في ترجمة ابن الشماع، وقال الشعراوي لما وقعت فتنة الشيخ برهان الدين البقاعي في شأن سيدي عمر بن الفارض: أرسل السلطان إلى العلماء، فكتبوا بحسب ما ظهر، وامتنع الشيخ زكريا، ثم اجتمع بالشيخ محمد الإصطنبولي، فقال له: اكتب، وانصر القوم، وبين في الجواب أنه لا يجوز لمن لم يعرف مصطلح القوم ذوقاً أن يتكلم في حقهم بشيء آخر لأن دائرة الولاية من وراء طور العقل لبنائها على الكشف. انتهى. وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي في مختصر كتاب الدرر في ترجمة بن حجر للشمس السخاوي. قال لي الشيخ جمال الدين الصافي. لما قدم مع الغوري إلى حلب مع قضاة مصر لما سألته عن ابن الفارض، وعن ابن العربي، فقال لي: هذا السؤال سألته لشيخنا القاضي زكريا، فقال لي: أعتقد أن ابن الفارض ولي الله، وأعتقد أن ابن العربي ولي الله، ولكنه دون ابن الفارض. قلت: وهنا خلاف ما عليه معتقدوهما، فإنهم يقدمون ابن العربي على ابن الفارض - رضي الله تعالى عنهما - وقد كان الأول قاطناً بدمشق، وهي مسكن الإبدال غالباً، والثاني بمصر، وهي مسكن الأوتاد والإبدال من الصديقين، والأوتاد من الأبرار، وسمعت بعض إخواننا يحكي أنه روي أن الشيخ محيي الدين بن العربي كان يعرض عليه كلام سيدي عمر بن الفارض - رضي الله تعالى عنه - فيقول: هو كلامنا لكنه أبرزه في قالب آخر. وكان يقول: هو ماشطة كلامنا، والذي يظهر لي من كلامهما أن ابن العربي أوسع في المعرفة، وأن ابن الفارض أوغل في المحبة، والله سبحانه وتعالى هو الموفق، وكان لشيخ الإسلام زكريا ذوق في فهم كلام القوم يشرح كلام أهل الطريق على أتم وجه، ويجيب عنه الأجوبة الحسنة إذا أشكل على الناس شيء منه، وكان يقول الفقيه: إذا لم يكن له معرفة بمصطلح ألفاظ القوم: فهو كالخبز الحاف بغير أدم، ورفع إليه سؤال عن بيت من كلام بعض العارفين صورته:
أمولانا شيخ العلم والفضل والحجى ... ومن حوله أحداق راجيه محدقه
ومن هو في التوحيد حقاً، وأهله ... بصير نصير سحب جدواه مغدقه
ومن لاذ وفد السائلين ببابه ... فأولاهم كنز العلوم وأنفقه
ومن هو قطب حل دائرة النهى ... عليه مدارالعلم حين تحققه
ابن موضحاً معنى لبيت يلي الذي ... يليه بمدحي من معانيه مشرقه
محمد المختار أزكى الورى، ومن ... على فضله كل البرايا مصدقه
هو السر في الدارين، والنقطة التي ... لها حرف جمع أعجمت منه تفرقه
فذا مدح بعض العارفين لوصفه ... ولم يدر معناه البديع ورونقه
عليه مع الآل الكرام وصحبه ... سلام متى ناحت بأيك مطوقه
فأجاب - رضي الله تعالى عنه - : بأن السر هو الأكمل، والنقطة القطب، والحرف الطرف، والجمع هذا الأنبياء، وهمزة أعجمت للسلب، ويقال: أعجمت الكتاب أزلت عجمته، وتفرقة مفعول له، ويحتمل أن يراد بالنقطة نقطة حرف الهجاء، وبالجمع الكلمات على إرادة التشبيه البليغ أي هو كالنقطة التي بها أزيلت عجمة حروف الكتابة، فإنه صلى الله عليه وسلم أزيلت أيضاً به العجمة من ريب وغيره من الكتاب المنزل عليه، والمعنى على الأول أنه صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق، وقطبهم الذي به أي بكونه قطباً صار طرف الأنبياء. وخاتمهم، وأزبلت به العجمة عن الكتاب المنزل تفرقة بين الحق والباطل قال: وحاصله نظماً:
محمد في الدارين أكمل خلقه ... تعالى، وقطب الأنبياء مصدقه
وخاتم رسل الله، وهو الذي به ... أزيلت جميع المعجمات الموثقه
وكان شعر الشيخ - رضي الله تعالى عنه - متوسطاً، ومنه ما رواه عنه شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في المواضع التي تباح فيها الغيبة:
وتباح غيبة لمستفت ومن ... رام إغاثة لدفع منكر
ومعرف متظلم متكلم ... في معلن فسقاً مع المحذر
وقال - رضي الله تعالى عنه - متوسلاً:
إلهي ذنوبي قد تعاظم خطرها ... وليس على غير المسامح متكل
إلهي أنا العبد المسيء، وليس لي ... سواك، ولا علم لدي ولا عمل

إلهي أقلني عثرتي وخطيئتي ... لأني يا مولاي في غاية الخجل
إلهي ذنوبي مثل سبعة أبحر ... ولكنها في جنب عفوك كالبلل
ولولا رجائي إن عفوك واسع ... وأنت كريم ما صبرت على زلل
إلهي بحق الهاشمي محمد ... أجرني من النيران إني في وجل
وباللطف والعفو الجميل تولني ... وبالخير، فامنن عند خاتمة الأجل
ومدحه القاضي بهاء الدين محمد بن يوسف بن أحمد:
جاء فيه العذول شيئاً فريا ... قمر قد أباحني الرشف ريا
قيل: هذا بدر التمام، فقالت: ... حسنات الخدود: نحن الثريا
بهواه من عاذلي. وسقامي ... واتهام السلو رحت بريا
وقضيب القوام راح وجسمي ... وصراط الغرام فيه سويا
بت في الوصل في هواه غنياً ... ولهذا هجرت نومي مليا
ومن الصبر عنه رحت فقيراً ... وهو أمسى بكل حسن غنيا
كل من هام في هواه رشيد ... فعذولي عليه راح غويا
ليس قلبي بسقم جفنيه يقوي ... فضعيفان يغلبان قويا
فخلاصي من الغرام عزيز ... وسلوي خلصت منه نجيا
فعسى ذكر رحمة من إلهي ... لي في حب عبده زكريا
شافعي الزمان قاضي القضاة ... قد تلقى الحكم العزيز وليا
هو شيخ الإسلام، وهو إمام ... كان يقتدى به مهديا
قمع الله حين آتاه حكماً ... كل من كان ظالماً مقضيا
ملأ القلب هيبةً وجلالاً ... وعيون الورى جمالاً مليا
وله العلم حلة وشعار ... ولهذا في المجد أضحى سنيا
عالماً عاملاً جليلاً جميلاً ... خاشعاً ناسكاً عزيزاً أبيا
عابداً زاهداً إماماً كبيراً ... محسناً مخلصاً كريماً سريا
أمة قانتاً حنيفاً منيباً ... خاضعاً مخبتاً وفياً صفيا
ملا الخافقين في العلم حتى ... سار عنه معنعناً مرويا
هو ممن يتلى الكتاب عليهم ... فيخرون سجداً وبكيا
ولهذا قد حل من كل حال ... ومقام سام مكاناً عليا

وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - يوم الأربعاء ثالث شهر في القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن مائة وثلاث سنوات، وغسل في صبيحة يوم الخميس، وكفن وحمل ضحوة النهار ليصلى عليه بجامع الأزهر في محفل من قضاة الإسلام، والعلماء، والفضلاء، وخلائق لا يحصون، واجتمع بالجامع المذكور ونواحيه أمثالهم اغتناماً للصلاة عليه، وقاربوا أن يدخلوا به وإذا بقصاد ملك الأمراء يحمله إلى سبيل أمير المؤمنين ليظفر بالصلاة عليه، وكان الشيخ عبد الوهاب الشعراوي قد رأى قبل موته مناماً وقصه عليه، وكاشفه به قبل أن يخبر به وقال له يوماً، وهو بين يديه يطالع له في شرح البخاري: قف واذكر لي ما رأيت في هذه الليلة، فقال له: رأيت أني معكم في مركب، وأنت جالس عن يسار الإمام الشافعي، فقلت لي: سلم على الإمام، فسلمت عليه، ودعا لي والمركب مقلعة في بحر مئل عباب النيل، ورأيت المركب كلها مفروشة بالسندس الأخضر وكذلك القلع والحبال كلها حرير أخضر ومتكآت خضر، فلا زلنا مقلعين حتى انتهينا إلى جنينة عظيمة أصولها في ساحل البحر، وثمارها مدلاة من شراريف الحائط. قال: وطلعت أنا من المركب إلى البستان، فرأيت حوراً حساناً يجنين من الزعفران في قفاف بيض على رؤوسهن كل قمعة من الزعفران قدرها في الجرم إسباطة البلح. قال: فأستيقظت. فقال له شيخ الإسلام زكريا. إن صح منامك، فإني سوف أدفن بالقرب من الإمام الشافعي، وكان حاضراً بالمجلس حينئذ الشيخ جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري، فلما توفي شيخ الإسلام زكريا فتحوا له فسقية في باب النصر، فقال الشيخ جمال الدين الصافي للشعراوي: أين رؤياك؟ قال: فقلت له: إن الشيخ قال: إن صحت رؤياك. قال: فبينما نحن كذلك، وقد كفن الشيخ، وما بقي إلا حمله جاء قاصد ملك الأمراء خاير بيك فقال: إن ملك الأمراء ضعيف، ولا يستطيع أن يأتي إلى باب النصر، ومقصوده أن تحملوه إلى سبيل المؤمنين ليصلى عليه، فحمل إلى الرميلة، وصلي عليه هناك، فلما صلوا عليه قال ملك الأمراء: ادفنوه عند الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - ثم حمل نعشه مالك الأمراء وغيره، ومشى أمامه الأمير جانم الحمزاوي، والقضاة، والعلماء، والأمراء، والخاص، والعام. قال الشعراوي: وكانت جنازته مشهورة ما رأيت أكثر خلقاً منها، قال العلائي: ودفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإمام الشافعي في فسقية جديدة أنشأها القاضي شرف الدين قريب بن أبي المنصور لنفسه - رحمه الله تعالى - وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة بعد صلاتها رابع أو خامس جمادىالآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة قال ابن طولون: وأخرت الصلاة عليه لاشتغال الناس بالفتنة الغزالية - رحمه الله تعالى - .
422 - زكريا المصرفي: زكريا القاضي زين الدين المصري الشافعي، وهو غير شيخ الإسلام القاضي زكريا المتقدم ذكره. كان قاضياً بمصر العتيقة مظهر للشهامة، وعنده دعوى صحب الشيخ جلال الدين السيوطي، والشيخ نور الدين الأشموني، ولم يحمد العلائي سيرته، وذكر أنه توفي في سادس جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
حرف السين المهملةمن الطبقة الأولى: 423 - سعدي بن ناجي بيك: سعدي بن ناجي بيك، العالم الفاضل المولى سعدي جلبي أخو المولى جعفر جلبي، ابن ناجي بيك المتقدم. ذكره الرومي الحنفي. قرأ على جماعة من الموالي منهم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده والمولى محمد بن الحاج حسين، وبرع في فضائله، ودرس في مدرسة السلطان مراد خان الغازي ببروسا، ثم أعطي مدرسة الوزير علي باشا بالقسطنطينية، ثم إحدى الثماني، ثم حج وعاد فأعطي تقاعداً بثمانين عثمانياً، وكان فاضلاً في سائر الفنون وخصوصاً العربية، وله باللسان العربي إنشاء، وشعر في غاية الجودة، وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف، وحاشية على باب الشهيد من شرح الوقاية لصدر الشريعة، ونظم عقائد النسفي بالعربية، وله رسائل أخرى، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .

424 - السلطان سليم بن أبي يزيد: سليم بن أبي يزيد بن محمد بن مراد السلطان المفخم، والخاقان المعظم، سليم خان بن عثمان. هو من بيت رفع الله على قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية، رفعوا عماد الإسلام وأعلوا مناره، وتواصوا باتباع السنة المطهرة، وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصار صاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب، واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم، فانفلوا عن مليكهم وجدوا في الهرب، ولد في أماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجلس على تخت السلطنة، وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع نفسه والده السلطان أبو زيد خان عن السلطنة، وسلمها إليه، وتحول إلى مدينة أدرنة في قصة تقدمت في ترجمة والده - رحمه الله تعالى - وكان السلطان سليم سلطاناً قهاراً، وملكاً جباراً، قوي البطش، كثير السفك، شديد التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم التجسس عن أخبار الملوك والناس، وربما غير لباسه وتجسس ليلاً ونهاراً، وكان شديد اليقظة، والتحفظ. يحب مطالعة التواريخ، وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسية، والرومية، والعربية منه ما ذكر القطب الهندي المكي أنه رآه بخطه في الكوشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر ونصه:
الملك لله من يظفر بنيل غنى ... يسلبه قسراً ومن ذا يضمن الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التراب لكان الأمر مشتركا

ولما استقر على سرير السلطنة أخذ في قهر الملوك والسلاطين، فبدأ بمقاتلة شاه إسماعيل بن الشيخ حيدر الصوفي لما بلغه أشاعته للرفض، وقتله لعلماء أهل السنة وأكابرها، سافر إليه السلطان سليم إلى بلاد العجم، وتلاقيا بالقرب من تبريز، وتصافا فانكسر عسكر الصوفي، وانهزم، ودخلت عساكر السلطان سليم إلى تبريز، ونفذت فيها أوامره ونواهيه، أراد الإقامة بها ليستولي على إقليم العجم وما فيه، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط واستيلاء الغلاء حتى بيع الرغيف بمائة عثماني، والعليقة بمائتين، فرجع إلى الروم، وأخذ من أراد من أكابر العجم وفضلائها وأماثلها، وعظمائها، وساقهم سركناً إلى البلاد الرومية، على قوانين سلاطين العثمانية، ثم سافر بعد أن استقر أمره من الرجوع من الأرض العجمية، وقصد بعساكره البلاد الحلبية، ولما سمع سلطان الجراكسة قانصوه الغوري بخروج السلطان سليم من أرض الروم. خرج بعساكره من أرض مصر، وأشاع في عساكره أنه يريد الإصلاح بين السلطان سليم، والسلطان شاه إسماعيل الصوفي، وسافر من بلاد مصر إلى بلاد الشام، ودخل دمشق، ثم حلب، وكاتب السلطان سليم بما جاء إليه من الإصلاح بينه وبين الصوفي، فارتاب منه سلطان سليم، ويعث إليه أني أبدأ بقتالك قبله لأنك مبتدع، وهو مبتدع، فتحرك الشر بينهما، وقامت الحرب على ساق، والتقيا بعساكرهما في مرج دابق، وانكسر عساكر الجراكسة، ومات الغوري، ثم من شدة ما دخل عليه من القهر والغلبة، وتفرقت عنه العساكر، ثم دخل السلطان سليم إلى حلب وملكها، ثم ملك ما بينها وبين دمشق، ثم ملك دمشق ودخلها يوم السبت مستهل رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأقام بدمشق مدة حتى دبر أمورها، وأقام قوانينه فيها، ثم سافر منها قاصداً بلاد مصر، فخرج منها يوم الاثنين عشرين ذي القعدة من السنة المذكورة، وكانت أمراء الجراكسة قد سلطنوا بمصر طومان باي، ولقبوه بالأشرف، فلما سمعوا بخروج السلطان سليم من دمشق إليهم تأهبوا لقتاله والخروج إليه، وبرزوا إلى الريدانية خارج مصر، وقاتلوا عساكر الروم، وثبتوا معهم ساعة، وقتل من أعيان عساكر السلطان سليم وزيره سنان باشا، وكان اسمه يوسف، ثم انكسر عسكر الجراكسة، وتفرقوا شذر مذر، وهرب طومان باي، ثم دخل السلطان سليم إلى مصر، وكان دخوله إليها يوم الثلاثاء خامس المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ثم قبض بعد ذلك على طومان باي، وصلبه على باب زويلة، وبقي بمصر مدة حتى مهد أمورها، وسار إلى الإسكندرية، وعاد إلى مصر، ثم إلى دمشق، وأخذ معه جماعة من أعيان مصر سركناً كما هو قانونهم، وكان دخوله إلى دمشق يوم الأربعاء حادي عشري رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ونزل بالقصر الظاهري بالميدان الأخضر، وهو موضع التكية السليمانية الآن، ثم أشار بعمارة على قبر الشيخ محيي الدين بن العربي، وبعث الولوي ابن الفرفور، ومعه معلم السلطان شهاب الدين بن العطار، وجماعة، وهندسوا عمارة جامع بخطبة، وكان ذلك يوم السبت رابع عشري رمضان المذكور، وفي ثانية يوم الأحد طلع ابن الفرفور، وقاضي العسكر المولى ركن الدين زيرك وجماعتهم إلى الصالحية، واشتروا بيت خير بك دوادار منشيء الحاجبية بالصالحية من مالكه يومئذ، وهو رزق الله الحنبلي الصالحي ليوسعوا به الجامع، ثم في يوم الاثنين سادس عشري رمضان المذكور شرعوا في هدم مسجد كان جدده شهاب الدين الصميدي لصيق تربة الشيخ ابن العربي حين كان ناظراً على ذلك، وفي هدم حمام كان لصيق ذلك يعرف بحمام الجورة، ثم شرعوا في العمارة يوم الأحد ثاني شوال سنة ثلاث وعشرين المذكورة، ثم أمر السلطان ببناء قبة على تربة الشيخ ابن العربي، فأسست جدرانها ليلاً، وكان الشروع فيها ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة، وفي يوم الاثنين العشرين من محرم سنة أربع وعشرين وتسعمائة. وضع منبر الجامع المذكور، وهو المعروف الآن بالسليمية، وفيه رسم السلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - ببناء تكية شمالي هذا الجامع، وفي يوم الجمعة رابع عشري المحرم المذكور ركب السلطان إلى الجامع المذكور، وصلى به الجمعة، وخطب به يومئذ قاضي القضاة ولي الدين بن الفرفور، وكان مهيباً عظيماً قفلت له غالب أسواق دمشق، وفرق السلطان يومئذ جرابين من الفضة، وعينت خطابة الجامع المذكور لمنلا عثمان بن منلا شمس الحنفي، فباشرها من يوم الجمعة مستهل

صفر، وعينت إمامته للشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي يوم الجمعة، وباشرها يوم الجمعة المذكور، وكان خروج السلطان سليم خان من دمشق يوم الاثنين سابع عشري محرم سنة أربع وعشرين المذكورة عائداً إلى محل سلطنته، ودخل القسطنطينية يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وأقام بها نحو سنتين، وظهرت له في ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذاق الأطباء، وتحيرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتى حالت بينه وبين الأمنية، وخلت بينه وبين المنية، فمات - رحمه الله تعالى - في رمضان أو شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة بعد أن طالت علته نحو أربعين يوماً، وذكر العلائي في تاريخه نقلاً عن بعض المراسلات التي وردت إلى مصر من الروم بموت السلطان سليم أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة، وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن لها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان أبا يزيد حين نازعه في السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء، فلم يدركوه إلا وقد تأكلت ووصلت إلى الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعاً عنه، ولا نفعاً. ومات بها ودفن بالأستانة عند قبر أبيه السلطان أبي يزيد خان رحمها الله تعالى رحمة واسعة. آمين.فر، وعينت إمامته للشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي يوم الجمعة، وباشرها يوم الجمعة المذكور، وكان خروج السلطان سليم خان من دمشق يوم الاثنين سابع عشري محرم سنة أربع وعشرين المذكورة عائداً إلى محل سلطنته، ودخل القسطنطينية يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وأقام بها نحو سنتين، وظهرت له في ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذاق الأطباء، وتحيرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتى حالت بينه وبين الأمنية، وخلت بينه وبين المنية، فمات - رحمه الله تعالى - في رمضان أو شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة بعد أن طالت علته نحو أربعين يوماً، وذكر العلائي في تاريخه نقلاً عن بعض المراسلات التي وردت إلى مصر من الروم بموت السلطان سليم أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة، وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن لها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان أبا يزيد حين نازعه في السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء، فلم يدركوه إلا وقد تأكلت ووصلت إلى الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعاً عنه، ولا نفعاً. ومات بها ودفن بالأستانة عند قبر أبيه السلطان أبي يزيد خان رحمها الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
425 - سليم بن نذر تلميذ الكواكبي: سليم بن نذر - بالنون والذال المعجمة - العيني، ثم الحلبي، الشيخ العابد، الورع، الزاهد، خليفة الشيخ محمد الكواكبي، حكي أنه أول ما قدم على شيخه المذكور امتحنه ببيع ما يملك من غنم، وخيل، وأثاث، ويأتيه بما جمعه من المال. فامتثل أمره، وأتاه به، فأخنه منه، فلم يكترث لذلك، ثم لم يلبث إلا قليلاً، وأصاب تلك القرية جائحة، ونهب مال، فلما أخبر الشيخ محمد بذلك أخرج للشيخ سليمان جميع ماله بعينه، وأذن له أن يعود إلى مأمنه، فقوي اعتقاده في الشيخ، وصار من مريديه، ثم من خلفائه.
قيل: وكان الشيخ محمد الكواكبي يقول: مثلي ومثل سليمان كمثل بئرين بينهما حائط، فزال الحائط، واختلط الماءان وتوفي الشيخ سليمان في سنة إحدى عشرة وتسعمائة بحلب، ودفن بها في مقابر الصالحين، وقبره معروف بها يزار رحمه الله تعالى.
426 - سليمان البحيري: سليمان، الشيخ العلامة علم الدين البحيري المصري شيخ المالكية ومفتيهم بمصر، توفي يوم الخميس ثامن شعبان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن بالصحراء بالقاهرة رحمه الله تعالى.

427 - سنطباي: سنطباي، الشيخ المتصوف. أخذ نظر السنقرية بالقرب من خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، وأخرج من كان بها من طلبة العلم والصلحاء، ووضع في خلاويها الجلابقية والمماليك، وكانوا مريدين له يسجدون له ويقرهم على ذلك، وكان يتهم بضرب الزغل، فرسم عليه السلطان الغوري بعد أن وجد عنده من الذهب المزغول على ما قيل ما جملته خمسون رطلاً مصرياً من الذهب والفضة شيئاً كثيراً، ومن النحاس كذلك، ثم عرضه السلطان المذكور بحضرة عسكره، وأحضر جماعته، فضربهم بحضرته، فأقروا عليه وقابلوه بذلك بحضرة الناس، فقطعت أيديهم، وأمر بقطع يد سنطباي، فرد عنه الأمير قرقماش أتابك العساكر يومئذ، فرسم السلطان بنفيه إلى القدس بعد أن زجره السلطان، وقال له: إنك تدعي أنك الصوفي المسلك، وأنت زركاوي شيطان زغلي أخرج من مملكتي، وكان ذلك في اوائل شوال سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ذكر قصته هذه الحمصي، ولا أدري ما فعل الله به بعد ذلك.
428 - سوندك بقوغه جي ده ده: سوندك، الشيخ العارف بالله تعالى أحد مشايخ الروم، وصوفيتها، الشهير - رحمه الله تعالى - بقوغه جي ده ده، كان له جذب وحال. حكي أنه عند المولى حميد الدين بن أفضل الدين المتقدم في حرف الخاء، وهو يومئذ مفتي الروم فدخل على المفتي المولى الكرماستي، وهو يومئذ قاضي القسطنطينية، فشكا إليه متصوفة الزمان، وقال: إنهم يرقصون ويصعقون عند الذكر، وهذا مخالف للشرع، فقال المولى حميد الدين للكرماستي: إن رئيسهم هذا الشيخ، وأشار إلى الشيخ سوندك، وقال: إن أصلحته صلح الكل، ثم أقام المولى الكرماستي، وصحب معه الشيخ سوندك إلى منزله، وأحضر مريديه وهيأ لهم طعاماً، فأطعمهم، ثم قال: اجلسوا واذكروا الله تعالى على أدب ووقار وسكون فقالوا: نفعل ذلك، فلما شرعوا في الذكر صاح الشيخ في أذن المولى الكرماستي صيحة عظيمة حتى قام، وسقطت عمامته عن رأسه، ورداؤه عن منكبه، وشرع يصرخ ويصعق حتى مضى نحو ثلث النهار، فلما سكن اضطرابه. قال له الشيخ: لأي شيء اضطربت أيها المولى أنت قلت إنه منكر؟ فقال له: تبت إلى الله تعالى عن ذلك الإنكار، ولا أعود إليه أبداً، وكانت وفاة الشيخ سوندك بالقسطنطينية، وهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
429 - سويد المجذوب: سويد المجذوب بحلب، قال ابن الحنبلي: أدركته، وكان من شأنه أنه كلما قيل له: أفرد صوت صوتين، وكلما قيل له: ازوج: صوت صوتاً واحداً على خلاف ما يطلب منه. قال: وكان خير بك الجركسي كافل حلب يعتقده، وربما قربه إليه وأكل معه من غير أن يعاف أوساخ ثيابه، فقيل له: إنه يأكل الحشيشة، فأرسل أميناً اتبعه، فإذا هو قد أخذ الحشيشة ووضعها في كمه، فاحتوى على عقله حتى أحضره إليه وأشار إلى أن في كمه ما فيه، فطلب منه خير بك أن يطعمه مما فيه، فأبى فصمم عليه فأخرج له شيئاً من الحلاوات ففتش كمه فإذا هو خال عن تلك الحشيشة، فزاد اعتقاده فيه - رحمه الله تعالى آمين.
430 - سويدان المجذوب: سويدان، الشيخ الصالح المجذوب المدفون بالقرب من الخانقاه السرياقوسية بمصر. كان من أولياء الله تعالى، وله مكاشفات كثيرة، وخوارق شهيرة عده شيخ الإسلام الجد، فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى. كان مكشوف الرأس أبداً، وله شعر طويل ملبد، كث اللحية، وكان أكثر كلامه إشارات لا يفهمها عنه إلا الفقراء الصادقون، وكان يحمل حملات الناس، وكل من حمله حملة وضع حبة من الحمص في فيه ليتذكر قصته، فكان ربما امتلأ فمه من الحمص، وربما مكثت الحبة، أو الحبات في فيه شهراً حتى تقضى تلك الحوائج، وكان يتطور، فربما وجد في صور سبع وفيل، وفي صورة فقير وأمير، وكانوا يرونه مرة بمكة، ومرة بمصر، وأخبر بموت أمه يوم موتها بمصر، وهو بمكة، ودخل زمزم ومعه كفنها، فغسله منه، ورماه لهم بمصر مبلولاً وهم يغسلونها، وما عرف الناس من رماه حتى جاء الخبر مع الحاج من مكة، وأخبر الناس بذلك، وكان - رحمه الله تعالى - في أول أمره مقيماً بالخانقاه السرياقوسية مدة طويلة، وبني له هناك زاوية خارج الخانقاه مما يلي مصر، ثم انتقل في أيام السلطان الغوري إلى مدرسة ابن الزين برصيف بولاق إلى أن توفي في سنة تسع بتقديم المثناة. عشرة وتسعمائة، ودفن بزاويته خارج الخانقاه السرياقوسية - رحمه الله تعالى - .

431 - سيدي ابن محمود بن المجلد: سيدي ابن محمود، المولى العالم الصالح الرومي الحنفي، الشهير بابن المجلد، كان أصله من ولاية قوجه إيلي، واشتغل في العلم، وحصل وصار مدرساً بمدرسة عيسى بيك ببروسا، ثم رغب في التصوف، وعين له كل يوم خمسة عشر درهماً بالتقاعد، ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري، وكان فاضلاً مدققاً، حسن الخط، مؤدباً، صالحاً، ديناً يخدم بيته بنفسه، ويشتري حوائجه ويحملها من السوق بنفسه، وكان ملازماً للمسجد، منعزلاً عن الناس، ومات على ذلك في أوائل سلطنة السلطان سليمان رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
432 - سيف الدين القدسي: سيف الدين الشيخ الصالح المقدسي. توفي بها سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه وعلى الشيخ محب الدين إمام الأقصى، والشيخ أبي شعرة الرملي جميعاً غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر رمضان منها.
حرف الشين المعجمةمن الطبقة الأولى: 433 - شرباش الإينالي: شرباش بن عبد الله الإينالي أحد أمراء دمشق. سكن صالحية قال ابن طولون: وله نفس أبية، وشوهدت منه أمور ردية الآن. توفي سنة ثمان تسعمائة ودفن بتربة عمر...
434 - شرف الصعيدي : شرف، الشيخ الصالح، الورع، الزاهد. شرف الدين الصعيدي. دخل مصر في أيام السلطان الغوري، وأقام بها حتى مات، وكان يصوم الدهر، ويطوي أربعين يوماً فأكثر، وبلغ الغوري أمره، فحبسه في بيت وأغلق عليه الباب، ومنعه الطعام والماء، ثم أخرجه، فصلى بالوضوء الذي دخل به، فاعتقده السلطان المذكور اعتقاداً عظيماً، وكان يكاشف بما يقع للولاة وغيرهم، ومات قبل العشرين وتسعمائة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
435 - شعبان الصورتاني: شعبان، الشيخ زين الدين الصورتاني الحنبلي أحد عدول دمشق ممن سكن الصالحية، ثم ولي قضاء صفد، ثم عزل عنها، وأخذ عن النظام بن مفلح، وابن زيد، وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر، وكان لا بأس به، وتوفي في شوال سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
436 - شعبان المجذوب: شعبان الشيخ المجذوب الموله بدمشق، كان عجيب الحال، وللناس فيه اعتقاد كلي، ومات يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة ست وعشرين وتسعمائة، وجيء له بخمسة أكفان، فكفن بها، ودفن عند الشيخ خليل بالقرب من دار السعادة خارج دمشق رحمه الله تعالى.
حرف الصاد المهملةمن الطبقة الأولى: 437 - صالح بن يوسف : صالح بن يوسف بن الحسين، السلطان بن السلطان، تملك بلاد بني جبر كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجده، وهو خال السلطان مقرن، وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف، فإنه كر على مقرن وعسكره، وكانوا جما غفيراً بنفسه، وكان خارجاً لصلاة الجمعة لا أهبة معه، ولا سلاح، فكسرهم، ثم كان الحرب بينهم سجالاً إلى أن توفي. قدم إلى دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن علمائها منهم شيخ الإسلام سمع الجد عليه جانباً من البخاري، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد، واستجاز منهما، فأجازاه، وكان في قدمته تلك إلى دمشق متستراً بها، مختفياً غير منتسب إلى سلطنة، وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم، ثم حج وعاد إلى بلاده، وكان مالكي المذهب، فقيهاً متبحراً في الفقه والحديث، وله مشاركة جيدة في الأصول والنحو، وكان محباً للعلما والصلحاء، شجاعاً مقداماً عادلاً في ملكه، صالحاً كاسمه، مات - رحمه الله تعالى - في سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين وتسعمائة ببلاده.
438 - صالح اليمني: صالح اليمني، الشيخ الإمام المقريء. قرأ القرآن على سبعين شيخاً في اليمن وغيرها عدة ختمات إفراداً وجمعاً بما تضمنه حرز الأماني، وأصله أعلاهم سنداً، وأقلهم عدداً، الشيخ سراج الدين عمر المشار إليه الأنصاري النشار، والشيخ شهاب الدين أحمد.... القسطلاني بحق قراءة الأول على الشيخ الإمام السيد الشريف إبراهيم بن أحمد الحسني الطباطي بمكة بحق قراته على الشمس العسقلاني، وبحق قراءة الثاني على الأول، وعلى الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الحمصاني، وشيخ القراء أحمد ابن الشيخ أسد الدين الأسيوطي، وإمام النحو زين الدين عبد الغني الهيتمي.
حرف الضاد المعجمةمن الطبقة الأولى خال:
حرف الطاء المهملةمن الطبقة الأولى خال:
حرف الظاء المعجمةمن الطبقة الأولى:

439 - ظهير الدين الإردبيلي: ظهير الدين المولى الإردبيلي الحنفي، الشهير بقاضي زاده. قرأ في بلاد العجم على علمائها، ولما دخل السلطان سليم خان إلى مدينة تبريز في قتال شاه إسماعيل الصوفي أخذه معه إلى بلاد الروم، وعين له كل يوم ثمانين درهماً، وقال في الشقائق: كان عالماً كاملاً صاحب مجاورة، ووقار، وهيبة، وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خاصة بعلم الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط الحسن قتل مع الوزير أحمد باشا بمصر سنة ثلاثين وتسعمائة، وذكر العلائي أن صاحب الترجمة استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسماعيل شاه الصوفي طلباً لاستمداده به، واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها، وعزم على إظهار شعار الرفض، واعتقاد الإمامية على المنابر. حتى قال صاحب الترجمة: إن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض، ولا يخل بالخطبة، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة أحمد باشا، وذكر العلائي أيضاً أنه قبض على صاحب الترجمة يوم الخميس عشري ربيع الثاني سنة ثلاثين وتسعمائة، وقطعت رأسه، وعلقت على باب زويلة.
حرف العين المهملةمن الطبقة الأولى: 440 - عبد الله بن محمد السبتي: عبد الله بن محمد، الشيخ العلامة قاضي المالكية بصفد ابن قاضي القضاة شمس الدين السبتي، ولد في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وكانت وفاته بصفد يوم الأربعاء ثامن عشر رجب سنة عشر وتسعمائة. كما ذكره النعيمي، ونقله ابن طولون عن ولد المترجم الزيني عبد القادر رحمه الله تعالى.
441 - عبد الله بن إبراهيم الشبشيري: عبد الله بن إبراهيم. الفاضل، العلامة الشهير بابن الشيخ الشبشيري الحنفي. قرأ على علماء العجم، وبرع هناك في العربية والمعقولات، ثم دخل بلاد الروم، وعين له السلطان سليم خان كل يوم ثلاثين درهماً، وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين بيتاً أحد مصراعي كل بيت منها تاريخ لسلطنة السلطان سليمان، والمصراع الثاني من كل بيت تاريخ فتح رودس، وله حواش على حاشية شرح المطالع للسيد الشريف، وشرح على الكافية، ورسالة في المعمى فارسية. مات في أوائل سلطنة السلطان سليمان رحمهما الله تعالى.
442 - عبد الله بن أحمد الشنشوري: عبد الله بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة جمال الدين الشنشوري المصري الشافعي. له شرح التدريب للسراج البلقيني، وهو من أهل هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
443 - عبد الله بن أحمد بن أبي كثير الحضرمي: عبد الله أحمد ابن أبي كثير الشيخ الإمام شيخ الإسلام، ولي الله تعالى، العارف به الزاهد. المفتي. الفقيه جمال الدين الحضرمي، ثم المكي الشافعي. قال ابن طولون: حكى لنا عنه إخونا الجمال بن خضر أنه قال: له ثلاث وخمسون سنة بمكة. ولم يتوضأ إلا من ماء زمزم، ولا أكل من ضيافة لأحد من أهلها سوى مرة واحدة للقاضي إبراهيم كأنه ابن ظهيرة، فإنه حاباه في ذلك، وكان من عادته أن يجلس كل يوم بالحرم الشريف يقريء الناس في عدة علوم إلى قبيل الظهر، ومن بعد صلاة الظهر يقريء آخرين في الحديث إلى العصر، ومن بعد صلاة العصر آخرين في التصرف، ومن بعد صلاة المغرب إلى العشاء يطوف، وممن أخذ عنه الحديث. وغيره البرهان العمادي الحلبي. قرأ عليه أحاديث من الكتب الستة وغيرها في سنة خمس عشرة وتسعمائة، وكانت وفاته في سنة خمس وعشرين بمكة، وصلي عليه غائبة بدمشق بجامع بني أمية يوم الجمعة رابع عشر الحجة بعد صلاتها رحمه الله تعالى.
444 - عبد الله بن عبد الله بن رسلان: عبد الله بن عبد الله بن رسلان، الشيخ الإمام العلامة جمال الدين ابن الشيخ زين الدين البويضي - من قرية البويضة من أعمال دمشق، ثم الدمشقي الشافعي. ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. كان رفيقاً للشيخ تقي الدين البلاطنسي على شيوخه، وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي صحيح البخاري وغيره، وكانت وفاته في البيمارستان النةوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه إماماً رفيقه البلاطنسي، ودفن بمقبرة باب الصغير جوار الشيخ نصر المقدسي بصفة الشهداء رحمه الله تعالى.

445 - عبد الله بن عبد الرحيم السمهودي: عبد الله بن عبد الرحيم، الشيخ العالم السيد الشريف القاضي جلال الدين الصعيدي، الأصل، السمهودي، وهو ابن أخي السيد نور الدين السمهوري مؤرخ المدينة المنورة. قال العلائي: كان من أهل الفضل والخير لم تعرف له صبوة. رحل إلى الروم طلب قضاء المدينة، ففوض الأمر إلى نائب مصر يومئذ ففوض القضاء إليه في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ولم أقف إلى الآن على تاريخ وفاته، ولعله من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
446 - عبد الله بن عمر الكناوي: عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكناوي الصفدي الشافعي جد الشيخ موسى الكناوي لامه. كان عالماً مؤثراً للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلا لحضور الصلاة والجنتئز ونحو ذلك، وللتدريس وقراءة صحيح البخاري على كرسي يصوت حسن، ونغمة طيبة، وترتيل وتأن، وحضور قلب، وسكون جوارح، وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه، وكان إماماً بالمسجد الذي يجري إليه الماء خارج كفر كنا، وكان يفتي أهل تلك البلاد، ويقريء الطلبة بها في الفقه والفرائض والحديث والنحو، ومكث على ذلك قريباً من خمسين سنة، وكان صوته في القراءة لطيفاً، ومع ذلك كان يسمعه من يتسمع لقراءته، وهو يتهجد في هدو الليل من نحو ميل، وكان في صوته رقة وتحنن، وحكى سبطه الشيخ موسى عن رجل سكن كفركنا أربعين سنة، ولازم الشيخ عبد الله في تلك المدة في صلاة الفجر كل يوم أنه لم يرى الفجر سبق الشيخ عبد الله قط. بل كان هو دائماً يسبق الفجر، وسبب ذلك أن الشيخ عبد الله لما ذهب إلى القدس الشريف للاشتغال على الشيخ الإمام، الفقيه العارف بالله تعالى شهاب الدين بن أرسلان الرملي، ثم المقدسي - قدس الله تعالى سره - أقام الشيخ عبد الله المذكور بالمدرسة الختنية جوار المسجد الأقصى عند الشيخ شهاب الدين مدة، فخرج الشيخ شهاب الدين في ليلة من الليالي آخر الليل، فوجد الطلب منهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يدرس في قراءة العلم، ومنهم من يصلي، ومنهم من يذكر الله تعالى، ووجد الشيخ عبد الله هذا نائماً، فوكزه الشيخ شهاب الدين برجله، فجلس فزعاً، فقال له: يا ولدي أرسلك أهلك لتشتغل بالعلم أو بالنوم؟ فاستمر الشيخ عبد الله لا ينام في تلك الساعة ببركة الشيخ شهاب الدين بن أرسلان - رضي الله عنه - وكانت وفاة الشيخ عبد الله ببلدة كفركنا من أعمال صفد في غرة شوال سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وهي في عشر التسعين - بتقديم التاء المثناة - رحمه الله تعالى 447 - عبد الله المصري: عبد الله القاضي جمال الدين المقريء المصري الحنفي نزيل دمشق باشر نيابة القضاء بها عن قاضي القضاة محي الدين عبد القادر بن يونس الحنفي، وتوفي بدمشق يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة ثمان عشرة وتسعمائة رحمه الله.
448 - عبد الباسط بن محمد بن الشحنة: عبد الباسط بن محمد بن محمد، الشيخ الفاضل الذكي أبو الفضل محب الدين ابن قاضي القضاة أثير الدين بن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة الحنفي. ولد بالقاهرة سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وسمع بها الحديث على جده المحب وعلى الجمال بن شاهين سبط الحافظ بن حجر، وعلى والده الأثير، ثم قدم حلب مع والده، فقرأ في العربية والمنطق في العلائي قل دروس وغيره، وتفرغ له والده عن خطابة الجامع الكبير بحلب وغيرها، ثم عاد إلى القاهرة في دولة الملك الأشرف قايتباي، فاعتنى به، وولاه نظر الجوالي بدمشق، فلم يزل بها حتى مات في سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
449 - عبد البر بن محمد بن الشحنة: عبد البر بن محمد بن محمد قاضي القضاة، أبو البركات، سري الدين، ابن قاضي القضاة أبي الفضل محب الدين ابن قاضي القضاة أبي الوليد محب الدين أيضاً ابن الشحنة، الحنفي. ولد بحلب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ثم رحل إلى القاهرة، فاشتغل في علوم شتى على شيوخ متعددة، ذكرهم السخاوي في ترجمته في " الضوء اللامع " منهم والده، وجده، ودرس وأفتى، وتولى قضاء حلب، ثم قضاء القاهرة، وصار جليس السلطان الغورقي وسميره. قال الحمصي: وكان عالماً متفنناً للعلوم الشرعية والعقلية. قال ابن طولون: ولم يثن الناس عليه خيراً، وذكر الحمصي أن عبيد السلموني شاعر القاهرة هجاه بقصيدة قال في أولها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها

وعقد على السلموني بسبب ذلك عقد مجلس في مستهل المحرم سنة ثلاث عشرة وتسعمائة بحضرة السلطان الغوري، وأحضر في الحديد، فأنكر، ثم عزر بسببه بعد أن قرئت القصيدة بحضرة السلطان، وأكابر الناس، وهي في غاية البشاعة والشناعة، والسلموني المذكور كان هجاء خبيث الهجو ما سلم منه أحد من أكابر مصر، فلا يعد هجوه جرحاً في مثل القاضي عبد البر، وقد كان له في ذلك العصر حشمة وفضل، وكان تلميذه القطب بن سلطان مفتي دمشق يثني عليه خيراً، ويحتج بكلامه في مؤلفاته، وكان ينقل عنه أنه أفتى بتحريم قهوة البن، وله - رحمه الله تعالى - مؤلفات كثيرة منها شرح منظومة بن وهبان، في فقه أبي حنيفة النعمان، ومنها شرح الوهبانية، في فقه الحنفية، وشرح منظومة جده أبي الوليد بن الشحنة التي نظمها في عشرة علوم، وكتاب لطيف في حوض دون ثلاث أذرع. هل يجوز فيه الوضوء أو لا. وهل يصير مستعملاً بالتوضؤ فيه أولاً؟ ومنها " الذخائر الأشرفية، في الغاز الحنفية " ، وله شعر لطيف منه قوله من قصيدة مفتخراً:
أضار وما مناقبي الفخار ... وبي والله للدنيا الفخار
بفضل شائع، وعلوم شرع ... لها في سائر الدنيا انتشار
وهمة لوذع شهم تسامى ... وفوق الفرقدين لها قرار
وفكر صائب في كل فن ... إلى تحقيقه أبداً يصار
ومنها:
سموت لمنصب الإفتاء طفلاً ... وكان له إلى قربي ابتدار
وكم قررت في الكشاف درساً ... عظيماً قبل ما دارالعذار
وقال ناظماً لأسماء البكائين في غزاة تبوك وهم الذين نزلت فيهم هذه الآية " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع " " سورة التوبة: الآية 92 " .
إلا أن بكاء الصحابة سبعة ... لكونهم قد فارقوا خير مرسل
فعمرو أبو ليلى، وعليه سالم ... كذا سلمة عرياض وابن مغفل
قلت: وذيل عليه شيخ الإسلام الوالد بقوله:
كثعلبة عمرو، وصخر وديعة ... وعبد ابن عمرو وابن أزرق معقل
قال الشيخ الوالد - رضي الله تعالى عنه - : وكنت قبل أن أقف على بيتي القاضي عبد البر قد استوفيت أسماءهم، ونظمتها في هذه الأبيات:
وفي الصحب بكاؤن بضعة عشر قد ... بكوا حزناً إذ فارقوا خير مرسل
فمنهم أبو ليلى، وعمرو بن عتمة ... وصخر بن سلمان وربع بمعقل
كذلك عبد الله، وهو ابن أزرق ... كذاك ابن عمرو، ثم نجل مغفل
وثعلبة، وهو ابن زيد، وسالم ... هو ابن عمير في مقال لهم جلي
أبو علية أو علية ووديعه ... والأمجد العرياض للعد أكمل
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن القاضي عبد البر نظم أبياتاً في أسماء البكائين المذكورين، وبين فيها اختلاف المفسرين، وأهل السير فيهم، وشرحها في رسالة لطيفة، ولعلها غير البيتين المتقدمين، ومن لطائف القاضي عبد البر ما أنشده عنه شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في كتابه فصل الخطاب:
حبشية سائلتهما عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري
وطفقت أسأل عن نعومة ماطقي ... قالت: فما تبغيه جنسي أبحري
وكانت وفاته يوم الخميس خامس شعبان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع بني أمية بدمشق المحمية خامس عشر شعبان المذكور - رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
450 - عبد الحق بن محمد البلاطنسي: عبد الحق بن محمد، الشيخ الإمام العلامة زين الدين ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين البلاطنسي الشافعي. ولد.في سنة ست وخمسين وثمانمائة، وتوفي فجأة يوم الأربعاء سابع شعبان سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث رمضان السنة المذكورة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

451 - عبد الحق بن محمد السنباطي: عبد الحق بن محمد، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام الحبر البحر، العلامة الفهامة السنباطي، القاهري، الشافعي خاتمة المسندين. ولد في أحد الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة كما قرأت بخط ابن طولون نقلاً عن كتاب محدث مكة جار الله بن فهد، وقرأت أيضاً بخط الشيخ نجم الدين الغيطي، وقرأت بخط الوالد أن الشيخ عبد الحق نفسه ذكر له ذلك، وأخذ بالقراءات والسماع عن العلامة كمال الدين بن الهمام، والشيخ أمين الدين الأقصرائي، والشيخ محيي الدين الكافيجي، والشيخ تقي الدين الشمني، والشيخ تقي الدين الحصكفي، والشيخ شهاب الدين السكندري المقريء تلميذ العسقلاني، والشيخ المحقق جلال الدين المحلي، والشيخ العلامة علم الدين صالح البلقيني، والشمس الدواني وعن غيرهم، وسمع السنن لابن ماجة على المسندة الأصلية أم عبد الرحمن باي خاتون ابنة القاضي علاء الدين بن البهاء أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي، عن المسند أبي عبد الله محمد بن الفخر البعلي، عن الحجار، وأجازه ابن حجر، والبحر العيني. كان جلداً في تحصيله، مكباً على الإشتغال حتى برع، وانتهت إليه الرئاسة بمصر في الفقه والأصول والحديث، وكان عالماً عابداً متواضعاً طارحاً للتكليف. من رآه شهد فيه الولاية والصلاح قبل أن يخالطه، أخذ عنه شيخ الإسلام فيما بلغني، والعلامة بدر الدين العلائي، وولده الشيخ الفاضل العلامة شهاب الدين أحمد، والشيخ عبد الوهاب الشعراوي، والقطب المكي الحنفي وغيرهم، وجاور بمكة في سنة إحدى وثلانين وتسعمائة، وكان نازلاً في دار بني فهد، فتوعك في ثامن عشر شعبان، وبقي متوعكاً اثني عشر يوماً منها ثلاثة أيام كان في مصطلحاً لا يدخل جوفه فيها شيء، ولا يخرج منه شيء، ولا ينطق بشطر كلمة، ثم فتح عينيه في أثنائها، وقال: لا إله إلا الله إقض إمض إقض أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. ماداً السبابة والإبهام فما أتمها إلا مقبوضاً إلى رحمة الله تعالى، وكان ذلك في غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة كما ذكر ذلك العلائي في تاريخه، وقال محدث مكة جار الله بن فهد في كتابه إلى الشيخ شمس الدين بن طولون: فقدر الله تعالى وفاته في ليلة الجمعة غرة شهر رمضان عند إطفاء المصابيح أوان الفجر. قال: وكان ذلك مصداق منام رؤي له في أول السنة يؤمر فيه بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: إطفاء المصابيح. قال: وضمن ذلك بعض الشعراء في أبيات وهي:
توفي عبدالحق يوم غروبه ... بمكة بعد الصبح بدء صيامه
وزد واحداً فوق الثلاثين مردفاً ... بتسع ميء واجعله عام حمامه
قضى عالم الدنيا كأن لم يكن بها ... سقى الله قبراً ضمه من غمامه
قال الشيخ جار الله: وصلي عليه عقب صلاة الجمعة عند باب الكعبة، وشيعه خلق كثير إلى المعلا، ودفن بتربة سلفنا عند مصلب سيدنا عبد الله بن الزبير الصحابي - رضي الله تعالى عنه - بشعب النور، ورثاه جماعة من الشعراء، وحزن الناس عليه كثيراً، فإنه خاتمة المسندين والقراء أيضاً، وقد جاوز التسعين. انتهى.
وذكر العلائي في تاريخه أن الذي صلى عليه إماماً ولده العلامة شهاب الدين وأنه دفن في التربة المذكورة بين قبري محدثي الحجاز الشيخين الحافظين تقي الدين بن فهد، وولده نجم الدين بن فهد، وكان يوماً مشهوداً، وخلف ثلاثة بنين رجالاً متتابعة صلحاء عقلاء فضلاء غير أن أوسطهم الشيخ شهاب الدين أفضل بنيه، ودونه الشيخ محب الدين. انتهى - رحمه الله تعالى.

452 - عبد الحليم بن علي القسطموني: عبد الحليم بن علي، العالم الفاضل المولى حليمي القسطموني المولد، الرومي الحنفي. اشتغل بالعلم، وخدم المولى علاء الدين العربي، ثم ارتحل إلى بلاد العرب، وقرأ على علمائها، وحج ثم سافر إلى بلاد العجم، وقرأ على علمائها، وصحب الصوفية، وتربى عند شيخ يقال له: المخمودي، ثم عاد إلى بلاد الروم، واستقر بها، ثم طلبه السلطان سليم بن أبي يزيد خان قبل جلوسه على سرير السلطنة، وجعله إماماً له وصاحباً، فرآه متفنناً في العلوم، متحلياً بالمعارف، فلما جلس على سرير السلطنة جعله معلماً لنفسه، وعيين له كل يوم مئة عثماني، وأعطاه قرى كثيرة، ودخل معه بلاد الشام ومصر، وتوفي بدمشق بعد عوده في صحبة السلطان سليم إليها من مصر، ودفن بتربة الشيخ محيي الدين بن العربي يوم الجمعة عشري شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. قال الحمصي: وصلى عليه السلطان بالجامع الأموي هو وأكابر الناس من الأروام والعرب، وترحمت عليه الناس، وأنه كان لا يتكلم إلا خيراً عند السلطان. قال ابن طولون: ودفن إلى جانب الشيخ محمد البلخشي من القبلة بتربة المحيوي المذكورة رحمه الله تعالى.
453 - عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي: عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي، الشيخ الصالح المتخلق بالأخلاق المحمدية. كان متواضعاً. كثير الإزراء بنفسه، والحط عليها، وجاءه مرة رجل فقال له: يا سيدي خذ علي العهد بالتوبة، فقال: والله يا أخي إلى الآن ما تبت، والنجاسة لا تطهر غيرها، وكان إذا رأى من فقير دعوى سارقه بالأدب، وقرأ عليه شيئاً من آداب القوم بحيث يعرف ذلك المدعي أنه عار عنها، ثم يسأله عن معاني ذلك بحيث يظن المدعي أنه شيخ، وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ، وجاءه مرة شخص من اليمن. فقال: أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء، فقال: الحمد لله الناس يسافرون في طلب الشيخ، ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا، وأخذ عن اليماني، ولم يكن بذلك، وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمله وزاد حاله، ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر وزوده، وصار يقبل رجل اليماني، ويقول: يا سيدي صرنا محسوبين عليكم، وكان يؤدب الأطفال في بداءته، ولم يأخذ لهم شيئاً، ولم يأكل لهم طعاماً، ولا يقبل من أحد شيئاً، فاشتهر بالصلاح في بلاد المنزلة، فلقيه شخص من أرباب الأحوال اسمه العبيدي، فقال له: يا عبد الحليم لا تكن صالحاً إلا إن صرت تنفق من الغيب، ثم قال: أطلب مني شيئاً آتك به، فقال: ما أنا محتاج إلى شيء، فمد يده العبيدي في الهواء، فأتى بدينار، فأثرت تلك الكلمة في الشيخ عبد الحليم، وأخذ في الاجتهاد سنة يصوم نهارها، ويقوم ليلها، ويختم ختمة نهاراً، وختمة ليلاً، فجاء العبيدي فقال له: الآن صح لك اسم الصلاح، فمد يدك في الهواء، وهات لي ديناراً، فمد يده في الهواء فأتى بدينار، ففارقه يومئذ، واشتهر الشيخ عبد الحليم بعد ذلك، وعمر عدة جوامع في المنزلة، ووقف عليها الأوقاف، وله جامع مشهور به في المنزلة له فيه سماط لكل وارد وبني بيارستان للضعفاء قريب منه، وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد، وكان لا يسأله فقير قط شيئاً من ملبوسه إلا نزعه عنه في الحال، دفعه إليه، وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه، ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه، ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط، والمنزلة - رضي الله تعالى عنه - توفي بعد الثلاثين وتسعمائة، ودفن بمقبرة بلدة الخربة، وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى.
454 - عبد الخالق المعالي: عبد الخالق المعالي، الحنفي المصري، الشيخ الإمام الصالح. كان له الباع الطويل في علم المعقولات، وعلم الهيئة، وعلم التصوف، وكان كريم النفس لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار، وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرور عنده في أحوال الطريق إلى الصباح، وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره، وكان دائم الصمت لا يتكلم إلا لضرورة. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. مات في حدود أواخر هذا الطبقة، ودفن قريباً من جامع آل مالك رحمه الله تعالى.

455 - عبد الرحمن بن محمد المقدسي: عبد الرحمن بن محمد، شيخ الشيوخ أبو الفرج زين الدين ابن الأمير ناصر الدين ابن أبي شريف المقدسي شيخ الخانقاه بالقدس، وهو أخو الكمال، والبرهان ابني أبي شريف. كان موجواً في سنة إحدى وتسعمائة، ولم يتحرر لي تحديد وفاته بعد ذلك رحمه الله تعالى.
456 - عبد الرحمن بن محمد الكلسي: عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الشيخ العلامة زين الدين أبو الفرج الكلسي الأصل، الحلبي المولد، الحنفي. ولد بعد الستين وثمانمائة، واشتغل في النحو والصرف، ثم حج ولازم السخاوي بمكة، وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، وسمع عليه البخاري، ومعظم مسلم، وسمع عليه من مؤلفاته، " القول البديع، في الصلاة على الشفيع " ، والقول التام، في فضل الرمي بالسهام " ، و " القول النافع، في ختم صحيح البخاري الجامع " و " تحرير البيان، في الكلام على الميزان " والكثير من شرح ألفية العراقي له - أعني السخاوي - وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين وثمانمائة، وفي هذه السنة أجازت له المسندة زينب الشويكية رواية ما سمعه عليها بمكة من سنن ابن ماجة من باب صفة الجنة والنار إلى آخر الكتاب، وأذنت له في رواية سائر مروياتها. وأذن له الشمس البازلي بحماة بالإفتاء والتدريس، وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام العالم العلامة الجامع بين المعقول والمنقول، المتبحر في الفررع والأصول، ثم قرأ على العلامة محمد بن محمد الطرابلسي الحنفي في سنة تسعين في تنقيح الأصول، وأذن له بالتدريس في سائر العلوم، ثم أجاز له الكمال ابن أبي شريف في سنة خمس وتسعمائة أن يروي عنه سائر مؤلفاته ومروياته، ثم أجاز له الحافظ عثمان الديمي في سنة سبع وتسعمائة، وكان قصير القامة، نحيف البدن، لطيف الجثة، حسن المفاكهة، كثير الملاطفة، وكان له إلمام بالفارسية، والتركية، واعتناء بالتنزهات، والخروج إلى البساتين مع الديانة والصيانة. توفي بحلب في ذي القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة، ودفن بالقرب من مزار الشيخ يبرق رحمه الله تعالى.
457 - عبد الرحمن بن محمد الكتيي: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، الشيخ زين الدين الكتبي الدمشقي الحنفي. كان عنده فضيلة، وله قراءة في الحديث، وكان لطيفاً يميل إلى المجون والخداع. مات سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
458 - عبد الرحمن بن إبراهيم الدنابي الحنبلي: عبد الرحمن بن إبراهيم، الشيخ الإمام القدوة الزاهد زين الدين أبو الفرج الدنابي الدمشقي الصالحي الحنبلي. حفظ القرآن العظيم، ثم قرأ المقنع وغيره، واشتغل وحصل وأخذ الحديث عن أبي زيد وابن عبادة وغيرهما، ثم كان يقريء الأطفال في مكتب مسجد ناصر الدين غربي مدرسة أبي عمر، وكان يقرأ البخاري في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بالسفح، وكان إذا ختم البخاري في الجامع المذكور يحضر عنده خلائق، فإنه كان فصيحاً، وله مسلك في الوعظ حسن، ثم أنه انجمع في آخر عمره عن الناس، وقطن بزاوية المحيوي الرجيحي بالسهم الأعلى إماماً وقارئاً للبخاري، ومات في سنة خمس عشرة وتسعمائة، ودفن بالروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
459 - عبد الرحمن بن إبراهيم الدسوقي: عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الصالح القاضي محب الدين. ابن الشيخ الصالح الزاهد الرباني إبراهيم الدسوقي، ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانماثة، وكان ناظر الأيتام بدمشق، وفوض إليه نيابة القضاء فى سنة ست عشرة وتسعمائة، وتوفى ليلة السبت سابع ربيع الثاني سنة سبع وعشرين وتسعمائة فجاة، ودفن بمقبرة الباب الصغير عند والده رحمه الله تعالى.
460 - عبد الرحمن بن إبراهيم الشاذلي: عبد الرحمن بن إبراهيم، الشيخ العابد الدين الصالح زين الدين ابن الشيخ الفاضل أبي المكارم بن أبي الوفاء الشاذلي المصري الشافعي، وهو أخو الشيخ أبي الفضل بن أبي الوفاء شيخ الوفائية بمصر، وكان يغلب على صاحب الترجمة الخير والصلاح، ولم يهتم بمشيخة، وتوفي في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

461 - عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي سابق الدين بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد ابن الشيخ همام الدين، الشيخ العلامة، الإمام، المحقق، المدقق، المسند، الحافظ شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل ابن العلامة كمال الدين الأسيوطي، الخضيري، الشافعي صاحب المؤلفات الجامعة، والمصنفات النافعة، ولد بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وعرض محافيظه على قاضي القضاة عز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني الحنبلي، فسأله ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي. فقال أبو الفضل، وكتبه بخطه. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات. وسبعة أشهر قد وصل في القراءة إذ ذاك إلى سورة التحريم، وأسند وصايته إلى جماعة منهم العلامة كمال الدين بن الهمام، فأحضر ابنه عقيب موته، فقرره في وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم، وله من العمر دون ثماني سنين. ثم حفظ عمدة الأحكام، ومنهاج النووي، وألفية ابن مالك، ومنهاج البيضاوي، وعرض الثلاثة الأولى على مشايخ الإسلام العلم البلقيني، والشرف المناوي، والعز الحنبلي، وشيخ الشيوخ الأقصرائي وغيرهم، وأجازوه، وحضر مجالس الجلال المحلي سنة كاملة يومين في الجمعة، وحضر مجلس زين الدين رضوان العقبي، وأحضره والده قبل موته وهو صغير مجلس رجل كبير من العلماء أخبره بعض أصحاب أبيه أنه مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال في العلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة، فقرأ على الشيخ شمس الدين محمد بن موسي السيرائي صحيح مسلم إلا قليلاً منه والشفاء، وقرأ عليه الفية بن مالك حلاً فما أتمها إلا وقد صنف، وأجازه بالعربية، ثم قرأ عليه قطعة من التسهيل، وسمع عليه الكثير من ابن المصنف، والتوضيح، وشرح الشذور، وفي المغني في أصول فقه الحنفية، وشرح العقائد للتفتازاني، وقرأ على الشيخ الإمام الصالح شمس الدين محمد ابن الشيخ سعد الدين بن سعد بن خليل المرزباني، الحنفي الكافية لابن الحاجب، وشرحها للمصنف، ومقدمة إيسا غوجي في المنطق، وشرحها للكاني، وقطعة من كتاب سيبويه حلاً، وسمع عليه من المتوسط والشافية، وشرحها للجاربردي، ومن ألفية العراقي، ولزمه حتى مات سنة سبع وثمانمائة، وقرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه شهاب الدين أحمد بن علي الشارمساحي، ثم لزم درس شيخ الإسلام العلم صالح البلقيني من شوال سنة خمس وستين وثمانمائة، فقرأ عليه من أول التدريب لوالده السراج البلقيني إلى باب الوكالة، وسمع عليه من أول الحاوي إلى باب العدد، وغالب المنهاج والتنبيه، وقطعة من الروضة، وقطعة من التكملة للزركشي، ولزم أيضاً درس شيخ الإسلام الشرف المناوي، فقرأ عليه من المهاج، وسمعه عليه كاملاً في التقسيم، وسمع عليه الكثير من شرح البهجة للعراقي، ومن تفسير البيضاوي وغيره، ولزمه إلى أن مات، ولزم دروس العلامة محقق الديار المصرية سيف الدين محمد بن محمد الحنفي، وسمع عليه دروساً عديدة من الكشاف، ولزم درس العلامة التقي الشمني من شوال سنة ثمان وستين وثمانمائة، وسمع عليه المطول والتوضيح، والمغني، وحاشية عليه، وشرح المقاصد للتفتازاني، وقرأ عليه من الحديث كثيراً، ومن علومه شرحه على نظم النخبة لوالده، ولزم أيضاً دروس العلامة المحيوي محمد بن سليم الكافيجي، وقرأ عليه شرح القواعد له، وأشياء من مختصراته، وسمع عليه من الكشاف وحواشيه، والمغني، وتوضيح صدر الشريعة، والتلويح للتفتازاني، وتفسير البيضاوي وغير ذلك، وقرأ على قاضي القضاة العز أحمد بن إبراهيم الكناني قطعة من جمع الجوامع لابن السبكي، وقطعة من نظم مختصر ابن الحاجب وشرحه كلاهما تأليفه، وقرأ في الميقات علي الشيخ مجد الدين إسماعيل بن السباع، وعلى الشيخ عز الدين عبد العزيز بن محمد الميقاتي، وقرأ في الطب على محمد بن إبراهيم الدواني. قدم عليهم القاهرة من الروم، وحضر عند الشيخ تقي الدين أبي بكر بن شادي الحصكفي كثيرة، وقرأ على الشيخ شمس الدين البابي دروساً من المنهاج من كتاب الخراج إلى باب الجزية، وشيئاً من البهجة، وأجيز بالإفتاء والتدريس، وقد ذكر تلميذه الداوودي في ترجمة أسماء شيوخه إجازةً وقراءةً وسماعاً، مرتبين على حروف المعجم، فبلغت عدتهم أحداً وخمسين نفساً، وألف المؤلفات الحافلة الكثيرة الكاملة

الجامعة، النافعة المتقنة، المحررة، المعتبرة نيفت عدتها على خمسمائة مؤلف، وقد استقصاها الداوودي في ترجمة وشهرتها تغنينا عن ذكرها هنا، وقد اتفقت روايتنا لها عن شيخ الإسلام الوالد عنه بحق إجازته له، وأذن له بروايتها عنه، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في البلاد الحجازية، والشامية، والحلبية، وبلاد الروم، والمغرب، والتكرور، والهند، واليمن، وكان في سرعة الكتابة والتأليف آية كبرى من آيات الله تعالى. قال تلميذه الشمس الداوودي: عاينت الشيخ، وقد كتب في ويومالجامعة، النافعة المتقنة، المحررة، المعتبرة نيفت عدتها على خمسمائة مؤلف، وقد استقصاها الداوودي في ترجمة وشهرتها تغنينا عن ذكرها هنا، وقد اتفقت روايتنا لها عن شيخ الإسلام الوالد عنه بحق إجازته له، وأذن له بروايتها عنه، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في البلاد الحجازية، والشامية، والحلبية، وبلاد الروم، والمغرب، والتكرور، والهند، واليمن، وكان في سرعة الكتابة والتأليف آية كبرى من آيات الله تعالى. قال تلميذه الشمس الداوودي: عاينت الشيخ، وقد كتب في ويوم واحد ثلاثة كراريس تأليفاً وتحريراً، وكان مع ذلك يملي الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، ورجاله، وغريبه، واستنباط الأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مئتي ألف حديث. قال: ولو وجدت أكثر لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الان أكثر من ذلك، ولما بلغ أربعين سنة من عمره أخذ في التجرد للعبادة والإنقطاع إلى الله تعالى، والإشتغال به صرفاً، والإعراض عن الدنيا وأهلها كانه لم يعرف أحداً منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلف ألفه في ذلك وسماه " بالتنفيس " وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات لم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه الغوري خصياً وألف دينار، فرد الألف، وأخذ الخصي فاعتقه وجعله خادماً في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا قط بهدية، فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وكان لا يتردد إلى السلطان، ولا إلى غيره، وطلبه مراراً فلم يحضر إليه، وقيل له: إن بعض الأولياء كان يتردد إلى الملوك والأمراء في حوائج الناس، فقال: أتباع السلف في عدم ترددهم أسلم لدين المسلم.
وألف كتاباً سماه " ما رواه الأساطين، في عم التردد إلى السلاطين " ، قلت: وقد نظمت

هذا الكتاب في منظومة لطيفة حافلة، وزدت على ما ذكره زيادات شريفة، ورؤي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ السيوطي يسأله عن بعض الأحاديث، والنبي صلى الله عليه وسلم. يقول له: هات يا شيخ السنة، ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا، والنبي صلى الله عليه وسلم. يقول له: هات يا شيخ السنة، وذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة. فقال لي: يا شيخ الحديث، فقلت له: يا رسول الله أمن أهل الجنة أنا؟ قال: نعم، فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لك ذلك، وألف في ذلك كتاب " تنوير الحلك، في إمكان رؤية النبي والملك " ، وقال له الشيخ عبد القادر، قلت له يا سيدي: كم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟ فقال: بضعاً وسبعين مرة، وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن علي الحباك أن الشيخ قال له يوماً وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: نريد أن نصلي العصر في مكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت. قال: فقلت: نعم. قال: فأخذ بيدي، وقال: غمض عينيك، فغمضتها فرمل في نحو سبع وعشرين خطوة، ثم قال لي: إفتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلى، فزرنا أمنا خديجة، والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة وغيرهم، ودخلت الحرم، فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من زمزم، ثم قال لي: يا فلان ليس العجب من طيئ الأرض لنا، وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي: إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقم حتى يأتي الحاج. قال: فقلت: بل إذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلا، وقال لي: غمض عينيك، فغمضتها، فهرول بي سبع خطوات، ثم قال لي: إفتح عينيك، فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض، ثم ركب الشيخ حمارته، وذهبنا إلى بيته في جامع طولون.
وذكر الشعراوي، عن الشيخ أمين الدين النجار إمام جامع الغمري أن الشيخ أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت، وأن يدخلها في افتتاح سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وأخبره أيضاً بأمور أخرى تتفق في أوقات عينها، وكان الأمر كما قال - رضي الله تعالى عنه - ومحاسنه ومناقبه لا تحصى كثرة، ولو لم يكن له من الكرامات إلا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتحقيقها لكفي ذلك شاهداً لمن يؤمن بالقدر، وله شعر كثير كثره متوسط، وجيده كثير، وغالبه في الفوائد العلمية، والأحكام الشرعية، فمن شعره وأجاد فيه:
فوض أحاديث الصفات ... ولا تشبه أو تعطل
إن رمت إلا الخوض في ... تحقيق معضله فأول
إن المفوض سالم ... مما يكلفه المؤول
وقال رضي الله تعالى عنه:
حدثنا شيخنا الكناني ... عن أية صاحب الخطابة
أسرع أخا العلم في ثلاث ... الأكل والمشي والكتابة
وقال في الشافعي - رضي الله تعالى عنه - مضمناً مكتفياً:
إن ابن إدريس حقاً ... بالعلم أولى وأحرى
لأنه من قريش ... وصاحب البيت أدرى
وقال مقتبساً - رضي الله تعالى عنه.
أيها السائل قوماً ... ما لهم في الخير مذهب
أترك الناس جميعاً ... وإلى ربك فارغب
وقال مقتبساً أيضاً:
عاب الإملاء للحديث رجال ... قد سعوا في الضلال سعياً حثيثا
إنما ينكر الأمالي قوم ... لا يكادون يفقهون حديثاً
وقال مقتبساً:
لا تقابل الجهلا ... بالذي أتوا تفلح
إن ترد أن تسوءهم ... فاعف عنهم واصفح
أعبد الله ودع عن ... ك التواني بالهجود
ومن الليل فسب ... حه وإدبار السجود
وقال:
إني عزمت وما عزم بمنخرم ... ما لم يساعده تقدير من الباري
أن لا أصاحب إلا من خبرتهم ... دهراً مقيماً، وأزماناً بأسفار
ولا أجالس إلا عالماً فطناً ... أو صالحاً أو صديقاً لا بإكثار
ولا أسائل شخصاً حاجة أبداً ... إلا استعارة أجزاء وأسفار
ولا أذيع، ولا للعالم الفطن الصد ... يق ما يحتوي مكنون أسراري

ولا أصاحب عامياً، وإن شهدوا ... بأنه صالح معدوم أنظار
ولست أحدث فعلاً غير مفترض ... أو مستحب، ولم يدخل بانكار
ما لم أقم مستخير الله متكلاً ... وتابعاً ما أتى فيها من آثار
وقال متشكياً:
طوبى لمن مات فاستراحا ... ونال من ربه فلاحا
ما نحن إلا في قوم سوء ... أذاهم قد بدا ولاحا
وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس بعد أن تمرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوماً، وكان له مشهد عظيم، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ثامن رجب سنة إحدى عشرة المذكورة. قيل: أخذ الغاسل قميصه وقبعه فاشترى بعض الناس قميصه من الغاسل بخمسة دنانير للتبرك به، وباع قبعه بثلاثة دنانير لذلك أيضاً، ورثاه عبد الباسط بن خليل الحنفي بقوله:
مات جلال الدين غيث الورى ... مجتهد العصر إمام الوجود
وحافظ السنة مهدي الهدى ... ومرشد الضال بنقع يعود
فيا عوني انهملي بعده ... ويا قلوب انفطري بالوقود
واظلمي يا دنيا إذ حق ذا ... بل حق إن ترعد فيك الرعود
وحق للضوء بأن ينطفي ... وحق للقائم فيك القعود
وحق للنور بأن يختفي ... ولليالي البيض إن تبق سود
وحق للناس بأن يحزنوا ... بل حق أن كل بنفس يجود
وحق للأجبال خر وإن ... تطوى السما طيا كيوم الوعود
وأن يغور الماء والأرض أن ... تميد إذ عم المصاب الوجود
مصيبة حلت فحفت بنا ... وأورثت نار اشتعال الكبود
صبرنا الله عليها وأولاه ... نعيماً حل دار الخلود
وعمه منه بوبل الرضى ... والغيث بالرحمة بين اللحود
ولعله رثي بالمراثي الحافلة، ولم أقف إلا على هذه القصيدة في تاريخ ابن طولون. ذكر أنه استملاها من بعض من قدم عليهم دمشق من القادمين، فكتبها هذا من خطه لئلا تخلوا الترجمة من مرثية ما رحمه الله تعالى.
462 - عبد الرحمن المقدسي: عبد الرحمن ابن الشيخ العلامة زين الدين بن جماعة المقدسي الشافعي شيخ الصلاحية بالقدس الشريف توفي بالقدس سنة أربع وعشرين وتسعمائة وصلي عليه وعلى الشيخ عبد القادر الدشطوطي غائبة بجامع بني أمية بدمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان منها رحمه الله تعالى.
463 - عبد الرحمن بن عبد الله: عبد الرحمن بن عبد الله الفكيكي المغربي المالكي نزيل دمشق قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية وغيرها ومات مطعوناً بدمشق سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

464 - عبد الرحمن بن علي الأماسي: عبد الرحمن بن علي العالم العلامة المحقق الفهامة، المولى عبد الرحمن بن المؤيد الأماسي الرومي الحنفي، ولد بأماسية في صفر سنة ستين وثمانمائة واشتغل في العلم ببلده ولما بلغ سن الشباب صحب السلطان أبا يزيد، خان حين كان أميرا بأماسية فوشى به المفسدون إلى السلطان محمد خان والد السلطان أبي يزيد فأمر بقتله فبلغ السلطان أبا يزيد ذلك قبل وصول أمر والده فاعطاه عشرة آلاف درهم وخيلاً وسائر أهبة السفر وأخرجه ليلاً من أماسية ووجهه إلى بلاد حلب وكانت إذ ذاك في أيد الجراكسة فدخلها سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فأقام هناك مدة واشتغل بها في النحو فقرأ على بعض أهلها في المفصل ثم أشار عليه بعض تجار العجم أن يذهب إلى المولى جلال الدين الدواني ببلدة شيراز ووصف له بعض فضائله فخرج مع تجار العجم في تلك السنة وقصد المنلا المذكور فقرأ عليه زماناً كثيراًوحصل عنده من العلوم العقلية والعربية والتفسير والحديث وأجازه وشهد له بالفضل التام بعد أن أقام عنده سبع سنين فلما بلغه جلوس السلطان أبي يزيد خان على تخت السلطنة سافر من بلاد العجم إلى الروم فصحب موالي الروم وتكلم معهم فشهدوا بفضله وعرضوه على السلطان فأعطاه مدرسة قلندر خانه بالقسطنطينية ثم إحدى الثماني ثم قضاء القسطنطينية ثم أدرنة ثم قضاء العسكر بولاية أناطولي ثم بولاية روم إيلي ثم عزل وجرت له محنة ثم لما تولى السلطان سليم خان أعاده إلى قضاء العسكر في سنة تسع عشرة وتسعه وسافر معه إلى بلاد العجم وكان معه في محاربة الشاه إسماعيل ثم عزل عن قضاء العسكر بسبب اختلال حصل له في عقله في شعبان سنة عشرين وتسعمائة وعين له كل يوم مئتي درهم ورجع إلى القسطنطينية معزولاً وكان قبل اختلاله بالغاً الغاية القصوى في العلوم العقلية والعربية ماهراً في التفسير مهيباً حسن الخط جداً ينظم الشعر بالفارسية والعربية وله مؤلفات بقي أكثرها في المسودات منها رسالة لطيفة في المواضع المشكلة من علم الكلام وكانت وفاته بالقسطنطينية ليلة الجمعة خامس عشر شعبان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وقيل في تاريخ وفاته:
نفسي الفداء لحبر حل حين قضى ... في روضة وهو في الجنات محبور
مقامه في علا الفردوس مسكنه ... أنيسه في الثرى الولدان والحور
قل للذي يبتغي تاريخ رحلته ... نجل المؤيد مرحوم ومغفور
465 - عبد الرحمن بن موسى المغربي: عبد الرحمن بن موسى المغربي التادلي المالكي نزيل دمشق كان رجلاً فاضلاً صالحاً اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد وجعل نفسه كالنقيب لدرسه وحضر كثيراًمن دروسه وقرأ عليه في مختصر الشيخ خليل على مذهب الإمام مالك وقرأ عليه في الجرومية وفي منظومته نظم الجرومية ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
466 - عبد الرحمن البهنسي: عبد الرحمن البهنسي المصري الشيخ الصالح المصطلم المستغرق المعتقد أحد صوفية الشيخونية المقيم بالبرقوقية بين القصرين بمصر. توفي سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
467 - عبد الرحمن البابكي: عبد الرحمن الشيخ الصالح الخير زين الدين البابكي المصري أحد أصحاب الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية توفي سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
468 - عبد الرحمن الصالحي: عبد الرحمن الشيخ العالم الصالح المحدث زين الدين الصالحي الشافعي. توفي بالقاهرة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه وعلى آخرين تقدم ذكرهم في ترجمة البرهان بن أبي شريف غائبة بالأموي بدمشق يوم الجمعة رابع عشري ربيع الثاني منها رحمه الله تعالى.
469 - عبد الرحمن شيخ الصوابية: عبد الرحمن الشيخ الصالح المسلك زين الدين شيخ الصوابية بصالحية دمشق. توفي بها يوم الخميس ثامن عشري رجب سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
470 - عبد الرحمن بن الأكرم: عبد الرحمن القاضي زين الدين بن الأكرم ابن عم نائب القلعة الأمير إسماعيل بن الأكرم توفي بالعقبة بدرب الحجاز يوم الجمعة ثاني عشر المحرم سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

471 - عبد الرحمن بن محمد الأوجاقي: عبد الرحمن بن محمد الشيخ الإمام العالم العلامة المحدث المسند الحافظ الحجة الرحلة الناقد تقي الدين ابن الشيخ محب الدين الأوجاقي المصري الشافعي. قرأ القرآن العظيم على والده وهو أول شيخ قرأ عليه القرآن، وسمع منه وعليه الحديث، وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها، وقرأ أيضاً على الشيخ شمس الدين محمد الشهير بالسكندري، وعلى العلامة زين الدين أبي بكر بن عياش، وهؤلاء كلهم قرأوا على الشيخ شمس الدين العسقلاني، وأخذ العلوم الشرعية أيضاً عن شيخ الإسلام ابن حجر، والمولى ابن العراقي، والشمس القاياتي، وصالح البلقيني، والفقه عن والده، وعن العلم صالح، والعلامة زين البوتيجي، والقاياتي، ولازم الشرف المناوي في المنهاج والبهجة وغيرها تقسيماً، قال: وهو آخر شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية، وأخذ كتب النووي عن الشهاب الواسطي عن الصدر الميمومي عن النووي، وقرأ في شرح التلخيص للتفتازاني على شيخ الإسلام سعد الدين الديري الحنفي المقدسي، والعلامة عز الدين بن عبد السلام البغدادي، وسمع في الحديث المسلسل بالأولية من والده، وابن حجر، والعلم صالح، والشرف مناوي، والشيخ العلامة الشيخ أبي هريرة الأبوتيجي، والمسند العلامة أبي الطيب أحمد شهاب الدين الحجازي، والمسند محيي الدين الطريفي، وسمعه بالمسجد الحرام من شيخ الإسلام الحافظ أبي الفتح محمد شرف الدين ابن الحافظ أبي بكر المراغي. قال: وهو أول حديث سمعته من لفظه أنا، وصاحبنا قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وسمعته بمكة أيضاً من العلامة تقي الدين بن فهد، وبالمدينة من قاضي القضاة أبي الفتح بن حاتم المديحي، وبالقدس من قاضي قضاتها جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جماعة، والحافظ أبي بكر عبد الله تقي الدين القرقشندي، وروى صحيح البخاري عن جمع كثير يزيد عددهم على المائة وعشرين نفساً ما بين قراءة وسماع. ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة وإجازه مجردة منهم والد المحب الأوجاقي سماعاً عليه مرات كثيرة في كل سنة بقراءة الشيخ الفاضل شمس الدين محمد بن مخلوف القمني، ومنهم الشيخ ولي الدين أبو زرعة العراقي بالإجازة، والحافظ شيخ الإسلام ابن حجر سماعاً منه وعليه، ولبس الخرقة القادرية من والده، ومن السيد الشريف أبي الحسن علي، وابن عمه السيد الشريف أبي المحاسن حسن نور الدين الكيلاني، ومن الشيخ أحمد أبي العباس شهاب الدين الزركشي الخطيب الشافعي عن ابن الناصح وصحب من مشايخ عصره، جماعة أجلاء منهم سيدي أبو الفتح ابن أبي الوفاء، وصاحبه الشيخ أبو سعيد، والشيخ مدين، والسيد أبو الصفا الوفائي، والشيخ الكبير المعمر سيدي محمد بن سلطان، وسيدي محمد بن خضر، وسيدي الشيخ كمال الدين الملقب بالمجذوب، وسيدي الشيخ ماهر صاحب سيدي إسماعيل الأنبائي، وسيدي أحمد بن قرا الشامي، وسيدي محمد النابلسي أحد أصحاب سيدي الشيخ يوسف العجمي، وسيدي عمر الكردي، وسيدي أحمد بن رياض وآخر من صحبهم منهم الشيخ - العارف بالله تعالى - سيدي أبو العون الغزي وله رضي الله تعالى عنه شعر لطيف منه:
تقول نفسي: أتخشى ... من هول ذنب عظيم
لا تختشي من عقاب ... وأنت عبد الرحيم
وقال رحمه الله تعالى:
إذا كنت الرحيم فلست أخشى ... وإن قالوا: عذاب النار يحمى
وكم عبد كثير الذنب مثلي ... بفضلك من عذاب النار يحمى
وقال أيضاً:
ياراحمي ورحيمي ... ومانحي كل نعمه
ابن الوجاقي عبد ... مرداه منك رحمه
وقال في مرضه الذي مات فيه وأجاد فيه:
لما مرضت من الذنوب لثقلها ... وأيست من طب الطبيب النافع
علقت أطماعي برحمة سيدي ... وأتيته متوسلاً بالشافعي
وكانت وافته - رحمه الله تعالى - بالقاهرة يوم الاثنين ثاني أو ثالث جمادى الآخرة سنة عشر وتسعمائة.
472 - عبد الرحيم بن صدقة المكي: عبد الرحيم بن صدقة، الشيخ الإمام العلامة الورع الزاهد، زين الدين المكي الشافعي، قرأ عليه البرهان العمادي الحلبي، أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط المقياس تجاه المسجد الحرام، في العشر الأول من الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة.

473 - عبد الرحيم بن علي الرومي: عبد الرحيم بن علي المولى الفاضل عبد الرحيم ابن المولى علاء الدين العربي الرومي الحنفي، لقبه والده ببلك، واشتهر به على علي المولى خطيب زاده، وكان فاضلاً في الفروع والأصول، ذكياً فصيحاً، حسن المحاورة، ودرس ببعض المدارس، ثم بإحدى الثماني، ثم ولي قضاء القسطنطينية، ثم أعيد إلى تدريس إحدى الثماني، ومات وهو مدرس بها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
474 - عبد الرحيم الأبناسي: عبد الرحيم الأبناسي، الشيخ المشهور المصري، من مناقبه ما حكاه عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، أن السلطان قايتباي أرسل إليه مرسوماً، بعشرة أنصاف مصرية من الجوالي في كل يوم، فانقبض خاطر الشيخ من ذلك، فوضع المرسوم في عمامته، وركب حمارته، وخرج لحاجة فبينما هو تحت بيت إذ سمع امرأة تقول لجارتها: هذا الشيخ هو الذي أخذ جوالي ولدي، فعرف البيت، وأرسل المرسوم إلى قايتباي، وقال: إن كنت تريد البر لي فامسح اسمي، واكتب اسم ولد المتوفي، وما زال يبرم على السلطان حتى كتب العشرة أنصاف لولد تلك المرأة، وهو ولد المتوفي، ثم جاءها بالمرسوم وأعطاها إياه، وقال: ابرئي ذمة عبد الرحيم، وادعي له بالموت على الإسلام، فإني خائف من سوء الخاتمة، فبكت المرأة وبكى الشيخ، ولعله أدرك أوائل هذه الطبقة، رحمه الله تعالى.
475 - عبد الرزاق: عبد الرزاق...... الشيخ الصالح المربي المسلك الشافعي الحموي القادري نسباً وخرقة، توفي بحماة في سنة إحدى وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بالأموي بدمشق يوم الجمعة تاسع ربيع الأول منها.
476 - عبد الرزاق بن أحمد الأريحي: عبد الرزاق بن أحمد بن محمد الشيخ ولي الدين بن زين الدين الشيخ العلامة شمس الدين الأريحي، ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وتوفي سنة اثنتين وتسعمائة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
477 - عبد الرزاق بن أحمد العجيمي: عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى، المعروف جده أحمد في القدس الشريف بالعجيمي، وجده الأعلى موسى بالتركماني الشيخ الفاضل المقري المجود زين الدين ابن الشيخ الإمام المقرئ، كاتب المصاحف شهاب الدين أحمد المقدسي الأصل، الدمشقي السافعي، ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وأخذ القراءات وغيرها عن والده وغيره، وتوفي في سنة تسع وتسعمائة، ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة بالقرب من ميدان الحصا عند أخيه الشيخ إبراهيم المقدسي.
478 - عبد السلام: عبد السلام، الشيخ الصالح، خادم الشيخ علي أبي تراب، الكائن بالحرشف بالقاهرة، مات يوم الأحد ثاني شعبان، سنة اثنتي عشرة وتسعمائة بالقاهرة، ودفن بها رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
479 - عبد العال إمام السلطان: عبد العال الشيخ الفاضل الناسك المتقلل زين الدين المصري الحنفي إمام السلطان جان بلاط، وإمام مدرسته بباب النصر، تيسرت له الرئاسة، وعرضت عليه فأبى إلا التقليل والتقنع، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان الشيخ عبد العال رجلاً صالحاً كريماً عفيفاً لا يكاد يمكن أحد أن يفارقه، حتى يقدم له شيئاً يكله قال: ودخلت عليه مرة فلم يجد عنلى طعاماً، فقمم إلي الماء فقال: اشرب ولو يسيراً قال: وربما وجد اللقمة اليابسة فيضعها بين يدي الأمير، ونحوه انتهى.
وكانت وفاته في أواخر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة قال العلائي: وأعقب ولداً فاضلاَ يسمى أمين الدين من أمة حبشية، نشأ على علم، وخير انتهى، وستأتي ترجمة الشيخ أمين الدين بن عبد العال في الطبقة الثانية رحمه الله تعالى.
480 - عبد العال المجذوب: عبد العال المجذوب المصري، كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص، وإنما يلبس الإزار صيفاً وشتاءً، وسواكه مربوط في إزاره، وكان محافظاً على الطهارة خاشعاً في صلاته، مطمئناً فيها متألهاً، وكان يحمل إبريقاً عظيماً يسقي به الناس في شوارع مصر، وكان يطوف البلاد والقرى، ثم يرجع إلى مصر، وكان يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون قال الشعراوي: ولما دنت وفاته دخل إلى الزاوية وقال للفقراء: تدفنوني في أي بلد فقلت: الله أعلم فقال: في قليوب، وكان الأمر كما قال، مات بعد ثلاثة أيام ودفن قريباً من القنطرة، التي في شط قليوب، وبنوا عليه قبة في سنة نيف وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

481 - عبد العزيز السبتسي: عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار بن زائد بن يحيى بن مختار بن سالم ابن الشيخ الصالح المسند المعمر عز الدين السبتسي المكلي الشافعي المعروف كسلفه بابن زائد، ولد في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بمكة، وحفظ القرآن العظيم، وسافر مع أبيه في التجارة، إلى الهند واليمن وسواكن وغيرها، وسمع على الشيخ أبي الفتح المراغي جميع البخاري، خلا أبواب، وبعض مسلم وكتباً كثيرة من السنن الأربعة، وسمع على الشيخ الحافظ تقي الدين بن فهد، ومنه أشياء كثيرة، وعلى القاضي شهاب الدين الزفتاوي المسلسل بالأولية، وجزء أيوب السختياني، والبردة للبوصيري، وغير ذلك وأجاز له جماعة منهم الحافظ بن حجر، وأحمد بن أبي بكر الدماميني، والعز عبد الرحيم ابن الفرات، والسعد الميري، وسارة بنت... ابن جماعة وغيرهم، وكان موجوداً في سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
482 - عبد العزيز بن محمد الحرناوي: عبد العزيز بن محمد الشيخ الصالح عز الدين بن ناصر الدين الحرناوي، البغدادي نزيل دمشق، كان من أولياءه تعالى سمع على المحدثين البغداديين، كابن النجار وغيره، وقطن بدمشق وبها توفي ليلة الخميس خامس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
483 - عبد العزيز بن عمر بن فهد: عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن هاشم بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد الشهير بابن الحنفية، ابن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - الشيخ الإمام الحافظ، المتقن الرحال المفيد القدوة، عز الدين أبو الخير وأبو فارس ابن العمدة المؤرخ الرحال نجم الدين أبي القاسم، وأبي حفص ابن العلامة الرحلة الحافظ تقي الدين أبي الفضل، ابن أبي النصر ابن أبي الخير المعروف كسلفه بابن فهد، ولد في الثلث الأخير من ليلة السبت سادس عشري شوال سنة خمسين وثمانمائة بمكة المشرفة، وحفظ القرآن العظيم والأربعين النووية، والإرشاد لابن المقري، والألفية لابن مالك، والنخبة لابن حجر، والتحفة الوردية، والجرومية وعرضها جميعها على والده وجده، والثلاثة الأولى على جماعة غيرهما، واستجاز له والده جماعة منهم ابن حجر، وأسمعه على المراغي والزين الأسيوطي، والبرهان الزمزمي، وغيرهم ثم رحل بنفسه إلى المدينة المنورة، ثم إلى الديار المصرية، وسمع بالقدس، وغزة ونابلس ولدمشق وصالحيتها، وحماة وحلب، وغيرها من جماعة واجتهد، وتميز ثم عاد إلى بلده، ثم رجع إلى مصر، بعد نحو أربع سنوات، وذلك في سنة خمس وسبعين وثمانمائة، وقرأ على شيخ الإسلام زكريا والشرف عبد الحق السنباطي، في الإرشاد وعلى السخاوي ألفية الحديث وغيرها، ورجع إلى بلده ثم سافر في موسم السنة التي تليها إلى دمشق، وقرأ بدمشق على الزين خطاب قطعة من أول الإرشاد، وكذا على المحب البصروي، وكان قد أخذ عنه بمكة أيضاً، وحضر دروس التقوي ابن قاضي عجلون، وسافر منها إلى حلب ثم رجع وسافر إلى القاهرة، ثم عاد إلى بلده، ثم عاد إلى القاهرة أيضاً، ولازم السخاوي، وحضر درس إمام الكاملية والسراج العبادي، ثم عاد إلى بلده، وأقام بها ملازماً للاشتغال، ولازم فيها عالم الحجاز البرهان، ابن ظهيرة في الفقه، والتفسير وأخاه الفخر، والنور الفاكهي في الفقه وأصوله، وأخذ النحو عن أبي الوقت المرشدي، والسيد السمهودي مؤرخ المدينة، والنحو والمنطق على العلامة يحيى العلم المالكي، وبرع في علم الحديث، وتميز فيه بالحجاز مع المشاركة في الفضائل، وعلو الهمة والتخلق بالأخلاق الجميلة، وصنف عدة كتب معجم شيوخه نحو ألف شيخ، وفهرست مروياته، وجزء في المسلسل بالأولية، وكتاب فيه المسلسلات التي وقعت له ورحلة في مجلد، وكتاب في الترغيب والاجتهاد، في الباعث لذوي الهمم العلية على الجهاد، وترتيب طبقات القراء للذهبي، وتاريخ على السنين ابتدأ فيه من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وذكر ابن طولون عن والده المحدث جار الله بن فهد أن أباه نظم الحديث المسلسل بالأولية في بيتين ذكر أنه لم ينظم غيرهما وهما:
الراحمون لمن في الأرض يرحمهم ... من في السماء كذا عن سيد الرسل

فارحم بقلبك خلق الله وارعهم ... به تنال الرضى والعفو عن زلل
وذكر ابن طولون أيضاً أنه أجازه مراراً، وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية، ثم المسلسل بالمحمدين، ثم المسلسل بحرف العين، وذلك يوم الاثنين سادس في الحجة سنة عشرين وتسعمائة بزيارة دار الندوة رحمه الله تعالى.
484 - عبد العظيم الخانكي: عبد العظيم بن يحيى الخانكي العلامة الشافعي، أخذ عن المسند شهاب الدين أحمد البرقوقي وغيره رحمه الله تعالى.
485 - عبد العزيز الرومي: عبد العزيز بن يوسف بن حسين السيد الشريف الحسني، المولى الفاضل الشهير بعابد جلبي الرومي الحنفي، خال صاحب الشقائق، قرأ على المولى محيي الدين محمد السامسوني، ثم على المولى قطب الدين حفيد قاضي زاده الرومي، ثم المولى أخي جلبي، ثم المولى علي بن يوسف الفناري، ثم المولى معروف زاده معلم السلطان بايزيد خان، ثم صار مدرساً بمدرسة كليبولي، ثم قاضياً ببعض النواحي، ومات بمدينة كفه قاضياً بها في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
486 - عبد الغفار الضرير: عبد الغفار الشيخ الإمام العلامة المفنن الشيخ زين الدين المصري الشافعي الضرير. قال الحمصي: مات قتلاً في صلاة الجمعة ببلدة يقال لها: مطبوس، بالقرب من إسكندرية قال: وسبب ذلك أن هذه كانت جارية في إقطاع الأمير طراباي رأس نوبة النوب، وبها رجل متدارك لمالها اسمه أبو عمرو، فوقع بينه وبين أهل البلدة لفسقه وظلمه، فشكوا حالهم إلى للأمير طراباي، فأرسل أخاه للبلد يحرر ذلك، فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم أبي عمرو لهم، فضرب أخو طراباي واحداً من أهل البلدة بالدبوس، فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب السيف فيهم، فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفراً فقال الشيخ عبد الغفار: هذا ما يحل فضربت عنقه، وألقي في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح بها جمع من الأولياء فدفن بها، كانت له جنازة لم تشهد، وكان قتله - رحمه الله تعالى - في يوم الجمعة سادس عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
487 - عبد الفتاح العجمي: عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي العجمي الأصل، ثم أحد موالي الروم كان عالماً فاضلاً محققاً، وله خط حسن، قرأ على جماعة منهم المولى محيي الدين الإسكليبي، والمولى عبد الرحمن بن المؤيد، ثم صار مدرساً بمدرسة المولى يكان ببروسا، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدين بها، ثم بمدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية، ومات وهو مدرس بها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
488 - عبد القادر بن محمد الحيسوب: عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الشيخ العالم الفرضي الحيسوب زين الدين الصفدي، ثم الدمشقي الشافعي المعروف في صفد بابن المصري، وفي دمشق ببواب الشامية البرانية لأنه نزلها حين دخل دمشق، وكان بواباً بها سنين عديدة، ثم سكن السميصاتية مدة، ولد بصفد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الشيخ شمس الدين بن حامد الصفحي، والشيخ شمس الدين البلاطنسي، والشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، والشيخ زين الدين خطاب، والشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، والشيخ شمس الدين الشرواني وغيرهم، وكان له يد طولى في علم الحساب وقلم الغبار، بحيث لم يكن له بدمشق نظير في ذلك، وكان نحيف البدن ضعيف البصر له شراسة في خلقه، وكان يتعاطى شراء الكتب الحسان، وانتفع به جماعة، ولما توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصارمية داخل بابي النصر والجابية، وتدريسها، وسكن بها، وانقطع عن الناس وبها توفي سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن بمقبرة الفراديس رحم(ه الله تعالى.

489 - عبد القادر بن محمد الرجيحي الحنبلي: عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد الشيخ الورع المسلك محيي الدين بن أبي المواهب الشيخ العارف بالله تعالى شمس الدين الشيباني المزي، ثم الصالحي الحنبلي، عرف بابن الرجيحي، وجده الأعلى الشيخ يونس، هو الشيخ العارف بالله تعالى شيخ الطائفة اليونسية ذكر ترجمته ابن خلكان وغيره، ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، والخرقي واشتغل في العلم، ثم تصوف ولبس الخرقة من جماعة منهم والده والعلامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة والشيخ أبو الفتح الإسكندري، ولازمه كثيراً، واتفع به، وأخذ عنه الحديث، وقرأ عليه الترغيب والترهيب للمنذري كاملاً، وقرأ عليه غير ذلك، وسمع منه وعليه أشياء كثيرة وناب في الحكم عن قاضي القضاة نجم الدين عمر بن مفلح، وكانت سيرته حسنة، وسكن آخراً بالصالحية بالسهم الأعلى، وبنى بها زاوية وحماماً وسكناً، وتوفي في ليلة الخميس رابع عشر المحرم سنة عشر وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدعاء رحمه الله تعالى.
490 - عبد القادر بن محمد الأبار: عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي، الشيخ العلامة محيي الدين ابن الشيخ الفقيه المفتي شمس الدين المارديني الأصل، الحلبي المولد والمنشأ والدار، الشافعي، الشهير بالأبار، هو وأبوه لأنه كان يصنع الإبر بحانوت كائنة له، ثم اشتغل في العلم، ورحل في طلبه، وكان ممن أخذ عنه الحديث وغيره الشمس السخاوي، وكتب له إجازة حافلة مؤرخة في أوائل جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين وثمانمائة، وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره، وممن أخذ عنه الفقه وغيره الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن عبد المنعم الجوجري المصري، سمع عليه معظم التنبيه، وأجازه به وبغيره، وأذن له بالإفتاء والتدريس بعد أن أثنى عليه كثيراً، وأنشده لنفسه ملمحاً مضمناً:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن علمكم ثم عنكم أحسن الخبر
ثم التقينا، وشاهدت العجائب من ... عزيزعلم حمته دقة النظر
فقلت حينئذ: والله ما سمعت ... أذناي أحسن مما قد رأى بصري
وبالجملة فقد اجتهد صاحب الترجمة - رحمه الله تعالى - على طلب العلم، وأكب على خصيله حتى صار فقيه حلب ومفتيها، وأخذ عنه فضلاؤها كالبرهان العمادي، والزين بن الشماع، وكان مع براعته في الفقه، حسن العبارة، شديد التحري في الطهارة، طارح التكلف، ظاهر التقشف، حسن المحادثة، حلو المذاكرة، اتفق أكثر الخواص والعوام على محبته والثناء عليه، وكانت علامة القبول والصدق ظاهرة في أقواله وأفعاله وحكي عنه أنه حضر عقد مجلس صار بدار العدل بحلب، فجلس بعض الجهلة في مكان أرفع من مكانه، فلامه بعض الأكابر على ذلك، وقال له: لم تركته يجلس فوقك؟ فقال: والله يا أخي لو جلس فوقي لرضني رضا. قلت: واتفق نظير ذلك للشيخ الزاهد العلامة شهاب الدين الطيبي الدمشقي، حضر مجلساً، فجلس من هو دونه مرتفعاً عليه في المجلس، فقيل له: يا مولانا لم مكنته من الجلوس فوقك؟ قال: إنه لم يجلس فوقي، ولكن جلس إلى جنبي. قال ابن الحنبلي: وكان يعني الأبار. يقول: كما أخبرني عنه بعض أحفاده نحن من بيت بماردين مشهور ببيت رسول. قال: وجدنا الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفاً من أن أنسب إلى تحميل نسبي على الغير، وأن يقدح في بذلك. انتهى.
قلت: لكن المشهور أن الشيخ أرسلان الدمشقي لم يعقب كما أجاب بذلك الشيخ الحافظ العلامة برهان الدين الناجي حين سئل عن ذلك، وألف في ذلك مؤلفاً لطيفاً، وكانت وفاة صاحب الترجمة في ذي القعدة سنة أربع عشرة وتسعمائة بحلب، وتحرير وفاته كما في تاريخ الحمصي يوم الثلاثاء خامس عشر شهر ذي القعدة المذكورة رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.

491 - عبد القادر بن محمد بن حبيب: عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الشيخ العالم الزاهد العارف بالله تعالى الصفدي الشافعي صاحب التائية المشهورة، أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلامة الصالح شهاب الدين بن أرسلان الرملي صاحب الصفوة وعن غيره، وكان خامل الذكر بمدينة صفد، مجهول القدر عند أهلها لا يعرفون محله من العلم والمعرفة، وكان يقرىء الأطفال، ويباشر وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون، فسمع شيئاً من كلامه، فشهد له ذوقه بأنه من أكابر العارفين، وأعيان المحبين، فهناك نشر ذكره وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك الشيخ علوان الحموي في أول شرح تائية ابن حبيب. قلت: وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي بن ميمون كان سبب رحلته من الغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب بلقيهم، منهم ابن حبيب، وقال: إنه في بلدة من بلاد لشام بين جبال وآكام، فلما دخل ابن ميمون البلدان الشامية تطلب ابن حبيب في قرايا البقاع، ووادي التيم، وما والاهما حتى دخل قرية دربل، فوجدهما قريباً مما وصف له به بلدة بن حبيب، فلما دخل ابن ميمون دربل أحس به ابن حبيب وهو بصفد، وهنا لا يبعد على أولياء الله تعالى، فنظروا إلى ابن حبيب ذات يوم، وهو يحلق سبابة يده اليمنى في كف يده اليسرى، وهو يقول عند كل تحليقة: در دربل در درربل حتى حلق أربعين تحليقة، فكان ابن ميمون إذا أصبح كل يوم دار نواحي دربل يتصفح وجوه أهلها، ولا بغيته فيهم حتى دارها أربعين يوماً بعدد تحليقات ابن حبيب، ثم خرج ابن ميمون من دربل، وسافر حتى دخل بلدة صفد، فتنشق أنفاس ابن حبيب، فدخل عليه المكتب، فقعد ناحية، فأضافه الشيخ عبد القادر بن حبيب وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق باب المكتب، فنظر إليه سيدي علي بن ميمون أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني أربعين يوماً بقولك در دربل در دربل حتى تطردني الآن؟ فقال له ابن حبيب: يا أخي إذا كان كذلك فاسترني. قال: بل والله لأفضحنك وأشهرنك، فما زال سيدي علي بن ميمون - قدس الله سره - بابن حبيب حتى أشهره، وعرف الناس بمقداره حتى رمقوه بالأبصار، وشدت لزيارته الرحال من الأقطار، قال الشيخ علوان - رحمه الله تعالى - : هذا وهو متسبب بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا تسلمها علماء النقول، ولا تسعها منهم العقول، إذا كان ممن أقيم في السماع، وكشف القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر - رضي الله تعالى عنه - عن ضربه بالآلات بما هو مذكور في شرح التائية. وبالجملة، فكان ابن حبيب - رضي الله تعالى عنه - متستراً بالخلاعة والنفخ في المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل كل ذلك لأجل التستر، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر أمره حتى رسخ في النفوس أنه من كمل العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذن، وكان ربما مشى بدبوس إمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحداً من تقبيل يده، وإنما يبادي للمصافحة، ويطوف على أهل السوق فيصافحهم في حوانيتهم واحداً واحداً، وكان يداعب الناس سمع قائلاً يقول الله تعالى: كريم. فقال: ليس كريم، فتعجب منه، فقال: ليس كريم أي لا يشبه ريماً، وهو الظبي ولا غيره لأنه ليس كمثله شيء. وقال مرة: عمري كذا كذا ألف سنة - بكسر السين - فأنكر عليه. فقال: أردت بالسنة النعاس، وكل ذلك تستراً وتمويهاً. ولا يزداد الناس فيه إلا اعتقاداً، وكان يقول: يأتوني فيقولون: سلكنا وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في يومين، وكان في بداءته يثور به الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء من إناء كبير، فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصحاري حتى فجأته العناية، ووافته الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلا بإشارة خوفاً من النطق بما لا يعني، وكان لا يقبل هدايا الأمراء، ولا يشير إلى مسلم بيده اليسرى وكان إذا جاءته رسالة من إخوانه لا يأخذها إلا متوضئاً. وقال مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بسم الله الرحمن الرحيم، ففعل ذلك تعظيماً لاسم الله تعالى، وكان مبتلي بأمراض وعلل خطيرة حتى عمت سائر جسده، وربما طرحته

في الفراش وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئاً بإحضار الشهوة، ومنعها إياها أياماً، وكان يعتقد ابن العربي اعتقاداً زائداً، ويؤول كلامه تأويلاً حسناً، وبعث إليه سيدي علي بن ميمون مرة يستأذنه في الزيارة، فبعث إليه يقول: إن مشكاح الأسواق لا يزار، ثم سافر ابن حبيب إلى دمشق، وكان سيدي علي بالبترون، فحضر إلى دمشق، ونزل بمكانه بالصالحية، وكان ابن حبيب نازلاً عند الشيخ عبد النبي المالكي بدمشق، ولم يجتمعا بالأشباح في هذه المرة، ولما بلغه أن سيدي علي يذكره في مجلس التربية بين الفقراء أنشدها ضمناً لنفسه: الفراش وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئاً بإحضار الشهوة، ومنعها إياها أياماً، وكان يعتقد ابن العربي اعتقاداً زائداً، ويؤول كلامه تأويلاً حسناً، وبعث إليه سيدي علي بن ميمون مرة يستأذنه في الزيارة، فبعث إليه يقول: إن مشكاح الأسواق لا يزار، ثم سافر ابن حبيب إلى دمشق، وكان سيدي علي بالبترون، فحضر إلى دمشق، ونزل بمكانه بالصالحية، وكان ابن حبيب نازلاً عند الشيخ عبد النبي المالكي بدمشق، ولم يجتمعا بالأشباح في هذه المرة، ولما بلغه أن سيدي علي يذكره في مجلس التربية بين الفقراء أنشدها ضمناً لنفسه:
ولقد سما الكلب الحقير إلى السهى ... لما تلفظت الأسود بذكره
وكان له شعر ضمنه من دقائق المعاني السنية، ما يشهد لأهل الأذواق أنه كان من أهل الهمم العلية، والأسرار الربانية، وإن كان في بعض تراكيبه ما لا يسلمه علماء العربية من التائية التي ذيل بها على أبيات الشافعي - رضي الله تعالى عنه - الذي أولها:
لما عفوت، ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من حمل المشقات
وقد تلقاها الناس بالقبول، وجرت أبياتها على الألسنة، وانقادت لمعانيها العقول، حتى شرحها الشيخ العالم العارف بالله تعالى سيدي علوان الحموي - رضي الله تعالى عنه - شرحاً حافلاً، وحل ألفاظها حلاً باستقصاء مراداتها كافلاً، واعتذر عن بعض ما وقع فيها من مخالفة الوزن أو ركاكة التركيب، وأتى فيها بكل معنى لطيف وغريب، وقد اتفق لناظمها - رضي الله تعالى عنه - واقعة رأى فيها روحانية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقظان، وعرضها فيها عليه، وأصلح له بعض أبياتها، وتلقاها بالقبول والاستحسان، ووقوع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة قد تتفق لبعض الأولياء من قبيل الكرامة، وخرق العادة، وقد تقدم نظير ذلك في ترجمة الشيخ جلال الدين السيوطي - رحمه الله تعالى - وبلغه الحسنى وزيادة، ومن أحاسن تائية ابن حبيب رضي الله تعالى عنه:
يا صاح كم ذا التواني والتلاهي وكم ... تسوف العمر ولى في المحالات
الحق يدعوك في الإسحار، فاسع وقم ... وافتح فؤادك، وانشق طيب نفحات
واستحل واستجل أبكار المعاني وطب ... وناج ربك في ترتيل آيات
وأحسن الظن فيه، واستعن به ... فاستغن والجأ إليه في الأمورات
واغرس بقلبك أشجار الوداد له ... واخليه من شوك سعدان الخليقات
وصالح الله وأصلح ما تريد كما ... تطيع مولاك تلقى منه طاعات
لم يعلم المدبرون الشوق منه لهم ... لفطروا كيف في أهل المحبات
إن يمش قاصده يأتيه هرولة ... لبدك اللازم انهض كم إضاعات
دع الزمان وأهليه ونفسك لا ... تذهب عليهم أخا العرفان حسرات
كالوقت من كان معه كيف حل ومن ... أضحى مع الله لا يلهو بأوقات
طوبى لمن فاق كأساً من محبته ... ودام حتى حظي منه بكاسات
من قام بالنفس لم يثبت وقد ثبتا ... من قام في الله في أهنى هنيئات
خوف المحب، وفسق العارفين كذا ... كذب المريد فساد في الطريقات

حدثنا الشيخ العلامة عبد الحي الحمصي الحنفي مد الله ظله، وكان قد استطال عليه بعض من لا يدانيه، وأفحش في تحريه عليه وتعديه، واستنصر في أخذ حقه فلم يجد نصيراً، ونام تلك الليلة مقهوراً، قال: فبينما أنا نائم إذ رأيت في فلاة من الأرض، واسعة الطول والعرض، شيخاً مهيباً عليه الوقار، وهو مرتد بأردية الافتقار، قال: فسألت من هذا الرجل المهيب؟ فقيل لي: إنه الشيخ عبد القادر بن حبيب، قال: فتقدمت إليه، وقبلت يحيه، فقال لي: كيف قلنا في التائية؟ فقلت له: يا سيدي لا أدري ما تريد من أبياتها المرضية، فقال: أما قلت فيها:
إن لم تجد منصفاً للحق دعه إلى ... مولى الموالي ومساك السموات
ومن شعر ابن حبيب - رضي الله تعالى عنه - من قصيدة ذكر منها الشيخ علوان في شرح التائية أبياتاً عديدة:
أنا الضيغم الضرغام صمصام عزمها ... على كل صب في الغرام مصمم
وما سدت حتى ذقت ما الموت دونه ... كذا حسن عشقي في الأنام يترجم
وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - بصفد يوم الأحد عاشر جمادى الأولى سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
492 - عبد القادر بن محمد بن جبريل: عبد القادر بن محمد بن جبريل بن موسى بن أبي الفرج، الشيخ الإمام العلامة محيي الدين المقرئ الشافعي، الشهير بجده جبريل، وهو والد قاضي قضاة المالكية بدمشق خير الدين. ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وكان مفتياً على مذهب الشافعي بغزة، وتوفي بها ليلة الجمعة تاسع عشر شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن بمقبرة ساقية العواميد، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق عقب صلاة الجمعة سادس عشر شوال السنة المذكورة رحمه الله تعالى.

493 - عبد القادر بن محمد الدشطوطي: عبد القادر بن محمد، الشيخ الصالح المعمر المعتقد المجرد، العفيف العارف بالله تعالى، المقبول الشفاعة في الدولتين الجراكسية والعثمانية الشيخ زين الدين ابن الشيخ بدر الدين المشطوطي كذا ضبطه العلائي، وضبطه السخاوي في الضوء اللامع - بطاءات مهملة وشين معجمة - كما هو جار على الألسنة قال: وربما جعلت الشين جيماً، ولكن صوابه الدشطوخي - بدال مهملة مكسورة وشين معجمة ساكنة وبعدها طاء مهملة مفتوحة وبعد الواو خاء معجمة - نسبة إلى دشطوخ، وهي قرية من قرى الصعيد. قال السخاوي: كان متقشفاً يحب سماع القرآن، وكلام الصوفية، انتشر اعتقاده بين المصريين من سنة سبع وثمانين فما بعدها، وكانوا يشاهدون منه كرامات وأحوالاً. قال الشيخ زين الدين الشماع الحلبي: وكان من أكابر أرباب الأحوال. قلت: ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن اصطحب معهم من أولياء الله تعالى، وجمع به ولده شيخ الإسلام الوالد، وكان يأمره بالذهاب إليه والتبرك به حين كان بمصر من سنة سبع عشرة إلى سنة إحدى وعشرين، وترجمه الشيخ الوالد بالقطبية في أماكن متعددة، وترجمه الحافظ جلال الدين بالولاية، وألف بسببه تأليفاً في تطور الولي ذكر في أوله أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ عبد القادر المذكور حلف كل واحد منهما أن الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا، فرفع إليه سؤال في حكم المسألة قال: فأرسلت إلى الشيخ عبد القادر، وذكرت له القصة، فقال: لو قال أربعة إني بت عندهم لصدقوا. قال السيوطي: فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما، ثم حمل ذلك على تطور الولي، وهو جزء لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء كابن السبكي، والقونوي، وابن أبي المنصور، وعبد الغفار القوصي، واليافعي - رضي الله تعالى عنهم - وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: دخلت مرة على سيدي عبد القادر، فقال: يا ولدي كل من قال سعادته بيده كذب، وفي لفظ آخر، من قال: إن سعادته بغير يد الله فقد كذب، وأذكر لك بمداءة أمري كنت في دشطوط لا أهجع من السعي في الدنيا، وأنا راكب على ظهر الفرس من الغيط إلى السواقي إلى بلدة كذا، وكان يضرب بي في المثل في الجهد في الدنيا فبينا أنا راكب فرسي يوماً، وأنا ذاهب إلى الغيط، فحصل لي جاذب إلهي، فصرت أغيب عن إحساسي اليومين والثلاثة، ثم أفيق فأجد الناس حولي، وأنا في بلد آخر غير بلدي، ثم أغيب حتى صرت أغيب من الجمعة إلى الجمعة، ثم من الشهر إلى الشهر لا آكل ولا أشرب، فأفقت يوماً، فقلت: اللهم إن كان هذا وارد حق منك، فاقطع علائقي من الدنيا. قال: فرجعت إلى ولدي بعد تسعة أشهر، فوجدت الأولاد وأمهاتهم والبهائم حتى كلاب الدار قد ماتوا، فقلت للناس: هل وقع فصل في البلد؟ فقالوا: لا إنما وقع ذلك في دارك فقط. فقلت: إنه وارد حق، فأخذت فى السياحة إلى يومي هذا ليس لي علاقة من الدنيا سوى هاتين الجبتين اللتين علي هذه حكايته بلفظه، وكان الشيخ عبد القادر مشهور الولاية، ظاهر الأحوال بين الناس، مقبولاً عند الخاص منهم والعام، مسموع الكلمة عند السلطان، فمن عونه مقبول الشفاعة، وكان قال له: صاحب مصر، وكان السلطان قايتباي إذأ رآه يمرغ خديه على قدميه، وعمر عدة جوامع بمصر وقراها، ووقف الناس عليها الأوقاف الكثيرة، وكان المتولي لعمارة جامعه بمصر وزاويته بها الشيخ جلال الدين البكري، وهو والد الشيخ أبي الحسن البكري، وكان الشيخ جلال الدين أولاً من قضاة مصر والمباشرين بها، فلما تواضع لله تعالى وخدم الشيخ عبد القادر رفعه الله تعالى، وأقبل الشيخ عبد القادر على ولده سيدي الشيخ أبي الحسن، وكان يومئذ يشتغل في علوم الظاهر فاضلاً فيها، فأمره والده بخدمة عبد القادر واعتقاده، فبعثه الشيخ عبد القادر إلى الشيخ رضي الدين جدي، وكان يومئذ نازلاً بمصر، فلا زال عند الشيخ رضي الدين ملازماً له في

منزله في غالب أوقاته ليلاً ونهاراً حتى فتح الله تعالى عليه بحقائق المعرفة، ولطائف الإشارات، فقال له الشيخ رضي الدين: يا أبا الحسن ما بقيت مصر تسع لنا ولك، وسافر الشيخ رضي الدين من مصر إلى دمشق في سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ثم صارت الشهرة العظيمة لأولاد البكري من يومئذ إلى يومنا هنا، وكان ذلك كله ببركة الشيخ عبد القادر الدشطوطي - رضي الله تعالى عنه - وكان - رضي الله تعالى عنه - صاحياً، وهيئته هيئة المجاذيب، حافياً، مكشوف الرأس، عليه جبة حمراء تارة وتارة جبتان، وكان بعد أن أضر بصره لبس واحدة، وتعمم بالأخرى، وكان له كلام عال على لسان أهل المعرفة حتى استشهد بكلامه سيدي الشيخ علوان الحموي في رسالة كتبها إلى صاحبه الزيني عمر بن الشماع محدث حلب، وضمنها موعظة أمره فيها بالخروج من عطن الكون المقيد إلى الوجود المطلق، وأنشد فيها قول بعض العارفين:
وكل قبيح إن نسيت لحسنه ... إليك معاني الحسن فيه تدافع
وقول الآخر:
ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله ويحسن منك ذاكا

ثم قال الشيخ علوان: ولقد بلغني عن الدشطوطي المصري - رحمه الله تعالى - أنه قال له شخص شاكياً من آخر: يا سيدي ذا وحش قوي، فأجابه الشيخ يا ذا حط من حسنك على وحاشته يبقى مليحاً، وذكر الشعراوي أنه أول ما اجتمع به في رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وهو دون البلوغ أوصاه بوصايا، وقال له: أنا أعرف أن عقلك الآن ما يحمل هذا الكلام، ولكن هات الموأة والقلم واكتبها. قال: فأتيته بالدواة، فكتبها، وقال: احفظ هذه الوصية حتى تكبر وتعرف معناها وتمكلو لمن علمك إياها. أوصيك بعدم الإلتفات إلى غير الله عز وجل في شيء من أمورك في الدنيا والآخرة، فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره، فارجع في الأمور إلى من قدرها يقول الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة: يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين، فنظرت إليها بقلبك طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا وذكر أن البحر توقف يوماً، ثم هبط أيام الوفاء نحو ثلاثة أذرع، فجاء الناس إليه، فذهب إلى شاطي النيل، فخاض فيه، وقال اطلع بأذن الله تعالى، فطلع البحر، وأوفى ذلك الوقت، وكاد الناس أن يتقاتلوا عليه يتبركون به. قال: واتفق الناس أنه ما رؤي قط في معدية في البحر لا في الجيزة، ولا في ينبوبة إنما كانوا يرونه في هذا البر. وهذا البر، وحج مرة ماشياً حافياً طاوياً، فلما وصل إلى باب السلام بحرم مكة انطرح بخده على العتبة ثلاثة أيام حتى أفاق، ثم دخل للطواف والسعي، ولما زار النبي صلى الله عليه وسلم وضع خده على باب السلام بحرم المدينة مستغرقاً إلى أن رجع الحجاج، ولم يدخل المسجد. قال الشعراوي: وأخبرني الأمير يوسف بن أبي إصبع أن السلطان قايتباي لما سافر لنواحي بحر الفرات استأذن سيدي عبد القادر، فأذن له قال: فلما سافر مع السلطان كنا نجده ماشياً قدام السلطان في البرية، وبيننا وبينه نحو عشرة أذرع، فإذا نزلنا نسلم عليه اختفى. قال: فلما نزلنا حلب وجدنا زحمة على باب زاوية: فقلنا: ما هذا فقالوا سيدي عبد القادر الدشطوطي له هنا خمسة أشهر ضعيف في هذه الزاوية فقلنا نحن فارقناه في مصر من نحو خمسة وعشرين يوماً. قال: وكنا نراه أمامنا في الطريق، فدخلنا فوجدناه ضعيفاً كما قالوا: فتحيرنا في أمره.وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن سيدي عبد القادر دخل حلب سنة تسعين وثمانمائة، وقد كان عسكر قايتباي ببلاد الروم نازلاً على أدنة، فأقام الشيخ عبد القادر بحلب أياماً، ثم لم يوجد، فلما عاد عسكر قايتباي منصوراً اخبرا أنهم وجدوه يوم انتصروا، وكان يوم نصرهم قريباً من يوم فقده بحلب، ومن وقائعه أنه يبيت كثيراًعند رجل نصراني في باب البحر، فيلومه الناس على ذلك، فيقول لهم الشيخ عبد القادر: هذا مسلم فأسلم ببركة الشيخ، وحسن إسلامه، وكراماته ومناقبه كثيرة مشهورة غير محصورة - رضي الله تعالى عنه - ووقع في طبقات الشعراوي الكبرى والصغرى أن سيدي عبد القادر قد مات في نيف وثلاثين وتسعمائة، وهذا تقريب منه على عادته في طبقاته - رضي الله تعالى عنه - ولكنه أبعد هنا، فإني حررت وفاة الشيخ عبد القادر من تاريخ العلائي، والحمصي، وابن طولون أنها كانت في سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وحرر العلائي وفاته يوم الاثنين تاسع شعبان منها قال: ولما بلغ وفاته الأمراء - يعني خاير بك المظفري - اغتم لذلك، ونزل من القلعة هو، والأمراء، وقضاة القضاة، والمباشرون. وأركان الدولة، وأرباب الولايات، ومن لا يحصى، فحضروا جنازته ولما دنت وفاته، رضي الله تعالى عنه - أكثر من البكاء والتضرع، وكان يقول للشيخ جلال الدين البكري وهو يعمر في زاويته التي دفن فيها خارج باب الشعرية بمصر: عجلوا بعمارة القبة، فإن الوقت قد قرب، فلما مات كان بقي عليهم في بنائها يوم، وكملت، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان سنة أربع وعشرين المذكورة. كما ذكره الحمصي. وقال ابن طولون: صلي عليه غائبة في اليوم المذكور، وعلى شيخ الصالحية عبد الرحمن بن جماعة المقدسي رحمهما الله تعالى.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7