كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

494 - عبد القادر بن محمد النعيمي: عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم - بضم النون - الشيخ العلامة الرحلة مؤرخ دمشق، وأحد محدثيها الأعلام أبو المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي الشافعي. أحد نواب القضاة الشافعية بدمشق المحمية، ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة، ولازم الشيخ إبراهيم الناجي، والشيخ العلامة زين الدين عبد الرحمن ابن الشيخ الصالح العابد خليل، وبه اشتهر ابن سلامة بن أحمد القابوني، والشيخ العلامة مفتي المسلمين شمس الدين محمد بن عبد الرزاق الأريحي الأشعري الشافعي، والشيخ العلامة زين الدين خطاب الغزاوي، والشيخ الفقيه العلامة مفلح بن عبد الله الحبشي المصري، ثم الدمشقي. ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عن الشيخ العلامة شيخ الإسلام، ومن أشياخه بدر الدين ابن قاضي شبهة الأسدي، وأخذ عن الشيخ العلامة شهاب الدين أحمد بن قرا، وقرأ على البرهان البقاعي مصنفه المسمى " بالأيذان " وأجاز له به وبما يجوز له، وعنه روايته، وشيوخه كثيرة ذكرهم في تواريخه، وألف كتباً كثيرة منها الدارس، في تواريخ المدارس، ومنها " تذكرة الأخوان، في حوادث الزمان " ، ومنها " القول البين المحكم، في بيان إهداء القرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم " ، ومنها كتاب " تحفة البررة، في الأحاديث المعتبرة " ، ومنها " إفادة النقل، في الكلام على العقل " ، وله غير ذلك من المؤلفات، وكانت وفاته كما رأيته بخط ولده المحيوي يحيى وقت الغداء يوم الخميس رابع شهر جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن بالحمرية رحمه الله تعالى.
495 - عبد القادر بن محمد الكيلاني: عبد القادربن محمدبن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق ابن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني، السيد الشريف، الحسيب النسيب محيي الدين ابن الشيخ شمس الدين الحموي القادري الشافعي. كان له حشمة ونورانية. قال ابن طولون: وذكر لي الشيخ تقي الدين البلاطنسي أنه لا بأس به في باب الديانة والخير، ونقل بن الحنبلي عن ابن عمه القاضي جلال الدين التادفي: أنه ترجمه في كتابه قلائد الجواهر فقال: كان صالحاً مهيباً، وقوراً، حسن الخلق، كريم النفس، جميل الهيئة، مع كيس وتواضع وبشر، وحلم، وحسن ملتقى، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، مزاحاً لا يزال متبسماً، معظماً عند الخاص والعام، له حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وهيبة عند الحكام وغيرهم. انتهى.
وله واقعة ملخصاً أنه نوزع من بعض بني عمه في تولية، فتعصب عليه رجل من مباشري ديوان الجيش بالقاهرة. يقال له: ابن الإنبايي منسوب إلى ولي الله الشيخ إسماعيل الإنباني، فتوجه الشيخ عبد القادر إلى القاهرة، وأبرم على ابن الإنبابي في قضاء حاجته، فاغلظ له القول، فتوجه وهو منكسر القلب إلى منزله، وكان قد نزل بالزاوية المعروفة يومئذ بالقادرية بالقاهرة، فتوجه تلك الليلة إلى جده وسميه الشيخ عبد القادر الكيلاني، واستنهضه في قصته فإذا ابن الإنبائي يطرق عليه الباب، فلم يفتح له إلا بعد مراجعة، فلما فتح له بادر إلى تقبيل قدميه، ووعده بقضاء حاجته، وأخبره أنه رأى في منامه جديهما الشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ إسماعيل الإنبائي، فاغلظ الشيخ عبد القادر عليه وأوعده بالقتل لولا ما شفع جده الشيخ إسماعيل، وإن جده الشيخ إسماعيل قال له: قدم واقتل هذه الحية التي تحت وسادتك. وأنه استيقظ مرعوباً مذعوراً، ورفع الوسادة فإذا الحية تحتها. قال: فقتلتها وجئت من ساعتي، ثم إن ابن الإنبائي قضى حاجته، واهتم بشأنه، وأخرج له ولبعض أحبائه من الحمويين في يوم واحد أربعة وعشرين مربعاً، ولم يتفق اجتماع مثل ذلك في الدولة الغورية لأحد في يوم واحد مع وجود داء كان في عين الغوري يمنعه من الكتابة على مثل هذا القدر من المربعات، ولم يكن ملوك الجراكسة يوقعون إلا بأيديهم، وتوفي صاحب الترجمة بحماة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي يوم الجمعة بعد صلاتها ثاني عش جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وكان أكبر من يوجد من ذرية الشيخ عبد القادر الكيلاني - رضي الله تعالى عنه - كما قال ابن طولون رحمه الله تعالى.

496 - عبد القادر بن أحمد بن يونس: عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم قاضي القضاة الحنفية بدمشق أبو المفاخر محيي الدين النابلسي، ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن يونس. ولد في الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم، ومجمع. البحرين لابن الساعاتي وغير ذلك، واشتغل وحصل وأفتى ودرس بالقصاعية، وتولى القضاء بحلب ثم بدمشق سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وتوفي في يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال - رضي الله تعالى عنه - رحمه الله تعالى.
497 - عبد القادر الصاني: عبد القادر أبو عبيد بن حسن ابن الشيخ الإمام العلامة الفقيه الثبت النبيه أبو عبد الله جمال الدين الصاني - بصاد مهملة ونون - نسبة إلى صانية قرية من الصونة داخل الشرقية من أعمال مصر القاهرة الشافعي. قال العلائي: سمع على الملتوتي وابن حصن وغيرهما، وأخذ عن القاضي زكريا، وكان رجلاً معتبراً وجيهاً وثاباً في المهمات، حتى أن قيام دولة القاضي زكريا وصمدته كانت منه، وكان قوي البدن ملازماً للتدريس والإقراء والإفتاء. انتهى.
وقرأت بخط بعضهم أن من مشايخه الشهاب الحجازي الأديب المحدث قال الشعراوي: وكان قوالاً بالمعروف، ناهياً عن المنكر يواجه بذلك الملوك فمن دونهم حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق، وهو مصمم على الحق. انتهى.
وقد نقلنا عنه فائدة في ترجمة القاضي زكريا في ابن العربي وابن الفارض نقلها عن الشمس السفيري حين كان بحلب في صحبة الغوري في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وممن أخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي، وسمع عليه رسالة الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وقطعة من مسند الطيالسي نجم الدين الغيطي، وسمع عليه رسالة الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وقطعة مسند الطيالسى مجتمعاً مع البدر المشهدي، وكانت وفاته ليلة الأحد تاسع شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
498 - عبد القادر بن علي بن النوار: عبد القادر بن علي بن محمد بن أبي بكر، الشيخ الفاضل، الشهير بابن النوار الفيومي الشافعي المقيم بمشهد زين العابدين بالجامع الأموي بدمشق. ذكره شيخ الإسلام فيمن أخذوا عنه. وقال: كان صافياً صالحاً ملازماً للمشهد يقرئ الأطفال أحياناً، وقرأ علي غالب الغاية، وكثيراً من الرحبية، وجانباً من المنهاج، وجميع العنقود في النحو وغير ذلك، وحضر كثيراًمن دروسي، وأجيز، ومات بالمكان المعروف بالسحر من المشهد سنة تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
499 - عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة: عبد القادر بن عبد العزيز الشيخ الإمام العارف بالله تعالى محيي الدين بن جماعة المقدسي، الشافعي، القادري خطيب الأقصى. أخذ عن والده، وعن العماد بن أبي شريف، وعن العارف بالله تعالى سيدي أبي العون الغزي، وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي حين ورد القاهرة سنة ثلاثين وتسعمائة، وهو والد الشيخ عبد النبي بن جماعة.
500 - عبد القادر الطوخي: عبد القادر الشيخ محيي الدين الطوخي أحد العدول بالقاهرة. مات يوم الأحد تاسع جمادى الأولى سنة اثتتي عشرة وتسعمائة.
501 - عبد القادر بن الفيومي: عبد القادر بن الفيومي، الشيخ الفاضل الكاتب المنفرد الفيومي الأصل، ثم الخانكي. كان دمث الأخلاق، توفي في تاسع ربيع الثاني سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
503 - عبد القادر الطرابلسي: عبد القادر قاضي القضاة محيي الدين الطرابلسي قاضيها. توفي بها يوم السبت ثالث المحرم سنة إحدى وعشرين وتسعمائة.

503 - عبد القادر بن النقيب: عبد القادر، الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة محيي الدين المصري القاهري الشافعي، المعروف بابن النقيب. قرأ العلم على جماعة من الأعلام منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتولى قضاء مصر مرات، وكان لا يصلي الصبح صيفاً ولا شتاءً إلا في الجامع الأزهر يمشي كل يوم من المدرسة الناصرية إليه، وكان متواضعاً، سريع الدمعة، وكان بيده مشيخة الخانقاه الصلاحية وتدريس الظاهرية الجديدة برقوق بين القصرين. كان ماراً بالقصبة ليلة الاثنين حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة فرفسه بغل، فانكسر ضلعه أو فخذه، ومات في اليوم الثاني، ودفن في صبيحة الثلاثاء ثاني عشر الشهر المذكور رحمه الله تعالى.
504 - عبد القادر النبراوي الحنبلي: عبد القادر القاضي محيي الدين النبراوي الحنبلي. كان أقدم الحنابلة بمصر، وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة مع سماع له ورواية، وكان أسود اللون، وله مع ذلك تمتع بحسان النساء للطف عشرته ودماثة أخلاقه، وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنة، ومات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادىالآخرة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة عن نيف وتسعين سنة - بتقديم المثناة - رحمه الله تعالى.
505 - عبد القادر المنهاجي: عبد القادر، الشيخ الإمام العلامة المقريء زين الدين المصري الشافعي، المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة. قرأ عليه البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة، وأجازه في العشر الأول من في الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة برباط العباس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
506 - عبد القادر الشيباني: عبد القادر الشيخ زين الدين الشيباني المكي الحنفي. دخل مصر متوجهاً إلى بلاد الروم لطلب قضاء الحنفية بمكة، ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الاثنين سادس جمادىالآخرة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فتوفي بأم الحسن.
507 - عبد الكريم بن محمد المباهي: عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الأصل، الدمشقي الشافعي المقريء. كان فاضلاً صالحاً، وهو ممن قرأ على الشيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه كثيراً. توفي في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

508 - عبد الكريم بن عبد الله الرومي: عبد الكريم بن عبد الله، العالم الفاضل المولى المشهور الرومي الحنفي. كان هو والوزير محمود باشا، والمولى إياس من مماليك أمير من أمراء السلطان مراد خان الغازي بن عثمان. كان اسمه محمد آغا، وكان عبد الكريم ومحمود عدلاً لإياس على الدابة حين أتى بهم محمد آغا لما طلبوا العلم. كان المولى يقول لهما: تلطفا كما كنت عدلاً لكما على الدابة. فانا الآن عدل لكما في الفضيلة، سيدهم محمد آغا قد نصب لهما معلماً أقرأهم وعلمهم، ثم أرسل محمود إلى السلطا مراد خان الغازي، فوهبه لابنه محمد خان، فلما ولي محمد خان السلطنة جعله وزيراً، ثم إن عبد الكريم جد في طلب العلم، وحصل فنوناً عدةً، وفضائل جملة، وقرأ على المولى الطوسي والمولى سنان العجمي تلميذ المولى محمد باشا الفناري، ثم صار مدرساً ببعض المدارس ثم بإحدى الثماني التي بناها السلطان محمد خان عند فتح القسطنطينية، ثم ولاه قضاء العسكر ثم جعله مفتياً، وبقي إلى أن مات في دولة السلطان أبي يزيد، ولعل وفاته في حدود التسعمائة أو بعدها بقليل، وله حواش على أوائل التلويح. قال في الشقائق: حكى لي بعض من مجلس محمود باشا أن المولى الشهير بولدان قال يوماً للوزير محمود باشا: إني أحبك محبة شديدة. قال: ومن العجب أنك تحب عبد الكريم أكثر مني. قال: صدقت. قال: أيأخذ عبد الكريم بيدك، ويدخلك الجنة. قال: أرجو ذلك منه قال: كيف؟ قال: كنت رئيس البوابين عند السلطان محمد خان، وكنت مبتلي بشرب الخمر وأفرطت منه ليلة، فجاء عبد الكريم وقت الصبح، فطهرت بيتي، وأزلت منه آلات الخمر وبخرته حتى لا يطلع عليه، فتكلمت معه ساعة، ثم قام، فلما وصل إلى الباب وقف وقال: أكلمك شيئاً. قلت: تكلم. قال: إنك بحمد الله من أهل العلم، ولك منزلة عند السلطان، وعن قريب من الزمان تصير وزيراً له، فلا يليق بك أن تصب في باطنك هذا الخبيث. قال: فعرقت استحياء منه حتى ترشح العرق من ثويي، وكان يوماً بارعاً، وكنت ألبس الثوب المحشو. قال: وكان المولى عبد الكريم سبباً لتوبتي. فهل أحبه أم لا؟ قال المولى: ولدان وجب عليك محبته من صميم القلب. انتهى.
509 - عبد الكريم بن الأكرم: عبد الكريم، الشيخ العلامة القاضي كريم الدين بن الأكرم الدمشقي الحنفي. توفي بمنزله بالعناية خارج دمشق يوم الخميس سادس عشر صفر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
510 - عبد الكريم الجعبري: عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري صاحب الشرح، والمصنفات المشهورة، الشيخ كريم الدين قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.
511 - عبد اللطيف الآمدي: عبد اللطيف بن حسن ، الشيخ الصالح الصوفي عبد اللطيف جلبي الآمدي الروشني الخرقة، كان خليفة عن أبيه حسن جلبي، وأبوه عن دده عمر، ودده عمر عن السيد يحيى الروشني الخلواتي. ذكره ابن الحنبلي لأنه قطب حلب، وأقام حلقة الذكر بجامعها، وذكر عن ولده فتحي جلبي أن والده توفي بأمد سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
512 - عبد اللطيف الدنجيهي: عبد اللطيف، الشيخ العلامة زين الدين الدنجيهي.توفي بالقاهرة يوم الأحد سابع المحرم سنة تسع - بتقديم المثناة - وتسعمائة.
513 - عبد اللطيف ابن المجندي: عبد اللطيف، الشيخ الفاضل الشاعر زين الدين بن المجندي. توفي بدمشق يوم الخميس عاشر صفر سنة تسع المذكورة آنفاً وتسعمائة - رحمه الله تعالى واسعة.
415 - عبد المعطي المكي: عبد المعطي، الشيخ الجليل المكي أحد من اصطحب معهم شيخ الإسلام الجد من الأولياء والعلماء. توفي بمكة المشرفة سنة أربع وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع بني أمية بدمشق المحمية يوم الجمعة ثامن ربيع الأول سنة خمس وتسعمائة رحمه الله تعالى.

515 - عبد النبي المغري: عبد النبي المغربي المالكي، الشيخ الإمام العلامة، الحجة القدوة اللهامة، مفتي السادة المالكية بدمشق، أحد إخوان سيدي علي بن ميمون، وشيخ الإسلام الجد، وترجمه - رحمه الله تعالى - بالعلم والولاية، وذكره الشيخ علوان في " شرح تائية ابن حبيب " وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أنه قدم حلب في سنة اثنتين وتسعمائة، أو قبلها، فباحثه البدر السيوفي في تنافس حتى انتهى معه إلى إظهار قبح تسميته بعبد النبي لكونه من الأسماء المعبدة لغير الله تعالى. انتهى.
وذكر ابن طولون في تاريخه، " مفاكهة الأخوان " أنه توضأ يوم الجمعة عشرين شوال سنة ثلاث وثلاثين لصلاة الجمعة من الظاهرية الجوانية. قال: فرأيت ناظرها منلا بني الرومي قد عمل على إيوان الحنفية القبلي درابزين لصيانته. قال: وأخبرت أن بها نازلاً منلا رسول بلاد بيروت، ومنلا أحد أحد المدرسين بجامع الأموي المطالبي الحنفي عوضاً عن الشمس الكفرسوسي المتوفي إلى رحمة الله تعالى - قال: وقد كان ينكر - يعني الكفرسوسي - على شيخنا الشيخ عبد النبي هذه التسمية، فكيف بهذه الأسماء الثلاثة؟ قال: ومن رأيت ينكرها مدرس هذه المدرسة صاحبنا القطب ابن سلطان الحنفي انتهى. قلت: وهذه عادة الأعاجم يختصرون هذه الأسماء المعبدة بحذف عبد، وهو خطأ ظاهر، وأقبح ما يقع من ذلك قولهم في منلا عبد الأحد: منلا أحد، وتبعهم الأروام في هذا الاختصار لكنهم زادوا ياء النسبة، فزال الإشكال، ولكن فاتهم فضيلة التعبيد في التسمية فقالوا في عبد الكريم: كريمي، وفي عبد الحليم، حليمي، وكانت وفاة الشيخ عبد النبي صاحب الترجمة في يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ووافق حضور جنازته بالجامع الأموي حضور الى سليم خان ابن عثمان، فصلي عليه مع الجماعة رحمه الله تعالى.
516 - عبد الهادي: عبد الهادي بن شرف الدين عيسى العمري الصفوري ثم الدمشقي الشافعي، الشيخ الصالح الصوفي السالك المربي ولي الله تعالى. توفي بمنزلة بمحلة قبر عاتكة يوم الأحد سادس عشر شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وحضر جنازته السيد كمال الدين ابن حمزة، وخلائق من الصوفية، وأهل العلم، ودفن بتربة بالقرب من مسجد الطالع بالمحلة المذكورة، وتعرف الآن بالدقاقين، وقبره الآن ظاهر بها يزار رحمه الله.
517 - عبد الودود: عبد الودود، الشيخ الصالح، العابد، الزاهد، المقيم بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة، كان ينسج الصوف، ويتقوت منه، وكانت عمامته خرقاً خرقاً من الصوف الأحمر، وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة، وكان له مكاشفات، وعليه أنس عظيم وتوفي في سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
518 - عبد الوهاب بن أحمد الطرابلسي الحنبلي: عبد الوهاب بن أحمد بن الوهاب القاضي تاج الدين الطرابلسي، ثم الدمشقي الحنبلي. ولد في ثاني ذي القعدة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء قاضي الحنابلة بدمشق نجم الدين بن مفلح وكان مقيماً بدار الحديث لابن عروة بالمشهد الشرقي بالجامع الأموي، وفوض إليه القضاء أيضاً بمكة وبالقاهرة وبطرابلس، ومات بدمشق بالبيمارستان النوري عاشر جمادى الأولى إحدى وعشرين وتسعمائة رحمه الله.
519 - عبد الوهاب بن نقيب الأشراف: عبد الوهاب بن أحمد السيد الشريف تاج الدين ابن السيد شهاب الدين بن نقيب الأشراف، وأخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين الطرابلسي، ثم المصري بها، وقرأ عليه مصنفه في الفقه على طريقة المجمع، وتردد إلى سيدي محمد بن عراق إلى أن توفي ليلة السبت ربيع الأول سنة خمس وعشرين وتسعمائة عن نحو ثلاثين سنة، وأمه الفاضلة البارعة زينب بنت الباعوني، وصلى عليه الشيخ شهاب الدين الشويكي بمدرسة أبي عمر، ودفن بأعلى الروضة من سفح قاسيون رحمه الله تعالى.
520 - عبد الوهاب بن عبد الكريم الرومي: عبد الوهاب بن عبد الكريم الفاضل ابن الفاضل، المولى بن المولى الرومي الحنفي. قرأ على جماعة منهم المولى عذاري، والمولى لطفي التوقاتي، والمولى خطيب زاده، والمولى القسطلاني، وكان ذكياً عارفاً بالعلوم الشرعية والعقلية مهيباً مطارحاً للتكلف مع أصحابه. ودرس بالقسطنطينية، ثم صار حافظاً لدفتر الديوان السلطاني، ثم ولي القضاء ببعض البلاد. توفي في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.

521 - عبد الوهاب بن أحمد بن عرب شاه: عبد الوهاب بن أحمد بن محمد قاضي قضاة الحنفية بدمشق المحمية، الشيخ العلامة تاج الدين ابن الشيخ العلامة شهاب الدين، الشهير بابن عرب شاه. ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره شاهداً، وبلغ في صناعة الشهادة غاية الدهاء، وكان فقيراً، فحصلت له ثروة وجاه ونظم في مذهب الحنفية كتاباً كبيراً ثم ولي القضاء في رجب سنة أربع وثمانين وثمانمائة، ثم عزل عنه في شوال سنة خمس وثمانين، ثم سافر إلى مصر، فولي مشيخة الضر غمشية بها إلى أن توفي في خامس عشر رجب سنة إحدى وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن شعبان منها رحمه الله تعالى.
522 - عبد الوهاب المصري: عبد الوهاب، الشيخ الصالح المسلك المجد، القائم برتبة المشيخة، الداعي إلى الله تعالى، العارف به سيدي الشيخ تاج الدين الذاكر المصري ربي يتيماً بمكتب مدرسة الحسامي، فلما ترعرع تعلق على صنعة البناء، ثم وفقه الله تعالى للإجتماع على الشيخ نور الدين بن خليل، عرف بابن عين الغزال الحسني، فلازمه وصار يحضر المحافل، ويتردد إلى الشيخ تقي الدين عبد الرحيم الأوجاقي وأوقاته ومجالسه حتى اشتهر، فجمع الناس، ولازم الذكر والخير، وأقرأ البخاري والشفا والعوارف بروايته لها عن العز بن الفرات، وعن التقي الأوجاقي، ونازع العلائي أن يكون سمع من العز بن الفرات، وقال: إن الذي أوهم الشيخ تاج الدين ذلك هو الزين عبد القادر بن مغيزل السقا. أوهمه أنه قرأ عليه بمكتب الحسام حين كان يتيماً به قال: وكأنه إن صح فقراءته على الشيخ الصالح عبد الرحيم، الشهير بابن الفرات النازل بالقرا سنقرية. قال: ولم يدع قط سماعاً، ولا إجازة. انتهى.
وفيما قاله وقفة فإن الشيخ تاج الدين أجل أن يدخل عليه هذا الوهم، وسنه يقبل ذلك، فإن العلائي نفسه قال: إنه قارب الثمانين، وكان - رحمه الله تعالى - نير الوجه، حسن السمت، كثير الشفاعات، شديد الإهتمام بقضاء حوائجهم، مجداً في العبادة، دائم الطهارة، لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام، وسائر طهاراته تحديد، وانتهى أمره آخراً إلى أنه كان يمكث اثني عشر يوماً لا يتوضأ عن حدث، ولم يعرف ذلك لأحد في عصره إلا للشيخ أبي السعود الجارحي، وامتحنه قوم دعوه، وجعلوا يطعمونه، ويؤكدون عليه سبعة أيام، ولم يحدث، ثم علم أنهم امتحنوه، فدعا عليهم، فانقلبت بهم المركب، فقيل له في ذلك، فقال: لا غرق وإنما هو تأديب، وينجون، وكان كذلك، ثم ندم على الدعاء عليهم، وقال: لا بد لي من المؤاخذة، فمرض أكثر من أربعين يوماً، ومكث خمساً وعشرين سنة لم يضع جنبه على الأرض إنما ينام جاثياً على حصير، وقال عند موته: لي أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وقد طويت سجادتي من بعدي، ولما سافر الغوري لقتال بن عثمان طلب الشيخ تاج الدين الذاكر ليسافر معه، وجميع أشياخ البلد، فتوعدهم. فقال الشيخ: ما بقي بيننا اجتماع هو لا يرجع، ونحن نموت، وكان الأمر كما قال، ومات الشيخ تاج الدين في يوم الخميس عشري جمادىالآخرة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن بزاويته قريباً من حمام الدوحين رحمه الله تعالى.
523 - عبد الوهاب الدنجيهي: عبد الوهاب، الشيخ الإمام، الفقيه السالك الصالح المجرد القانع تاج الدين الدنجيهي المصري الشافعي، الكاتب النحوي. حفظ القرآن العظيم، وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي، وجود حتى حسن خطه، وكتب كتباً نفيسة، واشتغل في الصرف، والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق، والأصلين، والفقه على العلامة علاء الدين ابن القاضي حسن الحصن كيفي، وسمع عليه المطول، وشرح العقائد، وشرح الطوالع، وغاية القصد، والمتوسط، وشرح الشمسية، وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري. وتصانيفه، وقرأ شرح قاضي زاده في علم الهيئة على العلامة عبد الله الشرواني، وقرأ أيضاً على منلا علي الكيلاني في العبري وغيره. تمرض في البيمارستان شهراً، وأقعد ومات به يوم الجمعة حادي عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى واسعة - امين.

524 - عثمان بن محمد الأزهري: عثمان بن محمد بن عثمان، الشيخ الإمام، العلامة، المحدث المسند الحافظ شيخ السنة أبو عمرو فخر الدين الديمي، الأزهري، المصري، الشافعي. مولده في سنة تسع عشرة - بتقديم التاء - وثمانمائة، وكان من مشافه تلامذة ابن حجر - رحمه الله تعالى - قال السخاوي: قرأ عليه مسند الشهاب، وغالب النسائي. انتهى.
وقرأت بخطة أنه قرأ جميع البخاري على الشيخ الإمام المسند المعمر الحبر برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الشيخ فتح الدين صدقة بن إبراهيم بن إسماعيل الحنبلي الصالحي، وجميع مسلم على الشيخ المسند المعمر شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن الشيخ الإمام المحدث جمال الدين أبي محمد عبد الله بن محمد ابن شيخ الإسلام أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم الحبر الخطيب الرشيدي، وقال جلال الدين السيوطي: كان الشيخ عثمان الديمي يحفظ عشرين ألف حديث، وهو الذي عناه السيوطي أيضاً بقوله:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب فخد ... " غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم "
وأخذ عنه جماعة كثيرة منهم البرهان ابن عون، وأبو الفرج فخر الحلبي، والشيخ شمس الدين الداوودي، والمقريء الكريم السيد عبد الرحيم العباسي الإسلام بولي وغيرهم. ذكر ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة ثاني رجب سنة ثمان وتسعمائة.
525 - عثمان بن يوسف الحموي: عثمان بن يوسف القاضي فخر الدين الحموي الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل بحل الحاوي الصغير على العلامة مفلح الحبشي، وكان يحوك، ثم صار بواباً بالبدرائية، ثم تعانى صنعة الشهادة بخدمة قاضي القضاة شرف الدين بن عيد الحنفي، ثم فوض إليه نيابة الحكم القاضي شهاب الدين بن الفرفور، وتوفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة سنة ثمان وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى.
526 - عرفة بن محمد الحيسوب: عرفة بن محمد الشيخ العلامة المحقق الفرضي الحيسوب زين الدين الأرموي الدمشقي الشافعي. كان خبيراً بعلم الفرائض والحساب وكان يعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة كلية، وهو الذي رتب مجموع الكلائي، وممن أخذ عنهم الفرائض الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الرملي الشهير بابن الفقيرة الشيخ العلامة الزاهد شهاب الدين بن رسلان الرملي عن الشيخ شهاب الدين بن الهائم، وممن أخد عنه والد شيخنا وغيرهما، وكانت وفاته يوم الأحد حادي عشري شوال سنة ثلاثين وتسعمائة.
527 - عفيف الدين بن شعيب: عفيف الدين بن شعيب أحد نواب القضاة الشافعية بدمشق. توفي بها يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة عشرة وتسعمائة - رحمه تعالى - رحمة واسعة.
528 - عز الدين الصابوني: عز الدين الصابوني الحلبي الحنفي، المعروف بابن عبد الغني، وهو ابن عم أبي بكر بن الموازيني. كان خطيباً جيد الخطابة، ولي خطابة جامع الأطروش بحلب، فلما دخل السلطان سليم بن عثمان حلب في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة صلى الجمعة مرة بالجامع المذكور خلف المذكور، فخطي بسبب ذلك، ولم يلبث أن توفي تلك السنة، وكان في قدميه أعوجاج بحيث كان لا يتردد في الشوارع إلا راكباً رحمه الله تعالى.
529 - علي بن محمد الشرابي: علي بن محمد، الشيخ العلامة علاء الدين الكردي الشرابي الشافعي. قطن حلب، وأخذ بها عن الحافظ أبي ذر المصابيح وغيره، وأجاز له وكان عالماً عاملاً ينفق على طلبة العلم من ماله، ولم يتزوج قط، وكان يختار من المأكل ما لا تميل إليه نفسه، ويؤثر غيره بالطيبات، ووقف كتبه على الشيخ العرضي، ثم على ذريته، وتوفي في سنة خمس وتسعمائة رحمه الله تعالى.

530 - علي بن محمد بن مليك: علي بن محمد بن علي بن عبد الله، الشيخ الفاضل الشاعر علاي الدين بن مليك الحموي، ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي. ولد بحماة سنة أربعين وثمانمائة، وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العبد التنوخي وغيره، وأخذ النحو والعروض عن الشيخ بهاء الدين بن سالم، قدم دمشق، فتسبب ببيع الفقاع عند قناة العوني خارج باب الفراديس، ثم تركه، وصار يتردد إلى دروس الشيخ برهان الدين بن عون، وأخذ عنه فقه الحنفية، وصارت له فيه يد طولى، وشارك في اللغة والنحو والصرف، وكان له معرفة بكلام العرب، وبرع في الشعر حتى لم يكن له نظير في فنونه، وجمع لنفسه ديواناً في نحو خمس عشرة كراسة، وخمس المنفرجة، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بعدة قصائد، ومن لطائفة قوله:
لم أجعل الفقاع لي حرفة ... إلا لمعنى حسنك الشاهد
أقابل الواشي بالحد والعا ... ذل أسقيه من البارد
ومن مشاهير قصده النبوية عفا الله عنه:
هل لصب قد غير السقم حاله ... زورة منكم على كل حاله
يا لقومي من للفتى من فتاة ... مزجت كأس صدها بالملاله
قلت: إذ مد شعرها لي ظلالاً ... أسبغ الله لي عليها ظلاله
ليت شعري مع الهوى كيف مالت ... ولها القد شاهد بالعداله
لست أنسى، وقولها أنت سال ... قلت: روحي ومهجتي لا محاله
كم محب بدمعه قد أتاها ... سائلاً، وهي لا تجيب سؤاله
حين أضحى لخدها المسك خالاً ... قلت: رفقاً بمهجة الصب خاله
رشقتني من لحظها بسهام ... بعد ما جردت علي نصاله
سالم القلب في الهوى مقلتيها ... فانثنى قدها يروم قتاله
آه من قدها أما لفؤادي ... شافع من حديث واش أما له
يا لقومي ما للعذول ومضنى ... بذل الروح في هواها وماله
إن أنا أحسنت وإن هي أساءت ... ليس دمعي يرقى على من أساله
عاذل الصب خل عنك ودمعي ... فعلى الخذ قد كفى ما جرى له
فهي شمس تطلعت من خباها ... وعليها من البراقع هاله
رأت البدر في الكمال، فأبدت ... واضحاً بالسنا تريه كماله
حاولت زورتي، فنم عليها ... قرطها في الدجى ومسك الغلاله
ثم لما أن سلمت اذكرتني ... عهد من سلمت عليه الغزاله
خاتم الأنبياء والرسل حقاً ... من أتى بالهدى وأدى الرسالة
لا تقسه بالبحر يوم نوال ... يعجز البحر أن يضاهي نواله
وإذا ما شكا له الفقر راج ... قال: لا فقر يختشى وأنا له
يا إمام الهدى، ويا من عليه ... من طراز الوقار أبهى جلاله
كن شفيعي مما جنيت قديماً ... زمن اللهو والصبا والجهاله
فعليك الصلاة في كل وقت ... وزمان مضى، وفي كل حاله
وعلى آلك الكرام وصحب ... قد سموا بالوفا وصدق المقاله
ما حدا في العراق بالركب حاد ... ولنحو الحجاز شد رحاله
وله:
رب بدر بات يجلو جهرة ... نشر راح من لماه معتصر
وعجيب تحت أذيال الدجى ... اجتماع الشمس عندي والقمر
ومن لطائفه:
يا من به رق شعري ... وزاد بالنعت وصفه
قد مزق الشعر شاشي ... والقصد شيء الفه
وكان له صوف عتيق، فقلبه وقال:
قد كان لي صوف عتيق طالما ... قد كنت ألبسه بغير تكلف
والآن لي قد قال حين قلبته ... قلبي يحدثني بأنك متلفي
وحكي أنه مر بالمرجة على قوم شرب، وكانوا يعرفونه، فدعوه إلى الزاد، فقعد عندهم يذاكرهم، فبينما هم كذلك إذ جاءهم جماعة الوالي، فأخذوهم وأخذوه معهم، فلما وصلوا إلى القاضي للتسجيل عليهم عرفه القاضي فلامه فقال:
والله ما كنت رفيقاً لهم ... ولا دعتني للهوى داعيه
وإنما بالشعر نادمتهم ... لأجل ذا ضمتني القافيه
فخلوا عنه وله:

الطرف يقول: قد رماني القلب ... والقلب لناظري يقول الذنب
والله لقد عجبت من حالهما ... هذا دنف ودمع هذا صب
وشعره كله جيد، وكانت وفاته في شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
531 - علي بن محمد الشيرازي: علي بن محمد المولى مظفر الدين الشيرازي العمري الشافعي. فطن حلب سنة ست عشرة وتسعمائة، وأخذ بها عن جماعة منهم الشمس بن بلال، وكتب حواشي على الكافية، وكان يقول: إن جده الشيخ نجيب الدين علي ابن دغشن الشيرازي أحد خلفاء الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي. قال السيد قطب الدين الإيجي: وكان منلا مظفر الدين صهر المنلا جلال الدين الدواني، وكانت له مهارة في المنطق حتى كان يقول عنه منلا جلال الدين: لو كان جسماً لكان هو منلا مظفر الدين، وذكر في الشقائق أنه دخل بلاد الروم، وكان المولى بن المؤيد قاضياً بالعسكر، وكان المولى مظفر الدين مقدماً عليه حال قراءتهما على المنلا المواني، فأكرمه ابن المؤيد إكراماً عظيماً، وعرضه على السلطان أبي يزيد خان، فأعطاه مدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، فدرس بها، ثم أعطاه إحدى المدارس الثماني، فدرس بها مدة، ثم أضرت عيناه، فعجز عن إقامة التدريس، فعين له السلطان سليم خان في كل يوم ستين درهما بطريق التقاعد، وتوطن مدينة بروسا قال في الشقائق: وكانت له يد طولى في علم الحساب والهيئة والهندسة، وكان له زيادة معرفة بعلم الكلام والمنطق خاصة في حاشية التجريد، وحواشي شرح المطالع. قال: ورأيت على كتاب إقليدس في فن الهيئة أنه قرأه من أوله إلى آخره على الفاضل أمير صدر الدين الشيرازي قال: وكتب عليه حواشي لحل مشكلاته. قال: وكان سليم النفس، حسن العقيدة، صالحاً مشتغلاً بنفسه، راضياً من العيش بالقليل، واختار الفقر على الغنى، وكان يبذل ماله للفقراء والمحاويج. وذكر ابن الحنبلي نقلاً عن يحيى جلبي قاضي بغداد أنه توفي مطعوناً سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وقال في الشقائق: إنه مات بمدينة بروسا بعد أن توطن بها، وقد كف بصره في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ورآه الشمس ابن بلال في المنام موته بالبلاد الرومية. فسأله كيف وجدت الصبر. فقال: كما هو مقيد في شرح العقائد بعينه رحمه الله تعالى.
532 - علي بن محمد الحصكفي الشافعي: علي بن محمد بن عبد الرحيم محمد بن علي بن إبراهيم بن مسعود بن محمد الشيخ العلامة، المفنن، المتقن، والمفيد علاء الدين أبو الحسن، والحصكفي الموصلي الشافعي قطن دمشق أولاً مع أبيه وقرأ بها على الشيخ عماد الدين المعروف بخطيب السقيفة، والبرهان ابن المعتمد وغيرهما، وحج ماشياً، ثم قطن حلب، وقرأ بها على الفخر عثمان الكردي، والبدر السيوفي، والشمس البازلي وغيرهم ودرس بها وأفاد وربما أفتى وجلس بمكتب الشهادة بحلب تحت قلعتها، وتردد الطلبة إليه، وتلقى منه جمع جم من الأفاضل حتى ترقى بعضهم إلى الإفادة، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال، وكان له يد طولى في النحو، والصرف والمنطق، والعروض، والقوافي، وكان له تقرير حسن في الفقه، ومشاركة كلية في الأدب، وشعره لطيف منه:
تمر الليالي والحوادث تنقضي ... كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنها كل ساعة ... تجد بنا سيراً ونحن قعود
وقال يمدح النووي رحمه الله تعالى:
إلى الشيخ محيي الدين علامة الورى ... وروضته تعزى الدراية في الفتوى
دقائقه كنز وأذكاره هدى ... ومنهاجه السامي هو الغاية القصوى
وقال يمدح البهحة لابن الوردي رحمه الله تعالى في الفقه:
لقد أحسن الوردي في البهجة التي ... تنظم فيها الفقه كالدر في العقد
لها أصبح المنثور يومي بإصبع ... حنانيك كل الحسن في بهجة الورد
وقال يمدح المنطق والنحو ملمحاً بكتاب المفتاح:
إذا ما رمت تحقيقاً لعلم ... فلذ بالمنطق العمل القويم
ولا تدخل إليه بغير نحو ... فإن النحو مفتاح العلوم
وقال ملغزاً:
يا إماماً في النحو شرقاً وغرباً ... من له بان سره المكنون

أي ما اسم قد جاء ممنوع صرف ... وأتى الجر فيه والتنوين
وأجاب عنه:
علم كان للمؤنث جمعاً ... سالماً جمع ذين فيه يكون
وأجاب عن قول فضلاء النحو:
سلم على شيخ النحاة وقل له ... عندي سؤال من يجبه يعظم
أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزم
بقوله:
قل في الجواب بأن " إن " في شرطها ... جزمت ومعناها التردد فاعلم
وإذا بجزم الحكم إن شرطيه ... وقعت ولكن شرطها لم يجزم
وقال ملمحاً بما ذكره ابن هشام في شرح القطر قال: روي أنه قيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ، وقالوا: يا مال. فقال: ما اشغل أهل النار عن الترخيم. ذكره الزمخشري وغيره، وعن بعضهم أن الذي حسن الترخيم هذا أن فيه إشارة إلى أنهم يقطعون الاسم لضعفهم عن إتمامه. انتهى. فقال صاحب الترجمة:
ما كان أغنى أهل نار جهنم؟! ... إذ رخموا يا مال وسط الجحيم
عجزوا عن استعمال كلمة مالك ... فلأجل ذا نادوه بالترخيم
وقال ملغزاً في الثلج وأجاد:
اسم الذي ألغزته ... يطفي شرار اللهب
مقلوبه مصحفاً ... وجدته في حلب
وقال محاجياً في عين تاب:
يا صاح ما اسم بلدتي ... كم قد حوت بدراً طلع
قريبة من حلب ... رادفها طرف رجع
وقال في مليح عروضي:
هويت عروضياً مديد صبابتي ... ببحر هواه كامل الحسن وافره
على خده البدرالمكمل دارة ... وفي وجهه الشمس المنيرة دائره
وقال مضمناً:
لئن فتن المرد الملاح أولي النهى ... وأودت عيون منهم وحواجب
فحب النساء الخرد البيض مذهبي ... وللناس فيما يعشقون مذاهب
وذكر ابن الحنبلي أن الشمس السفيري أخبره أن صاحب الترجمة اتخذه سفيراً بينه وبين بعض المخاديم في قضاء حاجة مهمة قال فقضيتها له كما أراد فانشدني:
قصدت لحاجتي خلاً وفياً ... فما ألفيت كالبحر السفيري
به نلت الذي قد كنت أرجو ... وأحسنت السفارة بالسفير
توفي يوم الثلاثاء سابع شوال سنة خمس وعشرين وتسعمائة، ورثاه تلميذه ابن الحنبلي بقصيدة نونبة ذكرها في تاريخه تركتها خشية الإطالة رحمه الله تعالى.
533 - علي بن محمد الشبلي: علي بن محمد، الشيخ علاء الدين بن الشيخ الصالح شمس الدين الشبلي، الدمشقي الشافعي كان لا بأس به، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
534 - علي بن أبي بكر نقيب الأشراف بدمشق: علي ابن أبي بكر، الشيخ العلامة السيد الشريف علاء الدين ابن السيد ناصر الدين، الشهير بابن نقيب الأشراف بدمشق الدمشقي الحنفي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وهو اليوم الذي ولد فيه قاض القضاة شهاب الدين بن الفرفور، وتوفي ليلة الاثنين رابع عشر الحجة سنة عشر وتسعمائة ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق، وهي السنة التي توفي في أوائلها قاضي القضاة المذكور رحمه الله تعالى.
535 - علي بن أبي القسم الإخميمي: علي بن أبي القسم، القاضي العدل، العفيف السخي علاء الدين الإخميمي، القاهري قاضي القضاة الشافعية. قال العلائي: كان له انقطاع عن الناس، وانجماع بالكلية، وكان له معرفة في الصناعة، وتصميم في المهمات وإن كان قليل العلم.
توفي سادس عشر القعدة سنة تسع - بتقديم المثناة فوق - وعشرين وتسعمائة - وصلي عليه بالأزهر.
536 - علي بن أحمد بن عربي شاه: علي بن أحمد، العالم الفاضل علاء الدين بن عرب شاه، وهو أخو قاضي القضاة بدمشق تاج الدين عبد الوهاب بن عربشه، وأخو بدر الدين حسن بن عربشاه أحد الشهود المعتبرين بدمشق. ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة عشر وتسعمائة، ودفن بالروضة بسفح قاسيون.
537 - علي بن أحمد الإربلي: علي بن أحمد، الشيخ نور الدين الإربلي. أحد العدول. مات بمكة مجاوراً سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.

538 - علي بن أحمد نقيب الأشراف: علي بن أحمد، الشيخ العلامة الإمام السيد علاء الدين ابن السيد شهاب الدين نقيب الأشرأف الدمشقي، الحنفي، كان عالماً، فاضلاً. مفنناً، ذكياً، بارعاً في العلوم العقلية والنقلية. توفي يوم الاثنين سادس عشري القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
539 - علي بن أحمد الرومي: علي بن أحمد، العالم العلامة، العامل، الفاضل، المولى علاء الدين الجمالي، الرومي، الحنفي. قرأ على المولى علاء الدين بن حمزة القراماني، وحفظ عنده القدوري، ومنظومة النسفي، ثم دخل إلى قسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدين بن حسام، وتعلل بأنه مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدين يهتم بتعليله أكثر منه، فذهب إليه، وهو مدرس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له المدرسة المذكورة، وزوجة ابنته، وولدت منه، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، ثم تقلبت به الأحوال، على وجه يطول شرحه، فترك التدريس، واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدين بن أبي الوفاء ثم لما تولى السلطان أبو يزيد السلطنة رأه في المنام، فأرسل إليه الوزراء، ودعاه إليه، فامتنع، فأعطاه تدريساً بثلاثين جبراً، ثم رقاه في التدريس حتى أعطاه إحدى الثماني، فدرس بها مدة طويلة ثم توجه بنية الحج إلى مصر، فلم يتيسر الحج في تلك السنة لفتنة حدثت بمكة المشرفة، فأقام بمصر سنة، ثم حج وعاد إلى الروم، وكان توفي المولى أفضل الدين مفتي التخت السلطاني في غيبته، فأعطاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى، وعين له مئة درهم، ثم لما بنى مدرسة القسطنطينية ضمها له إلى الفتوى، وعين له خمسين درهما زائدة على المائة، وكان يصرف جميع أوقاته في التلاوة، والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحداً بسوء، وكان يغلق باب داره، ويقعد في غرفة له، فتلقى إليه رقاع الفتاوي، فيأخذها ويكتب، ثم يدليها، ففعل ذلك لئلا يرى الناس، فيميز بينهم في الفتوى، وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويصدع بالحق، ويواجه بذلك السلطان، فمن دونه حتى أن السلطان سليم خان أمر بقتل مائة وخمسين رجلاً من حفاظ الخزينة، فتنبه لذلك المولى علاء الدين المذكور، فذهب إلى الديوان، ولم يكن من عادتهم أن يذهب المفتي إلى الديوان إلا لحادثة عظيمة، فلما دخل على أهل الديوان تحيروا في الأمر، وقالوا: لأي شيء دعا المولى إلى المجيء. فقال: أريد أن ألاقي السلطان، ولي معه كلام، فعرضوا أمره على السلطان، فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلاً من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعاً فغضب السلطان سليم، وكان صاحب حدة، وقال: لا تتعرض لأمر السلطنة، وليس ذلك من وظيفتك. فقال: بل أتعرض لأمر آخرتك، وهو من وظيفتي، فإن عفوت، فلك النجاة وإلا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكل، ثم تحدث معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم، فأعادها لهم.
وحكي أن السلطان سليم أرسل مرة إليه أمراً بأن يكون قاضي العسكر، وقال له جمعت لك بين الطرفين لأني تحققت أنك تتكلم بالحق، فكتب المولى المذكور في جوابه وصل إلي كتابك - سلمك الله تعالى. وأبقاك - وأمرتني بالقضاء، وإنني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهداً أن لا تصدر عني لفظة: حكمت، فأحبه السلطان محبة عظيمة لإعراضه عن المال والجاه والمنصب صيانة لدينه، ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانياً، وصارت مئتي عثماني، وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
540 - علي بن حسن السرميني: علي بن حسن، الشيخ علاء الدين السرميني، ثم الحلبي على عادة الحلبيين في الألقاب. أخذ الفرائض والحساب على الجمال الأسعردي، ومهر فيهما، واشتهر بهما.

وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب دار العدل بحلب بطلب منه لكتابة الوثائق، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها، وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب، وبه قرأ على ابن الحنبلي القرآن العظيم سنة سبع - بتقديم السين - وعشرين وتسعمائة ثم توفي في رمضان سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
541 - علي بن خليل المرصفي: علي بن خليل، الشيخ، العالم، الصالح، المربي، المسلك الرباني ولي الله تعالى العارف به سيدي نور الدين المرصفي، ويقال: المرصفاوي الشافعي الصوفي، تلميذ الشيخ محمد ابن أخت الشيخ محين المصري. اختصر كتاب الرسالة لأبي القاسم القشيري، وكان يقريء فيه المريدين، وسماه " الورد العذب " قال العلائي: وكان منجمعاً. ملازماً للذكر والعبادة والتواضع والخير، وذكر الشعراوي أنه سمع منه أنه اجتمع بسيدي مدين، وهو ابن ثماني سنين، ولم يأخذ عنه، ثم لما كبر اجتمع بابن أخته سيدي محمد، وأخذ عنه الطريق، واجتمع عليه الفقراء بمصر، وصار هو المشار إليه فيها لانقراض جميع أقرانه، وكأنه من شأنه إذا تكلم في دقائق الطريق، وحضر أحد من القضاة والفقهاء ينقل الكلام إلى مسائل الفقه إلى أن يقوم ذلك القاضي أو الفقيه. ويقول: ذكر الكلام بين غير أهله عورة، فإذا خرج عاد إلى الكلام الأول، وقيل له مرة: لم لم تجعل لك درساً في الطريق بجامع الأزهر؟ فقال: ليس ذلك من أخلاق القوم إنما كان الجنيد، ومن بعده يدرسون علم القوم في قعر بيوتهم خوفاً أن يسمع أحد من القوم كلاماً لا يفهمه، فيقع فيهم، فيهلك وذلك لدقة مداركهم. قال الشعراوي - رحمه الله تعالى - : ودخل سيدي أبو العباس الحريثي يوماً، فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء، فقرأ خمس ختمات، وأنا أسمع، فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي فقال: يا ولدي أنا قرأت ألف ختمة، وله كلام عال في الطريق. ذكر منه الشعراوي - رضي الله تعالى عنه في طبقاته نبذة، وكانت وفاته كما حررته من تاريخ العلائي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى سنة ثلاثين وتسعمائة، وكانت سنه يومئذ....
542 - علي بن خير الدين الحلبي: علي بن خير الدين، الشيخ الفقيه، شيخ الشيخونية بمصر الشيخ علاء الدين الحلبي الحنفي نزيل القاهرة. قال العلائي: كان لين العريكة أخذ عن ابن أمير حاج الحلبي، وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشري ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة.
543 - علي بن سلطان المصري: علي بن سلطان، الشيخ، الصالح، الفاضل الناسك السالك نور الدين بن سلطان المصري الحنفي. كان متجرداً منقطعاً، وله أخلاق حسنة دمثة توعك مدة، ومات يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة عن غير وارث.
544 - علي بن سلطان الحوراني: علي بن سلطان، الشيخ، الصالح، الزاهد علاء الدين الحوراني الشافعي نزيل الصالحية بدمشق. كان من أصحاب الشيخ محمد العمري - بالمهملة - والشيخ أبي الصفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا، وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبد بها، وكان لشيخ الإسلام السيد كمال الدين بن حمزة فيه اعتقاد زائد، وأوصى بشيء عند موته، وكانت وفاة صاحب الترجمة فجأة في يوم الخميس مستهل ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله.
545 - علي بن عبد الله الخطيب الحنبلي: علي بن عبد الله بن أبي عمرو، الشيخ علاء الدين الخطيب الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي بدمشق الشهير بعليق - بضم المهملة وتشديد اللام المفتوحة - ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، قال النعميمي: وهو آخر من سمع صحيح مسلم كاملاً على الشيخ الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وكانت وفاته في سنة ست وتسعمائة رحمه الله.
546 - علي بن عبد الله العشاري: علي بن عبد الله القاضي علاء الدين العشاري نسبة إلى عشار - بضم المهملة - بلدة قريبة من الدير الحلبي الشافعي، المعروف بابن القطان. كان اشتغاله في العلم على الجلال النصيبي، وحرص على اقتناء الكتب النفيسه، وكان في ابتداء أمره شاهداً بمكتب الزردكاشية، وولي قضاء إعزاز وسرمين، وتوفي في العشر الآخر من رجب سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

547 - علي بن عبد الباسط بن الحمال: علي بن عبد الباسط المصري، المعروف بابن الحمال أحد المباشرين بديوان القاهرة. مات راجعاً من إسلام بول في الطريق سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
548 - علي بن عبد الرحمن الهبراري: علي بن عبد الرحمن الهبراري الجبرتي الرجل الصالح، الخير، الدين، المبارك، الشافعي نزيل دمشق. حضر دروس شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وقرأ عليه في المنهاج وفي غيره. توفي شهيداً بالطاعون يوم الأحد سابع عشري جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
549 - علي بن علي النووي: علي بن علي بن يوسف بن خليل، الشيخ الإمام، العلامة المدرس المحرر الفهامة علاء الدين النووي ثم الدمشقي. ولد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واشتغل في العلم، وبرع فيه وأفتى، وكان يتكسب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق، وتوفي في ليلة الخميس عاشر صفر الخير سنة إحدى وتسعمائة، ودفن بمقبرة النخلة غربي سوق صاروجا غربي المدرسة الشامية المذكورة رحمه الله تعالى.
550 - علي بن مقرر: علي بن مقرر - بالقاف الساكنة وكسر الراء الأولى - الشيخ الصالح أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون. توفي في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة عشري رييع الثاني منها رحمه الله تعالى.
551 - علي بن ميمون المغربي: علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن ميمون بن أبي بكر بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطا الله بن حيون بن سليمان بن يحيى بن نصر، الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى العارف به السيد الشريف الحسيب النسيب أبو الحسن بن ميمون الهاشمي القرشي المغربي الغماري الفاسي أصله. كما قال ابن طولون من جبل غارا - بالغين المعجمة - من معاملة فاس، وقال الشيخ موسى الكناوي: أصله من غمارة، وسكن مدينة فاس، واشتغل بالعلم، ودرس، ثم تولى القضاء، ثم ترك ذلك ولازم الغزو على السواحل، وكان رأس العسكر، ثم ترك ذلك أيضاً، وصحب مشايخ الصوفية، ومنهم الشيخ عرفة القيرواني، فأرسل الشيخ عرفة إلى أبي العباس أحمد التوزي الدباسي، ويقال: التباسي - بالتاء - ومن عنده توجه إلى المشرق. قال الشيخ موسى: فدخل بيروت في أول القرن العاشر، وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولاً هناك، ولما دخل بيروت مكث ثلاث أيام لم يأكل شيئاً، فاتفق أن ابن عراق كان هناك، وأتى بطعام، فقال لبعض جماعته: ادع لي ذلك الفقير فقام السيد علي بن ميمون، وأكل، وقال ابن عراق لأصحابه: قوموا بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته، ففي أثناء الطريق لعب ابن عراق على جواده كعادة الفرسان، فعاب عليه السيد علي بن ميمون. فقال له: أتحسن لعب الخيل أكثر مني؟ قال: نعم، فنزل ابن عراق عن فرسه، فتقدم إليه سيدي علي، فحل الحزام وشده كما يعرف، وركب ولعب على الجواد، فعرفوا مقداره في ذلك، ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى الشيخ علي بن ميمون، وصار من أمره ما صار. قال الشيخ موسى: كذا أخبرني علي الغرياني المغربي شيخه علي الكيزواني، عن سيدي محمد بن عراق، وقال في الشقائق: إنه دخل القاهرة، وحج منها، ثم دخل البلاد الشامية، وربي كثيراًمن الناس، ثم توطن بمدينة بروسا، ثم رجع البلاد الشامية، وتوفي بها.
قال: وكان لا يخالف السنة حتى نقل عنه أنه قال: لو أتاني السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلا بالسنة، وكان لا يقوم للزائرين، ولا يقومون، وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلدة شاة تعظيماً له، وكان قوالاً بالحق لا يخاف في الله تعالى لومة لائم، وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين منكراً يضربهم بالعصا. قال: وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين، وكان مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفساً من المريدين، وله أحوال كثيرة، ومناقب عظيمة. انتهى.

وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتاب السفينة أنه لا يرى لبس الخرقة ولا ألباسها وذكر الشيخ علوان رضي الله تعالى عنه أنه كان لا يرى الخلوة، ولا يقول بها، وكان إذا بلغه أن أحداً سبه، أو ذمه، أو نسبه إلى جهل، أو فسق، أو بدعة يتأول ما يتأول عنه، وكان يقال عنه: كناز وكيماوي ومطالبي فيقول: نعم أنا كناز، وعندي كنز عظيم، ولكن لا يطلبونه ولا يسألوني عنه، وأنا كيماوي ولكن لا يطلبون ما عندي من الكيمياء، وأنا مطالبي وعندي مطلب نفيس مزهود فيه، ويشير إلى كنز العلم، ومطلب المعرفة، وكيمياء الحقيقة، وكان كثيراً ما يقول: جواب الزفوت السكوت، ومن وصاياه: إجعل تسعة أعشارك صمتاً، وعشرك كلاماً، وكان يقول: الشيطان له وحي وفيض، فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد والحقائق حتى تشهدوه من قلوبكم، وكان إذا أتاه متظلم من الحكام يقول له: أصلح حالك مع الله، فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه، وبين خلقه، وكان ينهى أصحابه عن الدخول بين العوام، وبين الحكام، ويقول: ما رأيت لهم مثلاً إلا الفأر والحيات فإن كلاً منهما مفسد فى الأرض، فالحيات مسلطة على الفار، والفار مسلطة على الناس، وكذلك العوام سلط بعضهم على بحض، فسلط الله تعالى الحكام عليهم، وكما أنه لا بد أن يسقط على الحية قاتلاً يقتلها أو يأتيها أجلها سلط على الظالم ظالماً آخر، وكان شديد الإنكار على علماء عصره، وكان يسمي القضاة القصاة والمشايخ المسايخ، والفقيه الفقيع من فقع اللبن إذ فسد، وكان من كلامه لا ينفع الدار إلا ما فيها، وكان يقول أيضاً: لا تشتغل بعد أموال التجار وأنت مفلس، وكان يقول: أسلك ما سلكوا تدرك ما أدركوا، وكان يقول: لا تخلطوا الحقائق ويستدل بقوله تعالى: " ولا تلبسوا الحق بالباطل " " سورة البقرة: الآية 42 " وكان يقول: عجبت لمن يقع عليه نظر المفلح. كيف لا يفلح قلت: وهو منقول عن سيدي أحمد بن الرفاعي - رضي الله تعالى عنه - وكان يقول: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عينه. قلت: هو حديث رواه الإمام أحمد من طريق أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ولفظه يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه، وكان يقول: كنزك تحت جمارك، وأنت تطلبه من عند جارك، وله كلام غير هذا، وله من المؤلفات شرح الجرومية على طريقة الصوفية، وكتاب " غربة الإسلام، في مصر والشام " ، وما والاهما من بلاد الروم والأعجام، ورسائل عدة منها " بيان فضل خيار الناس، والكشف عن مكر الوسواس " ، " ورسالة الإخوان، من أهل الفقه وحملة القرآن " ، و " كشف الإفادة، في حق السيادة " ، و " مواهب الرحمن، وكشف عورات الشيطان " ، و " تذكرة السالكين " ، و " تذكرة المريد المنيب، بأخلاق أصحاب الحبيب " ، كنا في ترجمته لابن طولون ورسالة لطيفة سماها " تنزيه الصديق، عن وصف الزنديق " ، ترجم فيها الشيخ محيي الدين بن العربي، وذكر في أولها أن سبب تأليفها أنه دخل دمشق في سنة أربع وتسعين وثمانمائة، فسمع عن بعض أهلها استنقاص الشيخ محيي الدين بعد أن زار الشيخ عبد القادر ابن حبيب الصفدي بها في شعبان من هذه السنة، وهو الذي عرفه بابن العربي، وبمقامه في الصالحية. قال: وكنت أسمع به في المغرب، ولا أدري من حاله سوى أنه من أهل العلم والخير، فقصدت زيارته، فانتهيت إلى حمام يقال له: حمام الجورة، فسألت من الحمامي أن يفتح لي باب مقامه، فصعد من بعض الجدران، وفتح في باب مقامه، فوجدته ليس فيه أثر العواد، وفيه عشب يابس يدل على أن أحداً لا يأتيه إلى أن قال: ثم قعدت عند قدميه الكريمتين كما ينبغي. بل أقول قعدت على سوء الأدب إذ هو أن أقف خارج المقام بالكلية في مقام السائل المقتر لكن أخطأت. وأسأل الله تعالى بلطفه أن يتوب علي من ذلك. قال: ثم رأيت في مشهد قبره عند رأسه حجراً مكتوباً فيه قوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك " " سورة النحل: الآية 125 " الآية، فعند ذلك قوي نور اعتقادي في الشيخ، وتزايد نوراً على نور حتى ملأ ظاهري وباطني، وكنت قصدت بلاد ابن عثمان رجاء الجواز من هناك إلى المغرب، فدخلت برصة غرة المحرم سنة خمس وتسعين، فلما كان تسع وتسعمائة خطر بنا إلى تقييد بعض كلمات في إظهار شيء من محمود صفاته، ثم ذكر - رحمه الله تعالى - ترجمة الشيخ ابن العربي - رضي الله تعالى

عنه - ودل هذا الكلام منه على أنه كان له اعتقاد زائد في ابن العربي، وهو ما عليه أعيان المتآخرين، ومن العلماء المحققين، والصوفية المتعمقين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ، ودل هذا الكلام منه أيضاً أنه - رضي الله تعالى عنه - دخل دمشق قبل القرن العاشر وذكر سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى عنه - في كتاب السفينة أن سيدي علي بن ميمون دخل دمشق سنة أربع وتسعمائة. - ودل هذا الكلام منه على أنه كان له اعتقاد زائد في ابن العربي، وهو ما عليه أعيان المتآخرين، ومن العلماء المحققين، والصوفية المتعمقين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ، ودل هذا الكلام منه أيضاً أنه - رضي الله تعالى عنه - دخل دمشق قبل القرن العاشر وذكر سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى عنه - في كتاب السفينة أن سيدي علي بن ميمون دخل دمشق سنة أربع وتسعمائة.
وذكر ابن طولون في تاريخه مفاكهة الإخوان أن سيدي علي بن ميمون أول ما دخل دمشق دخل في أواخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، فهرع الناس إليه للتبرك به، ونزل بحارة السكة بالصالحية، وصار يعمل بها ميعاداً، ويرشد الناس، وممن صعد إليه للأخذ عنه الشيخ عبد النبي شيخ المالكية، والشيخ شمس الدين بن رمضان شيخ الحنفية، وسلكا على يديه، وخلق من الفضلاء انتهى.
ولا تنافي بين هذا وبين ما تقدم لأن ما ذكره ابن طولون هو مبلغ علمه إذا لم يعلم بقدمة ابن ميمون الأولى، والثانية حين ذكر هذا الكلام، وأيضا فإن سيدي علي بن ميمون لم يشتهر في بلاد العرب بالعلم والمشيخة والإرشاد إلا بعد رجوعه من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة، ومكث بها مدة طويلة، ثم قدم منها إلى دمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة كما ذكره سيدي محمد بن عراق في سفينته، وتقدم في ترجمة ابن عراق من هذا الكتاب. قال ابن عراق: وأقام - يعني شيخه ابن ميمون - في قدمته هذه ثلاث سنوات، وخمسة أشهر، وأربعة عشر يوماً يربي ويرشد ويسلك ويدعو إلى الله تعالى على بصيرة. قال: واجتمع عليه الجم الغفير. قال: وكنت حينئذ متجرداً معي جماعة ممن أصلحهم عشرة سيدي الشيخ عبد النبي مفتي المالكية وسيدي محمد بن رمضان مفتي الحنفية، وسيدي أحمد بن سلطان كذلك، وسيدي عبد الرحمن الحموري مفتي الشافعية، وسيدي إسماعيل الدنابي خطيب جامع الحنابلة، وأبو عبد الرحمن قيم الجامع، وسيدي عيسى القباقبي المصري، وسيدي أحمد ابن الشيخ حسن، وجاره حسن الصواف، وسيدي الشيخ داود العجمي. انتهى.

قلت: وكان ممن اصطحب به شيخ الإسلام الجد - رضي الله تعالى عنه - وكان يحضر سيدي علي بن ميمون دروسه ومجالسه، فكان الجد - رضي الله تعالى عنه - يقول لابن ميمون حين يحضر عنده: يا سيدي علي أمسك لي قلبي. أمسك لي قلبي، وممن اجتمع به شيخ الإسلام الوالد، وكان يومئذ في سن الثماني أو التسع لكنني لم أتحقق عنه أنه أخذ عنه شيئاً، أو لم يأخذ عنه، وكان شيخنا الشيخ حسن الصلتي المقري يذكر أنه رأى سيدي علي بن ميمون، وحضر مجالسه، فعلى هذا يكون بحمد الله تعالى قد صحبنا في طريق الله تعالى من صحبه، ومن كراماته أنه حصلت بين رجلين من الفقراء المتجردين عنده منافرة، فخرج أحدهما على وجهه، فسمع الشيخ بذلك، فقال: لمن كان السبب في ذلك: إما أن تأتي به، وإما أن تذهب عني، فلم يلبث يسيراً إلا والذي خرج على وجهه قد دخل على الشيخ، وهو يبكي، وذكر أن الشيخ تشكل له في صورة أسد، وكان كلما توجه إلى طريق منعه من سلوكها، ومن كراماته أن المطر حبس بدمشق في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، فكتب سيدي علي بخطه درجاً إلى نائب دمشق سيبائي، فحضر النائب بالدرج إلى الجامع الأموي في يوم الجمعة رابع رمضان، فقرأه على مفتي دار العمل السيد كمال الدين بن حمزة، وقضاة القضاة الثلاثة الشافعي ابن الفرفور، والمالكي خير الدين، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، فإذا فيه آيات من القرآن العظيم، وأحاديث من السنة في التحذير للترك ونحوهم من الظلم، ثم انتقل إلى الفقهاء والقضاة فحذرهم من أكل مال الأوقاف، ثم حث على الاستغفار، وذكر ما يتعلق بذلك، ومن نقل ذلك من السلف بحيث أن سيبائي ذرف دمعه فهم في أثناء قراءة الدرج وقع المطر، وجاء الله تعالى بالغيث كذلك ذكر هذه الواقعة ابن طولون، وأنا لا أشك في أنها كرامة ظاهرة، وانتقد ابن طولون على الدرج المذكور أن صاحب الترجمة تعرض فيه لذكر الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون وبذكر غيره، ولامهم فيه على ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأنا أقول: لا انتقاد عليه في ذلك أصلاً، فإنه أراد النصيحة، وأظن أن الفتنة التي وقعت بين التقوي ابن قاضي عجلون، وابن أخته السيد كمال الدين، وبقية أعيان دمشق بسبب دم التربة كما تقدم شرحها في ترجمة السيد وغيرها أيضاً. إنما كانت بسبب توجه سيدي علي بن ميمون بقلبه عليهم، وتكدر خاطره، ويؤيد ذلك أن هدم التربة المذكورة كان في ثاني رمضان المذكور، ثم استفتي الشيخ تقي الدين في هذه الأيام في هذه الواقعة، وأفتى بعدم الهدم، ثم هاجت الفتنة بعد ذلك، وانتشر شرها، وتطاير شررها حتى طلب الشيخ تقي الدين وابن أخته وآخرون إلى السلطان الغوري بمصر، وصودروا بأموال كثيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم رأيت ابن طولون ترجم سيدي علي بن ميمون في التمتع بالأقران، وذكر من مصنفاته " بيان فضل خيار الناس، والكشف عن مكر الوسواس " ، و " الرسالة الميمونية، في توحيد الجرومية " ، و " بيان غربة الإسلام، ورسالة الإخوان، من أهل الفقه وحملة القران " ، و " كشف الإفادة، في حسن السيادة " ، و " مواهب الرحمن، في كشف عورات الشيطان " ، وغير ذلك، وقال: قدم دمشق فتلقاه الشيخ عبد النبي، وأنزله بحارة السكة بالصالحية، وهرع للسلام عليه طلبة العلم والفضلاء والعلماء والقضاة والأمراء، وصار يسأل كلاً عن اسمه، وينهاه عن ذكره اللقب إن ذكره، ثم عن حرفته ويوصيه بتقوى الله تعالى، ثم يوجه نفسه إلى القبلة، ويرفع يديه إلى وجهه ويقرأ له الفاتحة، ويدعو له ويصرفه، وإن رأى في ملبسه شيئاً منكراً ذكره. قال: ثم عقد للتسليك مجلساً في منزله، فتلمذ له خلق من المذاهب الأربعة كالشيخ عبد النبي من المالكية، والشمس ابن رمضان من الحنفية، والشهاب بن مفلح من الحنابلة، والزين الحموري من الشافعية، وآخر من تسلك على يديه منهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عراق، وشاع ذكره وبعد صيته، وصار كلامه مسموعاً عند الأمراء خصوصاً نائب الشام سيبائي، ولهم فيه اعتقاد زائد، ثم قال ابن طولون: اجتمعت به وسلمت عليه، ثم ترددت إلى مجلسه، فما رأت عيني أعظم شأناً منه لكنه كان يستنقص الناس، وقال أحياناً: ما رأيت في هذه المملكة أعلم من ابن حبيب الصفدي. قال: وكان ابن حبيب مشهوراً بمحبة ابن العربي، ويتبجح بها انتهى.

قلت: وما ذكره عن أنه كان يستنقص الناس هذا إنما كان من سيدي علي بن ميمون على سبيل التنهيض لمن يستنقصه، وينكر عليه لا على سبيل احتقار الناس واستصغارهم، وتأييد نفسه عليهم، ومن كرامات ابن ميمون - رضي الله تعالى عنه - أيضاً ما ذكره الشيخ علوان في شرح تائية ابن حبيب أن رجلاً من أعيان دمشق وفضلائها في العلم والتدريس. قال: فبلغني أنه تفرس فيه أنه لا يكون منه نتيجة، وكان ذلك بعد أن تجرد ذلك الرجل وارتكب أنواعاً من الرياضة والمجاهدات، وحكى سيدي محمد ابن سيدي علوان في تحفته. قال: أخبرني شفاهاً جمع ممن سكن قرية مجدل معوش التي هي قرية الشيخ، وقبره فيها أنه كان في جوارهم، وفي قريتهم كروم قد يبست أغصانها، وفسدت عروقها، وتعطلت بالكلية، فمذ حل الشيخ المذكور بتلك الأراضي عادت الأراضي المجدبة مخصبة، وعادت أشجار العنب المذكورة أيضاً إلى أحسن ما يكون، وأينعت ثمارها. قال: وهي مستمرة من ذلك الآن إلى هذا الزمان، ولم يعرف ذلك إلا من بركته، وذكر أيضاً أن بعض أهل العلم حكى له، وقد توجه لزيارة قبر سيدي علي بن ميمون - رضي الله تعالى عنه - في سنة سبع وثلاثين وتسعمئة فقال: إن من غريب كرامات من أنتم متوجهون لزيارته، ما شاهدته بعيني ذلك أن رجلاً من الأجناد أرسل كلباً قال: أو صقراً على غزال، فركضت الغزال حتى جاءت إلى الأرض التي هو مدفون فيها، فدخلتها واجتمعت في ظل الشيخ، فقيل للجندي: دعها فإنها قد فعلت فعل العائذ بقبر الشيخ، فلم يلتفت إلى مقالتهم، وجاء إليها وهي قائمة، فلم تبرح مكانها، حتى أمسكها الجندي بيده وذبحها وأكل من لحمها، فلما فرغ من أكله أخذه وجع في بطنه، واستمر حتى مات من ليلته، فلما غسل كان لحمه على المغتسل متقطعاً قطعاً حتى كأنه أكل شيئاً مسموماً قال: فعلمت أنا وغيري أن ذلك كله من بركة الشيخ انتهى.
وكان سبب انتقال سيدي علي بن ميمون من دمشق إلى مجدل معوش، وهي قرية من معاملة بيروت أنه دخل عليه، وهو بصالحية دمشق قبض، واستمر ملازماً له حتى ترك مجلس التأديب، وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية، ورؤوس الجبال حتى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل المعوش، فهاجر إليها في ثاني عشر المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة. قال سيدي محمد بن عراق: ولم يصحب غيري، والولد علي، وكان سنه عشر سنين، وشخصاً آخر عملاً بالسنة، وأقمت معه خمسة أشهر، وتسعة عشر يوماً، وتوفي ليلة الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة، ودفن بها في أرض موات بشاهق جبل حسبما أوصى به. قال: ودفن بعده خارج حضرته المشرفة رجلان وصبيان وامرأتان، وأيضاً امرأتان وبنتان الرجلان محمد المكناسي، وعمر الأندلسي والصبيان عبد الله، وكان عمره ثلاث سنين، وموسى بن عبد الله التركماني، والامرأتان أم إبراهيم وبنتها عائشة زوجة الذعري، والامرأتان الأخريان مريم القدسية، وفاطمة الحموية، وسألته عند وفاته عن أمور منها: أين أجعل دار هجرتي؟ فقال: مكان يسلم فيه دينك ودنياك، ثم تلا قوله تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة " " سورة النساء: الآية 97 " وقال ابن طولون في حوادث سنة سبع عشرة وتسعمائة من تاريخه: ويوم الجمعة تاسع عشرته - يعني جمادى الآخرة - بعد صلاتها بالجامع الأموي نودي بالسدة بالصلاة غائبة على الشيخ العالم السيد علاء الدين علي بن ميمون المغربي. قال: وقد صح أنه توفي ليلة الخميس حادي عشرة بتل القرب من مجدل معوش، وبه دفن انتهى. ولم يختلف قول سيدي محمد بن عراق في السفينة، وقول ابن طولون، والشيخ موسى الكناوي أن سيدي علي بن ميمون توفي في ليلة الحادي عشر من جمادى الآخرة غير أن في كلام ابن طولون أنه كان يوم الخميس، وتقدم أنه كان يوم الاثنين، وقول ابن طولون أصح لأنه أرخ هو والحمصي وغيرهما مستهل جمادى المذكورة أنه كان يوم الاثنين، فيكون حادي عشرة يوم الخميس بلا شك رحمه الله تعالى.

552 - علي بن ناصر المكي: علي بن ناصر، الشيخ، الإمام، العالم، العلامة علاء الدين ابن ناصر المكي. أخذ صحيح البخاري عن المسند زين الدين عبد الرحيم المكي الأسيوطي، وعن غيره عن الحجار، وتفقه بالشرف المناوي عن الولوي ابن العراقي عن أبيه عن أبي النعمان عن النووي، ومن مؤلفاته " مختصر المنهاج وشرحه " وله تأليف في الحديث والتفسير والأصول أجاز البرهان العمادي الحلبي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
553 - علي بن يوسف الفناري: علي بن يوسف بن أحمد ، العالم، العلامة، المولى علاء الدين سبط المولى شمس الدين الفناري الرومي الحنفي. رحل في شبابه إلى بلاد العجم، فدخل هراة، وقرأ على علمائها، ثم إلى سمرقند وبخارى، وقرأ على علمائها أيضاً، وبرع في كل علم حتى جعلوه مدرساً، ثم غلب عليه حب الوطن، فعاد إلى بلاد الروم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان، وكان المولى الكوراني يقول له: لا تتم سلطتك إلا أن يكون عندك واحد من أولاد الفناري، فلما دخل بلاد الروم أعطاه السلطان محمد مدرسة مناستر بمدينة بروسا بخمسين درهماً، ثم مدرسة والده مراد خان بالغازي بها بستين درهماً، ثم ولاه قضاء بروسا، ثم قضاء العسكر، ومكث فيه عشر سنين، وارتفع قدر العلماء في زمان ولايته إلى أوج الشرف، وكان أيامه تواريخ، ثم عزله ورتب له ولأولاده مرتبات سنية، ثم لما تولى ولده أبو يزيد خان السلطنة من بعده جعل المولى علاء الدين قاضياً بالعسكر في ولاية روم إيلي، ومكث فيه ثماني سنوات، ثم عزله ورتب له ما يكفيه، وكان شديد الاهتمام بالعلم، وكان لا ينام على فراش وإذا غلبه النوم استند إلى الجدار والكتب بين يديه، فإذا استيقظ ينظر في الكتب، ولم يعتن بالتصنيف كثراً، ولكنه شرح الكافية في النحو، وشرح قسم التجنيس كذا من الحساب، وكان ماهراً في سائر العلوم، ثم خدم الشيخ العارف بالله تعالى حاج خليفة، ودخل الخلوة عنده، وحصل له من علوم الصوفية فوق لكنه كان مغري بصحبة السلاطين بحيث كان يغلب عليه الصمت إلا إذا ذكر له صحبته مع السلاطين، فعند ذلك يورد الحكايات اللطيفة والنوادر، ومن لطائفة أنه كان يوماً وجماعة ينتظرون الإفطار في رمضان، وكان يوماً شديد الحر فاستبطأوا المغرب. فقال: الشمس أيضاً لا تقدر على الحركة من شدة الحر، وحكى عنه تلميذه المولى الخيالي أنه قال يوماً: ما بقي من حوائجي إلا ثلاث الأولى أن أكون أول من يموت في داري، والثانية أن لا يمتد بي مرض، والثالثة أن يختم لي بالإيمان. قال الخيالي: فكان أول من مات في الدار، وتوضأ يوماً للطهر، ثم مرض وحم ومات مع أذان العصر. قال: فاستجيبت دعواته في الأوليين، وظني أنه أجيبت في الثالثة، وتوفي في سنة ثلاث وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
554 - علي بن يوسف البصروي: علي بن يوسف بن أحمد الشيخ الإمام العلامة علي الدين الدمشقي العاتكي الشافعي، الشهير بالبصروي. قالى النعيمي: ولد كما أخبرني به سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم رأيت بخطه أنه ولد في سنة ثلاث وأربعين. انتهى.
واشتغل في العلم، وبرع في الفقه وغيره، ولازم شيخ الإسلام رضي الدين الغزي جد والدي، وولده العلامة القاضي شهاب الدين وهو عم والدي، ثم اصطحب مع جدي الشيخ رضي الدين على المشايخ، وكتب أشياء من مؤلفات بيننا ومن غيرها - رحمه الله تعالى - وكانت وفاته في منتصف نهار الأربعاء سادس عشر رمضان سنة خمس وتسعمائة، وهو والد الخطيب جلال الدين البصروي الآتي في الطبقة الثانية إن شاء الله تعالى.
555 - علي بن يوسف النواوي: علي بن يوسف بن خليل، الشيخ العالم الصالح المدرس علاء الدين النواوي، ثم الدمشقي الشافعي قال النعميمي: ميلاده كما أخبر به في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان يتكسب بالشهادة، وكان مصاباً بإحدى عينيه. توفي ليلة الخميس عاشر صفر سنة إحدى وتسعمائة، ودفن بالمقبرة غربي جامع برسباي بمحلة سوق ساروجا بوصية منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

556 - علي ابن يونس الخطيب: علي بن يونس، السيد الشريف الخطيب علاء الدين بن شيخ الشيوخ بحلب شرف الدين الحسيني، الشافعي، كان كأبيه خطيباً بجامع المهمندار بحلب قال ابن الحنبلي: ذهب إلى زبيد من بلاد اليمن، لما بلغه وصول أخيه الرشيد الشريف زين العابدين إليها، فمات بها قبل أن يراه سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
557 - علي الدقاق: علي، الشيخ الصالح المعتقد علاء الدين الدقاق الدمشقي. كان كثير العبادة والخير. وكان للناس فيه مزيد اعتقاد، وله شهرة في ذلك. توفي يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وتسعمائة وقد قارب المائة رحمه الله تعالى.
558 - علي الصابون: علي الرئيس نور الدين الصابوني ناظر الجيوش الشريفة بمصر. توفي أوائل رمضان سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
559 - علي الحنفي: علي الشيخ علاء الدين الدمشقي الحنفي. نزيل جامع المهمندار بحلب، كان ديناً خيراً تردد إلى الشيخ شمس الدين بن الشماع الأيوي، وصحب الشيخ شهاب الدين المرعشي، ومن مناقبه أنه أطلع على ليلة القدر، وكان له شعر ولطافة وذوق فمن شعره:
إذا لم تكن لي ملجأ عند فاقتي ... ولا لي في إفناء فضلك مرتع
فلا أنت تحييني إذا كنت ميتاً ... ولا أنت لي يوم القيامة تشفع
وقال مضمناً:
إذا أسمعتني يوماً مقالاً ... ذميماً إذ تبالغ في ذما
صبرت على الأذى منك احتساباً ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وحكي أنه خرج في صحبة الشيخ شهاب الدين المرعشي إلى جانب نهر حلب، فأنشد الشيخ شهاب الدين المرعشي:
جلسناعلى روض من الخز لين ... وللصحب من نسج السحاب سدير
وللقوم قول مطرب لبقاعه ... وللماء من فوق الصخور خرير
وأنشد صاحب الترجمة على أثره:
جلسنا على مرج نضير مزخرف ... بأنوار أزهار، وماء مطرد
وقد نظم الأنواء ليلاً بجيدها ... عقود لآل من سقيط الندى يدي
وكانت وفاته في حدود التسعمائة رحمه الله تعالى، 560 - علي البكائي: علي العالم الفاضل المولى علاء الدين البكائي، الرومي، الحنفي. قرأ على علماء عصره، وصار مدرساً ببعض مدارس الروم، ثم درس في سلطانية بروسا، ثم بإحدى الثماني، ثم عين له كل يوم ثمانون درهماً، ونصب مفتياً في بروسا وكان سليم الطبع، شديد الذكاء، وانتفع به كثيرون، ولم يصنف شيئاً، وتوفي في سنة تسع - بتقديم المثناة - وتسعمائة وقيل في تاريخه: وحيد مات مرحوم سعيداً.

561 - علي النبتيتي: علي النبتيتي، الشافعي، الشيخ الإمام العالم العلامة ولي الله تعالى العارف به، البصير بقلبه، المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر. كان رفيقاً للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال، وبينهما إخوة أكيدة، وكان قد أخذ العلم عن جماعة، منهم الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية، والمشهور بالعلم والولاية، وكان النبتيتي من جبال العلم، متضلعاً من العلوم الظاهرة والباطنة، وله مكاشفات لطيفة، وأخلاق شريفة، وأحوال منيفة، وكان يغلب عليه الخوف والخشية حتى كأن النار لم تخلق إلا له وحده، وكان الناس يقصدونه إلى موضع إقامته بناحية نبتيت للعلم، والإفتاء، والإفادة، والتبرك، والزيارة من سائر الآفاق، وكان ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر والشام والحجاز، فيجيب عنها نثراً ونظماً، وكانت نصوص الشافعي وأصحابه نصب عينيه، وكان مخصوصاً في عسكره بكثرة اجتماعه بالخضر عليه السلام، وقد تقدم في ترجمة القاضي زكريا سؤاله عنه، وعن غيره من العلماء، وقول الخضر عليه السلام عن الشيخ زكريا: له نفيسة. قال الشعراوي: وسألته عن شروط الاجتماع بالخضر عليه السلام، فقال لي: هي ثلاثة شروط: الأول: أن يكون على سنة في جميع أحواله، الثاني: أن لا يكون حريصاً على الدنيا، ولا يبيت على دينار ولا درهم إلا للدين الثالث: أن يكون سليم الصدر لأهل الإسلام ليس في قلبه غل ولا حقد ولا حسد لأحد منهم، ثم قال: فمن لم تجتمع فيه هذه الشروط لا يجتمع به الخضر، ولو كان على عبادة الثقلين، وكان إذا نزل ببلده أو أقليمه بلاء يقول: هذا سبب ذنب علي، وكان إذا نزل بالمسلمين بلاء لا يأكل ولا ينام ولا يضحك، ويقول: هذا من شرط المؤمن، وكان وقته كله معموراً بالعلم والعبادة ليلاً ونهاراً، وكان يقول: لا يكمل الرجل في العقل إلا إن كان كاتب الشمال لا يجد شيئاً من أعماله يكتبه، وله مناقب كثيرة، ومن شعره رضي الله تعالى عنه.
ومالي لا أنوح على خطائي ... وقد بارزت جبار السماء
قرأت كتابه وعصيت سراً ... لعظم بليتي ولشؤم رائي
بلائي لا يقاس به بلاء ... وأعمالي تدل على شقائي
فيا ذلي إذا ما قال ربي: ... إلى النيران سوقوا ذا المرائي
فهذا كان يعصيني جهاراً ... ويزعم أنه من أوليائي
تصنع للعباد، ولم يردني ... وكان يريد بالمعنى سوائي
في أبيان آخر، وكانت وفاته يوم عرفة سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن ببلده وقبره بها ظاهر يزار رحمه الله تعالى.
562 - علي بن الخباز: علي الشيخ الصالح نور الدين بن الخباز البغدادي العاتكي. كان يأكل من كسب يمينه، ويتسبب بنسج القطن بالقرب من مقابر الحمرية، وكان يجتمع عليه في كل جمعة جماعة، فيذكرون الله تعالى بالقرب من ضريح سيدي يحيى بالجامع الأموي برفع الصوت. توفي يوم الأربعاء حادي عشر رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
563 - علي الرملي: علي، الشيخ الفاضل القاضي علاء الدين الرملي الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق. توفي مقتولاً بين المغرب والعشاء ليلة السبت جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وتسعمائة بسوق الرصيف بالقرب من الجامع الأموي، وهو السوق المعروف الآن بدرويش باشا بسوق عند باب البريد. خرج عليه جماعة فقتلوه، ولم يعلم قاتله، واتهم بقتله القاضي شهاب الدين الرملي إمام الجامع الأموي لما كان بينهما من المخاصمات الشديدة رحمه الله تعالى.
564 - علي بن المذاقف: علي، الشيخ نور الدين، المصري، الشافعي نزيل حلب الشهير بابن المذاقف. كان يؤدب الأطفال بمسجد قاقان كذا بحلب، ويصرف جميع ما يحصل من قبلهم في جميع الخير، قانعاً بالقميص وبالعباءة، كان حسن الصوت في التلاوة، سليم الصدر، معتقداً في القلوب، وكان خير بك حين كان كافل حلب يعتقده كثيراً له نوع اشتغال على البدر بن السيوفي، وكان يطنب في مدح الجرومية في النحو توفي سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

565 - علي البليلي: علي البليلي، المغربي، الشيخ الزاهد الصالح نزيل القاهرة، كان أصله من قبيلة من عرب المغرب. يقال لها: بائلة، وكان على قدم عظيم في العبادة، وكان يقيم مرة بمصر مجاوراً بالأزهر، ومرة بمكة، ومرة بالقدس، ودخل إلى مصر في أيام الغوري، وعلى بطنه سبعة دنانير على اسم الحج، وكان يسأل الناس، وكل، فدخل يوماً إلى سوق الجملون، فوقف على أول دكان. فقال له صاحبها: يفتح الله، فوقف على الثاني. فقال له كذلك، فوقف على الثالث فقال له: أصرف لك ديناراً من السبعة التي على بطنك، ورزق الحج على الله تعالى، فأخذ الدنانير من بطنه، ورمى بها في الشارع، ثم لم يربط على دينار بعدها، وكان له خلق حسن، وعلم وافر. توفي بعد العشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
566 - علي الدميري: علي الدميري، الشيخ الصالح المجذوب. كان مكشوف الرأس منلفاً في بزة بحيث كان من يراه يعتقده أنه أنه أعجمي، وكان لا يتكلم إلا قليلاً جداً كلمات خفيات في كل ثلاث أيام، وكان لا يدخل بيت الحاجة إلا في كل ثلائة أشهر مرة واحدة، وكانت وفاته سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن في المسجد المقابل لباب ابن خاص بك بين القصرين بالقاهرة، وقبره ظاهر يزار رحمه الله تعالى.
567 - علي دولات: علي دولات. قتله السلطان سليم بن عثمان في حدود إحدى وعشرين وتسعمائة.
568 - علي الكردي: علي الكردي، الشيخ الصالح، الورع. الزاهد، العارف بالله تعالى الشافعي. المذهب، القاطن بدمشق. كان من مشاهير الأولياء بدمشق، وعمه شيخ الإسلام الجد ممن اصطحب بهم من أولياء الله تعالى وكان من أهل السنة كثير الإنكار على المبتدعة يحب الحديث وأهله، ويسأل من أمور دينه من العلماء الشافعية، وسافر إلى مجدل معوش، وأخذ عن سيدي محمد بن عراق حين كان به بعد موت سيدي علي بن ميمون، وكان يتستر بالتجاذب في بداءة أمره، وكان يركب قصبة، ويحمل أخرى، ويجعل في رأسها ذنب ثعلب، وكان يتطور في لباسه، فتارة يلبس لباس الترك، وتارة زي مشايخ العرب، وتارة لباس أولاد العرب، وتارة يحمل معه طيراً من خشب، وتارة من حديد، وتارة يحمل رمحاً، وربما كان يركب فرساً، ويلبس درعاً وخوذة، ويطوف في نواحي البلد، وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وكان في آخر أمره يلازم صلاة الجمعة على الدكة التي كانت موضوعة تجاه محراب الحنفية بالأموي، وهو المعروف الآن بمحراب الأولي، وإمامه شافعي، وكان يضع جميع أمتعته فوق الدكة، فإن وجد أحداً فوق الدكة أزعجه، ومن مشهور وقائعه أنه دخل على جان بردي الغزالي حين كان نائباً في دمشق، وعليه. أي على الشيخ علي لباس الحرب، وبيده رمح، فعسر ذلك على الغزالي، وأمر أن يقبض عليه، فقبضوا عليه ووضعوه في الحديد، واستودعوه بالبيمارستان، وضيقوا عليه، وتركوه وذهبوا، فما كان إلا لحظة واحدة، وإذا به مفلت من غير أن يطلقه أحد.
وحدثني من أثق به، عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي، عن الشيخ الصالح البرهان إبراهيم التبيلي أنه قال: كان الشيخ علي الكردي ذات يوم جالساً بالمقصورة من الجامع الأموي، فمر عليه إنسان، فسلم عليه فقال الشيخ علي: وعليك السلام سليمان سليمان، ثم التفت الشيخ علي إلى من عنده. فقال: هذا السلطان سليمان، فنظروا فلم يجدوا لذلك الإنسان علماً، ولا خبراً، ولا عيناً، ولا أثراً، ثم توفي الشيخ علي، وكانت تولية السلطان سليمان السلطنة بعد موته بمدة قليلة، وكانت وفاته بالكلاسة يوم الجمعة رابع القعدة سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلوا عليه بالجامع الأموي، ورجعت جنازته على الرؤوس: ودفن بالروضة بالسفح القاسيوني بوصية منه - رحمه الله تعالى رحمة - واسعة.
569 - علي الجارحي: علي الشيخ الفاضل، العلامة نور الدين الجارحي المصري شيخ مدرسة الغوري، وكان مبجلاً عند الجراكسة، وكان من قدماء فقهاء طباقهم يكتب الخط المنسوب، وظفر منهم بعز وافر. قاله العلائي. وقال الشعراوي: كان قد انفرد في مصر بعلم القراءات هو والشيخ نور الدين السمنهودي، وكان يقريء الأطفال تجاه الجامع الغمري، وكان إذ نظر إلى الطفل رعد من هيبته، وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه، وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة، وقال: إنه كان ليله ونهاره في طاعة ريه وكان يتهجد كل ليلة بثلث القرآن انتهى.

وكان وفاته في شعبان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
570 - علي الأشموني: علي، الشيخ الإمام العالم العامل، الصدر الكامل أبو الحسن نور الدين الأشموني، الشافعي، الفقيه المقريء، الأصولي. كما ترجمه بذلك تلميذه شيخ الإسلام الوالد بخطه، وذكر أنه أخذ القراءات عن ابن الجزري، وقال الشعراوي: إنه نظم المنهاج في الفقه وشرحه، ونظم جمع الجوامع في الأصول، وشرحه، وشرح ألفية ابن مالك شرحاً عظيماً، وكان متقشفاً في مأكله وملبسه وفرشه، وكانت وفاته في حدود هذه الطبقة لعلها بين العشرين إلى الثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
571 - علي الشربوني: علي الشربوني المصري، الشيخ الصالح القدوة أحد أصحاب سيدي الشيخ شعبان القطوري الشاذلي. كان يغلب عليه الاستغراق، يلبس الثياب الفاخرة حتى يحسبه من رآه قاضياً، وكان له خوارق وكرامات، وربما تحدث بها شكراً، وكان ينظم الموشحات الغريبة في معالم الطريق. توفي سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة.
572 - عمر بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي: عمربن إبراهيم بن محمد بن مفلح قاضي قضاة الحنابلة نجم الدين ابن قاضي قضاتها برهان الدين بن مفلح الراميني الأصل الصالحي الدمشقي الحنبلي. ولد في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وكان من أعيان دمشق وأصلائها. أخذ عن والده وعن غيره، وولي قضاء الحنابلة بدمشق مراراً آخرها في سنة عشر وتسعمائة، واستمر فيه إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني شوال سنة تسع - بتقديم المثناة - عشرة وتسعمائة، وصلي عليه نهار الجمعة بعد صلاتها بالأموي، وحضر للصلاة عليه نائب الشام سيبائي والقضاة الثلاثة، وخلائق لا تحصى، ودفن بالصالحية على والده رحمه الله تعالى 573 - عمر ابن جانبك: عمر بن جانبك الشيخ زين الدين الدمشقي أحد العدول مولده سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بها، وقرأ على الزين بن العيني، وأجاز له الشهاب بن زيد، وكان فاضلاً، وكان يجلس هو والشيخ بدر الدين الياسوفي للشهادة بدكات باب البريد بالجامع الأموي، توفي يوم الثلاثاء سادس عشري ربيع الأول سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
574 - عمر بن سليمان المقريء: عمر بن سليمان، الشيخ العالم الفاضل زين الدين ابن الشيخ سليمان المقرئ. توفي بدمشق يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول سنة سبع - بتقديم السين. وتسعمائة رحمه الله تعالى.
575 - عمر بن عبد الباسط: عمر بن عبد الباسط المقر الأشرف. ركن الدين ابن المقر الأشرف ناظر الجيوش بالديار المصرية زين الدين أبي الهبات عبد الباسط، كان مقيماً بالقاهرة، فتوجه إلى دمشق للتحرير على جهاتهم بدمشق، فمات بها يوم الجمعة ثاني رجب سنة تسع - بتقديم المثناة - وتسعمائة. قال الحمصي: وكان أخوه الزيني عبد الرحمن سافر إلى دمشق للتحرير على جهاتهم، فتوفي أيضاً بدمشق رحمهما الله تعالى.
576 - عمر بن عبد الرحمن الأسدي: عمر بن عبد الرحمن، الشيخ العلامة زين الدين الأسدي هو من أهل هذه الطبقة ومن شعره قوله ملمحاً بالحديث:
من كان يرجو رحمة الله في ... يوم به خطب الورى يعظم
يكن لمن في الأرض ذا رحمة ... فإنما يرحم من يرحم
577 - عمر بن عبد العزيز الفيومي: عمر بن عبد العزيز، الشيخ الفاضل سراج الدين أبو حفص الفيومي الأصل، الدمشقي. كان له مشاركة جيدة. وقال الشعر الحسن، وله ديوان شعر في مجلد ضخم، ومدح الأكابر والأعيان، وخمس البردة تخميساً حسناً رزق فيه السعادة التامة، واشتهر في حال حياته، وكتبه الناس لحسنه وعذوبة ألفاظه، ومن شعره:
إن كان هجري لذنب حدثوك به ... عاتب به ليبين العبد أعذاره
وإن يكن حظ نفس ما له سبب ... فلا تطعها فإن النفس أماره
وتوفي بدمشق سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب السريجة على والده رحمه الله تعالى.

578 - عمر بن علي بن الصيرفي: عمر بن علي بن عثمان بن عمر بن صالح، الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة، الخطيب المصقع، المسند المحدث سراج الدين ابن الشيخ الحافظ العلامة شيخ الإسلام علاء الدين بن الصيرفي الشافعي. ولد في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. قاله الحمصي، وقال النعميمي: سنة خمس وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين وثمانمائة، وكان له أسانيد عالية بالحديث النبوي، ولي نيابة القضاء بدمشق مدة طويلة، والعرض، والتقرير، وباشر خطابة الجامع الأموي نحو أربعين سنة، وكان وفاته ليلة الأحد سابع شوال سنة سبع - بتقديم السين - عشرة وتسعمائة، وصلى عليه السيد كمال الدين بن حمزة بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير على والده الحافظ علاء الدين الصيرفي غربي باب الصغير في آخرها جوار مسجد النارنج رحمهما الله تعالى.
579 - عمر ابن التراب: عمر القاضي زين الدين بن التراب الحنفي. توفي بدمشق في رمضان سنة تسع وتسعمائة - بتقديم السين.
580 - عمر الأبشيمي: عمر الشيخ العلامة زين الدين الأبشيمي، الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة، كان له فضيلة تامة، وتوفي يوم السبت ثاني عشر شعبان سنة عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
581 - عمر البجائي: عمر البجائي المغربي الإمام العلامة، القدوة الحجة الفهامة ولي الله تعالى العارف به قدم إلى مصر في زمان السلطان الغوري، وصار له عند الأكابر وغيرهم القول التام، وكان له كشف ظاهر، وكان يخبر بالوقائع الآتية في مستقبل الزمان، فتقع كما أخبر وهو ممن أخبر بزوال مملكة الجراكسة وقتالهم لابن عثمان، وقال: إن الدولة تكون للسلطان سليم، ومر على المعمار وهو يعمر القبة الزرقاء للغوري تجاه مدرسته، فقال: ليس هذا قبر الغوري، فقالوا له: وأين قبره. فقال: يقتل في المعركة، فلا يعرف له قبر، وكان الأمر كما قال، كان شاباً طويلاً، جميل الصورة، طيب الرائحة على الدوام، حفظ المدونة الكبرى للإمام مالك، وسمع الحديث الكثير، وكان يصوم الدهر وقوته في الغالب الزبيب، ولم يكن على رأسه عمامة إنما كان يطرح ملاءة عريضة على رأسه وظهره، ويلبس جبة سوداء واسعة الأكمام، وسكن جامع الملك بالحسينية، ثم انتقل إلى جامع محمود، ثم عاد إلى قبة المارستان بخط بين القصرين، وبقي بها إلى أن مات، ولما أقام بجامع أنشد فيه الشيخ شمس الدين الدمياطي أبياتاً منها:
سألتني أيها المولى مديح أبي ... حفص وما جمعت أوصافه الغرر
مكمل في معانيه وصورته ... كمال من لا به نقص ولا قصر
مطهرالقلب لا غل يدنسه ... ولا له قط في غير التقى نظر
فهن جامع محمود بساكنه ... فإنه الآن محمود ومفتخر
وقل له: فيك بحر العلم ليس له ... حد فيا لك بحراً كله درر
إلى آخر قوله. مات سنة تسع عشرة أو عشرين، ودفن بالقرافة في حوش عبد الله بن وهب بالقرب من قبر القاضي بكار، وصلى عليه الملأ من الناس رضي الله تعالى عنه.
582 - عوض الغزي: عوض الغزي المجذوب. اجتمع به الشيخ موسى الكناوي، وهو راجع من مصر في سنة أربع أو خمس وعشرين وتسعمائة في قرية يبنى، وكان الناس منصرفين من سوق الرملة، فسلموا عليه كثيراً قال فقلت لواحد منهم: من هذا الرجل. فقال: هذا الشيخ عوض خفير هذه البلاد.
583 - عويدات المجذوب: عويدات المجذوب أحد المولهين بدمشق، كان غالب جلوسه بمحلة ميدان الحصا، وتوفي يوم الخميس ثاني عشر رمضان سنة إحدى عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.

584 - عائشة الباعونية: عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين، الشيخ الأريبة، العالمة، العاملة أم عبد الوهاب الصوفية، الدمشقية بنت الباعوني. أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلاً، وعلماً، وأدباً، وشعراً، وديانةً، وصيانةً. تنسكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي، ثم حملت إلى القاهرة، ونالت من العلوم حظاً وافراً، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألفت عدة كتب منها " الفتح الحنفي " يشتمل على كلمات لدنية، ومعان سنية، وكتاب " الملامح الشريفة، والأثار المنيفة " ، يشتمل على إنشادات صوفية، ومعارف ذوقية، وكتاب " در الغائص، في بحر المعجزات والخصائص " ، وهو قصيدة رائية، وكتاب " الإشارات الخفية، في المنازل العلية " ، وهي أرجوزة اختصرت فيها منازل السائرين للهروي، وأرجوزة أخرى لخصت فيها " القول البديع، في الصلاة على الحبيب الشفيع " ، وللسخاوي، ومن كلامها: وكان مما أنعم الله تعالى به علي أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد، في رفاهية لطائف البر الجواد، إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر تجلياته، الطافح بعجائب قدرته وبدائع آياته، المشوب موارده بالأقذار والأكدار، الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار، دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار، فرباني اللطف الرباني في مشهد النعمة والسلامة، وغذاني بلبان مدد التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة، في بلوغ درجة التمييز، أهلني الحق لقراءة كتابه العزيز، ومن علي بحفظه على التمام، ولي من العمر ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف، حتى بلغت درجة التكليف، في كلام آخر ذكرته في ترجمتها ودخلت إلى القاهرة في سنة تسع عشرة وتسعمائة، فأصيبت في الطريق بشيء كان معها من مؤلفاتها ومنظوماتها، ولما دخلت إلى القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولدها وكان في صحبتها المقر أبو الثنا محمود بن آجا الحلبي صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية، فأكرمها وولدها، وأنزلها في حريمه، وكانت قد مدحته بقصيدة أولها:
روى البحر أصباب العطا عن نداكم ... ونشر الصبا عن مستطاب ثناكم
فعرضها على شيخ الأدباء السيد الشريف عبد الرحيم العباسي القاهري، فأعجب بها، فبعث إليها بقصيدة من بديع نظمه، فأجابت عنها بقصيدة مطلعها:
وافت تترجم عن حبر هو البحر ... بديعة زانها مع حسنها الخفر
ثم كتب إليها السيد المشار إليه ملغزاً:
قل لمن بالقريض بز الفحولا ... فانثني عن قصورهم مستطيلا
وأرانا عرائس الثغر تجلي ... بمعان أضحى علاها جليلا
رافيات من زاهيات المعاني ... في مروط تجر فيها الذيولا
مسفرات عن حسن معنى بديع ... من سناه تبغي البذور الأفولا
وتود الرياض أن لو اعيرت ... من أفانين وشيها أكليلا
كل طرف إذا ترجع منها ... عاد من حسنه حسيراً كليلا
وإذا ما ظبا اللواحظ غاز ... لن ظباها أولت شباها فلولا
وما اسم شيء حروفه عاطلات ... وهو في الدهر لا يرى تعطيلا
ولع القلب دائماً بثلاث ... فيه لم تستطع إليه وصولا
ولنا فيه في الخواطر ود ... لم نجد للسلو عنه سبيلا
وإذا الحذف حل في طرفيه ... رادف اسماً يحبوك منه خليلا
وإذا ما استقل منه ثان ... بتاليه حباه منه ثواباً جزيلا
وإذا ما قلبته دون ترت ... يب ترى سؤدداً وقدراً نبيلا
وإذا ما اعتبرته دون قلب ... لن تداني مقامه تبجيلا
وإذا ما عكست منه أخيراً ... لثلاث وجدت روحاً ظليلا
وهو صف يخص من قد تعالى ... عن زوال وأن يلاقي مثيلا
وإذا ما نقصته واحداً صار لر ... بع الظليم سوطا طويلا
مثل ما في العلا تصورت فرداً ... من غدا بابه لعاف مقيلا
كاتب السر رقية الدهر ... تاريخ المعالي من قد سما تفضيلا

ذو السجايا التي تريك المزايا ... قد تعالت عن أن تعد عديلا
دام في ظل نعمة وبقاء ... لا يرى الدهر عنهما تحويلا
فأجابته بقولها:
يا حسيبا قد حاز مجداً أثيلا ... وفخاراً بالمصطفى لن يحولا
وإماماً فيما حوى لا يجارى ... في علوم حوت له التفضيلا
جئتنا بالعجاب نظماً تحلا ... من لآلي البديع عقداً جميلا
سافراً عن وجوه معجز لغز ... كل فكر أضحى لديه كليلا
قد سمعنا وما سمعنا لمعنى ... لغزك الفائق البديع مثيلا
وعلى كل حالة فهو ... محود صفات مكمل تكميلا
رائقاً واسم كاتب السر فيه ... زاده رونقاً فأضحى جميلا
سيداً كاملاً وجيهاً نبيهاً ... عالماً عاملاً عطوفاً وصولاً
زاده الله رفعة وحباه ... من جميل الهناء حظا جزيلاً
وحمى ذاته وأبقى بقاه ... في سرور ونعمة لن تزولا
ما سرت نسمة وفاح أريج ... وزها الروض بكرةً وأصيلاً
ومدحها السيد المشار إليه بقصيدة:
ليهنك مجد طارف وتليد ... يخصك آباء به وجدود
وقدر له أعلا السماكين منزل ... وفوق متون الفرقدين قعود
وأصل زكا والفرع يتبع أصله ... وليس له عما انتحاه محيد
فيا روضة العلم التي بان فضلها ... وليس من الفيض السري مديد
فمنثور ما تبديه قد ضاع نشره ... ومنظومه فوق النحور عقود
وورق المعاني فوق دوح بيانها ... له ببديع السجع فيه نشيد
إذا ما تغنى مطرباً عندليبها ... تميل قلوب لذةً وتميد
فأجابته بقصيدة منها:
تساميت مرمىً فاللحاق بعيد ... وحسبك ما أبدعت فهو شهيد
حصلت على الغايات مجداً وسؤدداً ... وفضلاً مبيناً ليس فيه جحود
وأصحبت في روض العلوم مفكها ... تجول وتجني ما تشا وتفيد
وكم بوجيز اللفظ أصدرت منهلاً ... يطيب به للطالبين ورود
موارد آداب صفا سلسبيلها ... وحام عليها مهتد ورشيد
ومن كلامها على لسان القوم رضي الله تعالى عنهم:
حبيبي أنت من قلبي قريب ... وعن سري جمالك لا يغيب
خلعت الحسن في خلع التجلي ... فشاهدت الجمال ولا رقيب
وأبدت الوصال فلا صدود ... ولا وهم ولا شيء يريب
وطفت علي في حان التصابي ... بكأس عيش شاربه يطيب
براح نلت أقصى الري منه ... وفي زي تراءت لي الغيوب
وزالت باستوا شمسي ظلالي ... تجل ليس يعقبه غروب
وصرت إلى مقام ليس فيه ... سواك حبيب قلبي له نصيب
تنادمني، وتسقيني مدامي ... ويحضرني لديك فلا أغيب
وتذكرني، وتشهدني جمالاً ... تقدس أن يكون له ضريب
فلا خوف وأنت أمان قلبي ... ولا سقم وأنت لي الطبيب
ولا حزن وأنت سرور سري ... ولا سؤل وأنت لي الحبيب
وقالت رحمها الله تعالى:
يا من أفنى في معناه ... بمن معنى في هواه
جد لي جد لي ومتعني ... وجلدني بالعيان في اتصالي
يا محبوبي يا مطلوبي ... يا مقصودي ياموجودي
كن لي كن واجبر كسري ... واغن فقري بالتداني والوصال
حبك تيم فيك المغرم ... ولي هيم لا بل أعدم
عقلي عقلي وأحيرني ... وأسهرني وأضناني بالدلال
مجلى المظهر فيما أظهر ... أفنى مني لما نور
ظلي ظلي وأجردني ... وأفردني وأفناني بالجلال
غبت عني رحت مني ... زالت حجبي وافى قربي

وصلي وصلي قد أدهشني ... وأنعشني وأحياني بالجمال
في مجلاه لما حيا ... من وافاه بالحميا
خلي خلي قم وتردى ... وتملى بالإحسان من نوالي
هذي الخمرة فيض المنان ... عند العرفان لها ندمان
أهلي أهلي وسادتي ... وأحبابي وإخواني في أحوالي
وقال الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي: أنشدتنا عائشة بنت القاضي يوسف الباعوني:
نزه الطرف في دمشق ففيها ... كلما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمل ... كيف تجري من تحتها الأنهار
كم سما في ربوعها كل قصر ... أشرقت من وجوهها الأقمار
وتناغيك بينها صادحات ... خرست عند نطقها الأوتار
كلها روضة وماء زلال ... وقصور مشيدة وديار
ذكر ابن الحنبلي أن صاحبة الترجمة دخلت حلب في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة والسلطان الغوري بها لمصلحة لها كانت عنده، فاجتمع بها من وراء حجاب البحر السيوفي، وتلميذه الشمس السفيري وغيرها، ثم عادت إلى دمشق، وتوفيت بها في السنة المذكورة رحمهما الله تعالى.
حرف الغين المعجمةمن الطبقة الأولى: 585 - غياث الدين الشهير بباشا جلبي: غياث الدين، المولى العالم الفاضل ابن أخي الشيخ العارف بالله تعالى آق شمس الدين الرومي الحنفي، الشهير بباشا جلبي. قرأ على المولى الخيالي، والمولى خواجه زاده وغيرهما، وصحب الصوفية، ثم أعطي مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية، ثم ترقى في التدريس حتى أعطي إحدى الثماني، ثم تركها واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - ثم أعطي سلطانية أماسية مع منصب الفتوى، ثم تركها وأعطي تقاعداً بسبعين عثمانياً في كل يوم، ثم طلب مدرسة القدس الشريف، فمات قبل السفر إليها سنة سبع أو ثمان وعشرين وتسعمائة، وله رسائل كثيرة لكنه لم يدون كتاباً رحمه الله تعالى.
حرف الفاءمن الطبقة الأولى: 586 - فاطمة بنت التادفي الحنبلي: فاطمة بنت يوسف القاضي جمال الدين التادفي الحنبلي، الحليي. قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من الصالحات الخيرات، وكان لها سماع من الشيخ المحدث برهان الدين، وكانت قد حجت مرتين، ثم عادت إلى حلب، وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا بل عن الدنيا بالكلية، ولبست العباءة وزارت بيت المقدس، ثم حجت ثالثة، وتوفيت بمكة المشرفة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمها الله تعالى.
587 - فرح بنت الدوادار: فرح بنت يشبك المصونة بنت الأمير الخير الفقيه يشبك الدوادار الكبير بمصر، كانت أمها خوند بدرية بنت الملك المؤيد شيخ، وكانت هي من العابدات التاليات للقرآن العظيم بارة بالأرامل واليتامي والمنقطعين. ماتت بالقاهرة يوم الأربعاء عشري صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة بعد أن أوصت بشيء كثير من أثاثها، وأعتقت رقيقها رحمها الله تعالى.
حرف القافمن الطبقة الأولى: 588 - قاسم بن أحمد الرومي: قاسم بن أحمد بن محمد، الفاضل الكامل المولى قوام الدين الجمالي الرومي الحنفي، اشتغل بالعلم، واتصل بخدمة المولى علي بن محمد القوشجي، ودرس بإحدى الثماني، ثم أعطي قضاء القسطنطينية، ومات قاضياً بها في دولة السلطان أبي يزيد وكان شديد الاشتغال يحفظ كثيراًمن الكتب، وله شأن إلا أنه لم يصنف شيئاً رحمه الله تعالى.
589 - قاسم بن عمر المغربي: قاسم بن عمر الشيخ الفاضل المتعبد الصالح المبارك المعتقد شرف الدين الزواوي المغربي القيرواني المالكي. كان أولاً مقيماً في صحبة رفيقه الشيخ الصالح العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدين ابن عطا الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام الشافعي خادماً لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدين السيوطي، وارتبط به، وقلده في ملازمة لبس الطيلسان صيفاً وشتاءً، وكان يتردد إلى الشيخ تقي الدين الأوجاقي وغيره من أهل العلم، وأخذ عنه شيخ الإسلام الوالد ديوان سيدي علي وفا بحق أخذه له عن السيدة حسناء بنت الناظم عن الناظم - رضي الله تعالى عنهم - وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

590 - قاسم البغدادي: قاسم، العالم الفاضل المولى البغدادي الكرماني، ثم القسطنطيني ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي أحد موالي الروم، اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى عبد الكريم، ثم صار مدرساً ببلدة أماسية، ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنهم - ثم بمدرسة قلندرخانة بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، وكان ذكياً، سليم الصدر، وافر العقل، وكان يدرس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من الفوائد من نحو، وصرف، ومعان: وبيان ومنطق، وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها، وكان يتعيب على الطلبة فيما يفوتهم من الإشكالات إذا لم يتنبهوا له، وله حواش على شرح المواقف وأجوبة عن السبع الشداد التي علقها المولى لطفي، وله أشعار لطيفة تركية وفارسية، وكانت وفاته في سنة إحدى وتسعمائة رحمه الله تعالى.
591 - قاسم الأحمدي: قاسم، الشيخ الصالح المعتقد الأحمدي الدمشقي. كان لا يزال مستور الوجه متطيلساً بمئزر أحمر، وكان للأتراك فيه اعتقاد عظيم، وكانت وفاته يوم، الخميس ثامن عشري ربيع الآخر سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
592 - قاسم بن العيني: قاسم الشيخ شرف الدين بن العيني أحد العدول بدمشق، توفي يوم الجمعة خامس عشر المحرم سنة ثماني عشرة وتسعمائة، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.

593 - قانصوه الغوري : قانصوه بن عبد الله الجركسي السلطان الملك الأشرف، المشهور بالغوري، وسماه ابن طولون جندب، وجعل قانصوه لقباً له قال: والغوري نسبة إلى طبقة الغور قال ابن الحنبلي: إحدى الطبقات التي كانت بمصر مدة تعليم المؤدبين. قال ابن طولون: كان يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة ترقى في المناصب حتى صار نائب طرسوس، فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن عثمان، فهرب منها، وعاد إلى حلب، فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما والاها، فهرب منها أيضاً إلى حلب، ثم نصر عسكر مصر ثانياً، فعاد إليها مرة ثالثة، ثم أعطي نيابة مطلبه، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر، ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر ابن قايتاي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النوب، ثم توجه صاحب الترجمة صحبة العسكر المصري إلى الشام بسبب عصيان قصروه نائبها، فخامر أمير العسكر طومان باي، واتفق مع قصروه على أن يكون سلطاناً، وأمسكوا جماعة من الأمراء، وجعل من الأمراء، وجعل صاحب الترجمة دواداراً كبيراً، ثم توجهوا إلى الديار المصرية، وحاصروا الأشرف جان بلاط، ثم أمسكوه، وتولى السلطنة طومان باي واستمر صاحب الترجمة دواداراً إلى أن وقع بينه وبين طومان باي، فاتفق مع العسكر على أن يركبوا عليه، واختفى هو في حيلة، فهرب السلطان طومان باي ليلة الجمعة مستهل شوال سنة ست وتسعمائة، فتولى السلطنة بعده صاحب الترجمة في يوم عيد الفطر، ولما تسلطن أخذ يتتبع رؤوس الأمراء، وذوي الشوكة، فيقتلهم شيئاً شيئاً، ثم فشا ظلمه ومصادرته للناس في أموالهم حتى صار شيخ الإسلام زكريا يعرض بظلمه في الخطبة، وهو تحت منبره يسمع، ولم يتعظ حتى حصل منه أذية بالغة للبرهان بن أبي شريف عالم مصر يومئذ، ومفيدها بسبب الرجل الذي رمي بالزنا، فأقر بالتهديد والضرب، ثم أنكر، فأفتى ابن أبي شريف بعصمة دمه، وعدم رجمه، فغضب عليه الغوري بسبب ذلك، وعزله من مدرسته التي جددها بالقاهرة وصلب الرجل على باب شيخ الإسلام ابن أبي شريف حتى جزع الناس له، واستعظموا هذا الأمر الشنيع مع مثله، واستمر في منزله لا يخرج منه، والناس يقصدونه في أنواع العلوم إلى أن أزعج الله تعالى الغوري، فأمر العسكر بالتجهيز لحلب، وأشاع أنه يريد الإصلاح بين ملك الروم، وملك شاه إسماعيل الصوفي الخارجي، ثم سافر من تخت ملكه في عاشر ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وصحبته الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد العباسي، وقضاة الشرع الأربعة وغيرهم من العلماء، ومشايخ، وستة عشر أميراً مقدماً، فلما دخل غزة شكا إليه أهل القدس ظلم نائبه وغيره، فأهانهم بالطرد والضرب، ثم دخل دمشق في موكب عظيم، ونائب الشام حامل القبة والطير على رأسه على عادة الملوك المتقدمين، ونزل بالمصطبة بوطأة برزة، وشكا إليه أهل حمص وغيرهم ظلم نوابهم، فلم يشكهم، وأقام سبعة أيام، ولم يحضر جمعة ولا جماعة، وتوجه إلى حلب ومعه نواب الشام، وحمص، وحماة، وطرابلس وغيرهم من الأمراء، ولم يقر بحمص ولا زار بها سيدي خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - مع أن الطاغية تيمورلنك دخلها لزيارته، وجعل أهلها في غفارته، وعند وصوله إلى حلب جاءه قاصدان من ملك الروم أحدهما قاضي العساكر الروم إيلية ركن الدين بن زيرك، والثاني الأمير قراجا باشا، وأخبراه بوصول ملكهم إلى القيسارية متوجهاً لقتال الصوفي، فخلع عليهما وأكرمهما، وذكر لهما ما يريد من الإصلاح بين السلطان سليم وشاه إسماعيل، وأرسل بذلك إلى السلطان سليم قاصداً يقال له: الأمير مغلباي الدوادار، فلما وصل إليه قبض عليه حتى وصل إليه قاصداه، فحلق لحيته، وأخذ جميع ما كان معه من متاع، وقال له: قل لأستاذك هذا خارجي وأنت مثله، وأنا أقاتلك قبله، والميعاد بيننا وبينك في مرج دابق، ثم سافر خلفه، وصار يأخذ كل بلد يدخله من أعمال ملك الغوري، فلما بلغ الغوري ذلك من قاصده ومن غيره خرج من حلب في نحو ثلاثين ألفاً، وترك ولده في قلعتها، وكان خروجه منها يوم الثلاثاء عشري رجب بعد إقامته بها شهرين، وقد كان الغوري في أول الأمر مصمماً على مباينة شاه إسماعيل حتى وقع في قلبه رعبه بسبب أن شاه إسماعيل كان قد قتل صاحب هراة، وولده قبرخان، فبعث

برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن إلى الغوري، وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن إلى الغوري، وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:
نحن أناس قدغدا شأننا ... حب علي أبي طالب
يعيبنا الناس على حبه ... فلعنة الله على العائب
وكتب إلى الثاني رسالة مطلعها:
السيف والخنجر ريحاننا ... أف على النرجس والآس
وشربنا من دم أعدائنا ... وكأسنا جمجمة الرأس
فرد عليه الأول بهذين البيتين:
ما عيبكم هذا، ولكنه ... بغض الذي لقب بالصاحب
وكذبكم عنه وعن بنته ... فلعنة الله على الكاذب
ورد عليه الثاني بمقاطيع منها قول شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف:
السيف والخنجر قد قصرا ... عن عزمنا في شدة الباس
لو لم ينازع حلمنا بأسنا ... أفنيت سلطاً سائر الناس
فكانت هذه القصة محركة للسلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - إلى السفر إلى قتال شاه إسماعيل، وشجعته السنة عليه، وأنهضه حب الشيخين إليه، وأما الغوري فوقع رعبها في قلبه حتى قرب رجلاً أعجمياً بسبب ذلك، وكان الأعجمي ينسج المودة في الباطن بينه وبين شاه إسماعيل حتى أخرجه من مصر قاصداً للإصلاح بينه وبين السلطان سليم، فلما كان مبطناً مودته لأهل البدعة رد الله تعالى كيده في نحره، وسلط عليه ملك الروم، فتوجه إليه السلطان سليم خلفه قاصده، وخرج الغوري إليه من حلب في التاريخ المذكور، فوصل إلى مرج دابق ليلة الخميس ثاني عشري رجب سنة أثنتين وعشرين وتسعمائة، ونزل عند القبر المنسوب لنبي الله عواد عليه الصلاة والسلام، ومكث عنده ثلاثة أيام، ثم في ظهر يوم السبت رابع عشري رجب صاح عسكره في الوطاق، وصل عسكر الروم، فركبوا جميعهم إلى آخر الوطاق، فلم يجدوا أحداً، ثم عادوا إلى مخيمهم، فأمرهم الغوري بالرحيل صلتاً، ويأخذون طعامين، وعليقة، فخرجوا من وطاقهم، وباتوا خارجين عنه إلى صباح يوم الأحد، ثم عادوا إلى وطاقهم، فمكثوا فيه إلى قريب الظهر، ثم جاءتهم العساكر الرومية، فركبوا على خيولهم، فوقع الحرب بينهم، فدفع عليهم العسكر الرومي بالعرادات ، ورموا بها عليهم، فأظلم الأفق، وصار له دوي، وجفلت الخيل فقاتلوهم ساعة، ثم هرب الغلمان وبعض العسكر، وقتل جماعة من أمراء الجراكسة، ثم غشي على الغوري، وكان بطيناً سميناً، فطاح عن فرسه، ثم طاح عنها ثانياً، فأقعدوه وقالوا له: أثبت لنا فقال لهم: ما بقي شيء فرغت وأسكت من وقته، ثم زحف عليهم عسكر الروم، فتفرق عنه عسكره وتركوه ملقى على الأرض، فمات ولم يعلم به أحد، وصار عبرة لمن اعتبر، وصارت حاله كما قيل:
جاءته من قبل المنون إشارة ... فهوى صريعاً لليدين وللفم
ورمى بمحكم درعه وبرمحه ... وامتد ملقى كالفنيق الأعظم
لايستجيب لصارخ إن يدعه ... أبداً ولا يرجى لخطب معظم
ثم ملك السلطان سليم بلاد حلب وما والاها من بلاد الشام، ودخل إلى دمشق كما تقدم في ترجمته، وإلى مصر، ثم عاد إلى تخت ملكه، وصارت البلاد لأولاد عثمان إلى الآن - وفقهم الله تعالى - والغوري آخر ملوك الجراكسة.
594 - قايتباي سلطان مكة: قايتباي بن محمد بن بركات الشريف سلطان مكة. توفي في سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وفيها توفي سلطان الروم أبو يزيد خان بن عثمان، وسلطان اليمن عامر بن محمد رحمهم الله تعالى.

595 - قايتباي الجركسي: قايتباي أبو النصر بن عبد الله السلطان الملك الأشرف الجركسي الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر جقمق، ميلاده في سنة ست وعشرين وثمانمائة في سلطنة الملك، ثم انتقل إلى الملك الظاهر جقمق، فأعتقه ونسب إليه، ثم رفعه الله تعالى ورقاه حتى ملكه الله تعالى بلاد العرب. حكى أنه مر في حلبة المماليك على دمشق فتفرس فيه بعض أوليائها أن أمره يؤول إلى السلطنة، فكان يعرفها له، ولعل هذا هو السبب في اعتقاله لأهل العلم والصلاح. بويع له بالسلطنة في يوم الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بحضرة الخليفة المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن محمد العباسي، وقضاة القضاة الأربعة الولوي الأسيوطي الشافعي، والمحب أبو الفضل ابن الشحنة الحنفي والحسام بن محمد بن حرير الحسيني المالكي، والعز أحمد الكناني العسقلاني الحنبلي وأركان الدولة، وكان المتولى لتألف الناس عليه القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر صاحب ديوان الإنشاء بعد خلع الملك الظاهر تمريغا، والقبض عليه، ثم سلك الملك الأشرف قايتباي أحسن المسالك، وسار أحسن السير فى تدبير الممالك، وكان يتألف قلوب العلماء، ويتواضع لعامة الصلحاء، وكان له في سيدي عبد القادر الدشطوطي غاية الاعتقاد، وكان سيدي عبد القادر يتولى تربيته وإرشاده كلما مر عليه، وكان يمتثل أمره، وينقاد بلغني أنه كان يمر، وهو راكب في موكبه على سيدي عبد القادر، فيحبس فرسه عنده، ويطلب منه المدد والدستور وربما نزل إليه، فقبل يديه، فقال سيدي عبد القادر له يوماً، والذباب منعكف عليه وعلى ثيابه يا قايتباي قل لهذا الذباب يذهب عني، فحار تايتباي. فقال: يا سيدي كيف يسمع الذباب مني؟ قال: وكيف تكون سلطاناً ولا يسمع الذباب منك؟ ثم قال سيدي عبد القادر: يا ذباب إذهب عني، فلم يبق عليه ذبابة، وكان بين السلطان قايتباي، وبين الجد غاية الاتحاد ولكل منهما في الآخرة مزيد الاعتقاد، وكان الجد يقطع له بالولاية حتى قال من أبيات:
إمام الناس في العصر ... ولي الله في السر
وكناه أبا النصر ... وقايتباي قد سماه
آدم يا رب سلطانه ... وثبت فيه أركانه
ومكن فيه عرفانه ... وظفره بمن عاداه
وكتب الشيخ الجد ديواناً لطيفاً من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سماه " بالدرة المضية، في المآثر الأشرفية " ، وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية لما اجتمع الجد بالولي المذكور في حجر إسماعيل عليه الصلاة والسلام في وقت السحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصناً بالإسكندرية، ومدرسة بالقرب منه، وحصن صغر دمياط، وبنى حصوناً، وبنى مدرسة معظمة بمكة لصيق الحرم الشريف مما يلي المقام، وأعطى تدريسها لشيخ الإسلام البرهان بن ظهيرة، وعمر مسجد الخيف، وساق الماء من عرفات إلى منى، والمحصب، ولما ذكر الجد ذلك في قصيدة قال:
وسقته لمنى، ثم المحصب بل ... وعن قريب على باب السلام يرى
فاتفق للجد في هذا البيت كرامة عجيبة، وهو أنه أخبر أن ماء عرفات سينساق إلى مكة حتى يرى جارياً على باب السلام، وكان الأمر كما ذكر، فإن السلطان سليم ساق الماء إلى مكة، وهو الآن يجري بالمسعى بالقرب من باب السلام، وعمر قايتباي الحجرة الشريفة، والقبة المبتناة عليها، وعمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بالمدينة مدرسة ورباطاً، وساق ماء العين الزرقاء إليها، وهذا كما قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه.
هذا وحقك شيء ما سبقت له ... وكم مليك تمناه وما قدرا
أليس يكفيك هذا سيدي شرفاً ... على الملوك وفخراً زين السيرا

وعمر بالقدس الشريف مدرسة عظيمة، ورم الجامع الأموي، وعمر مدرسة بغزة، وجامعاً بالصالحية المصرية، وجامع الروضة، وجامع الكبير، وتربة بصحراء مصر، وعمر قبة الإمام الشافعي في مآثر آخرى، ولقد كان من محاسن الدهر، ورؤوس ملوك الأرض، ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها، وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري، وقاضيها الشهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه، وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنع بن عبية على قايتباي في ذلك، وبالغ في حقه حتى زعم أنه لم يفعل ذلك إلا لمودة بينه وبين اليهود، وتعصب منه على الدين، وهنا تحامل من ابن عبية تعزير قايتباي له، وفي نفس الأمر، فإن قايتباي لم يقصد الأمر باعادة الكنيسة نصرة لليهود، وإنما أمر بذلك أن عقد مجلساً جمع فيه العلماء، وأفتى بعضهم بأن هدم الكنيسة لم يصادف محلاً، وقد استوفى القصة صاحب الأنس الجليل فيه، وكان كثيراً ما يقع بين الملك الأشرف قايتباي، وشيخ الإسلام الجد مطارحات، فمنها ما أنشد السلطان مستجيزاً من الجد رضي الله تعالى عنه.
عشق، وتجلد، وصبر، وسكوت ... ما أصنع ما أفعل، والوقت يفوت
فأجابه شيخ الإسلام الجد بقوله بديهاً:
ألفاظكم كالدر أو كالياقوت ... يا من للروح قوتهم أشهر قوت
أقسمت بحق جبركم لا أنسى ... يوماً لجميلكم وإن كنت أموت
وقال الملك الأشرف مستجيزاً من الشيخ الجد أيضاً:
يقولون لي العذال: توب عن الهوى ... ومن لا جنى ذنباً عليش يتوب
فقال الشيخ رضي الله تعالى عنه:
يقول لي العواذل تب سريعاً ... ولا تهوى الملاح فلا أجيب
أتوب عن السلو بكل حين ... وعن حب الملاح فلا أتوب
وكانت وفاة السلطان قايتباي - رحمه الله تعالى - في ليلة الاثنين ثامن عشري ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة، ولذلك قيل: إنه المجدد من الملوك على رأس القرن العاشر. قال النعيمي: ومدة ولايته ست وعشرون سنة، وثلالة أشهر، وثلاثة عشر يوماً، وقيل: إنه توفي ليلة الجمعة خامس عشري القعدة.
حرف الكافمن الطبقة الأولى: 596 - كرتباي الجركسي: كرتباي بن عبد الله الأمير الجركسي نائب دمشق. كان حسن السيرة بالنسبة إلى غيره من الأمراء، وكان يكره المناحيس والمفسدين، وله عليهم سطوة زائدة، وحرمة وافرة أغار على عرب هتيم بأرض الزرقا، ثم رجع متوعكاً إلى دمشق، وأمر في توعكه بتفرقة ألفي دينار على الفقراء والمساكين بالجامع الأموي، ثم مات عاشر ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
597 - كسباي السلحدار: كسباي بن عبد الله السلحدار. قيل: هو السائل للشيخ جلال الدين عن النساء هل يرين الله تعالى في الآخرة؟ فأجابه: نعم، وألف بسبب سؤاله كتاباً سماه " تحفة الجلساء، في رؤية الله للنساء " ، مات مطعوناً سنة ثلاث وتسعمائة في سابع عشر رمضان بالقاهرة قال ابن طولون: وقد ضبط من توفي بها من أول رجب إلى موت هذا ثمانمائة ألف، وستة عشر نفساً رحمهم الله تعالى.
598 - كمال الرومي: كمال ابن الحاج الياس الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية، أول قاض بحلب من العثمانية بعد الدولة الجركسية، تولى قضاء حلب استقلالاً في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وكان شهماً متمولاً مقدماً على الأحكام الشرعية، مهيباً، كثير الخدم والحشم، يلبس الحسن، ويهوى الوجه الحسن. كما قال ابن الحنبلي، وهذه الأخيرة ليست من الكمال في شيء.
حرف اللاممن الطبقة الأولى:

599 - لطف الله التوقاتي : لطف الله المولى العالم الفاضل الشهير بمولانا لطفي التوقاتي الرومي الحنفي. تخرج بالمولى سنان باشا، ولما دخل المولى علي القوشجي بلاد الروم قرأ عليه العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان، ولما كان سنان وزيراً عند السلطان محمد خان بن عثمان رباه عنده، فجعله السلطان محمد أميناً على خزانة الكتب، فاطلع على الغرائب منها، ثم لما ولي السلطنة أبو يزيد خان أعطاه مدرسة السلطان مراد خان الغازي بمدينة بروسا، ثم رقاه حتى أعطاه، إحدى الثماني، ثم ولاه مراد خان ثانياً، وأقام ببروسا، وكان ذكياً، فطناً، خاشعاً، يقرأ عليه في صحيح البخاري: فيبكي حتى تسقط دموعه على الكتاب حتى ختم القراءة، وكان فاضلاً عالماً غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتى أبغضه علماء الروم، ونسبوه إلى الإلحاد والزندقة، وفتش عليه واستحكم في قتله المولى أفضل الدين، فلم يحكم، وتوقف في أمره فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه، فقتلوه قال في الشقائق: ولقد سمعنا من حضر يحكي أنه كان يكرر كلمتي الشهادة، وينزه عقيدته مما نسبوه إليه من الإلحاد حتى قيل: أنه تكلم بالشهادة بعدما سقط رأسه على الأرض. قال: وروي أن الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ محيي الدين القوجوي لما سمع بقتله. قال: أشهد أنه بريء من الإلحاد والزندقة، ومن نوادره العجيبة أنه كان مع أصحابه على جبل بروسا حين كان مدرساً بها، فجاءه رجل من أهل القرى، وبيده خطام دابة، وعلى عنقه مخلاة، فشرب من عين جارية هناك، ثم استلقى على ظهره، فقال المولى لطفي لأصحابه بعدما تأمل ساعة: إن هذا الرجل من قصبة إينه كول، وقد أخذت دابته، وهو في طلبها، ثم تأمل ساعة، وقال: اسم الرجل سوندك، ثم تأمل ساعة. فقال: إن في مخلاته نصف خبزة، وقطعة جبن، وثلاث بصلات، فتعجب أصحابه من ذلك، ثم طلبوا الرجل، فقالوا له: من أين أنت؟ قال: من إينه كول. قالوا له:. ما اسمك؟ قال: سوندك. قالوا: أي شيء في مخلاتك. قال: طعام الفقراء، فاستخرجوه، فإذا فيه نصف خبزة وقطعة جبن وثلاث بصلات كما أخبر المولى المذكور، وله من المؤلفات حواشي شرح المطالع، وحواش على شرح المفتاح لسيد الشريف، ورسالة سماها بالسبع الشداد مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع، ولو لم يؤلف إلا هذه الرسالة لكفته فضلاً، ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب، وكان قتله في سنة أربع وتسعمائة - رحمه الله تعالى - وقيل في تاريخه: ولقد مات شهيداً.
حرف الميممن الطبقة الأولى: 660 - مبارك الأوغاني: مبارك بن إسماعيل، وسماه ابن طولون أحمد بن محمد المدعو الشيخ مبارك، ثم الشيخ إسماعيل الأوغاني، ثم الدمشقي الحنفي، الشيخ الصالح، قدم دمشق وهو طفل، فحفظ القرآن بالجامع الأموي، وولي خدمة المصاحف، ثم عمل بواباً عند الأمير عبد القادر بن منجك، ثم لما قدم السلطان سليم إلى دمشق خدم قاضي عسكره ابن زيرك، فقرره في بعض الوظائف، ثم أعطي نظارة التكية بصالحية لدمشق، ومات ليلة الثلاثاء تاسع عشري صفر سنة ثلانين وتسعمائة، ودفن بحوش تربة ابن العربي رحمه الله تعالى.
661 - محمود بن محمد الحمصي: محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد، الشيخ الإمام العلامة نور الدين الحمصي، ثم الدمشقي الشافعي، الشهير بابن العصباتي. ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. أخذ عن والده، وعن الشيخ تقي الدين بن الصدر الطرابلسي، وقدم دمشق سنة تسعمائة، واستوطن بها، ووعظ بالجامع وغيره. وتوفي راجعاً من الحج في منزلة رابغ على ثلاث مراحل من مكة يوم الجمعة مستهل المحرم سنة خمس وتسعمائة رحمه الله.
662 - محمود بن محمد الرومي: محمود بن محمد، العالم الفاضل، المولى بدر الدين الرومي. كان إماماً للسلطان أيي يزيد خان، ثم ولاه قضاء بروسا عشر سنين أو أكثر، ثم أعطاه قضاء العسكر بولاية أناظولي في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ثم أعطي التقاعد عنه، وعين له كل يوم مائة عثماني، ومات بعد زمان يسير قال في الشقائق: كان كريم النفس حميد الأخلاق محباً للعلماء والصلحاء رحمه الله تعالى.

663 - محمود بن محمد بن أجا التدمري: محمود بن محمد بن محمود بن خليل بن أجا المقر الأشرف محب الدين أبو الثناء التدمري الأصل، الحلبي، ثم القاهري الحنفي، كاتب الأسرار الشريفة بالممالك الإسلامية المعروف بابن أجا. ولد كما قال السخاوي: في سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب، واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين، ثم زار بيت المقدس، ورجع إلى حلب، وتميز بالذكاء، ولطف العشرة، وولي قضاء حلب في شهر رمضان سنة تسعين، وحج سنة تسعمائة، ثم رجع إلى حلب، وطلبه سلطان مصر الغوري من حلب، وولاه كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن القاضي صلاح الدين بن الجيعان في أول ولايته سنة ست وتسعمائة، واستمر فيها إلى آخر الدولة الجركسية، وهو آخر من ولي كتابة السر، ثم حج في دولته ثانياً في سنة عشرين وتسعمائة، فقرأ عليه المسند جار الله بن فهد عشرين حديثاً عن عشرين شيخاً، وخرجها له في جزء سماه " تحقيق الرجا، لعلو المقر ابن أجا " ، ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة، فركب إليه السلطان، وزاره لمحبته له وجلالته عنده، ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين وعشرين، وأقام بها حتى قتل الغوري، فرجع القاهرة، فولاه السلطان طومان باي الأشرف كتابة السر بها، ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه، وعرض عليه وظيفته، فاستعفى منها، واعتذر بكبر سنه وضعف يديه، ثم سأل السلطان سليم في الإقامة بحلب، فأجابه وعاد معه إلى حلب، واستقر في منزله إلى أن توفي بها، وكان ذا هيبة وشكالة وشيبة نيرة، ظريفاً، كيساً يحب التواريخ، ويرغب في خلطة الأكابر، وأنشد ابن الحنبلي لوالده يمدح الذكور:
مدحي وحمدي فيك قد زادني ... فخراً وأوليت به جولدا
فدم مدى الدهر لنا سالماً ... لازلت ممدوحاً ومحمودا
ومن مدائح البارعة عائشة بنت الباعوني - رحمها الله تعالى - في المذكور حين قدمت عليه القاهرة قصيدتها الرائية التي أولها:
حنيني لسفح الصالحية والجسر ... أهاج الهوى بين الجوانح والصدر
ومنها:
ألا ليت شعري والأماني كثيرة ... أأبلغ ما أرجوه قبل انضا عمري
وهل أردن صافي يزيد واجتلي ... محاسن ذاك السفح والمرج والقصر
بلى إن ربي قادر وعطاؤه ... بغير حساب والهبات بلا حصر
ولي أمل فيه جميل وجودهكفيل بما أرجوه من منن الجبر
وحسبي بشيراً بالأماني وبالمنى ... معاملتي باللطف في العسر واليسر
ولا بد من جود يوافي رفاؤه ... بتبليغ آمالي، وفكي من الأسر
ويبدو صباح الوصل أبيض ساطعاً ... سطوع ضياء البشر من كاتب السر
سليل أجا كهف اللجا، وافر الحجى ... منيل الرجا ركن السيادة والفخر
إمام حوى من كل علم لبابه ... فحج لعالي بابه كل ذي قدر
وأصبح في بحر الحقائق غائصاً ... ومستخرجاً ما شاء من ذلك البحر
تلوذ به الأعيان فيما يهمهم ... فيلفون عطف البر أو فائض البر
كريم تجاري السحب راحته ولا ... يريد بما يجزي سوى الفوز بالأجر
يمن ولا من يشوب عطاءه ... ويمنح من لفظ سبى العقل بالسحر
عرائس فكر أرخص الدر لفظها ... وأنشت معانيها لنا دهشة الفكر
معجزة إن أنشدت صدر مجلس ... ترى كل من فيها نشاوى بلا خمر
مفيد بحل المشكلات بموجز ... حلا وعلا عن وهدة العي والحصر
ملي بتدبير الممالك مرتضى الم ... لوك ملاذ الناس في سائر المصر
هو الشمس في العليا هو النجم في الهدىهو الغوث في الجدوى هو الصبح في البشر وكانت وفاته بحلب في العشر الأول من شهر رمضان سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

604 - محمود بن محمد الأنصاري: محمود بن محمد بن عبد الواحد أقضى القضاة نور الدين الأنصاري، السعدي، العبادي، الأنصاري جلس بمركز العدل بسوق التجار بحلب، وناب في القضاء عن المحب بن أجا، وهو قاضيها، وكان فقيهاً، سليم الصدر، ديناً، خيراً لكن كان عنده سذاجة، وكان يركب ما يظنه شعراً، ولا يراعي وزناً ولا قافيةً، وتوفي اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
605 - محمود بن ألرو بكر المعري : محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة نور الدين المعري الأصل الحموي، ثم الحلبي الشافعي سبط الشيخ أبي ذر ابن الحافظ الدين الحلبي، ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة، فلما مر السلطان سليم على حماة ولاه قضاءها أيضاً، ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك القضاء في الدولة تورعاً عما أحدثوه من المحصول والرسم، فتركه وترك غيره عن المناصب الحموية، فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصباً ما بين تدريس وتولية، ثم إنه قطن حلب هو، وأخوه المقر أحمد، وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلة سويقة حاتم، فلم يلبثوا إلا قليلاً ماتوا، وكانت وفاة القاضي نور الدين في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
606 - محمود بن عبد البزبن الشحنة: محمودبن عبد البر بن محمد ابن قاضي القضاة حسام الدين ابن قاضي القضاة سري الدين بن الشحنة الحنفي. ولد بالقاهرة ولي قضاء حلب، ثم كان آخر القضاء الحنفية بالقاهرة المعزية في الدولة الجركسية، ولما دخل السلطان سليم القاهرة، وهرب السلطان طومان باي إلى الصعيد بعدما وقع الحرب بينه وبين السلطان، وطلب طومان باي منه الأمان، فأجابه وبعث إليه بالأمان مع قاضي القضاة المذكور، وبعض رفقائه في القضاء، فبغى طومان باي عليهم وقتلهم إلا من سلم، وكان صاحب الترجمة ممن قتله، وذلك في أوائل سنة ست وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
607 - محمود بن كمال الطبيب: محمود بن كمال الطبيب بن الطبيب المولى الملقب باخرجان المشتهر جاخي جلبي. كان أبوه كمال الدين من تبريز، ثم دخل الروم، وفتح حانوتاً في سوق الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، واشتهرت حذاقته بالطب حتى رجعوا إليه في ذلك، فأثرى وحصل له مال عظيم، وطلبه السلطان محمد خان ليكون طبيباً في دار سلطنته، فأبى واشترى لنفسه داراً بالقسطنطينية، وسكن بها إلى أن مات، وبعد وفاته خدم ولده المذكور الحكيمين قطب الدين، وابن المذهب، فمهر في الطب، وأظهر في العلاج تصرفات كثيرة حتى نصبوه رئيساً في بيمارستان السلطان محمد خان، وتقدم عند السلطان أبي يزيد خان حتى صار من أطباء دار سلطنته، ثم جعله أمينا لمطبخ السلطنة، ومال إليه كثيراً، وأهله لمصاحبته، ثم حسده الوزراء واخترعوا أمراً يوجب عزله فعزله، ثم تبين له عدم صحة ذلك فأعاده إلى مكانه، وجعله رئيس الأطباء في دار سلطنته، ثم لما تولى السلطان سليم خان عزله مدة ثم أعاده وقربه وتصاحب معه ومال إليه كل الميل، فحصل له جاه عظيم، ثم لما تولى السلطان سليمان عزله أيضاً، ثم أعاده، ثم سافر إلى الحج الشريف في سنة ثلاثين وتسعمائة، فلما رجع من الحج توفي بمصر، ودفن عند الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - عن ست وتسعين سنة، ولم ينقص من قواه شيء إلى أن مات رحمه الله تعالى رحمه واسعة.
608 - محب الدين المقدسي: محب الدين المقدسي إمام المسجد الأقصى. الشيخ العلامة. توفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

609 - مصطفى القسطلاتي: مصطفى العالم العامل، الفاضل، المولى مصلح الدين القسطلاني الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية. قرأ على علماء الروم، وخدم المولى خضر بيك، ودرس في بعض المدارس، ثم لما بنى السلطان محمد خان بن عثمان المدارس الثماني بالقسطنطينية أعطاه واحدة منها، وكان لا يفتر من الاشتغال والدرس، وكان يدعى أنه لو أعطى المدارس الثماني كلها لقدر ان يدرس في كل واحدة منها كل يوم ثلاثة دروس، ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات، ثم قضاء أدرنة كذلك، ثم القسطنطينية كذلك، ثم ولاه السلطان محمد خان قضاء العسكر، وكان لا يداري الناس، ويتكلم بالحق على كل حال، فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القراماني، فقال للسلطان: إن الوزراء أربعة، فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم إيلي، والآخر في ولاية أناظولي كان أسهل في إتمام مصالح المسلمين ويكون زينة لديوانك فمال السلطان إلى ذلك، وعين المولى المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناظولي، فأبى السلطان ذلك، فلما مات السلطان محمد، وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني، وعين له كل يوم مائة درهم، ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك، وكان القسطلاني، يداوم أكل الحشيش والكيف، وكان مع ذلك ذكياً في أكثر العلوم، حسن المحاضرة، وأخبر عن نفسه في قصة طويلة ذكرها صاحب الشقائق أنه طالع لابن سينا سبع مرات، والسابعة مثل مطالعة التلميذ أول درسه عند مدرس جديد، وكان المولى خواجه صاحب كتاب " التهافت " إذا ذكر القسطلاني يصرح بلفظ المولى، ولا يصرح بذلك لأحد سواه من أقرانه، وكان يقول: إنه قادر على حل المشكلات، وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة يسيرة إلا أنه إذا أخطأ بحكم البشرية لا يرجع عن ذلك، ولا يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء لكنه كتب حواشي على شرح العقائد، ورسالة ذكر فيها سبعة أشكال، وشرحها، وحواشي على المقدمات الأربع التي ابتدعها صدر الشريعة رد فيها على حواشي الموالى علي العربي، وتوفي سنة إحدى وتسعمائة، ودفن في جوار أبي أيوب الأنصاري رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
610 - مصطفى بن البركي: مصطفى العالم الفاضل المولى مصلح الدين الرومي الحنفي الشهير بابن البركي، كان أبوه قاضياً، وطلب العلم، وخدم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده، ثم صار معيد المدرسة، ثم درس في بعض المدارس، ثم جعله السلطان أبو يزيد خان معلماً لولده السلطان أحمد، وهو أمير بأماسية، ثم أعطاه إحدى الثماني، ثم قضاء وكان في قضائه حسن السيرة، مرضي الطريقة، واستمر قاضياً بها مدة طويلة إلى أن عزله السلطان سليم خان في أوائل سلطنته، وعين له كل يوم مائة وثلاثين عثمانياً، وكان مفنناً، فصيح اللسان، طلق الجنان، توفي سنة تسع عشرة أو سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
611 - معين الدين الإيجي: معين الدين بن صفي الدين، الشيخ، الإمام، العلامة، المحقق المدقق، الفهامة، العارف بالله تعالى، السيد الشريف الإيجي، الشيرازي، الشافعي صاحب التفسير، وهو جد السيد قطب الدين عيسى الصفوي لأمه. كان من العلماء الراسخين والمرتاضين. قدم مكة فأري سيدتنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فلما استيقظ فسر منام نفسه بأنه سينقطع إلى الله تعالى فوق ما كان عليه، فاتفق أن سرق جميع ما كان عنده من مال ومتاع إلا الكتب، فبقي بمكة على خدمة العلم والعباعة إلى آخر أجله. قال ابن الحبنلي: وهو القائل:
خليلي حل الشيب رأسي ولم يدع ... فؤادي طلا باب الشباب، وما انتحى
فقولا له: يا قلب عن فشرك ارتدع ... فليس سواء آية الليل والضحى
وذكر ابن الحنبلي في ترجمة الشيخ محمد الأدهمي المعروف بابن السني أن السيد معين الدين المذكور كان إذا كتب اسمه، وصف نفسه بالسني لتصلبه في التسنن حتى كان يأتي الحجرة النبوية، ويقف بحذاء قبر أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - ويقول: إني وإن كنت منتسباً إلى علي - رضي الله تعالى عنه - ولكني أعتقد أنك أفضل منه الآن أتوسل بك في الآخرة، وقال سبطه السيد قطب الدين: وكان يقول أنا لا أقلد أحداً في تفضيل الشيخين ومن أراد الدليل عليه، فليجيء إلي، وليسمع مني، وكانت وفاته رحمه الله تعالى بمكة المشرفة سنة ست وتسعمائة.

612 - منجد المجذوب: منجد المجذوب الدمشقي، قال الشيخ موسى الكناوي: كان رجلاً أسمر اللون، طويل القامة، مكشوف الرأس حافياً دائماً. يراه الناس يأكل الطين، ولا يتناول من أحد شيئاً، وكان دائماً في الصيف والشتاء عليه قميص واحد، ويغسله كل يوم ويلبسه من غير نشوفة، ومات في سنة أربع عشرة وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
613 - موسى بن أحمد الأريحاوي : موسى بن أحمد، الشيخ العلامة، الفقيه شرف الدين النحلاوي الأصل. الحلبي الدار، الأردبيلي الخرقة، الشافعي المذهب، الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه بأريحا. أخذ في تعلم القرآن العظيم، وكتب له المعلم حروف الهجاء، فوافق ذلك قدوم الشيخ باكير، والشيخ داود الصوفيين الإردبيليين إلى أرض الشام، وكان قدوم الأول لتربية الشيخ الكواكبي، والثاني لتربية الشيخ موسى المذكور، وكان الشيخ داود يقف وهو ببعض القرى متوجهاً إلى قرية الشيخ موسى، فيقول: إني لأجد ريح يوسف فلما اجتمع الشيخ داود بالشيخ موسى وجده أخذ في تعليم القرآن، فنهاه عن ذلك وأدخله الخلوة، ثم استفسره عما رآه فيها، فأخبره أنه رأى نفسه لابس درع من الورق لا كتابة عليها فأمره بالمقام في الخلوة إلى أن كان اليوم السابع والثلاثون من خلوته، فسأله عما رأى فأخبره أنه رأى نفسه لابس درع مكتوبة، وأنه قرأ جميع ما فيها، فأمره حينئذ بقراءة القرآن العظيم فقرأه بأذن الله تعالى، ثم أمره أن يطالع كتاب " قمع النفوس " للشيخ تقي الدين الحصني، ولم يزل يزوره بنية التربية إلى أن أعتقده أهل قريته، وكثير من أهل القرى، وصار له سماط وبساط ثم أقام بحلب يدرس الفقه، وكان راسخ القدم فيه، وممن انتفع به قاضي القضاة الكمال التادفي ذكر ابن الحنبلي أن الشيخ محمد الخراساني النجمي عزم يوماً على زيارة الشيخ موسى المذكور، فبينما هو في الطريق إذ سأله سائل عن محل توجهه، فأخبره أنه بصدد زيارة الشيخ موسى لقرب انتقاله إلى عالم البرزخ، فلما راه حصل بينهما بسط زائد بعد أن كان الشيخ موسى منكراً على الشيخ محمد قبل اجتماعه به، ثم مرض الشيخ موسى عقب ذلك، وتوفي أواخر الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة، فحضر الشيخ محمد دفنه، ووقف عند قبره،، ودعا له، ودفن بتربة الخشابين داخل باب قنسرين بحلب رحمه الله تعالى.
614 - موسى أبن الحسن اللألآني: موسى بن الحسن، الشيخ العالم، العامل المعروف بالمنلا موسى الأول الكردي اللألآني - بالنون - الشافعي نزيل حلب. اشتغل ببلاده على جماعة منهم المنلا محمد الخبيصي، وأخذ عن الشمس البازلي نزيل حماة، وعن منلا إسماعيل الشرواني أحد مريدي خوجه عبيد النقشبندي. اخذ عنه بمكة تفسير البيضاوي، وأخذ عن الشهاب أحمد بن كلز بأنطاكية شرح التجريد مع حاشيته، ومتن الجغميني في الهيئة، ثم قدم حلب، وأكب على المطالعة، ونسخ الكتب العلمية لنفسه، ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الخافي بها مع كثرة الصيام، والقيام، والزهد، والسخاء، والصبر على الطلبة، وممن أخذ عنه علم البلاغة أ ابن الحنبلي، وتوفي مطعوناً بحلب في شعبان سنة ثلاثين وتسعمائة، وفي الليلة التي أسفر صباحها عن يوم دفنه رأى شخص في المنام من يكنس داخل باب قنسرين، فسأله لم ذلك؟ فقال: لأجل جنازة الشيخ موسى، ودفن بتربة أولاد ملوك.
615 - موسى بن عبد الله جماعة : موسى بن عبد الله بن محمد، الشيخ، الإمام، العلامة شرف الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين ابن شيخ الإسلام نجم الدين، الشهير بابن جماعة المقدسي الشافعي، خطيب المسجد الأقصى الشريف. ولد في حادي عشري رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأجازه الشيخ زين الدين ابن الشيخ خليل وغيره، وقال في الأنس الجليل: اشتغل في العلم في والده، وخطب المسجد الأقصى، وله نحو خمس عشر سنة، واستقر في الخطابة مشاركاً لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر الدين محمد. قال: وأعاد الخطيب شرف الدين بالمدرسة الصلاحية، وفضل، وتميز، وصار من أعيان بيت المقدس، وهو رجل خير من أهل العلم والدين لا يختلط بأحد، ولا يتكلم بين الناس بأمور الدنيا، وعنده فصاحة في الخطبة، وعلى صوته الأنس والخشوع والناس سالمون من يده ولسانه انتهى.

قلت: ودخل دمشق مع والده حين أسمع والده بها غالب مسموعاته، وكان والده من الأكابر يرحل للأخذ عنه، وكان صاحب الترجمة رجلاً مهيباً، وكانت وفاته في بيت المقدس سنة ست عشرة وتسعمائة، وفي ختام شعبان منها صلي عليه بجامع دمشق الأموي غائبة رحمه الله تعالى.
616 - موسى بن عبد الحق العنبري المؤذن: موسى بن عبد الحق، الشيخ شرف الدين المؤذن بالجامع الأموي، الشهير بالعنبري نقيب الفقهاء بدمشق. ولد في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وتوفي سنة خمس وتسعمائة رحمه الله تعالى.
617 - موسى بن عبد الغفار المالكي: موسى بن عبد الغفار، الشيخ الإمام، العالم العلامة شرف الدين المالكي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، وكاتب مستندات السلطان الغوري. مات يوم الجمعة خامس عشري رجب سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
618 - موسى بن علي الحوارني: موسى بن علي، الشيخ العالم الصالح شرف الدين الشهير بالحوارني الشافعي. كان يحفظ القرآن العظيم، والمنهاج، وكان يدرس فيه وفي القرارات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وكان رئيس سبع تاج الدين بمحراب الحنفية من الجامع الأموي. تفقه على شيخ الإسلام نجم الدين ابن قاضي عجلون، وكان يحفظ التصحيح الأكبر له، وسمع على البرهان الباعوني وغيره، ولي نظر الشبلية والإمامة بها، وكان يقريء بها سيرة ابن هشام كل يوم بعد العصر، ودرس بمدرسة أبي عمر سنين، وانتفع الناس به. قال ابن طولون: وحضرت عنده مراراً. توفي بمنزله بمحلة الشبلية، ودفن بالصالحية ليلة الخميس حادي عشرة الجمادين سنة إحدى وتسعمائة رحمه الله تعالى.
619 - موسى بن العجمية: موسى، الشيخ شرف الدين بن العجمية، الدمشقي الشافعي أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي، وكان رجلاً صالحاً، محباً للصوفية، وامتحن في آخر عمره بذهاب ماله قيل: وكان نحو ألف دينار من خلوته بمدرسة الصادرية. توفي يوم السبت سادس ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حرف النونمن الطبقة الأولى: 620 - نبهان بن عبد الهادي الصفوري: نبهان بن عبد الهادي، الشيخ، العالم الفاضل الصالح، العارف بالله تعالى الصفورفي الشافعي. ذكره شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في معجم تلامذته. قال: وكان من عباد الله الصالحين، سريع الدمعة، خاشع القلب، ساكن الحواس. قرأ على الوالد ألفيته في التصوف كاملة، وحضر دروسي كثيراً، واستجازني فأجزته. مات - رحمه الله تعالى - في سنة ست وعشرين وتسعمائة. انتهى.
قلت: ذكر الحمصي في تاريخه أنه مات بصفورية، وصلي عليه بالجامع الأموي يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وترجمه الشيخ الإمام العالم الزاهد العابد، وفي تاريخ ابن طولون أنه صلي عليه يوم الجمعة حادي عشري ربيع الآخر، وأنه مات بصفورية بعد توجهه من الشام من نحو شهرين وإن الذي صلي عليه في مستهل ربيع الآخر هو شيخ الإسلام بدر الدين السيوفي مفتي حلب مات بها رحمها الله تعالى.
621 - نسيم الدين الحنفي قاضي مكة: نسيم الدين قاضي مكة الحنفي. قال العلائي: كان فاضلاً، ذكياً، مستحضراً لكثير من المسائل، حافظاً لمتن المجمع، ديناً، فصيحاً، لطيفاً، عفيفاً لا يتناول على القضاء شيئاً البتة، وأخذ الفقه عن الشمس بن الضياء، وعن جماعة من المصريين وغيرهم، وتوفي بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
622 - نصر المجنوب: نصر الشيخ الصالح المجذوب. الصاحي الذي كان يركب الفيل بمصر أيام الغوري. كان ملامتياً عرياناً دائماً ليس عليه إلا سراويل من جلد، وطرطور من جلد، محلوق اللحية يشتم السلطان، فمن دونه، ويحتمل الناس، وكان يعطب على من ينكر ذلك ذكره الشعراوي وقال: صحبته سنة، ثم مات سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
623 - نصوح الطوسي: نصوح، الشيخ العارف بالله تعالى الطوسي. كان عالماً، صالحاً يحفظ القرآن العظيم، ويكتب الخط الحسن، ثم نسب إلى الطريقة الزينية، وخدم الشيخ تاج الدين القراماني، وبلغ عنده رتبة الإرشاد، وقعد على سجادة التربية بعد وفاة الشيخ صفي الدين في زاوية شيخه المذكور، ومات في وطنه سنة أربع أو ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

624 - نعمة الصفدي: نعمة الصفدي، المجذوب الغارق في الجذب، قال الشيخ الكناوي: أصله من عرب بني صخر من غور بيسان، فمن الله تعالى عليه وجذبه، فسكن مدينة صفد قال: وكان رجلاً أسمر اللون، طويلاً، غليظ القطعة، له كرامات كثيرة، ومكاشفات زائدة يعرف بعضها أهل بلاده: منها أن نائباً كان بصفد في عصر الشيخ نعمة. قال له: بنيت لك تربة. فقال له الشيخ. نعمة: لذقنك، فعن قليل مات النائب، ودفن بها، ومنها أن النائب المذكور كان جائراً جباراً، فقبض على جماعة ظلماً، وأودعهم الحبس، فمر عليهم الشيخ نعمة يوماً، فاستغاثوا، به. قيل: كان بيده خيارة، وقيل: عقب خيارة، فرمى بها إلى باب الحبس، وكان عليه قفل كبير، فانكسر وانفتح باب السجن، فخرج المحبوسون، وفروا منهزمين إلى بلدانهم، فضج الناس لذلك، واعترى النائب خوف وذلة، وهاب الشيخ نعمة، وتأدب معه. مات بصفد سنة إحدى أو اثنتين وتسعمائة فيما ذكره الشيخ موسى، وفي تاريخ ابن طولون أنه مات قبل ذلك بنحو سنتين، وهو الأصح رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
625 - نهالي بن عبد الله: نهالي بن عبد الله المولى الفاضل، الشهير بهذا اللقب. قال في الشقائق: ولم نعرف اسمه. كان عتيقاً لبعض الأكابر. وقرأ في صغره مبادئ العلوم، ثم خدم العلماء، وفاق على أقرانه، ومهر في العربية والأصول والتفسير، وكان له نظم بالعربية والتركية والفارسية، ووصل إلى خدمة المولى محمد بن الحاج حسن، ودرس بالمدرسة التي بناها المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم بأسحلقيه أسكوب، ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم فرغ عن التدريس، وسافر إلى الحج، فلما أتم الحج مرض فعاهد الله تعالى إن صح من مرضه لم يعاود التدريس، وندم على ما مضى من عمره في الاشتغال بغير الله تعالى، فأدركته المنية في مرضه ذلك، فتوفي بمكة المشرفة، ودفن بها في سنة خمس أو ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الواومن الطبقة الأولى: 626 - الوزيري: الوزيري القاضي المالكي بمصر. توفي بمصر سنة ثلاث وتسعمائة وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة منها رحمه الله تعالى.
حرف الهاء خال

حرف الياء التحتانية
من الطبقة الأولى: 627 - ياسين الشافعي: ياسمين الشيخ الإمام، العلامة، الشافعي، شيخ المدرسة البيرية توفي في سادس عشري ذي الحجة سنة تسع وتسعمائة. استقر عوضه في المشيخة الشيخ العلامة كمال الدين الطويل الشافعي رحمه الله تعالى.
628 - يحيى بن محمد بن سلطان: يحيى بن محمد الشيخ. العالم، الفاضل محيي الدين بن كمال الدين بن سلطان الحنفي. توفي بمكة المشرفة رابع عشر الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة. قال ابن طولون: ولم يكن ببيت ابن سلطان أولى منه رحمه الله تعالى.
629 - يحيى بن إبراهيم الدميري: يحيى بن إبراهيم قاضي القضاة شرف الدين قاضي القضاة برهان الدين الدميري، القاهري آخر قضاة القضاة المالكية بالقاهرة المحمية الدولة الجركسية. كانت له شهامة ورئاسة ورفاهية في العيش. قدم مع الأشرف الغوري دمشق، ودخل معه حلب، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأخذ عنه ابن الحنبلي والده، وأجاز لهما - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - آمين.
630 - يحيى بن أحمد الأخنائي : يحيى بن أحمد بن حسن بن عثمان العلامة أقضى القضاة محيي الدين ابن الشيخ شهاب الدين الزرعي: الشهير بالأخنائي الشافعي. خليفة الحكم العزيز بدمشق. ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وخطب مرة بالجامع الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدين ابن شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدين الصيرفي، فحصل له ارتعاد في الخطبة، وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شوال سنة أربع عشرة وتسعمائة، وكانت وفاته بعد ذلك بمدة يسيرة يوم الاثنين سابع القعدة من السنة المذكورة، وصلي عليه بالأموي، وحضر جنازته قضاة القضاة، وأعيان الناس وخلائق كثيرة، ودفن بباب الصغير عند والده وأخيه غربي القلندرية رحمه الله تعالى.

631 - يحيى بن علي المعروف بابن الشاطر: يحيي بن علي الشيخ المعمر، المنور، شرف الدين الحصكفي، ثم الحلبي الشافعي، المعروف بابن الشاطر، وبابن معلم سلطان بحصن كيفا. قال ابن الحنبلي: باشر صنعته في أول عمره بتقوى وديانة، ويلغ فيها ما لم يبلغه غيره من الكمال، ثم تركها، واشتغل بالطاعة والعبادة، وفعل الخير حتى كان هو السبب في إيصال الماء إلى محلة سويقة الحجارين بحلب، وذلك أنه سعى فيه عند يشبك الدوادار لما نزل على حلب متوجهاً إلى أخذ الرها من السلطان يعقوب بك ابن حسن بك، سمح له بخمسة عشر ألفاً، فصرفها في عمل الحوض الكائن بها الآن مع ما ضمه إليه أهل الخير من المال، وحج وجاور بالقدس الشريف قريباً من اثنتي عشرة سنة، وأكرمه بها كل الإكرام بالإنفاق عليه شيخ الإسلام الشمس محمد بن أبي اللطف الحصكفي الشافعي إلى أن قال: ولم يزل الشيخ شرف الدين على الخير والديانة والمبادرة إلى الطاعة، ومطالعة كتب القوم، والاحتفال بالنظر إلى أحياء علوم الدين إلى أن توفي بحلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن خارج باب الفرج قبلي تربة الخرساني في قبر حفره لنفسه بيده شيئاً فشيئاً رحمه الله تعالى.
632 - يحيى بن عبد الله الإربدي: يحيى بن عبد الله، الشيخ، الصالح، العالم بن الشيخ الصالح محيي الدين ابن الإربدي. ثم الدمشقي الصالحي المقري. ولد بإربد في العشر الأول من رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وتوفي سابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة ابن سلطان تحت المعظمية بسفح قاسيون عند قبر والده الشيخ صالح رحمه الله تعالى.
533 - يحيى الشيخ شرف الدين بن العداس: يحيى الشيخ شرف الدين العداس إمام جامع شيخون بالقاهرة، وخطيبه وناظره. كان ذا نشاط، وبساط، وسماط، وبر لأصحابه. وقضاء لحوائجهم بحيث أدى به ذلك آخراً إلى تحمل شيء من الدين، وتوفي سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
634 - يعقوب الحميدي الشهير بآجه: يعقوب الحميدي المولى العلامة الشهير بآجه خليفة أحد الموالي الرومية. خدم المولى علاء الدين الفناري، ودرس في عدة مدارس آخرها مدرسة مغنيسا، وهو أول مدرس بها، ومات عنها، وكان فاضلا صالحاً متصوفاً. له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره ذو سمت حسن صحيح العقيدة. توفي سنة ثمان أو تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
635 - يعقوب ابن سيدي علي الرومي: يعقوب ابن سيدي علي أحد الموالي الرومية وشارح كتاب شرعة الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
636 - يوسف بن المبيض: يوسف بن محمد، وقال ابن طولون: يوسف بن أحمد الشيخ العلامة، المحدث، الواعظ أبو المحاسن جمال الدين الشهير بابن المبيض الحمصي الأصل. قال ابن النعميمي: ثم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي أحد الوعاظ بدمشق، ومن شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقداً للحديث المسلسل الأولية:
جاءنا فيما روينا أننا ... يرحم الرحمن منا الرحما
فارحموا جملة من في الأرض من ... خلقه يرحمكم من في السما
توفي بدمشق في يوم الاثنين ثاني عشر شوال سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
637 - يوسف بن أي بكر بن الخشاب: يوسف بن أبي بكر بن علي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن، الحلبي، الشافعي، المعروف بابن الخشاب سبط ابن الوردي. ولد في خامس عشر شوال سنة سبع وستين وثمانمائة، وأخذ الفقه عن الفخر عثمان الكردي، والعربية عن العلامة قل دوريش، والعروض للتبريزي عن العلاء الموصلي، ولي قضاء طرابلس. قال الحمصي: ثم عزل منها، ثم ولي نيابة القضاء بالقاهرة، ثم وولي قضاء طرابلس. قال الحمصي: ثم عزل منها، ثم ولي نيابة القضاء بالقاهرة، ثم ولي نظر البيمارستان المنصور بها، ثم عزل منه، وسافر إلى مدينة إسكندرية، فتوفي بها يوم الاثنين ثامن عشري المحرم سنة إحدى عشرة وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: سم دسه عليه بعض أعدائه، ثم نقل إلى تربته التي أعدها لنفسه بالقاهرة رحمه الله تعالى.

638 - يوسف بن إسكندر بن البجق: يوسف بن إسكندر بن محمد بن محمد بن قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن، الحلبي، الحنفي المشهور والده بالخواجا ابن الحق وهو ابن أخت المحب ابن أجا كاتب السر. اشتغل بالفقه وغيره على الزيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي أربعين حديثاً خرجها بعض الفضلاء عن أربعين شيخاً من مشايخه، وعلى المحب أبي القاسم محمد بن جوباش بن عبد الله الحنفي جميع سيرة ابن هشام، وأجاز له كل منهما ما يجوز له، وعنه روايته، وتولى القضاء بحلب بعناية خاله، ثم ولي في الدولة الرومية تدريس الحلاوية، ووظائف أخرى، ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدة بها، وسار فيها السيرة المرضية، وكان له شكل حسن، وشهامة، ورئاسة، وفخامة، وألف رسالة في تقوية مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه - في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده وامتدحه العلاء الموصلي بقصيدة طولى مطلعها:
الورد من وجنات خدك يقطف ... والشهد من جنبات ثغرك يرشف
وقوامك المياس أزهى إن ثنى ... عطفيه من غصن الخلاف وأهيف
إلى أن قال:
فعل المدام بمقلتيه ولونها ... في خده، والثغر فيه القرقف
لقوامه الخطي ينتسب القنا ... وللحظه الهندي يعزى المرهف
هجر المحب، وقد بدا في صدغه ... واوات صدغ للمحبة تعطف
قالوا: فصفه وزد لنا في وصفه ... فأحببت والشمس المنيرة توصف
قمر منير بدر، تم طالع ... حلو الشمائل، والكلام مهفهف
رشأ غزال ذو ألتفات أكحل ... ريم الفلاة غزير طرف أوطف
لا أنثني لا أنتهي عن حبه ... يوماً وإن نام الوشاة وعنفوا
لكن براعة مخلص من حبه ... قاض القضاة أبو المحاسن يوسف
ثم قال:
أهدت له أخلاقه طيب الثنا ... فثناؤه كالمسك بل هو أعرف
وبجوده ووجوده حلب سمت ... وبخاله عز المليك الأشرف
حج صاحب الترجمة من القاهرة، ثم قدمها موعوكاً، فمات بها ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر سنة تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
639 - يوسف بن حسن بن المبرد الحنبلي: يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشيخ الإمام العلامة، المصنف، المحدث جمال الدين الشهير بابن المبرد الصالحي، الحنبلي، ولد سنة أربعين وثمانمائة قرأ القرآن على الشيخ أحمد الصفدي الحنبلي وجماعة ثم على الشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، والشيخ زين الحبال، وصلى بالقرآن ثلاث مرات، وقرأ المقنع على الشيخ تقي الدين الجراعي، والشيخ تقي الدين بن قندس، والقاضي علاء الدين المرداوي، وحضر دروس خلائق منهم القاضي برهان الدين بن مفلح، والشيخ برهان الدين الزرعي، وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدين وغيرهم، وكان الغالب عليه علم الحديث والفقه، وشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفسير، وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء ودرس وأفتى، وله نظم ليس بذاك، وقد ألف تلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون في ترجمته مؤلفاً ضخماً وقفت عليه في تعاليقه، وكانت وفاة صاحب الترجمة يوم الاثنين سادس عشر المحرم سنة تسع وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
640 - يوسف بن حمدان الدوبائي الرحبي: يوسف بن حمدان بن حسن القاضي جمال الدين الدوبائي، الرحيب، الدمشقي، الشافعي. ولد عشية الأحد تاسع عشر جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وثمانمائة بالتربة المنجكية بمحلة مسجد الذبان. قال النعيمي: اشتغل قليلاً، ثم فوض إليه القاضي ولي الدين ابن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس عاشر صفر سنة سبع عشرة وتسعمائة انتهى.
قلت: وكان خطه حسناً إلى الغاية. كتب شرح الروض للقاضي زكريا، وعندي النصف الأولى منه جزئين، وكانت وفاته ليلة الأربعاء ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

641 - يوسف بن مزهر: يوسف ابن القاضي جمال الدين ابن القاضي زين الدين بن مزهر كاتب الأسرار الشريفة بمصر. شنق نفسه يوم الثلائاء سابع ربيع الثاني سنة ست عشرة وتسعمائة. ذكره الحمصي.
642 - يوسف الحمامي المصري: يوسف، الشيخ الإمام العالم القاضي جمال الدين الحمامي المصري، المالكي، قال الحمصي: كان صالحاً مباركاً، وباشر نيابة الحكم العزيز بمصر القاهرة، وتوفي بها سابع عشر شعبان سنة إحدى عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
643 - يوسف الشهير بشيخ بستان: يوسف العالم الفاضل المولى الحميدي، المشهور بشيخ بستان الرومي الحنفي اشتغل بالعلم أشد الاشتغال، ولم يكن ذكياً لكن كان طبعه خالصاً من الأوهام، وصار معيداً عند قاضي زاده، ثم وصل إلى خدمة خوجه زاده، ثم صار مدرساً ببعض المدارس، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدين ببروسا، ثم عزل عنها، وكان ساكناً بروسا في بعض رباطاتها متجرداً عن العلائق، راضياً بالقليل من العيش، ولم يتزوج، وله حواش على شرح المفتاح للسيد مقبولة، توفي سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة رحمه الله تعالى.
644 - بوصف بن الصرخدي: يوسف بن الصرخدي، التاجر، الدمشقي. كان حافظاً لكتاب الله تعالى ملازماً للجامع الأموي، وانقطع إلى الله تعالى، ولازم العبادة، وكانت وفاته بدمشق ثالث عشر شعبان سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
645 - يوسف الخشاب الحلبي: يوسف الخشاب، الحلبي، المعروف بالمجاور لمجاورته بمكة سنين. كان ديناً بنى مسجداً بحلب بالقرب من ساحة ابن بزا يعرف بمسجد المجاور دعي إلى وليمة، فغص بلقمة، فمات من ساعته وذلك في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
646 - يوسف السلموني: يوسف، الشيخ الفاضل جمال الدين السلموني شاعر مصر وأديبها. كان هجاء بالغ الهجاء، ووقع له واقعة بسبب ذلك في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وهي أنه هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال بمصر هجواً فاحشاً منه هذا البيت:
وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه
فلما بلغ معين الدين ذلك شكا السلموني إلى السلطان الغوري، فقال: إن وجب عليه شيء في الشرع أدبه، فنزل من عند السلطان، ومسك السلموني في الحديد، وأتى به إلى بيت القاضي سري الدين عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه، فضربه عبد البر وعزره وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس، وقد ورد أن سيدنا عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أول من عاقب على الهجاء، وقال بعض فضلاء مصر في واقعة السلموني:
وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ وتعزير
فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور
فلما بلغ السلطان ما فعله ابن شمس بالسلموني شق عليه ذلك، وأمر بقطع لسانه، فإنه قال: رسم السلطان لي بأني أشهر السلموني، ولم يكن السلطان رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة، فرضي عنه، وألبس خلعة، ثم أن السلموني هجا القاضي عبد البر بقصيدة طويلة أفحش فيها مطلعها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها؟!
وذكر الحمصي في تاريخه في شوال سنة عشر وتسعمائة أن الجمال السلموني جاء إلى بيت القاضي شهاب الدين بن الفوفور ليسلم عليه، فمنعه عز الدين القسلتي من الدخول، فغضب وكتب رقعة وجهزها للقاضي، وفيها هذه الأبيات:
ببابكم كلب عقور مسلط ... عديم الحيا والعقل في البعد والقرب
أقمتوه صداً للفقير ملالة ... ولم تذكروا بين الورى نعم الرب
يظن بجهل منه أن مجيئنا ... إليكم لأجل النيل والأكل والشرب
ولم يعلم المفتون أن نفوسنا ... لها شرف يسمو على السبعة الشهب
وليس الغنى بالمال قال نبينا ... ولكن غناء النفس مع عدم الكسب
وما جئتكم والله إلا مهنئاً ... لأني من بعض المحبين والصحب
تذكرت لما أن أتيت وصدني ... مقالة بعض الناس في معرض العتب
ومن يربط الكلب العقور ببابه ... فإن بلاء الناس من رابط الكلب

فلما وصلت الرقعة إلى القاضي عرف أنها من السلموني وأن عز الدين منعه من الدخول، فتف عليه، ووضع في ورقة عشرة دنانير، ودفعها إلى السلموني، وأوصى البواب أن لا يمنعه من الدخول، وإن أراده كل يوم عشر مرات، والظاهر تأخر وفاة السلموني عن سنة ثلاثين، فإني تتبعت الجزء الذي وقفت عليه من تاريخ الحمصي إلى السنة المذكورة، ولم يؤرخ وفاته فيه مع تقيده بمثل ذلك غاية التقييد.
647 - يوسف ابن سويد كين: يوسف، الشيخ جمال الدين المعروف بابن سويد كين القدسي، ثم الدمشقي أحد العدول بدمشق. تربى وتخرج بزوج خالته، الشيخ العلامة شهاب الدين بن رسلان، وروى عنه قال النعيمي: وهو آخر من روى عن الزين القباني عن ابن الخباز عن النووي. توفي في آخر رمضان سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
648 - يوسف الشهير بقاضي بغداد: يوسف العالم الفاضل المولى قوام الدين الشهير بقاضي بغداد كان من بلاد العجم من مدينة شيراز وولي قضاء بغداد مدة فلما حدثت فيه فتنة ابن أردبيل ارتحل إلى ماردين، وسكن بها، ثم رحل إلى بلاد الروم، فأعطاه السلطان أبو يزيد خان سلطانية بروسا، ثم إحدى الثماني، وكان عالماً، متشرعاً، زاهداً، وقوراً. صنف شرحاً على التجريد جامعاً لفوائد، وشرحاً على نهج البلاغة، وكتاباً جامعاً لمقدمات التفسير وغير ذلك. وتوفي في أوائل دولة السلطان سليم خان رحمه الله تعالى.
649 - يونس بن محمد التركماني: يونس بن محمد الأمير يونس بن المبارك التركماني الصالحي. مات عشية ليلة الخميس خامس جمادى الأولى سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
650 - يونس بن محمد العجلوني: يونس بن محمد الشيخ شرف الدين الجابى، الشهير بالعجلوني الدمشقي الشافعي أحد المباشرين بالجامع الأموي. ولد في خامس عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة، وطلبه السلطان الغوري في جملة مباشري الجامع للتفتيش عليهم، ثم رجعوا وقد عمل عليهم أربعة آلاف دينار، ووصلوا إلى دمشق في خامس عشر شعبان سنة ست عشرة وتسعمائة، فمات الشيخ شرف الدين يوم الجمعة سابع عشري شعبان السنة المذكورة، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
651 - يونس الحرافيش: يونس بن محمد بن شعبان، الشيخ العلامة شرف الدين بن سلطان الحرافيش بدمشق، قال ابن طولون: كان من المتغفلين في المجالس، ولكن حصل به النفع في آخر عمره بملازمة المشهد الشرقي بالجامع الأموي لإقراء الطلبة، وكان في ابتداء أمره شاهداً تجاه باب المؤيدية، وكانت وفاته يوم الأربعاء حادي عشري جمادى الآخرة سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة. قال ابن طولون: وصلى عليه التقوى بالبلاطسي ضحوة النهار بالجامع الأموي، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
652 - يونس الهمداني: يونس بن إدريس بن يوسف، الشيخ الصالح، المسلك شرف الدين الحلبي، ثم الدمشقي الشافعي الصوفي الهمداني الخرقة. ولد بمدينة حلب في سنة سبع وستين وثمانمائة، واشتغل على جماعة في عدة فنون، وتوجه إلى مكة ثلاث مرات، وجاور في حدود الثمانين، وسمع بها الحديث على الحافظ شمس الدين السخاوي، والإمام محب الدين الطبري، وقرأ على ولده الإمام أبي السعادات في النحو، ولبس الخرقة الهمدانية، وتلقن الذكر من السيد عبيد الله التستري الصوفي الهمذاني، وصار له أتباع كثيرون يتداولون الأوراد الفتحية بالمدرسة الرواحية بحلب. قال ابن الحنبلي: وكان السبب في كثرة مريدة مزيد ظلم بحلب أفضى إلى أن كثيراًمن المتهمين والزعار اتبعه، وصار إذا صدر منه فساد، وقبض عليه كافل حلب استشفع به، فساء ذلك كافل حلب، فبلغه فلم يسعه المكث بها، فهاجر إلى دمشق قال الحمصي: كانت إقامته بدار الحديث بقرب قلعة دمشق. انتهى.
وهي دار الحديث الأشرفية، وقد ولي النووي - رحمه الله تعالى - تدريسها ومن شعر صاحب الترجمة مشيراً إلى ذلك ولا يخفى ما فيه:
إن دار الحديث طابت بمولى ... كان قطب الوجود حين تولى
رحمة الله سابغة عليه ... أس شرع النبي قولاً وفعلاً
ولو قال رحمه الله: لا تزال عليه حاز شرع النبي قولاً وفعلاً. سلم له وزن البيت الثاني، وكان معناه صحيحاً، ولعله قال كذلك، ولكن أوردته كما رأيته، وكانت وفاته بدمشق يوم الاثنين عشري شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
/الطبقة الثانية

من الكواكب السائرة، في مناقب أعيان المائة العاشرة فيمن وقعت وفاتهم من أعيان البارعين من مفتتح سنة أربع وثلاثين إلى مختتم سنة ست وستين
المحمدون

محمد بن محمد الغزي
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوي بن شداد بن عاد بن مفرج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن علي بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، المحقق المدقق العلامة، العمدة الحجة الفهامة، القاضي رضي الدين أبو الفضل بن رضي الدين الغزي الأصل، الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، العامري القرشي الشافعي جدي لأبي ولد صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وتوفي والده شيخ الإسلام رضي الدين أبو البركات وسنه إذ ذاك دون السنتين، وأسند وصايته عليه إلى شيخ الإسلام زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي الشافعي شيخ الشافعية بدمشق، فرباه أحسن تربية، وكفله أجمل كفالة إلى أن ترعرع وطلب العلم بنفسه مشمراً عن ساق الاجتهاد، وسالكاً أقوم مسالك الرشاد، مؤثراً لطريقة التصوف على سبيل التجرد منعزلاً عن الناس في زاوية جده لأمه ولي الله القطب الرباني العارف بالله والداعي إليه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق. إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة، وسلك في كل منهما أكمل طريقة، ولازم الشيخ خطاب مدة حياته وانتفع به وتفقه عليه، ثم تزوج بابنة الشيخ خطاب أخراً بالتماس من أبيها، ولزم أيضاً الشيخ محب الدين بن محمد بن خليل البصروي شيخ الشافعية في زمانه، وأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض، ثم لزم الشيخ برهان الدين الزرعي، وأخذ عنه الحديث وغيره وولده العلامة المحقق شهاب الحين أحمد، وأخذ عنه المعقولات والمعاني والبيان والعربية. وممن تفقه بهم أيضاً شيخ الشافعية وابن شيخهم البدر ابن قاضي شهبة، والشيخ الأوحد ولي الله شمس الدين محمد بن حامد الصفدي، والشيخ الأكمل شيخ الإسلام النجم ابن قاضي عجلون، وأخوه شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر، والشيخ الإمام خليل اللدي إمام الجامع، وكذلك الشيخ الصالح المقريء إبراهيم بن أحمد القدسي. قرأ عليه وهو صغير القرآن العظيم والمنهاج حفظاً وحلاً، وأخذ الحديث وعلومه أيضاً عن الشيخ الإمام المعمر الأوحد برهان الدين الناجي، والشيخ الصالح العالم زين الدين عبد الرحيم ابن الشيخ خليل القابوني إمام الجامع الشريف الأموي، والشيخ المسند بدر الدين حسن بن شهاب، والشيخ الإمام الحافظ الناقد الحجة برهان الدين البقاعي، وأخذ عنه العربية أيضاً، وقرأ عليه الكتب الستة، وشرح ألفية الحديث للعراقي للمصنف، ونخبة الفكر وشرحها لابن حجر، وغالب مؤلفاته كالمناسبات وغيرها، وكذلك الشيخ الإمام العلامة حسن بن حسن بن حسين الفتحي الشوازي رفيق بن الجزري، وصاحب الحافظ ابن حجر قرأ عليه الحديث المسلسل بالأولية، وسورة الصف وغير ذلك، وسمع منه كثيراً من مروياته، والعلامة برهان الدين الباعوني، وقرأ على العلامة المحقق منلا زاده الخطابي صاحب المؤلفات الشهيرة شرح الشمسية والمتوسط وغيرهما، واجتمع بالشيخ عبد المعطي المكي، وسيدي الشيخ أحمد بن عقبة اليمني، والشيخ العارف بالله تعالى محمد المذكور اليمني وغيرهم، واصطحب مع سيدي الشيخ أبي العون الغزي، وسيدي علي بن ميمون المغربي وغيرهما.
وممن أخذ عن الشيخ رضي الدين رضي الله تعالى عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدين والدي، وسيدي الشيخ أبو الحسن البكري، وشيخ الإسلام أمين الدين بن النجار إمام جامع الغمري بمصر، وشيخ المسلمين العلامة السيد عبد الرحيم العباسي المصري، ثم الإسلام بولي، والعلامة بدر الدين العلائي، وقد كان - رحمه الله تعالى - ممن قطع عمره في العلم طلباً

وإفادةً وجمعاً وتصنيفاً. أفتى ودرس، وولي القضاء نيابة عن قريبه قاضي القضاة القطب الخيضري، وسنه إذ ذاك دون العشرين سنة، ثم عن قاضي القضاة شهاب الدين الفرفوري، ثم عن ولده القاضي ولي الدين بعد أن تنزه عن الحكم، ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان على لسان نائبه بالمملكة الشامية وغيرها فرهات باشا وإياس باشا، وكان لهما فيه مزيد الاعتقاد، وباشر مدة ولايته القضاء بعفة ونزاهة وطهارة يد ولسان وقيام في الحق. يقضي على من عساه يكون لا يحابي أحداً ولا يماريه لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو آخر قضاة العدل وله من المؤلفات الدرر اللوامع، نظم جمع الجوامع، في الأصول، وألفية في التصوف سماها الجوهر الفريد، في أدب الصوفي والمريد وألفية في اللغة نظم فيها فصيح ثعلب وألفية في علم الهيئة، وألفية في الطب، ومنظومة في علم الخط، ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل، ووضع على نظمه شرحاً نفيساً، وألف مختصراً في علمي المعاني والبيان سماه بالإفصاح، عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح، ووضع عليه شرحاً حافلاً، وشرح أرجوزة البارزي في المعاني والبيان أيضاً، وشرح عقيدة جمع الجوامع، ونظم عقائد الغزالي، وعقائد لبعض الحنفية، ونخبة الفكر لابن حجر في علم الحديث، وقلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان للشيخ إبراهيم الناجي، وألف كتاب الملاحة، في علم الفلاحة، وغير ذلك، وله شعر رائق، ونظم فائق، وأكثر في تقبسه النصائح والحكم والحقائق، أوردت منه نبذة في كتابي المسمى بلغة الواجد واستوفيت غالبه في شرحي على الفتية في التصوف، ومنه قوله نظماً مضمناً:
ما كان بكر علومي قط يخطبها ... إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء
وغض منه ذوو جهل معاندة ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
وقوله أيضاً:
يا جاهلا وهو لأهل العلم لا يسلم
ارجع إلى الحق وإن سئلت قل: لا أعلم
وقوله رضي الله تعالى عنه:
يا طالب الله حقاً ... اخرج إلى الله عنكا
وإن خرجت فناد ... استغفر الله منكا
وأجاب عن اللغز المشهور في الفرائض وهو:
ثلاثة أخوة لأب وأم ... وكلهم إلى خير فقير
أصابهم صروف الدهر يوماً ... وكان لميتهم مال كثير
فحاز الأكبران الثلث منه ... وباقي المال أحرزه الصغير
بقوله:
ثلاثة أخوة لأب وأم ... تزوج بنت عمهم الصغير
له من إرثها نصف بفرض ... وسدس بالعصوبة يا خبير
قال شيخ الإسلام الوالد - رحمه الله تعالى: - وقد رأيت قبل موته بأيام قليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، ومعه جماعة من الصحابة، وهو يقول: جئنا لنحضر تجهيز والدك. قال: فكاشفني على ذلك، قلت: وله كرامات ومكاشفات كثيرة بينا جملة منها في بلغة الواجد.
وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه في شوال سنة خمس وثلاثين وتسعمائة عن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه ولده الوالد بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه، وكانت جنازته حافلة. سئل شيخ الإسلام الوالد - رحمه الله تعالى - هل يبقى تصرف الولي بعد موته. فقال: نعم يتفق ذلك لكثير من أولياء الله تعالى، واشتهر ذلك عن جماعة منهم الشيخ عبد القادر الكيلاني، والشيخ أرسلان وغيرهما. قال: وأنا اتفق لي أني كنت إذا زرت والدي أتصدق عند قبره بشيء، فكان يجتمع علي الفقراء متى زرته لما علموا أن ذلك من عادتي، فزرته يوماً، فاجتمع الفقراء للصدقة، فتفقدت الكيس، فإذا قد نسيته في البيت، فتوجهت إلى روحانية الشيخ الوالد فإذا على قبره شيء من الدراهم، فتناولته ودفعته إلى الفقراء.
محمد بن محمد الدلجي

محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الدلجي العثماني الشافعي. ولد سنة ستين وثمانمائة تقريباً بدلجة ، وحفظ القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة، فقرأ التنبيه وغيره، ثم رحل إلى دمشق أقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، والحافظ برهان الدين الناجي، وقاضي القضاة قطب الدين الخيضري، والقاضي ناصر الدين بن زريق الحنبلي، والإمام المحدث شمس الدين السخاوي، وسافر إلى بلاد الروم، واجتمع بسلطانها أبي يزيد خان، وحج من بلاد الشام، وعاد إلى مصر القاهرة، وكتب شرحاً على الخزرجية ، وشرحاً على الأربعين النواوية، وشرحاً على الشفاء للقاضي عياض، وشرحاً على المنفرجة، واختصر المنهاج والمقاصد وسمي الثاني مقاصد المقاصد، وشرحه وأخذ عنه جماعة. قال الشيخ المحدث نجم الدين الغيطي سمعت عليه كثيراً، وأجاز لنا القرآن العظيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مناماً عن جبريل عن رب العزة جل وعلا، فإنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام بمكة، وقرأ عليه أوائل سورة النحل. توفي بالقاهرة سنة سبع وأربعين وتسعمائة.
محمد بن محمد بن بلالمحمد بن محمد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله عرف بابن بلال، العيني الأصل، الحلبي الحنفي. ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة، ولزم المنلا قل درويش أربع سنوات في علو شتى، وقرأ أيضاً على منلا مظفر الدين الشيرازي، والبرهان الفرضي، والمنلا دران، والبدر السيوفي وغيرهم، ثم لازم الإفتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب. حتى أسن، فانقطع في منزله، وأكب على التصنيف في علوم متنوعة إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه، ولم تظهر بعده وكان كثير الصيام والقيام لا يمسك بيده درهماً ولا ديناراً، وكان وقوراً مهيباً، نير الشيبة، كثير التواضع، وكان يلازم لبس الطيلسان، وكان له قوة ذكاء، ومزيد حفظ، ورسوخ قدم في العربية والمعقولات، وأصابه مرة فالج وعوفي منه، وحج وجاور ودخل القاهرة، ثم كانت وفاته بحلب سنة سبع وخمسين وتسعمائة، ودفن بمقابر الحجاج، وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقن في قبره - رحمه الله تعالى - .
محمد بن محمد الذهبيمحمد بن محمد بن علي، الشيخ الإمام العلامة المسند سعد الدين الذهبي المصري الشافعي، مولده سنة خمسين وثمانمائة، وكان عالماً صالحاً زاهداً يختم القرآن كل يوم ختمة مع اشتغال الطلبة، وكان له خلق واسع إذا تجادل الطلبة في شيء اشتغل بالتلاوة حتى يفرغ جدالهم، وكان يقضي حوائجه بنفسه، ولا يدع أحداً يحمل له متاعاً، وكان كثير الصدقة، وأوصى بمال كثير للفقراء والمساكين، وممن أخذ عنه القاضي أبو البقاء بن جيلان، والشيخ شمس الدين الفلوجي، ثم الدمشقي قرأ عليه في الأصول والفقه وغيرهما، وأجاز لسيدي محمد، وأبيالوفاء ولدي الشيخ علوان الحموي. وكانت وفاته في سنة تسع - بتقديم المثناة - وثلاثين وتسعمائة بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق، يوم الجمعة سادس عشري ذي القعدة من السنة المذكورة.
محمد بن محمد بن قاضي عجلونمحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن الشيخ الإمام العالم الصالح، أقضى القضاة، أبو اليمن ابن القاضي محب الدين ابن قاضي عجلون، كان من العلماء الكمل، والصلحاء الكبار له في اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى، لا يفتر عن القراءة في ممشاه، وقعوده، نير الوجه، حسن الشكل ، ولي القضاء مدة سنين، نيابة عن ابن عمه قاضي القضاة، نجم الدين شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون، وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي قال والد شيخنا وكان الشيخ أبو اليمن يلبس الثياب الحسنة، وفي آخر عمره طرح التكلف، ولبس الخشنة، واستوى عنده كلاهما، وتخرج به الناس كثيراً مع ما هو عليه من تلاوة القرآن العظيم، توفي بعد العشاء ليلة الخميس سابع عشري جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع لأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير بتربة أهله قريباً من قبر عمه شيخ الإسلام تقي الدين.
محمد بن محمد بن البيلوني

محمد بن محمد بن حسن الشيخ الفاضل شمس الدين أبو البركات ابن الشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله البابي الأصل، الحلبي لشهير كأبيه بابن البيلوني إمام السفاحية، سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ، من أول صحيح البخاري إلى تفسير سورة مريم، وسمع على الزين الشماع الشمائل للترمذي، وأجاز له، وقرأ على العلاء الموصلي شرح الألفية لابن عقيل، وكان يدرس أحيانا بالحجازية، وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري، وكان له حركة، وسعي في تحصيل الدنيا، فعرض له شيخه ابن الشماع في ذلك، فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس، والاستعانة على الاشتغال بالعلم، والتوسعة على المحتاجين في وجوه البركات، وكانت وفاته بمنبج سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وهو دون الأربعين، ودفن وراء ضريح سيدي الشيخ عقيل المنبجي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد البيلونيمحمد بن محمد بن حسن الشيخ المقريء الخير شمس الدين أبو اليسر ابن البيلوني أخو المتقدم، سمع على ابن الناسخ بقراءة أبيه ما تقدم وأجاز له، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي، ثم الشيخ زين الدين الأرمنازي وكان له معرفة بالطب جيدة، وكان صالحاً متواضعاً أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه، وربما حمل طبق العجين على عاتقه، مع جلالة قدره مات مطعوناً في سنة اثنتين وستين وتسعمائة، ودفن عند والده، وكانت جنازته حافلة.
محمد بن محمد بن حلفا الغزيمحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الشيخ عفيف الدين أبو اليمن ابن حلفا الغزي الأصل، الحلبي المولد، والدار الحنفي كان يدرس، ويفتي، وكف بصره، وكان يأمر بالكتابة على صورة الفتوى، وأمر آخراً أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرية حباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي، أخذ بحلب عن الشمسين بن هلال، وابن بلال، وله شيوخ آخرون بها، وبغيرها واجتمع بالشيخ أبي العون الغزي قال ابن الحنبلي أخبرني أنه لما حل بمنزله رأى طائفة من الفقراء الصلاح، وآخرين من المفسدين هربوا إليه من جوائح حصلت عليهم إحتماء به، فحصل، عنده إنكار بسبب إبقاء هذه الطائفة بمنزله قال: فخرج إلينا الشيخ، وأخذ يقول: قال الشيخ، عبد القادر الكيلاني وقد قيل في مريديه الجيد والرديء، أما الجيد فهو لنا، وأما الرديء فنحن له، فكان ذلك كشفاً منه انتهى.
توفي الشيخ عفيف الدين سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن المغرايةمحمد بن محمد بن عبد الله الشيخ كمال الدين ابن الشيخ تاج الدين ابن الشيخ جلال الدين الحراني الأصل، الحلبي المولد، والمنشأ الشافعي عرف بابن المغراية كان يكتب بالشهادة بحلب، وكذلك والده، ثم ناب في الحكم. توفي بدمشق الشام سنة ثمان أو تسع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الخيضريمحمد بن محمد بن محمد القاضي كمال الدين بن أبي اليمن ابن قاضي القضاة قطب الدين الخيضري، الدمشقي، الشافعي، ولي القضاء بميدان الحصى وغيره في أيام قاضي دمشق ابن إسرافيل، وكان عنده حشمة، وفضيلة، وكان أحد المدرسين بالجامع الأموي إلا أنه كان يستعمل الأفيون، وكان في الغالب مستغرقاً، وربما حدث له ذلك، وهو مار في الطريق، فدخل يوم السبت مستهل ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وتسعمائة إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من جامع الأموي لقضاء الحاجة، وأغلق عليه الباب فكأنه شرد على عادته، فسقط على رأسه في الخلاء، فلما أحسوا به أخرجوه، فخرجت روحه في الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فحمل إلى بيته، فغسل، وكفن، وحمل إلى لأموي، وصلي عليه، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الأزهري

محمد بن محمد بن علي الشيخ شمس الدين، أبو الطيب الحساني الغماري الأصل المدني المولد، والمنشأ المالكي، عرف بابن الأزهري، كان كثير الفضائل، حسن المحاضرة، صوفي المشرب، له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو، له نظم، ونثر، نظم أرجوزة سماها لوامع تنوير المقام في جوامع تعبير المنام، دخل بلاد الشام قاصداً الروم، فدخل دمشق، وحلب، واجتمع به فيها ابن الحنبلي، فأخذ كل منهما من الآخر، وأجاز كل منهما الآخر، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة سنة اثنتين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن حسنمحمد بن محمد بن حسن الشيخ الفاضل، شمس الدين الدمشقي، المعروف بابن الشيخ حسن، كان من أهل الفضل، والحلم، والصلاح، وكان خطيباً بجامع الأفرم، وأخذ عن جماعة منهم الشيخ الوالد قرأ عليه شرح عقيدة الشيباني، وحضر دروسه بالشامية، وغيرها كثيراً، وتوفي في حدود الستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن علي كوجكمحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي كوجك القاضي نظام الدين الحموي المولد، الحنفي عرف بابن الكوكاجي، وهو تحريف الكوجكي، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة قرأ الكنز في فقه الحنفية، على ابن رمضان الدمشقي، وغيره ثم قلد الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه - وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس الشام، وناب عن القاضي نظام الدين التادفي الحنبلي بحلب، وتوفي سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن محمد البقاعيمحمد بن محمد بن يحيى البقاعي الشيخ شمس الدين البقاعي القرعوني، ثم الدمشقي، حضر دروس شيخ الإسلام الوالد في سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن محمد الفصي البعليمحمد بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، بهاء الدين الفصي البعلي الشافعي مفتي بعلبك، مولده بها في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وعرض المنهاج على الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة الأسدي، ثم جد في طلب العلم، والاشتغال به في سنة إحدى وسبعين على جماعة منهم شيخ الإسلام زين الدين خطاب، وشيخي الإسلام نجم الدين وأخيه تقي الدين ابني قاضي عجلون، وأذن له الشيخ تقي الدين بالإفتاء، ثم سافر إلى مصر، وقرأ على قاضي القضاة زكريا، وأذن له أيضاً بالإفتاء، والتدريس في سنة خمس وثمانين، وكان عنده ذكاء، وقد شاب سريعاً، وكان ألثغ، كما ذكر ذلك كله النعيمي قلت: وكان من إخوان شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد، وشاركهما في الشيوخ، وإن كان الشيخ الوالد دونه، في السن، ولما رحل الوالد إلى الروم في رمضان سنة ست وثلاثين مر على بعلبك، فتلقاه الشيخ بهاء الدين، ووالداه في جماعة من أكابر البلدة إلى رأس العين، وسلموا عليه، وعظموه غير أنهم صدقوا ما هو مشهور من سذاجة البعليين بالاعتذار، إلى الشيخ في تكرم شهر الصوم، حتى نظم الشيخ الوالد فيهم مقاطيع ضمنها رحلته منها قوله:
شهر الصيام كريم ... لكنكم بخلاء
هبنا نصوم نهاراً ... أليس يأتي العشاء
وكانت وفاة الشيخ بهاء الدين يوم الأربعاء، رابع عشري المحرم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق، يوم الجمعة قال ابن طولون: ولم يخلف بعده مثله، ولا في دمشق في فقه الشافعية رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن العجيميمحمد بن محمد بن أحمد الشيخ العلامة المحدث الواعظ، شمس الدين المقدسي الشافعي، الصوفي الشهير، بابن العجيمي، أخذ عن شيخي الإسلام الكمال البرهان، وابن أبي شريف، والحافظ جلال الدين السيوطي، وشيخ الإسلام القاضي زكريا، والمسند شمس الدين السخاوي، وقال ابن طولون: كان عنده فضيلة، وأخذ الحديث عن شيخنا ناصر الدين بن زريق، وتوجه إلى الروم، وحصل له به الإقبال، وعاد وتردد إلى دمشق مراراً عديدة، ووعظ تجاه محراب الحنفية، ودرس مدة بالفصوص ثمة. انتهى.

قلت: ومحراب الحنفية هو المحراب الذي تصلي به الشافعية الآن الأولى خارج مقصورة الأموي، وذكر ابن الحنبلي أنه دخل إلى حلب، ودخل إلى دمشق، وحلب مرتين، ووعظ بهما، وكان يعتم بعمامة سوداء، واجتمع بحلب في سنة تسع وعشرين وتسعمائة بمحدثها الشيخ زين الدين بن الشماع، وقرئت عليهما ثلاثيات البخاري، ثم أجاز كل منهما للآخر قال ابن الشماع: وقد أخبر بعض من أثق به من الأخيار ممن حضر وعظه بما شاهده من غزارة حفظه، وعذوبة لفظه، ثم قال: لا غرو فهو خادم التفسير، والسنن المنتصب لنصح المسلمين، والمرغب، وأهدى سنن بل هو العلم الفرد. الذي رفع خير الأولياء، والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدي بهم، وخفض شأن أهل البطالة من الصوفية الجهلة وحذر من بدعهم، واتباع طريقهم. انتهى.
وذكر ابن الحنبلي أنه كان يعظ بصحن الجامع بحلب شرقيته تارة، وبغربيته أخرى، وإذا حضر مجلس وعظه يأتي بين علمين يوضعان له آخراً على جنب كرسيه، وكان للناس إقبال عليه، وميل زائد إليه، وكان الشيخ أبو يزيد الحيشي يعظ على أسلوبه غير أن الناس كانوا لا يقبلون عليك كإقبالهم على المقدسي، فاستنهض جماعة لمنعه من الوعظ، وذكر عنه أنه يلحن فحضروا لسماعه، فبلغ الشيخ شمس الدين المقدسي أمرهم، فلم يحضر ذلك اليوم، ثم تلاشى أمره قال ابن الحنبلي: وقد بلغني أنه توجه في آخر أمره إلى الباب العالي السليماني، فأعطي نظر بيت المقدس، ومات به سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة، وفي تاريخ ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر شوال سنة ثمان وثلاثين، وأنه توفي ببيت المقدس يوم السبت قبله.
محمد بن محمد بن سلطان

محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، شيخ الإسلام، مفتي الأنام، ببلاد الشام، أبو عبد الله قطب الدين، ابن القاضي كمال الدين، المعروف بابن سلطان الدمشقي، الصالحي الحنفي، ميلاده في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، أخذ عن قاضي القضاة، عبد البر بن الشحنة، وغيره، وله مؤلف في الفقه، ورسالة في تحريم الأفيون، وغير ذلك، وذكر ابن طولون في تاريخه مفاكهة الأخوان أن الشيخ قطب الدين ابن سلطان صاحب الترجمة، اجتمع هو والشيخ تقي الدين القاري، يوم الجمعة خامس عشر ربيع الثاني، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، عند النائب بالشباك.... وعرفه بأن البركة، التي عزم على بنائها، وسط الجامع الأموي، لا يجوز، وقد كان رمى آلتها، وجاء بالحجارة من عمارة جامع بيت لهيا، فقام النائب مغتاظاً، فاجتمعوا ثاني يوم، ومعهم الجلال البصروي، وخطيب الجامع، وجاء النائب، والقاضي الكبير، فعضدهم في المنع، فكتب النائب إلى مفتي إسلام بول، يسأل عن جواز ذلك، وصنف القطب، فيها مؤلفاً سماه البرق الجامع في المنع من البركة في الجامع، وذكر صاحب الترجمة قال والد شيخنا: الشيخ يونس العيثاوي، وقال: كان من أهل العلم الكبار، جليل المقدار، مهيباً عظيماً، نافذ الكلمة، عند الدولة يردون الأمر، إليه في الفتوى، ماسك زمام الفقهاء في التجمل بأحسن الثياب، يعرف مقام الشافعية، وما هو لهم من القدم على غيرهم، ويرفع مقامهم، كان بيده تدريس القصاعية المختصة بالحنفية، وتدريس الظاهرية، التي هي سكنه، والنظر عليها، وكان له تدريس في الجامع الأموي، وغير ذلك من المناصب العلية، وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشحنة، وكف بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه، بحيث يظن أنهما بصيرتان، وكان حسن الوجه، والذات، وكان يملي من الكتب الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه، واتخذ خاتماً منقوشاً يختم به على الفتوى، خوفاً من التلبيس عليه، قال: بتحريم القهوة التي حدثت بدمشق، وقال إنها من جملة المصائب التي حدثت بهذا الزمان. قال: وحدثني عن شيخنا السيد كمال الدين يعني ابن حمزة أنه كان يسمي بيت القهوة، الخمارة، وأنه لما سلم عليه حال رجوعه من مصر سأله عن رجل كيف حاله فقال إنه ملازم الخمارة فقال له: كيف جرى؟ قال: حدثت بمصر شرب القهوة، يجتمعون عليها كاجتماعهم على شرب الخمر، وهو معهم قال: وحدثني أن من جملة أشياخه الشب برهان الدين الناجي، أخذ عنه الحديث، وامتنع آخراً من الكتابة على الفتيا، في الطلاق في مسألة الاستثناء، وأصاب لجهل الحالف بشرطه، وداوم على قراءة القرآن مع جماعة يختلفون إليه في آخر أمره، ووقف وقفاً على جماعة يجتمعون كل ليلة جمعة في الجامع الأموي يذكرون الله عز وجل، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم توفي ليلة الثلاثاء سبع عشري ذي القعدة الحرام سنة خمسين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن داخل تربة القلندرية، من باب الصغير ببيت مسقف قديم معد للعلماء، والصلحاء من الموتى، وأوصى أن يلقن بعد دفنه فلقنه أحد السادة الشافعية، وكان يتعبد بمذهب الشافعية رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الخناجري

محمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، العمدة الحجة الفهامة، شمس الدين الخناجري والده ديري الأصل الحلبي الشافعي، المعروف والده بابن عجل، كان له يد طولى في الفقه، والفرائض، والحساب، مع المشاركة في فنون أخر، قرأ في النزهة على العلامة جمال الدين ابن النجار المقدسي الشافعي الوفائي ، صاحب المنظومة المسماة، بغية الرامض، في علم الفرائض، بحق قراءته لها على مؤلفها ابن الهايم، وقرأها على ابن الحنبلي على ابن الخناجري، وكان صاحب الترجمة، لطيف المحاضرة، حسن المعاشرة، كثير المعاطفة، والممازحة، وخفة الروح، وانشراح الصدر، وكان مع ذلك معتقداً في الصوفية سراً، وذكر ابن الحنبلي أنه كان يسمع الآلات ويقول أنا ظاهري، أعمل بقول ابن حزم الظاهري، وقال: ذلك مرة في حضور الموفق ابن أبي ذر، على لسان المباسطة فقال له: إن من الحزم ترك قول ابن حزم، وذكره شيخ الإسلام الوالد في رحلته فقال: الشيخ الإمام، والحبر البحر الهمام، شيخ المسلمين أبو محمد والد محمد شمس الدين الخناجري الشافعي شيخ الفواضل والفضائل، وإمام الأكابر والأفاضل، بدر الإنارة المشرق لسرى القوافل، وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل، له المناقب الثواقب، والفوائد الفرائد، والمناهج المباهج، وله بالعلم عناية تكشف العماية، ونباهة تكسب النزاهة، ودراية تقصد الرواية، ومباحثة تشوق، ومناقبه تروق، مع طلاقة وجه، وتمام بشر، وكمال خلق، وحسن سمت، وخير هدي، وأعظم وقار، وكثرة صمت، ثم أنشد:
ملح كالرياض غازلت الشمس ... رباها وأفتر عنها الربيع
فهو للعين منظر مونق الحسن ... وللنفس سؤدد مجموع
ثم قال: وقد كان اجتمع بي، وبوالدي شيخ الإسلام في مصر، ثم في الشام، ووقع بيني وبينه مفاوضة، ومذاكرة، ومباحثة، ومحاورة مع اذعانه لما أذكر، وقبوله لما أقول، وهو يدعو لي ويشكر، وعلى الله تعالى القبول، انتهى ومن لطائف القاضي جابر متغزلاً مورياً باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب:
سللن سيوفاً من جفون لقتلتي ... وأردفنها من هدبها بخناجر
فقلت أيفتى في دمي قلن لي أجل ... أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجر
وكانت وفاته في يوم عرفة سنة أربعين وتسعمائة، بعد وفاة الشيخ شهاب الدين الهندي، بأشهر فقال ابن الحنبلي يرثيهما:
توفي شيخنا الهندي في رحب رمسه ... ففاضت دموعي من نواحي حناجري
ومن بعده مات الإمام الخناجري ... وبان فكم من غصة في الحناجر
وصلي عليه غائبة في الجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة خامس المحرم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد الحنفيمحمد بن محمد المولى العلامة محيي الدين ابن بير محمد باشا الحنفي، أحد موالي الرومخ، قرأ على والده، ثم خدم المولى ابن كمال باشا علاء الدين الجمالي، وصار معيداً لدرسه، ثم درس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضي أدرنة، ومات قاضياً بها، وكان عالي الهمة، رفيع القدر، له أدب، ووقار، وحظ وافر، من العلوم المتداولة توفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
محمد بن محمد بن مغوش

محمد بن محمد الشيخ الإمام، المحقق المدقق، العلامة الملقب، بمغوش - بمعجمتين - التونسي المالكي، اشتغل على علماء المغرب، وسمع الصحيحين، والموطأ، والترمذي، والشفاء وقرأ البعض من ذلك على الشيخ العلامة الصدر الكبير المعمر، أبي العباس أحمد الأندلسي المعروف، بالمشاط ، وسمع صحيح البخاري، وصدر مسلم على ولي الله الشيخ أبي عبد الله أحمد البكي المغربي، بحق روايته لذلك عن شيخ الإسلام، ابن حجر المصري، وفضل في بلاده، وبرع، وتميز، وولي قضاء عسكر تونس، في دولة سلطانها مولاي حسن بن محمد بن عثمان بن المنصور بن عبد العزيز الحفصي، ثم قدم من طريق البحر، إلى القسطنطينية، في دولة السلطان سليمان خان بن عثمان خان، فعظمه، وأكرم مثواه، ورتب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى صار قاضياً للعسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظماً مبجلاً، نشر الفوائد، وحرر الفرائد، وأملى بها أمالي على شرح الشاطبية للجعبري، إلى أثنائه، وكان مسكنه بها في عمارة الوزير محمود باشا، ثم استأذن من السلطان، في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم، وشدة بردها فأذن له في الرحلة إليها، وأمر أن يستوفي ما عين له، من العلوفة من خزنتها، فتوجه إلى البلاد المصرية، من طريق البر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، فدخل حلب وانتدب للقراءة عليه، والأخذ عنه جماعة، من أهلها منهم ابن الحنبلي، وقرأ عليه في العضد دروساً، ثم توعك بها، وعوفي، ثم سافر من حلب في صحبته الشمس الطبلي ودخلا طرابلس، وأقام بها مدة وانتفع به، أهلها في النحو وغيره، ثم رحلا منها إلى دمشق فدخلاها يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى من السنة المذكورة، ونزل بجامع تنكز، ثم انتقل إلى بيت القاضي زين الدين معروف الصهيوني الشافعي، داخل دمشق فاجتمع به أفاضلها، وشهدوا له بالعلم، والتحقيق خصوصاً في التفسر، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراءات، والمعاني، والبيان وقالوا: لو يرد إلى دمشق من مستحضر كلام السعد التفتازاني، والسيد الشريف، ويقرره، وما يرد عليه، وقرأ عليه الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي، في أوائل تفسير القاضي البيضاوي، فأفاد وأجاد إلى الغاية، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض شرح آداب البحث للمسعودي، وقرأ عليه الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراءات، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من السنة المذكوره، وودعه جماعة من الطلبة إلى داريا وألف تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي مؤلفاً في تاريخ سفره، بالكسور العددية، وسماه السكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش، وقال ابن الحنبلي في ترجمته، كان عالماً علامة متفننا مفننا، ذا ادراك عجيب، واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أن يقريء مثل العضد المرة بعد المرة، من غير مطالعة، قال ولده محمد: وكان من عادته الاستلقاء على القفا، ولو حالة التدريس، وعدم النهوض لمن ورد عليه، من الأكابر إلا لبعض الأفراد، وقليل ما هم كل ذلك لما كان عنده من حب الرفاهية، والراحة، والانبساط، والشهامة، انتهى.

وقال صاحب الشقائق: بعد أن ذكر أنه أخذ عن الشيخ مغوش، وقرأ عليه، وبحث معه، كان رحمه الله تعالى آية كبرى، من آيات الله في الفضل والتدقيق، والحفظ، والتحقيق، وكان يقريء القرآن العظيم للسبعة، بل للعشرة، من حفظه بلا مطالعة كتاب، وكان يعرف علم النحو، والصرف، في غاية ما يمكن، وكان شرح التلخيص، مع حواشيه، للسيد في حفظه، من أوله إلى آخره، مع تحقيقات، وتدقيقات زائدة، من عنده وكذا شرح الطوالع للأصفهاني، وشرح المواقف للسيد الشريف، كانا محفوظين له مع اتقان، وتدقيق، وكذا شرح المطالع للعلامة قطب الدين الرازي، كان في حفظه من أوله إلى آخره، وكانت قواعد المنطق محفوظة، له بحيث لا يغيب منها شيء عن خاطره، وكذا التلويح في شرح التوضيح، وشرح مختصر ابن الحاجب للقاضي عضد الدين الأيجي، مع حواشيه في حفظه، ولم نجد شيئاً من قواعد علم الأصول إلا وهي محفوظة، وكذا الكشاف، مع حواشي الطيبي، كان محفوظاً من أوله إلى آخره، وبالجملة كان من مفردات الدنيا، إلى أن قال: ومع ذلك كان لين الجانب، طارحاً للتكليف، متصفاً بالأخلاق الحميدة، وكان مشتغلاً بتلاوة القرآن في أعم أوقاته، وكان يطالع في حفظه، كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب، ولا ورقة، أصلاً انتهى.
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما ذكره ابن الحنبلي، في تاريخه نقلاً عن تلميذ الشيخ مغوش البرهمتوسي الحنفي، وفي العشر الأواخر من شعبان سنة سبع وأربعين، وقيل ثمان وأربعين وتسعمائة، كذا قال ابن الحنبلي: قلت: والظاهر الأول لأن ابن طولون ذكر في تاريخه، أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق، يوم الجمعة سابع شوال، سنة سبع بتقديم السين وأربعين وتسعمائة، قيل: ومطر الناس يوم دفنه، وعمر عليه داود باشا نائب مصر، عمارة بجوار الإمام الشافعي وحدثنا شيخنا شيخ الإسلام، أقضى القضاة، المحب الحنفي، فسح الله في مدته، أنه قرأ على قبره ما نصه:
أيا ملك العلماء يا من ... به في الأرض أثمر كل مغرس
لئن أوحشت تونس بعد بعد ... فأنت لمصر ملك الحسن تونس
قلت: ولقد أحسن الشيخ محمد الفارضي المصري في قوله يرثيه:
تقضى التونسي فقلت بينا ... يروح كل ذي شجن ويونس
أتوحشنا وتونس بطن لحد ... ولكن مثل ما أوحشت تونس
ورثاه ابن الحنبلي، لما بلغه وفاته بقصيدة قال فيها:
أدخل في ظل عفوه الأحد ... من لا يداني مثله أحد
عالم إقليم تونس حرست ... من فرقة للضلال تعتقد
ومن تولى قضاء عسكرها ... فما تولى عن معدم مدد
وانتشرت للورى فواضله ... فما لها مثل فضله عدد
وكان بحراً بجوفه درر ... روية لا تزال تتقد
ومن علوم غدت لفرقته ... ذات أمس ليس دونها جلد
فاللغة اختل نظم مجملها ... كأنما خان روحها الجسد
والنحو ما زال باب ندبته ... يبكى عليه لفرط ما يجد
والشعر لولا رثاؤه انقطعت ... أسبابه بل ولم يكن وتد
ذو دقة في البيان منشاها ... فرط ذكاء وفطنة تقد
ومنهل في البديع باذله ... حلو، وأين النبات والبرد
ذو قدم في الأصول راسخة ... بكى لفقدان مثلها العضدخ
وذو كلام عدت طوالعه ... عوادياً حين عاد يفتقد
من مغرب الشمس شمسه بزغت ... ثم اضمحلت بعكس ما نجد
توزن بالساعة التي، قربت ... وأن أهل الكمال قد بعدوا
مضى مغوش لروض تربته ... تاريخه من كان حوضه يرد
وأعطش الواردين حين مضى ... فاحترقت من فراقه الكبد
إلى أن قال:
أدخله الله ظل رحمته ... فهو الرحيم المهمين الصمد
محمد بن محمد أحد موالي الروم

محمد بن محمد، المولى العلامة، محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم، المعروف بابن قطب الدين، قرأ على الشيخ مصطفى العجمي، ثم على المولى سيدي جلبي القوجوي، ثم على المولى يعقوب ابن سيدي، ثم على الفاضل بن المؤيد، ثم صار مدرساً بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا، ثم ترقى في التداريس، وولي قضاء حلب، ثم بروسا، ثم إسلام بول، ثم ولي قضاء العساكر الأناظولية، ثم عزل عنه، وأعطي تدريس إحدى الثماني، وعين له كل يوم مائة وخمسون عثمانياً، وما مكث إلا يسيراً حتى ترك التدريس، والمناصب، وذهب إلى الحج الشريف، ثم رجع إلى الروم، وتقاعد بالقسطنطينينة، وعين له كل يوم مائة وخمسون عثمانياً، وكان كما قال صاحب الشقائق، عالماً فاضلاً صالحاً، ورعاً محباً للصوفية، سالكاً لطريقهم، واعتزل الناس، واشتغل بخويصة نفسه، وكان لا يذكر أحداً إلا بخير، وكان له معاملة مع الله تعالى، وقال ابن الحنبلي كان أصيلاً عريقاً ينسب أباه إلى قاضي زاده الرومي، والعلاء القوشجي، ذا حشمة وسكينة، ووقار، واعتقاد في أهل الصلاح، وشغف بكلام الصوفية، وتبجيل العلماء، وذكر أيضاً أنه كان في ولايته بحلب عفيفاً عن الرشى صابراً على تلاحي الخصام مسامحاً لمن ربما يسمعه غليظ الكلام وكان لا يفصل بين الحكومات المشكلة إلا بعد التروي الكلي، في مدة مديدة، لم يقضي بالحق، وكان يكره أهل التزوير، ويعزرهم، وتعفف في آخر عمره عن أخذ سجلات الحسبة، ومن شعر ابن الحنبلي، مؤرخاً لتولية المشار إليه قضاء العسكر:
تولى ابن قطب الدين قاضي عسكر ... على وفق ما ترجو الأعاجم والعرب
فأبديت تاريخ الولاية قائلاً: ... يطاع يقيناً في ولايته القطب
وكانت وفاته في سنة سبع - بتقديم السين - وخمسين وتسعمائة.
محمد بن محمد إمام الباشورةمحمد بن محمد بن عبيد، الشيخ الفاضل الصالح الواعظ، نجم الدين، ابن الشيخ العالم الصالح المقرىء المجيد، شمس الدين محمد الضرير، إمام مسجد الباشورة، توفي نهار الجمعة، بعد العصر سادس عشري ذي القعدة سنة ستين وتسعمائة، ودفن يوم السبت على والده في تربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد القرمشيمحمد بن محمد الأمير نجم الدين القرشي، الدمشقي، كان فاضلا يقرأ القرآن، ويبكي عند التلاوة، وكان بينه وبين الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي، مودة ومحبة، مات في سنة ستين أو إحدى وستين، وتسعمائة، ومات بعده ولده الأمير محمد، كنز الدين بتسعة أشهر، وهو والد محمد جلبي ابن القرمشي.
محمد بن إبراهيم البلبيسيمحمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل، الشيخ العلامة شمس الدين البلبيسي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي الوفائي، واعظ دمشق، أخذ عن الشيخ أبي الفتح السكندري، المزي، وغيره وكان أسن من الإمام الوالد، ومع ذلك أخذ عنه، فذكره الشيخ الوالد، في فهرست تلاميذه، وقال: أجزته بعض مؤلفاتي، وأشعاري وحضر دروساً من دروسي، وسألني في تأليفي منظومتي، المكما المسماة بنظم الدرر، في موافقات عمر، وفي شرحها قال: وقد تعرضت لذلك إشارة فيها، وتصريحاً في شرحها انتهى.
وكان الوفائي مجاوراً في خلوة بالخانقاه الشميصاتية، لصيق الجامع الأموي، وانقطع بها خمس سنوات، وقد تعطل شقه الأيسر، وفي يوم السبت حادي عشر رجب سنة خمس وثلاثين، دخل عليه اثنان من المناحيس، وهو على هذه الحالة، فأخذا منه منديل النفقة بما فيه، وعدة من كتبه، وذهباً، كان عنده، وكان ذلك قبل صلاة الصبح فأقام الصوت عليهما، فلم يدركا كما ذكره ابن طولون في تاريخه، وكان ذلك زيادة في ابتلائه رحمه الله تعالى فإنه كان من عباد الله الصالحين، وكانت وفاته في رجب سنة سبع وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن إبراهيم الشنائيمحمد بن إبراهيم الشيخ الإمام العلامة، شمس الدين أبو عبد الله بن البرهان الشنائي المالكي، قاضي القضاة بالديار المصرية، كان ممن جمع بين العلم، والعمل قواماً صواماً، له شرح على الرسالة، عظيم وعدة تصانيف مشهورة، وكان ممن أجمع الناس على جلالته، وتحريره لنقول مذهبه، أخذه عنه السيد عبد الرحيم العباسي الإسلابولي وغيره، وكان موجوداً في سنة سبع بتقديم السين وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي

محمد بن إبراهيم بن بلبان، الشيخ الصالح شمس الدين البعلي، المعروف بجده مولده، كما قرأته بخطه في إجازته لشيخنا العلامة نور الدين محمد البيلوني الحلبي، تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، أخذ ورد ابن داود عن الشيخ عبد القادر ابن أبي الحسن البعلي، الحنبلي، بحق روايته، عن ولد المصنف للورد المذكور، سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر، ابن داود عن أبيه، وكانت إجازته لشيخنا المذكور بالجامع الجديد بدمشق، سنة ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن أبي بكر ابن قاضي عجلونمحمد بن أبي بكر، بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن محمد بن شرف، الشيخ العلامة، قاضي قضاة الشافعية، بدمشق نجم الدين ابن شيخ مشايخ الإسلام، تقي الدين ابن قاضي عجلون الشافعي، مولده بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم، واشتغل على والده في المنهاج، وغيره، ودرس نيابة عن والده بمدرسة شيخ الإسلام، أبي عمر، وولي خطابة جامع يلبغا، وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة، ولما دخل مع أبيه إلى القاهرة، في حادثة محب الدين ناظر الجيوش المتقدمة، في ترجمة السيد كمال الدين بن حمزة، ولاه السلطان الغوري قضاء القضاة بالشام، استقلالاً في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودخل دمشق، هو وأبوه ثامن عشري شعبان، منها واعتقل بقلعة دمشق، في جامعها في عشية الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة، من سنة خمس عشرة وتسعمائة ثم عزل في ثاني ذي القعدة منها، وأعيد القاضي ولي الدين بن الفرفور، وتوفي القاضي نجم الدين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، ودفن عند والده بتربة باب الصغير.
محمد بن أبي الطيب البكري الحلبيمحمد بن أبي الطيب، بن محمود الشيخ شمس الدين البكري الحلبي القلعي الشافعي، ولي خطابة الجامع وإمامة المقام بحلب وتوفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الكفتيمحمد بن أحمد الشيخ شمس الدين، الدمشقي الكفتي، أحد العدول بدمشق، توفي يوم الثلاثاء خامس عشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن الفرفورمحمد بن أحمد، بن محمود، بن عبد الله، بن محمود قاضي القضاة، ولي الدين، ابن قاضي القضاة، شهاب الدين، بن الفرفور الدمشقي، الشافعي، مولده في ثامن عشر جمادى الأولى، سنة خمس وتسعين، بتقديم - التاء - وثمانمائة - وحفظ القرآن العظيم، والمنهج في الفقه لشيخه شيخ الإسلام، زكريا، وجمع الجوامع لابن السبكي، وألفية ابن مالك، وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، وبالقاهرة عن قاضي القضاة زكريا، المذكور، والبرهان ابن أبي شريف، وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدين الناجي، والشيخ أبي الفتح المزي، والشيخ أبي الفضل ابن الإمام، والشيخ جمال الدين بن عبد الهادي، وبمصر عن الشيخ المحدث تقي الدين ابن الشيخ محب الدين، الأوجاقي، وغيره، وأجاز له جماعات في عدة استدعاآت، وولي قضاء قضاة الشافعية، بدمشق بعد وفاة أبيه وعزل عنه وأعيد إليه مراراً آخرها في سنة ثلاثين وتسعمائة، وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين وتسعمائة، وعزل عنه في أثناء صفر سنة سبع وعشرين، وعاد إلى دمشق، وكان آخر قاض تولى حلب من قضاة أولاد العرب، ومع توليته بدمشق، وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه، وصار لنائب الشام عيسى باشا عليه حقد آخراً، فسافر من دمشق يوم الاثنين ثامن عشر رمضان سنة ست وثلاثين، وسافر في صحبته شيخ الإسلام الوالد، قاصدين بلاد الروم، ودخل حلب يوم الأربعاء سابع عشري رمضان المذكور، وعيدوا بها، فلما كان يوم الاثنين ثالث شهر شوال حضر أولاقان ، من جهة عيسى باشا نائب الشام، ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني بعود القاضي الفرفور محتفظاً للتفتيش عليه، وتحرير ما نسب من المظالم إليه، وأن المتولي عيسى باشا، وقاضي الشام ابن إسرافيل مكانه، فرجع ابن الفرفور إلى دمشق، وسافر شيخ الإسلام الوالد إلى بلاد الروم كما بينه الشيخ الوالد في رحلته:
سارت مشرقة وسرت مغرباً ... شتان بين مشرق ومغرب

ووصل ابن الفرفور إلى دمشق يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال، ووضع في قلعتها ثم نودي من الغد بالتفتيش عليه، وشرع في ذلك من يوم السبت ثاني عشري شوال واستمر التفتيش عليه أياماً في نحو خمسة عشر مجلساً قال الشيخ الوالد: رحمه الله تعالى: وخرج عليه من كان داخلاً فيه، وراكناً إليه، وشدد عليه في الحساب، من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن، ومن حيث أمل الربح جاء الغبن، ثم أنشد:
رب من ترجو به دفع الأذى ... عنك يأتيك الأذى من قبله
ريما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله
وبقي مسجونا بالقلعة، إلى أن توفي بها في يوم الثلاثاء، سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان، رضي الله تعالى عنه، ورثاه جماعة منهم، الشيخ علاء الدين بن عماد الدين فقال:
إلى الله أشكو ما لقيت من البعد ... وما حل بي يوم الفراق من الوجد
نأى راحلاً عن منزلي من أحبه ... وأصبحت ولهاناً من البعد والصد
وأهون شيء ما أقاسي من الجوى ... إذا ما صفا عيش الأحبة من بعد
خليلي نوحا وانعيا في الورى فتى ... لقد كان بين الناس كالعلم الفرد
غريق الذرى قاضي القضاة الذي رقى ... إلى الغاية القصوي بالحلم والرشد
أذاب فؤادي بالفراق وهجره ... سقاني أخير العصر من أول الرعد
لقد كان أعلى الناس في المجد مطلقاً ... وأوفاهم بالقول والفعل والعهد
وكان إمام الناس شامة جلق ... جزيل العطا مبدي الندى حاتم المجد
لقد أظلم الأكوان فيه فراقه ... وصار ضياء الشمس كالفاحم الجعد
وقد كان قطب الكون والناس حوله ... نجوم وهم في طالع العز والسعد
ألا يا بروحي هل لك اليوم عودة ... فتقري سلامي جيرة العلم الفرد
إذا زمزم الحادي بذكراه في الورى ... يسابقه ركب من الدمع في خد
وصفت بمحمر من الدمع بعده ... من الرمل مبيضاً لأرعى به عهدي
وقد كان ذا عزم وحزم وهيبة ... وأولى الندى للناس من كان في المجد
فيا رب بالمختار طه محمد ... تجازي ابن فرفور بجنتك الخلد
تعامله بالغفران والعفو والرضى ... إذا ما أضا برق يجيء بني سعد
محمد بن أحمد الغمري المصري

محمد بن أحمد الشيخ الصالح الورع، سيدي أبو الحسن ابن الشيخ العارف بالله تعالى، سيدي أبي العباس الغمري المصري الشافعي الصوفي، رأى الشيخ محمد الشناوي في منامه، أن نخلة في جامع الغمري قطع رأسها، فطلع لها رأس في الحال، فأول ذلك أن سيدي أبا الحسن يخلف أباه، فكان كذلك قال الشعراوي: جاورت عنده ثلاثين سنة ما رأيت أحداً من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح، وكان يقول: إذا سمع أحداً يعد ذهباً يضيق صدري، وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه الذي عليه، وكان يخدم في بيته ما دام فيه، ويساعد الخدام يقطع العجين، ويغسل الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه، وكان شديد الحياء لا ينام بحضرة أحد أبداً ويقول: أخاف أن يخرج مني ريح وأنا نائم، وكان حمل المعاشرة خصوصاً في السفر لا يتخصص بشيء عن الفقراء، وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلاً، وكان حلساً من أحلاس بيته لا يخرج منه إلا للصلاة وقراءة الجزء أو حاجة ضرورة، وإذا خرج ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير منزله، مات - رضي الله تعالى عنه - في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، ودفن عند والده في المقصورة أخريات الجامع التي من إنشاء أبيه سيدي أبي العباس الغمري رضي الله تعالى عنه. محمد بن أحمد الرملي: محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن نصر الشيخ أبو الفضل الرملي، أحد العدول بدمشق، والإمام بالجامع الأموي شريكا للشيخ تقي الدين القاري، ذكر ابن طولون أنه كان حسن السياسة، وكان يرجع إليه الناس في المحكمة الكبرى، توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وتسعمائة عن دنيا واسعة، ومتاجرات، ووظائف قال ابن طولون، وكثر الثناء عليه، واستقر الإمامة عليه بإشارة الأفندي ثم في يوم الجمعة، وصل مكتوب الأمير علي باك الدفتر دار بحلب لشيخ الإسلام الوالد البدر الغزي، وفيه أنه الإمامة عن الشيخ أبي الفضل الرملي، فباشرها شريكه العلامة الشيخ تقي الدين القاري.
محمد بن أحمد البكائيمحمد بن أحمد المولى محمد شاه ابن المولى شمس الدين البكائي الحنفي، أحد الموالي الرومية، كان فاضلاً محققاً مشتغلاً بنفسه لا يذكر أحداً بسوء، قرأ على جماعة ثم صار معيداً لدرس المولى علي الجمال المفتي، ثم صار مدرساً بمدرسة مراد باشا بالقسطنطينية، ثم ترقى إلى إحدى المدارس الثماني، ومات على ذلك في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
محمد بن أحمد الخالديمحمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح ابن مولانا جلال الدين الخالدي البكشي ، ثم السمرقندي الحنفي، المشهور بمنلا محمد شاه كشهرة الذي قبله، غير أن ذاك رومي، وهذا عجمي، والأول مات بالروم، وهذا بحلب، كان شيخاً معمراً نحيف البدن محققاً مدققاً متواضعاً سخياً، قرأ على أكابر علماء العجم كالمنلا عبد الغفور اللاري أحد تلامذة منلا عبد الرحمن الجامي، قدم حلب في سنة خمس وأربعين وتسعمائة متوجها إلى مكة هو وولده عبد الرحيم، وكان اشتغاله إذ ذاك بمطالعة شرح الفصوص للجامي، وبكتابة حاشية على شرح الجامي على الكافية قال ابن الحنبلي: اجتمعت به مراراً، واستفدت منه قال: وكانت وفاته في السنة المذكورة يعني سنة خمس وأربعين، ودفن بمقبرة الصالحين بحلب.
محمد بن أحمد بن نقيب الأشراف بحلبمحمد بن أحمد بن يوسف، السيد الشريف الحسني الإسحاقي، ابن نقيب الأشراف بحلب، كان له حشمة، وحسن ملتقى، وانطلاق لسان، واقتدار على لطف العبارة. توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
محمد بن أحمد البابيمحمد بن أحمد بن عمر الشيخ نجم الدين ابن الفقيه الأصولي، شهاب الدين ابن الشيخ الصالح زين الدين البابي، ثم الحلبي الشافعي الخطيب ابن الخطيب ابن الخطيب الشهير في مدينة الباب بابن صليلة، وفي حلب بالنجم الإمام لأنه كان إماماً بخيربك الأشرفي كافل حلب، وربما كان يخطب في الأعياد بجامع حلب، وكان له قراءة حسنة، وصوت جهوري مطرب، توفي في أواخر ذي الحجة سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الشويكي الحنبلي

محمد بن أحمد الشيخ العلامة شمس الدين الشويكي الصالحي الحنبلي، كان فقيهاً وأفتى مدة، ثم امتنع من الإفتاء في الدولة الرومية، وكان إماماً في الحاجبية، وكان أستاذاً في الفرائض والحساب، وله يد في غير ذلك توفي يوم الاثنين يوم عاشوراء سنة تسع وأربعين وتسعمائة بغتة، عن نحو إحدى وأربعين سنة، وصلي عليه بجامع الحنابلة في سفح قاسيون، ودفن إلى جانب قبر العلامة علاء الدين المرداوي الحنبلي، مؤلف التنقيح عند ظهره شرقي صفة الدعاء بالسفح.
محمد بن أحمد الشهير بالمولى حافظمحمد بن أحمد بن عادل باشا المولى الفاضل حافظ الدين الحنفي، أحد الموالي الرومية الشهير بالمولى حافظ، أصله من ولاية بردعة في حدود العجم، قرأ في صباه على مولانا يزيد بتبريز، وحصل عنده وبرع عليه واشتهرت فضائله وبعد صيته، ولما وقعت في العجم فتنة إسماعيل بن أردبيل ارتحل إلى الروم، وخدم المولى الفاضل عبد الرحمن بن المؤيد، وبحث معه وعظم اعتقاده فيه وزكاه عند السلطان أبي يزيد خان فأعطاه تدريساً بأنقره، فأكب هناك على الاشتغال، وكان حسن الخط، سريع الكتابة، كتب شرح الوقاية لصدر الشريعة في شهر واحد، ودرس هناك بشرح المفتاح للسيد، وكتب حواشي على بعض من شرح المواقف، وكتب القسم الثاني من المفتاح في خمسة عشر يوماً بخط حسن، وكتب على حواشيه ما استحسنه من شرح الفاضل الشريف، وأتم تلك الحواشي، والانتخاب في خمسة أشهر، ثم رحل إلى القسطنطينية، وعرض الحاشية على ابن المؤيد، فوقعت منه الموقع وابتهج بها، ثم صار المولى حافظ مدرساً بمدرسة الوزير علي باشا بالقسطنطينية، وكتب حواشي على شرح المفتاح للسيد، ثم صار مدرساً بمدرسة إزينق، وكتب هناك رسالة في الهيولى عظيمة الشأن، ثم أعطي تدريس إحدى المدارس الثماني، وكتب بها شرحاً على التجريد، ثم درس باياصوفية وألف كتابا سماه مدينة العلم، ثم تقاعد عن التدريس، وعين له كل يوم سبعون عثمانياً وأكب على الاشتغال بالعلم ليلاً ونهاراً لا يفتر عن مطالعة العلم بحيث أتقن العلوم العقلية، ومهر في العلوم الأدبية، ورسخ في التفسير، وألف رسائل أخرى كثيرة منها رسالة سماها نقطة العلم ورسالة سماها السبعة السيارة، وكان له أدب ووقار. توفي في سنة سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن الحمزاويمحمد بن أحمد بن أحمد بن يوسف بن أبي بكر الشيخ شمس الدين ابن الحمزاوي، مولده سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في الفقه، وهو أخو القاضي كمال الدين الحمزاوي.
محمد بن إسماعيل بن الأكرممحمد بن إسماعيل بن الأكرم، الشيخ الصالح شمس الدين، توفي هو والشيخ أحمد بن سعد الدين، والمحيوي، ولد صالح في يوم واحد قال والد شيخنا ولعله يوم الجمعة من شهر شعبان سنة ثلاث وستين وتسعمائه، ودفن بباب الفرادس، وصلى عليه قاضي القضاة أبو عبد الكريم في جم غفير.
محمد بن إدريس الحنفيمحمد بن إدريس المولى الفاضل السيد الشريف محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم الشهير بمعلول أفندي، دخل إلى دمشق ثالث عشر شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة ذاهباً إلى مصر متولياً قضاءها.
محمد بن إسماعيل العجلونيمحمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس الشيخ الإمام العلامة، شمس الدين العجلوني، ابن الشيخ الصالح الإمام العالم الورع، عماد الدين الميموني الشافعي، قاضي عجلون كان من أخص جماعة شيخ الإسلام الوالد، وتلاميذه، قسم عليه المنهاج والمنهج والتنبيه، وغير ذلك، وسمع عليه جانباً من صحيح البخاري، بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي، وقرأ عليه شرح المنفرجة الكبير للقاضي زكريا، وقسم عليه شرح جمع الجوامع هو والشيخ أبو بكر، والشيخ عمر ولدا شيخ الإسلام شمس الدين ابن أبي اللطف المقدسيان، وكتب له الشيخ إجازة مطولة أذن له فيها بالإفتاء والتدريس، وأثنى عليه كثيراً وقال في حقه: إنه من الفضلاء المتمكنين ذو يد طولى في القراءات والفقه، ومشاركة حسنة في الحديث والأصول والنحو وغير ذلك، قلت: وكانت وفاته في سنة خمس أو ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله.
محمد بن الياس الرومي جوي زاده

محمد بن الياس، المولى الفاضل العلامة الكامل، محيي الدين الحنفي، أحد الموالي الرومية، الشهير بجوي زاده، قرأ على علماء عصره ووصل إلى خدمة سعدي جلبي ابن الناجي، ثم خدم المولى بالي الأسود، وصار معيداً لدرسه، ثم أعطي تدريس مدرسة أمير الأمراء بمدينة بروسا، ثم ترقى في التدريس حتى أعطي إحدى الثماني، ثم صار قاضياً بمصر، ثم عاد من مصر وقد أعطي قضاء العساكر الأناظولية عوضاً عن قادري جلبي، فدخل دمشق يوم الثلاثاء ثامن رجب سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ثم صار مفتياً بالقسطنطينية، ثم تقاعد عن الفتوى، وعين له كل يوم مائتا عثماني، وكان تقاعده عن الفتوى في خامس عشري صفر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ويومئذ توجه السلطان سليمان خان إلى بلاد قزوين وصدوين، وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف السلطان عليه بسبب إنكاره على الشيخ محيي الدين بن العربي، وغالب الأروام على اعتقاده فخالفهم في ذلك، ووافقه على ذلك العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي، ثم القسطنطيني خطيب عمارة المرحوم السلطان محمد خان بن عثمان، ولكن خالفه في المسح على جوارخ الجوخ غير المجلد والنعل، فقال صاحب الترجمة: بالمنع وقال الشيخ إبراهيم: بالجواز. ذكر ذلك الشيخ شمس الدين ابن طولون في تاريخه مفاكهة الخلان قال: والصواب إن كان خف الجوخ مما يستمسك بنفسه، ويمكن تتابع المشي فيه لغلظه وقوته، صح وإلا فلا، وولى السلطان عن صاحب الترجمة في الفتوى قاضي العساكر قادر جلبي، ثم صار صاحب الترجمة بعد التقاعد مدرساً بإحدى الثماني، ثم قاضياً بالعساكر الرومتلية، وكان مرضي السيرة، محمود الطريقة، طارحاً للتكليف، متواضعاً مقبلاً على الاشتغال بالعلم، مواظباً على الطاعات، مثابراً على العبادات، قوالاً بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يحفظ القرآن العظيم، وكان له يد طولى في الفقه والتفسير والأصول، ومشاركة في سائر العلوم، وبالجملة كما قال صاحب الشقائق: كان سيفاً من سيوف الحق، قاطعاً فاصلاً بين الحق والباطل، حسنة من حسنات الأيام، وله تعليقات لكنها لم تشتهر مرض - رحمه الله تعالى - بعد صلاة العشاء، فلم يمض إلا نصف الليل حتى مات، وقيل مرض بعد صلاة العصر، ومات قبل صلاة المغرب، وذلك في سنة أربع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن بركات بن الكيالمحمد بن بركات، الشيخ الواعظ الفاضل، شمس الدين ابن الشيخ الواعظ الفاضل زين الدين، بن بركات بن الكيال الشافعي، أسمعه جماعة منهم والده على الشيخ برهان الدين الناجي وزوجه ابنته، واشتغل ووعظ بالجامع الأموي، وغيره وكان خطيب الصابونية، وكان عنده تودد للناس توفي يوم السبت عشري شوال سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن بهاء الدين

محمد بن بهاء الدين، بن لطف الله الشيخ الإمام العلامة المحقق الصوفي، المعمر المنور محيي الدين الحنفي، أحد الموالي الرومية الشهير ببهاء الدين زاده، قرأ على المولى الفاضل مصلح الدين القسطلاني، ثم على معلم السلطان أبي مزيد خان المولى المعروف بابن المعترف، ثم مال إلى التصوف، فخدم الشيخ العارف بالله تعالى محيي الدين الأسكليبي، وبقي عنده حتى أجازه بالإرشاد، وجلس مدة في وطنه بالي كسرى، ثم جاء إلى القسطنطينية، وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد وفاة المولى عبد الرحيم بن المؤيد، وربي كثيراً من المريدين، وكان عالماً فاضلاً في العلوم الشرعية والفرعية ماهراً في العلوم العقلية، عارفاً بالتفسير والحديث، والعربية، زاهداً ورعاً ملازماً لحدود الشريعة، مراعياً لآداب الطريقة، جامعاً بين علوم الشرع ومعارف الحقيقة، ولما مرض مفتي التخت السلطاني علاء الدين الجمالي، وطالت مرضته وعجز عن الكتابة قيل له اختر من العلماء من يكون مقامك، فاختار المولى المذكور لوثوقه بفقهه وورعه وتقواه، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ووقع منه كلام في حق إبراهيم باشا الوزير بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحنق عليه الوزير، فخافوا على الشيخ منه، وأشاروا إليه أن يسكت عنه فقال: غاية ما يقدر عليه القتل وهو شهادة، والحبس وهو عزلة وخلوة، والنفي وهو هجر، وله تآليف حسنة منها شرح الأسماء الحسنى وتفسير القرآن العظيم، وشرح الفقه الأكبر للإمام الأعظم أبي حنيفة، جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف، وله في التصوف رسائل كثيرة، ومن مكاشفاته ما حكاه صاحب الشقائق عن نفسه أنه لما كان مدرساً في إحدى الثماني رأى في المنام في ثلث الليل الأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه تاجاً من المدينة المنورة، فلما صلى الصبح دخل عليه رجل من قبل صاحب الترجمة لم يكن دخل عليه قبل ذلك فقال له الشيخ: أن الواقعة التي رأيتها معبرة بأنك ستصير قاضياً، ثم اجتمع به صاحب الشقائق بعد مدة فذكر له الواقعة، وتعبيره إياها مما تقدم فقال له: نعم هو كذلك فقال له: إنما أطلب القضاء فقال له: لا تطلب، ولكن إذا أعطيته بلا طلب، فلا تزده قال صاحب الشقائق: وكان هذا أحد أسبابه لقبول منصب القضاء، وحج صاحب الترجمة في سنة إحدى وخمسين، فدخل بلاد الشام، ولما رجع في السنة القابلة مات ببلده قيصرية ، ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري، وهو شيخ شيخه.
محمد بن حسام قراجلبيمحمد بن حسام المولى محيي الدين أحد الموالي الرومية المعروف بقراجلبي: ترقى في التداريس، حتى صار قاضياً بدمشق، ودخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة ولم تطل مدة ولايته بها.
محمد بن حسن بن الحاج حسنمحمد بن حسن المولى الفاضل، محمد شاه ابن المولى الحاج حسن، قرأ والده وغيره، ثم درس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثماني، وتوفي وهو مدرس بها، وله شرح على القدوري، وشرح على ثلاثيات البخاري، وكان مكباً على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته، وله مهارة في النظم والنثر مات رحمه الله تعالى في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن حسان الدمشقيمحمد بن حسان الشيخ الصالح، شمس الدين حسان الدمشقي الشافعي، أحد الفضلاء والبارعين قال ابن طولون: وكان غالباً عليه التنزه توفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه بمسجد الأقصاب، ودفن بمقبرة باب الفراديس - رحمه الله تعالى.
محمد بن الحسن بن عبادة الحلبيمحمد بن الحسن بن محمد بن عبد الواحد بن علي بن محمد بن يوسف بن محمد ابن الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد، الشيخ شمس الدين الأنصاري، المنسوب إلى سعد بن عبادة الحلبي الحنفي، أحد عدول حلب في الدولتين. كان فقيهاً شروطياً حلو الخط نظيف العرض، له استحضار لتواريخ الناس، وميل إلى مطالعة كتب التواريخ، وكان له حظوة عند قضاة حلب، وقبول عند أهلها، وكان يتعاطى شهادة الجريدة بسوق حلب أيضاً، توفي بماء الأسد، ثم بالإسهال، ليلة الاثنين تاسع عشري ربيع الثاني سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وأوصى أنه لا يملك من المال سوى دينار واحد أعطاه إياه الشيخ محمد الحانوتي فهو يتبرك به.

محمد بن حمدان الدمشقي
محمد بن حمدان، القاضي عز الدين الصالحي، ثم الدمشقي الحنفي، كان ناظراً على كهف جبريل بسفح قاسيون، وكان أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي، وناب في الحكم لعدة من القضاة منهم قاضي القضاة ابن يونس، وكان له حشمة وتأدب مع الناس تضعف سنين إلى أن توفي في أوائل ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل الصماديمحمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن صالح بن عيسى بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلم، الشيخ الصالح المعتقد المربي المسلك، ولي الله العارف له شمس الدين الصمادي، ثم الدمشقي، الشافعي القادري شيخ الطائفة الصمادية بالشام، كان - رضي الله تعالى عنه - من أولياء الله تعالى، وكان في حال الذكر يظهر منه أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته وشدة من صوف أحمر، فيما ذكره ابن طولون والمعروف عنه من حال الصمادية، وضع الشدود الحمر، والتعمم بالصوف الأبيض، ثم هم الآن يتعممون بالعمائم الخضر لثبوت نسبهم، وكان الشيخ محمد المذكور مجالسه حسنة، وكان للناس فيه اعتقاد خصوصاً أعيان الأروام، وسافر إلى الروم، واجتمع بالسلطان سليم خان ابن أبي يزيد خان ابن عثمان، فاعتقده اعتقاداً زائداً، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقر الأمر على أن عين له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلاها إلى الآن يستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلة الشاغور، وبعضه لذريته، وكان يقرأ في كل سنة مولداً يدعو إليه أعيان دمشق، وطلبتها وصلحاءها، ويمد لهم سماطاً، ويكرمهم ويحسن قراهم، واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل في دق الطبول، عند هيمان الذاكرين واشتداد الذكر، وأنكر عليهم جماعة، واستفتي شيخ الإسلام شمس الدين بن حامد الصفدي، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون فأفتيا بإباحته قياساً على طبل الحجيج، وطبل الحرب، ثم استفتي فيه شيخ الإسلام الوالد فأفتى بإباحته، كذلك، وكتب على السؤال مؤلفاً بسط القبول فيه على ذلك، مع التحرز والإتقان، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة، هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديماً بين يدي الشيخ، في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض الحكام بمنعهم من ذلك، في بعض الأيام وإخراج الطبل إلى خارج الجامع، فدخل الطبل محمولاً يضرب عليه، ولا يرون له حاملاً، ولا عليه ضارباً، واستمر الطبل في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع، مما يلي باب جيرون، وكان شيخ الإسلام الجد، والوالد يحضران مجالس الصمادية، وذكرهم وبالجملة أن مجالسهم مهيبة عليها الوقار، والأنس تخشع القلوب لسماع طبولهم، وإنشادهم لأنهم خالون عن التصنع، وكان بين صاحب الترجمة، وبين شيخ الإسلام الوالد تردد ومحبة. كما كان بين الجد وبين أبيه الشيخ خليل وجده الشيخ علي المحبة الزائدة، والمودة الأكيدة، تمرض الشيخ محمد مدة وأوصى في مرضه، وجعل الشيخ بدر الدين ابن المزلق وصياً على أولاده، والشيخ الوالد ناظراً عليه، ثم كانت وفاته يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وصلي عليه عقيب صلاة العصر بالجامع الأموي، ثم حمل إلى زاويته ودفن في إيوانها، ولم يدفن في نفس الزاوية لأنه قد وقفها قديماً، وخلف ثمانية عشر ولداً ما بين ذكور وإناث، أمثلهم الشيخ محمد أبو سلم، وترك دنيا عريضة.
محمد بن الخليل الحلبيمحمد بن الخليل ابن الحاج علي بن أحمد بن ناصر الدين بن محمد بن قصير العجمي، جده قنبر، واشتهر به الحلبي الشيخ الإمام الفاضل العالم العلامة العامل البارع الأوحد الكامل شمس الدين. مولده سنة إحدى وتسعمائة قال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض مجالس في قراءة الحاوي، ومغني اللبيب في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق، ثم رحل إلى بلد حلب قلت، ثم اجتمع به في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن سالم الطبلاوي

محمد بن سالم بن علي الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام، بقية السلف الكرام الشيخ ناصر الدين الطبلاوي الشافعي، أحد العلماء الأفراد بمصر أجاز شيخنا العلامة الشيخ محمود البيلوني الحلبي كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة قال: تلقيت العلم عن أجلة من المشايخ منهم قاضي القضاة زكريا، وحافظ عصرهم الفخر بن عثمان الديلمي ، والسيوطي، والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف، وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدين البيجوري، شارح جامع المختصرات، نزيل الثغر المحروس بدمياط بالإجازة العالية، عن شيخ القراء والمحدثين، محمد بن الجزري وقال الشعراوي: صحبته نحو خمسين سنة ما رأيت في أقرانه أكثر عبادة لدينه لا تكاد تراه إلا في عبادة، إما يقرأ القران، وإما يصلي، وإما يعلم الناس العلم، وانتهت إليه الرئاسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه قال: ولما دخلت مصر في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وكان - رضي الله تعالى عنه - مشهوراً في مصر برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليه الخلائق إقبالاً كثيراً بسبب ذلك، فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك، فأخفاه قال وليس في مصر أحد الآن يقرر في بيان العلوم الشرعية، وآلاتها إلا هو حفظاً، وقد عدوا ذلك من جملة كراماته، فإنه من المتبحرين في التفسير والقراءات والفقه والحديث والأصول والمعاني والبيان والطب والمنطق والكلام والتصوف، وله الباع الطويل في كل فن من العلوم، وما رأيت أحداً في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه، وجمع على البهجة شرحين، جمع فيهما من شرح البهجة لشيخ الإسلام، وزاده فيها ما في شرح الروض، وغيره وولي تدريس الخشابية، وهي من أجل تدريس في مصر يجتمع في درسه غالب طلبة العلم بمصر، وشهد له الخلائق بأنه أعلم من جميع أقرانه، وأكثرهم تواضعاً، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم نفساً. لا يكاد أحد يغضبه لما هو درس التمكين إذا حضر ولده يجلس بجانب النعال، فيكون هو صدر المجلس، وله صدقة كثيرة لا يكاد يبيت على دينار ولا درهم مع كثرة دخله تبعاً لشيخه الشيخ زكريا قال: وقد عاشرته مدة سنين أطالع أنا وإياه لشيخ الإسلام المذكور، فكنت أطالع من طلوع الشمس إلى الظهر، ويطالع هو من الظهر إلى غروب الشمس، فما كنت أظن أحداً بمصر أكرم مني مجلساً، فكنت إن نظرت إلى وجه شيخ الإسلام سررت، وإن نظرت إلى وجه الشيخ ناصر الدين سررت، وكأنما النهار الطويل يمر كأنه لحظة من أدبه وأدب شيخه، من حلاوة منطقهما وكثرة فوائدهما، لا سيما في علم التأليف والوضع وضم الألفاظ انتهى.
توفي كما بخط والد شيخنا نقلاً عن ثقات كانوا بمصر عاشر جمادى الآخرة سنة ست وستين وتسعمائة ودفن في حوش الإمام الشافعي، وكان له جنازة عظيمة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر شعبان قال والد شيخنا: وقيل لي أنه عمر نحو المائة وانتفع به خلق كثير رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل إمام جامع الجوزةمحمد بن خليل الشيخ الفاضل الصالح الزاهد أبو اللطف شمس الدين ابن الشيخ صالح غرس الدين، خليل القلعي الدمشقي الشافعي، إمام جامع الجوزة، خارج باب الفراديس بالقرب من قناة العوني، كان رحمه الله تعالى كوالده ورعاً زاهداً متعففاً، معتزل الناس، ويخدم نفسه، سالكاً على طريقة السلف الصالحين، مؤثراً لخشونة العيش، يلبس العبادة، له زاوية يقيم فيها الوقت لذكر الله تعالى على طريقة حسنة، وكان له خطبة بليغة نافعة، وموعظة من القلوب واقعة، توفي نهار الاثنين ثالث جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن رجب البهنسيمحمد بن رجب القاضي شمس الدين البهنسي، الحنفي وهو والد الشيخ نجم الدين البهنسي، مفتي الحنفية بدمشق، ذكر ابن طولون في تاريخه أنه كان نقيب الحكم، ثم فوض إليه قاضي القضاة الحنفية زين الدين ابن يونس نيابة القضاة يوم الخميس تاسع عشري جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة وقرأت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي، أنه توفي يوم الأربعاء عشري رجب سنة ثمان وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن سحلول البقاعي

محمد بن سحلول - بلامين - الحديثي البقاعي الشافعي، قال ابن طولون: كان صالحاً يحفظ القرآن العظيم حفظاً جيداً، ويقرأه في كل ثلاثة أيام قال: وقد أفادني عن بعض الصلحاء المصريين في دفع الفواق أن يقبض الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة. توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ودفن بمقربة البيمارستان النوري رحمه الله تعالى.
محمد بن سعيد الحلبيمحمد بن سعيد الشيخ الإمام العلامة محيي الدين بن سعيد الحلبي، قدم دمشق الشام، فصار إماماً لنائبها قصوره، وقرأ عليه عدة من الأفاضل، وصار له كلمة مسموعة. توفي بحلب سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة حادي عشر رجب منها رحمه الله تعالى.
محمد بن سويدان الحلبيمحمد بن سويدان الحلبي، كان شيخاً صالحاً منوراً همداني الخرقة، أدرك السيد عبد الله التستري الهمداني، وتلقن منه الذكر، وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان. توفي سنة خمس وستين وتسعمائة عن نحو مائة سنة.
محمد بن سيف الدمشقيمحمد بن يوسف القاضي شمس الدين الدمشقي الحنفي، ناب في القضاء عن قاضي ابن الشحنة، وعن قاضي القضاة ابن يونس بدمشق، ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البعلي البقسماطي عند قاضي دمشق، أنهما رافضيان فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد، ثم ألقي عليهما القنب والبواري الحطب، ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رماداً، ثم ألقي رمادهما في بردى، وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة قال ابن طولون: وسئل الشيخ قطب الدين ابن سلطان، مفتي السادة الحنفية عن قتلهما فقال: لا يجوز في الشرع بل يستتابان.
محمد بن سيف القسطنطينيمحمد بن سيف الشيخ العلامة شمس الدين الحلبي، ثم القسطنطيني الشافعي، إمام عمارة محمود باشا، أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب، ثم توطن القسطنطينية حتى مات، وكان حسن السمت والملبس، وكان يعظ الموعظة الحسنة، وكان له حظوة تامة عند بعض أكابر الدولة، وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمالاً وقد قيل:
العلم يرفع بيتا لا عماد له ... والجهل يخفض بيت العز والشرف
توفي سنة إحدى وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة أمين.
محمد بن شعبان الضيروطي

محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الضيروطي، المصري الشافعي، المشهور بابن عروس مولده سنة سبعين - بتقديم السين - وثمانمائة، بسنديون تجاه ضيروط، وأخذ العلم عن جماعة منهم الشهاب الشيخ أحمد المغربي التونسي، المعروف بابن شقير. أخذ عنه النحو، وقرأ عليه في التوضيح والوافية، ومنهم الشيخ نور الدين المحلي قرأ عليه شرح جمع الجوامع للمحلي، جميعه مع حاشيته لشيخ الإسلام، الكمال بن أبي شريف، وشرح الشمسية للقطب جميعه، وحاشيته للسيد الشريف، ورحل إلى بيت المقدس، فلزم الكمال ابن أبي شريف، المذكور أحد عشر شهراً، وسمع عليه شرح جمع الجوامع مع حاشيته له، وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة، ولقي سيدي أبا العون المغربي صحبة الشيخ نور الدين المحلي، وسأله الشيخ نور الدين أن يدعو له فدعا له أن يزيده الله من فضله، فسأله الشيخ شمس الدين أن يدعو له بمثل ذلك، ففعل وقرأ ثلاثيات البخاري على أمة الخالق بنت العقبي بحق إجازتها من عائشة بنت عبد الهادي، عن الحجار، وكان طارحاً للتكيف، متواضعاً ذكياً، يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب، وكان يحفظ كتبا كثيرة يسردها عن ظهر قلب حتى كأنها لم تغب عنه فجمع الله تعالى له بين الفهم والحفظ، وكان مدرساً بمقام الإمام الشافعي بمصر فأخذه عنه رجل أعجمي، فرحل إلى بلاد الروم واسترده مضموماً إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية، وكانت رحلته إلى الروم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، فدخل دمشق وحلب، وأخذ عنه بها جماعة من أهلها منهم ابن الحنبلي، قرأ عليه شرح النخبة لمؤلفها ابن حجر، وأذن له أن يقرئه، وأن يروي عنه صحيحي البخاري ومسلم وسائر مروياته، ثم دخل إلى دمشق عائداً في سنة اثنتين وأربعين فأكرمه علماؤها، واجتمع به ابن طولون عند الشيخ قطب الدين ابن سلطان قال: فسلمت عليه ورأيته يتذاكر معه فتحققت أنه من أهل العلم قال: أخبرني الشيخ قطب الدين أنه اشتغل بفنون لا يعرفها غيره انتهى.
وأضافه شيخ الإسلام الوالد في يوم الخميس تاسع عشري شوال ضيافة حافلة حضرها جماعة من أهل العلم منهم الشموس الثلاثة ابن طولون الحنفي، والعجلوني الشافعي، والشويكي الحنبلي، قال ابن طولون: وكانت ضيافته هائلة وسافر من دمشق يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة المذكورة، هو والشيخ شرف الدين الرهاوي، وكانت وفاته بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشري شوال سنة تسع وأربعين وتسعمائة قال ابن طولون: إنه صلي عليه وعلى الشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي المتوفي بمصر أيضاً والشيخ شمس الدين بن عبد الرحمن الصهيوني خطيب جامع الأطروش بطرابلس، المتوفي بها صلاة الغائب بدمشق يوم الجمعة يوم عيد الأضحى من السنة المذكورة رحمهم الله تعالى.
محمد بن صالح الكيلانيمحمد بن صالح الشيخ العلامة الخطيب، أبو الفتح ابن الشيخ صلاح الدين الكيلاني الشافعي، خطيب المدينة المنورة وإمامها قدم الشام ودخل دمشق وحلب، وهو ممن اجتمع بشيخ الإسلام الوالد بالمدينة المنورة، ودمشق ولما دخل حلب امتدح اسكندر دفتر دار حلب بهذه الأبيات:
سود العيون هي السيوف البيض ... يومي إلى نفسي بها فتفيض
مقل تضاعف سقمها فنفضته ... فجرى بجسمي سقمها المنفوض
فالحسن ممحوض من الباري لها ... إن زاد فيها الغمز والتفضيض
مرض الجنون محبب بعيونها ... لكنه بجسومنا مبغوض
تلك التي هي جنتي وبخدها ... نار عليها ناظري معروض
وهناك تفاح يزيد غضاضة ... والمجد منه اسكندر ممحوض
ليث يهيج على فراسته ولا ... يثنيه عنها في العرين ربوض
لو عز بحر للجسام لخاضه ... ونجا ولم يبتل حين يخوض
وهو الحليم إذا أتى بكبيرة ... حاف وأزلق أخمصيه دحوض
وله العزائم كالصوارم لم يكن ... ليكلها التهوين والتمريض
ومدبر قد أبرمت أراؤه ... حكما يعز لمثلها التنقيض
وجليس كتب ما خض لعلومها ... ليجي بزبدتها له التمخيض
سود الدفاتر عنده معشوقة ... عشقاً تمنته الحسان البيض

فاسلم سلمت لأهل دهرك مالكاً ... طول الزمان تسوسهم وتروض
وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الله الشنشوريمحمد بن عبد الله بن علي الشيخ العلامة، أبو عبد الله شمس الدين الشنشوري المصري الشافعي، مولده سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وأخذ عن الجلال السيوطي، والقاضي زكريا، والسعد الذهبي، والكمال الطويل، والنور المحلي، وله مؤلفات في الفرائض وأجاز ابن كسباي في ربيع الأول سنة ثمانين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - وتوفي سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وله من العمر سبع وتسعون سنة.
محمد بن عبد الله العسكريمحمد بن عبد الله القاضي شمس الدين، بن الشيخ جمال الدين العسكري الصالحي الحنفي، حفظ القرآن العظيم، وأسمعه والده على جماعة منهم المحدث ناصر الدين بن زريق، وقرأ المختار في فقه الحنفية، وحل قطعة منه على الشيخ شمس الدين بن طولون، وولي القضاء ببعض النواحي قال ابن طولون ولكنه كان ينسب إلى شرب الراح توفي فجأة أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة عفا الله عنه.
محمد بن عبد الله الشهير بمحمد بيكمحمد بن عبد الله المولى الفاضل محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم الشهير بمحمد بيك، كان من مماليك السلطان أبي يزيد خان رغب في العلم، وترك طريق الإمارة، وقرأ على جماعة منهم المولى مظفر الدين العجمي، والمولى محيي الدين الفناري، والمولى بير أحمد جلبي، ثم خدم بن كمال باشا، وصار معيداً لدرسه، ثم درس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية، ثم ببعض المدارس، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، ثم اختل دماغه، ثم برأ فسافر إلى مصر في البحر، فأسرته النصارى، فاشتراه بعض أصدقائه منهم، ثم عاد إلى القسطنطينية، فأعطاه السلطان سليمان خان سلطانية بروسا، ثم مدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم قضاء دمشق، فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين وتسعمائة، وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين، فعاد إلى الروم، واختل مزاجه غاية الاختلال، وأعطي في أثناء المرض قضاء مصر، فسافر إليها في أيام الشتاء فأدركته المنية، في الطريق، وكان محباً للعلم، وأهله وللصوفية، وله مهارة في العلوم العقلية، ومعرفة بالعلوم الرياضية، وله تعليقات على بعض الكتب، وملك كتباً كثيرة طالع أكثرها توفي - رحمه الله تعالى - في بلدة كوتاهية سنة خمسين وتسعمائة رحمة واسعة آمين.
محمد بن عبد الله الحميريمحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن قاسم الشيخ شمس الدين الحميري، البستي المالكي القاضي بصفد ابن قاضي قضاتها كان عالماً فاضلاً، وسمع على شيخ الإسلام الوالد شيئاً من صحيح مسلم.
محمد بن عبد الأول التبريزيمحمد بن عبد الأول التبريزي أحد موالي الروم رأى الجلال الدواني، وهو صغير، وقرأ على والده قاضي حنيفة بمدينة تبريز، ودخل في حياة والده الروم، وعرضه المولى علي المؤيد على السلطان أبي يزيد خان لسابقة بينه وبين والده، فأعطاه مدرسة، ثم ولي تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، ثم بإحدى الثمان، وعزل، ثم أعطي إحداهن ثانياً، ثم أضرت عيناه فأعطي تقاعداً بثمانين درهماً، وكان فاضلاً زاهداً صحيح العقيدة، له حاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زاده توفي سنة أربع أو خمس وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الأول الحسيني

محمد بن عبد الأول، السيد الشريف، قاضي القضاة شمس الدين الحسيني الجعفري، التبريزي الشافعي، ثم الحنفي سبط صدر تبريز نعمة الله ابن البواب الشافعي، أحد الموالي الرومية، المعروف بشصلي أمير، اشتغل على والده العلامة منلا عبد الأول بن منلا إسماعيل القمر، أحد أصحاب منلا عبيد الله النقشبندي، وعلى منلا محمد البدليسي الشافعي، وغيرهما ودرس في حياة أبيه الدرس العام، في سنة ست عشرة أو سبع عشرة، ثم دخل الروم، وترقى في التدريس بمدارسها حتى وصل إلى إحدى الثماني، ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين وتسعمائة، ومنع وهو قاض بحلب من شرب القهوة على الوجه المحرم، ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ووافق القطب ابن سلطان الحنفي، والشيخ يونس العيثاوي، والد شيخنا في القول، بتحريم القهوة البنية، ونادى بإبطالها في يوم الأحد سابع ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين، ثم يعرض في إبطالها إلى السلطان سليمان خان فورد أمره الشريف بإبطالها في شوال من السنة المذكورة، فاشتهر النداء بذلك، وكان صاحب الترجمة عالماً فصيحاً، حسن الخط قال ابن الحنبلي: وكان له ذؤابتان يخضبهما، ولحيته بالسواد، وذكر ابن طولون أنه كان محمود السيرة، وكان له حرمة زائدة، توفي بالقسطنطينية في شهر المحرم سنة ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد البر بن الشحنةمحمد بن عبد البر، بن محمد أقضى القضاة، محب الدين ابن قاضي القضاة سري الدين، بن الشحنة، المصري المولد والمنشأ، الحنفي، كان أسمر من سرية أبيه المسماة غزال ، ولي نيابة الحكم عند والده، ثم نيابة الحكم عنه، ثم قدم إلى حلب عند إنقضاء الدولة الجركسية، بعد أن حج وجاور، وكان مقداماً محتشماً، حسن الملبس، لطيف العمامة، حسن المطارحة، لطيف الممازحة، رقيق الطبع، سريع الشعر، مع حسنه ورقته في الجملة، ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم:
يا حبيبي صل معني ... ذاب وجداً وغراما
وارحمن صباً كساه ... غزل عينيك سقاما
ورماه عن قسي الحا ... جب اللحظ سهاما
أنحلته رقة الخصرم ... نحولاً حيث هاما
لا يرى إلا خيالا ... إن تقل فيه نظاما
لم يذق من يوم غبتم ... عنه لا أكلا ولاما
أطلقت عيناه نهراً ... طلقت منه المناما
أوقدت حشو حشاه ... نار خديك ضراما
عجباً للنار فيه ... وبه حزت المقاما
إن بعد الوصل عادت ... لك برداً وسلاما
توفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وخمسن وتسعمائة، قبيل الفجر، ودفن بتربة موسى الحاجب، خارج باب المقام رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عبد الجليل الزرخونيمحمد بن عبد الجليل بن أبي الخير، محمد المعروف بابن الزرخوني، المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، الأستاذ ابن الأستاذ القواس العلامة الفاضل محب الدين، قال شيخ الإسلام، الوالد: ذكر لي أن مولده ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وطلب الحديث على كبر، وحصل عدة فنون، وكان من أخصاء الشيخ الوالد، ومحبيه، وكان ينوب عنه في إمامه الجامع الأموي. قال الوالد: ولزمني كثيراً، وقرأ علي ما لا يحصى كثرة، وكانت وفاته سنة ثلاث أو أربع وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد الرحمن العلقمي

محمد بن عبد الرحمن، بن علي ابن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة شمس الدين، أبو عبد الله العلقمي القاهري الشافعي، مولده تقريباً خامس عشر شهر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة كان أحد المدرسين بجامع الأزهر، وله حاشية حافلة على الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، وكتاب سماه ملتقى البحرين بين الجمع بين كلام الشيخين أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، اجتمع به في رحلته إلى دمشق سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وحضر بعض دروسه، وسمع منه تأليفه المسمى بالدر النضيد، في آداب المفيد والمستفيد، ثم رحل إلى القاهرة، ولما دخل شيخ الإسلام الوالد القاهرة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة لزمه العلقمي، وكان يقوم بمصالح الشيخ كلها، وأخذ أيضاً عن الشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ ناصر الدين اللقاني، وغيرهم وأجيز بالإفتاء والتدريس، فدرس، وأفتى، وكان قوالا بالحق، ناهياً عن المنكر، وكان له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وعمر عدة جوامع في بلاد الريف، تأخرت وفاته عن إحدى وستين وتسعمائة لأن الشعراوي ذكره في طبقاته الوسطى في الأحياء في هذه السنة.
محمد بن عبد الرحمن الحلبيمحمد بن عبد الرحمن بن عمر الحلبي، ثم الإسلام بولي أحد الموالي الرومية خدم الفاضل مصلح الدين الشهير بابن البريكي، ثم المولى شمس الدين باشا ابن المولى خضر بك ثم درس بصتوقة ثم صار قاضياً بعدة بلاد وكان فاضلاً بنى داراً للتعليم بالقسطنطينية، ووقف كتبه بالمدارس الثماني، ومات قاضياً بكفتة في دولة السلطان سليمان.
محمد بن عبد الرحمن الصهيونيمحمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام العلامة سري الدين الصهيوني الشافعي، خطيب جامع الأطروش بطرابلس، توفي بها وصلي عليه غائبة بدمشق، يوم الجمعة ليلة عيد الأضحى سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، مع الشمس الصفوري والشهاب التنوخي.
محمد بن عبد الرحمن الصفوريمحمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام الفاضل الصالح، قطب الدين الصفوري الصالحي الشافعي الواعظ، أخذ عن والده وعن الشيخ جلال الدين السيوطي بمصر، وعن غيرهما قال الشيخ يونس والد، شيخنا: كان له وعظ حسن وخطبة بليغة، ووالده كان من الصلحاء، والوعاظ، وهم بيت صلاح ودين توفي - رحمه الله تعالى - في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون.
محمد بن عبد الرحيم الفصي البعليمحمد بن عبد الرحيم، الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد، ولي الله تعالى العارف به شمس الدين بن المنير البعلي الشافعي، كان صاحباً ورفيقاً لشيخ الإسلام، بهاء الدين الفصي، وكان يحضر درسه كثيراً، وكان من أكابر إخوان شيخ الإسلام الجد، وكان يحترف بعمل الإسفيذاج ، والسيرقون، والزنجبار، ويبيع ذلك وسائر أنواع العطارة، وكان يجلس في حانوته ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس، في أوراق ملفوفة عدة، ويضع الأوراق في مكان عنده وإذا وقف عليه الفقراء أعطاهم من تلك الأوراق ما يخرج في يده، لا ينظر في الورقة المدفوعة، ولا في الفقير المدفوع إليه، وكان كثير الصدقة معاوناً على البر والتقوى، وكان يعمر المساجد الخراب، ويكفن الفقراء، وكان له مهابة عند الحكام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان ناصحاً للطلبة في الإفادة، وله أوراد ومجاهدات، واجتمع به شيخ الإسلام الوالد بمدينة بعلبك، في سنة ست وثلاثين حين مر بها قاصداً بلاد الروم، وأثنى عليه في الرحلة كثيراً، وكان له يد في التصوف، والسلوك قال ابن طولون: وقد وقفت على مصنف لطيف مشهور لمرشده في التصوف، والصفاية سماه رقائق الحقائق. وحدثني شيخنا مراراً قال: حدثني والدي الشيخ يونس قال: حكت لي بنت الشيخ السمير، وكانت صدوقة أن أباها أرسل إلى الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد بن عراق، وهو في الحجاز ثوباً بعلياً مطوياً، فلما وصل إله قال لا إله إلا الله هذا الشيخ شمس الدين أرسل إلينا الكفن، ثم أنه أرسل إليه حبات كباراً من يسر فلما وصلت إلى الشيخ شمس الدين تعجب، وقال: هذا ما بقي لنا من الأجل، من السنين، فما كان إلا أن توفي إلى رحمة الله تعالى في مستهل صفر وقال ابن طولون

يوم الأحد ثاني صفر سنة سبع - بتقديم السين وثلاثين - وتسعمائة، ودفن بمدينة بعلبك، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي يوم الجمعة سابع صفر.
محمد بن عبد الرحمن النبك الحلبيمحمد بن عبد الرحمن بن موسى الملقب بالنبك، ابن محمد الحلبي الهمداني، ابن الشيخ المعمر الصالح، قيم مقصورة جامع حلب لبس الخرقة الهمدانية من الشيخ عبد الله الهمداني، وحج ثلاث مرات وقف في اثنتين منها الجمعة، وزار بيت المقدس وغيره، وكان جده النبك، من مريدي الشيخ أبي بكر الحيشي الكبير، ومن خدام الحافظ البرهان الحلبي، توفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وتسعمائة عن مائة وعشرين سنة.
محمد بن عبد القادر بن الشحاممحمد بن عبد القادر بن أبي بكر، الشيخ شمس الدين بن الشحام العمري الحلبي، أحد الرؤساء بجامع حلب، سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدث عبد العزيز بن عمر بن محدد بن فهد المكي، وكان ديناً خيراً فقيهاً موقتاً، وكان إماماً بالتغري، ورمشيه بحلب قال ابن الحنبلي: وفيها قرأت عليه في الميقات سافر إلى دمشق، فمرض بها فنقل إلى بيمارستانها. فقال له كاتب البيمارستان: ماذا أكتب لك. ما هو ملك لك. فقال: أكتب إني فقير من فقراء المسلمين لا عليه ولا له، وكانت وفاته بها في سنة أربع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد القادر إمام زادهمحمد بن عبد القادر، أحد موالي الروم المشهور بإمام زاده، تنقل في التدريس، ثم ولي قضاء القضاة بحلب، ذكر ابن الحنبلي في تاريخه أنه كان يستكتب في الوقيع على الوثائق، وأنه نصحه في ذكر حذراً من التلبيس في ذلك، فأظهر له القبول، ثم أصر على ما كان عليه، وأنه كان لا يخرج إلى المحكمة إلا قليلا وأنه عزل عن قضاء حلب سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد القادر الروميمحمد بن عبد القادر أحد الموالي الرومية، أيضاً أخذ عن جماعة منهم المولى محيي الدين الفناري، والمولى شمس الدين كمال باشا، والمولى حسام جلبي، والمولى نور الدين، ثم خدم خير الدين معلم السلطان سليمان، ثم ولي تدريس مدرسة قاسم باشا ببروسا، ثم مدرس الأفضلية بالقسطنطينية، ثم مدرسة الوزير محمود باشا، ثم سلطانية بروسا، ثم إحدى الثماني، ثم ولي قضاء القضاة بمصر، ثم بالعساكر الأناظولية، ثم تقاعد بمائة درهم لإختلال عرض له برجله منعه عن مباشرة المناصب، ثم ضم له في تقاعده خمسون درهماً، وكان عارفاً بالعلوم العقلية، والنقلية، وله ثروة بنى داراً للفقراء بالقسطنطينية وداراً للتعليم في قرية قرماته سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد القادر الطبيبمحمد بن عبد القادر بن محمد بن محمد بن محمد الشيخ العلامة شمس الدين ابن العلامة زين الدين القويضي الصالحي الحنفي، الطبيب. بن الطبيب المشهور في الحذق في صناعة الطب، هو وأبوه بصالحية دمشق، في حارة حمام المقدم سنة تسعين وثمانمائة، وحفظ المختار في الفقه، والبصروية في النحو، وتوضيح الخزرجية في العروض وقرأ على الجمال بن طولون، والنجم محمد بن شكر، وفي القانون على الشمس بن مكي وسمع الحديث على الجمال بن المبرد، وتخرج في الطب والعلاج بوالده، وكان لديه كرم زائد، ومحبة للصوفية، وكان ماهراً في الطب الطبائعي، وسافر إلى الروم فأعطي رئاسة الطب بدمشق، ونظر المرشدة بالصالحية، ثم ولي إحدى الوظيفتين بالبيمارستان القيمري، ثم اقتصر في علاجه على الحكام، والأكابر، وترك الفقراء عكس ما كان عليه والده ودرس في الطب مع المشاركة في غيره، وكان قرأ المختار على الجمال بن طولون ولما قدم منلا حبيب العجمي دمشق، قرأ عليه في المنطق والحكمة، وحبب إليه علم الرمل والزايرجة، ورحل بسببه إلى مصر والإسكندرية، ومهر في ذلك ونسب إلى التعلق على الصنعة، وجمع كتباً نفيسة، وتوفي يوم السبت عاشر ربيع الأول سنة تسع - بتقدم التاء - وسبعين وتسعمائة، ودفن عند والده تجاه تربة السبكين، تحت كهف جبريل من السفح.
محمد بن عبد الكبير اليمنيمحمد بن عبد الكبير الشيخ الصالح المجمع على جلالته، بن القطب الكبير سيدي عبد الكبير اليمني الحضرمي، كان أهل مكة يعظمونه، وله حرمة تزيد على حرمة سلطان مكة، وكان موجوداً في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.
محمد بن علي

محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة، سعد الدين الذهبي المصري الشافعي، مولده خمسين وثمانمائة، كان من العلماء المشهورين بدمشق، أخذ عنه جماعة منهم الفلوجيان قال الشعراوي: كان ورده كل يوم ختماً صيفاً وشتاءً، وكان خلقه واسعاً إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل هو بتلاوة القرآن، حتى يقضى جدالهم، وكان يحمل حوائجه بيده، وإذا خرج إلى السوق في حاجة يتلو القرآن سراً ذهاباً وإياباً، وكان كثير الصدقة حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين، وكان لا يقبل من أحد صدقة توفي في سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن عبدو الخاتونيمحمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد المعمر شمس الدين الخاتوني الأردبيلي الخرقة، الحنفي ولد ببيرة، الفرات، في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه، ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر حتى فتح عليه، وكان يتردد إليه الزوار فلا يرى نفسه إلا ذليلاً، ولا يطلب أحد منه الدعاء إلا سبقه إلى طلبه منه، وكان زاهداً متعففاً عما في أيدي الناس، وعن أموال عظيمة، كان يدفعها، إليه الحكام، وكان يؤثر العزلة، وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب، وكانت مكاشفاته ظاهرة وكان كثيراً ما يقول: لست بشيخ ولالي خليفة، وتوفي بحلب في أواخر شوال سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الحلبي الحريريمحمد بن علي الشيخ شمس الدين الحلبي الحريري الحنفي. المعروف بابن السيوفي تعلم القرآن والكتابة، على كبر، ثم تفقه بالزين بن فخر النساء وأخذ عن الزين بن الشماع، قال ابن الحنبلي: وكان يترجى لو عمل كتاباً في فقه الحنفية يرتب فيه ذكر المسائل على ترتيب منهاج النووي في فقه الشافعية. قال: وكان عبداً صالحاً ملك كتباً جيدة، مات سنة أربع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الطويل

محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة، قاضي القضاة شيخ الإسلام، كمال الدين الطويل القاهري الشافعي، قاضي الشافعية بالديار المصرية، في أواخر الدولة الجركسية ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة. قال الشعراوي كان من أولاد الترك وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية، فمر عليه سيدي إبراهيم المتبولي - رضي الله تعالى عنه - وهو ذاهب إلى بركة الحاج فقال له: مرحباً بالشيخ كمال الدين شيخ الإسلام فاعتقد الفقراء أن الشيخ يمزح معه، إذ لم يكن عليه إمارة الفقهاء، ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام، واشتغل بالقراءة والعلم وعاشر جماعة الشيخ إبراهيم الذين ظنوا أنه يمزح معه حين لقبه شيخ الإسلام، حتى رأوه تولى مشيخة الإسلام، وهي عبارة عن قضاء القضاة أخذ الشيخ كمال الدين العلم، والحديث عن الشرف المناوي، والشمس الحجازي، والشيخ محمد بن كتيلة وغيرهم، وسمع صحيح مسلم وغيره على قاضي القضاة قطب الدين الخيضري، وسمع ألفية الحديث للعراقي وجزءاً في فضائل... لولده الولوي العراقي على الشرف المناوي عن الولوي العراقي عن والده الحافظ زين الدين العراقي قال الشعراوي: وكان إماماً في العلوم والمعارف، متواضعاً عفيفاً ظريفاً، لا يكاد جليسه يمل من مجالسه انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاوبه، وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه، لا سيما كتب الأذرعي والزركشي، وذكر الحمصي في تاريخه أن صاحب الترجمة دخل دمشق صحبة السلطان الغوري، يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة عشري جمادى الأولى المذكور وقال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة اثنتين وعشرين مع الأشرف قانصوه الغوري، فأخذ عنه الشمس السفيري، والمحيوي ابن سعيد، وعاد إلى القاهرة فتوفي بها سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت قال الشعراوي: ولما دنت وفاة الشيخ كمال الدين رأيت سيدي إبراهيم المتبولي في المنام وقال لي: قل للشيخ كمال الدين يتهيأ للموت، ويكثر من الاستغفار فقد دنا أجله فأعلمته بذلك فقال: سمعا وطاعة فعاش بعد ذلك شهراً ونصف شهر، فأنظر يا أخي ملاحظة سيدي إبراهيم له أول أمره وآخره، ودفن بتربة باب النصر قريباً من المدرسة الحاجية، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة الحرام سنة ست وثلاثين وتسعمائة المذكورة كما ذكره ابن طولون.
محمد بن علي بن فستقمحمد بن علي بن أحمد. الشيخ الفاضل الصالح المقرىء المجود شمس الدين بن علاء الدين بن شهاب الدين الحريري السكري الشهير بابن فستق، الدمشقي الشافعي، الحافظ لكتاب الله تعالى مع الإتقان كان في خدمة الجد شيخ الإسلام رضي الدين الغزي، ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه كثيراً ومات رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي البصروي

: محمد بن علي بن يوسف بن علي الشيخ الإمام العلامة القاضي جلال الدين ابن القاضي علاء الدين البصروي، الدمشقي الشافعي، شيخ التبريزية بمحلة قبر عاتكة، وخطيب الجامع الأموي، ولد عاشر رجب سنة تسع - بتقديم التاء - وستين وثمانمائة، واشتغل على والده وغيره، وولي خطابة التابتية، وتدريس الغزالية، ثم العادلية وفوض إليه نيابة الحكم قاضي القضاة الولوي ابن الفرفور، حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وتسعمائة. قال والد شيخنا: وكان خطيباً وإماماً بجامع التبريزي بمحلة قبر عاتكة، ساكناً إلى جانبه وخطابة التابتية كانت بيده أيضاً، وبيد والده من قبله، ثم ولي خطابة مدرسة سيباي في حياة الواقف، وبعده مع بقاء ما في يده يستنيب عنه فيهما أولاده وغيرهم، ثم استنابه قاضي القضاة ابن الفرفور في خطابة الأموي حيث كانت الخطابة به يومئذ مشروطة لقاضي قضاة الشافعية، فصار يخطب بالأموي، ويستنيب عنه في مدرسة سيبائي إلى أن اشتغل بها ولده محمود، واستمر الشيخ جلال الدين يخطب في الأموي نيابة، ثم استقلالاً إلى أن مات وكانت لخطبته وقعة في القلوب لم يخرج بصوته عن طريقة خطبة أبناء العرب لا يراعي في الخطبة تنغيماً، ولا إطراباً بل يخطب وعليه السكينة والوقار، بحيث تخشع لخطبته القلوب، وتذرف منها العيون، وكان يقرأ سيرة ابن هشام في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة، قال وال شيخنا: وكان من أهل العلم والصلاح والدين له محفوظات في الفقه وغيره وقيام الليل أنه متى منعه مانع من جنابة اشتغل بدلاً عنه بقراءة ماضية في المنهاج حتى يغتسل قبل الفجر، ثم يعود إلى التلاوة قلت: وحدثني عنه الشيخ الصالح المعمر الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا الآن بدمشق بمثل ذلك. وقال لي: كان لا يفتر من قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، وكان كثيراً ما تتفق له التلاوة، وهو في الخلاء فقيل له: في ذلك فقال: إن القرآن يجري على لساني إتفاقاً من غير قصد. قال والد شيخنا: وفي آخر خطبة خطبها بالأموي وكانت في ثامن ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وكان مريضاً سقط عن المنبر مغشياً عليه. قال ابن طولون: ولولا أن المرقي اختضنه لسقط إلى أسفل المنبر. قال: ولم يكمل الخطبة الثانية فصلى الجمعة إمام الجامع الشيخ عبد الوهاب الحنفي. وقال والد شيخنا: لما سقط نادى الشيخ عبد الوهاب، ودخل المحراب وصلى الجمعة بالناس من غير نظر إلى تتميم أركان الخطبة والبناء على ما تقدم منها قبل سقوط الخطيب قال: وحمل الشيخ جلال الدين بعد الصلاة إلى منزله المجاور للجامع الأموي من جهة الغرب، وعدناه حينئذ لأنه كان منقطعاً قبل ذلك، وجلست عنده وصار يكلمنا، وحكى أن والده كان يتمنى ثلاثاً خطابة الأموي، والسكني بقربه، وأن يصلى عليه إذا مات في الجامع. قال: وهذه الثلاث حصلت لي دونه. قال وقال لي: اتخذت لي قبراً عند رجلي شيخه الشيخ أبي الفضل، يعني ابن أبي اللطف المقدسي، قال: ودفن فيه كما قال فإنه توفي ليلة الثلاثاء رابع عشري جمادى الأولى سنة ست وأربعين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر الله المقدسي، إلى جانب الإمام التغلبي خطيب الأموي في عصره أيضاً. قال ابن طولون: وصلى عليه الشيخ محمد الأيجي بوصية منه ونزل في مرضه عن تدريس العادلية للشيخ نجم الدين البهنسي وأحد ولديه.
محمد بن علي الغزيمحمد بن علي الشيخ الإمام العالم العامل نجم الدين ابن النصيل الغزي الشافعي، توفي بالقدس في سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلى عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة ثالث ربيع الأول.
محمد بن أبي جنغل المالكي

محمد بن علي بن عمر بن علي قاضي القضاة عفيف الدين بن جنغل بضم الجيم والغين المعجمة بينهما نون ساكنة الحلبي المالكي، آخر قضاة القضاة المالكية بحلب، وابن قاضي قضاتها، ولد نهار الأربعاء ثالث عشري شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الشيخ المكناسي المغربي المالكي، ثم ولي القضاء من قبل السلطان الأشرف قايتباي تاسع عشري شوال سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وهو ابن نيف وعشرين سنة، ثم انكفت عن المناصب في الدولة العثمانية، ولزم بيته آخراً في رفاهية وطيب عيش، والمسلمون سالمون من يده ولسانه، ولم يكن يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة والعيدين، وربما شهد بعض الجنائز وكانت وفاته نهار الأربعاء ثاني شوال سنة إحدى وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الفلوجيمحمد بن علي الإمام العلامة شمس الدين بن الفلوجي، ثم الدمشقي الشافعي الواعظ المقرىء، أخو الشيخ أحمد الفلوجي، الآتي في الطبقة الثالثة، وأسن منه إلا أنه توفي شاباً، أخذ عن الشيخ الوالد الإرشاد، واللمحة البدرية له في النحو وغير ذلك، وعلى الشيخ تقي الدين القاري، وعن الشيخ سعد الذهبي وغيرهم، ومكث بالقاهرة سنين في الاشتغال، ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني عشري رمضان سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، ثم شرع يعظ تحت قبة النسر بالأموي عقب صلاة الجمعة، وابتدأ يوم عيد الفطر، وتكلم على أول الأعراف، وكان يجلس على جلد كعادة الوعاظ المصريين، وكان يحض على الواقعة في وعظه. قال والد شيخنا: كان شابا ذكياً واعظاً يفتي ويدرس في الشامية البرانية، وأم بمقصورة الأموي شريكاً للشيخ شهاب الدين الطيبي، وكان عارفاً بالقراءات فقيهاً حسناً كتابه الإرشاد، كان يثلب أرباب الدولة على ظلمهم سرعة خوفه منهم، واشتهر بين العوام بالوعظ والإفتاء وأقبلوا عليه، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، أنه دخل حلب في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة جرت له بها محنة، وذلك أنه أشيع عنه بحلب أنه يكفر ابن العربي ومن يعتقده، وغالب الدولة والحكام يعتقدونه، فوصل ذلك إلى جماعة من أربابها، فشكوا عليه عند القاضي، وسعوا في قتله فاختفى من حلب، ثم ظهر في مدينة أبيه، وتراءى على عيسى باشا فعرفه الأكابر، فكتبوا له محضراً بعدم التعرض له، لما علموا من حاله أنه حكى كلام المكفرين من غير اعتقاد تكفيره، ثم عاد إلى حلب، ثم رجع إلى دمشق، وتوفي ليلة السبت سادس عشر رمضان سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير وكانت له جنازة عظيمة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي الجعبري الحلبيمحمد بن علي بن يوسف الجعبري، ثم الحلبي المولد والدار، المتعبد على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى القصاب بمدينة حلب، المعروف بابن الهويدي، كان شيخاً معمراً، كثير التلاوة باللفظ الواضح الجلي، حتى في حال سيره في الطريق، غزير البكاء عند تلاوة القرآن، إذا مر بآية رحمة، أو آية عذاب منفرداً عن أبناء حرفته بهذا الشأن، وكان كثير الثناء على الشيخ عبد القادر الأبار، وعلى ما حضره من مواعظه مستحضراً لبعض ما سمعه منه، وكان يحكى عن جده كمال الدين يوسف. أنه كان مع صلاحه قاضياً حنفياً بمدينة جعبر، ثم انتقل إلى مدينة الباب بسبب منام رأى فيه أن الله تعالى تجلى على مدينة جعبر، فلما أخذ في الرحيل عنها قيل له: في ذلك فقال: إنها عن قريب ستخرب لما يشير إليه قوله تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " سورة الأعراف: الآية 143، فخربت بعد رحيله بقليل، توفي حفيده المذكور في رجب مبطوناً سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي بن علوان الحموي

محمد بن علي بن عطية، الشيخ الإمام العالم العلامة، الأوحد المدقق المحقق الفهامة، شيخ المسلمين، وعلم العارفين، شمس الدين ابن الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، العارف بالله تعالى سيدي الشيخ علوان الحموي الشافعي الصوفي الواعظ أخذ العلوم الظاهرة، والباطنة عن أبيه وعن كثير من الواردين إليه، ولقنه والده الذكر وألبسه الخرقة، وكان قد ابتلي في صغره بسوء الفهم، والحفظ، حتى ناهز الاحتلام، وفهمه في الأدبار، فبينما هو في ليلة من الليالي عند السحر إذا هو بوالده سيدي الشيخ علوان - رضي الله تعالى عنه - وقد أخذت والده حالة، فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم، فلما سري عنه خرج من بيته وأخذ في الوضوء في إناء واسع من نحاس، فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدين ماء وضوء والده وشربه، فوجد بركته وتيسر عليه الفهم، والحفظ من يومئذ، ولم يتوقف عليه بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألفها في علم الحقيقة، وكملها في سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وسماها تحفة الحبيب، وكان يعظ بحماة بعد أبيه، ويدرس في العلوم الشرعية والعقلية، وتشتكى إليه الخواطر ويجيب عنها، وكان في وعظه آية، وفي الفصاحة والبلاغة غاية، ولما رجع شيخ الإسلام الوالد من الروم في سنة سبع وثلاثين، فمر بحماة بعث الشيخ شمس الدين جماعته إلى لقاء الشيخ الوالد وأنزله عنده، وأضافه ثلاثة أيام كما ذكر الوالد رضي الله تعالى عنه في المطالع البحرية وأثنى فيها على صاحب الترجمة ثناءً بالغاً. وقال: لم يزل يقطع الليل ساهراً، ويهش للجميل مبادراً، ويجمع إلى شرف الجلال جلال الشرف، ويقيم سرفه في الخير الحجة على من قال: لا خير في السرف، ويعمر بالحسنى سواءه، ويتبع في القربات آباءه، بانياً كما بنوا، وبادئاً من حيث انتهوا، فهو حبر الأكارم، وبحر المكارم، وتاج المفاخر وحجة المفاخر، ودليل كم ترك الأول للآخر انتهى.
ثم انتسجت بينه وبين الوالد المحبة وتأكدت الصداقة والصحبة، وكان كل منهما يكاتب الآخر ويراسله، ويتحرى الإطناب في مدح الآخر ويحاوله، وقد أثبت من ذلك نبذة صالحة في كتابي المسمى بلغة الواجد، في ترجمة الإمام الوالد، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، أنه صحب صاحب الترجمة، وأخذ عنه وأنه قدم حلب مرتين نزل في الأولى بالمدرسة الأشرفية، وعمل فيها ميعاداً جليلاً على كرسي نصب له بإيوانها، فأتى فيه من سحر البلاغة والبراعة، في عين تلك العبارة، بالعجب العجاب، في مقام كان مقام أطناب، وكان ممن حضر هذا الميعاد الشهاب الأنطاكي، والشمس السفيري وابن الخناجر وآخرون من سوى العوام، ثم قدم في المرة الثانية في أوائل سنة أربع وخمسين، فأخذ في أربعين مجلساً بالجامع الكبير على قوله تعالى: " الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب " سورة الشورى: الآية 13، وأشار إلى أنه اقتصر على هذا العدد لموافقته عدد حروف حلب بحساب الجمل، وذكر ابن طولون في تاريخه، أن الشيخ شمس الدين حج هو وأخوه أبو الوفاء في سنة ثمان وثلاثين، فمر بدمشق ولما عاد في سنة تسع وثلاثين إلى دمشق عمل مجلساً يوم الجمة تاسع عشر صفر بجامع مسجد القصب، خارج دمشق في قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " سورة آل عمران: الآية 97، بسؤال بعض الحاضرين، وحضره أفاضل دمشق، ومنهم القاضي زين الدين معروف البلاطنسي، ثم هرعت أعيان البلد للسلام عليهما حتى قاضي قضاة دمشق، ثم سافر من دمشق بعد خمسة عشرة يوماً من وصولهما لدمشق، ثم قال ابن الحنبلي: بعد أن ما من الله تعالى به على صاحب الترجمة من سرعة الإنشاء بحيث لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة وطلب منه على البديهة أن يخطب لعمل في سره خطبة عجيبة غريبة، وخطب بها ولم يتوقف على رسمها ورقمها مآلا. قال: وكان دمث الأخلاق، جمالي المشرب، عنده طرف جذب. ثم قال: وبالجملة فقد كان من أخيار الأخيار، وآثاره من بدائع الآثار، ولله دره فيما أنشد فيه من شعره بالسماع منه الشهابي أحمد الشهير بابن المنلا الشافعي حيث قال:
تنفس قلب الصب في كل ساعة ... لا كؤسهم فاء الزمان أدارها
إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها

قلت: وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، والشيوخ عن التلامذة فإن ابن المنلا المذكور كان أحد تلاميذ ابن الحنبلي، وتأخرت وفاته عن رأس القرن الحادي عشر، قتله فلاحوه بقرية له بحلب، كان يتردد إليها، وكانت وفاة الشيخ محمد صاحب الترجمة بمدينة حماة في أوائل رمضان سنه أربع وخمسين وتسعمائة، وورد الخبر بموته إلى دمشق يوم الجمعة ثالث عشر رمضان المذكور، وصلي عليه غائبة بعد صلاة الجمعة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الأنصاريمحمد بن علي، بن يوسف، بن المولى شمس الدين الأنصاري، المولى العلامة محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم، وتقدم ذكر أخيه واسمه في الطبقة الأولى، قرأ على والده في شبابه، وبعد وفاته على المولى خطيب زاده، ثم على المولى أفضل الدين، ثم درس بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية، ثم ترقى حتى صار مفتياً أعظم واشتغل بإقراء التفسير، والتصنيف فيه، ولم يكمل وألف عدة رسائل وحواشي على شرح المفتاح للسيد وغير ذلك، وكان آية في الفتوى ماهراً فيها، وله احتياط في المعاملة مع الناس وكان متحرزاً عن حقوق العباد، محباً للفقراء والصلحاء، لا يخاف في الله لومة لائم توفي رضي الله تعالى عنه في سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
محمد بن علي الجماليمحمد بن علي، المولى الفاضل، محيي الدين بن المولى علاء الدين الجمالي، الحنفي أحد موالي الروم، قرأ على جده لأمه حسام الدين زاده، ثم على والده، ثم على المولى سويد زاده، ثم درس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثماني، ثم تقاعد وعين له في كل يوم مائة درهم، وكان مشتغلاً بنفسه، حسن السمت والسيرة، محباً للمشايخ والصلحاء، له معرفة تامة بالفقه، والأصول توفي في سنة ست أو سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن طولون

محمد بن علي، بن محمد الشيخ الإمام العلامة المسند المفنن الفهامة، شمس الدين أبو عبد الله، ابن الشيخ علاء الدين، ابن الخواجه شمس الدين الشهير بابن طولون، الدمشقي الصالحي الحنفي، المحدث النحوي، مولده بصالحية دمشق في ربيع الأول سنة ثمانين وثمانمائه تقريباً، وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر الدين أبو البقاء زريق، والخطيب سراج الدين الصيرفي، والجمال يوسف بن عبد الهادي عرف بابن المبرد، والشيخ أبو الفتح السكندري، المزي، وابن النعيمي في آخرين، وتفقه بعمه الجمال بن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين، من أهل الحجاز وكان ماهراً في النحو علامة في الفقه، مشهوراً بالحديث، وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وإمامة السليمية بالصالحية، وقصده الطلبة في النحو، ورغب الناس في السماع منه، وكانت أوقاته معمرة بالتدريس والإفادة والتأليف، كتب بخطه كثيراً من الكتب، وعلق ستين جزءاً وسماها بالتعليقات، كل جزء منها مشتمل على مؤلفات كثيرة، أكثرها من جمعه وبعضها لغيره، ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي، وكانت أوقاته معمورة كلها بالعلم، والعبادة، وله مشاركة في سائر العلوم، حتى في التعبير والطب، وحدثني الشيخ المسلك أحمد ابن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان الشلاح الصوفي قال: كنت عند والدي فدخل عليه الشيخ شمس الدين بن طولون زائراً، فلما جلس تقدم رجل من الفقراء، فقص على الوالد أنه رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أسود اللون فقال الشيخ سليمان: هنا مولانا الشيخ شمس الدين يعبر لك هذه الرؤيا، فقال الشيخ شمس الدين: هذه الرؤيا تدل على أن الرائي مبتدع مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السواد غير صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والرؤيا تمل على حال الرائي، فالظاهر أنه على غير السنة، فاستعاذ الرجل من ذلك وقال: ليس في عقيدتي شيء من ذلك فقال له الشيخ: لا بد لك أنك مخالف للسنة في شيء، فلا بد أن تتوب منه فقال: ما أعرف من نفسي شيئاً من ذلك إلا أنه ربما تشاغلت عن الصلاة فقال: هو ذلك فإن الصلاة عمود الدين وأي مخالفة للسنة أعظم من ترك الصلاة، فاستعبر الرجل وأخذ عليه الشيخ العهد على التوبة، وقد أخذ عن الشيخ شمس الدين بن طولون جماعة من الأعيان، وبرعوا في حال حياته كالشيخ شهاب الدين الطيبي شيخ الوعاظ، والمحدثين، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين، والشيخ نجم الدين البهنسي، خطيب دمشق، وممن أخذ عنه آخراً شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل النابلسي، مفتي الشافعية، وشيخنا الشيخ العلامة زين الدين ابن سلطان مفتي الحنفية، وشيخ الإسلام شمس الدين العيثاوي، مفتي الشافعية الآن، فسح الله تعالى في مدته، وشيخ الإسلام شهاب الدين الوفائي مفتي الحنابلة، الآن نفع الله تعالى به وقريبه القاضي أكمل بن مفلح وغيرهم، وكان الشيخ شمس الدين - رحمه الله تعالى - ربما نظم الشعر، وليس شعره بذاك على قلته، ومن جيده قوله ملمحاً بالحديث المسلسل بالأولية:
إرحم محبك يا رشا ... ترحم من الله العلي
فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأولي
ورأيت بخط بعض الفضلاء أن من شعره رحمه الله تعالى:
ميلوا عن الدنيا ولذاتها ... فإنها ليست بمحموده
واتبعوا الحق كما ينبغي ... فإنها الأنفاس معدوده
فأطيب المأكول من نحلة ... وأفخر الملبوس من دوده
توفي - رحمه الله تعالى - يوم الأحد حادي عشر أو ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ودفن بتربتهم، عند عمه القاضي جمال الدين، بالسفح قبلي الكهف الخوارزمية، ولم يعقب أحداً ، ولم يكن له زوجة حين مات.
محمد بن محمد بن عوض

محمد بن محمد ابن الشيخ شرف الدين أبي المكارم، حمزة بن عوض، الواعظ المشهور بالديار الرومية، بمنلا عرب الأنطاكي الحنفي، ولقبه ابن طولون زين العرب، كان جده مما وراء النهر من تلاميذ الفاضل التفتازاني، ثم رحل فاستوطن أنطاكية، وبها ولد محمد هذا، وحفظ القرآن في صغره، ثم حفظ الكنز والشاطبية، وغيرهما وتفقه على أبيه وعميه الشيخ حسن والشيخ أحمد فكانا فاضلين، وقرأ عليهما الأصول والقراءات، والعربية، ثم سار إلى حصن كيفا، وآمد، ثم نزل إلى تبريز وأخذ عن علمائها واشتغل هناك سنين، وممن أخذ عنهم بتبريز مولانا مزيد، ثم رجع إلى أنطاكية، وحلب وأقام مدة ووعظ ودرس وأفتى، ثم رحل إلى مكة فحج ثم إلى مصر فأخذ عن الجلال السيوطي وغيره ووعظ بها وأفتى وحصل له قبول تام حتى طلبه قايتباي الملك الأشرف، فدخل عليه ووعظه وألف له كتاباً في الفقه سماه " النهاية " فأحسن جائزته وأكرمه غاية الإكرام، وبقي عنده إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعمائة، ثم سافر إلى الروم، ودخل بروسا فأحبه أهلها فأقام عندهم، واشتغل بالوعظ والنهي عن المنكرات، ثم ذهب إلى القسطنطينية فأحبه أهلها، وسمع السلطان أبو يزيد خان وعظه، فمال إليه كل الميل وألف له كتاباً سماه تهذيب الشمائل في السيرة النبوية، وكتاباً آخر في التصوف وخرج معه إلى السفر، وحضر فتح قلعة متون، وكان ثاني الداخلين إليها أو ثالثهم، ثم رجع إلى القسطنطينية، وبقي بها يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم وكان ينكر على الملاحدة والرافضة، ثم رجع ومعه أهله إلى حلب، فأكرمه ملك الأمراء خير بك جداً، وقرأ عليه والتزم بجميع مصالحه، فمكث ثماني سنين مشتغلاً بالتفسير، والحديث، والوعظ والرد على الملاحدة، والرافضة سيما على طائفة أردبيل، وكانت تلك الطائفة يبغضونه، بحث يلعنونه مع الصحابة في الجامع. قال ابن الحنبلي: واتفق له أن حضر في مجلس وعظه شيعي متسلح من أتباع الإيجي، بعثه شاه إسماعيل إلى الغوري، صاحب مصر، فتوجه إليه وعاد من عنده إلى حلب، فهم بإشهار سيفه فقتله: الحلبيون وحرقوه فتغير الايجي من ذلك، وكاتب الغوري في ذلك، فاضطرب له فإذا محضر خير بك كافل حلب يتضمن إخماد الفتنة، وتسكين غضب الغوري، على الشيخ، ثم بد للغوري فكتب أمراً بخروجه من حلب فاجتمع به خير بك خفية فأخبر به خير بك خفية، فأخبره بما وردت به المكاتبة وأمره بالمهاجرة خفية، فهاجر إلى البلاد الرومية، ثم انتهى.

وذكر صاحب الشقائق أنه لما دخل الروم في هذه المقدمة، كان في زمن السلطان سليم، فاجتمع به وحرضه على قتال عساكر في الرافض قزلباش، وألف له كتاباً في الغزو وفضائله، نفيساً جداً، وذهب معه إلى حربهم، وكان يعظ الجند في الطريق، ويحرضهم على الجهاد خصوصاً لتلك الطائفة والسلطان يكرمه، ويحسن إليه فلما التقى الجمعان، وحمي الوطيس أمره السلطان بالدعاء، وهو يؤمن، فانهزم العدو وفتحت تبريز حينئذ، ثم سار الشيخ إلى ولاية روم إيلي، فوعظ أهلها، ونهاهم عن المعاصي، وأمرهم بالفرائض، فانصلح به كثير من الناس، وبنى جامعاً في مدينة سراي ومسجداً آخر في أسكوب، وأقام هناك عشر سنين، وأسلم على يديه كثير من الكفار، وغزا مع السلطان سليم أيضاً، أنكروس في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودعا له حال القتال، فجاء الفتح، ثم انتقل إلى بروسا، وسكن بها وشرع في بناء جامع كبير فتوفي بها قبل إتمامه، وعمر وولد له قريب من مائة نفس، وألف كتباً ورسائل غير ما تقدم وخصوصاً في الكيمياء، ووصل إليها وكان له احتياط في مأكله ومشربه، ونفقته، وكان يختار لذلك ما يفتح به عليه من التجارة، لأنها من أطيب ما أكل الرجل منه، كما في الحديث وكان يحفظ أحاديث كثيرة، وله قدرة على التفسير من غير مطالعة، وكان دأبه في يوم الجمعة أن يتكلم على ما يقرأه الخطيب في الصلاة بخطبة بليغة، ووجوه مختلفة، وعلوم جمة، قال ابن الحنبلي: وكان له قوة حافظة لا نظير لها بحيث حكى لنا شيخنا الشهاب الأنطاكي أنه سأله عن حالته في الحفظ، فذكر له أنه إذا مر على الكراسة التي تكون في خمسة وعشرين سطراً مرة واحدة فإنه يحفظها، ويفهم مضمونها قال: وكان محدثاً مفسراً جامعاً لفضائل شتى، سالكاً طريق السنة في إرخاء العذبة، وكانت عذبته طولى، يرخيها وراء ظهره قال: ومما بلغني أن جده الشيخ حمزة كان يقرأ الكشاف في حلب، وكان إذا أجري ذكر مؤلفه قال رحمه الله: إن كان مستحقاً للرحمة انتهى.
وفي نفس الأمر كان صاحب الترجمة آية من آيات الله، وأعجوبة من عجائب الدهر.
أمات بدعاً كثيرة، وأحي سنناً كثيرة، وانتفع به خلائق كثيرة، وكانت وفاته في رابع المحرم سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ببروسا، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة حادي عشر رمضان منها رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر السفيريمحمد بن عمر، بن أحمد الشيخ العلامة شمس الدين، ابن الشيخ زين الدين، ابن ولي الله الشيخ شهاب الدين السفيري الحلبي الشافعي، ولد بحلب في سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ولازم العلاء الموصلي، والبحر السيوفي، في فنون شتى، وقرأ على الكمال ابن أبي شريف في حاشيته على شرح العقائد النسفية ورسالة العذبة له، وقدم مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق فأجاز له ولبعض الدمشقيين، ثم إلى حلب فقرأ عليه بها رسالة مختصر الرسالة القشيرية له، وقرأ على البازلي تصديقات القطب وعلى أبي الفضل الدمشقي في شرحه على النزهة في الحساب وعلى الشيخ محمد الداديخي في شرح الشاطبية لابن القاصح، وفي غيره، ودرس بالجامع الكبير بحلب، والعصرونية والسفاحية وجامع تغري بردي ، وسافر إلى القاهرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة، واجتمع بها بشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وحضر الصلاة عليه لما مات في تلك السنة، واجتمع بآخرين منهم الشيخ نور الدين البحيري، وصحب في صغره الشيخ عبد القادر الدشطوطي، حين قدم حلب، وفي كبره الشيخ شهاب الدين أنطاكي، إلى أن توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر المذوخيمحمد بن عمر، الشيخ الفاضل شمس الدين المذوخي البقاعي الشافعي من قرية مذوخا بالمعجمتين، والميم مضمومة من عمل البقاع، من نواحي دمشق، قرأ القران العظيم على الشيخ إبراهيم العيثاوي عم شيخنا، وعلى الشيخ عبد العظيم، وعلى الشيخ شمس الدين القدسي المقريء، ابن الشيخ أحمد القدسي، وحفظ القرآن، واشتغل في العلم وحصل وكره الأكل من الأوقاف، فرجع إلى بلدته المذكورة وتعاطى الزراعة، فأثرى وتمول ورحل إلى مصر، فاشتغل بها مدة يسيرة، ثم رجع إلى بلده قام بها، وخطب وصار يدعو أهلها إلى الطاعة، إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس المحرم سنة سبع - بتقديم السين - وخمسين وتسعمائة، ودفن ببلده رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر بن سوار العاتكي

محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي، الشافعي العبد الصالح الورع، والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا، بدمشق أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفوري، وكان من جماعته، وكان صواماً قواماً ينسج القطن، ويأكل من كسب يمينه، وما فضل من كسبه تصدق به وتعاهد الأرامل واليتامى، وأخبرت عنه أنه كان إذا انقطع معه طاق وفركه، ووصله علم عليه بتراب ونحوه فيقال له: لم تفعل ذلك. فيقول: حتى يعلم المشتري أنه طاق موصول، فلا ينغش. وأخبرني بعض جماعته قال: ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه يفرغ من نسجه وقت الغداء، من ذلك اليوم فيمد له في الزمان، وحدثني ولده الشيخ عبد القادر أنه مر يوماً على صورة جميلة فنظر إليها ووقعت من قلبه، وكان يميل إلى النظر، فلما دخل عليه والده كاشفه بذلك وعاتبه على النظر، ووعظه فزال من قلبه في الحال، ورجع عن النظر ببركة والده، وأخبرني أن والده توفي في سنة أربع وستين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة رحمه الله تعالى.
محمد بن قاسم المالكيمحمد بن قاسم الشيخ الإمام شيخ الإسلام جلال الدين ابن قاسم المالكي قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله تعالى في أحواله، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، شرح المختصر والرسالة، وانتفع به خلائق لا يحصون، ولاه السلطان الغوري القضاء مكرهاً، وكان أكثر أيامه صائماً، وكان حافظاً للسانه في حق أقرانه، لا يسمع أحداً يذكرهم إلا يجلهم، وكان حسن الاعتقاد في الصوفية رحمه الله تعالى.
محمد بن قاسم الروميمحمد بن قاسم، المولى العلامة، محيي الدين بن الخطيب، قاسم الرومي الحنفي، أحد موالي الروم، ولد بأماسية، وقرأ على المولى المعروف بأخوين ثم على المولى سنان باشا، ثم صار مدرساً بأماسية، ثم ترقى إلى إحدى الثماني، ثم أعطي تدرس مدرسة السلطان أبي يزيد خان بأماسية، ثم السليمانية بجوار أيا صوفية، وهو أول مدرس بها، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، ومات وهو مدرسها بثمانين عثماني، وكان عالماً صالحاً محباً للصوفية: مشتغلاً بنفسه، قانعاً مقبلاً على العلم، والعبادة، وله مهارة في القراءات والتفسير واطلاع على العلوم الغريبة، كالأوفاق والجفر والموسيقي، مع المشاركة في كثير من العلوم وكان له يد في الوعظ، والتذكير، صنف كتاب روضة الأخيار في علوم المحاضرات وحواشي على شرح الفرائض، للسيد وحواشي على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة ومات في سنة أربعين وتسعمائة وصلي عليه وعلى ابن كمال باشا غائبة في جامع دمشق يوم الجمعة ثاني ذي القعدة من السنة المذكورة.
محمد بن فتيان المقدسيمحمد بن فتيان، الشيخ الإمام العلامة، الواعظ المذكور أبو الفتح ابن فتيان المقدسي الشافعي، كان إماماً بالصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة وتوفي رحمه الله في ربيع الآخر سنة خمس وستين وتسعمائة.
محمد بن محمود الطنيخيمحمد بن محمود الشيخ العالم المجمع على جلالته شهاب الدين الطنيخي، المصري الشافعي، إمام جامع الكبير كان كريم النفس، حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه. زاهداً، خاشعاً، سريع الدمعة، عند ذكر الصالحين، ولم يزاحم قط على شيء من وظائف الدنيا، أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ شمس الدين البلاطنسي، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس، وأفتى وانتفع به خلائق، وكان والده الشيخ محمود عبداً صالحاً، من أهل القرآن والخير، ذكر ذلك كله الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، وقرأت بخط شيخ الإسلام الوالد، أن صاحب الترجمة حضر بعض دروسه، وسمع عليه بعض شرح المتقدم، على الكافية، قال: وهو رجل فاضل مستحضر لمسائل الفقه، وخلافها وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ويؤخذ من طبقاته أنه كان موجوداً في سنة إحدى وستين وتسعمائة.
محمد بن محمود المغلوي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7