كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

محمد بن محمود أحد الموالي الرومية، المعروف بابن الشيخ محمود المغلوي الوفائي، الحنفي خدم المولى سيدي القراماني، وصار معيداً لدرسه، ثم درس ببعض المدارس، فانتهى إلى مدرسة فرهات باشا بمدينة بروسا، ثم اختار القضاء فوليه بعدة بلاد، ثم عاد إلى التدريس حتى صار مدرساً باحدى الثماني، ثم أعطي قضاء قسطنطينية، ثم تقاعد بمائة عثماني، إلى أن مات وكان عارفاً بالعلوم الشرعية، والعربية، وكان له إنشاء بالعربية والفارسية والتركية، وأكثر اهتمامه بالمحسنات اللفظية، وكان يكتب أنواع الخط وله تعليقات على بعض الكتب، وكان له أدب ووقار لا يذكر أحداً إلا بخير توفي في سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
محمد بن مصطفى القوجويمحمد بن مصطفى، المولى العلامة محيي الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى، مصلح الدين القوجوي الحنفي الرومي، أحد الموالي الرومية، اشتغل وحصل،ثم خدم المولى أفضل الدين ، ثم درس بمدرسة خواجه خير الدين بالقسطنطينية، ثم آثر العزلة فترك التدريس، وتقاعد بخمسة عشر عثمانياً، وكان يستكثرها على نفسه ويقول: يكفيني منها عشرة، ولازم بيته وأقبل على العلم والعبادة، وكان متواضعاً يحب أهل الصلاح، وكان يشتري حوائجه من السوق بنفسه مع رغبة الناس في خدمته، فلا يرضى إلا بقضائها بنفسه تواضعاً، وهضماً للنفس، وكان يروي التفسير في مسجده فيجتمع إليه أهل البلد، ويسمعون كلامه ويتبركون بأنفاسه، وانتفع به كثيرون، وكان يقول: إذا شككت في آية من القران أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري حتى يصير قدر الدنيا، ويطلع به قمران لا أدري هما أي شيء، ثم يظهر نور فيكون دليلاً على اللوح المحفوظ فاستخرج منه معنى الآية، وممن أخذ عنه صاحب الشقائق قال: وهو من جملة من افتخرت به، وما اخترت منصب القضاء إلا بوصية منه، وله حواشي على البيضاوي جامعة لما تقرر من الفوائد، في كتب التفسير بعبارات سهلة قريبة، وله شرح على الوقاية في الفقه، وشرح الفرائض السراجية، وشرح المفتاح للسكاكي، وشرح البردة مات في سنة خمسين وتسعمائة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن مغلبائي الحلبي النحاسمحمد بن مغلباي بن عبد الله الحلبي النحاس شيخ الطائفة الهمدانية بحلب، وخليفة الشيخ إبراهيم بن إدريس، كان أبوه جركسياً من عتقاء خير بك نائب القلعة الحلبية، وكان صالحاً منوراً، لازم الأرواد الفتحية بالمدرسة الرواحية بحلب، في طائفة من أهل طريقته حتى توفي سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
محمد بن مكي شيخ الأطباءمحمد بن مكي، الشيخ العلامة، شمس الدين الدمشقي، الشافعي شيخ الأطباء بدمشق، بل وغيرها قال ابن طولون: اشتغلت عليه مدة وتلمذ له الأفاضل، ولم تر عيني أمثل منه في تقرير هذا العلم، ولكنه كان قليل الحظ في العلاج قال: وكان ينسب إلى الرفض، ولم أتحقق ذلك، وكان يعرف الهيئة والهندسة، والفلك وبضاعته في غير ذلك مزجاة، توفي بغتة ليلة الأربعاء تاسع جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة وقد جاوز الثمانين.
محمد بن ملكا الحمويمحمد بن ملكا الشيخ الصالح الزاهد الحمصي أحد جماعة الشيخ علوان الحموي توفي بحمص في سنة ست وثلاثين وتسعمائة وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث ربيع الأول منها رحمه الله تعالى.
محمد بن ولي الدين الحلبيمحمد بن ولي الدين، الشيخ شمس الدين الحنفي الحلبي المقرىء المجود والشهير بأبيه الحلبي، كان من تلاميذ العلامة شمس الدين ابن أمير حاج الحلبي الحنفي، ومن مريدي الشيخ عبد الكريم الخافي، وكان له خط حسن، وهيبة مقبولة، وسكينة وصلاح، وكان يؤدب الأطفال داخل باب قنسرين، ويؤذن بزاوية الشيخ عبد الكريم الخافي، ويقرأ بها ميعاد الأحياء، وكان له في كل سنة وصية، وفي سنة موته أوصى مرتين، ومات مسموماً سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
محمد بن يحيى الزحليمحمد بن يحيى، بن أبي بكر، بن عبد الغني الشيخ الفاضل شمس الدين الزحلي الشافعي، أحد مباشري الجامع الأموي، حضر دروس شيخ الإسلام الوالد، وسمع عليه رسالة القشيري. قال ابن طولون: وكان لا بأس به وكان قد باع عقاره، وخرج إلى الحج عازماً على المجاورة، فمات في طريق الحجاز، في الذهاب في أرض الأقيرع المعروف بمفارش الرز سنة أربعين وتسعمائة.

محمد بن يحيى التادفي الحلبي الحنبلي
محمد بن يحيى بن يوسف قاضي القضاة أبو البركات، جلال الدين، الربعي، التادفي، الحلبي، الحنبلي، ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين - بتقديم التاء - فيهما - وثمانمائة، وولي قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه وعمره تسع عشرة سنة إلى آخر دولة الجراكسة، ثم لم يزل يتولى المناصب السنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق، ثم سافر إلى القاهرة، فناب بمحكمة الحنابلة بالصالحية النجمية، ثم بباب الشعرية، ثم ولي نظر وقف الأشراف بالقاهرة، ثم استقل بقضاء رشيد، ثم تولى قضاء المنزلة مرتين، ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق، ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين وتسعمائة فذهب إلى حماة وألف فيها قلائد الجواهر، في مناقب الشيخ عبد القادر وضمنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة، وغيرهم وقرأ بها قطعة من صحيح البخاري، في سنة خمس وتسعمائة على الشيخ المعمر الفاضل أحمد ابن سراج عمر البازري الشافعي، وأجاز له وكان قبل ذلك اشتغال على الشمس السفيري، والشمس ابالدهن المقرىء، بحلب والشهاب بن النجار الحنبلي، بالقاهرة قرأ عليه بها في كتاب التنقيح للمرداوي، وأخذ عن الشيخ أبي البقاء الساسي الشافعي، شيئاً من القرارات ونظم ونثر ومن شعره:
طال نوحي وبكائي والسهر ... من غزال صد عني ونفر
فأسقياني خمرة... الضنا ... أن قلبي من جفاه في ضرر
قتل مثلي في هواكم هين ... فارحمني ما بقي لي مصطبر
يا فتى قد قد قلبي قدة ... وجهك الفضاح قد فاق القمر
وله أيضاً:
يا رب قد حال حالي ... والدين أثقل ظهري
وقد تزايد ما بي ... والهم شتت فكري
ولم أجد لي ملاذاً ... سواك يكشف ضري
فلا يكلني لنفسي ... واشرح إلهي صدري
وعافني واعف عني ... وامنن بتيسير أمري
بباب عفوك ربي ... أنخت أنيق فقري
فلا ترد سؤالي ... واجبر بحقك كسري
توفي بحلب في سنة ثلاث وستين وتسعمائة قال ابن عمه ابن الحنبلي: في تاريخه ولم يعقب ذكراً.
محمد بن يحيى الحاضريمحمد بن يحيى، بن أحمد بن محمد بن خليل أقضى القضاة حميد الدين الحاضري الأصل الحلبي، ثم القاهري الحنفي جاور بمكة المشرفة، وقرأ بها الفقه، ثم أخذ بحلب عن الشهاب الأنطاكي ثم رحل إلى القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدين التادفي، فأحبه أهلها فاستوطن بها وتزوج من نسائها، وولد له بها بنون، وكان فقيهاً فاضلاً صاحب الشكل، والهيئة ساكناً محتشماً، توفي بالمنزلة سنة ست وخمسين وتسعمائة.
محمد بن يعقوب سبط بن حامد الصفديمحمد بن يعقوب، الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام شمس الدين سبط بن حامد الصفدي الشافعي، شيخ صفد ومفتيها، قرأ وحصل في بلده وغيرها، ورحل إلى دمشق بقصد تقسيم المنهاج وشرحه للمحلي، على شيخ الإسلام السيد كمال الدين بن حمزة، فقسمه عليه وحضره جماعة من الأجلاء منهم والد شيخنا، وقال في ترجمته: كان شيخ المملكة الصفدية ملاذ الناس من طلبة العلم وغيرهم، يرجع في الإفتاء والتدريس إليه، وله وعظ حسن يقع في القلب، رحل إلى مصر، واشتغل في العلم بها، واجتمع بالأكابر من علمائها، وكان يرحل لدمشق كثيراً لمحبة أهلها، وكان له مهابة وجلالة وكلمة نافذة، وكانت وفاته في أواخر في الحجة سنة أربع وخمسين وتسعمائة بصفد، وورد الخبر بموته إلى دمشق في يوم السبت من مستهل المحرم سنة خمس وخمسين، وصلي عليه غائبة يوم الجمعة سابع المحرم المذكور، وتأسف الناس عليه تأسفاً عظيما رحمه الله تعالى.
محمد بن يوسف الأنطاكي

محمد بن يوسف الشيخ الفاضل شمس الدين الحريري الأنطاكي، ثم الحلبي الحنفي عرف بابن الحمصاني، ولد بأنطاكية ليلة السابع والعشرين من رمضان المعظم، سنة تسعين بتقديم التاء وثمانمائة وجود القرآن العظيم، على الشيخ محمد الداديخي وغيره، وقرأ الجزرية على البدر السيوفي وغيره، والسراجية على الزين بن فخر النساء الحنفي، وسمع عليه صدر الشريعة، وقرأ على أبي الهدى النقشواني رسالة أخرى في الفرائض، وعلى الشيخ عبد الحق السنباطي المصري، كتاب الحكم لابن عطاء الله الإسكندري، وعلى منلا إسماعيل الشرواني نزيل مكة الأربعين النووية، وكذا قرأها على ابن فخر النسا، وأجاز له كل منهما، وحج أربع مرات منها ثنتان في المجاورة، وزار بيت المقدس، ودخل القاهرة وغيرها، وطاف البلاد واجتمع بمشاهير العلماء والصوفية، وأدرك من أكابرهم الشيخ أبا العون الغزي وصحبه، بجلجولية، ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب، وصحب بها ابن الحنبلي، وقرأ عليه الأربعين النووية، في سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ثم كانت وفاته بالرملة سنة.
محمد بن يوسف الحلبي التادفيالشافعي محمد بن يوسف بن عبد الرحمن قاضي القضاة، أبو اللطف كمال الدين الربعي، الحلبي، التادفي، الشافعي، ذكره شيخ الإسلام الوالد في الرحلة وقال في وصفه: الشيخ الأوحد، والأصيل الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار، وانتظمت أسلاك إصالته في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار نسمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرتب العليه السنية، وتستأنس به الخطط الشرعية السنية، فطوراً مقدماً في أندية الأمراء والأعيان، وتارة صدراً في قضاة العدل والإحسان، القضائي الكمالي التادفي قاضي حلب، ثم مكة كان صحبني من حلب إلى البلاد الرومية، فأسفر عن أعذب أخلق، وكرم أعراق، وأحسن طوية، وأنشدني من نظمه قصيدة تائية ومقامه أكبر من الشعر، وأعلى في القيمة وأغلى في السعر انتهى.
وولد كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي في تاريخه في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النصيبي وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحب أبو الفضل بن الشحنة، وولده الأثير محمد، والسري عبد البر بن الشحنة الحنفيون، وقضاة القضاة الشافعية مشايخ الإسلام زكريا الأنصاري، والجمال إبراهيم بن علي القلقشندي، والقطب محمد الخيضري، والحافظ فخر الدين عثمان الديمي الشافعي، والجمال يوسف بن شاهين الشافعي، في آخرين ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، وتاب في القضاء عن شيخه القاضي حسين بن الشحنة الشافعي وغيره، ثم ترك مخالطة الناس ولف المئزر على رأسه، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعاً بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس، ثم عزل عنه، ثم ولاه الغوري قضاء حلب عن القاضي جلال الدين النصيبي، ولما قرىء توقيعه بجامع حلب وتفرق الناس توجه إلى القاضي جلال الدين، واعتذر إليه وفوض إليه الجمال القلقشندي قاضي القضاة بالممالك الإسلامية نيابة الحكم بالديار المصرية، ومضافاتها مضافاً إلى قاضي حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة العثمانية تدريس العصرونية بحلب، ثم أضيف إليه نظر أوقاف الشافعية بحلب، ثمتدريس الحاجبية، ثم ولاه خير بك المظفري حين كان كافل الديار المصرية، ثم في الدولة العثمانية قضاء الشافعية بمكة وجدة وسائر أعمالها، ونظر الحرمين عن المحب بن الظهيرة والخدمة، كان مأذوناً له في ذلك، فتوجه إلى محل ولايته وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكة في الدولة العثمانية، وبقي في وظيفة القضاء حتى مات خير بك واستقر مكانه محمد باشا فنوزع في الوظيفتين بمساعدة أمير مكة لابن ظهيرة، ثم استقر فيها بعناية محمد باشا حين ولي قاسم باشا مكان محمد باشا، فعزله بعد أمور جرت بينه وبين أميرها، ولم يمكنه الله منة، ثم لما خرج القاضي كمال الدين من مكة معزولاً سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة كتب للشريف أمير مكة أبياتاً سماها السهم المهلكة الباري، في الشريف بركات وأتباعه والذراري، ومن جملتها:
يا واليا قطن الحجاز تعسفاً ... عزلي بموتك منذر قد عز لي

فاشرب بكأس حمام موتك جرعة ... لمرورها أبداً بعمرك تصطلي
أو ما علمت بأنني شهم له ... سهم مصيب من نأى في المقتل
فابشر بحتفك مع ديارك والتي ... سحب المنايا عنهم لا تنجلي
فمات الشريف بركات في تلك السنة، وهو من الاتفاق الغريب، ومن شعر القاضي كمال الدين:
ترى بعد هذا البين والبعد أسمع ... بأن ليتلات المواصل ترجع
ويهدا فؤاد لا يقر قراره ... وجفن قريح بالبكا ليس يهجع
بدور الحمى يا من سرور حماتهم ... مقيم له بين الأضالع أربع
فميتكم هلا وقفتم سويعة ... أزود طرفي نظرة وأودع
أعلل قلبي بالسلام عليهم ... وأطمع فيما ليس لي فيه مطمع
وله أيضاً:
لولا رجائي أن الشمل يجتمع ... ما كان لي في حياتي بعدكم طمع
يا جيرة قطعوا رسلي وما رحموا ... قلباً تقطع وجداً عندما قطعوا
أواه وأطول شوقي للأولى سكنوا ... في الصرح ياليت شعري ما الذي صنعوا
لا عشت إن كنت يوماً بعد بعدكم ... أملت أني بطيب العيش أنتفع
هم أطلقوا أدمعي والنار في كبدي ... كذاك نومي وصبري والهوى منعوا
دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم ... لا وأخذ الله أحبابي بما صنعوا
وقد امتدحه جماعة من أعيان عصره، ولو لم يمدح إلا بالأرجوزة التي نظمها شيخ الإسلام السيد الشريف عبد الرحيم العباسي، الإسلام حين قدم عليهم من بلاد الرومية لكفى وهي:
سعد قدوم مجدك السني ... مؤيد بالصمد العلي
كان له في رتب العلياء ... محل عز شاسع السناء
روى حديث قدره الثقات ... وأثبتت آثاره الأثبات
طوى نسيم جوده الموصوف ... حديث حاتم السخا المعروف
آراؤه على الصواب وقف ... ليس لها من نحو ذاك صرف
أبت معاني مجده إن نولا ... إلا ممهدة السماك في العلا
تبت يدا حساده الأرذال ... فالنقص لا يدنو من الكمال
بينهما ظاهر فرق يعلم ... ليس على صاحب عقل يبهم
يا من له السؤدد والمجد العلي ... والحلم والخلق المذهب الرضي
مقدمك المبارك الآثار ... تجمل بهذه الديار
تاهت بمجده السني الرفيع ... وافتخرت بزهده البديع
تم لها منه لدون فخر ... نور تميد منه شمس الفجر
ناب سنا ضيائه الوهاج ... عن قمر السماء والسراج
هنأت السراء للعلياء ... بما أتاها من حبا النعماء
بروحة.... النجاح ... وغرة تحكي سنا الصباح
أكرم به من قدم ميمون ... محقق الرجاء والظنون
أهدته للروم يد الآلاء ... فالجود من تلك اليد البيضاء
حل به كريم أصل سيد ... له السخاء خلق والسؤدد
ليس له في سلخه عديل ... ولا يرى لمجده مثيل
جمله الله من الصفات ... له سنا يسمو على الندات
ضرائب يعقلها التنبيه ... ليس لها في كرم تشبيه
بدمعة سارت كما الأمثال ... لما بدت في حلية الكمال
أثبت في محدح سنا علياه ... بيتين تعلو بهما الجباه
رمزهما كالدر في الأسلاك ... أو النجوم الزهر في الأفلاك
شم برق أول ثالث يتم ... ما كان من فحواه عنك بالكتم
بخامس ثانيهما إن عدا ... أوفاك ما قد كان منه بدا
تاها بما جاء من المديح ... وأعجزا ذا اللسن الفصيح
رواهما من خص بالإعياء ... منتحل الفطنة والذكاء

هان بما حاز من الكلام ... جواهر الجوهر في النظام
أقبل عليهما بوجه كالقبس ... وأقرأ ألم نشرح ولا تقرأ عبس
يا خير قادم بخير طارف ... وتالد منسحب المطاوف
أنت الذي عندك دون العرض ... مالك ما اسخى امرؤ في الأرض
ليس عن الإتقان فيه تلهو ... ولا عن الراجي نداك تسهو
ظن لك الحمد ذوو البأساء ... معاد في ملابس النعماء
نولك الله من العلياء ... فوق الذي تروم من رجاء
مهنئاً بنعم الخلاق ... مجملا بأحسن الأخلاق
لا تشتكي من حادث يضجر ... ولا على صفوك ما يكدر
بدولة مصحوبة الآلاء ... بأحسن المدح مع الثناء
لا ينقضي لدورها أزمان ... ولا كمالها له نقصان
ليس لها في سعدها مثيل ... ولا يرى لغيرها عديل
وقد التزم السيد عبد الرحيم - رحمه الله تعالى - في هذه الأرجوزة التزاماً عجيباً، ورمزها رمزاً غريباً، وهو أنه تبدأ من أول بيت فيها فتعد ثلاثة أبيات وتأخذ أول البيت الثالث، ثم تعد كذلك ثلاثة وتأخذ أول الثالث، حتى تنتهي إلى آخر الأبيات وتكرر مرة ثانية عليها في العدد كذلك، ثم تجمع الحروف، فيخرج منها هذا البيت:
رأيت بحضرة الملك ابتهاجاً ... به انبسطت من البشرى ظلال
ثم تبدأ من أول بيت منها فتعد خمسة أبيات وتأخذ آخر البيت الخامس، ثم تعد كذلك خمسة وتأخذ آخر الخامس وهكذا كما تقدم وتجمع الحروف فيخرج منها هذا البيت:
فرحت مسايلاً عنها فقالوا ... لحضرة مجدها وافي الكمال
قال ابن الحنبلي: وهذان البيتان كان غير السيد قد مدح الممدوح بهما بالقاهرة، فاطلع عليهما السيد فأدرجهما في أبياته قلت: لكن في قول السيد رحمه الله تعالى في الأرجوزة:
أثبت في مدح سنا علياه ... بيتين تعلو بهما الجباه
ما يشير إلى أن البيتين المشار إليهما من نظم السيد أيضاً: ثم كانت وفاة صاحب الترجمة في أواسط الحجة سنة ست وخمسين وتسعمائة.
محمد بن يونس بن المنقارمحمد بن يونس بن يوسف الأميري المولوي بن شمس الدين بن المنقار الحلبي الأصل، ولي نيابة صفد، ودخل دمشق وقال ابن طولون: كان عنده حشمة، وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول سنة أربعين وتسعمائة ودفن بالخوارزمية بجنب كهف جبريل بسفح قاسيون بوصية منه رحمه الله تعالى.
محمد الزهيريمحمد الشيخ الفاضل نجم الدين الزهيري الحنفي، كان نائب الباب بدمشق، وكان بيده تدريس الريحانية والمرشدية والمقيمية البرانية، والمعزية البرانية، وكان قد عمرها وجدد قاعة الدرس بها، وأقام الجمعة بها، وكان لها سنين بطالة نحو ثلاثين سنة مع إحسانه إلى مستحقيها، ولما مات بطل ذلك، وكانت وفاته في سلخ ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وولى القاضي نيابة الباب للقاضي معروف البلاطنسي، وهو والد العمل صفي الدين مقيد السجلات بالباب رحمه الله.
محمد بن المعمارمحمد المولى الفاضل محيي الدين الدواني الشهير بابن المعمار خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم درس بأسكوب، ثم بمدرسة الوزير محمود باشا، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم ولي قضاء حلب، ثم أعيد إلى إحدى الثماني وعين له كل يوم ثمانون عثمانياً، ثم أعيد إلى قضاء حلب، ومات بها سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
محمد الحلبيمحمد الشيخ العالم أقضى القضاة، شمس الدين الحلبي المعري، توفي بها وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن قرطاس

محمد المولى الفاضل محيي الدين الشهير بابن قرطاس، أحد موالى الروم، كان أبوه من بلاد العجم، ودخل الروم وصار قاضياً ببعض بلادها، واشتغل ابنه هذا على جماعة من الموالي، منهم المولى بن المؤيد، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم ولي المدارس وترقى حتى درس بإسحاقية أسكوب، ثم بمدرسة محمود باشا في القسطنطينية وتوفي وهو مدرس بها، وكان فاضلاً محققاً مجتهداً في العبادة ملازماً على تلاوة القرآن طارحاً للتكليف، مات في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
محمد الحصنيمحمد الشيخ الصالح، العالم العلامة، الحسيب النسيب، السيد شمس الدين الحصني، من أقارب شيخ الإسلام تقي الدين الحصني، صاحب قمع النفوس، رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة ومات بها في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة في جامع الأموي في يوم الجمعة رابع عشر المحرم، سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد المقدسيمحمد الشيخ العلامة أبو الفتح المقدسي الشافعي، كان شيخ الخانقاه الشميصاتية جوار الجامع الأموي بدمشق، وولي نظر الصدراوية، وكان له سكون وفضيلة، وله شرح على البردة، توفي يوم الجمعة عشر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد مفتي كرمانمحمد الشيخ الإمام العلامة محيي الدين الشافعي، مفتي كرمان حج في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق في حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وزار الشيخ محيي الدين بن العربي وصحب بها الشيخ تقي الدين القاري، وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها، وأحسنوا إليه، وأخبر عن نفسه أن له تفسيراً على القرآن العظيم، وحاشية على كتاب الأنوار للأردبيلي، وغير ذلك وأنه كان صحب ذلك معه فخاف عليه من العرب، فرده إلى بلده كرمان، ومدح الكمال ناظر النظار بقصيدة.
محمد البانقوسيمحمد الشيخ شمس الدين البانقوسي الحلبي، عرف بابن طاش نبطي ، تفقه على ابن النساء، ودرس بالأتابكية البرانية بحلب، وكان صالحاً مباركاً، قليل الكلام، حسن الخط، كبير السن، كثير التهجد، توفي في سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد الدواخليمحمد الشيخ الإمام العلامة، المحقق المحدث، الشيخ شمس الدين الدواخلي قرية من المحلة الكبرى المصري الشافعي كان - رحمه الله تعالى - مخصوصاً بالفصاحة في قراءة الحديث، وكتب الرقائق، والسير، كريم النفس، حلو اللسان، كثير الصيام، يقوم ويحيي ليالي رمضان كلها، مؤثر الخمول وعدم الشهرة، وهو مع ذلك من خزائن العلم، أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، والشمس بن قاسم، والشمس الجوجري، والشمس بن المؤيد والفخر القسي، والزين عبد الرحمن الأنباسي، وغيرهم ودرس بجامع الغمري وغيره، وانتفع به خلائق، توفي في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربة دجاجة، خارج باب النصر.
محمد الصماديمحمد الشيخ الصالح، شمس الدين محمد القطان، خليفة الشيخ محمد الصمادي، وكان - رحمه الله تعالى - ساكناً بحارة القط بدمشق، من حارات اليهود، وبنى له ثم زاوية وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر ذي القعدة سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة بعد الصلاة عليه بالأموي رحمه الله تعالى.
محمد الأنطاكيمحمد العلامة، منلا شمس الدين الأنطاكي، توفي بالقدس الشريف في سنة أربعين وتسعمائة.
محمد البساميمحمد الشيخ الصالح العابد المحدث، شمس الدين أبو الطحلة العلجوني، البسامي نسبة إلى أحد بسام الشافعي، دخل دمشق، وأم بالجامع الأموي نيابة وكان له سند بالمصافحة، والمشابكة، وإرسال العذبة، أخذ عنه ابن طولون وغيره، ثم عاد إلى عجلون، ومات بها في سنة أربعين وتسعمائة وصلي عليه وعلى المنلا محمد الأنطاكي المتقدم قبله بجامع دمشق غائبة، في يوم واحد يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
محمد بن ظهيرةمحمد الشيخ الإمام العلامة، قاضي القضاة، محب الدين بن ظهيرة الشافعي، قاضي مكة توفي بها في ذي القعدة سنة أربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن الناسخ

محمد بن الشيخ العلامة، صدر الدين بن الناسخ شيخ مدينة طرابلس الشام، توفي بها في أواخر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع المحرم سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
محمد القرامانيمحمد المولى العلامة، محيي الدين القراماني، أحد الموالي الرومية، قرأ على علماء العجم، ثم دخل الروم فقرأ على المولى يعقوب ابن سيدي علي شارح الشرعة، وصار معيداً لدرسه، ثم درس ببعض المدارس، ثم أعطي تدريس مدرسة أزنيق، ومات عنها وكان مشتغلاً بالعلم ليلاً ونهاراً، علامة في التفسير والأصول والعربية، له تعليقات على الكشاف والقاضي والتلويح والهداية، وشرح رسالة إثبات الواجب الوجود للدواني، وله حواش على شرح الوقاية لصدر الشريعة، وكتاب في المحاضرات، سماه جالب السرور توفي في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
محمد العلائيمحمد الشيخ العلامة، المسند المؤرخ، بدر الدين العلائي الحنفي المصري، أخذ عن شيخ الإسلام الجد وغيره، وأثنى عليه العلامة المحدث جار الله ابن فهد وغيره، وتوفي في حدود سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
محمد البعليمحمد الشيخ العارف بالله تعالى، شمس الدين البعلي، الحنفي الأويسي خليفة الشيخ أويس، وكان أجل خلفائه، يعرف التصوف معرفة جيدة، وله مشاركة في غيره، توفي ببعلبك سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وصلي عليه غائبة في جامع دمشق يوم الجمعة خامس عشر ربيع الأول منها رحمه الله تعالى.
محمد الظنيمحمد الشيخ العالم الصالح، شمس الدين الظني الشافعي، كان من الفضلاء المعتقدين بدمشق، وكان يؤدب الأطفال وفي آخر عمره استقر مؤدباً لهم، بالقيمرية الجوانية، وأعطي مشيخة القراء بالشامية البرانية، وباشرها أشهراً ثم مات عنها في يوم الخميس رابع المحرم سنة أربع وأربعين وتسعمائة، واستقر عوضه فيها الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي، رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد أحد مشايخ الروممحمد الشيخ العارف بالله تعالى، محيي الدين، أحد مشايخ الروم، من قرية قريبة من أماسية، تسمى قفل . طلب العلم، وتصوف واختار العزلة في وطنه، وصرف أوقاته في العلم والعمل، وغلب عليه الورع، وكان يأكل من زراعة نفسه، وتزوج بنت العالم العامل نجيبي، ومات بعد الخمسين وتسعمائة.
محمد الرومي الأشتيتيمحمد الشيخ الصالح، محيي الدين الرومي الأشتيتي، كان عابداً صالحاً متورعاً، يربي المريدين بزاويته بأشتيتة في ولاية روم إيلي توفي بعد الأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الداووديمحمد الشيخ الإمام العلامة، المحدث الحافظ، شمس الدين الداوودي المصري الشافعي، قيل: وكان مالكياً، وكان شيخ أهل الحديث في عصره، أثنى عليه المسند العلامة جار الله بن فهد وشيخ الإسلام الوالد، وغيرهما قال ابن طولون: وضع ذيلاً على طبقات الشافعية للشيخ تاج الدين السبكي، وأرسل طلب مني تراجم أناس ليضعها فيه، قلت: وجمع ترجمة شيخه الحافظ جلال الدين السيوطي، في مجلد ضخم، ورأيت على ظهر الترجمة المذكورة بخط بعض فضلاء مصر، أن مؤلفها توفي قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشري شوال من شهور ستة خمس وأربعين وتسعمائة، ودفن بتربة فيروز بعد العصر بالقرب من مدرسة الأشرف برسباي، بالصحراء باب النصر، وذكر ابن طولون في تاريخه في حوادث سنة سبع وأربعين أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق ثامن عشر ربيع الثاني منها، وبين ذلك وبين التاريخ المتقدم سنة وخمسة أشهر وعشرون يوماً، ونقل وفاته كانت في سنة ست وأربعين وأن الكاتب المتقدم سها.
محمد الفرضيمحمد الشيخ العلامة، شمس الدين المصري الشافعي الفرضي، الحيسوب قال ابن طولون: قال لي الشيخ محمد الفلوجي: مدرس الشامية الجوانية إنه أعلم أهل مصر بالحساب، والفرائض، توفي في سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى منها، وكان الذي صلى عليه الشب زين الدين عمر ابن أبي اللطف الشافعي يومئذ ثم الحنفي وكان قد خطب يومئذ بالجامع المذكور، قدمته مع أخيه الشيخ أبي بكر للأخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وغيره من علماء دمشق.
محمد بن مكية

محمد الشيخ العلامة، شمس الدين ابن مكية، النابلسي الشافعي توفي بنابلس سنة خمس وأربعين وتسعمائة وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة سابع رجب منها رحمه الله.
محمد الدمنهوريمحمد الشيخ العلامة، شمس الدين الدمنهوري المالكي، توفي في سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى منها رحمه الله تعالى.
محمد الفارسكوريمحمد الشيخ شمس الدين الفارسكوري الحنفي المصري إمام المدرسة الغورية، بها توفي سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة، سابع جمادى الأولى رحمه الله تعالى.
محمد القدسيمحمد الشيخ ناصر الدين القدسي الشافعي، قدم دمشق وخطب بجامعها، يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ولا أدري متى توفي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن القاصمحمد المجذوب، المعروف بابن القاص القاهري، كان عرياناً، مكشوف الرأس، والغالب عليه الصمت، وكان يجلس على باب دكان باب القنطرة قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته حال جذبه، وحال صحوه، وأعطاني جزءاً من كتاب الأحياء أوائل جذبه، وكان كثير الكرامات، مات سنة تسع بتقديم التاء وأربعين وتسعمائة.
محمد الواسطيمحمد الشيخ الصالح، شمس الدين الواسطي الشافعي المنير مؤدب الأطفال بحلب تفقه على الجلال النصيبي، وغيره قال ابن الحنبلي: وكان مكباً على عمل الكيمياء إلا أنه كان يحفظ القرآن، ويستشكل منها مواضع، ويقترع أموراً من عند قال: ووقع منه أن كتب ذات مرة رسالة وقال في ضمنها: قد خضت لجة بحر وقف العلماء بساحله قال: فلما بلغ شيخنا العلائي الموصلي عاب عليه ذلك وأنشد فيه:
إن المنير قد سما ... أخوانه بفضائله
أرسو ببحر علومه ... وسينزلون بساحله
قال: وكان أبوه شيعياً إلا أنه كان كثير التعرض لذم أبيه لصلبه قال: ولقد نقل عنه أنه كان يقول: اللهم لا تحشرني مع أبي في الآخرة قال: واتفق أنه قدم هذه البلاد الحلبية فخنق نفسه بيده، وكانت وفاته سنة خمسين وتسعمائة.
محمد شيخي جلييمحمد المولى العلامة، المعروف بشيخي جلبي، أحد موالي الروم كان فاضلاً ذكياً متواضعاً، خدم المولى محيي الدين الفناري، ثم المولى بالي الأسود، ثم درس بمدرسة مولانا خسرو، ثم بمدرسة ابن ولي الدين ثم بمدرسة بيري باشا، ثم بطرابزون، ثم بأبي أيوب، ثم بإحدى الثماني، ومات على ذلك في سنة إحدى وخمسين وتسعمائة رحمه الله.
محمد مرحبامحمد المولى الفاضل، محب الدين الشهير بمرحبا، وقيل: إن اسمه مصطفى وقيل: كان يعرف بابن بيري محمد كان، محباً للفقراء، قرأ على المولى ركن الدين بن المولى زيرك، والمولى أمير جلبي، ثم خدم المولى خير الدين معلم السلطان، ثم أعطي تدريس مدرسة خير بك ببروسا، ثم مدرسة قر احصار، ثم مدرسة الوزير علي باشا بالقسطنطينية، ثم إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بدمشق، ودخلها في رابع عشري محرم سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وعزل عنها في عشري ذي القعدة من السنة المذكورة، وأعطي قضاء بروسا، ثم قضاء أدرنة ومات وهو قاض بها في حدود الخمسين وتسعمائة.
محمد إمام خانهمحمد الشيخ العالم العامل، محيي الدين المعروف بإمام خانه لكونه إمام قلندرخانه الرومي، كان بارعاً في العلم، أصولاً وفروعاً، وعربية وتفسيراً، ثم تصوف وصحب الشيخ حبيب القرماني، والشيخ ابن أبي الوفا، والسيد أحمد البخاري، ثم صار إمام وخطيب جامع قلندرخانه، وانقطع إلى الله تعالى ولازم بيته وكان مباركاً صحيح العقيدة محافظاً لحدود الشريعة، قال في الشقائق: وكان شيخاً هرماً، سألته عن سنه فقال: مائة أو أقل سنتين وعاش بعد ذلك مقدار ثمان سنين، ومات سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد السعديمحمد الشيخ شمس الدين، العقائدي الصوفي السعدي الدمشقي الشيخ أحمد ابن الشيخ سعد الدين: كان عبداً صالحاً قصر نفسه آخراً على خدمة الشيخ عز الدين الصناديقي، المدفون بجامع المسلوت، وتوفي في حدود سنة خمس وستين وتسعمائة.
محمد البقاعي

محمد الشيخ الإمام الفاضل، كمال الدين البقاعي، ثم الدمشقي الشافعي قال: كان والد شيخنا يحب الإصلاح بين الأخصام، والتودد إلى الناس، ويتردد إلى المتصوفة دخل حمام السكاكري، وهو متنطق ولما خرج منه، وقف على مسطبته فسقط مغمى عليه، فحمل إلى بيته بمحلة مسجد القصب، وتوفي فيه نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر سنة ست وخمسين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع منجك بالمحلة المذكورة، ودفن بمقبرة الفراديس بالقرب من ضريح الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، رحمهما الله تعالى.
محمد الجعيديمحمد الرئيس، شمس الدين الجعيدي الدمشقي الشافعي المنشد الزاجل، رئيس دمشق في عمل المولد كان من محاسن دمشق التي انفردت بها، توفي في سنة خمس وستين وتسعمائة تقريباً.
حرف الهمزة من الطبقة الثانية

إبراهيم البقاعي الحنبلي
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر، الشيخ الصالح العارف برهان الدين البقاعي الحنبلي، ثم الشافعي، مولده في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة، قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الأصول والعربية، وحضر دروسه كثيراً، وقرأ عليه بداية الهداية للغزالي والبخاري، كاملاً في ستة أيام، أولها يوم السبت حادي عشري رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة، وصحيح مسلم كاملاً في رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوماً، أولها يوم الأحد حادي عشرة وآخرها آخره وقرأ عليه نصف الشفا الأول وغير ذلك وترجمه الوالد، فإنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم، وتوفي شهيداً مبطوناً يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة عن خمسين سنة وستة أشهر رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد اليمنيإبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل الشيخ العلامة برهان الدين اليمني الزبيدي، ثم الحسوي المالكي، لازم شيخ الإسلام الوالد سنين، وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي، وفي ألفية لابن مالك، وقرأ عليه شرحه المنظوم على الألفية في سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد الطبيبإبراهيم بن محمد صلاح الرئيس الطبيب ابن الطبيب الرئيس ابن الرئيس المعروف والده بصلاح الدين الكحال وتقدم ذكره في الطبقة الأولى قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الفقه والعربية، وهو من هذه الطبقة.
إبراهيم بن محمد بن ميكائيلإبراهيم بن محمد القاضي، برهان الدين الجلجولي، الشهير بابن ميكائيل الشافعي، كان يكتب بالشهادة، ثم ناب في المحكمة، وغض منه شيخ الإسلام الوالد رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد جماعة

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة، الشيخ الإمام المحدث برهان الدين، ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام نجم الدين بن الخطيب البليغ العلامة برهان الدين ابن العلامة خطيب المسجد الأقصى كما الدين الكناني المقدسي الشافعي، مولده كما نقله ابن طولون عن خط والده صبيحة يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وسمع على والده الكتب الستة وغيرها، وأجاز له القاضي برهان الدين ابن قاضي عجلون، والعلامة تقي الدين الشمني، وقاضي القضاة أبو العباس بن نصر الله والعلامة تقي الدين بن فهد، والعلامة شمس الدين بن عمران، والشيخ أمين الدين الأقصرائي وقاضي القضاة الشرف المناوي، والقاضي بدر الدين ابن قاضي شهبة، وقاضي القضاة الجمال الباعوني، وأخوه البرهان، وولي تدريس الصلاحية ببيت المقدس سنين، ثم قطن دمشق وحدث بها كثيراً عن والده وغيره، وولي تدريس الشامية البرانية سنين، ثم تدريس التقوية ونظرها، ثم عزل عن التدريس واستمر النظر بيده إلى أن عزم على التوجه إلى بلده، فأعرض عن النظر المذكور، وسافر من دمشق، فمات بقية سعسع في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشري شوال سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، بعد أن بقي نحو سنتين مستلقياً على ظهره، من زلقة حصلت له بسبب رش الماء داخل دمشق، فانفك فخذه، ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه، ولطف مزاجه، ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق وغسل في منزله قبل ضريح سيدي صهيب الرومي، بميدان الحصا، ودفن بباب الصغير قبل سيدي الشيخ نصر المقدسي، يوم الأربعاء وكانت جنازته حافلة قال ابن طولون: وكان عنده وسوسة في الماء، فلا يشرب من غير بئر، وإذا خرج من منزله عطشان، فيصبر حتى يجد ماء بئر قال: ومن نظمه في جارية تدعى المها:
ويلاه من هتك عيون المها ... قد جرحت قلبي بتلك النبال
بالله بالله أهيل الهوى ... إن مت مفتوناً بذاك الجمال
لا تأخذوا في قاتلي في الهوى ... ففي سبيل الحب هذا حلال
والله والله العظيم الذي ... أسكنها قلبي بذلك الدلائل
إن واصلت أو هجرت أو نأت ... ودي لها باق على كل حال
إبراهيم بن محمد الحلبيإبراهيم بن محمد بن إبراهيم، العلامة الفاضل المولى، إبراهيم الحلبي قال في الشقائق: كان من مدينة حلب، وقرأ هناك على علماء عصره، ثم ارتحل إلى مصر وقرأ على علمائها في الحديث والتفسير والأصول والفروع، ثم إلى بلاد الروم، وقطن بقسطنطينية، وصار إماماً ببعض الجوامع، ثم صار إماماً وخطيباً بجامع السلطان محمد بقسطنطينية، وصار مدرساً بدار القراء التي بناها الفاضل سعدي جلبي المفتي، ثم قال: كان عالماً بالعلوم العربية والتفسير والحديث وعلوم القراءات، وكانت له يد طولى في الفقه والأصول، وكانت مسائل الأصول نصب عينيه، وكان ملازماً لبيته مشتغلاً بالعلم، ولا يراه أحد إلا في بيته أو في المسجد، وإذا مشى في الطريق يغض بصره عن الناس، ولم يسمع أحد أنه ذكر أحداً بسوء، ولم يلته بشيء من الدنيا إلا بالعلم والعبادة والتصنيف، والكتابة وقال ابن الحنبلي: كان سعدي جلبي مفتي الديار الرومية يعول عليه في مشكلات الفتاوي، ولما عمر داراً للقراء جعله شيخها إلا أنه كان منتقداً على ابن العربي، كثير الحط عليه ومع هذا كان متبحراً في التجويد والقراءات، والفقه، وله تآليف عدة منها شرح على منية المصلي. قال في الشقائق: سماه بغية المتملي ما أبقي شيئاً من مسائل الصلاة إلا أورده فيه من الخلافيات، على أحسن وجه وألطف تقرير قال ابن الحنبلي: وفيه استمداد زائد من شرحها لأبن أمير حاج الحلبي، ومن مصنفاته كتاب في الفقه سماه بملتقى الأبحر قال ابن الحنبلي: جمع فيه بين القدوري والمختار والكنز والوقاية، مع فوائد أخرى قال: ولنعم التأليف هو قلت: واجتمع به شيخ الإسلام الوالد في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين وأثنى عليه في المطالع البدرية. وقال: اجتمع في مرات وتوفد وصار بيننا وبينه أعظم مودة وأوكد وأعارني من كتبه عدة أيام تأليف ما ألفت ببلاد الروم، كتفسير آية الكرسي، وشرح البردة وقال في الشقائق: مات سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

إبراهيم بن محمد بن البيكار
إبراهيم بن محمد بن علي الشيخ العلامة المقرىء المجود برهان الدين المقدسي الأصل الدمشقي البصير، المعروف بابن البيكار نزيل حلب. مولده بالقابون قرية من قرى دمشق، سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وقرأ القرارات بدمشق على الشيخ شهاب الدين بن بدر الطيبي الآتي في الأحمدين، من هذه الطبقة، وعلى الشيخ الرحلة صالح اليمني، والشهاب أحمد الرملي إمام جامع الأموي، والشيخ أحمد البصير، ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فقرأ على الشيخ الشمس محمد السمديسي، والشيخ أبي النجاء محمد النحاس، والشيخ نور الدين أبي الفتح جعفر السمهودي قال ابن الحنبلي: ومما حكي عن الشيخ برهان الدين أنه كثيراً ما كان يمرض، فيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فيشفى من مرضه، وكان مجتهداً في أن لا ينام إلا على طهارة، وكان كثيراً ما يدخل على الحجازية بالجامع الأعظم بحلب، حيث درس بها فأقوم إجلالاً له، فيأخذ في المنع من القيام، وهو لا يرى قيامي، وإنما يكشف له عنه من نوع ولاية توفي بحلب سنة سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم الأريحاويإبراهيم بن إبراهيم بن أبي بكر الشيخ برهان الدين الأريحاوي الأصل، الحلبي الدار، الصوفي الشافعي، كان يحب خدمة العلماء بالمال واليد، وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطبية، ويسمح باعارتها قرأ على البرهان العمادي الآتي وابن مسلم وغيرهما، وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها قال ابن الحنبلي: وأعرض في آخر أمره عن حرفته وقنع بالقليل، وأكب على خدمة العلم، وكان عفيفاً، متقنعاً قال: ورافقنا في أخذ العلم عن الزين عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، وكانت وفاته سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
إبراهيم بن حمزةإبراهيم بن أحمد بن حمزة العلامة برهان الدين ابن الشيخ شهاب الدين بن حمزة الدمشقي الشافعي، قال والد شيخنا: الشيخ يونس كان رفيقنا في الاشتغال ووالده من أهل العلم الكبار، وكان هو شاباً مهيباً، له يد طولى في المعقولات، وأب وحصل وجمع بين طرفي المنهاج على شيخنا البلاطنسي، ورافقنا على السيد كمال الدين بن حمزة مع الأجلة الأكابر، له أبحاث عالية، وهمة سامية، طارح للتكليف سكن المدرسة التقوية، ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس بعد الصلاة عليه بالأموي، وكان ممن صلى عليه ومشى في جنازته قاضي القضاة ولي الدين ابن الفرفور - رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن أحمد الأخنائيإبراهيم بن أحمد الإمام العلامة القاضي برهان الدين بن الاخنائي الدمشقي الشافعي، قال والد شيخنا: كان من العلماء والفضلاء والرؤساء، وكان يمسك زمام الفقهاء، ويلبس أجمل الثياب وأفخرها، ويركب الخيل الحسان، أحد قضاة العدل، اشتغل أولاً على الشيخ العلامة برهان الدين بن المعتمد، ورافق تقي الدين القارىء عليه وعلى غيره في الاشتغال، وكان يحضرنا في الدروس على السيد كمال الدين ابن حمزة، له مهابة ودعابة مع سكينة ووقار، توفي ليلة الأربعاء سابع شهر رجب الفرد سنة أربع وخمسين وتسعمائة وصلي عليه في الجامع الأموي ودفن بتربة المعمورة على الطريق الآخذ قبلة بغرب إلى جامع جراح.
إبراهيم بن فخش الصونسويإبراهيم بن بخش بالموحدة بن إبراهيم الصونسوي الحنفي المشهور بدده خليفة مفتي حلب قيل: كان في الأصل دباغاً فمن الله تعالى عليه بطلب العلم، حتى صار من موالي الروم، وهو أول من درس بمدرسة خسرو باشا بحلب، وأول من أفتى بها من الأروام قال ابن الحنبلي: صحبناه فإذا هو مفنن ذو حفظ مفرط حتى ترجمه عبد الباقي المقريء، وهو قاضيها بأنه انفرد في المملكة الرومية بذلك مع غلبة الرطوبة على أهلها واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها. قال: وذكر هو عن نفسه أنه لو توجه إلى حفظ التلويح في شهر لحفظه، إلا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثماني سنوات، فاختلف دماغه، فقل حفظه، ولم يزل بحلب على جد في المطالعة وديانة في الفتوى حتى ولي منصب الإفتاء بإزنيق من بلاد الروم.

وكان يقول: لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبراً، وألف رسالة في تحريم اللواط ، وأخرى في أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها وثالثة في تحريم الحشيش والبنج.
إبراهيم بن حسن العماديإبراهيم بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، برهان الدين ابن الشيخ الإمام، العلامة زين الدين الحلبي الشافعي، الشهير بابن العمادي، ولد بعد الثمانين وثمانمائة بحلب ونشأ بها، وأخذ العلوم عن جماعة من أهلها وممن ورد إليها، منهم والده والشمس البازلي، والشيخ أبو بكر الحيشي، والشيخ مظفر الدين الشيرازي نزيل حلب، وأخذ العربية ابتداء على الشيخ إبراهيم فقيه اليشبكية، وقرأ المطول، وبعض العضد على البدر بن السيوفي، والفقه وغيره عن المحيوي عبد القادر الأبار وجد واجتهد، حتى فضل في فنون، ودرس وأفتى، ووعظ مع الديانة، والسكون ولين الجانب، وحسن الخلق، وحج من طريق القاهرة، وأخذ من جماعة من أعيانها كشيخ الإسلام زكريا، والبرهان ابن أبي شريف، وسمع على الثاني ثلاثيات البخاري، بقراءة ابن الشماع، وقرأها على العلامة نور الدين المحلي، وسمعها بقراءته من ابن الشماع، وأخذ عن الشهاب القسطلاني المسلسل بالأولية، وثلاثيات البخاري، والطبراني وابن حيان، والأربعين الثلاثيات المستخرجة، من مسند أحمد وشرحه على البخاري، والمواهب اللدنية وفتح الداني من كنز حرز الأماني، وأخذ بمكة عن العز بن فهد وابن عمه الخطيب، والسيد أصيل الدين الأيجي، ولقي بها من مشايخ القاهرة عبد الحق السنباطي، وعبد الرحيم ابن صدقة، فأخذ عنهما أيضا وأخذ بغزة عن شيخها الشهاب ابن شعبان، وسمع صحيح البخاري بحلب، على الكمال محمد بن الناسخ الطرابلسي، ثم أكب على إفادة الوافدين إليه بالعربية والقراءات والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والتفسير وغير ذلك، وكان لا يرد أحداً من الطلبة، وإن كان بليداً ودرس وأفتى، وكان لا يأخذ على الفتوى شيئاً، وانتهت إليه رئاسة الشافعية بحلب، قال ابن الحنبلي: وكان قد عبث مرة بحل زايرجة السبتي ، فحل منها شيئاً ما وعلق بالكيمياء أياماً، ثم تركها ولم تكن تراه إلا أسر الأخلاق، متبسماً حالة التلاق، حليماً صبوراً صوفياً معتقداً لكل صوفي له مزيد اعتقاد في الشيخ الزاهد محمد الخاتوني، وكانت وفاته يوم الجمعة في شهر رمضان سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام في تتمة مقبرة الصالحين، ورثاه الشيخ أبو بكر الحلبي العطار الجلومي فقال:
أضحى العمادي للمقام مجاوراً ... ومقامه عند المقام عظيم
فاقصد زيارته تنل كل المنى ... فضريحه في الصالحين مقيم
وإذا وصلت إلى الضريح فقل له ... هنا المقام وأنت إبراهيم
إبراهيم بن موسى الصلتيإبراهيم بن موسى السيد برهان الدين الحسيني الصلتي الدمشقي، كان ملازماً للقاضي شهاب الدين الفرفور، ثم لولده القاضي ولي الدين، وكان يكتب بالشهادتين والوكالة عن الناس، وكان يكتب في رسم شهادته الواعظ، وكان ناظراً على البادرائية، مات في تاسع شوال سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربة الشيخ أرسلان قدس سره وحضر جنازته الأعيان.
إبراهيم بن والي الأميرإبراهيم بن والي، ابن نصر جحا، ابن حسين الأمير الفقيه برهان الدين الدكري المقدسي، ثم الغزي الحنفي، سبط الشيخ شهاب الدين أحمد التميمي الداري، ويعرف بابن ولي قال ابن الحنبلي: وسألته عن والي اسم أبيه هو أو اسم جده، فأخبر أنه اسم أبيه ولكن مع تحريف فيه، فإن اسمه كما وقع له استعماله على الأصل حيث قال في آخر قصيدة له:
قال الفؤاد مقالات يوبخني ... لما راني على طول من الأمل
أن ليس تنفع أقوال تقررها ... ما لم تكن عاملاً بالفعل يا ابن ولي

قدم حلب فيما ذكر ابن الحنبلي سنة ست وأربعين، وارداً من بغداد لتيمار كان له بها، وكان لطيف المذاكرة، حسن المحاضرة، اشتغل بالعربية، وغيرها وتعاطى الأدب، وكان له منظومة في النحو، سماها البرهانية وقرظ عليها سيدي محمد ابن الشيخ علوان قلت: وقفت عليها فوجدته نظم فيها الجرومية، مع زيادات لطيفة، ووضع رسالة في الصيد وما يتعلق بالخيل، برسم وزير السلطنة السليمانية، وقدمها إليه بالروم، ثم عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد، ففقد في الطريق سنة ستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
إبراهيم بن يوسف ابن الحنبليإبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن الشيخ برهان الدين ابن قاضي القضاة، ابن المحاسن ابن قاضي القضاة زين الدين الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي، المؤرخ المشهور وسبط قاضي القضاة أثير الدين بن الشحنة، قال والده في در الحبب: ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، فاشتغل بها في الصرف والنحو والعروض والمنطق على العلاء ابن الدمشقي المجاور بجامع المهمندار، وعلى الفخر عثمان الكردي والبرهان القرصلي، والزين بن فخر النساء، وجود الخط على الشيخ أحمد أخي الفخر المذكور وألم بوضع الأفاق العددية، وتعلق بأذيال القواعد الرملية، والفوائد الجفرية. وأجاز له البرهان الرهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية،عد أن اسمعه منه بشرطه وجميع ما يجوز له وعنه روايته، ثم ذكر أنه استجيز له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين، كالمحب بن الشحنة، والسري عبد البر بن الشحنة، والقاضي زكريا، والجمال إبراهيم القلقشندي، والقطب الخيضري، والحافظ عثمان الديمي، والجمال يوسف بن شاهين وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف، ما اختصره من رسالة القشيري، وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الكيلاني الحموي قال: ثم لبستها أنا من يده وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصاً بادياً نصفه الأعلى من ضريح، وهو يقول له: إذا وقعت في شدة فقل: يا خضير يا خضير، وأنه كان إذا حز به أمر قال ذلك: ففرج عنه وذكر من تأليفه كتابه المسمى وثمرات البستان، وزهرات الأغصان، والسلسل الرائق، المنتخب من الفائق، وكتاباً انتخبه في آداب الرئاسة سماه ومصابيح أرباب الرياسة، ومفاتيح أبواب الكياسة، وغير ذلك وأنه توفي في ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة سنة تسع - بتقديم التاء - وخمسين وتسعمائة وصلى هو عليه قال: ومن شعر والدي ما كتب به إلي وهو غائب عن حلب في طاعون سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة:
سلم بني النفس والوالدا ... لله لا تشرك به أحدا
والجأ إليه في الأمور عسى ... تعطى بذاك الأمن والرشدا
من كان بالرحمن محتسباً ... ولركن قول الله مستندا
لم يخش من هم ولا نكد ... كلا ولا من حاسد حسدا
فكن الرضي بما يريد وكن ... متمسكاً بجنابه أبدا
إبراهيم بن يوسف البنانيإبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البناني الخاتوني، ثم الحلبي الشافعي قال ابن الحنبلي: فقيه صوفي، سليم الصدر معمر. اجتمع بالسيد علي بن ميمون، بعد أن رآه في المنام، فألبسه ثوباً أبيض قال: وكان مغرماً بالكيمياء توفي سنة ستين وتسعمائة، ودفن خارج باب قنسرين بمقبرة أولاد ملوك، عند الشيخ موسى الكردي بوصية منه.
إبراهيم الصفوريإبراهيم الشيخ الفاضل، برهان الدين الصفوري، توفي بصفوريا سنة تسع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم المنلاإبراهيم المنلا العجمي التبريزي الشافعي نزيل دمشق، كان من أهل الفضل في المعقولات وقرأ نحو نصف المصابيح على الشيخ شمس الدين بن طولون، وتوفي يوم الأحد رابع عشر رجب سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ودفن بالقلندرية بباب الصغير وخلف كتباً نفيسة.
إبراهيم أحد موالي الروم

إبراهيم العالم العامل، المولى الأجل الكامل الحسيب النسيب السيد أحمد، أحد موالي الروم، كان والده من سادات العجم، رحل إلى الروم، وتوطن بقرية من قرى أماسية، يقال لها: قرية يكتجه، وكان من أكابر أولياء الله تعالى، وله كرامات وخوارق منها أنه كف بصره في آخر عمر، فكشف ولده السيد إبراهيم رأسه بين يديه يوماً فقال له: يا سيد إبراهيم لا تكشف رأسك ربما يضرك الهواء البارد، فقال له: ولده كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة. قال: سألت الله تعالى أن يريني وجهك، فمكنني من ذلك، فصادف نظري انكشاف رأسك، وقد كف بصري الآن كما كان، نشأ ولده المذكور في حجره بعفة وصيانة، ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا، فقرأ على الشيخ سنان الدين، ثم اتصل بخدمة المولى حسن الساموني، ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده، ثم ولي التدريس حتى صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد خان بمدينة أماسية، وفوض إليه أمر الفتوى، ثم تركها وعين له السلطان بايزيد كل يوم مائة عثماني، على وجه التقاعد، ولما جلس السلطان سليم خان على سرير الملك، اشترى له داراً في جوار أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرساً بمدرسة أبي أيوب وكان مجرداً لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج، ثم رجع عنه بعد أن أجابه إلى ذلك، وكان رجوعه عنه لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وكان منقطعاً عن الناس في العلم والعبادة، زاهداً ورعاً، يستوي عنده الذهب والمدر، ذا عفة ونزاهة، وحسن سمت وأدب واجتهاد، ما راه أحد إلا جاثياً على ركبتيه لم يضطجع أبداً مع كبر سنة، وكان من عادته لا يأمر أحداً بشيء أصلاً، وربما أخذ الكوز فوجده فارغاً، فلا يقول لأحد من خدمه أملأه حذراً من الأمر، وكان طويل القامة، كبير اللحية، حسن الشيب يتلألأ وجهه نوراً، وكان متواضعاً خاشعاً، يرحم الفقير، ويجل الكبير، ويكثر الصدقة، ويلازم على الصلوات في الجماعة، ويعتكف بين العشائين في المسجد، وكف في آخر عمره مدة، ثم عولج فأبصر ببعض بصره، وكان رجل من الطلبة يطيل لسانه فيه فأخبر بذلك مراراً فلم يتأثر، حتى قيل له يوماً أن ذلك الرجل ذكره بسوء فقال: هل يتحرك لسانه الآن. فاعتقل لسان الرجل، وبقي كذلك حتى مات الرجل لخصت هذه الترجمة من الشقائق النعمانية، وذكر أنه توفي في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة قال: وقد ذهبت إليه في مرض موته، وهو قريب من الإحتضار ففتح عينيه فقال: إن الله تعالى كريم لطيف شاهدت من كرمه ولطفه ما أعجز عن شكره، ثم اشتغل بنفسه ودعوت له، وذهبت ومات في تلك الليلة، ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري رحمه الله تعالى
إبراهيم العجميإبراهيم العجمي الصوفي الشيخ المسلك نزيل مصر، كان رفيقاً للشيخ دمرداش، والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني بتبريز العجم، ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان، وأقام بمدرسة بباب زويلة، فحصل له القبول التام، وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام، وكان يفسر القرآن العظيم، ويقريء في رسائل القوم مدة طويلة، حتى وشي به إلى السلطان لكثرة مريديه، وأتباعه، وقيل له: نخشى أن يملك مصر فطلبه، السلطان إلى الروم بسبب ذلك، ثم رجع إلى مصر وطرد من كان عنده من المريدين والأتباع من الترك امتثالاً لأمر السلطان، ثم به له تكية مقابل المؤيدية، وجعل له مدفناً وبنى حوله خلاوي للفقراء، وكان له يد طولى في المعقولات، وعلم الكلام، ونظم تائية جمع فيها معالم الطريق، وكان ينهى جماعته أن يحج الواحد منهم، حتى يعرف الله تعالى المعرفة الخاصة، عند القوم توفي سنة أربعين وتسعمائة وصلي عليه غائبة دمشق يوم الجمعة سابع ذي الحجة منها.
إبراهيم المرشدي

إبراهيم الشيخ الصالح الورع الزاهد الشهير بمرشد المصري الصوفي القادري، كان صاحب مجاهدات، وهمم عالية يطوي الأيام والليالي، حتى مكث أربعين سنة صائماً، لا يكل عند الإفطار إلا تمرة واحدة أو زبيبة أو لوزة، حتى لصق بطنه، وكان له مجلس ذكر بجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: وأخبرني أنه في ابتداء أمره أقام في خربة مدة عشر سنين لا يجتمع بأحد، وسخر الله تعالى له الدنيا تأتيه كل ليلة برغيف وطعام، وكان يحبك الشدود وغيرها ويتقوت بذلك مات بعد الأربعين وتسعمائة، ودفن بباب الوزير بالقرب من قلعة الجبل بمصر وله من العمر مائة سنة وثلاث عشرة سنة.
إبراهيم أبي لحافإبراهيم الصالح المجذوب المصري، الشهير بأبي لحاف كان في أول جذبه مقيماً في البرج الأحمر من قلعة الجبل، نحو عشرين سنة، فلما قرب زوال دولة الجراكسة، أرسل إلى الغوري يقول له: تحول من القلعه واعط مفاتيحها لأصحابها، فلم يلق الغوري إلى كلامه بالاً وقال هذا مجذوب: فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر فزالت دولة الجراكسة، بعد سنة وكان حافياً مكشوف الرأس وأكثر إقامته في بيوت الأكابر وكان يكشف له عما نزل بالإنسان من البلاء في المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا وكذا، ويطلب منه مالاً فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه، والأذى كما أخبر، وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام الليل، بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفاً وشتاء، مات سنة أربعين وتسعمائه، ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقه، في أساكر المجاور لسبيل العالي.
؟؟؟

إبراهيم عصيفير
إبراهيم الشيخ الصالح، المجذوب المصري، المعروف بعصيفير من أهل الكشف الكامل، أصله من نواحي الصعيد، كان ينام مع الذئاب في القفار، ويمشي على الماء جهاراً، وجاء أبو موسى المحتسب مرة فقال له: إدع لي فقال: الله يبتليك بقاتل يقتلك عن قريب، فقتل تلك الليلة، ومر على الأمير سودون، وهو يعمر في خربة جداراً ليعمرها قصراً، فرجمه وقال: أنتم فرغت مدتكم ما بقيتم تلحقوا أن تسكنوا فسافر الغوري لقتال ابن عثمان، فقتل. وخربت دور عسكره كلهم قال الشعراوي: واشترى لي تلك الخربة، فجعلتها مسجداً، وأخبرني بحريق يقع في مكان، فوقع تلك الليلة ورمى مرة جرو كلب في دست الطباخ، فبحث الناس فوجدوا في القدر، لحم ميت، ومر عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه، فكسرت فإذا فيه حية ميتة، وأحواله عجيبة توفي سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ودفن بزاويته بين السورين تجاه زاوية الشيخ أبي الحمائل رحمه الله تعالى.
؟؟
إبراهيم الرحبي
إبراهيم الرحبي، المصري الشيخ الصالح، كان مقيماً في زاويته على باب جامع الأزهر، وكان له في بدايته سياحات كثيرة، ساح سبع عشرة سنة في جبال الشام وغيرها، واجتمع بمشايخ كثيرة، ثم دخل مصر واجتمع بالشيخ أبي السعود الجارحي فأجلسه في باب جامع الازهر، وقال له: كل من رأيته من العميان وذوي العاهات جاء يطلب القرآن يرده أهل الجامع ولم يعلموه، فاسأل الناس وإعط فقيهاً الجامكية ليقرئهم ولا يخيبهم، وكان يخدم كل من مرض في الجامع بنفسه، وينحي القذر من تحته ويعمل له المزورات وغيرها، حتى يشفى أو يموت فيغسله ويكفنه لوجه الله تعالى، وكان يسأل الناس ما تحتاج الفقراء المقيمون عنده إليه من الدراهم والثياب والطعام وسائر ما يحتاجون إليه، وكان يأخذ من الخضرية ما يكسد عندهم من السلق والرجلة والجزر وغير ذلك، ويطبخه للفقراء، وإذا احتاجوا إلى قمح أو غيره من الحبوب أو كسوة طلع إلى السلطان قايتباي، فيامر له بجميع ما يحتاج إليه، وكان يجمع عنده ما تحتاج الفقراء إليه من ملح أو شعير أو بصل أو غيرها من الأدم، ومن منخل أو غربال أو رحى أو مسامير أو سيور للقباقيب؟ فكل من احتاج إلى شيء من ذلك يقول له: ادخل وخذ حاجتك، وكان مع ذلك يصبر على حبس الفقراء وقلة أدبهم، ويرى لهم الفضل عليه مات في آخر شوال سنة أربع وخمسين وتسعمائة.
إبراهيم الشاعرإبراهيم الشيخ الفاضل الأديب الشاعر برهان الدين ابن المبلط، شاعر القاهرة من شعره في القهوة:
يا عائباً لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النفس من أمراضها
أو ما تراها وهي في فنجانها ... تحكي سواد العين وسط بياضها

ولبعضهم في المعنى:
إشرب هنيئاً قهوة البن التي ... تحلو مع الإخوان والخلان
سوداء في المبيض من فنجانها ... تحكي سواد العين للإنسان
قلت: أحسن منه قولي:
إشرب من القهوة صاعين ... ولو ببذل الورق والعين
سوداء في بيض فناجينها ... كأنها الإنسان من عين
إبراهيم الروميإبراهيم الرومي، ثم الدمشقي الشيخ الفاضل المدرس، نزيل دمشق، كان قد ولي تدريس المقدمية الجوانية، ثم نزل عنه وحج وعاد فقطن مدرسة أبي عمر بسفح قاسيون، وصار يتردد إلى زيارة الشيخ محيي الدين ابن العربي، ويصلي في السليمية الصلوات النهارية، وأحياناً يتقصد أماكن الزيارات، فيزورها ولو كانت بعيدة ماشياً، ويعود المرضى ويشهد الجنائز، وكان من شأنه أن يتمسح بجدران المساجد وهو يتلو القرآن، ولذلك قيل أنه حصل له جذب، ولسان حاله كما قيل:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
ولما مرض واشتد به المرض، حمل إلى البيمارستان النوري، فمات به بعد أن أوصى أن يدفن في حوش الشيخ محيي الدين العربي، فدفن به بعد الصلاة عليه بالأموي وحمل إلى الصالحية.
أبو بكر البلاطنسيأبو بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر الشيخ الإمام شيخ مشايخ الإسلام العلامة المحقق، الفهامة المدقق، الحافظ الناقد الجهبذي تقي الدين البلاطنسي، كان عالماً عاملاً ورعاً كاملاً مولده كما قرأته نجده يوم الجمعة عاشر رجب تمام إحدى وخمسين وثمانمائه، أخذ العلم عن والده وعن شيخ الإسلام زين الدين خطاب والقاضي بدر الدين ابن قاضي شهبة، وشيخ الإسلام النجمي، والتقوي ابن قاضي عجلون وقاضي القضاة جمال الدين بن الباعوني، والحافظ برهان الدين الناجي، والشيخ العلامة شهاب الدين الأذرعي، والحافظ شمس الدين ابن الحافظ شهاب الدين الغريابي المغربي والشيخ تاج الدين عبد الوهاب الكفر بطنائي، وغيرهم قال تلميذه والد شيخنا: وهو من بيت صلاح وعلم، سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدين بن حمزة، ورحل إلى دمشق في طلب العلم وأخذ عن علمائها، ثم استوطنها، وكان يجلس بالبادرائية، ولم يتناول من أوقاف دمشق شيئاً حتى أرسل إليه شيء من مال الشامية البرانية، فرده وقال: إنما استحق بالمباشر والحضور فيها وبعث إليه... باشا نائب دمشق بمال، فرده إليه فبعث إليه مرة أخرى وقال للرسول: قل له إنه حلال فرده أيضاً، وقال: أنا في غنية عنه وبعث إليه إبراهيم آغا نائب القلعة بمال، فسأله الدعاء فرده، ولم يقبله، ودعا له وقال للرسول: قل له غيري أحوج إليه مني، وعمن له متولي الجامع الأموي ثمانية عثمانية في مقابلة تدريسه به، فلم يقبل ليكون تدريسه بغير عوض، وكان له مهابة في قلوب الفقهاء والحكام يرجع إليه في المشكلات، وكان لا يتردد لأحد لغناه وكان له همة مع الطلبة ونصيحة واعتناء بالعلم، وكان أماراً بالمعروف نهاءاً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم لا يداهن في الحق له حالة مع الله تعالى يستغاث بدعائه، ويتبرك بخطه، قائماً بنصرة الشريعة حاملاً لواء الإسلام، مجداً في العبادة، مجانباً للرياء، لا يحب أن يمدحه أحد مدحه بعض طلبته بقصيدة منها:
أيا من يروم العلم والبحث في الدرس ... ويسأل بين الأنس عن مجلس الأنس
فعد إلى الشيخ التقي محمد ... أبا بكر البحر الخضم البلاطنسي

ولم يجسر عليه أن يعرضها عليه، فالتمس من والد شيخنا عرضها عليه، وأقسم عليه في ذلك قال والد شيخنا: وأنا اعلم منه كراهية مدحه، غير أني تجرأت عليه وقلت صاحبنا فلان. قال أبياتاً تتضمن المدح فغضب وقال: اسكت! فسكت ولم أقرأها عليه، وكان يختم القرآن في كل جمعة، ويفرغ الختم قبل صلاتها، وكان يختم في رمضان في كل ليلة ختمتين وأكب في آخر عمره على التلاوة، فكان لا يأتيه الطلبة لقراءة الدرس إلا وجدوه يقرأ القرآن وكان وقافاً عند الشروط: والحدود إذا رأى كتاباً موقوفاً مكتوباً عليه أن لا يخرج من موضع كذا رده ولا يبقيه عنده، وله شعر لا بأس به، منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان رحمه الله تعالى - وتعرض فيها لما حصل في زمانه من الفتوحات كرودس وغيرها، وما قام فيه من نصرة الدين، ويشكو فيها ما أحدثه القضاة والولاة بدمشق فقال في هذا الفصل الأخير:
وعن رشوة حادوا إلى اليسق الذي ... أهانوا به والله ملك ابن عثمانا
ووالله أن الشافعي ومالكاً ... وأحمد والثوري أيضاً ونعمانا
ومن جاء يقفو أثرهم متمسكاً ... بهديهم المنصوص نصاً وقرانا
يرون جميعا حظر ذا اليسق الذي ... يراه قضاة العصر شرعا وميزانا
وهذا وإن المنكرات التي فشت ... وأظلم منها الشام ريفاً وبلدانا
وعادت بها الأخيار سكرى وصيرت ... شرار الورى يسطون بغياً وطغيانا
أعلت وأبكت واسطاً وشرارها ... وفتتت الأكباد سناً وأبدانا
وقد شاع أن الله أرسل عبده ... الموفق سلطان البرايا سليمانا
لغوث رعايا قد دهتهم مصائب ... وهدت من الدين الحنيفي أركانا
فكيف وإني كان هذا وشبهه ... وسلطاننا من أكمل الناس إيمانا
فهنا سؤالي ثم إني ضارع ... يديم إله العرش ملك ابن عثمانا
وأختم نظمي بالصلاة مسلماً ... على المصطفى المختار من نسل عدنانا
توفي ليلة الاثنين ثاني المحرم سنة ست وثلاثين، وتسعمائة ودفن بمقبرة باب الصغير جوار بلدية شيخ الإسلام، شمس الدين البلاطنسي، المعاصر لابن شهبة وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال.
أبو بكر بن محمد القاريأبو بكر بن محمد بن يوسف، الشيخ الإمام العلامة المحقق، المدقق، الفهامة، شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين القاريء، ثم الدمشقي، الشافعي. أخذ عن البرهان ابن أبي شريف، والقاضي زكريا وغيرهما من علماء مصر، وبالشام عن الحافظ برهان الدين الناجي وغيره، وتفقه على شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، وابن أخته السيد كمال الدين بن حمزة، والشيخ تقي الدين البلاطنسي المتقدم قبله، وكان يترجمه ويثني عليه، ويقول: هو أعلم جماعتنا الآن. ولي إمامة المقصورة بالأموي شريكاً للقاضي شهاب الدين الرملي، ثم لولده الشيخ أبي الفضل، ثم لشيخ الإسلام والدي، وولي نظر الحرمين وغيره، وولي تدريس الشامية البرانية آخراً، ولزم المشهد الشرقي مدة يسيرة، واخترمته المنية بالجامع الأموي بعد شيخه شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، وردت المشكلات إليه، وعكفت الطلبة عليه، وكان ممن أخذ عنه شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي، والشيخ العلامة علاء الدين بن عماد الدين، وتزوج بنت مفتي الحنفية الشيخ قطب الدين ابن سلطان الحنفي، ورزق منها ابناً. مات بعده بمدة يسيرة، وكان محققاً مدققاً واقفاً مع المنقول، عالماً بالنحو والقراءات والفقه والأصول. نظم أرجوزة لطيفة في عقيدة أهل السنة، وله شعر حسن منه في عدد حروف الفاتحة:
وعدد الحروف للفاتحة ... عشرون مع أربعة ومائة
وعدد الشدات فيها أربع وعش ... ر شدات عليها أجمعوا
ولم أعد همزات الوصل ... وكل حرف ساقط في الأصل
لساكن فالمتصل لا يجب ... عليه نطق بجميع الكتب
وزدت فيه ألفات أربعاً ... إذ يجب النطق بهن جمعاً
وكل حرف مدغم أسقطته ... كيف وفي التشديد قد ذكرته

وذا الذي ذكرت في الكل جلي ... وظاهر يعرف بالتأمل
وذكر ابن طولون أنه دخلت على الشيخ تقي الدين في يوم الجمعة مستهل ربيع الأول الأنور سنة خمس وثلاثين وتسعمائة شقة بوضع في الترسيم بأمر المفتش أن ألزم بمال الحرمين. قال والد شيخنا: اعتراه في آخر عمره نحول وذبول وسعال، ومع ذلك كان يشتغل الناس عليه حتى غلبه المرض، وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وتسعمائة عن خمس وستين سنة، وحضر جنازته. والصلاة عليه بالأموي جم غفير من أهل العلم وغيرهم، منهم الشيخ شمس الدين حامد الغزي، وتقدم للصلاة عليه خطيب دمشق الشيخ جلال الدين البصروي، ودفن بمقبرة باب الصغير عن يمين الطريق السالك من الغرب إلى الشرق بالقرب من جامع جراح، وولي تدريس الشامية بعده شيخ الإسلام الوالد، وإمامة المقصورة شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي أحد تلاميذه.
أبو بكر بن عبد الجليل القواسأبو بكر بن عبد الجليل الأستاذ تقي الدين ابن الأستاذ القواس، الشاب الفاضل، الصالح، الخير، الشافعي أخو الشيخ محب الدين المتقدم مولده سادس عشر المحرم سنة ست وتسعمائة. قرأ على شيخ الإسلام الوالد غالب المنهاج في الفقه والجرومية والملحة وغيرهما في النحو، وفي شرح الورقات، وفي إذكار النووي، وبرع وكان من المباركين الصالحين، وتوفي يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن عبد الكريم الخليصيأبو بكر بن عبد الكريم، الشيخ الصالح تقي الدين الخليصي الأصل، الحلبي الشافعي إمام المدرسة البلاطية بحلب المشهور بالزاهد، وهو سبط العالم المفتي الصالح أبو بكر الخليص. كان شيخاً منوراً ذا زهد وورع وصلاح وتهجد في الليالي مع ذكر وبكاء لا يراه أهل محلته إلا أوقات الصلوات، وهو في غيرها يتردد إلى المقابر والمزارات، وإلى المكان المعروف بقبور الصالحين، وكان كثيراً ما يقصده الزوار يسمعون منه ما يقرأه عليهم من رياض الصالحين أو غيره. توفي بحلب سنة ثمان وخمسين وتسعمائة.
أبو بكر الشريطيأبو بكر الشريطي، الصالحي، الشيخ الصالح تقي الدين تلميذ الشيخ أبي الفتح المري. أخذ منه، ولبس منه الخرقة، وتوفي بغتة يوم الأربعاء ختام جمادى الآخرة سنة أربعين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون.
أبو بكر بن شهلاأبو بكر، القاضي تقي الدين بن شهلا الأسمر الدمشقي، الشافعي المتصرف. تولى نيابة القضاء مراراً، وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصاً ابن إسرافيل، ثم انحرف عليه، وعزله، واستمر معزولاً إلى أن توفي يوم الخميس ثاني صفر سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه بمسجد القصب، ودفن بتربة الشيخ أرسلان، وخلف دنياً كثيرة. قيل: إنها قربت سبعة عشر ألف دينار.
أبو بكر قاضي الخليلأبو بكر الشيخ الصالح تقي الدين قاضي الخليل. توفي بمصر في أواخر ربيع الأول سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الآخر منها، وحضر الصلاة عليه أخوه الشرفي محمود قاضي صفد، وشيخ دار الحديث الأشرفية داخل دمشق.
أبو بكر سراق الحشمةأبو بكر الشيخ تقي الدين القواس، المعروف بسراق الحشمة لأنه كان يستعير أثواب الناس في الجمع والأعياد من كل زي. فيلبسها، فتارة يكون في زي أهل الشام، وتارة يكون في زي أهل الحجاز، وتارة في زي الأروام، وتارة في زي العرب، وكان يكره هذا اللقب، وكان أصحابه يسمونه بشيخ الحشمة، وكان تلميذاً لسيدي محمد بن عراق، ثم لأولاده من بعده، وسافر إلى الروم، فأعطي في صر مكة ثمانية دنانير في كل سنة، وفي زاوية السليمية عشرين عثمانياً كل يوم. توفي سادس عشر شوال سنة خمسين وتسعمائة بدمشق.
أبو بكر بن فهدأبو بكر، الشيخ العلامة تقي الدين بن فهد الحنفي. قدم دمشق من مكة صحبة الوزير الطواشي، ثم عاد إليها مع الحاج مبشراً للسلطان ابن أبي نمي برضى السلطان سليمان في سنة ست وأربعين وتسعمائة.
أبو بكر الأبياري

أبو بكر الشيخ تقي الدين الأبياري، المصرفي، الصوفي. كان فقيهاً زاهداً عابداً، وكان مع ذلك يعرف الفقه، والحديث، والقراءات، والنحو، والأصول، والهيئة، وكان يقريء الأطفال احتساباً، ولم يتناول على التعليم شيئاً، وما قرأ عليه أحد إلا انتفع به. رأى في منامه وهو صغير أنه يزرع شجر النبق، فزرع ستين نبقة، فلم يخس منهن واحدة، فعرض ذلك على شيخ المغيربية الشيخ أبي الخير بن نصر، فقال له تفسير ذلك: أنه لا يقرأ عليك أحد إلا انتفع، وكان الأمر كذلك، وكان مورداً للفقراء ببلدة أبيار لا ينقطع عنه الضيف، وكان مع ذلك لا راتب له، ولا معلوم بل ينفق من حيث لا يحتسب، أخذ الطريق عن الشيخ محمد النشاوي: وأذن له في تربية المريدين، فلم يفعله احتقاراً لنفسه، وهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
أبو بكر المنلاأبو بكلا المنلا العلوي، الحنفي نسبة إلى محمد بن الحنفية الحنفي المذهب أيضاً، المعروف بشيخ زاده. كان من كبار الفضلاء والأذكياء مع ما له من المال والرزق والكتب النفيسة، وكان صالحاً متواضعاً لا يحب التصنع لا من نفسه ولا من غيره، وكان يغلظ على من يرى منه خلاف ذلك. وينصحه، وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجاً لملكها. دخل حلب في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وكان رفيقاً لابن الحنبلي في صدر الشريعة على الشهاب أحمد الأنطاكي، ثم سافر إلى مكة، وجاور بها سنين، ثم عاد منها بعد سبع سنين إلى حلب، ثم سافر إلى بلده، وقطن بها، ثم كان بالهند.
أبو السعود بن بدر الدين زادهأبو السعود المولى الفاضل، الشهير بابن بدر الدين زاده أحد موالي الروم. ولد ببروسا، وتزوجت أمه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي فقرأ عنده سائر العلوم، وقرأ على غيره، وخدم المولى ركن الدين، ثم أعطي قضاء بعض البلاد، وله كتاب بالتركية سماه سليم نامه وهو مقبول عند أربابه، وله ديوان الصبابة، وأشعار بالتركية، وكان فاضلاً، صاحب ذكاء وفطنة. مات بعد خمس وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر الحصكفيأبو بكر محمد بن أبي اللطف، الحصكفي الأصل، المقدسي الشافعي، الشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين. أخذ عن والده وغيره، وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق، فقرأ على شيخ الإسلام الوالد جميع شرح الجوامع بمشاركة الشيخ شمس الدين العجلوني، وكان ختم الكتاب بالشامية البرانية يوم الأربعاء مستهل جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وحضره الشيخ المحدث الفقيه شمس الدين بن طولون، والشيخ أبو الفتح المالكي وغيرهما من الأعيان، وختامهم شيخ الإسلام الوالد بعد ذلك. وأنشد الرئيس محمد بن الجعيدي بعد الختم في مناسبة المقام، وكتب الشيخ لهم بذلك إجازة حافلة، ثم برع الشيخ تقي الدين المذكور في فنون من العلم خصوصاً بالأصول، قال الشيخ محمد بن العلمي الفقيه مدرس القصاعية: كان الشيخ أبو بكر ابن أبي اللطف أصولي بيت المقدس حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي. سكن دمشق آخراً، وتزوج بها، ومات سنة ستين وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
أبو الصفاء بن عبدوأبو الصفاء بن عبدو، الشيخ الصالح. توفي بمعاملة حلب، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر صفر منها.
أبو العباس الحريثي

أبو العباس الحريثي، المصري. نشأ في العبادة والإشتغال بالعلم، وتلا القرآن العظيم للسبع، ثم خدم سيدي محمد بن عفان، وأخذ عنه الطريق، وزوجه الشيخ بابنته، وقربه أكثر من جميع أصحابه، ثم صحب بعده سيدي علي المرصفي، وأذن له أن يتصدر للإرشاد، وتلقين الذكر. قيل: ولم يأذن الشيخ بذلك لغيره، ودخل الخلوة بعد أستاذه مراراً، ولم يخرج للإرشاد حتى سمع الهواتف تأمره بذلك، فدعا إلى طريق الله تعالى، ولقن الذكر نحو عشرة آلاف مريد، ولما حضرته الوفاة. قال: خرجنا من الدنيا، ولم يصح معنا صاحب في الطريق. بني زاوية بمصر، وعمر عدة مساجد في دمياط والمحلة وغيرهما. قال الشعراوي: ووقع له كرامات كثيرة منها أنه جلس عندي بعد المغرب في رمضان، فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات، ومنها أنه طلع بي بواسير، وحصل لي منها ضرر شديد، فشكيت ذلك إليه. فقال لي: غداً تدخل في صلاة العصر تسلم منها، فلا تجد لها أثراً، فكان الأمر كما قال، وكان كريم النفس، حسن المعاشرة، كثير التبسم، زاهداً في الدنيا، كثير الوحدة في الليل. طوى الأربعين يوماً، وكان كثير التحمل لهموم الخلق حتى صار كأنه شن بال، وكان مع ذلك لا يعد نفسه من أهل الطريق، وإذا ذكر له شيء من مقاماتهم يقول: استراحت العرايا من شراء الصابون قال الشعراوي: توفي بثغر دمياط في سنة خمس وأربعين وتسعمائة، ودفن في زاوية الشيخ شمس الدين الدمياطي الواعظ، وقبره بها ظاهر يزار، وذكر ابن طولون أنه صلي عليه غالبة بجامع دمشق بعد الجمعة عاشر ذي القعدة سنة ست وأربعين وتسعمائة.
أبو الفتح الخطيبأبو الفتح الخطيب ابن القاضي ناصر الدين المدني خطيب الحرم بها. دخل دمشق قاصداً الروم، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر سنة أربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو الفتح السبستريأبو الفتح الشيخ العلامة، المحقق المدقق الفهامة، أبو الفتح السبستري، ثم التبريزي الشافعي نزيل دمشق المحروسة. كان فاضلاً، بارعاً، صالحاً خاشعاً، له يد طولى في المعقولات والمنقولات، وانتفع به الطلبة، وهرعوا إليه، ورغبوا فيما عنده، وكان ذا أخلاق حسنة، وآداب جميلة. أخذ عنه الشيخ العلامة نجم الدين البهنسي، والشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدين، والشيخ شمس الدين بن المنقار، والمنلا أسد، والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور وغيرهم، وكان له خلوة في الشميصاتية يدرس فيها. توفي بالصالحية شهيداً بالطاعون سنة اثنتين وستين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة، ولقنه الشيخ شهاب الدني الطيبي رحمه الله.
أبو الفضل الأحمديأبو الفضل الأحمدي صاحب الكشوفات الربانية، والمواهب الصمدانية، العارف بالله تعالى. أخذ الطريق عن سيدي علي الخواص، والشيخ بركات الخواص وغيرهما، وكان من أهل المجاهدات، وقيام الليل، والتخشن في المأكل والملبس، وكان يخدم إخوانه، ويقدم لهم نعالهم، ويهيء الماء لطهارتهم، وكان إذ كان مع إخوانه. ودخلوا مكاناً ينزعون فيه نعالهم يجمعها كلها في خرج معه، ويحملها على عاتقه إلى موضع لبس النعال، فيقدم لكل واحد نعله، ولا يمكن أحداً من حمل نعل نفسه، وكان شديد التعظيم للمساجد. لا يتجرأ أن يدخل مسجداً إلا تبعاً لغيره، ويقول: مثلنا لا ينبغي له أن يدخل حصر الله على الناس، وكان كذلك شيخه الخواص - رحمها الله تعالى - وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور. قال: سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني. فأبى علي، وكان يقول: أعطاني الله تعالى أنه لا يقع بصري على حب فيسوس، وجرب ذلك فيه. قال الشعراوي - رحمه الله تعالى - : ووقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قط مع أحد من الأشياخ إذا جالسته، وشرح ضمني إلى مكان أو كلام يقول لي: ارجع بقلبك من الشيء الفلاني، فيعرف ما شرح قلبي إليه، وكننت إذا ورد علي شيء من الحقائق في ليل أو نهار، وأردت أن أقوله له يقول لي: قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد علي حرفاً بحرف، وتارة يأتيني بورقة في عمامته، ويقول: هذا كلام ورد علي الليلة، فحرر علي مصطلح النحاة، فإني لا أعرف أنطق بالنحو. قال: وورد علي كلام بالليل. وكتبته. فبينما أنا أقرأه للفقراء إذ دخل. فقال: اسمعوا هذه الورقة، فقابلناها عليها، فلم يخطيء حرفاً واحداً.

قال: وسألني مرة الأمير محيي الدين ابن أبي الإصبغ دفتر دار مصر. كان وهو محبوس في الغرقانه أن أسأل الله تعالى في إطلاقه من السجن، فتوجهت إلى الله تعالى في تلك الليلة في الأسحار، وسألت الله تعالى في إطلاقه، فجاءني الأخ المذكور، وقال: ضحكت عليك، وأنت تدعو للأمير محيي الدين بالخلاص، ودعاؤك يصعد سبعة أذرع إلى السماء، ويرجع وقد بقي من مدة حبسه خمسة أشهر، وسبعة أيام، فلو كنت شاطر مصر لا تقدر على إخراجه حتى تمضي هذه المدة، وكان الأمر كذلك. وقال في الطبقات الكبري: حج سيدي أبو الفضل مرات على التجريد، فلما كان آخر حجة كان ضعيفاً. فقلت له: في هذه الحالة تسافر. فقال: لترابي فإن نطفتي مرغوها في تربة شهداء بدر، وكان كما قال، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وحكى عنه في الوسطى أنه قال: إنما أسافر لترابي لا للحج، فقلت: كيف. فقال: قد قرب أجلي وترابي في تربة بدر عند مسجد العمائر، فكان الأمر كما قال: وأورد الشعراوي من كلامه وأحواله كثيراً في الطبقات الكبرى والوسطى، وأشار إلى أنه ذكرها أبسط مما فيهما في كتابه المسمى بالمنن والأخلاق.
أبو الفضل بن الرمليأبو الفضل بن الرملي الإمام تقدم في المحمدين.
أبو الليث الحنفيأبو الليث المولى العلامة الرومي، الحنفي، أحد موالي الروم كان خوجه إياس باشا الوزير. خدم المولى الشهير بضميري، وبه اشتهر، وصار معيداً لدرسه، ثم صار مدرساً بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بابي أيوب ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بحلب في سنة أربع وأربعين، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه وقال: إنه كان علائي الأصل نسبة إلى العلائية قصبة قريب أذنه ، وقال: كان له إلي إحسان، برقم بعض العروض في بعض المناصب الحلبية حتى نظمت له ما نظمت، وأنا بمجلسه، وقد دفع لي عرضاً كان وفق المراد فقلت:
حل أرض أو يشيب نباتها ... وأنت لأرضي يا أخا الغيث كالغوث
محال، وما من همة قسورية ... تفوت أخا عدم، وأنت أبو الليث
ثم ولي قضاء دمشق عن قاضي قضاتها إسحاق أفندي، ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة، ودفن بباب الصغير عند قبر إسحاق أفندي المتوفى قبله، وتقدم للصلاة عليه تقي الدين القاري بالأموي.
أبو الهدى النقشوانيأبو الهدى بن محمود، العالم المتبحر، الصالح المنلا النقشواني الحلبي. كان عالماً، عاملاً، محققاً، مدققاً، منقطعاً عن الناس، قليل الأكل، خاشعاً، إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يميناً ولا شمالاً، وكان ينظم الشعر بالعربية والفارسية. أخذ عن جماعة منهم منلا طاش الدريعي ، ومنلا مزيد القراماني، وابن الشاعر، وكان يميزه على شيخيه الأولين ذكره ابن الحنبلي وقال: دخل حلب، وسكن فيها بالكلتاوية ، وبها صحبته، ثم بالأتابكية البرانية ثم مات بعين تاب سنة - تسع بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الحمصي المؤرخأحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن عثمان بن عبد اللطيف بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن حسن بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، الشيخ الإمام العلامة الخطيب البليغ، المحدث، المؤرخ. القاضي شهاب الدين الحمصي الأصل، الدمشقي الشافعي، ونسبه المذكور نقلته من خطه، وجده عبد الله بن زيد هو الذي رأى في منامه قصة الأذان، ووافقه فيه عمر بن الخطاب، وهو صحابي جليل تفتخر به الأنصار - رضي الله تعالى عنهم - ولد الشيخ شهاب الدين في سنة إحدى وخمسين أو ثلاث وخمسين وثمانمائة، واعتنى بقراءة الحديث، وطلب العلم، وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين، وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، ثم سافر إلى مصر، وفوض إليه قاضي القضاة زكريا، وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل، وكان الغوري يميل إلى خطبته، ويختار تقديمه لفصاحته، ونداوة صوته، ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة، وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية الولوي، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الثانية سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس.
أحمد بن محمد المقدسي

أحمد بن محمد بن محمد بن عمران الشيخ شهاب الدين المقدسي الحنفي. سمع بقراءة الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي علي قاضي القضاة البرهاني القلقشندي في تاسع عشر شوال في سنة تسع عشرة وتسعمائة.
أحمد بن محمد المرداوي الحنبليأحمد بن محمد، الشيخ الفاضل الصالح الإمام شهاب الدين المرداوي، ثم الصالحي الحنبلي، المعروف بابن الديوان إمام جامع المظفري بسفح قاسيون، قال ابن طولون: كان مولده بمردا، ونشأ هناك إلى أن عمل ديواناً بها، ثم قدم دمشق، فقرأ القرآن بها على الشيخ شهاب الدين الذويب الحنبلي لبعض السبعة، وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره، وتفقه عليه، وعلى الشهاب العسكري على مذهب الحنابلة، وولي إمامة جامعهم بالسفح نيفاً وثلاثين سنة، وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم سنة أربعين وتسعمائة فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع الحنابلة، ودفن بصفة الدعاء أسفل الروضة بسفح قاسيون، وكانت له جنازة حافلة، وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ موسى الحجاوي.
أحمد بن محمد بن حمادةأحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة الورع، الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن القاضي جمال الدين الأنطاكي، الحلبي، الحنفي، المعروف بابن حمادة. ولد بأنطاكية سنة إحدى وسبعين - بتقديم السين - وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، وتخرج في صنعة التوقيع بجده، وأخذ النحو والصرف عن الشيخ علاء الدين العدسي الأنطاكي، والمنطق والكلام والأصول على الشيخ المعمر الصالح الفاضل محي الدين بن محمد بن صالح بن لحام عرف بابن عرب الأنطاكي الحنفي. تلميذ قاضي زاده الرومي، ثم قدم حلب ولازم فيها البدر السيوفي،. واشتغل بالقراءات على الشيخ محمد الداديخي، وتعاطى صنعة الشهادة، ثم صار مدرساً في توسعة جامع الصروي بحلب، وحج وأجاز له بمكة المحدث عبد العزيز بن الحافظ نجم الدين بن فهد، وبالقاهرة قاضي القضاة زكريا، والشيخ العلامة شهاب الدين القسطلاني، ولم يزل مكباً على التدريس والتحديث والتكلم على الأحاديث النبوية بالعربي والتركي بالجامع المذكور، وعرض عليه تدريس السلطانية بحلب، فأعرض عنه لاطلاعه على ما كتب على بابها من اشتراط كون مدرسها شافعياً، وولي خطابة الجامع المذكور، ثم أعرض عنها لخطابة الجامع الكبير بإبرام قاضي حلب المولى محيي الدين بن قطب الدين، ثم لما ولي المذكور قضاء العساكر الأناظولية ضم له مع الخطابة تدريس الحلاوية والإفتاء بحلب، ثم حج ثانياً سنة تسع وأربعين وتسعمائة، فتحرك عليه وجع النقرس وهو بدمشق، وكان يعتريه أحياناً، واستمر حتى دخل المدينة، فخف عنه، ثم توفي أخراً منه، وذكر ابن طولون في تاريخه أن صاحب الترجمة قدم مع الحاج إلى دمشق سنة خمس وتسعمائة، وأنه زار الشيخ محيي الدين بن العربي يوم الخميس ثالث عشر صفر منها قال: وسلم علي، وأفادني أن في البزازية ذكر أن القاضي إذا لم يعرف الحكم في المسألة واستفتى المفتي فأجاب بالخطأ ثم القاضي حكم به أن الإثم يكون على القاضي فقط لحكمه به قال وكان مفتي دمشق القطب ابن سان يشكره فذكرت ذلك له فذهب وسلم عليه قال ابن الحنبلي وكان له الخط الحسن والتحشية اللطيفة المحررة على هوامش الكتب والنسخ الكثير في أنواع العلوم لاسيما الفقه وكان منقطعاً غالباً في داره إلا في وقت مباشرة ما بيده من الوظائف ولم يكن له خبرة بأساليب أهل الدنيا مع الصلاح الزائد وله من التأليف منسك حمله على تأليفه، الشيخ الفاضل الملك، العارف بالله تعالى علاء الدين الأطاسي، الحمصي حين مر عليه بحمص شرحها ببيت المقدس سنة أربع وأربعين، وتوفي طلوع الفجر يوم عرفة سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: وقد أخبرني الثقة بعد عودي من الحج سنة أربع وخمسين أنه علم قبل موته أنه سيموت، فأخذ في تلاوة القرآن على أحسن ما يتلى من رعاية التجويد، وأخذ يكرر قوله تعالى: " يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويرزق من يشاء بغير حساب " سورة البقرة: الآية 212، مرة بعد أخرى حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى.
أحمد بن محمد الشويكي الحنبلي

أحمد بن محمد بن أحمد العلامة الزاهد أبو الفضل شهاب الدين الشويكي النابلسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق. ولد في سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة تقريباً بقرية الشويكة من بلاد نابلس، ثم قدم دمشق، وسكن صالحيتها، وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر والخرقي، والملحة في النحو وغير ذلك، ثم سمع الحديث على ناصر الدين بن زريق، وحج وجاور بمكة، ثم حج وجاور بالمدينة سنتين، وصنف في مجاورته، كتاب التوضيح جمع فيه بين المقنع والتنقيح الأول للموفق بن قمامة والثاني للعلاء المرداوي، وزاد عليهما أشياء مهمة قال ابن طولون: وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل إتمامه، فإنه وصل به إلى الوصايا وعصريه أبو الفضل بن النجار، ولكنه عقد عبارته انتهى.
وقرأت بخط الشيخ محمد بن عبد الرحمن الصفوري أن الشيخ أحمد الشويك توفي بالمدينة المشرفة المنورة ودفن بالبقيع في ثامن عشر صفر سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، ورؤي في المنام. فقال: اكتبوا على قبري هذه الآية " ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " سورة النساء: الآية، وقال ابن طولون في تاريخه في وقائع سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة في يوم الجمعة سلخ جمادى الأولى صلي عليه غائبة بالأموي، وعلى العلامتين شهاب الدين النشيلي الشافعي. توفي بمكة وشهاب الدين الشويكي توفي بالمدينة.
أحمد بن محمد الحلبي النشابيأحمد بن محمد الشيخ شهاب الدين النشابي الحلبي، الهمداني، الخرقة، الشافعي، ثم الحنفي أحد مريدي السيد عبيد الله التستري الهمداني الطريقة. قال ابن الحنبلي: كان منور الشيبة، حسن الهيئة، جهوري الصوت، وكان يقرأ الحديث في بعض بيوت حلب. قال: وكان عنده خفة روح، ومزح، وبذل نفس وطرح، توفي في سنة أربعين وتسعمائة.
أحمد بن محمد الصفوريأحمد بن محمد، الشيخ الفاضل شهاب الدين ابن الشيخ قطب الدين الصفوري، الصالحي، الشافعي. كان ذكياً ينظم الشعر الحسن، وسمع على ابن طولون في الحديث، وأضر قبل بلوغه، وكان يقرأ في البخاري في المواعيد، ويخطب عن ظهر قلب بعد أن أضر، وتوفي يوم الاثنين سادس عشر رجب سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وقد بلغ الأربعين، وصلي عليه بالجامع الجديد بالصالحية، وكان جنازته حافلة. ودفن عند جده بتربة السبكيين بالسفح.
أحمد بن محمد المنزلاويأحمد بن محمد بن داود، الشيخ الفاضل شهاب الدين بن داود المنزلاوي. كان ملازماً للعمل بالكتاب والسنة لا يزيغ عنها في شيء من أحواله، وكان يدرس العلم ويقرىء كتب التصوف في زاويته على بحيرة دمياط وتنيس، وكان يقول: من أراد حفظ السنة فليعمل بها، فإنها تتقيد عنده ولا ينساها، وكان مورداً للضيوف الواردين من دمياط والصادرين. توفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة عن نيف وثمانين سنة.
أحمد بن محمد البصرويأحمد بن محمد بن علي، القاضي شهاب الدين الخطيب بن جلال الدين ابن العلامة علاء الدين البصروي الحنفي، بخلاف أبيه وجده. فإنهما شافعيان ولي قضاء قارة ثم الصلت وعجلون، قرأ على والده، وشيخ الإسلام الوالد وغيرهما، وتوفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وتاريخ وفاته قاضي أحمد.
أحمد بن محمد بن المؤيدأحمد بن محمد بن محمد أبي بكر، الشيخ شهاب الدين، الشهير بابن المؤيد أحد العدول بدمشق، بل عين الموقعين بالشام، كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد، وأعيان طلبته. مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة، وتوفي كما رأيته بخط الشيخ يحيى النعيمي نهار الاثنين مستهل ذي القعدة سنة سبع وأربعين وتسعمائة.
أحمد بن محمد الجعفريأحمد بن محمد بن محمد بن عبد القاهر، الشيخ عز الدين ابن قاضي نابلس الجعفري، الحنبلي أحد العدول بدمشق. مولده سنة أربع وستين وثمانمائة، أو سنة ثلاث وستين، أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد. سمع منه كثيراً ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف، والبرهان البابي، والشيخ علي البغدادي، وأجاز له الشيخ البارزي، وكتب بعض مؤلفاته، وكان ممن انفرد بدمشق بجودة الكتابة، وإتقان صنعة الشهادة. توفي ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر سنة أربعين وتسعمائة، ودفن بالروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
أحمد بن إبراهيم الشماع

أحمد بن إبراهيم بن أحمد، الشيخ العالم الزاهد شهاب الدين. أبو العباس الشماع، الحلبي، الشافعي، الشهير بابن الطويل. كان شيخاً صالحاً، حسن السمت. قرأ في سنة سبع عشرة تسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن محمد بن فهد المكي شيئاً من كتب الحديث، وسمع عليه غالب البخاري، وأجاز له، وألبسه الخرقة خرقة التصوف، وكان يميل إلى كلام القوم، وكتب الوعظ، وكان يأكل الخبز اليابس منقوعاً بالماء، وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء، وترك كل قوت حلب قدر ست عشرة سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه، وتوفي سنة إحدى وستين وتسعمائة.
أحمد بن إبراهيم الأخنائيأحمد بن إبراهيم، الشيخ شهاب الدين ابن القاضي برهان الدين الأخنائي، الشافعي أحد أصلاء دمشق. قال والد شيخنا: كان قليل المخالطة، ملازماً للأموي. قلت: ولعل هذا هو العفو عنه في ترك عيادته لشيخ الإسلام الوالد حين مرض مرضاً طويلاً في سنة خمس وخمسين وتسعمائة مع أنه جارنا بيته قريب، وكان قد عاد الوالد غالب أعيان دمشق، ولم يعده صاحب الترجمة، وقيل له في ذلك فقال أنا... فقال شيخ الإسلام الوالد في ذلك:
فديت جاراً جنبا ... نسل الكرام أحمدا
مرضت دهراً طائلاً ... فلم يعدني أحمدا
وقال: إني جنب ... معتذراً مما بدا
فقلت: إني ارثا ... لم تك قط مسجدا
توفي رحمه الله تعالى - يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول سنة ست وستين وتسعمائة، ودفن عند والده بالقرب من جامع جراح رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
أحمد بن أي بكر الحبيشيأحمد بن أبي بكر الشيخ شهاب الدين أبو النجيب ابن الشيخ القدوة تقي الدين الحبيشي الحلبي. توفي سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ويموته انقرض الذكور من بيت الحبيش بحلب.
أحمد بن أحمد الباجيأحمد بن أحمد، الشيخ العلامة شهاب الدين الباجي - بالموحدة - الأنطاكي الخنفي المشهور بابن كلف، ولي قضاء العسكر بماردين في زمان السلطان قاسم بيك، ثم ترك ذلك، وعاد إلى نشر العلم بأنطاكية، ثم درس بحلب. قال ابن الحنبلي: واجتمعت به وهو معتكف بالجامع الكبير، ولم يتفق لي القراءة عليه، ثم ارتحل إلى بيت المقدس، فأعطي تدريس الفنارية قال: وكان عالماً عاملاً، مفنناً، مطرحاً للتكلف، يلبس الصوف، ويلف على رأسه المئزر. توفي سنة أربعين وتسعمائة ببيت المقدس. قلت: وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة، وسماه ابن طولون محمد...
أحمد بن الكيالأحمد بن بركات، الشيخ شهاب الدين بن الكيال الشافعي. خطيب الصابونية بعد أخيه، وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة. توفي يوم الأربعاء خامس رمضان سنة ست وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن إسماعيل عتورأحمد بن إسماعيل، الخواجا الكبير الصالح المتدين المتصوف بل الولي المشهور شهاب الدين ابن الخواجا عماد الدين بن عتور، الشافعي، كان من جماعة الشيخ خليل العمادي. وولد الشيخ محمد، واجتمع بسيدي عبد القاهر الدشطوطي وغيره من أولياء القاهرة، ثم صحب سيدي أحمد المناوي، وصار له معه ماجريات وخوارق، ولما سافر الميداني إلى مصر بقيت مراسلاته واصلة إلى سيدي أحمد بن عتور. توفي - رحمه الله تعالى - في سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
أحمد بن بدر الطيبيأحمد بن بدر بن إبراهيم، الشيخ شهاب الدين الطيبي الشافعي المقريء والد إمام الجامع الأموي وواعظه، شيخ الإسلام الطيبي المشهور تلا بالسبع على العلامة إبراهيم بن أحمد بن محمود القدسي كاتب المصاحف المشهور، وعلى إمام الجامع الأموي غرس الدين خليل، وانتهى إليه علم التجويد في زمانه، وكان يتسبب بدكان له بباب البريد، ويقريء الناس بها، وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن ليلة الخميس بباب الفراديس قال ابن طولون: ولم أحضر جنازته لحصول مطر غزير حينئذ بعد توقعه أياماً حتى استسقى الخطباء والصالحون رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن حسين العينتابي

أحمد بن حسين الشيخ، المعمر، المنور المجرد العينتابي الأصل الحلبي، المعروف بصاش بي أحمد لأنه كان يربي شعر رأسه ويدوه أحمد كانت له سياحة في الجبال والقفار مدة مديدة، وكان رجلاً أمياً إلا أنه كان صالحاً، سليم الصدر، معتقداً في العلماء والأولياء، أدرك ولي الله دده عمر الروشني الخلواتي التبريزي ولم يجتمع به إلا أنه صحب مريده حسن جلبي الآمدي بحلب، وهو الذي أمره بحلق رأسه، وصيره من مريديه، وكان يتواجد في ذكره، ويغيب فيه عن نفسه، وكان عيسى باشا نائب الشام يعتقده كثيراً. توفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وصلى عليه بالجامع الكبير خطيبه الشمس الأنطاكي رحمه الله تعالى.
أحمد بن حسين الجبائيأحمد بن حسين بن حسن بن محمد، الشيخ الصالح القدوة ولي الله تعالى العارف به، الشيخ أحمد ابن الشيخ سعد الدين الجبالي الدمشقي القبيباتي شيخ بني سعد الدين بدمشق، كان له - رحمه الله تعالى - أوقات يقيم فيها الذكر والسماع، ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة، وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة، وكان له سخاء وقرى للورادين على عادتهم سمعت الأستاذ العارف بالله تعالى، الشيخ أحمد ابن الشيخ أبي بكر العاتكي، المعروف باليتيم. كان من فقراء المذكور، ومن خلفاء أخيه، الشيخ سعد الدين. يقول: من أراد أن يطلع على كرامات بني سعد الدين وخوارقهم، فإن لهم كرامتين ظاهرتين السفرة والحلقة، أما السفرة فإنها موضوعة لكل وارد عليهم من أمير أو فقير، وأما حلقتهم فإنها سالمة من المنكرات لا يحضر فيها أمرد، ولا يثبت فيها متصنع، ولا لاعب، وقد رأيت لبعض الفضلاء أبياتاً في مدح الشيخ أحمد مؤرخة في شهر رجب سنة إحدى وستين وتسعمائة وهي:
يا سائق الأظغان في البيداء ... والصبح شق غلالة الظلماء
ناشدتك الرحمن يا حادي إذا ... وافيت وادي جلق الفيحاء
وبدت قباب كالعرائس تنجلي ... عجباً، فعج بالقبة البيضاء
واقصد لباب الله، وادخل في الحمى ... وابسط بساط مسرة وهناء
وانزل بقوم لا يضام نزيلهم ... نسل الكرام، وملجأ الغرباء
هم آل سعد الدين بيت طاهر ... ولهم كرامات، وحسن ثناء
وبدا شهاب الجود منهم في الورى ... بمكارم، فمنهل كالأفواء
شيخ الشيوخ ومن تسمى أحمداً ... وسما على العباد والصلحاء
مولى جليل القدر زاك أصله ... ذو نسبة فاقت على النسباء
كم من صريع قد أقام بحاله ... والسر يسري منه للفقراء
في سائر الأقطار شاع حديثه ... بمكارم جلت عن الإحصاء
والله يبقيه ويبقي أهله ... ما لاح برق مشرق بسماء
توفي - رحمه الله تعالى - يوم الجمعة من شهر شعبان المبارك سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وأخلف عنه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدين، وصلى عليه قاضي القضاة محمد بن عبد الكريم في جمع كثير، وجم غفير، ودفن بتربة الشيخ تقي الدين الحصني خارج باب الله.
أحمد بن حسين البيري

أحمد بن حسين بن حسن بن عمر، الشيخ العلامة شهاب الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى بدر الدين البيري الأصل، الحلبي الشافعي الصوفي، مولده سنة سبع وتسعين - بتقديم السين الأولى وتأخيرها في الثاني - وثمانمائة لقنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة، وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين شيخ صالح يعرف بالشيخ عبد الله الأدهمي، وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة، وكان لا يلبس الملبس الحسن، وإنما كانت له جوخة بيضاء لا يغيرها، وخرقة بيضاء يضعها تحت عمامته، ويعطفها عليها ذكره ابن الحنبلي، وقد قصر في ترجمته كثيراً، وكان يقصر من مقامه، وقد ذكر شيخ الإسلام الوالد صاحب الترجمة في فهرست تلاميذه، وأثنى عليه كثيراً، وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق، وقرأ عليه مدة أولها سابع شهر ربيع الأول، وآخرها ثامن عشري جمادى الأولى من سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، فقرأ عليه في الحديث جانباً من البخاري من أوله إلى باب حسن إسلام المرء، ومن مسلم من أوله إلى أثناء الإيمان، وحديثين في أثنائه، ومن جامع الترمذي من أوله إلى منتهي ثلاثة أبواب منه، ومن سنن أبي داود كتاب العلم بتمامه، وقرأ عليه في الأصول أوائل منظومة والده الشيخ رضي الدين الغزي المسماة، بالدرر اللوامع في نظم الجوامع وغالب شرح الورقات للمحلي، وفي الفقه من أول المنهاج إلى باب التيمم قراءة تحقيق، وأوائل الإذكار للنووي، ومنظومة المجد بن الطمس كاملة، وتأليفه المسمى بالبرهان الداحض في... إثبات الوطء للحائض، ومن أول تأليفه المسمى بالدر النضيد، في أدب المفيد والمستفيد إلى الباب الرابع منه وتأليفه اللمعة، في خصائص يوم الجمعة، وتأليفه نظم الدرر، في موافقات عمر، وغير ذلك، وكتب له الشيخ الوالد إجازة حافلة بما قرأه، وبالأذن بالإفتاء والتدريس. ولما مر شيخ الإسلام بحلب في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين وتسعمائة أنزله المذكور بزاوية والده، وأخلى له أمكنة متعددة، وقام في حقه أحسن القيام. وأثنى عليه الشيخ الوالد في الرحلة كثيراً، ونظم فيه مقطوعاً لطيفاً أورده في إجازته فقال:
فهو الشهاب شبيه البدر في شرف ... وفي علاه وتكميل وتنوير
والبحر فضلاً وإفضالاً فيا عجباً ... للبحر كيف انتمى حقاً إلى البير
أحمد بن حمزة عرب جلبيأحمد بن حمزة المولى ابن المولى، العالم الفاضل المشهور بعرب جلبي أحد موالي الروم، واشتغل، وحصل، وخدم المولى موسى جلبي ابن المولى أفضل زاده، وهو مدرس إحدى الثماني، ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد خان، وقرأ على بعض علمائها في الكتب الستة وأجازه، وفي التفسير والفقه والأصول والهندسة والهيئة، وقرأ المطول بتمامه، ودرس بمصر، وأقرأ الطلبة هناك في العضد والمطول وغيرهما، واشتهرت فضائله بالقاهرة، وشهدوا له بالفضل، ثم جاء إلى بلاد الروم، فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - ودرس بها مدة عمره، وكان أكثر اشتغاله بالفقه وتفسير القاضي البيضاوي، وكان عالماً عابداً، محباً للخير، صحيح العقيدة، حسن السمت، وانتفع به كثير من الناس. توفي سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
؟؟؟

أحمد بن حمزة بن قيما
أحمد بن حمزة الشيخ المعمر شهاب الدين القلعي الحلبي الحنفي، ثم الشافعي، المشهور بابن قيما، اعتنى بالقراءات، وتزوج بابنة الشيخ نور الدين محمود البكري الشافعي خطيب المقام، فانتقل إلى مذهبه، فصار شافعياً بعد أن كان حنفياً هو وأبوه، وقرأ عليه بحلب القرآن لأبي عمرو، وأخذ أيضاً بالقاهرة عن النشار المقريء صاحب التآليف المشهورة. وتوفي بحلب في أول ذي الحجة سنة خمسين وتسعمائة.
أحمد بن حمزة بن بليس

أحمد بن حمزة، المولى الفاضل بير أحمد ابن المولى نور الدين، الشهير بابن بليس جلبي، اشتغل في العلم، وحصل ودرس ببعض المدارس، ثم بمدرسة أسكوب، ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم صار قاضياً بأسكوب، ثم قبرس، ثم بأدرنة، ثم بدار الحديث بالمدينة المنورة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بمصر، ثم عزل عنها، وأعطي تقاعداً بتسعين عثمانياً، ثم أعيد إلى قضائها ثانياً، ثم أعطي تقاعداً عنها بمائة عثماني، ومات على ذلك، وكان ذا ثروة عظيمة، وجمع كتبا كثيرة، ولم يصنف شيئاً، توفي في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد المنزلاويأحمد بن محمد بن داود، الشيخ الصالح الورع الزاهد محيي السنة المحمدية في دمياط، والمنزلة الشيخ شهاب الدين المنزلاوي. كان محدثاً فقيهاً، صوفياً كريماً، يخدم الفقراء بنفسه كما كان والده، وكان يقري الضيوف كثيراً، وتظهر عليه الخوارق في ذلك، فربما وضع الماء والأرز في القمر، فيجعل الله تعالى فيه الدسم من لبن وغيره حتى، يقول الضيف: ما ذقت ألذ منه، وربما ملأ الإبريق من البئر شيرجاً أو عسلاً للضيوف، وكان له هيبة عند الحكام، وكان قائماً بشعار السنة في بلاد المنزلة، وإزالة المنكر بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيها بمعصية، أو ترك صلاة. توفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، ودفن عند والده بالسمية عن نيف وثمانين سنة.
أحمد بن سليمان بن كمال باشا

أحمد بن سليمان العالم العلامة، الأوحد المحقق الفهامة، المولى شمس الدين أحد موالي الرومية الشهير بابن كمال باشا صاحب التفسير، كان جده من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو بالعلم وهو شاب، ثم ألحقوه بالعسكر، فحكى عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في سفر، وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا ابن خليل باشا، وكان في ذلك الزمان أمير ليس في الأمراء أعظم منه يقال له: أحمد بيك بن أورنوس. قال: فكنت واقفاً على قدمي قدام الوزير، وعنده هذا الأمير المذكور جالساً إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة، رثي اللباس، فجلس فوق الأمير المذكور، ولم يمنعه أحد عن ذلك، فتحيرت في هذا الأمر، وقلت لبعض رفقائي: من هذا الذي تصدر على مثل هذا الأمير؟ قال: هو رجل عالم مدرس بمدرسة فلبه يقال له: المولى لطفي قلت: كم وظيفته؟ قال ثلاثون درهماً. قلت: فكيف يتصدر على هذا الأمير ووظيفته هذا القدر. فقال رفيقي: العلماء معظمون لعلمهم، فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير، ولا الوزير قال: فتفكرت في نفسي، فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة، وأني ولو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة هذا العالم، فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف، فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور، وقد أعطي عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعين له كل يوم أربعون درهماً. قال: فقرأت عليه حواشي المطالع، وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادىء العلوم كما سبق، ثم قرأ على المولى القسطلاني، والمولى خطيب زاده، والمولى معروف زاده، ثم صار مدرساً بمدرسة علي بيك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة أسكوب، ثم ترقى حتى درس بإحدى الثماني، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة، ثم صار قاضياً، ثم أعطي قضاء العسكر الأناظولي، ثم عزل عنه، وأعطي دار الحديث بأدرنة، وأعطي تقاعداً كل يوم مئة عثماني، ثم صار مفتياً بالقسطنطينية بعد وفاة المولى علي الجمالي، وبقي على منصب الإفتاء إلى وفاته ذكره في الشقائق وقال: كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل به ليلاً ونهاراً، ويكتب جميع ما سنح بباله وقد فتر الليل والنهار، ولم يفتر قلمه، وصنف رسائل كثيرة من المباحث المهمة الغامضة، وعدد رسائله قريب من مئة، وله من التصانيف تفسير لطيف حسن قريب من التمام اخترمته المنية، ولم يكمله، وله حواش على الكشاف، وله شرح بعض الهداية، وله كتاب في الفقه متن، وشرح سماه بإصلاح الإيضاح وله كتاب في الأصول متن، وشرح سماه تغيير التنقيح وله كتاب في علم الكلام كذلك سماه تجريد التجريد وله كتاب في المعاني والبيان كذلك، وكتاب في الفرائض متن، وشرح كذلك، وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف، وحواش على التلويح، وحواش على التهافت للمولى خواجه زاده، وكانت وفاته سنة أربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق، وعلى أحد المدرسين الثمانية محمد بن قاسم يوم الجمعة ثاني ذي القعدة سنة أربعين من السنة المذكورة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن منلا شيخ خجا كمال

أحمد بن منلا شيخ المعروف بخجا كمال هكذا سماه ابن طولون، وسماه الوالد في فهرست تلاميذ كمال بن أحمد ناظر النظار بدمشق، وهو أول من ولي نظارة النظار بها، ومتولي الجامع الأموي، والتكية السليمية، والبيمارستان إلى جانبها المعروف بشيخ كمال العجمي اللالائي نسبة إلى لألأقرية من أعمال تبريز، ثم التيريزي الشافعي. كان له فضيلة ومشاركة أخذ عن شيخ الإسلام الجد، والوالد وعن غيرهما. قال الوالد: كان فيه محبة لأهل الخير، واعتقاد في الصالحين، ومن يتوسم فيه الخير والبركة، وربما انتقد عليه بعض الناس أموراً لتعلقه بالولايات، وأنت خبير بأن رضى الناس غاية لا تدرك. قلت: ولو لم يكن له من المكرمة إلا مصاهرة شيخ الإسلام الجد له كما صاهره القاضي المعتبر برهان الدين الأخنائي، والقاضي أمين الدين بن عبادة لكفاه توثيقاً وتعديلاً. قال ابن طولون: بعد أن ذكر ما انتقده عليه بعض الناس من أحداث وظيفة نظر النظار بدمشق، ثم حدثت بعد ذلك بمصر، ثم بحلب، ومن ترتيب، أخذ زوائد أوقاف الجوامع والمدارس والربط ونحوها إلى خزينة السلطان في كل عام، ومن تكبره على بعض مرتزقتها. قال: لكنه كان محباً للمجذوبين، كثير الإحسان إليهم كالشيخ عمر الحار، والشيخ الصالح علي ابن مكين وغيرهما. قال: وصار الشيخ تقي الدين القاريء الشافعي يفتي بعد موت الكمال، ويصرح بأنه كان رافضياً بسبب أن خاتمه كان مكتوباً عليه عشق علي قلت: ولا يقبل جرح الشيخ تقي الدين فيه لأنه كان وقع بينه وبينه بسبب إجارة استأجرها الشيخ تقي الدين من أوقاف المقرئين، وعارضه فيها الكمال كما أشار الشيخ تقي الدين نفسه إلى ذلك في قصيدة له رائية يشكو فيها الكمال إلى عيسى باشا، وقد امتحن الشيخ تقي الدين - رحمه الله تعالى - بسبب تلك الإجارة حتى سجن، وسعى في خلاصه والد شيخنا وغيره، ثم أن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد، واحترق أبواب الجامع معه. قال: وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل خرم باشا، وأحسن النظر فيه، وعمر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصداً عنده، والحالة أنه سرق له مال من منزله، وتحدث الناس أنه يدعي سرقة المال المرصد، ولو ادعاه لصدقوه. لكنه قال: مال الجامع محفوظ لم يسرق، فازداد الناس في مدحه، وذكر عفته، فإنه لم يقطع على المستحقين شيئاً، بل هو الذي رتب القراء تحت القبة، واستمر وسببه اطلاعه على الوقف، وكانت وفاة الكمال في ليلة الخميس تاسع عشري ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وتسعمائة بعد أن تمرض مدة، واختلفت عليه الأمراض، وتصدق قبل موته بعشرة آلاف عثماني على الفقراء، وأعتق مماليكه، ودفن بباب الصغير بالقرب من قبر السيد كمال الدين بن حمزة تجاه باب مزار السيد بلال رضي الله تعالى عنه.
أحمد بن عبد الله قراأوغليأحمد بن عبد الله، المولى الفاضل أحد الموالي الرومية الشهير بقراأوغلي، ونقلت اسمه واسم أبيه من الشقائق النعمانية، وقيل: اسمه عبد الأحد، وقيل: عبد الأحد اسم أبيه، والأول أصح لأنة كما قال صاحب الشقائق: كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي، فقرأ على مولاه المذكور، ثم درس ببعض نواحي أماسية، ثم بمدرسة أماسية، ثم بأبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى الثماني، ثم أعطي قضاء دمشق ودخلها في إحدى الجمادين سنة أربعين، وهو شيخ كبير، وكان الغالب عليه محبة الصوفية والفقراء، ونادى بدمشق أن لا تخرج إمرأة طفلة إلى الأسواق. كان محباً للصلحاء وقوراً، صاحب شيبة حسنة، صحيح العقيدة، محمود السيرة، أديباً لبيباً، وقال ابن طولون بعد أن وصفه بالعلامة، وسماه أحمد بن عبد الأحد: وكان منور الشيبة، محباً للصالحين غير أن فوق يده أيدياً، وكان ذلك يمنعه من سماع كلمته، ونفوذ أمره، وكانت وفاته يوم الثلاثاء حادي عشري ذي الحجة الحرام سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وقرأت وفاته في الشقائق النعمانية، فذكر أنه مات سنة اثنتين وأربعين وهو قاض بدمشق، والأصح ما تقدم كما حررته من خط ابن طولون في تاريخه قال: وصلي عليه بباب العنبرانية يعني من الجامع الأموي قال: وكان الإمام بهم الشيخ ركن الدين محمد الكوسوي الخراساني الحنفي النازل بالبادرائية، وهو مؤاخ في الله الشيخ محمد الأيجي الشبرازي الشافعي انتهى.

ووقع لبعض من ألف التاريخ ممن لا يوثق به أن الذي صلى عليه إماماً الشيخ زين الدين الكفرسوسي، وهو خطأ بلا شك قال ابن طولون: ودفن بباب الصغير عند سيدي بلال بوصية منه، بعد ما زار الصالحين بدمشق في يوم عرفة، حتى ذهب إلى برزة وزار المقام، ثم وقع في المرض يوم عيد النحر، ثم لما تزايد به مرضه جمع له أحد وأربعون نفساً اسم كل واحد منهم محمد وقرأوا سورة الأنعام، ودعوا له بالشفاء، ثم لما تزايد به المرض قرب قربانات من الغنم، وأطلق جماعات من المحبوسين، ووزن عنهم وأعتق أرقاءه وكانوا نحو ثلاثين رقبة، ووقف كتبه وجعل مقرها بتربة استاذه، قراأوغلي عند أيوب الأنصاري بالروم، وأوصى بالودائع، وبكفارات الصلوات وأقبل على الله تعالى وصار يتلو أوراده إلى أن وقع في النزع رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
أحمد بن عبد الأول القزوينيأحمد بن عبد الأول، الشيخ الإمام العلامة المحقق. والمفنن شهاب الدين منلا أحمد القزويني، المشهور في دياره بالسعيدي نزيل دمشق سئل عن مولده، فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين - بتقديم التاء - وثمانمائة، وأن له نسباً إلى سعيد بن زيد أحد العشرة - رضي الله تعالى عنهم - وذكر أنه ختم القران، وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر، وأربعة أيام، وأنه أخذ الفرائض عن أبيه، وأفتى فيها صغيراً سنة إحدى وتسعمائة، وله مؤلفات منها شرح إيساغوجي ألفها ببلاده، ثم دخل بلاد المغرب واستوطن بدمشق، وحج منها، فاصطحب مع الشيخ محمد الإيجي، ولما حج أوصاه الإيجي أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى قبره الشريف، وكان من عادته أن يأمر من توجه إلى الحج بالسلام عليه، فلما عاد أخبره بأنه نسي الوصية، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فتذكر فقال له: إن فلاناً أوصاني أن أسلم عليك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ محمد الإيجي: فقلت لمنلا أحمد، فهلا صليت عليه ساعتك كما أوصيتك وتركت الحكاية. قلت: العجب من الشيخ محمد الإيجي في سؤاله عن ذلك ومن منلا أحمد في عدم إجابته عن ذلك. فإن المراد بالسلام عليه إبلاغه السلام صلى الله عليه وسلم وقد حصل له بذلك أن فلاناً أوصاني أن أسلم عليك، ثم رحل منلا أحمد إلى حلب فأكرم مثواه دفتر دارها اسكندر بيك، ثم سافر معه وجمعه بالسلطان سليمان وأعطي بالقسطنطينية تدريساً جليلاً، وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم، وعاد معه وألف هناك كتباً منها حاشيته التي على شرح فرائض السراج للسيد ناقش فيها ابن كمال باشا، ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين وتسعمائة قال والد شيخنا: واشترى بيت ابن الفرفور وعمر عمارة عظيمة، وجعل فيها حماماً وبيوتاً كثيرة بالسقوف الحسنة، والأرائك العظيمة، وغرس أشجار مشتملة على فواكه وزين أرضها بالزراعة والرياض والرياحين ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في أنواع العمائر، وكانت وفاته في ليلة الأحد رابع عشر شعبان سنة ست وستين وتسعمائة، وصلي عليه قبيل الظهر في الجامع الأموي، ودفن بالقلندرية بمقبرة باب الصغير وكان له جنازة عظيمة حملها الأكابر منهم قاضي القضاة ابن المفتي المولى أبي السعود وقيل: إنه غسله مع من غسله، وترك بنتاً عمرها فيما قيل سبع سنوات، وابناً عمره سنة، ولم يولد له في جميع عمره سواهما، ومات وله من العمر أربع وسبعون سنة.
أحمد بن عبد الحق السنباطي

أحمد بن عبد الحق بن محمد، الشيخ الإمام العالم العلامة، الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ عبد الحق السنباطي، المصري، الشافعي الواعظ بجامع الأزهر. أخذه عن والد وغيره، وكان معه بمكة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه، وفتح عليه في الوعظ حينئذ، وهو الذي تقدم للصلاة على والده حين توفي بمكة المشرفة كما تقدم، وقال الشعراوي: لم نر أحداً من الوعاظ. أقبل عليه الخلائق مثله، وكان إذا نزل من فوق الكرسي يقتتل الناس عليه. قال: وكان مفنناً في العلوم الشرعية، وله الباع الطويل في الخلاف، ومعرفة مذاهب المجتهدين، وكان من رؤوس أهل السنة والجماعة، وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالشام، والحجاز، واليمن، والروم، وصاروا يضربون به المثل، وأذعنوا له علماء مصر الخاص منهم، والعام. وذكر ابن طولون أنه ولي تدريس الخشابية بمصر بعد الشيخ الضيروطي، وهي مشروطة لاعلم علماء الشافعية كالشامية البرانية بدمشق، وعمل له الحسد النكاية عند نواب مصر، ونجاه الله تعالى، وهدم كذا كذا كنيسة وبيعة. قلت: وكان - رحمه الله تعالى - يشدد في قهوة البن، ويقول بتحريمها، وتبعه جماعة من طلبة العلم بمصر كما كان والده شيخنا الشيخ يونس العيثاوي يشدد فيها بدمشق، وتبعه بعض جماعة من طلبة العلم بها حتى ضمنها بعض مؤلفاته، ثم انعقد الآن الاجماع على حلها في ذاتها، وأما في الإجتماع على إدارتها كالخمر، وضرب الآلات عليها، وتناولها من المرد الحسان مع النظر إليهم، وغمز بعض أعقابهم، فلا شبهة في تحريمه، وكانت وفاة الشيخ شهاب الدين ابن عبد الحق في أواخر صفر سنة خمسين وتسعمائة. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: ولما مات أظلمت مصر لموته، وانهدم ركن عظيم من الدين. قال: وما رأيت في عمري كله أكثر خلقاً من جنازته إلا جنازة الشيخ شهاب الدين الرملي لكونهم صلوا عليه في الجامع الأزهر يوم الجمعة، وصلي عليه غائبة في جامع دمشق يوم الجمعة ثاني عشري ربيع الأول سنة خمسين المذكورة رحمه الله تعالى.
أحمد بن عبد العزيز الدمشقيأحمد بن عبد العزيز بن محمد القاضي، شهاب الدين أبو العباس الدمشقي، المالكي ابن قاضي القضاة شعيب الشافعي. كان من رؤوساء المدرسين بالجامع الأموي، وكان عنده تواضع. قال ابن طولون: أوقفني على منظومته في علم المعاني والبيان. حج في آخر عمره، ورجع من الحج متضعفاً، واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وهو في سنه السبعين، وصلي عليه في الأموي، ودفن بباب الصغير.
أحمد بن عبد العزيز الفتوحيالحنبلي

أحمد بن عبد العزيز بن علي، الشيخ الإمام العلامة، شيخ الإسلام قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية. مولده سنة اثنتين وستين وثمانمائة ومشايخه تزيد على مائه وثلاثين شيخاً وشيخة، وكان عالماً عاملاً متواضعاً، طارحاً للتكلف. سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم خان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة الحديث المسلسل بالأولية، وقرأ عليه في الصرف، وأجاز له، ثم أجاز له بالقاهرة إجازة تامة بجميع ما يجوز له، وعنه روايته بشرطه كما ذكره في تاريخه، وذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة كمال الدين الطويل الشافعي، وقاضي القضاة عبد البر بن الشحنة الحنفي، وقاضي القضاة المالكي، وشيخ الإسلام جمال الدين العباد هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم، وكان ذلك في أوائل جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وذكر الشعراوي أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى، ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية، وأقبل على العبادة في آخر عمره وأكب على الاشتغال في العلم، حتى كأنه لم يشتغل بعلم قط مع أنه انتهت إليه الرئاسة في تحقيق مقول مذهبه، وفي علو السند في الحديث، وفي علم الطب والمعقولات، وكان في أول عمره ينكر على الصوفية، ثم لما اجتمع بسيدنا علي الخواص وغيره أذعن لهم واعتقدهم، وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقوم من أول عمره، ثم فتح عليه في الطريق، وصار له كشف عظيم قبل موته. توفي في سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة يوم عيد الأضحى منها، وعلى الشيخ شمس الدين الضيروطي، والشيخ شمس الدين الصهيوني جمعاً. قال الشعراوي: وهو آخر مشايخ الإسلام من أولاد العرب انقراضاً. قلت: هذا جار على اصطلاحهم في زمان الجراكسة من تقليب كل من ولي قضاء القضاة شيخ الإسلام، والمراد به آخر قضاة القضاة من أبناء العرب موتاً بالقاهرة.
أحمد بن علي القاريأحمد بن علي المولى، العلامة محيي الدين ابن المولي علاء الدين القاري أحد الموالي الرومية. قرأ على علماء عصره، ثم رحل إلى العجم، وقرأ على علماء سمرقند وبخارى، ثم عاد إلى الروم، فأعطاه السلطان سليم خان مدرسة الوزير قاسم باشا، وكان محباً للصوفية سيما الوفائية، مكباً على العلم، اطلع على كتب كثيرة، وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها، وكان يحفظ التواريخ، وحكايات الصالحين. صنف تهذيب الكافية في النحو وشرحه وحاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زاده وحواشي على شرح التجريد للسيد، وتفسير سورة الضحى وسماه تنوير الضحى وغير ذلك من الرسائل والتعليقات، وتوفي سنة أربعين وتسعمائة.
أحمد بن عمر المزجد الزبيديأحمد بن عمر، الشيخ الإمام، العالم العلامة قاضي القضاة القاضي صفي الدين المزجد الزبيدي الشافعي صاحب العباب كما قال القاضي جمال الدين محمد بن عمر الحضرمي: رأيت في النوم ليلة العشرين من شهر صفر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة في وقت السحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين يديه كتاب يطالع فيه، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك اطلاع على تصنيف أمتك. قال: نعم. فقلت له: فما تقول في عقيدة إحياء علوم الدين. قال: لا بأس به. قلت: فهل لك اطلاع على تصانيفهم الفقهية؟. فقال: نعم، ولم أر أجزل عبارة من إمام الحرمين، وما رأيت مثل مجموع لابن أبي السرور ضمنه الروض، وزاد عليه باقي مسائل المذهب. قال: فوقع حينئذ ببالي أن المجموع هو العباب تصنيف شيخنا القاضي صفي الدين المزجد. انتهى.
قال الشيخ عبد القادر الفاكهي المكي:
إلا أن المزجد بحر علم ... خضم والجواهر في عبابه
ومذهبنا المهذب فيه ضمنا ... فوائد اليتيمة في كتابه
وله أيضاً:
إلا أن العباب عزيز مثل ... ولا يلقى لمبدعه نظير
ففاخر يا ولوع به وباهي ... ففيه الروض، والدر النضير
كذا التنبيه والإرشاد جمعا ... وحسبك بحر علمهما الغزير
ولم لا والذي أنشاه قاض ... تقي لا يميل ولا يجور
له في حكمه آيات عدل ... وشاهده لرقته الضمير

وقال العلامة وحيد الدين الزبيدي:
جزى ربنا عنا الذي هو أهله ... شهاب الدنا، والدين أعني أبا الحسن
بتصنيفه هذا العباب الذي له ... تقلد ذو الحلم الجسيم من المنن
غنينا به عن كل أصل وفرعه ... وروض وإرشاد، وشرحهما معا
فيا طالباً العلم حسبك درسه ... إذا شئت تدعى عالم الشام واليمن
وشرح العباب الشيخ شهاب الدين ابن حجر المكي، وسيدي علي بن عراق، والظاهر أن المزجد من أهل هذه الطبقة، فإن الشيخ علي ابن سيدي محمد بن عراق لما قدم الشام سنة سبع وأربعين وتسعمائة اجتمع به ابن طولون، وأخبره أنه كتب شرحاً على العباب، وأنه أرسل من مكة إلى مؤلفه استدعاء بالإجازة نظماً، فأجابه إلى ذلك، وقرأهما علي انتهى.
أحمد بن عمر البارزيأحمد بن عمر، الشيخ الفاضل، المعمر شهاب الدين ابن الشيخ العلامة سراج الدين البارزي، الحموي، الشافعي. كان موجوداً في سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى آمين.
أحمد بن قاسم القادريأحمد بن قاسم بن يحيى، السيد الشريف الحسيب النسيب شهاب الدين القادري نسبة وطريقة، الحموي. توفي بها في سنة خمس أو ست وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن مركزأحمد بن مركز، الشيخ العالم العامل شهاب الدين ابن الشيخ مركز. قرأ في العربية والتفسير والحديث على والده، واشتغل بالوعظ والتذكير، وانتفع الناس به، وله رسائل في بعض المسائل. توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
أحمد بن مردال الحصريأحمد بن مردال، الشيخ الصالح المفيد شهاب الدين الدمشقي، الحصري، الشافعي الشماع، وكان يتسبب بعمل الشمع، وكان أستاذاً في صناعته، وولي فراشة السليمية بالسفح، ولازم الشيخ شمس الدين ابن طولون وغيره، وكان له نظم وسط. توفي يوم السبت رابع عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وتسعمائة.
أحمد بن ناصر الإعزازيأحمد بن ناصر، الشيخ شهاب الدين الإعزازي الأصل، إمام الشافعية بجامع المهمندار. تفقه على البرهان العمادي كأبيه، واشتغل ببعض الطلبة، وأعطي تدريس الشافعية فما وصلت براءته إلا وهو مريض المرض الذي مات فيه سنة خمس وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن يوسف الدمشقيأحمد بن يوسف، القاضي شهاب الدين ابن القاضي جمال الدين بن أيوب الدمشقي جد شرف الدين بن أيوب. مات في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ومات أخوه القاضي محب الدين في سنة تسعمائة، وأبوهما القاضي عماد الدين يوم الجمعة رابع عشري المحرم سنة إحدى وتسعين - بتقديم التاء - وثمانمائة.
أحمد بن يونس الشلبيأحمد بن يونس، الشيخ الإمام، العالم العلامة، الأوحد المحقق، المدقق، الفهامة، شهاب الدين المصري الحنفي، المعروف بابن الشلبي. كان عالماً، كريم النفس، كثير الصدقة على الفقراء والمساكين، ولم يكن في أقرانه أكثر صدقة منه، وكان له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب، ذا حياء وعلم وعفو، وكان رفيقاً لمفتي دمشق القطب ابن سلطان في الطلب على قاضي القضاة سري الدين ابن الشحنة، والشيخ العلامة برهان الدين الطرابلسي، ثم المصري في الفقه، وعلى الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري في النحو. توفي في سنة سبع - بتقديم السين - وأربعين وتسعمائة، وكانت جنازته حافلة بالأمراء والعلماء والتجار وغيرهم، حتى ما وجد أحد بباب النصر مكاناً خالياً من الناس، ودفن في حارة باب النصر تجاه الحوازية، ومات وله من العمر بضع وستون سنة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة عاشر ربيع الأول سنة سبع وأربعين المذكورة.
أحمد بن يوسف القسطنطيني

أحمد بن يوسف المولى شرف الدين القسطنطيني المولد، الشهير بابن الحصاص. اشتغل ثم خدم المولى بن المؤيد، ثم درس وترقى في المدارس حتى أعطي سلطانية بروسة، ثم ولي قضاء الشام، فدخلها تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الثانية منها. ورد الخبر بعزله، وفي يوم الثلاثاء سابع عشر رجب عزم على الخروج من دمشق، فورد أمر سلطاني باسمه أنه عين في دمشق مفتشاً على الأوقاف. قال والد شيخنا: وقد سألت القاضي أحمد بن يوسف الحنفي أيام توليته بدمشق عن حل اليسق يعني المحصول الذي يأخذه القاضي وقت الأحكام الشرعية مستنبطة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأنتم تأخذون هذه اليسق من أي هذه الأربعة، فسكت، ثم قال: لا والله وإنما هو تبعاً للموالي، فقلت له: الجهل ليس بقدوة، وكان بين يديه ولد له فقال لي والدي فقير فقلت له في ذلك ببيت المال ما يكفيه لو طلبه. قال: ثم بعد شهر أو أزيد اجتمعت به، فوجدته قد حصل لي كتاباً. يقال له: الفصول العمادية، ورفعه إلي لأنظر هل فيه ذكر بحله، وصحبته معي إلى منزلي، فلم أجد فيه إلا مسألة القسام، وأن له أخذ الأجرة بالتراضي، وليس فيه ذكر لأخذ القاضي بل فيه ما هو حجة عليه، فلما رجعت إليه، وأوقفته على المذكور لم يكن إلا أنه قال بعده: لكنه يعافينا الله منها. قال: وكان محافظاً على الصلاة بالجماعة في الأموي لا يحب أحداً يمشي أمامه على هيئة الأكابر. انتهى.
وذكر صاحب الشقائق أنه صار بعد أن عاد إلى الروم من الشام مدرساً بإحدى الثماني بثمانين درهماً، ومات على ذلك، وكان عالماً مدققاً له مهارة في العلوم العقلية بعيداً عن التكلف، صحيح العقيدة توفي سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن الصايغأحمد الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين بن الصايغ المصري، الحنفي. أخذ عن الشيخ أمين الدين الأقصرائي، والشيخ تقي الدين الشمني والكافيجي، والأمشاطي وغيرهم، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وكان بارعاً في العلوم الشرعية والعقلية، وله باع في الطب، ولم يتعلق بشيء من الوظائف، وعرضت عليه عدة وظائف، فلم يقبلها، وكان يؤثر الخمول، ويقول: أحب شيء إلى أن ينساني الناس، فلا يأتوني، وكان حسن الأخلاق، حلو اللسان، متواضعاً، قليل التردد إلى الناس، وكان يدرس في تفسير البيضاوي وغيره. توفي في أوائل حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
أحمد المنيريأحمد الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين المنيري، المصري. كان بارعاً في العلوم الشرعية والعقلية، رث الهيئة. والوقار، صغير العمامة، وكان يقصده الناس في الشفاعات، وقضاء الحوائج عند الأمراء، والأكابر، وكان مسموع الكلمة عندهم ينقادون له ولا يردون له شفاعة لزهده فيما في أيديهم، وكان كثيراً ما يأتيه الفقير، فيسأله الشفاعة وهو يدرس، فيترك الدرس، ويقوم معه. ويقول: هذه ضرورة حاضرة، وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية. مات في حدود هذه الطبقة.
أحمد العاتكيأحمد السيد الشريف العاتكي الدمشقي أحد المجذوبين بها. كان بمدرسة أبي عمر بالصالحية، وكان للناس فيه اعتقاد زائد خصوصاً ناظر النظار الكمال التبريزي. قال ابن طولون: وصرح أهله أنه ليس بشريف. قال: وكان كثيراً ما يسألني عن أحكام العبادات على مذهب الشافعي، فإنه كان متديناً به. توفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان سنة ست وثلاثين وتسعمائة بالبيمارستان القيمري، وجهزه الكمال المذكور، وكانت جنازته حافلة، ودفن بمقبرة الشيخ أبي عمر خارج الحواقة من جهة السفح رحمه الله تعالى.
أحمد البخاريأحمد الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف شهاب الدين البخاري المكي إمام الحنفية بالمسجد الحرام توفي في بندر جدة عاشر ربيع الثاني سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وهو قاض بها عن مستنيبه، فحمل منها إلى مكة على أعناق الرجال، فوصلها في ليلة ثاني تاريخه، فجهز بمنزله، ودفن صبح يومه على أبيه بالمصلى كتب بذلك محدث مكة جار الله بن فهد إلى صاحبه الشيخ شمس الدين بن طولون ومن خطه في تاريخه نقلت.
أحمد النشيليأحمد الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين النشيلي المصري الشافعي. توفي بمكة في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
أحمد الزبيدي

أحمد الشيخ شهاب الدين الزبيدي المكي. كان مترجماً بالعلم، ودخل دمشق متوجهاً إلى الروم، فمات بحلب سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني رجب منها كما ذكره ابن طولون، ولم يذكره ابن الحنبلي في تاريخه.
أحمد الضريرأحمد البقاعي، الشافعي الضرير نزيل دمشق. حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، وحفظ الشاطبية، وتلا بعضها على الشيخ علي الجرايحي القيمري، وحل البصروية وغيرها في النحو على ابن طولون، وبرع وحصل وحج، وصار يقريء الأطفال بمكتب الحاجبية بصالحية دمشق، وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشر رجب سنة أربعين وتسعمائة.
أحمد البعلي الحنبليأحمد، الشيخ العلامة شهاب الدين البعلي أحد علماء الحنابلة بمدينة بعلبك، عرف بابن الحيط. توفي بها في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشري جمادى الأولى منها.
أحمد بير أحمدأحمد المولى بير أحمد أحد الموالي الرومية. خدم المولى أحمد باشا المفتي ابن المولى خضر بيك، وترقى في التداريس إلى مدرسة مراد خان ببروسا، ثم أعطي قضاء حلب، ثم عزل عنها، وأعطي تقاعداً بثمانين عثمانياً، وكانت له مشاركة في العلوم، وعلق تعليقات على بعض المباحث، ومات في عشر الخمسين وتسعمائة.
أحمد ورق جلبيأحمد، المولى الفاضل شمس الدين، المشهور بورق جلبي أحد الموالي الرومية. ترقى في التدرايس إلى مدرسة أبي أيوب الأنصاري، وكان فاضلاً مفيداً صالحاً، طيب الأخلاق، انتفع به كثير من الناس، ومات في حدود الخمسين وتسعمائة.
أحمد الأنقرويأحمد، الشيخ العالم العامل الأنقروي الرومي، ثم الحلبي. اشتغل في شبابه بالعلم، ثم رغب في التصوف، وانتسب إلى الخلوتية، وكان في أول أمره يدور البلاد، ويعظ الناس، ثم توطن في بلده في شيخوخته، وأقبل على الوعظ إلى أن توفي بعد الخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد الشيبينيأحمد الشيبيني المصري. كان مجذوباً غارقاً لا يصحو إلا وقت الوضوء والصلاة، وإذا صلى أذن للصلاة ورفع صوته، وكان إذا رأى مجذوباً لا يصلي يقول: هذا قليل الدين، ووقع من المنارة العالية في مدينة منوف إلى الأرض، فلم ينكسر من أعضائه شيء، ونزل واقفاً، ومشى مسرعاً على الأثر. مات سنة سبع وخمسين وتسعمائة ودفن بناحية شيبين رحمه الله تعالى.
أحمد السبكيأحمد، الشيخ الصالح الناسك شهاب الدين السبكي، المصري أحد أصحاب سيدي أحمد الشناوي المأذون لهم في تربية المريدين. كان على سنن السلف الصالح، وكان يأكل من كسب يده بالحياكة وغيرها، وكان له اعتقاد حسن في سائر المسلمين. أقام بمصر في أواخر عمره حتى مات سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ودفن بتربة الفقراء بجوار الجعبري.
أحمد البرلسيأحمد الشيخ الإمام العلامة المحقق شهاب الدين البرلسي، المصري الشافعي، الملقب بعميرة. أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السنباطي، والبرهان بن أبي شريف، والشيخ نور الدين المحلي، وكان عالماً زاهداً ورعاً، حسن الأخلاق، وانتهت إليه الرئاسة في تحقيق المذهب يدرس ويفتي حتى أصابه الفالج، ومات به.
أحمد الرملي

أحمد الشيخ العالم العلامة، الناقذ الجهبذ الفهامة، شيخ الإسلام، والمسلمين شهاب الدين الرملي، المنوفي، المصري، الأنصاري، الشافعي، وبلده كما قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي قرية صغيرة قريباً من البحر بالقرب من منية العطار تجاه مسجد الخضر عليه السلام بالمنوفية، وهو أحد الأجلاء من تلاميذ شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري، وكان مقدماً عنده حتى أذن له أن يصلح في مؤلفاته في حياته. وبعد مماته، ولم يأذن لأحد سواه في ذلك، وأصلح عدة مواضع لي شرح البهجة، وشرح الروض لشيخ الإسلام، وكتب شرحاً عظيماً على صفوة الزبد في الفقه، وكتبه الناس في حياته، وقرأوه عليه جمع فيه غالب ترجيحاته وتحريراته، وله مؤلفات أخر، وجمع الشيخ شمس الدين الخطيب الشربيني فتاويه، فصارت مجلداً، وأخذ عنه ولده شيخنا بالمكاتبة سيدي محمد، والخطيب الشربيني، والشيخ نور الدين الطنبذائي، والشيخ شهاب الغزي أخي حين قدم القاهرة مع والده في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وغيرهم، بل انتهت إليه الرئاسة في العلوم الشرعية بمصر، حتى صارت علماء الشافعية بها كلهم تلامذته إلا النادر، إما طلبته وإما طلبة طلبته، وجاءت إليه الأسئلة من سائر الأقطار، ووقف الناس عند قوله، وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتى المجاذيب يعظمونه ويجلونه. حتى أقران شيوخه، وكذلك صار لولده سيدي محمد المنوفي على رأس القرن العاشر، وكان يخدم نفسه، ولا يمكن أحداً يشتري له حاجة من السوق إلى أن كبر سنه وعجز. توفي - رحمه الله تعالى - في يوم الجمعة مستهلاً جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين تسعمائة، وصلوا عليه في الأزهر. قال الشعراوي: وما رأيت قط في عمري جنازة اجتمع فيها خلائق مثل جنازته، وضاق الجامع عن صلاة الناس فيه ذلك اليوم حتى أن بعضهم خرج وصلى في غيره، ثم رجع للجنازة، ودفن بتربته قريباً من جامع الميدان خارج باب القنطرة، فأظلمت مصر وقراها بعد موته رحمه الله تعالى.
أحمد الحصريأحمد، الشيخ الصالح شهاب الدين الحصري، الدمشقي القواس. كان ملازم تلاوة القرآن في مقصورة جامع الأموي، وفي مدرسة أبي عمر. قال والد شيخنا: وكان من بقية الصالحين سليم الاعتقاد، توفي في مستهل ذي الحجة سنة خمس وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن البيطارأحمد بن البيطار، المغربي، المالكي نزيل دمشق. كان من أصحاب سيدي الشيخ عرفة ابن الشابي القزويني. قدم دمشق يوم الاثنين ثاني المحرم سنة أربع وأربعين وتسعمائة. وقال: أتيت إلى دمشق لتهذيب جماعة سيدي علي بن ميمون بإشارة شيخي، ونزل بزاوية ابن الموصلي بميدان الحصا، ثم انتقل إلى النورية تجاه البيمارستان النوري، وسلم عليه الشيخ شهاب الدين الميلي، والعلامة الشيخ أبو... المالكي وغيرهما، وزار الشيخ محيي الدين العربي، واجتمع بالشيخ شمس الدين بن طولون، ثم سلم عليه، وتذاكر معه، وذكر أنه كان عليه برنس أسود، قال: والصلاح لائح عليه، وقال والد شيخنا: أقام بدمشق سنين، واشتهر بالصلاح، واجتمع عليه جماعة من العوام، والله يتولى الصالحين انتهى.
قلت: أخبرنا شيخنا العارف بالله تعالى الشيخ محمد ابن الشيخ أبي بكر اليتيم العاتكي أنه اجتمع به، وأخذ عنه. قال: وكان من عادته إذا قرأ ورده بعد صلاة الصبح كل يوم أن يحضر إلى جماعته في دهليز بيته، فيقعد ويحف به الناس، فأول شيء يتكلم به أن يقول: موجود، ويمدها. فتقول الجماعة كلهم: موجود، ويمدون كما يمد الشيخ فإذا انتهت أصواتهم وسكتوا قال الشيخ: ما الدليل على وجوده. فيقولون: وجوده هذا العالم، ثم ينبعث الشيخ في الكلام. قال: وازدحم عليه الناس أول ما ورد دمشق، فأمر بوابه أن لا يفتح الباب لأحد منهم إلا من وزن درهمين، فأخذ الناس يقلون حتى لم يبق عنده إلا الصادقون، ثم ترك تلك العادة، وكانت وفاته كما قال شيخنا ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وستين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
أسد بن صنع الله التبريزيأسد بن صنع الله بن فرج الله الأمير التبريزي.
ولي نظارة البيمارستان النوري بدمشق بعد سنان الرومي، وكان ترجماناً للطفي باشا. قيل: وكان ينسب إلى الرفض، وشرب المدام، وبنى داراً حسنة قبلي المدرسة الخاتونية، ومات يوم الخميس سلخ ربيع الأول سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس.

إسحاق بن إبراهيم الأسكوبي
إسحاق بن إبراهيم المولى الفاضل الأسكوبي وقيل البرصاوي أحد موالي الروم طلب العلم عند جماعة من علماء الروم وخدم المولى بالي الأسود، ثم صار مدرساً بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة، بمدرسة أسكوب، ثم بمدرسة قيلوجة، ثم بمدرسة إزنيق، ثم بدار الحديث بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم أعطي قضاء دمشق فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، ولما دخلها قال: لا يدخل علي أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح لأني شيخ كبير مستور، ثم برز للناس، واجتمعوا به وحكم بينهم، فشكر في أحكامه، واشتهرت عفته واستقامته حتى كتب إليه الشيخ شيخ الإسلام الوالد على لسان بعض أصحاب الوالد الفضلاء، وقد كتب له صاحب الترجمة عرضاً بمنصب تعارض فيه الدفتر دار علي جلبي، وكان ذلك في سنة أربع وأربعين.
أيا بحراً سما فضلاً وأرضا ... بعدل عمن أشخاصاً وأرضا
ويا أقضى القضاة، وخير خير ... وأنفذ حاكم حكماً وأمضى
أتيت معرضاً بالحال يوماً ... فصرحت اكتبوا للشيخ عرضا
ولم أبرم عليك بل ابتداء ... برمت، وهل ترى للبرم نقضا
وظني بل يقيني دون شك ... ووهم كون أمر الندب فرضا
ولكن أختشي من سوء حظ ... يبدل بسط جود منك قبضا
فأنفذ عرضك الميمون يا من ... تنزه عن صفات الذم عرضا
توفي ليلة الاثنين خامس عشر ربيع الثاني سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وتقدم للصلاة عليه المنلا داود الأويسي بالجامع الأموي، ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة، وكثر الترحم عليه من الصالحين، وعد من الصالحين. قاله ابن طولون.
إسحاق أحد الموالي الروميةإسحاق أحد الموالي الروم. كان نصرانياً طبيباً، وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة، وقرأ على المولى لطفي التوقاتي المنطق، والعلوم الحكمية، وباحث معه فيها، ثم أنجز كلامهم إلى العلوم الإسلامية، وقرر عنده حقيقة الإسلام، حتى اعترف وأسلم، ثم ترك الطب، واشتغل بتصانيف حجة الإسلام الغزالي، والإمام فخر الدين الرازي، وداوم على العمل بالكتاب والسنة، وصنف شرحاً على الفقه الأكبر لأبي حنيفة إلا أنه كان ينكر التصوف لأنه لم يصل إلى أذواق أهله، ثم رجع عن الإنكار آخر أمره، وهو من أهل هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
إسماعيل بن عمر شاهإسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدين بن عمر شاه، الشيخ صدر الدين الشافعي. ولد منلا عصام البخاري المشهور بالحواشي على شرح الكافية للجامي. قدم حلب سنة ثمان وأربعين، وقرأ أشياء من البخاري على شيخ الشيوخ الموفق بن أبي ذر، وأجاز له، وظهر له فضل حسن، وتوفي بين الحرمين وهو ذاهب من المدينة إلى مكة سنة اثنتين أو ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
إسماعيل الصالحي الحنبليإسماعيل بن عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ عماد الدين ابن الشيخ زين الدين الذيابي الصالحي الحنبلي خطيب جامع المظفري. سمع على أبي بكر بن أبي عمر، وأبي عمر بن عبد الهادي، وأبي الفتح المزي، وقرأ على الشيخ ابن طولون في العربية، وتوفي يوم السبت تاسع عشري شعبان سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
إسماعيل الشرواني

إسماعيل الشيخ الإمام العلامة المحقق المدقق الصالح الزاهد العارف بالله تعالى المولى إسماعيل الشرواني الحنفي، قرأ على علماء عصره، منهم العلامة جلال الدين الدواني، ثم خدم الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السمرقندي، وتربى عنده وصار من كمل أصحابه، ولما مات خواجه عبيد الله ارتحل المولى المذكور إلى مكة المشرفة، وتوطنها ودخل الروم في ولاية السلطان أبي يزيد خان، ثم عاد إلى مكة وأقام بها إلى أن مات، وذكره شيخ الإسلام الجد، فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى بمكة من المجاورين بها، وسمعت شيخنا يحكي عن والده أنه كان يثني عليه لأنه قدم دمشق، ونزل بالنورية وتردد إليه جمع من الأفاضل، وقرأ عليه في تفسير البيضاوي، ثم انفرد بجامع التكية السليمية قال ابن طولون: واجتمعت به ثمة، وأخبرني. أنه أخذ الحديث من الأمير جمال الدين الخراساني المحدث قال: ورأيته يتنقص الإمام البغوي المفسر القرآن، فنفرت النفس منه بسبب ذلك فإنه أحد أئمة السنة انتهى.
قلت: ولعل بغضه منه بسبب أن الأعاجم يميلون إلى المباحث الدقيقة المعلقة بالعقليات دون المأثورات، وتفسير البغوي غالبه خال من مثل ذلك لا بسبب ما توهمه ابن طولون من ميل إلى بدعة ونحوها، فقد كفاك تزكية الجد له وترجمته بالولاية، وذكره صاحب الشقائق النعمانية قال: وكان رجلاً معمراً وقوراً مهيباً منقطعاً عن الناس، مشتغلاً بنفسه طارحاً للتكلف العاري، وكان حسن المعاشرة للناس يستوي عنده صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، وكان له فضل عظيم في العلوم الظاهرة، وألف حاشية على تفسير البيضاوي، وكان يدرس بمكة فيه وفي البخاري، وتوفي بها في عشري ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة وقال ابن طولون: في عشر ذي القعدة عن نحو أربع وثمانين سنة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة، مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إسماعيل الكردي اليانيإسماعيل الشيخ الإمام العلامة الكردي الياني الشافعي نزيل دمشق قال والد شيخنا: كان من أهل العلم والعمل والصلاح والورع والمجاهدة والتوكل، صحبني بالدلالة على ابن الشيخ المربي الزاهد سليمان الكردي،، وأقام عنده مدة، ثم حج إلى بيت الله الحرام، وجاور بمكة، وتزوج بامرأة من العمادية، وعاد وهي معه ورزق منها ولداً صالحاً سماه سليمان، وعلمه القرآن، ثم رجع إلى بلاده، وتزوج امرأة أخرى من الأكراد، وعاد إلى دمشق بزوجتيه، ورزق من الأخرى أولاداً، وسكن بهما في بيت من بيوت الشامية الجوانية، وصار يتردد إليه طلبة يشتغلون عليه في المعقولات مع تردده إلي قال: وقرأ بعض المنهاج علي قراءة تحقيق وتدقيق، توفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى سنة ست وخمسين وتسعمائة بالطاعون، بعد أن صلى المغرب والعشاء جماعة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وتولى تجهيزه ودفنه الخواجا بدر الدين ابن الجاسوس، ودفن بمقبرة باب الصغير، مما يلي الطريق من جهة الشمال، ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر مكتوب عليه يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. قال والد شيخنا: وأخبرنا خلق من صلحاء الأكراد أن والده من العلماء الكبار في تلك الديار وانتفع به خلق كثير رحمه الله تعالى.
إسماعيل إمام جامع الجوزةإسماعيل الشيخ الصالح العابد الورع إمام جامع الجوزة خارج باب الفراديس بدمشق، قال والد شيخنا: كان له مكاشفات وحالات مع الله تعالى، وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات، وتوفي في أوائل المحرم سنة سبع وخمسين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله.
أمير شريف العجميأمير شريف العجمي المكي العلامة في الطب، قدم دمشق سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، متوجها إلى الروم وأضافه الشيخ أبو الفتح السيستري قال ابن طولون: وبلغني أنه شرح رسالة الوجود للسيد الشريف، وشرح الفصوص للمحيوي ابن العربي.
أويس القرماني

أويس الشيخ الصالح العارف بالله تعالى المرشد إليه الدال عليه الولي الكبير، المعمر القرماني الأبرى الصوفي الخلواتي الحنفي، صاحب الخلفاء والأتباع، كان في ابتداء أمره فلاحاً بأبر بفتح الهمزة والموحدة وبراء قرية من قرى قرمان، وكان أمياً لا يقرأ، ولا يكتب فحصلت له جذبة، ثم لحق بخدمة الشيخ محمد بن محمد بن جلال الدين الأقصرائي الصوفي، فتعلم عنده القرآن، وتعبد وجاهد بنفسه، ودخل الخلوة حتى قيل: أنه فاق بسبب الرياضة على خليفة الأقصرائي محيي الدين البكري بفتح الموحدة والكاف، وكان المذكور من علماء الظاهر، وتلقن الشيخ أويس الذكر من أستاذه المذكور، كما تلقنه من مير الأرزنجاني، وتلقنه الأرزنجاني من السيد يحيى بسنده المشهور، وصار من جملة خلفائه، إلى أن كثرت أتباعه، وشاع ذكره، فدخل إلى بلد القصير، واستوطن بقرية جوالة، ثم قدم حلب فرفع إلى قلعتها، هو وخليفته الشيخ شمس الدين أحمد بن محمود الرومي، لما نسب إليهما من دعوى أن شخصا يسمى حامد الهندي يكون مقدمة المهدي يخرج من بين أظهر الأويسية، ومن دعوى أن الشيخ عبد القادر الجيلي، لم يكن ولياً بل كان رجلاً صالحاً، وبقي خليفته الشيخ داود، في شرذمة من المريدين بالطرنطائية داخل باب الملك، إلى أن أطلق الشيخ من القلعة، ثم استوطن الشيخ أويس، وخليفته الشيخ داود دمشق، وخليفته الشيخ شمس الدين بعلبك، وتوفي الشيخ أويس بدمشق سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، عن سن عالية يكاد أن يبلغ المائة رحمه الله تعالى.
إياس باشا الوزيرإياس باشا الوزير الكبير والمشير، السامي مقامه على الأثير، الوزير الأعظم، للسلطان المفخم، سليمان خان بن عثمان كان كافلاً لدمشق بعد جان بردي الغزالي، وكان له سيرة حسنة، وسياسة مستحسنة، خالط فيها العلماء، وتودد إلى الصلحاء، وكان من أكبر المحبين لشيخ الإسلام الجد الشيخ رضي الدين الغزي وحضر إلى بيته زائراً معتقداً متبركاً، واستمرت المودة بينه وبين الشيخ وولده شيخ الإسلام والدي، ثم وضع جواريه في بيت الجد وتوجه إلى البلاد الرومية، وولدت له عندنا بنت سماها الجد فاطمة، ثم وجهت البنت ووالدتها إليه إلى الروم، ولما رحل شيخ الإسلام الوالد إلى الروم بعد وفاة والده تلقاه الوزير المشار إليه أحسن ملقى، وأقبل عليه غاية الإقبال، وألف له شيخ الإسلام الوالد ثمة تفسير آية الكرسي، وشرح البردة، وأثنى عليه الشيخ في الرحلة كثيراً ومن لطائف شيخ الإسلام الجد:
من لاذ بالله حاشا ... جنابه يست باشا
ومن يمت في رضاه ... ففي الحقيقة عاشا
إني رضي بمهما ... أراد مني وماشا
وأنني مطمئن ... بالله قلبا وجاشا
لا أختشي من عدو ... إن صال بغياً وهاشا
ربي تدارك بلطف ... يعطي الفقير انتعاشا
وذا بأعلى وزير ... للملك آياس باشا
وكانت وفاته بالقسطنطينية، بعد أن مات غالب أهل بيته في سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق، وبالجامع المظفري يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر منها، وتأسف عليه صلحاء دمشق وعلماؤها رحمه الله تعالى.
حرف الباء من الطبقة الثانية

باشا جلبي البكالي
باشا جلبي البكالي الحنفي المولى الفاضل أحد موالي الروم، خدم المولى المؤيد زاده، وترقى في التداريس، إلى دار الحديث بالمدينة المنورة، وكان حليماً كريماً ينظم الأشعار التركية، لكن كان في مزاجه اختلال توفي بالمدينة المنورة سنة ثمان أو تسع وثلاثين، وتسعمائة رحمه الله تعالى.
بديع بن الضياء

بديع بن الضياء، قاضي مكة المشرفة وشيخ الحرم الشريف بها قال ابن طولون: كان من أهل الفضل والرئاسة، قدم دمشق، ثم سافر إلى مصر فبلغه تولية قضاء مكة للشيخ زين الدين عبد اللطيف ابن أبي كثير، وأنه أخرج عنه قضاء جدة، فرجع إلى دمشق وأقام بها مدة، ثم سافر إلى الروم، فخرج من دمشق يوم السبت منتصف ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، بعد أن حضر ليلة الجمعة التي قبل التاريخ المذكورة عند الشيخ علي الكيزواني، تجاه مسجد العفيف بالصالحية، وسمع المولد وشرب هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن. قال ابن طولون: ولا أعلم أنها شربت في بلدنا هذه يعني دمشق قبل ذلك. قال: وكان عمي الشيخ جمال الدين بن طولون يقول بتحريمها. وقال: أمرها مشهور بمكة ولعلمائها مصنفات في حل شربها، وعدمه انتهى.
فلما وصل القاضي بديع إلى الروم، أعيد إليه قضاء جدة، ثم رجع فتوفي بمدينة بدليس ، من أطراف ديار بكر وورد الخبر بموته، في صفر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق الأموي يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى قال ابن طولون: وغلطوا في المنادى عليه، فقالوا: أنه توفي بآمد وقد قدمنا أنه توفي ببدليس.
بدر الدين الروميبدر الدين الرومي، المولى الطبيب الحنفي، الملقب بهدهد اشتغل وحصل وخدم في العلم المولى ابن المعرف، ثم رغب في الطب، وقرأ على الحكيم محيي الدين، ثم صار من جملة أطباء دار السلطنة، وكان ديناً خيراً عفيفاً صالحاً محباً إلى الناس، مات بعد الخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
بركات بن الحجيجبركات ابن أبي بكر، بن محمد الشهير بابن الحجيج الصالحي الحنبلي، أخذ عن شيخ الإسلام الوالد وغيره.
بركات ابن الحمصيبركات بن أبي بكر المجذوب، المعروف بابن الحمصي الشرايحي، من محلة ساحة بزي ، من مدينة حلب قال ابن الحنبلي: مجذوب أشعث أغبر مكشوف الرأس، غير منتعل لا صيفاً ولا شتاءً، مهيب قد لزمه الجذب من صغره، وصار ديدنه ذم النفس، والدنيا والإكثار أن يقول: راح اليوم وجاء الغد، وربما كاشف قال: ووقع لي أنا معه أني كنت وراء الإمام في صلاة المغرب، فمر بين يدي الصفوف ذاهباً، فوقع في قلبي من الإنكار عليه حيث مر ولم يصل، فلما تمت الصلاة سمعته وهو بطرف الجامع يقول: أنا رفعت عني الصلاة توفي بعد أن كف بصره سنة أربع وأربعين وتسعمائة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
بركات بن الشاهدبركات بن عمر، بن محمد الشيخ الصالح الشاهد العدل، ابن الشيخ الصالح الحلبي الطوافي، الأدهمي الخرقة، المشهور والده بغبريش، كان خادماً بالجامع منكلي، بغا بعد شيخه بابا محمد الأدهمي قال ابن الحنبلي: ولما توجه شيخه بابا محمد إلى القاهرة، ذهب إليه فأخبره أن سيدي إبراهيم بن أدهم، أخبره في المنام أن في صندوق بابا محمد تاجاً بنفسجياً، وكان كما رأى في منامه، فعند ذلك أخرجه وألبسه إياه، فعاد به إلى حلب، ولم يزل على رأسه حتى توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
بركات بن البيطار

بركات بن البيطار، الشاب الصالح الدمشقي، توفي في أواخر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وليس هذا من العلماء، ولا من الصوفية، ولكن له قصة عجيبة، وهي أنه له إخوان في الله تعالى، شابان صالحيان أيضاً، أحدهما الشاب الصالح سعد الدين ابن الشيخ تغلب بضم المثناة فوق، ثم بالغين المعجمة الساكنة وفي آخره موحدة، والثاني الشاب الصالح. يوسف بن تبل بالتاء المثناة فوق، ثم بالموحدة ثم لام، وكان هؤلاء الثلاثة اجتمعوا قبل موتهم بمدة قريبة في مكان، وتعاهدوا على أن من توفي منهم قبل أخيه يشتريه، من بقي بسبعين ألف تسبيحة، لما بلغهم في ذلك من بعض الصالحين، فلما توفي الأول وهو بركات فعل رفيقاه ذلك، ثم لما توفي الثاني وهو سعد الدين وكانت وفاته بعد بركات بجمعة، فعل ذلك الثالث، ثم توفي الثالث وهو يوسف بن تبل بعد جمعة أخرى، ففعل ذلك جماعته بعد موته، وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشر ربيع الثاني من السنة المذكورة، ودفنوا ثلاثتهم بسفح قاسيون، قلت: والمشهور سبعون ألف في ليلة أو إحدى وسبعون ألف تهليلة، ذكره الشيخ أبو بكر الحبيشي في كتاب البركة، في السعي والحركة، وذكره غيره أيضاً وحكي فيه عن بعض الصالحين، أنه من اشترى نفسه أو غيره بذلك من الله تعالى فقد اعتقت نفسه، أو فقد غفر له وذكروا في ذلك قصة عن بعض المكاشفين كوشف بامرأة في عذاب، فاشتريت بما ذكره، فرآها ذلك المكاشف نجت منه قلت: وأنا أتفق لي في ذلك أنه كان لنا صاحب يقال له:
يوسف المنوريمن جماعة المحيا، وكنت أراه صالحاً، وكان بعض الناس ينتقصه، ويحكي عنه أموراً يخشى منها فمات، فجمعت له جماعة من الأخوان وأدرنا مسبحة ألفية، ونحن نقول كلمة التوحيد وجمعنا العدد باعتبار مجموع الجماعة حتى بلغ العدد المذكور، وسألنا الله تعالى أن يغفر للمذكور، فلما أصبحنا عدا علينا رجل من إخواننا الصالحين، لم يكن علم باجتماعنا، ولا بما صنعنا فقال: رأيت البارحة الشيخ يوسف المنوري في المنام، وهو في أحسن صورة، وهو يقول لي: يا فلان جزى الله عنا شيخنا الشيخ نجم الدين، وأخانا الشيخ عمر الحرستاني خيرا، وكان الحرستاني المذكور ممن جمعناه كذلك فإنهم خلصوني من كذا وكذا.
؟

بشر الحنفي
بشر الشيخ الإمام العلامة، المصري، الحنفي. أخذ العلم عن البرهان والنور الطرابلسيين، وعن شيخ الإسلام عبد البر بن الشحنة، وأجاوز بالإفتاء والتدريس، ودرس وأفتى وانتفع به خلائق، وغلب عليه في آخرة عمره محنة الجفاء ، والخمول، والجلوس، وعدم التردد إلى الناس، وناب في القضاء مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة وكان يديم الصيام والقيام. مات بعد سنة ستين وتسعمائة.
؟
باي خاتون الحلبية
باي خاتون بنت إبراهيم بن أحمد الحلبية الشافعية، بنت أخي شيخ الإسلام زين الدين عمر، ابن الشماع قرأت عليه المنهاج للنووي، بطرفيه وشيئاً من إحياء علوم الدين، وكان كثير الزيارة لها، ومات ورأسه في حجرها، وكانت ترقي للريح الأحمر فيبرأ بإذن الله تعالى، وبذلت نحو مئتي مثقال من الذهب في الصدقات ذكرها ابن الحنبلي وقال: توفيت سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ودفنت بجوار عمها المشار إليه رحمهما الله تعالى.
بوران بنت الشحنةبوران بنت محمد أثير الدين قاضي القضاة ابن الشحنة. ولدت بحلب سنة إحدى وستين وثمانمائة، وقرأت القرآن العظيم، وطالعت الكتب، ونظمت ونثرت ذكرها ابن الحنبلي، وقال: حجت مرتين، وكانت صالحة خيرة، ولما احتضرت حمدت الله تعالى على أنه لم يكن في صندوقها إذ ذاك درهم ولا دينار، وكانت مستأجرة لبعض الجهات تسعين سنة ممن أخبر به الفقر، ولم تمض من المدة سوى القليل، فردته على المؤجر، وسامحته في باقي الأجرة، وكانت وفاتها سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، ولها في رثاء أخيها محب الدين:
دعوا دمعي بيوم البين يجري ... فقد ذهب الأسى بجميل صبري
وكيف تصبري وأخي رهين ... بأرض الشام في ظلمات قبر.
حرف التاء المثناة فوق خال
حرف الثاء المثلثة خال
حرف الجيم من الطبقة الثانية
جابر بن إبراهيم التنوخي

جابر بن إبراهيم بن علي التنوخي القضاعي الشافعي، القاطن بجبل الأعلى من معاملة حلب، ولي نيابة القضاء به، وكان شاعراً ماهراً عارفاً بالعروض والقوافي، وطرف من النحو، مستحضراً لكثير من اللغة، ونوادر الشعر، حافظاً لكثير من مقامات الحريري. حضر دروس العلاء الموصلي بحلب، وذاكره، وكان له نظم حسن، نظم قصائد سماها، بالعقد العالي، في مدح الكمالي، وأهداها للقاضي كمال الدين التادفي الشافعي منها:
طاب الزمان وراقت الصهباء ... شدت على أوراقها الورقاء
وأدارها الساقي علينا في الربى ... كانت لداء القوم نعم الداء
ساق له وجه حكى بدر الدجا ... جيد الغزال ومقلة نجلاء
يرنو إلى الندمى فيسكر طرفه ... غنجاً ولا سهرا ولا إغفاء
كالبدر حاز بكفه شمس الضحى ... في فتية تحكيهم الجوزاء
فاشرب ولا تدع السرور بها فقد ... غفل الوشاة وغابت الرقباء
سيما وقد مد الربيع بساطه ... من بعد ما قد جادت الأنواء
حاكت به أيدي الزمان رقارقا ... فترى به الصفراء والحمراء
يزهو بأزهار يخالف نورها ... يصبو إليها القلب والحوباء
وارفض صوب الغاديات بوبلها ... من كف قاضينا يسح نداء
أعني كمال الدين ذا الفخر الذي ... شهدت له الأموات والأحياء
الشافعي التادفي، ومن غدت ... تمحى به البأساء والضراء
توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
جار الله بن فهدجار الله بن عبد العزيز بن عمر، الشيخ الإمام المحدث، المخرج المؤرخ محب الدين ابن الحافظ عز الدين ابن الحافظ تقي الدين بن فهد المكي، الهاشمي المنسوب إلى سيدي محمد بن الحنفية الشافعي. أخذ الحديث عن والديه في آخرين، ورحل إلى الديار المصرية والشامية، ودخل حلب حين دخلها السلطان الغوري سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وجمع تاريخاً وأربعين حديثاً سماه تحقيق الرجا لعلو المقر ابن أجا ومعجماً ذكر فيه أسماء شيوخه والشعراء الذين سمع منهم الشعر، وكتاباً آخر سماه التحفة اللطيفة في بناء المسجد الحرام والكعبة الشريفة قال ابن الحنبلي سمعت من لفظه بمكة المشرفة سنة ثلاث وخمسين، وأجاز في أن أرويه عنه، وجمع ما يجوز له وعنه روايته قال: وأنشدنا لبعض مشايخه:
أكابرنا شيوخ العلم حازوا ... علوم الدين فاغتنموا وفازوا
أجازوا لي رواية ما رووه ... فها أنا ذا أجزت كما أجازوا
قال: وناولني نسخة بهذا الكتاب بخطه فملكته، وكان صاحب الترجمة صاحباً للشيخ شمس الدين بن طولون، ورفيقاً له في الأخذ عن جماعة من الشيوخ، وكان يكاتب كل واحد منهما صاحبه في كل سنة مع الحجاج، ويذكر له من يتوفى في كل سنة، ولما حج شيخ الإسلام الوالد في سنة خمسين وتسعمائة حضر المشار إليه للسلام عليه، وأثنى عليه الوالد كثيراً، وترجمه بالإمامة والتقدم في علم الحديث، وكانت وفاته سنة أربع وخمسين وتسعمائة بمكة رحمه الله تعالى.
جان التبريزيجان التبريزي الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي القاطن بحلب. كان عالماً كبيراً سنياً صوفياً قصد قتله شاه إسماعيل صاحب تبريز لتسننه، فخلع العذار، وطاف في الأزقة كالمجنون، ثم صار على أسلوب الدراويش. قال ابن الحنبلي: زرته بحلب في العشر الرابع من القرن، وهو بحجرة ليس بها إلا الحصير، ومن لطيف ما سمعته: منه السوقية كلاب سلوقية. انتهى.
وفي تاريخ ابن طولون المسمى بمفاكهة الإخوان وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان يعني سنة أربع وثلاثين وتسعمائة. قدم دمشق عالم الشرق فيما قيل مرجان القبابي التبريزي الشافعي، وقيل: إنه كان إذا طلع محل درسه نادى مناد في الشوارع من له غرض في حل إشكال فليحضر عند المنلا فلان. قال: ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدين الكبرى في تفسيره. قال: وعنده اطلاع انتهى.

ثم ذكر ابن طولون أنه سافر راجعاً إلى بلاده من دمشق في يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وودعه ناظر النظار الكمال، وجماعة إلى نحو القطيفة. قال: وقد كان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خف، وأنه يقدم علياً رضي الله تعالى عنه، واستخرج ذلك من آية من القرآن العظيم.
جانم الجركسيجانم بن يوسف الجركسي الحمزاوي القادري أحد أمراء مصر في الدولة الجركسية، ثم في الدولة العثمانية. له بمصر الأوقاف المشهورة، ومنها مرتب حصر الجامع الأموي بدمشق في كل سنة ثمانون حصيرة من الحصر المصرية المعظمة. سافر شيخ الإسلام الوالد في صحبته، وهو أمير الخزينة القاهرة المصرية من حلب سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وكان له في الوالد مزيد محبة واعتقاد، ثم عاد جانم إلى مصر، ثم قتله سليمان باشا بأمر السلطان هو وولده يوسف في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وعاتب الشيخ شاهين سليمان باشا في قتل ولده وهجره بسبب ذلك.
جعفر البروساويجعفر البروساوي، المشهور بنهال الفاضل البارع أحد موالي الروم. اشتغل في العلم، وصار مدرساً ببعض المدارس، ثم صار قاضياً بالغلطة، ثم مال إلى العزلة، وتقاعد بثلاثين عثمانياً، وله أشعار بالتركية مقبولة، وكتاب في الهزل سماه دافع الغموم قال في الشقائق: وندم على تأليفه، ولزم أن يشتريه ممن لقيه عنده، ويحرقه بالنار. قال: وروي أنه غلب عليه الزهد والورع آخر عمره، وجاور بمكة في حدود الخمسين وتسعمائة.
جلال الدين الروميجلال الدين المولى الفاضل أحد موالي الروم خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم صار مدرساً بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم صار قاضياً بعدة من البلاد، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانياً، وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة، وكان فاضلاً محققاً مدققاً، ذا شيبة نيرة بقية من الصالحين. مات سنة أربع أو خمس وثلاثين وتسعمائة.
جمعة الضريرجمعة الضرير ابن جمعة المقريء الشافعي. قرأ على الشيخ الوالد في الألفية والمنهاج. قال الشيخ الوالد: بلغني عنه منكرات.
جها نكير بن سليمجها نكير السلطان ابن سليمان بن سليم. كان بحلب مع والده حين كان بها سنة ست وخمسين وتسعمائة، فتوفي بها في السنة المذكورة، وصلى عليه أبوه في مشهد عظيم، وحمل إلى الفردوس، ثم شق بطنه وغسل وصبر وحمل إلى الروم.
حرف الحاء المهملة من الطبقة الثانية

حبيب القاضي
حبيب القاضي الأصبهاني الشافعي. قيل: إنه كان عالماً عظيماً في المعقولات. ورد دمشق حاجاً منها في يوم الثلاثاء سادس جمادى الأولى سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، وزار ابن العربي ومعه جماعة من طلبته.
حامد الحارثيحامد بن جلال الدين الحارثي، الملتاني، الحنفي، قدم حلب ستة خمسين، وسأله ابن الحنبلي: أمن الهند أنتم أم من السند؟ فقال: أنا من ملتان، وهي بينهما إلا أني اشتهرت بالهندي، وحكي أنه دخل بعلبك، فاجتمع به طائفة الأويسية ، فقالوا: إنه يظهر من بيننا رجل يقال له: حامد الهندي، ويكون مقدمة للمهدي، وطلبوا منه أن يستقر بينهم، فلم يفعل، وتبرأ من ذلك، وذهب آخراً إلى القسطنطينية، فأقام بها مدة، ولم يحصل له بها إقبال، ومات بالبيمارستان بها سنة تسع وخمسين وتسعمائة.
حسن بن إسكندر

حسن بن إسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن، الشيخ الفاضل العالم العلامة بدر الدين النصيبي، الحلبي ثم المصري الضرير، المعروف بالشيخ حسن. مولده سنة اثنتين وسبعين - بتقديم السين - وثمانمائة، كان عالماً بارعاً في الفقه والنحو والقراءات والتجويد. قرأ عليه شيخ الإسلام الوالد في صفر القرآن العظيم، والمنهاج، والألفية حفظاً بمصر، ثم رحل إلى أهله في البحر، وأقام عندهم سنين، ثم قدم دمشق في صفر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة. قال شيخ الإسلام الوالد: وحضر دروسي في تقسيم الحاوي وغيره، وأخذ عني، وحصل له بذلك سرور زائد. قال: ورام الإقامة بدمشق، فضاعت له دراهم، فتغير بسببها، واضطرب ظاهراً وباطناً، ثم سافر إلى طرابلس، وشتى بها على أن يرجع بعد فراغ الشتاء إلى مصر، ثم عاد إلى مصر في البحر في السنة المذكورة. انتهى. قلت: وكان يعرف بمصر بالشيخ حسن الشامي، ثم الغمري. ذكره الشعراوي وقال: شيخي وقدوتي إلى الله تعالى العلامة، الورع، الزاهد. كان عالماً عاملاً، حافظاً لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب، وكان حافظاً للسانه، ملازماً لشأنه، مواظباً على الطهارة الظاهرة والباطنة، غزير الدمعة، لا يسمع آية أو حديثاً أو شيئاً من أحوال الساعة، وأهوال يوم القيامة إلا بكى حتى أرحمه من شدة البكاء، قال: وكان كريم النفس، جميل المعاشرة، أماراً بالمعروف، لا يداهن أحداً في دين الله عز وجل. قال: وهو أكثر أشياخي نفعاً لي. قرأت عليه القران بعد والدي تجويداً، وقرأت عليه المنهاج، والألفية، والشاطبية، والتوضيح، وجمع الجوامع، وتلخيص المفتاح، وقواعد الإعراب.
قال: وكثيراً ما يقول لي: مقصودي آكل أنا وإياك من الحلال، فأقول له: في أي المواضع؟ فيقول: في بركة الخازندار خارج مصر، فأقوده إليها، فيجلس على شاطئها، ويقول لي: إجمع من ورق الخس والجزر والفجل ما تراه في جانب الشط مما تساقط من الذين يغسلون الخضراوات من الطين. قال: فالتقط له شيئاً من ذلك، فيأكله ويشرب من البركة، ويقول: الحمد الله الذي أطعمنا في هذا اليوم حلالاً لا شبهة فيه. قال: ثم يرجع إلى جامع الغمري، وربما واظبنا على مثل ذلك الأسبوع كاملاً لا يذوق طعاماً ولا شراباً غير الورق، والشرب من البركة. قال: وكان إذا أعطاه أحد شيئاً. وشك فيه بشبهة يشتري به حطباً للطعام وصابوناً، ويقول: إنه أهون من الأكل والشرب من حيث الحساب. مات - رحمه الله تعالى - بعد الخمسين وتسعمائة بمصر - ودفن خارج باب النصر.
حسن بن علي الطبرانيحسن بن علي، الشيخ بدر الدين الطبراني من بلدة عند بركة الطبرية الشافعي، المقريء نزيل دمشق، حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بسفح قاسيون، ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدين القيمري، واشتغل في النحو على ابن طولون، فقرأ عليه قطعة من ألفية ابن مالك، وتسبب بقراءة الأطفال في مكتب عز الدين غربي المدرسة المذكورة، وصلى عدة ممن أقرأه بالقرآن، وكان أحد شقيه بطالاً لا يمشي إلا بعكاز، وقد كان تأهب للحج والمجاورة بمكة، فمات قبل ذلك وكانت وفاته ليلة الأحد عيد الفطر سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن بن يحيى بن المزلقحسن بن يحيى، الشيخ العالم الواعظ بدر الدين بن المزلق الدمشقي. كان فاضلاً، مقبول الشكل، محبباً عند الخاص والعام، يعظ الناس بالجامع الأموي في الأشهر الثلاثة. قال والد شيخنا: كان من أهل العلم والديانة، وولي تدريس الأتابكية بمحلة الصالحية، وتفقه على الشيخ تقي الدين القاري، وقبله على الشيخ شرف الدين يونس العيثاوي. انتهى.
وبلغني أنه أخذ عن شيخي الإسلام القاضي زكريا والتقوى ابن قاضي عجلون، وقال شيخ الإسلام الوالد: حضر دروسي في الأصول والفقه، وسمع علي جانباً من البخاري، وكان يلثغ في الثاء المثلثة. توفي في يوم الأربعاء سادس عشري صفر سنة وستين وتسعمائة، وصلي به بالجامع الأموي بعد صلاة الظهر، ودفن في تربة أهله خارج باب الجابية بدمشق في المحلة المحروقة تجاه تربة باب الصغير رحمه الله.
حسن بن النصيبي

حسن بن عمر بن محمد الشيخ بدر الدين ابن قاضي القضاة زين الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين الحلبي، الشافعي، المعروف بابن النصيبي - سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة - واشتغل بالعلم على العلائي الموصلي، والبرهان اليشبكي وغيرهما ثم رحل لأجل المعيشة إلى الروم، فصار يكتب القصص التي ترفع إلى السلطان بالتركية على أحسن وجه، ثم تقرب إلى نيشانجي الباب العالي، فقربه وأحبه، ولي بها نظر الأوقاف بحلب، ونظر الحرمين والبيمارستان الأرغوني بها، والبيمارستان النوري بحماة، ثم وشي به إلى عيسى باشا لما دخل حلب مفتشاً على ما بها من المظالم، وقيل له: أن عليه ما ينوف عن عشر كرات، واختفى منه مدة، وشدد عيسى باشا في طلبه، فبعث أخاه البدري تحسين إلى الروم في أمره، ولم تقض له حاجة، فدعا ذلك صاحب الترجمة إلى أن تمثل بين يدي عيسى باشا ملقياً سلاحه، ثم عاد من عنده سليماً، وتولى نظر الأموال السلطانية بحلب بعد وفاة عيسى باشا، فهابه الأمناء والكتاب والعمال لمزيد وقوفه على أمور الديوان، وكثر الواردون عليه، والواقفون ببابه حتى ولي اسكندر بيك دفتر دار حلب، وأظهر عليه أموالاً كثيرة بمعونة أهل الديوان، وأخذها منه حتى لم يبق معه ولا الدرهم الفرد، ثم عرض له إسكندر بيك عرضاً حسناً، ثم كانت وفاته مسموماً سنة ست وخمسين وتسعمائة، ودفن بمقبرة سيدي علي الهروي خارج باب المقام بحلب بوصية منه.
حسن بن محمد بن مزلقحسن بن محمد بن محمد بن حسن بن محمد، الشيخ الفاضل بدر الدين ابن المزلق الشافعي. قرأ الفقه على شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، ثم على تلميذه التقوي القاريء، والوالد، وكان رفيقاً للشيخ علاء الدين بن عماد الدين في الاشتغال على الشمس ابن طولون، وكان ألثغ، وعليه شهامة العلماء، وله تصدير بالأموي، وكان يختم في رمضان كل سنة صحيح البخاري تحت قبة النسر حفظاً، وكان قاضي القضاة بدمشق محمد جلبي ابن المفتي أبي السعود يحبه، ويأنس به، ويقول له: أنت شبيه بوالدي، وأنت عندي في مقامه. مات سنة خمس وستين وتسعمائة، وصلى عليه قاضي القضاة المذكور. خلف كتباً حسنة كثيرة اشتراها جملة الشيخ إسماعيل النابلسي.
حسن بن يونس بن قرنفلحسن بن يونس، الشيخ الفاضل بدر الدين ابن العلامة شرف الدين بن شعبان القرنفل الغزي، الشافعي، ثم الحنفي. كان من إخوان شيخ الإسلام الوالد وأصحابه، وسافرا معا إلى الروم، وعاد الوالد في سنة سبع وثلاثين، وكان عوده هو في السنة التي بعدها، ووصل دمشق يوم الثلاثاء سابع عشري ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين، وقد أعطي نظر التربة الأشرفية بالكلاسة، وبقعة تدريس في الجامع الأموي عوضاً عن المرحوم برهان الدين بن حمزة الطرابلسي، والكتابة على البيمارستان النوري، ونيابة القسمة عن قاضي العسكر، ثم قرأت بخط شيخ الإسلام الوالد أنه صحبه حين حج الوالد من طريق القاهرة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة من جسر بنات يعقوب إلى غزة، ومن لطائف شيخ الإسلام الوالد. قوله مستدعياً للبدر بن شعبان المذكور إلى منتزه بالنيرب يسمى الدهشة وقد كان دعا قبله إليه القاضي عبد اللطيف بن أبي كثير، والقاضي معروف مكتب إليه:
مجالس أنسنا للب تدهش ... بروض ريحه للروح منعش
به توت وتفاح وخوخ ... وإنجاص وأعناب ومشمس
وثلج ثم مشروب وماء ... فإن اللحم إذ يشوى يعطش
حوت لطفاً ومعروفاً، ولكن ... على البدر المنير بها تفتش
حسن الشهير بأمير حسنحسن المولى الفاضل، الشهير بأمير حسن أحد موالي الروم. برع وفضل ودرس وترقى في التداريس حتى أعطي دار الحديث بأدرنة، ومات عنها كان مشتغلاً بالعلم. له حواش على شرح الفرائض للسيد، وحواش على شرح الرسالة في آداب البحث لمسعود الرومي وغير ذلك.
حسن السرميني الينابيعيحسن، الشيخ بدر الدين السرميني، المشهور بابن الينابيعي، الحلبي، الشافعي، الغزي قال ابن الحنبلي: كان عالماً، فاضلاً، تلمذ للبدر السيوفي وغيره، أدرك الشيخ باكير صاحب الزاوية المشهور بسرمين، وأخذ عنه القراءات، وكان من العارفين بها. توفي سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وقد قارب المائة وقوته محفوظة.
حسن الدنجاوي

حسن الشيخ الدنجاوي ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر مات في جمادى الأولى سنة إحدى وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسين بن أحمد الخوارزميحسين بن أحمد بن إبراهيم، الشيخ العابد، الصوفي الخوارزمي خليفة الشيخ محمد الخبوشاني. كان شيخاً معمراً مهيباً ذكر أن له من الأتباع نحو مائة ألف ما بين خلفاء ومريدين قيل: وكان من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه من كان خارجاً من المسجد من غير منفذ من منافذه، فدخل بلاد الشام حاجاً، فحج ورجع إلى دمشق، فأعجبته فعمر بها خانقاه للفقراء من ماله، وكان متمولاً جداً حتى عمر عدة خوانق في بلاد عديدة، ثم عاد إلى حلب، وقصد أن يشتري بها بستاناً، ويعمر به عمارة، فمرض بها، وتوفي في عشري شعبان سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ودفن بها في تابوت، ثم نقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق، ولم يتغير أصلاً، ودفن بها رحمه الله تعالى.
حسين بن عبد القادر الكيلانيحسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يحيى بن أحمد بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن القطب الكبير، سيدي عبد القادر الكيلاني، السيد الشريف، الحسيب، النسيب، الشيخ عفيف الدين ابن الشيخ محيي الدين الحلبي، ثم الحموي، الشافعي، سبط النظام التادفي. الحنبلي. ولد بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة، ثم توطن حماة، وقرأ في الفقه، وسمع الحديث على الشيخ المعمر شهاب الدين أحمد البازلي الحموي الحمصي الشافعي سنة خمسين، وسافر إلى دمشق، فتلقاه الفقراء والمشايخ وبعض الأعيان، ولبس منه الخرقة جماعة، وحصل له القبول من عيسى باشا ابن إبراهيم باشا نائب الشام، وصار له حلقة في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، ثم عاد إلى حماة، فودعه الناس في يوم مشهود، ثم سافر إلى الروم، فطلبه السلطان سليمان. فدخل عليه فأمره بالجلوس وأمر له بعشرين عثمانياً في زاوية عمارة والده بدمشق، فأبى ثم قبل بعد التصميم عليه، ثم عاد فدخل حلب سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة.
حسين آغانائب قلعة دمشق حسين آغا نائب قلعة دمشق. بنى له تربة بالكلاسة بالقرب من تربة السلطان صلاح الدين، ومات في سنة سبع - بتقديم السين - وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسين جلبيمتولي تكية السليمية حسين جلبي متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق. شنق هو وسنان القراماني يوم الخميس رابع عشر شوال سنة ست وستين وتسعمائة، وصلبا معاً بدار السعادة وشاشاهما وعمامتاهما على رؤوسهما، وهما ذوا شيبتين نيرتين رحمهما الله تعالى.
حسام الدين القراصويحسام الدين جلبي القراصوي أحد موالي الروم. قرأ على العلماء، ثم خدم المولى عبد الكريم ابن المولى علاء الدين المغربي، ثم درس بإحدى المدارس، ثم بمدرسة أسكوب، ثم بمدرسة بايزيد خان بطرابزون، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعطي إحدى الثماني أيضاً، وعين له كل يوم مائة عثماني إلى أن توفي، وكان سخي النفس، حليماً، صبوراً على الشدائد، طارحاً للتكلف، منصفاً من نفسه، وكانت وفاته في سنة سبع - بتقديم السين - وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حمزة أوج باشاحمزة المولى نور الدين أحد موالي الروم، الشهير بأوج باشا. اشتغل ثم خدم المولى معروف زاده، ثم درس بمدرسة مغنيساً، ثم بمدرسة إزنيق، ثم بمدرسة أبي أيوب، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم بمدرسة السلطان بايزيد، ثم بأماسية، ونصب مفتياً بها، وعين له كل يوم سبعون عثمانياً بالتقاعد، ومات عنها، وكان حريصاً على جمع المال يتقلل في معاشه، ويلبس الثياب الدنيئة، ولا يركب دابة حتى جمع أموالاً عظيمة، وبنى في آخر عمره مسجداً بالقسطنطينية قريباً من داره،. وبنى حجراً لطلبة العلم، ووقف عليها أوقافاً كثيرة. قال له الوزير إبراهيم باشا يوماً: إني سمعت أنك تحب المال، فكيف صرفته في الأوقاف؟ قال: هو أيضاً من غاية محبتي في المال حيث لم أرض أن أخلفه في الدنيا، فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة. قلت: وهذا يدل على إمساكه رشداً لا بخلاً خصوصاً إن كان جمع المال من الحل. مات - رحمه الله تعالى - بعد الأربعين وتسعمائة.
حمزة الرومي

حمزة المولى نور الدين الكرمباني الرومي، الصوفي، الحنفي. كان من طلبة العلم، ثم رغب في التصوف، وخدم الشيخ العارف بالله سنبل سنان، ثم خدم الشيخ العارف بالله محمد بن بهاء الدين، وصار له عنده القبول التام، وكان خيراً، ديناً، قوالاً بالحق، مواظباً على آ آداب الشريعة، مراعياً لحقوق الإخوان. توفي في سنة خمس وستين وتسعمائة بالقسطنطينية.
حيدر السمرقنديحيدر، الشيخ. العارف بالله تعالى بأبا حيدر السمرقندي خدم في صغره الشيخ العارف بالله خواجه عبيد الله السمرقندي، ثم صحب أصحابه، ثم جاور بمكة مدة، ثم دخل الروم، فأحبوه واعتقدوه، وبنى له السلطان سليمان مسجداً ظاهر القسطنطينية، فتوطن بجواره، وواظب الأوقات الخمسة، واعتكف مرة بأبي أيوب الأنصاري آخر عشر في رمضان، فلم يفطر تلك المدة إلا بلوزتين فقط، وكان يستوي عنده الصغير والكبير، وهو من هذه الطبقة.
حيدر الأسودحيدر المولى العالم أحد الموالي الرومية، المشهور بالأسود، واشتغل في العلم، وخدم المولى أفضل الدين، ودرس في عدة مدارس آخرها مدرسة السلطان بايزيد خان بأدرنة، ثم أعطي قضاء حلب، فلم تحمد سيرته في القضاء، واشتهر بالطمع، فعزله السلطان سليمان. وغضب عليه، ثم بعد مدة تعطف عليه وأعطاه تقاعداً بثلاثين عثمانياً، ولزم بيته بالقسطنطينية، وبنى مسجداً بقرب داره، ووقف عليه، وكان مشتغلاً بالعلم إلا أن اشتغاله بالدنيا كان أكثر لأنه كان يحب العز والجاه، وهو من هذه الطبقة.
حرف الخاء المعجمة من الطبقة الثانية

خليل بن محمد الصلتي
خليل بن محمد الصلتي، الشاب الفاضل، الشافعي، ذكره شيخ الإسلام الوالد في تلاميذه قال: وحضر بعض دروسي مع رفيقه الشيخ أحمد بن أحمد الطيبي، وقرأ على اليمني الشيخ إبراهيم اليمني. مات يوم الأحد نصف رجب الفرد سنة أرجع وثلاثين وتسعمائة عن بضع وعشرين سنة رحمه الله تعالى.
خليل مفتي المالكيةخليل، الشيخ الإمام العلامة مفتي المالكية بمصر، توفي بالقاهرة، وصلي عليه غائبة بدمشق في الجامع الأموي في يوم الجمعة سادس صفر سنة ست وأربعين وتسعمائة، صلى عليه إماماً الشيخ شهاب الدين الطيبي، وتأسف الناس عليه.
خديجة الصالحيةخديجة بنت نصر الله الصالحية الدمشقية. قال ابن طولون: كانت حنبلية، وكان للناس فيها اعتقاد خصوصاً الأروام حتى الوزير الأعظم إياس باشا، وقد أرسل من الروم دراهم لتعمير سكنها، وهو وقف الزاوية الداوودية، وكانت إذا سألها أحد عن أمر تقول: حتى أبيت كذا الليلة، ثم تصبح فتشير عليه بفعل كذا، وتركه وغالبه يصح لكن كان ابن عمها الشيخ زين الدين عمر بن نصر الله ينكر عليها ذلك ويقول لها: هذا من فعل الكهنة، ولا أرى لك ذلك وحجت سنة خمس وأربعين، فوقفت بيتاً كانت ورثته من أبيها على جامع الحنابلة، وأعتقت جاريتها، وماتت في رجوع الحجاج في هدية حادي عشر المحرم سنة ست وأربعين وتسعمائة، وكانت أقعدت قبل موتها، وكان يطاف بها في شقدوف رحمها الله تعالى.
خديجة بنت محمد العامريخديجة بنت محمد بن إبراهيم المقرىء العامري الحنفي كان أبوها ابن عم للجد شيخ الإسلام رضي الدين، وكانت هي صالحة، فاضلة، فقيهة، أخذت عن جماعة منهم شيخ الإسلام الجد، وسمعت على شيخ الإسلام الوالد في البخاري، وحضرت عليه في الفقه. توفيت في شهر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة. وورثها الجد بعد ثبوت النسب.
خير الدين القسطمونيخير الدين، المولى العلامة أحد موالي الروم، كان من ولاية قسطمون، وقرأ على العلماء وحصل وخدم المولى أخي يوسف، ثم المولى مصلح الدين البريكي، ثم صار معلماً للسلطان سليمان، وحصل له حشمة وافرة، وقبول تام، وجاه رفيع، وازدحم العلماء والأفاضل والأكابر على بابه، وهو مع ذلك لم يتغير عن طبعه من التواضع، والكرم، ولين الجانب، والتلطف للفقراء والمساكين. توفي - رحمه الله تعالى - في سنة خمسين وتسعمائة.
حرف الدال المهملة من الطبقة الثانية
داود بن حسن العجلوني
داود بن حسن بن مسعود الشيخ علاء الدين بن سليمان العجلوني المقرىء، قرأ على جماعة من العلماء منهم شيخ الإسلام الوالد، وفقد في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
داود بن سليمان القصيري

داود بن سليمان، الشيخ الفقيه البارع القصيري الشافعي، وهو أخو الشيخ عبدو. أخذ الفقه عن البرماوي تلميذ الشيخ البازلي، ثم الحموي توفي سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
داود بن كمالداود بن كمال، المولى الشيخ العالم الكامل أحد موالي الروم قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً ذكياً مدققاً، وكانت له يد طولى في العلوم، وكان كريم الطبع، مراعياً للحقوق، قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، ثم اشتغل في طلب العلم حتى توصل إلى خدمة المولى الفاضل بن الحاج حسن، ثم انتقل إلى خدمة المولى ابن المؤيد، ثم ولي التدريس، ثم صار قاضياً بمدينة بروسا مرتين، ثم اختار التقاعد فعين له كل يوم مئة درهم عثماني، ومات على ذلك في سنة أربعين وتسعمائة، ولم يشتغل بالتصنيف لضعف مزاجه.
داود المرعشيداود المرعشي، الحنفي، الصوفي، الأويسي خليفة الشيخ أويس وشيخ الطائفة الأويسية بدمشق، كان من أكابر العلماء، وكان مقبولاً عند قاضي العسكر الروم المولى محي الدين الفناري وغيره، ورحل إلى الشيخ أويس القرماني، فأخذ عليه العهد، وجعله خليفة، ثم سافر معه إلى حلب، ثم إلى دمشق، وحج منها وجاور، ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ثم قتل بها وذلك بأمر سلطاني ورد على نائب دمشق بسبب ما بلغ السلطان عنه من كثرة اتباعه ودعواه أن المهدي المبعوث أخر الزمان يكون من الأوسية ولهجهم بذلك، وبلغني أنه خنق برمضان سنة.
حرف الذال المعجمة خال

حرف الراء من الطبقة الثانية
رجب اليعفوري
رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود، الشيخ العلامة زين الدين اليعفوري، الحموي، الشهير بالعزازي الشافعي، وهو جد صاحبنا العلامة تاج الدين القطان النحوي الشافعي لأبيه كان - رحمه الله تعالى - ممن تلمذ للشيخ العلامة شمس الدين البازلي الكردي، والحموي، ثم أخذ بمصر في سنة ثلاثين وتسعمائة على الشيخ العلامة المسند عبد الحق السنباطي كتب الحديث، وتفقه به وبالشيخ العلامة شمس الدين النشلي، والشيخ العلامة شهاب الدين الرملي وغيرهم، ثم دخل إلى دمشق، فقرأ على شيخ الإسلام الوالد في المنهاج للنووي مقسماً سنة خمس وثلاثين وتسعمائة شركة العلماء شمس الدين الجبرني، والعلامة عبد القادر الصهيوني، والعلامة إبراهيم اليمني تقسيماً كاملاً، وكان الشيخ رجب هو القارىء في الأول، ثم حضر تقسيم الحاوي أيضاً على الشيخ الوالد بقراءة العلامتين شمس الدين العجلوني، وعلاء الدين بن أبي سعيد الحموي، ثم أخذ معهما قسما ثالثاً، ثم قرأ عليه في ألفية ابن مالك تقسيماً أيضاً، واعتنى بجمع المهم من فتاوى شيخ الإسلام الوالد، فجمع منها ثلاث مجلدات، وحضر عند الشيخ أيضاً في دروس الشامية وغيرها من الدروس العامة في الرافعي الكبير والروضة، ثم عاد إلى بلده حماة، واستقر بها مفتياً مدرساً مع مكاتبة إلى شيخ الإسلام الوالد، ومراجعة في كثير من المسائل، وكان مخلصاً في صحبته ومصافاته، وكان شيخ الإسلام يترجمه بالفضل والصلاح، وفي تاريخ ابن الحنبلي أنه مر بحلب سنة إحدى وخمسين متوجهاً إلى إسلام بول لعزله عن تدريس عصرونية حماة، وأنه أنشده أو زار... لشيخ الإسلام بهاء الدين الفصي البعلي الشافعي:
إن سار عبدك حيث سرت تواضعاً ... لجلال قدرك ما تعدى الواجبا
فلئن تأخر كان خلفك خادماً ... ولئن تقدم كان دونك حاجبا
ثم توجه مرة أخرى إليها، فتوفي بالقسطنطينية في المحرم سنة ستين وتسعمائة، ودفن بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
حرف الزاي من الطبقة الثانية
زكريا الحموي
زكريا بن حسن بن علي الشيخ زين الدين الحموي المولد، الهيتي الأصل، الشاذلي العلواني حضر مجالس سيدي علي بن ميمون، ثم صار من مريدي سيدي علوان ولازمه، فلما توفي الشيخ علوان رحل إلى حلب سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وصار يشكو الناس إليه الخواطر، ولم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته.
زكريا المصري

زكريا بن زكريا الشيخ العلامة زين الدين المصري، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري، أخذ العلم عن جده المذكور، وعن البرهان بن أبي شريف، والشيخ عبد الحق، والكمال الطويل، ولبس خرقة التصوف من جده ومن سيدي علي المصفي وغيرهما، وكان جده يحبه محبة عظيمة، وكان ذكياً فطناً خاشعاً أفتى ودرس، وكان قاضي الركب المصري إلى الحج، في سنة سبع بتقديم السين وأربعين وتسعمائة قال الشعراوي، سافرت معه إلى مكة وهو قاضي المحمل، وكان يقضي بالنهار ولا يمل من الطواف في الليل كثير الصدقة والإفتقاد لفقراء الركب، توفي رحمه الله تعالى في شوال سنة تسع بتقديم التاء وخمسين وتسعمائة ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب.
زين العابدين الجزريزين العابدين بن حسين بن عبد الله بن عمر بن علي الجزري المولد، الحلبي الوطن، العباسي، كان في ابتداء أمره يغسل الموتى، ثم لزم الكمال التادفي حين كان شيخ شيوخ حلب، ثم صار هو شيخ شيوخها، وكان قادرياً سهروردياً رفاعياً. لبس الخرقة من الشيخ محيي الدين بن محمد القادري أحد ذرية الشيخ عبد القادر الكيلاني، وأذن له في الباس الخرقة والإجلاس علس السجادة، وأخذ العهد وقص الشعور، ثم أخذ عليه العهد السيد علي الخراساني السهروردي بحق أخذه من الشيخ زين الدين الخوافي بسنده، وأجلسه على السجادة شيخ الشيوخ بحلب يومئذ السيد علي بن يوسف بن محمد الرفاعي، توفي في حلب سنة سبع - بتقديم السين - وثلاثين وتسعمائة.
زين العابدين الأنصاريزين العابدين بن وهبان الأنصاري المدني المكي العالم العلامة، حضر دروس شيخ الإسلام الوالد، وسمع منه جانباً من تأليفه المسمى بالدر النضيد، في آداب المفيد والمستفيد.
زين العابدين بن العجميزين العابدين بن العجمي الأجل الرومي الشافعي نزيل دمشق قال ابن طولون: أصله من بغداد واشتغل بتبريز وولي تدريساً بمدينة طوقات ورتب له فيه أربعون عثمانياً، ثم تركه، وتصوف على طريقة النقشبندية، ثم قدم دمشق وأقرأ فيه الأفاضل، ومات شهيداً بالطاعون، يوم الخميس خامس عشر شوال سنة تسع بتقديم التاء وثلاثين وتسعمائة بعد أن مات بهذه العلة بضعة عشر من جماعته، ووقف بيته على الرواحية، وبعده على الحرمين وكتبه عليه، ثم على الشافعية، وشرط النظر لأعلمهم واستقرارها بمقصورة الأموي، وأوصى أن يصلي عليه الشيخ محمد الأيجي، فعند وفاته أصيب الأيجي بالطاعون، واشتغل بنفسه فتقدم للصلاة عليه الشيخ تقي الدين القاري باشارة قاضي القضاة إسرافيل، وقال لي شيخنا محب الدين أفندي: رأيتها مكبوس في مجلسه، ثم ترقى سعدي جلبي بعد ذلك إلى قاضي العسكر، ثم صار مفتياً بالقسطنطينية العظمى، ومات على ذلك بعلة النقرس سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق بعد الجمعة رابع عشر رجب منها.
حرف السين المهملة من الطبقة الثانية

سعد الدين الأنصاري
سعد الدين بن علي، بن محمد بن أحمد بن عبد الله أقضى القضاة سعد الدين ابن القاضي علاء الدين الأنصاري الأنطاكي الحلبي، ثم الدمشقي كان فاضلاً ناثراً يعرف باللسان التركي، والفارسي، وكان مدرساً بالماردانية بصالحية دمشق قال ابن الحنبلي: لازم شيخنا العلاء الموصلي، في قراءة قطر الندى والوافية وعروض الأندلسي وغير ذلك، واشتغل على الجلال النصيبي وغيره، وعني بالأدب وتولع بمطالعة مقامات الحريري، فحفظ غالبها وخط الخط الحسن، واشتغل في صنعة الشهادة وناب في القضاة بأنطاكية، فلم يشك منه أحد، وتزوج، ثم ترك التزوج مع الديانة والصيانة ومن شعره:
نظري إلى الأعيان قد أعياني ... وتطلبي الأدوان قد أدواني
من كل إنسان إذا عاينته ... لم يلق إلا صورة الإنسان
انتهى.
ذكره ابن الحنبلي قلت: عارضته بهذين البيتين بقولي: نظري إلى الأعيان ما أعياني.
وكان ساكناً في خلوة من خلوات الشميصاتية، لصيق الجامع الأموي، وأصبح مخنوقاً ملقى على باب الخانقاه المذكورة يوم السبت ختام صفر سنة خمس وستين وتسعمائة ، ودفن بباب الفراديس.
سعودي المجذوبسعودي أحد المجاذيب المشهورين بمصر، كان من أهل الكشف مات سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وبنى عليه سليمان باشا قبة خضراء ذكره الشعراوي في الطبقات الكبرى.

سلام الله الشيرازي
سلام الله الشيرازي، ثم المكي أحد أئمة الحرم المكي كذلك، ذكره ابن طولون وقرأت بخط شيخ الإسلام الوالد عبد السلام سلام الله بن تقي الدين ابن جمال الدين الكازروني البكري، من علماء المدينة المنورة، قدم دمشق من القاهرة سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وخطب بالجامع الأموي يوم الجمعة سادس عشرة، ثم خطب في الجمعة التي تليها في السليمية بالصالحية، وتوجه إلى الروم في تاسع رجب بعده قيل ليسعى في خطابة مكة، وسأله بعضهم عن ذلك فقال: خطيبها صاحبي وأنا أسعى على قضائها قال ابن طولون: واجتمعت به في العمارة السليمية بالصالحية، فلم أر عنده فضلية انتهى.
وعلى شيخ الإسلام الوالد فيمن لقيهم بالمدينة في رجوعه من الحج سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وترجمه بالعلم.
سفر الأنكوريسفر بن جمال الدين بن محمد الرومي الأنكوري، الحنفي المجاور بجامع الزكي بحلب. قال ابن الحنبلي: كان معمراً أدرك الجلال الدواني، وتلمذ له وقيل: وسرى إليه طبعه في استعارة كتب الناس وإمساكها عليهم إلا أن أستاذه كان يمسكها على أربابها الجهلاء بمضامينها، فيأخذها منهم بطريق شرعي لا على أربابها مجاناً. قال: وكانت له دعوة عريضة في الهيئة والنجوم من غير يد طولى فيهما، وعبث بالكيمياء، انتهى، توفي إحدى وخمسين وتسعمائة.
سليمان القادريسليمان الصواف الشيخ الصالح العارف بالله تعالى، والد الشيخ أحمد بن سليمان، كان قادرياً ولحق سيدي علي بن ميمون، وأخذ عن شيخ الإسلام الجد، وعده شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء الله تعالى، وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده ويعتقده، وأنه كان عند والده مرة فتقدم رجل من الفقراء إلى الشيخ سليمان، وقال يا سيدي رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيته أسود اللون فقال الشيخ عبر رؤياك على مولانا الشيخ فقال له ابن طولون: يدل هذا المنام أن صاحبه على خلاف السنة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أبيض اللون، ولون السواد خلاف لونه فالرائي على خلاف سنته فقال الرجل الرائي: ما أنا على خلاف السنة، وما أعرف من نفسي إلا أني أكسل عن الصلاة في بعض الأوقات فاتركها فقال له الشيخ: يا سبحان الله وأي مخالفة للسنة أعظم من هذه المخالفة، فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب، ولها تأثير في سواد الوجه، وفي الحديث من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار، فمن ترك الصلاة اسود وجهه قال الشيخ أحمد فقال والدي: لا بد أن تتوب عن ترك الصلاة، وتصلي ما فاتك منها هذا معنى الحكاية، ولا ألتزم لفظها، وحدثني الشيخ أحمد أن والده توفي في سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
سليمان الروميسليمان أحد موالي الروم ترقى في المدارس حتى درس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ومات وهو مدرسها، وكانت وفاته في مجلس غاص بالعلماء في وليمة الختان لأولاد السلطان سليمان سقط مغشياً عليه، فحمل إلى خيمته، فمات بها سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وكان فاضلاً مشتغلاً بنفسه رحمه الله تعالى.
سليمان الخضيريسليمان الخضيري، المصري، الشافعي، الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى. أخذ العلم عن الحافظ جلال الدين السيوطي، والشيخ قطب الدين الأوجاقي، والطريق عن الشيخ شهاب الدين المهدي، وأذن له في المريدين، ويلقنهم الذكر، فتلمذ له خلائق لا يحصون، وكان زاهداً ديناً كاملاً لا ينتقص أحداً من أقرانه، ويقول: لا يتعرض لنقائص الناس إلا كل ناقص. قال الشعراوي: أدركت الأشياخ، وهم يضربون به وبجماعته المثل في الإجتهاد في العبادات، وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون، وكانوا يودونه ويحبونه كسيدي محمد بن عنان، وسيدي علي المرصفي، وسيدي محمد بن داود المنزلاوي، وولده الشيخ أحمد، وسيدي محمد المنير، وسيدي محمد البروي، وسيدي عبد الحليم بن مصلح، وسيدي أبي بكر الحديدي، وغلب عليه في آخر أمره الخفاء لعلو مقامه، وكان له مكاشفات وكرامات. قال الشعراوي: أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة أن عمره مائة سنة وثماني سنين، وكان موجوداً في سنة إحدى وستين وتسعمائة.
سنان الرومي

سنان جلبي المولى العلامة أحد الموالي الرومية. ترقى في المدارس ثم أعطي قضاء القضاة بدمشق، فدخلها في صفر سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، وحكم فيها نحو ثلاث سنوات، وحمدت سيرته في قضائها.
سنان القرامانيسنان القراماني نزيل دمشق والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق. ولي نظارة البيمارستان النوري،، ثم ولي نظارة الجامع الأموي، وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع وحصره، وأنه خرب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري،، وتعرف بالصمصامية، وحصل به الضرر لمدرسة النورية ببعلبك، فشنق بسبب هذه الأمور هو وناظر السليمية حسين جلبي في يوم الخميس رابع عشر شوال سنة ست وستين وتسعمائة كما قرأت ذلك بخط والد شيخنا. قلت: وأما الآن، فقد تجاوز أهل الفساد إلى أمور فوق هذه الأمور بحيث هذه الأمور التي انتقدت على سنان لا تعد بالنسبة إليها شيئاً، ثم إن حصل عليهم إنكار دفعت الرشوة عنهم وباله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولقد...
برطيل أهل الجور يكفيهم ... في هذه الدنيا العقاب الأليم
ورشوة الحكام أعمتهم ... عن الطريق الحسن المستقيم
فاعبث كما شئت، وكن ظالماً ... ولا تقل في الظلم يوماً وخيم
إن لم يكن منك تعين بأن ... خلفك بعثاً وعذاب الجحيم
كأن كل الناس قد جاوزوا ... الحبس، وصاروا في جنان النعيم
السيد الحاجريالسيد الحاجري المغربي، المالكي نزيل دمشق كان سكن بالتربة الأشرفية شمالي الكلاسة جوار الجامع الأموي تزوج بابنة القاضي كمال الدين، ثم سافر من دمشق إلى الروم، وحصل له إقبال من السلطان، والوزير الأعظم إياس باشا، وأعطي دنيا ووظائف منها إمامة المالكية بالجامع، ثم عاد فمات بحلب سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
حرف الشين المعجمة من الطبقة الثانية

شاهين الجركسي
شاهين بن عبد الله الجركسي، العابد الزاهد، بل الشيخ العارف بالله، الدال عليه، والمرشد إليه. كان من مماليك السلطان قايتباي، وكان مقرباً عنده، فسأل السلطان أن يعتقه، ويخليه لعبادة ربه، ففعل فساح إلى بلاد العجم وغيرها، وأخذ الطريق عن سيدنا أحمد بن عقبة اليمني المدفون بحوش السلطان برقوق، فلما مات صحبه نحو ستين شيخاً منهم الشيخ العارف بالله تعالى حسين جلبي المدفون بزاوية الشيخ دمرداش، ولما دخل العجم أخذ عن سيدي عمر روشني بتبريز، ثم رجع إلى مصر، وأقام بالمحل الذي دفن فيه من جبل المقطم، وبنى له فيه معبداً، وكان لا ينزل إلى مصر إلا لضرورة شديدة، ثم انقطع ثمة لا ينزل من الجبل سبعاً وأربعين سنة، واشتهر بالصلاح في الدولتين، وكان أمراء مصر وقضاتها وأكابرها يزورونه، ويتبركون به، وكان يغتسل لكل صلاة، وقام مرة للوضوء بالليل، فلم يجد ماء، فبينما هو واقف وإذا شخص طائر في الهواء في عنقه قربة، فأفرغها في الخابية، ثم رجع طائراً نحو النيل، وكان ذلك من صدق الشيخ وكرامته عند الله تعالى. مات في رابع شوال سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودفن بزاويته بالجبل، وبنى السلطان عليه قبة، ووقف على سكانه أوقافاً.
شرف الدين الشافعيشرف الدين السيد الشريف العلامة المدرس بزاوية الحطاب بمصر الشافعي. كان صامتاً معتزلاً عن الناس، وكان وقته كله معموراً بالعلم والعبادة، وتلاوة القرآن. ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن. ما تركه صيفاً ولا شتاءً، وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وله صحة اعتقاد في الصوفية يتواجد عند سماع كلامهم. توفي سنة أربعين وتسعمائة. ذكره الشعراوي رحمه الله تعالى.
شلبي أمير أحد موالي الرومشلبي أمير المولى العلامة أحد الموالي الرومية. كان أحد المدرسين بالثماني بالقسطنطينية، ثم ولي قضاء دمشق، ودخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، واستمر قاضياً نحو سنتين، وحمدت سيرته، وكانت له صلابة في أحكامه، وحرمته وافرة.
شعبان المجذوب

شعبان المجذوب. كان له كشف وأحوال عجيبة، لبس مرة في أول يوم من السنة جلد بقر، فقال سيدي علي الخواص: هذه سنة تموت فيها البهائم، فكان الأمر كذلك، ولبس الشيخ شعبان مرة أخرى جلد معز، فمات المعز تلك السنة، ولبس مرة جلد ضأن، فمات الضأن، وأوقد مرة ناراً. فقال سيدي علي: لا بد من فتنة تقع في مصر، فوقعت فتنة أحمد باشا المتقدمة في ترجمته في الطبقة الأولى، وجاءت امرأة إلى الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، وباتت في بيته، ولم تعلم حاجتها، فأرسل الشيخ شعبان إليه يقول: لا تفرق بين رأسين في الحلال. قال الشيخ عبد الوهاب: فما عرفت معنى ذلك، فلما طلع النهار. قالت لي تلك المرأة: لي بنت، وكتب شخص كتابه عليها، وله مدة ثلاث سنين غائب، ومقصودي أن ترسلوا معي إلى القاضي يفسخ عليه، فإن مصالحها ضاعت، فتذكرت قول الشيخ شعبان: لا تفرق بين رأسين في الحلال. قال: فقلت لها: إن بعض الفقراء يقول لك: اصبري، فإن زوجها يأتي عن قريب، فسافرت المرأة إلى البلاد، فبعد شهر حضر زوج البنت. مات - رحمه الله تعالى - بمصر رابع شعبان سنة سبع - بتقديم السين - وخمسين وتسعمائة، وكانت جنازته حافلة وحضروها... محمد السلطان لئلا يتقاتل الناس على دفنه كل جماعة يقولون: ندفنه في حارتنا تبركاً، ودفن بزاويته في درب الأبراريين بالقرب من سويقة اللبن.
شمس بن آق شمس الدينشمس بن عمر بن آق شمس الدين البرسوي، الحنفي خواجه السلطان سليم المشهور بشمسي جلبي. دخل حلب، واجتمع به ابن الحنبلي، وأثنى عليه في الفضل والعلم، ثم دخل دمشق قاصداً للحج الشريف، فمات في طريق الحج قبله عند المعظم في سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
شهاب النشيليشهاب الطويل النشيلي، المصري المجذوب. كان من قرية سيدي خليل النشيلي أحد أصحاب سيدي أبي العباس المرسي، وكان من أهل الكشف، وإذا راق تكلم بكلام حلو محشو أدباً، ولقي مرة إنساناً وهو داخل إلى جامع الغمري وهو جنب فلطمه على وجهه، وقال: ارجع اغتسل، وجاء رجل كان قد فعل الفاحشة بعبده فقال له: يا سيدي أسألك الدعاء، فأخذ خشبة وضربه بها مائة ضربة، وقال: يا كلب تفعل في العبد، فافتضح ذلك الرجل وخجل قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: وأول ما لقيته وأنا شاب أمرد قال لي: أهلاً يا ابن الشوني، وكنت لا أعرف قط الشوني، فبعد عشر سنين حصل لي الاجتماع بالشوني، وأخبرته بقول الشيخ شهاب. فقال: صدق أنت ولدي إن شاء الله تعالى يحصل لك على يدي خير. كان يحب دخول الحمام، ويكثر منه حتى مات في الحمام بعد الأربعين وتسعمائة، ودفن بزاويته بمصر العتيقة.
حرف الصاد المهملة من الطبقة الثانية

صالح جلبي
صالح جلبي، المولى العلامة أحد موالي الروم. ترقى إلى التدريس لإحدى الثماني، ثم أعطي قضاء القضاة بحلب، فدخلها يوم الخميس ثالث شوال سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، ثم عزل منها ثاني عشري ذي القعدة، ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في رجب سنة أربع وخمسين وتسعمائة، وأقام الأحكام بها نحو السنة، وكان محمود السيرة، وله تواضع ومكارم أخلاق قال ابن الحنبلي: وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الصفة المحرمة من الدور المراعى في شرب الخمر وغيره، وكنت عنده يوم منع ذلك. فقال: أيشربونها في الدور؟ فقلت: نعم. والدور كما شاع باطل وأنشدته من نظمي.
قهوة البن أضحى ... بها الحمى غير عاطل
لكنهم شربوها ... بالدور والدور باطل
صنع الله الأماسيصنع الله، الشيخ العارف بالله تعالى الأماسي الخلواتي، الملقب بشيخ السراجين. كان زاهداً، عابداً، راغباً في العزلة، متؤدباً، متواضعاً، وله قدم راسخ في التعبير.
صدقة البانقوسيصدقة بن علي، الشيخ الفاضل زين الدين ابن الشيخ علاء الدين البانقوسي الأصل، الحلبي، ثم الحموي، ثم الدمشي، الحنفي والد الشيخ علاء الدين بن صدقة الشافعي. كان والده المذكور كاتب أوقاف الحرمين الشريفين بدمشق، وقفت على تاريخ وقفيته، فإذا هي في عشرين جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
حرف الضاد المعجمة خال
حرف الطاء المهملة خال
حرف الظاء المعجمة خال
حرف العين المهملة من الطبقة الثانية
عبد الله بن محمد المدرني

عبد الله بن محمد بن أحمد الفاضل المرشد المدرني أحد مشايخ الروم ومواليها. مات والده الشيخ محمد شاه، وهو شاب في تحصيل العلم، وقرأ على المولى عبد الرحيم بن علاء الدين العربي، والمولى الفاضل سيدي محمد القرماني، وكان في بداءته تابعاً لهوى نفسه، فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضرباً شديداً، ووبخه على فعله، فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة، وتاب على يديه، ودخل الخلوة، وارتاض وجاهد، ونال منالاً عظيماً حتى أجازه بالإرشاد، فرجع إلى وطنه، وأقام هناك يرشد ويدرس ويعظ، وله مشاركة في سائر العلوم، وخط حسن، وكان من محاسن الأيام. توفي سنة أربع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الله بن أحمد الصويتيعبد الله بن أحمد بن عبد الله، الشيخ الفاضل جمال الدين الصويتي، العجلوني، الشافعي، المقرىء. دخل دمشق، واشتغل بها، وسمع على شيخ الإسلام الوالد غالب تأليفه المسمى بالدر النضيد في سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
عبد الله بن حمزة المدنيعبد الله بن حمزة، الشيخ الإمام جمال الدين المدني الشافعي. مر بدمشق قاصداً بلاد الروم، فخطب بجامعها في يوم الجمعة رابع عشر ذي القعدة الحرام سنة أربع وثمانين وتسعمائة.
عبد الله الهنديعبد الله بن منلا صدر الدين بن منلا كالي الهندي، الحنفي. اشتغل بحلب في كبره بالعلم، واعتنى بالقراءات، وجمع للسبعة، ثم للعشرة، وأخذ بها عن الشيخ إبراهيم اليشبكي، والشيخ إبراهيم الصيرفي، والأريحاوي، والشيخ أحمد بن قيما، ثم دخل إلى القاهرة، وأخذ عن الشيخ ناصر الدين الطبلاوي وغيره، ثم رجع إلى حلب، ولزمه الطلبة في القراءات، وحج سنة سبع وخمسين وتسعمائة، فتوفى وهو راجع في طريق الحج.
عبد الله الجراعي الحنبليعبد الله بن عبد الله بن زيد، الشيخ العالم الصالح موفق الدين الجراعي، الحنبلي، الصالحي. أثنى عليه الشيخ الوالد، وذكره في فهرست تلاميذه، وأشار إلى أنه قرأ عليه أشياء من جملتها، مختصر الملحة المسمى باللمحة تصنيف الوالد، وكتب شيئاً من شعره، واستجازه فأجازه، وكان موجوداً في أوائل حدود هذه الطبقة.
عبد الله الكرديعبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي الشافعي، المنسوب إلى بزين - بالموحدة والتصغير - قبيلة من الاكراد، وقرأ في الصرف وغيره على أبيه الفقيه المحدث عبد الرحمن، والنحو على مولانا حسين العمادي المقيم بسمرقند، والمنطق على منلا نصير الأستراباذي، والكلام على منلا علي الكردي الحوزي - بزاي قبلها واو ساكنة بعد حاء مهملة - ولما دخلت سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة. قال ابن الحنبلي: وكان فاضلاً ذكياً. كتب بخطه تفسير منلا عبد الرحمن الجامي، وطالعه. توفي ببلد القصير مطعوناً في سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد الله بن أبي بدرونعبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون، السيد الشريف عفيف الدين الحسيني، الفاسي، المكي قريب مؤرخ مكة القاضي تقي الدين. مولده كما نقلته من خط ابن طولون عن كتاب العلامة شهاب الدين البخاري المكي الإمام بمقام الحنفية أنه في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وأجازه الحافظ أبو الفضل بن حجر، ومن في طبقته باستدعاء المحدث نجم الدين عمر بن فهد في سنة خمسين وثمانمائة، وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره. توفي في شوال سنة ست وثلاثين وتسعمائة،.
عبد الله المجذوبعبد الله الذي كان يصحن الحشيش في خزائن الأزبكية بالقاهرة. كان له كرامة كل من أخذ من حشيشه، - وكل منه يتوب لوقته، ولا يعود لها أبداً. قال الشعراوي: وكان من الراسخين. قال: وكان كثير الكشف. قال: وسمعته يقول مرة: وعزة ربي ما أخذها أحد من هذه اليد، وعاد إليها - يعني الحشيشة - مات سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ودفن في خراب الأزبكية مع الغرباء.
عبد الله الخوانكيعبد الله الخوانكي. دخل مصر في أخر سنة تسع وخمسين وتسعمائة، فأقام خارج باب الفتوح على باب حارة الخضريين، وكان له حال عظيم، ويعارض الناس بما يحصل لهم في المستقبل، وكان خفياً لا يتميز عن العامة في ملبوسه ولا مأكله - رضي الله تعالى عنه - . مات في حدود الستين وتسعمائة.
عبد الباسط البعلي

عبد الباسط القاضي زين الدين البعلي، الحنفي عرف بابن البقرة. توفي في بعلبك سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة حادي عشر جمادى الأولى منها. قال ابن طولون: وكان ولده يومئذ قاضي قناة العوني يعني القاضي تقي الدين.
عبد البر المصريعبد البر بن عبد الرحمن بن محمد المصري، ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل زين الدين الباهر. مولده سنة أربع وتسعمائة. قرأ على الشيخ شيخ الإسلام الوالد المنهاج وغيره قراءة فهم وإتقان.
عبد الجليل الزرخونيعبد الجليل بن أبي الخير محمد الأستاذ القواس الزرخوني، المصري الأصل، ثم الدمشقي الشافعي. أحد جماعة شيخ الإسلام الوالد، وتلاميذه ومحبيه، وذكر الوالد عنه أنه كان من الأخيار الصلحاء والفضلاء، ذا همة ومروءة وصفاء، ومحبة لمن فيه الخير والإحسان إلى الفقراء. توفي ليلة الجمعة ثامن ذي الحجة الحرام سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح سيدي نصر المقدسي رحمه الله تعالى.
عبد الحفيظ اليمنيعبد الحفيظ بن محمد بن شرف الدين اليمني، الشافعي العالم الفاضل، المعروف بالتستري نزيل دمشق. حضر دروس شيخ الإسلام الوالد في الفقه آخرها سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
عبد الحمد القسطمونيعبد الحميد بن الشرف، العالم العامل الواعظ القسطموني الرومي، الحنفي. طلب العلم، ثم رغب في التصوف، وصحب الشيخ مصلح الدين الطويل النقشبندي، ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ، وكان يعظ الناس بالقسطنطينية، وعين له في كل يوم ثلاثون عثمانياً، وكانت له يد طولى في التفسير، وكان يدرس في بيته، ويفسر القرآن بتقريرات واضحة بليغة، وعبارات رائقة فصيحة، واستفاد منه كثير من الناس، وكان فارغ الهم من أشغال الدينا، مقبلاً على صلاح حاله، طويل الصمت، كثير الفكر، وقوراً مهيباً. توفي سنة ست وأربعين وتسعمائة.
عبد الرؤوف اليعمريعبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري. أحد شعراء مصر. قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدين العسيلي، ونزلا بالمدرسة الشرفية، وكان حسن الشعر، لطيف الطباع، مات بالقاهرة سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد الرحمن البصرويعبد الرحمن بن محمد الشيخ زين الدين الحنفي ابن العلامة جلال الدين البصروي الشافعي، وهو سبط الشيخ العلامة زين الدين بن عبد الرحمن بن العيني الحنفي ربما ترجم بالعلم قال ابن طولون: وقد رأيته وهو يدرس في المختار توفي بالحسى أحد منازل الحجاج وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الميدانيعبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك القاضي زين الدين ابن الموصلي الميداني الدمشقي الشافعي درس بالجامع الأموي، والظاهرية الجوانية، والقيمرية الكبرى، وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها، ثم ترك ذلك في يوم السبت مستهل ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وتسعمائة ودفن بزاويتهم بميدان الحصى قال ابن طولون: وكان لا بأس به، ولا يستكثر عليه سلوك أهل الخير لأنه من ذريتهم.
عبد الرحمن بن القصابعبد الرحمن بن حسن، الشيخ العالم العامل، والإمام الأوحد الكامل، أبو هريرة زين الدين الكردي، الحلبي، الشهير بابن القصاب الشافعي. أحد المدرسين والمفتين بحلب. أخذ عن شيخ الإسلام البدر ابن السيوفي وغيره، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد في رحلته إلى حلب ماراً إلى الروم في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة وذكره الوالد في الرحلة، وأثنى عليه كثيراً، وترجمه بالعلم والدراية والزهد والولاية واستجابة الدعاء. توفي - رحمه الله تعالى - بحلب في سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق في يوم الجمعة ثالث عشري رمضان منها.
عبد الرحمن بن القصارعبد الرحمن بن رمضان القصار والده. اشتغل في العلم على ابن الحنبلي، والجمال بن حسن ليه، وكان صالحاً، ديناً، عفيفاً، طارح التكلف، قانعاً بأجرة أزرار كان يصنعها، وكان له ذوق صوفي، ومزاج صفي، حج وجاور ومرض، ثم شفي وعاد إلى حلب، ومات بها في شعبان سنة أربع وستين وتسعمائة.
عبد الرحمن بن الديبع

عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الشيخ الإمام العلامة، الأوحد المحقق الفهامة، محدث اليمن ومؤرخها، ومحيي علوم الأثر بها وحيد الدين أبو الفرج الشيباني، الزبيدي، الشافعي، المعروف بابن الديبع - بكسر الدال المهملة، وسكون الياء المثناة من تحت، وفتح الموحدة، وفي آخره مهملة - ومعناه بلغة النوبة المبيض لقب جده علي بن يوسف. ولد في عصر يوم الخميس رابع المحرم سنة ست وستين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتلا للسبع إفراداً وجمعاً، واشتغل في الفقه، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والهندسة، والعربية، والحديث، والتفسير على علماء عصره باليمن، وحج مراراً، وأخذ عن الحافظ شمس الدين السخاوي، وعلماء الحرمين إذ ذاك، وألف كتباً عديدة منها كتاب تيسير الوصول في الحديث هذب فيه جامع الأصول، وجمع فيه الكتب الستة، وله فيه:
كتابي تيسير الوصول الذي حوى ... أصول الحديث الست عز نظيره
فمن بمعانيه اعتنى ودروسه ... وتحصيله استغنى، ودام سروره
وقال رحمه الله مجيزاً لأهل عصره:
أجزت لمدركي عصري، ووقتي ... رواية ما تجوز روايتي له
من المقروء والمسموع طراً ... وما ألفت من كتب قليله
ومالي من مجاز عن شيوخي ... من الكتب القصيرة والطويله
وأرجو الله يختم لي بخير ... ويرحمني برحمته الجزيله
كتب الشيخ جار الله بن فهد المكي إلى الشيخ شمس الدين بن طولون في سنة تسع وثلاثين وتسعمائة أنه اجتمع بصاحب الترجمة في سنة أربع عشرة وتسعمائة في رحلته إلى اليمن، وأخذ عنه، وكتب إليه أن صاحب الترجمة توفي في سابع عشري رجب الحرام سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه بمسجد الأشاعرة، ودفن بتربة باب سهام عند قبة الشيخ إسماعيل الجبرتي، وخلف ولده علي يقرأ الحديث عوضه في جامع زبيد الكبير.
عبد الرحمن الحسيني

عبد الرحمن بن يوسف بن الحسين المولى العالم، الصالح الكامل الحسيني، الرومي أحد الموالي الرومية. ولد في سنة أربع وستين وثمانمائة، وقرأ في شبابه على المولى محيي الدين محمد الساموني، ثم على المولى قطب الدين، ثم على المولى على الفناري، ثم على المولى علي اليكاني، وكان مقبولاً عند هؤلاء الموالي، ثم صار مدرساً بمدرسة جند يكن بمدينة بروسا، وكان بارعاً في العلوم العقلية، مشاركاً في غيرها من العلوم، محققاً، مدققاً، زاهداً ورعاً، راضياً من العيش بالقليل، ثم غلب عليه الانقطاع بعد، والتوجه إلى الحق عن الخلق، فترك التدريس المذكور، وعين له كل يوم خمسة عشر عثمانياً، فقنع بها، ولم يقبل الزيادة عليها، ولازم الاشتغال بالله، وانقطع بمدينة بروسا، ولحقته في بداءة جذبه الإلهية، وساح في الجبال، فكان يجد فيها ما يسد جوعته، وربما وجد الخبز بين الأشجار، وآثر محبة الأولياء والصالحين، وحكى عن نفسه أنه مرض في مدينة أدرنة، وهو ساكن في بيت وحده، وليس عنده أحد، فكان في كل ليلة ينشق له الجدار، ويخرج له منه رجل يمرضه، ثم يذهب، فلما برأ من المرض قال له الرجل: لا أجيء إليك بعد هذا. قال: فقلت له: من أنت. قال: إذا أردت أن تعرفني، فاخرج من المدينة، واذهب مع المسافرين تجدني قال: فخرجت من المدينة بعد أيام مع بعض أهل القرى، فقال بعضهم في الطريق: إن ههنا قرية لطيفة الهواء فيها رجل يعرف بالعالم الأسود، فعرفت أن الرجل هو ذاك. قال: فتوجهت إلى تلك القرية، فتلقاني ذلك الرجل، وهو يضحك، فإذا هو الرجل الذي كان يجيء إلي في المرض، فأقمت عنده ذلك اليوم، فلما جاء وقت العصر أردنا أن نصلي هناك، فأشار إلى مكان مرتفع، فلما علوناه. قال: كيف هذا المكان. قلت: في غاية اللطافة. قال: تنظر من هنا إلى الكعبة قلت: هكذا قال. فقال: انظر، فنظرت فإذا الكعبة قدامنا، فصليت العصر هناك، وما غابت عن أعيننا حتى أتممنا الصلاة. توفي السيد عبد الرحمن سنة أربع وخمسين وتسعمائة بمدينة بروسا، وحكي في الشقائق عن بعضهم أنه قال: رأيت المولى عبد الرحمن في المنام، فقال لي: إن في عمارة السيد البخاري بمدينة بروسا رجلاً مسافراً يريد أن يزورني، فدله على قبري. قال: فذهبت في صبيحة تلك الليلة إلى المقام المذكور، فوجدت هناك رجلاً مسافراً، فقلت له: ما تريد. قال: أريد زيارة المولى عبد الرحمن، فذهبت به إلى قبره، فلما جلس، فهمت منه أنه استثقلني، فدخلت المسجد، فاستمعت كأنهما يتحدثان، وسمعت صوت المولى المذكور كما هو في حياته، فلما انقطع كلامه خرجت من المسجد فلم أر أحداً عند قبره.
عبد الرحمن الشاميعبد الرحمن الشامي المدرس بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، الشيخ الإمام، الفقيه، النحوي، الصوفي. كان يتعمم بالصوف، وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية، وأقبلت الأكابر والأمراء عليه، واعتقدوه، وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين، وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب. مات في حدود هذه الطبقة، ودفن قريباً من تربة السلطان. قال: ورأيت الوحوش تنزل من الجبل، فتقف على باب تربته في الليل، فيخرج إليها ويكلمها، فترجع - ذكره الشعراوي رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الأجهوري

عبد الرحمن الأجهوري، المصري المالكي، الشيخ الإمام العلامة الزاهد الخاشع زين الدين مفتي المسلمين. تلا على الشيخ شهاب الدين القسطلاني للأربعة عشر، وحضر عليه قراءة المواهب اللدنية من تصنيفه، وأخذ الفقه وغيره عن الشيخ شمس الدين اللقاني، وعن أخيه الشيخ ناصر الدين وغيرهما، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فأفتى ودرس، وصنف، كتباً نافعة منها شرح مختصر الشيخ خليل وسارت الركبان بمصنفاته إلى بلاد المغرب والتكرور، وكان الشيخ ناصر اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة إتقانه وحفظه للنقول، وكان كريم النفس، قليل الكلام واللغو، حافظاً لجوارحه، كثير التلاوة والتهجد. قال الشعراوي: فلما مرض دخلت إليه، فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت، فدخل عليه شخص بسؤال فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال، فلم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة، وكانت وفاته بعد الستين وتسعمائة، ودفن تجاه أخوة يوسف عليه الصلاة والسلام بجوار جامع محمود بالقرافة، وقبره ظاهر يزار. قال الشعراوي: وكان كلما مر على موضع قبره يقول: أنا أحب هذه البقعة.
عبد الرحمن المناويعبد الرحمن المناوي، المصري الشيخ الصالح، العالم العابد الورع أحد تلامذة سيدي محمد الشناوي. كان - رضي الله تعالى عنه - جميل الأخلاق، كريم النفس، جمالاً للأذى صباراً على البلاء، كثير الحياء لا يكاد يرفع بصره إلى السماء، ولا إلى جليسه. أقام في طنتدا، ثم انتقل إلى الجامع الأزهر، فأقام به مدة، وانتفع به خلائق، ثم رجع إلى بلده المناوات، ومات بها في حدود الخمسين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
عبد الرحيم الشاميعبد الرحيم بن إبراهيم، الشيخ زين الدين ابن القاضي برهان الدين المعتمد الدمشقي، الشافعي. كان قد بعث إليه والده، وصلى بالقرآن العظيم في رمضان، وكان على طريقة السلف الماضين في تفطير الصائمين في رمضان. توفي - رحمه الله تعالى - في خامس عشر ربيع الأولى سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ودفن بالصالحية.
عبد الرحيم ابن قاضي عجلونعبد الرحيم بن أبي بكر زين الدين ابن الشيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون الشافعي توفي في تاسع عشر ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وتسعمائة ودفن عند والده بباب الصغير تجاه مزار سيدي بلال رضي الله تعالى عنه.
السيد عبد الرحيم العباسي

عبد الرحيم بن أحمد، الشيخ العلامة الإمام، والمولى الفهامة الهمام، شيخ الإسلام، ومحقق القاهرة والروم والشام، السيد الشريف الحسيب النسيب أبو الفتح بدر الدين العباسي القاهري، ثم الإسلام بولي. مولده كما قرأته من خطه الكريم في سحر يوم السبت رابع عشري رمضان المعظم قدره سنة سبع - بتقديم السين - وستين وثمانمائة بالقاهرة، وأخذ العلم بها عن علمائها، فأول مشايخه منهم قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله النشائي، وأخذ عن الشيخ العلامة المحقق محيي الدين الكافيجي، والشيخ الإمام العلامة أمين الدين الأقصرائي، والشيخ العلامة قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة، والقاضي العلامة قاضي القضاة شرف الدين موسى بن عيد الحنفيين، وعن الشيخ العلامة قاضي القضاة برهان الدين اللقاني المالكي، وعن الشيخ الإمام سراج الدين عمر العبادي، والشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله الجوجري شارح المنهاج والإرشاد، والشيخ العلامة جلال الدين البكري، والشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاسم، والشيخ الإمام العلامة حافظ العصر فخر الدين عثمان الديمي، والشيخ الإمام قاضي القضاة برهان الدين بن ظهيرة قاضي مكة، والشيخ العلامة شيخ الإسلام محب الدين محمد بن الغرس البصروي الشافعيين، وسمع صحيح البخاري على المسند ابن المعمر العز الصحراوي، وعبد الصمد الحرستاني بالأزهر بحق روايتهما عن العراقي عن الحجار، وقرأ على المسند الرحلة بدر الدين بن حسن بن شهاب بحق روايته عن عائشة بنت عبد الهادي عن الحجار، ثم لازم آخراً شيخ الإسلام الجد الشيخ رضي الدين الغزي، وانتفع به في العلوم والمعارف شيئاً كثيراً، وحصل له بصحبته خير كثير، وفوائد جمة، وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد عن السيد عبد الرحيم أنه حكى له عن نفسه أن مما وقع له مع الجد، وهو نازل عنده في بيته مختفياً في قيطون بنت ابن حجر ببركة الرطلي من القاهرة، أنه كان كثيراً من الليالي ما يوقظه للقيام، ويسمع صوته عند رأسه يقول له: يا هو قم وبينه وبينه ثلاثة أبواب مغلقة وأنه كان كثير التعلق إذ ذاك فقال له: هذه خلوة جعلت لك فلا تخرج منها حتى تبلغ الأربعين، فكان كذلك وقد أشار السيد عبد الرحيم رحمه الله تعالى إلى بعض ما كان للشيخ الجد عليه من اليد، والفضل فقال في قصيدة كتبها إليه من قصائد في مدحه يقول فيها:
والصباح استعار من هجر حبي ... حلة أورثته طول التمادي
فترى الطرف في إرتقاء سناه ... مثل رقبي لليلة الأعياد
لو بدا لي وجه الرضي لأغنى ... عن سناه بنوره الوقاد
سيدي لم يزل يمد مواليه م ... فيض من أغزر الأمداد
ولعبد الرحيم رحمى لديه ... هو في ظلها وثير المهاد
لم يزل لي منه نتائج لطف ... غاديات تفوق سفح الغوادي
فالتفات مخاطر حامل ما ... بين حالي وحال أهل العناد
وسلوك لي من طريق قويم ... موصل هديه لنهج الرشاد
لست أنسى ليالياً بحماه ... بت فيها قرير عين الوداد
واقعاً من ولائها في برود ... نسجها محكم بصنع الأيادي
وظلال من فيضة سابغات ... لم يزل في جبرها في اشتداد
إلى أن قال:
يا ولي الوجود عطفاً على من ... هو في منتداك في خير باد
ما له غير ظل جودك ظل ... فهو يغدو به على كل عاد
دمت للعالمين بحر علوم ... يرتوي منه كل صاد وغاد
ولشيخ الشيوخ نجلك سعد ... ذو نحوس من مالك الأسعاد
ومعاليه قرة لعيون ... من سؤال ومحنة للأعادي
ما أديل اللقاء من يوم بين ... وأعاد السرور لطف المعاد

ولما دخل شيخ الوالد بلاد الروم، أكرم السيد عبد الرحيم مثواه، وعرف أكابر الموالي بمكانته في العلوم وزكاه، وحصل بينهما في تلك الرحلة من لطيف المحاورة، وعجيب المسايرة، ما هو أرق من النسيم، وأعذب من التسنيم، وأخذ كل واحد منهما عن الآخر ومن أراد الوقوف على تفصيل ذلك فليراجع رحلة الشيخ الوالد المسماة بالمطالع البدرية في المنازل الرومية، وهذه التسمية من لطائف السيد عبد الرحيم أيضاً ومن غريب ما ذكره الوالد عنه في الرحلة المذكورة، ما سمعه السيد في المنام وقد مات السلطان سليم رحمه الله تعالى وأخفي موته إلى أن يحضر ولد السلطان سليمان:
قل لشياطين البغاة اخسئوا ... قد أوتي الملك سليمان
وكان مصداق هذه الواقعة ما شاع واشتهر من العدل، الذي حصل في دولة السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - واشتداد بأسه، في جهاد أهل الكفر والطغيان، بحيث أنه أعدل ملوك بني عثمان، ولذلك طالت مدته واتسع له الزمان، وكم للسيد المذكور رحمه الله تعالى في فتوحات السلطان سليمان ووقائعه، من قصيد نضيد خصوصاً في فتح رودس، وذكر صاحب الشقائق للسيد المشار إليه ترجمة مليحة، أثنى عليه فيها ثناء بالغاً وقال: كانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد، وكان له إنشاء بليغ ونظم حسن مليح إلى أن قال وبالجملة كان من مفردات العالم صاحب خلق عظيم وبشاشة، ووجه بسام لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعاً متخشعاً أديباً لبيباً يبجل الصغير ويوقر الكبير، وكان كريم الطبع سخي النفس مباركاً مقبولاً، قال: وجملة القول فيه أنه كان بركة من الله في أرضه وذكر أيضاً أنه دخل القسطنطينية في زمن السلطان بايزيد مع رسول أتاه من قبل الغوري، وكان القاضي يومئذ المولى ابن المؤيد فزاره السيد فأكرمه، وكان له شرح على البخاري أهداه إلى السلطان بايزيد فأعطاه السلطان جائرة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرىء فيها الحديث، فلم يرض ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم لما انقرضت دولة الغوري، أتى إلى القسطنطينية، وأقام بها وعين له كل يوم خمسون عثمانياً على وجه التقاعد، قلت قرأت بخط السيد رضي الله عنه أنه ألف شرح البخاري بالقاهرة، سنة خمس أو ست وتسعمائة، وله شرح آخر عليه مبسوط ألفه بالروم، والظاهر أنه لم يتم وشرح على مقامات الحريري، حافل جداً وقطعة على الإرشاد في فقه الشافعية، وشرح على الخزرجية في علم العروض، وشرح على شواهد التلخيص ولما كان شيخ الإسلام الوالد بالروم لخص شرح الشواهد المذكورة في كتب مؤلفه، للسيد عبد الرحيم استوفى فيه مقاصده وزاد عليه لطائف كثيرة، وسماه تقريب المعاهد في شرح الشواهد، ثم بلغني بعد ذلك أن السيد لخص كتابه في مختصر لطيف بالغ في اختصاره جداً، وكتبه برسم بعض الموالي وأما شعر السيد فإنه في الطبقة العليا من الحسن والبلاغة، مع إتقان النكات البديعية فيه وقد كتب شيخ الإسلام الوالد عنه جملة صالحة من قصائده ومقاطيعه في الرحلة وغيرها، ومن ألطفها قوله:
إن رمت أن تسبر طبع امرىء ... فاعتبر الأقوال، ثم الفعال
وإن تجدها حسنت مخبراً ... من حسن الوجه، فذاك الكمال
ومن ذلك قوله، وأجاد فيه:
حال المقل ناطق ... عما خفا من عيبه
فإن رأيت عارياً ... فلا تسل عن ثوبه
وقال أيضاً:
يا من بني داره لدينا ... عاد بها الربح منه خسرا
لسان أقوالها ينادي ... عمرت داراً لهم أخرى
وأنشد له شيخ الإسلام في المطالع البدرية:
دع الهوى واعزم على ... فعل التقى ولا تسل
فآفة الرأي الهوى ... وآفة العجز الكسل
وأنشد له أيضاً:
إفعل جميلاً أنت تحصده ... من سره تدري وتجزاه
فإن أسنى حلة لامرىء ... أن يفعل الخير وينساه
وأنشد له أيضاً:
حال المقل لم يزل ... يشكو اضطراراً مسته
يقول لما ضيقه ... يذهب عنه أنسه
وأنشد له أيضاً:
إن يقعد الجاهل فوقي ولم ... يرع ذمام العلم والأصل
فالشمس يعلو زحل أوجها ... وهي على الغاية في الفضل
وأنشد له أيضاً:

أرى الدهر يسعف جهاله ... فأوفر حظ به الجاهل
وانظر حظي به ناقصاً ... أيحسبني أنني فاضل
وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة أن السيد لما أنشده هذا المقطوع أجابه له و يقول:
أعبد الرحيم سليل أهل ... ويا فاضلاً دونه الفاضل
أتعتب دهراً غدا موقنا ... بأنك في أهله الكامل
ودرجه بقوله دونه الفاضل بالقاضي الفاضل واسمه عبد الرحيم أيضاً وهو من لطائف التورية، وعجائب الإتفاقات، وأنشد صاحب الشقائق النعمانية للسيد:
أرعشني الدهر أي رعش ... والدهر ذو قوة وبطش
قد كنت أمشي ولست أعبي ... والآن أعي، ولست أمشي
وكانت وفاته رحمه الله تعالى في سنة ثلاث وستين وتسعمائة.
عبد الرحيم جليي بن المؤيد الحنفيعبد الرحيم بن علي بن المؤيد الفاضل العلامة الكامل العارف بالله تعالى، المشهور بحاجي جلبي الرومي، القسطنطيني الحنفي عرف بابن المؤيد أحد الموالي الأجلاء بالروم قال في الشقائق: كان أولاً من طلبة العلم الشريف وقرأ على المولى الفاضل سنان باشا، وعلى المولى الفاضل خواجه زاده، وكان مقبولاً عندهما قال: وكان المولى الوالد يحكي، ويقول: إن خواجه زاده كان يذكر بالفضل المولى المذكور، وكان يذكر بالفضل المولى الفاضل ركن الدين الشهير بباشا جلبي قال المولى الوالد: ما سمعته يشهد لأحد من طلبته بالفضل مثل شهادته لهما، ثم أن الشيخ المذكور سلك مسلك التصوف، واتصل بالشيخ العارف بالله تعالى محيي الدين بن الأسكليبي، ونال عنده في التصوف غاية متمناه، وحصل له شأن عظيم، وجلس للإرشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدين السيروزي، وربى كثيراً من المريدين، قال: وبالجملة كان جامعاً بين الفضيلتين العلم والعمل، وكان فضله وذكاؤه في الغاية لا سيما في العلوم العقلية، وأقسام العلوم الحكمية، وكان له معرفة تامة بالعربية، وآية كبرى في معارف الصوفية، وقد ظهرت له كرامات علية انتهى.
قلت: ولما حج دخل بلاد الشام ونزل بدمشق في رجوعه من الحج اجتمع بشيخ الإسلام الجد وأخذ عنه، وذكره الجد رضي الله عنه فيمن تلمذ له من أولياء الله تعالى واجتمع به شيخ الإسلام الوالد في رحلته إلى الروم وذكره في المطالع البدرية وقال فيه، هو صدر من صدور أئمة الدين، وكبير من كبراء الأولياء المهتدين، وقدوة في أفراد العلماء الزاهدين، حامل لواء المعارف، ومحور التالد منها والطارف، محافظ على الكتاب والسنة، قائم بأداء الفرض ثم السنة، حامل لأعباء صلاح الأمة، باسط للضعفاء وذوي الحاجات، جناح الرأفة والرحمة، ذو أذكار وأوراد يعمر بها مجالسه، وأحوال وأسرار يغمر بها مجالسه، وجد في العبادة، وجهد في الزهادة، ومواظبة هيام، وملازمة قيام.
يقضي بنفع الناس سائر يومه ... وتجفوه في جنح الظلام مضاجع
فينفك عنه يومه وهو ذاكر ... وينفك عنه ليله وهو راكع
ثم ذكره في موضع آخر من المطالع البحرية فقال: وقد استفدت منه، واستفاد مني، وأخذت عنه، وأخذ عني، واستجزته لولدي أحمد، ولمن سيحدث لي من الأولاد، ويوجد على مذهب من يرى ذلك، ويسلك هذه المسالك، فمما أخذ عني مؤلفي المسمى، بالزبدة في شرح البردة، وتفسير آية الكرسي، وبحث وتحقيق أوضحته في معنى الكلام النفسي وقصيدتي القافية، التي هي ببعض مناقب شيخ الإسلام يعني والده وافية، وقصيدتي الخائية المعجمة، بحل طلاسم بعض الكنوز المعظمة، وإن كتابة خلاق عليم وحملها ينفع لدفع الطاعون، وأنه مجرب كما رواه لنا الأئمة الواعون، قال: وأنشدته لنفسي:
من رام أن يبلغ أقصى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب
فليخص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب

قال: ومما أفادني أياه نقلاً عن بعض العارفين أن الإنسان إذا قال: " ربنا " خمس مرات ودعا استجيب له، واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع " سورة: إبراهيم الآية 137، إلى قوله: " ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " سورة: إبراهيم الآية 41، قال فاستحضرت في الحال دليلاً آخر ببركته، وهو قوله تعالى: " ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك " سورة: آل عمران الآية 191، إلى قوله: " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك " سورة: آل عمران الآية 194، الآية وهي تمام الخمس، ثم عقبها بقوله، فاستجاب لهم ربهم، فسر بذلك كثيراً، وشكر ودعا انتهى كلام شيخ الإسلام والدي في المطالع البدرية.
قلت: ويساعد هذا ما روي عن جعفر الصادق - رضي الله تعالى عنه - أنه قال من حزبه أمر فقال: خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد، وقرأ " ربنا ما خلقت هذا باطلاً " سورة: آل عمران الآية 191، الآيات وقد قلت:
جاء في الآثار أن العبد إن ... ربنا في خمس مرات يقل
فحقيق بجواب ثابت ... وعليه نص آيات يدل
ربنا فاغفر لنا أوزارنا ... وأهدنا فعلاً إلى خير السبل
ربنا وامنن علينا رحمة ... باشتغال بك عن كل شغل
ربنا واجعل هوانا تابعاً ... للذي جاء به خير الرسل
ربنا إنا لنرجو دائماً ... منك ما نطلب من كثر وقل
ربنا أصلح لنا شؤوننا ... كلها يا خير مولى لم يخل
توفي المنلا حاجي جلبي صاحب الترجمة في سنة أربع وأربعين وتسعمائة كما قال في الشقائق:
عبد الرزاق الترابيعبد الرزاق الترابي المصري، الشيخ الصالح، الورع، الزاهد أخذ الطريق عن سيدي علي النبتيتي، والشيخ العارف بالله أحمد الترابي المدفون بالقرب من جامع شرف الدين بالحسينية، والشيخ نجا النبتيتي. كان على قدم عظيم من الزهد والورع، وأقبل الناس عليه بالإعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا، وله رسالة في الطريق، ونظم لطيف. انتقل من الريف إلى مصر، فأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الجيزة، فأقام بها إلى أن مات، وطلع مرة إلى خير بيك، وهو والي مصر في شفاعة، فلم يقبلها، وأغلظ على الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة، ومات منها بعد سبعة أيام، وكانت وفاة سيدي عبد الرزاق في سنة أربع أو خمس وثلاثين وتسعمائة رحمه الله.
عبد الصمد العكاريعبد الصمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة عبد الصمد ابن الشيخ الصالح المرشد محيي الدين العكاري، الحنفي نزيل دمشق. قال والد شيخنا: كان رجلاً صالحاً، وانتهت إليه الفتيا في مذهب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وحصلت له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي، والقاضي السيد العجمي يعني المعروف بشصلي أمير قال: وحصل الانكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظاهرية، وكان له تدريس مدرسة القصاعية، وحصل له ثروة، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي، وكان والده يربي الفقراء، وعلى طريقة حسنة. انتهى.
وبلغني أن الشيخ عبد الصمد درس بالتقوية أيضاً، وذكر الشيخ عبد الباسط العلماوي في بعض تآليفه أن الشيخ عبد الصمد كان يسكن بالمدرسة الجمالية بسفح قاسيون أي في زمان الصيف، وسكنها بعده الشيخ زين الدين بن سلطان، ومن بعده جلال جلبي سبط الشيخ عبد الصمد، وكانت وفاة الشيخ عبد الصمد في نهار الاثنين ثامن رجب سنة خمس وستين وتسعمائة.
عبد العزيز ابن أم ولدعبد العزيز بن زين العابدين، المولى الفاضل، العالم حفيد المولى، الشهير بابن أم ولد من الموالي الرومية، وكان صاحب الترجمة مشهوراً بابن أم ولد شهرة جده لأمه، اشتغل في العلم وحصل واتصل بخدمة المولى الفاضل، ثم درس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية، ثم ترقى إلى دار الحديث بأدرنة، ثم ولي قضاء القضاة بحلب، ثم صار مفتياً ومدرساً بأماسية، ثم ترك المناصب وتقاعد وعين له كل يوم سبعون عثمانياً، ومن شعره ما كتبه على وثيقة، وهو قاض بمغنيسا:
هذه حجة مبانيها ... أسست بالوثاق تأسيسا
صح عندي فحواها ... لن ترى في السطور تلبيسا

ثم عبد العزيز وقعها ... قاضياً في ديار مغنيسا
قال ابن الحنبلي: وكان فاضلاً، فصيحاً، حسن الخط، لطيف الشعر باللسان العربي، بديع المحاضرة، جميل المذاكرة إلى أن قال: ولم تزل الحلبيون راضين بحكمه، وإمضائه غير أني سألته يوما كيف وجدتم من بالبلدة من العلماء. فقال: أكثر من بالبلدة بلداء. انتهى. وكانت وفاته بالقسطنطينية سنة إحدى وخمسين وتسعمائة.
عبد العزيز المغربي المكناسيعبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى العالم الفاضل، الأديب المغربي المكناسي، المالكي شيخ القراء بالمدينة المنورة. كان فاضلاً، مفنناً، شاعراً، صالحاً، دمث الأخلاق، كثير التواضع له عدة منظومات في علوم شتى منها منهج الوصول ومهيع السالك للأصول، في أصول الدين، ونظم جواهر السيوطي في علم التفسير ودرر الأصول في أصول الفقه، ونتائج الأنظار، ونحت الأفكار للنظار، في الجمل ونظم العقود في المعاني والبيان وتحفة الأحباب في الصرف وغنية الإعراب في النحو ونزهة الألباب في الحساب، والدر في المنطق ومن شعره:
ذوو المناصب إما أن يكون لهم ... نصب وإلا فهم فيها ذوو نصب
فلا تعرج عليها ما بقيت وكن ... لله محتسباً في تركها تصب
لا سيما منصب القاضي فإنك إن ... تزغ عن الحق فيه كنت ذا عطب
فإن قضى الله يوماً بالقضاء أخي ... عليك فاعدل ولكن لا إلى الذهب
قلت: من لطيف ما اتفق لي قولي:
عجبت من أهل هذا العصر كلهم ... وكل أمرهم عندي من العجب
قالوا: قضاة الزمان قد عدلوا ... فقلت: ما عدلوا إلا إلى الذهب
قدم صاحب الترجمة دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين وتسعمائة وأنشد:
قالوا: دمشق جنة زخرفت ... من كل ما تهوى نفوس البشر
أما ترى الأنهار من تحتها ... تجري فقلت: مجاوباً بل سقر
لأنها حفت بما يشتهى ... فهي إذاً نار كما في الخبر
وأقول كالمعارض له:
قالوا: دمشق جنة ... قد زخرفت قلت: نعم
للعارفين الشاكرين م ... ما حوت من النعم
فاعجب لخال عن حجى ... في حقها بالشتم عم
الربوة التي لها ... في الذكر ذكر لا تذم
ودخل في سفرته هذه إلى حلب، واستجاز بها الشمس السفيري، والموفق بن أبي ذر، ثم عاد إلى المدينة المنورة، وتوفي بها في سنة أربع وستين وتسعمائة.
عبد العزيز الزمزميعبد العزيز بن علي بن عبد العزيز، الشيخ الإمام، العالم المفنن عز الدين المكي، الزمزمي الشافعي. مولده سنة تسعمائة، وله مؤلفان أحدهما سماه بالفتح المبين في مدح سيد المرسلين والثاني بفيض الجود على حديث شيبتني هود ودخل بلاد الشام ماراً بها إلى الروم سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة. قلت: هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدين محمد الزمزمي مفتي مكة. أخذت عنه، واستجزت منه لنفسي ولولده البحري والسعودي في سنة سبع وألف، وتوفي في سنة تسع وألف. أخذ عن والده المذكور، وعن العلامة شهاب بن حجر المكي، وكانت وفاة والده بعد الستين وتسعمائة، ومن شعره وفيه تورية مرئية:
وقال الغواني: ما بقى فيه فضلة ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخ
وفي كل ظل المرخ مرخى غصونه ... فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي
عبد العزيز المقدسيعبد العزيز الشيخ الإمام العلامة عز الدين الديري، المقدسي الضرير، الحنفي مفتي بلاد القدس، وأحد الأجلاء بها. كان يكتب عنه الفتوى، ويناول الكاتب خاتمه ليختم به على السؤال خوفاً من التدليس، وتوفي بالقدس الشريف في العشر الأواسط من شوال سنة ثمان وأربعين وتسعمائة.
عبد العزيز الصناديقي

عبد العزيز، الشيخ العارف بالله المجذوب عز الدين الصناديقي المدفون بجامع مسلوت بمحلة خان السلطان خارج دمشق. كان غالب أيامه بالجامع المذكور، وأقام مدة في بيت سوار بقبر عاتكة، فاتفق أن الشيخ أحمد ابن الشيخ حسين بن سعد الدين. كان زائراً بالقرب من بيت سوار، فطلب منه بعض الناس أن يكتب له حجاجاً أو نشرة، فأخذ القلم ومده، فلم يمتد، فغمسه في الدواة، ثم أعاده، فلم يمتد فعل ذلك مراراً. فقال الشيخ أحمد: إن الموضع محظور. هل تعرفون بهذه الحارة أحداً من أهل الأحوال. فقيل له: نعم يا سيدي. الشيخ عز الدين بالقرب منك، فرمى القلم، ومشى إليه فزاره واستمد منه، ثم عاد فأخذ القلم، فمده فجرى في الحال. توفي الشيخ عز الدين في حدود الستين وتسعمائة، ودفن شمالي جامع مسلوت.
عبد العلي الخراسانيعبد العلي بن حسين بن محمد الخراساني الحنفي.
عبد الغني الجمحيعبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي، الجمحي - بضم الجيم وسكون الميم، وبالحاء المهملة - نسبة إلى قرية جمحى قرية من قرى إربد. كان من أولياء الله تعالى، حسن الطريقة، صحيح العقيدة، ضابطاً للشريعة لا يتعداها، غاضاً بصره، كافاً لسانه. تردد إلى دمشق مراراً، وكان سيدي محمد بن عراق يجله ويعظمه. قال الشيخ موسى الكناوي: رأيت سيدي محمد بن عراق في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة بقرية سقبا، فخلا بي في مكان على حدة، وسألني عن الشيخ عبد الغني. فقلت له: بلغني أنه قاصد زيارتك في جمع من فقراء تلك البلاد. فقال: متى يكون ذلك. وإني لمشتاق إليه ثم بعد أيام حضر ومضى لزيارة سيدي محمد بن عراق إلى داريا في حرم سيدي أبي سليمان الداراني، وبتنا هناك ليلة أو ليلتين قال وسكن الشيخ عبد الغني بدمشق في سنة ست أو خمس وثلاثين وتسعمائة، ومكث بها نحو ثلاث سنين، فكان يقرىء الأطفال بالترابية بالمزار، ثم تركها وأقرأهم بالتوريزية بقبر عاتكة قال: وحضر مرة في أيام الباشا سنان الطواشي ليشفع في حريم من أهل تلك البلاد الماكس الأمير طرباي الحارثي قال: فاضفته هو وأصحابه، فلما أراد المضي إلى الباشا قال: لأصحابه انظروا واسمعوا ما أقول لكم فقوموا معي عنده، ولا يتكلم أحد منكم بكلمة، ولا ينظر بطرفه إلى هذا الظالم، فامتثلوا أمره، وقضيت حاجته، وكتب له مرسوماً به، وخرسه عنهم وذكر الشيخ موسى أيضاً أن الشيخ عبد الغني قال له: في يوم جمعة أركب بنا نسلم على الشيخ تقي الدين البلاطنسي، ففي الطريق قال له: إياك أن تقول له هذا فلان قال: وكان الشيخ عبد الغني يلبس جلابية خام بيضاء، ويشد وسطه بسير جلد على هيئة فقير من أهل البر، قال فقلت له: نعم فلما دخلنا على البلاطنسي، وسلم الشيخ عبد الغني عليه قام البلاطنسي له وأجلسه إلى جانبه وكان من عادة البلاطنسي أنه لا يقوم لأحد، فجعل يلاطفه ويؤانسه، وكان الشيخ عبد الغني قانعاً زاهداً متواضعاً ملاحظاً للإخلاص ليس له دعوى حافظاً لجوارحه ولسانه مقبلاً على شأنه مات ببلدة جمحى في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. عن نحو ثمانين سنة وولي إعادة الشامية البرانية، ولاه مدرس في سنة ست وأربعين وتسعمائة ففرغ عنها.
عبد القادر الآمديعبد القادر بن عبد الله الآمدي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي. كان نجاراً، ثم تاجراً، وصحب سيدي علوان، فصار له فوق حسن، واستحضار كثير من رقائق القوم ببركة شيخه دخل حلب، ومات بدمشق سنة ست وستين وتسعمائة.
عبد القادر الصهيونيعبد القادر بن محمد بن محمد بن محمد ابن قاضي سراسيق الشيخ العلامة شرف الدين الصهيوني، ثم الطرابلسي، ثم الدمشقي، الشافعي. خطيب جامع العطار بطرابلس. وإمامه. أخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وقرأ عليه في البهجة جانباً صالحاً، وفي صحيح مسلم، وفي الإذكار وغير ذلك، وحضر كثيراً من دروسه، ثم أخذ قسماً في الألفية عليه، وهو القسم الأخير مع رفاقه الثلاثة الشيخ رجب الحموي، والشيخ محمد الجبرتي، والشيخ إبراهيم اليمني الجبرتي، وقدم حلب في حياة الشيخ شهاب الدين الهندي، فقرأ عليه في شرح الشمسية للقطب، وسمع عليه في غيره، ثم عاد إلى طرابلس، ودرس بجامع العطار، وانتفع به الطلبة، وكان الثناء عليه جميلاً في الديانة، وحسن الخلق غير أنه كان ينكر على ابن العربي، وتوفي بطرابلس سنة اثنتين وستين وتسعمائة.

عبد القادر القويضي
عبد القادر بن محمد، الشيخ الحاذق زين الدين ابن الشيخ شمس الدين القويضي، الدمشقي الحنفي الطبيب. أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي، وكان أستاذاً في الطب، وكان يذهب إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم، وربما لم يأخذ من بعضهم شيئاً، وقد يعطي الدواء من عنده، ويركبه من كيسه، وكان في آخر أمره يتلو القرآن في ذهابه وإيابه من الصالحية إلى دمشق، وكان ساكناً بالقرب من الجامع الجديد بسفح قاسيون، وكان حسن المحاضرة، جميل المذاكرة، وله شعر وسط انقطع أياماً، ثم توفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الجديد، وتأسف الناس عليه، وكانت جنازته حافلة، ودفن تجاه تربة السبكيين شمالي السفح.
عبد القادر بن سعيدعبد القادر بن أبي بكر بن سعيد، الشيخ محيي الدين الحلبي، الشافعي، المشهور بابن سعيد، كان جده سعيد هذا يهودياً، فأسلم واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي، ومنلا حبيب الله العجمي، وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس، وكان ذا همة عالية في النسخ حتى كتب البخاري وما دونه في القدر، ورحل إلى دمشق والقاهرة. قال ابن طولون: قدم دمشق إماماً لقصروه نائب حلب، وقرأ عليه صاحبنا العلامة القاضي نجم الدين الزهيري المتوفى قبله، وكانت له شهرة ولديه رئاسة، ثم عاد إلى حلب، وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية، ثم ولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغري، ورمشية ومشيخة الزينبيه ونظرها، ونظر جامع الأطروش. قال ابن الحنبلي: وتعاظم على الشيخ علاء الدين الموصلي، فبلغه أنه صحف كلمة يشبه في المنهاج الفرعي من الشوب، وهو الخلط بلفظة يشبه من الشبه، وحمل ما ذكره الشيخ البيضاوي في قوله تعالى: " فسحقاً لأصحاب السعير " سورة الملك: الآية 67 - 11 من قراءة التثقيل على تشديد القاف مع ضم الحاء مع أن المراد بها مجرد ضم الحاء من غير تشديد القاف فهجاه بقوله:
يا سائلي عن جهول ... يتيه في الجهل حمقا
لم يدر بين يشبه ... وبين يشبه فرقا
وخالف الله فيما ... أبداه في الذكر حقا
وقال فيه سحقاً ... سحقاً له ثم سحقا
مات سنة أربع وثلاثين وتسعمائة بحلب، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة خامس شعبان منها.
عبد القادر بن منجكعبد القادر بن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك الأمير ابن الأمير زين الدين بن منجك الدمشقي، أحد أجلاء دمشق وأمرائها حفظ القرآن العظيم، وتفقه على الشيخ برهان الدين بن عوف الحنفي وغيره، وحصل كتباً نفيسة قال ابن طولون: ترددت إليه كثيراً وولي النظر على أوقافهم سنين وحصل دنيا، وكان سمحاً تمرض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجة سنة أربعين وتسعمائة، وصلي عليه في عدة في الجامع الأموي ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا وحضرت جنازته الأعيان وخلف ولدين هما الأمير إبراهيم، والأمير أبو بكر.
عبد القادر الحمصي ابن الدعاسعبد القادر بن أحمد الشيخ الفاضل زين الدين الكاتب الحمصي، المعروف بابن الدعاس، دخل دمشق وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد، وكتب بخطه نسختين من مؤلفه المسمى بالدر النضيد، في أدب المفيد والمستفيد، واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ثلاث وثلاثين، ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين وتسعمائة فوجده قد مات بحمص.
عبد القادر بن عبيدعبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عمر بن علي، الشيخ المعتقد عبيد المدفون بالقيروان. أقضى القضاة محيي الدين بن الفريابي المدني المالكي ناب عن أبيه في القضاء بالمدينة، وكان فقيهاً فاضلاً لطيفاً ماجناً، توفي بالمدينة المنورة سنة سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد القادر القصيري

عبد القادر بن أحمد، الشيخ العلامة محيي الدين القصيري البكراوي شهرة الشافعي. تفقه بالسيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي، والبرهان العمادي، الحلبي، وأخذ عن غيرهما أيضاً. ولي مشيخة خانقاه أم الملك الصالح أيوب بحلب، ودرس بالفردوس، والجامع الكبير بها، وكان عارفاً بالفقه والفرائض مع المشاركة في الأصول توفي وهو يذكر الله ذكراً متوالياً سنة ثلاث وستين وتسعمائة، ودفن بمقابر الصالحين بحلب.
عبد القادر بن التينةعبد القادر بن أحمد بن عبد القادر المؤدب والده الأطفال بمسجد الشيخ أرسلان بدمشق، المشهور بابن التينه. حضر الشيخ الوالد مع والده، وعرض عليه بعض الكتب في رمضان سنة خمس وثلاثين، ورمضان سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد القادر الحقوقيعبد القادر بن أحمد الشيخ الفاضل محيي الدين الحقوقي الدمشقي الشافعي، أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، قرأ عليه جمع الجوامع للمحلي قراءة تحقيق وتدقيق، وفي الخزرجية وسمع عليه في المنهاج وغيره، في سنة أربعين وتسعمائة وشهد له أنه من أهل الفضل والذكاء والصلاح.
عبد القادر العجماويعبد القادر بن حسن العجماوي الشافعي، أجاز شيخنا شيخ الإسلام بدر الدين بن محمد بن حسن البيلوني في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد القادر بن مفلحعبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح القاضي محيي الدين الراميني الأصل، الدمشقي الحنبلي، أبو الناصر برهان الدين بن مفلح ناب في القضاء في قرى الشام، ثم بالمؤيدية، ثم قناة العوني، والميدان والصالحية، وطالت إقامته بها وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء، وعزل مراراً وأعيد إلى أن توفي سنة سبع وخمسين وتسعمائة ودفن بمقبرة الفراديس.
عبد القادر المقرىء الحمويعبد القادر بن لطف الله، بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الشيخ محيي الدين المقرىء ابن المقرىء ابن المقريء الحموي، ثم الحلبي السعدي العبادي الشافعي، أحد أكابر حفاظ القرآن العظيم ورئيس قراءته بالجماعة بحلب، ويعرف بابن المحوجب، ولد سنة ست وتسعين بتقديم التاء وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي عمرو سبع مرات على عالمها ومحدثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي الحنابلة بها بحق قراءته بها على الشيخ محمد ابن عائشة، ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك أنزك الجركسي نائب قلعتها، ثم انحصرت فيه رئاسة القراء بها، وكان البدر السيوفي يحب قراءته ويميل إليه ويعظمه حتى تلا عليه الفاتحة براوية أبي عمرو، واستجازه مع جلالته لما علم له من السند العالي، إلى ابن عائشة قال ابن الحنبلي: وكان الشيخ محيي الدين يحكي لنا بعد موت البدر السيوفي، أنه صار متى حصل له خلل في حلقه، منعه عن حسن التلاوة توجه إلى قبره وتوسل به، فلم يرجع من عنده إلا وقد فتح عليه قال: وكان مبتلى بعلم جابر مشغوفاً بالتزوج، حتى أنه تزوج أكثر من ثلاثين امرأة. توفي في سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد القادر بن جماعةعبد القادر بن عبد العزيز الشيخ الإمام العارف بالله محيي الدين بن جماعة المقدسي القادري، أخذ عنه الشيخ العلامة نجم الدين الغيطي، حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين وتسعمائة، أخذ عنه علم الكلام وتقلن منه الذكر، وهو من أهل هذه الطبقة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد القادر بن اللحام البيروتيعبد القادر الشيخ العلامة ركن الدين بن اللحام البيروتي الشافعي، توفي ببيروت وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة، تاسع عشري ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
عبد القادر الصفوريعبد القادر الشيخ الفاضل زين الدين الصفوري، اشتغل بالعلم بالشامية البرانية بدمشق، وفضل وتوفي بقرية صفوريا من أعمال صفد سنة تسع بتقديم التاء وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه وعلى قريبه الشيخ إبراهيم الصفوري يوم جمعة ثامن عشر شعبان منها.
عبد القادر السبكي المجذوب

عبد القادر السبكي المجذوب المصري الشيخ الصالح، كان مجذوباً، ثم أفاق في آخر عمره، وصار يصلي، ويقرأ كل يوم ختمة مع بقاء أحواله من الكشف، ورؤي وهو راكب حمارته يسوقها على الماء أيام وفاء النيل، وكان يخدم الأرامل، ويشترى لهم بأنواع الحوائج، ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد من زيت وسيرج وعسل ورب وغيره ذلك، ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير اختلاط، وهي كرامة ظاهرة، وكان تارة يلبس زي الجند، وتارة الريافة، وتارة زي الفقراء، وكان يعطب من ينكر عليه مات ذي جمادى الآخر سنة ستين وتسعمائة.
عبد القادر الذاكرعبد القادر الشيخ الصالح محيي الدين الذاكر، بجامع ابن طولون بمصر أخذ عن الشيخ تاج الدين الذاكر، وكان صالحاً عابداً أقبل عليه الأمراء والأكابر إقبالاً عظيماً، ونزل نائب مصر لزيارته مرات وتظاهر آخراً بمحبة الدنيا والتجارة فيها طالباً للستر، وذكر الشعراوي عنه أنه قال له: مرات ما يقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال القوم. قال: وقد عوض الله تعالى بمجالسته في حال تلاوتي لكلامه، ومجالسة نبيه صلى الله عليه وسلم في حال قراءتي لحديثه، مات في صفر سنة ستين وتسعمائة.
عبد القادر النجارعبد القادر النجار الشافعي من سكان حارة مسجد القصب، من دمشق الشيخ الصالح الفاضل قال والد شيخنا: كان ملازماً للصلحاء، صحب الشيخ بركات بن الكيال، والشيخ شمس الدين يعقوب سبط أبي حامد الصفدي، ولازمه وكان يحفظ أوراداً، وله مطالعة في كتب فضائل الأعمال، توفي في سلخ جمادى الأولى سنة سبع وستين وتسعمائة.
عبد الكريم بن عبادة الحنبليعبد الكريم بن محمد، بن عبادة الأصيل العريق الفاضل، الشيخ كريم الدين ابن الشيخ الإمام قطب الدين بن عبادة الصالحي الحنبلي، توفي في أواخر شهر ذي القعدة الحرام سنة ست وستين وتسعمائة، عن بنتين ولم يعقب ذكراً، وانقرضت به ذكور بني عبادة، ولهم جهات وأوقاف كثيرة.
عبد الكريم الجعبريعبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الشيخ كريم الدين الجعبري المقرىء صاحب الشرح. والمصنفات المشهورة، قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وأخذ عنه الشيخ شهاب الدين الطيبي الحديث، ومصنفات ابن الجزري.
عبد الكريم المخزوميعبد الكريم بن محمد بن محمد بن خالد الخالدي المخزومي الحلبي إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب، كان في ابتداء أمره من الأمراء وأرباب الأقاطيع، وسكان القلعة الحلبية، ثم لما سيق أهل القلعة إلى القسطنطينية بالأمر السلطاني، بعد أن ملكها السلطان سليم بن عثمان، كان صاحب الترجمة ممن سيق إليها منهم، ثم عاد بعد مدة إلى حلب، وقد ربى شعر رأسه، ولبس مئزراً وانسلخ عن طور أهل الدنيا، وأخذ له حجرة بالجامع الكبير بحلب، فتوفي الشرف يحيى بن أقجا إمام الحنفية به، في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة فأعطي وظيفة الإمامة المذكورة، ثم صار ممن يعتقده الناس من الأمراء وغيرهم، وتوفي سنة خمس وستين وتسعمائة بحلب عن أكثر من ثمانين سنة.
عبد الكريم بن مفلحعبد الكريم بن إبراهيم الفاضل، كريم الدين ابن القاضي برهان الدين بن مفلح الحنبلي، كان كاتباً في المحكمة الكبرى بادهينانية بدمشق، مات فجأة بعد أن بيض أربعة أوراق مساطير، ثم خرج فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله فلما وضع مات في يوم الأحد ثالث عشر ذي القعدة سنة خمس وستين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة في يوم الاثنين في الجامع الأموي، وحمل إلى مقبرة باب الصغير ودفن بالقلندرية وكانت له جنازة حافلة، وصبر والده واحتسب رحمه الله تعالى.
عبد الكريم بن الأشنانيعبد الكريم بن أحمد بن أبي بكر بن علي، الشيخ زين الدين الحمصي الأصل الحلبي المولد، الرودسي المحل والوفاة، المعروف بابن الأشناني الشافعي، ثم الحنفي كان تاجراً كأبيه، ثم اعتنى بصنعة التوريق، وصار يكتب الوثائق الشرعية حتى كاتبه عيسى باشا مع الحلبيين بسبب قتل قرا قاضي، وكان ممن سيق إلى رودس، وصار فيها خطيباً وإماماً بجامع سنان باشا بعد أن افتتحت في صفر في سنة تسع - بتقديم التاء - وعشرين وتسعمائة، وقطن بها صاحب الترجمة إلى أن توفي في سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد الكريم المياهي

عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي، الشيخ كريم الدين بن أبي اللطف زين الدين المياهي القادري الصوفي الشافعي، الصالح، الذي كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد، وتلاميذه، ومعتقديه، وسمع الحديث على الشيخ سراج الدين الصيرفي، وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة، وإليه ينسبان وكان يؤذن في جامع تنكز، ويرقي وعمر زاوية تحت الجسر الأبيض، وكان قديماً مسجداً، ثم أخذ يقيم الأوقات فيها سنين، وكان يكثر من شهود الجنائز، ويجالس الفقراء، ويزور الصلحاء والضعفاء وله شعر منه قوله:
ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى ... ودعوت من حنقي عليك فأمنا
منيت نفسي من وصالك قبلة ... ولقد يغر المرء بارقة المنى
توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة أربعين وتسعمائة، عن نحو سبعين سنة ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة السبكي بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الجعبريعبد الكريم الجعبري، خطيب حرم الخليل عليه الصلاة والسلام توفي سنة تسع بتقديم التاء وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سلخ رجب منها.
عبد الكريم مفتي شيخعبد الكريم المولى الإمام العلامة، العارف بالله مفتي التخت السليماني الملقب بمفتي شيخ، كان مولده بمدينة كرماستي، واشتغل في العلم على علماء عصره، وحفظ القرآن العظيم، وكان في زمن اشتغاله بالعلم يقرأ القرآن في أيام الجمع بمحفل السيد البخاري بمدينة بروسا، ثم وصل إلى خدمة المولى العالم بالي الأسود، ثم سلك طريقة التصوف وصحب الشيخ العارف بالله تعالى المشهور بإمام زاده، ثم قعد في أيا صوفيا بمدينة قسطنطينية، واشتغل بإرشاد المتصوفة، واشتغل حينئذ بالفقه فحفظ مسائله، ومهر فيه حتى أن السلطان سليمان عين له في كل يوم مائة عثماني، ونصبه مفتياً فأفتى الناس، وظهرت مهارته في الفقه، وكتب كتباً كثيرة وكان يطالع فيها كل وقت، ويحفظ مسائلها، وكان يعظ الناس، ويذكرهم ولكلامه تأثير في القلوب، وكان له كل سنة خلوة أربعين يوماً، يرتاض فيها رياضة قوية ويحفر له سريباً في الأرض ويصلي فيه، ولا يخرج للناس وحكي عنه أنه كانت تتعطل حواسه جملة من شدة رياضته، فإذا تمت الأربعون يوماً خرج إلى الناس ووعظهم، وذكرهم إلى وقت خلوته في السنة القابلة، وذكر عنه كرامات كثيرة، وذكر صاحب الشقائق عن نفسه أنه شكى إليه النسيان فدعا له بزوال النسيان وقوة الحفظ، وأنه رأى أثر ذلك، وكان مع ذلك حلو المحاضرة حافظاً لنوادر الأخبار، وعجائب المسائل كريم الأخلاق متواضعاً خاشعاً حج في سنة ثلاثين وتسعمائة، ورجع على الطريق المصري، ثم دخل إلى دمشق في أوائل سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وزار المحيوي ابن العربي، ونزل في بيت ابن الكاتب في محلة مأذنة الشحم، وتردد إليه الأفاضل، ورفعت إليه عدة أسئلة، فكتب على بعضها أجوبة عجيبة وعزا النقول فيها باختصار إلى أهله كما ذكر ذلك ابن طولون، وذكر أنه اجتمع به هو والقاضي نجم الدين الزهيري قال فرأيناه ذا شيبة نيرة كبيرة وتواضع وعلم، ومعه كتب عظيمة وسأله القاضي نجم الدين المشار إليه في الإقامة بدمشق مدة فقال: خلفي عيال وقد توفي رفيقي في الإفتاء منلا علي، وانفردت بالإفتاء وقد أرسل السلطان يستعجلني انتهى، وذكر في الشقائق أنه توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله.
عبد اللطيف بن أبي كثيرعبد اللطيف بن سليمان الشيخ الفاضل العلامة زين الدين بن علم الدين بن أبي كثير، المكي قدم دمشق، وأقام بها مدة، وقرأ الشفاء على الشيخ شمس الدين ابن طولون الصالحي، في مجلسين في رجب سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد، فولاه قضاء مكة عن البرهان بن ظهيرة وأضيف إليه قضاء جده، ونظر الحرم الشريف، ثم رجع إلى دمشق فدخلها يوم الأربعاء سابع عشري رمضان سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصار بينه وبين شيخ الإسلام الوالد صحبة ومودة، وكان له شعر حسن منه الموشح المشهور في القهوة:
قهوة البن مرهم الحزن ... وشفا الأنفس
فهي تكسو شقائق الحسن ... من لها يحتسي
شاذلي المحا لها أمس ... قطب الزمان

ولها العيد روس قد كيس ... وابن ناصر أعان
والمناوي في المطهر الأقدس ... اجتلاها عيان
وفحول اليمن أولو اليمن ... كفها تحتسى
قال فيها ما قال في زمزم ... شيخنا العالم
ولذي الباسور والهم ... نفعها حاسم
فقل لأمري لها حرم ... أيها الواهم
أنت تفتي بمقتضى الظن ... لك لا تاتسي
شربها بالقياس والاجماع ... مستحل مباح
فهي تنفي... الأشباع ... والكرب والرياح
وتنيل الحواس والأسماع ... طرباً وارتياح
فأدرها على ذوي الفن ... سخنة الملمس
قل لمن شربها له مله ... أن يروم الصواب
فاجتل كأسها على اسم الله ... وأتل أم الكتاب
ثم صل على رسول الله ... واحتسبها تثاب
ثم صفق إن شئت أو غن ... وافت أو درس
وقد عارض الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي، هذا بموشح على وزنه، وقافيته وقال شيخ الإسلام الوالد: أخبرني الزيني عبد اللطيف بن أبي كثير عن بعض من ينسب لحمق أنه أرسل يراجعه في مسألة مع صبي مهمل حساً ومعنى، فشرع يقرر له المسألة ويريه الروضة وغيرها، ثم أرسل إليه مع الصبي المذكور، ورقة صورة ما فيها.
مولاي هذا الذي يراه ... وشكله الجامد المبرد
تلميذك الخبيث أضحى ... ينبيك عن ذوقه المبدد
في لحظة نال منه فضلا ... صيره في العلوم مفرد
فحقق الفقه والمعاني ... والنحو والصرف جود
بالأمس أرسلته إليه ... فخاله في الظلام أمرد
فسله عما قد صار منه ... ينبيك لكن ذاك يجحد
ثم كتب تحتها سجعاً مضمونه التلميح لأمر ما، فكتب إليه من رأس القلم:
العفو مولاي منك أولى ... والعفو خير والستر أجود
وليس قول الذي ذكرتم ... يقبل فيما إليه أسند
وليس نصغي إليه حتى ... يقول في خصمه سيجحد
فشكله ذو الجمود أضحى ... أسلم من ريبة وأبعد
فإنه بارد ولكن ... قد يوجد الريق منه أبرد
وإن يكن قد أصاب منه ... رشفاً به قلبه تبرد
فوازع العين مانع من ... تحقيق ما عنده تردد
قلت ما بين كلاميهما كما بين مقاميهما، فإن تحسين الظن بالمسلمين أولى من إساءة الظن بهم خصوصاً في مثل ذلك، سافر صاحب الترجمة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي إلى مكة في شوال سنة إحدى وأربعين وتسعمائة وتوفي في حدود الخمسين وتسعمائة.
عبد اللطيف الخراساني

عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن، الشيخ العارف بالله الخراساني الجامي، الأحمدي، الهمداني الطريقة. خرج من بلاده يريد الحج في جم غفير من مريديه، فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان، فكرم مثواه هو وأركان دولته قيل: واجتمع به السلطان سليمان، وتلقن منه الذكر، ثم دخل حلب في رمضان سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ونزل بالتكية الخسروية، وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب، وذرفت له العيون، وهرع إليه جميع أهل حلب حتى أميرها ودفتر دارها، وصار يتكلم في الطريق ويورد أخبار الصوفية قال ابن الحنبلي: وسألته عن وجه وقوله في نسبة الإحمدي، فقال: هي نسبة إلى جدي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته قال: ونسبي متصل بجرير بن عبد الله البجلي. قال: واستخبرته عن شيخه في الطريق. فقال: إنه حاجي محمد الخبوشاتي ، وذكر أنه تلقن الذكر منه، وهو تلقنه من شيخ شاه الإسفرائيني البيدوراني، وهو تلقنه من الشيخ رشيد الدين الإسفرائيني، وهو تلقنه من عبد الله البردشابادي، وهو تلقنه من الشيخ إسحاق الختلاني - بفتح المعجمة وسكون المثناة فوق - وهو تلقنه من السيد علي الهمداني، ونقل ابن الحنبلي عنه فائدة نقلها عن الشيخ رشيد الدين الإسفرائيني أنه كان يقول: إنه صلى الله عليه وسلم يحضر روحه عند قول القائل في الأوراد الفتحية: الصلاة والسلام عليك يا من عظمه الله. وأنه لا يخلو من حضوره بالروح. قال صاحب الترجمة بعد فعل ذلك: ولذلك ترى العادة أن ترفع الأيدي عند قولك: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله إلى قولك: الصلاة والسلام عليك يا من عظمه الله. قال ابن الحنبلي: وقد سألته عن تلقيني الذكر، فلقنني إياه بالتكية الخسروية، وصافحني وأجازني أن ألقن وأصافح، وكتب لي دستور العمل، ولكن بالفارسية لاشتغاله عن التعريب بأهبة السفر، فاستأذنته في تعريبه نظماً ونثراً بحسب ما فيه من منظوم ومنثور له ولغيره، ولو باستعانة بالغير في معرفة معانيه الإفرادية، دون تبديل معانية التركيبية، قال: فأذن فعربته، وعرضت التعريب عليه، فاستملحه، وصار الناس يكتبون منه نسخاً، ثم كان سفره إلى بيت الله الحرام، فحج وعاد سنة خمس وخمسين، وتكلم في حلب أياماً في الإرشاد، وأخذ العهد على جماعة، ولقنهم الذكر بها، ثم توجه إلى بلاده من طريق القسطنطينية، فصادف المرحوم السلطان سليمان بقونية، وهو متوجه إلى فتح تبريز، فرأى أن يصبحه معه، فصحبه وصاحبه في أثناء الطريق، ورفعت الوحشة بينهما، وعين له من يخدمه من جملة خدمه حتى دخل معه إلى حلب، ثم فارقه منها، وتوجه إلى بلاده، فتوفي ببخاري.
ومن كراماته ما حكاه ابن الحنبلي أنه ذهب إليه مرة، وفي رفقته بعض الطلبة، فجرى منه في الطريق أن قال لهم: لو تركتم فن المنطق، وشرعتم فيما هو أولى. قال: فما جلسنا بين يديه إلا وأخذ يحكي لمنلا إسماعيل بن منلا عصام البخاري قائلاً: إن والدك كان يقول: قد بلغت ثلاثاً وتسعين سنة، ولم أمسك كتاباً في علم حتى في المنطق إلا وأنا على وضوء، ثم التفت إلى رفقتي وأمرهم أن لا يكثروا منه، وأن يضموا إليه علماً شرعياً. قال ابن الحنبلي: وكان محدثاً مفسراً، مستحضر الأخبار، معدوداً من أرباب الأحوال بل كان يقول: لم يزل في بيتناً من له حال، وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين وتسعمائة ببخارى.
عبد اللطيف الخراسانيعبد اللطيف المنلا الخراساني الحنفي، دخل دمشق في أوائل جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وتسعمائة حاجاً، فنزل بالصالحية، وكان رجلاً عالماً خصوصاً في التفسير عاملاً قال ابن طولون: وأفاد أن للسيد الشريف حواشي على المختصر في علم المعاني والبيان لم تعرف واحدة منها في ديارنا. وقال: إن مؤلفه الشيخ سعد الدين التفتازاني الشافعي كان سئل عند موته، فضل السيد الشريف الجرجاني الحنفي في ترك التحشية عليه، فلم يلتفت إلى سؤاله قال: وأما حاشيته على المطول فمشهورة عندنا.
عبد اللطيف أحد موالي الروم

عبد اللطيف المولى الفاضل، أحد موالي الروم، اشتغل بالعلم حتى وصل إلى خدمة المولى مصلح الدين البارحصاري، وترقى حتى صار مدرساً بإحدى المدارس الثماني، ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم صار قاضياً بها، ثم ترك القضاء وعين له كل يوم ثمانون درهماً، وكان عالماً عاملاً عابداً زاهداً صالحاً تقياً نقياً مقبلاً على المطالعة والأوراد والأذكار، ملازماً للمساجد في الصلوات الخمس، معتكفاً في أكثر أوقاته مجاب الدعوة صحيح العقيدة، لا يذكر أحداً إلا بخير، وكان كثر اهتمامه بالآخرة، ولم يكن له هم في أمر الدنيا، توفي سنة تسع أو ثمان وثلاثين وتسعمائة.
عبد المؤمن المالكيعبد المؤمن المالكي، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون المغربي نزيل مدينة بروسا، والقاطن بها اشتغل بالوعظ والتذكير، واختلف الناس فيه وشهد بعض العلماء بصحة طريقته، وحسن سيرته....
عبد المطلب بن مرتضيعبد المطلب بن مرتضي، كان والده من بلاد العجم وكان شريفاً صحيح النسب، كاتباً مجيداً كتب مصاحف كثيرة، رغب السلاطين فيها لحسن خطها، وصار نقيب الأشراف ببلاد الروم، وولده صاحب الترجمة حينئذ في سن الشباب، وقد رغب في التحصيل، وكان يكتب الخط الحسن، وصار له معرفة بالأنساب بالفارسية والعربية، ونظم بالتركية والفارسية، ثم رغب في التصوف، وصحب الشيخ ابن الوفاء، ثم صحب بعد وفاته الشيخ يحيى الطوزلوي، ودخل عنده الخلوة، وزوجه بنته وأجاز له بالإرشاد لكنه رغب في العزلة، وعدم الاختلاط، وكان له ذوق ولطائف في الصحبة، مات رحمه الله تعالى في سنة خمس وخمسين وتسعمائة قلت: وعندي في تسميته عبد المطلب نظر لأن المطلب ليس من أسماء الله تعالى، ولا يجوز التعبد لغيره، وإنما هي تسمية قديمة في الجاهلية، أشهر من سمي بها عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبد الملك بن القصابعبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلبي، الشافعي الشهير بابن القصاب. قال ابن الحنبلي: تفقه على والده، وجلس بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله، وحدث على كرسي جامع دمرداش، وتوفي في سنة خمس وستين وتسعمائة.
عبد النافع بن عراقعبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الشيخ الفاضل القاضي سري الدين بن حمزة الدمشقي الأصل الحجازي، الحنبلي، الحنفي، أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق. مولده بمجدل مغوش في سنة عشرين وتسعمائة، وكان فاضلاً لبيباً أديباً، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة. دخل بلاد الشام مرات، وتولى قضاء زبيد من بلاد اليمن. له مؤلف سماه بيان ما أعضل في جواب أي المسجدين أفضل، أهو القائم بالعبادة والمعمور، أو الدائر العاري المهجور وله شعر حسن منه:
إن الغرام حديثه لي سنة ... مذ صح أني فيه غير مدافع
يا حائزاً لمنافعي ومملكاً ... رقي، تهن، برق عبد النافع
ومنه من بحر البسيط، وزاد في ضربه حرفاً، وفيه توجيه لطيف:
يا غائبين وقولي حين أذكرهم ... كم هكذا أغتدي في غربة وفراق
لو سار ركب بعشاق الهوى رملاً ... نحو الحجاز لما ذاق النوى ابن عراق
ورشيق مليح قد وصورة ... قال: إن القلوب لي مأموره
رام كشفاً لما حوته ضلوعي ... قلت: بالله خلها مستوره
ومنه:
يا رب أثقلني ذنب أقارفه ... فهل سبيل إلى الإقلاع عن سببه
وأنت تعلمه فاغفره لي كرماً ... وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه
ومنه:
فؤادي في أرض الحجاز وإنني ... بأرض بلاد الشام جسماً وقالبا
فمن لي بأن أقضي غرامي وأنثني ... وقد سر محبوبي بعودي وقال: با
توفي بمكة المشرفة معزولاً عن قضاء زبيد في سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد الواحد المغربيعبد الواحد المغربي المالكي نزيل دمشق الصالح.

قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو، ثم قرأ عليه الألفية وشرحها لابن المصنف، وسمع عليه الحديث كثيراً، وبرع في فقه المالكية، وتخرج فيه على أبي الفتح المالكي، ودرس بالجامع الأموي حسبة، وكان يقرىء الأطفال بالكلاسة، ثم بالأمينية، وتوفي في البيمارستان النوري يوم الاثنين ثاني عشري صفر سنة أربع وأربعين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
عبد الواسع الديمتوفيعبد الواسع بن خضر المولى الفاضل العلامة الديمتوفي، أحد موالي الروم، كان والده من الأمراء واشتغل هو بالعلم، وقرأ وهو شاب على المولى شجاع الدين الرومي، ثم على المولى لطفي التوقاتي، ثم على المولى الفناري، ثم اتصل بخدمة المولى أفضل زاده، ثم ارتحل إلى بلاد العجم، ووصل إلى هراة من بلاد خراسان وقرأ هناك على العلامة حفيد السعد التفتازاني حواشي شرح العضد للسيد الشريف، ثم عاد إلى الروم في أواخر دولة السلطان سليم خان، فأنعم عليه بمدرسة علي بيك بأدرنة، ثم بالمدرسة الحجرية بها، ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم ولاه قضاء بروسا، ثم ولاه السلطان سليمان قضاء القسطنطينية، وبعد يومين جعله قاضيا بالعسكر الأناظولي، ثم عين له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد ثم صرف جميع ما بيده في وجوه الخيرات، وبنى تكيتين ومدرسة، ووقف جميع كتبه على العلماء بأدرنة، وكان عنده جارية فأعتقها وزوجها من رجل صالح، ثم ارتحل إلى مكة المشرفة، وانفرد بها عن الأهل والمال، والولد واشتغل بالعبادة إلى أن توفي سنة أربع أو خمس وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب العرضي الحلبيعبد الوهاب بن إبراهيم العرضي الحلبي الشافعي، مفتي الشافعية بحلب، ذكره الوالد في رحلته ووصفه بالشيخ الفاضل، والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب.
عبد الوهاب الغزيعبد الوهاب بن أبي بكر، الشيخ الصالح، الغزي الأصل، الحلبي المولد، الشافعي، الصوفي، الهمداني الخرقة، الليموني. أحد أكابر حفاظ القرآن العظيم. لبس الخرقة، وتلقن الذكر من الشيخ يونس بن إدريس، وألم بالشاطبية، وأقرأ فيها، وأم بجامع حلب، وتوفي في رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.
عبد الوهاب الكنجيعبد الوهاب بن أحمد بن محمد الشيخ الفاضل تاج الدين الكنجي الدمشقي الشافعي، أخو الشيخ الإمام شمس الدين الكنجي المتقدم ذكره في الطبقة الأولى، عني بالفرائض والحساب، ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وقرأ عليه شرح المنهاج للمحلي من أوله إلى باب صفة الصلاة، وقرأ عليه غالب ترتيب المجموع في الفرائض للشيخ بدر الدين المارديني، وذكر في فهرست تلاميذه وهو وأخوه عماي من الرضاع قال وهو ممن أذهب عمره في الحساب، من غير جمود فيه، وغالب عليه الحمق وقلة العقل في عدم حساب العواقب، ثم قال: توفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال المبارك سنة أربع وثلاثين وتسعمائة قال: وتعذر علي حضور جنازته.
عبد الوهاب بن تاج الدين العنابيعبد الوهاب بن عبد القاضي، القاضي تاج الدين العنابي الدمشقي الأسلمي، أبوه كان ديوانياً بقلعة دمشق هو وأبوه من قبله، ثم تولى عمة وظائف منها إمرة التركمان، واستمر على ذلك في الدولة الجركسية، ثم أخذه السلطان سليم في المركز إلى الإسلام بول، ثم أطلقه فحج، وجاور، ثم عاد إلى دمشق، وبقي بها إلى الممات قال: وقد فقد هيبته قال ابن طولون: وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء، ولم يقف إلا على الجزء الثالث من أحاديث علي بن حجر. قال: ولذلك استجزته لجماعة. قال: ومدحه الشعراء الأفاضل منهم شيخنا علاء الدين بن مليك، وأكثر منه الشيخ شهاب الدين الباعوني، وكانت وفاته ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، ودفن في تربتهم، لصيق الصابونية من جهة القبلة، ولم تحتفل الناس بجنازته.
عبد الوهاب العيثاوي

عبد الوهاب بن يونس بن عبد الوهاب الشيخ الإمام العلامة تاج الدين ابن الشيخ الصالح العلامة شرف الدين العيثاوي، أخو شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين لأبيه ولد ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان، سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وحصل له بركة أشياخه منهم الشيخ تقي الدين البلاطنسي، والشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف المقدسي، قرأ عليهما وأجازاه بالمكاتبة، وأجاز مفتي بعلبك، الشيخ بهاء الدين بن الفصي، واجتمع بشيخ الإسلام جمال الدين الديروطي المصري، وبحث معه وأجازه وقرأ على الشيخ شمس الدين سبط أبو حامد، وشيخ الإسلام التقوي القاري، وكتب كل منهما إجازة حسنة، وسافر إلى حلب سنة ست وخمسين وتسعمائة، فحضر دروس شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب العرضي، وكان يشير إليه في الدرس، ويرفع محله، واجتمع بقاضي قضاة العساكر، المولى سنان بن حسام الدين فعظمه، وأثنى عليه، ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى مؤدياً للصلاة قبل الوجوب بحكمه عليه باراً بأبيه متأدباً متواضعاً سليم الفطرة منور الطلعة، ولم يزل منذ صغره مشتغلاً بالعلم قراءة، ثم إقراء، وتدريساً في الفقه والنحو والتصريف والتفسير والحديث، وانتفع به الطلبة وولي تدريساً بالجامع الأموي، وبمدرسة أبي عمر، ودرس بالظاهرية، وأم بالناس وخطبهم نيابة عن أبيه بالجامع الجديد، خارج باب الفراديس، والفرج، وكان يود أن يموت قبل أبيه فبلغه الله تعالى منيته وساق الله تعالى في حياة والده منيته فتوفي نهار الأربعاء خامس عشري رجب سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، وعمره سبع وثلاثون سنة وشهر وثمانية وعشرون يوماً، وخرجت روحه شاخصاً ببصره قائلاً لا إله إلا الله وصلى عليه العلماء والصالحون، ودفن بمقبرة الفراديس، واتفق في وقت دفنه آذان المؤذنين بالمنائر، آذان الظهر ونزول المطر الخفيف في وقت دفنه، ولم يزل في السماء سحاب ورؤي النور يتصاعد من قبره، ورؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال غفر لي بقولي لا إله إلا الله وقال للرائي: سلم على والدي وقل له يأمر الناس بقول لا إلا إلا الله.
عبد الوهاب الصوافعبد الوهاب الشيخ الصالح، السيد الشريف تاج الدين الصواف الدمشقي الشافعي المقرىء. قال ابن طولون: سمع معي بمكة على محدثها الشيخ عز الدين بن فهد وغيره، وبدمشق على مؤرخها القاضي محيي الدين النعيمي وغيره، وكان يقرأ للأموات خصوصاً بتربة باب الصغير، وكان يدعو في المحافل أدعية لطيفة وكان له بعض اشتغال وصلاح، وكان فقيراً توفي يوم الثلاثاء ثاني عشري شوال سنة إحدى وأربعين وتسعمائة ودفن بباب الصغير.
عبدو الكردي القصيريعبدو بن سليمان الكردي القصيري، الشافعي، الصوفي الخلواتي ، العبد الصالح، المشهور كان أصله من خينو من قرى القصير، فتركها مع نضارتها إلى قرية خربة بجبل الأقرع، فعمر له بها داراً، فعمر غيره دورا،ً واعتزل بها إلى أن ورد عليه ولده الشيخ أحمد، وقبل يده، وأظهر التوبة عما كان عليه من عدم الرضى مما عليه أبوه، فجعله خليفة، وانقطع لمجرد العبادة، وكان له مريدون كثيرون إلا أنهم لم يبلغوا قدر مريدي ولده الشيخ أحمد، ولا كان يشتغل بعلوم الظاهر كما كان ولده، وكان الشيخ عبدو من المجدين في العبادة فوق العادة يتعمم هو وأصحابه وأتباعه بالمآزر السود، ويلبس التاج المضرب، وتوجه بعضهم إلى زيارته، فرأى حول داره دواب لا تحصى للزوار وغيرهم فحدثته نفسه أن يشتري لدابته علفاً خشية عليها أن تموت جوعاً بين تلك الدواب الكثيرة. قال فدخلت على الشيخ. فقال لي بديهة: أتخاف عليها من الموت لعدم العلف؟ قال: فعلمت أنه كاشفني، وتوفي الشيخ عبدو في وطنه سنة أربع وأربعين وتسعمائة.
عبيد الله بن يعقوب

عبيد الله بن يعقوب، المولى الفاضل أحد الموالي الرومية، سبط الوزير أحد باشا ابن الفناري. قال في الشقائق: قرأ على علماء عصره، واشتغل بالعلم غاية الاشتغال، ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدين البارحصاري، ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور، ثم صار قاضياً بحلب، ثم قال: كان فاضلاً ذكياً كانت له مشاركة في العلوم، ومعرفة تامة بعلم القراءآت، وكان قوي الحفظ. حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر، وكان صاحب أخلاق حميدة جداً، وكان من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها إلى أن قال: وملك كتباً كثيرة، وهي على ما يروى عشرة آلاف مجلد. قال رأيت له شرحاً للقصيدة المسماة بالبردة وهو أحد شروحها انتهى.
ولي قضاء حلب في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ومكث بها مدة قال ابن الحنبلي كان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب سمينها وغثها، جديدها ورثها، حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد، وجعل فهرستها مجلداً مستقلاً. يذكر فيه الكتاب ومؤلفه، ولم يعرف مؤلفي عدة منها، فكتب أسماءها، وفرقها على علماء حلب ليعرفوه، وكان مع أصالته فاضلاً سيما في القراءات، عارفاً باللسان العربي، سخياً في كثير من رسوم المحكمة، ومعتقداً في الصوفية، كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني لتقبيل يده من غير حائل، ولا يتغالى في ملبسه، لكنه كان مترفهاً في مأكله ومشربه، مغرماً بالعمائم وتحسينها بالنقوش وغيرها، وكان يميل إلى صنعة الكيمياء، وكان عليه مع ذلك دين كثير لكنه لا يبالي به، وكان يقول إذا ذم أحداً من متولي الأوقاف: من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحداً وقاف. قال ابن الحنبلي: وفي سنة إحدى وثلاثين في ذي الحجة منها عقيب صلاة الأضحى بالجامع الكبير أمر أن يتقدم الإمام الحنفي، فيصلي بالمحراب الكبير الملاصق للمنبر قبل الشافعي، ويصلي الشافعي به بعده قال: فبقي هذا إلى عامنا هذا الذي نحن فيه الآن في آخر عام أربعة وستين بعد أن عهدنا المحراب الكبير مختصاً بالشافعية، والذي عن يمينه، وهو الغربي بالحنفية على وفق ما ذكره ابن الشماع في عيون الأخبار قال في الشقائق: مات سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
عبيد الدنجاويعبيد الدنجاوي، ثم البلقيني المصري الشيخ العارف بالله تعالى أحد أصحاب سيدي الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، دخل مصر من قبل الشام في زمان السلطان قايتباي، وكان يعتقده أشد الإعتقاد، وكان وظيفته خدمة شيخه المذكور، وكان له أثر في كاهله من أثر حمل الماء، وغيره على ظهره، وكتفه في خدمة الشيخ. والفقراء، ولم يكن يحضر مع أصحاب شيخه أورادهم قط إنما كان مشغولاً بالخدمة، فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذوو الهيئات للأذن، فلم يلتفت الشيخ إلى أحد منهم. وقالوا: هاتوا عبيد فأذن له بحضرتهم فغاروا منه، ووجدوا عليه حتى كادوا يقتلونه، فسافر إلى مصر ودخل مصر مجذوباً عريان ليس عليه سوى سراويل وطرطور كلاهما من جلد، ثم أذن له في السفر إلى الصعيد فأقام بها مدة، ثم رجع إلى مصر فسكن بلقين، وعمر بها زاوية وأقبلت الإناس عليه من سائر الآفاق، ونزل السلطان إلى زيارته فمكث هناك مدة، ثم أذن له أن يسكن مصر، فسكن في الزواية الحلاوية فرآها خربة، فعمرها له السلطان الغوري، وكان ينزل هو وولده، إلى زيارته، ثم ترك لباس الجلد، وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك، وكان له سبعة نقباء لقضاء حوائج الناس عند السلطان فمن دونه، وكان لا ترد له كلمة ولا شفاعة، وكان لا يرد له سائلاً قط، ومن سأله درهماً أعطاه ما يساوي خمسين ديناراً، وما يقرب منها، وكان إذا جاءه من بعض الأكابر مال، ولو خمسمائة دينار فرقه في الحال على الحاضرين، توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
عثمان الآمدي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7