كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي

مسعود بن عبد الله الشيخ الصالح العارف بالله تعالى المعتقد سيدي مسعود المغربي. صحب بدمشق الشيخ شهاب الدين الأخ، وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه، فيقول له الأخ: يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي، فإن جدي الشيخ رضي الدين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه، فيقول له: يا سيدي علي أمسك لي قلبي، ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه، فكان يضرب الأبواب المغربية جدراناً لبساتين دمشق، وكان يبقي ما يعمله خمسين سنة وأكثرها لا يتهدم من اتقانه لها، وأخبرت أنه عرض له جندي، والشيخ في لباس الشغل فقال له: خذ هذه الجرة واحملها، وكان بها خمر، فحملها الشيخ معه، فلما وضعها وجدها الجندي دبساً، فجاء إلى الشيخ، واعتذر إليه، وتاب على يديه، وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد يتبركون به، ويقبلون يديه، وكان صاحب شيخنا الشيخ يحيى العمادي الآتي ذكره في هذه الطبقة، فكان يزوره في مكتبه بالمدرسة العزيزية، فيأمر الشيخ الصبيان، فيقومون لتقبيل يد الشيخ مسعود، فإذا جلس دعاني شيخنا بابنه على الخصوص، واستعرضني درسي، ثم يقول لي: قبل يد سيدي مسعود، ثم يقول له: يا سيدي مسعود هنا أخو سيدي شهاب الدين خاطرك عليه ادع له، فيمسح الشيخ مسعود على رأسي، ويقول لي: بارك الله فيك يا ولدي، ويدعو لي وأنا أجد بركة دعائه الآن. توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس رابع عشري رمضان المعظم سنة خمس وثمانين وتسعمائة، وحضرت جنازته، وصليت عليه مع الناس خارج باب الزاوية، وقد أكبت على جنازته الناس، وازدحموا وحضرها العلماء، ومشايخ الصوفية، ودفن بالزاوية رحمه الله تعالى وأعاد علينا، وعلى المسلمين من بركاته آمين.
مصطفى العجميمصطفى بن محمد العجمي الحلبي، ثم الدمشقي الشافعي كان أبوه من تجار دمشق، وأهل الخير، وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض، والحساب ومشاركة في عدة فنون، وله شعر لطيف. توفي في حدود سنة خمس وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس فيما أحسب رحمه الله تعالى.
مصطفى باشا والي الشاممصطفى باشا تولى دمشق الشام، وكان غشوما سفاكاً للدماء، ومع ذلك كان يحترم العلماء، ويعظمهم، وصلى الجمعة مرة بجامع يزديك المعروف بالجامع الجديد خلف والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي، ومعه الدفتر دار، والأغوات فتعرض في خطبته للظلم، وتحريم القهوة فغضب لذلك، وعقد عليه مجلساً فيه الشيخ أبو الفتح المالكي والشيخ نجم الدين البهنسي، وحصل للشيخ يونس فيه نوع أنصاف من القاضي لم يكن راضياً عن الشيخ بسبب تشديده في الظلم، وتعرضه له وللباشا، وعمر مصطفى باشا الخان، والحمام في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وقال الشيخ أبو الفتح المالكي مؤرخاً لعمارة حمامه:
لما كملت عمارة الحمام ... وازداد به حسن دمشق الشام
نادت طرباً وأرخت منشدة ... حمامك أصل راحة الأجسام
معروف الصهيونيمعروف القاضي نور الدين، الصهيوني، الشافعي. قال الشيخ يحيى بن النعيمي كما قرأت بخطه: ميلاده كما أخبرني بلفظه في ذي الحجة سنة خمس وتسعين بتقديم التاء المثناة وثمانمائة، وكان من الفضلاء البارعين، والعلماء الفارغين. أعطي تدريس الشامية البرانية عوضاً عن البرهان ابن جماعة في سنة أربعين وتسعمائة، ومن شعره مؤرخاً لترصيص الجامع الأموي في سنة أربع أو خمس وأربعين وتسعمائة، ومادحاً لمن كان على يديه، وهو الدفتر دار بدمشق إذ ذاك:
سموت أوج المطلع البارع ... فنلت منه أسعد الطالع
وجئت ديوان العلا كاملا ... وكنت دفتر دار النافع
يا مالكاً قال لسان النهى ... عنه حديثاً أعجب السامع
حسبي من الفخر إذا أنصفوا ... وأرخوا ترصيصي الجامع
مولاي دامت بالهنا والمنى ... أوقاتكم ونورها ساطع
وقال أيضاً:
دفتردار عصرنا ... سر الكمال خصصه
أرخت بيتاً مفرداً ... له بخير أخلصه
الجامع الأموي الذي ... سعدي أفندي رصصه
ومن شعره:
كم قد ملأت من الدنيا وزخرفها ... يدي وأنفقته، والله يخلفه

المال ما كان لي إحراز لذته ... وأجره ولغيري ما أخلفه
ومن الطف ما وقع لشيخ الإسلام الوالد أنه خرج إلى منتزه بالنيرب من صالحية دمشق يسمى بالدهشة، فاستدعى إليه جماعة من الفضلاء منهم الشيخ العلامة زين الدين عبد اللطيف بن كثير، والعلامة زين الدين معروف الصهيوني صاحب الترجمة، والعلامة بدر الدين بن شعبان، فكتب مستدعياً للشيخ عبد اللطيف:
عسى الأقدام تنعم بالتمشي ... إلى روض خلا عن كل فحش
به إخوان صدق قد تنقوا ... عن الإدناس من غل وغش
وما فيهم سوى حبر فقيه ... وصوفي ونحوي ومنشي
وشاد معرب باللحن يشدو ... بضرب قاعد، والحال يمشي
ومجلسنا صفا ذاتاً ووصفاً ... ورق وراق في كنس ورش
مضاعف نبته، وفي بفرش ... يفوق على بدائع كل نقش
وقانا وقدة الرمضاء فيه ... نسيم رائق في ظل عرش
ينم على أزاهره فيبدي ... لنا أسرارها طيباً ويفشي
سناء طاهر حساً ومعنى ... لناظره على الحالين يعشي
غني عن سوى خل وفي ... لطيف ذاته هش وبش
فضائله على الألباب تملي ... فتدهشها وتطربها وتنشي
وقصدي أنت يا أملي مجيراً ... لأنظم شمل لذاتي وأنشي
ونضحي باجتماعك كالثريا ... فنحن الآن عند بنات نعش
بقيت مسلماً ما انهل وبل ... معقب حالتي نعش وطش
وغنى العندليب ضحى بروض ... ونغم سربه ليلاً بعش
وقال مستدعياً للقاضي زين الدين معروف لذلك المنتزه، وكتب إليه:
رياض الأنس للألباب تدهش ... وروح نسيمه للروح ينعش
ومجلسنا حوى غرس التهاني ... وأطيار المنى فيه تعشش
قطوف الفضل فيه دانيات ... وكرمات الفنون به تعرش
حوى إخوان صدق قد تنقوا ... عن الأدناس من غل ومن غش
خلا عن منكر والقصد فيه ... هو المعروف فأت ولا تشوش
وقال مستدعياً للبدر بن شعبان لذلك المكان، وكتب إليه:
مجالس أنسنا للب تدهش ... بروض ريحه للروح تنعش
بها توت وتفاح وخوخ ... وإنجاص وأعناب ومشمش
وثلج ثم مشروب وماء ... فإن اللحم إذ يشوى يعطش
حوى لطفاً ومعروفاً، ولكن ... على البدر المنير به نفتش
توفي القاضي معروف كما قرأته بخط الشيخ يحيى بن النعيمي بأسكودار إسلام بول ثامن عشري ذي الحجة سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
مفتاح الحبشيمفتاح بن عبد الله الحبشي، ثم الهندي نزيل دمشق، الشيخ العلامة، الفاضل، المعتقد ذكره الشيخ الوالد في تلاميذه، وأثنى عليه، وقال: حضر مجلسي كثيراً، وقرأ علي في المنهاج انتهى.
وكان من أخص الناس بالشيخ الوالد، وبالشيخ شهاب الدين الأخ، وكان يقول: حط الفقه رواقة في بيت الشيخ رضي الدين الغزي، وحط علم القراءات ركابه في بيت الطيبي. توفي نهار الأربعاء ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس بالقرب من الشيخ شهاب الدين الطيبي رحمه الله تعالى.
منجك بن أبي بكرمنجك بن أبي بكر بن عبد القادر بن منجك الأمير الكبير الدمشقي والد الأمير محمد أخبرني ولده الأمير محمد أن أباه قرأ على الشيخ الوالد في الحديث وغيره، وسمع دروسه كثيراً، وكانت وفاته سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وصلى عليه الشيخ الوالد إماماً رحمه الله تعالى.
منصور بن محب الدين

منصور بن إبراهيم بن سلامة محب الدين الدمشقي، الشيخ المسند نور الدين أبو السرور. ولد بدمشق ليلة الثلاثاء خامس عشر شوال سنة اثنتين وتسعمائة. أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والحافظ عبد الحق السنباطي المصريين، والتقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين الدمشقيين، وكان من حفاظ كتاب الله تعالى. أخذ عنه ولده الشيخ محمد، والشيخ إبراهيم بن كسبائي وغيرهم. توفي يوم الإثنين سادس عشري جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
منصور الشراباتيمنصور بن أحمد بن منصور الشراباتي، الشافعي كاتب المصاحف. قرأ على الشيخ الوالد في الغاية وغيرها، وحضر دروسه. توفي في حدود الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
منصور خطيب السقيفةمنصور بن عبد الرحمن، الشيخ العلامة الصالح الأديب زين الدين الدمشقي، الحريري، الشافعي، الشهير بخطيب السقيفة لأنه كان خطيباً بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة. كان له يد طولى في علوم كثيرة كالتفسير والعربية، وكان صوفي المشرب أرسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سماها برسالة النصيحة، في الطريقة الصحيحة، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألف مقامه حسنة غزلية سماها لوعة الشاكي، ودمعة الباكي. وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي، واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان ابن السلطان سليمان، فأكرم مثواه، وبلغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه. ثم رحل منه إلى حلب سنة خمس وستين وتسعمائة، فجاور بالمدرسة الشرقية، وأسفر عن تأليف في التصريف أتهم فيه أنه لغيره، أو منقول فيه كلام غيره فحسنه. قال: وهرع إليه أفراد من أوباش عوام الصوفية من صوفية العوام، وأضافه من الناس أقوام. ثم شاع عنه أكل الكيف والتهاون في بعض الأمور الدينية. ثم ذكر كلاماً يقتضي الطعن عليه، وإضافة أمور غير مرضية إليه. وكذلك عادة ابن الحنبلي في هذا التاريخ بأدبي شبهة يهتك من المترجم ستراً، ولا يكاد يقيم لمن يحتمل حاله التأويل عذراً. والذي عرفناه من أخبار أخيار الدمشقيين أن الشيخ منصور كان من عباد الله الصالحين. ومن كراماته ما حدثنا به شيخنا الشيخ محمد بن أبي بكر اليتيم العارف بالله تعالى. قال: كنت يوماً عند الشيخ منصور، وكان الشيخ جالساً على إحدى الصفتين اللتين في باب جامع السقيفة، وهي القبلية، فجلست في مقابلته على الصفة الأخرى الشمالية، فجاءته بنت صغيرة بعثها إليه أهل بيته، فقالت: يا سيدي يريدون بطيخاً أصفر. قال: وكان البطيخ الأصفر يومئذ قد فرغ من دمشق. فقال: نرسل الساعة إن شاء الله تعالى، فتعجبت من كلام الشيخ، وقلت: كيف؟ قال: نرسل ولا بطيخ بهذا البلد. قال: ثم أقبل على كلامه، فبينا نحن كذلك إذا بإنسان أقبل من الغوطة، فسلم على الشيخ، ومعه دابة عليها خرج، فأخرج من كل عين منه بطيخة من أحسن البطيخ، وأكبره، فقال الشيخ: هذه نرسلها إلى البيت، وهذه نأكلها هنا. ومن شعر الشيخ منصور:
يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا
خذا من الشرع ميزاناً لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا
ومنه:
يا خليلي خلتي هجرتني ... وإذا بالهجر منها وجدي
بلغاها بعد السلام سقامي ... ثم قولا حني عليه وجودي
ومنه مقتبساً:
عاذلي ظن قبيحاً ... مذ رأى عشقي ينم
ظن بي ما هو فيه ... إن بعض الظن إثم
وله أيضاً:
ظن بالناس جميلاً ... واتبع الخيرات تسم
واجتنب ظناً قبيحاً ... إن بعض الظن إثم
وله أيضاً:
إن عزت الصهباء يا سيدي ... وكان في الحضرة عذب اللما
جعلت سكري ماء ريق له ... لا واخذ الله السكارى بما
وله:
ناديته في سكره ... بنظر أو ما إليّ
إني لأفهم ما تقول ... وإنما غلبت علي

ويحكى عنه أنه رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عزم على لاشتغال بالزايرجة فقال له: اكتب ألفاً، اكتب سيناً، كتب كذا حتى سمى له حروف هذين البيتين:
استقم أنت أول الأمر ماء ... ثم من بعد جيفة مأكولا
إن ذا شأن كل حر وعبد ... سنة الله فاجتنب تبديلا
فأصبح، وقد أعرض عن ذلك الخاطر. أنشدني صاحبه الشيخ بركات الكيال قال: أنشدنا الشيخ منصور خطيب السقيفة لنفسه:
لي من الله عناية ... أنا منها في رعاية
لطفه بي من قديم ... كان في أصل البداية
لم يزل عندي مقيماً ... بسرور للنهاية
خصني الله بعلم ... هو من سر الدراية
وهو وهمي، وفيه ... حكم فيها الهداية
والذي ينكر حالي ... وهو من أهل السعاية
حلت مولاي عليه ... إن في الله كفاية
وحسودي إن رماني ... لا أبالي بالرماية
ودروعي محكمات ... وهي من ربي وقاية
كنف الله كفاني ... وهو لي نعم الحماية
لم يزل قدري علياً ... عند أرباب الولاية
واقتدائي بالتهامي ... شرفي في كل غاية
وعلى الله اعتمادي ... وكفاني بالعناية
ومن غرر قصائد الشيخ منصور ما امتدح به شيخ الإسلام الوالد، ونقلته من خطه رحمة الله تعالى عليهما:
إلام أنا الولهان بالرشأ الألمي ... وحتام لم أبرح أرى حبه حتما
وكم ضن باللقيا فأورثني ضناً ... ويمنعني ظلماً، فيمنحني ظلما
ومن وسن الأجفان كم رمت أنه ... يفوض لي سهماً، ففوق لي سهما
نظرت إلى سقم الجفون، فأثرت ... بقلبي، وزادتني على سقمي سقما
فيا صاحبي داعي الهوى اليوم صاح بي ... فسل ما بنا في الحي قد فعلت سلمى
أباحت حمى جسمي سيوف لحاظها ... فألحاظها تدمي، ووجناتها تدمى
وكل كلام العاذلات، فلم أكن ... أحس به إلا وأحسبه كلما
ألائمتي كفي الملام، واقصري ... فعند سماع اللوم لي أذن صما
جفاني الكرى حتى يئست من الكرى ... فكم بت في الظلماء أرتقب النجما
وطال علي الليل حتى إذا بدا ... سنا وجه بدر الدين انجلت الظلما
هو الفاضل ابن الفاضل البحر في الندى ... هو الحبر في علم هو الغاية العظمى
له منطق من نحوه الدر يجتلي ... ولفظ معانيه بها أنطق البكما
وليس له في فعله من مضارع ... وفي كل حال أمره ماضياً حتما
يطابق لفظي فيه معنى وصورة ... فلا غرو إن أبدعت نثراً، وإن نظما
عليم زهت أيامه بوجوده ... فكان لها روحاً، وكانت له جسما
ولو عرضت للعلم شرح غوامض ... عليه، لما زادته يوماً بها علما
أعز الورى جاراً وأحماهم حمى ... وأغزرهم جوداً وأعظمهم حلما
كريم إذا أولى، وغيث إذا همى ... وليث إذا أوما همام إذا هما
إمام به أهل الفضائل تقتدي ... فكل به في العلم أصبح مؤتما
وفي الجود والإعطاء أمسى مبالغاً ... وكاد نداه اليوم يستغرق اليما
تجمع فيه كل فضل وسؤدد ... وقد ساد في أيامنا العرب والعجما
وما بلغت أهل الفصاحة في الورى ... بلاغته، إلا وصيرهم بكما
أيا شيخ الإسلام السليم فؤاده ... ويا من سواه في الورى قط لا يسمى
أيا ديك قد فاضت على سائر الورى ... وكم لك من أيد، وكم لك من نعما

فيا ويح من لم يعط قدرك حقه ... ويا فوز من قد نال من كفك اللثما
أبثك ما يلقاه قلبي من الأسى ... وهذي الليالي كم تجرعني السما
ولم يكفها ما مر بي من صروفها ... إلى أن غدت قهراً تحملني الهما
وصاحبت هذا الناس براً وفاجراً ... فحرت، ولم أصحب يقيناً ولا وهما
وأشغلت فكري في المدائح في الورى ... فضاعت ولا حمداً أفادت ولا ذما
ولم أر في الأيام مثلك سيداً ... كريماً هماماً ماجداً أروعاً شهما
وما ضاع فيك المدح بل ضاع نشره ... ولكن له الحساد لم تستطع شما
فباسمكم هذي القوافي وسمتها ... فيا حبذا اسماً ويا حبذا وسما
وما أنا نظام لعمري وإنما ... مدائحكم أمست تعلمني النظما
فأنت الذي أدبني، وأنا الذي ... إلى أدبي بين الورى نظر الأعمى
فإن أر يوماً منك بعض عناية ... كفاني، فلا بؤساً أخاف ولا غما
بكم صرت منصوراً على كل حاسد ... وكم من ضعيف الحال أوليته عزما
إذا المرء لم يعلق رجاء ببابكم ... فمن ذا الذي ترجى أياديه للرحمى
فدونكها غراء مسك ختامها ... ودمت قرير العين لا تختشي هما
ولا زلت بحراً بالعطا متداركاً ... بسيط الأيادي وافر الجود والنعما
توفي الشيخ منصور في رابع رجب سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان. قال والد شيخنا: كما قرأته بخطه، وكان رجلاً صالحاً، ومات ميتة صالحة فيما بلغني انتهى.
وترك ولدين أحدهما الشيخ أحمد المجذوب. بلغني أنه لما أتى أمه في بعض الأحوال.
قال لها: أحسب أنك قد حملت برجل صالح، فجاء الشيخ محمد مجذوباً مباركاً، والثاني الشيخ أبو الفتح، وبقي حياً إلى الآن له معرفة بالأوفاق. وكان كاتباً بسوق الخيل، ثم ترك ذلك بعد سفر ولده الشيخ يوسف إلى إسلام بول وعودة.
منصور المنشدمنصور بن خوشكلدي المنشد الداخل أحد مشاهير أهل الدخول والموسيقى بدمشق. أخذ عنه مصطفى بن دنكز الداخل المشهور. توفي ابن خوشكلدي في أوائل حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
موسى بن القيصرموسى بن محمد، الشيخ الصالح ابن الشيخ العارف بالله تعالى المعروف بابن قيصر القبيباتي الشافعي. توفي يوم الاثنين ثالث ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن عند أبيه بتربة الحصني خارج باب الله.
موسى الحجاوي الحنبليموسى بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة شرف الدين موسى الحجاوي، الصالحي، الحنبلي مفتي الحنابلة. قال والد شيخنا: كان رجلاً عالماً عاملاً متقشفاً. انتهت إليه مشيخة السادة الحنابلة والفتوى، وكان بيده تدريس الحنابلة بمدرسة المرحوم الشيخ أبي عمر، وتدريس في الجامع الأموي انتهى.
ومن انتفع به القاضي شمس الدين بن طريف، والقاضي شمس الدين الرجيحي، والقاضي شهاب الدين الشويكي والقاضي أحمد الوفائي المفلحي مفتي الحنابلة الآن بدمشق. وألف كتاب الإقناع جمع فيه المذهب، وهو عمدة الحنابلة الآن بدمشق، وكانت وفاته ليلة الجمعة عشر سابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وستين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون. وكانت جنازته حافلة حضرها الأكابر والأعيان. تأسف عليه الناس رحمه الله تعالى.
موسى القابونيموسى بن أحمد بن علي، الشيخ شرف الدين ابن الشيخ عفيف الدين القابوني، ثم الدمشقي، الشافعي، الخطيب بجامع منجك بمسجد الأقصاب. كان عالماً، صالحاً، مقرئاً، مجوداً، مجيداً، وكان يؤدب الأطفال، وكان ختناً للشيخ شهاب الدين الطيبي، وأخذ عنه وعن غيره، وحضر دروس الشيخ الوالد كثيراً، وأجاز له. توفي ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة عن ثلاث وستين رحمه الله تعالى.
موسى القبيباتي

موسى بن خير القبيباتي، المعروف بالزبدة. كان شافعي المذهب، وكان يكثر الفحص والسؤال عن أحكام دينه حتى يضجر العلماء، وكان رجلاً صالحاً مباركاً. مات شهيداً قتلته لصوص قصدوا بيت تبل بالقبيبات، فخرج إليهم مع الناس، فجاءه سهم غرز في مشعره، فمات بعد يومين في سنة.
موسى المغربيموسى بن عبد الله المغربي، العمادي، المالكي. أخذ عن الشيخ الوالد، وحضره كثيراً، وكان عبداً صالحاً، فقيهاً. قطن قرية كفريا من البقاع العزيز من أعمال دمشق، ومات بها سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة، ودفن عند سيدي عبد الرحمن الرمثاني بجبل لبنان رحمه الله تعالى.
موسى الكناويموسى بن الكناوي، الدمشقي، الشافعي، الصوفي الشيخ العالم العارف بالله. أخذ العلم عن الشيخ جمال الدين بن عبد الله بن رسلان البويضي. رأى جماعة من العلماء والمشايخ والصالحين، وأخذ عنهم، وممن أخذ عنه الشيخ عبد القادر شيخ المحيا ابن سوار، والشيخ العارف بالله محمد اليتيم، والشيخ تقي الدين المقرىء، وكان يذكره كثيراً، ويأثر عنه، والحاج حيدر الأجدف الرومي، وحدثني عنه أنه سئل. هل وقع لكم من الكرامات والخوارق شيء؟ فقال: ليست هناك كرامات، ولكن مرة كنت زائراً في ميدان الحصى، فجئت إلى محلتي في أثناء الليل، وليس معي أحد، فنبحني كلب عند باب المصلى فأذعرني. فقلت: لا إله إلا الله، فوقع الكلب ميتاً، وكان ممن أخذ عنه الشيخ محمد الحجازي لكن أعرض عنه آخراً، وحدثني الحاج حيدر أن سبب إعراضه عنه أن الشيخ موسى ذكر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه رخصته فقال الحجازي: إن النبي صلى الله عليه وسلم عجرف في ذلك. فغضب الشيخ موسى وقال له: لا تعد إلينا بعدها، ولم يعد حتى سافر إلى مصر، ثم جاء بعد مدة ومعه من الهدية أشياء إلى الشيخ، فلم يقبلها منه، وقال: يا رجل خرجنا عنك، فلا نعود، وكان الشيخ موسى ممن جمع بين العلم والعمل، وله مجاميع عدة، وتعليقات نافعة، ونظم قصيدة لامية في أسماء جماعة من أولياء الله تعالى، وشرحها شرحين، ونظمه يقرب من نظم سيدي عبد القادر بن حبيب من حيث التركيب لكن عليه نورانية الصدق والنصيحة. وحدثني الشيخ محمد اليتيم قال: سمعنا من الشيخ موسى أثراً: لئن احفظ قلب أخ لي في الله خير من أن أصلي سبعين ركعة، فسألت عنه والدي شيخ الإسلام فقال: ما وقفت عليه لكن الشيخ موسى ثقة، وله مطالعة لكلام العلماء، فلعله وقف عليه، وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع المحرم سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن في تربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
موسى بن يوسفموسى بن يوسف بن أيوب القاضي شرف الدين ابن القاضي جمال الدين. مولده بعد الأربعين وتسعمائة، وكانت له فضيلة على قدر حاله، وكان خفيف الروح، ظريف العشرة، يتقصد النكات اللطيفة، وله هجو لطيف، وكان عشيراً للفاضل أمين الدين الصالحي، وكانا يتساجلان النكت. كان شاهداً بقناة العوني وغيرها، ثم صار قاضياً شافعياً نيابة بها، ثم بالدهيناتية، وله تاريخ على حسب حاله، وربما نقل فيه ما لم يتثبت منه. مات في بضع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
موسى المصري الحنبليموسى المصري الحنبلي. كان له فضيلة ما، وله شعر على حسب حاله، ومدح شيخ الإسلام الوالد بعدة قصائد، وكان الشيخ يحسن إليه، ويجيزه إلا أنه بلغني كان يعتقد اعتقاد حمقى الحنابلة، وقال لي مرة: أعرني ألفية الشيخ رضي الدين في الطب لأكتب منها نسخة، فاعتذرت إليه، فغضب وقال: أنا أستغني عنها بأن أجمع فوائد طبية، وأنظمها وهذا يدل على حماقة فيه، وخفة عقل، وهو كان زري الهيئة، وكان فقيراً جداً. ولم يكن فقره أبيض إلا أنه لم يكن عنده حقد عفا الله عنه. مات في حدود التسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
حرف النون من الطبقة الثالثة

نصوح الواعظ
نصوح قلفة المنلا الواعظ، كان يعظ بجامع دمشق الأموي، ويفسر القرآن العظيم بالتركية. توفي يوم الأربعاء رابع عشر رمضان سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
نوح بن محمد الأماسيأحد الموالي الرومية. توفي في رجب سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الهاء من الطبقة الثالثة خال

حرف الواو من الطبقة الثالثة خال
حرف اللام ألف من الطبقة الثالثة خال
حرف الياء من الطبقة الثالثة
يحيى بن محمد الصفدي
يحيى بن محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ العلامة شرف الدين شيخ الإسلام شمس الدين، الشهير بابن حامد الصفدي الشافعي. ولد بصفد في سنة خمس وتسعمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الشيخ تقي الدين البلاطنسي، والسيد كمال الدين، ودخل دمشق مراراً في أيام الطلب وبعدها، و بالجامع الأموي يوم الجمعة رابع صفر سنة ست وأربعون وتسعمائة كما ذكره ابن طولون في تاريخه، وقال: كان جهوري الصوت، وأخذ عنه ابن كيسان وغيره، ومن شعره ما أنشدنا له مصطفى ابن النعيم البقاعي:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر على الحال أن تمادي
لا تخشى ناراً ذكت بليل ... كم جمرة أصبحت رمادا
وله أيضاً:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر تر المر فيه شهدا
قد أججت للخيل نار ... فأصبحت بالسلام بردا
ولمؤلفه:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر وإن عضت النوائب
يوسف من بعد طول حبس ... متع بالملك والمطالب
وكانت وفاته بصفد تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى
يحيى بن عبد القادر النعيمييحيى بن عبد القادر بن محمد الشيخ الفاضل الصالح محيي الدين ابن القاضي محيي الدين النعيمي الشافعي مولده منتصف ذي القعدة سنة اثنتين وتسعمائة، وأخذ عن غير واحد، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في تقسيم التنبيه والمنهاج، وحضر دروسه كثيراً، وتوفي كما نقلته من خط الشيخ شهاب الدين الطيبي في نهار الأربعاء تاسع ربيع الأول سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، ودفن بالحمرية وهو والد الشيخ أحمد خطيب أياصوفيا بالقسطنطينية، وعبد القادر الأطروش، ومات في غيبته، وقد ذهب إلى زيارة أخيه بالروم رحمه الله تعالى.
يحيى بن المقرىءيحيى بن العمادي، الشيخ الصالح المقرىء المجود شيخنا في تعليم القرآن العظيم معلم الأطفال بالعزيزية وغيرها. كان من عباد الله الصالحين لا يقعد في مجلس التعليم إلا على وضوء أبداً، وكان يصوم رجب وشعبان مع رمضان دائماً، وكان يزور مقابر الصالحين يوم الخميس بعد صلاة الظهر، ويصلي الجمعة في الأموي، ويبقى معتكفاً إلى العصر دائماً، وفي اعتكافه يقرأ القرآن ويقرئه، وكان وجهه يتوقد نوراً، وكان يحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والرائية، وكان التيسير في القراءات، ورسالة ابن أبي زيد في فقه المالكية نصب عينيه، وكان من أولياء الله تعالى ممن تطوى له الأرض كما شاهدته منه وأخبرني قبل موته أنه بقي من أجله شهران، وكان في غاية الصحة، فمرض بعد ذلك ومات لتمامهما، وحدثني قريب موته أن من أولياء الله تعالى من كرامته أن يخبر بوقت موته قبل موته ليتأهب للقاء الله تعالى قال: وهي أفضل الكرامات، وكانت وفاته في حدود سنة تسع وثمانين أو تسعين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
يحيى السايسيحيى القدسي، الشهير بالسايس. سمعت من كثير أنه كان صالحاً قطعت رأسه بسبب أنه سب شريفاً، وسب جده، وأثبت ذلك عليه بالتعصب، وضربه الجلاد بالسيف مرتين أو ثلاثاً، فلم ينقطع عنقه، فذبحه ذبحاً، فثار الينكجرية بالجلاد وقطعوه بالسكاكين، وذلك يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يحيى بن الطرابزونييحيى بن الطرابزوني أحد الموالي الرومية. وصل إلى التدريس بإحدى الثمان، ثم تزهد ومات في سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة عن نيف وسبعين سنة رحمه الله تعالى.
يوسف الأسعردي

يوسف بن محمد، الشيخ العارف بالله تعالى جمال الدين بن شمس الدين الشيباني الإسعردي نزيل المدرسة المقدمية بحلب، المشهور في بلاده بابن الوزير. كان من بيت كبير بإسعرد غير أنه ترك الدنيا، ورحل إلى سيدي محمد بن عراق، وأخذ عنه الطريق، ولزمه نحو عشرين سنة حتى صار من أهل المعرفة، وصار ينظم المنظومات في المعارف، وينشدها في مجالس السماع عنده، ثم دخل مصر فاجتمع بالشيخ شاهين الجركسي، ولقي جماعة من الصوفية نحو المائة. قال ابن الحنبلي: وقد صحبناه بحلب سنة أربع وستين، ثم كان سفره إلى بلاده، ثم توفي بحصن كيفا سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يوسف السنبكييوسف بن زكريا، الشيخ العلامة الصالح جمال الدين ابن شيخ الإسلام القاضي زين الدين زكريا الأنصاري، السنبكي أجاز ابن كسبائي في أواخر سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وكان ممن أخذ عنه صاحبنا الشيخ شمس الدين محمد ابن الجوخي الشافعي، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي أنه ربي في نزهة وطاعة، وعدم الخروج عن دار والده قال: وقد اجتمعت به بعد أن دارت لحيته، فقال: طول عمري ما خرجت من الدار، ومقصودي أنظر بين القصرين، وباب زويله، فقلت له: إن شاء الله تعالى يشرب الشيخ يعني والده دواء وأمشي معك إلى ما ذكرت، فإن الشيخ كان لا ينفك عن مطالعة العلم، والتأليف يوماً واحداً من حين كف بصره، قال: فمرض الشيخ، وشرب دواء، وخرجت معه إلى ما طلب، فرأى الكنافة، فصار يتعجب ويقول: ما كنت أظن أن الكنافة تعمل إلا في رمضان. ثم قال: مقصودي أرى البحر، فإني ما رأيته في عمري ولا المراكب قال: فخرجت معه لما مرض الشيخ ثاني مرة، فصار يتعجب قال: ثم بعد موت والده لازم خلوة والده في النهار، فلا يركب إلا لزيارة والده، وللبيت، ولا يتردد لأحد مطلقاً، وهو ممن جبله الله تعالى على الأخلاق الحميدة، وضبط الجوارح. درس في المدرسة الصالحية بجوار الإمام الشافعي، ثم ذكر إنه حضر معه على والده في شرح رسالة القشيري له، وشرح آداب القضاء، وآداب البحث، وشرح التحرير وغير ذلك، وتوفي كما أخبرني صاحبنا الشيخ محمد الجوخي في سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يوسف بن حسنالشيخ الإمام العلامة جمال الدين زين الدين الحلبي، المعروف بابن حسن ليه الحلبي الشافعي، مولده كما قرأته بخطه في إجازة شيخنا الشيخ محمود البيلوني سنة إحدى وتسعمائة، ودخل دمشق، وأخذ عنه علماؤها، وأخذ عن الشيخ شمس الدين محمد بن شعبان الديروطي، المصري في سنة أربع وتسعمائة، وتفقه بالبرهان العمادي، وشيخ الإسلام شهاب الدين أحمد البرلسي الشافعي نزيل جامع منكل بغا بحلب، وكانت وفاته كما قرأته بخط شيخنا البيلوني بعيد الظهر يوم الأحد عاشر شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يونس بن العيثاوي

يونس بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي بكر العيثاوي الشافعي، الشيخ الفقيه العلامة شرف الدين مفيد الطالبين خطيب المسلمين والد شيخنا شيخ الإسلام، الشيخ أحمد. مولده سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء وثمانمائة. قرأ على شيخ الإسلام تقي الدين البلاطنسي، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، ومفتي دار العدل السيد كمال الدين بن حمزة، والشيخ العلامة الأوحد علي بن أبي اللطف المقدسي نزيل دمشق، والشيخ تقي الدين القاري، وأخذ عن الوالد، وحضر دروسه، وسمع عليه بعض تآليفه، وكان يتعاطى صناعة الشهادة، وكان مركزه على العادة في أيام الجراكسة عند باب الفرج، ثم ترك ذلك، وقام بخطابه الجامع الجديد خارج باب الفرج والفراديس، وهو جامع بردسك، وسمي بالجديد لتجديده. ويقال له: الجامع المعلق لكونه مبيناً على نهر بردا، وكان إمامه أيضاً، وكانت إقامته به ينفع الناس، وكان ممن ينكر القهوة البنية، وصمم على إنكارها، وألف فيها رسالة، وكان يعلن بالإنكار على شربها على المنبر، وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ولما كانت الدولة التركية، وكان قضاة قضاة دمشق لا يكونون إلا من الروم كان كثير منهم ينهي عن كتابة عقود الأنكحة في غير المحاكم، فقال له الشيخ يونس: يا مولانا لو صعد الموجبان والشاهدان إلى أعلى شاهق، وعقد النكاح هناك أكان يصح؟ قال: نعم كان يصح. قال له: يا مولانا لو نزلوا إلى أعمق واد، فعقد النكاح أكان يصح؟ قال: نعم كان يصح. قال: يا مولانا فما هذا التحريج على الناس أن لا يكتب نكاح إلا في المحاكم؟ قال: يا شيخ ينقص من محصولنا. قال: يا مولانا ما نقص من ذلك خير مما زاد، ووافقه على إنكار القهوة بعض قضاة قضاة زمانه، وانتفع به من الطلبة ولده شيخنا، وأخوه من قبله الشيخ تاج الدين المتقدم في الطبقة الوسطى، ثم قرأ شيخنا على أخيه، وانتفع به قبل أبيه، وانتفع به جماعات، وممن أخذ عنه الفقه القاضيان الأخوان أحمد، وعمر ابنا أبي بكر ابن الموقع. وله تآليف منها شرح الغاية و شرح الورقات وشرح تصحيح المنهاج المسمى بالمغني وتصحيح الغاية و ديوان خطب وعبارته لا تخلو عن ضعف في العربية، والغالب عليها الصحة، ومن شعره ما قرأته بخطه:
ملاذي غياثي عمدتي، ووسيلتي ... معيني مغيثي سيد الخلق أحمد
شفيعي مجيري ملجأي وذخيرتي ... حبيبي بشيري خير خلق محمد
حديثي شيخنا أن والده كان إذا قعد يقرأ القرآن يأتي ديك كان عندهم، فيقف بين يدي الشيخ يرفع رجلاً ويضع أخرى، فلا يبرح حتى يفرغ الشيخ من قراءته، وحدثني أنه كان في مرضه الذي مات فيه لا يجري على لسانه غير السؤال عن الأذان، ثم يشرع في الصلاة حتى مات رحمه الله تعالى توفي سنة ست أو سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، ودفن عند والده الشيخ تاج الدين في مرج الدحداح خارج باب الفراديس بالقرب من قبر الشيخ الطيبي والكفرسوسي رحمهم الله تعالى.
يونس الزباليونس الزبال، العبد الصالح، بل الولي المرشد الداعي إلى الله تعالى كان في أول الأمر زبالاً يجمع السرجين للحمامات بدمشق، ثم فتح الله تعالى عليه، فلزم السلوك حتى صار من أعيان المرشدين بدمشق، وصار له مجلس وحلقة ذكر عند قبر سيدي يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام بين القبر الشريف، والجدار القبلي، وأخذ عنه الشيخ علي النقطجي وغيره. بلغني أنه مات في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، ودفن بالقرب من زاويته بسوق صاروجا رحمه الله تعالى.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7