كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

أو لأبعثن إليكم رجلا مني وفي رواية مثل نفسي فليضربن أعناقكم وليسيبن ذراريكم وليأخذن أموالكم قال عمر رضي الله عنه فوالله ما تمنينت الإمارة إلا يومئذ وجعلت أنصب صدري له صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول هو هذا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى علي كرم الله وجهه فأخذ بيده وقال هو هذا هو هذا
وقد يقال لا يلزم من محبة الشيء تمنيه بخلاف العكس ففي هذه الغزاة أحب الإمارة وما تمناها وفي وفد ثقيف المتأخر عن هذه الغزاة تمناها لأن الوصف في ذلك أبلغ من الوصف هنا فليتأمل
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما بلغه مقالته صلى الله عليه وسلم أي في خيبر قال اللهم لا مطعي لما منعت ولا مانع لما أعطيت فبعث صلى الله عليه وسلم إلى عليا كرم الله وجهه وكان أرمد شديد الرمد أي وكان قد تخلف في المدين ثم لحق بالقم أي فقيل له إنه يشتكى عينيه فقال صلى الله عليه وسلم من يأتيني به فذهب اليه سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد عصب عينيه فعقد له صلى الله عليه وسلم اللواء أي لواءه الأبيض
فعن ابن اسحاق وابن سعد لم تكن الرايات إلا يوم خيبر أي فإنه صلى الله عليه وسلم فرق الرايات يومئذ بين أبي بكر وعمر والحباب بن المنذر وسعد بن عبادة رضي الله عنهم وإنما كانت الألوية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب وفي كلام المقريزي لما ذكر رتب الرياسة في الجاهلية ذكر أن العقاب كان في الجاهلية راية تكون لرئيس الحرب وجاء الإسلام وهي عند أبي سفيان وجاء الإسلام والسدانة واللواء عند عثمان بن ابي طلحة من بني عبد الدار
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت له صلى الله عليه وسلم راية سوداء مربعة من نمرة مخملة يقال لها العقاب وكان له راية صفراء ولواؤه أبيض دفعه إلى علي كرم الله وجهه وفيه أن ذلك اللواء يقال له العقاب
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت ألويته صلى الله عليه وسلم بيضاء وربما جعل فيها الأسود ولعل السواد كان كتابة في ذلك العلم ولعل هذا اللواء الذي فيه الأسود هو المعنى بما جاء في بعض الروايات كان له صلى الله عليه وسلم لواء ابيض مكتوب فيه لا إله

الله محمد رسول الله أي بالسواد ولعله محمل قول بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم لواء أغبر وربما كان من خز بعض نسائه فقال علي كرم الله وجهه يا رسول الله إني أرمد كما ترى لا أبصر موضع قدمي فتفل صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بصق في عينيه أي بعد أن وضع راسه في حجره وفي لفظ فتفل في كفه وفتح له عينيه فدلكهما فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع قال على رضي الله عنه فما رمدت بعد يومئذ وفي لفظ ما رمدت ولا صدعت وفي لفظ فا اشتكيتهما حتى الساعة
وفي هذا السياق لطيفة وهي أن من طلب شيئا أو تعرض لطلبه يحرمه غالبا وأن من لم يطلب شيئا ولم يتعرض لطلبه ربما وصل إليه وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن لاجل سؤاله إياه ذلك آخر عنه سنة أي وبعد السنة دعاه الملك وتوجه ورداه وقلده بسيفه وأمر له بسرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت وضرب له عليه حلة من استبرق وفوض إليه أمر مصر
وقد قيل لو وقعت قلنسوة من السماء لا تقع إلا على رأس من لا يريدها زاد في رواية عن علي كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم دعا له بقوله اللهم اكفه الحر والبرد قال علي كرم الله وجهه فما وجدت بعد ذلك اليوم لا حرا ولا بردا أي فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وفي لفظ الثوب الخفيف فلا يبالي بالبرد
وقد يخالف ذلك ما حكاه بعضهم قال دخل رجل على علي كرم الله وجهه وهو يرعد تحت سمل قطيفة أي قطيفة خلقة فقال يا أمير المؤمنين إن الله جعل لك في هذا المال نصيبا وانت تصنع بنفسك هكذا فقال والله لا أرزؤكم من مالكم وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن تكون رعدته رضي الله عنه ليست من البرد خلاف ما ظنه السائل لجواز أن تكون لحمى اصابته في ذلك الوقت وقد أشار إلى التفل صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** وعلي لما تفلت بعيني ** هـوكلتاهما معا رمداءا ** ** فغدا ناظرا بعيني عقاب ** في غزاة لها العقاب لواء **


وفي قوله صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إطلاق الراية على اللواء ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه خذ هذه الراية وتقدم أن الراية قد يطلق عليها لواء
هذا وفي كلام بعضهم أن أبا سفيان رضي الله عنه كانت إليه الراية المعروفة بالعقاب التي كانت لا يحبسها إلا رئيس إذا حميت الحرب هذا كلامه فلعل تسمية رايته صلى الله عليه وسلم بالعقاب لكونها كذلك فقال علي كرم الله وجهه علام أقاتلهم يا رسول الله قال أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم
وفي رواية لما اعطاه صلى الله عليه وسلم الراية قال له امش ولا تلتفت فسار شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله علام أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه المطلع وحده على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر زاد في رواية وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أين يكون لك حمر النعم أي تتصدق بها في سبيل الله فقد جعل صلى الله عليه وسلم عصمة الدم بالنطق بالشهادتين لكنه لا يقر من نطق بهما على ترك الصلاة ولا على ترك الزكاة ومن ثم قال له صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما يجب عليهم وفي لفظ قال له امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك
أي وعن حذيفة رضي الله عنه لما تهيأ علي كرم الله وجهه يوم خيبر للحملة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي والذي نفسي بيده إن معك من لا يخذلك هذا جبرسل عليه السلام عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها فاستبشر بالرضوان والجنة يا علي إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي الراية كل يوم واحدا من اصحابه ويبعثه فبعث أبا بكر رضي الله عنه فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من الغد أي برايته فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث رجلا من الانصار فقاتل ورجع ولم يكن فتح فقال عليه الصلاة والسلام لاعطين الراية

أى اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفار وفي لفظ كرار غير فرار فدعا عليا كرم الله وجهه وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك أى ودعا له ولمن معه بالنصر
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار أى الذى هو سيفه فى وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن فخرج على كرم الله وجهه بها يهرول حتى ركزها تحت الحصن فاطلع عليه يهودى من رأس الحصن فقال من أنت قال على بن أبى طالب فقال اليهودى علوتم وحق ما أنزل على موسى ثم خرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج منهم إليه الحارث أخو مرحب وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت على كرم الله وجهه فتضاربا فقتله على وانهزم اليهود إلى الحصن ثم خرج إليه مرحب فحمل مرحب عليه وضربه فطرح ترسه من يده فتناول على كرم اله وجهه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده أى وراء ظهره ثمانين شبرا قال الراوى فجهدت أنا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر قال بعضهم فى هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر قال وقيل ولم يقدر على حمله أربعون رجلا وقيل سبعون
وفى رواية أن عليا كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدا أن أعادوه مكانه وقيل حمل الباب على ظهره حتى صعد المسلمون عليه ودخلوا الحصن
قال بعضهم وطرق حديث الباب كلها واهية وفى بعضها قال الذهبي إنه منكر وفى الإمتاع وزعم بعضهم أن حمل على كرم الله وجهه الباب لا أصل له وإنما يروى عن رعاع الناس وليس كذلك ثم ذكر جملة ممن خرجه من الحفاظ
وجاء أن مرحبا لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن فى سلاحه أى وقد كان لبس درعين وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان وهو يرتجز ويقول من أبيات ** قد علمت خيبر أنى مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب **
ومعنى شاكى السلاح تام السلاح ومعنى مجرب أى معروف بالشجاعة وقهر

الفرسان ثم صار يقول هل من مبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا قال محمد بن مسلمة رضى الله عنه أنا له يارسول الله أنا الموتور أى الذى قتل له قتيل فلم يؤخذ بثأره الثائر قتل أخى بالأمس قال صلى الله عليه وسلم فقم إليه اللهم أعنه عليه فقتله محمد بن مسلمة رضى الله عنه أى فإن مرحبا حمل على محمد بن مسلمة فاتقاه بدرقته فوقع سيف مرحب فيها فعضت به وأمسكته فضربه محمد رضى الله عنه فقتله ويدل لذلك قول الإمام المزنى رحمه الله فى المختصر إن النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نفل محمد بن مسلمة سلب مرحب سيفه ورمحه ومغفره وبيضته ووجد على سيفه مكتوب هذا سيف مرحب من يصبه يعطب
وقيل القاتل له على كرم الله وجهه وبه جزم مسلم رحمه الله فى صحيحه قال بعضهم والأخبار متواترة به وقال ابن الأثير الصحيح الذى عليه أهل السير والحديث أن عليا كرم الله وجهه قاتله وفى الاستيعاب والصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليا قاتله ويروى أن عليا كرم الله وجهه ورضى الله عنه لما خرج إليه ارتجز بقوله ** أنا الذى سمتنى أمى حيدره ** ضرغام آجام وليث قسورة **
وقيل بدله كليث غابات كريه المنظره
أى فإن أم على كرم الله وجهه سمته أسدا باسم أبيها وكان أبوه أبو طالب غائبا فلما قدم كره ذلك وسماه عليا أى ومن أسماء الأسد حيدرة والحيدرة الغليظ القوى وقيل لقب بذلك فى صغره لأنه كان عظيم البطن ممتلئا لحما ومن كان كذلك يقال له حيدره
ويقال إن ذلك كان كشفا من على كرم اله وجهه فإن مرحبا كان رأى فى تلك الليلة فى المنام أن أسدا افترسه فذكره على كرم الله وجهه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه
ويروى أن عليا كرم الله وجهه ضرب مرحبا فتترس فوقع السيف على الترس فقدة وشق المغفر والحجر الذى تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف فى الأضراس وإلى ذلك يشير بعضهم وقد أجاد بقوله

** وسادن أبصرته مقبلا ** فقلت من وجدى به مرحبا ** ** قد فؤادي فى الهوى قدة ** قد على فى الوغى مرحبا **
أى وقد يجمع بين كون القاتل لمرحب عليا كرم الله وجهه وكون القاتل له محمد ابن مسلمة بأن محمد بن مسلمة أثبته أى بعد أن شق على كرم الله وجهه هامته لجواز أن يكون شق هامته ولم يثبته فاثبته محمد بن مسلمة ثم أن عليا كرم الله وجهه وقف عليه
أى ويدل لذلك مافى بعض السير عن الواقدى رحمه الله لما قطع محمد بن مسلمة ساقى مرحب قال له مرحب أجهز على فقال لا ذق الموت كما ذاقه أخى ومر به على كرم الله وجهه فضرب عنقه وأخذ سلبه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلبه فقال محمد يا رسول الله ما قطعت رجليه وتركته إلا ليذوق الموت وكنت قادرا أن أجهز عليه فقال على كرم اله وجهه صدق فأعطى سلبه لمحمد بن مسلمة رضى الله عنه ولعل هذا كان بعد مبارزة عامر بن الأكوع لمرحب فلا ينافى مامر عن فتح البارى ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر أى وهو يرتجز بقوله ** قد علمت خيبر أنى ياسر ** شاكى السلاح بطل مغادر **
وكان أيضا من مشاهير فرسان يهود وشجعانهم وهو يقول من يبارز فخرج له الزبير رضى الله عنه فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنه يقتل ابنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله فقتله الزبير رضى الله عنه أى وعند ذلك قال له صلى الله عليه وسلم فداك عم وخال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير
وذكر الزمخشرى أن هذه الواقعة للزبير كانت فى بنى قريضة حيث قال إنه يعنى الزبير رضى الله عنه أول من استحق السلب وكان ذلك فى بنى قريظة برز رجل من العدو فقال رجل ورجل فقال النبى صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب واحدى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما علا صاحبه فقتله فعلاه الزبير رضى الله عنه فقتله فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وقال السلب للقاتل هذا كلامه فليتأمل فإنى لم أقف فى كلام أحد على أن بنى قريظة وقعت منهم مقاتلة بالمبارزة

وفى رواية أن القاتل لياسر على بن أبى طالب كرم الله وجهه أى ويمكن الجمع بمثل ما تقدم وكان شعار المسلمين أمت أمت وفى رواية يا منصور أمت أمت
ومن جملة من قتل من المسلمين الأسود الراعي كان أجيرا لرجل من اليهود يرعى غنمه وكان عبدا حبشيا يسمى أسلم أى وفى الإمتاع اسمه يسار فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو محاصر خيبر وقال يا رسول الله اعرض على الإسلام فعرضه عليه فأسلم
وفى رواية أنه قال إن أسلمت فماذا لى قال الجنة فأسلم فلما أسلم قال يا رسول الله إنى كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم فكيف أصنع بها وفى لفظ إنها أمانة وهى للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم له اضرب فى وجهها فإنها سترجع إلى ربها فقام الأسود فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها فى وجههاا وقال ارجعى إلى صاحبك فوالله لا أصحبك فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدم رضى الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر وفى رواية سهم غرب بفتح الراء والإضافة وبتسكين الراء بلا إضافة وهو ما لايعرف رامية فقتله ولم يسجد لله سجدة فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه فقال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه وتقولان له ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك زاد فى لفظ لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وفتح الله ذلك الحصن الذى هو حصن ناعم وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يد على كرم الله وجهه
أى وعن عائشة رضى الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بنى قمة أى وهى أول دار فتحت بخيبر وهى بالنطاة وهى منزل ياسر أخى مرحب وظاهر السياق أنها حصن ناعم
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما فتح الحصن أخذ الرجل الذى قتل أخا محمد بن مسلمة وسلمه إليه فقتله وتقدم أن محمد بن مسلمة رضى الله عنه قتل مرحبا لكونه قاتل أخيه على ماتقدم وسيأتى أنه صلى الله عليه وسلم دفع كنانة لمحمد بن مسلمة ليقتله بأخيه

وهذا يؤيد ماتقدم من أن الثلاثة أى مرحب وكنانة وذلك الرجل الذى سلمه على له اشتركوا فى قتل أخى محمد بن مسلمة
قال وأصاب المسلمين رضى الله عنهم مجاعة وأرسلت أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بن حارثة وأمرته أن يقول له صلى الله عليه وسلم إن أسلم يقرئونك السلام ويقولون أجهدنا الجوع فلامهم رجل وقال من بين العرب تصنعون هذا فقال زيد بن حارثة أخو أسماء والله إنى لأرجو أن يكون البعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الخير فجاءه صلى الله عليه وسلم أسماء وبلغه ماقالت أسلم فدعا لهم فقال اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة وأن ليس بيدى شىء أعطيهم إياه وقال اللهم افتح أكثر الحصون طعاما وودكا ودفع اللواء للحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه وندب الناس وكان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبل ماغابت الشمس من ذلك اليوم بعد أن أقاموا على محاصرته يومين وما بخيبر حصن أكثر طعاما منه أى من شعير وتمر وودك أى من سمن وزيت وشحم وماشية ومتاعا منه ولا يخالف هذا ماتقدم عن عائشة فى وصف حصن ناعم من قولها ماشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره ولا ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم حصون الكثيبة لأنه يجوز أن يكون المراد بأموالهم النقود ونحوها دون ماذكر هنا وكان فى هذا الحصن الذى هو حصن الصعب خمسمائة مقاتل وقبل فتحه خرج منه رجل يقال له يوشع مبارزا فخرج له الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فقتله وخرج آخر مبارزا يقال له الديال فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري رضي الله تعالى عنه فضربه على هامته فقتله وقال له خذها وأنا الغلام الغفارى فقال الناس حبط جهاده فقال صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك يؤجر ويحمد أي وحملت يهود حملة منكرة فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف قد نزل عن فرسه فثبت الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فحرض صلى الله عليه وسلم المسلمين على الجهاد فاقبلوا وزحف بهم الحباب رضى الله تعالى عنه فانهزمت يهود واغلقت الحصون عليهم
ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن يقتلون ويأسرون فوجدوا فى ذلك الحصن من

الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا واعلفوا ولا تحملوا أى لا تخرجوا به إلى بلادكم
وهذا دليل لما ذهب إليه إمامنا رضى الله تعالى عنه من أن للغانمين اخذ ماتعم الحاجة إليه من الطعام ومايؤكل غالبا من الفواكه وعلف الدواب من الغنيمة بدار الحرب إذا كان الجهاد بدار الحرب إلى أن يصلوا إلى غير دار الحرب مما يباع ذلك فيه وليس لهم أخذ ماتندر الحاجة إليه كالفانيد والسكر ولا ينافى ذلك ماذكر هنا لأنه يجوز أن يكون الإذن فى اكل مجموع ماذكر
وفى السيرة الهشامية عن عبد الله بن مغفل رضى الله تعالى عنه قال أصبت من فيء خيبر أى من غنيمتها جراب شحم فاحتملته على عنقى أريد رحلى فلقينى صاحب المغانم الذى جعل عليها أى وهو أبو اليسر كعب بن عمرو بن زيد الأنصارى رضى الله تعالى عنه فأخذ بناصيته وقال هلم بهذا حتى نقسمه بين المسلمين فقلت والله لا أعطيكه فجعل يجاذبنى الجراب فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك فتبسم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم لا أبا لك خل بينه وبينه فأرسله فانطلقت به إلى رحلى وأصحابى فأكلناه
وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى هذا الحصن الذى هوحصن الصعب آلة حرب دبابات ومنجنيقا أى وذلك موافق لما تقدم عن ذلك المخبر له صلى الله عليه وسلم بأن فى حصن فى بيت منه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف ولعل وجود ذلك كان بدلالة ذلك الرجل عليه
ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة وهو حصن بقلة جبل أى ويعبر عن هذا بقلة الزبير رضى الله تعالى عنه أى الذى صار فى سهم الزبير بعد ذلك وهو آخر حصون النطاة أى فحصون النطاة ثلاثة حصن ناعم وحصن الصعب وحصن قلة
فأقام المسلمون على حصار هذا الحصن الذى هو حصن قلة ثلاثة أيام فجاء رجل من اليهود وقال له صلى الله عليه وسلم يا أبا القاسم تؤمنى على أن أدلك على ماتستريح به فإنك لو مكثت شهرا لا تقدر على فتح هذا الحصن فإن به دبولا وهى الأنهر الصغيرة تحت الأرض يخرجون ليلا فيشربون منها فإن قطعت عنهم شربهم أهلكتهم فأمنه

صلى الله عليه وسلم وسار إلى دبولهم فقطعها فعند ذلك خرجوا وقاتلوا أشد القتال وفتح ذلك الحصن ثم سار المسلمون إلى حصار حصون الشق بفتح الشين المعجمة وكسرها والفتح أعرف عند أهل اللغة فكان أول حصن بدأ به من حصنى الشق حصن أبى فقاتل أهله قتالا شديدا خرج رجل منهم يقال له غزوال يدعوا إلى البراز فبرز له الحباب رضى الله تعالى عنه وحمل عليه فقطع يده اليمنى ونصف الذراع فبادر راجعا منهزما إلى الحصن فتبعه الحباب فقطع عرقوبه فوقع فذفف عليه فخرج آخر مبارزا فخرج له رجل من المسلمين فقتل ذلك الرجل وقام مكانه يدعو للبراز فخرج له أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فضربه أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فقطع رجله ثم ذفف عليه
وعند ذلك أحجمت يهود عن البراز فكبر المسلمون وتحاملوا على الحصن ودخلوه يقدمهم أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه ولحق بحصن يقال حصن البرىء وهو الحصن الثانى من حصنى الشق فتمنعوا به أشد التمنع وكان أهله رميا للمسلمين بالنبل والحجارة حتى أصاب النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ لهم صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فحصب به ذلك الحصن فرجف بهم ثم ساخ فى الأرض وأخذ المسلمون من فيه أخذا ذريعا أى فحصون الشق اثنان حصن أبى وحصن البرىء
وحينئذ يتأمل فى قول الحافظ الدمياطى فى سيرته والشق وبه حصون منها حصن أبى وحصن البرىء
أقول وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى حصن الصعب الذى هو أحد حصون النطاة منجنيقا أى كما أخبر بذلك اليهودى الذى جاء به عمر رضى الله تعالى عنه وأدخله عليه صلى الله عليه وسلم وأمنه كما تقدم وأنهم نصبوا المنجنيق الذى وجدوه فى حصن الصعب على هذا الحصن الذى هو حصن البرىء من حصون الشق أى وهو يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا فى غزوة الطائف إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد بعدم نصبه أنه لم يرم به إلا فى غزوة الطائف وأما هنا فنصب ولم يرم به فلا مخالفة
ووجدوا في هذا الحصن آنية من نحاس وفخار كانت اليهود تأكل فيها وتشرب فقال صلى الله عليه وسلم اغسلوا واطبخوا وكلوا فيها واشربوا وفى رواية سخنوا

فيها الماء ثم اطبخوا بعد وكلوا واشربوا وحكمة تسخين الماء فيها لا تخفى وهى أن الماء الحار أقوى فى النظافة وإخراج الدسومة والله أعلم
ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكثيبة وهى ثلاثة حصون القموص كصبور والوطيح وسلالم بضم السين المهملة وكان أعظم حصون خيبر القموص وكان منيعا حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد على كرم الله وجهه ومنه سبيت صفية رضى الله تعالى عنها كما قاله الحافظ ابن حجر

قال وقيل كان اسمها قبل أن تسبي زينب فلما صارت من الصفى سميت صفية والصفى ما كان يصطفيه صلى الله عليه وسلم لنفسه من الغنيمة قبل أن تقسم على ما تقدم وكان فى الجاهلية لأمير الجيش ربع الغنيمة ومن ثم قيل له المرباع
قال السهيلى رحمه الله كانت أموال النبى صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه من الصفى والهدية وخمس الخمس هذا كلامه ولا يخفى أنه يزاد على ذلك الفىء
وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح بالحاء المهملة مأخوذ من الوطح وهو فى الأصل ماتعلق بمخالب الطير من الطين سمى الوطيح باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود وحصن سلالم ويقال له السلاليم وهو حصن بنى الحقيق آخر حصون خيبر
ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوما فلم يخرج أحد منهما فهم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم أى على من فيهما المنجنيق أى ينصبه عليهم ولم يرم به فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم وأن لا يصحب واحدا منهم إلا ثوب واحد على ظهره وفى لفظ وتركوا مالهم من مال وأرض من الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة والبز إلا ثوبا واحدا فصالحهم على ذلك وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم أن يكتموه شيئا من متاعهم يسألهم عنه
فعلم أن حصون خيبر فتحت عنوة إلا الحصنين المذكورين وهما الوطيح وسلالم فإنهما لم يفتحا عنوة بل صلحا فكانا فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أنهم لم يقاتلوا فى حال حصارهم لأن الفىء ما جلوا عنه من غير مقاتلة كذا قيل

وظاهر إطلاق قول الروضة من الفىء ما صولح عليه أهل بلد من الكفار أنه وإن كان بعد محاصرتهم ومقاتلتهم للمسلمين فى حال حصارهم برمى الحجارة أو النبل
وفى فتح البارى نقلا عن ابن عبد البر أنه جزم بأن حصون خيبر فتحت عنوة وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال هذا كلامه فليتأمل فإن بالقتال يخرج عن كونه فيئا ولعل المراد قتال بالنبل ورمى بالحجارة وإلا فقد تقدم أنه لم يخرج منهما أحد للمقاتلة فليتأمل فإن كلامه يقتضى أن بالحصار وبالقتال بنحو النبل يخرج ذلك عن كونه فيئا له صلى الله عليه وسلم ويكون غنيمة ولعله مذهب المالكية الذى هو مذهب ابن عبد البر رحمه الله تعالى
وفى الاصل عن ابن شهاب رحمه الله أنه قال بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال هذا كلامه فظاهره أن القتال وقع من الذين جلوا فى حال حصارهم وإلا فقد علمت أن الذين جلوا لم يخرج أحد منهم للقتال في حال حصارهم وسيأتى مايصرح بأن ماجلوا عنه فىء لا غنيمة
ووجدوا فى الحصنين المذكورين مائة درع واربعمائة سيف وألف رمح وخمسمائة قوس عربية بجعابها أى ووجدوا فى أثناء الغنيمة صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر صلى الله عليه وسلم بدفعها إليهم
وهو يخالف ما قاله أئمتنا أن كتبهم التى يحرم الانتفاع بها لكونها مبدلة تمحى إن أمكن أو تمزق وتجعل فى الغنيمة فتباع إلا أن يدعى أن تلك الصحف لم تكن مبدلة وغيبوا الجلد الذى كان فيه حلى بنى النضير أى وعقود الدر والجوهر الذى جلوا به لأنهم لما جلوا كان سلام بن أبى الحقيق رافعا له ليراه الناس وهو يقول بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها كما تقدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعيه ابن عمرو أى وهو عم حيى بن أخطب وفى لفظ سعيه بن سلام بن أبى الحقيق وفى الإمتاع وسأل صلى الله عليه وسلم كنانة بن أبى الحقيق أين مسك أى جلد حيى ابن أحطب أى وإنما نسب إليه الجلد المذكور فقيل كنز حيى لأن حييا كان عظيم بنى النضير وإلا فهو لا يكون إلا عند بنى الحقيق فقال أذهبته الحروب والنفقات

فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية بن عمرو للزبير رضى الله تعالى عنه فمسه بعذاب فقال رأيت حييا يطوف فى خربة ههنا فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا ذلك الجلد
قال وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتى بكنانة وهو زوج صفية تزوجها بعد أن طلقها سلام بن مشكم وبالربيع أخوة فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أين آنيتكما التى كنتم تعيرونها أهل مكة أى لأن اعيان مكة إذا كان لأحدهم عرس يرسلون فيستعيرون من ذلك الحلى انتهى أى والآنية والكنز عبارة عن حلى كان أولا فى جلد شاة ثم كان لكثرته فى جلد ثور ثم كان لكثرته فى جلد بعير كما تقدم فقالا أذهبته النفقات والحروب فقال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر من ذلك إنكما إن كتمتمانى شيئا فاطلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما فقالا نعم فأخبره الله بموضع ذلك الحلى أى فإنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار اذهب إلى محل كذا وكذا ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك أو قال عن يسارك مرفوعة فائتنى بما فيها فانطلق فجاءه بالآنية
ويمكن الجمع بين هذا وما تقدم وما يأتى أنهم فتشوا عليه فى خربة حتى وجدوه بان التفتيش كان فى أول الأمر وإعلام الله تعالى له بذلك كان بعد فجىء به فقوم بعشرة آلاف دينار أى لأنه وجد فيه أساور ودمالج وخلاخيل وأقرطة وخواتيم الذهب وعقود الجوهر والزمرد وعقود أظفار مجزع بالذهب فضرب أعناقهما وسبى أهلهما
أى وفى لفظ آخر لما فتحت خيبر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع وفى لفظ ابن ربيعة بن أبى الحقيق وكان عنده كنز بنى النضير فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال إنى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة أى فإن كنانة حين راى النبى صلى الله عليه وسلم فتح حصن النطاة وتيقن ظهوره عليهم دفنه فى خربة
أى وفيه أن هذا لا يناسب ماسبق من أن حييا كان يطيف بتلك الخربة إلا أن يقال جاز أن يكون دفنه فى تلك الخربة فى محل آخر غير الذى دفنه فيه حيى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدته عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يؤديه فأمر به الزبير رضى الله تعالى عنه فقال عذبه حتى نستأصل ما عنده فكان

الزبير رضى الله تعالى عنه يقدح بزند أى بالزناد الذى يستحرج به النار على صدره حتى أشرف على نفسه
وأخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق فهو من السياسة الشرعية ثم دفعه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضى الله تعالى عنه فضرب عنقه باخيه محمود أى ولا مانع أن يكون السؤال وتعذيب الزبير وقع لسعيه وكنانة أيضا
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم أى التى غنمت قبل الصلح فجمعت وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا منها صفية رضى الله تعالى عنها بنت حيى ابن أخطب من سبط هرون بن عمران أخى موسى عليهما الصلاة والسلام فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وجعلها عند أم سليم التى هى أم أنس خادمه صلى الله عليه وسلم حتى اهتدت وأسلمت ثم اعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها أى أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فى المآل أى لم يجعل لها شيئا غير العتق
وقد سئل أنس رضى الله تعالى عنه عن صفية فقيل له يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وهذا يرد ما استدل به بعض فقهائنا على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نكاح الأمة الكتابية وجواز وطئها بملك اليمين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية قبل إسلامها بملك اليمن
ويرد أيضا على من استدل من فقائنا على استحباب الوليمة للسرية بأنه صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية رضي الله تعالى عنها قالوا إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته وذلك دليل على على استحباب الوليمة للسرية إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية وذلك بعد أن خيرها صلى الله عليه وسلم بين أن يعتقها فارجع إلى من بقى من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت أختار الله ورسوله
وذكر فى الأصل أن جعل عتق الأمة صداقها من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره الجلال السيوطى فى الخصائص الصغرى وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى عدم

الخصوصية وقال ابن حبان لم ينقل دليل على أنه خاص به صلى الله عليه وسلم دون أمته
وقيل إن دحية الكلى رضى الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فوهبها له وقيل وقعت فى سهمه رضى الله تعالى عنه ثم ابتاعها صلى الله عليه وسلم منه بتسعة أرؤس أى وإطلاق الشراء فى ذلك على سبيل المجاز على أنه يخالف ما تقدم أنها من صفية صلى الله عليه وسلم قبل القسمة
وفى البخارى فجمع السبى فجاء دحية رضى الله تعالى عنه فقال يا نبى الله أعطنى جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنظير لا تصلح إلا لك فقال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبى صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبى غيرها أى فأخذ غيرها
أى والتى أخذها غيرها هى أخت كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق زوج صفية كما فى الأم لإمامنا الشافعى رضى الله عنه عن سيرة الواقدى وقول الرجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا نبى الله أعطيت دحية صفية يدل على أنه اسمها وحينئذ يخالف ماقيل إن اسمها زينب فسماها صلى الله عليه وسلم صفية كما تقدم
وفى رواية أن صفية سبيت هى وبنت عم لها وأن بلالا جاء بهما فمر على قتلى يهود فلما رأتهم بنت عم صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها صلى الله عليه وسلم قال اعزبوا عنى هذه الشيطانة وقال صلى الله عليه وسلم لبلال أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم دفع صلى الله عليه وسلم بنت عمها لدحية الكلبى رضى الله تعالى عنه وفى رواية وأعطى دحية بنت عمها عوضا عنها
أى وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية رأى بأعلى عينها خضرة فقال ما هذه الخضرة قالت كان رأسى فى حجر بن أبى الحقيق تعنى زوجها أى وهى عروس وأنا نائمة فرأيت كأن القمر وقع فى حجرى فأخبرته بذلك فلطمنى وقال تتمنى ملك العرب وفى لفظ حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وكانت عروسا رأت كأن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها فقصت ذلك على زوجها

قال والله ما تتمنين إلا هذا الملك الذى نزل بنا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ولا مانع من تعدد الرؤية أو أنها رأت الشمس والقمر فى وقت واحد وسيأتى فى الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم أنها قصت ذلك على أبيها ففعل بها ذلك وسيأتى أنه لا مانع من تعدد الواقعة وأنهما فعلا بها ذلك
وتقدم أن جويرية رضى الله تعالى عنها رأت القمر أيضا وقع فى حجرها وكون صفية رضى الله تعالى عنها كانت عروسا عند مجيئه صلى الله عليه وسلم خيبر ربما يدل على أن سلام ابن مشكم طلقها قبل الدخول بها فقد تقدم أن كنانة تزوج بها بعد أن طلقها سلام ابن مشكم فليتأمل
وعن صفية رضى الله تعالى عنها أنها قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من الناس أحد أكره إلى منه قتل أبى وزوجى وقومى فقال صلى الله عليه وسلم يا صفية أما إنى أعتذر إليك مما صنعت بقومك إنهم قالوا لى كذا وكذا وقالوا فى كذا وكذا وفى رواية إن قومك صنعوا كذا وكذا ومازال صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى حتى ذهب ذلك من نفسى فما قمت من مقعدى ومن الناس أحد أحب إلى منه صلى الله عليه وسلم وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طهرت من الحيض فى قبة بعد أن دفعها صلى الله عليه وسلم لأم سليم لتصلح من شأنها وبات تلك الليلة أبو أيوب الأنصارى رضى الله تعالى متوشحا سيفه يحرسه ويطوف بتلك القبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى مكان أبى أيوب فقال مالك يا أبا أيوب قال رسول الله خفت عليك من هذه المرأة قتلت أباها وزوجها وقومها وهى حديثة عهد بكفر فبت أحفظك فقال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى قال السهيلى رحمه الله فحرس الله أبا أيوب بهذه الدعوة حتى إن الروم لتحرس قبره ويستشفون به فيستصحون أى ويستسقون به فيسقون
فإنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين فلما بلغوا القسطنطينية مات أبو أيوب رضى الله عنه هنالك فأوصى يزيد أن يدفنه فى أقرب موضع من مدينة الروم فركب المسلمون ومشوا به حتى إذا لم يجدوا مكانا مساغا دفنوه فسألتهم الروم عن شأنهم فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة فقالت الروم ليزيد ما أحمقك وأحمق من أرسلك أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه فحلف لهم يزيد لئن فعلتم ذلك ليهدمن كل

كنيسة بأرض العرب وينبش قبورهم فحينئذ حلفوا له بدينهم ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا
أى وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قطع ستة أميال من خيبر وأراد أن يعرس بها فأبت فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فلما سار ووصل الصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته فقال لها ما حملك على إبائك حين أردت المنزل الأول قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود وهذا المحل الذى هو الصهباء هو الذى ردت فيه الشمس لعلى بعد ماغربت كما تقدم
وأقام صلى الله عليه وسلم بذلك المحل ثلاثة أيام وجعل وليمتها حيسا فى نطع صغير والحيس تمر وأقط وسمن أى ففى البخارى فأصبح النبى صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر أى وجعل الرجل يجىء بالأقط وذكر أيضا السويق
ولا يخفى أن الحيس خلط السمن والتمر والأقط إلا أنه قد يخلط مع هذه الثلاثة السويق وهذا يدل على أن الوليمة على صفية رضى الله تعالى عنها كانت نهارا
وذهب ابن الصلاح من أئمتنا إلى أن الأفضل فعلها ليلا قال بعضهم وهو متجه إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها ليلا أى لأحد من نسائه وقد جاء لا بد للعرس من وليمة
وقال لأنس آذن من حولك أى ليأكلوا من ذلك الحيس وكان صلى الله عليه وسلم يضع لها ركبته لتركب فتضع رجلها على ركبته الشريفة حتى تركب وفى لفظ لما وضع صلى الله عليه وسلم ركبته لتركب عليها أبت أن تضع قدمها على ركبته الشريفة ووضعت فخذها على ركبته أى ولعل هذا الثانى منها كان فى أول الأمر فلا مخالفة وعن صفية رضى الله تعالى عنها ما رأيت أحد قط أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته ركب بى فى خيبر وأنا على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فتضرب رأسى مؤخرة الرحل فيمسنى بيده ويقول ياهذه مهلا ونهى صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى من النساء اللاتى سبين وأن لا يصيب أحد امرأة من السبى غير حامل حتى يستبرئها أى تحيض
أى وفى لفظ أمر صلى الله عليه وسلم مناديه ينادى أن من آمن بالله واليوم الآخر لا يسق بمائه زرع الغير ولا يطأ امرأة حتى تنقضى عدتها أى حتى تحيض

وبلغه صلى الله عليه وسلم عن شخص أنه ألم بامرأة من السبى حبلى فقال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه فى القبر ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم
ورأيت فى كلام بعضهم أن غالب اقتياتهم فى خيبر كان أكل الثوم والكراث حتى تقرحت أشداقهم أى وذلك قبل النهى
ثم رأيت فى الترغيب والترهيب عن أبى ثعلبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدوا فى جنانها بصلا وثوما فاكلوا منه وهم جياع فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريح بصل وثوم فقال النبى صلى الله عليه وسلم من أكل هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا وليس فى ذلك نهى عن أكل الثوم والبصل أى مطلقا إنما النهى عن إتيان المسجد لمن أكلهما تأمل
ومن ثم جاء أنه لما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قال الناس حرم ذلك فلما بلغه صلى الله عليه وسلم ماقالوا قال أيها الناس إنه ليس لنا تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها
وعن فرقد السنجى ماأكل نبى قط ثوما ولا بصلا
ونهى صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء ففى مسلم عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر
قال بعضهم والراجح أن النهى عن متعة النساء لم يكن فى خيبر فإنه شىء لم يعرفه أهل السير ولا رواة أهل الأثر ويدل لذلك ماقيل إن ثنية الوداع إنما سميت بذلك لأنهم فيها ودعوا النساء اللاتى تمتعوا بهن فى خيبر أي وإنما كان تحريمها عام الفتح أي ولا معارضة لأنه أحل بعد ذلك أي بعد خيبر فى عام الفتح ثم حرم فيه بعد ثلاثة أيام كما سيأتى
وقيل حرمت فى حجة الوداع وقيل فى غزوة أوطاس وهذا هو الصحيح وسيأتى فى غزوة الفتح الجمع بين هذه الأقوال
قال السهيلى رحمه الله وأغرب ماروى فى ذلك رواية من قال إن ذلك كان فى غزوة تبوك وفى حديث خرجه أبو داود أن تحريم نكاح المتعة كان فى حجة الوداع ومن قال من الرواة إنه كان فى غزوة أوطاس فهو موافق لمن يقول إنه كان عام الفتح هذا كلامه

وعن إمامنا الشافعى رضى الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة أى فقد حرمت مرتين
ونقل السهيلى رحمه الله وغيره عن بعضهم أنها أبيحت وحرمت ثلاث مرات وعن بعضهم أنها أبيحت وحرمت أربع مرات ولينظر هذا مع قول بعضهم إن أول من حرم المتعة سيدنا عمر رضى الله عنه
وقيل لم يحرمها صلى الله عليه وسلم مطلقا بل عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها أى عند خوف الزنا وبذلك كان يفتى ابن عباس رضى الله عنهما
وفى كلام فقهائنا والنهى عن نكاح المتعة فى خبر الصحيحين الذى لو بلغ ابن عباس رضى الله عنهما لم يستمر على القول بإباحتها لمن خاف الزنا مخالفا فى ذلك لكافة العلماء وقد وقعت مناظرة فى المتعة بين القاضى يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة فدخل عليه يحيى بن أكثم وهو متغير اللون بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون مالى أراك متغيرا قال لما حدث فى الإسلام قال وماحدث قال النداء بتحليل الزنا قال المتعة زنا قال نعم المتعة زنا قال ومن أين لك هذا قال من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الكتاب فقد قال الله تعالى قد أفلح المؤمنون إلى قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يا أمير المؤمنن زوجة المتعة ملك يمين قال لا قال أفهى الزوجة التى عند الله ترث وتورث ويلحق بها الولد قال لا قال فقد صار متجاوز هذين من العادين وأما السنة فقد روى الزهرى بسنده إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادى بالنهى عن المتعة وتحريمها بعد أم كان أمر بها فالتفت المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهرى الوا نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة
ونهى صلى الله عليه وسلم فى خيبر عن لحوم الحمر الأهلية أى فإنهم أصابهم جوع فوجدوا الحمر الأهلية أى ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون وقيل لم يدخلوها الحصون فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها وجعلوا لحومها فى القدور والبرام وجعلوا بطبخونها للأكل فمر بهم النبى صلى الله عليه وسلم فسألهم عما فى القدور والبرام

قالوا لحوم الحمر الإنسية أى المخالطة للإنس فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن أكلها حتى إن القدور أكفئت وإنها لتفور
أى وفى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى نيرانا توقد يوم خيبر قال علام توقد هذه النيران قالوا على الحمر الإنسية قال اكسروها وأهريقوها قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوها
وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ماهذه النيران على أى شىء توقد قالوا على لحم قال على أى لحم قالوا على لحم حمر إنسية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها واكسروها فقال رجل يارسول الله أو نهريقها ونغسلها فقال أو ذاك وعدوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الثانى إما باجتهاد أو وحى
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عند ذلك أمر عبد الله بن عوف أن ينادى فى الناس أن لحوم الحمر الأهلية لا تحل لمن يشهد أن محمدا رسول الله وأمر أن تكفأ القدور ولا يأكلوا من لحوم القدور شيئا
وفى مسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر الحمر الأهلية فإنها رجس أو نجس وهذا السياق كله يدل على أنهم لم يأكلوا منها شيئا
وفي السيرة الهشامية وأكل المسلمون من لحوم الحمر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى الناس عن أمور سماها لهم وهذا يرد القول بأنه إنما نهى عن أكلها للحاجة إليها أو لأنها أخذت قبل القسمة
وروى أبو داود بإسناد على شرط مسلم عن جابر رضى الله تعالى عنه ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل وفى رواية ورخص فى أكل الخيل أى أباح أكلها
وفى مسلم عن أسماء رضى الله عنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه أى وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولم ينكره
وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال والخيل
قال السهيلى رحمه الله وحديث الإباحة أصح وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى

يوم خيبر عن اكل لحم الجلالة وعن ركوبها حتى تعلف أربعين يوما والجلالة التى تأكل الجلة وهى الروث والعذرة وذكر الهروى أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الدجاج الجلالة حتى تقصر أى تحبس ثلاثة أيام وذكر فقهاؤنا أن الحمر الأهلية حللت بعد تحريمها ثم حرمت فليتأمل
ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع أى وذى مخلب من الطير وعن بيع المغانم حتى تقسم وجعلت له صلى الله عليه وسلم مائدة فأكل متكئا واطلى بالنورة وكان ينوره الرجل فإذا بلغ عانته تولى ذلك صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة
وروى ابن ماجه بسند جيد كما قاله الحافظ ابن كثير أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته فطلاها وطلى سائر جسده أهله وحينئذ يكون المراد بعانته فى الرواية السابقة العورة على أن تلك الرواية مرسلة فلا يحتج بذلك لمن يقول إن العورة ماعدا السوءتين
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهوره وإن الله تعالى يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم أى فهو من نعيم الدنيا ومن ثم كرهه عمر رضى الله عنه
وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له وقد دخل الحمام أتدخل الحمام وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام
وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما طاب حمامكما وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمسة عشر يوما وماورد انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتنور فهو ضعيف معارض بما هو أقوى منه وأكثر عددا على أن المثبت مقدم على النافى أى وفى الينبوع وقول أنس رضى الله عنه إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا يتنور وكان يحلق محمول على الغالب من أمره صلى الله تعالى عليه وسلم

وفى الخصائص الصغرى وقال ابن عباس رضى الله عنهما ماتنور نبى قط وفى صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لقص الشارب وتقليم الأظفار أن لا يدع ذلك أربعين يوما أى وكان صلى الله عليه وسلم يقص أظفاره كل خمسة عشر يوما كما تقدم
وقد استفيد من هذا كما قال بعضهم فائدة نفيسة وهى ذكر التوقيت للتنور وقص الأظفار قال بعضهم وفيه نظر فإن بدنه صلى الله عليه وسلم كان فى غاية الاعتدال فلا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره فى ذلك نظير ماقالوه فيما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يوضئه المد ويغسله الصاع إن ذلك خاص ببدن من يكون خاص ببدن من يكون بدنه كبدنه عليه الصلاة والسلام نعومة واعتدالا وإلا زيد ونقص المتفاوت فكذلك هنا ومن ثم قال الأئمة رحمهم الله فى نحو حلق العانة ونتف الإبط والقلم للظفر وقص لاشارب إن ذلك لا يتقيد بمدة بل يختلف باختلاف الأبدان والمحال فيعتبر وقت الحاجة إلى إزالة ذلك
وبهذا يرد على من قال يكره التنور فى أقل من شهر وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر الأشعريون أى ومنهم أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه والدوسيون ومنهم أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فسال صلى الله عليه وسلم أصحابه رضى الله عنهم أن يشركوهم فى الغنيمة ففعلوا
قال وعن موسى بن عقبة رحمه الله أن أحد الأشعريين ومن ذكر معهم أى وهم الدوسيون من هذين الحصنين اللذين فتحا صلحا وتكون مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شىء من حقهم وإنما هى المشورة العامة أى المأمور بها فى قوله تعالى وشاورهم فى الأمر انتهى
أقول وهذا صريح فى أن ذلك كان فيئا له صلى الله عليه وسلم فهما ومافيهما مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم لأن الفىء ماجلوا عنه من غير قتال أى من غير مصافة للقتال
والحاصل أن أرض خيبر ونخلها غنيمة لأنه صلى الله عليه وسلم غلب على النخل والأرض وألجأهم إلى الحصون وفتح جميع الحصون عنوة إلا الوطيح والسلالم

فإنهما فتحا صلحا على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم بشرط أن لا يكتموه شيئا من أموالهم وأن من كتم شيئا انتقض ذلك الصلح له بالنسبة لدمه وذراريه
وهذان الحصنان هما المرادان بالكثيبة فى قول بعضهم كان صلى الله عليه وسلم يطعم من الكثيبة أهله لما علمت أنهما من حصونها وأنهما وما فيهما مما أفاء الله عليه
وكونه صلى الله عليه وسلم كان يطعم أهله مما فيهما واضح وأما إذا كان المراد يطعم من الأرض والنخيل المتعلقتين بالحصنين فقد يتوقف فيه لما تقدم أن أرض خيبر ونخلها غنيمة وذلك شامل للارض والنخيل المتعلقين بالحصنين فليتأمل والله أعلم
وفى لفظ وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه من أرض الحبشة ومعه الأشعريون أبو موسى الأشعرى وأخوه أبو رهم وأبو بردة رضى الله عنهم وكان أبو موسى أصغرهم وأقواهم وكان قوم جعفر بالحبشة أى لأنهم هاجروا إلى الحبشة من اليمن كما تقدم وقبل قدومهم إليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا فقدم الأشعريون وذكر أنهم عند مجيئهم صاروا يقولون ** غدا نلقى الأحبة ** محمد وحزبه **
وفى كلام بعضهم ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قال فى حقهم أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية
ولما أقبل عليه صلى الله عليه وسلم جعفر رضى الله عنه قام صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وقبله بين عينيه وفي رواية قبل جبهته من أرض الحبشة اعتنقه النبى صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه وجعل ذلك أصلا لاستحباب المعانقة
وقال بعضهم إنها مكروهة وحديث جعفر يحتمل أن يكون قبل النهى عنها فانه نهى عن المعاكمة وهى المعانقة وحمل ذلك بعضهم على ما إذا كانت المعانقة من غير حائل
أقول لم يجب بذلك سيدنا مالك رضى الله عنه فإنه لما قدم عليه سفيان بن عيينة رضى الله عنه صافحه مالك وقال له لولا أنها بدعة لعانقتك فقال له سفيان قد عانق من هو خير منك ومنى النبى صلى الله عليه وسلم قال مالك تعنى جعفر بن أبى طالب

قال نعم قال حبيب خاص ليس بعام أى فذلك من خصوصياته فقال له سفيان ماعم جعفرا يعمنا وما يخصه يخصنا أى فالأصل عدم الخصوصية ثم قال له سفيان أتأذن لى أن أحدثك بحديثك قال نعم فقال حدثنى فلان عن فلان عن ابن عباس رضى الله عنهما وذكر الحديث المتقدم عنه وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم التزم زيد بن حارثة رضى الله عنه حين قدم عليه من مكة
وأما المصافحة فقد جاء أن أهل اليمن لما قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة وقال من تمام محبتكم المصافحة وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية لما قدم عليه والى عدى ابن حاتم قال السهيلى وليس هذا معارضا لحديث من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أن لا يقام له وكان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة رضى الله عنها وكانت تقوم له صلى الله عليه وسلم هذا كلامه والله أعلم
ولما رآه صلى الله عليه وسلم جعفر حجل أى مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أهل الحبشة يفعلون ذلك للتعظيم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أشبهت خلقى وخلقى وفى لفظ جعفر أشبه الناس بى خلقا وخلقا وكان صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين لأنه رضي الله عنه كان يجب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه
وذكر بعضهم أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقى وخلقى رقص من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم رقصه وجعل ذلك أصلا لجواز رقص الصوفية عند ما يجدونه من لذة المواجيد من مجالس الذكر والسماع ثم قال صلى الله عليه وسلم والله ما أدرى بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر رضى الله عنه
وقيل قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام
وفى لفظ قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون كافرا أصحاب الصوتمع وقيل كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام وقيل كانوا ثمانين رجلا

أربعون من أهل نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه الصلاة والسلام
أى ولعل هؤلاء الذين من الحبشة هم المرادون بقول بعضهم ووفد إليه وفد النجاشى فقام صلى الله عليه وسلم يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإنى أحب أن أكافئهم وفى لفظ وقدم عليه أيضا أبو هريرة رضى الله عنه وطائفة من قومه وهم دوس كما تقدم
قال أبو هريرة رضى الله عنه قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس فصلينا الصبح خلف سباع بى عرفطة الغفارى فأخبرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر فزودنا سباع ثم جئنا خيبر وهو محاصر الكثيبة فأقمنا حتى فتح الله أى وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى الله عنهما زوج النبى صلى الله عليه وسلم تزوجها أى عقد عليها وهى بالحبشة فإنها كانت ممن هاجر الهجرة الثانية للحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فارتد عن الإسلام هناك وتنصر ومات على ذلك وبقيت هى على إسلامها كما تقدم وقد أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية ألضمرى رضى الله عنه فى المحرم افتتاح سنة سبع إلى النجاشى ليزوجها منه صلى الله عليه وسلم قالت أم حبيبة رضى الله عنها رأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجنى قالت فما شعرت إلى وقد دخلت على جارية النجاشى فقالت لى إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يزوجك منه فقلت لها بشره الله بالخير ويقول لك وكلى من يزوجك فأرسلت بالوكالة إلى خالد بن سعيد رضى الله عنه أى وأعطت تلك الجارية سوارين وخدمتين أى خلخالين وخواتيم فضة سرورا بما بشرت به فلما كان العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن معه من المسلمين فحضروا وخطب النجاشى رضى الله عنه فقال الحمد لله الملك القدوس أى فى لفظ بدل ذلك المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه الذى بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه ام حبيبة بنت أبى سفيان فأجبنا إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقها

أربعمائة دينار أى وفى لفظ أربعمائة مثقال ذهب ثم سكب الدنانير بن يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص رضى اللله عنه فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الادين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى ودفع النجاشى الدنانير لخالد بن سعيد فقبضها منه وقيل إنه أنقدها النجاشى على يد جاريته التى بشرتها فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا وقد يقال يجوز أن يكون النجاشى استردها من خالد ثم دفعها لتلك الجارية أو أمر خالد بن سعيد بدفعها للجارية لتدفعها لأم حبيبة فلا مخالفة وهذا السياق يدل على أن النجاشى كان هو الوكيل عنه صلى الله عليه وسلم وفى كلام بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية فى نكاح أم حبيبة
وقد يقال معنى توكيل عمرو إرساله بالوكالة للنجاشى أى ثم أرادوا أن يقوموا بعد العقد قال لهم النجاشى اجلسوا فإن من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قالت أم حبيبة رضى الله عنها فلما كان من الغد جاءتنى جارية النجاشى فردت على جميع ما أعطيتها وقالت إن الملك عزم على أن لا أرزأك شيئا وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير وقالت حاجتى إليك أن تقرئى رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه أنى قد اتبعت دينه وكانت كلما دخلت على تقول لا تنسى حاجتى إليك ثم أرسل النجاشى أم حبيبة مع شرحبيل ابن حسنة أى قالت أم حبيبة ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة ومافعلت معى جارية النجاشى وأقرأته منها السلام فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته
وجاء أنه لما رجعت إليه صلى الله عليه وسلم مهاجرة الحبشة قال ألا تخبرونى بأعجب شىء رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء فمرت بصبى فدفعها فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت أى قامت التفتت إليه فقالت سوف تعلم

يا غدر إذا وضع الله الكرسى وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون تعلم أمرى وأمرك عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من قويهم
وذكر أنه لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر ودنا بعث محيصة ابن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوفهم قال محيصة فجئتهم فجعلوا يتربصون ويقولون إن بخيبر عشرة آلاف مقاتل فيهم عامر وياسر والحارث وسيد اليهود مرحب ما نرى أن محمد يقرب إليه فمكثت عندهم يومين ثم أردت الرجوع فقالوا نحن نرسل معك رجالا منا يأخذون لنا الصلح كل ذلك وهم يظنون أنه صلى الله عليه وسلم لا يقدر على فتح خيبر حتى جاءهم أناس من حصن ناعم وأخبروهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه فأرسلوا رجلا من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع فى نفر يصالحون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويجليهم ويخلوا بينه وبين الأموال ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل تصالحوا معه على أن يكون لهم نصف الأرض ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف الآخر فكان فدك على الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الثانى كان له نصفها لأنها لم تؤخذ بمقاتلة فكان صلى الله عليه وسلم ينفق منها ويعود منها على صغير بنى هاشم ويزوج منها أيمهم
ولما مات صلى الله عليه وسلم وولى أبو بكر رضى الله عنه الخلافة سألته فاطمة رضى الله عنها أن يجعلها أو نصفها لها فأبى وروى لها أنه صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة أى على المسلمين
ومما يؤيد الثانى ماقيل إنه أجلاهم عمر رضى الله عنه مع يهود خيبر كما سيأتى اشترى منهم حصتهم التى هى النصف بمال بيت المال
فلما صارت الخلافة لعمر بن عبد العزيز رضى اله عنه فقيل له إن مروان اقتطعها أى جعلها أقطاعا له فقال أرأيتم أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة أى بقوله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة ليس لى بحق وإنى أشهدكم أنى قد رددتها على ماكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أى صدقة على المسلمين وطلب الصلح كان بعد أن أرادت غطفان وسيدهم عيينة بن حصن أن يعينوا أهل خيبر

أى وكانوا أربعة آلاف فإن يهود خيبر لما سمعوا بمجيئه صلى الله عليه وسلم إليهم أرسلوا كنانة بن أبى الحقيق وهودة بن قيس فى أربعة عشر رجلا إلى غطفان ليستمدوا بهم وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن غلبوا على المسلمين فجمعوا ثم خرجوا ليظاهروا يهود خيبر
أى ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم أن لا يعينوهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم أى وهو نصف ثمارها فأبوا وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما ساروا قليلا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوه أن المسلمين أغاروا على أهاليهم أى فألقى الله الرعب فى قلوبهم فرجعوا على الصعب والذلول أى مسرعين على أعقابهم فأقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل خيبر أى وفى رواية سمعوا صوتا أيها الناس أهليكم خولفتم إليهم فرجعوا فلم يروا لذلك نبأ
ويدل للثانى أن غطفان لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم خيبر قال عيينة بن حصن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجده صلى الله عليه وسلم فتح حصونها أعطنا الذى وعدتنا
وفى رواية أعطنى مما غنمت من حلفائى فإنى امتنعت عنك وعن قتالك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت ولكن الصياح الذى سمعت أنفذك إلى أهلك ولكن لك ذو الرقيبة قال عيينة وما ذو الرقيبة قال الجبل الذى رأيت فى منامك أنك أخذته
أى فإن عيينة بن حصن لما سمع الصوت ورجع إلى أهله ولم يجد شيئا رجع بعد ذلك بمن معه إلى خيبر وأنهم بالقرب منها عرسوا من الليل فنام عيينة وانتبه وقال لقومه أبشروا فإنى رأيت الليل فى النوم أنى أعطيت ذا الرقيبة وهو جبل بخيبر لقد والله أخذت برقبة محمد فلما قدم خيبر وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر الحديث وقدم عليه صلى الله عليه وسلم حينئذ أيضا حجاج بن علاط السلمى وأسلم والعلاط وسم فى العنق وهو أبو نصر بن حجاج الذى نفاه عمر رضى الله عنه لما سمع أم الحجاج ابن يوسف الثقفى تهتف به وتقول الأبيات التى منها ** هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم من سبيل إلى نصر بن حجاج **
ومن

ثم قال عروة بن الزبير يوما للحجاج يا ابن المتمنية يعيره بذلك وكان الحجاج مكثرا من المال فقال يا رسول الله إن مالى عند إمرأتى بمكة ومتفرق فى تجار مكة فأذن لى أن آتى مكة لآخذ مالى قبل أن يعلموا بإسلامى فلا أقدر على أخذ شىء منه فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا بد لى من أن أقول أى أتقول وأذكر ماهو خلاف الواقع أى ما أحتال به لما يوصل إلى أخذ مالى قال قل قال فخرجت حتى انتهيت إلى الحرم فإذا رجال من قريش يتشممون الأخبار وقد بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى خيبر أى أهل القوة والمنعة بعد ماوقع بينهم من المراهنة على مائة بعير فى أن النبى صلى الله عليه وسلم يغلب أهل خيبر أولا فقال حويطب ابن عبد العزى وجماعة بالأول وقال عباس بن مرداس وجماعة بالثانى فقالوا حجاج عنده والله الخبر ولم يكونوا علموا بإسلامى يا حجاج إنه قد بلغنا أن القاطع يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إلى خيبر فقلت عندى من الخبر مايسركم فاجتمعوا على يقولون إيه يا حجاج فقلت لهم لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتل غير أهل خيبر فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقلته بين أظهرهم
وفى لفظ يقتلونه بمن كان أصاب من رجالهم فصاحوا وقالوا لأهل مكة قد جاءكم الخبر هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال حجاج وقلت لهم أعينونى على غرمائى أريد أن اقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار إلى ماهناك فجمعوا لى مالى على أحسن مايكون ففشا ذلك بمكة وأظهر المشركون الفرح والسرور وانكسر من كان بمكة من المسلمين وسمع بذلك العاس بن عبد المطلب رضى الله تعالى عن فجعل لا يستطيع أن يقوم ثم بعث إلى حجاج غلاما وقال قل له يقول لك العباس الله أعلى وأجل من أن يكون الذى جئت به حقا فقال له حجاج أقرىء على أبى الفضل السلام وقل له ليخل لى بعض بيوته لآتيه بالخبر على مايسره واكتم عنى فاقبل الغلام فقال أبشر أبا الفضل فوثب العباس فرحا كأن لم يمسه شىء وأخبره بذلك فاعتقه العباس رضى الله تعالى عنه وقال لله على عتق عشر رقاب
فلما كان ظهرا جاءه حجاج فناشده الله أن يكتم عنه ثلاثة أيام أى وقال إنى أخشى

الطلب فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فوافقه العباس على ذلك فقال إنى قد أسلمت وإن لى مالا عند امرأتى ودينا على الناس ولو علموا بإسلامى لم يدفعوه إلى إنى تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر وجرت سهام اله وسهام رسوله فيها وتركته عروسا بابنة ملكهم حيى بن أخطب وقتل ابن أبى الحقيق
فلما أمسى حجاج خرج وطالت على العباس تلك الليالى الثلاث فلما مضى حجاج أى ومضت الثلا عمد العباس رضى الله تعالى عنه إلى حلة فلبسها وتحلق بخلوق وأخذ بيده قضيبا ثم اقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل هذا والله التجلد بحر المصيبة قال كلا والله الذى حلفتم به لم يصبنى إلا خير بحمد الله أخبرنى حجاج أن خيبر فتحها الله على يد سوله صلى الله عليه وسلم وجرت فيها سهام الله وسهام رسول الله واصطفى رسول الله صفية بنت ملكهم حيى بن أخطب لنفسه وأنه تركه عروسا بها أى وإنما قال ذلك لكم ليخلص ماله وإلا فهو ممن أسلم فرد الله الكآبة التى كانت بالمسلمين على المشركين فقال المشركون ألا يا عباد الله انفلت عدو الله يعنون حجاجا أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك هذا
وفى الدلائل للبيهقى رحمه الله لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال حجاج ابن علاط يا رسول الله إن لى بمكة مالا وإن لى بها أهلا وأنا أريد أن آتيهم فأنا فى حل إن أنا نلت منك وقلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ماشاء فقال لامرأته حين قدم أخفى على واجمعى ماكان عندك فإنى أريد أن أشترى من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ففشا ذلك بمكة ك فاشتد ذلك على المسلمين وأظهر المشركون فرحا وسرورا وبلغ العباس رضى الله تعالى عنه الخبر فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فارسل العباس رضى الله تعالى عنه غلاما له إلى الحجاج ويلك ماتقول فالذى وعد الله خير مما جئت به فقال جاج يا غلام أقرىء أبا الفضل السلام وقل له فليخل بى فى بعض بيوته فآته بالخبر على مايسره فلما بلغ العبد باب الدار قال أبشر يا أبا الفضل فوثب العباس فرحا حتى قبل مابين عينيه فاخبره بقول حجاج فاعتقه ثم جاء حجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وغنم أموالهم وأن سهام الله قد جرت فيها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية

بنت حيى لنفسه وخيرها بين أن يعتقها وتكون له زوجة أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون له زوجة ولكن جئت لمالى ههنا أن أجمعه وأذهب به وإنى استاذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لى أن أقول ما شئت فأخف على يا أبا الفضل ثلاثا ثم اذكر ماشئت قال فجمعت له امرأته متاعه فلما كان بعد ثلاث أتى العباس رضى الله تعالى عنه امرأة حجاج فقال مافعل زوجك قالت ذهب وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك فقال أجل لا يحزنني الله فلم يكن لمحمد إلا ماأحب فتح الله على يد رسوله خيبر واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه فإن كان لك فى زوجك حاجة فالحقى به قالت أظنك والله صادقا قال فإنى والله صادق والأمر على ما أقول ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش الحديث
قال ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر كان التمر أخضر فأكثر الصحابة من أكله فأصابتهم الحمى فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بردوا لها الماء فى الشنان أى القرب ثم صبوا عليكم منه بين أذانى الفجر واذكروا اسم الله عليه ففعلوا فذهبت عنهم
وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه أصابتنى ضربة يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة بن الأكواع فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيت منها ساعة
وفى هذه الغزوة أراد صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال لابن مسعود رضى الله تعالى عنه يا عبد الله انظر هل ترى شيئا فنطرت فإذا شجرة واحدة فأخبرته فقال لي انظر هل ترى شيئا فنظرت شجرة أخرى متباعدة من صاحبتها فأخبرته فقال قل لهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فقلت لهما ذلك فاجتمعا فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كل واحدة إلى مكانها
وفى الإمتاع عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول اله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا بشجرتين بشاطىء الوادى فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها

فقال انقاذى على باذن اله تعالى فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقاذى على باذن الله تعالى فانقادت معه كذلك حتى كان صلى الله عليه وسلم بالنصف مما بينهما ولأم بينهما وقال التئما على باذن الله تعالى فالتأما قال جابر رضى الله تعالى عنه فخلوت أحدث نفسى فحانت منى التفاتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا وذهبت كل واحدة إلى محلها الحديث ولا بعد فى تعدد الواقعة
ووقع له صلى الله عليه وسلم مجىء بعض الشجر إليه قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ماشاء الله من تكذيب قومه وقولهم له تضلل آباءك وأجدادك يا محمد ومن خضبهم له بالدماء فقال يا رب أرنى اليوم آية أطمئن إليها ولا أبالى بمن آذانى بعدها وكان ذلك الوادى به شجر فأمر أن يدعو شجرة من تلك الشجر وفى لفظ غصنا من أغصان شجرة فدعا ذلك فانتزع من مكانه وجاء إليه وسلم عليه ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالعود فعاد إلى مكانه فحمد الله وطابت نفسه وعلم أنه على الحق وقال لا أبالى بمن آذانى بعد هذا من قومى
أقول ووقع له صلى الله عليه وسلم إجابة الحجر فعن تفسير الفخر الرازى أنه صلى الله عليه وسلم كان مع عكرمة بن أبى جهل بشط ماء فقال عكرمة للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فادع ذلك الحجر لحجر كان فى الجانب الآخر يسبح فى الماء ويجىء إليك ولا يغرق فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فانقلع ذلك الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة فقال النبى صلى الله عليه وسلم لعكرمة يكفيك هذا فقال حتى يرجع إلى مكانه فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فرجع إلى مكانه ولم يسلم عكرمة فى ذلك الوقت وإنما أسلم يوم فتح مكة والله أعلم
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة أمر صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى من كان مضيعا أو ضعيفا أو مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع فرجع ناس وارتحل مع القوم رجل على بكر صعب أو ناقة صعبة فنفر مركوبه فصرعه فاندقت فخذه فمات فلما جىء به إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال ما شأن صاحبكم فأخبروه

قال يا بلال ما كنت أذنت فى الناس من كان مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع قال بلى فأبى صلى الله عليه وسلم أن يصلى عليه وأمر صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى فى الناس الجنة لا تحل لعاص ثلاثا وفيها مات شخص من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم وامتنع من الصلاة عليه فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل فى سبيل الله ففتشا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوى درهمين
وفيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من المسلمين هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا أشد القتال فارتاب بعض الصحابة أى كيف يكون من أهل النار مع هذه المقاتلة الشديدة فلما كثرت الجراحات فى ذلك الرجل ووجد ألمها أخرج سهما من كنانته ونحر نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا بلال فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي رواية إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدر للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدر للناس وهو من أهل الجنة وتقدم في غزوة أحد مثل ذلك ولا بعد في التعدد إن لم يكن من الاشتباه على الراوي
أقول في سيرة الحافظ الدمياطي لما فتحت خبير واطمأن الناس جعلت زينب ابنة الحارث أخي مرحب وهي امرأة سلام بن مشكم تسأل أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون اذراع قيل وإنما أحب صلى الله عليه وسلم الذراع لأنه هادي الشاة وأبعدها من الأذى فعمدت إلى عنزلها وصلتها ثم عمدت إلى سم لا يلبث أن يقتل من ساعته فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف فلما غابت الشمس وصلى رسول المغرب بالناس انصرف وهي جالسة عند رحله فسال عنها فقالت يا أبا القاسم هدية أهديتها لك فأمر بها صلى الله عليه وسلم فأخذت منها فوضعت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضور أو من حضر منهم وفيهم بشر بن البراء بن معرور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادنوا فقعدوا وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منه فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفمة ازدرد بشر ما في فه وأكل القوم منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع أو الكتف تخبرني أنها مسمومة فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي أي لقمتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون ازدردتها فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان أي أسود وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول ثم مات
وقال بعضهم فلم يقم بشر من مكانه حتى توفي أي والمتبادر من المكان مكان الأكل وربما يدل له عدم ذكر بشر في الحجامة وطرح منها لكلب فمات اه أي فلم يأكل إلا بشر رضي الله تعالى عنه
وحينئذ يكون المراد بقوله وأكل القوم منها أي أرادوا الاكل أي ووضعوا أيديهم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم ويدل له ما يأتي عن الإمتاع وفي الأصل أنها أهدتها لصفية رضي الله تعالى عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت إليهما تلك الشاة فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وفي رواية الذراع فانتهش منه قطعة فلاكها ثم ألقاها أي ولم يبتلعها أي وانتهش من الشاة بشر قطعة فابتلعها ثم نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن تناول شيء مها وقال إن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك فيما اكلته فما منعني من لفظه إلا أني أعظمت أن أنغصك طعاما فلم يقم بشر رضي الله تعالى عنه من مكانه حتى كان لا يتحول إلا إن حول وإلى هذا أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله ** وأحييت عضو الشاة بعد مماتها ** فجاء بنطق موضح للنصيحة ** **

وقال رسول الله لاتك آكلي فزينب سامتني الهوان وسمت
**
وهذا يؤيد القول بأن كلام نحو الجماد يكون بعد أن يخلق الله فيه الحياة
ومذهب الاشعري رحمه الله أن الله يخلق في نحو الجماد حروفا وصوتا يحدث ذلك فيه أي وليس من لازم ذلك وجود الحياة
واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله أي حجمه أبو طيبه مولى بني بياضه وقيل أبو هند وهو مولى بني بياضة أيضا أي وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم أي وهم كما في الإمتاع ثلاثة نفر وضعوا ايديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا وفيه أنه

لا معنى لاحتجام اصحابه إذا لم يأكلوا شيئا ومن ثم قال في سفر السعادة واحتجم صلى الله عليه وسلم بين الكتفين في ثلاثة مواضع وامر من أكل أي من أراد أن يأكل معه بذلك إلا أن يقال مجرد وضع اليد ربما سرى بسببه السم إلى باقي الجسد وقال صلى الله عليه وسلم الحجامة في الرأس هي المعينة أمرني بها جبريل عليه السلام حين أكلت طعام اليهودية
وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذه الواقعة مرارا في محال مختلفة فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم احتجم على الأخدعين مرتين واحتجم وسط راسه الشريف وكان يسميها منقذة أي وذلك لما سحر
ففي سفر السعادة لما سحره اليهودي ووصل المرض إلى الذات المقدسة النبوية أمر صلى الله عليه وسلم بالحجامة على قبة رأسه المباركة واستعمال الحجامة في كل متضرر بالسحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة ومن لاحظ له في الدين والإيمان يستشكل هذا العلاج هذا كلامه
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم الاقرع بن حابس وهو يحتجم في القمحذوة فقال يا ابن أبي كبشة لم احتجمت وسط رأسك فقال يا ابن حابس إن فيها شفاء من وجع الراس والأضراس والنعاس والجنون أي وفي الحديث الحجامة في الراس شفاء من سبع من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينيه وفي الحديث اجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد وفي بعض الروايات يوم الأحد شفاء ويحتاج للجمع
وجاء النهي عن الحجامة يوم الثلاثاء أشد النهي وقال فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم وفي حديث بعض رواته واهي الحديث احتجم صلى الله عليه وسلم ثلاثا في النقرة والكاهل ووسط الرأس وسمى واحدة الدافعة والأخرى المعينة والأخرى المنقذة وقال خير ما تداويتم به الحجامة وما مررت ليلة اسرى بي بملأ من الملائكة إلا قالوا يا محمد أمر أمتك بالحجامة
قال في الهدى والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد والأولى أن تكون في الربع الثالث من الشهر لأنه وقت هيجان الدم


وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء
وتكره في الأربعاء والسبت قيل ويوم الجمعة وفي الحديث من احتجم يوم الأربعاء أو السبت وحصل له برص لا يلومن إلا نفسه وجاء أمره صلى الله عليه وسلم باجتناب الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه السلام بالبلاء وما يبدر جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء وليلة الأربعاء
ثم أرسل رصول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك اليهودية فقال أسممت هذه الشاة فقال من أخبرك قال أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومي ما لا يخفى عليك أي وفي لفظ قتلت أبي وعمي وزوجي ونلت من قومي مانلت فقلت إن كان ملكا استرحنا منه وإن كان نبيا فسيخبر فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** ثم سمت له اليهودية الشا ة وكم سام الشقوة الأشقياء ** **

فأذاع الذراع ما فيه من سم بنطق إخفاؤه إبداء
** ** وبخلق من النبي كريم لم تقاصص بجرحها العجماء **
أي ثم جعلت اليهودية السم القاتل لوقته في الشاة ومرات كثرة يطلب الشقوة ويتحلى بها الأشقياء الذين لا خلاق لهم فأخبر ذلك الذراع النبي صلى الله عليه وسلم بالنطق بما فيه من السم إخفاء ذلك النطق عن الحاضرين إبداء وإظهار له صلى الله عليه وسلم وبسبب ما تحلى به صلى الله عليه وسلم من كمال الحلم والعفو لم يقاصص تلك المراة بجرحها أي بجرح سمها لأن السم يجرح الباطن كما يجرح الحديد الظاهر
فلما مات بشر رضي الله تعالى عنه أمر بها فقتلت أي وقيل وصلبت كما في أبي داود وعبارة السهيلي رحمه الله وقد روى أبو داود أنه قتلها ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها هذا كلامه وقيل إنما تركها لأنها اسلمت فالعفو عنها أي عدم مؤاخذتها كان قبل أن يموت بشر رضي الله تعالى عنه فلما مات بشر دفعها صلى الله عليه وسلم إلى أولياء بشر فقتلوها
وفي الإمتاع واختلفت الآثار في قتلها وفي صحيح مسلم أنه لم يقتلها وقال ابن

إسحاق أجمع أهل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وقد علمت أنه لا مخالفة لكن قتلها مشكل على ما عليه أئمتنا معاشر الشافعية من أن من ضيف بمسموم يقتل غالبا مميزا فمات كان شبه عمد لا قود فيه
وفي كلام بعضهم أنها قالت قد استبان لي الآن أنك صادق وأني أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فانصرف عنها حين أسلمت كذا في جامع معمر عن الزهري أنها أسلمت قال معمر هكذا قال الزهري إنها أسلمت والناس يقولون قتلها وإنها لم تسلم وأمر صلى الله عليه وسلم بتلك الشاة فأحرقت
وفي رواية أنه بعد سؤال اليهودية واعترافها بسط صلى الله عليه وسلم يده إلى الشاة وقيل لأصحابه كلوا باسم الله فأكلوا وقد سموا الله فلم يضر ذلك أحدا منهم قال ابن كثير وفيه نكارة وغرابة شديدة هذا كلامه
ويذكر أن أخت بشر بن البراء دخلت عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فقال لها هذا أوان انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخبير والأبهر العرق المتعلق بالقلب
وقد قسم صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر فأعطى الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم بعد أن خمسها خمسة أجزاء ومن جملة من أعطاه صلى الله عليه وسلم أبو سبيعة بن المطلب ابن عبد مناف واسمه علقمة ولم يقسم صلى الله عليه وسلم لمن غاب من أهل الحديبية إلا لجابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما ورضخ صلى الله عليه وسلم لنساء أي وكن عشرين امرأة فيهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم سليم وأم عطية الأنصارية
وعن بعضهم قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقلت يا رسول الله قد أردن الخروج معك نعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خبير رضخ لنا وأخذ هذه الفلادة ووضعها في عنقي فوالله لا تفارقني أبدا وأوصت أنها تدفن معها زاد في السيرة الهشامية أنها قالت وكنت جارية حديثة السن فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله قالت فلما كان الصبح وأناخ راحلته ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وسلم حال قال مالك لعلك نفست قالت قلت نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما اصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمرتحلك قالت فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحا وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت
ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض لما قالوا له صلى الله عليه وسلم نحن أعلم بها منكم وأعمرها بشرط ما يخرج منها من تمر أو زرع وقال لهم على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم أي وهذا يخالف ما عليه ائمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه أقركم ما شئنا بخلاف ما شئتم لأنه تصريح بمقتضى العقد لان لهم نبذ العقد ما شاءوا وذكر أئمتنا أنه يجوز منه صلى الله عليه وسلم لا منا أن يقول أقررتكم ما شاء الله لأنه يعلم مشيئته الله دوننا والشطر في هذا ظاهر في النصف ولم أقف على تعيينه في رواية
وكان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى أهل خيبر عبد الله بن راوحة رضي الله عنه خارصا قيل وإنما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا ثم مات وهذا يخالفه قول بعضهم كان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه يأتيهم كل عام يخرصبها يعني الثمار عليم ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شة خرصه وأرادوا أن يرشوه فقال يا أعداء الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل فقالوا بهذا قامت السموات والأرض وكان يخرض عليهم بعده جبار بن صخر وكان خارصا لاهل المدينة
أقول أي ساقاهم على النخل وزارعهم على الأرض هكذا استدل بذلك أئمتنا على ما ذكر أي على جواز المساقاة وجواز المزارعة تبعا لها ويكون ذلك مخصصا للنهي عن المزارعة أي لما لم تكن تبعا للمساقاة وهو لا يتم إلا إن كانت أرض خيبر جميعها بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وأنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا لأن في المزارعة يجب أن يكون البذر من المالك لا من العامل
ولم أقف في شيء من الطرق على أنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا بل ظاهر الروايات يدل على أن البذر معهم وصرحت به رواية مسلم


ويبعد أن تكون أراضي خيبر كلها كانت بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وحينئذ يكون الواقع في خيبر إنما هي المخابرة وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل وهي باطلة عندنا بل قيل عند المذاهب الأربعة ولو تبعا للمساقاة والله اعلم
ثم إن الصديق رضي الله تعالى عنه أقرهم بعده صلى الله عليه وسلم ثم أقرهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن خرج ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما في خلافة أبيه إلى خيبر فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه فقام عمر رضي الله تعالى عنه خطيبا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل اهل خيبر على أموالهم أي أرضهم ونخلهم وقال لهم نفركم على ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم وقد رأيت إجلاءهم أي ووافقه الصحابة على ذلك فإن عمر رضي الله تعالى عنه قام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس إن يهود فعلوا بعبد الله بن عمر ما فعلوا وفعلوا بمطهر ابن رافع ما فعلوا مع عدوانهم على عبد الله بن سهيل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشك أنهم أصحابه وأن أريد أن أجلو يهود فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله وقد أذن الله في إجلائهم فقام طلحة بن عبيدالله فقال قد والله احسنت يا أمير المؤمنين ووفقت فهم أهل سوء فقال عمر رضي الله تعال عنه من معك على مثل رأيك قال المهاجرون جميعا والأنصار فسر بذلك عمر رضي الله تعالى عنه
وقوله وفعلوا بمطهر ما فعلوا أي لأن مطهر بن رافع قدم خيبر بأعلاج من الشام عشرة عبيد له ليعلموا له بأرضه فأقام بخيبر ثلاثة أيام فقال لهم رجل من يهود أنتم نصارى ونحن يهود وهذا سيدكم من قوم عرب قهرونا بالسيف وانتم عشرة رجال ورجل واحد يسوقكم إلى الجهد والبؤسي وتكونون في رق شديد فإذا خرجتم من قريتنا فاقتلوه فقالوا له ليس معنا سلاح فدست اليهود لهم سكينتين أو ثلاثة فلما خرجوا من خيبر أقبلوا على مطهر بسكاكينهم فخرج مطهر يعدو إلى سيفه وكان في قرابه على راحلته فأدركوه قبل الوصول إليه وبعجوا بطنه ثم انصرفوا سراعا حتى دخلوا

خيبر على يهود فآووهم وزودوهم إلى الشام وجاء عمر رضي الله تعالى عنه الخبر بقتل مطهر وما صنعت به يهود
وقوله مع عدوانهم عل عبد الله بن سهيل أي فإنه وجد قتيلا في خيبر لأهل حصن الشق فسألهم أخوه محيصة فقالوا له لا والله ما لنا به من علم قال فجئت أنا وأخي عبد الرحمن وأخي حويصة وهو أكبرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أخي عبد الرحمن يتكلم وهو اصغرنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فسكت فأردت أن أتكلم فقال كبر كبر فسكت فتكلم أخي حويصة وذكر أن اليهود تهمتنا وظنتنا فقال صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب وكتب صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك وكتبوا إليه ما قتلناه فقال صلى الله عليه وسلم لي ولأخوي تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم قلنا يارسول الله لم نحضر ولم نشهد قال فتحلف لكم يهود قلنا يا رسول الله ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة خمس وعشرين جذعة وخمس وعشرين حقة وخمس وعشرين ابنة لبون وخمس وعشرون بنت مخاض
وعن ابن المسيب رحمه الله كانت القسامة في الجاهلية ثم أقرها صلى الله عليه وسلم في الإسلام في الأنصاري الذي وجد قتيلا في جب من جباب اليهود فلما أجمع الصحابة على ذلك أي على ما أراده سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جاءه أحد بني الحقيق فقال يا أمير المؤمنين اتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على أموالنا وشرط ذلك لنافقال له عمر رضي الله تعالى عنه أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك كيف بك إذا أخرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقال هذه كانت هزيلة من ابي القاسم فقال كذبت يا عدو الله ثم بلغه رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبقى دينان في جزيرة العرب وقوله لأخرجن اليهود والنصارى وفي لفظ المشركين من جزيرة العرب وفي رواية آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم اخرجوا اليهود من الحجاز وفي لفظ إن عشت أخرجت اليهود والنصارى من الحجاز أي وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة وخيبر للمدينة والمراد بجزيرة العرب الحجاز المشتملة عليه أي فالمراد بجزيرة العرب بعضها وهو الحجاز خاصة لأن عمر لما أجلاهم ذهب بعضهم إلى تيما وبعضهم

إلى أريحا وتيما من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز وقيل له حجاز لأنه حجز بين نجد وتهامة ففحص عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك حتى تيقنه وثلج صدره فأجلى يهود خيبر أي وأعطاهم قيمة ما كان لهم من ثمر وغيره
وأجلى يهو فدك ونصارى نجران فلا يجوز إقامتهم بذلك أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج ولم يخرج يهود وادي القرى وتيما لانهما من ارض الشام لا من الحجاز
ثم ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر ويزيد بن ثابت فقسما خيبر على أصحاب السهمان التي كانت عليها كما قسمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر اصاب حمارا أسود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لا يركبهم إلا نبي وقد كنت أتوقعك لتركبني لم يبق من نسل جدي غيري ولم يبق من الأنبياء غيرك قد كنت لرجل يهودي فكنت اتعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضر بظهري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قال ابن حبان هذاخبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء وقال ابن الجوزي لعن الله واضعه فإنه لم يقصد الا القدح في الإسلام والاستهزاء به وقد قال شيخنا العماد بن كثير هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيح ولا ضعيف وسألت شيخنا المزي رحمه الله فقال ليس له اصل وهو ضحكة وقد أودعه كتبهم جماعة منهم القاضي عياض في الشفاء والسهيلي في روضه وكان الأولى ترك ذكره ووافقه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وغفر لنا وله وللمسلمين

غزوة وادي القرى
ثم عند منصرفله صلى الله عليه وسلم من خيبر أتى وادي القرى وأهله يهود فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا أي برز رجل منهم فقتله الزبير رضي الله تعالى عنه فبرز آخر فقتله علي كرم الله وجهه ثم برز آخر فقتله أبو دجانة رضي الله تعالى عنه فقاتلهم المسلمون إلى المساء وقتل منهم أحد عشر رجلا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأرض والنخيل في أيدي أهلها أي من بقي منهم وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر وفي لفظ ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهود وترك في أيديهم أراضي وادي القرى والبساتين والحدائق يعملون فيها ويأخذون الأجرة وقيل حاصرهم ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة فعلى الأولى تضم للغزوات التي وقع فيها القتال
ولما بلغ بلغ أهل تيما ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في ايديهم قال وقتل عبده صلى الله عليه وسلم الأسود الذي كان يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يحط رحله صلى الله عليه وسلم جاءه سهم فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها من خيبر من الغنائم قبل ان تقسم تشتعل عليه نارا انتهى
ولما قرب من المدينة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليلة فلما كان قبيل الصبح نزل وعرس وقال ألا رجلا حافظا لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام فقال بلال رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله أحفظه عليك وفي لفظ قال يا بلال اكلأ لنا الليل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقام بلال رضي الله تعالى عنه يصلي ما شاء الله ثم استند إلى بعير واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى ضربتهم الشمس وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما صنعت يا بلال

قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال صدقت أي وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم التفت إلى أبي بكر الصديق وقال له إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم الصديق فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه أشهد أنك رسول الله
ثم سار صلى الله عليه وسلم بالناس يقود بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس وأمر بلالا فأقام الصلاة وفي رواية فاقتداوا رواحلهم وفي رواية فاستيقظ القوم وقد فزعوا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال هذا واد به شيطان فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي الحديث فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تعالى يقول { وأقم الصلاة لذكري } وفي رواية إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ردها إلينا في حين غير هذا فاذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها في وقتها أي وقيل إن ذلك كان في مرجعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقيل في مرجعه من حنين وقيل في مرجعه من تبوك قال في الإمتاع وهذا لا يصح لأن الآثار الصحاح على خلافه أي دالة أن ذلك كان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من وادي القرى
وقد يقال لا مانع من التعدد ويدل للقول بأن ذلك كان في مرجعه من الحديبية ما جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وفي رواية لما انصرفنا من غزوة الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحرسنا الليلة فقلت أنا يا رسول الله قال إنك تنام ثم أعاد من يحرسنا الليلة فقلت أنا حتى أعاد ذلك مرارا وأنا أقول أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأن قال فحرستهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تنام فنمت فما أيقظنا إلا حر الشمس في ظهورنا وسيأتي في تبوك عن الحافظ ابن حجر اختلاف العلماء في التعدد
وكان بين الحديبية وعمرة القضاء إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي رضي الله تعالى عنهم وقيل كان بعد عمرة القضاء ويشهد له

ما جاء عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه قال لما أراد الله عز وجل ما اراد بي من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس موطن أشهده إلا انصرف وأنا ارى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا صلى الله عليه وسلم يظهر فلما جاء صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء تغيبت ولم أشهد دخوله فكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه صلى الله عليه وسلم فطلبني فلم يجدني فكتب إلي كتابا فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وقلة عقلك ومثل الإسلام يجهله أحد قد سألني عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين خالد فقلت يأتى الله به فقال ما مثله يجهل الاسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقد مناه على غيره فاستدرك يا أخي ما فاتك فقد فاتك مواطن صالحة فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة فلما اجتمعنا للخروج إلى المدينة لقيت صفوان فقلت يا أبا وهب أما ترى أن محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر على العرب والعجم فلو قدمنا عليه فاتبعناه فإن شرفه شرف لنا قال لو لم يبقى غيري ما اتبعته أبدا قلت هذا رجل قتل أبوه وأخوه ببدر فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان قلت فاكتم ذكر ما قلت لك قال لا أذكره ثم لقيت عثمان بن طلحة أي الحجبي قلت هذا لي صديق فأردت أن أذكر له ثم ذكرت من قتل من آبائه أي قتل أبيه طلحة وعمه عثمان أي وقتل اخوته الأربع مسافع والجلاس والحارث وكلاب كلهم قتلوا يوم أحد كما تقدم فكرهت أن أذكر له ثم قلت وما علي فقلت له إنما نحن بنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج ثم قلت له ما قلته لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة فواعدني إن سبقني أقام في محل كذا وإن سبقته إليه أنتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة اسم محل فنجد عمرو بن العاص بها فقال مرحبا بالقوم فقلنا وبك أين مسيركم قلنا الدخول في الإسلام قال وذلك الذي أقدمني وفي لفظ قال عمرو الخالد يا ابا سليمان أين تريد قال والله لقد استقام الميسم أي تبين الطريق وظهر الأمر وإن هذا الرجل

لنبي فأذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو وأنا ما جئت إلا لأسلم فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة الشريفة فأنحنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا أي وقال رمتكم مكة بأفلاد كبدها فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني اخي فقال أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ق سر بقدومكم وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال صلى الله عليه وسلم يتبسم إلي حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير قلت يا رسول الله ادع الله لي أن يغفر لي تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما كان قبله أي وتقدم عثمان وعمرو فأسلما
وفي رواية عن عمرو بن العاص قال قدمنا المدينة فأنحنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا حتى اطعلنا عليه صلى الله عليه وسلم وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم فما استطعت أن ارفع طرفي حياء منه صلى الله عليه وسلم قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد احدا من الصحابة في أمر حربه منذ أسلمنا ولقد كنا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه بتلك المنزلة ولقد كنت عند عمر رضي الله تعالى عنه بتلك الحالة وكان عمر رضي الله تعالى عنه على خالد كالعاتب وتقدم أن عمرا رضي الله تعالى عنه أسلم على يد النجاشي رضي الله تعالى عنه
قال بعضهم وفي إسلام عمرو على يد النجاشي لطيفة وهي صحابي أسلم على يد تابعي ولا يعرف مثله ومن حين أسلم خالد رضي الله تعالى عنه لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليه أعنه الخيل فيكون في مقدمها والله أعلم

عمرة القضاء أي ويقال لها عمرة القضية
أي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا عليها أي صالحهم عليها ومن ثم قيل لها عمرة الصلح ويقال لها عمرة القصاص قال السهيلي رحمه الله وهذا الاسم اولى بها لقوله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فتحصل من اسمائها أربعة القضاء والقضية والصلح والقصاص أي لأنها كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة أي وهو الشهر الذي صده يه المشركون عن البيت منها سنة ست وليست قضاء عن العمرة التي صد عن البيت فيها فإنها لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت بل كانت عمرة تامة معدودة في عمره صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وهي أربعة عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة لما قسم غنائم حنين والعمرة التي قرنها مع حجة في حجة الوداع بناء على ما هو الراجح من أنه كان قارنا وكلها في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجه
وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أن اعتمر خارجا من مكة إلى الحل في تلك المدة أصلا ولم يفعل هذا على عهده صلى الله عليه وسلم إلا عائشة رضي الله تعالى عنها كما سيأتي في حجة الوداع
وكون العمرة لا تفسد بالصد إنما هو على ما يراه إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أما على من يرى أن العمرة تفسد بالصد عنها وأنه يجب قضاؤها كما هو المنقول عن ابي حنيفة رضي الله تعالى عنه فواضح انها قضاء وهذا العمرة ليست من الغزوات وإنما ذكرها البخاري فيها لأنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح للمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر وليس من لازم الغزو وقوع المقاتلة ومن ثم قيل لها غزوة الأمن
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية أي من أنه يدخل مكة في العام القابل معه سلاح المسافر ولا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام
وفي أنس الجليل ما يفيد أن اشتراط الثلاثة أيام كان في عمرة القضاء ففيه ثم خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عمرة القضاء فأبى أهل مكة أن يدعوه صلى الله عليه وسلم يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم ثلاثة أيام وأن لا يخرج من أهلها أحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا أن يقيم بها واصحابه كانوا الفين أي وأمر أن لا يتخلف عنه احد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف احد إلا من استشهد في خيبر ومن مات وخرج معه جمع ممن لم يشهد الحديبية واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل غيره وساق ستين بدنة وقلدها أي جعل في عنق كل بعير قطعة من جلد او نعلا بالية ليعلم أنه هدي فيكف الناس عنه ولم يذكر هنا الإشعار أي وجعل عليها ناجية ابن جندب
قال وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي وعلى السلاح بشير بوزن أمير بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم من باب المسجد فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه فقيل يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح الا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندخل عليهم الحرم بالسلاح ولكن يكون قريبا منا فإن هاجنا هيج من القوم كان السلاح قريبا منا فمضى بالخيل محمد بن مسلمة فلما كان كان بمر الظهران وجد نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله أي وقد رأوا سلاحا كثيرا فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح ففزعت قريش وقالوا ما احدثنا حدثا وإنا على كتابنا ومدتنا ففيم يغزونا محمد في اصحابه
ثم إن قريشا بعثت مكرز بن حفص في نفر من قريش إليه صلى الله عليه وسلم فقالوا والله يا محمد ماعرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح في الحرم على قومك وقد شرطت عليهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أدخل عليهم بسلاح فقال مكرز هو الذي تعرف به البر والوفاء ثم رجع مكرز إلى مكة سريعا وقال إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم انتهى
فلما اتصل خروجه لقريش خرج كبراؤهم من مكة حتى لا يروه صلى الله عليه وسلم

يطوف بالبيت هو وأصحابه عداوة وبغضا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة أي راكبا ناقته القصواء وأصحابه محدقون به قد توشحوا السيوف يلبون ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وهي ثنية كداء بالمد أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال اللهم لا تجعل منيتنا بها يقول ذلك من حين يدخل حتى يخرج منها أي وجعل صلى الله عليه وسلم السلاح في بطن ناجح موضع قريب من الحرم وتخلف عنده جمع من المسلمين أي نحو مائتين من أصحابه عليهم أوس بن خولى وقعد جمع المشركين بجبل قينقاع ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت وقد قالوا أي كفار قريش إن المهاجرين أوهنتهم أي أضعفتهم حمى يثرب وفي لفظ قالوا يقدم عليكم قوم فد وهنتهم حمى يثرب فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ثم قال صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة فأمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة أي ليروا المشركين أن لهم قوة أي فعند ذلك قال المشركون أي قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم ان الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا إنهم لينفرون أي يثبون نفر الظبي أي الغزال وإنما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم واضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه وكشف عضده اليمنى ففعلت الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذلك وهذا أول رمل واضطباع في الإسلام
وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة أيام فلما تمت الثلاثة التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرانه بالخروج هو وأصحابه من مكة فقالوا نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من ارضنا فقد مضت الثلاث فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه منها وكان صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها أي وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي اخت ام الفضل زوج العباس رضي الله تعالى عنهما واخت اسماء بنت عميس لأمها زوج حمزة رضي الله تعالى عنه وكان تزوجه صلى الله عليه وسلم ميمونة قبل أين يحرم بالعمرة وقيل بعد أن أحل منها وقيل وهو محرم أي وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ورواه الدارقطني من طريق ضعيف عن ابي هريرة

رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم كان قد بعث اليها جعفرا رضي الله تعالى عنه ليخطبها ولما انتهت إليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله ولرسوله أي ومن ثم قيل إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل جعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقيل جعلت أمرها لأم الفضل اختها فجعلت أم الفضل أمرها للعباس فزوجها العباس واصدقها عنه صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ولا مانع من نكاحه صلى الله عليه وسلم وهو محرم فإن من خصائصه صلى الله عليه وسلم حل عقد النكاح في الإحرام
أي وفي كلام السهيلي كان من شيوخنا من يتأول قول ابن عباس تزوجها محرما أي في الشهر الحرام وفي البلد الحرام ولم يرد الإحرام بالحج أي كما أراد ذلك الشاعر بقوله في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ** قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ورعا فلم أر مثله مقتولا **
قال ابن كثير رحمه الله وفيه نظر لأن الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما متضافرة بخلاف ذلك التي منها تزوجها وهو محرم هذا كلامه
وعن ابن المسيب غلط ابن عباس أو قال وهم ابن عباس ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال ومن ثم روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال قال السهيلي فهذه الرواية عن ابن عباس موافقة لرواية غيره فقف عليها فإناها غريبة عن ابن عباس
وذكر بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع رضي الله تعالى عنه في نكاح ميمونة رضي الله تعالى عنها وفي بعض السير وعن ابي رافع قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وأنا الرسول بينهما رواه البيهقي والترمذي والنسائي وأراد صلى الله عليه وسلم ان يبني بها في مكة فلم يمهلوه يبني بها قال وقد قال لهم ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فقالوا لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنا من أرضنا هذه الثلاثة قد مضت وفي لفظ قال لهم إني قد نكحت فيكم امرأة فما يضركم أن مكثت

حتى ادخل بها وأصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا وفي رواية جاءوا اليه صلى الله عليه وسلم في قبته التي نصبها بالأبطح وذلك وقت الظهر وقيل وقت الصبح ولا مخالفة لجواز مجيئهم له في الوقتين وعند مجيئهم له صلى الله عليه وسلم كان مع الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب ناشدتك الله والعقد الا ما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث فغضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لما رأى من غلظ كلامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لذلك القائل كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض آبائك أي وفي لفظ قال يا عاض بظر أمه أرضك وأرض امك دونه ليست بأرضك ولا ارض آبائك والله لا يبرح منها إلا طاعئا راضيا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا سعد لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا وأسكت الفريقين ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا رافع رضي الله تعالى عنه أن ينادي بالرحيل ولا يمسي بها احد من المسلمين وخلف أبا رافع ليأتي له بميمونة حين يمسى فخرج بها ولقيت ميمونوة رضي الله تعالى عنه من سفهاء مكة عناء
فعن أبي رافع رضي الله تعالى عنه لقينا عناء من أهل مكة من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولميمونة فقلت لهم ما شئتم هذه والله الخيل والسلاح ببطن ناجح وأنتم تريدون نقض العهد والمدة فولوا راجعين منكسين وأقام صلى الله عليه وسلم بسرف بكسر الراء وهو محل بين مساجد عائشة وبطن مرو وهو أقرب إلى مساجد عائشة وفيه دخل صلى الله عليه وسلم بميمونة أي تحت شجرة هناك وكان محل موتها ودفنها دفنت فيه بعد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنها لا تموت بمكة فلما ثقل عليها المرض وهي بمكة قالت أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بذلك فحملوها حتى أتوا بها ذلك الموضع فماتت به ودفنت به أي وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من توفي من أزواجه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن
وحين دخوله صلى الله عليه وسلم مكة أخذ عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه بغرزه أي ركابه صلى الله عليه وسلم أي وقيل بزمام الناقة وهو رضي الله تعالى عنه وعنا وعن المسلمين يقول من أبيات

** خلوا بني الكفار عن سبيله ** خلوا فكل الخير في رسوله ** ** قد أنزل الرحمن في تنزيله ** بأن خير القتل في سبيله ** ** فاليوم نضربكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** وفي لفظ ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما قتلناكم على تنزيله ** وما قيل ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** ضربا يزيل الهام عن مقيله ** أو يذهل الخليل عن خليله **
قال عمار بن ياسر يوم صفين لا يمنع أن يكون ذلك من كلام ابن راواحة رضي الله تعالى عنه وتمثل به عمار رضي الله تعالى عنه
أي وأما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله فقال فيه الدارقطني رحمه الله تفرد به بعض الرافضة
قال وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال مه يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو اسرع فيهم من نضح النبل
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس أي وفي الإمتاع وكان ابن رواحة يرتجز في طوافه وهو آخذ بزمام الناقة فقال عليه الصلاة والسلام إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس وطاف صلى الله عليه وسلم على راحلته واستلم الحجر بمحجنه
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت فلم يزل به حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة فقال عكرمة بن أبي جهل لقد أكرم الله تعالى أبا الحكم يعني والده أبا جهل حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول وقال صفوان بن امية الحمد الله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا وقال خالد بن أسيد الحمد لله الذي أذهب أبي ولم يشهد هذا اليوم حيث يقوم بلال ينهق فوق الكعبة وسهيل بن عمرو لما سمع ذلك غطى وجهه وكل هؤلاء اسلموا بعد ذلك رضي الله تعالى عنهم
قال بعضهم وكون ما ذكر أي من دخوله صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة وأذان

بلال رضي الله تعالى عنه فوق ظهرها كان في عمرة القضاء خلاف المشهور إذ المشهور أن ذلك كان في يوم الفتح ويدل لذلك ما قيل لم يدخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وأنه أراد ذلك فأبوا وقالوا لم يكن في شرطك فأمر بلال فأذن فوق ظهر الكعبة مرة واحدة ولم يعد بعدها قال الواقدي في هذا القيل إنه أثبت
أقول ويؤيد الأول ما جاء دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن اكون قد شققت على أمتي من بعدي أي لاتخاذهم ذلك سنة إلا أن يقال يجوز أن يكون ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وينبغي أن يكون هذا من أعلام النبوة فإن الناس يحصل لهم من التعب بسبب دخولها سيما زمن الموسم مالا يعبر عنه من المتاعب والأمور الفظيعة والله اعلم
ثم سعى صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة أي وأوقف الهدى عند المروة وقال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عندها وحلق ولم أقف على من حلق رأسه الشريف في هذه العمرة ثم رأيته في الإمتاع قال حلقه معتمر بن عبد الله العدوي وفعل كفعله صلى الله عليه وسلم المسلمون أي ومن لم يجد منهم بدنة رخص له في البقرة وكان قدم رجل مكة ببقر فاشتراه الناس منه وأمر صلى الله عليه وسلم من تحلل أن يذهب إلى السلاح ويأتي آخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة تبعته عمارة أي وقيل أسمها أم أبيها وقيل أمامة وقيل أمة الله قال ابن عبد البر والمثبت أمامة وأمها سلمى بنت عميس بنت عمه حمزة رضي الله تعالى عنه تنادي يا عم يا عم أي وفي لفظ أن ابا رافع خرج بها فتناولها علي كرم الله وجهه فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فما وصلوا المدينة اختصم فيها على وأخوه جعفر وزيد حارثه رضي الله تعالى عنهم فقال زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت أخي أي وأنا وصيه لانه صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وزيد أي وجعل حمزة رضي الله تعالى عنه وصيه وقال علي كرم الله وجهه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وجئت بها من مكة وقال جعفر رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وخالتها تحتي أي وهي اسماء بنت عميس فقضى بها صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه وقال الخالة بمنزلة الأم هذا
وفي الإمتاع وكلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم

في عمارة بنت حمزة رضي الله تعالى عنهما وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة فقال علام نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين وإنه لما قضى بها لجعفر رضي الله تعالى عنه حجل جعفر حول النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا جعفر فقال يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى احدا قام فحجل حوله وفيه أنه فعل مثل ذلك بخيبر وما بالعهد من قدم إلا أن يقال يجوز أن يكون في خيبر فعل ذلك ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وفيه تقديم الخالة في الحضانة على العمة لأن عمتها صفية رضي الله تعالى عنها كانت موجودة وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه في هذا الموطن أنت أخي وصاحبي وفي لفظ أنت مني وأنا منك وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه أشبهت خلقي وخلقي أي وقد تقدم منه صلى الله عليه وسلم ذلك له في خيبر وقال صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله تعالى عنه أنت أخي ومولاي وفي لفظ انت مولى الله ومولى رسوله صلى الله عليه وسلم

غزوة مؤتة
بضم الميم وبالهمزة ساكنة وبترك الهمزة موضع معروف عند الكرك وفي كلام السهيلي مؤتة مهموز الفاء وأما الموتة بلا همزة فضرب من الجنون وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وفسره راوي الحديث فقال نفثه السحر ونفخه الكبر وهمزه الموتة هذا كلامه
كانت هذه الغزوة في جمادي الاولى سنة ثمان وكان سببه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل عظيم الروم بالشام أي فلما نزل بمؤتة تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني أي وهو من امراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك من رسل محمد قال نعم فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اشتد الامر عليه فجهز جمعا من اصحابه وعدتهم ثلاثة ألاف وبعثهم إلى

مقاتلة ملك الروم وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس
قال وفي رواية فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم وقد حضر ذلك المجلس رجل من يهود فقال يا أبا القاسم إن كنت نبيا يصاب جميع من ذكرت لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من بني اسرائيل كان الواحد منهم إذا استعمل رجلا على القوم وقال إن أصيب فلان لا بد أن يصاب أي ولوعد مائة اصيبوا جميعا ثم صار يقول لزيد اعهد فلن ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا وزيد يقول اشهد أنه نبي وعقد صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه لزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ويدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا مؤتة فغشيتهم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة انتهى
وودعهم الناس وقالوا لهم صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين قال ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف فقال أي بعد قوله أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغسيرا ولا بصيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء انتهى وقال لهم المسلمون دفع الله عنكم وردكم غانمين فمضوا حتى نزلوا من ارض الشام فبلغم أن هرقل ملك الروم في مائة ألف من الروم وانضم اليه من قبائل العرب أي المتنصرة أي من بني بكر ولخم وجذام مائة ألف وفي رواية كانوا مائتي ألف من الروم وخمسين ألفا من العرب ومعهم من الخيول والسلاح ما ليس مع المسلمين وكان المسلمون ثلاثة آلاف كما مر فلما بلغهم ذلك أقاموا في ذلك المحل ليلتين ينظرون في أمرهم أهل يبعثون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد عدوهم فإما أن يمدهم برجال أو يأمرهم بأمر فيمضوا اليه فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال لهم يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي

إحدى الحسنين إما ظهور وإما شهادة أي فقال الناس صدق والله ابن رواحة فمضوا للقتال فلقيتهم جموع هرقل ملك الروم من الروم والعرب فانحاز المسلمون إلى مؤتة فالتقى الجمعان عندها واقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لواؤه حتى قتل رضي الله تعالى عنه فأخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه وقاتل على فرس أشقر ثم نزل عنه وعقره أي وهو أول رجل من المسلمين عقر فرسه وأول فرس عقر في سبيل الله عقره خوفا اين يأخذه الكفار فيقاتلوا عليه المسلمين ومن ثم لم ينكر عليه احد من الصحابة وبه استدل من جوز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به الكفار وتقاتل عليه المسلمين ثم قاتل رضي الله تعالى عنه فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية فأخذ الراية وقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه فاخذها عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وتقدم بها وهو على فرسه وجعل يتردد في النزول عن فرسه ثم نزل وقاتل حتى قتل أي وحينئذ اختلط المسلمون والمشركون وأراد بعض المسلمين الانهزام فجعل عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه يقول يا قوم يقتل الإنسان مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا فأخذ الراية ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت فقال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أي ويقال إن ثابت بن ارقم دفعها إلى خالد رضي الله تعالى عنه وقال أنت أعلم بالقتال مني أي فقال له خالد انت احق به مني لأنك ممن شهد بدرا ثم أخذها خالد رضي الله تعالى عنه ومانع القوم وثبت ثم انحاز كل من الفريقين عن الآخر من غير هزيمة على أحدهما
قال وفي رواية قاتلوا المشركين حتى هزموهم فعند ابن سعد أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أخذ اللواء حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا واظهر الله المسلمين
قيل وسبب ذلك أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أصبح جعل مقدمة الجيش ساقة وساقته مقدمة وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة فظن المشركون مجيئ عدد للمسلمين فرعبوا وانهزموا فقتلوا قتلة لم يقتلها قوم ويجوز أن يكون ذلك بعد أنحياز المسلمين فلا منافاة بين الروايتين وكانت مدة القتال سبعة أيام


وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة اسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية انتهى واطلع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك فأخبر به اصحابه أي فإنه لما اطلع على ذلك نادى في الناس الصلاة جامعة ثم صعد المنبر وعيناه تذرفان وقال أيها الناس باب خير باب خير باب خير ثلاثا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد رضي الله تعالى عنه شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فشد على القوم حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم اخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمير نفسه ولكنه سيف من سيوف الله فآب بنصره وفي لفظ ثم أخذ الراية خالد بن الوليد نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين من غير إمرة حتى فتح الله عليهم
قال وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره فمن يؤمنذ سمي خالد سيف الله وفي لفظ ثم أخذ اللواء سيف من سيوف الله تبارك وتعالى ففتح الله على يديه
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خالد لم تؤذي رجلا من اهل بدر لو أنفقت مثل احد ذهبا لم تدرك عمله فقال يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار قال بعضهم وكون هذا نصرا وفتحا واضح لإحاطة العدو بهم وتكاثرهم عليه لانهم كانوا مائتي ألف والصحابة ثلاثة آلاف أي كما تقدم إذ كان مقتضى العادة ان يقتلوا بالكلية
وفي رواية أصاب خالد رضي الله عنه منهم مقتلة عظيمة وأصاب غنيمة وهذا لا يخالف ما يأتي أن طائفة منهم فروا إلى المدينة لما عاينوا كثرة جموع الروم فصار اهل المدينة يقولون لهم أنتم الفرارون إلى آخر ما يأتي وعن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنهما أي زوج جعفر رضي الله عنه قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال ائتيني ببني جعفر فأتيته بهم فشمهم وذرفت عليناه أي بكى حتى نقطت لحيته الشريفة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن

جعفر وأصحابه شئ قال نعم أصيبوا هذا اليوم فقمت أصيح واجتمع على النساء أي وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي خدا وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إن النساء عيين وفتن قال فارجع إليهن فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الاول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الأول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتن فإن أبين فاحث في افواههن التراب وقال صلى الله عليه وسلم اللهم قد قدم يعني جعفرا إلى إحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم انتهى
أي وفي لفظ دخل صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله تعالى عنها وهي تقول واعماه فقال صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك الباكية وفي لفظ البواكي ثم قال صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن انفسهم اليوم وفي رواية فإنهم قد شغلهم ما هم فيه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم عمدت إلى شعير فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله رضي الله تعالى عنه فأكلت من ذلك الطعام وحبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إخوتي وفي لفظ أنا وأخي في بيته ثلاثا أيام ندور معه صلى الله عليه وسلم كلما صار في بيت احدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا وهذا الطعام الذي فعل لآل جعفر رضي الله عنهم قال السهيلي هو أصل في طعام التعزية وتسميه العرب الوضيمة كما تسمى طعام العرس الوليمة وطعام القادم من السفر النقيعة وطعام البناء الوكيرة
قال عبد الله رضي الله عنه ودعا لي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم بارك في صفقة يمينه فما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه
ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه بخبر الجيش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك قال فأخبرني يا رسول الله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصف له فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم أي وحين رأى

ذلك صلى الله عليه وسلم قال قد حمى الوطيس أي حميت الحرب واشتدت وقال صلى الله عليه وسلم مثل لي جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا أي اعتراضا ورايت جعفرا مستقيما ليس في عنقه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا بوجههما وأما جعفر فانه لم يفعل
وعن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قتل زيد أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فجاءه الشيطان لعنه الله فحبب اليه الحياة وكره اليه الموت ومناه الدنيا ثم مضى حتى استشهد رضي الله عنه
قال وفي رواية رأيتهم أي فيما يرى النائم وفي رواية لقد رفعوا إلى أي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه أي انحرافا فقلت مم هذا فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى انتهى أي فإنه كما تقدم صار يستنزل نفسه ويتردد في النزول بعض التردد
وفي لفظ دخل عبد الله بن رواحة الجنة معترضا فقيل يا رسول الله ما اعتراضه قال لما اصابته الجراحة نكل فعاتب نفسه فتشجع فاستشهد وقال صلى الله عليه وسلم إن الله أبدل جعفرا بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجدنا فيما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح وفي لفظ طعنة ورمية وفي لفظ آخر ضربة ورمى فقده نصفين فوجدوا في إحدى شقيه بضعة وثمانين جرحا وفيما أقبل من بدنه اثنين وسبعين ضربة بسيف وطعنة برمح أي وقيل اربعا وخمسين ورواية التسعين اثبت قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أتيته وهو مستلق آخر النهار فعرضت عليه الماء فقال إني صائم فضعه في ترسي عند رأسي فإن عشت حتى تغرب الشمس أفطرت قال فمات صائما قبل غروب الشمس شهيدا وعمره إحدى واربعون سنة وقيل ثلاث وثلاثون سنة وفيه أنه تقدم أنه كان أسن من علي بعشر سنين وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله قال وعلى ما قيل إنه كان اسن من علي بعشر سنين

يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لأن عليا كرم الله وجهه اسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وهاجر وعمره إحدى وعشرون سنة ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة وكونه رضي الله تعالى عنه مات صائما لا يناسب كونه شق نصفين
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع رسول الله لى فرفع رأسه إلى السماء فقال وعليكم السلام ورحمة الله فقال الناس يا رسول الله ما كنت تصنع هذا قال مر بي جعفر بن أبي طالب في ملأ من الملائكة فسلم علي
ولما دنا الجيش من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان ينشدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم واعطوني ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء وفي الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة وفي رواية يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله تعالى من يديه وروى جناحان من ياقوت أي وذكر السهيلي رحمه الله أن الجناحين عبارة عن صفة ملكية وقوة روحانية اعطيهما جعفر رضي الله عنه يقتدر بهما على الطيران لا أنهما جناحان كجناح الطائر كما يسبق للوهم أي لان الصورة الآدمية أشرف الصور أي ولا يضر في ذلك وصفهما بأنهما من ياقوت ولا كونهما مضمخين بالدم وصار المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون لهم يا فرارون فررتم في سبيل الله فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بل هم الكرارون وفي لفظ إنهم قالوا يا رسول الله نحن الفارون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انتم العكارون أي الكرارون وهو دليل على أنه كان بينهم محاجزة وترك للقتال وعن بعض الصحبة لما قتل ابن رواحة رضي الله انهزم المسلمون رضي الله عنهم أسوأ هزيمة ثم تراجعوا ولقد لقوا من اهل المدينة لما رجعوا شرا حتى إن الرجل يجئ إلى أهل بيته يدق عليهم بابه فيأبون يفتحون له ويقولون له هلا تقدمت مع اصحابك فقتلت حتى إن نفرا نم الصحابة رضي الله عنهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج

واحد منهم صاحوا به وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل اليهم رجلا رجلا ثم يقول أنتم الكرارون في سبيل الله ويعنون بالفرار انحيازهم مع خالد رضي الله عنه حين انحاز العدو عنهم وإنما انحاز خالد رضي الله عنه لترتيبه العسكر وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم خالدا رضي الله عنه على ذلك وأثنى عليه وقتل رجل من المسلمين رجلا من الروم فأراد أخذ سلبه فمنعه خالد رضي الله عنه فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال لخالد ما منعك ان تعطيه سلبه قال استكثرته عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفعه له
وكان عوف بن مالك رضي الله عنه كلم خالدا في دفع ذلل لذلك الرجل قبل أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مر خالد بعوف بن مالك اطلق لسانه في خالد رضي الله عنه وقال له أما ذكرت لك ذلك ونحوه فغضب صلى الله عليه وسلم وقال لخالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي
وفيه أن القاتل استحق السلب فكيف منعه وأجيب بأنه يجوز أن يكون دفعه له بعد وانما اخر دفعه تعزيزا لعوف رضي الله عنه حين اطلق لسانه في خالد وانتهك حرمته وتطيبا لقلب خالد رضي الله تعالى عنه للمصلحة في إكرام الأمراء وهذا السياق يدل على أن الجيش كله رضي الله عنهم قيل لهم الفرارون وإنما كان لطائفة من الجيش فروا إلى المدينة لما رأوا من كثرة العدو فليتأمل
وعد هذه غزوة تبعت فيه الاصل والحق أنها ليست من الغزوات بل من السرايا الأتي ذكرها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها والله اعلم

بسم الله الرحمن الرحيم
فتح مكة شرفها الله تعالى
كان في رمضان سنة ثمان وكان السبب في ذلك أنه لما آن صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيه أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكان قبل ذلك بينهما دماء أي فحجز الإسلام بينهما لتشاغل الناس به وهم على ما هم عليه من العداوة وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم أي يناصرونه على عمه نوفل بن عبد مناف
فإن المطلب لما مات وثب نوفل على ساحات وأفنية كانت لعبد المطلب واغتصبه إياها فاطرب عبد المطلب لذلك واستنهض قومه فلم ينهض معه احمد منهم وقالوا له لا ندخل بينك وبين عمك وكتب الى أخواله بني النجار فجاءه منهم سبعون راكبا فأتوا نوفلا وقالوا له ورب البنية لتردن على ابن أختنا ما أخذت وإلا ملأنا منك السيف فدره ثم حالف خزاعة بعد أن حالف نوفل بني أخيه عبد شمس وكان صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك الحف فإنهم أوقفوه على كتاب عبد الملطب وقرأه عليه أبي بن كعب رضي الله عنه أي بالحديبية وهو باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذا قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى ابدا اليد واحدة والنصر واحد ما أشرق ثبير وثبت حرا مكانه وما بل بحر صوفه


وفي الامتاع أن سنخة كتابهم باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الاشياخ والأصاغر على الأصاغر والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر بنمكة إنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا آلان عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه وعلى خزاعة النصرة لعبد الطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب او حزن او سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى بالله جميلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعرفني بحقكم وانتم على ما أسلفتم عليه من الحلف
فلما كانت الهدنة وهي ترك القتال التي وقعت في صلح الحديبية اغتنمها بنو بكر أي طائفة منهم يقال لهم بنو نفاثة
أي وفى الإمتاع وسببها أن شخصا من بني بكر هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يتغنى به فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجه فثار الشر بين الحيين لما كان بينهم من العداوة فطلب بنو نفاثة من أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على خزاعة فأمدوهم بذلك فبيتوا خزاعة أي جاءوهم ليلا بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له الوتير فأصابوا منهم أي قتلوا منهم عشرين أو ثلاثة وعشرين وقاتل معهم جمع من قريش مستخفيا منهم صفوان بن أمية وجويطب بن عبد العزى أي وعكرمة ابن ابي جهل وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ولا زالوا بهم الى أن أدخلوهم دار بديل بن ورقاء الخزاعي بمكة أي ولم يشاوروا في ذلك أبا سفيان قيل شاوروه فأبي عليهم ذلك وظنوا أنهم لم يعرفوا وأن هذا لا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما ناصرت قريش بني بكر على خزاعة ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق ندموا وجاء الحارث بن هشام الى ابي سفيان واخبره بما فعل القوم فقال هذا امر لم أشهده ولم أغب عنه وإنه لشر والله ليغزونا محمد

ولقد حدثتني هند بنت عتبة يعني زوجته أنها رأت رؤيا كرهتها رأت دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة فكره القوم ذلك
وعند ذلك خرج عمرو وقيل عمر العين وصححه الذهبي ابن سالم الخزاعي أي سيد خزاعة في أربعين راكيا أي من خزاعة فيهم بديل بن ورقاء الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد ووقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد بين الناس وقال من ابيات ** يا رب إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا ** ** إن قريشا أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكدا ** ** هم بيتونا بالوتير هجدا ** وقتلونا ركعا وسجدا **
فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم أي ودمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال لا ينصرني الله وفي لفظ لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة مما انصر به نفسي وفي رواية لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي زاد في رواية واهل بيتي ثم مرت سحابة في السماء وارعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا السحاب ليستهل أي وفي لفظ لينصب بنصر بني كعب يعني خزاعة
أي وعن بشر بن عصمة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خزاعة مني وأنا منهم وقبل قدوم عمرو بن سالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامه بذلك حدثت عاششة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الوقعة قال لها لقد حدث في خزاعة حدث قالت فقلت يا رسول الله أترى قريشا يجترئون على نقض العهد الذي بينك وبينهم فقال ينقضون العهد لأمر يريده الله فقلت خير قال خير وفي لفظ قالت لخير او لشر قال لخير
وعن ميمونه رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها ليلة فقام ليتوضأ للصلاة قالت فسمعته يقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا تصرت نصرت نصرت ثلاثا فلما خرج قلت يا رسول الله سمعتك تقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا نصرت نصرت نصرت ثلاثا كأنك تكلم إنسانا فهل كان معك احد قال هذا راجز بني كعب يعني خزاعة يزعم أن قريشا اعانت عليهم بكر بن وائل أي بطنا منهم وهم بنوا نفاثة قالت ميمونة فأقمنا

ثلاثا ثم صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الصبح فسمعت الراجز يقول يارب إني ناشد محمدا **

إلى أخر ما تقدم انتهى
وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم واصحابه فيمن تهمتكم قالوا بنو بكر قال كلها قالوا لا ولكن بنو نفاثة قال هذا بطن من بكر
ولما ندمت قريش على نقضهم العهد أرسلوا أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة فقالوا له ما لها سواك اخرج الى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة فخرج ابو سفيان ومولى له على راحلتين فاسرع السير لأنه يرى أنه أول من خرج من مكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول صلى الله عليه وسلم للناس قبل قدوم ابي سفيان كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة وهو راجع بسخطه ثم رجع اولئك الركب من خزاعة فلما كانوا بعسفان لقوا أبا سفيان أي ومولى له كل على راحلة وقد بعثته قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة وقد خافوا مما صنعوا فسألهم هل ذهبتم الى المدينة قالوا لا وتركوه وذهبوا فجاء الى مبركهم بعد أن فارقوه فأخذ بعرا وفته فوجد فيه النوى فعلم انهم ذهبوا الى المدينة الشريفة
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن سالم واصحابه ارجعوا وتفرقوا في الاودية أي ليخفى مجيئهم للنبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا وتفرقوا فذهبت فرقة الى الساحل أي وفيهم عمرو بن سالم وفرقة فيهم بديل بن ورقاء لزمت الطريق وإن ابا سفيان لقى بدليل بن ورقاء بعسفان فأشفق ابو سفيان أن يكون بديل جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال للقوم أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها فقالوا لا علم لنا بها أي وقالوا إنما كنا في الساحل نصلح بين الناس في قتل ثم صبر ابو سفيان حتى ذهب أولئك القوم وفي لفظ قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت الى خزاعة في هذا الساحل قال ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل الى مكة أي توجه اليها قال ابو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فجاء منزلهم ففتت ابعار اباعرهم فوجد فيها النوى قال ابو سفيان احلف بالله لقد جاء القوم محمدا انتهى
فلما قدم ابو سفيان المدينة دخل على ابنته ام حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنها ولما أراد ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال

يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ام رغبت به عني قالت بل هو فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس قال والله لقد أصابك بعدي شر فقالت بل هداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر وأعجبا منك يا أبت وأنت سيد قريش وكبيرها فقال أنا أترك ما كان يعبد آبائي واتبع دين محمد ثم خرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إني كنت غائبا في صلح الحديبية فامدد العهد وزدنا في المدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك جئت يا أبا سفيان قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله نن على عهدنا وصلحنا لا نغير ولا نبدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن على مدتنا وصلحنا فأعاد ابو سفيان القول على رسول صلى الله عليه وسلم وسلم فلم يردعليه شيئا هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمهما الله ان مجئيه لأم حبيبة رضي الله عنها بعد مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب الى ابي بكر رضي الله عنه فكلمه ان يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل وفي رواية قال لأبي بكر جدد العقد وزدنا في المدة فقال ابو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم أتى عمربن الخطاب رضي الله عنه فكلمه فقال أنا اشفع لكم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم اجد الا الذر لجاهدتكم أي بها وفي رواية أنه قال له ماكان من حلفنا جديدا أخلقه الله وما كان مقطوعا فلا وصلة الله فعند ذلك قاله له ابو سفيان جزيت من ذي رحم شرا وفي لفظ سوءا ثم جاء الى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال أنه ليس في القوم أقرب بي رحما منك فزد في المدة وجدد العقد فان صاحبك لا يرده عليك أبدا فقال عثمان جواري في جواره صلى الله عليه وسلم انتهى ثم جاء فدخل على علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وعنده فاطمة وحسن رضي الله عنه غلام يدب بين يديها فقال يا علي انك امس القوم بي رحما وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع الى محمد فقال ويحك يا ابا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه عنها فقال يا ابنة محمد هل لك ان تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب الى اخر الدهر قالت والله ما يبلغ ببني ذلك ان يجير بين الناس وما يجبر احد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي رواية أنه قال لفاطمة أجبري بين الناس

فقالت إنما أنا امرأة قال قد أجارت اختك يعني زينب أبا العاص بن الربيع يعني زوجها وأجاز ذلك محمد قالت إنما ذاك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فأمري احد ابنيك قالت إنما هما صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمى عليا فقالت انت تكلمه فكلم عليا فقال يا ابا سفيان انه ليس أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار وقول فاطمة رضي الله عنها في حق ابنيها صبيان ليس مثلهما يجير هو الموافق لما عليه أئمتنا من ان شرط من يؤمن أن يكون مكلفا وأما قولها وإنما أنا امرأة فلا يوافق ما عليه أئمتنا من أن للمرأة والعبد أن يؤمنا لأن شرط المؤمن عند أئمتنا ان يكون مسلما مكلفا مختارا وقد أمنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجها ابا العاص بن الربيع وقال صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت وقال المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم كما سيأتى في السرايا وقد تقدم ذلك قريبا عن ابي سفيان وسيأتى قريبا أن أم هاني اجارت وأنه صلى الله عليه وسلم قال لها أجرنا من أجرت يا أم هاني لكن سيأتى ان هذا كان تأكيدا للأمان الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لا أمان مبتدأ
ثم أن ابا سفيان أتى اشراف قريش والأنصار وكل يقول جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء الى علي كرم الله وجهه وقال يا ابا الحسن إني ارى الأمور قد انسدت على فانصحني قال والله لا أعلم لك شيئا يغني وعنك ولكنك سيد بني كنانة فقم وأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال والله ما أظنه ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام ابو سفيان في المسجد فقال ايها الناس إني أجرت بين الناس زاد في رواية ولا والله ما أظن ان يخفرني احد ولا يرد جواري قال وفي رواية أنه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني اجرت بين الناس أي وقال لا والله ما أظن أحدا يخفرني ويرد جواري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت تقول ذلك يا ابا حنظلة وفي لفظ يا ابا سفيان انتهى
ثم ركب بعيره فانطلق حتى قدم على قريش وقد طالت غيبته واتهمته قريش انه صبأ ابتع محمدا سرا وكتم إسلامه وقالت له زوجته ان كنت مع طول الاقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل فلما أخبرها أي وقد دنا منها وجلس ومنها مجلس الرجل من امرأته فضربت

برجلها في صدره وقالت قبحت من رسول قوم فما جئت بخير فلما اصبح ابو سفيان حلق رأسه عند اساف ونائلة وذبح عندهما البدن ومسح رءوسهما بالدم ليدفع عنه التهمة فلما رأته قريش قالوا ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد او عهد قال لا والله لقد أبى على وقد تتعبت اصحابه فما رأيت قوما لملك اطوع منهم له وفي رواية قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت الى ابن ابي قحافة فلم أجد فيه خيرا ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو أي وفي رواية أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته الين القوم وقد اشار على بشيء صنعته فوالله لا أدري أيغنى عني شيئا ام لا قالوا وبم امرك قال أمرني أن اجير بين الناس أي قال لي لم تلتمس جوار الناس على محمد و لا تجير انت عليه وانت سيد قريش واكبرها واحقها ان لا يخفر جواره ففعلت قالوا فهل اجاز ذلك محمد قال لا أي وانما قال انت تقول ذلك يا ابا حنظلة والله لم يزدني قالوا رضيت بغير رضا وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا ولعمر الله ما جوارك بجائز وان اخفارك أي ازالة خفارتك عليهم لهين والله أراد الرجل يعنون عليا كرم الله وجهه ان يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه أن يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر اهله ان يهجزوه أي قال لعائشة جهزينا وأخفى امرك فدخل ابو بكر رضي الله عنه علي ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تحرك بعض جهاز رسول الله أي تجعل قمحا سويقا ودقيقا وفي لفظ وجد عندها حنطة تنسف وتنقى فقال أي بنية امركن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيزه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت لا والله ما أدري وإن ذلك قبل ان يستشير صلى الله عليه وسلم ابا بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة كما سيأتي ثم انه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر الى مكة وأمرهم بالجد والتجهيز
أي وفي الامتاع ان ابا بكر رضي الله عنه لما سأل عائة رضي الله عنها دخل عليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اردت سفرا قال نعم قال أفأتجهز قال نعم قال فاين تريد يا رسول الله قال قريشا وأخف ذلك يا ابا بكر وأمر صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وطوى عنهم الوجه الذي يريده وقد قال له ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله أو ليس بيننا وبينهم مدة قال أنهم غدروا ونقضوا العهد

واطو ما ذركرت لك وفي رواية ان ابا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله أتريد ان تخرج مخرجا قال نعم قال لعلك تريد بني الأصفر قال لا قال أفتريد أهل نجد قال لا قال فلعلك تريد قريشا قال نعم قال يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة قال أو لم يبلغك ما صنعوا ببني كعب يعني خزاعة قال وأرسل صلى الله عليه وسلم ألى أهل البادية ومن حوله من المسلمين في كل ناحية يقول لهم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة أي وذلك بعد أن تشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة فذكر له ابو بكر رضي الله عنه ما يشير به الى عدم السير حيث قال له هم قومك وحضه عمر رضي الله عنه حيث قال نعم هم راس الكفر زعموا أنك ساحر وانك كذاب وذكر له كل سوء كانوا يقولون وايم الله لا تذل العرب حتى تذل اهل مكة فعند ذلك ذكر صلى الله عليه وسلم أن ابا بكر كإبراهيم وكان في الله الين من اللين وان عمر كنوح وكان في الله اشد من الحجر وان الأمر امر عمر وتقدم نحو هذا لم استشارهما صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر أي ثم قدمت المدينة من قبائل العرب أسلم وغفار ومزينة واشجع وجهينه
ثم قال صلى الله عليه وسلم اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها أي وفي رواية قال اللهم خذ على اسماعهم وابصارهم فلا يرونا الا بغتة ولا يسمعون بنا الا فجأة وأخذ بالأنقاب أي الطرق أي أوقف بكل طريق جماعة ليعرف من يمر بها أي وقال لهم لا تدعوا احدا يمر بكم تنكرونه الا رددتمهوه
ولما اجمع صلى الله عليه وسلم المسير الى قريش وعلم بذلك الناس كتب حاطب بن ابي بلتعة الى قريش أي الى ثلاثة منهم من كبرائهم وهم سهيل بن عمرو وصفوان ابن امية وعكرمة بن ابي جهل رضي الله عنهم فإنهم اسلموا بعد ذلك كما تقدم كتابا يخبرهم بذلك ثم اعطاه امرأة وجعل لها جعلا على ان تبلغه قريشا ويقال أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا أي وقال لها اخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسا فسلكت غير الطريق قال وتلك المرأة هي سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب بن عبد مناف وكانت معنيه بمكة وكانت قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت وطلبت منه الميرة وشكت الحاجة فقال لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم ما كان في غنائك ما يغنيك فقالت ان قريشا منذ قتل منهم من قتل ببدر تركوا الغناء فوصلها صلى الله عليه وسلم وأوقر لها بعيرا طعاما فرجعت الى قريش وارتدت عن الاسلام وكان ابن خطل يلقى عليها هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغنى به انتهى فجعلت الكتاب في قرون رأسها أي ضفائر رأسها خوفا ان يطلع عليها أحد ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا والزبير وطلحة والمقداد أي وقيل عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد وابا مرثد أي ولا مانع أن يكون ارسل الكل وبعض الرواة اقتصر على بعضهم فقال صلى الله عليه وسلم أدركا امرأة بمحل كذا قد كتب معها حاطب بكتاب الى قريش يحذرهم ما قد اجمعنا له في امرهم فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن أبت فاضربوا عنقها فخرجا حتى أدركاها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم فقالا لها اين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي كرم الله وجهه إني احلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك أو اضرب عنقك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه وفي البخاري أخرجته من عقاصها ولا منافاة وفيه في محل اخر اخرجته من حجزتها والحجزة معقدالإزار والسروايل قال بعضهم ولا مانع أن يكون في ضفائرها وأنها جعلت الضفائر في حجزتها فدفعته اليه وسيأتى أنها ممن أباح صلى الله عليه وسلم وسلم دمه يوم الفتح ثم اسلمت وعفا عنها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الكتاب أي وصورة الكتاب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم فإنه منجز له ما وعده فيكم فإن الله تعالى ناصره ووليه وقيل فيه إن محمدا صلى الله عليه وسلم فد نفر فإما اليكم وإما الى غيركم فعليكم الحذر وقيل فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آذن بالغزو ولا أراه الا يريدكم وقد أحببت ان تكون لي يد بكتابي اليكم
أقول لا مانع ان يكون جميع ما ذكره في الكتاب بأن يكون فيه ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد آذن أي أعلم بالغزو وقد نفر أي عزم على ان ينفر فإما اليكم وإما الى غيركم ولا أراه الا يرديكم وهذا كان قبل ان يعلم بسيره الى مكة فلما علم الحق بالكتاب

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه أي يريد التوجه اليكم بجيش الى آخره وبعض الرواة اقتصر على ما في بعض الكتاب والله اعلم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال له اتعرف هذا الكتاب قال نعم فقال ما حملك على هذا فقال والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت وفي لفظ ما كفرت منذ اسلمت ولا غششت منذ نصحت ولا احببتهم منذ فارقتهم ولكني ليس لي في القوم أهل ولا عشيرة ولي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم أي وفي لفظ قال يا رسول الله لا تعجل على إني كنت امرأ ملصقا أي حليفا من قريش وفي كلام بعضهم ما يفيد أن الملصق هو الذي لا نسب له ولا دخل في حلف قال ولم أكن من انفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم واهليهم بمكة ولم يكن لي قرابة فأحببت ان اتخذ فيهم يدا احمى بها أهلي أي وهي أمه
ففي بعض الروايات كنت غريبا في قريش وامي بين اظهرهم فأردت ان يحفظوني فيها وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام وقد علمت ان الله تعالى منزل بهم بأسه لا يغنى عنهم كتابى شيئا فقال رسول الله صلى الله وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا رسول الله دعني لاضرب عنقه فإن الرجل قد نافق وفي لفظ قال له قاتلك الله ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأنقاب وتكتب الى قريش تحذرهم وفي رواية دعني أضرب عنقه لأنه يعلم انك يا رسول الله أخذت على الطريق وأمرت أن لا ندع احدا يمر ممن تنكره الا رددناه انتهى
وأقول مراد سيدنا عمر بقوله قد نافق أي خالف الأمر لا انه اخفى الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم قد صدقكم ورأى ان مخالفة امره صلى الله عليه وسلم مقتضية للقتل ولكن رواية البخاري إنه قد صدقكم ولا تقولوا له الا خيرا وعليها يشكل قول عمر المذكور ودعاؤه عليه بقوله قاتلك الله الا ان يقال يجوز ان يكون قول عمر لذلك كان قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر وعند قول عمر رضي الله عنه دعني لاضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي رواية فقد وجبت لكم الجنة وفي رواية لا يدخل النار احد شهد بدرا فعند ذلك فاخت عينا عمر رضي الله عنه بالبكا أي وانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }

وفي قوله عدوي وعدوكم منقبة عظيمة لحاطب رضي الله عنه بأن في ذلك الشهادة له بالايمان وقوله تلقون اليهم بالمودة أي تبدونها لهم وذكر بعضهم ان البلتعة في اللغة التظرف بالظاء المشالة يقال تبلتع في كلامه اذا تظرف فيه
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم ابن الحصين الغفاري وقيل ابن ام مكتوم وبه جزم الحافظ الدمياطي في سيرته وخرج لعشر وقيل لليلتين وقيل لثنتى عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل سبع عشرة وقيل ثمان عشرة وهو في مسند الإمام احمد بسند صحيح قال ابن القيم إنه أصح من قول من قال إنه خرج لعشر خلون من رمضان أي وصدر به في الامتاع وقيل خرجل تسع عشرة مضين من شهر رمضان في سنة ثمان قال في النور لا اعلم خلافا في الشهر والسنة
وما في البخاري أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة أي فيكون في السنه التاسعة في نظر وكان صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل كبنى اسد وسليم ولم يختلف عنه احد من المهاجرين والانصار وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلثمائة فرس وكانت الانصار اربعة الاف ومعهم خمسمائة فرس وكانت مزينة الفا وفيها مائة فرس وكانت اسلم اربعمائة ومعها ثلاثون فرسا وكانت جهينة ثمانمائة ومعها خمسون فرسا وقيل كان صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر الفا
ولما وصل صلى الله عليه وسلم الى الابواء او قريبا منها لقيه ابو سفيان ابن عمه الحارث وكان الحارث اكبر اولاد عبد المطب وكان يكنى به كما تقدم وكان ابو سفيان اخاه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على حليمة كما تقدم ولقيه بد الله بن امية بن المغيرة ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب اخو أم سلمة ام المؤمنين رضى الله عنها لأبيها لأن والدة ام سلمة عاتكة بنت جندل الطعان وكان عند ابيها امية بن المغيرة زوجتان ايضا كل منهما تسمى عاتكة فكان عنده اربع عواتك وكان مجئ الحارث وعبد الله له صلى الله عليه وسلم يريدان الإسلام وكان رضى الله تعالى عنهما من اكبر القائمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إذاية له صلى الله عليه وسلم أي بعد أن كان الحارث قبل النبوة آلف الناس له صلى الله عليه وسلم لا يفارقه كما تقدم وقد تقدم بعض ذكر

أذيتما له صلى الله عليه وسلم فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة رضي الله عنها فيهما أي قالت له لا يكون ابن عمك وابن عمتك أي وصهرك اشقى الناس بك فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي بهما اما ابن عمى يعني ابا سفيان فهتك عرض واما ابن عمتي وصهري يعني عبد الله اخا ام سلمة فهو الذي قال لي بمكة ما قال أي قال له والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما الى السماء فتعرج فيه وانا انظر اليك ثم تأتى بصك واربعة من الملائكه يشهدون لك ان الله ارسلك الى آخر ما تقدم فلما خرج الخبر اليهما قال ابو سفيان ومعه ابن له والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعا وعطشا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه وأسلما وقبل صلى الله عليه وسلم إسلامهما
وقيل إن عليا كرم الله وجهه قال لابي سفيان ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف تالله لقد أثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى أن يكن أحد أحسن قولا منه ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين وكان ابو سفيان رضي الله عنه بعد ذلك لا يرفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لأنه عاداه صلى الله عليه وسلم نحو عشرين سنة يهجوه ولم يتخلف عن قتاله وكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحبه ويشهد له بالجنة ويقول ارجو ان يكون خلفا من حمزة رضي الله عنهما أي وقال له صلى الله عليه وسلم يوما الصيد كل الصيد في جوف الفرا وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم أنت يا أبا سفيان كما قيل كل الصيد في جوف الفرا
وفي سفره صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس حتى إذا كانوا بالكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى أي وهو محل بين عسفان وقديد أفطر أي وقيل أفطر بعسفان وقيل افطر بقديد وقيل أفطر بكراع الغميم ولا منافاة لتقارب الامكنة وقال بعضهم لا مانع أن يكون صلى الله عليه وسلم كرر الفطر في تلك الأماكن لتتساوى الناس في رؤية ذلك فأخبر كل منهم عن محل رؤيته
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج ووصل الى محل يقال له الصلصل قدم

أمامه الزبير بن العوام رضي الله عنه في مائتين ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يصوم فليصم ومن احب ان يفطر فليفطر
أي وفي الإمتاع لما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة نادى مناديه من أحب ان يصوم فليصم وفي بعض الأيام صب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه الماء ووجهه من شدة العطش وفي لفظ من شدة الحر وهو صائم
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الكديد بلغة أن الناس شق عليهم الصيام أي وأنهم ينظرون فيما فعلت فاستوى صلى الله عليه وسلم على راحلته بعد العصر ودعا بإناء فيه ماء وقيل لبن فشرب ثم ناوله لرجل بجنبه فشرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس صام فقال أولئك العصاة أي لانهم خالفوا امره صلى الله عليه وسلم بالفطر ليقووا على مقاتلة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من عدوهم انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فلم يزل صلى الله عليه وسلم وسلم يفطر حتى انسلخ الشهر انتهى
أي وفي قديد عقد صلى الله عليه وسلم الألوية والرايات ودفعها للقبائل ثم سار حتى نزل بمر الظهران أي وهو الذي يقال له الآن بطن مرو عشاء أي وقد أعمى الله الأخبار عن قريش اجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم فلم يعلموا بوصوله اليهم أي ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره اليهم فأمر صلى الله عليه وسلم اصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان العباس رضي الله عنه قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما أي مظهر اللإسلام مهاجرا فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة وقيل بذي الحليفة فرجع معه الى مكة أي وأرسل أهله وثقله الى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتي أخر نبوة قال العباس رضي الله عنه ورقت نفسي لاهل مكة أي وقال يا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل ان يأتوه فيستأمنوه انه لهلاك قريش الى آخر الدهر قال العباس رضي الله عنه فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء أي زاد بعضهم التي أهداها له دحية الكلبي فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت لعلى اجد بعض الحطابة او صاحب لبن او ذا حاجة يأتى مكة يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا اليه فيسأمنوه قبل ان يدخلها عنوة

فوالله إني لاسير إذ سمعت كلام ابي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان أي وقد خرجا وحكيم بن حزام أي بعد ان خرج ابو سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديلا فاستصحباه وخرجوا يتجسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا او يسمعون به أي لأنهم علموا بمسيره صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا الى أي جهة
وفي سيرة الدمياطي ولم يبلغ قريشا مسيره اليهم فلا ينافي ما قبله وهم مغتمون يخافون من غزوة إياهم فبعثوا ابا سفيان بن حرب يتجسس الأخبار وقالوا إن لقيت محمدا فخذلنا منه أمانا أي فلما سمعوا صهيل الخيل راعهم ذلك وأبو سفيان يقول ما رايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا هذه كنيران عرفة وبديل يقول له هذه والله خزاعة حمشتها الحرب وحمشتها بالحاء المهملة والشين المعجمة أي احرقتها وقيل بالسين المهملة أي اشتدت عليها من الحماسة وهي الشدة وابو سفيان يقول خزاعة اذل واقل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها أي وفي رواية أن القائل هذه خزاعة غير بديل وان بديلا هو القائل هؤلاء أكثر من خزاعة وهو المناسب لان بديلا من خزاعة قال العباس رضي الله عنه فعرفت صوت ابي سفيان أي وكان ابو سفيان صديقا للعباس ونديمه قال العباس فقلت يا ابا حنظلة فعرف صوتي فقال ابو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك ابي وامي قلت والله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قد جاءكم بما لا قبل لكم به أي وفي رواية قد جاءكم بعشرة آلاف فقال واصباح قريش والله فما الحيلة فداك أبي وأمي قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى أتيك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك فركب خلفي أي ورجع صاحباه فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا وإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من هذا وقام الى فلما راى أبا سفيان على عجز الدابة قال ابو سفيان عدو الله الحمد لله الذي قد أمكن منك من غير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فركضت البغلة فسبقته فاقتحمته عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر في اثرى فقال يا رسول الله هذا ابو سفيان أي عدو الله قد أمكن من من غير عقد ولا عهد فدعني لأضرب عنقه قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته ولعل العباس

وعمر رضي الله عنهما لم يبلغهما قوله صلى الله عليه وسلم إنكم لاقون بعضهم فإن لقيتم ابا سفيان فلا تقتلوه إن صح
قال العباس رضي الله ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت براسه فقلت والله لا يناجيه الليلة رجل دوني فلما أكد عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا أي ولكنك قد عرفت انه من رجال عبد مناف قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم اسلمت كان احب إلي من اسلام الخطاب لو أسلم وما بي الا اني قد عرفت ان اسلامك كان احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فإذا اصبحت فأتنى به
وفي البخاري ان الحرس ظفروا بأبي سفيان ومن معه وجاءوا بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا
وجمع بعضعم بأنه يجوز ان يكون العباس اخذهم من الحرس أي ويؤيده قول ابن عقبة رحمه الله لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه لقيهم العباس بن عبد المطلب فأجارهم أي واتى بأبي سفيان وتأخر صاحباه قال وفي لفظ أخذهم نفر من الانصار بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيونا فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا من أنتم قالوا نحن اصحاب رسول صلى الله عليه وسلم وها هو فقال ابو سفيان هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزلوا على اكباد قوم لم يعلموا بهم فجاءوا بهم الى عمر رضي الله تعالى عنه أي لأنه كان في تلك الليلة على الحرس كما تقدم فقالوا جئناك بنفر من أهل مكة فقال عمرو وهو يضحك اليهم والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم فقالوا والله أتيناك بأبي سفيان فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح فغدوا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه مالا يخفى فان الجمع بينه وبين ما قبله بعيد
قال العباس ولما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فذهبت به فلما اصبح غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد ان نؤدي بالصلاة وثار الناس ففزع ابو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون قال الصلاة
وفي رواية ما للناس أامروا في بشىء قال لا ولكنهم قاموا الى الصلاة ورأى

المسلمين يتلقون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رآهم يركعون إذا وكع ويسجدون إذا سجد فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشئ الا فعلوه فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه فقال ما رأيت ملكا مثل هذا لاملك كسرى ولا ملك قيصر ولا ملك بني الاصفر ثم قال للعباس كلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم فانطلق العباس بأبى سفيان حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يا ابا سفيان أم يأن لك أن تعلم عليه أنه لا إله الا الله قال بأبي وأمي انت ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أنه لو كان مع الله اله غيره ما اغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا ابا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبي انت وأمي اما والله هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئا
قال وفي رواية أن بديلا وحكيم بن حزام لم يرجعا بل جاء بهم العباس وان العباس قال يا رسول الله ابو سيفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد اجرتهم وهم يدخلون عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلهم فدخلوا عليه فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم أي عن أهل مكة ودعاهم الى الاسلام فقالوا نشهد ان لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا أني رسول الله فشهد بذلك بديل وحكيم بن حزام فقال ابو سفيان ما اعلم ذلك والله إن في النفس من هذا شيئا فأرجئها انتهى وأي اخرها الى وقت آخر
وفي أسد الغابة أنه صلى الله عليه وسلم قال ليلة قرب من مكة في غزوة الفتح إن بمكة اربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب بهم في الإسلام عتاب بن اسيد وجيبر بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو أي وهذا يدل على القول بأن جبيرا أسلم يوم الفتح كمن ذكر معه وذكر بعضهم أنه أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح
فقال العباس رضي الله تعالى عنه لأبي سفيان ويحك اسلم واشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل ان تضرب عنقك فشهد شهادة الحق فاسلم
وذكر عبد بن حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم حين عرض الإسلام على ابي سفيان قال له كيف اصنع بالعزى فسمعه عمرو رضي الله تعالى عنه من وراء القبة فقال له تخرأ عليها فقال له ابو سفيان ويحك يا عمر إنك رجل فاحش دعني مع ابن عمي

فإياه اكلم وكان في هذا التصديق أمية بن ابي الصلت فإنه كان يقول كنت رأى في كتبي أن نبيا يبعث في حرتنا فكنت أظن بل كنت لا اشك أني أنا هو فلما دارست أهل العلم إذ هو في بني عبد مناف فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر الا عتبة بن ربيعة فلما جاوز الاربعين سنة ولم يوح اليه علمت أنه غيره قال ابو سفيان فخرجت في ركب اريد اليمن في تجارة فمررت بأمية بن أبي الصلت فقلت له كالمستهزئ به يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته قال انه حق فاتبعه قلت ما يمنعك من اتباعه قال ما يمنعني من اتباعه إلا الاستحياء من بنيات ثقيف إني كنت احدثهم اني هو يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف ثم قال لابي سفيان كأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدى حتى يأتى بك اليه فيحكم فيكم بما يريد رواه الطبراني في معجمه
وذكر بعضهم أن امية هذا كان يتفرس في بعض الأحيان في لغات الحيوان فمر يوما على بعير عليه امرأة راكبة وهو يرفع رأسه اليها ويرغوا فقال هذا البعير يقول إن في رحلة مسلة تصيب ظهره فأنزلوا تلك المرأة وحلوا ذلك الرجل فوجدوا المسلة كما قال
وذكر ان حكيم بن حزام قال يا رسول الله أجئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف الى أهلك وعشيرتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أظلم وأفجر قد غدرتهم بعقد الحديبية وتجارتم على بني كعب يعني خزاعة بالإثم والعدوان في حرم الله وأمنه فقال بديل صدقت والله يا رسول الله فقد غدروا بنا والله لو أن قريشا خلوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا فقال حكيم قد كنت يا رسول الله حقيقا ان تجعل عدتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحما واشد عدواة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجوا أن يجمعها لي ربي فتح مكة وإعزاز الإسلام بها وهزيمة هوازن وأخذ أموالهم وذراريهم وقال له ابو سفيان يارسول الله ادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن قال العباس فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن


أي فحكيم بن حزام من مسلمة الفتح وكان عمره ستين سنة وبقي في الإسلام مثل ذلك كان من اشراف قريش في الجاهلية والإسلام واعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مثل ذلك فإنه حج في الإسلام وأوقف بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى مائة بدنة قد جللها بالحبرة وأهدى ألف شاة وعقد صلى الله عليه وسلم لأبي رويحة الذي آخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال لواء وأمره ان ينادي من دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن أي وانما قال ذلك لما قال له ابو سفان وما تسع داري وما يسع المسجد ولما قال له صلى الله عليه وسلم ذلك قال ابو سفيان هذه واسعة ثم أمر صلى الله عليه وسلم العباس ان يحبس أبا سفيان بديلا وحكيم بن حزام أي وعليه انماخص ابو سفيان بالذكر في بعض الروايات لشرفه قال له احبسه بمضيق الوادى حتى تمر به جنود الله فيراها قال العباس ففعلت فمرت القبائل كلها مرت قبيلة كبرت ثلاثا عند محاذاته قال يا عباس من هذه فأقول سليم فيقول مالي ولسليم أي فإن أول القبائل مر سليم وفيها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفدت بالفاء والدال المهملة القبائل كلها ما تمر قبيلة الا سألني عنها قلت له بنو فلان قال مالي ولبني فلان
اي وقد ذكرها بعضهم مرتبة فقال أول من مر خالد بن الوليد في بني سليم بضم السين فقال ابو سفيان يا عباس من هؤلاء قال هذا خالد بن الوليد قال الغلام قال نعم قال ومن معه قال بنو سليم قال مالي ولبني سليم
ثم مر على اثره الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه في خمسمائة من المهاجرين وفتيان العرب فقال ابو سفيان من هؤلاء قال الزبير قال ابن اخيك قال نعم
ثم مرت بنو غفار بكسر الغين المعجمة ثم أسلم ثم بنو كعب ثم مزينة ثم جهينة ثم كنانة ثم اشجع
ولما مرت اشجع قال ابو سفيان للعباس هؤلاء كانوا اشد العرب على محمد قال العباس ادخل الله الاسلام قلوبهم فهذا فضل الله حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء للبسهم الحديد والعرب تطلق الخضرة على السواد كما تطلق

السواد على الخضرة وفيها المهاجرون الانصار لا يرى منهم الا الحدق من الحديد أي فيها ألفا دارع وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول رويدا حتى يلحق أولكم آخركم قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء فقلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار فقال ما لاحد بهؤلاء قبل ولا طاقة فقال ابو سفيان والله يا أبا الفضل لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما فقلت يا أبا سفيان إنها النبوة فقال نعم إذن ثم قلت له النجاء بالفتح والمد الى قومك حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار ابي سفيان فهو آمن فقامت اليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله تعالى عنهم فأخذت بشاربه وقالت كلاما معناه اقتلوا الخبيث الدنس لا خير فيه قبح من طليعة قوم
أي وفي رواية أنها أخذت بلحيته ونادت يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم فقال لها ويحك اسكتي وادخلي بيتك وقال ويحكم لا تغرنكم هذه من انفسكم فإنه قد جاءكم مالا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو أمن قالوا قبحك الله وما تغنى عنا دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار حكيم ابن حزام فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد أي وبهذا استبدل على أن مكة فتحت صلحا لا عنوة وبه قال إمامنا الشافعي رحمه الله وقال غيره فتحت عنوة
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه حكيم بن حزام مع ابي سفيان بعد إسلامها الى مكة وقال من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وكانت أسفل مكة ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن وكانت باعلى مكة واستثنى صلى الله عليه وسلم جماعة أمر بقتلهم وهم أحد عشر رجلا أي وفي الامتاع ستة نفر وأربع نسوة وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة منهم عبد الله بن ابي سرح وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة وكان فارس بني عامر وكان احد النجباء الكرام من قريش رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وعبد الله بن خطل وقينتاه وعكرمة ابن ابي جهل رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك والحويرث بن نفيل ومقيس بن حبابة وهبار بن الاسود رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكعب بن زهير رضي

الله عنه فإنه اسلم بعد ذلك وهو صاحب بانت سعاد والحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو أخو ابي جهل لأبويه وزهير بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك وعاشت الى خلافة ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتقدم أنها كانت حاملة لكتاب حاطب بن ابي بلتعه وصفوان بن امية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وزهير ابن ابي سلمى أي وهند بنت عتبة امرأة ابي سفيان ووحشي بن حرب رضي الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك
وفي رواية ان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه كان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على الانصار
ولما مر على أبي سفيان وهو واقف بمضيق الوادي قال أبو سفيان من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فلما حاذاه سعد قال يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي الحرب والقتال اليوم أستحل الحرمة وفي لفظ الكعبة اليوم أذل الله قريشا فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم ورأيته مع الزبير رضي الله تعالى عنه فلما مر بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان ناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك فإنه زعم سعد ومن معه حين مر بنا أنه قاتلنا فإنه قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس بر وأرحمهم وأوصلهم فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما يا رسول الله فإنا لا نأمن من سعد أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا سفيان كذب سعد اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا أي وفي رواية اليوم يعظم الله فيه الكعبة اليوم تكسى فيه الكعبة وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة أي أرسل عليا كرم الله وجهه أن ينزع اللواء منه ويدفعه لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما وقيل أعطاه للزبير وقيل لعلي كرم الله وجهه خشية أن يقع من ابنه قيس مالا يرضاه صلى الله عليه وسلم أي لأن قيسا رضي الله تعالى

عنه كان من دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والبسالة والشجاعة من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لما ولاه سيدنا علي كرم الله وجهه بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه مصر لرأي العجب من وفور عقله ومع ذلك كان له من الكرم مالا مزيد عليه وقفت له رضي الله تعالى عنه عجوز وقالت له أشكو إليك قلة الجرذان ببيتي والجرذان بالذال المعجمة نوع من الفيران فقال ما أحسن هذا السؤال وقال لها لأكثرن الجرذان ببيتك فملأ بيتها طعاما وأدما وقيل قالت له مشت جرذان بيتي على العصى فقال لها لأدعهن يثبن وثبة الأسود ثم ملأ بيتها طعاما ولا مانع من تعدد الواقعة
ومن هذا الوادي ما كتب به بعضهم الى عبد الملك بن مروان يا أمير المؤمنين أشكو اليك الشرف فقال له ما أحسن ما استمنحت وأعطاه عشرة آلاف درهم فقيل له في ذلك يسأل ما لا يقدر عليه ويعتذر فلا يعذر
ولما أشرف أبوه سعد رضي الله تعالى عنهما على الموت قسم ماله في أولاده وكان له حمل لم يشعر به فلما مات سعد وولد له ذلك الحمل كلمه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في أن ينقض ما صنع أبوه من تلك القسمة فقال نصيبي للمولود ولا أغير ما صنع أبي ولم يكن في وجه قيس رضي الله تعالى عنه شعر وكان مع ذلك جميلا وكانت الأنصار رضي الله تعالى عنهم تقول وددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا وكان له ديون على الناس كثيرة فلما مرض رضي الله تعالى عنه استبطأ عواده فقيل له إنهم مستحيون من أجل دينك فأمر مناديا ينادي كل من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له فأتاه الناس حتى هدموا درجة كان يصعد عليه إليه
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج عن سعد إذ صار لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما قال وروى أن سعدا أبى أن يسلم اللواء الا بأمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل صلى الله عليه وسلم اليه بعمامته فدفع اللواء لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما انتهى
وفي صحيح البخاري ان كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ومعه الراية ولم ير مثلها ثم جاءت كتيبة وهى أقل وفي رواية الحميدي وهي أجل الكتائب

بالجيم قال في الأصل وهي أظهر من رواية أقل لانها كانت خاصة المهاجرين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والراية مع الزبير رضي الله تعالى عنه
وأمر رسول الله خالد بن الوليد ان يدخل مع جملة من قبائل العرب من اسفل مكة أي وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وقال لا تقاتلوا الا من قاتلكم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم أي فإنهم أسلموا بعد ذلك قد جمعوا ناسا بالخندمة وهو جبل بمكة ليقاتلوا وكان من جملتهم رجل كان يعد سلاحا ويصلح من شأنه فتقول له زوجته أي وقد كانت أسلمت سرا لماذا تعد ما أرى فيقول لمحمد وأصحابه فتقول له والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجوا أن أخدمك بعضهم
وفي تاريخ مكة للأزرقي قال رجل من قريش لامرأته وهي تبرى نبالا له وكانت أسلمت سرا فقالت له لم تبري هذا النبل قال بلغني أن محمدا يريد أن يفتح مكة ويغزوها فلئن كان لأخدمنك خادما من بعض من أستأسره فقالت له والله لكأني بك وقد رجعت تطلب مخبأ أخبئك فيه لو رايت خيل محمد فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل لك الرجل اليها فقال ويحك هل من مخبأة فقالت له فأين الخادم فقال لها دعى عنك وأنشد الأبيات الآتية هذا كلامه
وسبب ذلك أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لما لقيهم بالمحل المذكور منعوه الدخول ورموه بالنبل وقالوا له لا تدخلها عنوة فصاح خالد في أصحابه فقتل من قتل وانهزم من لم يقتل وكان من جملة من انهزم ذلك الرجل
وفي رواية أنه لما دخل بيته قال لامرأته أغلقي على بابي قالت وأين ما كنت تقول أين الخادم الذي كنت وعدتني تسخر به فقال إنك لو شهدت يوم الخندمة عبارة الأزرقي ** وأنت لو أبصرتنا بالخندمه ** إذ فر صفوان وفر عكرمة ** ** واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ** يقطعن كل ساعد وجمجمه ** ** ضربا فلا تسمع الا غمغمه ** لهم نهيت حولنا وهمهمة ** ** لا تنطفى في اللوم أدنى كلمه **

والغمغمة الصوت الذي لا يفهم والنهيت بالمثناة تحت وفوق الزحير والهمهمة صوت في الصدر
أي واستمر خالد رضي الله تعالى عنه يدفعهم الى أن وصل الحزورة الى باب المسجد أي وصعدت طائفة منهم الجبل فتبعهم المسلمون فرأى صلى الله عليه وسلم وهو على العقبة بارقة السيوف فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقيل له لعل خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من ان يقاتل من يقاتله وما كان يا رسول الله ليخالف أمرك فقتل من المشركين اربعة وعشرون من قريش واربعة من هذيل
وفي رواية جعل صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه على إحدى المجنبتين أي وهما الكتيبتان تأخذ إحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما وخالدا على الأخرى وأبا عبيدة على الرجالة
وفي لفظ على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين لا دروع لهم قال في شرح مسلم فهم رجاله لا دروع عليهم وقد أخذوا بطن الوادي ولعل ذلك كان قبل الدخول الى مكة فلا ينافي ما سيأتى انه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير رضي الله تعالى عنه راية وأمره أن يغرزها بالحجون لا يبرح حتى يأتيه في ذلك المحل وفي ذلك المحل بنى مسجد يقال له مسجد الراية
وقد بوشت قريش أبواشا أي جمعوها من قبائل شتى فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وقال لي اهتف أي صح لي بالأنصار فهتف بهم فجاءوا وطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال صلى الله عليه وسلم بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا أي ودخلوا من أعلى مكة قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فانطقلنا فما شاء احد من ان يقتل منهم ما شاء وما أحد يوجه الينا منهم شيئا وفي لفظ فما نشاء ان نقتل أحدا منهم الا قتلناه أي لا يقدر أن يدفع عن نفسه فجاء ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش أي لا جماعة لقريش بعد اليوم لأن الجماعة المجتمعة يعبر عنها بالسواد الأعظم فيقال السواد الأعظم ويعبر عنها بالخضرة كما هنا فالمراد جماعة قريش وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن


قال ووجه صلى الله عليه وسلم اللوم على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وقال له لم قاتلت وقد نهيت عن القتال قال هم يا رسول الله بدءونا بالقتال ورمونا بالنبل ووضعوا فينا السلاح وقد كففت ما استطعت ودعوتهم إلى الإسلام فأبوا حتى إذا لم أجد بدا من أن أقاتلهم فظفرنا الله بهم فهربوا من كل وجه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد وقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الأنصاري فقال يا خالد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت من الناس فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد بن الوليد لا يلقى أحدا من الناس إلا قتله قال ادع لي خالدا فدعاه له فقال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت أن اقتل من قدرت عليه قال صلى الله عليه وسلم ادع لي الأنصاري فدعاه له فقال أما أمرتك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل للأنصاري شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن الطلب قال قد فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى الله أمرا ثم قال كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر الى صلاة العصر وهي الساعة التي أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وهذه المقاتلة التي وقعت خالد رضي الله تعالى عنه لا تنافي كون مكة فتحت صلحا كما تقدم أي لأنه صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فهو من زيادة الاحتياط لهم في الأمان
وقوله احصدوهم حصدا محمول على من أظهر من الكفار القتال ولم يقع قتال ومن ثم قتل خالد رضي الله تعالى عنه من قاتل من الكفار وإرادة على كرم الله وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هاني كما سيأتي لعله تأول فيهما شيئا أو جرى منهما قتال له

وتأمين أم هانئ لهما من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور
وقيل اعلاها فتح صلحا أي الذي سلكه ابو هريرة والأنصار لعدم وجود المقاتلة فيه وأسفلها الذى سلكه خالد رضي الله عنه فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه كما تقدم
ودخل صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته القصواء أي مردفا اسامة ابن زيد بكرة يوم الجمعة معتجرا بشقة برد حبره حمراء واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا لله تعالى حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى مكة وكثرة المسلمين ثم قال اللهم إن العيش عيش الآخرة
وقيل دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وقيل وعليه عمامة سوداء حرقانية قد أرخى طرفها بين كتفيه بغير إحرام ورايته سوداء ولواؤه أسود
وعن جابر رضي الله تعالى عنه كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يود دخل مكة أبيض وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كان لواؤه يوم الفتح أبيض ورايته سوداء تسمى العقاب أي وهي التي كانت بخيير وتقدم انها كانت من برد عائشة
وعنها رضي الله تعالى عنها انها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء بفتح الكاف والمد والتنوين وهذا هو المعروف خلافا لما قال إنه دخل من أسفل مكة وهي ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين وسيأتى انه عند الخروج خرج صلى الله عليه وسلم من هذه وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة من الأولى والخروج منها من الثانية أي واغتسل صلى الله عليه وسلم لدخول مكة كما حكاه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الأم وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا أي وسيأتى ذلك عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها وأي وكن شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله أي شعارهم الذي يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل وعند اختلاط الحرب لو وجد
ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس قال وذلك بالحجون موضع ماغرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب ابي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم أي وبنو المطلب قبل الهجرة بقبة من أدم نصبت له هناك

ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة زوجتاه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهما
فعن جابر رضي الله تعالى عنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوت مكة وقف فحمد الله وأثنى عليه ونظر الى موضع قبته وقال هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا قال جابر رضي الله تعالى عنه فذكرت حديثا كنت سمعته منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر أي لان قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حت يسلموا اليهم صلى الله عليه وسلم الى آخر ما تقدم في قصة الصحيفة انتهى وفيه أنه سيأتى في حجة الوادع أنهم تحالفوا بالمحصب
ففي البخاري عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني بالمحصب وعن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال يا رسول الله أين تنزل غدا أتنزل في دارك فقال وهل ترك لنا عقيل من دار وتقدم ما يغني عن إعادته هنا فكان صلى الله عليه وسلم ياتي المسجد من الحجون لكل صلاة وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الاثنين
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين ووضع الحجر يوم الاثنين وخرج من مكة أي مهاجرا يوم الاثنين أي ودخل المدينة يوم الاثنين ونزلت عليه سورة المائدة يوم الاثنين
ثم سار صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه ابو بكر رضي الله تعالى عنه يحادثه ويقرأ سورة الفتح حتى جاء البيت وطاف به سبعا على راحلته أي ومحمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه آخذ بزمامها ليستلم الحجر بمحجن في يده
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حى من احياء العرب صنم قد شد ابليس أقدامها بالرصاص فجاء صلى الله عليه وسلم ومعه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منها فيخر لوجهه وفي لفظ لقفاه وفي لفظ فما أشار لصنم من ناحية وجهه الا وقع لقفاه ولا اشار لقفاه الا وقع على وجهه من غير أن يمسه بما في يده يقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا حتى مر عليها كلها


وفي رواية فاقبل صلى الله عليه وسلم الى الحجر فاستمله ثم طاف بالبيت وفي يده قوس أخذ بسيته والسية ما انعظف من طرف القوس فأتى صلى الله عليه وسلم في طوافه على صنم الى جنب البيت أي من جهة بابه يعبدونه وهو هبل وكان أعظم الأصنام فجعل يطعن بها في عينيه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا أي فأمر به صلى الله عليه وسلم فكسر فقال الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه لابي سفيان قد كسر هبل أما أنك قد كنت في يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمد صلى الله عليه وسلم غيره لكان غير ما كان أي وانتهى صلى الله عليه وسلم الى المقام وهو يؤمئذ لاصق بالكعبة
قال وعن على كرم الله وجهه قال انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا حتى أتى الكعبة فقال اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم قال انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال فجلست فجلسم ثم قال صلى الله عليه وسلم يا علي اصعد على منكبي ففعلت أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه اصعد على منكبي واهدم الصنم فقال يا رسول الله بل اصعد أنت فإني أكرمك أن أعلوك فقال إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة فاصعد أنت فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فصعد علي كرم الله وجهه على كاهله ثم نهض به قال علي فلما نهض بي فصعدت فوق ظهر الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وخيل لي حين نهض بي أني لو شئت لنلت أفق السماء أي وفي رواية قيل لعلي كرم الله وججه كيف كان حالك وكيف وجدت نفسك حين كنت على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان من حالي أني لو شئت أن أتناول الثريا لفعلت وعند صعوده كرم الله وجهه قال له صلى الله عليه وسلم ألق صمنهم الأكبر وكان من نحاس أي وقيل من قوراير أي زجاج
وفي رواية لما ألقى الأصنام لم يبق الا صنم خزاعة موتدا بأوتاد من الحديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجه فعالجته وهو يقول إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فلم أزل اعالجه حتى استمكنت منه فقذفته فتكسر


أقول وهذا السياق يدل على أنه هذا الصنم غير هبل وأن هبل ليس أكبر أصنامهم بل هذا أكبر منه ولم أقف على اسمه
ومما يدل على أن الذي كسر هو هبل قول الزبير رضي الله تعالى عنه كما تقدم لأبي سفيان أن هبل الذي كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعني ولا توبخني لو كان مع إله محمد إله آخر لكان الأمر غير ذلك
وفي الكشاف ألقاها جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوراير صفر فقال صلى الله عليه وسلم يا علي ارم به فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد فرمى به فكسره فجعل اهل مكة يتعجبون ويقولون ما رأينا أسحر من محمد
وفي خصائص العشرة صاحب الكشاف زيادة وهي ونزلت من فوق الكعبة وانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش هذا كلامه وهذا يدل على أن ذلك لم يكن يوم فتح مكة فليتأمل
وفي الكشاف أيضا كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما لكل قوم صنم بحيالهم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت لقبائل العرب اصنام يحجون اليها ينحرون لها فشكا البيت الى ربه عز وجل فقال يا رب الى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك فأوحى الله تعالى الى البيت إني سأحدث لك نوبة جديدة فلأملؤك خدودا سجدا يدفون اليك دفيف النسور ويحنون اليك حنين الطير الى بيضها لهم عجيج حولك بالبيت هذا كلامه
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة أي بعد أن ارسل بلالا رضي الله تعالى عنه الى عثمان بن ابي طلحة بمفتاح الكعبة الى اخر ما سيأتى وبعد ان محيت منها الصور أي فإنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله تعالى عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها وكان عمر رضي الله تعالى عنه قد ترك صورة ابراهيم فقال صلى الله عليه وسلم يا عمر ألم آمرك ان لا تترك فيها صورة قاتلهم الله حيث جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي قال الواقدي رحمه الله امر رسول الله صلى الله عليه

وسلم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما أن يقدما الى البيت وقال لعمر لا تدع صورة حتى تمحوها الا صورة ابراهيم هذا كلامه فليتأمل
وفي رواية عن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال دخلت علي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمحوها أي وتلك الصور هي صور الملائكة وصور ابراهيم واسمعيل في ايديهما الأزلام يستقسمان بها أي واسحاق وبقية الانبياء كما تقدم في بنيان قريش الكعبة وصورة مريم فقال قاتل الله قوما يصورون مالا يخلقون قاتلهم الله لقد علموا انهما لم يستقسما بالأزلام قط أي ولا منافاة لأنه يجوز أن يكون عمر رضي الله تعالى عنه ترك مع صورة ابراهيم صورة اسمعيل ومريم وصورة الملائكة ووجد صورة حمامة من عيدان بفتح العين المهملة وكسرها بيده ثم طرحها ودها بزعفران فلطخه بتلك التماثيل أي بموضعها وصلى بها ركعتين بين اسطوانتين وفي لفظ بين العمودين اليمانيين وفي لفظ المقدمين وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع انتهى
أي وفي الترمذي دخل صلى الله عليه وسلم البيت وكبر في نواحيه ولم يصل وفي رواية لمسلم دخل صلى الله عليه وسلم هو وأسامه بن زيد وبلال وعثمان بن ابي طلحة زاد في رواية والفضل بن العباس قال الحافظ ابن حجر وفي رواية شاذة فأغلقوا عليهم الباب وفي لفظ آخر فأغلقا أي عثمان وبلال فأجاف أي أغلق عليهم عثمان الباب وجمع بان عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته وبلال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه كان مساعدا له في الغلق
أي ولما دخلوا كان خالد بن الوليد يذب الناس وهو واقف على باب الكعبة قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فلما فتحوا كنت اول من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم وذهب عني أن أسأله كم صلى وهذا يدل على أن قول بلال رضي الله تعالى عنه إنه صلى الله عليه وسلم أتى بالصلاة المعهودة لا الدعاء كما ادعاه بعضهم
وفي كلام السهيلى في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى فيها ركعتين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اخبرني أسامة بن زيد انه صلى الله عليه وسلم لمل دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع في قبل البيت

ركعتين أي بين الباب والحجر الذي هو الملتزم وقال هذه القبلة فبلال رضي الله تعالى عنه مثبت للصلاة في الكعبة واسامة رضي الله تعالى عنه ناف والمثبت مقدم على النافي على أنه جاء أن اسامة رضي الله تعالى عنه أخبر أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة
وأجيب بأن اسامة حيث أثبت اعتمد قول بلال وحيث نفى أعتمد ما عنده أي وفي مجمع الزوائد للحافظ الهيتمى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعلبة فصلى بين الساريتين ركعتين ثم خرج فصلى بين الباب والحجر ركعتين ثم قال هذه القبلة ثم دخل صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقام يدعو ولم يصل فالنقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اختلف وسبب الاختلاف تعدد دخوله صلى الله عليه وسلم ففي المرة الأولى دخل وصلى وفي المرة الثانية دخل ولم يصل وهذا السياق يدل على ان ذلك كان يوم الفتح
وفي كلام بعضهم رواية ابن عباس ورواية بلال رضي الله تعالى عنهم صحيحتان لأنه صلى الله عليه وسلم دخلها يوم النحر فلم يصل ودخلها من الغد فصلى وذلك في حجة الوداع هذا كلامه فليتأمل أي ثم أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى مقام ابراهيم وكان لاصقا بالكعبة فصلى ركعتين ثم أخره على ما تقدم ودعا صلى الله عليه وسلم بماء فشرب منه وتوضأ
وفي لفظ ثم انصرف صلى الله عليه وسلم الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب أي يغلبهم الناس على وظيفتهم وهي النزع من زمزم لنزعت منها دلوا أي فإن الناس يقتدون به صلى الله عليه وسلم في ذلك مع أن النزع من وظيفته بني عبد المطلب وانتزع له العباس رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه دلوا فشرب منه وتوضأ فابتدر المسلمون يصبون على وجوههم
وفي لفظ لا تسقط الا في يد انسان إن كان قدر ما يشر بها شربها والا مسح بها جلده والمشركون يقولون ما راينا ولا سمعنا ملكا قط بلغ هذا
ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أي والناس حوله خرج ابو بكر وجاء بأبيه رضي الله تعالى عنهما يقوده وقد كان كف بصره فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه وفي لفظ لو أقررت الشيخ

في بيته لأتيناه تكرمة لابي بكر فقال ابو بكر يا رسول الله أحق أن يمشي اليك من أن تمشي أنت إليه فأجلسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال أسلم تسلم فأسلم رضي الله تعالى عنه وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإسلام ابيه رضي الله تعالى عنهما أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعينى من إسلامه يعني اباه أبا قحافه وذلك أن اسلام ابي طالب كان أقر لعينك كذا في الشفاء وكان رأس ابي قحافة ولحيته بيضاء كالثغامة فقال غيروهما وجنبوهما السواد أي وفي رواية واجتنبوا السواد وجاء غيروا الشيب ولا تشبهووا باليهود والنصارى وفي رواية اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم وجاء إن احسن ما غيرتهم به هذا الشيب الحناء والكتم وعن أنس رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصب بالحناء والكتم قال ابن عبد البر رحمه الله والصحيح أنه رضى الله عليه وسلم لم يخضب ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له وقد اختضب ابو بكر رضي الله تعالى عنه عنه بالحناء والكتم واختضب عمر رضي الله تعالى عنه بالحناء وجاء يا معشر الانصار حمروا أو صفروا وخالفوا اهل الكتاب وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يصفر وعن انس رضي الله تعالى عنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابيض الراس واللحية فقال ألست مؤمنا قال بلى قال فاختضب لكن قيل انه حديث منكر وجاء من اختضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة قيل إنه حديث منكر وحاء يكون آخر الزمان رجال من أمتي يغيرون بالسواد لا ينظر الله اليهم يوم القيامة قيل هو غريب جدا
قال بعضهم ولعل من خضب بالسواد من الصابة رضي الله تعالى عنهم كسعد ابن ابي وقاص والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أي وعقبة بن عامر المدفون بمصر قال بعضهم ليس بمصر قبر صحابي متفق عليه الا قبر عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه فإن كان تخضب بالسواد وهو القائل في ذلك ** تسود أعلاها وتأبى أصولها ** ولا خير في الاعلى إذا فسد الأصل **
وكان واليا على مصر من جهة معاوية رضي الله تعالى عنه فعزله بمسلمة بن مخلد وامره بالغزو في البحر


وكان عقبة رضي الله تعالى عنه يقول ما أنصفنا معاوية عزلنا وغر بنا لم يبلغهم النهى أو فهموا أن النهى للكراهة
وقد جاء اول من جزع من الشيب ابرهيم عليه الصلاة والسلام حين رآه في عارضه فقال عليه الصلاة والسلام يا رب ما هذه الشوهة التي شوهت بخليلك فأوحى الله اليه هذا سربال الوقار ونور الاسلام وعزتي وجلالي ما ألبسته احدا من خلقي يشهد ان لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي إلا استحيت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا وانشر له ديوانا أو أعذبه بالنار فقال يا رب زدني فأصبح رأسه مثل الثغامة البيضاء وفي المشكاة قال صلى الله عليه وسلم يكون في أخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد لا يجدون رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائي أي وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أول من خضب بالسواد فرعون ومن أهل مكة أي من العرب عبد المطلب بن هاشم وعن عمر رضي الله تعالى عنه اخضبوا بالسواد فإنه أنكى للعدو واحب للنساء فليتأمل
وكان لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أخت صغيرة في عنقها طوق من فضة اقتعله إنسان من عنقها فأخذ ابو بكر رضي الله تعالى عنه بيد اخته وقال انشدتكم بالله وبالإسلام طوق اختي فما اجابه احد ثم قال الثانية والثالثة فما اجابه احد فقال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه يا أختاه احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل قال بعضهم ولم يعش لابي قحافة رضي الله تعالى عنه ولد ذكر الا ابو بكر ولا يعرف له بنت الا ام فروة التي أنكحها ابو بكر من الأشعث بن قيس وكانت قبلة تحت تميم الدارى وهي هذه المذكورة هنا
وقيل كان له بنت اخرى تمسى عريبة وعليه فيحتمل ان تكون هي المذكورة هنا وتقدم اسلام ابي ابي بكر رضي الله تعالى عنهما لما كان المسلمون في دار الأرقم وامه بنت عم ابيه قال بعضهم لم يكن احد من الصحابة المهاجرين والانصار أسلم هو ووالداه وجميع ابنائه وبناته غير أبي بكر وبنوه ثلاثة عبد الله وهو اكبرهم مات أول خلافة والده وعبد الرحمن ومحمد رضي الله تعالى عنهم ولد محمد في حجة الوداع وهو المقتول بمصر وبناته ثلاثة أيضا أسماء وهي أكبرهن وهي شقيقة عبد الله وعائشة وهي شقيقة عبد الرحمن وأم كلثوم رضي عنه الله تعالى عنهم وعنهن
مات ابو بكر رضي الله تعالى عنه وهي ببطن امها وقد انزل الله تعالى في حقه { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي }

الآيات قال بعضهم لا يعرف في الصحابة اربعة اسلموا وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد أبو الذي بعده الا في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد ويكنى بأبي عتيق
أي وقد قيل إن قيل هل تعرفون أربعة رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في نسق أي من الذكور كل ابن الذي قبله اجيب بأنهم هؤلاء الاربعة ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد وبقولنا من الذكور لا يرد ما أورد على ذلك ان هذا يصدق على أبي قحافة وابنه ابي بكر وبنته اسماء وابنها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم نعم يرد على ذلك حارثه ابو زيد فإنه أسلم على ما ذكره الحافظ المنذري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد اسلامه وابنه زيد بن حارثه وابنه اسامة بن زيد وجاء أسامة بولد في حياته صلى الله عليه وسلم أي ويحتاج الى اثبات كونه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك المولود الى أن يقال كان من شانهم إذا ولد لأحدهم مولود جاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فيحنكه ويسميه خصوصا وهذا المولود ابن حب الحب ولم أقف على اسم هذا المولود فليراجع في اسماء الصحابة
وحينئذ يقال لأجل عدم ورود من ذكر ليس لنا اربعة ذكور معروفة أسماؤهم بعد الوقوف على اسم ذلك المولود يقال لأجل عدم الورود ليس لنا اربعة ليسوا من الموالي الا ابو قحافة وابنة ابو بكر وابن ابي بكر عبد الرحمن وابن عبدالرحمن محمدا أبو عتيق فليتأمل
لا يقال هذا موجود في غير بيت الصديق فقد ذكروا في الصحابة اربعة كذلك أي ذكور كل واحد أبو الذي بعده عرفت اسماؤهم وليس فيهم مولى وهم اياس ابن سلمة بن عمرو بن لال
لأنا نقول المراد المتفق على صحبتهم وهؤلاء لم يقع الاتفاق على صحبتهم
ومن الفوائد المستحسنة أنه ليس في الصحابة قال بعضهم بل ولا في التابعين من اسمه عبد الرحيم وثلاثة ذكور ادركوا النبي صلى الله عليه وسلم على نسق وهم السائب والد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وابوه عبيد وجده عبد يزيد
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فعلاه حيث ينظر الى البيت فرفع يديه فجعل يذكر بما شاء ان يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال بعضهم لبعض أما

الرجل فأدركته رغبة في قربته ورأفة بعشيرته فنزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بما ذكر القوم فلما قضى الوحي رفع صلى الله عليه وسلم رأسه قال يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم فما اسمى إذن أي إن فعلت ذلك كيف اسمى وأوصف باني عبد الله ورسوله كلا لا أفعل ذلك إني عبد الله ورسوله أي ومن كان هذا وصفه لا يفعل ذلك هاجرت إلى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا اليه صلى الله عليه وسلم يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا الا الضن أي البخل بالله وبرسوله أي لا نسمح أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير بلدتنا يعنون المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم
وفي رواية ان الانصار رضي الله تعالى عنهم قالوا فيما بينهم أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله أرضه وبلده يقيم بهما فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى اخبروه فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم
اي وتقدم له صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة نظير ذلك وهو أن الأنصار قالوا يا رسول الله هل عسيت ان نحن نصرناك واظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أبى سرح لأنه كان أسلم قبل الفتح وكان يكتب لرسول الله الوحي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا أملى عليه حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال إن محمدا لا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتد وهرب الى مكة وقيل إنه لما كتب { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الى قوله { ثم أنشأناه خلقا آخر } تعجب من تفصيل خلق الإنسان فنطق بقوله { فتبارك الله أحسن الخالقين } قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب ذلك هكذا أنزلت فقال عبد الله إن كان محمد نبيا يوحى اليه فأنا نبي يوحى إلي فارتد ولحق بمكة فقال لقريش إني كنت أصرف محمدا كيف شئت كان يملى على عزيز حكيم فأقول او عليم حكيم فيقول نعم كل صواب وكل

ما أقوله يقول اكتب هكذا نزلت فلما كان يوم الفتح وعلم باهدار النبي صلى الله عليه وسلم دمه لجأ الى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة فقال له يا أخي استأمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يضرب عنقي فغيبه رضي الله تعالى عنه حتى هدأ الناس واطمأونا فاستأمن له ثم أتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه النبي فصار عثمان رضي الله تعالى عنه يقول يا رسول الله أمنته والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد الله قال لمن حوله أعرضت عنه مرارا ليقوم اليه بعضكم فيضرب عنقه وقال صلى الله عليه وسلم لعباد بن بشر وكان نذر إن رأى عبد الله قتله أي وقد أخذ بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم يشير اليه ان يقتله فقال له صلى الله عليه وسلم انتظرتك أن تفي بنذرك قال يا رسول الله خفتك أفلا أومضت الي فقال إنه ليس لنبي ان يومض وفي رواية الإيماء خيانة ليس لنبي ان يومى وفي رواية لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنة الأعين أي وهذا يدل على أن خائنة الأعين والايماء بالعيون أي ان يومىء بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وهو اللمز هذا
وقيل إنه أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وصار يستحى من مقابلته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لعثمان أما بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه القديم فيستحي منك قال الإسلام يجب ما قبله وأخبره عثمان رضي الله تعالى عنه بذلك ومع ذلك فصار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء اليه منفردا
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل لأنه كان مما أسلم أي قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة وأرسل معه رجلا من الأنصار يخدمه وفي لفظ كان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ فلم يجده صنع له شيئا وهو نائم فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكان شاعرا يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعره وكانت له قينتان تغنيانه بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصنعه
وقد قيل إنه ركب فرسه لابسا للحديد وأخذ بيده قناة وصار يقسم لا يدخلها محمد عنوة فلما رأى خيل الله دخله الرعب فانطلق الى الكعبة فنزل عن فرسه والقى سلاحه

ودخل تحت استارها فأخذ رجل سلاحه وركب فرسه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون وأخبره خبره فأمر بقتله
وقيل لما طاف صلى الله عليه وسلم بالكعبة قيل هذا ابن خطل معلقا بأستار الكعبة فقال اقتلوه فإن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب أي فقتله سعد ابن حريث وأبو برزة
وقيل قتله الزبير رضي الله عنه وقيل سعدبن ذؤيب وقيل سعد بن زيد قال في النور والظاهر اشتاركهم فيه جميعا جمعا بين الأقوال
وأمر صلى الله عليه وسلم بقتل قينتيه فقتلت إحداهما واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأخرى فأمنها وأسلمت
والحويرث بن نقيذ وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويعظم القول في أذيته وينشد الهجاء وكان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنه حمل فاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس الحويرث البعير الحامل لهما فرمى به الأرض قتله علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في ذلك اليوم وقد خرج يريد أن يهرب
ومقيس بن ضبابة إنما أمر بقتله لأنه كان قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما طالبا لدية اخيه هشام بن ضبابة رضي الله عنه قتله رجل من الأنصار في غزوة ذي قرد خطأ يظنه من العدو ودفع له النبي صلى الله عليه وسلم دية أخيه ثم إنه عدا على الأنصاري قاتل أخيه فقتله بعد أن أخذ دية اخيه ثم لحق بمكة مرتدا كما تقدم قتله ابن عمه ثميلة بن عبد الله الليثي أي بعد أن اخبر ثميله بأن مقيسا مع جماعة من كبار قريش يشربون الخمر فذهب اليه فقتله بردم بني جمح وقيل قتل وهو معلق بأستار الكعبة
وأما هبار بن الأسود رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان عرض لزينب بنت رسول الله في سفهاء من قريش حين بعث بها زوجها ابو العاص الى المدينة فأهوى اليها هبار ونخس بعيرها
وفي رواية ضربها بالرمح فسقطت من على الجمل على صخرة أي وكانت حاملا فألقت ما في بطنها وأهراقت الدماء ولم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت كما تقدم فقال

النبي صلى الله عليه وسلم إن لقيتم هبارا فأحرقوه ثم قال إنما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه فلم يوجد يوم الفتح ثم أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه ويذكر أنه لما أسلم وقدم المدينة مهاجرا جعلوا يسبونه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سب من سبك فانتهوا عنه وهذا السياق يدل على إنه أسلم قبل أن يذهب الى المدينة
وفي لفظ ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرا بالإسلام وأنا اشهد أن لا إله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واعتذر اليه أي قال له صلى الله عليه وسلم بعد أن وقف عليه وقال السلام عليك يا نبي الله لقد هربت منك في البلاد فأردت اللحوق بالاعاجم ثم ذكرت عائدتك وفضلك في صفحك عمن جهل عليك وكنا يا بنى الله أهل شرك فهدانا الله بك وانقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان مني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا هبار عفوت عنك وقد احسن الله اليك حيث هداك الى الإسلام والإسلام يجب ما كان قبله
وقوله مهاجرا فيه أنه لا هجرة بعد فتح مكة الا ان يقال هي مجاز عن مجرد الانتقال عن محل الى اخر اخذا مما يأتى إن شاء الله في عكرمة
وأما عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه فإنه صلى الله عليه وسلم إنما امر بقتله لأنه كان أشد الناس هو وأبوه أذية للنبي صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس على المسلمين ولما بلغه ان النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فر الى اليمن فاتبعته امرأته بنت عمه ام حكيم بنت الحارث بن هشام بعد ان اسلمت فوجدته في ساحل البحر يريد ان يركب السفينة وقيل وجدته في السفينة فردته أي بعد أن قالت له يا ابن عم جئتك من عند اوصل الناس وأبر الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد أستأمنت لك فجاء معها فأسلم وحسن إسلامه أي بعد أن قال يا محمد هذه يعني زوجتي أخبرتني أنك امنتنى قال صدقت إنك آمن فقال عكرمة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد ورسوله وطأطأ رأسه من الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم يا عكرمة ما تسألني شيئا أقدر عليه الا اعطيتكه قال استغفر لي كل عداوة عاديتكها فقال صلى الله عليه وسلم اللهم إغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أي ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم وثب صلى الله

عليه وسلم إليه قائما فرحا به أي ورمى صلى الله عليه وسلم رداءه وقال مرحبا بمن جاء مؤمنا مهاجرا وكان بعد ذلك من فضلاء الصحابة
وفي بهجة المجالس في أنس الجالس لابن عبد البر رحمة الله انه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها فأعجبه وقال لمن هذا فقيل لأبي جهل فشق ذلك عليه وقال لا يدخلها الا نفس مؤمنة فلما جاءه عكرمة ابن أبي جهل مسلما فرح به وأول ذلك العذق لعكرمة والعكرمة الأنثى من الحمير واستدل بذلك على تأخر الرؤيا وأنها تكون لغير من ترى له قال وصار عكرمة قبل إسلامه يطلب امرأته أم حكيم يجامعها فتأبى وتقول أنت كافر وأنا مسلمة والإسلام حائل بيني وبينك فقال إن أمرا منعك عني لأمر كبير أي ولما قتل عكرمة رضي الله عنه في اليرموك في قتال الروم وانقضت عدتها تزوجها خالد بن سعيد واراد ان يدخل بها فجعلت تقول له لو أخرت الدخول حتى يفض الله هذه الجموع يعني الروم فقال خالد إن نفسي تحدثني أن اصاب في جموعهم قالت فدونك فدخل بها في خيمته فما أصبح الصبح الا والروم قد اصطفت فخرج خالد رضي الله عنه فقاتل حتى قتل فشدت أم حكيم عليها ثيابها وأخذت عمود الخيمة التي دخل بها خالد فيها فقتلت بها اسبعة من الروم وقال صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم عليه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله عنه يأتيكم عكرمة مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يحلق الميت أنتهى أي وفي رواية لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا الى ما قدموا وفي أخرى لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء وفي أخرى اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم
وجاء أنه شكا اليه صلى الله عليه وسلم قولهم عكرمة بن ابي جهل فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا تؤذوا الاحياء بسبب الأموات وقد كان قبل إسلامه بارز رجلا من المسلمين فقتله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بعض الانصار ما أضحكك يا رسول الله وقد فجعنا بصابنا فقال أضحكني انهما في درجة واحدة في الجنة ومن ثم قتل عكرمة شهيدا في قتال الروم في وقعة اليرموك كما مر
وسارة رضي الله عنه فإنها أسلمت وإنما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها كانت مغنية بمكة وكانت تغني بهجائه صلى الله عليه وسلم وهي التي وجد معها كتاب

حاطب وقد استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها وأسلمت كما تقدم
والحارث بن هشام وزهير بن أمية استجارا بام هانئ بنت ابي طالب أخت علي بن ابي طالب كرم الله وجهه شقيقته ولم تكن أسلمت إذ ذاك فأراد على قتلهما
فعنها رضي الله عنه أنها قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر الى رجلان من أحمائي أي من أقارب زوجها هبيرة بن ابي وهب مستجيران بي فأجرتهما وذكر الأزرقي بدل زهير بن أمية عبد الله بن ابي ربيعة فدخل على أخي علي بن ابي طالب فقال والله لاقتلنهما أي وقال تجيري المشركين فحلت بينه وبينهما فخرج فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت ام هانئ بنت ابي طالب فقال مرحبا بأم هانئ وفي الرواية الأولى فلما اغتسل أخذ ثوبه وتوشح به ثم صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات من الضحى ثم أقبل على فقال مرحبا وأهلا بأم هانيء ما جاء بك فأخبرته الحديث فقال أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا تقتلهما وفي البخاري أيضا أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيتها ثم صلى الضحى ثمان ركعات أي ولما ذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنه الله عنهما قال إني كنت أمر على هذه الآية يسبحن بالعشي والإشراق فأقول أي صلاة صلاة الإشراق فهذه صلاة الإشراق وفي لفظ ما عرفت صلاة الإشراق الا الساعة وهذا يدل لما أفتى به والد شيخنا الرملي رحمهما الله تعالى أن صلاة الضحى صلاة الإشراق خلافا لما في العباب من أنها غيرها ويحتج للجمع بين هذه الرواية والتي قبلها على ثبوت صحتهما وبهذه الواقعة قال المحاملي من أئمتنا في كتابه اللباب الذي هو أصل التنقيح الذي هو اصل التحرير ومن دخل مكة وأراد ان يصلي الضحى أول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة وبه ألغز فقيل شخص يستحب له الاغتسال لصلاة الضحى في مكان خاص
وعن عائشة رضي الله عنهما ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها أي أصليها
وعن عبد الرحمن بن ابي ليلى رحمه الله ما اخبرني احد انه راى النبي صلى الله عليه

وسلم يلصى الضحى الا ام هانئ وهذا ينازع فيه ما يأتي أن صلاة الضحى مما اختص بوجوبها صلى الله عليه وسلم
وأسلمت ام هانئ ذلك اليوم الذي هو يوم الفتح أو وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال لها هل عندك من طعام نأكله قالت ليس عندي الا كسر يابسة وأنا استحي ان اقدمها إليك فقال هلمي بهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال هل من آدم فقالت ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل فقال هلميه فصبه على الكسر وأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الآدم الخل يا أم هانئ لا يقفر بيت فيه خل
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل أهله الادام فقالوا ما عندنا الا الخل فدعا به فجعل يأكل به ويقول نعم الآدم الخل وفي الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا إن الله يوكل بآكل الخل ملكين يستغفران له حتى يفرغ وجاء نعم الادم الخل اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الانبياء قبلي ولم يقفر بيت فيه خل
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم الى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتى بثلاثة اقرصة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ قرصا فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من أدم فقالوا لا إلا شيء من خل قال هاتوه فنعم الأدم الخل وفي رواية فإن الخل نعم الإدام قال جابر رضي الله تعالى عنه فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم ما زلت احب الخل منذ سمعتها من جابر
وصفوان بن أمية استأمن له عمير بن وهب أي قال له يا نبي الله إن صفوان سيد قومي قد هرب ليقذفن نفسه في البحر فأمنه فإنك أمنت الأحمر والأسود فقال صلى الله عليه وسلم أدرك ابن عمك فهو آمن فقال أعطني أيه يعرف بها أمانك فأعطى صلى الله عليه وسلم لعمير عمامته التي دخل بها مكة أي وفي لفظ أعطاه برده أي بعد أن طلب من العود فقال لا اعود معك الا ان تأتيني بعلامة أعرفها فقال امكث مكانك حتى آتيك به فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فرده أي بعد أن قال له اعزب عني لا تكلمني فقال أي صفوان فداك أبي وأمي جئنك من عند أفضل

الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس وابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق فقال يا رسول الله أمهلني بالخيار شهرين فقال أنت بالخيار أربعة أشهر أى ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى حنين ولما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمها أي بالجعرانة رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق شعبا ملآنا نعما وشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبك هذا قال نعم قال هو لك وما فه فقبض صفوان ما في الشعب وقال ما طابت نفس أحد بمثل هذا الا نبي فأسلم كما سيأتي
وهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فإنها اسلمت بعد وانما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها مثلت بعمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد ولاكت قلبه كما تقدم
وكعب بن زهير رضي الله تعالى عنه فأنه اسلم بعد وأنما امر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووحشي رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قتل عمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد وكانت الصحابة احرص شيء على قتله ففر الى الطائف وقد قدمنا اسلامه استطرادا
قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يوم الفتح على الصفا يبايع الناس فجاءه الكبار والصغار والرجال والنساء يبايعهم على الاسلام أي على شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ودخل الناس في دين الله افواجا أفواجا
أي وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل فأخذته الرعدة فقال له صلى الله عليه وسلم هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريس كانت تأكل القديد
أي وكان من جملة من بايعه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعن معاوية رضي الله تعالى عنه لما كان عام الحديبية وقع الإسلام في قلبي فذكرت ذلك لأمي فقالت إياك ان تخالف إياك فيقطع عنك القوت فاسلمت وأخفيت إسلامي فقال لي يوما ابو سفيان وكأنه شعر بإسلامي اخوك خير منك هو على ديني فلما كان عام الفتح أظهرت اسلامي ولقيته صلى الله عليه وسلم

فرحب بي كتبت له أي بعد أن استشار فيه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال استكتبه فإنه أمين وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم يوما خلفه فقال ما يليني منك قلت بطني قال اللهم املأه حلما وعلما
وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب زاد في رواية ومكن له في البلاد
وعن بعض الصحابة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمعاوية يقول اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به ولا تعذبه
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لمعاوية يا معاوية أنت مني وأنا منك لتزاحمني على باب الجنة كهاتين واشار باصبعية الوسطى والتي تليها ويذكر أنه كان عنده قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإزاره ورداؤه وشيء من شعره فقال عند موته كفنوني في القميص وادرجوني في الرداء وأزروني بالإزار واحشوا منخري وشدقي من الشعر وخلوا بيني وبين ارحم الراحمين
وقد بشر بمعاوية رضي الله تعالى عنه بعض كهان اليمن وسبب ذلك أن امه هند كانت قبل ابيه ابي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا ذلك البيت يوما من الضيفان فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة ثم خرج وكان الفاكه لبعض حاجته وأقبل رجل كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة التي هي هند ولي هاربا وأبصره الفاكه وهو خارج من البيت فاقبل الى هند فضربها برجله وقال لها من هذا الذي كان عندك قالت ما رأيت رجلا ولا انتبهت حتى أيقظتني فقال لها الحقي بأبيك وتكلم فيها الناس فقال لها ابوها عتبة يا بنية ان الناس قد اكثروا فيك فأنبئيني نبأك فإن كان الرجل عليك صادقا دسست اليه من يقتله فنقطع عنك المقالة وإن يك كاذبا حاكمته الى بعض كهان اليمن فحلفت له أنه لكاذب عليها فقال عتبة للفاكه يا هذا انك قد رميت ابنتي بامر عظيم فحاكمني الى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف وخرجوا معهم بهند ونسوة معها فلما شارفوا البلاد وقالوا عدا نرد على الكاهن الفلاني تنكرت حالة هند وتغير وجهها فقال لها

ابوها إني قد أرى ما بك من تنكر الحال وما ذاك الا لمكروه عندك كان هذا قبل أن يشهد الناس مسيرنا قالت لا والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه عندي ولكني اعرف انكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنة أن يسمنى ميسما يكون على سبة في العرب قال إني سوف اختبره من قبل ان ينظر في أمرك فصفر بفرس حتى أدلى ثم أخذ حبة من حنطة فأدخلها في إحليله وأوكأ عليها بسير فلما وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم فلما تغذوا قال له عتبة إنا قد جئناك في أمر وإني قد خبأت لك خباء اختبرك به فانظر ما هو قال سمرة في كمرة قال اريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت انظر في أمر هذه النسوة فجعل يدنو من احداهن فيضرب كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضي غير وسخاء ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فوثب اليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت اليك عني فوالله لاحرصن على ان يكون من غيرك فتزوجها ابو سفيان فجاءت منه بمعاوية رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم وقد قال له صلى الله عليه وسلم يا معاوية إذا ملكت فأحسن وفي رواية إذا ملكت من أمرأمتي شيئا فاتق الله واعدل
ويؤثر عنه رضي الله تعالى عنه أنه لما حضرته الوفاة قال اللهم ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل عثرتي واغفر زلتي وعد بحلمك على من لا يرجوا غيرك ولم يثق بأحد سواك ثم بكى رضي الله تعالى عنه حتى علا نحيبه
كتب الى عائشة رضي الله تعالى عنها اكتبي لي كتابا توصيني فيه ولا تكثري فكتبت اليه من عائشة الى معاوية سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس والسلام وكتبت اليه رضي الله تعالى عنها مرة اخرى اما بعد فاتق الله فإنك اذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا والسلام
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة امرأة ابي سفيا رضي الله تعالى عنه متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن بايعنني على ان لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن أي وذلك إسقاط الأجنة زاد في لفظ ولا

تلحقن بأزواجكن غير اولادهم أي ولا تقعدن مع الرجال في خلاء أي لا تجتمع امرأة مع رجل في خلوة ولا تأتين ببهتان تفترينه بين ايديكن وارجلكن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما البهتان ان تلحق بزوجها ولدا ليس منه أي ولا يغني عنه الزنا كما ان ذلك لا يغني عن الزنا وقد تحبل ولا يلحقه بأحد ولا تعصين في معروف وجاء أن بعض النسوة قالت ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعطيك فيه قال لا تصحن أي وفي لفظ لا تنحن ولا تخمشن وجها ولا تنشرن شعرا وفي لفظ ولا تحلقن شعرا ولا تحرقن قرنا ولا تشققن جيبا ولا تدعين بالويل
وجاء هذه النوائح تجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما ينبح الكلب وجاء تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة ودرع من جرب واضعة يدها على راسها تقول ويلاه وجاء النائحة إذا لم تتب تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب وجاء لا تقبل الملائكة على نائحة وجاء ليس للنساء في اتباع الجنائز من اجر
وجاء أن هندا قالت له صلى الله عليه وسلم إنك لتأخذ علينا مالا تأخذه على الرجال أي لان الرجال كان صلى الله عليه وسلم يبايعهم على الاسلام وعلى الجهاد فقط وإنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تسرقن والله إني كنت اصيب من مال ابي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك حلالا ام لا فقال ابو سفيان وكان حاضرا أما اما اصبت فيما مضى فأنت منه في حل عفا الله عنك أي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك يا نبي الله وأنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تزنين او تزني الحرة يا رسول الله ولما قال ولا تقتلن اولادكن قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا وفي لفظ هل تركت لنا ولدا الا قتلته يوم بدر وفي لفظ انت قتلت آباءهم يوم بدر وتوصينا بأولادهم وفي لفظ ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فضحك عمر رضي الله تعالى عنه حتى استلقى وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي لفظ فضحك صلى الله عليه وسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تأتين ببهتان تفترينه والله إن اتيان البهتان لقبيح زاد في لفظ وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تعصينني في معروف قالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف وفي

لفظ انها أتته منتقبة بالأبطح وقالت إني امرأة مؤمنة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ثم كشفت عن نقابها وقالت أنا هند بن بنت عتبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك
قال بعضهم وفي اسلام ابي سفيان قبل هند واسلامها قبل انقضاء عدتها أي لانها أسلمت بعده بليلة واحدة وإقرارهما على نكاحهما حجة للشافعي رضي الله تعالى عنه ثم ارسلت اليه صلى الله عليه وسلم بهدية وهي جديان مشويان مع مولاة لها فاستأذنت فأذن لها فدخلت عليه وهو صلى الله عليه وسلم بين نسائه ام سلمة وميمونة ونساء من بنى عبد المطلب وقالت له إن مولاتى تعتذر إليك وتقول إن غنمها اليوم لقليل الوالدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لكم في غنكم واكثر والدتها فكثر الله ذلك تقول تلك المولاة لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل وجاءت اليه وقالت يارسول الله ان ابا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج أن اطعم من الذي له عيالنا فقال لها لا عليك ان تطعميهم بالمعروف وفي لفظ إن ابا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت منه وهو لا يعلم قال خذي مايكفيك وولدك بالمعروف أي وجاء ان بعض النساء قالت هلم نبايعك يا رسول الله قال لا اصافح النساء وانما قولي لمائة امراة كقولي لامرأة واحدة وفي لفظ قولي لألف امرأة كقولي لامرأة واحدة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها لم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة قط وإنما كان يبايعهن بالكلام
وعن الشعبي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وعلى يه ثوب وقيل إنه غمس يده في إناء وأمرهن فغمسن أيديهن فيه فكانت هذه البيعة قال ابن الجوزي والقول الأول اثبت
وقد ذكر المبايعات له صلى الله عليه وسلم لا في خصوص يوم الفتح على حروف المعجم في كتاب التلقيح وتقدم عن أم عطية رضي الله تعالى عنها انها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الانصار في بيت ثم ارسل اليهن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام فقال انا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكن يبايعكن على ان لا تشركن بالله شيئا وقرا الى قوله تعالى في معروف فقلن

نعم فمد يده من خارج ومددن أيديهن من داخل البيت ثم قال اللهم اشهد ولعل ذلك كان بحائل والفتنة مأمونة
وقال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس اين ابنا اخيك يعني ابا لهب عتبة ومعت لا أراهما قال العباس رضي الله تعالى عنه قد تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش قال ائتني بهما فركبت اليهما فأتيت بهما فدعاهما للإسلام فأسلما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامها ودعا لهما ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بأيديهما وانطق بهما حتى اتى الملتزم فدعا ساعة ثم انصرف والسرور يرى في وجهه صلى الله عليه وسلم فقلت له سرك الله يا رسول الله إني أرى السرور في وجهك قال إني استوهبت ابني عمي هذين من ربي فوهبهما لي وشهدا معه حنينا والطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة وقلعت عين معتب في حنين
وعن ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح هذا ما وعدني ربي ثم قرأ { إذا جاء نصر الله والفتح } انتهى وقد أشار الى ذلك صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** واستجاب له بنصر وفتح ** بعد ذلك الخضراء والغبراء ** ** وتوالت للمصطفى الآية الكبرى ** عليه والغارة الشعواء ** ** فإذا ماتلا كتابا ** من الله تلته كتيبة خضراء **
أي أجاب دعوته صلى الله عليه وسلم الرفيع والوضيع وعن الأول كنى بالخضراء التي هي السماء فقد جاء في حديث سنده واه السماء الدنيا زمرذة خضراء وذكر انها أشد بياضا من اللين وخضتها من صخرة خضراء تحت الأرض وكنى عن الثاني بالغبراء التي هي الأرض وإنما كانت غبراء لأن جميع طبقاتها من طين مع حصول نصر له صلى الله عليه وسلم على أعاديه وفتح لبلادهم بعد ذلك الضعف الذي كان به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وقلتهم وكثرة عدوهم مع التصميم على أذيتهم وتتابعت العلامات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وتوالت له عليهم الإغارة المحيطة بهم من سائر الجوانب
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه دعا عثمان بن طلحة رضي الله تعالى عنه فإنه كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مع خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص قبل الفتح واسلموا كما تقدم واستمر في المدينة إلى أن جاء معه صلى الله عليه وسلم

إلى فتح مكة وبه يرد ماروي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه الى عثمان بن طلحة لأخذ المفتاح فأبي أن يدفعه وقال لو علمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه ولوى علي كرم الله وجهه يده وأخذ المفتاح قهرا وفتح الباب وأنه لما نزل قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } أمره صلى الله عليه وسلم أن يدفع له المفتاح متلطفا به فجاءه علي كرم الله وجهه بالمفتاح متلطفا به فقال له أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال علي كرم الله وجهه لأن الله أمرنا برده عليك فأسلم
ثم لما دعا صلى الله عليه وسلم عثمان وجاء إليه أخذ منه مفتاح الكعلبة ففتحت له فدخلها ثم وقف صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم خطبة بين فيها جملة من الأحكام منها أن لا يقتل مسلم بكافر ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة ليال الا مع ذي محرم ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر ثم قال يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء والناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون وفي لفظ ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وأبن اخ كريم وقد قدرت أي وفي لفظ لما خرج صلى الله عليه وسلم من الكعبة يوم الفتح وضع يده على عضادتي الباب ثم قال ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا فقال سهيل بن عمرو نقول خيرا ونظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم وفي لفظ فإني أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء أي الذين اطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق في الأصل الأسير إذا أطلق فخرجوا فكأنما نشروا من فدخلوا في الإسلام
قال وذكر أنه لما فرغ من طوافه أرسل بلالا رضى الله تعالى عنه

إلى عثمان بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فجاء الى عثمان فأخبره فقال إنه عند أمي فرجع بلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ان المفتاح عند أمه فبعث اليها رسولا فقالت لا واللات والعزى لا أدفعه أبدا فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها فأرسله فجاء اليها فطلبه منها فقالت لا واللات والعزى لا أوصله اليك أبدا فقال يا أمه ادفعيه الى فإنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي ويأخذه منك غيرى فأدخلته حجرتها وقالت أي رجل يدخل يده ههنا أي وقالت له أنشدك الله ان لا يكون ذهاب مأثرة قومك على يديك كل ذلك ورسول الله قائم ينتظر حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق فبينما هو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الدار وعمر رضي الله تعالى عنه رافعا صوته وهو يقول يا عثمان اخرج فقالت يا بني خذ المفتاح فإن تأخذه أحب الي من أن تأخذه تيم وعدي أي ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأخذه عثمان فخرج يمشي حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عثر عثمان فسقط منه المفتاح فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المفتاح فحنى عليه وتناوله أي وفي رواية فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر فأخذه مني وفتح الكعبة وفي رواية أنه قال له هاك المفتاح بأمانة الله وفي لفظ لما أبت أمه أنه تعطيه المفتاح قال والله لتعطينه او لأخرجن هذا السيف من منكب فلما رأت ذلك أعطته إياه فجاء به ففتح عثمان له الباب
ويحتاج الى الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها وقد اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى بعض هذه القصة بقوله ** صرعت قومه حبائل بغى ** ** مدها المكر منهم والدهاء ** ** فأتتهم خيل الى الحرب تختا ** ** ل وللخيل في الوغى خيلاء ** ** قصدت منهم القنا فقوا في الطع ** ** ن منا وما شأنها الايطاء ** ** وأثارت بأرض مكة نقعا ** ** ظن أن الغدو منها عشاء ** ** أحجمت عنده الحجون أكدى ** ** دون اعطائه القليل كداء ** ** ودهت أوجها بها وبيوتا ** ** مل منها الاقواء والإكفاء ** ** فدعوا أحلم البرية والعف ** و جواب الحليم والإغضاء ** ** ناشدوه القربي التي من قريش ** ** قطعتها الترات والشحناء **

** فعفا عفو قادر لم ينغص ** ** هـعليهم بما مضى إغراء ** ** وإذا كان القطع والوصل لله ** ** تساوى التقريب والإقصاء ** ** وسواء عليه فيما أتاه ** ** من سواه الملام والإطراء ** ** ولو أن انتقامه لهوى النف ** س لدامت قطيعة جفاء ** ** فعله كله جميل وهل ين ** ** ضح الا بما حواه الأناء **
أي القت قومه الذين لم يؤمنوا به بين يديه حبائل بغيهم التي مدها المكر والدهاء حالة كون ذلك منهم فبسبب مكرهم أتتهم من قبله خيل تتبختر بها راكبوها الى الحرب والخيل عليها الشجعان كبر وترفع في الحرب قصدت في أبدانهم الرماح فبسبب قصدها بهم كانت الطعنات المشبهة بالقوافي في تتابعها حالة كون ذلك الطعن من تلك الرماح ما عابها الإيطاء أي لم يعدم وجوده فيها والإيطاء في القافية تكريرها متحدة اللفظ والمعنى هو معيب على الشاعر لأنه يدل على قصوره والطعنات المتوالية في محل واحد تدل على قصر ساعد الشجاع ورفعت تلك الخيل غبارا أظلم الجو حتى ظن أن وقت الغدو من تلك الغبرة وقت العشاء وذلك بأرض مكة عند فتحها أمسكت عند ذلك الغبار لكثرته الحجون وهو كداء بالفتح والمد أعلى مكة لكثرة ما اعطاه صلى الله عليه وسلم الناس وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم القليل من الناس كداء بالضم والمد وهو اسفل مكة وهذه لغة فيه قليلة وعند ذلك قل غباره وأهلكت تلك الخيول أوجها من الناس بمكة ممن أباح دمه ومن قاتل وأهلكت بيوتا كان أهل مكة يرجعون اليها مل من تلك البيوت خلوها عن أنس بها والرجوع اليها وعند ذلك طلبوا منه العفو عما مضى منهم وجواب الحليم لمن سأله العفو عنه العفو وارخاء الجفون من الحياء وحلفوه بالقربي التي وصلت اليه من بطون قريش وهم ولد النضر بن كنانة التي قطعتها المقاتلة والتباغض والتحاسد فبسبب ذلك عفا صلى الله عليه وسلم عفو قادر لم يكدر ذلك العفو منهم إغراء سفهائهم به حالة كون ذلك الإغراء منهما فيما مضى وإذا كان القطع والوصل لله تساوى عند فاعل ذلك التقريب للاقارب والبعداء والإبعاد للأقارب والبعداء والذي تقريبه وإبعاده لله لا لغيره يستوى عنده سبه والمبالغة في مدحه إذا أتاه ذلك من غيره ومن ثم لو كان انتقامه لهوى النفس الأمارة بالسوء لاستمرت قطيعة الرحمن ودام إبعاده لها كيف

وقد قام لله في أموره كلها فبسبب ذلك أرضى الله تباين منه صلى الله عليه وسلم لأعدائه ووفاء لأوليائه فعله صلى الله عليه وسلم كله جميل ولا بدع في ذلك إذا ما يسيل مما في الإناء على ظاهره الا ما كان في تلك الإناء فمن أمتلأ قلبه خيرا كانت أفعاله كلها خيرا ومن امتلأ قلبه شرا كانت أفعاله كلها شرا
ثم جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد ومفتاح الكعبة في يده في كمه فقام اليه علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله صلى اجمع لنا وفي لفظ اجمع لي الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس أي وهو السقاية لا ما تأخذون فيه من الناس أموالهم وهي الحجابة لشرفكم وعلو مقامكم
وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم أي منهم علي كرم الله وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء
وقيل نزلت هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها في شأن عثمان ابن طلحة رضي الله تعالى عنه ودفع المفتاح له أي لما أخذه علي كرم الله وجهه وقال يا رسول الله أجمع لنا الحجابة مع السقاية فقال صلى الله عليه وسلم لعلى أكرهت وآذيت وأمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه فقد انزل الله في شأنك أي أنزل الله عليه ذلك في جوف الكعبة وقرأ عليه الآية ففعل على كرم الله وجهه ذلك
وسياق هذه الرواية يدل على ان عليا كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان فلما نزلت الآية أمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح لعثمان
والسقاية كما تقدم كانت أحواض من أدم يوضع فيه الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الاوقات
وفي كلام الأزرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائه للوضوء أي ولعل هذا كان بعد الفتح
والسقاية قام بها العباس رضي الله تعالى عنه بعد موت أبيه عبد المطلب وقام بها بعده ولده عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد تكلم فيها محمد بن الحنفية مع ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن اولى بها في الجاهلية والإسلام قام بها العباس بعد موت

أبيه عبد المطلب وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يوم الفتح واستمر المفتاح مع عثمان رضي الله عنه الى أن اشرف على الموت ولم يعقب دفعه الى اخيه شيبة ومن ثم عرفت ذريه بالشيبيين أي وفي رواية دفع صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة الى عثمان والى شيبة ابن عمه وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم
أي وكون شيبة ابن عم عثمان هو الموافق لقول الحافظ ابن حجر الشيبيون نسبة الى شيبة بن عثمان بن ابي طلحة وهو ابن عم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فأبو طلحة له ولدان عثمان وطلحة أتى عثمان بشيبة وأتى طلحة بعثمان
وفي كلام ابن الجوزي ما يوافقه وهو أن عثمان لما هاجر الى المدينة وأسلم سنة ثمان لم يزل مقيما بالمدينة حتى خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أي وقد تقدم ثم رجع الى المدينة ولم يزل مقيما بها حتى توفى رسول الله فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الى مكة واستمر مقيما بها حتى مات بها في أول خلافة معاوية رضي الله عنه فلم يزل عثمان رضي الله عنه يلي فتح البيت الى أن اشرف على الموت دفع المفتاح الى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في ولد شيبة وكان عثمان بن طلحة هذا خياطا وهي صناعة نبي الله ادريس عليه الصلاة والسلام
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا عثمان بن طلحة وقال له ارني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده اليه قال العباس فقال يا رسول الله اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال صلى الله عليه وسلم ارني المفتاح فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كملته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح فقال هاك بأمانة الله ولعل هذا كان قبل دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة فيكون طلب العباس رضي الله عنه أن يكون المفتاح له تكرر قبل دخوله الكعبة وبعده وفي رواية أنه قال له ائتنى بالمفتاح قال فأتيته به فأخذه ثم دفعه الي وقال خذوها خالدة تالدة لا بنزعها منكم الا ظالم
وفي لفظ غيره إن الله رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام إني لما ادفعها اليكم ولكن الله دفعها اليكم لا ينزعها منكم الا ظالم وفي رواية لا يظلمكموها الا كافر

ولا مانع ان يكون ذلك بعد ان دفعه علي كرم الله وجهه له بأمره صلى الله عليه وسلم وكأنه صلى الله عليه وسلم أحب أن يؤدي الامانة بيده الشريفة من غير واسطة وقال له يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف فقال عثمان رضي الله عنه فلما وليت ناداني فرجعت اليه فقال ألم يكن الذي قلت لك قال رضي الله عنه فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم لي بمكة قبل الهجرة
وقد اراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة مع الناس وكنا نفتحها في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فلما اقبل ليدخلها أغلظت عليه ونلت منه وحلم عي ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي اضعه حيث شئت فقلت قد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال صلى الله عليه وسلم بل عمرت وعزت يومئذ فوقعت كلمته صلى الله عليه وسلم مني موقعا وظننت أن الأمر سيصير الى ما قال صلى الله عليه وسلم قال فلما قال لي يوم الفتح ذلك قلت بلى اشهد انك رسول الله
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دخل يؤمئذ الكعبة ومعه بلال فأمره أن يؤذن أي للظهر على ظهر الكعبة وأبو سفيان وعتاب بن أسيد في لفظ خالد بن أسيد والحارث ابن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب بن أسيد أي أو خالد بن اسيد لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون يسمع هذا العبد فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه حق لا تبعته أي وفي رواية أنه قال ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ولا مانع من وجود الأمرين منه أي وتقدم في عمرة القضاء وقوع مثل ذلك من جماعة لما أذن بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة أيضا أي وقال غير هؤلاء من كفار قريش لقد أكرم الله فلانا يعني اباه إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وفي لفظ والله الحدث العظيم أن يصبح عبد بني جمح ينهق على بيته فقال ابو سفيان لا اقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم لقد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال أما أنت يا فلان فقد قلت كذا وأما أنت يا فلان فقد قلت كذا فقال ابو سفيان وأما أنا يا رسول الله فما قلت شيئا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نشهد أنك رسول الله والله ما اطلع على هذا احد معنا فنقول أخبرك
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ابي سفيان وهو في المسجد فلما نظر

إليه أبو سفيان قال في نفسه ليت شعري بأي شيء غلبني فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى ضرب يده بين كتفيه فقال بالله غلبتك يا ابا سفيان فقال ابو سفيان أشهد أنك رسول الله وصار بعض قريش يستهزئون ويحكون صوت بلال غيظا وكان من جملتهم أبو محذورة رضي الله عنه وكان من أحسنهم صوتا فلما رفع صوته بالأذان مستهزئا سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده الشريفة قال فامتلأ قلبي والله إيمانا ويقينا فعلمت أنه روسل الله فالقى عليه صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة وكان ست عشرة سنة وعقبه بعده يتوراثون الأذان بمكة وتقدم أن أذان أبي محذورة وتعليمه صلى الله عليه وسلم الأذان كان مرجعه من حنين وتقدم طلب تأمل الجمع بينهما
وفي تاريخ الأزرقي أن جويرية بنت أبي جهل قالت عند أذان بلال علي ظهر الكعبة والله لا نحب من قتل الأحبة ولقد جاء لأبي الذي جاء لمحمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه
وعن الحارث ابن هشام قال لما أجارتني ام هانئ وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوراها فصار لا أحد يتعرض لي وكنت أخشى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمر علي وانا جالس فلم يتعرض لي وكنت استحي ان يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذكر برؤيته إياي في كل موطن مع المشركين فلقيته وهو داخل المسجد فلقيني بالبشر فوقف حتى جئته فسلمت عليه وشهدت شهادة الحق فقال الحمد لله الذي هداك ما كان مثلك يجهل الإسلام
وجاءه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح السائب بن عبد الله المخزومي أي وقيل عبد الله ابن السائب بن ابي السائب وقيل السائب بن عويمر وقيل قيس بن السائب بن عويمر قال في الاستيعاب وهذا اصح ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى وكان شريكا له صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فقال فأخذ عثمان وغيره يثنون على فقال صلى الله عليه وسلم لهم لا تعلموني به كان صاحبي وفي لفظ لما أقبلت عليه قال مرحبا بأخى وشريكي كان لا يداري ولا يماري قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك أي لتوقف صحتها على الاسلام وهي الاعمال المتوقفة على النية التي شرطها الاسلام وهي اليوم تتقبل منك أي لوجود الاسلام

ورأسل سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه ولده عبد الله ليأخذ أمانا منه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي تؤمنه فقال صلى الله عليه وسلم نعم هو آمن بالله فليظهر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد اليه النظر فلعمري ان سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل يجهل الاسلام فخرج ابنه عبد الله اليه فأخبره بمقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل كان والله برا صغير برا كبيرا فكان سهيل رضي الله تعالى عنه يقبل ويدبر وخرج الى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على شركه حتى أسلم بالجعرانة
وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح حدث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح قال فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فضالة قال فضالة نعم يا رسول الله قال ما كنت تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه فكان فضالة رضي الله تعال عنه يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب الي منه
قال ولما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر مسندا ظهره الشريف الى الكعبة وقيل كان على راحلته فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إن الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ووضع هذين الجبلين فهى حرام الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة ولم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لأحد يكون بعدي ولم تحلى لي الا هذه الساعة أي من صبيحة يوم الفتح الى العصر غضبا على أهلها ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له إن الله قد أحلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحلها لكم
وقد جاء في صحيح مسلم لا يحل أن يحمل السلاح بمكة يا معشر خزاعة ارفعوا ايديكم عن القتل فقد كثر القتل فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله ثم ودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته

خزاعة وهو ابن الأقرع الهذلي من بني بكر فإنه دخل مكة وهو على شركه فعرفته خزاعة فأحاطوا به فطعنه منهم خراش بمشقص في بطنه حتى قتله فلامه صلى الله عليه وسلم وقال لو كنت قاتلا مسلما بكافر لقتلت خراشا أي والمشقص ما طال من النصال وعرض قال ابن هشام وبلغني أنه اول قتيل وداه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه تقدم في خبير أنه ودى قتيلا وقال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لا نغزى مكة بعد اليوم الى يوم القيامة قال العلماء أي على الكفر أي لا يقاتلوا على أن يسلموا ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صمنا إلا كسره
ولما أسلمت هند رضي الله تعالى عنها عمدت الى صم كان في بيتها وجعلت تضربه بالقدوم وتقول كنا منك في غرور
ثم بعث صلى الله عليه وسلم السرايا الى كسر الاصنام التي حول مكة أي لأنهم كانوا اتخذوا مع الكعبة اصناما جعلوا لها بيوتا يعظمونها كتعظيم الكعبة وكانوا يهدون لها كما يهدون للكعبة ويطوفون بها كما يطوفون بالكعبة فكان في كل حي صنم من ذلك كما تقدم العزى وسواع ومناة وسيأتي الكلام على ذلك في السرايا ان شاء الله تعالى
أي وفي هذا العام الذي هو عام الفتح كان غزوة أوطاس وأوطاس هو هوازن وحلل صلى الله عليه وسلم المتعة ثم بعد ثلاثة أيام حرمها ففي صحيح مسلم عن بعض الصحابة لما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتعة خرجت أنا ورجل إلى أمرأة من بني عامر كأنها بكرة غيطاء وفي لفظ مثل البكرة الغطنطية فعرضنا عليها انفسنا فقلنا لها هل لك أن يستمتع منك أحدنا فقالت ما تدفعان قلنا بردينا وفي لفظ رداءينا فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي فإذا نظرت الي اعجبتها وإذن نظرت الى برد صاحبي اعجبها فقالت أنت وبردك تكفيني فكنت معها ثلاثا
والحاصل أن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خبير ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في ايام الفتح واستمر تحريمه الى يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الاول ثم ارتفع واجمعوا على تحريمه وعدم جوازه

قال بعض الصحابة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أي لكن في مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وفي رواية عنه حتى نهى عنه عمر رضي الله تعالى عنه وقد تقدم في غزاة خيبر عن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه لا أعلم شيئا حرم ثم ابيح ثم حرم الا المتعة وهو يدل على أن اباحتها عام الفتح كانت بعد تحريمها بخيبر ثم حرمت به وهذا يعارض ما تقدم ان الصحيح انها حرمت في حجة الوداع الا ان يقال يجوز ان تحريمها في حجة الوداع تأكيدا لتحريمها عام الفتح فلا يلزم أن تكن ابيحت بعد تحريمها أكثر من مرة كما يدل عليه إمامنا الشافعي لكن يخالفه ما في مسلم عن بعض الصحابة رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها
وقد يقال مراد هذه القائل بعام أوطاس عام الفتح لأن غزاة أوطاس كانت في عام الفتح كما تقدم وما تقدم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من جوزاها رجع عنه فقد قال بعضهم والله ما فارق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الدنيا حتى رجع الى قول الصحابة في تحريم المتعة ونقل عنه رضي الله تعالى عنه انه قام خطيبا يوم عرفة فقال ايها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير
والحاصل أن المتعة من الأمور الثلاثة التي نسخت مرتين الثاني لحوم الحمر الأهلية الثالث القبلة كذا في حياة الحيوان
قال واستقرض صلى الله عليه وسلم من ثلاثة نفر من قريش أخذ من صفوان بن امية رضي الله تعالى عنه خمسين ألف درهم ومن عبد الله بن ابي ربيعة أربعين الف درهم ومن حويطب بن عبد العزى اربعين الف درهم فرقها صلى الله عليه وسلم في أصحابه من أهل الضعف ثم وفاها مما غنمه من هوازن وقال إنما جزاء السلف الحمد والأداء أ هـ
أي وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة أي بعد فتحها تسعة عشر وقيل ثمانية عشر يوما واعتمده البخاري يقصر الصلاة في مدة اقامته وبهذا الثاني قال أئمتنا ان من أقام بمحل لحاجة يتوقعها كل وقت قصر ثمانية عشر يوما غير يومي الدخول والخروج ولعل

سبب إقامته المدة المذكورة أنه كان يترجى حصول المال الذي فرقه في أهل الضعف من اصحابه فلما لم يتم له ذلك خرج من مكة الى حنين لحرب هوازن
وجاء اليه صلى الله عليه وسلم سعد بن ابي وقاص وقد أخذ بيد ابن وليدة زمعة ومعه عبد بن زمعة فقال سعد يا رسول الله هذا ابن اخي عتبة بن أبي وقاص عهد الى انه ابنه أي قال إذا قدمت مكة انظر الى ابن وليدة زمعة فإنه منى فاقبضه إليك فقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا أخى ابن وليدة أبى زمعة ولدته على فراشه أي مع كونها فراشا له فنظر صلى الله عليه وسلم الى ذلك الولد فإذا هو اشبه الناس بعتبة بن ابي وقاص فقال لعبد بن زمعة هو أخوك يا عبد بن زمعة من اجل انه ولد على فراش ابيك زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال لزوجته سودة بنت زمعة أحتجبي منه يا سودة لما رأى عليه من شبه عتبة أي فخشي أن يكون ابن خاله فأمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا فلم يرها حتى لقي الله وفي بعض الروايات احتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ
وسرقت امرأة فأراد صلى الله عليه وسلم قطعها ففزع قومها إلى أسامه بن زيد ابن حارثه رضي الله تعالى عنهم يستشفعون به فلما كلمه أسامه فيها تلون وجهه صلى الله عليه وسلم وقال أتكلمني في حد من حدود الله تعالى فقال اسامة استغفر لي يا رسول الله ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها وفي كلام بعضهم كانت العرب في الجاهلية يقطعون يد السارق اليمنى
وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن اسيد رضي الله تعالى عنه وعمره احدى وعشرون سنة أمر مكة وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وترك صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بمكة معه معلما للناس السنن والفقه
في الكشاف وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل عتاب بن اسيد على اهل مكة وقال انطلق فقد استعملتك على اهل الله أي وقال ذلك ثلاثا فكان رضي الله تعالى عنه شديدا

على المريب لينا على المؤمن وقال والله لا اعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة الا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عن الصلاة الا منافق فقال اهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابيا جافيا فقال صلى الله عليه وسلم إني رأيت فما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديد حتى فتح له فدخلها فأعز الله به الإسلام فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم هذا
وفي تاريخ الازرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أسيدا في الجنة وأني أي كيف يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن اسيد فقال صلى الله عليه وسلم هذا الذي رايت ادعوه لي فدعى له فاستعمله يومئذ على مكة ثم قال يا عتاب اتدري على من استعملتك استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا يقولها ثلاثا
فإن قيل كيف يقول صلى الله عليه وسلم عن اسيد انه رآه في الجنة ثم يقول عن ولد أسيد إنه الذي رآه في الجنة قلنا لعل عتابا كان شديد الشبة بأبيه فظن صلى الله عليه وسلم عتابا أباه فلما رآه عرف أنه عتاب لا أسيد
وفي كلام سبط ابن الجوزي عتاب بن اسيد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة لما خرج الى حنين وعمره ثماني عشرة سنة وفي كلام غيره ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عتاب بن أسيد وترك معه معاذ بن جبل بعد عوده من الطائف وعمرته من الجعرانة إلا أن يقال لا مخالفة ومراده باستئلافه إبقاؤه على ذلك وينبغي ان يكون ما تقدم عن الكشاف من قول أهل مكة له صلى الله عليه وسلم لقد استخلفت على أهل الله عتاب بن اسيد الى آخره بعد ابقائه على استخلافه لما لا يخفى
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن اسيدا والد عتاب واليا على مكة مسلما فمات على الكفر فكانت الرؤيا لولده كما تقدم مثل ذلك في أبي جهل ولده عكرمة رضي الله تعالى عنه
ولما ولاه صلى الله عليه وسلم على مكة جعل له في كل يوم درهما فكان رضي الله تعالى عنه يقول لا اشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم
ويروي انه قام فخطب الناس فقال ايها الناس اجاع الله كبد من جاع على درهم أي له درهم فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما في كل يوم فليست لي حاجة الى احد


وعن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن اسيد على مكة وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة ولعل الدرهم كل يوم يحرز القدر المذكور أي أربعين أوقية في السنة فلا مخالفة
وفي السنن الكبرى للبيهقي وولد عتاب هذا عبد الرحمن الذي قطعت يده يوم الجمل واحتملها النسر وألقاها بمكة وقيل بالمدينة كان يقال له يعسوب قريش

غزوة حنين
اسم موضع قريب من الطائف وفي كلام بعضهم الى جنب ذي المجاز وهو سوق الجاهلية وتقدم ذكره وفي كلام بعض آخر اسم لما بين مكة والطائف ويقال لها غزوة هوزان ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر
أي وسببها أنه لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة أطاعت له قبائل العرب الا هوزان وثقيفا فإن أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة
قال قال ائمة المغازي لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة مشت اشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض فاشفقوا أي خافوا ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد فرغ لنا فلاناهية أي لا مانع له دوننا والراي أن يغزونا فحشدوا وبغوا وقالوا وكان اجماع امر الناس إلى مالك بن عوف النصيري أي بالصاد المهملة رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فاجتمع اليه من القبائل جموع كثيرة فيهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم وحضر معهم دريد بن الصمة وكان شجاعا مجربا لكنه كبر أي لأنه بلغ مائة وعشرين سنة وقيل مائة وخمسين وقيل مائة وسبعين أي وقيل قارب المائتين قاله ابن الجوزي وقد عمى وصار لا ينتفع الا برأيه ومعرفته بالحرب أي لأنه كان صاحب رأي وتدبير ومعرفة بالحروب وكان قائد ثقيف ورئيسهم كنانة بن عبد ياليل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الأسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الاسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فأمر الناس بأخذ اموالهم ونسائهم وابنائهم معهم فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم

دريد بن الصمة فقال دريد للناس بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم محل الخيل وفي لفظ مجال الخيل بالجيم لا حزن ضرس والحزن بفتح الحاء المهملة واسكان الزاي وبالنون ما غلط من الأرض والضرس بكسر الضاد المعجمة واسكان الراء وبالسين المهملة ما صلب من الأرض ولا سهل دهس والسهل ضد الحزن والدهس بفتح الدال المهملة والهاء وبالسين المهملة اللين كثير التراب مالي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير بضم النون أي صوتها وبكاء الصغير ويعار الشاء واليعار بضم المثناة تحت وبالعين المهملة المخففة الداء صوت الشاء أي وخوار البقراي صوتها قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وابناءهم قال ابن مالك أي وكان توافق معه على أن لا يخالفه فإنه قال له إنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى يهود الحجاز أي غالبهم اما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار فقال له لا نخالفنك في أمر تراه فقيل له هذا مالك فقال يا مالك اما انك قد اصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعارالشاء وخوار البقر قال سقت مع الناس ابناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل اهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به قال ابو ذر أي زجره كما تزجر الدابة وهو ان يلصق اللسان بالحنك الأعلى ويصوت به وهو معنى قول الأصل أي صوت بلسانه في فيه ثم قال له راعي وفي لفظ رويعي ضأن والله ماله وللحرب ثم اشار عليه برد الذرية والأموال وقال هل يرد المنهزم شيء إن كانت لك لم ينفعك كعب وكلب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد الأول بفتح الحاء المهملة والثاني بالمعجمة مكسورة ضد الهزل وبفتحها الحظ لو كان يوم علا ورفعة ما غابا ثم أشار عليه بأمور لم يقبلها مالك منه وقال والله لا اطيعك إنك قد كبرت وضعف رأيك فقال دريد لهوازن قد شرط يعني مالكا أن لا يخالفني فقد خالفني فأنا أرجع الى أهلي فمنعوه وقال مالك والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها راي او ذكر قالوا أطعناك أي ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا ثم جعلوا الإبل صفوفا والبقر والغنم وراء ذلك لئلا يفروا وفي لفظ

صفت الخيل ثم الرجالة المقاتلة ثم صفت النساء على الإبل ثم صفت الغنم ثم صفت النعم ثم قال للناس إذا رأيتموهم شدوا عليهم شدة رجل واحد وبعث عيونا له أي وهم ثلاثة أنفار أرسلهم لينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وقد تفرقت أوصالهم قال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيول بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى وإن أطعتنا جعنا بقومك فقال أف لكم بل أنتم أجبن العسكر فلم يرده ذلك 4 ومضى على ما يريده
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم أرسل اليهم رجلا من اصحابه أي وهو عبد الله بن ابي حدرد الأسلمي وأمره ان يدخل فيهم ويسمع منهم أجمعوا عليه فدخل فيهم أي ومكث فيهم يوما أو يومين وسمع ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر أي وجاءه رجل فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشبابهم اجتمعوا الى حنين فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السير الى هوازن وذكر له صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن امية ولم يكن اسلم يومئذ بل كان مؤمنا ادرعا وسلاحا فارسل صلى الله عليه وسلم اليه فقال يا أبا امية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم بل عارية وهي مضمونة حتى نؤديها اليك قال ليس بهذا بأس وفي رواية الإمام احمد قال صفوان عارية مؤداة فقال صلى الله عليه وسلم العارية مؤداة فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح قبل وسأله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل وذكر ان بعض تلك الأدراع ضاع فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام ارغب
قال واستعار صلى الله عليه وسلم من ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح فقال له كأني أنظر الى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين أهأي وتقدم أن نوفلا هذا فدى نفسه وكان في اسرى بدر بألف رمح
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا ألفان من أهل مكة والعشرة آلاف الذي فتح الله تعالى بهم مكة أي على ما تقدم
قال بعضهم وخرج أهل مكة ركبانا ومشاة حتى النساء يمشين على غير وهن يرجون

الغنائم ولا يكرهون أن من لم يصدق إيمانه أن الضيعة وفي لفظ أن الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه أي فقد خرج معه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فلما قربوا من محل العدو صفهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلواء المهاجرين أعطاه عليا كرم الله وجهه وأعطى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه راية وأعطى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه راية ولواء الخزرج أعطاه الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه ولواء الأوس أعطاه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه
وفي سيرة الدمياطي وفي كل بطن من الأوس والخرزج لواء وراية يحملها رجل منهم وكذلك قبائل العرب فيها الاولوية والرايات يحملها رجال منهم وركب صلى الله عليه وسلم بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة والدرعان هما ذات الفضول والسغدية بالسين المهملة والغين المعجمة وهي درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ومروا بشجر سدرة كان المشركون يعظمونها وينوطون بها اسلحتهم أي يعلقونها بها فقالت الصحابة رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر هذا كما قال قوم موسى عليه السلام أجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم فلما كان بحنين وانحدورا الوادي أي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه وذلك باشارة دريد بن الصمة فإنه قال لمالك اجعل لك كمينا يكون لك عونا إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فحملوا عليهم حملة رجل واحد أي وكانوا رماة فاستقبلوهم بالنبل كأنهم جراد منتشر لا يكاد يسقط لهم سهم
أي وعن البراء رضي الله تعالى عنه وسأله رجل فقال فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر
وأما ما روى عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط في موطن من المواطن كما تقدم
وعن البراء رضي الله عنه كانت هوازن ناسا رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا

فأكبيا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فأخذ المسلمون راجعين منهزمين لا يلوى أحد على أحد أي ويقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضم لبعض أي من كان إسلامه مدخولا منهم اخذلوه هذا وقته فانهزموا فهم أول من انهزم وتبعهم الناس وعند ذلك قال ابو قتادة رضي الله عنه لعمر رضى الله عنه ما شأن الناس قال أمر الله
وهذا السياق يدل على انهم انهزموا مرتين الأولى في أول الأمر والثانية عند انكباب المسلمين على أخذ الغنائم والذي في الاصل الاقتصار على الأولى
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وابو سفيان ابن اخيه الحارث وربيعة بن الحارث ومعتب ابن عمه ابي لهب وفقئت عينه ولم أقف على أيهما كانت أي ووردت في عد من ثبت معه روايات مختلفة فقيل مائة وقيل ثمانون وقيل اثنا عشر وقيل عشرة وقيل كانوا ثلثمائة
ولا مخالفة لإمكان الجمع وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله إني عبد الله ورسوله
وعن العباس رضي الله عنه كنت آخذا بحكمة بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهي الشهباء التي أهداها له فروة بن عمرو الجزامي أي صاحب البلقاء وعامل ملك الروم على فلسطين يقال لها فضة وقيل التي يقال لها دلدل التي أهداها له المقوقس وفي البخاري التي أهداها له ملك أيلة قال بعضهم والأول أثبت
ويدل الثاني ما أخرجه ابو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال انهزم المسلمون بحنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وكان يسميها دلدل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل البدى فألزقت بطنها بالأرض الحديث وابو سفيان ابن الحارث آخذ بركابه صلى الله عليه وسلم وهو يقول حين رأى ما رأى من الناس الى أين أيها الناس فلما ار الناس يلوون على شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يعني الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان
وفي لفظ يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة وبالأنصار الذين آووا ونصروا أي وإنما خص صلى الله عليه وسلم العباس بذلك لأنه كان عظيم الصوت

كان صوته يسمع من ثمانية أميال كان يقف على سلع وينادي غلمانه آخر الليل وهم بالغابة فيسمعهم وبين سلع والغابة ثمانية اميال
وغارت الخيل يوما على المدينة فنادى واصباحاه فلم تسمعه حامل الا وضعت من عظم صوته
وفي لفظ آخر نادى يا أصحاب السمرة يوم الحديبية يا أصحاب سورة البقرة أي وخص سورة البقرة بالذكر لأنها أول سورة نزلت في المدينة لأن فيها { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } وفيها { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } وفيها { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } في لفظ نادى يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بني الخزرج خصهم بالذكر بعد التعميم لأنهم كانوا صبرا في الحرب أو غلب فأجابوا لبيك لبيك وفي لفظ يا لبيك يا لبيك
أي وفي البخاري لما أدبروا عنه صلى الله عليه وسلم حتى بقي وحده فنادي يومئذ نداءين التفت عن يمينه فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك
ويجوز أن يكونه هذا بعد نداء العباس وقربهم منه صلى الله عليه وسلم وصار الرجل يلوي بعيره فلا يقدر على ذلك أي لكثرة الأعراب المنهزمين فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله إلا عطفة الإبل وفي لفظ عطفة البقر على أولادها فلرماحهم أخوف عندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار حتى إذا انتهى اليه من الناس مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا واشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر الى القوم وهم يجتلدون أي وكان شعارهم كيوم فتح مكة فقال صلى الله عليه وسلم الآن حمى وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم والوطيس في الاصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع الا منه صلى الله عليه وسلم وهي مثل يضرب لشدة الحرب أي وصار يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15