كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
إلى طائفة من هوازن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز بفتح العين المهملة وبضم الجيم وبالزاي محل بينه وبين مكة أربع ليال بطريق صنعاء يقال له تربة بضم المثناة فوق وفتح الراء ثم موحدة مفتوحة ثم تاء وأرسل صلى الله عليه وسلم دليلا من بني هلال فكان يسير الليل ويكمن النهار فأتى الخبر لهوازن فهربوا فجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه محالهم فلم يجد منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة فلما كان بمحل بينه وبين المدينة ستة أميال قال له الدليل هل لك جمع أخر من خثعم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إنما أمرني بقتال هوازن
سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
إلى بني كلاب
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره علينا فسبي ناسا من المشركين فقتلناهم فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين وما زاده الأصل على هذا من قوله إن سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة الخ نسب فيه للوهم لأن ذلك كان في سريته لبني فزارة بوادي القرى وقد تقدمت فهما قضيتان مختلفتان جمع بينهما أي وهذا الذي في الأصل تبع فيه شيخه الحافظ الدمياطي وفيه ما علمت
سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه
إلى بني مرة بفدك
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك وتقدم أنها قرية بينها وبين المدينة ستة اميال فخرج فلقى رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل في بواديهم فاستاق النعم والشاء وانحدر الى المدينة فخرج الصريخ إليهم فأدركه منهم العدد الكثير عند الليل فباتوا يترامون بالنبل حتى فني نبل أصحاب بشير أي فلما أصبحوا حملوا على بشير وأصحابه فقتلوا منهم من قتلوا وولى من ولى منهم وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ارتث أي جرح وصار ما به رمق وضربت كعبه اختبارا لحياته فلم يتحرك فقيل مات فرجعوا بنعمهم وشياههم وجاء إليه صلى الله عليه وسلم خبرهم ثم جاء بشير رضي الله تعالى عنه إلى المدينة بعد ذلك أي فإنه استمر بين القتلى إلى الليل فلما أمسى تحامل حتى انتهى الى فدك فأقام بفدك عند يهودي أياما حتى قوي على المشي وجاء الى المدينة
أقول وهذا يدل على أن بني مرة الذين توجه اليهم بشير لم يكونوا بفدك بل بالقرب منها فيكون قوله أولا لبني مرة بفدك فيه تسمح وأن بشيرا حصلت له هذه الحالة مرتين فليتأمل
سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه
إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميقعة اسم محل وراء بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه في مائة وثلاثين رجلا لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجموا عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم فقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا نعما وشاء ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال لا إله إلا الله وهو مرداس بن نهيك وفي سيرة الحافظ الدمياطي نهيك ابن مرداس والأول هو الذي في الكشاف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت

عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فعن اسامة رضي الله تعالى عنه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصحبنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما أعييناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قلت إنما قالها متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أي تمنيت أن أكون اسلمت اليم فيكفر عني ما صنعت قال كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية وقد تبع في ذلك ابن سعد
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة وسيأتي عن أسامة بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحناها فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم فتبعته أنا ورجل من الأنصار فرفعت عليه السيف قال لا إله إلا الله وزاد في رواية محمد رسول الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلني واعتنقني قال بعضهم وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه ويجب ان يثنى عليه خيرا فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل فقال الرجل لا إله إلا الله فشد عليه أسامة فقتله وهو يعرض عنهم فلما أكثروا عليه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه الشريف لاسامة فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فكيف تصنع بلا إلا إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فقال أسامة رضي الله تعالى عنه إنما قالها خوفا من السلاح وفي رواية إنما كان متعوذا من القتل قال اسامة رضي الله تعالى عنه ولا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر علي حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يؤمئذ انتهى
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليها غالب بن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه فهربوا وبقي

مرداس لثقته بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه الى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليك فقتله أسامة ابن زيد واستاق غنمه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوجد وجدا شديدا وقال قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة فقال يا رسول الله استغفر لي قال فكيف بلا إله إلا الله فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال أعتق رقبة وسياتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو اربعة وكون يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين فقد تقدم أنهم قتلوه ثم رايته في النور قال ولعل هذا غير ذاك لكن لم أر ذكرا في الموالي إلا أن يكون أحد موالي أقاربه عليه الصلاة والسلام فنسب اليه ومن ثم لم يشهد اسامة رضي الله تعالى عنه مع علي كرم الله وجهه قتالا وقال له لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد ان لا إله إلا الله وقلت له أعطى الله عهدا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله والله أعلم

سرية بشسير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى يمن
بفتح الياء آخر الحروف وقيل بضمها أو يقال أمن همزة مفتوحة وسكون الميم وجبار بفتح الجيم واد قريب من خيبر
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان قد واعدهم عيينة بن حصن أي قبل أن يسلم رضي الله تعالى عنه ليكون معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلثمائة رجل فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا المحل المذكور فأصابوا نعما كثيرا وتفرق الرعاء بكسر الراء والمد وذهبوا الى القوم وأخبروهم فتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم وعليا

بضم العين وسكون اللام مقصورا نقيض السفلى فلم يظفر بأحد منهم إلا برجلين أسروهما فرجع بالنعم والرجلين الى المدينة فاسلم الرجلان فأرسلهما صلى الله عليه وسلم قال والرجلان من جمع عيينة فإن المسلمين لما لقوا جمع عيينة انهزموا أمامهم وتبعوهم أخذوا منهم ذينك الرجلين انتهى أي وعيينة بن حصن كان يقال له الأحمق المطاع لأنه كان يتبعه عشرة آلاف قناة وقيل له عيينة قال في الاصل لأن عينة حجفلت أي عظمت وكبرت فلقب بذلك رضي الله تعالى عنه

سرية أبن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي العوجاء رضي الله تعالى عنه السلمي في خمسين رجلا الى بني سليم فكان لهم جاسوس مع القوم فخرج اليهم وسبق القوم وحذرهم فجمعوا لهم جمعا كثيرا فجاءوا لهم وهم معدون لهم فدعوهم الى الاسلام فقالوا أي حاجة لنا بما تدعونا اليه فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد تأتيهم وأحدقوا بالمسلمين من كل ناحية فقاتل المسلمون قتالا شديدا حتى قتل عامتهم واصيب ابن ابي العوجاء جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه الى بني الملوح
بضم الميم وفتح اللام وتشديد الواو مكسورة ثم حاء مهملة بالكديد بتفح الكاف وكسر الدال المهملة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في بضعة عشر رجلا قال وما نقل عن الواقدي أنهم كانوا مائة وثلاثين رجلا فذلك في سرية لغالب غير هذه انتهى
أقول وهي المتقدمة التي توجهت لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة والله أعلم وأمر صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله وأصحابه أن يشنوا الغارة على القم فخرجوا

حتى إذا كانوا بقديد لحقوا الحارث الليثي فاسروه فقال إنما خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اريد الإسلام فقالوا له إن كنت مسلما لم يضرك ربطنا لك يوما وليلة وإن كنت غير ذلك استوثقنا منك فشدوه وثاقا وخلفوا عنده سويد بن صخر أي وفي لفظ خلفوا عليه رجلا أسود منهم وقالوا له إن نازعك فاحتز رأسه وساروا حتى اتوا محل القوم عند غروب الشمس فكمنوا في ناحية الوادي قال جندب الجهني وأرسلني القوم جاسوسا لهم فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر أي القوم المقيمين بمحلهم فلما استويت على رأسه انبطحت عليه لأنظر إذ خرج رجل منهم فقال لامرأته إني لأنظر على هذا الجببل سوادا ما رايته قبل انظري إلي أو عيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا فنظرت فقالت والله ما فقدت من أوعيتي شيئا فقال ناوليني قوسي ونبلي فناولته قوسه وسهمين فارسل سهما فوالله ما أخطأ بين عيني فانتزعته وثبت مكاني فارسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته وثبت مكاني فقال لامرأته والله لو كان جاسوسا لتحرك لقد خالطه سهمان لا ابالك أي بكسر الكاف أي لا كافل لك غير نفسك وهو بهذا المعنى يذكر في معرض المدح وربما يذكر في معرض الذم وفي معرض التعجب لا بهذا المعنى فإذا اصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب ثم دخل فلما اطمأنوا ناموا شيئا عليهم الغارة واستقنا النعم والشاء بعد أن قتلنا المقاتلة وسبينا الذرية أي ومروا على الحارث الليثي فاحتماوه واحتملوا صاحبهم الذي تركوه عنده فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء مالا قبل لنا به فصار بيننا وبينهم الوادي فأرسل الله سحابا فأمطر الوادي ما رأينا مثله فسال الوادي بحيث لا يستطيع أحد أن يجوز به فصاروا وقوفا ينظرون إلينا ونحن متوجهون الى أن قدمنا المدينة
أي وفي لفظ آخر فقلنا القوم ينظرون إلينا إذا جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبيه ماء والله ما رأينا يومئذ سحابا ولا مطرا فجاء بمالا يستطيع أحد أن يجوزه فوقفوا ينظرون الينا وقد وقع نظير ذلك أي سيل الوادي لقطنه بن عامر حين توجه الى بن خثعم بناحية تبال كما سيأتي

سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه أي في بني مرة بفدك
لما قدم غالب من الكديد مؤيدا منصورا بعثه صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل الى حيث أصيب أصحاب بشير بن سعد وذلك في بني مرة بفدك وكان قبل قدوم غالب هيأ صلى الله عليه وسلم للزبير لذلك وعقد له لواء فلما قدم غالب رضى الله تعالى عنه قال للزبير اجلس فصار غالب رضي الله تعالى عنه إلى أن أصبح القوم فأغاروا عليهم وكان غالب رضي الله تعالى عنه قد أوصاهم بعدم مخالفتهم له وآخى بين القوم فساقوا نعما وقتلوا منهم
قال لما دنا غالب منهم ليلا قام فحمد الله واثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله تعالى وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمرا فإنه لا رأى لمن لا يطاع وفي رواية لا تعصوني فغن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يطع أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وإنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم ألف رضي الله تعالى عنه بين القوم فقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله فإياكم أن يرجع الرجل منكم فاقول له أين صاحبك فيقول لا أدري فإذا كبرت فكبروا فلما أحاطوا بالقوم كبر غالب رضي الله تعالى عنه وكبروا معه وجردوا السيوف فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف وكان شعار المسلمين أمت أمت وكان في القوم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما وتفقده غالب رضي الله تعالى عنه فلم يره وبعد ساعة أي من الليل أقبل فلامه غالب وقال الم تر إلى ما عهدت اليك فقال خرجت في أثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله فقال له الأمير بئسما فعلت وما جئت به تقتل امرأ يقول لا إله إلا الله فندم أسامة وساق المسلمون النعم والشاء والذرية فكان سهم كل رجل عشرة ابعرة وعدل بعير بعشرة من الغنم انتهى وتقدمت الحوالة على هذه وتقدم ما فيها

وقوله هنا حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله يقتضي أنه إنما قال لا إله إلا الله بعد ضربه بالسيف إلا أن يحمل على الإرادة وتقدم أنه طعنه برمحه فليتأمل

سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب رضي الله تعالى عنه في اربعة وعشرين رجلا إلى جمع من هوازن أي يقال لهم بنو عامر وأمره صلى الله عليه وسلم أن يغير عليهم فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم وهم غافلون أي وقد نهى أصحابه أن يمعنوا في الطلب فاصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة فكان سهم كل رجل خمسة عشر بعيرا وعدل البعير بعشرة من الغنم
سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام وراء وادي القرى في خمسة عشر رجلا فوجدوا جمعا كثيرا أي لأنه لما دنا كعب ابن عمير رضي الله تعالى عنه من القوم ذهب عين لهم فأخبروهم بقلة المسلمين فدعوهم الى الإسلام فلم يستجيبوا ورشقوهم بالنبل فقاتلهم المسلمون أشد القتال حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن عمير فإنه ظن قتله فلما أمسى تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه فهم بالبعث إليهم فبلغه أنهم ساروا إلى محل آخر فتركهم
أقول لم أقف على السبب الذي اقتضى البعث إلى ذلك المحل والله أعلم
سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل
أرض بها ماء يقال له السلاسل بضم السين الأولى وكسر الثانية أي وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى المشهور أنها بفتح الأولى قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة يقال ماء سلسل وسلسال إذا كان سهل الدخول

في الحلق لعذوبته وصفائه وتلك الأرض وراء وادي القرى وقيل لان المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يغزوا
أقول ولخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في زمن الصديق غزاة مع أهل فارس يقال لها ذات السلاسل لكثرة من تسلسل فيها من الشجعان خوف الفرارا فقتلوا عن آخرهم لأن السلاسل منعتهم الهزيمة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاسل إلى الصديق رضي الله تعالى عنه والله اعلم
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة قد تجمعوا يريدون المدينة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أي وذلك بعد إسلامه بسنة وعقد له لواء ابيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا وأمره صلى الله عليه وسلم أن يستعين بمن يمر عليهم فسار الليل وكمن النهار حتى قرب من القوم فبلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن كعب الجهني رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه ابا عبيدة بن الجراح في مائتين من سراة المهاجرين والأنصار منهم ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعقد له لواء وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفنا فلحق بعمرو أبو عبيدة وأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير قال وعند ذلك قال جمع من المهاجرين الذي مع أبي عبيدة لعمرو أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه فقال عمرو أنتم مدد لنا فلما رأى ابو عبيدة الاختلاف قال لتعلم يا عمرو أن آخر شيء عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال إن قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك قال فإني الأمير عليك قال فدونك أ هـأي لأن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان حسن الخلق لين العريكة فكان عمرو يصلي بالناس
أي وعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمري أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك فقلت إني لم اسلم رغبة في قال نعم المال الصالح للرجل الصالح ورأوا جمعا كثيرا فحمل عليهم المسلمون فتفرقوا قال وأراد المسلمون أن يتبعوهم فمنعهم عمرو رضي الله تعالى عنه وأرداوا أن يوقدوا نارا ليصطلوا عليها من

البرد فمنعهم عمرو أي وقال كل من أوقد نارا لأفذفنه فيها فشق عليهم ذلك لما فيه من شدة البرد فكلمه بعض سراة الماجرين في ذلك فغالظه عمرو في القول وقال له قد أمرت أن تسمع لي وتطيع قال نعم قال فافعل ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غضب وهم أن يأتيه فمنعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب فسكت واحتلم عمرو رضي الله تعالى عنه وكانت تلك الليلة شديدة البرد جدا فقال لأصحابه ما ترون قد والله احتلمت فإن اغتسلت مت فدعا بماء فغسل فرجه وتوضأ وتيمم ثم قام وصلى بالناس أ هـثم بعث عمرو عوف بن مالك مبشرا للنبي صلى الله عليه وسلم بقدومهم وسلامتهم قال قال عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه جئته صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في بيته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال عوف بن مالك فقلت نعم بابي أنت وأمي يا رسول الله قال أخبرني فأخبرته بما كان من مسيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجراح وبين عمرو ومطاوعة أبي عبيدة لعمرو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله ابا عبيدة بن الجراح وأخبرته بمنع عمرو رضي الله تعالى عنه للمسلمين من اتباع العدو ومن إيقاد النار ومن صلاته باصحابه وهو جنب فلما قدم عليه عمرو كلمه صلى الله عليه وسلم في ذلك قال كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفون عليهم فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره قال عمرو وسالني عن صلاتي فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقلت والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت لم أجد بردا قط مثله وقد قال الله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فضحك صلى الله عليه وسلم ا هـ
أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن صلاة الصحابة خلفه فإني لم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء

سرية الخبط وهو ورق السمر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلثمائة رجل من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى حي من جهينة في ساحل البحر وقيل ليرصدوا عيرا لقريش أي وعليه فتكون هذه السرية قبل الهدنة الواقعة في الحديبية لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهدنة لم يكن يرصد عيرا لقريش الى الفتح وتعدد سرية الخبط بعيد فلا يقال يجوز أن تكون سرية الخبط مرتين مرة قبل الهدنة ومرة بعدها ومن ثم حكم على هذا القول بأنه وهم فأقاموا بالساحل نصف شهر فاصابهم جوع شديد حتى اكلوا الخبط أي كانوا يبلونه بالماء ويأكلونه حتى تقرحت أشداقهم فإن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان يعطي الواحد منهم في اليوم والليلة تمرة واحدة يمصها ثم يصرها في ثوبه
أي وعن الزبير رضي الله تعالى عنه أنه قيل له كيف كنتم تصنعون بالتمرة قال نمصها كما يمص الصبي ثدي أمه ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا الى الليل لأنه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فجعل ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه يقوتهم إياه حتى صار يعده لهم عدا حتى كان يعطي الواحد تمرة كل يوم ثم بعد التمر أكلوا الخبط
ولما رأى قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما ما بالمسلمين من جهد الجوع أي مشقته أي وقال قائلهم والله لو لقينا عدو ما كان منا حركة اليه لما بالناس من الجهد قال من يشتري مني تمرا أوفيه له في المدينة بجزر يوفيها إلى ههنا فقال له رجل من أهل الساحل أنا افعل لكن والله ما أعرفك فمن أنت قال أنا قيس ابن سعد بن عبادة فقال الرجل ما أعرفني بسعد إن بيني وبين سعد خلة سيد اهل يثرب فاشترى خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر والوسق بفتح الواو وكسرها ستون صاعا وجمع الأول أوسق والثاني أوساق فقال له الرجل أشهد لي فقال

أشهد من تحب فأشهد نفرا من المهاجرين والأنصار من جملتهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وقيل إن عمر رضي الله تعالى عنه امتنع من أن يشهد وقال هذه يدان ولا مال له إنما المال لأبيه فقال الرجل والله ما كان سعد ليخنى بابنه أي لا يوفى عن ابنه ما التزمه فكان بين قيس وعمر كلام حتى أغلظ له قيس الكلام وأخذ قيس رضي الله تعالى عنه الجزر فنحر لهم منها ثلاثة في ثلاثة ايام وأراد أن ينحر لهم في اليوم الرابع فنهاه أبو عبيدة وقال له عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك أي لا يوفى لك بما التزمت ولا مال لك فقال له قيس رضي الله تعالى عنه أترى أبا ثابت يعني والده سعدا يقضي ديون الناس ويطعم في المجاعة ولا يقضي دينا استدنته لقوم مجاهدين في سبيل الله
وفي البخارى أن قيسا رضي الله تعالى عنه نحر لهم تسع جزائر كل يوم ثلاثا ثم نهاه ابو عبيدة
أي ومما يؤيد ما ذكر من أن الجزر كانت خمسة وأنه نحر لهم ثلاثة أيام كل يوم جزورا ما جاء في بعض الروايات انه معه جزوران قدم بهما يتعاقبون عليهما فلينظر الجمع
ثم إن البحر ألقى لهم دابة هائلة يقال لها العنبر بحيث إن أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نصب لهم ضلعا من أضلاعها وفي لفظ من أضلاعه ومر تحته أطول رجل في القوم أي وهو قيس بن سعد بن عبادة راكبا على أطول بعير لم يطأطئ رأسه
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال دخلت أنا وفلان وفلان وعد خمسة نفر عينها ما رآنا أحد أي وفي لفظ ولقد أخذ منا ابو عيبدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها فأكلوا منها أياما أي نحو شهر وكانوا ثلثمائة
فعن بعضهم لما تقرحت اشداقنا من الخبط انطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر فقال ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه ميتة ثم قال اضطررتهم فكلوا فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه الدهن بالقلال


وفي رواية فأخرجنا من عينه كذا وكذا قلة ودك وصحبوا من لحمها الى المدينة أي وقيل لها العنبر لأنها تبتلع العنبر
فعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه قال سمعت من يقول رايت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة وفي البحر دابة تأكله وهو سم لها فيقتلها فيقذفها البحر فيخرج العنبر من جوفها
وقيل العنبر اسم لسمكة مخصوصة في البحر هائلة الخلقة طولا وعرضا وقد أخبرني بعض السفار أن جملا مات على شاطئ البحر فالقي في البحر فابتلعته سمكة فوقفت اخفاف يديه في حلقها فجاءت سمكة فابتلعت تلك السمكة
وفي زمن الحاكم أمر الله وجدت سمكة بدمياط طولها مائتا ذراع وعرضها مائه وستون ذراعا وكان يقف في حلقها خمس رجال بالمجاريف يجرفون الشحم وأقام أهل دمياط يأكلون من لحمها خمسة اشهر
ولما بلغ سعد بن عبادة ما حصل للمسلين من المجاعة قبل قدومهم قال إن يكن قيس يعني ولده كما أعهد فلينحر للقوم فلما قدم قيس قال له سعد ما صنعت في مجاعة القوم فال نحرت قال اصبت قال ثم ماذا قال ثم نحرت قال أصبت قال ثم مذا قال نحرت قال اصبت ثم قال ماذا قال ثم نهيت قال ومن نهاك قال أميري أبو عبيدة قال ولم قال زعم انه لا مال لي إنما المال لأبيك فقلت له أبى يقضى عن الاباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا لي فلان لموافقتي فابى عليه عمر بن الخطاب إلا التصميم على المنع فقال سعد لولده قيس ذاك اربع حوائط أي بساتين أدناها ما يتحصل منه خمسون وسقا ثم إن قيسا رضي الله تعالى عنه وفى الرجل صاحب الجزر وحمله أي أعطاه ما يركبه وكساه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل قيس قال إنه في بيت جود إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت
أي ومن ثم قال بعضهم لم يكن في الأوس والخزرج مطعمون يتوالدون في بيت واحد إلا قيس وأبوه سعد وأبوه عبادة وأبوه دليم كان في كل يوم يقف شخص على أطم ينادي من يريد الشحم واللحم فعليه بدار ابي دليم


أي وكان أصحاب الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد والرجل بالاثنين والرجل بالجماعة وأما سعد فينطلق بالثمانين وعن سعد بن عبادة زارنا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال السلام عليكم روحمة الله ثم قال اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة
قال ويذكر أن سعدا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من عذيري من ابن الخطاب يبخل علي ابني ا هـ
ويذكر عن سعد بن عبادة أنه كان شديد الغيرة لم يتزوج الا بكرا وما طلق امرأة وقدر أحد أن يتزوجها
وعن جابر رضي الله تعالى عنه فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العنبر فقال رزق أخرجه الله تعالى لكم لعل معكم من لحمه شيء فتطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فأكله أي ولم يكن أروح بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه قال ذلك أزديادا منه

سرية ابي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى غطفان
أرض محارب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلا إلى غطفان وأمره أن يشن الغارة عليهم فصار يسير الليل ويكن بالنهار حتى هجم عليهم وأحاط بهم وقتلوا من أشراف لهم واستاقوا الإبل والغنم فكانت الإبل مائة بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبايا كثيرة فاصاب كل رجل بعد إخراج الخمس اثني عشرة بعيرا وعدل البعير بعشرين من الغنم ووقع في سهم أبي قتادة رضي الله تعالى عنه جارية حسناء وضيئة فاستوهبها منه صلى الله عليه وسلم فوهبها له ثم وهبها صلى الله عليه وسلم لشخص أي كان وعده بجارية من أول فئ يفئ الله به فجاء ذلك الشخص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله صلى الله عليه إن أبا قتادة قد أصاب جارية وضيئة وقد كنت وعدتني جارية من أول فئ يفئ الله به عليك فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي قتادة قال وهب لي الجارية فوهبها له الحديث
سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي تعالى عنه إلى الغابة
وهي الشجر الملتف
قال عبد الله المذكور تزوجت امرأة من قومي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم استعينه على ذلك فقال كما اصدقت قلت مائتي درهم فقال سبحان الله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واديكم هذا وفي لفظ لو كنتم تغرفونها من ناحية بطحان ما زدتم والله ما عندي ما أعينك فلبثت أياما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في جمع عظيم نزل بالغابة يريد حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر ودفع لنا شارفا عجفاء أي ناقة مسنة وقال تبلغوا عليها واعتقبوها فركبها أحدنا فوالله ما قامت به ضعفا حتى ضربت فخرجنا ومعنا سلاحنا النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من القوم عند غروب الشمس فكنت في ناحية وصاحبي في ناحية أخرى فقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت فكبرا فوالله إنا كذلك ننتظر غرة القوم إلا ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة المجمع للقوم خرج في طلب راع لهم أبطأ عليهم وتخوفوا عليه فقال له نفر من قومه نحن نكفيك ولا تذهب أنت فقال والله لا يذهب إلا أنا فقالوا فنحن معك فقال والله لا يتبعنى احد منكم وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته أي رميته بسهم فوضعته في فؤاده فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت راسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا فهرب القوم واستقنا إبلا وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرا في صداقي
قال وبعضهم جعل هذه السرية وسرية أبي قتادة إلى غطفان بارض محارب التي قبل هذه واحدة أي واحدة أي ومن ثم ذكرتها عقبها خلاف ما صنع في الاصل


قال ويدل لكونهما واحدة ما نقل عن عبد الله بن أبي حدود قال لما طلبت منه الإعانة في مهر زوجتي قال لي ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث ابا قتادة في اربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك فقلت نعم فخرجنا حتى جئنا الحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه أي كما تقدم فلما ذهبت فحمه العشاء أي اقباله واول سواده خطبنا ابو قتادة واوصانا بتقوى الله تعالى والف بين كل رجلين وقال لا يفارق كل رجل زميله حتى يقفل اى يرجع ولايجىء الى الرجل فاسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به واذا كبرت فكبروا واذا حملت فاحملوا ولاتمعنوا في الطلب فاحطنا بالحاضر فجرد ابو قتادة سيفه وكبر وجردنا سيوفنا وكبرنا معه وقاتل رجال من القوم واذا فيهم رجل طويل فأقبل علي قال يا مسلم هلم إلي الجنة يتهكم بهي فملت إليه فذهب أمامي أي وصار يقبل علي بوجهه مرة ويدبر عني بوجهه مرة أخرى فتبعته فقال لي صاحبي لا تتبعه فقد نهانا أميرنا أن نمعن في الطلب ولا زال كذلك وقال إن صاحبكم لذو مكيدة وإن أمره هو الأمر فأدركته فرميته بسهم فقتلته وأخذت سيفه وجئت صاحبي فأخبرني أنهم جمعوا الغنائم وأن أبا قتادة تغيظ علي وعليك فجئت أبا قتادة فلامني فأخبرته الخبر ثم سقنا النعم وحملنا النساء جفون السيوف معلقة بالأقتاب ثم لما أصبحنا رأيت في السبي امرأة كأنها ظبي تكثر الالتفات خلفها وتبكي فقلت لها أي شيء تنظرين قالت والله أنظر إلى رجل لئن كان حيا ليستنقذنا منكم فوقع في نفسي أنه الذي قتلته فقلت لها والله قد قتلته وهذا والله سيفه معلق بالقتب فقالت فألق إلي غمده فقلت هذا غمد سيفه فلما رأته بكت ولبثت انتهى ولا يخفى أن السياق في كل يبعد كونهما واحدة

سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه
إلى بطن أضم
اسم موضع أو جبل
لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر من جملتهم محكم بن جثامة الليثي إلى بطن أضم ليظن ظان أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية وتنشر بذلك الأخبار فمر عليهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محكم فقتله أي لشيء كان بينه وبينه وسلبه متاعه وبعيره وعند وصولهم إلى المحل رجعوا فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فمالوا إليه حتى لقوه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحكم أقتلته بعد ماقال آمنت بالله وفي رواية بعد ما قال إني مسلم أي أتى بما لم يأت به إلا مؤمن آمن الله وكان مسلما قال يارسول الله إنما قالها أي تحية الإسلام متعوذا قال أفلا شققت عن قلبه قال لم يا رسول الله قال لتعلم أصادق هو أم كاذب أي وفي رواية فقال يا رسول الله لو شققت عن قلبه أكنت أعلم ما في قلبه فقال له فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه فقال استغفر لي يا رسول الله فقال لا غفر الله لك فقام يتلقى دمعه ببرده ا هـوأنزل الله تعالى فيه { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } إلى آخر الآية
وذكر ابن اسحاق في خبر محكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن يختصمان في عامر ابن الأضبط عيينة بن حصن يطلب دمه أي ويقول والله يا رسول الله إني لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي والأقرع يدافع عن محكم وارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعيينة ومن معه بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا وهو يابى عليه فلم يزل به حتى اتفقا على الدية ثم قالوا إن محكما يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام محكم وهو رجل آدم طويل أي عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال له ما اسمك قال أنا محكم قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تعالى واستغفر لي يا رسول الله فرفع رسول الله يديه ثم قال اللهم لا تغفر لمحكم قالها ثلاثا بصوت عال فقام يتلقى دمعه بفضل ردائه فما مكث إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض ومات حتى ضموا عليه الحجارة وواروه
اي ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لهم إن الأرض تقبل من هو

شر من صاحبكم ولكن الله يعظكم أي وفي رواية إن الله أحب أن يريكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله أي حرمة من يأتي بها
ولفظ الأرض له يردا ما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد دعائه عليه إلا أن يكون المراد استغفر له بعد موته ويوافقه ما في بعض الروايات أراد الله أن يجعله موعظة لكم لكيلا يقدم رجل منكم على قتل من يشهد أن لا إله إلا الله أو يقول إني مسلم اذهبوا به الى شعب بني فلان فادفنوه فإن الارض ستقبله فدفنوه في ذلك الشعب فيجوز أن يكون استغفر له حينئذ وقيل إن الذي لفظته الأرض غير محكم لأن محكما مات بحمص ايام ابن الزبير رضي الله تعالى عنه الذي لفظته الأرض إسمه فليت

سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه
إلى العزى
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين فتح مكة الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه إلى العزى وهو صنم كان لقريش وكان معظما جدا وفي لفظ العزى نخلات أي سمرات مجتمعة لأنه كان يهدي اليها كما يهدي إلى الكعبة لأن عمرو بن لحى أخبرهم أن الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف عند العزى فلما وصل إلى محلها أي وكان بناء على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم ذلك البناء ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له هل رايت شيئا قال لا قال فارجع اليها فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس أي شعر رأسها منتشر تحثو التراب على راسها فجعل السادن يصيح بها أي يقول يا عزي عوريه يا عزيه خبليه فضربها خالد فقطعها نصفين أي وهو يقول ** يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك **
ورجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم تلك العزى
سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى سواع
بالعين المهملة أي سمي باسم سواع بن نوح عليه السلام وكان على صورة امراة وكان لقوم نوح ثم صار لهذيل كانوا يحجون اليه أي قبل فتح مكة وبعد ذلك ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جماعة من أصحابه إلى سواع ليكسره ويهدم محله قال عمرو رضي الله عنه فانتهيت الى ذلك الصنم وعنده سادنه أي خادمة فقال لي ما تريد فقلت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت حتى الآن أنت على باطل ويحك وهل يسمع او يبصر فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيها شيئا ثم قلت للسادن كيف رأيت قال اسلمت لله
سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله تعالى عنه إلى مناة
صنم كان للأوس والخزرج
ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى مناة ليهدم محله فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ما تريد قال هدم مناة قال أنت وذاك فاقبل سعد إلى ذلك الصنم فخرجت إليه أمراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعو بالويل وتضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصيانك فضربها سعد رضي الله تعالى عنه فقتلها وهدم محلها
سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة
بناحية يلملم يدعوهم الى الإسلام أي ولم يكن صلى الله عليه وسلم علم بإسلامهم ولم يأمره بمقاتلتهم أي إذا لم يسلموا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في ثلثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار ومن بني سليم أي وهو عليه الصلاة والسلام مقيم بمكة إلى بني جذيمة وكانوا في الجاهلية قد قتلوا الفاكه عم خالد وقتلوا أخا الفاكه أيضا

في الجاهلية وكانوا من أشرحي في الجاهلية وكانوا يسمون لعقة الدم وقتلوا والد عبد الرحمن بن عوف فلما علموا به وعلموا أن معه بني سليم وكانوا قتلوا منهم مالك بن الشريد وأخويه في موطن واحد خافوه فلبسوا السلاح فلما انتهى خالد رضي الله عنه إليهم تلقوه فقال لهم خالد أسلموا فقالوا نحن قوم مسلمون قال فألقوا سلاحكم وانزلوا قالوا لا والله ما بعد وضع السلاح إلا القتل ما نحن بأمنين لك ولا لمن معك قال خالد فلا أمان لكم إلا أن تنزلوا فنزلت فرقة منهم فأسرهم وتفرقت بقية القوم
وفي رواية لما انتهى خالد الى القوم فتلقوه فقال لهم ما أنتم أي أمسلمون أم كفار قالوا مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنينا المساجد في ساحتنا وأذنا فيها وفي لفظ لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبانا صبانا قال فما بال السلاح في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استاسروا فأمر بعضهم فكتف السلاح قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استأسروا فأمر بعضهم فكتف بالتخفيف بعضا وفرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم معهم وامتنع المهاجرون والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرسلوا أسراهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل خالد أي فإن رجلا من القوم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل خالد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل أنكر عليه أحمد ما صنع قال نعم رجل أصفر ربعة ورجل طويل أحمر فقال عمرو رضي الله تعالى عنه والله يا رسول الله أعرفهما أما الأول فهو ابني فهذه صفته وأما الثاني فهو سالم مولى ابي حذيفة فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد أي قال ذلك مرتين وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فودي لهم قتلاهم قال له صلى الله عليه وسلم يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ودفع إليه صلى الله عليه وسلم مالا أي إبلا وورقا يدى به قتلاهم ويعطيهم منه بدل ما تلف عليه من أموالهم فودي قتلاهم وأعطاهم عوض ما تلف عليهم حتى ميغلة الكلب أي الإناء التي يشرب فيها حتى إذا لم يبق لهم دم ولا مال قال هل بقي لكم دم أو مال قالوا لا قال أعطيكم ما بقي معي من المال احتياطا بدل ما لا تعلمون أي مما تلف من

أموالكم ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت وأحسنت أي وزاد
وفي رواية والذي أنا عبده لهي أحب إلي من حمر النعم ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه بقول اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات أنتهى
ووقع بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما شر بسبب ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال له إنما أخذت بثأر أبيك فقال له عبد الرحمن كذبت أنا قتلت قاتل ابي أي وفي رواية كيف تأخذ مسلمين بقتل رجل في الجاهلية فقال خالد ومن أخبركم انهم أسلموا فقال أهل السرية كلهم أخبروا بأنك قد وجدتهم بنوا المساجد وأقروا بالإسلام فقال جاءني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أغير فقال له عبد الرحمن بن عوف كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخذت بثار عمك الفاكه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا فأنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل منهم ولا روحته أي والغدوة السير في أول النهار إلى الزوال والروحة السير من الزوال إلى آخر النهار
والمراد باصحابه هنا السابقون إلى الإسلام ومنهم عبد الرحمن بن عوف بل هو المراد كما تصرح به الرواية الآتية فقد نزل صلى الله عليه وسلم الصحابة غير السابقين الذي يقع منهم الرد على الصحابة غير السابقين لكون ذلك لا يليق بهم منزلة غير الصحابة
قال ولما عاب عبد الرحمن على خالد الفعل المذكور أعان عبد الرحمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن خالد وقال يا خالد ذر أصحابي وفي رواية لا تسب أصحابي لو كان لك أحد ذهبا فانفقته قيراطا قيراطا في سبيل الله لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن انتهى
اي ولا يخفى أنه يبعد أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إنما قتلهم لقولهم صبأنا ولم يقولوا أسلمنا إلا أن يقال يجوز أن يكون خالد فهم أنهم قالوا ذلك على سبيل الأنفة وعدم الانقياد إلى الإسلام وأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا ثم لا يخفى أنه جاء لا تسبوا أصحابي فلو أنفق

أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ونقل الإمام السبكي عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله فإنه كان يحضر مجلس وعظه أن قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي كان خطابا لم يأتي بعده من أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال خطابا لهم لا تسبوا أصحابي وارتضى منه هذا التأويل ا هـفالنهى والخطاب لا تسبوا أصحابي لغير الصحابة تنزيلا للغائب الذي لم يوجد منزلة الموجود الحاضر وفيه أن هذا لا يساعد عليه المقام
وفي الحديث من التنويه برفعة الصحابة وعلو منزلتهم ما يقطع الأطماع عن مداناتهم فإن كون ثواب إنفاق جبل أحد ذهبا في وجه الخير لا يبلغ ثواب التصدق بنصف المد الذي إذا طحن وعجن لا يبلغ الرغيف المعتاد أمرعظيم
أقول ووقع لخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه نظير ذلك في زمن خلافة الصديق فإن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم عين خالد لقتال أهل الردة وكان من جملتهم مالك بن نويرة فأسره خالد هو واصحابه وكان الزمن شديد البرد فنادى منادي خالد أن ادفنوا أسراكم فظن القوم أنه أراد ادفنوا أسراكم أي اقتلوهم فقتلوهم وقتل مالك بن نويرة فلما سمع خالد بن ذلك قال إذا اراد الله أمرأ أمضاه وتزوج خالد رضي الله تعالى عنه زوجه مالك بن نويرة وكانت من أجمل النساء ويقال إن خالدا استدعى مالك بن نويرة وقال له كيف ترتد عن الإسلام وتمنع الزكاة ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة فقال كان صاحبكم يزعم ذلك فقال له هو صاحبنا وليس هو بصاحبك يا ضرارا اضرب عنقه وأمر برأسه فجعل ثالث حجرين جعل عليها قدر يطبخ فيه لحم فعل ذلك إرجافا لأهل الردة فلما بلغ سيدنا عمر ذلك قال للصديق رضي الله تعالى عنهما اعزله فإن في سيفه رهقا كيف يقتل مالكا ويأخذ زوجته فقال الصديق رضي الله تعالى عنه لا أغمد سيفا سله على الكافرين والمنافقين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكافرين والمنافقين وقال الصديق رضي الله تعالى عنه في حق خالد عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد
وفي كلام السهيلي انه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لابي بكر الصديق إن في سيف خالد رهقا فاقتله وذلك حين قتل مالك بن نويرة وجعل رأسه تحت قدر حتى

طبخ به وكان مالك ارتد ثم رجع إلى الإسلام ولم يظهر ذلك لخالد وشهد عنده رجلان من الصحابة برجوعه إلى الإسلام فلم يقبلهما وتزوج امرأته فلذلك قال عمر لأبي بكر اقتله فقال لا أفعل لأنه متأول فقال اعزله فقال لا أغمد سيفا سله الله تعالى على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل واصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما على ما حكاه الشعبي أنهما وهما غلامان تصارعا وكان خالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أول شيء بدأ به عزل خالدا لما تقدم وقال لا يلي لي عملا أبدا وقيل لكلام بلغه عنه ومن ثم ارسل إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه وإن لم يكذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه ماله نصفين فلم يكذب نفسه فقاسمه ابو عبيدة ماله حتى إحدى نعليه وترك له الأخرى وخالد يقول سمعا وطاعة لأمير المؤمنين
وبلغه أن خالدا أعطى الاشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه فارسل لابي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لأن العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة فلما قدم خالد رضي الله تعالى عنه على عمر رضي الله تعالى عنه قال له من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف فقال من الأنفال والسهمان قال ما زاد على التسعين الفا فهو لك ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له والله إنك علي لكريم وإنك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيء وكتب رضي الله عنه إلى الأمصار إني لم أعزل خالدا عن مبخلة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع أي وأن نصر خالد على من قاتله من المشركين ليس بقوته ولا بشجاعته بل بفضل الله
فالصديق لم يعزل خالد بن الوليد مع فعله ما يكرهه بتأويل له في ذلك كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يعزله مع فعله كما كرهه صلى الله عليه وسلم حيث رفع يديه الى السماء وقال الهم إني أبرا إليك مما فعل خالد لكونه كان شديدا على الكفار لرجحان

المصلحة على المفسدة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه عزله لخوف افتتان الناس به فعزله وولي ابا عبيدة بن الجراح
قال بعضهم كان الصديق رضي الله تعالى عنه لينا وخالد بن الوليد شديدا وعمر رضي الله تعالى عنه كان شديدا وأبو عبيدة لينا فكان الأصلح لكل منهما أن يولى من ولاه ليحصل التعادل والله أعلم
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في القوم رجل قال لهم أنا لست من هؤلاء ولكني عشقت امراة فلحقتها فدعوني أنظر اليها ثم افعلوا بي ما بدا لكم ثم أشار إلى نسوة مجتمعات غير بعيد قال بعضهم فقلت والله ليسير ما طلب فأخذته حتى أوقفته عليهن فأنشد أبياتا ثم جئت به فقدموه فضربت عنقه فقامت إمراة من بينهن فجاءت حتى وقفت عليه فشهقت بفتح الهاء شهقة أو شهقتين ثم ماتت أي وفي رواية فأكبت عليه تقبله حتى ماتت انتهى أي وفي رواية فانحدرت إليه من هو دجها فحنت عليه حتى ماتت فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم القلب

سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس
لما انصرف صلى الله عليه وسلم من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري ووقع في الاصل ان أبا عامر ابن عم ابي موسى الاشعري قال في النور وهو غلط وإنما أبو موسى ابن أخي أبن عامر فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال أي تكافئوا فيه وبارز أبو عامر تسعة ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبى فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه قيقتله ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر أي فإنه قال له اسلم فأبى فقال اللهم اشهد فقال اللهم لا تشهد وفرش يديه فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه فعاد إلى ابي عامر فتقله ثم أسلم وحسن إسلامه رضي الله تعالى عنه وكان إذا رآه صلى الله عليه وسلم يقول هذا شريد أبي عامر
قال وعن أبي موسى الأشعري قال جئت لابي عامر وفيه رمق فقلت يا عم من

رماك فقال ذاك واشار إلى شخص من القوم فقصدته فلحقته فلما رآني ولي فاتبعته وجعلت أقول له الا تستحي ألا تثبت فثبت فاختلفنا ضربتين فقتلته ثم قلت لأبي عامر قد قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فقال يا ابن اخي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له يستغفر لي وقال ادفع فرسي وسلاحي له انتهى فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله
وقبل ان يموت أبو عامر رضي الله تعالى عنه استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له وفي لفظ أنا أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه ورماه آخر فأصاب ركبته فقتلاه وولى الناس ابا موسى فحمل عليهما فقتلهما أي وفتح الله عليهم وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا
ولما رجع أبو موسى رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة أي وفي رواية اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من الناس ودعا لأبي موسى أي فقال اللهم اغفر له ذنبه وادخله يوم القيامة مدخلا كريما

سرية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى ذي الكفين
صنم عمرو بن حميمة الدوسي ليهدمه
لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل رضي الله تعالى عنه لهدم ذي الكفين وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعا الى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يجئ النار في وجهه وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه باربعة أيام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأزد من يحمل رايتكم فقال الطفيل من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن الراوية قال اصبتم
سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه
إلى بني تميم
أي وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سفيان إلى بني كعب لأخذ صدقاتهم وكانوا مع بني تميم على ماء فأخذ بشر صدقات بني كعب فقال لهم بنو تميم وقد استكثروا ذلك لم تعطونهم أموالكم فاجتمعوا واشهروا السلاح ومنعوا بشرا من أخذ الصدقة فقال لهم بنو كعب نحن أسلمنا ولا بد في ديننا من دفع الزكاة فقال لهم بنو تميم والله لا ندع يخرج بعير واحد ولما رأى بشر رضي الله تعالى عنه ذلك قدم المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري الى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم وأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى وعشرين امرأة وفي لفظ إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فجاء بهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فجاء في أثرهم جماعة من رؤسائهم منهم عطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بكسر الراء المثناة تحت ابن الحارث فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم أي بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبطئوه فجاءوا من وراء الحجرات فنادوا أي بصوت جاف اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك فإن مدحنا زين وذمنا شين يا محمد اخرج إلينا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقد تأذى من صياحهم وأقام بلال رضي الله تعالى عنه الصلاة وتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم أي قالوا له نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثنا ولا بالفخار أمرنا ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد أي بعد أن قالوا ما تقدم ومنه إن مدحنا لزين وإن شتمنا لشين نحن

أكرم العرب فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل مدح الله عز وجل الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ثم قالوا له فائذن لخطيبنا وشاعرنا قال أذنت فليقم وفي لفظ إني لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدموا عطارد بن حاجب
وفي لفظ قال الاقرع بن حابس لشاب منهم قم يا فلان فاذكر فضلك وفضل قومك فتكلم وخطب أي فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عددا فمن مثلنا في الناس ألسنا رءوس الناس وأولى فضلم فمن فاخر فليعدد مثل عددنا وإنا لو شئنا لأكثرنا وإنما أقول قولي هذا لأن يأتوا بمثل قولنا أو أمر أفضل من أمرنا ثم جلس أي وفي رواية أنه قال الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وأعطانا اموالا نفعل فيها ما نشاء فنحن خير أهل الأرض وأكثرهم عددا وأكثرهم سلاحا فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا أو بفعال هي افضل من فعالنا
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يجيبه أي قال له قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت رضي الله تعالى عنه فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم إنه كان من فضله أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه قلبا وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن رسول الله لى المهاجرون من قومه وذوو رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس مقالا ثم كان أول الناس إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ورسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله فمن آمن بالله ورسوله منع دمه وماله ومن كفر جاهدناه في الله وكان قتله علينا يسيرا اقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم
أي وفي رواية أنه قال الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظم الناس أحلاما فأجابوه والحمد لله الذي جعلنا أنصاره

ووزراء رسوله وعزا لدينه فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن اباها قاتلناه وكان رغمه في الله علينا هينا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات
ثم قال الزبرقان لرجل منهم فقم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال ابياتا منها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** نحن الرءوس وفينا يقسم الربع ** ** إذا أبينا فلا يأتي لنا أحد ** إنا لذلك عند الفخر نرتفع **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بحسبان بن ثابت فحضر فقال له قم فأجبه فقال يسمعني ما قاله فأسمعه فقال حسان رضي الله تعالى عنه أبياتا منها ** نصرنا رسول الله والدين عنوة ** على من رغم عات بعيد وحاضر ** ** وأحياؤنا من خير من وطئ الحصا ** وأمواتنا من خير أهل المقابر **
وثابت بن قيس هذا كان يعرف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال من يعلم لي علمه فقال رجل أنا يا رسول الله فذهب فوجده في منزله جالسا منكسا رأسه فقال له ما شأنك قال أخشى أن أكون من أهل النار لأني رفعت صوتي فوق صوت النبي فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه فقال اذهب إليه فقل له لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس قتل يوم اليمامة وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامنه فقال له إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس عند خبائه فرس وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالدا فمره فليأخذها فإذا قامت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ابا بكر رضي الله تعالى عنه فقل له إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق فاستيقظ الرجل فأتى خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فاتى بها بعد أن وجدها على ما وصف وحدث ابا بكر رضي الله تعالى عنه برؤياه فأجاز وصيته قال بعضهم ولا يعلم أحد حدثت وصيته بعد موته سواه

ووقعت مفاخرة بين الزبرقان بن بدر وبين حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه كل منهما يذكر قصيدة يذكر فيها فخرا فمن قصيدة الزبرقان بن بدر وهو مطلعها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** منا الملوك وفينا تنصب البيع
ومن قصيدة حسان رضي الله تعالى عنه وهو مطلعها ** إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد ** إنا كذلك عند الفخر نرتفع **
وفيه أن هذا اليبت من قول بعض بني تميم وقد أسمعه لحسان كما تقدم فليتأمل
ووقعت مفاخرة بين الاقرع بن حابس وبين حسان رضي الله تعالى عنه فقال الأقرع ابن حابس إني والله يا محمد قد قلت شعرا فاسمعه فقال له صلى الله عليه وسلم هات أنشد ** أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارم ** ** وإنا رءوس الناس من كل معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حسان فأجبه فقال ** بني درام لا تفخروا إن فخركم ** يعدو وبالا عند ذكر المكارم ** ** هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأقرع لقد كنت غنيا يا أخا بني دارم أن تذكر ما كنت ترى أن الناس قد نسوه فكان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليهم من قول حسان رضي الله تعالى عنه وحينئذ قال الأقرع بن حابس لخطيبه يعني النبي صلى الله عليه وسلم أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من اصواتنا أي ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرك ما كان قبل هذا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله لي من الولد عشرة ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم
قال ابن دريد رحمه الله اسم الأقرع نواس وإنما لقب الأقرع لقرع كان في رأسه والقرع انحصاص الشعر وكان رضي الله تعالى عنه شريفا في الجاهيلة والاسلام ونزل

فيهم أن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم
ووقع أن عمرو بن الأهتم مدح الزبرقان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمطاع في أنديته سيد في عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدني يا رسول الله لشرفي وقد علم أفضل مما قال فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال وفي لفظ أن الزبرقان قال يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهتم فقال عمرو إنه لشديد العارضة مانع لجنبه مطاع في ناديه مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان والله لقد كذب يا رسول الله وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا احسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مبغض في العشيرة فعرف عمرو الإنكار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت اقبح ما علمت وفي رواية والله يا رسول الله لقد صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت اسوا ما علمت فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وجاء إن من لبيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيا
قال بعضهم أما قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله إن من العلم جهلا فإن العالم يكلف مالا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهو هذه المواعظ والأمثال وأما قوله وإن من القول عيا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه هذا كلامه
وفيه إن هذا بيان للسحر المذموم وليس المراد هنا وإنما هو من السحر الحلال ومن ثم أقر صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عليه ولم يسخطه منه فالسحر المذموم أن يصور الباطل في صورة الحق ببيانه ويخدع السامع بتمويهه وهو المراد عند الإطلاق والسحر غير المذموم فما كان من البيان على حق لأن البيان بعبارة مقبولة عذبة لا استكراه فيها تستميل القول القلوب كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إلى ماموه به


ثم إنه صلى الله عليه وسلم رد عليهم الأسارى والسبي وأحسن جوائزهم قال أي بعد أن أسلموا وأعطى كل واحد اثني عشر أوقية قيل إلا عمرو بن الأهتم فإن القوم خلفوه في ظهورهم لأنه كان أصغرهم سنا فاعطاه خمس أواق
وقد اختلف في عدد هذا الوفد فقيل كانوا سبعين رجلا وقيل كانوا ثمانين وقيل كانوا تسعين انتهى
أي والذي في الاستيعاب ثم أسلم القوم وبقوا في المدينة مدة يتعلمون الدين والقرأن ثم أرادوا الخروج إلى قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم أسراهم ونساءهم وقال أما بقي منكم أحد وكان عمر بن الاهتم في ركباهم فقال قيس بن عاصم وكان مشاحنا له لم يبق منا إلا غلام في ركابنا وأزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم وبلغ عمرا ما قال قيس في حقه فأنشد أبياتا تتضمن لومه على ذلك وكان عمرو خطيبا بليغا شاعرا محسنا يقال إن شعره كان حللا منثورة وكان رضي الله تعالى عنه جميلا يدعى الكحيل لجماله وهو القائل ** لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ** ولكن أخلاق الرجال تضيق **
هذا كلامه وأنزل الله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } قيل معناه لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا فتؤخروا إجابته بالأعذار التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ولكن عظموه صلى الله عليه وسلم بسرعة الإجابة

سرية قطبة بن عامر رضي الله تعالى عنه
إلى حي من خثعم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبه بن عامر في عشرين رجلا الى حي من خثعم وأمره أن يشن الغارة عليهم فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم أي سكت ولم يعلمهم بالأمر فجعل يصيح بالحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه كما تقدم ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا الغارة عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت الجرحى في الفريقين وساقوا النعم والشاء إلى المدينة وجاء سهيل فحال بينهم وبين القوم فلم يجد القوم إليهم سبيلا وتقدمت الحوالة على هذا
سرية الضحاك الكلابي رضي الله تعالى عنه
في جمع إلى بني كلاب فلقوهم ودعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزمهوهم وكان من جملة المسلمين شخص لقي أباه في جملة القوم فدعاه إلى الإسلام فسبه وسب الإسلام فضرب عرقوب فرس أبيه فوقع فأمسك أباه إلى أن أتي بعض المسلمين فقتله أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث لبني كلاب وكتب اليهم في رق فلم ينقادوا للإسلام وغسلوا الخط من الرق وخاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال ما لهم أذهب الله عقولهم فصار لا يوجد أحد منهم إلا مختل العقل مختلط الكلام بحيث لا يفهم كلامه
سرية علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما
بضم الميم وفتح الجيم وزايين الأولى مكسورة مشددة المدلجى أي وهو ولد القائف الذي قاف في حق زيد بن حارثة وأسامة رضي الله تعالى عنهما وقال إن بعض هذه الأقدام من بعض فهو صحابي ابن صحابي إلى جمع من الحبشة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدة أي في مراكب وجدة بضم الجيم وتشديد الدال المهملة قرية سميت بذلك لبنائها على ساحل البحر لأن الجدة شاطئ البحر فبعث إليه علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما في ثلثمائة فخاض بهم البحر حتى أتوا الى جزيرة في البحر فهربوا أي ورجعوا ولم يلق كيدا ثم لما كانوا في أثناء الطريق أذن علقمة رضي الله تعالى عنه لجماعة ان يعجلوا وأمر عليهم احدهم فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها فقال لهم أميرهم عزمت عليكم إلا تواثبتم أي وقعتم في هذه النار فقام بعض القوم فحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال اجلسوا إنما كنت أضحك معكم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه
قال وعن علي كرم الله وجهه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء

فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوها ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقال إنا فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكان كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا وقال صلى الله عليه وسلم لا طاعة في معصية الله وإنما الطاعة في المعروف انتهى أي والضمير في دخلوها للنار التي أوقدت والضمير في منها لنار الآخرة لأن الدخول فيها معصية والعاصي يستحق النار فالمقصود من ذلك الزجر
وفي رواية من أمركم منهم أي من الأمراء بمعصية الله فلا تطيعوه وفي لفظ لا طاعة في معصية الله ولا مانع من تكرر هذه الواقعة

سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
إلى هدم الفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم طيء والغارة عليهم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا معه راية سوداء ولواء أبيض إلى هدم الفلس والغارة عليهم فشنوا الغارة عليهم مع الفجر فهدموا الفلس وأحرقوه واستاقو النعم والشاء والسبي وكان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي أي واسمها سفانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة ثم تاء تأنيث والسفانة في الأصل هي الدرة وهذه أسلمت رضي الله تعالى عنها قال بعضهم ولا يعرف لحاتم بنت إلا هذه ووجدوا في خزانة الصنم ثلاثة أسياف معروفة عند العرب وهي رسوب والمخذم واليماني وثلاثة أدراع وجعل الرسوب والمخذم صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار اليه الثالث الذي هو اليماني
قال ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأخت عدي فقامت اليه وكانت امرأة جذلة أي ذات وقار وعقل وكلمته صلى الله عليه وسلم أن يمن عليها فمن عليها فأسلمت رضي الله تعالى عنها وخرجت إلى أخيها عدي فاشارت إليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه كما سيأتي في الوفود

ويذكر أنها قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرايت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء من العرب فإني أبنة سيد قومي وإن أبي كان يحمى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائى فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ياجارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق
أي وفي لفظ قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرأيت أن تمن علي ولا تفضحني في قومي فإني بنت سيدهم إن أبي كان يطعم الطعام ويحفظ الجوار ويرعى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العريان ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم الطائي فقال لها صلى الله عليه وسلم هذه مكارم الاخلاق حقا ولو كان أبوك مسلما لترحمت عليه خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق
وفي رواية أنها قالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وفدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله أي لأنه هرب لما رأى الجيش كما سيأتي في الوفود قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد قلت له كذلك وقال لي مثل ذلك ففي اليوم الثالث أشار إلي رجل خلفه بأن كلميه فكلمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت فلا تعجلي حتى يجئ من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني أي أعلميني وسألت عن الرجل الذي أشار علي بكلامه فقيل لي إنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال فصبرت حتى قدم علي من أثق به فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام علي أخي انتهى

سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الى بلاد مذحج
بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة ثم حاء مهملة مكسورة ثم جيم كمسجد أبو قبيلة من اليمن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه الى بلاد مذحج من أرض

اليمن في ثلثمائة فارس وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد فففرق أصحابه رضي الله تعالى عنهم فأتوا بنهب بفتح النون وغنائم وأطفال ونساء ونعم وشاء وغير ذلك وجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاء المهملتين ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فانهزموا وتفرقوا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرع إلى اجابته ومتابعته نفر من رؤسائهم وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى وجمع علي كرم الله وجهه الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها لله وأقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم الباقي على أصحابه ثم رجع علي كرم الله وجهه فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قدمها للحج أي حجة الوداع
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه في سرية إلى اليمن فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان وتتابع أهل اليمن إلى الإسلام قال في الأصل إن هذه السرية هي الأولى وما قبلها السرية الثانية

سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه
إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان نصرانيا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى أكيدر بدومة الجندل وقال له إنك ستجده يصيد البقر فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين وكانت ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له ومعه امرأته فجاءت البقر تحك بقرونها باب الحصن فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قال فمن يترك هذه قال لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من اهله فيهم أخ له يقال له حسان فتلقتهم خيل خالد فاستأسر أكيدر وقاتل أخوه حتى قتل وأجار خالد أكيدرا من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل وكان على أكيدر قباء من

ديباج مخوصة أي فيها خوص منسوجه بالذهب مثل خوص النخل فاستلبه خالد إياها وأرسلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجبت الصحابة منها فقال صلى الله عليه وسلم لمنادبل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا أي وقد تقدم وصالح على أهل دومة الجندل بألفي بعير وثمانمائة راس وأربعمائة رمح
ثم خرج خالد بأكيدر أخيه مصاد قافلا الى المدينة فقدم بالأكيدز على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب له كتابا فيه أمانهم وختمه يؤمئذ بظفره أي ومن جملة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد ابن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إلى آخره وهذا كما لا يخفى يدل على أن أكيدر أسلم أي وهو الموافق لقول أبي نعيم وابن منده إسلامه وأنه معدود من الصحابة وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة فوهبها صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب
وذكر ابن الأثير أي في أسد الغابة أن القول باسلامه غلط فاحش فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير أي وحينئذ يكون قوله في الكتاب حين أجاب إلى الإسلام أي انقاد اليه ويبعده قوله وخلع الأنداد والأصنام فليتأمل وأنه صلى الله عليه وسلم لما صالحه عاد إلى حصنه وبقي فيه على نصرانيته
ثم إن خالدا رضي الله تعالى عنه حاصره في زمن ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقتله لنقضه العهد
قال ابن الأثير وذكر البلاذري أن أكيدر لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أسلم ثم بعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد ثم قتله خالد أي بعد أن عاد من العراق إلى الشام
قال وعلي هذا القول لا ينبغي أن يذكر في الصحابة وإلا كان كل من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم ثم ارتد أي ومات مرتدا يذكر في الصحابة أي ولا قائل بذلك
ثم رأيت الذهبي قال في عمارة بن قيس بن الحارث الشيباني إنه ارتد وقتل مرتدا في خلافة أبي بكر وبهذا خرج عن أن يكون صحابيا بكل حال

سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى
بضم الهمزة ثم موحدة ثم نون مفتوحة مقصورة اسم موضع بين عسقلان والرملة
وفي كلام السهيلي رحمه الله وهي قرية عند مؤته التي قتل عندها زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما
لماكان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة أحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم أسامة ابن زيد فقال سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحاعلى أهل أبنى وحرق عليهم واسرع السير لتسبق الأخبار فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك
فلما كان يوم الأربعاء بدأ به صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع فلما اصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لأسامة لواء بيده ثم قال اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله فخرج رضي الله تعالى عنه بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف فلفم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار أي لأن سن أسامة رضي الله تعالى عنه كان ثمان عشرة وقيل تسع عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة
ويؤيد ذلك أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل ي الذكاء وهو صبي خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي أف لهذه العثانين اما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ثم التفت إليه المهدي وقال كما سنك يا فتى فقال سنى أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهم لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيه ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال تقدم بارك الله فيك وكان سنه سبع عشرة سنة
ومما يؤثر عنه من لم يعرف عيبه فهو أحمق فقيل له ما عيبك يا أبا واثلة قال كثرة الكلام وقيل كان عمر أسامة رضي الله تعالى عنه عشرين سنة


ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثه سنه غضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وخرج وقد عصب على راسه عصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلى وإنهما منظنة لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم وتقدم أنه رضي الله تعالى عنه كان يقال له الحب ابن الحب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خشمه وهو صغير بثوبه
ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ويخرجون إلى العسكر بالجرف وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرسلوا بعث أسامة أي واستثنى صلى الله عليه وسلم ابا بكر وأمره بالصلاة بالناس
أي فلا منافاة بين القول بأن ابا بكر رضي الله تعالى عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه لأنه كان من جملة الجيش أولا وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس
أي
وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله تعالى عنه لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث اصلا
فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فدخل اسامة من عسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور فطأطأ رأسه فقبله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة رضي الله تعالى عنه قال أسامة فعرفت أنه صلى الله عليه وسلم يدعو لي ورجع أسامة رضي الله تعالى عنه إلى عسكره ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فقال له صلى الله عليه وسلم اغد على بركة الله تعالى فودعه أسامة وخر إلى معسكره وامر الناس بالرحيل فبينما هو

يريد الركوب إذا رسول امه أم أيمن رضي الله تعالى عنها قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت
وفي لفظ فسار حتى بلغ الجرف فارسلت اليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل فاقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس
أي وفي لفظ أنه رضي الله تعالى عنه لما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بلواء أسامة حتى اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده
فلما بويع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت اسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به
فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر النفاق وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه في منع أسامة من السفر أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فأبى أي وقال والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرد جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده وفي لفظ والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقول ذكر بعضهم أن أسامة رضي الله تعالى عنه وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر ارجع الى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه أن يأذن له أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقله واثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت له الانصار رضي الله تعالى عنهم فإن ابى أبو بكر إلا ان يمضي أي الجيش فابلغه منا السلام واطلب اليه أن يولى أمرنا رجلا أقدم منا من اسامة فقدم عمر على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال عمر رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنم يطلبون أن تولى أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال ثكلتك أمك وعدمتك يا أبن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر الى الناس فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم مالقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا هذا كلامه
وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده صلى الله عليه وسلم المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار رضي الله تعالى عنهم إلا ان يقال لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا بذلك ولا بلغهم أو جوزوا أن الصديق رضي الله تعالى عنه يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جوز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه صلى الله عليه وسلم أنكر على من طعن في ولاية أسامة رضي الله تعالى عنه فليتأمل والله أعلم
وكلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه اسامة في عمر رضي الله تعالى عنه أن يأذن له في التخلف ففعل ولعل ذلك كان تطيبا لخاطر أسامة ومن ثم كان عمر رضي الله تعالى عنه لا يلقى اسامة إلا قال السلام عليك أيها الأمير كما يأتي فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة رضي الله تعالى عنه أي في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس وودعه سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد أن سار الى جانبه ساعة ماشيا واسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق فقال أسامة يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال والله لست بنازل ولست براكب ثم قال له الصديق رضي الله تعالى عنه أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك
وقد وقع نظير ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه الى اليمن شيعه صلى الله عليه وسلم وهو يمشي تحت راحلة معاذ وهو يوصيه
ثم أن أسامة رضي الله تعالى عنه سار إلى أهل أبني فشن عليهم الغارة أي فرق الناس عليهم وكان شعارهم يا منصور أمت فقتل من قتل وأسر من أسر وحرق منازلهم وحرق أرضها فأزال نخلها وأجال الخيل في عرصاتها ولم يقتل من المسلمين أحد وكان أسامة رضي الله تعالى عنه على فرس أبيه وقتل قاتل أبيه رضي الله تعالى عنهما

واسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك فلما أمسى أمر الناس بالرحيل واسرع السير وبعث مبشرا إلى المدينة بسلامتهم
وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ممن لم يكن في تلك السرية يتلقون اسامة ومن معه وسروا بسلامتهم ودخل أسامة رضي الله تعالى عنه واللواء بين يديه حتى انتهى إلى باب المسجد ثم أنصرف إلى بيته
أي وكان في خروج هذا الجيش نعمة عظية فإنه كان سببا لعدم ارتداد كثير من طوائف العرب أرادوا ذلك وقالوا لولا قوة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ماخرج مثل هؤلاء من عندهم فثبتوا على الإسلام
أي وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة رضي الله تعالى عنه قال السلام عليك ايها الأمير فيقول اسامة غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعك ما عشت الأمير مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير وفي السيرة الشامية سرايا أخر تركنا ذكرها تبعا للأصل
وفي السنة الثامنة أمر صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه أن يحج بالناس وهو بمكة
وقد كان صلى الله عليه وسلم استعمله عليها لما اراد الخروج إلى حنين وقيل لما رجع من حنين واستمر أميرا على مكة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقره الصديق رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي وكانت وفاته يوم وفاة الصديق رضي الله تعالى عنهما أي لأنه أطعم سم سنة في اليوم الذي أطعم فيه الصديق ذلك وكان ذلك الحج على ما كانت عليه العرب في الجاهلية من حج الكفار مع المسلمين لكن كان المسلمون بمعزل عنهم في الموقف
ولما دخلت سنة تسع استعمل صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه على الج فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة وبعث معه صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها صلى الله عليه وسلم واشعرها بيده الشريفة وساق ابو بكر رضي الله تعالى عنه خمس بدنات ثم تبعه علي كرم الله وجهه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء أي بفتح القاف والمد وقيل بالضم والقصر ونسب للخطأ فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج قال

لا ولكن بعثني اقرا براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده وكان العهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عاما وخاصا فالعام أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم كما تقدم والخاص بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة
وفي كلام السهيلي رحمه الله تعالى لما أردف ابو بكر بعلي رضي الله تعالى عنهما رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هل أنزل في قرآن قال لا ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي فمضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فحج بالناس أي في ذي الحجة لا في ذي القعدة كما قيل من أجل النسئ الذي كان في الجاهلية يؤخرون له الأشهر الحرم أي فإن براءة نزلت أي صدرها وإلا فقد نزل منها قبل ذلك في غزوة تبوك { انفروا خفافا وثقالا } الآيات وكان نزول صدرها بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقيل له صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي
ثم دعا صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقال اخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى فقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه براءة يوم النحر أي الذي هو يوم الحج الأكبر عند الجمرة الأولى وقال لا يحج بعد العام مشرك ولايطوف بالبيت عريان
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أمرني علي كرم الله وجهه أن أطوف في المنازل من ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي فقيل له بماذا كنت تنادي فقال باربع أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله عهد اربعة اشهر ثم لا عهد له وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ولا عهد له فعهده إلى أنقضاء المحرم
وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه سترون بعد الاربعة اشهر فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بما ذكر لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك أي وتقدم سبب الإتيان بذلك ويطوف الرجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل فيقول الواحد

منهم أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس علي شيء من الدنيا خالطه الظلم أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب
وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش يستعيره أيو يكتريه وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى
وفي الكشاف كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب
وكانت النساء يطفن كذلك وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول ** اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله **
فأنزل الله تعالى { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة أي وقيل الزينة المشط وقيل الطيب
وكان بنو عامر في ايام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك فقيل لهم { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }
ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى قال لبعض الحكماء ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه قال له وما هي قال قوله { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصراني ولا يؤثر عن رسولكم صلى الله عليه وسلم شي من الطب قال قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب في الفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله المعدة بيت الداء والحمية راس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال ذلك الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس شيئا
وبينت براءة أن من كان له عهد فعهد إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله إلى اربعة

أشهر وفي لفظ لما لحق علي كرم الله وجهه أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال له أبو بكر أمير أو مأمور قال بل مأمور
وزعمت الرافضة أنه صلى الله عليه وسلم عزل أبا بكر عن إمارة الحج بعلي وعبارة بعض الرافضة ولما تقدم ابو بكر بسورة براءة رده صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة ايام بوحي من الله وكيف يرضى العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة هذا كلامه
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله وهذا أبين من الكذب فان من المعلوم المتواتر أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يعزل وأنه حج بالناس وكان علي كرم الله وجهه من جملة رعيته في تلك السفرة يصلي خلفه كسائر المسلمين ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج في ذلك العام
وإنما أردف صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بعلي كرم الله وجهه لنبذ العهود وكان من عادة العرب لا ينبذ العهد إلا المطاع أو رجل من أهل بيته أي فلوا تلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ما فيه نقض عهد عاهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تعللوا وقال قائلهم هذا خلاف ما نعرف فأزاح الله عللهم بكون ذلك على يد رجل من بني ابي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدنى إليه ممن له ذرية وهو عبد المطلب قال وهذا غير بعيد من افتراء الرافضة وبهتانهم أي وعلى عادة العرب بما ذكر جاء قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي كما تقدم وفي لفظ إلا رجل مني أي لا يبلغ عني عقد العقود ولا حلها إلا رجل مني أي من بني ابي الأدنى ولا أب له ذرية أدنى إليه صلى الله عليه وسلم من عبد المطلب
ولا يجوز حمل ذلك على تبليغ الأحكام والقرآن إذ كل أحد من المسلمين مأذون له في تبليغ ذلك عنه صلى الله عليه وسلم
وفي هذه السنة التي هي سنة تسع تتابعت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل لها سنة الوفود

& باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم
أي غير من تقدم فقد تقدم أنه قدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد هوازن بالجعرانة وكذا وفد عليه بها مالك بن عوف النصري وذلك في آخر سنة ثمان أي ووفد نصارى نجران أي قبل الهجرة ووفد بني تميم في سرية عيينة بن حصن وذكر ابن سعد أن ذلك كان في المحرم سنة تسع
ووفد عليه وفد نصارى نجران ايضا بعد الهجرة وكانوا ستين راكبا ودخلوا المسجد النبوي أي وعليهم ثياب الحبرة وأردية الحرير مختمين بخواتم الذهب أي ومعهم هدية وهي بسط فيها تماثيل ومسوح فصار الناس ينظرون للتماثيل فقال صلى الله عليه وسلم أما هذه البسط فلا حاجة لي فيها وأما هذه المسوح فإن تعطونيها آخذها فقالوا نعم نعطيكها ولما رأى فقراء المسلمين ما عليه هؤلاء من الزينة والزي الحسن تشوقت نفوسهم إلى الدنيا فأنزل الله تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار } الآيات وأرادوا أن يصلوا بالمسجد بعد أن حان وقت صلاتهم وذلك بعد العصر فأراد الناس منعهم فقال صلى الله عليه وسلم دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا وقالوا قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث عبادتكم الصليب وأكلكم لحم الخنزير وزعمكم أن لله ولدا أي لأن احدهم قال له صلى الله عليه وسلم المسيح عليه الصلاة والسلام ابن الله لانه لا أب له وقال له آخر المسيح هو الله لأنها أحيا الموتى وأخبر عن الغيوب وابرأ من الأدواء كلها وخلق من الطين طيرا وقال له أفضلهم فعلام تشتمه وتزعم أنه عبد فقال صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم فغضبوا وقالوا إنما يرضينا أن تقول إنه إله وقالوا له صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فأرنا عبد الله يحيى الموتى ويشفي الأكمه والأبرض ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيا فتطير فسكت صلى الله عليه وسلم عنهم فنزل الوحي بقوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }

وقوله تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني إن لم تنقادوا للإسلام أن ابا هلكم أي ندعوا ونجتهد في الدعاء باللعنة على الكاذب فقالوا له يا ابا القاسم نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض فقال بعضهم والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ومالا عن قوم قط نبيا الا استؤصلوا أي أخذوا عن آخرهم وإن أنتم أبيتم إلا دينكم فوادعوه وصالحوه وارجعوا إلى بلادكم وفي لفظ أنهم ذهبوا إلى بني قريظة أي من بقي منهم وبني النضير وبني قينقاع واستشاروهم فاشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه
وفي لفظ أنهم وادعوه على الغد فلما أصبح صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال اللهم هؤلاء أهلي أي وعند ذلك قال لهم الاسقف إني لارى وجوها لو سالوا الله أن يزيل لهم جبلا لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني فقالوا لا نباهلك
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ قال صلى الله عليه وسلم آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة وهذا أي زيادة عائشة وحفصة في هذه الرواية دل عليه قوله تعالى { ونساءنا ونساءكم } وصالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية صالحوه على ألف حلة في صفر وألف في رجب ومع كل حلة أو قية من الفضة وكتب لهم كتابا وقالوا له أرسل معنا أمينا فارسل معهم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله تعالى عنه وقال لهم هذا أمين هذه الأمة أي وفي رواية هذا هو القوي الأمين وكان لذلك يدعى في الصحابة بذلك
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أما والذي نفسي بيده لقد تدلى العذاب على أهل نجران ولو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولأضرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولا حال الحول على النصارى حتى يهلكوا
ووفد عليه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة الداريون أبو الهند الداري وتميم الداري وأخوه ونعيم واربعة آخرون وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم أرضا من أرض الشام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا حيث شئتم قال ابو هند

فنهضنا من عنده نتشاور في أي أرض نأخذ فقال تميم الداري رضي الله تعالى عنه نسأله بيت المقدس وكورتهما فقال أبو هند هذا محل ملك العجم وسيصبر محل ملك العرب فأخاف ان لا يتم لنا قال تميم نسأله بيت جبرون وكورتها فنهضنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له فدعا بقطعة من أدم وكتب لهم كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للداريين إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبد الأبد شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وخذيمة بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب ثم أعطانا كتابنا وقال انصرفوا حتى تسمعوا أني قد هاجرت قال أبو هند فانصرفنا فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه وسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وأصحابه إني أنطيتكم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت ابراهيم عليه الصلاة والسلام برمتهم وجميع مافيهم نطية بيت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعده أبد الأبد فمن آذاهم آذاه الله شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب نقل ذلك في المواهب وأقره
وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة قال فيها حدثني تميم الداري وذكر خبر الجساسة أي لأن تميما رضي الله تعالى عنه أخبره صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقي إنسانا يجر شعره فقال له من أنت قال أنا الجساسة قالوا فأخبرنا قال لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها فإذا رجل مقيد فقال من أنتم قلنا ناس من العرب قال ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم قلناقد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه قال فإن ذلك خير لهم قال أفلا تخبروني عن عين ذعر ما فعلت فأخبرناه عنها فوثب وثبة ثم قال ما فعل نخل بيسان العرب هل أطعم بتمر فأخبرناه أنه قد أطعم فوثب مثلها فقال أما لوقد أذن لي في الخروج لو طئت البلاد كلها غير طيبة فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس فقال هذه طيبة وذاك الدجال قال ابن عبد البر وهذا أولى ما يخرجه المحدثون في راية الكبار عن الصغار أي كما تقدم


ووفد عليه صلى الله عليه وسلم وهو في خيبر الاشعريون صحبة ابي موسى الأشعري صحبوا جعفر بن أبي طالب من الحبشة وقال صلى الله عليه وسلم فيهم كما تقدم أتاكم أهل اليم أرق افئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية وقال في حق أهل اليمن يريد أقوام أن يضعوهم ويابى الله إلا أن يرفعهم والأشعري نسبة إلى أشعر واسمه نبت بن أدد ابن يشجب وإنما قيل له أشعر لأن أمه ولدته والشعر على بدنه
قال لما فتحت مكة ودانت له صلى الله عليه وسلم قريش عرفت العر ب انه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعداوته لأن قريشا كانت قادة العرب ودخلوا في دين الله أفواجا
قال في النهاية الوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافداهم والوفد رسول القوم يقدمهم وقد يراد به ما هو أعم من ذلك فيشمل من قدم رسول الله وحينذ يكون من ذلك كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه فإنه قدم على رسول الله
وسبب ذلك أن أخاه بجير بن زهير خرج يوما هو وكعب في غنم لهما فقال لأخيه كعب بن اثبت في الغنم حتى آتى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فاسمع كلامه وأعرف ما عنده فأقام كعب ومضى بجير فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه وآمن به وذلك أن أباهما زهيرا كان يجالس أهل الكتاب ويسمع منهم أنه قد آن مبعثه صلى الله عليه وسلم ورأى زهير والدهما رضي الله تعالى عنهما أنه قد مد بسبب من السماء وأنه مد يده ليتناوله ففاته فأوله بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان وأنه لا يدركه وأخبر بنيه بذلك وأوصاهم إن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموا ولما اتصل ولما اتصل خبر إسلام بجير بأخيه كعب أغضبه ذلك فلما كان منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير رضي الله تعالى عنه إلى أخيه كعب بن زهير وكان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بفتح مكة وأنه صلى الله عليه وسلم قتل بها رجالا ممن كان يهجوه من شعراء قريش وهرب بعضهم في كل وجه كابن الزبعري وهبيرة بن ابي وهب وأنه صلى الله عليه وسلم قال من لقي منكم كعب بن زهيرة فليقتله فإن كان لك في نفسك حجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا ولا يطالبه بما تقدم الإسلام وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجاتك


وفي تصحيح الأنساب لابن أبي الفوارس أن زهير بن أبي سلمى قال لأولاده إني رأيت في المنام سببا ألقى إلي من السماء فمددت يدي لأتناوله ففاتني فأولته أنه النبي الذي يبعث في هذا الزمان وأنا لا أدركه فمن أدركه منكم فليصدقه وليتبعه ليهتدى به فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به ابنه بجير وأقام كعب ابنه على الشرك والتشبيب بأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال لئن وقع كعب في يدي لأقطعن لسانه الحديث
أي ولا مانع ان يكون ضم إلى هذا هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأرجف به أعداؤه وصاروا يقولون هو مقتول لا محالة فلم يجد بدا من مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل القصيدة التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيها إرجاف أعدائه به رضي الله تعالى عنه التي مطلعها ** بانت سعاد فقلبي اليوم متبول **
ثم خرج رضي الله تعالى عنه حتى قدم المدينة فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فاشار له ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا رسول الله فقم إليه واستأمنه فقام إلى أن جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ومن حضره لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال يا رسول أنا كعب بن زهير فوثب رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا فلما أنشد القصيدة المذكورة ومدح فيها المهاجرين ولم يتعرض للأنصار قيل حمله على ذلك ما سمعه من ذلك الأنصاري مما غاظه ولم يسمع من المهاجرين شيئا يغيظه
وفيه أن هذا واضح إذا كان أنشا ذلك في ذلك الوقت وأما إذا كان عمله قبل مجيئه كما هو ظاهر ما تقدم أنه عمل تلك القصيدة التي من جملتها ما ذكر فلا فعند ذلك غضب الانصار فمدحهم بالقصيدة التي مطلعها ** من سره كرم الحياة فلا يزل ** في مقنب من صالحي الأنصار **


أي ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي حضه على مدحهم وقال له لما أنشد بانت سعاد ورآها صلى الله عليه وسلم مشتملة على مدح المهاجرين دون الأنصار لوا أي هلا ذكرت الأنصار بخير فان الانصار أهل لذلك أي ولما أنشده صلى الله عليه وسلم بانت سعاد وقال ** إن الرسول لسيف يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول **
ألقى صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه صلى الله عليه وسلم وقد اشتراها معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما من آل كعب بمال كثير أي بعد ان دفع لكعب فيها عشرة آلاف فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلما مات كعب رضي الله تعالى عنه أخذها من ورثته بعشرين ألفا وتوارثها خلفاء بني أمية ثم خلفاء بني العباس اشتراها السفاح أول خلفاء بني العباس بثلاثمائة دينار أي بعد انقراض دولة بني أمية وكانوا يطرحونها على أكتافهم جلوسا وركبوا وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم
ويقال إن التي كانت عند بني العباس بردته صلى الله عليه وسلم التي أعطاها لأهل أيلة مع كتابه الذي كتبه لهم أمانا وذلك في غزوة تبوك وحينئذ تكون بردة كعب رضي الله تعالى عنه فقدت عند زوال دولة بني أمية وأما هذه البردة فلعل فقدها كان في فتنة التتار
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله تعالى إن معاوية رضي الله تعالى عنه اشترى البردة التي كانت عند الخلفاء من أهل كعب باربعين ألف درهم ثم توارثها الخلفاء الامويون والعباسيون حتى أخذها التتر منهم سنة أخذ بغداد وقال هذا من الأمور المشهورة جدا ولكني لم أر ذلك في شيء من الكتب باسناد أرتضيه وصار كعب رضي الله تعالى عنه من شعرائه صلى الله عليه وسلم الذي يذبون عن الإسلام كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما الأنصاريين
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان قدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وكان من خبرهم أنه لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محاصرتهم تبع أثره عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه حتى أدركه صلى الله عليه وسلم قبل ان يصل إلى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله

صلى الله عليه وسلم إنهم قاتلوك فقال له عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارم أي أول أولادهم وفي رواية من أبصارهم فخرج رضي الله تعالى عنه يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمرتبته فيهم أي لأنه رضي الله تعالى عنه كان فيهم محببا مطاعا فلما أشرف لهم على علية ودعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جانب فأصابه سهم فقتله
وفي لفظ انه رضي الله تعالى عنه قدم الطائف عشاء فجاءته ثقيف يسلمون عليه فدعاهم إلى الإسلام نصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذى مالم يكن يغشاه منهم فخرجوا من عنده حتى إذا كان السحر وطلع الفجر قام على غرفة في داره وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقيل له قبل أن يموت ما ترى في دمك فقال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم وقال في حقه صلى الله عليه وسلم إن مثله في قومه كمثل صاحب يس إنه قال لقومه { اتبعوا المرسلين } الآيات فقتله قومه أي المذكورة في سورة يس وهو حبيب بن برى
وقال السهيلي يحتمل أن المراد به صاحب إلياس فإن إلياس يقال في اسمه يس أيضا وقد قال صلى الله عليه وسلم مثل هذه المقالة في حق شخص آخر يقال له قرة بن حصين او ابن الحارث بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني هلال بن عامر يدعوهم إلى الإسلام فقتلوه فقال صلى الله عليه وسلم مثله مثل صاحب يس
ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة شهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرف قد أسلموا فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فكلموا عبد ياليل بن عمرو وكان في سن عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه في ذلك فأبي أن يفعل لأنه خشي أن يفعل به كما فعل بعروة وقيل كلموا مسعود بن عبد ياليل ونسب قائله إلى الغلط فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فبعثوا معه خمسة أنفار منهم شرحبيل بن غيلان أحد أشراف ثقيف اسلم غيلان بالعين المعجمة على عشرة نسوة وممن أسلم على عشرة نسوة ايضا عروة بن مسعود وكذلك مسعود بن معتب ومسعود بن عمير وسفيان بن عبد الله وابو عقيل مسعود بن عامر وكلهم من ثقيف

ويقال وفد عليه صلى الله عليه وسلم تسعة عشر رجلاهم اشراف ثقيف فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يؤمئذ وفيه عثمان بن ابي العاص وهو أصغرهم فلما قربوا من المدينة لقوا المغيرة بن شعبة الثففي فذهبب مسرعا ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأخبره فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل ابو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة أي وعلمهم رضي الله تعالى عنه كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فابوا إلا تحية الجاهلية وهي عم صباحا ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب لهم قبة في ناحية المسجد أي ليسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا وكانوا يغدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم ويخلفون عثمان بن أبي العاص عند أسبابهم فكان عثمان إذا رجعوا ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يساله عن الدين ويسقرئه القرآن إذا وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان يكتم ذلك عن أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحبه وكان فيهم رجل مجذوم فارسل صلى الله عليه وسلم يقول له إنا بايعناك فارجع وفي المرفوع لا تديموا النظر إلى المجذومين وجاء كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين هذا معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وبما جاء في أحاديث اخر أنه صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم طعاما وأخذ يده وجعلها معه في القصعة وقال كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه
وأجيب بأن الأمر باجتناب المجذوم إرشادي ومؤاكلته لبيان الجواز أو جواز المخالطة محمولة على من قوي إيمانه وعدم جوازها على من ضعف إيمانه ومن ثم باشر صلى الله عليه وسلم الصورتين ليقتدي به فيأخذ القوي الإيمان بطريق التوكل والضعيف الإيمان بطريق الحفظ والاحتياط
وعند انصرافهم قالوا يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا فامر عليهم عثمان بن أبي العاص لما راى من حرصه على الإسلام وقرأ القرآن وتعلم الدين ولقول الصديق رضي الله تعالى عنه له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحصرصهم على النفقة في الإسلام وتعلم القرآن


وفي رواية ان عثمان بن ابي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم وقال لي إذا أممت فأخف بهم الصلاة واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب لهم كتابا وكان الكاتب له خالد المذكور ومن جملته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين إن عضاه وج وصيده حرام لا يعضد شجره ومن وحد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ووج واد بالطائف وقيل هو الطائف والعضاه كل شجر له شوك واحده عضة كشفة وشفاه
وروى أبو داود والترمذي ألا إن صيد وج وعضاهه حرام محرم وكانوا يطعمون طعاما يأيتهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يترك لهم الصلاة فقال لا خير في دين لا صلاة فيه وفي لفظ لا ركوع فيه وأن يترك لهم الزنا والربا وشرب الخمر فابى ذلك وسألوه أن يترك لهم الطاغية التي هي صنمهم وهي اللات أي وكانوا يقولون لها الربة لا يهدمها إلا بعد ثلاث سنين من مقدمهم له فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا زالوا يسألونه سنة وهو يأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم وارادوا بذلك ليدخل الإسلام في قومهم ولا يرتاع سفهاؤهم ونساؤهم بهدمها فابى عليهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعند خروجهم قال لهم سيدهم كنانة أنا أعلمكم بثقيف اكتموا إسلامكم وخوفوهم الحرب والقتال وأخبروهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم سألنا أمورا عظيمة ما ابيناها عليه سالنا أن نهدم الطاغية وأن نترك الزنا والربا وشرب الخمر فلما جاءتهم ثقيف وسألوهم قالوا جئنا رجلا فظا غليظا قد ظهر بالسيف ودان له الناس فعرض علينا أمور شدادا وذكروا ما تقدم قالوا والله لا نطيعه ولا نقبل هذا ابدا فقالوا لهم أصلحوا وتهيئوا للقتال ورموا حصنكم فمكثت ثقيف كلذلك يومين أو ثلاثة ثم القى الله الرغب في قلوبهم وقالوا والله ما لنا من طاقة فارجعوا إليه وأعطوه ما سأل فعند ذلك قالوا لهم قد قاضيناه واسلمنا فقالوا لهم لم كتمتمونا قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا ومكثوا أياما فقدم عليهم رسل رسول

الله صلى الله عليه وسلم بعث ابا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية
وفي رواية لما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف اراد المغيرة رضي الله تعالى عنه ان يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال ادخل أنت على قومك فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول أي الفأس العظيمة التي يقطع بها الصخر وقام قومه دونه خشية أن يرمي كما رمى عروة وخرج نساء ثقيف حسرا أي مكشوفات الرءوس حتى العواتق من الحجال يبكين على الطاغية
قال وفي رواية يظنون أنه لا يمكن هدمها لأنها تمنع من ذلك واراد المغيرة رضي الله تعالى عنه أن يخسر بثقيف فقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف فألقى نفسه لما علا على الطاغية ليهدمها وفي لفظ أخذ يرتكض فصاحوا صيحة واحدة فقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا والله لا يستطيع هدمها
وفي رواية لما أخذ المعول وضرب به اللات ضربة صالح وخر لوجهه فارتج الطائف بالصياح سرورا وإن اللات قد صرعت المغيرة وأقبلوا يقولون كيف رايت يا مغيرة دونكها إن استطعت ألم تعلم أنها تهلك من عاداها فقام المغيرة يضحك منهم ويقول لهم يا خبثاء والله ما قصدت إلا الهزؤ بكم
وفي رواية فوثب وقال لهم قبحكم الله إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه ثم أخذ في هدمها ا هـفهدمها بعد أن بدأ بكسر بابها حتى هدم أساسها وأخرج ترابها لما سمع سادنها يقول ليغضبن الأساس فليخسفن بهم وأخذ مالها وحليها فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود أخاه من مال الطاغية فقضاه فإن أبا مليح بن عروة ابن مسعود قارب ابن عمه بن الأسود أخو عروة بن مسعود سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين لما قتلت ثقيف عروة ابن مسعود قبل أن تسلم ثقيف كما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم قد أجاب أبا مليح فقال له نعم فقال له ابن عمه قارب بن الاسود وعن الأسود يا رسول الله فإن عروة

والأسود أخوان الأب وأم فقال صلى الله عليه وسلم إن الأسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله إنما الدين علي وأنا الذي أطلب به
ومن الوفود وفد بني تميم وقد تقدم ذكره أي في الكلام على سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم وفي ذلك الوفد عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم والأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر
وذكر في الاستيعاب أنه كان مع وفد تميم وقيس بن عاصم فأسلم وذلك في سنة تسع فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم قيل للأحنف بن قيس وكان من أحلم الناس ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم رايته يوما قاعدا بنفاء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه فأتى برجل مكتوف وآخر مقتول فقيل له هذا ابن أخيك قد قتل ابنك قال فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه فلسا أتمه التفت إلى أبن اخيه فقال يا ابن اخي بئس ما فعلت أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت أبن عمك ورميت نفسك بسهمك ثم قال لابن له آخر قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة
وكان قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وسبب ذلك أنه سكر يوما فغمز عكنة ابنته وسب ابويها ورأى القمر فصار يخاطبه وأعطى الخمار مالا كثيرا فلما افاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه وقال في ذمها أبياتا كثيرة
ولما حضرته الوفاة دعا بنيه فقال لهم يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه منبة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل فإذا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد قيل فيه من جملة أبيات عند موته ** فما كان قيس هلكه هلك واحد ** ولكنه بنيان قوم تهدما **
وتقدم انهم نادوه صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات يا محمد اخرج الينا ثلاثا مرات فخرج إليهم آخر ما تقدم


ومنها وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى بضم السين وفتحها وكانوا أي هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وكان عامر بن الطفيل عدو الله سيدهم وكان مناديه بسوق عكاظ هل من راجل فنحمله أو جائع فنطعمه أو خائف فنؤمنه وكان من أجمل الناس وكان مضمرا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأريد وهو أخو لبيد الشاعر إذا قدمنا على هذا الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف وقد قال قومه يا عامر إن الناس قد اسلموا فاسلم فقال والله لقد كنت آليت أي حلفت أن لا أنتهى حتى تتبع العرف عقبي فأنا أتبع عقب هذا الفى من قريش فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالني أي اجعلني خليلا وصديقا لك قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له قال يا محمد خالني وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يأتي بشيء
وفي رواية لما أتاه صلى الله عليه وسلم عامر وسده أي القى له وسادة ليجلس عليها ثم قال له صلى الله عليه وسلم أسلم يا عامر فقال له عامر إن لي إليك حاجة قال اقرب مني فقرب منه حتى حنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن قوله خالني أي اجعل لي منك خلوة وهو المناسب لقول عامر لاربد إني اشاغل عنك وجهه
قال وذكر أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال له أسلم يا عامر فقال أتجعل لي الأمر بعدك أن أسلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك لك ولا لقومك أي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء أي وقال له يا محمد أسلم على أن لي الوبر ولك المدر فقال لا فقال ما لي إن أسلمت فقال لك ماللمسلمين وعليك ما عليهم فقال أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا وفي رواية خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطن بكل نخلة فرسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعك الله عز وجل
قال السهيلي وجعل أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه يضرب في رءوسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان أي القردان فقال له عامر ومن أنت فقال أسيد بن حضير فقال أحضير بن سماك قال نعم قال أبوك كان خيرا منك قال بلى أنا خير منك ومن أبي لأن أبي كان مشركا وأنت مشرك


ومكث صلى الله عليه وسلم أياما يدعو الله عليهم ويقول اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث له داء يقتله ا هـأي ثم قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو اسلم وأسلمت بنو عامر لزاحمت قريشا على منابرها ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا قوم آمنوا ثم قال اللهم اهد بني عامر واشغل عني عامر بن الطفيل بما شئت وأني شئت
وفي البخاري أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل ولى أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك من غطفان بألف أشتقر وألف وشقراء فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به والله ما على وجه الأرض من رجل أخافه على نفسى منك أبدا وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا فقال لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفاضربك بالسيف أي وفي رواية إلا رأيت بيني وبينه سورا من حديد وفي رواية لما وضعت يدي على قائم السيف يبست فلم أستطع أن أحركها وفي رواية لما أردت سل سيفي نظرت فإذا فحل من الإبل فاغر فاه بين يدي يهوى إلى فو الله لو سللته لخفت أن يبتلع رأسي
ويمكن الجمع بأن ما في الرواية الأولى كان بعد أن تكرر منه الهم وما في الرواية الثانية كان بعد أن حصل منه هم آخر وكذا يقال في الثالثة وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه أي وفي لفظ حلقه أي وأوى لبيت امرأة سلولية من بني سلول وكانوا موصوفين باللؤم
وفي كلام السهيلي إنما اختصها بالذكر لقرب نسبها منه لأنها منسوبة إلى سلول بن صعصعة والطفيل من بني عامر بن صعصعة أي فهي تأسف عليه وصار ياسف الذي كان موته ببيتها وصار يمس الطاعون ويقول يا بني عامر غدة أي أغد عدة كغدة البعير وموتا في بيت امرأة من بني السلول ائتوني بفرسي ثم ركب فرسه وأخذر رمحه وصار يجول حتى وقع عن فرسه ميتا
أي ويذكر أنه صار يقول ابرز يا ملك الموت وفي لفظ يا موت ابرز لي أي أي لأقاتلك وهذا يدل على أن موت عامر لم يتأخر سيما وقد جاء في رواية فخرج حتى

إذا كان بظهر المدينة صادف مرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فأخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية فلم يزل على تلك الحالة حتى سقط عن فرسه ميتا
ويحتاج للجمع بينه وبين قول الاوزاعي قال يحيى فمكث رسول الله صل يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا وقدم صاحباه على قومهما فقالوا لأربد ما وراءك يا أربد فقال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيئ لوددت أني عنده ألآن فأرميه بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جملة يتبعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما أي وذلك في يوم صحو قائظ وأنزل الله تعالى قوله { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } وأما جبار بن سلمى الذي هو ثالثهم فقد أسلم مع من أسلم من بني عامر
ومنها وفود ضمام بن ثعلبة أي وقيل وفد في سنة خمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه متكئا جاءه رجل من أهل البادية قال فيه طلحة بن عبيد الله جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث أي جاء عل جمل وأناخه في المسجد ثم عقله وقال أيكم ابن عبد المطلب أي وفي رواية أيكم محمد قالوا هذا الأمغر المرتفق أي الأبيض المشرب بحمره المتكئ على مرفقه فدنا منه صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك فمشدد عليك في المسألة قال سل عما بدا لك أي وفي رواية لمغلظ عليك في المسئلة فلا تجد علي في نفسك مالا أجد في نفسي فقال سل ما بدالك فقال يا محمد جاءنا رسولك فذكر لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق فقال أنشدك بفتح الهمزة برب من قبلك ورب من بعدك وفي رواية بالذي خلق السموات والأرض ونصب هذه الجبال قال اللهم نعم قال وفي رواية أنه قال له قبل ذلك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا أن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون قال اللهم نعم انتهى قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة قال اللهم نعم قال وأنشد بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا قال اللهم نعم قال وأنشد ك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك أن يحج

هذا البيت من استطاع اليه سبيلا قال اللهم نعم قال فأنا قد آمنت وصدقت وأنا ضمام ابن ثعلبة
أقول وهذا السياق يدل على أن وفوده كان بعد فرض الحج وهو يخالف ما سبق أنه كان في سنة خمس ومن ثم استبعده ابن القيم قال والظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من كلام بعض الرواة
وفيه أن الذي جزم به اسحاق وابو عبيدة أنه وفد في سنة تسع وصوبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ومن ثم جاء ذكر الحج في مسلم ويؤيد ذلك قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا الحديث لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما قدم المدينة بعد الفتح فلما أن ولي ضمام رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقه الرجل أي بضم القاف صار فقيها وبكسرها فهم في لفظ لئن صدق ليدخلن الجنة وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة أي وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فما سمعنا بوافد وقد كان أفضل من ضمام
ولما رجع ضمام رضي الله تعالى عنه إلى قومه قال لهم إن الله تعالى قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه
قال وفي رواية أن أول شيء تكلم به أن سب اللات والعزى فقال له قومه مه يا ضمام اتق البرض تق الجذام اتق الجنون فقال لهم ويلكم والله إنهما لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا إلى آخر ما تقدم وإني اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه فلم يبق من القوم رجل ولا امرأة إلا وأسلم
ومنها وفد عبد القيس وفيهم الجارود وكان نصرانيا أي قد قرأ الكتب فقال أبياتا مخاطبا بها النبي صلى الله عليه وسلم منها ** يا نبي الهدى أتاك رجالا ** قطعت فدفدا وآلافآلا ** ** تتقي وقع شر يوم عبوس ** أوجل القلب ذكره ثم هالا **
الفدفد المفازة والآل ما يرفع الشخوص في أول النهار وفي آخره وقيل السراب قيل وكانوا ستة عشرة فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فقال يامحمد إني

كنت على دين وإني تارك ديني لدينك فتضمن لي ذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن لك أن قد هداك إلى ما هو خير لك منه فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه فقال يا رسول الله يحال بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال المسلمين أي من الإبل والبقر مما يحمى نفسه أفنتبلغ عليها أي نركبها إلى بلادنا قال لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار أي لهبها كذا في الاصل
وفي السيرة الهشامية أن الجارود إنما وفد مع حلف له يقال له سلمة بن عياض الأزدي وأن الجارود قال لسلمة إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي فهل لك أن تخرج إليه فإن رأينا خيرا دخلنا فيه وأنا أرجو أن يكون هو النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم لكن يضمر كل واحد مناله ثلاث مسائل يسأله عنها لا يخبر بها صاحبه فلعمري إنه إن أخبرنا بها إنه لنبي يوحى اليه فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم قال له الجارود بم بعثك به ربك يا محمد قال بشهادة أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله والبراءة من كل ند أو دين يعبد من دون الله وبإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة لحقها وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا بغير إلحاد { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } قال الجارود يا محمد إن كنت نبيا فأخبرنا عما أضمرنا عليه فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة كأنها سنة ثم رفع رأسه الشريف العرق يتحدر عنه فقال أما أنت يا جارود فإنك أضمرت أن تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مردود ولا حلف في الإسلام ألا وأن أفضل الصدقة أن تمنح أخاط ظهر دابة أو لبن شاة فإنها تغدو برفده وتروح بمثله وأما أنت يا سلمة فإنكا اضمرت على أن تسألني عن عبادة الاوثان وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين فأما عبدة الأوثان فإن الله تعالى يقول { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } وأما يوم السباسب فقد أعقبه الله ليلة خيرا من ألف شهر فاطلبوها في العشر الأواخر من رمضان فإنها ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجبر أقصاهم على أدناهم اكرمهم عند الله أتقاهم فقالا نشد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله انتهى


وذكر في السيرة الهشامية في وفد عبد القيس أنه كان قبل فتح مكة وذكر ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم بينما هو يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع عليكم من ههنا ركب هم خير أهل المشرق وفي رواية ليستبين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام قد أنضوا أي أهزلوا الركائب وأفنوا الزاد اللهم اغفر لعبد القيس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فتوجه نحو مقدمهم فلقي ثلاثة عشرة راكبا وقيل كانوا عشرين راكبا وقيل كانوا اربعين رجلا فقال من القوم قالوا من بني عبد القيس فقال أما إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر للقوم هذا صاحبكم الذي تريدون فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم بباب المسجد بثياب سفرهم وتبادوا يقبلون يده صلى الله عليه وسلم ورجله وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج وهو راسهم وكان أصغرهم سنا فتخلف عند الركائب حتى أناخها وجمع المتاع وذلك بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج ثوبين أبيضين لبسهما ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وكان رجلا دميما ففطن لنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دمامته فقال يا رسول الله إنه لا يستقى أي يشرب في مسوك أي جلود الرجال وإنما يحتاج الرجل من أصغر به لسانه وقلبه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيك خلتين يخبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال له رسول الله أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال لا بل الله تعالى جبلك عليهما فقال الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الأناة على وزن قناة التؤدة وقد جاء التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة
وفي رواية أنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من القوم قالوا من ربيعة أي وهو المراد بما في بعض الروايات ربيعة فإنه من التعبير عن البعض بالكل
وفي البخاري في الصلاة إن هذا الحي من ربيعة أي إن هذا الحي حي من ربيعة وهو في الاصل اسم لمنزل القبيلة سميت به القبيلة لأن بعضهم يحيا ببعض قال خير ربيعة عبد القيس مرحبا بالقوم أي صادفتم رحبا بضم الراء أي سعة وأول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن وقد تكررت هذه الكلمة منه صلى الله عليه وسلم قالها

لابنة عمه أم هانئ رضي الله تعالى عنها وقال لعكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه مرحبا بالراكب المهاجر وقال لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها مرحبا بابنتي وقال لشخص دخل عليه مرحبا وعليك السلام
ثم قال لهم صلى الله عليه سلم غير خزايا ولا ندامى أي حالة كونكم سالمين من الخزي ومن الندم وفي لفظ مرحبا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى أنا حجيج من ظلم عبد القيس فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقعة بيعدة أي من سفر بعيد لأن مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نصل اليك إلا في شهر حرام أي وفي لفظ إلا في الشهر الحرام وهو كمسجد الجامع ونساء مؤمنات وهو شهر رجب للتصريح به في بعض الروايات
وقال بعضهم وفي هذا دليل على أن الأعمال الصالحة تدخل الجنة إذا قبلت وقبولها يقع برحمة الله لأن مضر كانت تبالغ في تعظيم شهر رجب زيادة على بقية الأشهر الحرم ومن ثم قيل رجب مضر فأمرنا بأمر فصل أي فاصل بين الحق والباطل فقال آمركم بأربع أي خصال أربع أو جمل أربع
ففي بعض الروايات قالوا حدثنا بجمل من الأمر وأنهاكم عن اربع آمركم بالإيمان بالله أتدرون ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي وفيه أن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمة الشهادة
ووقع في البخاري في الزكاة زيادة واو قبل شهادة وهي زيادة شاذة لم يتابع عليها روايها وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس أي لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر وهذا زائد على الأربع وم ثم قال بعضهم هو معطوف على قوله باربع أي آمركم بأربع وبأن تعطوا ومن ثم غاير في الأسلوب
وفي مسلم أمركم بأربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واعطوا الخمس من الغنائم ولم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض على الصحيح كما قال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو بناء على الأصح أنه فرض سنة ست وقول الواقدي إن قدوم وفدعبد القيس كان في سنة ثمان ليس بصحيح لكن ذكر بعضهم أن لعبد القيس وفدتين واحدة كانت قبل فرض الحج وواحدة

بعده ومن ثم جاء ذكر الحج في مسند الإمام أحمد وهو وأن تحجوا اليبت وإله لم يتعرض في هذه الرواية لعدد أي لقوله أربع ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم وأنهاكم عن اربع عن الدبا أي القرع أي عما ينبذ فيها والحنتم وهو جرار مدهونة بدهان أخضر أي عما ينبذ فيها أي وقيل والحنتم جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم والنقير أصل النخلة ينقر وينبذ فيه التمر أي ما ينبذ في ذلك والمزفت ما طلى بالزفت أي عما ينبذ فيه وفي رواية زيادة على ذلك والقير ما طلي بالقار وهو نبت يحرق إذا يبس وتطلى به السفن كما تطلى بالزفت زاد في رواية وأخبروا بهن من وارءكم أي من جئتم من عندهم ومن يحدث من الأولاد قالوا فيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم أي الجلود التي يلاث أي يربط على أفواهما قالوا يا رسول الله إن أرضنا كثير الجرذان أي الفيران أي لا تبقى فيها أسقية الأدم قال وإن أكلها الجرذان قال ذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الأشج يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة عظمت بطوننا فرخص لنا في مثل هذه فأومأ صلى الله عليه وسلم بكفيه وقال له يا أشج إن رخصت لك في مثل هذه شربته في مثل هذه وفرج بين يديه وبسطها يعني أعظم منها حتى إذا ثمل أي سكر أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فضرب ساقه بالسيف وكان القوم رجل وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أسدل ثوبي لأغطي الضربة وقد أبداها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أي وفي كلام السهيلي فعجبوا من علم النبي صلى الله عليه وسلم واشارته إلى ذلك الرجل هذا كلامه
أي وفي رواية أنهم سألوه عن النبيذ فقالوا يا رسول الله إن أرضنا وخمة لا يصلحها إلا النبيذ قال فلا تشربوا في النقير فكأني بكم إذا شربتم في النقير قال بعضكم إلى بعض بالسيوف فضرب رجلا منكم ضربة لا يزال يعرج منها إلى يوم القيامة فضحكوا فقال صلى الله عليه وسلم ما يضحككم قالوا ولقد شربنا في النقير فقام بعضنا على بعض بالسيوف فضرب هذا ضربه بالسيف فهو أعرج كما ترى ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم أنواع تمر بلدهم فقال لكم تمرة تدعونها كذا وتمرة تدعونها كذا فقال له رجل من القوم بأبي وأنت وأمي يا رسول الله لو كنت ولدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة اشهد أنك رسول الله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن أرضكم رفعت إلى منذ قعدتم أي فنظرت من أدناها إلى أقصاها وقال لهم خير تمركم البرني يذهب بالداء ولاداء ومعه أي وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم في المناهي على شرب الأنبذة في الأوعية المذكورة مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم لكثرة تعاطيهم لها
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها أنه يسرع فيها الإسكار فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك
كان في عبد القيس ابو الوازع بن عامر وابن اخته مطر بن هلال ولما ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن أختهم قال ابن اخت القوم منهم وكان فيهم ابن أخي الوازع وكان شيخا كبيرا مجنونا جاء به الوازع معه ليدعو له صلى الله عليه وسلم فمسح ظهره ودعا له فبرأ لحينه وكسى شبابا وجمالا حتى كأن وجهه وجه العذراء
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم زودهم الأراك يستاكون به وذكر أنه كان فيهم غلام ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال إنما كان خطيئة دواد عليه الصلاة والسلام النظر
ومنها وفد بني حنيفة مسيلمة الكذاب قيل جاء بنو حنيفة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم مسيلمة الكذاب يسترونه بالثياب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في اصحابه رضي الله تعالى عنهم معه عسيب من عسب النخل في رأسه خويصات فلما انتهى مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمة وسأله أن يشركه معه في النبوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه
وقيل إن بني حنيفة جعلوه في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبنا في رحالنا يحفظها لنا فأمر صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لواحد من القوم وهو خمس أواق من فضة وقال اما إنه ليس بشركم مكان فلما رجعوا إليه اخبروه بما قال عنه فقال إنما قال ذلك لأنه عرف أن لي الأمر من بعده فلما رجعوا وانتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وكذب وادعى أنه أشرك معه صلى الله عليه وسلم في النبوة وقال لمن وفد مهم ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما انه ليس بشركم مكانا

ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت معه في الأمر أي وهو صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك انه حفظ ضيعة أصحابه هذا
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها أي فإنه صلى الله عليه وسلم بلغه عنه أنه قال إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته وإني لأراك الذي منه رايت وهذا قيس يجيبك عني ثم أنصرف
والذي رآه منه صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أن في يده سوارين من ذهب قال فأهمني شأنهما فأوحى الله إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي أي وهما طليحة العبس صاحب صنعاء ومسيلمة الكذاب صاحب اليمامة فإنا كلا منهما ادعى النبوة في حياته صلى الله عليه وسلم وكان طليحة العبسي يقول إن ملكا كان يقال ذو النون يأتيني كما يأتي جبريل محمدا فلما بلغه صلى الله عليه وسلم قال لقد ذكر مالكا عظيما في السماء يقال له ذو النون وجمع بعضهم بين هذا الذي في الصحيحين وما هنا بأنه يجوز أن يكون مسيلمة قدم مرتين الأولى كان تابعا ومن ثم كان في حفظ الرحال والثانية كان متبوعا ولم يحضر أنفة منه واستكبارا وعامله صلى الله عليه وسلم معاملة الإكرام على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف فأتى إلى قومه وهو فيهم كذا قيل
ولا يخفى أن قوله ولم يحضر يقتضى أنه لم يجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين وتقدم أنه جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب وهذا أي ستره بالثياب هو المناسب لكونه متبوعا ثم صار مسيلمة لعنه الله يتكلم بالهذيان يضاهي به القرآن فمن ذلك قوله قبحه الله لقد أنعم الله علي الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شغاف وحشا وقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا وقيل إنه لعنه الله طلب منه أن يتفل في بئر تبركا ففعل فملح ماؤها ومسح رأس صبي فصار أقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في بنين له بالبركة فيهما فرجع الرجل إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في بئر والآخر أكله الذئب مسح على عيني رجل للاستشفاء بمسحه فابيضت عيناه فعل ذلك مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا السياق يرشد إلى أنه كان برأس ذلك الصبي قرع يسير

فمسح عليه للاستشفاء ثم أظهر معجزة بزعمه وهو أنه ادخل بيضة في قارورة افتضح بأن البيضة بنت يومها إذا ألقيت في الخل والنوشادر يوما وليلة فإنا تمتد كالخيط فتجعل في القارورة ويصب عليها ماء فتجمد وبهذا يرد على من ورثاه من بني حنيفة بقوله ** لهفي عليمك أبا ثمامة ** كم أية لك فيهمو ** كالشمس تطلع من غمامه **
فيقال له كذبت بل كانت آياته معكوسة
قال وكتب مسيلمة قبحه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فقال من مسيلمة رسول اله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأمر وليس قريش قوما يعدلون وبعث رجلين فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم قال للرجلين وإنما تقولان مثل ما يقول قالا نعم قال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما انتهى
ومنها وفد طيئ وفيهم زيد الخيل رضي الله تعالى عنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم وفيهم قبيصة بن الأسود وسيدهم زيد الخيل قيل له ذلك لخمسة أفراس كانت له أي ولو كان وجه التسمية يلزم اطراده لقيل للزبرقان بن بدر زبرقان الخيل
فقد قيل إنه وفد على عبد الملك بن مروان وقاد إليه خمسة وعشرين فرسا ونسب كل واحدة من تلك الأفراس إلى آبائها وأمهاتها وحلف على كل فرس يمينا غير اليمن التي حلف بها على غيرها فقال عبد الملك عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل
وكان زيد الخيل شاعرا خطيبا بليغا جوادا فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وقال صلى الله عليه وسلم في حق زيد الخيل ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما قيل فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ أي ما قيل فيه كل ما فيه وسماه صلى الله عليه وسلم زيد الخير أي فإنه صلى الله عليه وسلم قال له وهو لا يعرفه الحمد لله الذي أتى بك من سهلك وحزنك وسهل قلبك للإيمان ثم قبض صلى الله عليه وسلم على يده فقال من أنت قال أنا زيد الخيل بن مهلهل اشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله فقال له صلى الله عليه وسلم بل أنت زيد

الخير ثم قال يا زيد ما أخبرت عن رجل قط شيئا إلا رأيته ما أخبرت عنه غيرك أي واجاز صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم خمس أواق واعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشا أي واقطعه محلين من أرضه وكتب له بذلك كتابا ولما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إلى قومه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ينجو زيد من الحمى أي ما ينجو منها ففي اثناء الطريق اصابته الحمى أي وفيه لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا زيد تقتلك أم ملدم يعني الحمى
وفي رواية أن زيد الخيل لما قام من عنده صلى الله عليه وسلم وتوجه الى بلاده قال صلى الله عليه وسلم أي فتى إن لم تدركه أم كلبة يعني الحمى والكلبة الرعدة
وفي رواية ما قدم علي رجل من العرب يفضله قومه إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد فإن ينج زيد من حمى المدينة فلأمر ما هو
قال لما مات اقام قبيصة بن الاسود الناحة عليه سنة ثم توجه براحلته ورحله وفيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقطعه فيه محلين بأرضه فلما رأت امرأته الراحلة ضرمتها بالنار فاحترقت واحترق الكتاب انتهى
وفي كلام السهيلي وكتب له كتابا على ما أراد وأطعمه قرى كثيرة منها فدك هذا كلامه وقيل بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنهما
ومنها وفود عدي بن حاتم الطائي حدث عدي رضي الله عنه قا لكنت امرأ شريفا في قومي آخذ المرباع من الغنائم كما هو عادة سادات العرب في الجاهلية أي وهو ربع الغنيمة كما تقدم فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ما من رجل من العرب كان أشد كارهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني فقلت لغلام كما راعيا لإبلي لا أبا لك اعزل من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات يوم فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسالت عنها فقالوا هذه جيوش محمد فقلت له قرب لي أجمالي فقربها فاحتملت أهلي وولدي التحقت بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فأصيبت فيمن أصيب أي سبيت فيمن أصيب من الحاضر فلما قدمت في السبايا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام من عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكساها وحملها وأعطاها نفقة وحرجت إلى أن قدمت على الشام فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى طغينة تؤمنا فقلت ابنة حاتم فإذا هي هي فلما وقعت علي قالت القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وقطعت بقية والديك وعورتك فقلت أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر ولقد صنعت ما ذكرت ثم نزلت وأقامت عندي فقلت لها وكانت إمراة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فأنت أنت فقلت والله إن هذا للرأي أي ولعلها لم تظهر له إسلامها لئلا ينفر طبعه من قولها له إن يكن نبيا أي على الفرض والتنزل تحريضا له على اللحوق به صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى جئته صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلت عليه فقال من الرجل فقلت عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لقائدني إليه إذ لقيته امرأة كبيرة ضعيفة فاستوقفته صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها فقلت ما هو بملك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفافقدمها إلي وقال اجلس على هذه فقلت بل أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض فقلت والله ما هذا بأمر ملك ثم قال لي ما معناه يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قالها ثلاثا قلت إني على دين قال أنا أعلم بدينك منك فقلت أنت أعلم بديني قال نعم ألست من الركوسية ألست من القوم الذين لهم دين لأنه تقدم أنه كان نصرانيا فقلت بلى فقال أم تكن تسير في قومك بالمرباع أي تأخذ ربع الغنيمة كما هو شأن الأشراف من اخذهم في الجاهلية ربع الغنيمة قلت بلى قال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك فقلت أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى تقول إنما اتبعه ضعفه الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب مع حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك لم أرها وقد سمعت بها قال فوالله وفي لفظ فوالذي نفسي بيده ليتمن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة تطوف بالبيت من غير جوار أحد
وفي رواية ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية أي وهي قرية بينها وبين

الكوفة نحو مرحلتين على بعيرها حتى تزور البيت أي الكعبة لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم قال عدي وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تحج بالبيت وأيم الله لتكونن الثانية ليفيض المال حتى لا يوجد من ياخذه
ومنها وفود فروة بن مسيك المرادي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة مفارقا لملوك كندة وكان بين قومه مراد وبين همدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا في يوم يقال الردم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ساءك ما أصاب قومك يوم الروم فقال يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن لك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا واستعمله صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فروة عند توجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ** لما رأيت ملوك كندة أعرضت ** كالرجل خان الرجل عرق نسائها ** ** فركبت راحلتي أؤم محمدا ** أرجو فواضلها وحسن ثوابها **
ومنها وفد بني زبيد بضم الزاي وفتح الموحدة وفد بنو زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة شاعرا مجيدا قال لأبن أخيه قيس المرادي إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عليك وإذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمرو رضي الله عنه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه فأسلم فلما بلغ ذلك قيسا قال خالفني وترك أمري ورأيي وتوعد عمرا فقال عمرو في قيس أبياتا منها ** فمن ذا عاذرى من ذى سفاه ** يريد بنفسه شد المزاد ** ** أريد حياته ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مرادي **


أي وبعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو هذا مع الأسود العبسي ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد فتوحات كثيرة أيام الصديق وأيام عمر رضي الله تعالى عنهما
وعن ابن اسحاق قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم قيس بعد ذلك قيل له صحبة وقيل لا
ومنها وفد كندة أي وله صلى الله عليه وسلم جدة منهم وهي أم جده كلاب وفد عليه صلى الله عليه وسلم ثمانون أي وقيل ستون من كندة فيهم الأشعث بن قيس وكان وجيها مطاعا في قومه وفي الإمتاع وهو اصغرهم فلما أرداوا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم رجلوا أي سرحوا جممهم أي شعور رءوسهم أي الساقطة على مناكبهم وتكحلوا ولبسوا عليهم جبب الحبرة أي بوزن عنبة برود اليمن المخططة قد كففوها أي سجفوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعند ذلك قالوا أبيت اللعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست ملكا أنا محمد بن عبد الله قالوا لا نسميك باسم قال أنا أبو القاسم فقالوا يا أبا القاسم إنا خبأنا لك خبئا فما هو وكانوا خبئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عين جرادة في ظرف سمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إنما يفعل ذلك بالكاهن وإن الكاهن والكهانة والمتكهن في النار فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فقال هذا يشهد أني رسول الله فسبح الحصى في يده فقالوا نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني بالحق وأنزل علي كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقالوا أسمعنا منه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { والصافات صفا } حتى بلغ { برب المشارق والمغارب } ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بحيث لا يتحرك منه شيء ودموعه تجري على لحيته فقالوا إنا نراك تبكي أفمن مخافة من أرسلك تبكي فقال صلى الله عليه وسلم إن خشيتي منه أبكتني بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف إن زغت عنه هلكت ثم تلا صلى الله عليه وسلم { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } الآية ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم ألم تسلموا قالوا بلي قال فما بال هذا الحرير في اعناقكم فعند ذلك شقوه منها وألقوه
وفيه أنه هذا يخالف ما قاله فقهاؤنا معاشر الشافعية من جواز التسجيف بالحرير إلا

أن يقال الجواز مخصوص بأن لا يجاوز الحد اللائق بالشخص ولعل سجفهم جاوزت الحد اللائق بهم وقد قال الأشعث له صلى الله عليه وسلم نحن بنو أكل المرار وأنت ابن آكل المرار يعني جدته أم كلاب فقد تقدم أنها من كندة وقيل إنما قال ذلك الأشعث لأن عمه العباس بن عبد المطلب كان إذا دخل حيا من أحياء العرب لأنه كما تقدم كان تاجرا فإذا سئل من أين قال أنا ابن آكل المرار ليعظم يعني انتسب الى كندة لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول العباس المذكور فقال له صلى الله عليه وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفى من آبائنا أي لا ننتسب إلى الأمهات ونترك النسب إلى الأباء
والأشعث هذا ممن ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الإسلام في خلافة ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي فإنه حوصر ثم جئ به أسيرا فقال الصديق حين أراد قتله ستبقني لحروبك وزوجني أختك فزوجه أخته أم فروة فدخل سوق الإبل بالمدينة واخترط سيفه فجعل لا يرى جملا إلا عرقبه فصاح الناس كفر الأشعث فلما فرغ طرح سيفه وقال والله ما كفرت إلا أن الرجل يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه وقال يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطى أصحاب الإبل أثمانها قال وقال صلى الله عليه وسلم للاسعث هل لك من ولد فقال لي غلام ولد لي عند مخرجي إليك وددت ان لي به لسبعة فقال إنهم مبخلة مبلهة محزنة وإنهم لقرة العين وثمرة الفؤاد انتهى
ومنها وفد أزد شنوءه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الأزد وفيهم صرد بن عبد الله ألازدي وكان أفضلهم فأمره صلى الله عليه وسلم على من اسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن اسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة وهي مدينة بها قبائل من قبائل اليمن وحاصرها المسلمون قريبا من شهر ثم رجعوا عنها حتى إذا كانوا بجبل يقال له شكر بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين وقيل باسكان الكاف فلما وصلوا ذلك المحل ظن أهل جرش أن المسلمين رضي الله تعالى عنهم إنما رجعوا عنهم منهزمين فخرجوا في طلبهم حتى إذا أدركوهم عطفوا عليهم فقتلوهم قتلا شديدا
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة

يرتادن أي ينظران الأخبار فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي بلاد الله شكر فقام إليه رجلان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر فقال إنه ليس بكشر ولكن شكر قالا فما شأنه يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن وأخبرهما الخبر فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجد قومهما قد أصيبوا في اليوم الساعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وعند إخبارهما لقومهما بذلك وفد وفد جرش على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة أنتم مني وأنا منكم وحمى لهم حمى حول بلدهم
ومنها وفد رسول ملوك حمير وحامل كتابهم إليه صلى الله عليه وسلم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول ملوك حمير وحامل كتابهم اليه صلى الله عليه وسلم بإسلام الحارث بن عبد كلال بضم الكاف
وقد اختلف في كون الحارث له وفادة فهو صحابي أولا والنعمان ومعافر بالفاء مكسورة وهمدان أي باسكان الميم وفتح الدال المهملة وهي قبيلة
وأما همذان بفتح الميم والذال المعجمة فقبيلة بالعجم فكتب اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال وإلى النعمان ومعافر وهمذان أما بعد فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم أي رجوعنا من غزوة تبوك فلقيناه بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ماقبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وإن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة أما بعد فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن وفي الاستيعاب زرعة بن سيف ذي يزن وفي كلام الذهبي زرعة بن سيف ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك ابن مرارة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم بالخاء المعجمة

جمع محلاف وأبلغوها رسلي وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا اما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله
ثم ان مالك بن كعب بن مرارة قد حدثنى انك قد اسلمت من أول حمير و قتلت المشركين فابشر بخير و آمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا بضم التاء المثناه الفوقية وكسر الذال ويجوز ان يكون بفتح المثناه وفتح الذال محذوف إحدى التاءين فان رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم وان الصدقه لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته انما هى زكاه يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وامركم به خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومنها وفد رسول فروه بن عمرو الجذامى وفد رسول فروه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يخبره باسلامه واهدى له صلى الله عليه وسلم بغله بيضاء اى يقال لها فضة وحمارا يقال له يغفور و فرسا يقال لها الظرب و ثيابا وقباء مرصعا بالذهب
وكان فروه رضى الله عنه تعالى عاملا للروم على ما يليهم من العرب فلما بلغ الروم اسلامه اخذوه وحبسوه ثم ضربوا عنقه وصلبوه اى بعد ان قال له الملك ارجع عن دين محمد ونحن نعيدك الى ملكك قال لا افارق دين محمد صلى الله عليه وسلم فانك تعلم ان عيسى عليه السلام بشر به ولكنك تظن بملكك
ومنها وفد بنى الحارث بن كعب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى بني الحارث بن كعب بنجران و امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم وقال له ان استجابوا فاقبل منهم وان لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد رضى الله تعالى عنه حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون فى كل وجه ويدعون الى الاسلام ويقولون ايها الناس أسلموا تسلموا فاسلموا فقام فيهم خالد بن الوليد رضى الله عنه تعالى عنهم يعلمهم الاسلام اى شرائعه وكتب الى رسول صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبل ويقبل معه وفدهم فاقبل رضى الله تعالى عنه ومعه وفدهم وفيهم قيس بن الحصين ذو الغصه بالغين المعجمه اى لانه كان فى حلقه غصه لايكاديبين الكلام منها وهى صفه لابيه الحصين وربما وصف بها قيس قال فى النور ويحتمل ان يقال له ذو الغصه وابن ذى الغصه لانه واباه كانت بهما الغصه وفيه بعد


وحين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم قال لهم بما كنتم تغلبون من قاتلكم فى الجاهليه قالوا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدا احدا بظلم قال صدقتم وامر عليهم صلى الله عليه وسلم زيد بن الحصين ولم يمكثوا بعد رجوعهم الى قومهم إلا أربعه اشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها أنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد الخزاعي وفد رفاعة بن زيد الخزاعي بالخاء المعجمة والزاي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فأسلم وحسن إسلامه وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين فلما قدم رفاعة رضي الله تعالى عنه على قومه أجابوا وأسلموا
ومنها وفد همدان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من همدان فيهم مالك ابن نمط كان شاعرا مجيدا فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك عليهم مقطعات من الحبرات بكسر الحاء المهملة ثياب قصار وقيل مخططة من برود اليمن والعمائم العدنية نسبة إلى عدن مدينة باليمن سميت بذلك لأن تبعا كان يحبس فيها أرباب الجرائم وفدوا اليه صلى الله عليه وسلم على الرواحل المهرية والأرحبية والمهرية نسبة إلى قبيلة يقال لها مهرة باليمن والأرحبية نسبة إلى أرحب وصار مالك بن نمط يرتجز إي يقول الرجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ** إليك جاوزنا سواد الريف ** في هبوات الصيف والخريف ** ** مخطمات بحبال الليف
ومن شعره ** حلفت برب الراقصات إلى منى ** صوادر بالركبان من هضب قردد ** ** بأن رسول الله فينا مصدق ** رسول أتى من عند ذي العرش مهتد ** ** فما حملت من ناقة فوق رحلها ** أشد على أعدائه من محمد **
وقد أمره صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه كذا في الأصل
وفي الهدى روى البيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد

ابن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى من ذكر يدعوهم إلى الاسلام فأقام ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه وأمر خالدا بالرجوع إليه وأن من كان مع خالد إن شاء بقي معي علي وإن شاء رجع مع خالد فلما دنا من القوم خرجوا إليه فصف علي كرم الله وجهه أصحابه صفا واحدا ثم تقدم بين أيديهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا جميعا وكتب بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه ثم قال السلام على همدان السلام على همدان وهذا أصح لأن همدان لم تكن تقاتل ثقيفا فإن همدان باليمن وثقيفا بالطائف
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد وفيهم أبدال وفيهم أوتاد
ومنها وفد تجيب أي بضم المثناة فوق وتحيته ويجوز الفتح وهي قبيلة من كندة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تجيب وقد كانوا ثلاثة عشر رجلا وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم مثواهم وقالوا يا رسول الله إنا سقنا اليك حق الله في اموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوها فاقسموها على فقرائكم قالوا يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا أي وفضل بفتح الضاد وكسرها قال ابو بكر يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا الوفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الهدى بيد الله عز وجل فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأرادوا الرجوع إلى أهليهم فقيل لهم ما يعجلكم قالوا نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاقينا إياه وما ورد علينا ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقي منكم أحد قالوا غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا قال فأرسلوه إلينا فأرسلوه فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أنا من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي قال وما حاجتك قال تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه ثم أمر له صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه
ثم إنهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في الموسم إلا ذلك الغلام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الغلام الذي أتاني معكم قالوا يا رسول الله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله لولا أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت اليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا فقال رجل منهم او ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فعل الأجل يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبال الله عز وجل في أيها هلك
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام ذلك الغلام في قومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد وجعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يذكر ذلك الغلام ويسأل عنه ولما بلغه ما قام به كتب إلى زياد بن الوليد أي وكان واليا على حضرموت يوصيه به خيرا
ومنها وفد بن ثعلبة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الجعرانة أربعة نفر من بني ثعلبة أي مقرين بالإسلام فإذا رسول اله صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء قال بعضهم فرمى ببصره إلينا فاسرعنا إليه وبلال يقيم الصلاة فسلمنا عليه وقلنا يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من قومنا ونحن مقرون بالإسلام وقد قيل لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إسلام لمن لا هجرة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم أي ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر ثم انصرف إلى بيته فلم يلبث أن خرج الينا فدعا بنا فقال كيف بلادكم فقلنا مخصبون فقال الحمد لله فأقمنا أياما وضايفته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم لما جاءوا يودعونه صلى الله عليه وسلم قال لبلال أجزهم فأعط كل واحد منهم خمس أواق فضة أي والأوقية اربعون درهما
ومنها وفد بني سعد هذيم من قضاعة عن النعمان رضي الله تعالى عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد اوطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد أي جعلها موطأة فهرا وغلبة وأزاح العرب أي استولى عليها

والناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه وإما خائف السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى أنتهينا إلى بابه فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد أي وهو سهيل بن البيضاء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده على جنازة إلا عليه رضي الله تعالى عنه وما وقع له في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على سهيل وأخيه نظر فيه مع أن فقهاءنا ذكروه وأقروه فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلينا فدعا بنا فقال ممن أنتم فقلنا من بني سعد هذيم فقال أمسلمون أنتم قلنا نعم فقال هلا صليتم على أخيكم قلنا يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أسلمتم فأنتم مسلمون قال فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فأتى بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه صلى الله عليه وسلم على الإسلام فقلنا يا رسول الله إنه أصغرنا وإنه خادمنا فقال صلى الله عليه وسلم سيد القوم خادمهم بارك الله عليه قال النعمان رضي الله تعالى عنه فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فكان يؤمنا فلما أردنا الانصراف أمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأجازنا بأواق من فضة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا
ومنها وفد بني فزارة وفد عليه صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا من بني فزارة فيهم خارجة بن حصن أخو عيينة بن حصن وابن أخيه الجد بن قيس بن حصن وهو أصغرهم مقرين بالإسلام وهم مسنتون أي توالى عليهم الجدب على ركائب عجاف أي هزال فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم فقال رجل منهم أي وهو خارجة أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا أي ما حولنا وغرثت أي جاعت عيالنا فادع لنا ربك يغيثنا واشفع لنا إلى ربك وليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ويلك هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا اليه لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه أي علمه كذا قيل وقيل موضع قدميه السموات والأرض أي احاط بالسموات والأرض وهو دون العرش

كما جاء به الآثار فهي تئط أي تصوت من عظمته وجلاله كما يئط الرحل بالحاء المهملة الحديث أي من ثقل الحمل
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليضحك من شغفكم وأزلكم أي شدة ضيقكم وجدبكم وقرب غيائكم فقال الأعرابي لن نعدم من رب يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وصعد صلى الله عليه وسلم المنبر فتكلم بكلمات وكان لا يرفع يديه أي الرفع البالغ في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فرفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤى بياض إبطيه أي وفي النور وقد جوزت وجها وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه في الاستسقاء يعني ظهور كفيه إلى السماء كما في مسلم أي فيكون التقدير لا يرفع ظهور كفيه إلى السماء إلا في الاستسقاء
وأقول فيه أن هذا يقتضي أنه يفعل ذلك وإن كان استسقاؤه لطلب حصول شيء كما في دعائه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء فإنه متضمن للحصول
وقد ذكر في النور أن ما كان الدعاء فيه لطلب شيء كان ببطون الكفين إلى السماء
والظاهر أن مستند ذلك استقراء حاله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الاستسقاء وغيره فليتأمل والله أعلم
ومما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أسق بقطع الهمزة ووصلها بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا أي مطرا مغيثا مربعا بضم الميم وإسكان الراء وبالموحدة مكسورة وبالعين المهلمة مسرعا لإخراج الربيع مرتعا بالتاء المثناة فوق من رتعت الدابة إذا أكملت ما شاءت طبقا أي مستوعبا للأرض منطبقا عليها واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا اللهم أسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله التمر في المرابد أي وتكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ومن أبي لبابة ثلاثا مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا الغيث حتى يقوم ابو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده أي المحل الذي يخرج منه ماء المطر بازاره فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم امطرت فوالله ما رأينا الشمس سبتا أي من السبت إلى السبت الآخر وقام أبو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاراه لئلا يخرج التمر منه


وفي بعض الروايات فأمطرت السماء وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف الأنصار بأبي لبابة رضي الله تعالى عنهم يقولون له يا أبا لبابة إن السماء والله لم تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بازارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاره فأقلعت السماء وحينئذ يكون قول الراوي لئلا يخرج منه التمر بحسب ما فهم ويكون قول الصحابة فوالله ما رأينا الشمس سبتا كان في قصة غيرها فخلط بعض الرواة فجاء ذلك الرجل أو غيره والذي في الصحيح أنه الرجل الأول
وذكر بعض الحفاظ أنه خارجة بن حصن فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه وهو أي بياض الإبط معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم علي الإكام بكسر الهمزة جمع أكمة وهي التل المرتفع والظراب بكسر الظاء المشالة جمع ظرب بفتحها الروابي الصغار وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السحابة أي أقلعت عن المدينة انجياب الثوب
أقول لعل هذا المطر كان عاما للمدينة وما حولها حتى وصل إلى محل هؤلاء الوفد وإلا فهم إنما طلبوا حصول المطر لمحلهم ولا يلزم من وجوده بالمدينة وجوده بمحلهم إلا إذا كان قريبا بالمدينة بحيث إذا وجد المطر بها يوجد بمحلهم غالبا وقد أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى هذه القصة بقوله ** ودعا للأنام إذا دهمتهم ** سنة من مخولها شهباء ** ** فاستلهت بالغيث سبعة أيا ** م عليهم سحابة وطفاء ** ** تتحرى مواضع الرعى والسق ى وحيث العطاش توهى السقاء ** ** وأتى الناس يشتكون أذاها ** ورخاء يؤذي الأنام غلاء ** د ** فدعا فانجلى الغمام فقل في ** وصف غيث إقلاعه استسقاء ** ** ثم أثرى الثرى وقرت عيون ** بقراها وأحييت أحياء ** ** فترى الارض عنده كسماء ** أشرقت من نجومها الظلماء ** ** يخجل الدر واليواقيت من نو ** ر رباها البيضاء والحمراء **
ثم رأيت في الحدائق لابن الجوزي رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أصابت

الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله ان يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة سحاب فدار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته الشريفة قال فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أوغيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال ادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجونة حتى سال الوادي شهرا فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
ثم رأيت بعضهم قال أحاديث الاستسقاء ثابتة في الصحيحين وطاهرها أنه تعدد ففي بعضها أنه وقع وهو في خطبة الجمعة وفي بعضها أنه صعد المبنر حين شكى اليه فخطب ودعا
وفي بعضها أنه خرج إلى المصلى بعد أن وعد الناس يوما يخرج فيه ونصب له منبرا واستسقى وأجيبت دعوته ونزل المطر وجاء اليه صلى الله عليه وسلم أعرابي وقال له يا رسول الله أتيناك ومالنا بعير يئط ولا صغسير يغط ثم أنشد شعرا يقول فيه ** وليس لنا إلا إليك فرارنا ** وأين فرار الناس إلا إلى الرسل **
فقام صلى الله عليه وسلم وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فدعا فسقى ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك تريد قوله ** وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل **

الأبيات
فقال صلى الله عليه وسلم أجل
وفي رواية لما جاءه صلى الله عليه وسلم المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشي وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشون بالسكينة والوقارحتى أتوا المصلى فتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل

أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكي يتقلبه القحط إلى الخصب ثم جثى صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة ثم قال اللهم اسقنا وأغثنا مغيثا رحيما واسعا وجدا طبقا مغدقا عاما هنيئا مريئا مربعا مرتعا وابلا سائلا مسيلا مجللا دائما دارا نافعا غير ضار عاجلا غير واب غيثا اللهم تحي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل علينا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحي به بلدة ميتا واسعة مما خلقت أنعاما وأناسى كثيرا فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه إلى بعض ثم أمطرت سبعة ايام لا تقلع عن المدينة فأتاه صلى الله عليه وسلم المسلمون فقالوا قد غرقت الأرض وتهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يصرفها عنها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة ابن آدم ثم رفع يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رءوس الظراب ومنبت الشجر وبطون الأودية وظهور الآكام فتقشعت عن المدينة ثم قال صلى الله عليه وسلم لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من الذي ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله فقال الابيات
ومنها وفد بني أسد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من بني أسد منهم ضرار بن الازور ووابصة بن معبد وطليحة بن عبد الله الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن إسلامه ومنهم بن عبد الله بن خلف
وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ناقة تكون جيدة للركوب والحلب من غير أن يكون له ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب منها ثم سقاه ثم قال اللهم بارك فيها وفيمن منحها قال يا رسول الله وفيمن جاء بها قال وفيمن جاء بها ومنهم حضرمي بن عامر ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد مع اصحابه فسلموا عليه وقال شخص منهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا
أي وفي لفظ إن حضرمي بن عامر قال أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء أي ذات قحط ولم تبعث إلينا وفي رواية يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب فأنزل

الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين }
وسألوه صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من العيافة وهي زجر الطير والتخرص على الغيب والكهانة وهي الإخبار عن الكائنات في المسقبل وضرب الحصباء فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا يا رسول الله خصلة بقيت فقال وما هي قالوا الخط أي خط الرمل ومعرفة ما يدل عليه قال صلى الله عليه وسلم علمه نبي فمن صادف مثل علمه علم أي وفي رواية لمسلم فمن وافق خطه أي عم موافق خطه فذاك أي يباح له وإلا فلا يباح له إلا بتبيين الموافقة
أي وفي شرح مسلم أن محصل مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه أي لأنه لا طريق لنا إلا إلى العلم اليقيني بالموافقة وكأنه صلى الله عليه وسلم قال لو عملتم موافقته لكن لا علم لكم بها وأقاموا أياما يتعلمون الفرائض ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه وأمر لهم بجوائز ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد بني عذرة قبيلة باليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا من بني عذرة أي وسلموا بسلام الجاهلية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من القوم فقال قائلهم من بني عذرة أي اخو قص لامه نحن الذين عضدوا قصيا وازاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر فلنا قرابات وأرحام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم وأهلا أي لقيتم رحبا وأتيتم أهلا فستأنسوا ولا تستوحشوا ما أعرفني بكم قال ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم فما يمنعكم من تحية الإسلام قالوا يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا وقالوا إلام تدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو 2 إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس كافة فقال متكلمهم فما وراء ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس تحسن طهورهن وتصليهن لمراقبتهن فإنه أفضل العمل ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم باقي الفرائض من الصيام والزكاة والحج انتهى فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام عليهم وهرب هرقل إلى ممتنع بلاده ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكاهنة أي فقد قالوا يا رسول الله إن فينا امرأة كاهنة قريش والعرب يتحاكمون اليها أفنسألها عن أمور فقال صلى الله عليه وسلم

لا تسألوها عن شيء ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن الذبائح التي كانوا يذبحونها الى اصنامهم وقالوا نحن أعوانك وأنصارك ثم انصرنوا وقد اجيزوا أي وكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهم دابر
ومنها وفد بني بلى على وزن على مكبرا وهو حي من قضاعة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من بلى منهم وهو شيخهم أبو الضبيب تصغير الضب الدابة المعروفة نزلوا على رويفع بن ثابت البلوي وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هؤلاء قومي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك وبقومك فاسلموا وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فمن مات منكم على غير الإسلام فهو في النار
قال وفي رواية عن رويفع رضي الله عنه قال قدم وفد قومي فأنزلتهم علي ثم خرجت بهم حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فسلمنا عليه فقال صلى الله عليه وسلم رويفع فقلت لبيك قال من هؤلاء القوم قلت قومي يا رسول الله قال مرحبا بك وبقومك قلت يارسول الله قدموا وافدين عليك مقرين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يهديه للإسلام فتقدم شيخ الوفد أبو الضبيب فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا وفدنا إليك لنصدقك ونشهد أنك نبي حق ونخلع ما كنا نعبد وكان يعبد آباءؤنا فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار انتهى وقال له ابو الضبيب يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر قال نعم وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقه فقال يارسول الله ما وقت الضيافة قال ثلاثة أيام فما بعد ذلك صدقه ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحوجك أي يضيق عليك أي وفي لفظ فيؤثمك أي يعرضك للإثم أي تتكلم بسيء القول قال يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال هي لك أو لأخيك أو للذئب قال فالبعير قال مالك وله دعه حتى يجده صاحبه قال رويفع ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي منزلي يحمل تمرا فقال استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه ومن

غيره فأقاموا ثلاثة أيام ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم
ومنها وفد بني مرة وفد عليه صلى الله عليه وسلم وسلم ثلاثة عشر رجلا من بني مرة رأسهم الحارث بن عوف فقال يا رسول الله إنا قومك وعشيرتك نحن قوم من بني لؤي ابن غالب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للحارث أين تركت أهلك فقال بسلاح وما والاها فقال كيف البلاد فقال والله إنا لمسنتون وما في المال مح أي صوت يردده فادع الله لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشرة أواق من فضة وفضل الحارث ابن عوف فأعطاه اثني عشر اوقية أي وهذا يفيد أن كل واحد أعطى عشر أواق ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوا قومهم متى مطرتم فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واخصبت لهم بعد ذلك بلادهم
ومنها وفد خولان وهي قبيلة من اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من خولان فقالوا يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون بالله عز وجل مصدقون برسوله وقد ضربنا إليك آباط الإبل وركبنا حزون الأرض وسهولها وحزون كفلوس وهو ما غلظ منها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة فقالوا يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه أي والتوى بفتح المثناة فوق وفتح الواو مقصورا هو هلاك المال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل عم أنس وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه قالوا بشر بدلنا الله تعالى ما جئت به وقد بقيت منا بقايا شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى فقد كنا منه في غرور وفتنة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اعظم ما رأيتم من فتنة قالوا لقد رأيتنا بضم المثناة فوق واسنتنا حتى أكلنا الرمة فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة وتركناها يردها السباع ونحن أحوج اليها من السباع فجاءنا الغيث من

ساعتنا لقد رأينا الغيث يواري الرحال ويقول قائلنا أنعم علينا عم أنس وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لهذا الصنم من أموالهم من إنعامهم وحرثهم فقالوا كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمى زرعا آخر حجرة أي ناحية الله فإذا مالت الريح بالذي سميناه له أي لله جعلناه لعم أنس وإذا مالت الريح بالذي سميناه لعم أنس لم نجعله الله فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل علي في ذلك { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } الآية قالوا وكنا نتحاكم إليه فيتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الشياطين تكلمكم وسألوه صلى الله عليه وسلم عن فرائض الله فأخبرهم بها صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وأن لا يظملوا أحدا فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ثم ودعوه صلى الله عليه وسلم بعد أيام وأجازهم أي أعطى كل واحد اثنتي عشرة أوقية ونشا ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس
ومنها وفد بني محارب وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من بني محارب وفيهم خزيمة بن سواد وكانوا أغلظ العرب وأشدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام عرضه نفسه على القبائل في المواسم يدعوم إلى الله تعالى فجلسوا عنده يوما من الظهر إلى العصر وأدام صلى الله عليه وسلم النظر إلى رجل منهم وقال له قد رأيتك فقال له ذلك الرجل إي والله رأيتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ثم قال يا رسول الله ما كان في أصحابي اشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني فأحمد الله الذي جاء بي حتى صدقت بك ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه القلوب بيد الله عز وجل فقال يا رسول الله استغر لي من مراجعتي إياك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الإسلام يجب ما قبله يعني الكفر أي ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواد فصارت له غرة بيضاء وأجازهم كما يجيز الوفود ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد صداء حي من عرب اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا من صداء
وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم هيأ بعثا أربعمائة من المسلمين استعمل عليهم قيس

ابن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهم ودفع له لواء أبيض ودفع إليه راية سوداء وأمره ان يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل منهم وعلم بالجيش فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن سعد رضي الله تعالى عنهما وخرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بأولئك القوم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلون علي فنزلوا عليه فحباهم بالموحدة أعطاهم وأكرمهم وكساهم ثم ذهب بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وقالوا له نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع وسمى ذلك الرجل الذي كان سببا في رد الجيش ومجيء الوفد بزياد بن الحارث الصدائي أي وذكر زياد أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك قال فقلت بلى من من الله عز وجل ومن رسوله قال وفي رواية بل الله هداهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أؤمرك عليهم فقلت بلى يا رسول الله فكتب لي كتابا بذلك فقلت يا رسول الله مر لي شيء من صدقاتهم قال نعم فكبت لي كتابا آخر انتهى
قال زياد رضي الله تعالى عنه وكنت معه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكنت رجلا قويا فلزمت غرزة أي ركابه وجعل أصحابه يتفرقون عنه فلما كان السحر قال صلى الله عليه وسلم أذن يا أخا صداء فأذنت على راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع فقال يا أخا صداء هل معك ماء قلت معي شيء في إداوتي أي وهي إناء من جلد صغير وفي رواية لا إلا شيء قليل لا يكفيك قال هاته فجئت به قال صب نصببت ما في الإداوة في القعب أي وهو القدح الكبير وجعل أصحابه صلى الله عليه وسلم يتلاحقون ثم وضع صلى الله عليه وسلم كفه في الإناء فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عينا تفور ثم قال يا أخا صداء لولا اني أستحي من ربي عز وجل لسقينا وأسقينا أي من غير اصل ثم توضأ وقال أذن في أصحابي من كانت له حاجة في الوضوء بفتح الواو فليرد قال فورد الناس من آخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء

أذن ومن أذن فهو يقيم فأقمت ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا فلما سلم يعني من صلاته قام رجل يشكو من عامله فقال يا رسول الله إنه آخذنا بذحول كانت بيننا وبين قومه في الجاهلية أي وفي رواية آخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الإمارة لرجل مسلم ثم قام رجل آخر فقال يا رسول الله أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يكل قسمتها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزءا منها أعطيتك إن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن فقلت يا رسول الله هذان كتاباك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم قلت إني سمعتك تقول لا خير في الإمارة لرجل مسلم وأنا رجل مسلم وسمعتك تقول من سأل الصدقة وهو عنها غني فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن وأنا غني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن الذي قلت كما قلت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على رجل من قومك أستعمله فدللته صلى الله عليه وسلم على رجل منهم فاستعمله قلت يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها وإن كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه والإسلام فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناولني سبع حصيات فناولته ففكرهن في يده الشريفة ثم دفعهن إلي وقال إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة وسم الله قال ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة
ومنا وفد غسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا اليه ومنهم بنو حنيفة وقيل غسان قبيلة
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من غسان فأسلموا وقالوا لا ندري هل يتبعنا قومنا أم لا وهم يحبون بقاء ملكهم وقربهم من قيصر فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا راجعين إلى قومهم فلما قدموا عليهم ولم يستجيبوا لهم كتموا إسلامهم
ومنها وفد سلامان بفتح السين وتخفيف اللام وفي العرب بطون ثلاثة منسوبون إليه بطن من الأزد وبطن من طيء وبطن من قضاعة وهم هؤلاء

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة نفر من سلامان فيهم خبيب بن عمرو السلاماني فأسلموا
قال وعن خبيب رضي الله تعالى عنه صادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعى إليها فقلنا السلام عليك يا رسول الله فقال وعليكم السلام من أنتم قلنا نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى ثوبان غلامه فقال أنزل هؤلاء وسألنا عن اشياء انتهى
قال خبيب رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما أفضل الأعمال قال الصلاة في وقتها وصلوا معه صلى الله عليه وسلم يؤمئذ الظهر والعصر ثم شكوا له صلى الله عليه وسلم جدب بلادهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث في دارهم فقلت يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام صلى الله عليه وسلم وقمنا معه وأقمنا ثلاثة أيام وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواق فضة لكل واحد واعتذر إلينا بلال رضي الله تعالى عنه وقال ليس عندنا اليوم مال فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه ثم رجعنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنا وفد بني عبس وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من نبي عبس فقالوا يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا من آخرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم أي ينقصكم من أعمالكم شيئا وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد بن سنان هل له عقب فأخبروه أنه لا عقب له كانت له ابنة فانقرضت وأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان وقال إنه نبي ضيعه قومه وجاء ليس بيني وبين عيسى عليه الصلاة والسلام نبي
أي وإذا صح شيء من الأحاديث التي ذكر فيها خالد بن سنان أو غيره يكون

معناه لم يكن بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام نبي مرسل أي وتقدم ما في ذلك
ومنها وفد النخع أي بفتح النون والخاء المعجمة قبيلة من اليمن وهم آخر الوفود وكان وفودهم سنة إحدى عشرة في النصف من المحرم
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا رجل من النخع مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله إني رأيت في سفري هذا عجبا أي وفي رواية رأيت رؤيا هالتني قالو ما رأيت قال رأيت أتانا نركبها في الحي ولدت جديا أي وهو ولد المعز اسقع أحوى أي والأسقع الذي سواده مشرب بحمرة والأحوى الذي ليس شديد السواد ومن ثم فسر بالأخضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت أمة لك مصرة لك على حمل قال نعم قال فإنها تلد غلاما وهو ابنك قال يا رسول الله فماله أسقع أحوى قال ادن مني فدنا منه فقال هل بك برص تكتمه قال فوالذي بعثك بالحق ما علم به احد ولا أطلع عليه غيرك قال هو ذاك قال يا رسول الله ورايت النعمان بن المنذر أي وهو ملك العرب وعليه قرطان والقرط ما يكون في شحمة الأذن ودملجان بضم الدال المهملة وضم اللام وفتحها ومسكتان بضم الميم وسكون المهملة قال ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته قال يا رسول الله ورايت عجوزا شمطاء أي يخالط شعر رأسها الأبيض شعر أسود خرجت من الأرض قال تلك بقية الدنيا وقال ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بني وبين ابن لي يقال له عمرو وهي تقول لظى لظى بصير وأعمى أطعموني أكلكم أهلكم ومالكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فتنة تكون في آخر الزمان قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس إمامهم ويشتجرون اشتجار أطباق ا لرأس ويشتجرون بالشين المعجمة وبالجيم أي يشتبكون في الفتنة اشتباك أطباق الراس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه يحسب المسيء فيها أنها محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أسهل أي وفي لفظ أحلى من شرب الماء البارد وإن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك فقال يا رسول الله أني لا أدركها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركها فمات وبقي ابنه عمرو ولم يجتمع به صلى الله عليه وسلم فهو تابعي وكان ممن خعل عثمان رضي الله تعالى عنه


قال وفي رواية أن النخع بعث رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم أرطاه بن شرحبيل من بني حارثة والأرقم من بني بكر فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الاسلام فقبلاه فبايعاه على قومهما وأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شانهما وحسن هيئتهما وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل خلفتما وراءكما من قوكما مثلكما قالا لا يا رسول الله قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاء فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال اللهم بارك في النخع
وعقد صلى الله عليه وسلم وسلم لأرطاة لواء على قومه فكان في يده يوم الفتح وشهد به القادسية وقتل يومئذ رضي الله تعالى عنه ا هـ
وقوله وكان في يده يوم الفتح لا يناسب ما تقدم أن وفد النخع كان قدومه في سنة إحدى عشرة إلا أن يقال إن هذين وفدا قبل وفود ذلك الجمع
وقد ترك الأصل التعرض لجملة الوفود وذكرت في السيرة العراقية والسيرة الهشامية تركناها تبعا للأصل
منها أن عمرو بن مالك وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فقالوا حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا فكان بينهم وبين بني عقيل مقتلة وكان عمرو بن مالك هذا من جملة من قاتل معهم فقتل رجلا من بني عقيل قال عمرو فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه ما صنعت فقال صلى الله عليه وسلم إن أتاني لأضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض عني فأتيته عن يمينه فاعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيه من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز وجل ليترضى فيرضى فارض عني رضي الله تعالى عنك قال رضيت
وتقدم أنه قد جاء في الصحيح لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب اليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والله اعلم

& باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها الى الملوك يدعوهم إلى الإسلام
أي في الغالب وإلا فمنها ما ليس كذلك وهذه غير كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها بالامان التي تقدم ذكرها
أي ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتب للملوك قيل له يا رسول الله إنهم لا يقرءون كتابا إلا إذا كان مختوما أي ليكون في ذلك إشعار بأن الاحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم وفيه أن هذا واضح إذا كان الختم عليها بعد طيها ويجعل عليها نحو شمع ويختم فوق ذلك والظاهر أن ذلك لم يكن وحينئذ يكون الغرض من ذلك أمن التزوير لبعده مع الختم فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة أي بعد أن اتخذ خاتما من ذهب فاقتدى به صلى الله عليه وسلم ذوو اليسار من أصحابه فصنعوا خوايتم من ذب ولما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لبس أصحابه رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم فجاءه جبريل عليه السلام بعد من الغد بأن لبس الذهب حرام على ذكور أمتك فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم فطرح أصحابه خواتيمهم كان نقش خاتمه الفضة ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر
وفي حديث موضوع كان نقش خاتمه صدق الله وفي رواية شاذة أنه بسم الله محمد رسول الله والأسطر الثلاثة تقرا من أسفل إلى فوق فمحمد آخر الأسطر ورسول في الوسط الله فوق كذا قال بعض أئمتنا
قال في النور والذي يظهر لي أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها يختم على الاستواء كما في خواتم الكبراء اليوم وختم صلى الله عليه وسلم بذلك الخاتم الكتب وكان في يده الشريفة ثم في يد ابي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم حتى وقع في بئر أريس في السنة التي توفي فيها عثمان رضي الله تعالى عنه فالتمسوه ثلاثة ايام فلم يجدوه
وذكر أن هذا الخاتم الذي كان في يده صلى الله عليه وسلم ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة

وأنه الذي كان في يد خالد بن سعيد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما نقش هذا الخاتم قال محمد رسول الله قال اطرحه إلي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في يده ثم في يد أبي بكر الحديث
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة فصه حبشي أي من جذع لأنه يؤتى به من بلاد الحبشة وقيل صنف من الزبرجد وأنه الذي نقش فيه محمد رسول الله وفي لفظ فصه منه وفي لفظ فصه من عتيق
أي ولا ينافي ذلك وصفه بانه حبشي لأن العقيق يؤتى به من بلاد الحبشة ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتما كله عقيق وفي الحديث تختموا بالعقيق فإنه مبارك تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر
قيل وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم في خنصر يده اليسرى وهو المروي عن عامة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين
وقيل كان في خنصر يمينه صلى الله عليه وسلم وهو قول أبن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة ومنهم عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وقبض والخاتم في يمينه قال بعضهم وهذا وراه عبيدة بن القاسم وهو كذاب أي وهو يخالف ما جمع به البغوي بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم به في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وروى أشعب الطامع عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمنى
قال الإمام النووي رحمه الله التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه في اليمين أفضل لأنه زينة واليمين بها أولى هذا كلامه أي ولأن ابن أبي حاتم نقل عن أبي زرعة أنه كان في يمينه صلى الله عليه وسلم أكثر منه في يساره وكان يجعل فصه مما يلي كفه وتقدم أن الخاتم الذي لبسه صلى الله عليه وسلم يوما ألقاه كان من الذهب وقيل كان ذلك الخاتم من حديد
وقال قال صلى الله عليه وسلم للابس خاتم الحديد مالي ارى عليك حلية أهل النار فطرحه ولعله لكون سلاسل أهل النار وأغلالهم وقيودهم من حديد أي ثم جاء وعليه خاتم من صفر أي من نحاس فقال مالي أجد فيك ريح الأصنام ولعل الاصنام كانت تتخذ من نحاس غالبا ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة

أي المختص إباحتها بأهل الجنة في الجنة قال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال من ورق ولا تتمه مثقالا أي وزن مثقال لكن في رواية أبي داود ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال وهي تفيد أن الخاتم كان دون مثقال وزنا لكن بلغ بالصنعة قيمة مثقال كان منهيا عنه
وفي الحديث ما طهر الله كفا فيه خاتم من حديد وهو يفيد كراهة لبس الخاتم الحديد
وفي كلام الشمس العلقمى ولا يكره كونه من نحود حديد ونحاس لحديث الشيخين التمس ولو خاتما من حديد فليتأمل
وعند عزمه صلى الله عليه وسلم على إرسال الكتب وتكلم مع اصحابه في ذلك خرج على أصحابه يوما فقال ايها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني رحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم عليه السلام يا رسول الله قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضى وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وأبى فشكا ذلك عيسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذي وجه إليهم

ذكر كتباه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر
المدعو هرقل ملك الروم على يد دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه والدحية بلسان اليمن الرئيس
وقيصر معناه في اللغة البقير لانه شق عنه لأن أم قيصر ماتت في المخاص فشق عنه وأخرج فسمي قيصر وكان يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج أي لأن كل من ملك الروم يقال له قيصر
كتب صلى الله عليه وسلم كتابا لقيصر يدعوه إلى الاسلام وبعث به دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه وأمره أن يدفعه إلى قيصر ففعل كذلك أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم من ينطلق بكتابي هذا فيسير إلى هرقل وله الجنة

وقيل أمر صلى الله عليه وسلم دحية أن يدفعه إلى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه إلى قيصر
ولما انتهى دحية رضي الله تعالى عنه إلى الحارث أرسل معه عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه ليوصله إلى قيصر فذهب به إليه فقال قومه لدحية رضي الله تعالى عنه إذا رأيت الملك فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك
قال دحية رضي الله تعالى عنه لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله قالوا إذن لا يؤخذ كتابك فقال له رجل منهم أنا أدلك على أمر يؤخذ فيه كتابك ولا تسجد له فقال دحية رضي الله تعالى عنه وما هو فقال إن له على كل عتبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فإن أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها ففعل فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتاب العرب فدعا الترجمان الذي يقرا بالعربية ثم قال انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه وكان أبو سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه بالشام أي بغزة مع رجال من قريشس في تجارة زمن هدنة الحديبية أي وكان أولها في ذي القعدة سنة ست
وقيل كتب إليه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لقيصر مرتين والأول ما هو في الصحيحين والثاني قاله السهيلي واستدل له بخبر في مسند الإمام أحمد أي وأغرب من قال إن الكتابة له كانت سنة خمس
قال ابو سفيان فأتانا رسول قيصر أي وهو والي شرطته فانطلق بنا حتى قدمنا عليه أي في بيت المقدس فإذا هو جالس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه أي وهو المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل اسم عربي سلهم ايهم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي أي وفي لفظ لهذا الرجل الذي خرج بارض العرب يزعم أنه نبي فقال ابو سفيان أنا أقربهم نسبا اليه لأنه لم يكن في الركب يومئذ من بني عبد مناف غيري أي لأن عبد مناف هو الأب الرابع له صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان أي وزاد في لفظ ما قرابتك منه قلت هو ابن عمي فقال له ادن مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجمانه قل لاصحابه إنما قدمت هذا أمامكم سأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي وإنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه كذبا

إن قاله أي حتى لا تستحيوا أن تشافهوه بالتكذيب إذا كذب قال ابو سفيان فوالله لولا الحياء يؤمئذ أن يردوا علي كذبا لكذبت ولكني استحيت فصدقت وانا كاره أي وفي رواية لولا مخافة أن يؤثر عني الكذب لكذبت أي لولا خفت أن ينقل عني الكذب إلى قومي ويتحدثوا به في بلادي لكذبت عليه لبغضي إياه ومحبتي نقصه وبه يعلم أن الكذب من القبائح جاهلية واسلاما ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت هو مناذ ونسب قال قل له هل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت لا قال قل له هل كنتم تتهمونه بالكذب على الناس قبل أين يقول ما قال قلت لا أي وفي رواية هل كان حلافا كذابا مخادعا في أمره لعله يطلب ملكا وشرفا كان لأحد من أهل بيته قبله قال هل كان من آبائه ملك قلت لا أي وزاد في رواية كيف عقله ورأيه قال لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط قال فاشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم أي والمراد باشراف الناس أهل النخوة واهل التكبر فلا يرد مثل أبي بكر وعمر وحمزة رضي الله عنهم ممن أسلم قبل هذا السؤال
وعند ابن اسحاق رحمه الله تعالى تبعه منا الضعفاء والمساكين والاحداث وأما ذوو الأحساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو محمول على الأكثر الأغلب أي الأكثر والأغلب أن أتباعه صلى الله عليه وسلم ضعفاء قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه أي كراهة له وعدم رضا به بعد أن يدخل فيه قلت لا ولا يقال هذا منقوض بما لعبد الله بن جحش حيث ارتد ببلاد الحبشة لأنه يرتد كراهية للإسلام بل لغرض نفساني كما تقدم قال فهل يغدر إذا عاهد قلت لا ونحن الآن منه في ذمة لا ندري ما هو فاعل فيها قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول وسجال ندل عليه مرة أي كما في أحد ويدال علينا أخرى أي كما في بدر قد تقدم في أحد أن أبا سفيان رضي الله عنه قال يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال أي نوب
وفي لفظ قال ابو سفيان انتصر علينا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وبجدع الآذان والأنوف والفروج واشار بذلك إلى يوم أحد
قال فما يأمركم به قلت يأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك به شيئا أي والذي

في البخاري يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدقة وفي لفظ والزكاة وفي لفظ جمع بين الصدق الصدقة والعفاف أي ترك المحارم وخوارم المرؤءة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة
فقال لترجمانه قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ماقال فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل أي لأن الغالب أن أتباع الرسل أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار وسالتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب إذا حصل به انشراح الصدور والفرح به لا يسخطه أحد وسألتك هل قاتلتموه قلت نعم وإن حربكم وحربه دول وسجال يدال عليكم مرة وتدالون عليه أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون له العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزغمت أنه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة أي وفي البخاري وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر أي لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يناله طالبه إلا بالغدر فعلمت أنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه فيكم وإن كان ما حدثني به حقا فيوشك أي يقرب أن يملك موضع قدمي هاتين
أي وذكر بعضهم أن هذا يدل على أن هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل كانت عنده في الكتب القديمة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه أن هذا لا يأتي مع قوله ما تقدم إذ هو يقضي أن ذلك علامة على رسالة كل رسول ثم قال قيصر ولو أعلم أني أخلص أي أصل إليه لتجشمت أي تكلفت مع المشقة لقيه أي وفي لفظ آخر لا استطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ولا عذر له في هذا لأنه قد عرف صدق النبي

صلى الله عليه وسلم وإنما شح بالملك فطلب الرياسة وآثرها على الإسلام ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم أو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله
ثم قال ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه أي مبالغة في خدمته والتعبد له ولا أطلب منه ولاية ولا منصبا
قال ابو سفيان ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرىء عليه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أي ولم يتبع الهدى فلا سلام عليه فليس في هذا بداءة الكافر بالسلام اما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أي بالكلمة الداعية للإسلام وهي كلمة التوحد أي اليها فلاباء موضع إلى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو لإيمان أتباعك بسبب إيمانك فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين أي فلاحين القرى أي ومن ثم جاء في رواية إثم الفلاحين وفي رواية إثم الأكارين والأكار الفلاح لأن أهل السواد وما والاهم أهل فلاحة والمراد ثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أسرع انقيادا من غيرهم لأن الغالب عليهم الجهل والجفاء وقلة الدين والمراد عليك مع إثمك إثم رعاياك لأنه إذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا فهو متسبب في عدم إسلامهم والفاعل لمعصية المتسبب لارتكاب غيره لها عليه الإثم من جهتين جهة فعله وجهة تسببه ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلى الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون والواو في قوله صلى الله عليه وسلم ويا أهل الكتاب عاطفة على مقدر معطوف على قوله أدعوك والتقدير أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولأتباعك يا أهل الكتاب
قيل وهذه الآية كتبها صلى الله عليه وسلم قبل نزولها لأنها إنما نزلت في وفد نجران وذلك في سنة تسع وهذه القصة كانت في سنة ست وقيل بعد نزولها لأن نزولها كان في اول الهجرة في شان اليهود قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وجوز بعضهم نزولها مرتين وهو بعيد كذا قال فليتأمل


قال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فلما قضى مقالته وفرغ من الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم أي اصواتهم التي لا نفهم
وفي البخاري كثر عنده الصخب وارتفاع الأصوات والصخب اختلاط الأصوات عند المخاصمة زاد البخاري فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا وأصحابي وخلصنا قلت لهم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أي عظم أمره هذا ملك بني الاصفر يخافه فما زلت موقنا أن سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام أي فأظهرت ذلك اليقين لا أنه ارتفع وفي لفظ فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت
وقد تقدم الكلام على كبشة وهو أن جد وهب لأمه أبو آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم كان يكنى أبا كبشة قال في شرح مسلم وهو الذي كان يعبد الشعرى وأبو سلمة أم جده عبد المطلب كان يكنى أبا كبشة وزوج مرضعته صلى الله عليه وسلم كان يكنى ابا كبشة وتقدم الكلام أيضا عن بني الأصفر
ويروى أن أبا سفيان رضي الله تعالى عنه قال لقيصر لما سأله هل كنتم تتهمونه بالكذب فقال لا لكن أخبرك عنها أيها الملك خبرا تعرف به أنه قد كذب قال وما هو قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح فقال بطريق أي قائد من قواد الملك كان واقفا عند رأس قيصر صدق أيها الملك فنظر إليه قيصر فقال ما أعلمك بهذا قال إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كانما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زواية المسجد مثقوب قال في النور الذي يظهر لي أنه الصخرة أي المراد بالصخرة في بعض الروايات كما قدمناه وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر فقال قيصر لقومه يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبيا بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فإن الله جعله في غيركم وهي رحمة الله عز وجل يضعها حيث شياء أي وأمر بإنزال دحية وإكرمه
وذكر أن ابن أخي قيصر أظهر الغيظ الشديد وقال لعمه قد ابتدأ بنفسه وسماك

صاحب الروم ألق به يعني الكتاب فقال له والله إنك لضعيف الراي أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر هو حق ان يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه أي وفي لفظ أن أخا قيصر لما سمع الترجمان يقرأ من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم ضرب في صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الكتاب من يده وأراد أن يقطعه فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا فقال له قيصر إنك أحمق صغير أو مجنون كبير أتريد أن تمزق كتب رجل قبل أن أنظر فيه ولعمري إن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها مني ولئن سماني صاحب الروم لقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي كما سلط فارس على كسرى فقتلوه
ولما جاءه صلى الله عليه وسلم الخبر عن قيصر قال ثبت ملكه وفي لفظ سيكون لهم بقية ولقد صدق الله ورسوله
فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن الملك المنصور قلاوون أرسل بعض امرائه إلى ملك المغرب بهدية فارسله ملك المغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبله وأكرمه وقال له لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج له صندوقا مصفحا بالذهب وأخرج منه مقلمة وفي لفظ قصبة من الذهب
فعن السهيلي رحمه الله تعالى قال بلغني ان هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد الصق عليه خرقه حرير فقال هذا كتاب نبيكم لجدي قيصر ما زلنا نتوراثه إلى الآن وذكر لنا آباؤنا عن آبائم أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزول الملك عنا فنحن غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا أي ولا ينافيه ما جاء إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده لأن المراد إذا زال ملكه عن الشام لا يخلفه فيه أحد وكان كذلك لم يبق إلا ببلاد الروم
أي ويروى أن قيصر لما رجع من بيت المقدس إلى محل دار ملكه وهي حمص أي فإنه لما ظهر على الفرس وأخرجهم من بلاده نذر أن يأتي بيت المقدس ماشيا شكرا لله فلما اراد الذهاب إلى بيت المقدس ماشيا بسط له البسط وطرح له عليها الرياحين ولا زال يمشي على ذلك إلى أن وصل بيت المقدس كما سيأتي فلما رجع إلى حمص كان له فيها

قصر عظيم فأغلق أبوابه وأمر مناديا ينادي ألا أن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بصره تريد قتله فأرسل إليهم إني اردت اختبار صلابتكم في دينكم فقد رضيت فرضوا عنه
والذي في البخاري أن قيصر لما سار إلى حمص أذن لعظماء الروم في دسكرة له ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحس إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت فلما رأى قيصر نفرتهم وأيس من الإيمان منهم أي وقالوا له أتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي فقال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على شدتكم على دينكم فقد رايت فسجدوا له ورضوا عنه وعند ذلك كتب كتابا وأرسله مع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه إني مسلم ولكنني مغلوب وأرسل بهدية لما قرىء عليه صلى الله عليه وسلم الكتاب قال كذب عدو الله ليس بمسلم وقبل صلى الله عليه وسلم هديته وقسمها بين المسلمين ومصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن قيصر بعد هذه القصة بدون سنتين قاتل المسلمين بغزوة مؤتة
وفي صحيح ابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه قارب للإجابة ولم يجب وفي مسند الإمام أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب إنه على نصرانيته وفي لفظ كذب عدو الله والله إنه ليس بمسلم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ولم يعلم بمقتضاه بل شح بملكه وآثر العافية على العاقبة لعنه الله عليه أي لأنه تحقق كفره أي وقد ذكر حامل كتابه إليه صلى الله عليه وسلم قال جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا فقلت أين صاحبكم قيل هو هذا فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال من أنت قلت أنا أحد تنوخ قال هل لك في الإسلام دين الحنيفية ملة إبراهيم قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } فلما فرغ من قراءة كتابي قال إن لك حقا وإنك رسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا قوم سفر

فقال رجل أنا أجوزه فأتى بحلة فوضعها في حجري فسألت عنه فقيل لي إنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وقيل أخاه خنيسا وقيل أخاه خارجة وقيل شجاع بن وهب وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم إلى كسرى وبعث معه كتابا مختوما فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس أي الذين هم أتباعك قال عبدالله بن حذافة رضي الله عنه فأتيت إلى بابه وطلبت الإذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فأخذه ومزقه
أي وفي رواية أن كسرى لما أعلم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه فلما وصل أمر كسرى أن يقبض منه الكتاب فقال لا حتى أدفعه إليك كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كسرى ادنه فدنا فناولته الكتاب فدعا من يقرؤه فقرأ فإذا فيه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وصاح ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر باخراج حامل ذلك الكتاب فأخرج فلما رأى لك قعد على راحلته وسار فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث فطلب حامل الكتاب فلم يجده فلما وصل إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال صلى الله عليه وسلم مزق كسرى ملكه
وكتب كسرى إلى بعض أمرائه باليمن يقال له باذان بلغني ان رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إني برأسه يكتب إلي هذا الكتاب أي الذي بدأ فيه نفسه وهو أي وفي رواية إن تكفيني رجلا

خرج بارضك يدعوني إلى دينه وإلا فعلت فيك كذا يتوعده فابعث إليه برجلين جلدين فيأ تيأني به فبعث باذان بكتاب كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قهر مانه وبعث معه رجلا آخر من الفرس وبعث معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى فخرجا وقدما الطائف فوجدا رجلا من قريش في ارض الطائف فسألاه عنه فقال هو بالمدينة فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم المدينة قالا له شاهنشاه ملك الملوك كسرى بعث إلى الملك باذن يأمره أن يبعث إليك من يأتي بك وقد بعثنا إليك فان أبيت هلكت وأهلكت قومك وخربت بلادك وكانا على زي الفرس من حلق لحاهم وإعفاء شواربهم فكره صلى الله عليه وسلم النظر إليهما ثم قال لهما ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أمرني بي باعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني غدا وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه يقتله في شهر كذا في ليلة كذا فلما كان الغد دعاهما وأخبرهما الخبر وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باذان إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا فلما أتى الكتاب باذان توقف وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد ولده شيرويه قيل قتله ليلا بعد ما مضى من الليل سبع ساعات فيكون المراد باليوم في تلك الرواية مجرد الوقت أي وفي راية قال صلى الله عليه وسلم لرسول باذان اذهب إلى صاحبك وقل له إن ربي قد قتل ربك الليلة ثم جاء الخبر بأن كسرى قتل تلك الليلة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فلما جاءه صلى الله عليه وسلم هلاك كسرى قال لعن الله كسرى أول الناس هلاكا فارس ثم العرب
وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لتفتحن عصابة من المسلمين أو المؤمنين أو رهط من أمتي كنوز كسرى التي في القصر الأبيص فكنت أنا وأبي فيهم واصبنا نم ذلك ألف درهم وقدم على باذان كتاب ولد كشرى شيرويه فيه اما بعد فقد قتلت كسرى ولم اقتله إلا غضبا لفارس فانه قتل اشرافهم فتفرق الناس فإذا جاءك كتابي هذا فخذلي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه حتى يأتيك أمري فيه فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا

وفي رواية أنه قيل صلى الله عليه وسلم إن كسرى قد استخلف ابنته فقال لا يفلح قوم تملكهم امرأة

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة
على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلم أنت أي أنت سالم لأن المسلم يأتي بمعنى السلامة فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة أي العفيفة أي المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم أو المنقطعة عن الدنيا وزينتها ومن ثم قيل لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم البتول فحملت بعيسى حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض ثم أسلم ودعا بحق من عاج أي وهو عظم الفيل وجعل فيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذا الكتاب بين أظهرهم
أي وفي كلام بعضهم وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فكان أو رسول وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام وفي الآخر يأمره أن يزوجه صلى الله عليه وسلم أم حبيبة فأخذ الكتابين وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه نزل عن سريه تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق
وكتب إليه صلى الله عليه وسلم النجاشي أي جواب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة السلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو زاد في لفظ الذي هداني للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فورب

السماء والأرض إن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يزيد على ما ذكرت وقد عرفنا ما بعث به إلينا وقد قر بنا ابن عمك وأصحابه يعني جفعر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين رضي الله عنهم فاشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب واسلمت على يده لله رب العالمين أي وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اتركوا الحبشة ما تركوكم
وذكر أن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه قال للنجاشي أي عند إعطائه الكتاب يا اصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنكا كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نحفظك على شر قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم والإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجوز في ذلك موقع الخير وإصابة الفضل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم كاليهود في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر ينتظر فقال النجاشي أشهد بالله إنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى عليه الصلاة والسلام براكب الحمار كبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر زاد بعضهم ولكن أعواني من الحبشة قليل فأنظرني حتى أكثر الأعوان والين القلوب
أقول كذا في الأصل وهو صريح في أن هذا المكتوب اليه هو الذي هاجر إليه المسلمون سنة خمس من النبوة ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفى وصلى عليه بالمدينة منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة
والذي قاله غيره كابن حزم أن هذا النجاشي الذي كتب إليه صلى الله عليه وسلم وسلم الكتاب وبعث به عمرو بن أمية الضمري لم يسلم وأنه غير النجاشي الذي صلى الله عليه وسلم الذي آمن به وأكرم أصحابه وفي صحيح مسلم ما يوافق ذلك
ففيه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النجاشي الذي كتب إليه ليس بالنجاشي الذي صلى عليه ويرد بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم كتب للنجاشي الذي عليه وللنجاشي الذي تولى بعده على يد عمرو بن أمية فلا مخالفة


ومن ثم قال في النور والظاهر أن هذه الكتابة متأخرة عن الكتابة لأصحمة الرجل الصالح الذي آمن به صلى الله عليه وسلم وأكرم أصحابه هذا كلامه
وفيه أن رد الجواب على النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب المذكور ورده على عمرو ابن أمية بقوله أشهد بالله إنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب إلى آخره إنما يناسب الأول الذي هو الرجل الصالح ويكون جواب الثاني لم يعلم وقد تقدم عن ابن حزم أنه لم يسلم
وقال بعضهم إنه الظاهر وحينئذ يكون الراوي خلط فوهم أن المكتوب إليه ثانيا هو المكتوب إليه أولا كما اشار إليه في الهدى والله أعلم

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس
ملك القبط
وهم أهل مصر الإسكندرية وليسوا من بني إسرائيل على يد حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس أي فإنه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية قال ايها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله فوثب إليه حاطب رضي الله عنه وقال انا يا رسول الله قال بارك الله فيك يا حاطب قال حاطب رضي الله عنه فأخذت الكتاب وودعته صلى الله عليه وسلم وسرت إلى منزلي وشددت على راحلتي وودعت أهلي وسرت زاد السهيلي وانه صلى الله عليه وسلم أرسل مع حاطب جبير مولى أبي رهم الغفاري فإن جبيرا هو الذي جاء بمارية من عند المقوقس
واعترض بأن هذا لا يلزمه أن يكون صلى الله عليه وسلم أرسل جبيرا مع حاطب للمقوقس لجواز ان يكون المقوقس ارسل جبيرا مع حاطب والمقوقس لقب وهو لغة المطول للبناء واسمه جريج بن مينا بعث معه صلى الله عليه وسلم كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين

فإن توليت فإنما عليك إثم القبط أي الذين هم رعاياك ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدو بأنا مسلمون وختم الكتاب وجاء به حاطب رضي الله تعالى عنه حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية أي بعد أن ذهب إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية فأخبر أنه في مجلس مشرف على البحر فركب حاطب رضي الله عنه سفينة وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه فلما رآه أمر باحضاره بين يديه فلما جيىء به نظر إلى الكتاب وفضه وقرأه وقال لحاطب ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أي من قومه وأخرجوه من بلده إلى غيرها أن يسلط عليهم فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى حتى رفعه الله إليه قال احسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم ثم قال له حاطب رضي الله تعالى عنه إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى يعني فرعون { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوارة إلى الإنجيل كل نبي أدرك قوما فهم أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليه السلام ولكنا نأمرك به فقال إني قد نظرت في امر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ووجدت معه آلة النبوة باخراج الخبء بفتح الخاء المعجمة وهمز في آخره أي الشيء الغائب المستور والإخبار بالنجوى أي يخبر بالمغيبات وسأنظر وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في حق عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له
ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت

أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أي وهما مارية وسيرين بالسين المهملة مكسورة وبثياب أي وهوي عشرون ثوبا من قباطي مصر قال بعضهم وبقيت تلك الثياب حتى كفن صلى الله عليه وسلم في بعضها
وفي كلام هذا البعض وأرسل له صلى الله عليه وسلم عمائم وقباطي وطيبا وعودا وندا ومسكا مع ألف مثقال من الذهب ومع قدح من قوراير فكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه أي لأنه سأل حاطبا رضي الله عنه فقال أي طعام أحب إلى صاحبكم قال الدباء يعني القرع ثم قال له في أي شيء يشرب قال في قعب من خشب ثم قال وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك ولم يزد على ذلك ولم يسلم
ولا يخفى أنه سيأتي أنه أهدى إليه صلى الله عليه وسلم زيادة على الجاريتين جارية أخرى اسمها قيسر وهي أخت ماوية ولعله إنما اقتصر على ذكر الجاريتين دون هذه الثالثة مع أنها اخت مارية لأنها دونهما في الحسن
وذكر بعضم أن سيرين أيضا أخت مارية فالثلاث أخوات
وفي ينبوع الحياة لابن ظفر فأهدى إليه صلى الله عليه وسلم المقوقس جواري اربعا أي ويواقفه قول بضعهم وارسل إليه صلى الله عليه وسلم جارية سوداء أسمها بريرة
وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إحدى الجاريتين لأبي جهم بن قيس العبدي فهى أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر وأخرى اهداها لحسان بن ثابت وهي ام عبد الرحمن بن حسان كما تقدم في قصة الإفك وأهدى اليه المقوقس زيادة على ذلك خصيا أي مجبوبا أي غلام أسود يقال له مأبور باثبات الراء وقيل بحذفها وقيل هابو أي بالهاء بدل الميم واسقاط الراء ابن عم مارية وكونه كان مجبوبا عند إرساله وكان المهدي له المقوقس هو المشهور
وفي كلام بعضهم أن الهدى له جريج بن مينا القبطي الذي كان على مصر من قبل هرقل وأنه لم يكن حال الإرسال مجبوبا وأنه قدم مع مارية فأسلم وحسن إسلامه وكان يدخل عليها وأنه رضى من مكانه من دخوله على سرية النبي صلى الله عليه وسلم

ان يجب نفسه فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق منه شىء فليتأمل وسيأتي ما وقع له واهدى له المقوقس زيادة على البغلة وهي الدلدل في اللغة اسم للقنفذ العظيم وكانت انثى ولا يستدل بلحوق التاء لها لأنها للوحدة
وفي كلام بعضهم أجمع أهل الحديث على أن بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم كانت ذكرا لا انثى واول من استنتج البغال قارون قالوا والبغل أشبه بأمه منه بأبيه
قيل ولم يكن يومئذ في العرب بغلة غيرها وقد قال له سيدنا علي رضي الله عنه لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون قال ابن حيان أي الذين لا يعلمون النهى عنه
وفيه أن الله امتن بها كالخيل والحمير ولا يقع الامتنان بالمكروه وحمارا أشهب يقال له يعفورا وعفير بالعين المهملة مضمومة وضبطه القاضي عياض بالمعجمة وغلط في ذلك مأخوذ من العفرة وهي لون التراب وفرسا وهو اللزاز أي فإن المقوقس سأل حاطبا رضي الله عنه ما الذي يحب صاحبك من الخيل فقال له حاطب الاشقر وقد يركب عنده فرسا يقال له المرتجز فانتخب له صلى الله عليه وسلم فرسا من خيل مصر الموصوفة فأسرج وألجم وهو فرسه صلى الله عليه وسلم الميمون
وأهدى له صلى الله عليه وسلم عسلا من بنها بكسر الباء الموحدة قرية من قرى مصر وأعجب به صلى الله عليه وسلم ودعا في عسل بنها بالبركة لأنه حين أكل منه قال إن كان عسلكم أشرف فهذا أحلى ثم دعا فيه بالبركة
وأهدى إليه مربعة يضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا أي فان المقوقس سأل حاطبا عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يكتحل فقال له نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره ولا يفارق خمسا في سفر كان أو في حضر وهي المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والمسواك والمدرى شيء كالمسلة يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالاصبع يشوش الشعر ويلوى بها قرون شعر الرأس
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها سبع لما تفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر القارورة التي يكون فيها الدهن والمكحلة والمقراض أي المقص

والمسواك والمرآة زاد بعضهم والإبرة والخيط ولعل عدم ذكر ذلك في الكتاب أنه لم يره شيئا ينبغي ذكره
أي وقد قال بعضهم إن المقوقس أرسل مع الهدية طبيبا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا اكلنا لا نشبع
واعترض كون الحمار الذي أرسله المقوقس يسمى يعفورا بأن الحمار الذي يسمى يعفور أهداه له فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر
وأهدى إليه أيضا بغلة شهباء يقال لها فضة وفرسا يقال له الظرب كما تقدم
ثم رايت بعضههم سمى الحمار الذي أهداه عامل قيصر عفيرا أيضا وعليه فتسميه حمار المقوقس عفيرا أيضا كما في الأصل أن الحمار الذي أهداه المقوقس يقال له يعفورا وعفير من خلط بعض الرواة فلا منافاة وفي هذا قبول هدية المشركين وقد تقدم رده صلى الله عليه وسلم لهداياهم وقال لا أقبل زبد المشركين
ومما يشكل عليه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية أهدى صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان عجوة استهداه أدما فأهداه إليه ابو سفيان وهو على شركه
وذكر أن المقوقس قال لحاطب رضي الله عنه القبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك وأنا أضن أي أبخل بملكي أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه فارجع إلى صاحبك وارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا قال حاطب رضي الله عنه فرحلت من عنده أي وبعث معه جيشا إلى أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فرد الجيش وارتفق بالقافلة
قال حاطب وذكرت قوله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
ومن ثم ذكر بعضهم أن هرقل لما علم ميل المقوقس إلى الإسلام عزله ويخالفه قول بعضهم وبعث أبو بكر رضي الله عنه حاطبا هذا إلى المقوقس بمصر فصالح القبط إلا أن يقال يجوز أن يكون المقوقس عاد لولايته بعد عزله
وذكر بعضهم أن باني الإسكندرية لما أراد بناءها قال أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية

عن الناس فدامت وبنى أخوه مدينة قال عند إراده بنائها ابني مدينة فقيرة إلى الناس غنية عن الله فسلط عليها الله الخرب في أسرع وقت
ولما فتح عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه مصر وقف على بعض ما بقي من آثار تلك المدنية فسال عن ذلك فأخبر بهذا الخبر

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوي العبدي
بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله إليك لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإني اذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي وتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية أني وهذا جواب كتاب أرسله المنذر جوابا لكتاب أرسله له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يدعوه إلى الإسلام فأسلم وحسن إسلامه
أقول ولم أقف على ذلك الكتاب ولا على حامله والظاهر أنه العلاء المذكور فقد ذكر السهيلي رحمه الله أن العلاء قدم على المنذر بن ساوى فقال له يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية شر دين ينكح فيها ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره من أكله وتعبدون في الدنيا نارا تأكلكم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأى فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا أن لا نصدقه ولمن لا يخون أن لا نأتمنه ولمن لا يخلف أن لا نثق به فإن كان هذا هكذا فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فرايته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة

وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر والله أعلم
ومن جملة كتاب المنذر أي الذي هذا الكتاب جوابه أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث لي في ذلك أمرك
وذكر ابن قانع أن المنذر المذكور وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال ابو الربيع ولا يصح ذلك

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وعبد ابني الجلندي
ملكي عمان
أي بضم العين المهملة وتخفيف الميم بلدة من بلاد على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى جيفر وعبد أبني الجلندي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا الإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل أي تنزل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب
قال عمرو ثم خرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك به حتى يقرأ كتابك ثم قال وما تدعوا اليه قلت أدعو إلى الله وحده وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله قال يا عمر إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك يعني العاص بن وائل فإن لنا فيه قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ووددت له لو كان آمن وصدق به وقد كنت قبل على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام

فقال متى تبعته قلت قريبا فسألني أين كان إسلامي فقلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم قال فكيف صنع قومه بملكه قلت أقروه واتبعوه قال والأساقفة أي رؤساء النصرانية والرهبان قلت نعم قال انظر يا عمر وما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له أي أكثر فضيحة من كذب قلت وما كذبت وما نستحله في ديننا ثم قال ما رأى هرقل علم باسلام النجاشي قلت له بلى قال بأي شيء علمت ذلك يا عمرو قلت كان النجاشي رضي الله عنه يخرج له خراجا فلما أسلم النجاشي وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم قال لا والله ولو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا فقال هرقل رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما اصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال انظر ما تقول يا عمرو قلت والله صدقتك قال عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر البر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال ما أحسن هذا الذي يدعو اليه ل كان أخى يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ولكن أخى أضن مملكه من أن يدعه ويصير ذنبا أي تابعا
قلت إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم قال إن هذا الخلق حسن وما الصدقة فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال أي ولما ذكرت الماشي قال يا عمرو يؤخذ من سوائهم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد المياه فقلب نعم فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا
قال عمرو فمكثت أياما بباب جيفر وقد أوصل إليه أخوه خبري ثم إنه دعاني فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعى أي عضدي يقال دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال تكلم بحاجتك فدفعت إليه كتابا مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى أنتهى إلى آخره ثم دفع إلى أخيه فقرأه ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت اتبعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت ابتعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور بالسيف قال ومن معه قلت الناس قد رغبوا في الاسلام واختاروه على غيره

وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال مبين فما أعلم احدا يبقى غيرك في هذه الخرجة وأنت لم تسلم اليوم وتتبعه تطؤك الخيل وتبد خضراءك أي جماعتك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال دعني يوني هذا وارجع إلي غدا فلما كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه فقال إني فكرت فيما دعوتني اليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا وإن بلغت خيله ألفت أي وجدت قتالا ليس كقتال من لاقى قلت وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخنه فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الاسلام هو وأخوه جميعا وصدقا وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لى عونا على من خالفني

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة
بالذال المعجمة وقيل بالدال المهملة قال في النور ولا أظنه إلا سبق قلم صاحب اليمامة أي وزاد بعضهم وإلى ثمامة بن أثال الحنفيين ملكي اليمامة وفيه نظر لأن ثمامة رضي الله تعالى عنه كان مسلما حينئذ على يد سليط بفتح السين المهملة بن عمرو والعامري أي لأنه كان يختلف إلى اليمامة وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر على منتهى الخف والحافر أي حيث تقطع الإبل والخيل فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك فلما قدم عليه سليط بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوما أنزله وحياه وقرأ عليه الكتاب فرد ردا دون ردا فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل إلي بعض الأمر اتبعك واجاز سليطا رضي الله تعالى عنه عنه بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه وقال لو سألني سيابة أي بفتح السين المهملة وتخفيف المثناة من تحت وموحدة مفتوحة أي قطعة من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يديه
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره بأن هوذة قد مات فقال صلى الله عليه وسلم أما ان اليمامة سيخرج

بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي أي فقال قائل يا رسول الله من يقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وأصحابك فكان كذلك
أقول هذا يدل على أن القائل له صلى الله عليه وسلم ذلك هو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه وجهه أميرا على الجيش الذي أرسله لمقاتلة مسيلمة لعنه الله وتقدم الخلاف في قاتله والمشهور أنه وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان سن هوذه مائة وخمسين سنة
ويذكر ان هوذة هذا كان عنده عظيم من عظماء النصارى حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال فقال له لم لا تجيبه قال أنا ملك قومي ولئن اتبعته لم أملك فقال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه وإنه النبي العربي الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله الحديث
أي وذكر السهيلي رحمه الله تعالى أن سليطا قال له يا هوذة إنه سودتك أعظم حائلة أي بالية وأرواح في النار يعني كسرى لأنه الذي كان توجه وإنما السيد من متع بالإيمان ثم تزود بالتقوى وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشقين به وأنا آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فان قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهو الملطع فقال هوذة يا سليط سودني من لو سودك تشرفت به وقد كان لي رأى أختبر به الأمور ففقدته فاجعل لي فسحة ليرجع إلي رأي فأجيبك به إن شاء الله تعالى

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني
أي وكان بدمشق أي بغوطتها أي وهو محل معروف كثير المياه والشجر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى حارث بن ابي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق وإني ادعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك وختم الكتاب

قال شجاع رضي الله تعالى عنه فخرجت حتى انتهيت إلى بابه فأقمت يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وجعل حاجبه يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه أي أظنه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض القرظ أي وهو ورق أو ثمر السلم فأنا أومن به وأصدقه وأنا اخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر فخرج الحارث يوما وجلس على رأسه التاج وأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم رمى به ثم قال من ينزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان في باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض عليه حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال لي أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر يخبره الخبر وصادف أن كان عند قيصر دحية الكلبي رضي الله عنه بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه واله عنه أي لا تذكره واشتغل بايلياء أبي بيت المقدس ومعنى إيلياء بالعبرانية بيت الله والمراد باشتغاله بذلك أن يهيء لقيصر الإنزال ببيت المقدس فإنه نذر المشى من حمص وقيل من قسطنطينية إلى بيت المقدس ماشيا شكرا لله تعالى حيث كشف عنه جنود فارس وأظهر الله تعالى الروم على فارس ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهوم يمشي عليها حتى بلغ بيت المقدس فجاء إليه كتاب قيصر أي الذي فيه أنه يلهو عنه ولا يذكره وأنا مقيم فدعاني وقال متى تريد أن تخرج إلى صاحبك قلت غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة وقال لي ذلك الحاجب اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأخبره أني متبع دينه
قال شجاع فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من الحارث قال با أي هلك ملكه وأقرأته السلام من الحاجب وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق
وفي كلام بعضهم وبعض أهل السير على أن الحارث أسلم ولكن قال أخاف أن أظهر إسلامي فيقتلني قيصر وذكر أبن هشام وغيره ان شجاع بن وهب إنما توجه إلى جبلة ابن الأيهم


ويقال إن شجاع بن وهب أرسل إلى الحارث وإلى جبلة بن الأيهم وان شجاعا قاله له يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه ونصروه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس فإن اسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا وكانت لك الآخرة وقد كنت استبدلت المساجد بالبيع والأذان بالناقوس والجمع بالشعانين وكان ما عند الله خير وأبقى قال جبلة إني والله لوددت أن الناس اجتمعوا على هذا النبي اجتماعهم على من خلق السموات والأرض وقد سرني اجتماع قومي له وقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤته فأبيت عليه ولكني لست ارى حقا ولا باطلا وسأنظر
وفي كلام بعضهم أنه أسلم ورد جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه بإسلامه وأرسل الهدية وكان ثابتا على إسلامه لزمن عمر رضي الله عنه فإنه حج في خلافته
أي وفي كلام بعضهم لما أسلم جبلة بن الأيهم في أيام عمر رضي الله عنه وكتب اليه يخبره بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه فسر عمر بذلك وأذن له فخرج في خمسين ومائتين من أهل بيته حتى إذا قارب المدينة عمد إلى أصحابة هـفحملهم على الخيل وقلدها بقلائد الذهب والفضة وألبسها الديباج وسرف الحرير ووضع تاجه على رأسه فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى وزيه وزينته فلما دخل على عمر رضي الله تعالى عنه رحب به وأدنى مجلسه وأقام بالمدينة مكرما فخرج عمر رضي الله تعالى عنه حاجا فخرج معه وحين تطوف بالبيت وطىء رجل من فزارة إزاره فانحل فلطم الفزاري لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه أي ويقال فقأ عينه فشكا الفزاري ذلك إلى عمر رضي الله عنه فاستدعاه وقال له لم هشمت أنفه أو قال لم فقأت عينه فقال يا أمير المؤمنين تعمد حل إزراي ولولا حرمة البيت لضربت عنقه بالسيف فقال له عمر أما أنت فقد أقررت إما أن ترضيه وإلا أقدته منك وفي رواية وحكم إما بالعفو أو بالقصاص فقال جبلة فتصنع بي ماذا قال مثل ما صنعت به وفي رواية أتقتص له مني سواء وأنا ملك وهذا سوقي فقال له عمر رضي الله تعالى عنه الإسلام سوى بينكما ولا فضل لك عليه إلا بالتقوى إن كنت أنا وهذا الرجل سواء في الدين فأنا اتنصر فإني كنت

أظن يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعزمني في الجاهلية فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إذا أضرب عنقك فقال فأملهني الليلة حتى انظر في أمري قال ذلك إلى خصمك فقال الرجل أمهلته يا أمير المؤمنين فأذن له رضي الله تعالى عنه في الانصراف ثم ركب في بني عمه وهرب إلى القسطنطينية أي فدخل على هرقل وتنصر هنا ومات على ذلك وقيل عاد إلى الإسلام ومات مسلما
وكان جبلة رجلا طوالا طوله أثنا عشر شبرا وكان يمسح الأرض برجليه وهو راكب فسر هرقل به وزوجه ابنته وقاسمه ملكه وجعله من سماره وبنى له مدينة بين طرابلس واللاذقية سماها جبلة باسمه يقال إن فيها قبر إبراهيم بن أدهم
وقيل المحاكمة كانت عند ابي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أي فقد ذكر بعضهم أن جبلة لم يزل مسلما حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فبينما هو في سوق دمشق إذ وطىء رجلا من مزينة فوثب المزنى فلطم خد جبلة فأرسله مع جماعة من قومه إلى أبي عبيدة بن الجراح فقالوا هذا لطم جبلة قال فليلطمه قالوا ما يقبل قال لا يقبل قالوا إنما تقطع يده قال لا إنما أمر الله بالقود فلما بلغ جبلة ذلك قال أتروني أني جاعل وجهي ندا لوجه بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم على هرقل

حجة الوداع
ويقال لها حجة البلاغ وحجة الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها ولأنه ذكر لهم ما يحل وما يحرم وقال لهم هل بلغت ولأنه صلى الله عليه وسلم يحج من المدينة غيرها وقيل لإخراج الكفار الحج عن وقته لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته وكانت سنة عشر
قال الجمهور فرض الحج كان سنة ست من الهجرة أي وصححه الرافعي في باب السير وتبعه النووي

وقيل فرض سنة تسع وقيل سنة عشر انتهى وبه قال ابو حنيفة ومن ثم قال إنه على الفور وقيل فرض قبل الهجرة واستغرب
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الحج وأعلم الناس بذلك ولم يحج منذ هاجر إلى المدينة غير هذه الحجة قال وأما بعد النبوة قبل الهجرة فحج ثلاثة حجات أي وقيل حجتين أي وهما اللتان بايع فيهما الانصار عند العقبة
وفي كلام ابن الأثير كان صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل أن يهاجر وفي كلام ابن الجوزي حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة مخالفا لقريش توفيقا له من الله فإنهم كانوا لا يخرجون من الحرم فإنهم قالوا نحن بنو ابراهيم عليه الصلاة والسلام وأهل الحرم وولاة البيت وعاكفو مكة فليس لأحد من العرب منزلتنا فلا تعظموا شيئا من الحل أي كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فليس لنا أن نخرج من الحرم نحن الحمس فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منه إلى المزدلفة ويرون ذلك لسائر العرب قال بعض الصحابة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه واقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا له من الله عز وجل
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم للحج أصاب الناس بالمدينة جدري بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى قيل كانوا أربيعن ألفا وقيل كانوا سبعين ألفا وقيل كانوا تسعين ألفا وقيل كانوا مائة ألف وأربعة عشرة ألفا وقيل وعشرين ألفا وقيل كانوا أكثر من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم أي عند ذهابه عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي أي قال ذلك تطييبا لخواطر من تخلف وصوب بعضهم أن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه أي الى المدينة قاله لأم سنان الأنصارية لما قال لها ما منعك أن تكوني حججت معنا وقالت لنا ناضحان حج ابو فلان تعني زوجها وولدها على أحدهما وكان الآخر نسقي عليه ارضا لنا وقال ذلك أيضا لغيرها من النسوة قاله لأم سليم ولأم طلق ولأم الهيثم ولا مانع أن يكون قال ذلك مرتين مرة عند ذهابه لما ذكر ومرة عند رجوعه لمن ذكر


وكان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة أي وقيل يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ورجحه بعضهم وأطال في الاستدلال له وذلك سنة عشرة نهارا بعد أن ترجل وادهن وبعد أن صلى الظهر بالمدينة وصلى عصر ذلك اليوم بذي الحليفة ركعتين وطاف تلك الليلة على نسائه أي فانهن كن معه صلى الله عليه وسلم في الهوداج وكن تسعة ثم اغتسل ثم صلى الصبح أي والظهر ثم طيبته عائشة رضي الله تعالى عنه بذريرة هي نوع من الطيب مجموع من أخلاط الطيب وبطيب فيه مسك ثم أحرم صلى الله عليه وسلم أي وذلك بعد أن اغتسل لإحرامه غير غسلة الأول وتجرد في إزراه وردائه أي فقد روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في رداء وإزار ولم يغسل الطيب بل كان يرى وبيص المسك في مفارقة ولحيته الشريفة أي فإنه صلى الله عليه وسلم لبد شعر رأسه بما يلزق بعضه ببعض فلا يشعث
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها طيبته صلى الله عليه وسلم لحرمه وحله وعنها رضي الله تعالى عنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت رواه الشيخان وعنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا وبه رد على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله لأن أصبح مطيبا بقطران أحب إلي من أن أصبح محرما أنضح طيبا ويؤيد ما قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما تقدم في الحديبية من أمره صلى الله عليه وسلم من تطيب قبل إحرامه بغسل الطيب وتقدم ما فيه أي وصلى كما في الصحيحين عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما ركعتين أي قبل أن يحرم وبه يرد قول ابن القيم رحمه الله تعالى لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر وأهل حيث ابنعثت به راحلته أي وهي القصواء أي وهو يرد ما روى عن ابن سعد رحمه الله تعالى حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومن ثم قال ابن كثير رحمه الله تعالى إنه حديث منكر ضعيف الإسناد وإنما كان صلى الله عليه وسلم راكبا وبعض أصحابه مشاة ولم يعتمر صلى الله عليه وسلم في عمره ماشيا وأحواله صلى الله عليه وسلم أشهر من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذلا يثبت مثله وكان على راحلته صلى الله عليه وسلم رحل رث يساوي اربعة دراهم وفي رواية حج صلى الله عليه وسلم على رحل وقطيفة تساوي أو لا تساوي أربعة دراهم وقال اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة وذلك عند مسجد ذي الحليفة وأحرم بالحج والعمرة معا فكان قارنا


قال وقيل أحرم بالجج فقط فكان مفردا وقيل بالعمر فقط أي ثم أحرم بالحج بعد فراغه من أعمال العمرة فكان متمتعا أخذا من قول بعض الصحابة إنه صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعا وقيل أطلق إحرامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله واختلفت الروايات في إحرامه صلى الله عليه وسلم هل كان مفردا أو قارنا أو متمتعا وكلها صحاح إلا من قال كان متمتعا وأرد أنه أهل بعمرة
قال الإمام النووي وطريق الجمع أي بين من يقول إنه أحرم قارنا ومن يقول إنه أحرم مفردا ومن يقول إنه أحرم متمتعا أنه أحرم أولا مفردا أي بالحج ثم أدخل العمرة أي وذلك أي دخول الأضعف وهي العمرة على الأقوى الذي هو الحج من خصائصه صلى الله عليه وسلم فصار قارنا ويدل لذلك حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فلما كان بالعقيق أتاه آت من ربه فقال له صل بهذا الوادي المبارك وقل لبيك بحجة وعمرة معا فصار قارنا بعد أن كان مفردا
فمن روى القرآن اعتمد آخر الأمر أي ومنه قول سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا
ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق بالقران انتهى أي بالقران المذكور الذي هو ادخال العمرة على الحج لانه يكفى فيه الاقتصار على عمل واحد في النسكين أي لا ياتي بطوافين ولا بسعيين أي وليس مراده التمتع الحقيقي بأن أحرم بعمرة فقط ثم بعد فراغه من أعمالها أحرم بالحج كما هو حقيقة التمتع ومن ثم قال بعضهم أكثر السلف يطلقون المتعة على القرآن
ومن روى الإفراد اعتمد أول الأمر ومنه قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد سئل عن ذلك لبى الحج وحده أو أن ابن عمر سمعه يقول لبيك بحج ولم يسمع قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع وأنس رضي الله عنه سمع ذلك أي سمع الحج والعمرة أي فإن ابن عمر رضي الله عنه قيل له عن أنس بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة فقال ابن عمر لبى بالحج وحده فقيل لأنس عن ابن عمر ذلك فقال أنس رضي الله عنه ما يعدونا إلى صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك لبيك عمرة وحجا أي يصرح يهما جميعا وقال إني لرديف لابي طلحة وإن ركبتي لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهو يلبى بالحج والعمرة وذلك مثبت لما قاله ابن عمر وزائد عليه فليس منا قضاله أي ودليل من قال إنه أحرم مطلقا ما رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه رضي الله عنهم مهلين أي محرمين إحراما مطلقا ينتظرون القضاء أي نزول الوحي لتعيين ما يصرفون إحرامهم المطلق إليه أي بإفراد أو تمتع أو قران أي فجاءه صلى الله عليه وسلم الوحي أن يأمر من لا هدى معه ان يجعل إحرامه عمرة فيكون متمتعاومن معه هدى أن يجعله حجا فيكون مفردا لأن من معه هدى أفضل ممن لا هدى معه والحج أفضل من العمرة
ويدل لكون الصحابة أطلقوا إحرامهم ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها خرجنا نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة لكن أجيب عن ذلك بأنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية وإن كانوا سموه حال الإحرام هذا
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بعمة فليفعل فلينظر الجمع بين هذا وما قبله
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم من لم يكن معه هدى وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدى فلا أي فلا يجعلها عمرة بل يجعل إحرامه حجا ولم يذكر القران وجاء في بعض الطرق أنه أمر من كان معه هدى أن يحرم بالحج والعمرة معا
وفي بعض الروايات خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدى أن يجعله عمرة
وفي الهدى الصواب أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج والعمرة معا من حين أنشأ الإحرام فهو قارن ولم يحل حتى حل منهما جميعا وطاف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترات تواترا يعلمه اهل الحديث وما ورد انه صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين لم يصح
قال وغلط من قال لبى بالحج وحده ثم أدخل عليه العمرة أتى الذي تقدم في الجمع بين الروايات عن النووي رحمه الله تعالى ومن قال لبى بالعمرة ثم ادخل عليها الحج أي وهذا لم يتقدم ومن قال أحرما إحراما مطلقا لم يعين فيه نسكا ثم عينه بعد احرامه أي وهو

ما تقدم عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه ومن قال أفرد الحج أراد به أنه أتى بأعمل الحج ولم يفرد للعمرة أعمالا وهذا محمل ما في بعض الروايات وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر على أن بعض الحفاظ قال إنه حديث غريب جدا وفيه نكارة شديدة
ثم لبى صلى الله عليه وسلم أي بعد ان استقبل القبلة فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وروى أنه زاد على ذلك لبيك إله الخلق لبيك أي وروي أنه زاد لبيك حقا تعبدا ورقا على تلبيته المذكورة والناس معه يزيدون فيها وينقصون لم ينكر عليها وبه استدل أئمتنا على عدم كراهة الزيادة على تلبيته المشهورة المتقدمة فكان ابن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء اليك والعمل
وأتاه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية من شعائر الحج فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فانها من شعائر الحج
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا دجانه رضي الله عنه وقيل سباع بن عرفطة رضي الله عنه وولدت أسماء بنت عميس زوج ابي بكر الصديق رضي الله عنهما ولدها محمد بن ابي بكر رضي الله عنهم في ذي الحليفة وارسلت إليه صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل وتستثفر أي بخرقة عريضة بعد أن تحشو بنحو قطن وتربط طرفي تلك الخرقة في شيء تشده في وسطها لتمنع بذلك سيلان الدم كما تفعل الحائض وتحرم
ثم حاضت سيدتنا عائشة رضي الله عنها في اثناء الطريق بمحل يقال له سرف بكسر الراء وكانت قد أحرمت بعمرة ففي البخاري أنها قالت وكنت فيمن أهل بعمرة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتدخل الحج على العمرة
أقول وقد جاء أنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك ياعائشة وفي لفظ ما يبكيك يا هنتاه لعلك نفست أي حضت قلت نعم والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي هذا في هذا السفر قال لا تقولين ذلك فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم


أي واستدل البخاري رحمه الله بهذا على أن الحيض كان في جميع بنات آدم وانكر به على من قال إن الحيض أول ما وقع في بني اسرائيل وفي لفظ قال ما شأنك قلت لا أصلي قال لاصبر عليك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن أهلي بالحج وفي رواية ارفضي عمرتك أي لا تشرعي في شيء من أعمالها وأحرمي بالحج فإنك تقضين كل ما يقضى الحاج أي تفعلين كل ما يفعل الحاج وأنت حائض إلا أنك لا تطوفين بالبيت ففعلت ذلك أي ادخلت الحج على العمرة ووقفت المواقف فوقفت بعرفه وهي حائض حتى إذا طهرت أي وذلك يوم النحر وقيل عشية عرفة طافت بالبيت وبالصفاة والمروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك جميعا
وذكر بعضهم أن في هذه الحجة كان جمل عائشة رضي الله عنها سريع المشي مع خفة حمل عائشة وكان جمل صفية بطيء المشي مع ثقل حملها فصار يتأخر الركب بسبب ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وأن يجعل حمل عائشة جمل صفية فجاء صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها يستعطف خاطرها فقال لها يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع المشي وحمل صفية ثقيل وجملها بطىء فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك ليسير الركب فقالت له إنك تزعم أنك رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أفي شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله قالت فمالك لا تعدل قال فكان ابو بكر رضي الله عنه فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اما سمعت ما قالت فقال دعها فإن المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفله
قالوا ولما نزلوا بمحل يقال له العرج فقد البعير الذي عليه زاملته صلى الله عليه وسلم وزاملة ابي بكر أي زاداهما وكان ذلك البعير مع غلام لأبي بكر فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للغلام اين بعيرك قال ضللته البارحة فقال ابو بكر وقد اعترته حدة بعير واحد تضله وأخذ يضربه بالسوط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ويتبسم ولا يزيد على ذلك فلما بلغ بعض الصحابة أن زاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلت جاء بحيس ووضعه بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لابي بكر الله تعالى عنه وهو يغتاظ على الغلام هون عليك

يا أبا بكر فإن الأمر ليس لك ولا إلينا وقد كان الغلام حريصا على أن لا يضل بعيره وهذا غداء طيب قد جاء الله به وهو خلف عما كان معه فأكل صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومن كان يأكل معهما حتى شبعوا فأقبل صفوان بن المعطل رضي الله تعالى عنه وكان على ساقة القوم أي لأن هذا كان شأنه كما تقم في قصة الإفك والبعير معه وعليه الزاملة حتى أناخه على باب منزله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر انظر هل تفقد شيئا من متاعك فقال ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه فقال الغلام هذا القعب معي ولما بلغ سعد بن عبادة وابنه قيسا رضي الله تعالى عنهما أن زاملته صلى الله عليه وسلم قد ضلت جاآ بزاملة مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء الله بزاملتنا فارجعا بزاملتكما بارك الله لكما ا هـثم نزل صلى الله عليه وسلم بذي طوى فبات بها تلك الليلة وصلى بها الصبح أي بعد أن اغتسل بها أي ثم سار صلى الله عليه وسلم ونزل بالمسلمين ظاهر مكة ودخل مكة نهارا أي وقت الضحى من الثنية العليا التي هي ثنية كداء بفتح الكاف والمد قال ابو عبيدة لا ينصرف وهي التي ينزل منها إلى المعلاة مقبرة مكة وهي التي يقال لها الآن الحجون التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كما تقدم ودخل المسجد الحرام صبحا من باب عبد مناف وهو باب بني شيبة المعروف الآن بباب السلام وكان صلى الله عليه وسلم إذا أبصر البيت قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا
وفي مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن جريح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت الخ وفي رواية كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا السلام اللهم زد هذا البيت الخ
وعند دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد طاف بالبيت أي سبعا ماشيا فعن جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال دخلنا مكة عند ارتفاع الشمس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى اربعا فلما فرغ صلى الله

عليه وسلم قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد جيد
وقيل طاف صلى الله عليه وسلم على راحلته الجدعاء أي لانه صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فعن أبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته فلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أنا خ فصلى ركعتين رواه أبو داود ورد بأن هذا الحديث تفرد به يزيد بن ابي زياد وهو ضعيف
على أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يذكر أن ذلك كان في حجة الوداع ولا في الطواف الأول من طوافاتها الثلاثة التي هي طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع فينبغي أن يكون ذلك في غير الطواف الأول بان يكون في طواف الإفاضة أو طواف الوداع فلا ينافي ما تقدم عن جابر ولا ما في مسلم عنه انه قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت ليراه الناس فيسألوه وقوله ورمل في ثلاثا منها أي يسرع المشي مع تقارب الخطأ ومشى أى على هينته في أربع يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة وابتداء الرمل كان في عمرة القضاء لما قال المشركون غدا يقدم عليكم قوم قد وهنتم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ليرى المشركون جلدهم ومن ثم قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم هؤلاء أجلد من كذا وكذا كما تقدم فلما كانت هذه الحجة فعلوا كذلك فصارت سنة
قال وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود وثبت أنه استلمه بيده ثم قبلها وثبت أنه استلمه بمحجنه فقبل المحجن ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني ولا قبل يده حين استلمه ا هـ
وعند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه يتسحب أن يقبل ما استلمه به روى إمامنا الشافعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليا طويلا وكان صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال بسم الله والله اكبر وقال بينهما أي بين الركن اليماني والحجر { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء من

الأذكار في غير هذا المحل حول الكعبة ولم يستلم الركنين الماقبلين للحجر أي لانهما ليسا على قواعد سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر أي الأسود تؤذى الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر وأخذ منه بعض فقهائنا أن من شق عليه استلام الحجر الأسود يسن له أن يهلل ويكبر
ثم بعد الطواف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عند مقام سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام جعل المقام بينه وبين الكعبة أي استقبل جهة باب المحل الذي به المقام الآن وهو المراد بخلف المقام قرأ فيهما مع أم القرآن { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } ودخل صلى الله عليه وسلم زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مج فيه ثم أفرغها في زمزم ثم قال لولا أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت أي وتقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لانتزعت منها دلوا وانتزع له العابس ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج على الصفا وقرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ابدءوا بما بدأ الله به فسعى بين الصفا والمروة سبعا راكبا على بعيره
وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن سعيه الذي طاف لقدومه كان على قدميه لا على بعير أي فذكر البعير في هذا السعي غلط من بعض الرواة
ثم رأيت بعضهم قال بعض الروايات عن جابر وغيره يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ماشيا بين الصفا والمروة ولعل بين الصفا والمروة مدرجة أو أنه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة بعض المرات على قدميه فلما ازدحم الناس عليه ركب في الباقي ويدل لذلك أنه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن قومك يزعمون أن السعي بين الصفا والمروة راكبا سنة فقال صدقوا وكذبوا فقيل كيف صدقوا وكذبوا فقال صدقوا في أن السعي سنة وكذبوا في أن الركوب سنة فإن السنة المشي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى في السعي فلما كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه الناس ركب وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم مشى بين الصفا والمروة والأحاديث
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15