كتاب : البدء والتاريخ
المؤلف : ابن المطهر
ذكر الدنيا وما هي وجدت في كتاب باباً منفرداً في اختلاف الناس في الدنيا فحكى عن قوم أنهم يقولون الدنيا العالم بأسره وجميع أجزائه في السماء والأرض وما فيهما ومن قوم أنهم يقولون الدنيا تعاقب الفصول الأربعة وبقاء النماء والتناسل فإذا بطل هذا بطلت الدنيا وعن قومي أنهم قالوا أن الدنيا ضوء النهار وظلمة الليل وعن قوم أنهم قالوا أن الدنيا هذا الخلق لا غير فإذا فني فنيت الدنيا وعن قوم أنهم يقولون أن الدنيا سلطان ومال وجاه ودعة وعن قوم الدنيا هي ما بين السماء والأرض وقالوا قوم الدنيا هي الزمان فمن قال أن الدنيا هي هذا الجنس من الخلق قال ابتداؤها عند ظهور النشو ولا بعد ما قبلها من الدنيا من خلق السموات والأرضين والملائكة وما ذكر من أصناف الخلائق قبل آدم ومن قال هو هذا العالم بأسره عد ما وجد قبل آدم من الدنيا وكذلك من حدها بحد فابتدأ من حيث حد قال الله تعالى " فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " وقال تعالى " يا ليتني قدمت لحيوتي فأخبر أن الدنيا حياة والآخرة حياة " ثم أضاف الفانية إلى الدنيا لفنائها وأضاف الباقية إلى الأخرى لبقائها وإنما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق والآخرة آخرة لتأخرها إلى أن تفنى الدنيا فكل ما هو فانٍ أو سيفنى يوماً من الخلق والأمر كائناً ما كان فهو دنيا وكل ما هو غير فان فهو من الآخرة ألا ترى أنه يقال لمن شاب وانصرم شبابه ذهبت دنياه ولمن ذهب ماله وسقط جاهه ذهبت دنياه ولمن مات هلك دنياه فلا تسمى دنيا إلا كل ما هو فانٍ ذاهب ومثال دنيا فعلى من الدنو كالصغرى والكبرى قال:
هب الدنيا تساق عليك عفواً ... أليس مصير ذاك إلى الزوال
وما دنياك إلا مثل فيء ... أظلك ثم آذن بالزوال
ومن ها هنا قيل أن الدنيا دنية كاسمها وأن الدنيا دنى كثيرة فكل إنسان له دنيا في نفسه على حدته فماله دنيا له وجاهه دنيا له ومكانه دنيا له وكل ما يناله ويسر به مما لا يبقى دنيا له وأنشدني بعضهم:
أنت دنيا كيف ذمك لدنيا ... ألتي أنت هي ومنتهاكا
ويدل خبر علي بن أبي طالب أن الأرض من الدنيا حيث قال للذي يسمعه يذم الدنيا مهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه ويدل أن السماء من الدنيا قوله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب فلو كانت من الآخرة لم تطو لأن الآخرة غير فانية.
ذكر ما وصف من الخلق قبل آدم روى في الحديث أن كل شيء خلق الله قبل آدم عليه السلام وأن آدم وجد بعد إيجاد الخلق لأنه خلق في الأيام التي خلق فيها الخلق وقد ذكرنا ما قيل في خلق الملائكة فلنقل الآن في خلق الجان قال الله عز وجل خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى خلق الملائكة من نور قال الله تعالى والله خلق كل دابة من ماء وقال تعالى ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد وقال جل ذكره وأنبتنا فيها من كل شيء موزون قال بعض أهل التفسير أنه الجواهر التي توزن فأخبر سبحانه عن جميع خلقه ممن خلق من الماء والنار والطين وروى بقية بن الوليد عن محمد بن نافه عن محمد بن عبد الله بن عامر المكي أنه قال خل الله خلقه من أربعة أشياء الملائكة من نور والجان من نار والبهائم من ماء وبنى آدم من طين فجعل الطاعة في الملائكة والبهائم لأنهما من النور والماء وجعل المعصية في الجن والإنس لأنهما من الطين والنار وروينا عن شهر بن حوشب أنه قال خلق الله في الأرض خلقا ثم قال لهم إني جاعل في الأرض خليفة فما أنتم صانعون قالوا نعصيه ولا نطيعه فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم ثم خلق الجن فأمرهم بعمارة الأرض فكانوا يعبدون الله حتى طال علهم الأمد فعصوا وقتلوا نبياً لهم يقال له يوسف وسفكوا الدماء فبعث علهم جنداً من الملائكة عليهم إبليس وسمه عزازيل فأجلوهم عن الأرض وألحقوهم بجزائر البحور وسكن إبليس ومن معه الأرض فهانت عليه العبادة وأحبوا المكث فيها فقال الله عزل وجل لهم أني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن الله تعالى لما خلق الجن من نار سموم جعل منهم الكافر والمؤمن ثم بعث إليهم رسولاً من الملائكة وذلك قوله تعالى الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس قال فقاتل الملك بمؤمني الجن كفارهم فهزمومهم وأسروا إبليس وهو غلام وضيء اسمه الحارث أبو مرة فصعدت الملائكة به إلى السماء ونشأ بين الملائكة في الطاعة والعبادة وخلق خلقاً في الأرض فعصوه فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فنفوهم عن الأرض ثم خلق آدم فأشقى إبليس وذريته به وزعم بعضهم أنه كان قبل آدم في الأرض خلق لهم لحم ودم واستدلوا بقوله تعالى قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فلم يقولوا إلا عن معاينة واحتجوا أيضاً بقول حوبر أنه كان خلق فبعث إليهم نبي يقال له يوسف فقتلوه هذه ثلاث أمم سكنوا الأرض قبل آدم التي إبليس من نسلها والذين قتلوا نبيهم والذين أجلاهم إبليس من الأرض مع ما قيل أنه كان قبل آدم ألف ومائتا ألف آدم ونوح ألف آخر وهو آخر الآدميين وروى أن آدم لما خلق قالت له الأرض يا آدم جئتني بعد ما ذهبت جدتي وشبابي وقد خلقت قال عدى بن زيد
قضى لستة أيام خلائقه ... وكان آخر شيء صور الرجلا
ذكر خلق الجن والشياطين اعلم أن أصل الخلق وقع في شيئين من لطيف وكثيف فما خلق من الكثيف كثيف كالجوامد والموات والثواني من الجواهر والأشجار وما خلق من اللطيف لطيف كالهواء والرياح والملائكة والجن وما خلق من لطيف وكثيف اجتمع فيه المعنيان كأجناس الحيوان ثم خص منها بالروح الحقيقي والعقل المميز والنفس الناطقة كان إنساناً فضل على غيره بذلك وقد ذكر الله تعالى أنه خلق الجان من مارج من نار فزعم قوم أنه ماء روج ونار قالوا والرج الضباب فكمل خلقهم من أربعة أشياء من الماء والرج والضوء والحرارة وأكثرهم على أن المارج الغير المختلط من لهب النار فما فيهم من خفة وسرعة واختطاف وتسويل بالشر فمن جهة طباعهم النارية وما كان فيهم من خير وفضيلة فمن جهة الضوء واختلاف ألوانهم وتأويلهم في التخييلات والتمثيلات لاختلاف أجزاء عناصرهم وفاتوا الحواس للطافة أجسامهم كما فاتته الملائكة والعلة في ذلك العلة في الملائكة والهواء أغلظ وأكثف من الجن فإذا كفا لم يحس به ما لم يحدث به حركة واضطراب فكيف بالذي هو ألطف منه وأخف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم فما هو إلا بمنزلة العوارض التي تخلص إلى أجسامنا وتباشر أنفسنا من الحر والبرد الحزن والفرح وغير ذلك فلا نعلم كيف وصلت إلينا ونعلم يقينا أنها حادثة فينا وجاء في بعض الأخبار أن اسم أبي الجن سوم كما اسم أبي البشر آدم قلوا وخلق سوم وزوجته من نار السموم فتناسلوا وكثر ولده وكانت الجن سكان الأرض قبل آدم والملائكة سكان السماء واختلفوا في الشياطين فقال أكثر المسلمين أن من عصى من الجن صار شيطاناً وزعم بعضهم أن الشيطان من ذرية إبليس خاصة بعد اختلافهم في إبليس أمن الجن هو أم من الملائكة وكل ما اجتن عن الأبصار فهو جن ملكاً كان أو جنياً أو شيطاناً والشيطنة الخبث والنكارة فيقال لعتاة الإنس شياطين كما يقال لعتاة الجن شياطين وللغرس السريع شيطان ولكل داهية أو خفيف فطن شيطان وجاء في الحديث أن الكلب الأسود البهيم شيطان وقد قال الشاعر ما ليلة الفقير إلا شيطاناً فسمى ما يقاسيه الفقير من الضعف والشدة شيطاناً وروى عن ماجد أنه قال مسكن الجن الهواء والبحار وأعماق الأرض وطعامهم روائح الطعام وشرابهم روائح الشراب قال ولما خلق الله تعالى أبا الجن قال له تمن قال أتمنى أن لا نرى ولا نرى وأنا ندخل تحت الثرى وأن شيخنا يعود فتى فأعطى ذلك ثم لما خلق آدم قال له تمن قال أتمنى الحيل فأعطى ذلك قالوا وللجن شياطين كما للإنس شياطين وعلى الملائكة حفظه يقال لهم الروح كما للناس حفظه من الملائكة وكثير من الفلاسفة يقرون بالخلق الروحاني وإن خالفوا في صفتهم فمن ذلك ما ذكره افلاطن في آخر كتابه المعروف بسوفطيقا أن الشياطين هي النفوس التي كانت ملابسة لهذه الأبدان فتشيطنت لرداءة أعمالها وزعم أن السحرة يستعينون بهذه النفوس في الأعمال التي يعملونها فيجيبونهم ويظهرون لهم ما أرادوا وأجاز قوم أن يكون في عالم سباع وبهائم غير محسوسة للطافة أبدانها وزعم بعضهم أن صور العدم قائمة بذاتها فهؤلاء قد أقروا بالصور الروحانية واختلفوا في الصفة وكفوا بعض المؤونة.
ذكر ما وصفوا من عدد العوالم ولا يعلمها إلا الله روى جبير عن الضحاك أنه قال لله في الأرض ألف عالم منها ستمائة بالبحر وأربعمائة في البر وعن الربيع بن أنس لله أربع عشر ألف عالم ثلثة آلاف وخمسمائة في المشرق وثلثة آلاف وخمسمائة في المغرب وثلثة آلاف وخمسمائة هكذا وثلثة آلاف هكذا وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لله ثمانية آلاف عالم الدنيا وما فيها عالم واحد وروى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لله أرضاً بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلثون يوماً مملوءة خلقاً من خلق الله لا يعصون الله طرفة عين قيل فأين إبليس عنهم يا رسول الله قال وما تدرون أن الله خلق إبليس ثم قرأ ويخلق ما لا تعلمون والله أعلم بصحة الرواية مع ما يذكر من أصناف الأمم مثل ناسك ومتنسك وتاويل وهاويل ويأجوج ومأجوج وسائر الخلق في جنبتي الأرض اللتين يسميان جابلقا وجابلسا،
؟؟
الفصل الثامن
ظهور آدم وانتشار ولده
اعلم أن الناس في هذا الفصل رجلان اثنان ملحد منكر للابتداء قائل بأزلية المعلول مع العلة وموحد مقر بالابتداء قائل ضد صاحبه ثم من أقر بابتداء الخلق اختلفوا في كيفية ظهور أوله وأنا ذاكر مقالاتهم ومنبه عن موقع منه بمشيئة الله وعونه فليكن مسئلة إثبات حدث العالم من بال الناظر في هذا الفصل فالذي يدل على حدث آدم هو الدليل المضطر إلى الإقرار بابتدائه
ذكر اختلاف الفلاسفة في تولد الحيوانات وكيف كان كونها فإما الذين يرون أن العالم لا كون له فإن كون الحيوان عندهم من استحالة بعضه إلى بعض لأنه أجزاء العالم وكذلك يرى فيثاغورس وأما الفسمد فيرى أن الحيوان تولد من الرطوبة وأن كان يغشاه قشر مثل قشور السمك ولما أتت عليه السنون صارت إلى الجفاف واليبس فانقشر عنها ذلك القشر وصار حياتها زماناً يسيراً وأما ديمقرطيس فيرى أن الحيوانات تولدت وأن كونها من جوهر حار وأن أول م أحياها هي الحرارة وأما انباذقليس فيرى أن لحون الحيوان والنبات لم يكن في أول الأمر دفعة واحدة لكنها شيء بعد شيء كأنها كانت أعضاء غير مؤتلفة ولا متصلة ثم صارت بعد ذلك متصلة في كون ثان في صورة التماثيل وفي كون ثالث كان بعضها في بعض وفي كون ربع بالاجتماع والتكاثف وكثرة الغذاء فهذا جملة قولهم في ظهور الحيوانات وآدم حيوان فعند بعضهم أن آدم تولد من رطوبة الأرض كما يتولد سائر الهوام وكان جلده كقشر السمك ثم لما أتى الزمان عليه جف وسقط عنه وعند آخر لم يظهر بكماله وأنها ظهر شيئاً بعد شيء ثم تركبت واتصلت على مرور الزمان وصار إنساناً تاماً واختلف المنجمون في ذلك فمنهم من يزعم أن الفلك دار كذا وكذا ألف سنة فكلما دار على استقامة ظهر نوع من الخلق إلى أن دار على أتم الاستقامة وأكمل الاعتدل فظهر هذا الإنسان الذي لا شيء أكمل ولا أفضل منه ومنهم من يزعم أن الكواكب السبعة لما اجتمعت كلها في أول درجة من الجمل ظهر جنس البهائم ثم لما اجتمعت في أول درجة من الجوزاء ظهر جنس الناس ولما اجتمعت كلها في أول درجة من الثور ظهر جنس من النبات ومنهم من يزعم أن الفلك لما دار على استقامة ظهرت البهائم ثم دار على أعدل من ذلك فأظهر القرد وكاد يكون إنساناً ولا شيء أشبه به منه ثم دار على غاية العدل فأظهر الإنسان واختلف سائر الأمم في ذلك فزعمت فرقة من الهند أن أول ما كان من ظهور الإنسان أن السماء ذكر والأرض أنثى وأنه مطرت السماء فقبلت الأرض ماءها بمنزلة قبول المرءة ماء الرجل في رحمها وأجلها الفلك بسرعة جريه ودورانه فبدأ أول ما بدأ هذا النبت الشبيه بالإنسان الذي يسمى يبروح الصنمي ثم ألح عليه الفلك بدورانه حتى أقلع من منبته وأفاده حركة مكانته فصار إنساناً يسعى كما ترى وفي كتاب الفرس أن الله خلق الخلق في ثلثمائة وستين يوماً ووضع ذلك على أزمنة الكاه انبار فخلق السماء في خمسة وأربعين يوماً والماء في ستين يوماً والأرض في خمسة وستين يوماً والنبات في ثلاثين يوماً وخلق الإنسان في سبعين يوماً وسماه كيومرث وأنه كان في جبل يسمى كوشاه ولم يزل يعمل الخير والعبادة وكان في سياحته ثلاثين سنة ثم طعنه إبليس فقتله فسال من طعنته دمه وصار ثلاثة أثلاث فثلث منه أخذته الشياطين وثلث أمر الله روشنك الملك أن يأخذه ويصونه وثلث قبلته الأرض فصارت محفوظة أربعين سنة ثم أنبت الله منه نباتاً كهيئات الريباس وظهر في وسط ذلك النبات صورتان ملتفان بورق ذلك النبات أحدهما ذكر والآخر أنثى واسم الذكر منها ميشي واسم الأنثى ميشانه ومرتبة هذين عند الفرس مرتبة آدم وحواء عند أهل الكتاب وسائر الأمم قالوا ثم ألقى الله في قلوبهما شهوة المباضعة بعد ما أجرى فيهما روح الحياة فاجتمعا وتوالدا وصار نسل الناس منهما وقال قوم أن الفلك لحركاته ابتداء وتوسط وغاية فظهر من ابتداء حركته النبات وفيه أدنى القوى ثم انضمت إلى القوتين قوة الغاية والتمام فظهر الإنسان قالوا ولا قوة في الفك أتم وأبلغ من هذه القوة التي أظهرت الإنسان ولا صورة أتم وأكمل منه ولذلك اجتمعت فيه القوى كلها قوى النماء وقوة الحس والحركة وقوة النطق والتمييز ومن ها هنا قالوا الإنسان ثمرة العالم وقالوا هو العالم الأصغر إذ لا يوجد في العالم شيء إلا وجد له شبيه في الإنسان لأن فيه ظاهراً هو جسمه وباطناً هو روحه وأربع طبائع من اسطقساته فالسوداء باردة يابسة من طبع الأرض والصفراء حارة يابسة من طبع النار والبلغم بارد رطب من طبع الماء والدم حار رطب من طبع الهواء ولحمه كالأرض وعظامه كالجبال وشعره كنبات الأرض وأعضاءه كالأقاليم وعروقه كالأنهار ومنافذه ومفارز عرقه كالعيون ورأسه الفك محيط به وفيه نيرانه كنجوم الفك وظهره كالبر وبطنه كالبحر وفي بطنه ألوان مختلفة من المياه والحيوان كنحو ما
في بطن الأرض وفي يديه الدواب والمتوالدة كالدواب المتولدة في الأرض وفيه النماء كما في النبات والحركة الكامنة كالبهائم والغضب كما في السباع وفيه عقله وحيوته كالإله المدبر له المعرف له قالوا ولا متفرق لو جمع كان منه إنسان إلا العالم ولا مجتمع لو فرق كان منه العالم إلا الإنسان والعالم الأكبر عالم بالفعل إنسان بالقوة فالإنسان إنسان بالفعل وهو العالم بالقوة وفي النبات امتزاج ضعيف فلذلك لم يبلغ درجة الحساسة وفي البهائم امتزاج أقوى من ذلك فلذلك تحركت وأحست وفي الإنسان امتزاج على تعديل ونظام قالوا وقد صح حكم الحكماء أن آخر العمل أول الفكرة وأول الفكرة آخر العمل فلما كان الإنسان آخر عمل الصانع صح أنه أول فكرة الصانع وهذا رأي أكثر الفلاسفة وقال بعضهم في تفصيل الإنسان وقسمة أجزاء الحيوان فالعالم فيه يداه جناحاه وأظفاره مخالبه وعيناه شمسه وقمره ورجلاه قائمه ورأسه سماءه ومثانته بحاره وأضراسه طواحنه ومعدته خزانته حتى عد جميع أجزائه وأعضائه الظاهرة والباطنة وهذا كله سهل يسير لأنا لا ننكر خلق الإنسان في هذا العالم من العالم والكلام فيه حرفان إما أن كان هو بنفسه من غير مكون فهو محال وإما أن كان كونه غيره مكون فهو الذي يقطع الشغب بيننا وبينهم وإما أن يكون هو لم يزل فأثر الحدث فيه يرد هذا القول وقد سبق من الحجة في الفصل الأول ما يدل على فساد هذه الدعوى بقي الكلام في كيف أوجد وليس ممكن مشاهدة الخبر في مثله إلا عن وحي أو رسالة فانتصر إلى ما في كتب الله وأخبار رسله صلوات الله عليهم وروى ابن ساحق أن أهل التورية يدرسون فيها أن خلق الله آدم على صورته لما أراد يسلطه على الأرض وما فيها وقد روى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم على صورته ثم اختلفوا في التأويل وقرأت في نسخة زيادة على ما ذكره ابن اسحق فقال بعد ذكر خلق السماوات والأرض قال الله يخلق إنساناً بصورتنا وشبهنا ومثلنا فيكون مسلطاً على سمك البحار والطير والأنعام وكل ماشية على الأرض فخلق آدم على صورته ومثاله ونفخ في وجهه نسمة الحيوة وسلطه على ما في الأرض وذلك يوم الجمعة واستراح يوم السابع وهو يوم السبت وفسر لي يهودي بالبصرة فزعم في خلق آدم أن الله صوره على الأرض ثم نفخ فيه والله أعلم وروى ابن اسحق قال بينا آدم يمشي منتصباً ولم يكن مشى في الأرض حيوان مثله إذ جاء النسر إلى البحر فقال للسمكة إني رأيت خلقاً يمشي على القدمين وله يدان يبطش بهما في يده خمس أصابع فقالت السمكة إني أراك تنعت خلقاً ما أراه يدعك في جو السماء ولا يدعني في قعر البحار وهذا تمثيل واللهي بطن الأرض وفي يديه الدواب والمتوالدة كالدواب المتولدة في الأرض وفيه النماء كما في النبات والحركة الكامنة كالبهائم والغضب كما في السباع وفيه عقله وحيوته كالإله المدبر له المعرف له قالوا ولا متفرق لو جمع كان منه إنسان إلا العالم ولا مجتمع لو فرق كان منه العالم إلا الإنسان والعالم الأكبر عالم بالفعل إنسان بالقوة فالإنسان إنسان بالفعل وهو العالم بالقوة وفي النبات امتزاج ضعيف فلذلك لم يبلغ درجة الحساسة وفي البهائم امتزاج أقوى من ذلك فلذلك تحركت وأحست وفي الإنسان امتزاج على تعديل ونظام قالوا وقد صح حكم الحكماء أن آخر العمل أول الفكرة وأول الفكرة آخر العمل فلما كان الإنسان آخر عمل الصانع صح أنه أول فكرة الصانع وهذا رأي أكثر الفلاسفة وقال بعضهم في تفصيل الإنسان وقسمة أجزاء الحيوان فالعالم فيه يداه جناحاه وأظفاره مخالبه وعيناه شمسه وقمره ورجلاه قائمه ورأسه سماءه ومثانته بحاره وأضراسه طواحنه ومعدته خزانته حتى عد جميع أجزائه وأعضائه الظاهرة والباطنة وهذا كله سهل يسير لأنا لا ننكر خلق الإنسان في هذا العالم من العالم والكلام فيه حرفان إما أن كان هو بنفسه من غير مكون فهو محال وإما أن كان كونه غيره مكون فهو الذي يقطع الشغب بيننا وبينهم وإما أن يكون هو لم يزل فأثر الحدث فيه يرد هذا القول وقد سبق من الحجة في الفصل الأول ما يدل على فساد هذه الدعوى بقي الكلام في كيف أوجد وليس ممكن مشاهدة الخبر في مثله إلا عن وحي أو رسالة فانتصر إلى ما في كتب الله وأخبار رسله صلوات الله عليهم وروى ابن ساحق أن أهل التورية يدرسون فيها أن خلق الله آدم على صورته لما أراد يسلطه على الأرض وما فيها وقد روى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم على صورته ثم اختلفوا في التأويل وقرأت في نسخة زيادة على ما ذكره ابن اسحق فقال بعد ذكر خلق السماوات والأرض قال الله يخلق إنساناً بصورتنا وشبهنا ومثلنا فيكون مسلطاً على سمك البحار والطير والأنعام وكل ماشية على الأرض فخلق آدم على صورته ومثاله ونفخ في وجهه نسمة الحيوة وسلطه على ما في الأرض وذلك يوم الجمعة واستراح يوم السابع وهو يوم السبت وفسر لي يهودي بالبصرة فزعم في خلق آدم أن الله صوره على الأرض ثم نفخ فيه والله أعلم وروى ابن اسحق قال بينا آدم يمشي منتصباً ولم يكن مشى في الأرض حيوان مثله إذ جاء النسر إلى البحر فقال للسمكة إني رأيت خلقاً يمشي على القدمين وله يدان يبطش بهما في يده خمس أصابع فقالت السمكة إني أراك تنعت خلقاً ما أراه يدعك في جو السماء ولا يدعني في قعر البحار وهذا تمثيل والله
أعلم وفي كتاب الله الذي لم يلحقه تغيير ولا تحريف ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين يعني ولده وقال عز ذكره إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وقال تعالى حكاية عن الشيطان خلقتني من نار وخلقته من طين فأخبر عن ابتداء خلق آدم أنه كان من التراب ثم ضم إليه الماء فكان طيناً ثم سل خلاصة الطين بدلالة قوله تعالى " وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون " ثم ترك حتى جف وصلصال كما قال خلق الإنسان من صلصال كالفخار وهذه أحوال كان الله تعالى يحولها على الإنسان تصفيه لطينته وإخلاصاً لنيته إذ لم يخلق كل طين كما يتولد منه الحيوان وينبت منه النابت ولا جعله في جميع الأحوال والهيئات كما يوجد منه ذلك ولو شاء لأوجده ولكن لم يدع حكمته وتدبيره في إظهار قدرته وإبداء حكمته في كل جزء من أجزاء ترتيبه كما يخلق تنسله من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولو شاء لأتم خلقه من غير النطفة مع أن أسرار حكته وعلمه لا مطلع عليها للعباد وجاء فيها من الأحاديث والأخبار ما لو تكلفناها لطال الكتاب بها وخرج عن الغرض المقصود له ولا من بعضها لما فيه من التقريب والتمثيل فزعم بعضهم أنه إنما سمى آدم لأنه خلق من أديم الأرض وقال الضحاك سمى آدم لأنه خلق من الأرض السادسة واسمها كاماً والرواية الأولى أشهر وأعرف وزعم بعضهم أن الله قبض من جميع وجه الأرض من سباخها وبطائحها وأسودها وأحمرها قبضة فلذلك جاء ولد آدم على تلك الألوان أبيض وأسود وأحمر وروى بعضهم أن الله جمع في آدم المياه كلها فموضع العذب في فمه والمالح في عينه والمر في أذنه والمنتن في خيشومه وروى في خبر أن الله تعالى خمر طينة آدم وأنها لتخرج من أصابعه والله أعلم.
ذكر خلق آدم قال ابن اسحق فلما أراد الله أن يخلق آدم بقدرته ليبتليه ويبتلى به لعلمه بما في ملائكته وجميع خلقه وكان أول بلاء ابتليت به الملائكة مما لها فيه ما تحب وتكره البلاء والتمحيص بما فيهم منا لو تعلموا أو أحاط به علم الله منهم جميع الملائكة من سكان السماوات والأرض ثم قال إني جاعل في الأرض خليفة إلى قوله أني أعلم ما لا تعلمون أي أن فيكم ومنكم ولم يبدها لهم منه المعصية والفساد وسفك الدماء وقال الله تعالى " قل ما كان لي من علم بالملاء الأعلى إذ يختصمون " فلما عزم الله تعالى على خلق آدم قال للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فحفظت الملائكة وعده ووعوا قوله وأجمعوا لطاعته إلا ما كان من عدو الله إبليس فإنه صمت على ما في نفسه من الحسد والبغي والتكبر وخلق الله آدم من أدمة الأرض من طين لازب من حماء مسنون بيده تكرمه له وتعظيماً لأمره فيقال والله أعلم خلقه ثم وضعه ينظر إليه أربعين عاماً قبل أن ينفخ فيه الروح حتى عاد صلصالاً كالفخار ولم تسمه نار وكان خلقه يوم الجمعة في آخر ساعة منها وذلك قوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً هذا كله قول محمد بن اسحق صاحب المبتداء والمغازي وقد خولف منه في حروف ليس هذا موضع شرحها.
ذكر اختلافهم في خلق آدم قال كثير من المسلمين أنه خلق في الأرض كما خلق من الأرض وخلقت منه زوجته حواء وفي نسخة التورية أن الله نصب الفردوس في عدن وأسكنها آدم وأنبت فيها من كل شجرة طيبة وانطلق الرب بآدم فأنزله الفردوس ليعمره ويتعاهده وقال ولا تأكل من شجرة الفقه للخير والشر فإنك يوم تأكل تموت موتاً وقال تعالى لا يحسن أن يكون آدم وحيداً فألقى عليه النوم وأخذ ضلعاً من أضلاعه فجعل منه حواء وقال بعض الناس أن الله خلق آدم في السماء وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن الجنة التي أسكنها آدم بين السماء والأرض ومن المسلمين من يقول أنها خلقت للابتداء ثم أفنيت ومنهم من يقول أنها جنة الخلد والله أعلم قالوا وكان خلق آدم يوم الجمعة وأسكن الجنة في ذلك اليوم وأخرج منها فما لبث فيها إلا مقدار ما بين الصلاتين ويذكر هذه القصة ابن جهم في قصيدته
يا سائلي عن ابتداء الخلق ... مسألة القاصد قصد الحق
أخبرني قوم من الثقات ... أولو علوم وأولو هيئات
تفرعوا في طلب الآثار ... وعرفوا موارد الأخبار
ودرسوا التورية والإنجيلا ... وأحكموا التأويل والتنزيلا
أن الذي يفعل ما يشاء ... ومن له القدرة والبقاء
أنشأ خلق آدم إنشاء ... وقد منه زوجه حواء
مبتدياً وذاك يوم الجمعة ... حتى إذا أكمل فيه الصنعة
أسكنه وزوجه الجنانا ... فكان من أمرهما ما كانا
غرهما الشيطان فاغترا به ... كما أبان الله في كتابه
غرهما الشيطان فيما صنعا ... فأهبطا منها إلى الأرض معا
فوقع الشيخ أبونا آدم ... بجبل الهند يدعى واسم
لبئس ما اعتاض من الجنان ... والضعف من جبلة الإنسان
فشقيا وورثا الشقاء ... نسلهما والكد والعناء
ولم يزل مفتقراً من ذنبه ... حتى تلقى كلماته ربه
فأمن السخطة والعذابا ... والله تواب على من تابا
ثم تنسلا وأحب النسلا ... فحملت منه حواء حملا
وولدت ابناً فسمى قاينا ... وعاينا من أمره ما عاينا
وفي الحديث أن الله تعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم فأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم بينهما وآدم نائم ثم لم يهب فخلق زوجته فلما هب رآها إلى جنبه فقال لحمى ودمى وروحى فسكن إليها قال ابن عباس احفظوا نسائكم فإن المرأة خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل وإن الرجل خلق من الطين فنهمته في الطين وفي التورية أن الله أسكن آدم الجنة قال لا يحسن أن يكون آدم وحيداً فلنخلق له عوناً يعني امرأة فخلق حواء كما جاء في الحديث وفي رواية الكلبي أن الله خلق آدم من طين فكان مطروحاً بين مكة والطائف أربعين سنة لا يدري ما يصنع به وذلك قوله عز وجل ذكر قولهم كيف نفخ فيه الروح قال أهل الأخبار لما خلق الله طينة آدم وأتى عليه حين من الدهر وصارت صلصالاً كالفخار أرسل إليه روحاً من عنده على مائدة من موائد الجنة فلما رأى الروح ضيق مدخله وظلمة هيكله كره الدخول فيه فقيل أدخل كرهاً وأخرج كرهاً فنفخ الروح في منخره فدار في رأسه لضيق مكانه وجرى روح الحياة فيه ففتح عينه وانطلق لسانه وسمعت أذناه وعطس فقال الحمد لله فقال له ربه جل ذكره يرحمك ربك فكان أول ما تكلم به آدم التوحيد والتحميد لربه فعلمت الملائكة عند ذلك أن الله لم يخلقه إلا لأمر عظيم قالوا وجعل الروح تمر في جسد آدم وهو ينظر إليه فلا يأتي على شيء منه إلا صار لحماً ودماً وشعراً قال سلمان الفارسي ثم وثب قبل أن يخلق الرجل منه وذلك قوله تعالى " وكان الإنسان عجولا "
ذكر سجود الملائكة لآدم عليه السلام قال ولما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود ليبتليهم ويبتلى إبليس بما في ضميره سجدة تحية لا سجدة عباده وفيل بل أمروا بالسجود لله إليه كسجود المسلمين إلى القبلة فسجدوا كلهم كما قص الله علينا في القرآن إلا إبليس أبا واستكبر وكان من الكافرين واختلفوا في المعنى الذي أمروا بالسجود من أجله فقال قوم كان الله في سابق علمه أن يستخلف آدم ذريته في الأرض ليعمروها ويأكلوا من رزقه ويعبدوه ويطيعوه فلما أراد أن يخلق آدم قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون أن في ذريته أنبياء وأولياء وأنه يعصى فاغفر له فيظهر الرحمة والمغفرة وأنه يأكل من رزقه فيظهر الفضل والجود والقدرة فلما نفخ فيه الروح قال الحمد لله قال الله تعالى يا آدم أحسنت أحسنت لهذا خلقتك لكي تحمدني وتمجدني ثم أمرت الملائكة بالسجود له بحمده وقال قوم أن إبليس عبد الله خمس وثمانين ألف سنة وكان يدعى بين الملائكة خازن الجنان فلما قال الله عز وجل " إني جاعل في الأرض خليفة " استعظم ذلك إبليس واعتقد الخلاف والمعصية فلما خلق الله طينة آدم جعل إبليس يمر بها ويقول للملائكة أرأيتم هذا الخلق الذي لم تروا فيما مضى مثله أن أمرتم بطاعته ما صانعون فقالوا نطيع ونأتمر فقال في نفسه لئن فضل على لأعصينه ولئن فضلت عليه لأهلكنه فأمروا بالسجود حتى ظهر ما أضمر المرء في نفسه من المعصية وزعم الكلبي أن الله تعالى لما قال للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة " قالوا ألن يجعل الله خلقاً أعلم منا ولا أكرم عليه منا ولا أكرم عليه منا فابتلوا بالسجود لآدم وزعم بعضهم أن الله تعالى لما خلق آدم لم يكن في خلفه أحسن وأكمل وأتم وأفضل منه فأمرت الملائكة بالسجود له لفضيلته لقول الله عز وجل بعد أقسام أربعة لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وقيل أمروا بالسجود له لفضل علمه عليهم وقد قال بعض الناس أن الروح هو الذي أوجب السجود لآدم لأنه منه وزعم أن الحيوانات كلها صنف واحد في الحياة والأرواح شيء واحد وإنما الأشخاص والأجسام والهياكل كلها آلات ومساكن قالوا فالحيوان مجموع من شيئين خفيف وثقيل فما كان من ثقيل فإنه ينحل ويعود إلى التراب وما كان من خفيف فإنه يصعد ويبقى وهو لا يفسد أبداً وهو نطق الإنسان وبصر العينين وسمع الأذنين وبطش اليدين ومشى القدمين وأجناس الحواس كلها من الشم والذوق والطعم والرائحة وهو حفظ القلب والمعرفة والفهم والوهم والعقل والذكر وكل ما هو موجود غير معلوم الحدود في الكمية والكيفية قالوا فالأشخاص والأجسام كاللباس وفيها لا يرى ولا يحس ولا يسمع وهو يرى ويسمع ويحس قالوا وإنما أمروا بالسجود له لهذه الحال فكفر من أبى واستكبر وكان حكم هذه المسئلة أن تكون في باب من هو وما هو من الفصل الثاني في إثبات البارئ عز وعلا ولكن الإنسان مغلوب على أمره دلالة على فساد قول هذه الطبقة إذ لا كمال إلا لله وغير جائز وجود النقص في الكمال وحدثت عن رجل في بلاد سابور من حدود فارس يجتمع إليه قوم ويذهبون مذهباً يخالفون عوام الناس فقصدته متصفحاً ما عنده ولزمته أياماً كالمصفى المسترسل لما عنده متبالهاً متجاهلاً وكان الرجل يرجع إلى شيء من علم اللغة ومعرفة مذاهب القدماء إلى أن أنس بي ووثق بناحيتي ثم أبدى مكتوم أمره ودفين سره وإذا هو على هذا المذهب الذي ذكرته مع طول تهجد وقيام وكثرة صلاة وصيام وأذكر مما حفظته عنه أنه كان يوماً يسير إليه بالدلائل فقال وهو الذي تراه في عيني وأراه في عينك ثم أنشد بيتاً:
حجته العيون عن كل عين ... وهو فيها أنيس كل وحيد
وحدثني عن بعض مشائخه عن أبي يزيد البسطامي أنه قال طلبت الله ستين سنة فإذا أنا هو وعن ارسطاطاليس وجدت صورة مصورة في بعض المواضع وفي يده كتاب مكتوب فيه كنت أشرب شراباً ولا أروى فلما عرفت البارئ جل وعز رويت بلا شرب ولبعض المتصوفة مذهب قريب من هذا بل هو بعينه لأن منهم من يقول بالحلول وإذا رأوا صورة حسنة خروا له سجدا وكثير من أهل الهند يفعلون هذا وأنشدني ابن عبد الله للحسين بن منصور المعروف بالحلاج ما يدل على هذا القول
يا سر سر يدق حتى ... يخفى على وهم كل حي
وظاهراً باطناً تجلى ... لكل شيء بكل شيء
إن اعتذار إليك جهل ... وعظم شكى وفرط عي
يا جملة الكل لست غيري ... فما اعتذاري إذا إلي
وكم لله علينا من الفضل والمنة بإلهام التوحيد وتسهيل التعريف وأي نفس مميزة تطمئن إلى مثل هذه المذاهب وأي عقل يسمح بقبولها.
ذكر قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة قالوا وكان الله خلق كل شيء قبل آدم وكانت الملائكة ترى الأشجار والثمار والوحوش والبهائم وسائر الحيوانات تمشي ولا تأكل ولا يدرون لمن خلق ولمن خلقت هذه وما أسماؤها ومنافعها فلما قال لهم إني جاعل في الأرض خليفة وبدلاً منكم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ليس يردون على الله ولكن يستخبرونه ويطلبون معرفة حكمته وأنه يخلق خلقاً يفسد وهو تعالى يكره الفساد فقال الله " إني اعلم ما لا تعلمون " وهذا ليس جواب الملائكة عن قولهم وإنما جوابهم حيث أنبأهم آدم أسماء المسميات وقد يكون جواب القول قولاً وفعلاً وحركة وعلم آدم الأسماء كلها تعليم إلهام ويقال تلقين وأما الحسن فإنه كان يقول تعليم استدلال واجتهاد خلقها الله إذ خلقه مستنبطاً مستدلاً فاستدل بالآثار على المراد من المسميات وانبأها وأغفلت الملائكة ذلك ففضل آدم عليهم واستحق شرف الرتبة باستعمال الاجتهاد وزعم قوم أنه علم آدم الأسماء ولم يعلمها للملائكة ثم أعادهم إلى معارضته وأجازوا تكليف ما لا يطاق بظاهر هذه الآية والله أعلم وأحكم فإما ذكر تلك المسميات وما أختلف أهل التأويل فمستقصاة في كتاب معاني القرآن من نظر فيه شفاه وكفاه.
ذكر دخول آدم الجنة وخروجه منها ولما أبى إبليس أن يسجد لآدم قال الله تعالى " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتماً ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " وقد ذكرنا قول أهل العلم في تلك الجنة ما هي وأين هي واختلفوا في هذه الشجرة فمن قائل أنها الحنطة وآخر أنها الكرمة وآخر أنها الحنظل وروى ابن اسحق عن بعضهم أنه قال الشجرة التي يحتك بها الملائكة الخلد وأن آدم لما دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة والنعيم قال لو أن خلداً فاغتنم منه الشيطان ذلك فأتاه من قبل الخلد وقال ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين فقد جعل الله للشيطان وأعوانه سلطاناً يخلصون بها إلى بني آدم ونقطهم وهم لا يرونهم يقول الله تعالى " قل أعوذ برب الناس ملك الناس " إلى قوله يوسوس في صدور الناس وروى أن صفية بنت حي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مجاور في المسجد فتحدثت عنده ساعة من العشاء وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليردها إلى البيت فمر بها رجل من الأنصار فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إنها صفية بنت حي فقال يا رسول الله إنا لله وإنا إليه راجعون أظننت أني أظن قبيحاً قال إن الشيطان يجري من آدم مجرى الدم خشيت أن تظن فتهلك فهذا الخبر دليل على وصول الشيطان إلى الإنسان كوصول الأعراض من الحر والبرد وغير ذلك وزعم القصاص وأهل الكتاب مراجعات كثيرة وعجائب في هذه القصة وأن إبليس عرض نفسه على دواب الأرض كلها يأبى ذلك حتى كلم الحية وقال أمنعك من ابن آدم وأنت في ذمتي أن أدخلتني الجنة فجعلته في فمها أو بين نابيها وكانت الحية من أحسن الدواب وخزان الجنة فكلمها من فيها وقيل ناح عليهما نوحة شبحية حتى افتتنا قال ابن عباس اخفروا ذمة عدو الله فيها واقتلوها حيث وجدتموها قال الله تعالى قلنا اهبطوا منها جميعاً الآية وفيما قص الله تعالى في القرآن كفاية عن زيادة رواية غيره وقال الله تعالى وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى وجاء في صفة توبته وما يلقى من كلمات ربه روايات قد ذكرتها في كتاب المعاني وأحسن ذلك ما روى عن الحسن رحمه الله أنه قوله ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ذكر أخذ الذرية من زهر آدم عليه السلام قال الله تعالى " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى أهل النظر يرون أن أخذ هذا الميثاق من بني آدم عند بلوغهم واستجمام عقولهم فليس من بالغ إلا وتلك الشهادة ساطعة عليه بأنه مخلوق محدث وأن له خالقاً يستحق منه العبادة لإحداثه إياه وإيجاده فأهل الأخبار يروون فيه روايات أنه اخرج الذرية من ظهر واحد وجعل لهم فهماً وعقلاً ولساناً ينطقون فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا فأشهدهم على أنفسهم وأشهد الملائكة عليهم وأعادهم في صلبه واختلف هؤلاء أين أخذ الذرية من ظهره ومن هو مولود إلى يوم القيامة فزعم الكلبي أنه مسح ظهره بين مكة وطائف وهذه أشياء أكتفي منها بنبذ لأني قد وفيتها حقه في كتاب المعاني.
ذكر اختلاف الناس في آدم وذريته اعلم أن من أنكر حدث العالم وقال بقدم المعلول مع العلة لم يقل في ابتداء شيء من الخلق وإنما حدوثه وكونه استحالة بعد استحالة إلى ما لا نهاية وأما الفرس فإنهم استعظموا وجود النسل من ذكر دون أنثى فوضعوا في المبادئ ذكراً وأنثى وسموها ميشى وميشانه وحكى عن بعض أهل الهند أنهم يزعمون أن آدم خرج من عندهم هارباً فتناسل في ناحية الشمال ومن القدماء من يسميه زاوش وحكى عن علي بن عبد الله القسري في كتاب القرانات عن بوداسف الفيلسوف من أهل بابل العتيقة كان عالماً بالأدوار والأكوار واستخراج سنى العالم التي هي ثلاثمائه وستون ألف سنة فحكى أن في نصف هذه السنين يقطع الطوفان فحذرهم ذلك أن هرمس الأول وهو أخنوخ أدريس النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل آدم بزمان طويل وكان يسكن الصعيد الأعلى المتصل ببلاد السودان إلى الإسكندرية وحول الناس إليه وأنقذهم من الغرق فهذا يزعم أن بوداسف كان قبل هرمس وهرمس كان قبل آدم بزمان طويل وإلى هذا يذهب من يرى آدم غير واحده والفرس زعموا أن ميشى وميشانه من دور كيومرث فهذا أقدم منهما وجملة الأمر أن هذا وما يروونه المسلمون كله أخبار والأصح من ذلك ما كان عن أمين صادق ولا أصدق من كتاب الله ولا آمن من رسوله صلى الله عليه وسلم ولابد في العقل من ابتداء المحدثات وبعض هؤلاء المحدثة المستترة بالإسلام يجرون تأويل هذه القصة إلى ما يؤدي إلى الإلحاد فيستغمرون الضعفى العقول بأن كيف يخرج حيوان من الأرض وكيف يخرج من الجنة من دخلها وكيف خلص الشيطان إليه في الجنة ولم نهى عن شجرة ولم كان كذا ولِمِ لَمْ فإذا كانت مسألة حدث العالم من بالك رددت كل ما أورد عليك من هذه الترهات بحجج بينه وبراهين نيره والجواب أن النهي عن الشجرة للابتلاء وأن تلك لم يكون بدار خلد وأن خلوص الشيطان إلى الإنسان كخلوص الأعراض وأن خلقه من الأرض كتوليد الحيوان عياناً وإياك والاحتجاج بشيء مما يروونه القصاص فإنه هو الذي أوجد الملحد للسبيل إلى الطعن والشنعة.
ذكر صورة آدم وخبر وفاته روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أباكم آدم كان طويلاً كالنخلة السحوق ستين ذراعاً كثير الشعر موارى العورة وإن كان لما أكل الحنطة بدت عورته فخرج هارباً من الجنة فتلقته شجرة فأخذت بناصيته وناداه ربه أفراراً مني يا آدم قال لا يا رب ولكن حياء منك فأهبطه الله تعالى إلى الأرض فلما حضرته الوفاة بعث بحنوطه وكفنه من الجنة رواه ابن ساحق عن الحسن عن أبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما قيل أن هامته كانت تمس السماء فمن ذلك الصلع وأن الملائكة كانوا يتأذون مخشاة فشكوه إلى الله تعالى فبعث جبرئيل فهمزه همزه طأطأ منه إلى ستين ذراعاً لخروجه عن العادة اللهم إلا أن نتأول على وجه لأن ما تصاعد عن وجه الأرض فهو من السماء وما أظلك فهو السماء والصلع عند الأطباء من الرطوبة في الدماغ وزعم وهب أن آدم كان أجمل البرية أمرد وإنما نبتت اللحية لولده من بعده وروى عن أبي أن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من قطف الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فتلقاهم الملائكة فقالت ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبرائيل والملائكة. خلفه وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم في موتاكم يا بني آدم هكذا الرواية والله اعلم.
ذكر الروح والنفس والحياة والموت أعلم هذا باب مستصعب مستغلق كثير التخبط والإختلاف وأنا ذاكر من كل طبقة ذرءاً قال الله تعالى " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال بعض أهل التأويل حجب الخلق عن الخوض فيه ولم يطلع أحداً عليه وقال في بني آدم ثم سواه ونفخ فيه من روحه وقال في مريم فنفخنا فيها من روحنا وقال تعالى " وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا " وقال تعالى " نزل به الروح الأمين " وقال تعالى " وتنزل الملائكة والروح فيها " فذكر الروح في غير موضع من القرآن ومعنى الروح المنفوخ في مريم غير معنى الروح الموحي إلى الني صلى الله عليه وسلم بل لكل واحدة معنى على حدة وقال الذي خلق الموت والحياة وقال يقول يا ليتني قدمت لحياتي وقال إن الدار الآخرة لهي الحيوان وقال إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وقال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم " والفرق بين حياة الدنيا وحياة الآخرة بين ظاهر وإنما اجتمعتا في اللفظ وقال " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " وقال حكاية عن قول النفس أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وقال تعالى " ونفس ما سواها " وقال تعالى " الله يتوفى الأنفس حين موتها " الآية وقال أن النفس لأمارة بالسوء وقال ونهى النفس عن الهوى فأثبت ها هنا أشياء آخر بنهي النفس عن هواها وقال وفي أنفسكن أفلا تبصرون وقال سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم وقال ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وقال أو أكنتم في أنفسكم وقال بل سولت لكم أنفسكم أمراً يخبر بمثلها عن الروح والحياة وقال " وهو الذي يحيى ويميت " وقال الله " يتوفى الأنفس حين موتها " وقال " فقال لهم موتوا ثم أحياها " وقال " يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " وقال " فأماته الله مائة عام " وقال " وكنتم أمواتاً فأحياكم " وقال " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم " فوصفه بالموت بعد ما نهى عن تسمية الشهداء أمواتاً وقال في ذكر الحواس ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.
ذكر ما جاء في الأخبار في هذا الباب حدثنا عبد الرحيم ابن احمد المروزي حدثنا الغباس السراج عن قتيبة حدثنا خالد ابن عبد الله عن الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال الأوراح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وروى سفيان الثوري عن حبيب بن أبي شابت عن أبي الطفيل عن علي مثله وروى هيثم عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عباس قال الأرواح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله صورهم على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح وروى الثوري عن مسلم عن مجاهد قال الروح يأكلون ويشربون ولهم أيد وأرجل ورءوس وليسوا بملائكة وروى أنهم حفظة على الملائكة وروى الثوري عن اسمعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال الأرواح يشتهون الناس وليسوا بناس وروى الثوري عن أيوب عن أبي قلامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الروح إذا خرج اتبعه البصر ألم تروا إلى شخوص عينيه وفي حديث صفوان بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أرواح المؤمنين في حجرات من حجرات الجنة يأكلون طعامها ويشربون من شرابها ويلبسون من ثيابها ويقولون ربنا آتنا ما وعدتنا والحق بنا إخواننا وأرواح الكفار في حجرات من حجرات النار يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويلبسون من ثيابها ويقولون ربنا لا تؤتنا ما وعدتنا ولا تلحق بنا إخواننا وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله فر قوله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال أرواح الشهداء في طير تسرح في الجنة كيف شاءت وتأوى إلى قناديل معلقة بالعرش فال فاطلع عليهم ربك اطلاعه فقال هل تستريدون شيئاً فأزيدكموه قالوا ربنا وما نستريد ونحن في الجنة نسرح حيث نشاء فاطلع عليهم فقال لهم مثل ذلك فقالوا أتعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأرواح في بيت البراء بن معرور هم يأكلون لحماً وتمراً حتى أمسكوا على الطعام قال أرواح المؤمنين طيور خضر وقال في طير خضر في حجر من الجنة يأكلون ويشربون ويتعارفون في الجنة كما يتعارفون في الدنيا وأرواح في حجر من النار وذكر قصة طويلة وروى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن أرواح المؤمنين في طيور خضر تعلق بشجر الجنة وروى مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه وعن عبد الله بن عمر أن أرواح المؤمنين في طير كالزرازيز وهو جمع الزرزور يتعارفون يرزقون من ثمار الجنة وعن سلمان الفارسي قال الأرواح جنود مجنده فما كان لله ائتلف وما كان لسواه اختلف وعن أبي الزبير عن جابر قال كنا نحدث أنه ليس أحد يدخل النار والجنة بجسده قبل يوم القيامة إنما هي أرواح في عليين وسجين فإذا روحت النفوس وبعث من في القبور صارت الأرواح والأجساد إلى الجنة والنار وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: " وننشئكم فيما لا تعلمون " قال سود من النار وقرى على خيثمة بن سليمان القرشي باطرابلس عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان الثوري عن فرات بن الفرات عن أبي الطفيل عن علي عليه السلم قال نشر واديين وادي الأحقاف وواد بحضرموت يقال له برهوت يأوي إليه أرواح الكفار وروى سفيان عن أبان بن تغلب عن رجل قال بت في برهوت وكأنما حشرت أرواح الناس وهم يقولون يا دومه يا دومه قال فحدثني رجل من أهل الكتاب أن دومه هو الملك الموكل على أرواح الكفار وروى عن أبي أمامة أنه قال أرواح المؤمنين تجتمع ببيت المقدس وقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بدر في القليب فقيل أتنادي قوماً قد حتفوا فقال أما أنتم فلستم بأسمع منهم ولكن لا يقدرون أن يجيبوني وقال صلى الله عليه وسلم كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حيا والأخبار المتواترة عن المسلمين في مغازيهم أن كلما قتل من كافر قالوا قد عجل الله بروحه إلى النار وكلما استشهد مؤمن قالوا قد عجل الله بروحه إلى الجنة وروى أبان عن عباس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال أن أعمالكم تعرض على أقاربكم فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان شراً كرهوه وتلقى روح المؤمن أرواح المؤمنين فيقول اتركوا صاحبكم حتى يستريح فقد خرج من كرب شديد ثم يقولون ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل نكح فلان هل نكحت فلانة فإن قال إن ذاك قد مات قبلي أما قدم عليكم فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبست المربية وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت يقولون له فعل فلان وما فعلت فلانة فيقول أولم يأتكم فيقولون أنا لله وأنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا وفي رواية عبد الله بن عمر أن الأرواح ليتلقون على مسيرة وما رأى أحدهم صاحبه قط وروى أن الأعمال تعرض يوم الأثنين ويوم الخميس على الله ويعرضون يوم الجمعة على الأقارب فاتقوا الله ولا تختروا موتاكم وروى زيد بن اسلم عن أبي هريرة أنه مر هو وصاحب له بقبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل اتسلم على قبر فقال أبو هريرة أن كان رآك في الدنيا يوماً قط فإنه يعرفك الآن وروى ان المؤمن لا يزال يسمع الآذان في قبره ما لم يطين ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع فقال السلام عليكم أهل ديار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون ولما دفن عثمان بن مظعون وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة قال صلى الله عليه وسلم خرجت ولم تتلبس منها بشيء وما جاز عليه أن يخاطب من لا يعنهم ولما ابتدى بشكواه التي قبض فيها خرج من الليل مع أبي مويهبة حتى قام بين ظهراني القبور فقال ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس عليه اقبلت الغين كقطع الليل المظلم وفي رواية مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " الآية قال أرواح الشهداء على بارق نهر الجنة يأكلون من ثمارها و ويشربون من ماءها ويستنشقون روائحها وليسوا فيها وهذه الأخبار كلها وما شاكلها عند من يرى الجنة غير مخلوقة اليوم ولا موجودة إلا على الاستقبال فيما بعد ومنهم من يجيز أن يحدث الله الأرواح جنة يتنعم فيها غير الجنة الموعدة وكذلك النار وهي كلها حجة للقائلين بوجود الجنة والنار في الحال.يه وسلم قال أن أعمالكم تعرض على أقاربكم فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان شراً كرهوه وتلقى روح المؤمن أرواح المؤمنين فيقول اتركوا صاحبكم حتى يستريح فقد خرج من كرب شديد ثم يقولون ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل نكح فلان هل نكحت فلانة فإن قال إن ذاك قد مات قبلي أما قدم عليكم فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبست المربية وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت يقولون له فعل فلان وما فعلت فلانة فيقول أولم يأتكم فيقولون أنا لله وأنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا وفي رواية عبد الله بن عمر أن الأرواح ليتلقون على مسيرة وما رأى أحدهم صاحبه قط وروى أن الأعمال تعرض يوم الأثنين ويوم الخميس على الله ويعرضون يوم الجمعة على الأقارب فاتقوا الله ولا تختروا موتاكم وروى زيد بن اسلم عن أبي هريرة أنه مر هو وصاحب له بقبر فقال أبو هريرة سلم فقال الرجل اتسلم على قبر فقال أبو هريرة أن كان رآك في الدنيا يوماً قط فإنه يعرفك الآن وروى ان المؤمن لا يزال يسمع الآذان في قبره ما لم يطين ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع فقال السلام عليكم أهل ديار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون ولما دفن عثمان بن مظعون وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة قال صلى الله عليه وسلم خرجت ولم تتلبس منها بشيء وما جاز عليه أن يخاطب من لا يعنهم ولما ابتدى بشكواه التي قبض فيها خرج من الليل مع أبي مويهبة حتى قام بين ظهراني القبور فقال ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس عليه اقبلت الغين كقطع الليل المظلم وفي رواية مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون " الآية قال أرواح الشهداء على بارق نهر الجنة يأكلون من ثمارها و ويشربون من ماءها ويستنشقون روائحها وليسوا فيها وهذه الأخبار كلها وما شاكلها عند من يرى الجنة غير مخلوقة اليوم ولا موجودة إلا على الاستقبال فيما بعد ومنهم من يجيز أن يحدث الله الأرواح جنة يتنعم فيها غير الجنة الموعدة وكذلك النار وهي كلها حجة للقائلين بوجود الجنة والنار في الحال.
ذكر ما جاء في القرآن والنص والدلالة على أحوال الأرواح قال الله تعالى " يوم يقوم الروح والملائكة صفاً " قال الحسن هو الخلق ذوو الأرواح وقيل هم خلق أكثر من الملائكة قال الله تعالى " النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " فأخبر أن أرواحهم تعرض على النار قبل مصيرهم إلى نار جهنم وقال في صاحب يسين قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون فلم يكن بقوله إلا روحه لأن جسده كان مطروحاً لديهم وقال كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين كلا إن كتاب الفجار لفي سجين قال بعض المفسرين يعني أرواحهم قال إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة وروى السري عن البراء بن عازب أن أرواح المؤمنين إذا قبضتها الملائكة رفعوها إلى السماء فلا تمر بملك من الملائكة إلا قالوا ريح طيب خرج عن نفس طيب حتى ينتهي بها إلى حيث يشاء الله فيسجد وروح الكافر إذا قبض رفع إلى السماء فلا يفتح له أبواب السماء ويقولون روح خبيث خرج من نفس خبيثة فيرد إلى سجين في قصة طويلة وقال فما بكت عليهم السماء والأرض قال " لكل مؤمن من السماء بابان ينزل منه رزقه وباب يصعد فيه علمه وروحه فإذا مات انقطع ذلك فبكت السماء والأرض عليه " وقال الله " يتوفى الأنفس حين موتها " والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه أن الرجل إذا مات قبض الله روحه وبقى نفسه لأن النفس موصولة بالروح فإذا أراد الله قبض روحه للموت قبض نفسه مع روحه فمات وإذا أراد الله بعثه رد إليه روحه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه قال اللهم باسمك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما يحفظ به الصالحين وكان إذا استيقظ من نومه قال الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه المصير وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنه قال في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس والنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها اليقين والتحريك فإذا نام العبد قبض الله نفسه وروحه وقال مجاهد تجيء الروح إلى الرجل في منامه فإذا لم يحضر أجله استيقظ وإذا حضر أجله ذهب الروحان وروى حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال كل نفس لها سبب تجري فيه فإذا قضى عليها الموت قامت حتى ينقطع السبب والتي لم تمت يرد وروى عن علي عليه السلم أنه قال إذا نام الإنسان امتد روحه مثل الخيط فيكون بعض أجزائه في النائم وبه يتنفس وبعضها مختلط بأرواح الأموات مقبوضاً معها إلى وقت انتباهه فترجع إليه وروى ابن عجلان عن سالم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال لعلي يا أبا الحسن وربما شهدت سهدة وعتباً اسئلك عن ثلثة أشياء قال وما هن قال الرجل يحب الرجل وما يرى منه خيراً والرجل يبغض الرجل وما يرى منه سوءاً قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة يلتقى فيشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف قال عمر والرجل يحدث الحديث إذ ينساه فبينا هو قد نسيه إذ ذكره قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر يضيء إذا غلبته السحابة فينسى أو تجلت عنه فذكره قال عمر والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد ولا أمة ينام فيشتغل نوماً إلا عرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فهي الرويا التي تكذب.
ذكر قول أهل اللغة في الروح والنفس والحياة قد يسمى ذات الشيء وعينه كائناً ما كان من جسم أو عرض أو جوهر أو غير ذلك نفساً فيقال نفس هذا الخشب ونفس الأرض ونفس السماء ونفس الكلام ونفس الحركة قال الله تعالى " واصطنعتك لنفسي " وقال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " وسمى الهمة نفساً فيقال لفلان نفس وليس لفلان نفس وسمت نفسه إلى كذا كما يقال سمت همته وذلك يسمى الطمع والحرص والمراد النفس قال:
واكذب النفس إذا حدثتها
وقال
والنفس راغبة إذا رغبتها، ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال
شاور نفسي طمع ورهبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
فشجعته نفس حرص طمعت ... وحذرته نفسه الأخرى الردى
فسمى الجبن والشجاعة نفساً ويسمي الدم نفساً وكذلك قيل الهوام لها نفس سائلة ومنه نفاس المرأة لما سال من دمها ويسمى أصحاب العين النفس وقيل سميت النفس نفساً لتنفسها ويعبر عن القلب بالنفس كما قال الله تعالى " فأسرها يوسف في نفسه " وقال " أوأكنتم في أنفسكم " هذه الوجوه كلها خاصة حالة للنفس لا شركة بينها وبين الروح في شيء منها اللهم إلا في حالة واحدة قالوا خرجت نفسه وخرجت روحه إذا مات وقال الشاعر:
سميت عياطاً ولست بعائط ... عدوا ولكن الصديق تعيط
فلا حفظ الرحمن روحك حية ... ولا هي في الأرواح حين تعيط
وأنشد أبو زيد الأنصاري
اجتمع الناس وقالوا عرس ... ففقئت عين وفاضت نفس
واختلفوا في الروح فحكى ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي قال في الحديث لكل إنسان نفس وروح فأما النفس فتموت وأما الروح فيفعل به كذا وكذا وقد تسمى العرب الريح والروح والنفخ روحاً قال ذو الرمة:
فقلت له ارفعها إليك وأحيها ... بروحك وأفتنه لها فتنة قدرا
ويسمى الهواء الروح والملك الروح والوحي الروح وكل لطيف خفيف متعال روحاً ويقال في الحيوانات أنها ذات أرواح وفلان خفيف الروح وفلان ثقيل الروح إذا كان يخف على القلوب أو يثقل ويقال لكل ما ينبت وما يشاهد كالملائكة والجان الروحانيون والأرواح تبقى والأنفس تموت ولا تبقى وأما الحياة فهي شيء يضاد الموت حيث ما حلت ارتفعت وهي في الجملة على كل تام حساس ومتحرك من ذوي الأرواح وغيرها ألا ترى إلى قوله تعالى " فأحيينا به الأرض بعد موتها فجعل الأرض حياة إذا نزل عليها الماء " وقال " وهو الذي أحياكم فجعلنا بما أحيانا به " وقال " يخرج الحي من الميت " فمن قائل أنه الولد من النطفة والطير من البيض والنخلة من النواة فسمى النخلة لما فيها من قوة الحياة حياً ثم وصف نفسه بالحياة فقال هي الحي ولا يجوز أن يقال هو ذو روح وذو نفس لأن الحياة أعم وأعلى فيقال روح حي وقد أحييت روحي بكذا وكل ما له بقاء ودوام يدعى حياً كما قيل للشعر أنه كلام حي لبقائه ومروره على الألسن واختلفوا في مكان الروح والنفس والحياة من البدن ألكل واحد منها موضع على حدته أو كلها متداخل أو متصل بعضها ببعض وأيها ألتابع للآخر وأيها المتبوع وكيف ما أنظر فلا أجد بداً من جمع ما يحتاج إليه في كتاب مفرد أسميه كتاب النفس والروح لأني إن أطنبت فيه إذ لا يغنى الاختصار والإيجاز نقضت ما اشترطت في صدر الكتاب وهذا باب لا يصح الكلام فيه وإن طال وأما الموت فسكون دائم وخمود بانقطاع الحياة وذهاب الروح وقد سمى الله تعالى الجوامد مواتاً عند فقد النماء والحركة وقيل النوم أخو الموت وقالوا للشيء الخامل المنسي هذا ميت وأنشدني بعضهم:
نوم اللبيب بقدر ... رتبته ذا المقيل
والنوم موت قصير ... والموت نوم طويل
وفي التورية الفقر الأكبر وفي تأويل القرآن الكافر ميت والجاهل ميت
ذكر ما جاء عن أهل الكتاب في الأرواح زعم بعض أهل اليهود أن أرواح الخلائق متصلة في الهواء على شبه نار أو شعاع الشمس عند غروبها وطلوعها ومع ملك الموت سيف يقطع به أرواح من يريد أن يقبضه واحتجوا بقول شمويل في كتابه أن الله بعث الموت على بني إسرائيل فمات منهم بشر كثير فخرج داود ومشايخ بني إسرائيل فرأى داود ملك الموت واقفاً على قرب أورشليم قد اتكأ على سيفه فسأل ربه أن يرفع السيف عنهم فرأى الملك قد أدخل سيفه في غلافه وسكن الموت وقالت فرقة منهم أرواح البررة الصديقين إذا فارقت جثتها صارت إلى الفردوس تحت شجرة الحياة وأرواح الفجرة والفسقة إلى ظلمة الأرض وأرواح ما كان بين ذلك إلى الهواء وقالت فرقة أخرى أن الله لم يوكل أحداً بقبض أرواح الخلائق ولكن إذا ذبل جسم الإنسان وضعفت أعضاؤه فارقتها وصارت أرواح الأبرار إلى الموضع الذي جاءت منه وأرواح الأشرار إلى ظلمة الأرض قالوا فلما إن صارت فيه من غير أن يدخلها أحد كذلك إذا كانت الأجساد عن قبول قوى النفس خرجت من غير أن يخرجها أحد وكثير منهم يقول أن أرواح الصديقين والصالحين إذا هي فارقت أجسادها جعلت في صرة وتركت إلى يوم القيامة وأرواح العاصين والمسئين إذا فارقت أجسادها بقيت في ظلمة الأرض إلى يوم القيامة واحتجوا بقول سليمان بن دواد في كتابه قوها أن ترجع الأجساد إلى التراب والأرواح إلى الرب الذي أعطاه وقال فيه أيضاً من كان منكم عالماً علم أن أرواح ولد آدم صاعدة إلى الهواء والعلى وأن أرواح الذين يشبهون الدواب ينزل إلى أسفل الأرض واحتجوا بقول ابيغايل النبيه وهو مكتوب في كتاب شمويل إذ تقول لداود روح سيدي داود مجتمع في صرة الحياة وروح أعدائه يرمي بها المقاليع وزعم بعضهم أن الروح مما خلق في الابتداء وقد روينا عن بعض علماء الأمة أن أول ما خلق الروح وروينا أن الأرواح خلقت من قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة والله أعلم وفي رواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الخصومة يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد ويقول الجسد يا رب إنما كنت بمنزلة جذع ملقى لولا الروح فيضرب لهما مثلاً أعمى حمل مقعداً.
ذكر مقالات سائر الأمم في الروح والجسد كانت العرب تزعم أن روح الميت تخرج من قبره فتصير هامة تزقو وتقول اسقوني اسقوني وفيه يقول ذو الأصبع العدواني
يا عمرو إن لم تدع شتمي ومنقصتي ... اضربك حتى تقول الهامة اسقوني
وقال:
سلط الموت والمنون عليهم ... فهم في صدى المقابر هام
وقال أبو الغموص
أتجبر يا الرسول بأن سنحى ... وكيف حيوة أصداء وهام
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر ومن ثم كان يستسقون للأموات وأما الهند فظاهر فيهم القول برجوع أرواح موتاهم في صدروهم ويزعمون أنهم يكلمونهم ويسألون بهم وأما الفرس فأيام الفروردجان عندهم أيام رجوع الأرواح فيهيئون ألوان الطعام ويبخرون المباذل بالطيب ويفرشون الرياحين ويقولون هم لا يصيبون من الطعام إلا الرائحة وروى المسلمون أن الميت يسمع كلام أهله وبكاهم عليه وأنه يسئل في قبره وهو يسمع خفق النعال وروى عن حذيفة أنه قال أن الجسد ليغسل والروح بيد ملك فإذا وضع في لحده سلك الروح فيه وروى أن الميت إذا حمل إلى حفرته فإن كان صالحاً قال عجلوا بي عجلوا بي وإن كان غير ذلك قال لا تعجلوا بي فإنكم لا تدرون على ما تقدمون بي وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم عليه السلام قال عصفور من عصافير الجنة وهذا كله دليل على حياة الروح وبقائه بعد النفس والناس قاطبة يندبون موتاهم وينادونهم ويخاطبونهم ولولا الأصل الموثل في حياة الأرواح لما اجتمعوا عليه وليس ينقص هذا مخاطبتهم الديار والآثار لأن هذا خاص في العرب وذلك عام في الأمم
ذكر اختلاف نظار أهل الإسلام في النفس والروح قال بعضهم النفس جسم لطيف له مساحة البدن على طوله وعرضه وعمقه وأنه متداخل بعضه في بعض وكل في كل واستدلوا على أن جميع أجزاء النفس في جميع أجزاء البدن بأنك كما قطعت جزءاً من أجزاء البدن وجدت له ألماً ولولا النفس لم يألم وقال معمر أن النفس موجودة لا مساحة لها وليست بجسم ولا طول ولا عرض ولا عمق وليست بحاله في الأمكنة ولا يحيط بها المواضع وقد يقال في مجاز اللغة أن النفس في البدن على التدبير والأحداث للأفاعيل ولا يقال هي البدن على السكون والحركة وذلك أن السكون والحركة إنما تجوز على كل ذي مساحة وجسم على ما يحويه الأمكنة ويجوز عليه النقلة من موضع إلى موضع ولا تجوز النقلة على شيء إلا بأحد أمرين إما بجسم يرفع الجسم من مكان إلى مكان فإذا لم يكن جسماً لم يمكن منه على الرفع والجر وقال إبراهيم النظام الروح هي الحياة المشابكة بهذا الجسم وقال هشام بن الحكم الروح نور من الأنوار والجسد موات وقال ابن الروندي الروح عرض والإنسان هو أعراض مجتمعة ومنهم من يقول الروح هو الجزء الذي لا يتجزأ وهو لا في مكان ثم اختلف هؤلاء في الإنسان المكلف المثاب المعاقب من هو وما هو قال بشر ابن المعتمر وهشام بن الحكم وأبو الهذيل العلاف وأبو الحسين الخياط هو الروح مع هذا الشخص المرئي وقال إبراهيم النظام الإنسان هو الروح وهو الحياة المشابكة لهذا الجسم ولأنه لا شيء غيره وقال أحمد بن يحيى الإنسان مقدار ما في القلب من الروح وقال بعضهم الإنسان هو الجوهر بين الجوهرين ومحصول أمرهم على قولين أحدهما أنه الروح وحده والآخر أنه الروح مع البدن واحتج من قال أنه الروح بقوله تعالى أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ويا أيتها النفس المطمئنة فكل ما وقع من الخطاب فمع النفس وهي الروح لا غير واحتج مخالفوهم بقوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الآية فأخبر أن الإنسان هو هذا المخلوق وأنه مختص مرئي واختلفوا أهل يحس الميت بعد مفارقة روحه بشيء أم لا ثم اختلف قالوا أنه يحس أو روحه تحس بذلك أم جسده أم روحه مع جسده فأنكر بعضهم أن يكون الميت يشعر بشيء دون يوم القيامة واحتج بقولهم يوم البعث يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا وبقوله ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً وقال بعضهم تحس روحه احتج بقوله النار يعرضون عليها غدوا وعشياً وبسائر الآيات التي تلوناها في الشهداء والأخبار التي رويناها وقال ابن الروندي بل يحس الجسد والروح عرض قد بطل قال فالميت يعلم ضربين من العلم ويحس بضرب من الحس قال ولو لم يكن هكذا ما علم إذا أحس أنه كان ميتاً فاحتج بالخبر المروي أن الميت على النعش يسمع نوح أهله وهذه مناظرة جرت بين النظام وبين هشام بن الحكم سأل النظام هشاماً فقال لم زعمت أن الروح إذا بطل استعمالها للجسد رجعت ففعلت في نفسها إدراك الأشخاص والأشكال بالقوة الروحية قال هشام لأنها ليست بجسم فيدخلها التضاد الذي أحدهما مزيل للإدراك وهو السكون قال النظام فإذا لم يكن جسماً ولم يدخلها التضاد على قولك فما الذي يوجب لها إدراك ما ليس بحضرتها قال هشام قوة الانبساط وارتفاعهما على السترات وأنها لم تدرك الأشياء توهماً وتقديراً على الانفراد إذا كانت إنما تدركها ملامسة وحساً على الاجتماع قال النظام وهل يوجب التوهم والتقدير إيجاد الشيء وحضوره قال هشام إن كنت تريد ما يوجب مشاهدة إنه وإن وصفته إدراك فنعم قال النظام فإن كان يوجب إنه وإن وصفته إدراك فما حاجته إلى الحاسة للإدراك قال هشام ليجتمع له إدراك المائية والصفة في الوهم والتقدير وفي المشاهدة والعيان قال النظام وما حاجته إلى هذا وإنما يطلب الإدراك الذي قد وجده بلا حاسة قال هشام ليعلم ما هيئته في الإعلان بالصفة والهيئة كما علمها في الضمير توهماً وتقديراً قال النظام وهل يزيده علمه بماهيته علماً في الضمير قال هشام نعم يزيده لأن الإدراك بالحواس أولاً والإدراك بالتوهم ثانياً وذلك إن من لم ير طولاً قط لا يتوهمه حتى يتصور في ضميره فإذا رآه ثم فقده كان مصوراً في الضمير قائماً لإدراك الروح إذا ترك استعمال الحاسة وهذه مناظرة ثانية جرت بين من زعم أن الروح في البدن على معنى التدبير والأحداث للأفاعيل لا على معنى السكون والحلول فيه قالوا لهم خبرونا
عن البدن إذا قطعت منه جارحة هل قطع من الروح شيء قالوا لا ولكن الجزء من الروح الذي كان ساكناً في اليد إذا قطعت صار في الذراع بمنزلة الشمس في الكوة إذا سد الكوة عاد الشعاع النافذ إلى جنسه وشكله قالوا فينبغي على قولك إذا قطعت الجوارح والأعضاء كلها أن يزداد بروحه قوة ما يبقى من أجزائه لجمعه فيه إذا كان الروح له مساحة من الطول والعرض والعمق في الجسم وهو الجسم لزم أن يكون جسمان في مكان واحد قالوا نقول بالمداخلة المجاورة وهذه مناظرة ثالثة درت بين النظام وبين مخالفيه قالوا له أخبرنا عن الإنسان هل يرى قال نعم قد يرى معقولاً قيل فهل يدرك بالبصر قال نعم يدرك بالبصر مفعولاً كما يقول رأيت على فلان سيفاً وإنما رأى غمده ويقول رأيت ميتاً وإنما بدنه قيل له فأخبرنا عن الإنسان ما هو قال لا يخلو هذا السؤال من أحد أمرين إما أن أردتم عن اسمه أو عن خواصه التي يعرف بها وبها يفصل بينه وبين غيره فإن أردتم الاسم فهذا إنسان وإن أردتم الخواص فهو الحياة والموت والنطق والضحك قال وليس نعني بهذا الكلام أنه أبداً ميت أو ضاحك أو ناطق أو حي وإنما نريد به أن من شأنه وغريزته أنه ممن يموت وأن من شأنه الحياة والضحك وإن لم يضحك قالوا فأخبرنا عن هذا الإنسان الحي الذي وصفته بالحياة أهو هي أم غيره قال قد وصفته بحياة هي غيره وكذلك إذا مات وصفته بموت هو غيره وحياته وموته عرضان يتضادان فبأحدهما كان حياً وبالآخر كان ميتاً قالوا فما الحياة والموت قال أما الحياة فمعنى له أمكن أن يكون به محركاً لما حرك ومريداً لما أراد من أعماله التي يجوز أن يكون منه قيل له وما الأعمال التي يجوز أن يكون منه قال أما ما كان بالاستطاعة فالإرادة لاستخراج الأشياء والعمل والفكرة وما أشبههما وكل فعل كان منه على المفاجأة وليس قبله له فيه إرادة ولا تمثيل فإن ذلك لغريزة قال والموت بخلاف ذلك وهو إذا دخل بالحي بطل معه كل ما ذكرناه لأنه تبطل بحلوله القدرة على ما كان تقدر عليه قبل ذلك فإذا أحياه الله فحي بطبعه وإذا أماته مات وفعله بطبعه قال وليس الموت فناء له لو كان فناء لم يجز أن يقوم الموت فيه وهو بشر وإنما الموت آفة حلت به فحالت وبين التدبير وهذه مناظرة رابعة جرت بين ما أثبت الروح جسماً وبين من نفى أن يكون جسماً قالوا لهم ما الدليل على أنه ليس بجسم قالوا الدليل عليه أن الأجسام لا يخلو أن تكون ساكنة أم متحركة ولا يكون الساكن والمتحرك إلا بإسكان وتحريك من غيره فلو كان الإنسان جسماً لكان ساكناً أو متحركاً ولو كان المسكن له والمحرك في مثل لزمه ما يلزمه ووجب قود الكلام فيه إلى مسكن له أو محرك ليس بجسم قالوا فهل يسكنه الأعراض قال أما الأعراض التي هي إرادات وغضب وعلم وشهوة وألم وما أشبه ذلك فنعم وأما الأعراض التي هي ألوان وطعوم وأراييح فلا لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يدرك بالمذاقات ويرى بالأبصار ولحاذته الأمكنة قالوا فإذا قلتم إن الإنسان لا تحويه الأمكنة وليس بجسم ولا يوصف بطول ولا عرض ولا عمق قد شبهتموه بالله تعالى قال ليس التشبيه في نفي الأعراض والصفات وإنما التشبيه بين الأعيان بالأعراض المركبة فيها نحو الرجلين القائمين اللذين يوصفان بالقيام الذي هو غيرهما فيكون كل واحد منهما مشبهاً لصاحب في قيامه أو يكون أحدهما جالساً والآخر قائماً فيخالفان بالأعراض المركبة فيهما بالتشابه يقع في الإثبات لا في النفي ولو كان التشابه يكون في النفي لكان الإنسان يكون مشبهاً للحيزية إذا كان الحيزية تنفى عن الكلية وينفى ذلك عن الإنسان.عن البدن إذا قطعت منه جارحة هل قطع من الروح شيء قالوا لا ولكن الجزء من الروح الذي كان ساكناً في اليد إذا قطعت صار في الذراع بمنزلة الشمس في الكوة إذا سد الكوة عاد الشعاع النافذ إلى جنسه وشكله قالوا فينبغي على قولك إذا قطعت الجوارح والأعضاء كلها أن يزداد بروحه قوة ما يبقى من أجزائه لجمعه فيه إذا كان الروح له مساحة من الطول والعرض والعمق في الجسم وهو الجسم لزم أن يكون جسمان في مكان واحد قالوا نقول بالمداخلة المجاورة وهذه مناظرة ثالثة درت بين النظام وبين مخالفيه قالوا له أخبرنا عن الإنسان هل يرى قال نعم قد يرى معقولاً قيل فهل يدرك بالبصر قال نعم يدرك بالبصر مفعولاً كما يقول رأيت على فلان سيفاً وإنما رأى غمده ويقول رأيت ميتاً وإنما بدنه قيل له فأخبرنا عن الإنسان ما هو قال لا يخلو هذا السؤال من أحد أمرين إما أن أردتم عن اسمه أو عن خواصه التي يعرف بها وبها يفصل بينه وبين غيره فإن أردتم الاسم فهذا إنسان وإن أردتم الخواص فهو الحياة والموت والنطق والضحك قال وليس نعني بهذا الكلام أنه أبداً ميت أو ضاحك أو ناطق أو حي وإنما نريد به أن من شأنه وغريزته أنه ممن يموت وأن من شأنه الحياة والضحك وإن لم يضحك قالوا فأخبرنا عن هذا الإنسان الحي الذي وصفته بالحياة أهو هي أم غيره قال قد وصفته بحياة هي غيره وكذلك إذا مات وصفته بموت هو غيره وحياته وموته عرضان يتضادان فبأحدهما كان حياً وبالآخر كان ميتاً قالوا فما الحياة والموت قال أما الحياة فمعنى له أمكن أن يكون به محركاً لما حرك ومريداً لما أراد من أعماله التي يجوز أن يكون منه قيل له وما الأعمال التي يجوز أن يكون منه قال أما ما كان بالاستطاعة فالإرادة لاستخراج الأشياء والعمل والفكرة وما أشبههما وكل فعل كان منه على المفاجأة وليس قبله له فيه إرادة ولا تمثيل فإن ذلك لغريزة قال والموت بخلاف ذلك وهو إذا دخل بالحي بطل معه كل ما ذكرناه لأنه تبطل بحلوله القدرة على ما كان تقدر عليه قبل ذلك فإذا أحياه الله فحي بطبعه وإذا أماته مات وفعله بطبعه قال وليس الموت فناء له لو كان فناء لم يجز أن يقوم الموت فيه وهو بشر وإنما الموت آفة حلت به فحالت وبين التدبير وهذه مناظرة رابعة جرت بين ما أثبت الروح جسماً وبين من نفى أن يكون جسماً قالوا لهم ما الدليل على أنه ليس بجسم قالوا الدليل عليه أن الأجسام لا يخلو أن تكون ساكنة أم متحركة ولا يكون الساكن والمتحرك إلا بإسكان وتحريك من غيره فلو كان الإنسان جسماً لكان ساكناً أو متحركاً ولو كان المسكن له والمحرك في مثل لزمه ما يلزمه ووجب قود الكلام فيه إلى مسكن له أو محرك ليس بجسم قالوا فهل يسكنه الأعراض قال أما الأعراض التي هي إرادات وغضب وعلم وشهوة وألم وما أشبه ذلك فنعم وأما الأعراض التي هي ألوان وطعوم وأراييح فلا لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يدرك بالمذاقات ويرى بالأبصار ولحاذته الأمكنة قالوا فإذا قلتم إن الإنسان لا تحويه الأمكنة وليس بجسم ولا يوصف بطول ولا عرض ولا عمق قد شبهتموه بالله تعالى قال ليس التشبيه في نفي الأعراض والصفات وإنما التشبيه بين الأعيان بالأعراض المركبة فيها نحو الرجلين القائمين اللذين يوصفان بالقيام الذي هو غيرهما فيكون كل واحد منهما مشبهاً لصاحب في قيامه أو يكون أحدهما جالساً والآخر قائماً فيخالفان بالأعراض المركبة فيهما بالتشابه يقع في الإثبات لا في النفي ولو كان التشابه يكون في النفي لكان الإنسان يكون مشبهاً للحيزية إذا كان الحيزية تنفى عن الكلية وينفى ذلك عن الإنسان.
ذكر أراء الفلاسفة في النفس والروح على ما حكاه افلوطرخس في حد النفس، زعم افلاطن أنه يرى النفس جوهراً عقلياً يتحرك ذاته وأن ارسطاطاليس يرى النفس كمال جسم طبيعي إلى حي بالقوة وإن فيثاغورس يرى النفس عدداً تحرك ذاته ويعني بالعدد العقل وأن تاليس يرى النفس طبيعة دائمة الحركة وأنها محركة ذاتها قال وبعضهم يرى النفس تأليف الأسطقسات الأربعة وأما استقلوس الطبيب فإنه كان يرى النفس شيئاً يحدث تدرب الحواس وارتياضها ولهم اختلاف كثير في النفس ما هي أجسم أو جوهر وكم اجزاءها وأين مسكنها من البدن وما جزءها الرئيس وهل هي باقية بعد مفارقة البدن أم متلاشية ما يدل اختلافهم على قصور معرفتهم وعجزهم عن الإحاطة بها، ذكر أصوب الوجوه فيها يدل أن الروح والنفس معان مختلفة الأفعال والأعراض فكل ذي نفس ذو روح وحياة وكل ذي روح ذو حياة ذا روح ونفس لأن الأرض تحيا بالنبات وليست بذات روح والبهائم حيوانات ذوات أرواح وليست بذوات أنفس فالإنسان له نفي وروح وحياة فتمييزه وعقله وفطنته وفهمه من قبل نفسه وعيشه وبقاءه ونماؤه من قبل روحه وحسه وإدراكه المحسوسات من قبل حياته فالذي يبطل بموته حياته والنفس والروح ينتقلان عنه إلى أن يأذن الله في البعث والحشر وقد جرى في هذا الباب من الأخبار ما فيه مقنع وكفاية وقد زعم إفلاطن فيما يحكى عنه لأن الروايات عنه مختلفة أنه قال أن النفوس المفارقة لأبدان الحيوان غير مائتة ولا فاسدة بل لها أحوال تلذ فيها وتألم وحكى يحيى النحوي عن افلاطن أنه قال النفس جوهر قائم بنفسه والنطق والحياة لها بذاتها فإذا فراقت بدنها وكانت خيرة بقيت مغبوطة مسرورة وإن كانت شريرة بقيت تائهة في الأرض متحيرة تحول حول قبر صاحبها إلى النش الأخرى وهذا قول سديد ورأي صواب يشبه أن يكون من مشكاة النبوة والوحي لأنه مقارب لقول الربانيين والله أعلم.
ذكر قولهم في الحواس قال افلاطن أن الحواس اشترك النفس والبدن في إدراك الشيء الذي من خارج وإن القوة للنفس والآلة للبدن واختلفوا في البصر كيف يبصر فزعم بعضهم أن الشعاع يخرج من العين وينبسط في المبصرات فيكون كاليد التي تلمس ما كان خارجاً عن البدن ويؤدي ذلك إلى القوة البصرية وافلاطن يرى ذلك اجتماع الضياء ويقول أن البصر يكون باشتراك الضوء البصري والضوء الهوائي وسيلانه فيه بالمجانسة التي بينهما وأن الضوء الذي ينعكس عن الأجسام ينبسط في الهواء لسيلانه وسرعة استحالته فيلقى الضياء الناري البصري واختلفوا في السمع فزعم بعضهم أن السمع يكون بالخلاء الذي يكون داخل الأذن ومنهم من يزعم أن الهواء يدخل الأذن في صورة الصنوبرة وتصادمها وافلاطن يرى أن الهواء الذي في الرأس يصدمه الهواء الخارج فينعطف إلى العضو الرئيس فيكون من ذلك حس السمع واحتجوا بأن كل فاعل وكل مفعول جسم وأن الصوت يفعل لأنا نسمعه ونحس به وألحان الموسيقى تحركنا والأصوات التي ليست على الموسيقى تؤذينا والصوت يتحرك ويصدم المواضع اللينة ويرجع عنها مثل الكرة التي يضرب بها الحائط وافلاطن يرى أن الصوت ليس بجسم لأنه يعرض في الهواء وينبسط وكل بسيط فغير جسم واختلفوا في الشم كيف يشم فزعم بعضهم أن العضو الرئيس يكون في الدماغ وأنه يجذب الروائح بالنفس وزعم آخرون أن الشم يكون بممازجة هواء النفس ببخار الشيء المشموم واختلفوا في الذوق كيف هو فزعم بعضهم أن الذوق يكون بممازجة الجوهر الرطب الذي في اللسان بالجوهر الرطب الذي في الشيء الذي يذاق وزعم آخرون أن الذوق يكون بالتخلخل واللين اللذين يكونان في اللسان بالعروق التي ينبعث إليه من الفم بقول الله تعالى جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة فنبهنا على هذه الحواس وبعثنا على شكرها ولم يبين لنا علل إدراكها ولا كيفية تركيباتها وقد تحار العقول إذا نظرت فيها وترتد خاسرة لعظم أمرها وصعوبة شأنها وها هي إلا بمنزلة النفس والروح اللذين يعجز الخلق عن إدراكها فإن كان شيء مما قالوا حقاً فهو الصواب وإن كان غير ذلك فالله أعلم.
الفصل التاسع
ذكر الفتن والكوائن وقيام الساعة
وانقضاء الدنيا وفناء العالم ووجوب البعث
اعلم أن الناس مختلفون في هذا الفصل بحسب اختلافهم في إحداثه وابتدائه فمن أنكر له أن يكون له انتهاء وعلة جواز الابتداء حدوث الابتداء وقد دللنا على وجوب الابتداء للحوادث فليس بواجب وجود انتهاء لها لكن جائز عليه ذلك ثم واجب بورود الخبر الصادق فيه مع أن جميع ما دل على حدث العامل دال على تناهي ذاته ومساحته لأن دليل حدثه قد دل على إنقطاع ما حدث منه إلى هذا الوقت وما انقطع حدوثه فهو متناهي الأجزاء لأنه لو أضيف إليه حادث كبعضه لكان زائداً مقدار أجزائه ولكان وبوجود ذلك الزائد أكثر مما كان قبل حدوثه ولو كان العالم غير متناهي الذات لكان السائر منا من وسط الأرض لو سار تلقاء وجهه ألف فرسخ لم يكن ما خلف وراءه من العالم أكثر مساحة مما بين يديه من هو ولو كان ذلك كذلك لكان لو أحدث الله تعالى أجساماً بمقدار ألف فرسخ لم يكن العالم بعد زيادة ذلك أكثر مساحة منه قبل تلك الزيادة ولو كان هذا جائزاً لجاز مثله في عدد الناس والدواب والشجر حتى لو خلق الله في هذا الوقت مائة ألف إنسان ودابة وشجرة لم يزد بذلك في الناس أحد ولا في الدواب دابة ولا في الشجرة شجرة ولكان من نظر إلى جبال يابسة وصحارى ملس لا نبات فيها ولا شجر ثم نظر أيام ربيع في عشبها ولمع زهرها لجاز له أن يحكم بأنه ما زاد في هذه الجبال والصحارى شيء البتة وكذلك لو نظر إلى نخلة تولدت من نواة وإنسان تولد من نطفة بأنه لم يزد في النواة والنطفة شيء وهذا ظاهر الإحاطة والفساد فدل وجود الزيادة على وجود النقصان ووجود الابتداء على وجود الانتهاء وانقطاع حادث بعد حادث على انقطاع الحوادث ومن زعم أن البارئ علة للعالم والعالم معلول لا يجوز وجود العلة بلا معلول ولولا البارىء جل وعز لم يكن العالم موجوداً وليس لولا العالم لم يكن البارئ موجوداً عورض ما الفصل بينك وبين من زعم أن العالم هو العلة والبارئ هو المعلول ولولا العالم لم يكن البارئ موجوداً وليس لولا البارئ لم يكن العالم موجوداً ليعلم أن اعتلالهم عند أهل النظر مبهرج ساقط والقول في حدوث آخر العالم وأن البارئ له علة متناقض لأن العلة لا تفارق المعلول وكأن قال قديم وقديم أحدهما محدث وأدنى ما يلزمه القول بحدوث شيء لا من شيء وإنما هو لكون الخاتم من الفضة والسرير من الخشبة وأما أشبه ذلك والحادث هيئة وصنعة لم يحدث من نفس الفضة ولا من نفس الخشبة لأن نفس الفضة والخشبة قد كانت موجودة والهيئة معدومة وإنما حدثت من فاعلها الحقيقة على معنى أنه اخترعها وأوجدها بعد أن لم يكن من شيء فإذا جاز حدوث عرض لا من شيء فلم لا جاز حدوث جسم لا من شيء مع أن كثيراً من الناس يقولون ليس الجسم غير أعراض مجتمعة وإنما النكتة في نفس ظهور الشيء أحادث أم غير حادث فإن كان غير حادث فظهوره محال لأن الظهور حادث وإن كان حادثاً فقد تبينت المراد وبعد فلم ويوجد جسم إلا من جسم ولا عرض إلا من عرض لوجب أن لا يوجد جسم ولا عرض البتة ولوجب أن لا يوجد في الرطب لون ولا طعم يخالف البسرة ولا في البسرة ما يخالف الطلع ولا في الطلع ما يخالف النخلة ولا في النخلة ما يخالف النواة ووجود خلاف ما ذكرنا دليل على حدوث تلك الألوان والطعوم وسائر الزيادات التي ليست من النواة وأنها ليست من نفس تلك النواة وإن أنكروا الأعراض لزمهم أن ينكروا الصيف والشتاء والليل والنهار وأن يكون الليل سرمداً والنهار سرمداً والشتاء دائماً والصيف كذلك فإن زعموا أن هذا لا يلزمهم لأن النهار ظهور الشمس والليل غيبوبتها والشتاء نزول الشمس بعض البروج والصيف كذلك قيل إذا كنتم لا ترجعون في ظهور الشمس وغيبوبتها وقربها وبعدها فيلزمكم أن يكون من أمر إنساناً أو أراده منه فقد أمره بنفسه أو بنفس جسم من الأجسام وكذلك إذا حمده على شيء أو ذمه أن يكون ذلك نفسه من غير سبب أوجب فيجب أن لا يزال حامداً داماً أو يكون حمده وذمه لجسم من الأجسام وهذا كله دليل على حدوث الأعراض وأنها غير الأجسام وإن الأجسام لا تعرى منها وكل حادث فله ابتداء وانتهاء لا محالة وهذه المسئلة قد مرت في صدر الكتاب على الإتقان والإحكام وأما قولهم بجوهر قديم لم زيل عارياً من الأعراض التي هي الصور والهيئات والحركة والسكون وغير ذلك فإن كلام فاسد لأنه لو جاز ذلك على الأجسام فيما مضى لجاز أن يعرى منها فيما يستقبل وأن
يكون بحضرتنا أجسام غير ذات طول ولا عرض ولا عمق ولا تأليف ولا تركيب ولا لون ولا رائحة ولا طعم ولا حركة ولا يكون وحتى تكون مبنية موجودة قائمة بلا عرض ولو جاز ذلك لجاز أن يوجد إنسان منا مخلي السرب غير ممنوع أن يخلو من الحركة والسكون والقيام والقعود والمشي والفعل والإرادات والألوان والحياة والموت وغير ذلك فهذا ظاهر الفساد فإن زعم أن ذلك كله كامن فيه بالقوة قيل وظهور هذا الكامن أزلي منه فإن زعم أنه فيه لزمه أن يكون هذه الكوامن فيه ظاهرة لم تزل وإن زعم أن ظهور الكوامن بالقوة فيه كما أن هذه الأشياء التي عددنا بالقوة فيه سئل عن هذه القوة ما هي وكيف هي وأين هي ومم هي أفيه هذه القوة أم لا فإن زعم أنها فيه لزمه أن يكون العوارض التي عددناها كلها ظاهرة لم يزل لأن القوة والظهور علة لها وهي كالمعلول والعلة معها والعيان إلا ما ترى في النطفة والبيضة والنواة إذ تراها تحدث الشيء بعد الشيء وإن زعم أنها ليست فيه وإنما حدثت بعده وأحدها محدث فقد أقر بالحدث وأن الجواهر لا تخلو من الحوادث ومن أقر بالحدث فقد أقر بالمحدث والسلام وإن زعم أن العالم حكمة بارئ وجوده وفضله وغير جائز أن يوصف بحل حكمته وإبطال جوده وفضله لزمه لا يجوز على البارئ إحداث ضد لشيء من موت بعد حياة وسقم بعد صحة وليل بعد نهار وضعف بعد قوة وقبح بعد حسن لأن في هذا كله إبطال الحكمة في قولهم فإن قال ليس يكون شيء من ذلك حكمة إلا وقت وجوده دون وجود ضده قيل فكذلك يجب أن ينكروا أن يكون العالم على ما هو عليه لأن حكمه في وقت وجوده دون وقت فنائه وانتقاله من حال إلى أخرى أو ليس ينسج الإنسان الثوب ثم يقطعه خرقاً لضرب من المصلحة ويهيئ المائدة وينضد عليها الألوان من الأطعمة ثم يشوشها ويفسدها بالأكل والتكسير ولا يكون ذلك قبيحاً ولا إبطالاً للحكمة بل هو من أحسن الأشياء وأولاها بالحكمة فمن أين أنكرتم أن ينقض البارئ هذا العالم في الوقت الذي يكون نقضه أولي بالحكمة وأبين في التدبير وأن يعيد الناس في دار سوى هذه الدار ليجازيهم على أعمالهم فإن قيل أن الأجسام باقية والباقي لا يجوز فناؤه إلا بضد يحله وذلك الضد لا يخلو من أن يكون جسماً أو عرضاً فإن كان جسماً فحيزه غير حيز هذا الجسم وكيف يضاده وإن كان عرضاً وجب أن يقوم فيه وكيف يقوم فيه في حال يكون الجسم فيها فانياً معدوماً قيل لهم كيف جاز لكم أن تتطرقوا إلى إبطال القوة لفناء الأجسام مع قول من يقول من المسلمين أن فناء الجسم عرض لا يحتاج إلى محل وأن في حال وجوده انتقال الجسم وعدمه ومن يقول منهم أن الجسم يفنى بفقد بقائه وأن لا يحدث الله بقاء ومن يقول منهم أن فناء الجسم يوجد في الجسم فيصير فائتاً في الحال الثانية وبعد فما معنى إنكاركم فناء الأجسام وإنما ينكرون حياة الموتى وأمرا لموتى وخبر الجنة والنار وهذا كله غير ممتنع كونه مع بقاء الأجسام وتبديل صورها ونقض بنيتها إلى بنية أخرى يكون منها جنة ونار ودار على خلاف سبيل هذه الدار وإن كنا نخالفكم في أشياء منها وقد يشاهدون الاستحلال والفساد في الأركان فيما يؤمنكم إشاعة الفساد في كلياتها وأجزائها كما زعمتم في أجزائها وأبعاضها وأن يكون طبيعة العالم موجبة للإنقاض بعد مدة من المدد والتغيير من هيأة إلى هيأة كالإنسان مثلاً إذا بلغ أقصى ما في طبيعته في بلوغه تفرقت عناصره ولحق كل نوع من جسده بشكله ثم يتركب أجزاؤه بعد ذلك على ضرب آخر فيكون كذلك العالم على هذا الترتيب إذا بلغ أقصى مدته انتقض وانقلب إلى هيأة أخرى يكون منه جنة ونار بل يلزمكم أعظم من هذا وهو إجازة فناء العالم وعدم ذاته ثم عوده ورجوعه بعد ذلك وتكونه وتكون طبيعته هو الذي يوجب له ذلك إذا كان ليس موجب وجوب بقائه من وجوب فنائه بطبعه فإن زعموا أن هذا لا يصح لنا على مذهبنا لأنا نقول بتركيب الأجسام من هذا الأركان وانحلالها إليها وكذلك الأركان من الأسطقسات غير المركبة البسائط من الهيولى قيل وأجود لنا أن يكون مناقضتكم من نفس مذهبكم وقد أريناكم فسد مذهبكم في الهيولى وفي فساد ذلك وجوب صحة القول بحدث الأجسام وكل حدث غير مستنكر له الانحلال والدثور والعود إلى حال التلاشي والبطلان وإذا فنى وبطل فأعاده خلق كابتدائه بل هو أهون.كون بحضرتنا أجسام غير ذات طول ولا عرض ولا عمق ولا تأليف ولا تركيب ولا لون ولا رائحة ولا طعم ولا حركة ولا يكون وحتى تكون مبنية موجودة قائمة بلا عرض ولو جاز ذلك لجاز أن يوجد إنسان منا مخلي السرب غير ممنوع أن يخلو من الحركة والسكون والقيام والقعود والمشي والفعل والإرادات والألوان والحياة والموت وغير ذلك فهذا ظاهر الفساد فإن زعم أن ذلك كله كامن فيه بالقوة قيل وظهور هذا الكامن أزلي منه فإن زعم أنه فيه لزمه أن يكون هذه الكوامن فيه ظاهرة لم تزل وإن زعم أن ظهور الكوامن بالقوة فيه كما أن هذه الأشياء التي عددنا بالقوة فيه سئل عن هذه القوة ما هي وكيف هي وأين هي ومم هي أفيه هذه القوة أم لا فإن زعم أنها فيه لزمه أن يكون العوارض التي عددناها كلها ظاهرة لم يزل لأن القوة والظهور علة لها وهي كالمعلول والعلة معها والعيان إلا ما ترى في النطفة والبيضة والنواة إذ تراها تحدث الشيء بعد الشيء وإن زعم أنها ليست فيه وإنما حدثت بعده وأحدها محدث فقد أقر بالحدث وأن الجواهر لا تخلو من الحوادث ومن أقر بالحدث فقد أقر بالمحدث والسلام وإن زعم أن العالم حكمة بارئ وجوده وفضله وغير جائز أن يوصف بحل حكمته وإبطال جوده وفضله لزمه لا يجوز على البارئ إحداث ضد لشيء من موت بعد حياة وسقم بعد صحة وليل بعد نهار وضعف بعد قوة وقبح بعد حسن لأن في هذا كله إبطال الحكمة في قولهم فإن قال ليس يكون شيء من ذلك حكمة إلا وقت وجوده دون وجود ضده قيل فكذلك يجب أن ينكروا أن يكون العالم على ما هو عليه لأن حكمه في وقت وجوده دون وقت فنائه وانتقاله من حال إلى أخرى أو ليس ينسج الإنسان الثوب ثم يقطعه خرقاً لضرب من المصلحة ويهيئ المائدة وينضد عليها الألوان من الأطعمة ثم يشوشها ويفسدها بالأكل والتكسير ولا يكون ذلك قبيحاً ولا إبطالاً للحكمة بل هو من أحسن الأشياء وأولاها بالحكمة فمن أين أنكرتم أن ينقض البارئ هذا العالم في الوقت الذي يكون نقضه أولي بالحكمة وأبين في التدبير وأن يعيد الناس في دار سوى هذه الدار ليجازيهم على أعمالهم فإن قيل أن الأجسام باقية والباقي لا يجوز فناؤه إلا بضد يحله وذلك الضد لا يخلو من أن يكون جسماً أو عرضاً فإن كان جسماً فحيزه غير حيز هذا الجسم وكيف يضاده وإن كان عرضاً وجب أن يقوم فيه وكيف يقوم فيه في حال يكون الجسم فيها فانياً معدوماً قيل لهم كيف جاز لكم أن تتطرقوا إلى إبطال القوة لفناء الأجسام مع قول من يقول من المسلمين أن فناء الجسم عرض لا يحتاج إلى محل وأن في حال وجوده انتقال الجسم وعدمه ومن يقول منهم أن الجسم يفنى بفقد بقائه وأن لا يحدث الله بقاء ومن يقول منهم أن فناء الجسم يوجد في الجسم فيصير فائتاً في الحال الثانية وبعد فما معنى إنكاركم فناء الأجسام وإنما ينكرون حياة الموتى وأمرا لموتى وخبر الجنة والنار وهذا كله غير ممتنع كونه مع بقاء الأجسام وتبديل صورها ونقض بنيتها إلى بنية أخرى يكون منها جنة ونار ودار على خلاف سبيل هذه الدار وإن كنا نخالفكم في أشياء منها وقد يشاهدون الاستحلال والفساد في الأركان فيما يؤمنكم إشاعة الفساد في كلياتها وأجزائها كما زعمتم في أجزائها وأبعاضها وأن يكون طبيعة العالم موجبة للإنقاض بعد مدة من المدد والتغيير من هيأة إلى هيأة كالإنسان مثلاً إذا بلغ أقصى ما في طبيعته في بلوغه تفرقت عناصره ولحق كل نوع من جسده بشكله ثم يتركب أجزاؤه بعد ذلك على ضرب آخر فيكون كذلك العالم على هذا الترتيب إذا بلغ أقصى مدته انتقض وانقلب إلى هيأة أخرى يكون منه جنة ونار بل يلزمكم أعظم من هذا وهو إجازة فناء العالم وعدم ذاته ثم عوده ورجوعه بعد ذلك وتكونه وتكون طبيعته هو الذي يوجب له ذلك إذا كان ليس موجب وجوب بقائه من وجوب فنائه بطبعه فإن زعموا أن هذا لا يصح لنا على مذهبنا لأنا نقول بتركيب الأجسام من هذا الأركان وانحلالها إليها وكذلك الأركان من الأسطقسات غير المركبة البسائط من الهيولى قيل وأجود لنا أن يكون مناقضتكم من نفس مذهبكم وقد أريناكم فسد مذهبكم في الهيولى وفي فساد ذلك وجوب صحة القول بحدث الأجسام وكل حدث غير مستنكر له الانحلال والدثور والعود إلى حال التلاشي والبطلان وإذا فنى وبطل فأعاده خلق كابتدائه بل هو أهون.
ذكر من قال من القدماء بفناء العالم على ما حكى افلرطرخس زعم اباشهيدوس الملطي أن مبدأ الموجودات هو الذي لا نهاية له وإليه ينتهي الكل ويفسد ويرجع إلى الذي عنه كان وإن القمامس يرى مبدأ الموجودات هو الهواء منه كان الكل وإليه ينحل قال الروح والهواء يمسكان العالم والروح والهواء يقال على معنى واحد قولاً متواطئاً وإن تاليس الملطي يرى المبدأ الماء وإليه ينحل وهؤلاء قد أقروا بفساد العالم وإن كانوا رأوا له صلاحاً يرجع إليه وحكى عن ابثاغورس أنه كان يرى العالم يكون والله يكون ذاته وأنه إما من قبل الطبيعة ففاسد لأنه محسوس جسم مجسم وإما من سياسة الله وحفظه فغير فاسد وهؤلاء قد حكموا عليه بالفساد من قبل طبعه وأجازوا أن لا يفسده الله وكذلك المسلمون يجيزون ذلك إلا أن الخبر ورد بخلافه وأما ارسطاطاليس فإنه يرى الفساد في الحر المنفعل الذي تحت فلك القمر وحكى عن جماعة منهم أنهم يقولون بالكون والفساد وهذا كله من الدليل على ابتداء الحدث وجواز انتهائه من مذهبهم وقد احتج من احتج منهم في إبطال العالم أنه من الاسطقسات الأربع ولابد لها من التمايز والانحلال كما الإنسان مجموع من الطبائع الأربع وتمايزها سبب هلاكه وفنائه وأما الثنوية فإنهم يقولون ببطلان من امتزاج الكونين وجواز وتباينهما بعد امتزاجهما حتى تعود كما كانا بلا حادث من مزاج وأما الحرانية فيقولون بالثواب والعقاب ولا أدري كيف قولهم في فناء العالم غير أنهم ينتمون إلى اغثاديمون وهرمس وسولون جد افلاطن لأمه ومن هؤلاء من كان يقول بفناء العالم والبعث وكثير من المجوس يقرون بالبعث والنشور وخبرني بعض مجوس فارس أنه إذا انقضى ملك اهرمن وأفضى الأمر إلى هرمز ارتفع الكد والعناء والظلمة والموت والسقم والكراهة وصار الخلق كلهم روحانيين باقين خالدين في ضياء دائم وسكون دائم ولا أعرف مذاهب فرقهم ولا اختلاف أرائهم وكلمتهم وسمعت بعضهم يقول إذا انقضت للعالم تسعة آلاف تساقطت النجوم وفتت الجبال وغاضت المياه وصار كذا وكذا بصفات هائلة.
ذكر قول أهل الكتاب في هذا الباب اعلم أن قولهم وقول أهل الإسلام سواء في انقضاء الدنيا وفناء العالم وكون البعث والحساب ووجب الجزاء من الثواب والعقاب لا خلافاً في شيء من الصفات وقع من جهة التأويل وأجمعت اليهود أن المسيح لم يجيء بعد وأنه جاء لا محالة في زمان يأجوج ومأجوج واختلفوا بعد ذلك فزعمت فرقة منهم أن ملك المسيح يكون ألف سنة ومائتا سنة وخمس وتسعون سنة وقد كان كثير من مشركي العرب يؤمنون بالبعث والنشور ويزعمون أن من عقرت مطيته على قبره يحشر عليها وفيه يقول جريبة بن لأشيم الفقعسي:
يا سعد إما أهلكن فإنني ... أوصيك إن أخا الوصية أقرب
لا تتركن أباك يعثر خلفكم ... تعباً يجر على اليدين وينكب
وأحمل أخاك على بعير صالح ... ويقى الخطيئة إنه هو أقرب
ولعل ما قد تركت مطية ... في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا
وكان أمية بن أبي الصلت قد قرأ الكتب واتبع أهل الكتاب وهو يقول:
والناس راث عليهم أمر ساعتهم ... فكلهم قائل للدين إيانا
أيام يلقى نصاراهم مسيحهم ... والكائنين له وداً وبربانا
هم ساعدوه كما قالوا إلههم ... وأرسلوه كسوف الغيب دسفانا
وهو يقول أيضاً:
ويوم موعدهم أن يحشوا زمراً ... يوم التغابن إذ لا ينفع الحذر
مستوسقين مع الداعي كأنهم ... رجل الجراد رقته الريح تنتشر
وأبرزوا بصعيد مستو حزر ... وأنزل العرش والميزان والزبر
وحوسبوا بالذي ما يحصه أحد ... منهم وفي مثل ذاك اليوم معتبر
فمنهم فرح راض بمبعثه ... وآخرون عصوا مأواهم السقر
يقول خزانها ما كان عندكم ... ألم يكن جاءكم من ربكن نذر
قالوا بلى فأطعنا سادة بطروا ... وغرنا طول هذا العيش والعمر
قالوا أمكثوا في عذاب الله ما لكم ... إلا السلاسل والأغلال والسعر
فذاك عيشهم لا يبرحون به ... طول المقام وإن صحوا وإن ضجروا
ذكر ما جاء في مدة الدنيا وكم مضى منا وكم بقي من أنكر ابتداء العالم وانتهاءه أنكر أن يكون لما مضى عدد ويكون لما بقي أمد وزعم أن الحركة الثانية هي الحركة الأولى معادة وقد مضى من النقص على هذه المقالة ما فيه كفاية روى في الخبر أن الله وضع الدنيا على سبعة أيام من أيام الآخر كل يوم ألف سنة وروى ثمانية أيام وروى ستة أيام وروى خمسون يوماً وروى مائة ألف سنة وخمسون ألف سنة هذا ما رواه المسلمون وأما اختلاف أهل الأرض في سني العالم في الكثرة والقلة وكمية ما يقع فيه من الاجتماعات والقرانات فشيء يطول وصفه وقد ذكر ابن عبد الله القسري في كتاب القرانات قول خمس مأخوذ من أصلهم وأن عدد سني عالمهم وأدوراهم أربعة ألف ألف وثلثمائة وعشرون ألف ألف سنة وهذا رسمه حم حجم عليه السلام والصنف الثاني أصحاب الارجبهز جعلوا سني عالمهم أربع مائة ألف واثنين وثلثين ألف سنة وسنو هذا الفرقة جزء من عشرة ألف جزء من السند والهند والصنف الرابع أهل الصين جعلوا سني عالمهم مائة وخمسة وسبعين ربوة وثلث ونصف عشرة ربوة كل ربوة عشرة ألف سنة يكون سني المدار ألف ألف وسبع مائة ألف وثلاثون ألف وثماني مائة مائة وثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر والصنف الخامس الفرس وأهل بابل وكثير من الهند والصين معهم جعلوا سني عالمهم ثلاثمائة وستين ألف سنة وهذه السنون مناسبة لدرج الفلك وإذا قسمتها على عشرة خرج جميع الفلك لأن الكواكب الثابتة يقطع كل برج في ثلاثة آلاف سنة قال ووقع الطوفان في نصف سنة العامل في أول دقيقة من الحمل فعلمت العلماء عليه وجعلوا هذه السنة أصلاً محفوظاً عندهم وسموه سنى الألوف المغيرة للزمان والدهور والأديان والملل والأحداث العظيمة في العالم من خراب وعمارة وزوال ملك على ما ذكره أفلاطن وارسطاطاليس ومن قبلهما من اليونانيين قال ويقال أن هذه الأحداث لم يزل تأثيره قديماً مذ أول خلق الله أيام العالم إلى وقتنا هذا وأنه كان قبل آدم أمم كثيرة وخلق وآثار ومساكن وعمارات وأديان وملك وأملاك وخلائق على خلاف هذا الخلق في الطباع والأخلاق والكسب والمعاش والمعاملات وأنه كان قد يتصل العمارة في بعض المواضع ألوف فراسخ لا ينقطع مع مآكل عجيبة ولغات غريبة وطول القامات وصغرها وغير ذلك ما لا يدري كيف كان وأنه قد أبادهم الطوفانات والرجفات والزلال والهدات والنيران والعواصف ثم خلق الله آدم الذي انتشر منه أهل هذا العالم الذي نحن منه وفيه بعد تلك الأمم والأجيال التي لا يعلم عددهم ولا يحصيهم إلا الله وعلمه العلوم من الآثار العلوية والسفلية وذلك قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها هي أسماء الكواكب الحائرة المؤثرة في العالم بتركيب الله إياها كذلك فعلم ما ينال ذريته من الشدة والبلاء فحذرهم وبين لهم مواضع الآفة حتى أووا إليها وتخلصوا من البلايا التي تحدث في الأركان من النار والماء وغير ذلك من وجه الفساد قال وقد كان هرمس الهرامسة وهو اخنوخ ادريس الني صلى الله عليه وسلم قبل آدم بزمان طويل وكان ينزل الصعيد الأعلى والصعيد إلى الاسكندرية ليعتصموا بها من الغرق وقد أفسدهم الطوفان والنيران والنبات والحيوان غير مرة هكذا وجدت في كتابه وكتب الله تعالى وأخبار الرسل أصدق وأصح شيء مما ذكروا وإن وافقته رواية أهل الإسلام وأهل الكتاب قلنا به وإلا لا فهو مضاف إلى حد الجواز والإمكان قال وربما عملت القرانات والاجتماعات في خراب العمران وعمارة الخراب حتى جعلت البحور مفاوز والمفاوز بحوراً وربما غاضت فنى وآبار وعيون وأنهار فصارت البقاع قفراً خلاء وربما نبع بالقفر عيون ومياه فصارت مسكونة مأهولة ولا ينبغي أن يحكم ببطلان ما لا يرى في مدة عمر وعمرين وثلاثة أعمار كما يرى في المفاوز بين الشام وبلاد اليونانيين من الآثار العادية والبنيان الخراب المعدوم فيه النبات والحيوان والماء ثم ما نشاهده في إقلبمنا بالعيان قبل مفازة سجستان وما فيها من آثار البنيان والمدن والقرى والدكاكين ورساتيق الأسواق قال وقرا على بعض المجوس أن هذه المفاوز كانت عامرة والماء جارياً عليها من سجستان وأن افراسياب التركي عور تلك العيون وكبسها حتى انقطع عنها وسار إلى زره فصار بحيرة ويبست المفازة وذكر ابن المقفع أن بادية الحجاز كانت في الزمان الأول كلها ضياعاً وقرى ومساكن وعيوناً جارية
وأنهاراً مطردة ثم صارت بعد ذلك بحراً طافحاً تجري فيه السفن ثم صارت قفراً يابساً ولا يدري كيف اختلف عليها الأحوال ولا كم يختلف إلا الله تعالى.راً مطردة ثم صارت بعد ذلك بحراً طافحاً تجري فيه السفن ثم صارت قفراً يابساً ولا يدري كيف اختلف عليها الأحوال ولا كم يختلف إلا الله تعالى.
ذكر التأريخ من لدن آدم إلى يومنا هذا على ما وجدناه في كتب أهل الأخبار روينا عن وهب بن منبه أنه قال الله خلق السماوات في ستة أيام فجعل مكان كل يوم منها ألف سنة وقد خلت منها ستة ألف سنة وستمائة وإني لأعرف كل زمان ما كان فيه من الملوك والأنبياء وروى عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب المعارف أن آدم عاش ألف سنة وكان بين موته والطوفان ألف سنة ومائتا سنة واثنان وأربعون سنة وبين الطوفان وبين موت نوح ثلثمائة وخمسون سنة وبين نوح وإبراهيم عليه السلام ألفا سنة ومائتا سنة وأربعون سنة وبين إبراهيم وموسى تسع مائة سنة وبين موسى وداود خمس مائة سنة وبين داود وعيسى ألف سنة ومائتا سنة وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وعشرون سنة فكان من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة ألف سنة وثمان مائة عام وفي كتاب التأريخ ابن خرداذ به قال أنه كان من هبوط آدم إلى الطوفان ألفان مائتا سنة وست وخمسون سنة ومن الطوفان إلى مولد إبراهيم عليه السلام اثنى وثلاثين سنة خلت من عمر موسى وذلك عند خروج بني إسرائيل من مصر خمس مائة وخمسون سنة ومن خروجهم إلى سنة أربع من ملك سليمان وذلك وقت ابتدائه ببناء بيت المقدس ستمائة وست وثلاثون سنة ومن بناء بيت المقدس إلى ملك الإسكندر سبع مائة سنة وسبع عشر سنة ومن ملك الإسكندر إلى مولد المسيح ثلاث مائة وسبع وستون سنة ومن مولد المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم خمس مائة وأربع وستون سنة ومن الهجرة إلى يومنا هذا وهو سنة خمس وخمسين وثلثمائة فذلك سبعة آلاف وأربع مائة وخمس عشر سنة وأصبت في كتاب أخبار زرنج قال كان بين آدم والطوفان ألفا سنة وست وخمسون سنة وكان بين نوح وإبراهيم تسع مائة سنة وثلاث وأربعون سنة وبين إبراهيم وموسى خمس مائة وست وسبعون سنة وبين موسى وسليمان وستمائة وإحدى وثمانون سنة وبين سليمان وشابيل وفارس وبين سند مائتان وستون سنة وبين سيذ وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم خمس مائة وثمان وتسعون سنة ومن مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أربع مائة وخمسون وستون سنة وعمر آدم ألف سنة فذلك سبعة آلاف وتسع مائة وتسعون سنة وفي رواية محمد بن إسحق فيما يرويه عنه يونس بن بكير قال كان من آدم إلى نوح ألف ومائتا سنة ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة واثنتان وأربعون سنة ومن إبراهيم إلى موسى خمس مائة وخمس وستون سنة ومن موسى إلى داود خمس مائة وتسع وستون سنة ومن داود إلى عيسى ألف وثلثمائة وخمسون سنة ومن عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة فذلك خمس آلاف وأربع مائة وست وعشرون سنة سوى مدة عمر آدم وتأريخ النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت في كتب بعض أهل التنجيم ذكروا تواريخ الأنبياء إلى أول سنة خمسين وثلثمائة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست آلاف وسبع مائة وستين لآدم عليه السلام سنة خمسة آلاف وسبعين وثلثمائه لمولد نوح عليه السلام سنة أربعة آلاف وأربعة وستين وثلثمائة وثلثة وعشرون يوماً لغرق نوح عليه السلام سنة ثلثة ألف وست وأربعين وأربع مائة لإبراهيم عليه السلام سنة ألفين وأربع وتسعين وتسع مائة لموسى عليه السلام سنة ألف وثلث وسبعين ومائتين لذي القرنين سنة ألف وستين وستمائة لبخت نصر سنة ألف وخمس وثمانين ومائتين لبطليموس صاحب المجسطي سنة ألف وثمان وستين وتسع مائة لعيسى عليه السلام ستة آلاف وثلثمائة وثلاثين ليزدجرد بن شهريار آخر ملوك العجم سنة ثمان وأربع مائة للفيل قال وفيه كذا كذا النشو وخرجت الكواكب من أول دقيقة في الحمل إلىأول يوم من هذه السنة ألفا ألف ألف وثلثمائة وتسعة وأربعون ألف ألف واحد وعشرون ألفاً وتسع مائة وخمسون سنة وثلثمائة وتسعة وخمسون يوماً وإحدى عشر دقيقة وثوان والله أعلم وأحكم لا يعلم غيره وقد روى همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق وتلا كأن الناس أمة واحدة الآية وروى الواقدي كان بين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون وبين إبراهيم وموسى عشرون قرناً وروى وهب قال كان بين آدم ونوح عشرة أباً وبين إبراهيم ومحمد ثلاثون أباً هذا ما رواه المسلمون وأهل الكتاب وأمّا الفرس والمجوس فإن الروايات عنهم مختلفة ففي كتب بعضهم أن من
انقضاء ملك بني ساسان أربعة آلاف سنة وأربع وأربعون سنة وعشرة أشهر وخمسة أيام ومنهم من يحسب هذا الحساب عن هوشنك بعد الطوفان ومنهم من يحسب عن كيومرث ويزعم أنه كان قبل آدم وأن آدم نبت من دمه وبعضهم يقول هو ابن آدم وحكى عن بعض علمائهم أنه قرأ في عظة لزردشت ذكر ملوك ملكوا الأرض قبل هوشنك منهم رتّى ملك الناس رقابهم وأموالهم ومنهم رتى ومنهم افرهان والله أعلم وأحكم فليس لنا في كتاب الله الذي في أيدينا ولا في الخبر الصادق عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يوجب القطع عليه ويوجب اليقين بشيء ومنه فليس إلا الرواية كما جاءت وإجازة ما هو ممكن والسلمقضاء ملك بني ساسان أربعة آلاف سنة وأربع وأربعون سنة وعشرة أشهر وخمسة أيام ومنهم من يحسب هذا الحساب عن هوشنك بعد الطوفان ومنهم من يحسب عن كيومرث ويزعم أنه كان قبل آدم وأن آدم نبت من دمه وبعضهم يقول هو ابن آدم وحكى عن بعض علمائهم أنه قرأ في عظة لزردشت ذكر ملوك ملكوا الأرض قبل هوشنك منهم رتّى ملك الناس رقابهم وأموالهم ومنهم رتى ومنهم افرهان والله أعلم وأحكم فليس لنا في كتاب الله الذي في أيدينا ولا في الخبر الصادق عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يوجب القطع عليه ويوجب اليقين بشيء ومنه فليس إلا الرواية كما جاءت وإجازة ما هو ممكن والسلم ذكر ما بقى من العالم وكم مدة أمة محمد عليه السلام فيما رواه أهل الأخبار روى عبد المنعم بن إدريس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما عمر هذه الأمة عمر بني اسرائيل ثلثمائة سنة قال الراوي قبل أن يصبهم الفتن والبلايا وعبد المنعم غير ثقة ومع ما فيه من الهمة لم يلق ابن عباس ويشبه إن كانت الرواية عن ابن عباس أن يكون ذكر ثلثمائة سنة زيادة ليس من نفس الرواية الإحاطة بأن عمر بني اسرائيل زاد على ثلثمائة بأضعافها وروى أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال يكون لأمتي نصف يوم مقداره خمس مائة سنة وهذه الرواية في الضعف والوهم ليست بدون الأولى وروى أبو جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس قال في آلم وآلمر وآلمص وسائر الحروف التي في أوائل السود ما منها حرف إلا وهو في مدة قوم وفي رواية الكلبي أن حيي بن أخطب لما تلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم آلم قال إن كنت صادقاً فإني أعلم ما أنحل أمتك من السنين وهو إحدى وسبعون سنة من حساب الجمل فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم آلمر وآلمص وآلر وحروفاً آخر فقال لهم بعضهم ما يدريك لعله يجمع له ذلك كله فنزل وما يعلم تأويله إلا الله قال الكلبي يعني منتهى أجل هذه الأمة فإن صحت الرواية فضرب الحد فيه باطل وحدثني أبو نصر الحرشي بفرجوط قرية من الصعيد وكان يقرأ كتب الأوائل في كتاب دانيال مسطوراً بقاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ألف سنة وفناؤهم بالسيف وقال بعضهم وجدت في كتاب إن أحسنت هذه الأمة فبقاؤها ألف سنة وإن ساءت فبقاؤها خمس مائة سنة وأجمعوا أن هذه الأمة آخر الأمم ولا بد لها من نهاية كما انتهت الأمم قبلهم وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعثت والساعة كهاتين وأشار بسبابته والوسطى قال الله تعالى " وما يدريك لعل الساعة قريب " وقال " لا تأتيكم إلا بغتة " وقال " لا يعلمها إلا هو فأخفاها وقربها واستأثر بعلمها دون علمه " ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام قال ما المسؤول بأعلم من السائل قال صدقت فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه وجبريل أنهما لا يعلمان شيئاً من ذلك وصدقه في ذلك جبريل فمن ادعى أنه يعلم كم ما مضى منها وكم بقى فقد صرح بعلم ما طوى الله علمه عن العباد اللهم إلا أن يذهب في أن يجعل سبعة آلاف سنة مدة من المدد ابتداؤها هبوط آدم وانقضاؤها ابتداء سبعة آلاف سنة ثم الله أعلم بما هو كائن بعد فهذا مذهب إذ لا يعلم أحد ما كان قبل آدم وما هو كائن بعد انقضاء هذا العالم إلا الله تبارك وتعالى وروي عن عبد الله بن عمر قال يطعم هذه الأمة ثلثمائة سنة وثلاثين سنة وثلاثين شهراً وثلاثين يوماً ثم ينقضي
ذكر ما جاء في أشراط الساعة وعلاماتها حدثنا محمد بن الحسين حدثنا عمر بن موسى العرار حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد عن أبي نصر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلا خبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه في حديث طويل قال في آخره وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء فقال إلا أنه لم يبق من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا وروينا عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما مثلي ومثلكم كقوم خافوا عدواً فبعثوا ربئةً لهم فلما فارقهم إذا هو بنواصي الخيل فخشي أن يسبقه العدو إلى أصحابه فلمع بثوبه وقال يا صباحاه وإن الساعة كادت تسقني إليكم، واعلم أنه ليس من شريطة هذا الكتاب رواية الأسانيد وتصحيح الأخبار لأن عامتها مستغنية بظهورها عن السند قال الله تعالى " اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " ومن هذا الباب حديث أبي الطفيل عن أبي سريمة عن حذيفة ابن أسيد قال أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الساعة فقال أما أنها لا تقوم حتى تكون عشر آيات فذكر الدخان والدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وثلاث خسوفات خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر فيقال غدت النار فاغدوا وراحت فروحوا وتغدوا وتروحوا ولها ما سقط ومنه حديث سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإذا عملت أمتي خمس عشر خصلة حل بها البلاء إذا اتخذوا المغانم دولاً والأمانة مغنماً والزكوة مغرماً والتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعصى أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور ولبس الحرير ولعن آخر هذه الأمة أولها فتوقعوا عند ذلك ريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً وقذفاً وفي حديث ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أن جبريل لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أمر الدين فقال متى الساعة قال ما المسؤول بأعلم بها من السائل قال فما إماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة ويتطاولون في البنيان قال صدقت وفي حديث أبي شجرة الحضرمي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله رفع إلى الدنيا وأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كما أنظر إلى كفي هذه حلتان من الله حلاه لنبيه كما حلى للنبيين قبله ومنه خبر خروج الهاشمي والسفياني والقحطاني والترك والحبشة والدجال ويأجوج ومأجوج وخروج الدابة والدخان ونفخ الصور ثم ما ذكر بعد ذلك من أحوال الآخرة ليس ينبغي أن يضيق صدر الإنسان بما يورد عليه من مثل هذه الأخبار أو يروى له لأن ذلك كله ممكن جائز وإذا جاز أن يظن الرجل شيئاً فيصدق ظنه ويركن فيصح ركانته ويتكلم بشيء فيقع بوفاق كلامه أو يحكم من جهة الحساب فيصح حكمه أو يرى رأياً فيرشد في رأيه أو تخيل إليه أو في منامه أو يؤيد بقوة الروح فيوجد له تصديق فيما يحدث له فلا يجوز أن يصيب فيما يخبر به من جهة الوحي والنبوة أية حالة تؤخر درجة النبوة عن درجة ما ذكرناه مع وجود الغلط الظاهر المتفاوت المبين في كل ما ذكرناه إلا النبوة وحدها التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها اللهم إلا أن يكون المستترون بالإسلام دسوا في الأخبار مناكير وفواحش حدها تفاد في الحديث وتهذبها دلائل القرآن والله المستعان ومن أعوز الأشياء على قود النفس إلى قول هذه الروايات وحبس القلب عليها معرفة وجوب النبوة وصدق الأنبياء وجواز كون ما هو ممتنع في العقل بوجود الدلالة على حدث العالم وإيجاده لا من غير سابقه فمن تيقن ما ذكرناه لم يحدس قلبه ما يرد عليه بعد ذلك والسلام
ذكر الفتن والكوائن في آخر الزمان في رواية الزهري عن أبي ادريس الخولاني عن حذيفة بن اليمان قال أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة إلى يوم القيامة وما لي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي في ذلك شيئاً لم يحدث به غيري ولكنه حدث مجلساً أنا فيه عن الفتن التي يكون منها صغار ومنها كبار فذهب أولئك الرهط كلهم غيري وفي حديث ابن عينية عن الزهري عن عروة عن كرز ابن علقمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتناً فقال رجل كلا والله إن شاء الله فقال والذي نفس محمد بيده لا يعوزن فيها أساود حياً يضرب بعضكم رقاب بعض قال الزهري الأسود الحية إذا نهشت ترت ثم ترفع رأسها ثم تنتصب قال حذيفة كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخبر وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر وقد جاء الله بهذا الخير فهل بعد الخير من شر قال نعم وفيه دخن من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا دعاه على أبواب جهنم من أطاعوه أفخموه فيما رواه نعيم عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن بشر بن عبد الله عن أبي ادريس الخولاني عن حذيفة رضي الله عنه وفي رواية ابن عينية عن الزهري عن عروة عن أسامة قال أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم فقال إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر فهل ترون ما أرى حدثنا نعيم ابن حماد حدثنا محمد بن يزيد عن أبي جلدة عن أبي العالمية قال لما فتحت تستر وجدنا في بيت مالالهرمزان مصحفاً عند رأس ميت على سرير يقال هو دانيال فيما يحسب قال فحملناه إلى عمر فأنا أول العرب قرأته فأرسل إلى كعب فنسخة بالعربية فيه ما هو كائن يعني من الفتن إلى يوم القيامة حدثنا نعيم عن عبد القدوس عن أرطاة بن المنذر عن حمزة بن حبيب عن سلمة بن نفيل أن النبي صلى الله عليه قال بين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل حدثنا نعيم عن بقية عن صفوان عن عبد الرحمن بن جبير عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم العدد ستاً بين يدي الساعة أولهن موتي فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني ثم قال إحدى والثانية فتح بيت المقدس قل اثنتان والثالثة
موتان يكون في أمتي كمعاض العتم قل ثلاث والرابعة فتنة عظيمة تكون في أمتي لا تبق بنت في العرب إلا دخلته والخامسة هدنة بين العرب وبين بني الأصفر ثم يشرون إليكم فيقابلونكم قل خمس والسادسة يفيض المال فيكم حتى يعطي أحدكم المائة الدينار فيتسخطها حدثنا نعيم عن أبي عينية عن مجالد عن عامر عن صله عن حذيفة يقول في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى الدنيا الارفاض الظلمة حدثنا نعيم حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن الحسن عن الشعب عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي أربع فتن يكون في الرابعة الفناء وروى أنها تكون فتنة يفرج فيه عقول الرجال حدثنا نعيم عن حمزة عن ابراهيم بن أبي عبلة قال بلغني أن الساعة تقوم على قوم أخلاقهم أخلاق العصافير حدثنا نعيم عن محمد بن الحارث عن أبي السليماني عن أبيه عن أبي عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقدر صاحبه فيقول لوددت أني مكانه لم يلقى من الفتن حدثنا نعيم عن أبي ادريس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الناس هلاكاً فارس ثم العرب على أثرهم وفي رواية معاوية بن صالح عن علي بن أبي طالب عن أبي عباس رضهما فال النجوم أمان لأهل السماء فإذا طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون وأنا أمان لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمان لأمتي فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون والجبال أمان للأرض فإذا نسفت الجبال أتى أهل الأرض ما يوعدون وقد رواه عطاء عن ابن عباس وسلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبد الله بن المبارك عن محمد بن سوقة عن علي بن أبي طالب طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلائق يتسافدون على ظهر الطريق تسافد البهائم يقول أمثلهم لو نحيتموه عن الطريق وأخبر أبو العالية لا تقوم الساعة حتى يمشي إبليس في الطريق والأسواق ويقول حدثني فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا وقال بعض أهل التفسير في حم عسق أن الحاء حرب والميم ملك بني أمية والعين عباسية والسين سفيانية فمن هذه الفتن ما قد مضى وانقضى ومنها ما هو منتظر
خروج الترك حدثنا يعقوب بن يوسف قال حدثنا أبو العباس السراج قال قتيبة بن يعقوب بن عبد الرحمن الاسكندري عن سهيل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتل المسلمون الترك قوم وجوههم كالمجان المطرقة صغائر الأعين خنس الأنوف يلبسون الشعر ويمسون في الشعر وعن أبي عباس رضي الله عنه قال ليكون في ولدي حتى يبلغ عزمهم الحمر الوجوه كالمجان الطرقة واختلفت الناس في تأويل هذا الخبر فزعم قوم أن هلاك سلطان بني هاشم على يد الأتراك الإسلامية وزعم آخرون أنه يكون على كفرة الترك ويأخذونه على الأتراك الإسلامية وقال قوم بل هم أهل الصين يستولون على هذه الأقاليم والله اعلم وسمعت من يزعم أنه مضى وكان يقول مذ دخل تحكم الماكاني بغداد ضعف سلطان بني هاشم الهدة في رمضان وهي من أشراط الساعة حدثنا البيروتي عن الأوزاعي عن عبد الله بن لبانة عن فيروز الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يكون هدة في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان هذا في رواية قتادة وفي رواية الأوزاع يكون صوت في رمضان في نصف من الشهر يصعق فيه سبعون ألفاً ويعمى فيه سبعون ألفاً ويصم سبعون ألفاً ويخرس سبعون ألفاً ويتفلق له سبعون ألف بكر قال ثم يتبعه صوت آخر فالأول صوت جبريل عليه السلام والثاني صوت إبليس عليه اللعنة قال الصوت في رمضان والمعمى في شوال وتميز القبائل في ذو القعدة ويغار على الحاج في ذو الحجة والمحرم أوله بلاء وآخره فرح قالوا يا رسول الله من يسلم منه قال من يلزم بيته فيتعوذ بالسجود وفي رواية قتادة تكون هدة في رمضان ثم يظهر عصابة في شوال ثم تكون معمعة في ذو القعدة ثم تسلب الحاج في ذو الحجة ثم تنهتك المحارم في المحرم ثم يكون صوت في صفر ثم تتنازع القبائل في شهر ربيع الأول ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب ثم فئة مغنية خير من دسكرة تعل مائة ألف لهاشمي الذي يخرج من خرسان مع الرايات السود حدثنا يعقوب بن يوسف السجزي حدثنا أبو موسى البغوي حدثنا الحسن بن ابراهيم البياضي بمكة حدثنا حماد الثقفي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأيتم الرايات السود من قبل خرسان فاستقبلوها مشياً على أقدامكم لأن فيها خليفة الله المهدي وفي هذا أخبار كثيرة هذا أحسنها وأولها إن صحت الرواية وقد روى فيه عن ابن العباس بن عبد المطلب أنه قال إذا أقبلت الرايات السود من المشرق توطئون للمهدي سلطانه واختلف الناس في تأويل هذه الأخبار فقال قوم قد نجزت هذه وهو خروج أبي مسلم وهو أول من عقد الرايات السود وسود ثيابه وخرج من خراسان فوطأ لبني هاشم سلطانهم قالوا وهذا كما يقال فتح عمر السواد وقطع الأمير اللص فيضاف إليهم ما كان من فعل غيرهم إذ كان ذلك بأمرهم وقال آخرون بل هو لم يأت بعد وإن أول انبعاث ذلك من قبل الصين من ناحية يقال لها ختن بها طائفة من ولد فاطمة عليها السلم من ظهر الحسين ابن علي ويكون على مقدمته رجل كوسج من تميم يقال له شعيب بن صالح مولده بالطالقان مع حكايات وأقاصيص فيها العجائب من القتل والأسر والله أعلم خروج السفياني في رواية هشام بن الغار عن مكحول عن ابي عبيدة بن الجراح عن رسول الله صلى الله عليه قال لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية وفي رواية أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ولد العباس فقال يكون هلاكهكم على يدي رجل من أهل بيت هذه وأومى إلى حبيبة بنت أبي سفيان وفيما خبر عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في ذكر الفتن بالشام قال فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد على أثر ليستولي على منبر دمشق فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي وقد قال بعض الناس أن هذا قد مضى وذلك خروج زياد بن عبد الله بن خالد بن زيد ابن معاوية بن أبي سفيان بحلب وبيضوا ثيابهم وأعلامهم ودعوا الخلافة فبعث أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبي جعفر إليهم فاصطلموهم عن آخرهم ويزعم آخرون أن لهذا الموعود شاباً وصفه لم يوجد لزياد بن عبد الله ثم ذكروا أنه مع ولد يزيد بن معاوية عليها اللعنة بوجهه آثار الجدري وبعينيه فكتة بياض يخرج من ناحية
دمشق ويثيب خيله وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى وينشرون الناس بالمناشير ويطبخونهم في القدور ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون ثم ينبشون عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر فاطمة رضها ثم يقتلون كل من اسمه محمد وفاطمة ويصلبونهم على باب المسجد فعند ذلك يشتد غضب الله عليهم فيخسف بهم الأرض وذلك قوله تعالى " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب أي من تحت أقدامهم " وفي خبر آخر إنهم يخربون المدينة حتى لا يبقى رائح ولا سائح وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يحبأ الكلب فيشعر على سارية المسجد قالوا فلمن تكون الثمار يومئذ يا رسول الله قال لعوافي السباع والطير قالوا في الخبر ثم تسير خيل السفيان تريد مكة تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء بيدي بهم فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب يقلب ووجهما في أقفيتهما يمشيان القهقرة على أعقابهما حتى يأتيا السفياني فيخبرا به ويأتي البشير المهدي وهو في مكة فيخرج معه اثنا عشر ألفاً فهم الأبدال والأعلام حتى يأتي المباء فيأسر السفياني ويغير على كلب لأنهم تباعه ويسبي نسائهم قالوا فالخائب يومئذ من خاب عن غنائم كلب كذا الرواية من حشو كثير ومحالات مردودة والله أعلم بما روى ويثيب خيله وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى وينشرون الناس بالمناشير ويطبخونهم في القدور ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون ثم ينبشون عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر فاطمة رضها ثم يقتلون كل من اسمه محمد وفاطمة ويصلبونهم على باب المسجد فعند ذلك يشتد غضب الله عليهم فيخسف بهم الأرض وذلك قوله تعالى " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب أي من تحت أقدامهم " وفي خبر آخر إنهم يخربون المدينة حتى لا يبقى رائح ولا سائح وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يحبأ الكلب فيشعر على سارية المسجد قالوا فلمن تكون الثمار يومئذ يا رسول الله قال لعوافي السباع والطير قالوا في الخبر ثم تسير خيل السفيان تريد مكة تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء بيدي بهم فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب يقلب ووجهما في أقفيتهما يمشيان القهقرة على أعقابهما حتى يأتيا السفياني فيخبرا به ويأتي البشير المهدي وهو في مكة فيخرج معه اثنا عشر ألفاً فهم الأبدال والأعلام حتى يأتي المباء فيأسر السفياني ويغير على كلب لأنهم تباعه ويسبي نسائهم قالوا فالخائب يومئذ من خاب عن غنائم كلب كذا الرواية من حشو كثير ومحالات مردودة والله أعلم بما روى
خروج المهدي قد روي فيه روايات مختلفة وأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس وغيرهم إلا أن فيها نظراً وكذلك كل ما يرونه من حادثات الكوائن إلا أنها نسوقها كما جاءت وأحسن من جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش عن عاصم بن ذر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي وفي رواية أخرى لو لم يبق من الدنيا إلا عصر لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملأت جوراً ليس فيها يواطئني اسمه وللشيعة فيه أشعار وأسطار بعيدة وقد حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج المعروف بالسجزي بالشيرجان سنة خمسة وعشرين وثلاثمئة قال حدثنا محمد بن أحمد بن راشد الأصفهاني حدثني يونس بن عبد الله الأعلى الشفاعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الناس إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ثم اختلف من أثبت الخبر الأول فقال بعضهم هو كان علي بن أبي طالب عليه السلام وتأولوا عليه قوله وجدتموه هادياً مهدياً وزعم قوم أنه كان المهدي محمد بن أبي جعفر لقبه المهدي واسمه محمد وهو من أهل البيت ولم يأل جهداً في إظهار العدل ونفى الجور وقيل لطاووس هو المهدي الذي سمع به يعنى عمر بن عبد العزيز قال لا إن هذا لا يستكمل العدل وإن ذاك يستكمله وأنكرت الشيعة أن يكون إلا من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم اختلفوا فقالوا هو محمد بن الحنفية لم يمت وسيعود حتى يسوق العرب بعصاً واحدة واحتجوا بأن علياً دفع إليه الراية يوم الجمل وقال يكون من ولد حسين بن علي رضوان الله عليهما من بطن فاطمة رضها لأنه جاهد في طلب الحق حتى استشهد وقال آخرون بل يكون من ولد الحسن عليه السلام ثم اختلفوا في حيلته وهيئته فقال بعضهم يكون ابن أمتي أسمر العينين براق الثنايا في خده خال وقال قوم مولده بالمدينة ومخرجه بمكة يبايع بين الصفا والمروة وزعم آخرون أنه يخرج من الموت ومن ثم سموا بنو إدريس قيروان المهدية طمعً في أن يكون منهم قالوا ورفع الجور عن أهل الأرض ويفيض المعدلة عليهم ويسوي بين الضعيف والقوي ويبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ويفتح القسطنطينية ولا يبقى أحد في الأرض إلا دخل الإسلام أو أدى الفدية وعند ذلك يتم وعد الله ليظهره على الدين كله واختلفوا في مدة عمره فقيل يعيش سبع سنين وقيل تسعاً وقيل عشرين وقيل أربعين وقيل سبعين، خروج القحطاني في رواية عبد الرزاق عن معمر عن أبي قريب عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لا تقوم الساعة حتى يقفل القافل من رومية ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطان واختلفوا فيه من هو فروي عن ابن سيرين أنه قال القحطاني رجل صالح وهو الذي يصلى خلفه عيسى وهو المهدي وروي عن كعب أنه قال يموت المهدي ويبايع بعده القحطاني وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال رجل يخرج بعد ولد العباس ولما خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج يسمى بالقحطاني وكتب إلى العمال من عبد الرحمن ناصر أمير المؤمنين فقيل له إن اسم القحطاني على ثلثة أحرف فقال اسمي عبد وليس الرحمن من اسمي فدل أن هذا القحطاني كان مشهوراً عندهم وقد قال كعب ما هو بدون المهدي في العدل فتح قسطنطينية روينا عن اسباط عن السري في قوله عز وجل " لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " قال فتح قسطنطينية وبعض المفسرين يفسرون آلم غلبت الروم على هذا أنه كائن وذكروا أنه يباع الفرس من لائها بدرهم ويقتسمون الدنانير بالجحف قالوا وبين فتح قسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم قال فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه
خروج الدجال الأخبار الصحيحة متواترة بخروجه بلا شك وإنما الاختلاف في صفته وهيأته قالوا قوم هو صائف بن اليهودي عليه اللعنة ولد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحياناً يربوا في مهده وينتفخ في بيته حتى يملأ بيته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأتاه في نفر من أصحابه فلما نظر إليه عرفه فدعا الله سبحانه وتعالى فرفعه إلى جزيرة من جزائر البحر إلى وقت خروجه وفي رواية أخرى أن المسيح الدجال قد أكل الطعام ومشى في الأسواق وروي أن اسمه عبد الله وهو يلعب مع الصبيان فقال ابن صياد أتشهد أني رسول الله فقال له النبي أشهد أني رسول الله فقال ابن صياد أتشهد أني رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني قد خبأت لك خبئاً قال ما هو قال هو الدخ يعني الدخان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخسأ ولن تعدو قدرك قال عمر أئذن لي فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه دعه فإن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير في قتله ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاختطف وجاء في الحديث أنه اغم جفال الشعر بمكتوب بين عينيه ك ف ر يقرأه كل أحد كاتب وغير كاتب واختلفوا في مخرجه فقال قوم يخرج من أرض كوثي بالكوفة واختلفوا في من يتبعه قال قوم يتبعه اليهود والنساء والأعراب وأولاد الموسومات واختلفوا في العجائب التي تظهر على يديه فقال قوم يسير حيث سار معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة وإنه يدعى أنه رب الخلائق فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويبعث الشياطين في صورة الموتى ويقتل رجلاً ثم يحييه فيفتتن الناس ويؤمنون به ويبايعونه قالوا ولا يسخر له من الدواب إلا الحمار واختلفوا في هيأة حماره فقيل ما بين أذني حماره اثني عشر شبراً وقيل أربعون ذراعاً تظل إحدى أذنيه سبعين ألفاً وخطوه مسير ثلثة أيام فيبلغ كل منهل الأربعة مساجد مسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الطور ويمكث أربعين صباحاً يقصد بيت المقدس وقد اجتمع الناس لقتالهم فعمم ضبابة من غمام ثم ينكشف عنهم مع الصبح فيرون عيسى بن مريم قد نزل على ضرب من ظراب بيت المقدس فيقتل الدجال.
نزول عيسى عليه السلم المسلمون لا يختلفون في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وقد قيل في قوله تعالى " وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها أنه نزوله " وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن عيسى نازل فيكم وهو خليفتي عليكم فمن أدركه فليقرئ به سلامي فإنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحج في سبعين ألفاً فيهم أصحاب الكهف فإنهم يحجون ويتزوج امرأة من يزد ويذهب البغضاء والشحناء والتحاسد وتعود الأرض إلى هيأتها على عهد آدم حتى يترك المقلاص فلا يسعى عليها أحد وترى الغنم مع الذئب ويلعب الصبيان مع الحيات فلا تضرهم ويلقى الأرض في زمانه حتى لا تفرض الفأرة جرابا وحتى يدعى الرجل إلى المال فلا يقبله ويشبع الرمانة والسكن قال وينزل عيسى في يده مشقص فيقتل به الدجال وقيل إذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص واتبعهم المسلمون يقتلونهم فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلقي إلا الغرقد من شجر اليهود قال ويمكث عيسى أربعين سنة ويقال ثلاثا وثلاثين ويصلي خلف المهدي ثم يخرج يأجوج ومأجوج.
بقية خبر الدجال في رواية سفيان عن مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الظهيرة فخطبنا فقال إني لم أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ولكن لحديث حدثنيه تميم الداري منعني سروره القائلة حدثني أن نفراً من قومه أقبلوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف وألجأتهم إلى جزيرة فإذا هم بدابة قالوا لها ما أنت الجساسة قلنا اخبرينا الخبر قالت إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير فإن فيه رجلاً بالأشواق إليكم قالوا فأتيناه فقال إني بعيم فأخبرناه فقال ما فعلت بحيرة طبرية قلنا تدفق بني جانبها قال ما فعلت نخل عمان وبيسان قلنا يجتنيها أهلها قال فما فعلت عين زغر قلنا يشرب منها أهلها قال فلو يبست هذه نقذت من وثاقي فوطئت قدمي كل منهل إلا المدينة ومكة وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال ما كانت بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال وقال إنه لم يكن نبي إلا أنذر قومه بالدجال ووصفه فقال إنه قد بين لي ما لم يبين لأحد أنه أعور كيت وكيت فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجتكم وإن لم يخرج إلا بعدي فالله خليفتي عليكم فما اشتبه عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور والدجال يسميه اليهود موشح كوامل ويزعمون أنه من نسل داود وأنه يملك الأرض ويرد الملك إلى بني إسرائيل فيهود أهل الأرض كلهم وسمعت المجوس يذكرون واحداً منهم يخرج فيرد الملك إليهم فقد صار هذا الأمر مشتركاً متنازعاً فيه بقي الاعتماد على أصدق الأخبار وأصحها وذلك ما روى عن كتب الله ورسله من غير تحريف ولا تبديل فالذي هو ممكن جائز من هذه لصفة خروج رجل مخالف للإسلام مفسد فيه وأما سائر ما ذكر فموكول إلى علم الله لأنه قد جاء أنه قد قال إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً فأقل ما في هذا الباب أن يكون كأحد هؤلاء.
بقية خبر عيسى عليه السلام قال بعض المفسرين في قوله تعالى " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته إنه عند نزوله " وقد قال الله عز وجل " بل رفعه الله إليه وما قتلوه ولا صلبوه ولكن شبه لهم " ولا يختلف أهل الكتاب أنه جاء احتجوا بأنه مكتوب في كتب الأنبياء للاثنى عشر إني موجه إليكم النبي قبل مجيء الرب وفي كتاب شعيا يا بيت اللحم منك يخرج الصديق المخلص مع الخروف ويلعب الصبي مع الأفاعي الصماء وعيسى عندكم مسيح والدجال مسيح وهما مسيحان وفي زمانه يخرج يأجوج ومأجوج قالوا ويكون من ولد شعيا بن افرائيم ثم اختلف المتأولون له فقال أكثرهم هو عيسى عليه السلام بعينه يرد إلى الدنيا وقالت فرقة نزول عيسى خروج رجل شبيه بعيسى في الفضل والشرف كما يقال للرجل الخير هو ملك وللشرير هو شيطان يراد به التشبيه لا الأعيان وقال قوم يرد روحه في رجل يسمى عيسى والله أعلم.
طلوع الشمس من مغربها قال بعض المفسرين في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أنه طلوع الشمس من مغربها وروينا عن أبي هريرة أنه قال ثلاث إذا خرجت لم ينفع نفساً إيمانها طلوع الشمس من مغربها والدابة والدجل قالوا في صفة طلوعها أنه إذا كانت الليلة التي تطلع الشمس في صبحتها من مغربها حسبت فيكون تلك الليلة قدر ثلاث ليال قالوا فيقرأ الرجل جزءه وينام ويستيقظ والنجوم راكدة والليلة كما هي فيقول بعضهم لبعض هل رأيتم مثل هذه الليلة قط ثم تطلع الشمس من مغربها كأنها علم أسود حتى تتوسط في السماء ثم تعود بعد ذلك فتجري في مجراها الذي كانت تجري فيه وقد أغلق باب التوبة إلى يوم القيامة وروى عن على أنه قال فتطلع بعد ذلك من مشرقها عشرين وماية سنة لكنها سنون قصار السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة وكان كثير من الصحابة يترصدون الشمس منهم حذيفة بن اليمان وبلال وعائشة رضهم.
خروج دابة الأرض قال الله عزل وجل " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم " قال كثير من أهل الأخبار إنها دابة ذات وبر وريش وزغب وفيها من كل لون ولها أربع قوائم رأسها رأس ثور وآذانها أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد وقوائمها قوائم بعير ومعها عصى موسى وخاتم سليمان ويرتفع إلى السماء فلا يعرف أحد باسمه وهو يجلو وجه المؤمن بالعصا فيبيض ويختم على أنف الكافر فيغشو السواد فيه فيقال يا مؤمن ويا كافر وروى عن عبد الله بن عمر أنه قال هي الدابة الغلباء التي أخبر التميم الداري عنها وعن الحسن قال سأل موسى عليه السلام ربه أن يريه الدابة فخرجت ثلاث أيام لم يدر أي طرفها فقال يارب ردها ردها ويقال أنها تخرج بأجناد في عقب الحاج والله أعلم تسير بالنهار وتقف بالليل يراها كل قائم وقاعد وأنها لا تدخل المسجد وقد عاذبه المنافقون فقتل أترون المسجد ينجيكم مني هلا كان بالأمس هذا قول الظاهر ولعمري ما خروج مثل هذه الدابة ولا طلوع الشمس من مغربها أو من أي ناحية من نواحي السماء كانت على الله بعزيز ولا هي أصعب وأعسر من إبداعها نفسها ووضعها على مجراها التي تجري فيه ولا طلوعها من مغربها أعجب من نقص بنيتها ومحو صورتها واستلاب ضوءها وهدم مسيرها وكل ذلك قد قامت الدلائل على جوازه بحلول هذه الآفات والبلايا مع فناء العالم بأسره وعدم عينه بعد وجوده ويذهب قوم ممن أنكروا حدث العالم وانتقاضه إلى أن طلوع الشمس من مغربها ظهور سلطان ثم يستولي على الأرض ويقهر كل سلطان دونه وهذا محال لا تجيزه العقول لله بوجه من الوجوه وسبب من الأسباب أن يكون في قوة أحد من الناس أو عمره أو مبلغه أو يتناول مشارق الأرض ومغاربها ويعطيه أهلها الطاعة والانقياد وينفذ فيها أمره وحكمه أن الإنسان الواحد وإن طال عمره وامتدت أيامه لم يقطع العالم كله ولا نصفه ولا بعضه وأن الذي يذكر من الملوك الذين أحاطوا بالأرض هو شيء من جهة الخبر وما يذكر من أمر سليمان عليه السلام معجزة له لا يخبر مثلها هذا الخصم المخالف لنا فإذا بطل ما قلناه وجب أن طلوعها من مغربها كطلوعها من مشرقها أو ينكر ذلك لتكلم على إثباته من جهته وطريقه فهذا يقع في باب صدق الأنبياء وإن التجأ إلى أن هذا وما أشبهه خارج عن العادة اضطر إلى إيجاده وما أشبهه من غير مجانسة له خارج عن العادة حتى ينكشف في الحال أمره عن التعطيل والإلحاد ويعود القول في إثبات البارئ وإحداث العامل ولهذا ما اشترط في غير موضع في هذا الكتاب التحفظ لهذه المسئلة والتمرن عليها لأنها القاعدة الموطودة والعمدة الموثوق بها وأما الدابة فهو اسم يقع على ما دب ودرج من أجناس الحيوان من إنسان وسبع وبهيمة وطائر وهامة وقال الله تعالى " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع " وقال " ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " وقال إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون فلم يرد ها هنا إلا الناس خاصة فلو قال قائل إنها كناية عن إنسان أو ملك لكان قولاً محتملاً هذا إذا لم يصح ما روى في الخبر من صفاتها ونعومتها كما ذكرنا فإما إن صح الخبر فليس إلا إتباعه وقد سمعت من يقول معنى الدابة العلامة يظهر الله كلامه كيف شاء يعجزهم بها وروى أن علياً صلوات الله عليه وسلامه قال أنا دابة الأرض أنا كذا أنا كذا والله أعلم وقيل عبد الله بن الزبير دابة الأرض.
ذكر الدخان قال تعالى " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " وروى عن الحسن قال يجيء دخان فيملاً ما بين السماء والأرض حتى لا يدري شرق ولا غرب ويأخذ الكافر فيخرج من مسامعه ويكون على المؤمنين كهيئة الزكمة ثم يكشف الله عنهم بعد ثلاثة أيام وذلك قدام الساعة وأكثر أهل التأويل على أنه الجوع الذي أصابهم في أيام النبي صلعم.
خروج يأجوج ومأجوج قال الله تعالى فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً وجاء في الأخبار من صفاتهم وعددهم ما الله به عليم ولا يختلفون أنهم في مشارق الأرض وروى عن مكحول أنه قال المسكون من الارض مسيرة مائة عام وثمانون منها ليأجوج ومأجوج أمتان في كل أمة أربع مائة ألف أمة لا تشبه أمة أخرى وعن الزهرى أنهم ثلاث أمم منسك وتأويل وتدريس فصنف منهم مثال الأرز والشجر الطوال وصنف منهم عرض أحدهم وطوله سواء وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى وروى أن طول أحدهم شبر وأكثر ويكون خروجهم بعد قتل عيسى الدجال وإذا جاء الوقت جعل الله السد دكاً كما ذكر فيخرجون وروى أنهم تكون مقدمتهم بالشام وساقتهم ببلخ قالوا فيأتي أولهم البحيرة ويشربون ماءها ويأتي أوسطهم فيلحسون ما فيها ويأتي آخرهم فيقول لقد كان هنا مرة ماء ويكون مكثهم في الأرض سبع سنين ثم يقولون قد قهرنا أهل الأرض فهل نقاتل ساكن السماء فيرمون بنشابهم فيردها الله مخضبة دماً فيقولون قد فرغنا من أهل السماء فيرسل الله عليهم العنف في رقابهم فيصبحون موتى ويسكر عليهم الدواب داخس ما سكرت من شيء ثم يرسل الله عليهم السماء فتجرفهم إلى البحر وفي رواية كعب أنهم ينقرون السد بمناقيرهم كل يوم فيعودون وقد عاد كما كان حتى إذا بلغ الأمر الغاية ألقى على لسان أحدهم إن شاء الله فيخرجون حينئذ وروى أنهم يلحسونها وقالوا في صفاتهم أن منهم من يفترش أذنه ومنهم من طوله وعرضه سواء ومنهم من كالإوزة الطويلة ومنهم من له أربع أعين عينان في رأسه وعينان في صدره ومنهم من له رجل واحدة ينقز نقز الظباء ومنهم من هو ملبس شعراً كالبهائم ومنهم من يأكل الناس ومنهم من لا يشرب غير الدم شيئاً ولا يموت الرجل منهم حتى يرى لصلبه ألف عين تطرف وفي التوراة مكتوب أن يأجوج ومأجوج يخرجون في أيام المسيح ويقولون أن بني إسرائيل أصحاب أموال وأوان كثيرة فيقصدون أوريشلم وينتهبون نصف القرية ويسلم النصف الآخر ويرسل الله عليهم صيحة فيموتون عن آخرهم ويصيب بني إسرائيل من أواني عسكرهم ما يستغنون سبع سنين عن الحطب هذا المقدار من حديثهم في كتاب زكريا عليه السلام فأما ما رويناه والله أعلم بحقها وباطلها ولا تختلف الناس أن يأجوج ومأجوج أمم من مشارق الأرض وجائز أن يرث أرض قوم ويستولون عليها دونهم فروى الربيع عن أبي العالية قال يأجوج ومأجوج رجلان وقيل هو الترك والديلم فهذا ما لا ينكره القلوب وأما سائر الصفات فمر على وجهه قالوا ويمكث الناس بعد يأجوج ومأجوج عشرين سنة يحجون ويعتمرون خروج الحبشة قال أصحاب هذا العلم ويمكث الناس بعد هلاك يأجوج ومأجوج في الخصب والدعة ما شاء الله ثم تخرج الحبشة وعليهم ذو السويفتين فيخربون مكة ويهدمون الكعبة ثم لا تعمر أبداً وهم الذين يستخرجون كنوز فرعون وقارون قال فيجمع المسلمون ويقاتلونهم فيقتلونهم ويسبونهم حتى يباع الحبشي بعباءة ثم يبعث الله عز وجل ريحاً فتلفت روح كل مسلم.
ذكر فقد؟ مكة وروى عن على صلوات الله عليه وسلامه قال حجوا قبل أن لا تحجوا فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة ليرفعن هذا البيت من بين أظهركم حتى لا يدري أحدكم أين كان مكانه بالأمس وقال كأني أنظر إلى أسود حمش الشاقين قد علاها وينقضها طوبة طوبة.
ذكر الريح التي تقبض أرواح أهل الإيمان روى أن الله تعالى ابتعث ريحاً يمانية ألين من الحرير وأطيب نفحة من المسك فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته ويبقى الناس بعدها مائة عام لا يعرفون ديناً ولا ديانة وهم شرار خلق الله عليهم تقوم الساعة وهم في أسواقهم يتبايعون وفي رواية عبد الله بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى يعبد الله في الأرض مائة سنة وعن عبد الله بن عمر قال يؤمر صاحب الصور أن ينفخ فيسمع رجلاً يقول لا إله إلا الله فيؤخر مائة عام.
ذكر ارتفاع القرآن روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال القرآن أشد بغضاً على قلوب الرجال من النعم على عقله قيل يا أبا عبد الرحمن كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا قال يسرى عليه فلا يذكر ولا يقرأ.
ذكر النار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، روى حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات بين يدي الساعة هذه هي إحداهن وفي رواية أخرى لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى وفي رواية أخرى لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من حضرموت مع اختلاف كثير في الروايات.
ذكر نفخات الصور وهي ثلاث نفثتان منها في الدنيا والثالثة في الآخرة قال الله عز وجل " ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " وروى الحسن عن شيبان عن قتادة من عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال تهيج الساعة والرجلان يتبايعان قد نشرا ثوبهما فلا يطويانه والرجل يلوط حوضه فلا يسقى منه والرجل قد انصرف بلبن لقحته فلا يطعمه والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يأكلها ثم تلا تأخذهم وهم يخصمون وقال لا تأتيهم إلا بغتة، النفخة الأولى يقال أن صاحب الصور إسرافيل وهو أقرب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وله جناح بالمشرق وجناح بالمغرب والعرش على كاهله وإن قدميه قد مرقت الأرض السفلى حتى بعدتا مسيرة مائة عام على ما رواه وهب ومثل هذا مما يزيد في يقين العامي ويبلغ في تجويفه وتعظيمه لأمر الله تعالى وقد بينا في صفة الملائكة أنهم روحانيون الروح بسيط لا يضيق الصدر في صفة الأجسام المركبة قيل صاحب الصور عزرائل وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه وحنى جبهته ينظر متى يؤمر فينفخ.
ذكر ما جاء في الصور روى أنه كهيأة قرن فيه بعدد كل ذي روح داره وله ثلاث شعب شعبة تحت الثرى يخرج منها الأرواح وترجع إلى الأجساد وشعبة تحت العرش منها يرسل الله الأرواح إلى الموتى وشعبة في فم الملك فيها ينفخ قالوا فإذا مضت الآيات والعلامات التي ذكرنا أمر صاحب الصور أن ينفخ نفخة الفزع ويديمها ويطولها فلا تعتر كذا عاماً وهي التي يقول الله عزل وجل " ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " ويقول " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء لله " قالوا فإذا بدأت الصيحة فزعت الخلائق وتحيرت وتاهت وهو يزداد كل يوم فظاعة وشناعة فيحار أهل البوادي والقبائل إلى القرى والمدن ثم يزداد الصيحة حتى ينتقلوا إلى أمهات الأمصار ويعطلوا الرواعي والسوائم وجاءت الوحوش والسباع من هول الصيحة فاختلطت بالناس واستأنست بهم وذلك قوله وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت ثم تزداد الصيحة حتى تسير الجبال عن وجه الأرض وتصير سراباً جارياً وذلك في قوله تعالى " وإذا الجبال سيرت " وقوله " وتكون الجبال كالعهن المنفوش وتزلزلت الأرض وانتقضت " وذلك قوله تعالى " إذا زلزلت الأرض زلزالها " وقوله " إن زلزلة الساعة شيء عظيم ثم تكور الشمس وتنكدر النجوم وتسجر البحار والناس أحياء ينظرون إليها وعند ذلك يذهل المراضع عما أرضعت وتواضع الحوامل حملها ويشيب الولدان وترى الناس سكارى من الفزع وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد روى عن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية عن أبي ابن كعب قال بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس وبينا هم كذلك إذ تناثرت النجوم وبينا هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض وبينا هم كذلك إذ تحركت الأرض فاضطربت لأن الله تعالى جعل الجبال أوتادها ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلفت الدواب والطيور والوحوش فماج بعضهم في بعض فقالت الجن نحن نأتيكم بالخبر فانطلقوا فإذا هي نار تتئج فبينا هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأهلكتهم وهذه كلها من نص القرآن ظاهرة لا يسع لأحد مؤمن ردها والتكذيب بها وفي هذه الصيحة يكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميماً وفيها ينشق السماء فيصير أبواباً وفيها تحيط سرادق من النار بحافات الأرض فتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي أقطار السموات فتتلقاها يضربون وجوهها حتى يرجعوا وذلك قوله " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا " الآية قالوا والموتى لا يشعرون بشيء من هذا ثم النفخة الثانية.
ذكر النفخة الثانية وهي نفخة الصور وذلك قوله تعالى " في نفخ الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قالوا فيموتون في هذه النفخة إلا من تناولته الشاء من الله وهم مختلف فيهم فزعم بعض أهل الكتاب أن قبض الأرواح والله اعلم واختلف أهل الكتاب في صفة ملك الموت فزعم بعضهم أن الله جعل قبض الأرواح إلى فاني وهو الذي يسمى ملك الموت وقال بعضهم أن ملك الموت معه سيف إذا شهر سيفه لم يره أحد إلا مات على مكانه وقال بعض منهم أنع يقطع بذلك السيف الأرواح من السماء وكثير منهم خالفوهم وقالوا أن الله لم يؤكل أحداً بقبض الأرواح ولكن إذا ذبل جسد الحيوان وضعفت أعضاؤه القابلات للفعل فارقها الروح فأما المسلمون فمنهم من يقول الدنيا بين يدي ملك الموت كالسفرة أو كالطست أو كالآنية يتناول منها حيث شاء ومنهم من يقول له أعوان ينتزعون الأرواح فإذا بلغت التراقي تولاها بنفسه ومنهم من يقول بل جعل طبعه ضد للحياة فحيث ما حضر بطلت الحياة عنده تمطر سماؤها وتجري مياهها وتطعم أشجارها ولا حي على ظهرها ولا في بطنها ثم يحييهم الله للبعث.
ذكر اختلافهم في قوله تعالى " هو الأول والآخر " وقال تعالى " كما بدأنا أول خلق نعيده " وقال تعالى " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وقال كل شيء هالك إلا وجهه وقال " كل نفس ذائقة الموت " فبدلت هذه الآيات على هلاك كل شيء دونه لما قال تعالى " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " دل أنه لا تعم الصعقة جميع الخلائق فالتمسنا التوفيق بين الآيات بعد أن أمكن أن تكون آية الاستثناء مفسرة لتلك الآي فقلنا الإستثناء عند نفخة الصعق وعموم الفناء بين النفختين كما جاء في الخبر لئلا يظن ظان أن القرآن متناقض وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله كل شيء هالك إلا وجهه قال كل شيء وجب عليه الفناء إلا الجنة والنار والعرش والكرسي والحور العين والأعمال الصالحة وقيل في قوله إلا من شاء الشهداء حول العرش سيوفهم بأعناقهم وقيل الحور العين وقيل موسى عليه السلام لا صعق مرة وقيل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش قالوا فيأمر الله تعالى ملك الموت فيقبض أرواحهم ثم يقول مت فيموت فلا يبقى حي إلا الله تعالى فعند ذلك يقول لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقل الله الواحد القهار هكذا روى في الأخبار والمسلمون يختلفون منه في أشياء.
ذكر المطرة التي تنبت أجساد الموتى قالوا فإذا مضى بين النفختين أربعون عاماً أمطر الله من تحت العرش ماء خاثراً كالطلاء وكمنى الرجال يقال له ماء الحيوان فينبت أجسامهم كما ينبت البقل قال كعب ويأمر الله الأرض والبحار وتؤمر الطير بأن ترد ما أكلت من بني آدم حتى الشعرة فما فوقها حتى تتكامل أجسامهم قالوا وتأكل الأرض ابن آدم إلا عجب الذنب فإنه يبقى مثل عين الجراد لا يدركه الطرف فينشئ الله الخلق منه وتركب عليه أجزاؤه كالهباء في الشمس فإذا تم وتكامل نفخ فيه الروح ثم انشق عنه القبر ثم قام.
ذكر النفخة الثالثة وذلك قوله تعالى " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " وقوله " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون " ويجمع الله أرواح الخلائق في الصور ثم يأمر الملك أن ينفخها فيهم ويقول " أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء فيجتمعن ثم ينادي قوموا للعرض على الجبار فيقومون " وذلك قوله " يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون " وقوله " يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير " فإذا خرجوا من قبورهم يلقى المؤمن بمركب من رحمة الله كما وعد يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً والفاسق يمشي على قدمه ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً وفي القرآن من آثار الحشر ودلائل البعث ما لا يوجد في شيء من كتب الله المنزلة لأن القوم كانوا منكرين له.
ذكر بعث الخلق روى الحسن رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة بهما عزلاً فقالت إحدى نسائه أما يستحيون فقال لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وعن سعيد بن جبير في وقوله عز وجل ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة قال يرد كل واحد إلى ما انتقض منه حتى الظفر قص والشعرة سقطت وفي رواية معاذ بن جبل والمقدام بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يبعث الناس يوم القيامة أولهم وآخرهم ما بين السقط إلى الشيخ الفاني كأنها ثلاث وثلاثين سنة وهو سن عيسى عليه السلام ومما احتج الله به على منكري البعث قوله تعالى " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة " إلى قوله " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج " فشبه حياة الخلق بعد موتهم ونشورهم من قبورهم بحياة الأرض بعد موتها ونبات عشبها وشجرها وقال " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة " إلى قوله " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " وقال تعالى " ذكره وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً قل كونوا حجارة أو حديداً فإني باعثكم " وقال تعالى " ما خلقناكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " وقال وهو أهون عليه.
ذكر اختلافهم في كيفيت الحشر لا خلاف بين أهل الأديان قاطبة في أصل البعث والحشر ولا ينكره أحد من أهل الأرض إلا الملحد المعطل الذي لا يعد قوله خلافاً وإنما الاختلاف في أشياء من صفاته نحن ذاكروها إن شاء الله تعالى فإن النفس على أخذ أمر النشأة الأخرى فليقسها على نشأة أول الخلق من جمع طين وما ضم إليه من حرارة الحياة وحرك بمادة الروح وأنطق بالنفس المميزة فصار إنساناً يسعى وقد جاء في الخبر من نظر إلى الربيع فليكثر ذكر النشور ونبات أهل القبور وروى ما أشبه الربيع بالنشور وأكثر أهل الإسلام على أن يحشر أصناف الخلائق من الجن والإنس والبهائم للقصاص والانتصاف وقد رونيا عن الحسن وعكرمة أنهما كانا يقولان حشر البهائم موتها فكانا لا يريان لها بعثاً وزعم قوم من أهل الكتاب أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله إسرافيل أن يجمع أرواح من كان مستحقاً للثواب والعقاب في سفود ثم ينفخ فيه وأنكروا بعث البهائم والأطفال والمجانين ومن لم تبلغه الدعوة وقوم منهم ينكرون الصور والصراط والميزان وقالوا إذا مات الناس بعث المسيح فأحياهم وصار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وقال كثير من علمائهم البعث للأرواح دون الأجساد على غير هذه الخلقة التي تراها ولكن على خلقه الخلود البقاء الأبدي وليس الإنسان جسداً وروحاً لا غير ولكن روح وريح ونفس وصورة وعدم وقوة ونطق وحياة تسعة أشياء العاشر وهو هذا الهيكل الأرضي المظلم وقد نشاهد من أحوال الجواهر وإن كانت منبعثة من الأرض ثم إذا سكبت وأذيبت وصفيت تحولت إلى حالة ألطف منها وأكرم وأشرف وكذلك الإنسان لا ينكر أن يكون فناؤه وبلاؤه وحشره معنى يزيده لطافة ورقة وحالاً غير هذه الحالة لأنه يخلق للخلود والله أعلم.
ذكر الموقف روى المسلمون أن الناس يحشرون إلى بيت المقدس وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو المحشر والمنشر وكذا يقول كثير من اليهود وروى عن كعب أن الله نظر إلى الأرض فقال إني واطئ على بعضك فاستبقت الجبال وتضعضعت الصخور فشكر الله لها ذلك فقال هذا مقامي ومحشر خلقي وهذه جنتي وهذه ناري وهذه موضع ميزاني وأنا ديان يوم الدين وقال بعضهم فصير الله الصخرة من مرجانة طباق الأرض يحاسب عليها الخلق وسمعت من يقول هذا من موضوعات أهل الشام يبعث الله الخلق إلى حيث يشاء.
ذكر تبديل الأرض قال الله تعالى " يوم تبديل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار أي قد برزوا قال قوم التبديل أن يرفع الله هذه الأرض ويبسط غيرها كما جاء في الخبر تمد أرض بيضاء كالأديم العكاظى لم يسفك عليها دم حرام ولم يعمل بالخطيئة وقيل تبسط أرض من فضة كنقي الملة يأكلون من تحت أقدامهم وروى أن عائشة رضها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وقالت أين تكون الناس قال على جسر جهنم وروى أنه قال أضياف الله فلن يعجزوه وعن عكرمة أنه قال تطوى هذه الأرض وإلى جنبها أرض يحشر الناس عليها وقال آخرون تبديل الأرض تغيير صفاتها وهيأتها من تسيير جبالها وتغوير مياهها وذهاب أشجارها وروى الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس رضي الله عنه أنه قال كما يقال للرجل تبدلت وإنما تبدلت ثيابه واحتج بقول العباس ابن عبد المطلب.
إذا مجلس الأنصار حف بأهله ... وفارقها فيها غفار وأسلم
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعلم
وقال قوم تبدل ثم يرفع لقول الله الفناء عليها وكل هذا جائز لأنه أقررنا بأن الله تعالى أوجدها من عدم لا من غير سابقة لزمنا أن نجيز أن يعيدها كما بدأها والله أعلم، ذكر طي السماء قال قوم طيها تغيير شمسها وقمرها ونجومها وهيأتها وهي باقية وكذلك الأرض واحتجوا بقول الله تعالى في بقاء الجنة والنار مادامت السماوات والأرض قالوا وليس في القول ببقائهما نقض للدين فقد قلنا ببقاء العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار والأرواح والأعمال الصالحة ومن خالفنا ألزمه أن يكون الأرواح إذا أفنيت فأعيدت غير ما كانت لأنها لو كانت هي لما أفنيت وإن كانت أفنيت ثم أعيدت أرواحاً آخر كان الثواب والعقاب واقعين على غير استحقاق منها وكذلك الأجساد قد تعاد من تربتها التي كانت خلقت منها ثم تبقى في الجنة والنار على الأبد السرمد وزعم قوم أن السماء ليست بجسم ولا يكون معنى طيها إلا ما ذكرنا وقال آخرون بل هي جسم يطوى كطي الكتب بطاهر قول الله سبحانه " كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا " وقوله " الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " حتى روى بعضهم وأشار بكفه وقد قبضها أنها يفضل من ها هنا ومن ها هنا شيء وتختلف أحوال السماء وتصير كالمهل وكالولادة وتنشق وتصير أبواباً ثم تطوى بعد ذلك فهذا من القول ظاهر وذلك ممكن وقد قال قوم ممن يذهب مذهب الطائفة الأولى كما ذكر من أمر السماء والأرض وتغيير أحوالهما فإنه يراد به أهلهما وهما مقرران كما هما والله أعلم.
ذكر يوم القيامة يقال أن طول ذلك اليوم ألف سنة من مقادير أيام الدنيا بقول الله تعالى " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيصف ذلك اليوم من حكم الدنيا وهو من النفخة الأولى إلى أن يقضي الله بين خلقه فيدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم بعد ذلك من حكم الآخرة وكذا سمعت بعض أهل العلم بقوله وزعمت فرقة أن قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أنه يوم القيامة وأكثرهم على أنه من التمثيل من الشدة والمكروه الذي يصيب بعض الناس حتى يعده خمسين ألف سنة وقيل ذلك اليوم خمسون موقفاً يسأل العبد فيها فإذا جمعهم الموقف ردت الشمس إليهم وضوعف حرها وأذيبت من وفوق رؤوسهم حتى يلجمهم الفرق ثم ينزل العرش بجملة الملائكة ثم تعلق الميزان ويؤتى بالجنة والنار وينصب الصراط ويأتي الله كيف شاء بقول الله عز وجل " ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً " ويقول " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور قال المسلمون ثم يبقى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار خالدين مخلدين ودائمين أبد الآبدين ولا يدري هل يحدث الله خلقاً جديداً أو عالماً آخر وأرضاً وسماء ويبعث إليهم الرسل ويكلف بما كلف من كان قبلهم أم لا وقد روى عن بعضهم أنه كان يرى فناء أهل النار بعد ما مضى أحقاب ومن أهل الكتاب قوم يزعمون أنه إذا مضى للجنة والنار ألف سنة بادتا وفنيتا وصار أهل الجنة ملائكة وأهل النار رميماً وحدثني رجل من علماء اليهود أن فيهم فرقة يزعمون أن العوالم لا يدري كم مضى منها وكم بقي وأن مدة كل عالم ستة ألف سنة ثم يحشر الخلائق ويحاسبون وذلك يوم السابع قال يوم السبت فيدخلون الجنة والنار ثم يصير أهل الجنة ملائكة وأهل النار رميماً ويعاد خلق آخر وأمر آخر لا يزال كذلك وكل سبت عندهم قيامة كذا ومن القدماء من يزعم أن خلق الخلق بفضل وجود وامتنان ولا يجوز على الجواد المفضل أن يظهر جوده في كل وقت ولكنه إذا أفنى هذا العالم ابتدع عالماً آخر وكم من عالم قد ابتدعه وأفناه ومنهم من يقول بنقل الخلق إلى الآخرة فكل يوم قيام قيامة وابتداء عالم وسمعت منهم من يحتج بالخبر المروي عن المغيرة بن شعبة من مات فقد قامت قيامته.
ذكر ما حكى عن القدماء في خراب العالم حكى جابر بن حيان أنه إذا انتهى مسير الكواكب إلى غاية وتفرقت في أبراجها وتشوشت حركات الفلك واضطربت كما كانت قبل اجتماع الكواكب في أول دقيقة من الحمل اختلقت أحوال العالم وتفاوتت أرباع وفصولها فلا يستقر شتاء ولا صيف وتهب الرياح العواصف وتهلك والنبات لمجيء الأمطار في غير وقتها وشدة الزلازل وكثرة الرياح وتعادي الأركان فيغلب الماء على اليبس واليبس على الماء والنار على النبات والحيوان ويفسد مزاج التركيبات ويقفر الأرض ويخلو إلى أن تجتمع الكواكب في حيث منه تفرقت وعند بدء الخلق والنشوء ثانياً وحكى أفلاطن في كتاب سوفسطيقا في ذكر النفوس وأحوالها بعد مفارقة الأبدان قال وإن النفس الشريرة إذا تفردت عن البدن بقيت تائهة متحيرة في الأرض إلى وقت النشأة الآخرة قال وفي هذا الوقت تسقط الكواكب من أفلاكها ويتصل بعضها ببعض فيصير حول الأرض كدائرة من نار فتمنع تلك النفوس من الترقي إلى محلها وتصير الأرض سجناً لها قال المفسر عن شرح افلاطن بالقيامة والبعث والنشأة الآخرة وكذا رأى ارسطاطاليس في بقاء ما فوق فكل القمر وأنه لا يقبل الاستحالة وأنه أراد به إلى ذلك الوقت ولا تلتفت إلى تأويل كفار المتفلسفة لأرائهم مع شهادة الدلائل على ما قلنا ومعاونة كتب الله وأخبار رسله في ذلك واعلم رحمك الله أن كل ذي عقل محجوج بعقله مضطر إلى الإقرار بالابتداء للخلق وابتداع وتجويز فنائه وانقضائه هذا ما لابد منه فأما معرفة ذلك كيف أبغلبة إحدى الطبائع أو بشمول فاسد أو وقوع قحط وموتان أو قتل أو مات كان على نحو ما حكاه أهل الإسلام وأهل الكتاب أو من دونهم فشيء سبيله الخبر والسمع يقع فيه الاختلاف والتفاوت ولا يبطل وقوع الاختلاف فيه ما توجيه العقول وأما الأخبار التي روينا فهي شعار الدين وحض الديانة وصريح الحق ومن لم يعتقدها على وجهها ظاهراً أو باطناً ولم يعتصم بها ولا رأي اليدين بحقيقتها والنجاة فيها وإن كان أكمل الناس عقلاً وأيقنهم فهماً وأصوبهم رأيا وأصلبهم عوداً وأكرمهم حسباً وأسناهم بيتاً وأقدمهم شرفاً وأغيرهم غيرةً وأحماهم حمية وأحمدهم سيرة وأعظمهم حياء وأرقهم فؤاداً وأسخاهم نفساً وأطلبهم للخير وأعمهم نفعاً وأمواتهم حقداً وأحملهم للضيم وأقنعهم بالكفاية وأكفهم أذى وأبدلهم ندى وأهداهم للفضائل وأقدرهم عليها وأبسطهم يداً وأجمعهم لكل خصلة حميدة ومأثرة كريمة مع شدة رغبة في اقتناء الخير وإبقاء الذكر الجميل وادخار الثناء الحسن فهو إلى النقص والسفه وضعف العقيدة ومخالفة الظاهر للباطن واتباع الهوى وإثئار الرياء والإلمام بالفواحش والاستخفاف بمعتقدي خلافهم واستجمالهم ونكس ما عددنا من الفضائل إلى الرذائل وقلبها إلى الأضداد أقرب وأدنى وبها أحق وأولى لأن المراد لم يكن له باعث من نفسه وحاقر من ذنبه فهو إلى ما يصطنعه وينتزع به غير نشط ولا صادق الرغبة ولا متسارع ولا متشح منافس ومن كان كذلك لم يكن لعلمه رونق ولا لمذهبة بهاء ولا عند ذوي الصنائع وتزكية وناهيك من دين معتقد الديانة وإن قلت أفعاله وقصرت يداه من حسن هيأته وخمود شرته وسكون أطرافه وجميل تواضعه وحسن بشره وشدة سطوته على من خالف دينه أو يتأول بنيته وبذله ماله ومهمة دونه فاحذروا عباد الله أنفسكم وأهواءكم وأصنافاً من أشباهكم أنا واصفها لكم في نحل المسلمين إن شاء الله وألزموا الدين الذي أحل الله خلقه ودعاهم إلى التمسك به وأخذ عليهم المواثيق والعهود في المحافظة عليه وأنزل به الكتب وأرسل الرسل ووعد من أجاب إليه وأوعد من حاد عنه فقد وضحت دلائل برهانه وصحت آثار حكمته وإياكم والاغترار بالجهل والمجان والخلعاء ومستنقلي الأمانة لغلبة حظ البهيمية والسبعية عليهم حتى صار أقصى همة أحدهم امتلاء بطن واكتساء ظهر ومنال شهوة وإنفاذ غيظ والنكابة في عدو فموهوا أباطيل مزخرفة وأساطير مزورة ظاهرها التشكيك والتلبيس وباطنها الكفر والإلحاد يقتنصون بها الأغمار والأحداث ويحيرون العوام الذين ليس عندهم فضل معرفة ولا كثير تميز ومهما اشتبه عليكم من أمرهم شيء فلا تغفلوا عن فعل الله بهم مذ قامت الدنيا على ساقها لم يطمح منه طامح في جاهلية ولا في الإسلام إلا وهضه الله بقارعة ولا أقاموا راية إلا وهلها الله بالنكس والخمول ولا نجم ناجم إلا سلط الله عليه
أضعف خلقه ولا كاد للدين كيداً إلا رده الله في نحره ينجز وعده منه تعالى ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فأصل ديانة كل ذي دين من أهل الأرض أن الله خالقه ومفنيه ومحييه ومميته وهو يأمره بالعدل والإحسان وينهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي ويبعثه بعد موته فيجاوبه الثواب على إحسانه والعقاب على سيئاته لا يختلف فيه مختلف إلا المعطلة الدهرية وهم شرذمة قليلة وأما أهل الكتب فلزمهم أن يعتقدوا ما ذكرنا أن الله سابق خلقه خلق كل شيء دونه وأنه واحد لا شريك له ولا شيء قديم معه أرسل الرسل وأنزل الكتب بالبشارة والإنذار وأنه يفنى الخلق ويبيده ثم يعيده كما أبداه إذا شاء فمن كان هذا عقيدته رجى له أن يكون من الفائزين الأمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.عف خلقه ولا كاد للدين كيداً إلا رده الله في نحره ينجز وعده منه تعالى ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فأصل ديانة كل ذي دين من أهل الأرض أن الله خالقه ومفنيه ومحييه ومميته وهو يأمره بالعدل والإحسان وينهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي ويبعثه بعد موته فيجاوبه الثواب على إحسانه والعقاب على سيئاته لا يختلف فيه مختلف إلا المعطلة الدهرية وهم شرذمة قليلة وأما أهل الكتب فلزمهم أن يعتقدوا ما ذكرنا أن الله سابق خلقه خلق كل شيء دونه وأنه واحد لا شريك له ولا شيء قديم معه أرسل الرسل وأنزل الكتب بالبشارة والإنذار وأنه يفنى الخلق ويبيده ثم يعيده كما أبداه إذا شاء فمن كان هذا عقيدته رجى له أن يكون من الفائزين الأمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
1 15 -
الجزء الثالث
الفصل العاشر
في ذكر الأنبياء ومدة أعمارهم
وقصص أممهم وأخبارهم على نهاية الإيجاز والاختصار
في أخبار المسلمين أنه كان مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي والجم الغفير منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا مرسلا ويقال خمسة عشر وقال وهب منهم خمسة عبرانيون آدم وشيث وادريس ونوح وابراهيم وخمسة من العرب هود وصالح واسمعيل وشعيب ومحمد صلعم قال وكان أنبياء بني إسرائيل ألف نبي وأولهم موسى وأخرهم عيسى قال وقد قال رسول الله صلعم يوم بدر لأصحابه انتم على عدة أصحاب طالوت وعلى عدة الرسل فمن الأنبياء من يسمع الصوت ومنهم من يوحى إليه في المنام منهم من يكلم وفي الحديث أن جبريل ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب بيض مكفوف باللؤلؤ واليواقيت رأسه كالحبك وشعره كالمرجان ولونه كالثلج وجناحاه أخضران ورجلاه مغموستان في الخضرة وكيت وكيت.ذكر عدد ما نزل من الكتب قال وهب والكتب الذي أنزلت من السماء على جميع الأنبياء مائة كتاب وأربعة كتب منها على شيث بن آدم كتاب في خمسين صحيفة وعلى ادريس كتاب في ثلاثين صحيفة وعلى موسى التورية وعلى داود الزبور على عيسى الإنجيل وعلى محمد صلعم القرآن وروينا عن غير وهب أن الله تعالى أنزل على آدم إحدى وعشرين صحيفة فيها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وقيل لم يكن فيها غير الحروف المقطعة وهي كل حرف يلفظ بها اللافظ من العربية والعجمية فيها ألف لغة من أمهات اللغات حد الله تعالى عليها الألسنة كلها والتورية تجمع كتبا كثيرة للأنبياء وهي خمسة أسفار وأربعة وعشرون وقد روى ثمانية عشر كتيفى يعنون كتب الأنبياء وقد قص الله تعالى في القرآن ما أوحى إلى نوح وهود ولوط وغيرهم من الأنبياء عم فلا أدري إنهم لم يؤمروا بنسخها والتحفظ لها أو كانت مثبتة عندهم فنسخت بكتاب بعدها أو كان الوحي والصوت لا يعد كتابا أو كان علمهم وأحكامهم على موجب العقل أو كانوا يتبعون صحيفة آدم وسنته لأن هذا كله محتمل بقول الله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فعموم هذه الآية يوجب أن يكون لكل نبي كتاب يعمل به وراثة عن من قبله وتخصيصا به وحده وقد كانت الأنبياء من بني اسرائيل بعد موسى يعلمون بالتورية ويحكمون بها إلى أن أنزل الفرقان ومع ذلك يوحى إليهم وينزل الكتب عليهم، ذكر عدد الأنبياء جملة
قال الله تعالى منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فممن سماه لنا القرآن قوله بعد ذكر ابراهيم عم ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وذكرياء ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين واسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين وسمى لنا آدم ومحمدا وهودا وصالحا وشعيبا وذا الكفل وعزيرا ومن لم يسمه لنا منهم قوله تعالى ألم تر أن الملاء من بني اسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال أهل التفسير اسمه اسماويل بن هلقانا وقالوا في قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم أن نبيهم حزقيل بن بوزى وقال قوم في قوله تعالى أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها أنه ارميا وقيل بل هو عزير وقال في أسماء الأسباط وهم اثنا عشر رجلا روبيل وشمعون ولاوى ويهودا ويستاخر وذان ونفتالى وجاد واسترقفا وزبالون ويوسف وابن يامن كلهم أنبياء وزعم بعضهم في قوله تعالى إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث انهم كانوا أنبياء بعد عيسى عم ومنهم من يزعم أنهم كانوا رسل عيسى وهم يحيى وتومان وشمعون وذكر أهل الأخبار أن شيث بن آدم كان نبيا وموسى بن ميشي بن يوسف كان نبيا قبل موسى بن عمران وذو القرنين كان نبيا وبلعم بن باعوراء كان نبيا ثم ذهبت نبوته ويوشع بن نون وكالب بن يوفنا وبوشامامن بن كالب وشعيا بن آموص وجرجيس كانوا أنبياء وأما أهل الكتاب فيزعمون أن دانيال وعلياء ومشياييل وعيلوق وحبقوق أنبياء في التورية سفر لأثني عشر نبيا كانوا في زمن واحد عد أسماءهم إلى رجل من اليهود هويسع ويوايل وعاموس وعوديا وميخا وناحوم وحبقوق وصفنيا وهكاي وزخريا وملاخي وفي كتب بعض الحواريين أنه كان بعد المسيح بانطاكية أنبياء منهم برنبا ولوقيوس وماثانيل واغابوس ويزعمون أن عدة من النساء تنبت منهن مريم المجدلانية وحنا بنت فانوئل وابيغايل وغيرهن ممن ذكرنا أسماءهن وذكروا نبيا يقال له شمسون وفي كتاب أبو حذيفة أن ادرياسين كان نبي المجوس وروى عن علي بن أبي طالب رضه ذكر أصحاب الكهف فقال كان المجوس أهل كتاب ولهم نبي وساق القصة إلى آخرها وقد قال بعض المحدثين أن الخضر كان نبيا وزعم وهب الله بعث ثلاثة وعشرين نبيا إلى سبا فكذبوهم وروى في الأخبار أنه كان نبي باليمن يقال له حنظلة بن افيون الصادق وكان في الفترة نبي يقال له خالد بن سنان العبسي وروى جبير أنه كان قبل خلق آدم نبي بعثه الله إلى أرض اليمن ومنهم بنو الجان اسمه يوسف فهولاء ثمانون نبيا على ما حكى وروى عن أهل الكتاب وغيرهم والله أعلم وقد روينا عن الحسن أنه قال كان العجائب في بني إسرائيل وكانوا يقتلون مائة نبي في غداة واحدة ثم يقوم يسوق أهلهم ولا يكترثون وأولو العزم من رسل الخمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلم كانوا أهل أمم وكتب بقول الله عز وجل وإذا أخذنا إلى النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا، ذكر أراء المجوس وسائر الملل في الرسل
أعلم أنهم يقرون بنبوة جم شاذ ونبوة كيومرث ونبوة افريذون ونبوة زردشت وكتابه الابسطا ومنهم طائفة يقرون بنبوة به افريذ معناه خير ما خلق وفي كتابهم أنه كان بعد زردشت ثلاثة من الأنبياء فآمنوا بهم وأتبعوهم وأما الحرانية فإنهم يقولون لن تحصى أسماء الرسل الذين دعوا إلى الله وان مشهورهم أراني واغثا وذيمون وهرمس وسولن جد أفلاطن لأمه ومن القدماء من يقول بنبوة افلاطن وسقراط وارسطاطاليس وهولاء يقولون النبوة علم وعمل وأما الهند فمن أثبت منهم الرسالة فإنهم يزعمون أن الرسل ملائكة فمنهم بهابود وتبعه البهابودية وشب وأمته الكابلية ورامان وأمته الرامانية وراون وأمته الراونية وناشد وأمته الناشدية وهولاء فرق البراهمة الذين يثبتون الرسالة ومنهم مهادر وأمته المهادرية مع فرق أهواء كثيرة يمر بك في موضعها وأما الثنوية فإنهم يقولون بنبوة ابن ديصان وابن شاكر وابن أبي العوجاء وبابك الخزمى وعندهم أن الأرض لا تخلو من نبي قط ومن المسلمين من يقول أن في الجن أنبياء كما في الإنس ويحتج بقوله تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسا منكم يقصون عليكم آياتي وزعم ابن حائط أن في كل خلق من الخلائق أنبياء حتى في الحمر والطير والبراغيث واحتج بقوله وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم وبقوله عز وجل وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وكان يقول بالتناسخ وجملة القول في الأنبياء والنبوة أنها كلها من مشكاة واحدة لا يجوز عليها أن يختلف في أصل الديانة والتوحيد ولا فيما يأتي به الأخبار وإن اختلفت فروعه وانتسخت شرائع بعضهم ببعض بقول الله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وقال تعالى واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون فما روى قوم من شيء يخالف أصل الديانة والتوحيد مثل كفر النعم والإشراك بالله واستحلال الظلم والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ولا دعوة من قبل نبي أو رسول فهم كاذبون في دعواهم أو نبيهم كاذب متنبئ لأن هذا خلاف التوحيد ومجيزو العقل وما رووا من شريعة يجوز أن بتعبد الله بها وبضدها فلم نجدها في كتابنا ولا فيما في أيدي أهل الكتاب أمررناها على وجهها لأنه ممكن أن يكون ذلك شريعة نبي إذ لم يبين لنا شرائع جميع الأنبياء وأخبارهم ولا وقفنا على جميع أسماءهم والله أعلم، قصة آدم عم، قد مضت أخباره عم عند ذكر خلقه يقال له آدم بن التراب وكنيته أبو البشر وأبو محمد وجاء في الحديث أنه كان نبيا مرسلا وكلمه الله قيلا وأسجد له الملائكة وأسكنه الجنة وخلقه بيده ثم هبط إلى الأرض فتناسل وأعقب فلما كثروا وأولدوا وعمروا الأرض نبأ الله إلى ولده بعد مضي خمس مائة سنة من عمره وكان يكلمه من السماء بلا واسطة وينزل عليه مع ذلك الوحي وأنزل عليه احدى وعشرين صحيفة فيها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وهو أول من علمه الله الخط بالقلم ثم لم يكتب من ولده أحد إلى زمن إدريس عم وفرضت الصلاة عليه خمسين ركعة وفي بعض الروايات أنه لم يكن له شريعة غير التوحيد والله أعلم وكان من معجزاته نظره إلى جسده وهو تجري فيه الروح وخلق زوجته من ضلعه وسجود الملائكة له وسكونه الجنة وكلام الله له قيلا وزعم وهب أن آدم كان أجمل خلق الله وأنه كان أمرد وإنما نبتت اللحية لولده وأنه عاش ألف سنة وفي التورية كان عمر آدم عم ألف سنة إلا سبعين سنة والله أعلم، قصة شيث بن آدم، زعم أهل الكتاب أن ترجمة شيث العوض والهبة وذلك أنه لما قتل قابيل هابيل عوض الله آدم من هابيل شيث وانقرض نسل قابيل وجملة أسباب سائر ولد آدم إلا شيث وكان وصى آدم وولي عهده وخليفته من بعده
قصة ادريس النبي عم، يزعم أهل هذا العلم أنه أخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم وأمه بركيا بنت الدرمسيلا بم محويل بن أخنوخ بن قين بن آدم وإنما سمي إدريس لكثرة درسه وهو أول نبي أعطي الرسالة بعد آدم وكان مستخلفا خلاف نبوة لا خلافة رسالة وإدريس أول من خط بالقلم بعد آدم وأول من خاط الثياب ولبسها وكان من قبله يلبسون الجلود وكان ولد آدم حي ونبأه الله بعد وفاة آدم وأنزل عليه النجوم والطب واسمه عند اليونانيين هرمس وكان يصعد له من العمل في كل يوم مثل عمل بني آدم كلهم فشكر الله ذلك له فرفعه مكانا علياً واختلف الناس كيف رفع، في كتاب أبي حذيفة أن الملائكة كانوا يصافحون بني آدم في زمن ادريس ويزورونهم في رحالهم ومجالسهم لطيب الزمان وصلاح أهله فاستأذن ملك الشمس في زيارته فأذن له فسأله ادريس أن يرفعه إلى السماء ليعبد الله فيها مع الملائكة فرفعه الله فهو في السماء الرابعة وروى عن عبد الله بن العباس أنه سأل ملك الشمس أن يعلمه الاسم الذي يصعد به إلى السماء فعلمه فرقى به إلى السماء الرابعة وبعث الله ملك الموت فقبضه هناك وروى أنه رفع إلى السماء الدنيا كما رفع عيسى وروى عن زيد بن أرقم خلاف هذا كله أنه رفع الى الجنة وفي حديث أنه أذيق الموت وأورد النار فإن صحت الرواية فبها ونعمت لأن هذا الخبر نظائر دخول آدم وزوجنه الجنة ورفع عيسى فإن استعظم رفع أجسام إلى السماء فأعظم منه هذا الغيم الراكد في الجو وهذه الأرض في ثقلها وكثافتها واقفة في السماء كما ترى ولن يعتل بهذا شيء إلا أمكن صرفه إلى ذلك مع أن كثيرا من نظار المسلمين يرون الرفع للأرواح دون الأشباح أو يكون رفع القدر وتعظيم المنزلة كما قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى في الشهداء عند ربهم يرزقون وأجسامهم في الأرض جيف وروى أن النبي صلعم رأى ابراهيم وموسى وعيسى ونوحا وآدم ليلة المعراج وهي ليلة عرج بها إلى السماء لم يختلفوا أنهم لم يرفع أجسامهم فهذا هو الحق وذلك ممكن والله أعلم ويدل على أن هوشنك الملك كان قبل ادريس أو في زمنه أن الفرس زعمت أنه أول من أمر بقتل السباع الضارية وأن يتخذ من جلودها ملابس ومفارش ويدل أيضا أن طهمورث الملك كان في زمنه وعهده ان كان عاش بعده كيومرث الذي هو بمنزلة آدم عند أكثرهم ويزعمون أنه أول من كتب الكتاب وفطر الناس إليه كما يقول أهل الإسلام أن ادريس أول من خط بالقلم وفي زمانه قصة هاروت وماروت
قصة هاروت وماروت، اختلفوا المسلمون فيه اختلافا كثيرا فروى بعض أهل الأخبار أن الله تعالى لما أراد أن يخلق آدم قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فلما خلق آدم وتعاطت ذريته الفساد قالت الملائكة يا رب أهولاء الذين استخلفتهم في الأرض فأمرهم الله أن يختاروا من أفاضلهم ثلاثة ينزلهم إلى الأرض ليحملوا الناس على الحق ففعلوا قالوا وجاءتهم امرأة فافتتنوا بها حتى شربوا الخمر وقتلوا النفس وسجدوا لغير الله سبحانه وعلموا المرأة الاسم الذي كانوا يصعدون به إلى السماء فصعدت حتى إذا كانت في السماء مسخت كوكبا وهي هذه الزهرة وقالوا خير الملكان من عذاب الدنيا والآخرة فاختاروا عذاب الدنيا فهما معلقان بشعورهما في بئر بأرض بابل يأتيهم السحرة فيتعلموا منهما السحر وأهل النظر لا يثبتون كثيرا من هذه القصة مها أمر الزهرة لأنها من الكواكب الخنس التي جعلها الله قطبا وقواماً للعالم ومنها ركوب الملائكة مثل هذه الفواحش مع وصفهم الله به من طول العبادة وابتغاء الزلفة ثم هم ليسوا بذوي أجسام شهوانية مجوفة فيجوز عليهم مثل هذا وقد قال قوم أنهم أعطوا الشهوة وجعل لهم مذاكير ومنها تعليمهم الناس السحر وهم في العذاب الأولي بمن تلك حالته طلب التوبة والمخلص ولا توبة للمذنب ما لم يقلع فإن كان هاروت وماروت ملكين كما يزعمون فإنهما أنزلا ليبينا للناس وجوه السحر ويحذراهم وبيل عاقبته لا غير وكان الحسن يقرأ وما أنزل على الملكين بكسر اللام ويقال علجان ببابل وأما الزهرة فإن كان من أمرها شيء فإنها أفتن بها أناس يعبدونها كما افتتنوا بالشمس والقمر وكوكب الشعري وقد روينا عن الربيع بن أنس أنه قال في هذه القصة كانت امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة مع أنه ليس في كتاب الله شيء من هذا وبمثل هذه الأخبار ينظرون الملحدون إلى فساد القلوب والله المستعان وقد استقصينا هذه القصة في كتاب المعاني والله ولي الإعانة وولي التسديد والتوفيق
قصة نوح النبي، يقال هو آدم الأخير واسمه سكن لأن الناس سكنوا إليه بعد آدم وانما سمي نوحا لكثرة نوحه على نفسه وقومه وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وأمه قينوش بنت براكيل بن محويل بن قين بن آدم قال وهب وكان رجلا نجارا دقيق الوجه طويل اللحية غليظ الفصوص في رأسه طول قال جوبير أنه كان ولد في حياة آدم وذلك أن آدم لما كبر سنه ودق عظمه قال يا رب إلى متى أكد وأشقى قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فيولد نوح بعد عشرة أبطن وادم حينئذ ابن ألف سنه إلا خمسين عاما ثم مات آدم وكثرت الجبابرة وضيعوا وصاة الأنبياء ونصبوا صور المتوفين من آبائهم وأخوتهم يسجدون لها ويعبدونها بعد ما كانوا يتسلون بالنظر إليها ويتعزون بلقائها فنبأ الله تعالى نوحا وأرسله إليهم يأمرهم بعبادة الله وحده والكف عن المظالم فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما آمن معه إلا قليل يقال ثمانون إنسانا أربعون رجلا وأربعون امرأة وروينا عن الأعمش أنه قال كانوا سبعة نوح وثلاثة بنين وثلاث كنائن وأما ابن اسحق فإنه روى أنه كان نوح وحام وسام ويافث وأزواجهم وستة أناس فأمر الله بعدما دعا على قومه باتخاذ السفينة فبناها وسواها وحمل فيها من كل زوجين اثنين إلا امرأته وابنها ويقال بل كان ابنه واسمه يام ويقال كنعان وأمره أن يركب السفينة إذا فار التنور بناحية الكوفة ويقال بأرض الهند وكان ذلك علما للغرق ففعل كما أمره الله عز وجل واغرق الله الظالمين قال الضحاك إن من غرق من الولدان مع أبائهم بذنبهم وليس كذلك وإنما هو بمنزلة الطير من البهائم وسائر ما غرق بغير ذنب ولكن بآجالهم وقال قوم قبض الله أرواح الحيوان والأطفال قبل الغرق وأغرق الله الكافرين عقوبة لهم وقال آخرون أعقم أرحام نسائهم فلم يحمل منهن واحدة خمس عشر سنة حتى لم يأت الغرق إلا على مستحق العذاب وقد أستعظم أمر الطوفان وما ذكر من طول مدة عمر نوح وسائر مدة عمر المعمرين وطول ما يروون من قامة آدم وقاما ت عاد وغيرهم مما جاءت به الأخبار حتى أنكره قوم رأسا وصرفه قوم إلى تأويل منحول الموحد المصدق بابتداع هذه الأجسام لا من شيء واضع ما يرد عليه من مثل هذا إذا كان من مخبر صادق على حد الإمكان والجواز ويزداد قوة بما يجد له من نظير أو تمثيل مع أن كتاب الله أصدق شاهد وأطباق الأمم أوثق عصمة وليس يمتنع وقوع الطوفان في العقل ولا مكث الناس في السفينة ولا هلاك قرن وابتداء نشوء ولا بعجيب امتداد الحيوة ببعض الناس وإن كان خارجا عن العادة والطبع المعهود وقد قالت المنجمة أن الطوفان الذي وقع أيام نوح كان في القران الأعظم وكانت الكواكب مجتمعة في دقيقة من الحوت والعدد متناسبة من السنة الألفي والقراني فأقروا بالطوفان وإن لم يذكروا السبب الموجب له من قبل العباد وحكي عن ارسطاطاليس وافلاطن أن الطوفان قد وقع دفعات كثيرة فمنها ما دام يوما أو يومين أو أكثر وزعمت طائفة منهم أن الطوفان لم يعم الأرض كلها ولعمري ليس ذلك من كتابنا وإنما يروى أنه عم الأرض كذا صباحا وحكم العاقل أن لا يعد هذا مثل نص الكتاب ومعروف الخبر في مخاطبة المخالف له وما حاجته إلى تمحل الحجج لرواية كفاه الله ومؤونتها وأزال عنه شغلها فإن كان الطوفان عم الأرض وغمرها والتقى ماء الأرض وماء السماء كما روى فممكن وغير بديع من قدرة الله عز وجل وأن علا بقعة من البقاع وأباد قوما من الأقوام وكذلك والله أعلم آمنا بما صح منها وصدقنا بقول الله عز وجل فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع وأجمعوا أنه لم يعم الأرض كلها فإن قال قائل كيف يجوز في العقل هلاك قوم على ذنب يسير كما أجاز العقل بل أوجب هلاك كل مفسد وفاسد وقد روينا عن ابن عباس رضه أنه قال ما أهلك الله قوما على شرك ما لم يتظالموا بقول الله تعالى وما كان الله مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون وإذا جاز أن ينالهم من تأثير الكواكب فيهم ما يغرقهم على مذهب قوم هلا جاز أن يحملهم بتأثيرها فيهم على عمل يستحقون به الغرق والعقوبة وأما مدة عمر نوح فمختلف فيها بقول الله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ومعلوم أنه عاش بعد الطوفان مدة فزعم وهب أن نوحا بعث وهو ابن خمسين سنة وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة وروى ابن اسحق عن أهل التورية أنهم يزعمون أن نوحا بعث وهو ابن أربع مائة سنة
وستين سنة وعاش بعد الغرق سبعين سنة وكثير من القائلين بالطباع أجازوا أن يكون في الأيام السلفة والزمان الماضي أعمار الناس وأشخاصهم أطول وأعظم مما في زماننا هذا وزعموا له ما دام الحكم الأغلب لزحل كانت الأعمار أطول والقامات أتم ثم لما صار إلى المشتري انتقص ذلك لأنه دونه وكذلك لم يزل يتراجع درجة درجةً إلى زماننا هذا وهم يجيزون انتقاص أعمار الناس عما هي عليه اليوم إذ صار الحكم على قولهم للقمر ثم حار الحور يراجع فصح إلى أقصى غاية النقص والقصر وهذا إن كان هكذا فالله فاعله بهذه الأسباب التي جعلها الله مؤثرة فيه وإذ جاز أن يسكن إلى مثل هذا ساكن كان السكون إلى ما وردت به كتب الله عز وجل ورسله وشاهدت القرون و الأمم أجوز ثم مع ذلك غير ممتنع أن يختص نوع من أنواع الجنس بشيء تباين فيه طبع جنسه ويعمى الناس عن معرفة علته كالخواص المعدودة والمعهودة التي خفيت علتها ولم يوقف على أسرارها أو ليس قد قالت كثير من فلاسفتهم في فشاراتهم بأن الفلك حي ناطق لحم ودم فكيف أجاز عليه البقاء ولم يجزه على ما هو في حكمه أو ليس الأركان أشياء متضادة ثم ما هي باقية على اختلافها وتعاديها وهل الإنسان غير الأخلاط الأربعة وقد أجمع هولاء أنه غير جائز في موجب الطبع زيادة عمر ساعة واحدة على مائة وعشرين سنة لعلل ذكروها فشاهدنا وشاهد من قلنا يقضى عليهم بخلاف قولهم فإذا جاز وجود الزيادة القليلة فيما يوجبه الطبع لم لا جاز وجود الزيادة الكبيرة مع أن المسلمين يستغنون عن مثل هذه الحجج بإخبار الله وإخبار رسوله ومعرفتهم بقصور علمهم عن أسرار حكم الله في خلقه ونفاذ قدرته فيهم وكما قلنا في الأعمار فكذلك في الأجسام والقامات والأمم وما يرى من فضل ذي طول على ذي قصر يجوز لنا الحكم بأطول من كل طويل يتوهمه حتى يبلغ به المقدار الذي ورد به الخبر في آدم والصحيح أنه كالنخلة السحوق وكم من نخلة دون قامة الرجل فإذا زادت عليها فهي سحوق والذي روى ستون ذراعا فممكن أنه تفسير الراوي والله أعلم ومما يدل على جواز هذا تفاضل هذا النوع في الأشخاص والصور كحوت وحوت كم بينها في المقدار وهو نوع من الجنس وقد زعم زاعم أن سفينة نوح مثل لدينه ولبثه في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما مثل لبقاء شريعته واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه قال مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك فلزمه أن يتأول جميع ما في القرآن من قصة نوح وخبره على خلاف ظاهره مثل قوله تعالى ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر وقوله تعالى يا بني اركب معنا ولاتكن من الكافرين قال سآوي إلى جبل إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وما أشبه ذلك وإذا جاز لنا أن نتأول السفينة دينا جاز لنا أن نتأول القصر والحبل والسلاح والكراع والمال والطعام دينا لأن في هذه نجاة ظاهرة كما في السفينة مع أن هذه الطبقة قل ما يؤمنون بالكتاب ولكنه من دساتين الزنادقة يتلعبون بالدين ويتقلبون في التلبيس ولقد سمعت بعض الناس يقول معناه لو لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما لأخذهم الطوفان و لابد أن الطوفان كان آخذا لهم لأنهم كانوا لا يؤمنون وشبهه بقوله يود أحدهم لو يعمر ألف سنة و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر قالوا واستثناه الخمسين من الألف لأنه بعث على رأس خمسين من عمره ولا يعلم في لغة العرب إضمار حروف الشرط وظهار فعله وجاء في الخبر أن نوحا عم لم يدع بقوله لا تذر على الأرض من الكافرين ديار الآية إلا بعد وحي الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وتدل تواريخ الفرس أن الملك في زمن نوح كان جم شاذ أخو طهمورث أو طمهورث نفسه لموافقة بعض أخباره والله أعلم وزعم وهب أن نوحا خرج من السفينة يوم عاشوراء وبنى قرية بقردا وسماها ثمانين وقد احتج أصحاب هذا العلم بأشعار المتقدمين في هذه القصص فمنها قول أمية بن أبي الصلتتين سنة وعاش بعد الغرق سبعين سنة وكثير من القائلين بالطباع أجازوا أن يكون في الأيام السلفة والزمان الماضي أعمار الناس وأشخاصهم أطول وأعظم مما في زماننا هذا وزعموا له ما دام الحكم الأغلب لزحل كانت الأعمار أطول والقامات أتم ثم لما صار إلى المشتري انتقص ذلك لأنه دونه وكذلك لم يزل يتراجع درجة درجةً إلى زماننا هذا وهم يجيزون انتقاص أعمار الناس عما هي عليه اليوم إذ صار الحكم على قولهم للقمر ثم حار الحور يراجع فصح إلى أقصى غاية النقص والقصر وهذا إن كان هكذا فالله فاعله بهذه الأسباب التي جعلها الله مؤثرة فيه وإذ جاز أن يسكن إلى مثل هذا ساكن كان السكون إلى ما وردت به كتب الله عز وجل ورسله وشاهدت القرون و الأمم أجوز ثم مع ذلك غير ممتنع أن يختص نوع من أنواع الجنس بشيء تباين فيه طبع جنسه ويعمى الناس عن معرفة علته كالخواص المعدودة والمعهودة التي خفيت علتها ولم يوقف على أسرارها أو ليس قد قالت كثير من فلاسفتهم في فشاراتهم بأن الفلك حي ناطق لحم ودم فكيف أجاز عليه البقاء ولم يجزه على ما هو في حكمه أو ليس الأركان أشياء متضادة ثم ما هي باقية على اختلافها وتعاديها وهل الإنسان غير الأخلاط الأربعة وقد أجمع هولاء أنه غير جائز في موجب الطبع زيادة عمر ساعة واحدة على مائة وعشرين سنة لعلل ذكروها فشاهدنا وشاهد من قلنا يقضى عليهم بخلاف قولهم فإذا جاز وجود الزيادة القليلة فيما يوجبه الطبع لم لا جاز وجود الزيادة الكبيرة مع أن المسلمين يستغنون عن مثل هذه الحجج بإخبار الله وإخبار رسوله ومعرفتهم بقصور علمهم عن أسرار حكم الله في خلقه ونفاذ قدرته فيهم وكما قلنا في الأعمار فكذلك في الأجسام والقامات والأمم وما يرى من فضل ذي طول على ذي قصر يجوز لنا الحكم بأطول من كل طويل يتوهمه حتى يبلغ به المقدار الذي ورد به الخبر في آدم والصحيح أنه كالنخلة السحوق وكم من نخلة دون قامة الرجل فإذا زادت عليها فهي سحوق والذي روى ستون ذراعا فممكن أنه تفسير الراوي والله أعلم ومما يدل على جواز هذا تفاضل هذا النوع في الأشخاص والصور كحوت وحوت كم بينها في المقدار وهو نوع من الجنس وقد زعم زاعم أن سفينة نوح مثل لدينه ولبثه في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما مثل لبقاء شريعته واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه قال مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك فلزمه أن يتأول جميع ما في القرآن من قصة نوح وخبره على خلاف ظاهره مثل قوله تعالى ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر وقوله تعالى يا بني اركب معنا ولاتكن من الكافرين قال سآوي إلى جبل إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وما أشبه ذلك وإذا جاز لنا أن نتأول السفينة دينا جاز لنا أن نتأول القصر والحبل والسلاح والكراع والمال والطعام دينا لأن في هذه نجاة ظاهرة كما في السفينة مع أن هذه الطبقة قل ما يؤمنون بالكتاب ولكنه من دساتين الزنادقة يتلعبون بالدين ويتقلبون في التلبيس ولقد سمعت بعض الناس يقول معناه لو لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما لأخذهم الطوفان و لابد أن الطوفان كان آخذا لهم لأنهم كانوا لا يؤمنون وشبهه بقوله يود أحدهم لو يعمر ألف سنة و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر قالوا واستثناه الخمسين من الألف لأنه بعث على رأس خمسين من عمره ولا يعلم في لغة العرب إضمار حروف الشرط وظهار فعله وجاء في الخبر أن نوحا عم لم يدع بقوله لا تذر على الأرض من الكافرين ديار الآية إلا بعد وحي الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وتدل تواريخ الفرس أن الملك في زمن نوح كان جم شاذ أخو طهمورث أو طمهورث نفسه لموافقة بعض أخباره والله أعلم وزعم وهب أن نوحا خرج من السفينة يوم عاشوراء وبنى قرية بقردا وسماها ثمانين وقد احتج أصحاب هذا العلم بأشعار المتقدمين في هذه القصص فمنها قول أمية بن أبي الصلت
إلى أن يفوت المرء رحمة ربه ... وإن كان تحت الأرض سبعين واديا
كرحمة نوج يوم حل سفينة ... لشيعته كانوا جميعا ثمانيا
فلما استنار الله تنور أرضه ... ففار وكان الماء في الأرض ساحيا
فهذا يقول مذهب من زعم أنهم كانوا ثمانية أنفس وقوله أيضا
منج ذي الخير من سفينة نوح ... يوم بادت لبنان من أخراها
فار تنوره وجاش بماء ... طم فوق الجبال حتى علاها
قيل للعبد سر فسار وبالل ه على الهول سيرها وسراها
قيل فأهبط فقد تناهت بك الفل ك على رأس شاهق مرساها
وقوله أيضا
وأرسلت الحمامة بعد سبع ... تزل على المهالك لا تهاب
وتلمس هل ترى في الأرض عينا ... به تيبس أو اضطراب
فجاءت بعدما ركضت بقطف ... عليه الثلط والطين والكشاب
فلما فرشوا الآيات صاغوا ... لها طوقا كما عقد الخساب
إذا ماتت تورثها بنوها ... وإن قتلت فليس لها استلاب
فجازى الله بالأجل المرء نوحا ... جزاء البر ليس لها كذاب
بما حملت سفينته وأنجت ... غداة اتهام الموت القلاب
وفيها من أرومته عيال ... لذيه لا لظماء ولا السغاب
وإذا هم لا لبوس لهم عراة ... وإذ صخر السلام لهم رطاب
عيشه أرسل الطوفان تجرى ... وفاض الماء ليس له جراب
على أمواج أخضر ذي حبيك ... كأن سعار زاخرة الهضاب
بأنه قام ينطق كل شيء ... وخان أمانة الديك الغراب
قصة من كان بعده إلى زمن عاد، قرأت في ترجمة التورية أنه ولد لنوح سام وحام ويافت بعد خمس مائة سنة مضت من عمره وأما المتخلف عنه المخالف لأمره فهو يام والناس من ولده الثلاثة وسأل عمر بن الخطاب رضه كعب الأحبار لأي ابنى آدم كان النسل قال ليس لواحد منهما نسل فأما المقتول فقد درج وأما القاتل فهلك نسله في الطوفان والناس من بني نوح ونوح من بني شيث بن آدم فسكن حام الجنوب ومنه السودان وسكن يافث الشمال ومنه الشقران وسكن سام وسط الأرض ومنه العرب وفارس وذكر ابن اسحق فيما حكى عن أهل التورية أنه نكح يافث بن نوح اريسيمه بنت مرازيل بن الدرمسيل بن أخنوخ بن قين بن آدم وولدت له سبع رجال وامرأة جومر ومارح ووايل وحوار وتوبل وهوشل وترس وسبكه بنت يافث فمهم الترك والخزر والصقالبة وبرجان واشبان وياجوج وماجوج ستة وثلاثون لسانا ونكح حام بن نوح تحلب بنت يارب بن الدرمسيل بن محويل بن أخنوخ بن قين بن آدم فولدت له ثلثة نفر كوش وفوط وكنعان فولد كوش الحبشة والسند والهند وولد كنعان السودان ونوبة وفزان الزنج وذغل وزغاوة وبربر وولد فوط القبط وفيهم سبعة عشر لسانا ونكح سام بن نوح صليب بنت ثوايل بن محويل بن أخنوخ بن قين بن آدم فولدت خمسة نفر ارفخشذ وأشور ولاوذ وارم وعويلم وفيهم تسعة عشر لسانا فمن ولد لاوذ اجناس الفرس كلها وجرجان وطبرستان وطسم وجديس وعملاق وأميم وأما عملاق فأبو العمالقة تفرقت منهم الجبابرة والعتاة الذين كانوا بأرض الشام يقال لهم الكنعانيون ومنهم فراعنة مصر إلى فرعون يوسف وموسى عليهما السلام ومنهم ملوك فارس وخراسان وعظماء المشرق ومنهم أمة كانوا بعمان يسمون جاسم ومنهم بالحجاز بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق ومنهم بنجد بديل وراحل وغفار قالوا وكان نزل عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح أكناف الحرم ومصر والشام ونزل طسم وجديس جو اليمامة وما يليها ونزل ولد ارم بن سام بن نوح الاحقاف إلى عالج ويبرين والحجر بين الحجاز والشام وقال ابن اسحق ولد ارم بن سام بن نوح ثلاثة نفر عوص وغاثر وحويل فولد عوص عادا وعبيلا وولد غاثر ثمود وجاسم وطسم وجديس فأما عاد وثمود فقد ذكر في القرآن هلاكهما وأما جديس فكثرت وتربت ورئيسها رجل منهم يقال له الأسود بن غفار وكان ملكهم إذ ذاك رجل من طسم يقال له عمليق وكان يبدأ بالعروس قبل زوجها حتى تزوجت غفيرة بنت غفار وأراد عمليق أن يصيبها فاستصرخت أخاها الأسود بن غفار وخرجت حاسرة وهي تقول لا أحد أذل من جديس، أهكذا يفعل بالعروس، فأحفظ صراخها جديس
وأزعجهم فخرجوا مع الأسود بن غفار ففتكوا بطسم فقتلوهم كلهم وملكهم إلا رجلا واحدا أفلت بخديعة دقيقة حتى أتى ملك اليمن وهو ذو غسان بن تبع الحميري فاستنجده فوجه ذو غسان بن تبع جيشا إلى جديس يطلب بثأر طسم وكانت في جديس جارية زرقاء يقال لها اليمامة وبها سميت اليمامة وكانت كاهنة تبصر الراكب من مسيرة يوم ويقال من مسيرة ثلاث فخاف الجيش أن تبصرهم اليمامة فتخبر القوم بهم فقطعوا الشجر وجعل كل رجل بين يديه شجرة يمشي خلفها يستتر بها عن اليمامة ونظرت اليمامة فرأت الشجر فنادت يآل جديس سارت إليكم الشجر أو أتتكم حمير قالوا وما ذاك قالت أرى رجلا في يده كتف يأكلها أو نعل يخصفها فكذبوها فصبحتهم الخيل فقتلتهم وأقصتهم وانقضى أمر جديس وطسم وفيه يقول الأعشى
قالت أرى رجلا في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفى أية صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذوال غسان يجزي السمر والسلعا
فاستنزلوا أهل جو من مساكنهم ... وهدموا شخص البنيان فاتضعا
قالوا وسار وبار بن أميم فنزل بأرض وبار برمل عالج فهلكوا وأما ابن اسحق فإنه يزعم أن بني أميم بن لاوذ بن سام بن نوح نزلوا وبار فكثروا وربلوا وعصوا فأصابتهم من الله نقمة فهلكوا وبقيت منهم بقية يقال لهم النسناس للرجل منهم يد ورجل من شق واحد ينقزون نقز الظباء ووبار بلاد لايطأها أحد من الإنس لما فيها من حسن الجن وهي أكثر أرض الله نخلا وشجرا فيما يزعموا وحكي أن رجلا وقف في الجاهلية بعكاظ على بعير له مثل الشاة وهو يقول
ومن يعطني ستا وستين بكرة ... هجانا وأدما أهده لوبار
ثم ضرب بعيره فتلمع به تلمع البرق وفيه يقول الأعشى من بني قيس والله أعلم
ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار
وحال على جديس يوم ... من الدهر مستطار
وأهل جو أتت عليهم ... فأفسدت عيشهم فبادوا
وقبلهم غالت المنايا ... طسما ولم ينجهم حذار
بادوا كما باد أولوهم ... عفا على إثرهم قدار
قالوا إن فارس والعرب والروم يمنيها ونزاريها من ولد سام بن نوح غير أن فارس لم تحفظ أنسابها إلا ما يذكر من ملوكهم على اختلاف وانقطاع وأما العرب فإنهم يسردونها إلى قحطان بن عابر فولد فوط جرهم وجديل فاقرضوا وأما جرهم فنزلوا مكة وصاهروا اسمعيل بن ابراهيم عم، قصة عاد الأولى وهم عشر قبائل، عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وكانوا قدماء قد أعطوا بسطة في الخلق وقوة في البسط والبطش ونزلوا بهذا الرمل من عمان إلى حضرموت وهي إذ ذاك أخصب بلاد الله وأمرعها فلما سخط الله عليهم جعلها مفاوز ورمالا وغياضا وذلك أنهم نصبوا الأوثان يعبدونها فمما يذكر من أسمائها صمود، صدا، دهنا، وأخذوا من عبادة الأوثان في ظلم الناس بفضل قوتهم فبعث الله عز وجل إليهم هودا عم هو من أوسطهم حسبا وأفضلهم موضعا وقال وهب كان هود رجلا تاجرا جميل المحيا أشبه خلق الله بآدم وهو هود بن عبد الله بن رباح بن حاور بن عاد بن عوص بن ارم فدعاهم إلى الله تعالى وإلى عبادته وحده لاشريك له وأن يكفوا عن ظلم الناس وقد يبين الله في القرآن تذكيره إياهم ومراجعتهم له بما فيه كفاية فلما أبطأوا عليه بالإيمان والإجابة وعتوا على الله أمسك عنهم القطر حتى أجهدهم الجذب فبعثوا وفدا إلى الحرم يستسقون فيه لقمن بن عاد ولقيم بن هزال وقيل ابن عثر ومرثد بن سعد وكان مسلما يكتم إيمانه وكان الناس إذ ذاك إذا نزل بهم بلاء أو جهد فزعوا إلى الدعاء في الحرم فسار الوفد حتى نزلوا على خالهم معاوية بن بكر وأقاموا عنده يشربون الخمر ويغنيهم الجرادتان وهما قينتان له ثم هيأ معوية بن بكر شعرا ودسه إلى الجرادتين لتغنياه قومه
ألا يا قيل ويحك قم نهينم ... لعل الله يصبحنا الغماما
فيسقي أرض عاد إن عادا ... قد أمسوا ما يبينون الكلاما
وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عياما
فإن الوحش يأتيهم جهارا ... ولا يخشى لعادي سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فلما غنتهم الجرادتان تلاوموا في تمكثهم وخرجوا يستسقون فنشأت ثلاث سحائب بيضاء وسوداء وحمراء ثم نودي من السحاب يا قيل اختر لنفسك ولقومك فاختار السوداء لأنها أكثر ماء فنودي اخترت رمادا رمددا لا يبقى من عاد أحد إلا بنو اللوذية وبنو اللوذية بنو لقيم بن هزال وكانوا نزلوا بمكة مع أخوالهم وهم عاد الأخرى في الخبر ومثل هذا جائز في زمن الأنبياء مع أنه ليس في القرآن منه شيء فإن صح الخبر فمعنى النداء من السحاب ما رؤى فيه من اثر المطر لا غير وساق الله السحابة السوداء فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا كقول الله تعالى لهم أو نبيهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ورجع الوفد إلى معاوية بن بكر فأتاهم راكب مسيرة ثالثة فأخبرهم بمصاب عاد قالوا وكان تخلف عنهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد ثم قدما بعد الوفد فقيل لهما أعطيتما مناكما فاختارا لأنفسكما إلا أنه لا سبيل إلى الخلد فقال مرثد أعطني يا رب برا وصدقا فأعطاه وقال لقمان أعطني يا رب عمرا فقيل اخترت لنفسك أبعار ضأن عفر في جبل وعر لا يغالبه إلا القطر أو سبعة أنسر إذا مضى نسر خلوت إلى نسر فاختار النسور فجعل يأخذ منه الفرخ حتى إذا مات أخذ آخر فلم يبق إلا السابع فقال له ابن أخ له يا عم ما بقي من عمرك غير هذا فقال يا ابن أخي هذا اللبد ولبد بلسانهم الدهر وزعموا أن النسور تعيش خمس مائة سنة هكذا في الخبر وفي كتاب المعمرين من قصة لقمان وخبره شيء كثير ومن شهرة أمره في العرب كالإجماع على ذلك لكثرة ما يذكرونه في وصاياهم وخطبهم وأشعارهم فإن كان الخبر حقا احتمل أن يكون التأويل أنه تمنى ذلك فخطر بقلبه خاطر وقاله بذلك أو أرى في المنام أو رأى آية أو علامة دلته على ما خبر به عنه فعمل ذلك بأكثر الرأي فأصاب فيه مناه وهذا كثير مما يقع بالاتفاق والجد وغير بديع أن يعمر الإنسان مائة سنة ومن حكم للنسر بعمر مقصور على مقدار لا يزيد ولا ينقص وفيه يقول الشاعر وهو أعشى بن قيس بن ثعلبة
وأنت الذي ألهيت قيلا بكأسه ... ولقمان إذ خيرت لقمان في العمر
فقلت منيت الضأن يبحث في الشرى ... بأرعن ينفي رأسه ليلة القطر
لنفسك أو تختار سبعة أنسر ... إذا ما خلا نسر خلوت إلى نسر
فقال نسور حين خال بأنه ... خلود وهل تبقى النفوس على الدهر
فقال له لقمان إذ خل ريشه ... هلكت و أهلكت ابن عاد وما تدري
فأصبح مثل الفرخ أطول ريشه ... قصار القدامى بعد مطرد حشر
وفيه يقول أيضا
ألم تروا إرما وعادا ... أودى بها الليل والنهار
بادوا كما باد أولوهم ... غدا عن إثرهم قدار
لخلفه من أبي رباح ... يسمعها الاهة الكبار
إن لقيما وإن قيلا ... وإن لقمان حيث ساروا
لم يدعوا بعدهم عربيا ... ففنيت بعدهم نزار
وفي كتاب أبي حذيفة أن هودا عم عاش أربعمائة وأربعين سنة وزعم وهب أن عادا لما أهلكت لحق هو بمكة حتى مات وروى ابن اسحق عن علي عم أن قبر هود بحضرموت تحت كثيب أحمر عند رأسه شجرة تقطر إما سدر وإما سلم وسمعت غير واحد من السياحين يخبرون بموضع قبره وكان هلاك عاد وثمود إذ ذاك بأرض حجر وقرح وهي وادي القرى وبين هود وثمود مائة سنة
قصة عاد الأخرى، ذكر ابن اسحق عن اثر عاد الأولى وعاد الأخرى ولم يحك كلامهم وإنما ذكر حربا كانت بينهم ثم اصطلحوا قال وكان من حديثهم أن سالم بن هذيمة من بني هذيمة بن لقيم سب لقمان بن عاد أحد بني عمرو بن لقيم وهاج الشر بينهم ثم حكموا بينهم درما الطسمي فأصلح بينهم وقال الحسن عاد الأولى قوم هود وعاد الأخرى قوم لقمان الجبار وحكي عن عاد الأولى أنهم لما هاجت الريح قام نفر منهم فأدخلوا عيالهم شعبا من شعاب الجبل ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا عنهم الريح فلما ألحت عليهم حفروا الأرض بسيوفهم وغاصوا فها إلى أنصافهم وكان للقوم قامات وأجسام لقول الله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد يقال أنه كان يبلغ طول أحدهم اثني عشر ذراعا وفي كتاب أبي حذيفة ستين ذراعا والله أعلم فجعلت الريح تقلعهم وتجعفهم لقول الله تعالى تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر قصة ثمود وهم ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح قال ابن اسحق فلما هلكت عاد عمرت ثمود بعدها وكثروا وربلوا وانتشروا ومنازلهم بين المدينة والشام ونحتوا البيوت في الصخور لطول أعمارهم ثم عتوا على الله وعبدوا غيره وتغالبوا وتظالموا فبعث الله إليهم صالحا وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا وزعم وهب أن صالح بن عبيد بن عامر بن سام بن نوح وكان رجلا أحمر إلى البياض قال فخرجوا إلى عيد لهم ومعهم صالح فقال له عظيم ثمود جندع بن عمرو إن أخرجت لنا من هذه الصخرة مخترجة جوفاء وبراء عشراء والمخترجة ما شاكلت البخت آمنا بك واتبعناك فنظروا إلى الهضبة تمخض بالناقة تمخض النتوج بولدها ثم انتقضت فانصدعت عن ناقة كما سألوا بين جنبيها ما لا يعلمه إلا الله فآمن به جندع ومن كان معه قال فمكثت الناقة ترعى ما شاء الله من الشجر ويشرب اللبن ثم ينتج لها فيحتلبون ما شاء الله من لبن وكان امرأتان من أشرف ثمود ذواتي أموال من المواشي يقال لإحديهما عنيزة بنت غنم وللأخرى صدوف بنت المحيا أضر بهما شرب الناقة الماء فاحتالتا في عقر الناقة فدعت صدوف مصدع بن بهرج لعقر الناقة وعرضت نفسها عليه ودعت عنيزة قدار بن سالف وكان لها بنات فائقات الحسن والجمال فقالت أزوجك أي بناتي شئت إن أنت عقرت الناقة فانطلق قدار ومصدع واستغويا تسعة نفر كما قال الله تعالى وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قال فرصدوا الناقة حين صدرت إلى الماء وقد كمن لها قدار بسهم فانتظم عضلة ساقها ثم كشف قدار عرقوبها فخرت ورغت رغاء واحدة تحذر سقبها ثم نحروها وعضبوها وانطلق سقبها حتى أتى جبلا منيفا لاذ به ففزع من آمن من قوم صالح إليه وقد كان حذرهم عقر الناقة ووعدهم العذاب إن هم مسوها بسوء فقال لهم أدركوا السقب فان أنتم أدركتم السقب فلعل العذاب يؤخر عنكم فراموا كل المرام وتشامخت بهم الصخرة ودعت عليهم ثلاث دعوات فأخبر صالح بذلك فقال ابشروا بالعذاب وقالوا متى هو قال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فأصبحوا غداة يوم المؤنس وجوههم مصفرة وأصبحوا يوم العروبة وجوههم محمرة وأصبحوا يوم شيار وجوههم مسودة ثم صبحهم العذاب غداة يوم أول وهو صيحة وريح وهدة أهلكتهم ولهم في قصة عاد وثمود وطسم وجديس أشعار كثيرة لأن هولاء كانوا عربا عادية وقد ذكرت تلك الأشعار في قصصهم فمنها قول بعضهم
وقالت أم غنم يا قدار ... عزيز ثمود شد ولا تهابا
ولا تجبن فإن الجبن عيب ... وكان أبوك يكره أن يعابا
إن أنت عقرتها وأرحت منها ... بلاد ثمود أنكحك الدبابا
فأهوى سيفه للنحر طعنا ... وفر السقب يطلع الشعابا
وحنت بعدما خرت صويتا ... تحذر سقبها كي لا يصابا
فأتبعه غواة بني عدي ... ونادوا مصدعاً وأخوه ذابا
فيرميه شقي بني عبيد ... بسهم لم يريشه لغابا
ونادى صالح يا رب أنزل ... بآل ثمود منك غدا عذابا
فكانت صيحة تركت ثمودا ... ديارهم لثالثة خرابا
وقال أمية بن أبي الصلت
كثمود التي تفتكت الدي ن عتيا وأم سقب عقيرا
ناقة للإله تسرح في الأر ض و ينتاب حول ماء مديرا
فأتاها أحيمر كأخي السه م بعضب فقال كوسى عقيرا
فأبت العرقوب و الساق منها ... ومضى في صميمه مكسورا
فرأى السقب أمه فارقته ... بعد إلف حنية وظؤورا
فأتى صخرة فقام عليها ... صعقة في السماء تعلو الصخور
فرغا رغوة فكانت عليهم ... رغوة السقب دمروا تدميرا
فأصيبوا إلا الذريعة فاتت ... من جواريهم وكانت جرورا
سنفة أرسلت تخبر عنهم ... أهل قرح بأن قد أمسوا ثغورا
فسقوها بعد الحديث فماتت ... وانتهى دبنا واوفى حقيرا
وفي كتاب أبي حذيفة أن عادو صالحاً عاش ثلثمائة سنة إلا عشرين عاما وزعم وهب أن ثمودا لما هلكت أحرم صالح بن موسى قومه وأتوا مكة و أقاموا بها إلى أن ماتوا وأصيب في كتاب تأريخ ملوك اليمن أن الله بعث هودا إلى صالحا إلى ثمود في زمن جم شاذ الملك بأرض بابل والله أعلم، ذكر اختلاف الناس في هذه القصة
سأل سائل كيف يجوز أن يصطلم أمة من الأمم في عقر ناقة أبيح عقر جنسها وأي عدل ورحمة في الاقتصاص من ناس لبهيمة أم كيف يجوز توهم خروج ناقة من صخرة على الصفة التي يصفونها به وأي دابة تسد ماء جبلين حتى يضيقا عنها أو تشرب ماء عين وتسقي أمة فأنكر ذلك كله وأباه ثن أخذ في التأويل فزعم أنه يحتمل أن يكون خروج الناقة من الصخرة حجة دامغة وسلطانا قاهرا من بعض العظماء أذعن له القوم واستدلوا بأن يكون شربها ماء العين إبطال تلك الحجة جميع من خالفهم واعتلاؤها عليهم بالوضوح والقوة وأن يكون عقرهم إياها معاندتهم لتلك الحجة وامتناعهم عن قبولها وكذلك قالوا في عصا موسى والتقافها عصى السحرة وأذكر أني سمعت بعضهم وهو يسأل عن ناقة صالح كيف خرجت من هضبة فقال يشبه أن يكون خبأها تحت الصخرة ثم أخرجها وسمعت غيره يزعم أن اسم الناقة كناية عن رجل وامرأة وهذه رحمك الله مذهب الملحدين المنكرين معجزات الأنبياء ووجوب النبوة ومجيئهم بالآيات الخارجة عن الحس وابعاده وفرقانا بينهم وبين المتنبئين المتقولين المخترعين المتشكلين التي تبهر عندها العقول ويتحير في كيفيتها النفوس كذا حيرتها في إبداع أجسام هذا العالم بكليتها وأجزائها لا من غير سابق ولذلك قلنا أن أصل التوحيد يوجب إثبات النبوة ولا يلزم مسئلة أيجاب النبوة من لم يقر بوجود البارئ سابقا لخلقه فإذا صح وجود هذا العالم محدثا بالدلائل البرهانية ولم ندر كيف جاز وجودها فكذلك ينبغي أن يرد إليه معجزات الأنبياء لأنها كلها منه وقد مضى لك هذا في غير موضع من الكتاب فليكن ذلك من بالك وبالله التوفيق ثم إنا نقول لو كان الأمر كما وصف فأية قائدة حينئذ في ذكر الناقة وعقرها وأي تعجيب بما هو جار في العادات معروف متعارف عند الجميع وأي فرق بين الصادق والكاذب والقادر والعاجز ولعمري ليس في القرآن خروج الناقة من الصخرة ولا أنها تسقى أمة ولا أن الفج تصدم جنبيها ولانتفاخ بطنها ونحن لا نجاوز في هذا وأشباهه نص الكتاب وظاهر صحيح السنة من غير إنكار شيء مما يقع تحت القدرة ويشبه أن يكون صالح عم أشار إلى ناقة من الإبل بأمر الله فجعلها علامة بينهم لطاعة المطيع ومعصية العاصي وامتحنهم بوردها وشربها ولو أشار إلى بقرة أو حجارة أو طير وهو مثلا لكان كذلك كما امتحن آدم بالشجرة امتحننا بالكعبة وأنواع الفرائض وقد كانت الملوك يفعلون مثل هذا في الزمن الأول اختبارا لطاعة العوام وتخويفا للرعية كما حكي عن النعمان ابن المنذر أنه كان أرسل كبشا في البيوت والأسواق وعلق مدية في عنقه وسماه كبش الملك يبلو بذلك طاعة الناس هل يجترئ عليه أحد بالعيث وإنما كانت الناقة لصالح ونسبت إلى الله عز وجل لنهي الله عن عقرها وأما قولهم كيف جاز إهلاك قوم وإفناء أمة بناقة فإنهم أهلكوا بكفرهم وتكذيبهم وتظالمهم فيما بينهم وكانت الناقة حدا حاجزا عن هذه المعاصي فلما أشكوا حرمتها انتهك كل ما كان محجوزا بها وأما إنكارهم أن تكون ناقة تسقي أمة فإن الأمة من بين الثلثة إلى ما بلغ وإنكارهم مصادفة حافتي الفج جانبيها فكم عهدنا من شعب يضيق عن مسلك شاة عن مسلك ناقة وأما تعجبهم من هلاكهم فهلاك الحيوان بأنواع الآفات والبلايا الطبيعية والسماوية من طغيان ماء أو نار أو ريح أو غير ذلك معاين مشهور لا ينكره أحد ولا يمكنه الإنكار وقد يجوز بل يمكن أن يكون عذاب عاد وثمود وقوم لوط وسائر المغلبين من الأمم ألح عليهم أياما وشهورا وأعواما ودام أوقاتا كثيرة وقد يجوز أن يكون حرفا واجتياحا فإذا جاز جميع ما ذكرنا فلا معنى لسرعة الرد والتكذيب والله المستعان، هذا ما وجدنا من القصص والأخبار بعد نوح إلى زمن ابراهيم عليهما السلام وقد روينا في بعض التواريخ أنه كان بين نوح و ابراهيم ألفا ومائتا سنة وأربعون سنة وروينا في بعضها أنه كان من الطوفان إلى مولد ابراهيم عم ألف سنة وتسع مائة سنة وسبعون سنة وروينا أنه كان بينهما عشرة قرون وعلماء المسلمين يرون أن الملك كان في زمن ابراهيم نمروذ الجبار صاحب الصرح ببابل والله أعلم
قصة ابراهيم عم ورد في الأخبار أنه ملك الأرض كلها أربعة نفر مؤمنان وكافران وسيملك من هذه الأمة خامس فأولهم نمروذ بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح ويقال نمروذ بن كوش بن سيحارب بن كنعان بن سام بن نوح والله أعلم والثاني أزدهاق ذو الحيتين والأفواه الثلاثة والأعين الست والعرب وتسميه الضحاك هو نمروذ بعينه وإنما سمي ضحاكا لأنه ضحك كما سقط من بطن أمه فطرحته أمه بقفر وقبض له نمرة ترضعه لما أريد به وقيل بل جز ثدي أمه فاسترضعته بلبن نمرة فسمي نمروذ لذلك وقيل بل الثاني بخت نصر وأهل اليمن يزعمون أن الثاني تبع بن ملكيكرب فأما المؤمنان فأحدهما سليمان بن داود عليهما السلم والفرس ويزعمون أنه جم شاذ والآخر ذو القرنين وقد اختلفوا في ذي القرنين أهو الاسكندر الرومي أم غيره وفيهم يقول الشاعر
ملكوا المغارب والمشارق كلها ... وتوثقوا لم يتركوا أمرا سدى
واعلم لو تكلفنا هذه الأخبار والأقاصيص كلها على وجهها وأتينا بها على كنهها لاحتجنا إلى أن نسرد الروايات كلها الحق منها والباطل والمحال والمجاز ثم لم يحصل الناظر فيها على غير ما كان ممكنا من غير ذلك وإنما المراد في ذكر ما يجوز ويمكن ويتوهم مما اختلف فيه الناس وخالفه الملحدون وخفى ما فيه عن طلاب الحق وملتمسي الهداية فيما كان منها في كتاب الله عز وجل ظاهرا جليا كفل به هاديا ومفيدا وما كان في الصحاح من الأخبار فمنزل منزلة الكتاب في الإيمان والتصديق وما كان غير ذلك من آية مشكلة أو خبر مشتبه فالغرض في كشفه وحله مع أنا لا ندع الإتيان بجمل منها لأن الكتاب عليها ولها أسس وبها رسم الله الموفق المعين، ذكر أهل هذا العلم أنه ابراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروج بن ارغو بن فالج بن عابر بن شالح بن ازفخشد بن سام بن نوح وأنه لما أظل وقت ظهوره أخبرت المنجمة الكهان نمروذ بأنه قد يولد مولود في هذه السنة ويكون هلاك ملكك على يديه وهذا يمكن لأنه يروى أن علم النجوم كان حقا إلى أن نسخ وأيضاً فإن علم الغيب الذي تفرد الله به واستأثر به نفسه دون خلقه ولا يتناوله هذا الباب ويمكن أن يكون أدركوه في بعض كتب الله كما ذكر للنبي عم مشهوراً في الكتب قبله فأمر الملك بقتل كل مولود ذكر مخافة أن يقع تصديق ما قد ذكر وحملت أنيلة أم ابراهيم ويقال أبيونا فكتمت حملها إلى أن دنا حملها فوضعته وأخفته في سرب وجعلت تأتيه متخبئة ترضعه وتتعهده إلى أن فطمته وبلغ مبلغ المراهق خمسة عشر سنة واجتمعت لحيته وكان من حسن بيانه وسرعة شبابه يستغاب مولده وقت ذبح الولدان فنزل ومشى في الناس وطالع أحوالهم ومذاهبهم وما توزعتهم النحل به من عباداتهم فمنهم من عكف على حجر ومنهم من عكف على شجر فتفكر في مستحق العبادة منه لقوله تعالى ولقد أتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين فدلته الفكرة والاجتهاد على صانعه ومدبره فصرف الرغبة إليه وأخلص العبادة له بقول الله تعالى وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ثم احتال في تعريف القوم سوء واحتيالهم وقبح اختيارهم وخطاء اعتقادهم بألطف الوجوه وأحسن الحيل بقول الله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي مخادعا مماكرا لهم أي إن كان هذا الصنم أو هذا الشخص لكم ربا فهذه الكوكب في علو مكانه وشعاع نوره وحسن منظره وبعده من آفات الأرض ربي وهو أولى بالعبادة من غيره على هذه الشريطة ولعمري إن عابدي الأجرام العلوية أعذر من عابدي الأجرام السفلية في القياس فوقع للقوم أنه أحسن اختيارا منهم وأبعد معرفة وعلما يقول الله تعالى فلما أفل قال لا أحب الآفلين لأنه علم أن الطلوع والأفول عرضان حادثان ولا يستحق العبادة الحادث العارض لأنه العاجز المنقوص المقارن بما لا يبقى ويزول ثم لما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فجعل ابراهيم يريهم النقص في عقولهم والنقص في مذاهبهم بما اجتنبه على جهة الخبر عن نفسه مخادعا مماكرا لما قرر عندهم الحجة البالغة جاهرهم بالخلاف ونبه بالتوحيد فقال إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ولهذا لما كان دين ابراهيم معقولا فطريا لا يحتاج في إدراكه ومعرفته إلى سماع وخبر حد الله عليه أنبياءه ورسله وأمرهم باتباعه وما من أهل دين إلا وهم يقولون بدين ابراهيم عم ويتبعونه في دعاءهم قالوا وإن أباه آزر كان ينحت الأصنام ويتبعها ويعبدها فجادله ابراهيم عم كما حكاه الله تعالى عنه في القرآن يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا الآية ثم أظهر عيب آلهتهم والقدح فيهم والوضع من شأنهم وكان لهم عيد ومجمع يخرجون فاحتال ابراهيم عم في التحلف لتحلة يمينه فلما راودوه للخروج معهم نظر نظرة في النجوم يعني في علم النجوم وكان القوم يعلمون به وينزلون عند دلائله فقال إني سقيم أي أراني سأسقم وكانوا يتطيرون في كل ذي سقم وآفة فقال أني مطعون فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون يريد بكلامهم أن يظهر للسدنة والخدم عجزهم وضعفهم فجعلهم جذاذا ألا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون وذلك حيلة منه في تعريفهم خطاياهم عليه وإقرارهم بألسنتهم ضلالة أرائهم فلما رجعوا قالوا من فعل هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا غضبا وأنفا أن
لا يعبد من هو دونه فاسألوهم إن كانوا ينطقون هو فعله ويقال أراد بكسرهم نفسه لأنه فعله وجرى بينه وبينهم ما جرى إلى أن قال أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين فأوقدوا ناراً عظيمة وقذفوا ابراهيم فيها فجعلها الله بردا وسلاما عليه وأمره بالهجرة من أرض بابل إلى الشام فرارا بدينه وكان مولده بقرية من سواد الكوفة ويقال لها كوثاربا فخرج إلى حران ومعه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزار وابنة أخيه سارة بنت هاران وكانت أحسن من نساء العالمين عقيما لا تلد وقيل أن سارة كانت ابنة عمه نوهر بن ناحور وزعم وهب أنه آمن بابراهيم يوم ألقى في النار رهط منهم هاران وشعيب وبلعم وهاجروا معه ثم خرجوا من حران إلى أرض فلسطين و مر بحدود مصر وفرعونها يومئذ صاروف بن صاروف أخو الضحاك و قيل أنه كان غلاما لنمروذ بن كنعان على مصر ويقال هو سنان بن علوان أخو الضحاك فهم بأن يغصب إبراهيم امرأته سارة فتعوذ منه وقال إنها أختي أراد به أخوة الديانة والتشابه وقد قيل أنه من كلماته الثلث اللواتي تمنعه الشفاعة يوم القيامة وجاء في الحديث أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ما منهن واحدة إلا وهو تماحل عن الإسلام قوله لسارة أنها أختي وقوله أني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا قالوا فأطلق عنها بعد ما أظهره الله من الآيات الموجبة له تخلية سبيلها فأعطاها نعماً ومالا وجارية كانت عندهم من سبي جرهم وقال خذيها أجرك فسميت هاجر وفي الحديث أن النبي صلعم قال إذ افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم رحماً وذمة أراد بالرحم أمومة هاجر وبالذمة أمومة مارية فعاد إبراهيم عم إلى أرض فلسطين فسكنها وكثرت ماشيته ونعمه وغلمانه وابتاع مزرعة حبرون وفيها قبره وقبر اسحق ويعقوب وسارة ورفقا وليا وأما هو لأنسه بهم لم يرغب بالولد فقالت سارة لإبراهيم إني أراك لا يولد لك فخذ هذه الجارية تقع علينا لعلنا نصيب منها ولدا فحملت باسماعيل وعلقت به فلما وضعته شعف إبراهيم به وبأمه هاجر وغارت سارة غيرة شديدة وشق عليها مشقة عظيمة فحلفت ليقطعن منها ثلاثة أشرافها فأمرها إبراهيم عم أن تخفضها وتثقب أذنيها في تحلة قسمها ففعلت وحملت سارة باسحق بعد عشر سنين من مولد اسمعيل وكان إبراهيم حمل اسمعيل وأمه إلى موضع الكعبة وأنزلهما به وهو طفل فرارا بهما من سارة بأمر الله تعالى ولما ماتت سارة تزوج إبراهيم امرأة الكنعانيين يقال لها قطورا فولدت له أربعة نفر وتزوج امرأة أخرى فولدت له سبعة نفر وكان جملة ولده ثلثة عشر رجلا وعاش فيما روى مائة وخمسا وسبعين سنة وزعم وهب أنه عاش مائتي سنة ومات فدفن في مزرعة حبرون،لا يعبد من هو دونه فاسألوهم إن كانوا ينطقون هو فعله ويقال أراد بكسرهم نفسه لأنه فعله وجرى بينه وبينهم ما جرى إلى أن قال أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين فأوقدوا ناراً عظيمة وقذفوا ابراهيم فيها فجعلها الله بردا وسلاما عليه وأمره بالهجرة من أرض بابل إلى الشام فرارا بدينه وكان مولده بقرية من سواد الكوفة ويقال لها كوثاربا فخرج إلى حران ومعه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزار وابنة أخيه سارة بنت هاران وكانت أحسن من نساء العالمين عقيما لا تلد وقيل أن سارة كانت ابنة عمه نوهر بن ناحور وزعم وهب أنه آمن بابراهيم يوم ألقى في النار رهط منهم هاران وشعيب وبلعم وهاجروا معه ثم خرجوا من حران إلى أرض فلسطين و مر بحدود مصر وفرعونها يومئذ صاروف بن صاروف أخو الضحاك و قيل أنه كان غلاما لنمروذ بن كنعان على مصر ويقال هو سنان بن علوان أخو الضحاك فهم بأن يغصب إبراهيم امرأته سارة فتعوذ منه وقال إنها أختي أراد به أخوة الديانة والتشابه وقد قيل أنه من كلماته الثلث اللواتي تمنعه الشفاعة يوم القيامة وجاء في الحديث أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ما منهن واحدة إلا وهو تماحل عن الإسلام قوله لسارة أنها أختي وقوله أني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا قالوا فأطلق عنها بعد ما أظهره الله من الآيات الموجبة له تخلية سبيلها فأعطاها نعماً ومالا وجارية كانت عندهم من سبي جرهم وقال خذيها أجرك فسميت هاجر وفي الحديث أن النبي صلعم قال إذ افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم رحماً وذمة أراد بالرحم أمومة هاجر وبالذمة أمومة مارية فعاد إبراهيم عم إلى أرض فلسطين فسكنها وكثرت ماشيته ونعمه وغلمانه وابتاع مزرعة حبرون وفيها قبره وقبر اسحق ويعقوب وسارة ورفقا وليا وأما هو لأنسه بهم لم يرغب بالولد فقالت سارة لإبراهيم إني أراك لا يولد لك فخذ هذه الجارية تقع علينا لعلنا نصيب منها ولدا فحملت باسماعيل وعلقت به فلما وضعته شعف إبراهيم به وبأمه هاجر وغارت سارة غيرة شديدة وشق عليها مشقة عظيمة فحلفت ليقطعن منها ثلاثة أشرافها فأمرها إبراهيم عم أن تخفضها وتثقب أذنيها في تحلة قسمها ففعلت وحملت سارة باسحق بعد عشر سنين من مولد اسمعيل وكان إبراهيم حمل اسمعيل وأمه إلى موضع الكعبة وأنزلهما به وهو طفل فرارا بهما من سارة بأمر الله تعالى ولما ماتت سارة تزوج إبراهيم امرأة الكنعانيين يقال لها قطورا فولدت له أربعة نفر وتزوج امرأة أخرى فولدت له سبعة نفر وكان جملة ولده ثلثة عشر رجلا وعاش فيما روى مائة وخمسا وسبعين سنة وزعم وهب أنه عاش مائتي سنة ومات فدفن في مزرعة حبرون
ذكر اختلاف الناس في هذه القصة جاء في بعض الأخبار أن إبراهيم عم لما أخفته أمه في السرب أتاه جبريل فأمصه السبابة والإبهام فجعل يشرب من إحداها لبناً ومن الأخرى عسلاً وروى عن نوف البكالي أنه قبضت له ظبية ترضعه إذا أبطأت عليه أمه وفسر بعضهم قوله تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أنه رفع فوق السموات حتى نظر إلى ما فيها وإليها وذكروا من صفة النار وعظم بنيانها وجمع الحطب لها سنين ما الله به عليم قالوا وقد كانت المرأة إذا حملت نذرت لئن وضعته ذكرا حملت مقدارا من الحطب إلى ذلك الموضع وانه لم يحمل شيء من الدواب ذلك الحطب إلا البغل وأعقم الله نسله واحرثه وان الخطاف كانت تأتي بالماء فترشه على النار فجعلها آية ألوفاً للمساكن وأن الوزغة كانت تنفخ النار وتضرمها فأمر الله بقتلها وأنهم أوقدوا أياماً حتى احترقت طير السماء ونفرت الوحوش والسباع وإن إبليس جاءهم فعلمهم عمل المنجنيق فسووا ورموا بإبراهيم عم في النار فقال عز وجل يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم فبردت النيران كلها على وجه الأرض حتى لم ينضح كرعا وقال بعضهم حتى بردت نار جهنم قالوا ولو لم يتبع الله قوله كوني بردا وسلاما لتقطعت أوصاله من البرد فهذه أخبار جاءت ليس في الكتاب منها إلا قوله كوني بردا وسلاما على إبراهيم وإنما جعلها معجزة لنبيه وإبانة لشرفه وإجهاضاً للكافر الذي يمكر به وقد زعم بعض من لم يخلص في الإسلام نيته أنهم لم يطرحوا إبراهيم في النار وإنما هموا به واحتج بأنه ليس في الكتاب ذلك قال إنما معنى قوله للنار كوني برداً وسلاماً أنهم كانوا توامروا في إحراقه بالنار ثم بدا لهم خلافه فكان خلاف ما أرادوا بإبراهيم بردا وسلاما من النار والبلاء الذي هو وزعم غيره من أشكاله أن إبراهيم عم سحرهم وأطلي ببعض الأدوية التي يبطل معها عمل النار واحتال في الفوت بنفسه وساق قصة لبعض الهند وشبهه بها وقال بعضهم بل النار مثلا لاجتماع كلمتهم عليه ومجادلتهم إياه وكونها بردا وسلاما عجزهم عن حجته وانكسارهم عن معارضته كما قال في عصى موسى وناقة صالح وسائر معجزات الأنبياء عم وقد مضى وجه الجواب لهذه الأشياء في غير موضع فلا فائدة بالتكرار والله المستعان وجملة القول كيفية إبداع المعجزة غير معقولة فمن أقر بها لزمه الإقرار بالمعجزات قاسيا ومن أنكر المعجزة فهو لحدث العالم منكر وأن أظهر خلافه والسلام ويقال أنه أوقد له النار ببرقوة من أرض فارس وأن أثر الرماد باق إلى اليوم ويقال بل كان ذلك بكوثى ربا وذكروا أن نمروذ هو الذي حاج إبراهيم في ربه وهو أول من لبس التاج وبنى الصرح ببابل يقال سبعة آلاف درجة ويقال ثلاثة آلاف وشيء وجعل يرمي في السماء فيرجع نبله إليه مختضبا وذلك بعدما عمل النسور وطارت به إلى السماء فزلزل الله بقواعده فهدمها من أصلها قالوا وعاش في ملكة مائتي سنة وسبعين سنة فأهلكه الله ببعوضة دخلت في خيشومه فجعلوا يضربون هامته بالجرز حتى تناثر دماغه وفي رواية الواقدي أنه لبث معمورا في ملكه سبعين سنة ويزعم بعض المتأولين أن بناء الصرح كان ارصادا منه للكواكب وطلبا لمعرفة سير النجوم ومطالعها والله أعلم
قصة لوط بن هاران بن آزر وهو ابن أخي إبراهيم عم وكان هاجر مع إبراهيم عم إلى الشام فلما نزل إبراهيم عم أرض فلسطين بعثه الله إلى أرض سدوم وكاروما وعمروا وصبوايم أربع قرى من فلسطين على مسيرة يوم وليلة قالوا أو أجدبت الأرض أقحطت وكانت قرى لوط أخصب بلاد الله فانتابهم الغرباء ليصيبوا من ثمارهم وطعامهم وسنوا تلك السنة الخبيثة ردعا للناس عن تناول شيء من ثمارهم وطعامهم ثم مرنوا على ذلك وأصروا وخرجوا مع ما كانوا فيه من الكفر بالله والظلم لعباده والاعتداء عليهم فنهاهم لوط عم وعرض عليهم تزويج البنات والاكتفاء بهن عن إتيان الذكور لما فيه من نفور النفس وانقطاع النسل فأبوا عليه وكفروا به وفي رواية سعيد عن قتادة عن الحسن قال عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا كانوا يأتون الرجال ويلعبون بالحمام ويضربون بالدفوف ويرمون بالجلاهق ويخذفون بالأصابع ويلبسون الحمرة ويصفقون بأيديهم ويصفرون بأفواههم ويشربون الخمر ويقصرون اللحى ويطولون الشوارب وروى غيره كانوا يضرطون في النادي وينزو بعضهم في وجه بعض ويمضغون العلك ومع ذلك يقطعون الطريق ويغتصبون الناس ويستهزؤون بلوط ولما بعث الله الملائكة إلى إبراهيم يبشرونه باسحق أخبروا بأنهم مأمورون بإهلاك قرى لوط وذلك قوله تعالى ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إلى آخر الآيات كلها في شأنهم وقصصهم وكانت امرأة لوط تدل الناس على ضيفه وتخبرهم بمجيئهم فلما جاءت الرسل لوطا ذهبت العجوز تخبرهم وذلك قوله تعالى ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا إلى تمام القصة جاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعلمون السيآت إلى قوله فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجلا رشيد قال قتادة لا والله لو كان فيهم واحد رشيد لما عذبوا فزلزل الله بهم الأرض وجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وأمر الله تعالى لوطا فلحق بإبراهيم مع ابنتيه رتبا ورعورا إلى أن قبضه الله تعالى وفيه يقول أمية بن أبي الصلت
ثم لوطا أخا سدوم أتاها ... إذ أتاها برشدها وهداها
راودوه عن ضيفه ثم قالوا ... قد نهيناك أن يقيم قراها
عرض الشيخ عند ذاك بنات ... كظباء بأجرع فرعاها
غضب القوم عند ذاك وقالوا ... أيها الشيخ خطبة نأباها
أجمع القوم أمرهم وعجوز ... خيب الله سعيها ولحاها
ارسل الله عند ذاك عذابا ... جعل الأرض سفلها أعلاها
ورماها بحاصب ثم طين ... ذي جروف مسموم إذ رماها
ذكر اختلاف الناس في هذه القصة وروى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال كان في كل قرية من قرى لوط مائة ألف رجل مقاتل وأنهم كانوا إذا ارتكبوا من إنسان الفاحشة غرموه أربعة دراهم فسار المثل في حكم سدوم فأبوا أن ابليس أتاهم في هيئة غلام فدعاهم إلى نفسه فصار ذلك عادة لهم في الغرباء وزعم الكلبي أن جبريل أتاهم فأدخل جناحيه تحت الأرض فحمل القرية وحلق بها حتى سمع أهل السماء أصوات الكلاب والديكة ثم قلبها وأرسل الله الحجارة على شذاذهم ومسافريهم وروينا عن محمد بن كعب أن الذين فعلوا منهم ذلك كانوا سبعة نفر رأسهم رجل يقال له نمروذ و الله اعلم.
قصة اسماعيل عليه السلام قالوا و لما اشتدت غيرة سارة على إسماعيل و أمه أمر الله إبراهيم أن يسير بها إلى الحرم و أنبأه أن عمارة البيت على يديه و أنه ينبط لاسماعيل سقايته فسار بهما حتى أنزلهما موضع الكعبة اليوم ودعا لهما فقال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم الآية ولا أشك أنه كان معهما من يخدمهما و يرعاهما و أقبل راجعا إلى الشام قالوا و فحص اسمعيل برجله الأرض فنبع الماء من تحت عقبه وقيل بل أتاه جبريل فركضه ركضة فار منه الماء وجاء ركب من جرهم إلى اليمن فرأوا بلدا ذا ماء وشجر فقالوا لهاجر لمن هذا قالت لي ولعقبي من بعدي فنزلوا حول البيت وهو يومئذ ربوة حمراء ولهاجر عريش في موضع الحجر فنشأ اسمعيل وسط جرهم وتكلم بلسان العربية وأعطوه عنزا من ثماني مائة وكان ذلك أصل ماله فلما بلغ تزوج منهم امرأة وكان إبراهيم عم يأتيه كل سنة معتمرا ومجددا باسمعيل العهد وولد لاسمعيل اثنا عشر رجلا ثابت وقيدر وأذبل ومنشى ومسمع وماش وماء وآذار وصهباء وبطور ونبش وقيدما وأمهم ابنة مضاض بن عمرو الجرهمي وجدهم من قحطان وقحطان أبو اليمن كلها فمن ثابت وقيدار نشر الله العرب ولما ماتت هاجر دفنها اسمعيل في الحجر ثم لما مات اسمعيل دفنه بنوه مع أمه في الحجر فقبروهما فيه وكان عمر اسمعيل مائة وسبعا وثلاثين سنة وهذا مكتوب في ترجمة التورية، ذكراختلاف الناس في هذه القصة جاء في بعض الأخبار أن إبراهيم عم لما وضع هاجر واسمعيل بموضع الكعبة وكر راجعا أقبلت عليه هاجر فقالت إلى من تكلنا قال إلى الله قالت حسبنا الله فرجعت وأقامت عند ولدها حتى نفد ماءها وانقطع درها فارتقت إلى الصفا حتى تنظر هل ترى عينا أو شخصا فلم تر شيئا فدعت ربها واستسقته ثم نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك ثم سمعت أصوات السباع فخشيت على ولدها فأسرعت تشتد نحو اسمعيل فوجدته يفحص الماء بيده عن عين قد انفجرت من تحت خده وقيل بل من تحت عقبه وزعم بعضهم أن جبرئيل أتاه فركض برجله الأرض ركضة وفيه تقول صفية بنت عبد المطلب
نحن حفرنا لحجيج زمزما ... سقيا نبي الله في المحرم
ركضة جبريل ولما يفطم
فجعلته هاجر حسيا وروي لو لم يحطه لكان عينا معينا وفيه يقول قوم
وجعلت تبنى لها الصفائحا ... لو تركته كان ماء سائحا
وقد أنكر هذا القوم وزعموا أن اسمعيل حفرها بمعول ومعالجة قالوا ويمكن أنه أسرع الماء إلى إجابته لقرب غزره لأن الوادي عميقه من كبس السيول وهذا من أيسر الأمور وأسهلها إن كان اسمعيل حفرها أو حفرت من أجله أو كانت نبعت بنفسها معجزة وكرامة كما كانت وليس شيء منه في الكتاب وإنما الأخبار وردت كما وردت والله أعلم.
قصة اسحق عليه السلام قال الواقدي ولدت سارة اسحق بين العماليق بالشآم وهم الكنعانيون وكان بينه وبين اسمعيل ثلاثون سنة وفي كتاب أبي حذيفة أن اسمعيل كان أكبر من اسحق بعشر سنين وتزوج اسحق ربقا بنت بوهر فولدت له عيصو ويعقوب وتوأمين ويزعم أهل الكتاب أن عيصو سمي به لأنه عصى في بطن أمه وذلك أنه خرج قبل يعقوب وخرج يعقوب على إثره آخذا بعقبه فلذلك سمي يعقوب وهذا ما لا أعرف له تأويلا وأصلا واللهم إلا أن يكون مثلا وتشبيها وتزوج عيصو بسمة بنت اسمعيل وكان رجلا أشقر فولدت له الروم، ذكرالذبيح قال قوم هو اسمعيل
واحتجوا بأن الله لما فزع من قصة الذبيح استقبل قصة اسحق فقال بشرناه باسحق نبيا من الصالحين وروى الفرزدق الشاعر قال سمعت أبا هريرة على منبر رسول الله صلعم يقول الذبيح هو اسمعيل وقال آخرون بل هو اسحق ويروى عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن مسعود وأهل الكتاب لا يختلفون أنه اسحق وزعم بعضهم أنه قرب اسحق مرة ذبيحا ومرة اسمعيل والله أعلم واختلفوا أين قرب فأكثر العلماء على أنه كان بمنا وأن إبراهيم أري في المنام بمكة وهو واسحق مقيمان بها أن قرب ابنك إلى هذا قربانا وذلك بعد ما بنى البيت وروى عن عطاء أنه قال كان ذلك بالبيت المقدس واختلفوا بالذبح الذي فدى به فقال كثير من الناس أنه فدى بكبش كان يرعى في الجنة سبعين خريفا وكان الحسن يحلف بالله ما فدي إلا بكبش من الأروى واختلفوا في معنى الذي أري في المنام ذلك لأجله فقال قوم لما بشر إبراهيم بالولد على كبر سنه نذر ليذبحنه لله قربانا فلما بلغ الغلام السعي أراه الله في نومه أوف بنذرك وقال آخرون بل أمر في المنام ابتلاء من الله واختبارا ليعلم الخلق حسن طاعته لربه وانقياده لأمره واستحقاقه شرف المنزلة وعلوا الرتبة وليقتدوا به في طلب الوسيلة وابتغاء القربة والزلفة والله أعلم فأما القصة فكيف كان ذلك وكيف خاطبه فواضحهه وكيف نبت المدية عنه يطول وقد ذكرها أمية في شعره
ولإبراهيم الموفي بالنذ ر احتسابا وحامل الاجدال
ابني أني نذرتك لل ه سحيطا فاصبر فدا لك حالي
فأجاب الغلام أن قال فيه ... كل شيء لله غير انتحال
جعل الله جيده من نحاس ... إذ رآه زولا من الأزوال
بينما يخلع السرابيل عنه ... فكه ربه بكبش جلال
قال خذه فأرسل ابنك عنه ... وإني ما قد فعلتما غير قال
ربما تكره النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال
وعاش اسحق مائة وثمانين سنة كما روى والله أعلم وأحكم، قصة يعقوب قال أهل هذا العلم فأكثر ما يرونه أهل الكتاب الأول والعلم القديم إلا ما نطق به كتابنا أو صح الخبر فيه عن نبينا محمد صلعم أن إبراهيم لم يمت حتى بعث الله اسحق إلى أرض الشام ويعقوب إلى أرض كنعان واسمعيل إلى جرهم ولوطا إلى سدوم وكما يزعم وهب ينبغي أن يكون شعيب مبعوثا أيضا إلى مدين والله أعلم وقالوا كانت لخال يعقوب ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل ورعى لهم في صداقها سبع سنين فلما كانت ليلة الزفاف أدخل عليه ليا فأصبح مغروراً مدلسا عليه فخدم خاله سبع سنين أخر حتى دفع إليه راحيل وكان حينئذ يجوز الجمع بين الأختين فولدت له راحيل يوسف وابن يامين وولدت له ليا سائر الأسباط والأسباط اثنا عشر رجلا روبيل وشمعون ولاوى ويهوذا ويساخر ودان ونفتالي وجاد واشترقفا وزبالون ويوسف وابن يامين وقد يعبر عن هذه الأسماء بخلاف ما ذكرنا وعاش يعقوب مائة وسبعين سنة
قصة يوسف بن يعقوب أعلم أنه لا يوجد في كتاب قصة أجمع وأتم في موضع واحد من قصة يوسف ويذكر أنها كذلك في التورية وفي ذلك مقنع وبلاغ غير أن نسوق منها ما يضاهي غرض كتابنا إن شاء الله وروينا عن ابن مسعود أنه قال أعطى يوسف وأمه شطر الحسن وكان أحب ولد يعقوب إليه فرأى الرؤيا التي قص الله في القرآن وتأويلها وقوعهم له سجدا بمصر فقال أبوه يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك الآية وغاظ أخوة يوسف وجد يعقوب به من بينهم وشفقته عليه دونهم فاحتالوا بالمكر به فقالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا الآية اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم الآية قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف فقال هو روبيل أكبرهم وقال ابن جريح هو شمعون وليس يضر الجهل بمن كان منهم بعد أن علمنا أنه أحدهم وأقربهم إلى الرقة والرحمة وألقوه في غيابه الجب يلتقطه بعض السيارة قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف أرسله معنا غدا يرتع ويلعب قال أني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وإنما قال لأنه كان رأى كأن ذئبا قد جاء فأخذ يوسف فأرسله معهم بقول الله عز وجل فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابه في الجب وأوحينا إليهم لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون هذا وحي الإلهام والرؤيا لأنه لم يكن حينئذ بلغ مبلغ الرجال فينزل عليه الوحي ويجوز أن يكون كلمه الملائكة بذلك وليس كل كلام الملائكة نبوة فطرحوه في بئر وجاءت سيارة ويقال صاحبها مالك بن الذعر فأخرجوا يوسف من الجب فجاء اخوته فباعوه منهم يقال بعشرين درهما فلذلك لم يوزن وحملوه إلى مصر فاشتراه اظيفر بن رويحب العزيز وكان على خزائن مصر وامرأته زليخا وهي التي راودته عن نفسه وقدت قميصه لما استلبث الباب وهذه القصة لا تتم إلا بتفسير السورة على الولاء قال الله عز وجل ثم بدا لهم من بعده ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين وذلك لما أرجف الناس بأمر زليخا وخبرها ومراودتها يوسف عن نفسه واحتالوا في حبسه ليكون في ذلك عذر لامرأة عند الناس فلبث في السجن بضع سنين إلى أن رأى الملك الرؤيا التي هالته وفسرها يوسف فدعاه وقلده أموره ونصبه منصب اظيفر وعم الجدب حتى بلغ أرض كنعان فجاء اخوة يوسف ممتارين فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون فمارهم ورد إليهم أثمان ما جاؤا به وطالبهم بأخيه ابن يامين فذهبوا ورجعوا بأخيه فاحتال في حبسه عنده زمانا بأن دس الصواع في رحله ثم صرح لأخيه بالنسب وكان ما قص الله عز وجل في القرآن إلى أن جمع بينه وبين أخوته وأبويه وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا قالوا دخل يعقوب مصر وهم ثمانون إنسانا وخرج موسى ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف ونيف وطرح يوسف في الجب وهو ابن سبع سنين وحبس وهو ابن خمسة عشر سنة وأقام في السجن بضع سنين وكان غيبته عن أبيه أربعين سنة وعاش يعقوب بعد ما دخل مصر ثماني عشرة سنة ثم مات هو وعيصو في يوم واحد وسن واحد فحملهما يوسف إلى حبرون فدفنهما بها وعاش يوسف بعد موت يعقوب ثلاثاً وعشرين سنة وفي التورية أن يوسف مات وهو ابن مائة وعشرون سنة وكان تزوج زليخا فولدت له اثنين افرايم بن يوسف جد يوشع بن نون وكان ولي عهد موسى من بعده ومنشا بن يوسف أبا موسى صاحب الخضر كما يزعم أهل الكتاب وكان بين دخول يعقوب مصر إلى وقت خروج موسى بهم أربع مائة سنة ولما مات يوسف جعل في صندوق من رخام ودفن في جوف النيل حيث يتفرق الماء رجاء أن تمر عليه فتصيب الأرض بركة منه ثم استخرجه موسى عم لما خرج من مصر، ذكراختلافهم في هذه القصة
وزعم بعضهم أن بني يعقوب لما قالوا أكله الذئب كذبهم في دعواهم فذهبوا وأخذوا ذئبا وجاؤا به فقال يعقوب بئس ما صنعت إذا أكلت ولدي فكلمه الذئب وأنكر ذلك وللقصاص في الذئب الآكل ليوسف عجائب في اسمه ولونه وكذلك في كلب أصحاب الكهف وقيل في قوله تعالى ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه أنه رأى يعقوب عاضا على شفته وقيل بل رأى جبريل يقول أتيت بعمل وأنت مكتوب عند الله عز وجل من الأنبياء وروى محمد بن كعب القرظي قال رأى كتابا بالسريانية في صفحة الحائط ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا قال بغضهم خرجت شهوته من أنامله وكل واحد من ولد ولد له عشرة أولاد إلا يوسف فإنه ولد تسعة لانتقاض الشهوة وقالوا في قوله عز وجل وشهد شاهد من أهلها انه كان صبيا في المهد نطق ببراءة ساحته وفي قوله عز وجل وقطعن أيديهن حتى أبى ولم يشعرن وفي قوله عز وجل قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أنه كان تحالما عليه ولم يكونا رأيا شيئا فوقع بهما التأويل وفي قوله عز وجل نفقد صواع الملك أنه كان ينقره فيطن فيقول إن هذا الصواع يخبرني أنكم سرقتم أخا لكم من أبيكم فبعتموه وفي قوله عز وجل لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة أنه كان يخاف عليه العين وفي قوله عز وجل أذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا أنه كان قميص الحياة أخرجه آدم من الجنة وكساه الله إبراهيم فورثه يعقوب وعلقه على يوسف كالمعاذة وفي قوله عز وجل فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي أنه كان يهوذا وكان إذا غضب قامت شعرة بدنه يقطر منها الدم وإذا صاح لاتسمع صوته حامل إلا وضعت ولا يسكن غضبه ما لم يمسه أحد من ولد يعقوب فغضب يهوذا وهم بالصياح فأمر يوسف ابنه منشا أن يضع يده عليه ففعل وسكن غضبه فقال يهوذا إن بهذا الوادي مع أشياء يحكونها والأصح ما نطق به الكتاب من غير رد لما خرج من العادة من معجزات الأنبياء عم قالوا ولما مات اظيفر زوج زليخا شابت زليخا وكف بصرها وجدا بيوسف ومحبة له فدعا يوسف لها رد الله إليها شبابها وبصرها ونكحها فولدت له، قصة أيوب عم زعم وهب أنه هو أيوب بن موص بن رعويل وكان أبوه ممن آمن بإبراهيم يوم حلق في النار وكان أيوب صهر يعقوب وكان تحته ابنة ليعقوب اسمها ليا وهي التي ضربها بالضغث وأم أيوب ابنة لوط وكانت له حوران والبثنية مدينتان ومال عظيم ونعم وشاء وثلاثة عشر ولداً وألف غلام في زرعه وضرعه وخدمته فابتلاه الله بالبلاء وضربه بالضر وهلكت أمواله وماشيته ومات ولده وكانت امرأته ليا تسعى عليه وتكتسب قوته فباعت خصلة من شعرها بطعام وأتته به فاتهمها أيوب فحلف ليضربنها مائة ضرب إن هو برأ من علته وقيل بل الشيطان أتاها فقال لها لو أن أيوب شرب شربة ماء لا يذكر اسم الله عليها لعوفي فأخبرت أيوب بذلك فحلف إلى أن انقضت المدة أتاه جبريل فقال له اركض برجلك فركض فندا ماء فاغتسل فيه وشرب فبرأ وعوضه الله من ولده الثلاثة عشر ستة وعشرين ولدا وذلك قوله تعالى ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وأمره أن يضرب امرأته بضغث فيه مائة عود ليبر قسمه وأثنى عليه بحسن الصبر فلا يزال يتلى ما قامت الدنيا وروى جوبير عن الضحاك أنه أيوب بن موص بن العيص فلم يزالوا متمسكين بالخيفية إلى أن اختلفوا فبعث الله إليهم عيسى عم، ذكر اختلافهم في هذه القصة
زعم وهب وما أراه كما زعم أن ابليس كان يصعد حتى يقف من السماء موقفا فصعد وقال يا رب إنك قد أعطيت أيوب ما أعطيت ووسعت عليه ولم تبتله ببلاء فينظر كيف صبره وتمسكه قال فسلطه عليه فجاء وهو في سجوده فنفخ في وجهه فصار كذا وكذا وتناطحت جنبات بيته فقتلت أولاده وموتت وانتعش الدود في جسده فجعل يختلف فيه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبعة ساعات وتأذى أهل القرية فطرحوه على كناسة ووارت امرأته عورته بالتراب فصبر في ذلك أحسن الصبر ولم يشك بتة إلى أحد إلا إليه بقول الله عز وجل إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب وقال بعضهم أن رجلا مظلوما لهف إليه واستغاث نه وكان في الصلاة فلم يقطع صلاته حتى فاته ذلك وقتل الرجل وغصب فلم يرض الله ذلك منه وابتلاه كفارة لما كان منه وقيل في بلية يعقوب أنه ذبح شاة وشواها وأصاب رائحتها بعض الجيران فلم يطعمه فعوقب بغيبة يوسف وزعم بعضهم أن أيوب لما من الله عليه بالعافية أحيى له ولده كلهم ومواشيه وغلمانه وقد روينا عن سعيد بن جبير أنه قال من زعم أن الله أحيى له ولده كلها ومواشيه وغلمانه فقد كذب قالوا وأظل الله عليه غمامة ونودي أن ابسط كساك فأمطر الله عليهم جرادا من ذهب من لدن العصر إلى أن توارت بالحجاب فجعل كل ما سقط من الكساء ناحية يحثوه ويضمه إليه فنودي ما هذا الحرص فقال لا غناء من بركاتك ومن يشبع من الخير هكذا الرواية والله أعلم، قصة شعيب عم زعم وهب أن شعيبا وبلعما كانا من ولد رهط واحد آمنا بإبراهيم عم يوم حلق في النار وهاجرا معه إلى الشام فزوجهما إبراهيم ببنات لوط بعد هلاك قومه وكل نبي بعد إبراهيم وقيل بنو إسرائيل فمن أوليك الرهط وحده وأخذ شعيب ابنة لوط ولم يكن مدين قبيلة شعيب ولما لحقهم العذاب ذهب شعيب بن نويب بن رعويل بن هرا بن عنقا بن مدين بن إبراهيم ومن كان آمن معه بمكة حتى ماتوا وفي كتاب محمد بن اسحق انه هو شعيب بن نويب بن رعويل بن هرا بن عنقا بن مدين بن إبراهيم وفي التورية اسم شعيب ميكائيل وكان فيما بين يوسف وموسى وقال بعض الناس أنه زوج ابنته من موسى عم ويقال أنه كان أعرج أعما فلذلك قال له قومه إنا لنراك فينا ضعيفا وكان أهل مدين في كفرهم وتكذيبهم أهل بخس ونقص في مكاييلهم وموازينهم فنهاهم شعيب عن ذلك وجادلهم كما يسمع في القرآن وشعيب وخطيب الأنبياء لحسن محاورته تأني مخاطبته قال ابن عباس رضه ما أهلك الله قوما على معصية حتى كفروا بالله وروينا عن محمد بن كعب أن قوم شعيب عذبوا في قطع الدراهم والدنانير وكانت مدين متجر الغرباء ومضرب الأعراب زيوف ثم يشرونها بالبخس قال الله عز وجل لا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله قال الضحاك كانوا يعشرون أموال الناس وكان لهم كاهنان يزينان لهم صنيعهم ويقال لأحدها سمير وللآخر عمران وفيهم يقول قائلهم كما روى والله أعلم
يا قوم إن شعيباً مرسلاً فدعوا ... عنكم سميراً وعمران بن مداد
إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت ... تدعوا بضرب الأصم ابنة الوادي
وروينا عن عكرمة أنه قال بعث شعيب إلى مدين مرة فأخذتهم الصيحة ومرة إلى أصحاب الأيكة ولم يكونوا من قبيله فأخذهم عذاب يوم الظلة وعند أهل الرواية أنهم أهل مدين ألح عليهم الوهج والحمى فالتجؤا إلى غيضة لهم ثم رفعت لهم سحابة فظنوا فيها ماء وبردا فتنادوا الظلة حتى إذا تيامنوا بطحتهم، اختلاف الناس في هذه القصة زعم قوم أن اباجاد وهوز وحطي وكلمن أسماء ملوك مدين وهم من ولد محصن بن جندل بن مدين بن إبراهيم وفي هلاكهم يقول الشاعر
ملوك بني حطى وسعفض في الندى ... وهوز سادات الثنية والحجر
وروى أنه خالفه بنت كلمن رثته بعد موته
كلمون هد ركني هلكه وسط المحلة ... سيد القوم أتاه الحتف ثاو تحت ظله
قصة موسى والخضر زعم وهب أن اسم الخضر ليا بن ملكان بن بالغ بن عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح وكان أبوه ملكا وقال قوم الخضر بن عاميل من ولد إبراهيم وفي كتاب أبي حذيفة أن ارميا هو الخضر صاحب موسى وكان الله أخر نبوته إلى أن بعثه نبيا زمن ناشية الملك قبل أن يغزو بخت نصر بيت المقدس وكثير من الناس يزعون أنه كان مع ذي القرنين وزيراً له وابن خالته وروى عن ابن عباس رضه أن الخضر هو اليسع وإنما سمي خضرا لأنه لما شرب من عين الجنة لم يدع قدمه بالأرض إلا اخضر ما حوله فهذا الاختلاف في الخضر قالوا وهو لم يمت لأنه أعطى الخلد إلى النفخة الأولى موكل بالبحار ويغيث المضطرين واختلفوا في موسى الذي طلبه فقيل هو موسى بن عمران وقال أهل التورية أن موسى بن منشا ابن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران كان قد قص الله خبرها في القرآن المجيد عز من قائل وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا إلى آخر القصة وقد ذكرتهما بمعانيها ودعاويها في المعاني، قص ذي القرنين قال الله تعالى ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا فأخبر الله تعالى أنه بلغ مطلع الشمس ومغربها وبنى السد على ياجوج وماجوج واختلف الناس في اسمه وبلده وزمانه وسنته ودينه ونبوته وقال الضحاك وهو قيصر القياصرة وكان رجلاً صالحاً وملك مشارق الأرض ومغاربها وزعم مقاتل أنه نبيا يوحى إليه طاف في الأرض وقال ابن اسحق حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم أن ذي القرنين كان رجل من أهل مصر اسمه مرزبان ابن مدربة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وروى عن خالد بن معدان الكلاعي عن النبي صلعم أنه قال ذو القرنين ملك مسح الأرض من تحت بالأسباب قال وسمع عمر بن الخطاب رضه رجلا ينادي يا ذا القرنين فقال اللهم غفرا أما رضيتم أن تتسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة وزعم وهب أن ذا القرنين ابن عجوز من عجائز الروم روينا عن الضحاك أنه كان بعد موت نمروذ بن كنعان وفي بعض التواريخ أنه كان قبل مولد المسيح بثلاثمائة سنة وقال بعضهم بل كان في الفترة وعند الفرس وأصحاب النجوم أنه الاسكندر الذي أزال ملك العجم وقتل دارا بن دارا وقال قوم أنه سمي ذا القرنين لأنه أتى عليه قرنان من الدهر وقيل كانت له ذؤابتان وقيل كانت صفحتا رأسه من نحاس وروينا عن علي رضه أنه سئل عنه فقال عبد صالح ناصح الله ودعا قومه فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله ثم ضربوه على قرنه الآخر فمات وقد قال النبي صلعم لعلي عم وانك لذو قرنيها وقيل بل كان رأى في المنام كأنه يتناول قرني الشمس وقيل بل سمي به لبلوغه في طوافه مشرق الشمس ومغربها وأهل النجوم يزعمون أنه عاش أربعا وعشرين سنة وفي كتاب أبي حذيفة رواية عن الحسن أن ذا القرنين وجد في الكتب أن رجلا من ولد سام بن نوح يشرب من عين البحر وهي من الجنة فيعطى الخلد إلى يوم القيامة فخرج في طلب تلك العين والخضر كان وزيره وابن خالته فهجم إلى تلك العين فشرب منها وتوضأ وأخبر ذا القرنين بذلك فقال أنا طلبت وأنت أصبت وقال ذاك الذي كان حمله على أن طاف في الأرض وهذا الخبر يتأوله قوم على معنى وجود حقيقته علم مطلوب خفى ويروون عن ارسطاطاليس ما قد مضى ذكره فيما قبل وأهون الأشياء فمنع هولاء الجهال بإنكار كل ما ليس في الكتاب والسنة الطاهرة فإن مثل هذه ما أسرع باناله القلوب وأرث الشبه والله المستعان وعليه التكلان
قصة موسى وهارون ابني عمران قال أهل هذا العلم أنه موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم وأمه اباخة من ولد لاوى بن يعقوب وفي التورية أن اسم أمه يوخابذ وأخت موسى مريم بنت عمران بن يصهر وكانت تحت كالب بن يوفنا بن فارص بن يهوذا بن يعقوب وامرأة موسى صفراء بنت شعيب وكان فرعون مصر في زمانه الوليد بن مصعب أبو مرة رجل من العماليق وكان ابن أخت فرعون يوسف وقيل بل كان فرعون موسى فرعون يوسف قال ابن اسحق حدثني من لم اتهم أنه ملك أربع مائة سنة شاب السن أخضر الشارب لم يصدع ولم يصبه هم ولا ناواه عدو وقرأت في تأريخ اليمن أنه كان عاملا للضحاك على مصر وسمعت القصاص يزعمون أن فرعون كان من أهل بلخ وهامان من سرخس وأنهما أول من حمل بزر البطيخ إلى مصر فزرعا وتمولا واستوليا على المقابر لا يدعان ميتا يقبر إلا بجعل ثم ملك فرعون استوزر هامان والله أعلم وقد قلت لك في غير موضع من هذا الكتاب أن ما من هذه الأقاصيص والأخبار فاستمعها واعرض عنها ولا تشتغل بالاعتلال بها وطلب المخرج لمعانيها لأنها لا توجب علما ولا عملا وقد حكى الله عز وجل أنه قال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي وقال ما علمت لكم من إله غيري وقال أنا ربكم الأعلى وفيه يقول أمية
ولفرعون إذ تساق له الما ء فهلا لله كان شكورا
قال أني أنا المجير على النا س ولا رب لي علي مجيرا
فمحاه الله من درجات ... ناميات ولم يكن مقهورا
سلب الذكر في الحياة جزاء ... وأراه العذاب والتغييرا
وتداعى عليهم البحر حتى ... صار موجا ورأه مستطيرا
فدعى الله دعوة لا تهنا ... بعد طغيانه فصار مشيرا
ذكر مولد موسى
ذكروا أن بني اسرائيل لما كثروا وتناسلوا بمصر وطال عليهم الأمد بعد يوسف أحدثوا الأحداث العظيمة في الدين وآتوا القبط على أمورهم وطابقوهم على آثارهم إلا بقايا متمسكين بدين إبراهيم فسلط الله عليهم فرعون فاستعبدهم واستذلهم وسامهم سوء العذاب من نقل الطين وتشييد الأبنية وسلخ الأساطين من الجبال ونقب البيوت في الصخور فلما أراد الله أن يستنقذهم كما ذكر في القرآن ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أيمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض فكان منهم موسى وهارون ويوشع والياس واليسع وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى وحزقيل وشمعون وشمويل واشيعا ويونس فهولاء أنبياء بني اسرائيل الذين جعلهم الله أئمة للخلق وورثة للنبوة أري فرعون في المنام أن الله واهب لعبد من عبيدك غلاما يسلبك ملكك فأمر حتى فرق بين الرجال والنساء وأن يذبح كل مولود ذكر وصنع الله ليوخابذ فحملت بموسى ووضعته ولم يشعر به أحد وأوحى الله إليها وحي إلهام أن أقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم ففعلت والتقطه آل فرعون من بين الماء والشجر فسمي موسى بذلك لأن الماء بلغه القبط مو والشجر سا وهم فرعون بقتله فقالت امرأته آسية بنت مزاحم لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وطلبوا له الرضعاء فلم يقبل ثدي امرأة حتى قالت أخته مريم هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم فردوه إلى أمه ترضه بأجر قالوا فبينا موسى في حجر فرعون وألقى الله عليه محبة منه إلى أن بلغ وراهق فبينما هو ذات يوم يمشي في المدينة وذلك أن قصر فرعون كان خارج البلد فوجد فيها رجلين يقتتلان على الدين قبطي واسرائيلي فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه فندم موسى على صنيعه إذ لم يتعمد ذلك ولا أمر به فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه الآيات مفهومة على وجهها وائتمر القوم على قتله فجاء من أقصى المدينة رجل يسعى حزسل بن يوخاسل وهو الذي قال الله عز وجل في حاميم المؤمن وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب إلى قوله ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان وهما ابنتا شعيب اسم واحدة صفراء والأخرى ليا وكانتا إذا سقا القوم ماشيتهم نظرتا إلى ما بقى فالمجتا ما شيتهما فمثله القوم فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وهو جائع فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه قص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين فأنكحه إحدى ابنتيه على أن يأجره ثماني حجج أو عشرا وقال قوم أن الذي زوجه ابنة شعيب ختنه يترون وكان شعيب هلك قبله بزمان طويل وقال الله عز وجل فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا يقال أنه كانت ليلة عاتمة ذات ريح وبرد وكان قد تشمر عن الطريق لشدة الظلمة فرفعت لأهله نار فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى وتوجه إليها وهو يراها قريبة منه ثم أتا فنودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ان يا موسى إني أنا الله رب العالمين وجرى ثم في الكلام ما قص الله عز وجل في غير موضع من القرآن وأعطاه من الآيات والمعجزات والعصا واليد وأوحى إلى هرون بمصر بالنبوة والوزارة وبعثهما إلى فرعون فانطلقا وبلغا الرسالة فاستسخرهما واتهمهما وجمع السحرة مضادة لما جاء به كان من ذلك ما قال الله عز وجل فإذا هي تلقف ما يأفكون وآمنت السحرة وسجدوا لله لما رأوا من باهر الآيات وعلموا حقها وصدقها وأمر الله موسى أن يخرج ببني اسرائيل من مصر فأنى مهلك عدوهم فسرى بهم واتبعهم فرعون وجنوده فأغرقهم الله في البحر وأنجى موسى ومن معه كما ذكر في القرآن ذكر قارون
قالوا أن قارون كان واطئ فرعون على ما فعله وأعانه على ظلمه وجمع من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة وأولى القوة ولما أهلك الله فرعون وقومه حسد موسى وهارون على ما أتاهما فقال لك النبوة ولهرون الوزارة ولا شيء لي والله لا أصبر على هذا فدعى موسى عليه فخسف الله به الأرض وقال قوم بل كان سبب هلاكه كان دعا امرأة بغية أن تدعي على موسى الفاحشة فلما قامت حول الله لسانها فنطقت بالصواب والله أعلم ذكر التيه
ولما أهلك الله قوم فرعون أمر موسى بالمسير إلى الشأم وأن يقاتل الجبارين ويجليهم عنها فإن تلك الأرض المقدسة ميراث أبيكما إبراهيم عم فأبوا عليه وفشلوا عن قتالهم كما قال الله عز وجل يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم قالوا يا موسى إنا لم ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون فحرم الله عليهم دخولها وتاهوا في التيه أربعين سنة ثم ندموا وأتتهم العزمة من الله فلطف بهم وأنزل عليهم المن والسلوى فظلل عليهم الغمام وفجر لهم أثني عشر عينا إلى أن مات في التيه موسى وهارون والأباة العصاة على الله ثم افتتحها يوشع بن نون ودخلها مع أبنائهم وكان في التيه خسف قارون وعجل السامري ونزول الألواح وشق الجبل وشأن السبعين وإحراق ابنى هارون ورفع الأسباط إلى ما وراء الصين ومسألة الرؤية وقصة البقرة وحديث بلعم كان قبل ذلك وكذلك النقباء قال الله عز وجل إذا أخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم أثنى عشر نقيباً الآية ولما جاء موسى وبنو إسرائيل البحر أمره الله أن يخرج من كل سبط نقيبا يأخذ عليهم بالوفاء لله منه ومن قومه أن لا يتجادلوا ولا يتواكلوا وأن يطيعوا الله ورسوله قال الله عز وجل لموسى قل لهم أني معكم لئن أقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة الآية فوفى بعضهم ونقض بعض بقول الله عز وجل فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية الآية قال الله عز وجل وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان وكان من الغاوين وقال بعض المفسرين أنه بلعم بن باعوراء وكان مستجاب الدعوة وكان يعلم اسم الله الأعظم قال وكان إذا سجد رفعت له الحجب حتى يرى ما تحت والثرى والكرسي فلما قصد موسى البلقاء مدينة الجبارين هابوا حدته وشدته فسألوا بلعم أن يدعو عليه فدعا عليه فاختلف بنو إسرائيل وأبو أن يقاتلوا وتاهوا في التيه ودلع لسان بلعم بن باعوراء وذهبت الآيات التي كان الله أعطاها قال الله عز وجل ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون قال بعض أهل التفسير أنه لما اختلف بنو إسرائيل بعد موسى فزعت طوائف من الأسباط إلى الله أن يفرق بينهم وبين سائر بني إسرائيل قالوا فرفعهم الله إلى أرض من وراء الصين طاهرة طيبة لا يتظالم أهلها ولا يتعادى سباعها وروى أن النبي صلعم رفع ليلة المعراج إليهم فآمنوا به واتبعوه قال الله عز وجل واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ذكر أهل التفسير أن القوم لما أضلهم السامري بعبادة العجل سألوا موسى أن يعتذر إلى ربهم فأمره أن يختار منهم سبعين رجلا ويأخذ بهم إلى الجبل ليقبل توبتهم ويثيبهم عن حسن طاعتهم في قتل أنفسهم ففعلوا وأتوا الجبل وكان الله عز وجل يكلم موسى عم موسى يبلغهم فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ثم دعا موسى فقال لو شئت أهلكتهم من قبل فأحيوا ثم قالوا قد علمنا أنه لا يرى ولكن أسمعنا كلامه فسمعوا صوتا خرجت أرواحهم ثم دعا موسى ثانيا فردها الله إليهم وجعل يكلم موسى وموسى يبلغهم فلما رجعوا إلى بني إسرائيل حرف بعضهم ما كان أوصى به وأمر بقول الله عز وجل وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون قال الله عز وجل وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون قال بعض أهل التفسير أنه كان مكتوبا عليهم بالتورية ايما قتيل وجد بين قريتين وليس إلى أقربهما واخذ أهل تلك القرية بذنبه فإن أنكروا استحلفوا منهم خمسون رجلا وذكوا بقرة ووضعوا أيديهم عليه يحلفون بالله ما قتلناه ولا عرفنا قاتله فيبرءون من دمه حتى قتل رجل ابن عم له يقال له عاميل مخافة أن يتزوج ابنة عمه فطرحه في بعض الأودية وأصبح القوم والقتيل بين أظهرهم ولا يدرون من قاتله ففزعوا إلى موسى فأمرهم بذبح بقرة من البقر فلم يزالوا يراجعونه ويشددون على أنفسهم حتى قصروا على الشيمة الموصوفة في القرآن فذبحوها وضربوه ببعضها فعاش فأخبره بقاتله فقال الله تعالى وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم الآية قال أهل التفسير لما أتاهم موسى بالتورية وما فيها من الشدة والتغليظ مثل الرجم والقطع والقصاص أبى القوم أن يقبلوه فرفع الله فوقهم جبلا وقيل لهم إن قبلتم التورية بما فيها وإلا رضحتم به فسجدوا على أنصاف وجوههم وقبلوه
كرها منهم وقال الله عز وجل واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الآية قال بعضهم أن السامري كان ابن عم موسى واسمه موسى بن طفير ويقال كان من أهل باجرما ولما ذهب موسى إلى الطور لميعاد أخذ الألواح عد السامري عشرين يوما وعشرين ليلة ثم قال إن موسى قد نسى ربه وهذا الميعاد قد انقضى فصاغ لهم عجلا وعكفوا عليه يعبدونه فعجل الله توبتهم القتل فقتلوا حتى بلغ القتلى سبعين ألفا بقول الله عز وجل فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم قال الله عز وجل وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء الآية وزعم وهب أن بني إسرائيل لما تاهوا في الأرض سألوا موسى أن يأتيهم بكتاب يعرفون فيه ما يأتون وما يدرون فسأل موسى ربه فأمره أن يخرج إلى الطور ويصوم ثلاثين يوما ليكلمه ويعطيه الألواح فخرج موسى واستخلف هارون في قومه وأوعدهم أربعين ليلة وصام ثلاثين يوماً ثم أكل من لحاء الشجر ويقال تسوك وشوص فاه بالماء فأمر الله بإتمامه بعشر ثم كلمه وأعطاه الألواح وهاهنا سأل موسى الرؤيةا منهم وقال الله عز وجل واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الآية قال بعضهم أن السامري كان ابن عم موسى واسمه موسى بن طفير ويقال كان من أهل باجرما ولما ذهب موسى إلى الطور لميعاد أخذ الألواح عد السامري عشرين يوما وعشرين ليلة ثم قال إن موسى قد نسى ربه وهذا الميعاد قد انقضى فصاغ لهم عجلا وعكفوا عليه يعبدونه فعجل الله توبتهم القتل فقتلوا حتى بلغ القتلى سبعين ألفا بقول الله عز وجل فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم قال الله عز وجل وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء الآية وزعم وهب أن بني إسرائيل لما تاهوا في الأرض سألوا موسى أن يأتيهم بكتاب يعرفون فيه ما يأتون وما يدرون فسأل موسى ربه فأمره أن يخرج إلى الطور ويصوم ثلاثين يوما ليكلمه ويعطيه الألواح فخرج موسى واستخلف هارون في قومه وأوعدهم أربعين ليلة وصام ثلاثين يوماً ثم أكل من لحاء الشجر ويقال تسوك وشوص فاه بالماء فأمر الله بإتمامه بعشر ثم كلمه وأعطاه الألواح وهاهنا سأل موسى الرؤية ذكر الهيكل الذي بنى موسى بلغ أهل الكتاب أن الله تعالى أمر موسى عم أن يتخذ مسجدا لجماعتهم وبيت قدس لقربانهم فبنى ووضع فيه الألواح وكانوا يدرسون فيه ويقربون القربان وكان نار تنزل فتأكل قرابينهم والهيكل يسير معهم في التيه حيث ساروا فامتزج ابنان لهارون ليلة من الليلي التي كان تنزل النار فيها لأكل القربان فأكلتهما النار وأحرقتهما ومات هارون قبل موسى بثلاث سنين وهو ابن مائة وثماني وعشرين سنة واستخلف يوشع بن نون واختلفت التواريخ في من كان ملك العجم زمن موسى عم ففي بعضها أنه انقضى أمر موسى ويوشع وكالب بن يوفنا وتوساقين وحزقيل في زمن الضحاك وفي بعضها أن أمر موسى مع فرعون إنما كان في أيام منوجهر بعد الضحاك بخمس مائة سنة وقرأت في سير العجم أن كيلهراسب الجبار الذي بنى مدينة بلخ وزرنج أخرب بيت المقدس وشدد ما كان بها من اليهود ببيت المقدس ما كان إلا بعد موسى ويوشع وفي كتاب معارف العتبي أن موسى عم بعث على عهد بهمن بن اسفنديار فلما بلغه أن في أرض اوريشلم احدثوا دينا بعث إليهم بخت نصر وهو عندهم بخت نرسى فقتلهم وسباهم والله أعلم
ذكر معجزات موسى عم وعجائب بني إسرائيل وما اتفق منها وما اختلف أما الذي ينطق به الكتاب فالعصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر ومجاورة بني إسرائيل وانفجار الماء من الحجر في التيه وإظلال الغمام وإنزال المن والسلوى وحياة القتيل حين ضرب ببعض البقرة وشق الجبل وخسف قارون وأخذ الصاعقة السبعين وإحياؤهم وأمر التيه والطمس الذي أصاب مال فرعون بدعوة موسى فهي باقية إلى اليوم ترى وتشاهد قال محمد بن كعب فصار الرجل مع أهله في فراشه حجرا وصارت النخلة بثمرها حجرا وضرب لهم موسى طريقا يبسا في البحر وجاء في الأخبار أن موسى عم لما أراد أن يخرج بني إسرائيل من مصر استعار من أمراء آل فرعون الحلي سوى الحلل غنيمة لهم نقلهموها فلما خرجوا ألقى الله على أبكار القبط الموت فمات لكل رجل منهم بكر ولده فاشتغلوا بهم إلى ان تباعد بنو إسرائيل وخرج فرعون في أثرهم على ساقته مائة ألف من الخيل الدهم سوى سائر الألوان والشيات ومن كل ما في المقدمة والجنبين ولما ضرب موسى لبني إسرائيل البحر بعصاه أبوا أن يدخلوا فيه حتى جعل لهم طيقانا اثني عشر لكل سبط طاق على حدة ينظر بعضهم إلى بعض وان جبريل أتى على فرس أنثى فتقدم بين يدي فرعون وهو على حصان من الخيل فأقحم جبريل فرسه في البحر واشتم برذون فرعون رائحته فأتبعه حتى إذا توسط اللج غرق فلما ألجمه الغرق رفع سبابته بالشهادة وقال آمنت بالذي لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فأخذ جبريل من حاذ البحر فأدخله فاه من عجائب كثيرة مشهورة في العوام لا يوصف بمثلها نبي من الأنبياء ولا أمة من الأمم وقد جاء في الحديث حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وسبيل جميع ما ذكرنا سبيل معجزات الأنبياء والعلة فيه واحدة والحجة واحدة إلا أن المعول منها على ما صح وسلم فاما من يرفع عن مساعدة العوام لفرط جهله في مذاهبهم وجانب مواطأتهم فهو بين جاهر بإنكار هذه المعجزات رأسا وبين حامل لها على تأويل منحول مستنكر ولقد رأيت بعضهم يزعم أن تلقف عصى موسى عصيهم غلبهم بحجته حجتهم وكذا شعاع اليد وانفجار الماء من الحجر وحياة السبعين بعد موتهم فكل ذلك مثل لإصابتهم وجه العلم فيما طلبوا بعد ما كانوا ماتوا بالجهل وسمعت من يقول منهم أن موسى عم أرسل على فرعون ومن معه ذنبا من البحر فهلكوا في مناخهم كما فعلت القرامطة بابن أبي الساج مع تخليط كثير ووساوس والله أعلم وهذه القصص مسرة مستوفاة في كتاب معاني القران بوجوهها واعرابها ومعانيها واختلاف الناس فيها فلذلك يجوز هذا هاهنا، قصة يوشع بن نون كان خليفة موسى وولى عهده ونبأه الله بعده وروى عن الحسن أنه قال إن النبوة حولت إليه في حياة موسى فلما رأى موسى مفارقة النبوة تمنى الموت حينئذ وقيل أن يوشع هو ذو الكفل ابن أخت موسى وتلميذه الذي سار معه في طلب الخضر وهو الذي افتتح بلقاء مدينة الجبارين بعد موسى وقتل الجبابرة فجنح عليه الليل وقد بقيت منهم بقية فدعا ربه أن يحبس عليه الشمس حتى يفرغ منهم قال وهب فمن ذلك اختلط حساب المنجمين قال وقتل بالق ملك بلقاء والسميدع بن هوبر ملك الكنعانين واحدا وثلاثين ملكا من ملوك الشأم ولبث أربعين سنة ملكاً نبياً ثم مات واستخلف كالب بن يوفنا وفيه يقول بعضهم
ألم تر أن العقلمى بن هوبر ... بابلة أمسى لحمه قد تمزعا
ولم تسمع في الأخبار شيئا من نبوته وكان خليفة يوشع بن نون وتحته مريم بنت عمران أخت موسى عم وهو أحد الرجلين اللذين قال الله تعالى قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما الآية فلما احتضر استخلف ابنا له يوساقانين ، قصة كالب بن يوفنا يقال أن كالب كان نظير يوسف في الحسن والجمال فكان النساء يفتتن به فدعا ربه أن يغير خلقه قال وهب ضربه الله بالجدري وبثرت عيناه ومعطت لحيته وخرم أنفه وانثنى أسفل وجهه الذقن والفم حتى صار له خرطوم كخرطوم السبع فقذره الناس ولم يقدر أحد النظر إليه وقام بالعدل في بني إسرائيل أربعين سنة وتوفى
قصة حزقيل يقال حزقيل بن ديحنة أبوه وبور أبوه وهو نبي القوم الذي قال الله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت الآية وقال قوم هربوا من قتال عدو لهم وقال السدى بل هربوا من الطاعون وكانوا بضعا وثلاثين ألفا وقد أثبت في القصة ما اختلفوا فيه في كتاب المعاني على وجهها، قصة شمويل بن هلقانا وهو بالعربية اشمويل وهو نبي القوم الذي قال الله عز وجل ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله وكان لبني إسرائيل تابوت توارثوه عن الأنبياء يتبركون به ويستنصرون على أعدائهم فغلبت العماليق وذهبت قوتهم وريحهم وسألوا شمويل أن يبعث لهم ملكا يقاتل بهم فجاءهم طالوت ملكا وكان من سبط ابن يامين فأبوا أن يذعنوا له إلا بآية فقال لهم نبيهم ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت فأتاهم بحملة الملائكة وقاتل به طالوت عدوهم فقتل داود جالوت رأس العمالقة وهزموهم واستنقذوا من كان في أيديهم من الأسارى، قصة الياس يقال هو الياس بن العادر من ولد يوشع بن نون وكان ابن اسحق يقول هو الياس بن يسى من ولد هرون بن عمران يقال له الياس والياسين واذرياسين ويقال هو ذو الكفل بعينه بعثه الله بعد حزقيل إلى ملك ببعلبك يقال له آحب وله امرأة يقال لها ازبيل كان يستخلفها على ملكه إذا غاب قتالا للأنبياء عابدة للأصنام ولهم صنم عظيم اسمه بعل فكذبوه وعصوه ونفوه فأمسك الله عنهم السماء حتى أجهدهم الجوع فطلبوا الياس كل مطلب يعنتوه ويراجعوه فيدعوا لهم وكان اليسع بن أخطوب تلميذ الياس فبعثه الله إليهم ان أردتم أن يكشف الله عنكم الضر فدعوا عبادة الأصنام قال فآمنوا وصدقوا فرفع الله عنهم البلاء وعاشوا ثم عادوا إلى كفرهم فدعا الياس أن يريحه منهم، ذكر الاختلاف في هذه القصة زعموا أن الياس كان سياحا يأكل الحشيش الأخضر حتى يرى ذلك في أمعائه من وراء حجاب أضلاعه ولما كفروا به أوحى الله إليه وقد جعلت رزقهم بيدك فحبس عنهم القطر ثلاث سنين حتى أكلوا الجيف والكلاب الميتة فلما عادوا إلى كفرهم بعد إيمانهم به سأل ربه أن يرفعه من بينهم قالوا فجأته دابة لونها لون النار فوثب عليها وانطلقت به وناداه تلميذه اليسع بم تأمرني قال بطاعة الله والعهد وكساه الله الريش وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وجعله أرضيا سماويا ملكيا انسيا قال الحسن هو موكل بالفيافي والخضر بالبحار يجتمعان بالمواسم في كل عام، ذكر اليسع بن أخطوب وكان تلميذه فنبأه الله بعده وقد يقال أن اليسع هو ذو الكفل وقيل هو الخضر وقيل هو ابن العجوز والله أعلم وفي كتاب أبي حذيفة أن ذا الكفل هو اليسع بن أخطوب تلميذ الياس وليس هو اليسع الذي ذكره الله في القرآن يرويه عن أبي سمعان فإن كان هذا حقا فهما اليسعان والله أعلم وأما ذو الكفل فمختلف فيه اختلافا كثيرا تجده في كتاب المعاني إن شاء الله تعالى
قصة داود عم هو داود بن ايشا من ولد يهوذا بن يعقوب نبأه الله بعد شمويل بن هلقانا وملكه بعد طالوت فاجتمع له الملك والنبوة إلى أن وقع بالخطيئة واختلفوا في سبب خطيئة فالمعروف عند أصحاب الأخبار وأهل الكتاب ورواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلعم أنه قال أشرف فرأى امرأة فوقعت في قلبه فبعث زوجها في من بعث في الحرب حتى استشهد فلما انقضت عدة المرأة تزوجها فولدت له واسم المرأة بتشبع واسم زوجها اوريا واستعظم قوم هذا من فعل الأنبياء ورووا رواية أن داود كان يدارس على بني إسرائيل العلم ويدارسونه فقال بعضهم لا يأتي على بني آدم يوم لا يصيب فيه خطيئة فقال داود لاخلون اليوم واجتهدن في تنحي الخطيئة عني فأوحى الله إليه يا داود خذ حذرك وقال بعض الناس بل كانت خطيئة أن استمع إلى أحد الخصمين وقضى له دون أن استماع من خصمه ونعوذ بالله من طلب مخرج لرسول فيه تكذيب للكتاب ولو كان كذلك فما معنى قوله وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إلى آخر الآيات الأربع كلها تعريض لداود عم في صنيعه وذكر النعجة كناية عن الظعينة لا غير فلنا عرف خطيئته خر راكعا واناب بقول الله عز وجل فغفرنا له ذلك وقد احتج هذه الطبقة بقوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق الآية فكان الله عز وجل سخر معه الجبال يسبحن بالعشي والاشراق وسخر له الطير يجاوبه ويطيعه والان له الحديد يعمل السابغات، ذكر اختلافهم في هذه القصة وصفوا من طول سجوده وشدة جزعه وكثرة بكائه ما يضيق الصدر عن تصديقه قالوا حتى نبت العشب بين دموعه ولصقت جلده حزيمة بمسجده وكان يجمع في كل أسبوع الناس فينوح على خطيئته وزعم وهب أن الله عز وجل أنزل له سلسة بحبال للصخرة ينالها المظلوم ولا ينالها الظالم إلى أن مكر بها ماكر وارتفعت وصار الحكم باليمين والشهود ويقول قوم أن معنى الانة الحديد ما سهل عليه من صنعة الدروع لأن نفس الحديد تغير عن طبعه قالوا ومعنى قوله يا جبال اوبى معه والطير اوب عند النظر إليها والطير على القلب قصة لقمان الحكيم قالوا أنه كان عبدا حبشيا عظيم الشفتين والمنخرين مصطك الركبتين وزعم وهب أن الله خيره بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة فلما وقع داود بالخطيئة جعل يقنط لقمان قال الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم وذكر وهب أنه أصاب للقمان عشرة آلاف كلمة من الحكمة وقد استعملتها في خطبهم ووصاياهم قال ولم يزل يعظ ابنه ماثان حتى قناع قلبه فمات
قصة سليمان بن داود عم قالوا استخلفه داود وهو ابن اثنتى عشرة سنة وجعله يستشيره في أمره ويدخله في حكمه فأول فتنة أصابته أن امرأة كانت كسيت جمالا وكمالا جاءت إلى قاض لداود في خصومة لها فأعجبته فراودها على القبح فقالت أنا أبعد من هذا فتواطأ القاضي وصاحب الشرطة وحاجب داود وصاحب السوق وشهدوا لداود أن لهذه المرأة كلبا ترسلها على نفسها فأمر بها داود فرجمت وبلغ الخبر سليمان وهو يومئذ غير بالغ فخرج مع غلمان يلعبون فجعل أحدهم على القضاء والثاني على الشرطة والثالث على السوق والرابع على الحجبة وجعل واحدا منهم بمنزلة المرأة ثم قعد مقعد داود وجاء القوم وشهدوا على الذي هو بمنزلة المرأة ففرق بينهم سليمان ثم سألهم في خفاء عن لون الكلب فقال أحدهم أحمر والآخر أغبس واختلفوا في صفته وذكورته وأنوثته وصغره وكبره فرد شهادتهم فبلغ الخبر داود فدعا بالذين شهدوا على المرأة وفرق بينهم وسألهم فاختلفوا عليه فأمر بهم فقتلوا بالمرأة قالوا وكانت امرأتان يغتسلان في نهر ومع كل واحدة منهما صبي فجاء الذيب فاختلس أحد الصبيين فتنازعتا الصبي الباقي وادعتاه فحكم داود بالولد لإحداهما قال فمرت المرأتان بسليمان وقصتا عليه القصة فقال سليمان عليكما بالسكين اقطعه بينكما نصفين فقالت أم الصبي هو لها لا تقطعه وقالت الأخرى اقطعه بيننا فدفع إلى من سلمت وكرهت القطع قالوا وجاءه رجل فشكا إليه جيرانا له أخذوا إوزة له فأكلوها فخطب سليمان الناس وقال يعمد أحدكم إلى إوزة جاره فيسرقها ويأكلها ثم يدخل المسجد وريشها في قلنسوته فمد الرجل يده إلى قلنسوته ينظر أبها ريش أم لا فقال سليمان لصاحب الإوزة دونك الرجل فخذه وقد قال الله عز وجل وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث الآيات قالوا أن غنم رجل نفشت ليلا في كرم رجل فأفسدته فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان غير هذا القضاء قال ارفق بالقوم وقال كيف قال يدفع صاحب الغنم غنمه إلى صاحب الزرع لينتفع من ألبانها وأصوافها بقدر الحاجة في ماله ثم يرد رقابها قال الله عز وجل ففهمناها سليمان وكان داود وضع أساس بيت المقدس فبناه سليمان وأتمه قال الله عز وجل وورث سليمان داود وقال أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء وقال ولسليمان الريح غدوها شهر رواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وقال الله تعالى حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل الآية هذا كله كما قال الله عز وجل آمنا به وصدقناه وقال تعالى فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وذكروا أنه كان يأمر الريح فتحمله وعسكره وتسير بهم حيث شاء فتغدوا بهم مسيرة شهر في غداة وتروح بهم مسيرة شهر في رواح ووجد بناحية دجلة مكتوب على بعض الأبنية العادية القديمة نحن نزلناه وما بنيناه وهكذا مبنيا وجدناه عدوناه من اصطخر فقلبناه ونحن رايمون منه فاتون الشام إن شاء الله وقالوا كان ملك داود بالشام في أول ملك منوجهر بابل وملك غمدان باليمن ولا يتيقن ذلك ولا يمكن لطول العهد وضعف الوهم به ولا يصف المسلمون وأهل الكتاب سليمان بشيء من المعجزة والملك في طاعة الجن والإنس والشياطين له ومعرفة منطق الطير والبهائم وحمل الريح إياه واستخراج النورة والجص والجواهر المعدنية وبناء الحمامات وغير ذلك إلا والفرس يصفون به جم شاذ الملك فلا أدري أهو سليمان عندهم أم لا فإن كان ما وصفوه به حقا لم يكن الرجل إلا نبيا لأن مثل المعجزات لا يتأتي لغير الأنبياء قال الله تعالى واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان قال أهل التفسير أن طائفة من اليهود زعموا أن سليمان كان ساحراً آخذاً بالأبصار مموها على الناس وأنه ملك الجن والإنس بسحره ومنهم من أقر بالسحر وصححه وجعله علما حقيقيا فنفى الله عنه دعواهم وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر قالوا وكان ظهور السحر في أيام ذهاب ملك سليمان استخرجته الشياطين وثبته في الناس ونسبوه إلى سليمان الملك النبي واختلفوا في السبب الذي عوقب لأجله بذهاب الملك فزعم زاعم أنه سبى جارية شعف بها فاستأذنته في أن تصور تمثال ابنها تتسلى به
وتستأنس فأذن لها قالوا فعبدته أربعين يوما وزعم آخر أنه سأله بعض نسائه أن تقرب لأبيها قربانا فأذن لها في تقريب جرادة وقال قوم بل كان ذنبه اشتغاله بالصافنات الجياد حتى توارت الشمس بالحجاب وقيل بل بضربة سوقها وأعناقها قال الله عز وجل وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير وقد ذكر الله تعالى قصته مع بلقيس في هذه السورة وكيف كان مجيئها وإسلامها ومجيء عرشها في ارتداد الطرف وهداية الهدهد إليها وللعرب أشعار كثيرة في تحقيق أمر سليمان فمنه قول الأعشى بن قيسوتستأنس فأذن لها قالوا فعبدته أربعين يوما وزعم آخر أنه سأله بعض نسائه أن تقرب لأبيها قربانا فأذن لها في تقريب جرادة وقال قوم بل كان ذنبه اشتغاله بالصافنات الجياد حتى توارت الشمس بالحجاب وقيل بل بضربة سوقها وأعناقها قال الله عز وجل وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير وقد ذكر الله تعالى قصته مع بلقيس في هذه السورة وكيف كان مجيئها وإسلامها ومجيء عرشها في ارتداد الطرف وهداية الهدهد إليها وللعرب أشعار كثيرة في تحقيق أمر سليمان فمنه قول الأعشى بن قيس
فلو كان حيا خالد ومعمرا ... لكان سليمان البرئ من الدهر
براه إلهي واصطفاه عبادة ... وملكه ما بين سرفي إلى مصر
وسخر من جن الملائك شيعة ... وقياما لديه يعملون بلا أجر
قصة بلقيس يقال هي بلقيس بنت هداد بن شراحبل بن عمرو ابن الحارث بن الرياش وكانت ملكة باليمن واباءها كانوا ملوكا قبلها وكاتبها سليمان عم وراودها على الإسلام فأجابت وأقبلت وتزوج بها سليمان ويقال بل زوجها من مقاول اليمن وردها إلى ملكها قالوا وكانت زباء هلباء فأمر سليمان فبنوا لها صرحا من قوارير لتخوضه فكشفت عن ساقيها وهي تظن أنه ماء حتى رأى سليمان الشعر عليها فأمر فاستخرجوا لها النورة والزرنيخ ذكر اختلاف الناس في هذه القصة وقصة سليمان عم قال قوم تسبيح الجبال مع داود شيء لا يعلمه أحد غيره وكذلك الطير مع سليمان لم يسمعه معه أحد قال وإنما هو كما روى أن الحصى سبح في كف النبي صلعم بقول الله عز وجل وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فمن فقه تسبيحه فقد سبح معه قالوا ومعنى قوله وأسلنا له عين القطر هو ما اهتدى إلى استخراجه من معدنه كسائر الجواهر قالوا ومعنى قوله تفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أنه رجل سريع وهذا معروف في الناس أنهم يسمون الخفيف السير الكثير المشي بأسماء الطيور تشبيهاً بها في سرعة السير قالوا ومعنى قوله حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة أنهم قوم ضعاف خافوا خبطة عسكر سليمان بظلمهم إياهم فتبسم ضاحكا من قولها من معرفته لغتهم دون أصحابه قالوا ومعنى الشياطين والجن عتاة الناس وأشداءهم وحذاقهم وعرفاءهم بالأمور الغامضة والصنائع البديهة قالوا وتسخير الريح له غدوها شهر رواحها شهر مثل لبعد هيبته في الأرض ونصرة دولته وكان يهاب يطاع مسيرة شهر في شهر قالوا وليس في القرآن أنه ملك مشارق الأرض ومغاربها واحتجوا بقول النبي صلعم نصرت بالرعب حتى أن عدوي ليخافني على مسيرة شهر وقالوا في ذكر موته ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته أن هذا ممكن فيما بيننا والمنساة السرير أو خشبة أعمد إليها يرون الناس أنه حي بعد وأنكروا ما جاء في الخبر أن بلقيس كانت أمها امرأة من الجن قالوا اللهم إلا أن يرد صنفا من الناس وأعلم أن لمحمد بن ذكريا كتابا زعم أنه مخاريق الأنبياء لا يستجير ذكر ما فيه ولا يرخص لذي دين ولا مرؤة الإصغاء إليه فإنه المفسد للقلب المذهب للدين الهادم للمرؤة المورث البغضة للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ولأتباعهم ونحن لا نحمل على عقولنا ما ليس في وسعها لأنها عندنا مبدعة متناهية
قصة يونس بن متى قال أهل العلم ثم إن بعث يونس بعد سليمان إلى أهل نينوى وهي الموصل فكذبوه وأخرجوه وعاودهم مرارا فجعلوا ينفونه ويطردونه فوعدهم العذاب وأخذ عليهم الميثاق إن لم يأتهم كما وعدهم أن يقتلوه وخرج من بين ظهرانيهم فلما استيقن القوم بالهلاك صعدوا إلى تل لهم يقال له تل التوبة وتابوا وأخلصوا وضجوا إلى الله عز وجل فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ثم أمر الله عز وجل يونس بالرجوع إلى قومه فخشى من القوم القتل ولم يعلم بتوبتهم وإنابتهم وأنهم آمنوا فذهب مغاضبا لقومه فعوقب بالحوت كما قص الله عز وجل إذ أبقى إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذنا بالعراء وهو سقيم يقول كالسقيم وانبتنا عليه شجرة من يقطين يقال البطيخ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون قال الحسن كان يونس نبيا غير مرسل ثم صار بعد أن نجاه الله من الحوت نبيا مرسلا فعاد إليهم وأقام لهم السنن والشرائع ثم استخلف عليهم شيعا وخرج هو والملك معه يسيحان في الجبال ويعبدان الله حتى لحقا بالله عز وجل، ذكر اختلاف الناس في هذه القصة روى في بعض الأحاديث أن النبي صلعم قال لا تفضلوني على أخي يونس بن متى ومن قال أنا خير منه فقد كذب ورأيت ناسا من الأمة ينكرون هذا والله أعلم وذكروا من مساهمة يونس عم ركاب السفينة أن الريح عصفت والسفينة قد تكفأت فقال يونس اطرحوني في الماء فإني أنا المطلوب فأبوا عليه حتى قارعهم فقرعوه وأن الحوت التقمه فنادى في ظلمات جوفه أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجاب له ونجاه من الغم وألقاه الحوت على الشط ونبتت له شجرة يستظل بها فلما يبست خلص حر الشمس إلى جلدته وهي كالفرخ الممعوط فبكى قيل فأوحى الله إليه تبكي على شجرة أنبتت في ساعة وكيف دعوت بالهلاك على مائة ألف أو زيادة وأما الزائغون عن القصد فمن منكر بقاء ذي روح في بطن حيوان ويتأول ذلك حجة لزمته وحقا أسكته ونداؤه في الظلمات قالوا هي ظلمات الجهل والحيرة وإلقاءه بالعراء طرف من العلم إليه وانشاءه هذا كما قالوا في تأويل العصا واليد لموسى والسفينة لنوح وسائر المعجزات والله أعلم وكيف يصح لهم هذا التأويل وهم يقرؤون وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ويقرءون فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ويقرءون فالتقمه الحوت وهو مليم أو ليس الجنين في بطن أمه متنفس فهل يعجز من أبقى الأجنة في ظلم الأرحام أن يبقى الأرواح في أجسام المحبوسين حيث لا يصل إليهم الهواء والله المستعان قصة شعيا ابن اموص النبي وصديقه الملك قالوا أقبلت بنو إسرائيل بعد يونس زمانا على الهدى والاستقامة إلى أن مات الملك صديقه فاختلفوا وعدوا على شعيا فقتلوه وقال بعضهم أنه انفلقت له شجرة فدخلها والتأمت عليه وأن الشيطان أخذ بهدبة ثوبه فلما لحقه الطلب فقال هاهو في جوف هذه الشجرة دخلها بسحره فقطعوه بالمنشار وسلط الله عليهم العدو وهو الذي ذكره الله عز وجل في القرآن فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا وهي أولى الفساد الذي قضاه الله على بني إسرائيل في الكتاب فقال لتفسدان في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا وقيل في من سلط الله عليهم في أول الفساد غير هذا والله أعلم وهو مستطر في كتاب المعاني بتمامه قصة أرميا النبي قال وهب أنه هو الذي قص الله عز وجل في القرآن خبره فقال أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فقال أني يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه الآية ويقال بل كان عزيرا والقرية دير سابراباد والله أعلم