كتاب : البدء والتاريخ
المؤلف : ابن المطهر
قصة دانيال الأكبر قال أهل هذا العلم أن دانيال الأكبر رأى في منامه أن خراب بيت المقدس يكون على يدي بغية من أرض بابل فقام وتجهز بمال وأقبل حتى وافى أرض بابل فلم يزل يطلبه حتى وجده فأعطاه وكساه وأخبره أن الأمر صائر إليه وعاهده على أن يهيجه ولا ولده ولا قرابته إذ كان كذلك ومات دانيال وغدا بنو إسرائيل على شعيا فقتلوه ويقال بل قتلوا زكرياء بن أزن وكان الملك سنحاريب بأرض بابل قد تفرس في بخت نصر الشهامة والكفاية فأدناه ورفع منزلته فبعثه إلى بني إسرائيل وفي كتاب سير العجم أن الذي بعث بخت نرسى إلى الشام بهمن بن اسفنديار فأتاهم وقتل منهم وسباهم وعاد إلى أرض بابل وفي السبي ارميا النبي وعزير ودانيال الأصغر وهو من ولد دانيال الأكبر وهو الذي وجد في مدينة السوس حين افتتحها أبو موسى الأشعري فأمره عمر أن يدفنه حيث لا يشعر به وهلك الملك وأفضى الأمر كله إلى بخت نصر وملك ما شاء الله ثم رأى رؤيا هائلة فظيعة ولم يجد عند أهل العلم منهم تأويلها فدعا دانيال وأخبره بها فتأولها له فحسن موقعه عنده فاستخلصه واستخصه وشفعه في سبي بني إسرائيل فردهم إلى الشام وفيهم عزير وارميا ويزعم وهب في قصة بخت نصر وابنه بلطاشص أشياء في تحوله في صور جميع الحيوان وتصرف الأحوال عقوبة سواء صنيعه وأنه حول جميعه إنسياً آخر ذلك كله وآمن بالله ومات، قصة عزير بن سروحا قالوا كان عزير في سنى بخت نصر فلما رجع إلى بيت المقدس قعد تحت شجرة وأملى عليهم التورية من ظهر قلبه وكانوا قد نسوها وضيعوها لأن أباه سروحا كان دفنها أيام بخت نصر ولم يعلم بمكانها إلا عجوز همة فدلتهم عليها فاستخرجوها وعارضوا بها ما أملى عليهم فوجدوه ما غادر حرفا فعند ذلك قالت طائفة أنه ابن الله ولم يقله كلهم وروى جوبير عن الضحاك أنه قال لما قالت النصارى المسيح ابن الله قالت فرقة من اليهود معاندة لهم بل عزير ابن الله وزعم وهب أن عزيرا تكلم في القدر فزجر فلم ينزجر فمحا الله اسمه من ديوان الأنبياء ويقال هو الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام الآية قصة زكريا بن ازن ويحيى بن زكريا وعمران بن ماثان قالوا أن زكريا بن آزن من ولد داود وكان رجلا نجارا وكانت تحته اشباع بنت عمران بن ماثان أخت مريم بنت عمران أم عيسى وكان يحيى وعيسى أبنى خالة وكان زكريا الرائس الذي يقرب القربان ويكتب التورية وهو الذي كفل مريم فلما ظهر بها الحمل زعمت يهود أنه ارتكب منها الفاحشة فهرب منهم واتبعوه فقطعوه نصفين يقال بالمنشار قصة يحيى قالوا ولما رأى زكرياء ما أكرم الله به مريم من الفضيلة والكرامة تمنى الولد ودعا فعند ذلك دعا زكرياء ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فبشر الله تعالى بالولد على كبر السن كما قال الله فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال زكرياء أنى يكون لي غلام وقد بلغت من الكبر عتيا قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا يقول لا تكلمهم ثلاث ليال وأنت سوي من غير علة قال قتادة عوقب بحبس لسانه عن الكلام لطلبه الآية بعد مشافهة الملائكة وقضى الله عز وجل فواقع زكرياء اشباع بنت عمران فحملت يحيى كرامة من الله عز وجل ورحمة وزكوة وحصورا ونبيا كما وصف قالوا وهم الملك أن يتزوج ابنة امرأة له فنهاه يحيى عن ذلك فاحتقدت المرأة عليه فسقت الملك حتى ثمل ثم زينت ابنتها وأرسلتها إليه ونهتها أن تطاوعه ما لم يأت برأس يحيى بن زكرياء ففعل وسلط عليهم بخت نصر فقتل على دم يحيى سبعين ألفا وخرب بيت المقدس وهي أخرى الفسادين ويقال بل سلط عليهم انطياخوس المجوس وكان بخت نصر قد هلك قبل ذلك ويقال بل جودرز بن اشبكان أحد ملوك الطوائف ذكر اختلافهم في هذه القصة وزعم قوم أن رأس يحيى جيء به في طست ووضع بين يدي الملك وهو يقول لا يحل لك وان دمه صار يغلى في موضعه غليانا كلما كفر بالتراب ظهر عليه وغلا إلى أن قتل على دمه سبعون ألفا فسكن وأنه التقت أم يحيى وأم عيسى وهما حاملان فقالت أم يحيى أني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك وقد قال بعضهم أن يحيى كان أكبر من عيسى بثلاث سنين وأن زكرياء مات موتا ولم يقتل
ذكرمريم بنت عمران أم عيسى قد ذكر الله عز وجل قصتها في سورة آل عمران إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني الآية ذكروا أن اسمها حنة بنت فاقوز من راهبات بني إسرائيل وأختها اشباع بنت فاقوز كانت تحت زكرياء عم زوج حنة عمران بن ماثان بن باسهم بن يعافيت من ولد داود النبي عم وكانت حنة قد قعدت عند المحيض فبينا هي في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخا له فتحركت نفسها للولد فدعت ربها أن يهب لها ولدا ثم جامعت زوجها فحملت بمريم وهلك عمران فلما أجيبت بالحمل جعلته نذرا لله عز وجل كما قال الله عز وجل رب أني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني الآية فلما وضعتها قالت رب أني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وكان لا يحرر إلا الغلمان لأنه لا يصح لخدمة المذبح والمسجد الجواري لما يصيبهن من الحيض ثم لفتها في خرقة وأتت بها المسجد وفيه الأحبار والرهبان يكتبون ما درس في التورية فتشاجروا في قبولها وأقرعوا عليها فقرعهم زكرياء فقبلها واسترضعها إلى أن فطمت ثم استحصنها إلى أن عقلت ثم بنا لها صومعة في المسجد ونقلها إليها فكانت تتعبد فيها من العابدات وكان زكرياء وكل بها وبخدمتها رجلا يقال له يوسف النجار وكان ابن خالها فكلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا يقال فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله وهنالك دعا زكرياء ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء فوهب الله له يحيى عم ذكر مولد عيسى يقول الله عز وجل واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا إلى قوله ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون فقص الله من خبره ما لا يحتاج معه إلى قول غيره وكانت الملائكة يكلمها شفاها وتبشرهم بالولد إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء قالوا وكانت مريم إذا حاضت خرجت من المحراب فإذا طهرت عادت فبينما هي ذات يوم قد ضربت على نفسها بالحجاب تغتسل من المحيض في مشرقة من الشمس إذ أتاها روح الله جبرئيل فتمثل لها في صورة بشر سوي الخلق فخافته مريم فقالت أني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فنفخ في جنب درعها فحملت بعيسى عم ولما ظهر بها الحمل اتهموا زكرياء فقتلوه في قول بعضهم وقال قوم بل اتهموا يوسف النجار وكان قد خطبها في الإنجيل أنه كان تزوجها فلما أثقلت مريم هرب بها خوفاً من هرداس الملك وموضع الولادة بيت اللحم معروف مشهور شاهدناه وشاهده كل من وطئ تلك البلاد قال الزهري وكان ثم جذع نخلة فأورقها الله عز وجل وأثمرها لمريم وإنما هرب بها وبعيسى بعد ما ولدت وتكلم عيسى بقول الله عز وجل وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين قيل هي مصر وقيل هي دمشق والله أعلم ولما ضربها الطلق خشيت لائمة القوم قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً فناداها من تحتها يقال جبريل وقيل عيسى ان لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا إلى آخر الآيات وقصتها مشهورة بظهورها عن التفسير وقد قال بعض الناس في قوله تعالى إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا أي قضى أن يوتيني الكتاب وأن يجعلني نبيا الآية لأنه لو كان نبيا في الوقت لزمه دعاء الناس ولزمهم إتباعه
ذكر اختلاف الناس في هذه القصة اليهود يزعم أن عيسى لم يحي بعد وأنه جاء وأن الذي يذكره ابن بغية لغير رشده وأن يوسف النجار فجر بها وروينا عن الحسن أنه قال بلغني أنها حملت به سبع ساعات ووضعته في يومها وعن مجاهد قال حملته نصف يوم ووضعته وقال آخرون بل حملته ووضعته كسائر الناس ولقد سمعت بعض علماء الخزمية يزعم أن مريم جومعت وانضاف إلى ذلك الجماع روح من عند الله لا أنه كان نفخ من غير وطئ والثنويه والمنانية كلهم يؤمنون بعيسى ويزعمون أنه روح الله على معنى أنه بعض من الله والنور عندهم حي حساس عالم وبعض النصارى يزعم أن الذي تراءى لمريم فنفخ فيها هو الله تعالى عن ذلك وبعضهم يزعم أن عيسى هو الله نزل من السماء ودخل في جوف مريم ثم اتحد بجسد عيسى فلما قتل صعد إلى السماء وقد شبه الله تعالى خلق عيسى عند مجادلة من جادل رسوله وأنكر أن يولد مولود من غير ذكر وأنثى بخلق آدم فقال إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فأوضح الحجة وقطع الشبهة وقد ذكر أمية هذه القصة في شعره
وفي دينكم من رب مريم آية ... منبئة والعبد عيسى بن مريم
أنابت لوجه الله ثم تبتلت ... فسبح عنها لومة المتلوم
فلا هي همت بالنكاح ولا دنت ... إلى بشر منها بفرج ولا فم
ولطت حجاب البيت من دون أهلها ... تغيب عنهم في صحارى دمدم
يحار بها الساري إذا جن ليله ... وليس وإن كان النهار بمغلم
تدلى عليها بعدما نام أهلها ... رسول فلم يحصر ولم يترمرم
فقال ألا لا تجزعي ولا تكذبي ... ملائكة من رب عاد وجرهم
أنيبي وأعطي ما سئلت فإنني ... رسول من الرحمن يأتيك بابنم
فقالت له أنى يكون ولم أكن ... بغيا ولا حبلى ولا ذات قيم
أأخرج بالرحمن إن كنت مسلما ... كلامي فأقعد ما بدا لك أو قم
فسبح ثم اغترها فالتقيت به ... غلاما سوى الخلق وليس بتوأم
بنفخته في الصدر من جيب درعها ... وما يصرم الرحمن مل أمر بصرم
فلما أتمته وجاءت لوضعه ... فآوى لهم من لومهم والتندم
وقال من حولها جئت منكرا ... فحق بأن يلجى عليه وترجمي
فأدركها من ربها ثم رحمة ... بصدق حديث من نبي مكلم
فقال لها أني من الله آية ... وعلمني والله خير معلم
وأرسلت ولم أرسل غويا ولم أكن ... شقيا ولم أبعث بفحش ومأثم
قصه عيسى بن مريم عم روينا عن الحسن أنه قال نزل الوحي على عيسى وهو ابن ثلاث عشرة سنة ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكان في نبوته عشرين سنة ويقال هو آخر أنبياء بني إسرائيل وروينا عن الضحاك أن عيسى بعث إلى نصيبين وملكها جبار عنيد يقال له داود بن بوزا وكانوا أصحاب أصنام وتماثيل وزمن طب وأطباء ومعالجة فجاءهم عيسى من جنس صناعتهم بما أعجزهم وذلك من تمام القدرة وكمال القوة أن يعترض على المرء فيما هو لسبيله وليكون أنفى للشبهة وأبعد من التهمة وكما جاء عيسى عم في زمن السحر بما أبطل سحرهم وجاء محمد صلعم والزمن للخطباء والبلغاء والشعراء بما أفحمهم قالوا فأمن بعيسى الحواريون وهم أصفياءه وذلك بعدما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمة والأبرص ونبأهم بما يأكلون في بيوتهم وما يدخرون للغد وخلق لهم من الطين كهيئة الطير ثم سألوه المائدة قال قوم فنزل عليهم وأكلوا منها ثم كفروا بها فمسخوا خنازير وكان الحسن يقول سألوا المائدة فلما قيل فمن يكفر بعد منكم فأني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين استعفوا فلم ينزل ومن نازعته نفسه في الإشراف على اختلاف الناس في هذه الأشياء وخوضهم فيها فلينظر كتاب المعاني فإني قد جمعت فيه ما وجدت إلا ما شذا قالوا ولما بلغ جالينوس الطبيب خبر عيسى وما يفعل من العجائب قصده لينظر ما عنده فمات قبل أن يصل إليه ويقال أنه آمن به قالوا ولما رأوا الآيات والعجائب من عيسى عم رمته اليهود بالسحر ونسبوه إلى غير رشده وخرجوا في طلبه فوجدوه قد اكتمن في غار ومعه أمه وجماعة من الحواريين فاستخرجوه وجعلوا يلطمون وجهه وينتفون شعره ويقولون إنك وإن كنت نبيا فدع ربك يمنعك ثم جعلوا على رأسه إكليلا من الشوك وفي قول اليهود والنصارى قتلوه وصلبوه ثم إن النصارى يقولون بعد ذلك رفع الله روحه إلى السماء ومنهم من يقول صلبوا الهيكل وعرج الروح وهو الله عز وجل وقال لي قبطى منهم أنه قتل وصلب ودفن وأقام بالقبر ثلاثا ثم نجاه أبوه ورفعه إلى السماء وفي قول المسلمين أنه لم يقتل ولم يصلب وإنما قتلوا رجلا وصلبوه وأشاعوا في الناس أنه عيسى فانتشر به الخبر قال الله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم واختلفوا في قوله تعالى إني متوفيك ورافعك إلي فقال كثير من أهل التفسير يقولون فيه تقديم وتأخير كأنه قال أني رافعك إلي ومتوفيك بعد إنزالك من السماء وقال قوم بل هو على وجهه وسياقه توفاه ثم رفعه ومعنى هذا القول أنه رفع روحه لا جسده قال أهل الأخبار رفع عيسى ونزل خفين فعدرعة وحذاقة للطير ذكر اختلاف الناس في هذه القصة وذكر الاختلاف في مدة هذه الفترة بين عيسى ومحمد عليها السلم قال ابن اسحق كانت الفترة ست مائة سنة وفي حساب المنجمين خمس مائة سنة إلا شيئا وروى عن أبي جريج أنه قال أربع مائة سنة والله أعلم وقال أهل الأخبار أنه كان في الفترة خالد ابن سنان العبسي نبيا وحنظلة بن أفيون الصادق نبيا وما أراه يصح وبعضهم كان يقول جرجيس نبيا وشمسون نبيا وفي كتاب بعض الحواريين أنه كان بعد المسيح بانطاكية أنبياء ومنهم برينا ولوقيوس وماثيل واغابوس ومن علماء أهل الإسلام من يقول أن قوله إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث أنهم كانوا أنبياء نومان وبالوص وشمعون وكان في الفترة أصحاب الكهف وسبا وضروان و جريج الناسك وقصة المقعد والمجذوم والأعمى وحبيب والنجار وفطروس الكافر أخو بحيرا المؤمن وكان عيسى عم فرق طائفة من الحواريين في البلدان والنواحي يدعون الناس ويعلمونهم الدين ما حفظ من أسمائهم شمعون الصفا وهو رأسهم ويقال له صخرة الإيمان ويحيى ونومان ولوقا ومديوس وفطرس ويحنس واندرانس وفلبس وجرجيس ويعقوبس وميثا ويعقوب وبالوص ورفع عيسى عم قبل رجوعهم إليه وكما يدل التأريخ عليه كان الملك في زمن عيسى عم من الأشغانيين
قصة أصحاب الكهف قال قوم هم فتية من الروم ودخلوا الكهف قبل المسيح فرارا بدينهم وبعثهم الله تعالى في الفترة بعد المسيح وكان من يوم دخولهم الكهف إلى يوم خروجهم وبعثهم ثلاث مائة وستين سنة وقال غيرهم بل كان دخولهم الكهف بعد المسيح باحدى وستين سنة وذلك عند اختلافهم وأحدث بولس فيهم ما أحدث قالوا ولما ملك دقيانوس دعا إلى المجوسية ومن أبى عليه قتله ففر هؤلاء الفتية حتى دخلوا الكهف وتبعهم دقيانوس فكان الكهف لا منفذ له فسد عليهم الباب وكتبوا كتابا فيه أسماؤهم وأسماء أبنائهم يوم دخلولهم الكهف وألصقوه ببابه قالوا وهلك دقيانوس وتغيرت الأحوال وقام ملك مسلم اسمه بيدوسيس واختلف قومه في بعث الأرواح والأجساد فبعث الله الفتية آية لهم واختلفوا في أسمائهم فقال بعضهم مكلمسينا ويمليخا ومطرسوس وكسوفطوس ونبرونس ودينموس وبطونس وقالوس وبعضهم يقول محثلمينا وطافيون وعصوفر وتراقوس ومرحيلوس وطيلوس ويمليخا وسيا وهذه القصة في القرآن واختلافهم في المعاني بما فيه كفاية قصة فطروس الكافر قال الله عز وجل واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا إلى قوله لم أشرك بربي أحدا قال هما هذان الأخوان ورثا من أبيهما مالا أنا المؤمن فأنفق نصيبه في سبيل الله وأما الكافر فاتخذ أثاثا وضياعا ثم جاء المؤمن تعرض لأخيه فأخذ الكافر بيده يطوف به في جنته ويقول أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا كما ذكر الله في القرآن وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها وبحيرا هو الذي يقول يوم القيامة أنى كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين الآيات في سورة الصافات ذكر اختلافهم في قصة أصحاب الكهف قال قوم من المعتزلة يدل أنه كان في زمن أصحاب الكهف نبي من الأنبياء أو كانوا هم أنبياء أو فيهم نبي لأن مثل هذه المعجزات ولا تجرى إلا على أيدي الأنبياء أو في زمنهم وروى ابن جريج عن شعيب الجبإي أن اسم الجبل الذي فيه الكهف ناجلوس واسم الكهف حزوم واسم الرجل الذي له الكهف دلس واسم المدينة أفسوس ويقال هي طرسوس واسم الكلب حمران والله أعلم ذكر حبيب النجار قال الله عز وجل واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إلى قوله ان كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون قال قوم أن القرية إنطاكية وأن المرسلين رسل عيسى شمعون وبالوص وثالثهم شمعان الصفا فأدوهم الرسالة فكذبوهم فجاء حبيب النجار من أقصى المدينة ونهاهم عن أذاهم وأظهر إيمانه ويقول أنه كان نحاتا للأصنام فهداه الله قال ابن عباس رضه فطرحوهم ووطئوهم بأقدامهم حتى خرج قصبه من دبره فوجبت له الجنة وقال قتادة خرقوا ترقوته وسلكوا فيها سلسلة وعلقوه من سور المدينة فأهلكهم الله بالصيحة والهدة والرجفة ذكر اختلاف الناس في هذه القصة سمعت بعض المفسرين يزعم أن سوق إنطاكية كان المتصل منها مقدار ما بين بلخ إلى الرى وهذا قريب من أربع مائة فرسخ إن كان صادقا في روايته وفي قوله قالوا وأتاهم جبريل عم وصاح بهم صيحة واحدة فهمدوا فيها وصاروا رميما ومن دخل إنطاكية رأى قبرا في وسط سوقها منحرفا عن قبلة المسلمين يزعمون أنه قبر حبيب النجار قصة أصحاب ضروان وهي جنة كانت بصنعاء في الفترة قال الله عز وجل انا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون إلى قوله كذلك العذاب قالوا أنهم كانوا قوما مستمسكين بشرائع الانجيل فإذا كان أيام صرامهم نادوا في الفقراء والمساكين فكان لهم ما أسقط الطير وأخطأ المنجل وغبر بذلك زمان حتى هلك الآباء والأولاد والأنبياء فبخلوا بذلك وقطعوا بذلك العادة فأهلك الله جنتهم وأعقبهم الندامة والحسرة كما ذكروا
قصة سبا وكان هلاكها في الفترة باليمن قال الله عز وجل لقد كان لسباء في مساكنهم آية إلى آخر الآيات الست وسبأ اسم للقبيلة وهو أبوهم واسمه عبد شمس بن يعرب بن يشجب بن قحطان وسمي سبأ لأنه أول من سبى في العرب وكان له جنتان عن يمين مساكنهم وشمالها ملتفتان بأنواع الشجر وهي أطيب أرض الله وأزكاها وكان شربهم من أعلى الوادي من عين تخرج من ثقب في أسفل الجبل والكهان قد أخبروهم بهلاك واديهم من قبل عينهم فبنوا عليه بنيانا بالحجارة والرصاص حتى لا يخرج الماء إلا بقدر فلم يزالوا كذلك حتى كفروا بربهم وبطروا نعمته فأرسل عليهم سيل العرم فأهلك مساكنهم ومزارعهم وكان رئيسهم عبد الله بن عامر الأزدي رأى في المنام كأن الردم قد انبثق فسال الوادي فأصبح وجمع بنيه العشرة فأخبرهم بالقصة ثم باع ضياعه وأمواله وتحول إلى بلد عمان فلم يلبث القوم بعده إلا يسيرا حتى هلكوا وفيهم يقول الأعشى
وفي ذاك للمؤتسى إسوة ... ومأرب قفى عليه العرم
ركام بنته له حمير ... إذا جاء فوارة لم يرم
فأروى الزروع وأعنى بها ... على سبعة ماءه إذ قسم
فصاروا أياد فما يقدرو ن منه على شرب طفل فطم
ذكر اختلافهم في هذه القصة قيل أن الشمس لا تقع عليهم لالتفاف الشجر واكتسائها وكانت الأمة تخرج من بيتها وتضع مكتلها على رأسها وتمشي لا تجنتى بيدها ولا ترفع من الأرض وتنصرف وقد امتلأ المكتل وزعم وهب أن الله بعث إليهم اثنى عشر نبيا فكذبوهم وردوهم فأرسل الله على بيتهم جرذا له أنياب ومخالب من حديد فلما بصر به عبد الله بن عامر أتى بهرة فألقاها إليه فأقبلت الهرة منهزمة فعلم أنه أمر من أمر الله تعالى قال وأتى الجرذ على البثق فأهلكهم قصة حنظلة الصادق عم قال قوم أنه كان في الفترة وهو من أهل بهراء اليمن بعثه الله إلى مدينة يقال لها حاخور فقتلوه فسلط الله عليهم ملكا من ملوك بابل فقتلهم بقول الله عز وجل فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه الآية وزعم وهب أن القوم لما هربوا من السيف تلقتهم الملائكة شاهرين سيوفهم فقالوا لا تركضوا الآية وزعم آخرون أن حنظلة بعث إلى قبائل من ولد قحطان بعد عاد وثمود وكانوا نزلا على بئر يقال لها الرس فقتلوه وطرحوه في ركيتهم فسلط الله عليهم العدو فأهلكهم والله أعلم قصة جرجيس يذكر من أمره العجائب زعم وهب أنه رجل من فلسطين وكان أدرك بعض الحواريين فبعثه الله إلى ملك الموصل قال فقتلوه فأحياه الله ثم قطعوه فأحياه الله ثم طبخونه فأحياه الله حتى عد ضروبا من العذاب والله أعلم قصة خالد بن سنان العبسي ذكروا أنه ظهرت نار بين مكة والمدينة قبل مولد النبي صلعم بقليل وتغيب بالنهار وتطلع بالليل حتى هابها الناس فألقت عصيها الرعاة وعبدها طوائف من العرب وسموها بداء فجاء خالد بن سنان وجعل يضربها بعصاه ويقول ابد بدا ابد بدا حتى طفيت ثم صاح صيحة وقال لاخوته وعشيرته إني ميت إلى تسع فإذا دفنتموني فاكتموا ثلاثا فإنه ستجيء عانة يقدمها عنز أقمر يطوف حول قبري فإذا رأيتم ذلك فانبشوا عني تجدوني حيا أخبركم بما هو كائن إلى يوم القيامة فكان ذلك ولم يدع بنو أبيه ينبشوا عنه قالوا يكون سبة تعيرنا بها العرب إلى يوم القيامة وروى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلعم قال لو نبشوه لأخبرهم بشأني وشأن هذه الأمة ولما هاجر النبي صلعم أتته ابنة خالد بن سنان فسمعته يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقالت كان أبي يقرأ هذا وأخبرت النبي صلعم بأمر أبيها فقال ذاك نبي أضاعه قومه واسمها محيا بنت خالد
قصة جريج بن الناسك وكان في الفترة زعموا أنه كان زاهدا مترهبا وله أم ليست دونه في الصلاح الرهبانية وأنها أتته ذات ليلة فنادته وهو في الصلاة فأبطأ عليها الجواب فقالت أقامك الله مقام المومسات وانصرفت فزعموا أن امرأة بغية في ليلة شاتية مطيرة واستغاثت به فآواها إلى ديره فجعلت تتعرض له وتدعوه إلى نفسها إلى أن غلبته الشهوة والنفس فوضع إصبعه في النار حتى شغلته عما همت به نفسه ولما أصبح تعلقت المرأة وادعت أنه أحبلها تلك الليلة وجاء القوم فوضعوا حبلا في عنقه وجروه إلى السلطان فأمر بصلبه فصلب والناس يلعنونه ويكفرونه ويفسقونه وجاءته أمه فقالت هذا والله بدعائي ثم دعت بالمرأة ووضعت يدها على بطنها فقالت من أبوك فقال من بطن أمه أبي فلان الراعي فأنزلوا جريجاً وبرءوه وأكرموه وأغزروا إليه وعرفوا براءة ساحته وكان بعد ذلك لا يصلي إلا بإذن أمه وإذا دعته وهو في الصلاة قطعها صفة المقعد والمجذوم والأعمى زعم وهب أن الله تعالى بعث إلى هولاء الثلثة ملكا فابرأهم وعافاهم ومسحهم وأعطاهم مناهم من الأموال والمواشي حتى كثروا وأثمروا ثم بعث إليه ذلك الملك في صورة مسكين سائل لهم يسألهم ويذكرهم أيام الله والحال التي كانت قبل فأنكر اثنان منهم مسكنتهما وعلتهما وفقرهما وأقر الثالث وقال بلى كنت مقعدا فشفاني الله وعائلا فأغناني الله فهاك شطر مالي شكرا لله قال فبارك الله فيما رزقه وخسف بأموال الأعمى المجذوم وأعادهما إلى حالهما الأولى قال وفيهم نزلت ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، قصة شمسون زعم بعضهم أن هذا كان نبيا وكانت معجزته في شعره وكان لا يطاق ولا يقاوم لفضل قوته وبطشه وشدة سطوته فلما أعيي القوم الذين بعث إليهم أمره دسوا لامرأته في جز شعره فجزته وبقي كالمقصوص من الطير ثم أخذوه وقطعوا يديه ورجليه ويقال كان لهم عيد عظيم عند صنم لهم في بناء مشرف عال فقال لهم شمسون لو أخذتموني إلى صنمكم هذا لأمسه وأستلمه فحملوه إليه ووضعوه بين أيديه فضرب بقطعته الصنم فانهد البناء على القوم حتى ما أفلت إلا من شذ ورد الله عليه يديه ورجليه وقال وفيه نزلت قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم فهذا جميع ما وجدناه ورويناه في كتاب الله وكتب أصحاب أخبار الأنبياء وذكر الرسل مذ قامت الدنيا إلى مبعث نبينا محمد صلعم وقد أوجزناها واختصرها ونسأل الله التوفيق والتسديد أنه على ما يشاء قدير
الفصل الحادي عشر
في ذكر ملوك العرب والعجم
وما كان من مشهور أمرهم وأبامهم إلى مبعث نبينا صلعم
أول من ملك من بني آدم زعمت الأعاجم في كتابها والله أعلم بحقها وباطلها أن أول من ملك من بني آدم اسمه كيومرث وأنه كان عريانا يسيح في الأرض وكان ملكه ثلاثين سنة وقد قال المسعودي في قصيدته المحبرة بالفارسيةنخستين كيومرث امذ بشاهي ... كرفتش بكيتى درون بيش كاهي
جو سي سالى بكيتى باذشا بوذ ... كى فرمانش بهر جايى روا بوذ
وإنما ذكرت هذه الأبيات لأني رأيت الفرس يعظمون هذه الأبيات والقصيدة ويصورونها ويرونها كتاريخ لهم ومنهم من يزعم أن كيومرث كان قبل آدم قالوا ثم ملك هوشنك بيش داذ ومعناه أول حاكم حكم بين الناس وأول من دعا الناس إلى عبادة الله وأول من كتب بالعبرية والفارسية واليونانية وزعم بعضهم أن هذا بمنزلة ادريس النبي صلى الله عليه أو هو ادريس وهو هوشنك بن فراوك بن سيامك بن ميشى بن كيومرث وعند بعضهم أن ميشى هو آدم نبت من دم كيومرث مع اختلاف كثير وتخليط ظاهر والله أعلم قالوا وكان ملكه أربعين سنة وهو الذي قدر المياه وحض الناس على الزراعة وأمر بالطحين وعرفهم منافع الطعام والشراب قالوا ثم بقيت الأرض بعد وفاته ثلثمائة سنة بغير ملك حتى ملك طهمروث بن بوسكهيار بن اسكمد بن نكمد بن هوشنك هو الذي أمر الناس باقتناء الأنعام والانتفاع بسلائها وأصوافها وأوبارها وفي أيامه ظهر رجل بأرض الهند ودعا الناس إلى ملة الصابئين اسمه بوذاسف فتفرق الناس واختلف أديانهم ووقعت المحاربة بينه وبين الشياطين فنفاهم وطردهم وزعم بعضهم أنه اتخذ ابليس مركبا وأسرجه وألجمه وركبه يجول به الآفاق حيث شاء وزعم بعض المتأولين أن معنى ركوبه ابليس وإلجامه قهره إياه وعصيانه عليه بطاعة الله وكان ملكه ثلاثين سنة ويقال ألفا وثلاثين سنة ثم ملك جم شاذ ومعنى شيذ الشعاع والضياء وهو جم شاذ بن خزمة بن وبونكهيار بن هوشنك فيش داذ ويصفون هذا الإنسان بمعجزات وعجائب فمنها أنهم يزعمون أنه ملك الأقاليم السبعة وملك الجن والإنس وأنه أمر الشياطين فاتخذوا له عجلة فركبها وجعل يسير في الهواء حيث يشاء وأنه أول يوم ركبها كان أول يوم من فروردين ماه فاطلع بنوره وبهائه فسمي ذلك اليوم النيروز وأنه استأثر علم النجوم والطب واتخذ القوارير والآجر والنورة والحمام ويزيدون وصفه على ما وصف به سليمان بن داود النبي ويزعمون أنه كان مجاب الدعوة وسأل ربه أن يرفع عن أهل مملكته الموت والسقم فكثر الخلق حتى ضاقت بهم الأرض فسأل ربه أن يوسعها لهم فامره الله أن يأتي جبل ألبرز وهو جبل قاف محيط بالأرض فيأمره أن يتسع ثلثمائة ألف فرسخ وفي دور الأرض ففعل قالوا ثم طغى وكفر عندما رأى من صنع الله له فسقط إلى الأرض وذهب بهاؤه وشعاعه وهرب يجول في الأرض مائة سنة ثم ظفر به الضحاك فنشره بالمنشار وأعلم من آمن بمعجزات الأنبياء يلزمه الإيمان بمثل هذه الأشياء إذا صحت من جهة النقل والرواية فإن ما ذكروا من هذا حقا فالرجل نبي لا شك وإن كان غير ذلك فوضع وتزوير والله أعلم ثم ملك بيورسب وهو الضحاك ويقال له أزدهاق ذو الحيتين والأفواه الثلثة والأعين الست الداهي الساحر الخبيث المتمرد ومعنى بيورسب أنه كان له اثنا عشر ألف مركب ورفعت الفرس نسبه إلى نوح بأربعة آباء فقالوا بيورسب بن اروند بن طوح بن دابة بن نوح النبي والله أعلم ويصفون من أمره مالم يوصف به نبي ولا يجوز القدرة عليه لبشر فمن ذلك أنهم قالوا ملك الأقاليم السبعة وكان عمل في محلته وهو نازل فيها سبع مشارات لكل اقليم مشارة وهي منفخة من ذهب فكلما أراد أن يرسل سحره على أقليم موتا أو رزية أو مجاعة نفخ في تلك المشارة فأصاب ذلك الإقليم من معرته بقدر نفخه وكان إذا رأى في تلك الإقليم جارية حسنة أو دابة فارهة نفخ في المشارة فاجترها إليه بسحره وإن ابليس أتاه في صورة غلام فقبل منكبيه فنبتت منها حيتان طعامها أدمغة الناس فجعل يقتل كل يوم غلامين لذلك حتى اشتد ذلك على الناس وملوا الحياة وكان ملكه ألف سنة إلا يوما ونصف يوم ثم رأى في المنام كأن ملكا نزل من السماء فضربه بمقمع من حديد فوثب من نومه مروعا ملعونا مصوعا مطعونا وقص رؤياه على المنجمين والهرابذة قالوا يولد مولود حتى يكون انقضاء ملكك على يديه فأمر بقتل كل مولود ذكر وقال وأتي بأم افريذون الملك وهي حامل به وبجارية فأمر القابلة أن يدخل الموسى قبلها فتقطع الولد في بطنها قالوا فدفع الغلام الجارية نحو الموسى بإلهام الله إياه فقطعتها وأخرجهتا وخلى سبيل أم افريذون فوضعت به وأخفته عن الناس وكان افريذون يشب شابا حسنا وهذا نظير قول أهل الكتاب في يعقوب وعيصو والقصة شبيهة بقصة مولد إبراهيم عم حتى لقد قال كثير من المجوس أن افريذون هو إبراهيم والله أعلم قالوا واجحف قتل الولدان بالرعية وانتقصت
فخرج رجل باصفهان يقال له كاوى وعقد لواء من مسك جدى ويقال من جلد أسد ودعا الناس إلى محاربة الضحاك فهابهم وهرب منهم ثم أخذوا افريذون فملكوه وأقعدوه على السرير وخرج افريذون في طلب الضحاك فظفر به وشده وعقله في جبال دماوند وكان ذلك اليوم يوم المهرجان فعظمته الفرس واتخذته عيدا وكان لبيورسب طباخ يقال له ازمايل وكان إذا دفع إليه الغلمان للذبح استبقى أحدهم ونفاه إلى الصحاري ويقال منهم الأكراد قالوا وتيمنت الفرس بذلك اللواء فصيرته بالذهب والديباج ولم يزل محفوظاً عندهم إلى أن أقام الإسلام وأعلم أن كثيرا من هذه القصة شبيه بأمر الأنبياء عم وكثير ترهات ووساوس فأما الحيتان اللتان نبتا من منكبيه فهما سلعتان خرجتا عليه ويشبه أن يكون أمران يطليهما بدماغ الناس وإنما تملكه الأقاليم السبعة وسحره فيها فكأنه كان دعوى منه وتمويها على الناس بأنه يجتر إليه ما شاء ويرسل على الأقاليم السبعة ما شاء يخوفهم بذلك ويعظم أمره وبسطته وقدرته كما كان يقول فرعون أنا ربكم الأعلى وكان يعلم أنه كاذب في دعواه وقد أخبرناك في غير موضع أن مثل هذه الآيات لا يخلو من وجوه ثلثة إما أن يكون معجزة لنبي أو في زمن نبي فقد جر إلى سليمان عرش بلقيس كما قيل أن يكون وضعا وتمويها وتصرفا وتمثلا غير أن المؤونة في السماع حفيفة وفي معرفة قصص الأوائل وأخبار القدماء عبر في هذه العجائب مناقضة على من ينكر من المجوس معجزات الأنبياء عم وهو يروج على أصحابه أمثالهارج رجل باصفهان يقال له كاوى وعقد لواء من مسك جدى ويقال من جلد أسد ودعا الناس إلى محاربة الضحاك فهابهم وهرب منهم ثم أخذوا افريذون فملكوه وأقعدوه على السرير وخرج افريذون في طلب الضحاك فظفر به وشده وعقله في جبال دماوند وكان ذلك اليوم يوم المهرجان فعظمته الفرس واتخذته عيدا وكان لبيورسب طباخ يقال له ازمايل وكان إذا دفع إليه الغلمان للذبح استبقى أحدهم ونفاه إلى الصحاري ويقال منهم الأكراد قالوا وتيمنت الفرس بذلك اللواء فصيرته بالذهب والديباج ولم يزل محفوظاً عندهم إلى أن أقام الإسلام وأعلم أن كثيرا من هذه القصة شبيه بأمر الأنبياء عم وكثير ترهات ووساوس فأما الحيتان اللتان نبتا من منكبيه فهما سلعتان خرجتا عليه ويشبه أن يكون أمران يطليهما بدماغ الناس وإنما تملكه الأقاليم السبعة وسحره فيها فكأنه كان دعوى منه وتمويها على الناس بأنه يجتر إليه ما شاء ويرسل على الأقاليم السبعة ما شاء يخوفهم بذلك ويعظم أمره وبسطته وقدرته كما كان يقول فرعون أنا ربكم الأعلى وكان يعلم أنه كاذب في دعواه وقد أخبرناك في غير موضع أن مثل هذه الآيات لا يخلو من وجوه ثلثة إما أن يكون معجزة لنبي أو في زمن نبي فقد جر إلى سليمان عرش بلقيس كما قيل أن يكون وضعا وتمويها وتصرفا وتمثلا غير أن المؤونة في السماع حفيفة وفي معرفة قصص الأوائل وأخبار القدماء عبر في هذه العجائب مناقضة على من ينكر من المجوس معجزات الأنبياء عم وهو يروج على أصحابه أمثالها
ثم ملك افريذون وهو التاسع من ولد حام بن نوح قالوا أيضا هو ملك الأقاليم السبعة وأمر الناس بعبادة الله بعد ما كان أضلهم بيورسب ورد المظالم إلى أهلها وقام بالحق والعدل وفي زمانه تكلمت الفلاسفة ووضعوا الكتب وقرأت في بعض سير العجم أن إبراهيم عم ولد سنة ثلاثين من ملك افريذون بعد ما قال بعضهم أنه هو إبراهيم بعينه وقال آخرون أنه انقضى أمر إبراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف وموسى ويوشع وكاليب وحزقيل في ملك الضحاك وأنه بقى إلى أن أغرق الله فرعون وكان عاملا له على مصر وإلى أن خرج فرع بنهب ملك من ملوك العمالقة من ناحية اليمن ثم خرج عليه كاوى افريذون والله أعلم قالوا وكان لافريذون ثلاثة بنين سلم وطوج وايرج فقسم الأرض بينهم أثلاثا فصار الترك والصين لطوج وصار الروم والمغرب لسلم وصار العراق وفارس لايرج ثم طلب لثلاث أخوات متفقات في الحسن والجمال ليزوجهن ببنيه الثلاثة فوجدهن عند فرع بنهب فزوجهن إياهم قالوا وحسد سلم وطوج اريج وكان أصغرهم فقتلاه فدعا افريذون ربه أن لا يميته حتى يرى من نسل ايرج من يطلب بثأره قال ووقع غلام من نسل ايرج إلى أرض خراسان فكثر بها وتناسل وملك تكاثف جمعه ثم خرج من عقبه رجل اسمه منوجهر فجاء طالبا بثأر أبيه وقاتل سلما وطوجا بأرض بابل وقتلهما ودعا افريذون ووضع تاج الملك على رأسه وخر له ساجدا إذا استجاب الله فيه دعاءه ومات من ساعته قالوا وكان ملك افريذون خمس مائة سنة وفيه يقول بعض الشعراء
وقسمنا ملكنا في دهرنا ... قسمة اللحم في ظهر الوضم
فجعلنا الشام والروم إلى ... مغرب الشمس لغطريف سلم
ولطوج جعلنا الترك له ... وبلاد الصين يحييها برغم
ولايرج جعلنا عبرة ... فارس الملك وفزنا بالنعم
ثم ملك منوجهر بن منشخور العاشر من ولد ايرج وهو صاحب زمن موسى عم زعم قوم أنه في زمانه بعث موسى عم إلى أرض مصر قالت الفرس كان ملكه مائة وعشرين سنة وخرج عليه افراسياب التركي وكان من نسل طوج يطلب قتلة أبيه وحاصره سنين ثم تراضوا على أن يعطيه افراسياب قدر رمية من مملكته فأمروا رجلاً يقال له آرش أن يرمي وكان أيدا ثقفا فأتكا على قوسه فاغرق فيها ثم أرسل سهمه من طبرستان فوقع بأعلى طخارستان ومات آرش مكانه ثم اختلفوا فزعموا أن الله عز وجل أرسل ريحا فاختطفت النشابة حتى وقعت حيث وقعت وزعم بعض أن الله عز وجل بعث ملكا فاحتملها ووضعها بحيث وضع فإن لم يكن ثم نبوة فالمعنى والله أعلم أنهما تراميا والخطر لمن فضل وغلب من طبرستان إلى طخارستان هذا إذا صح الخبر والله أعلم وأحكم، ثم ملك افراسياب التركي فعاث وأفسد وخرب الديار وعور الأنهار وقال قوم ملك الساعون في هلاك البرية سعيا أن ينشا له خلق جديد فقد طال مكثهم قالوا وحبس المطر عن الناس والحيوان ثم ملك رجل لم يكن من أهل بيت الملك يقال له زر بن طهماسب فطرد افراسياب وألحقه ببلاده ثم ملك كيقباذ من ولد افريذون مائة سنة ثم ملك كيكاوس ابن كايونة بن كيقباذ وهو الذي سار إلى حمير لقتالهم فأسروه وحطوه في جب أطبقوا عليه حجرا فيه ثقبه يطرح له كل يوم شيء من الطعام وكانت سعدى بنت ملك حمير تلاطفه وتطعمه إلى أن خرج رستم من سجستان لنصرته فاستنقذه ويذكرون في صفته من العجائب
قصة رستم كيف استنقذ كيكاوس من وثاق حمير زعموا أن كيكاوس كان مظفرا مصنوعا له في كل حال فخطر منه الإطلاع إلى السماء ثقة منه بما كان الله أتاه من العز والظفر خطرة ضلال فبنى الصرح الذي ببابل وصعده فغضب الله عليه وتخلى فاتعضت رفعته وافتقرت مقدرته وبعث الله ملكا فضرب بناءه بسوط من نار فقطعه وهده واستعصت عليه الملوك فخرج إلى ملك اليمن وقاتله وكانت الدائرة عليه فأخذوه وأسروه واستوثقوا منه كما ذكرنا وفي هذه القصة مشابه من قصة نمروذ كما يروى قالوا فخرج رستم من سجستان في جمع عظيم وسأل العنقاء أن تخرج معه فقالت هذه ريشة من جناحي فإن احتجت إلي فدخنها حتى آتيك يومك ومر رستم حتى ورد اليمن وقاتلهم قتالا شديدا قالوا وكان ملك حمير ساحرا فاحتمل مدينته بسحره وعلقها بين السماء والأرض فدخن رستم ريش العنقاء فإذا هو بها فحملت رستم على ظهرها وأخذت فرسه بمخالبها وطارت في جو السماء حتى إذا حازت المدينة وانقضت ولها دوى فنزلت بهم فقتل منهم رستم مقتلة عظيمة وأخرج كيكاوس من الجب وأخرج سعدى معه وردهما إلى أرض بابل ثم ذكروا حالا وقعت بين سعدى وبين سياوش بن كيكاوس مثل قصة يوسف وزليخا التي راودته عن نفسه سواء قالوا وإن سعدى شعفت به واحتالت في استمالته وإن لم يجبها إلى ما سألته فسعت به إلى أبيه حتى حبسه وهم بقتله وبلغ الخبر رستم فعلم أنه من كيد سعدى ومكرها فجاء واستخرجها من بيتها وقطع رأسها ثم إن سياوش قتل بأرض الترك وكان ملك كيكاوس مائة وخمسين سنة وكل ما ذكرنا في هذه القصة ممكن غير ممتنع إلا قصة عنقاء وقد حكي أن في جهة الجنوب طيرا يحمل دابة مثل الفيل وأعظم منها ويذكر في باب القضاء والقدر خبر أن جارية حملتها عنقاء في عهد سليمان عم والله أعلم ثم ملك بعد كيكاوس كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس ستين سنة ثم ملك كيلهراسب الجبار مائة وعشرين سنة وهو الذي اخرب بيت المقدس وشرد من كان بها من اليهود وهو الذي بنى مدينة بلخ الحسناء ثم ملك بعده ابنه كشتاسب بن كيلهراسب وفي زمانه ظهر زردشت نبي المجوس ودعا الناس إلى المجوسية فأجابه ودان له ثم وضع بيت النيران ووكل بها الهرابذة وقتل من خالفه وهو الذي سمي بهران جد بهرام جوبينه بالري إلى شرف المرتبة ثم ملك بهمن بن اسفنديار بن كشتاسب ماءة واثنتي عشرة سنة ثم ملكت هماي بنت بهمن ثم ملك دارا بن بهمن وهو دارا الأكبر
قصة هماي ودارا زعموا أن هماي كانت حاملا من أبيها بهمن عند هلاكه وأنها لما وضعت حملته في مهد واسترضعته في قوم وأعطتهم مالا جليلا وأخرجتهم من دار ملكها فخرج القوم بابنها وركبوا السفينة حتى إذ بلغوا المذار عصفت بهم الريح فغرقت السفينة من فيها وطفا المهد فوق الماء حتى وقع إلى قصار على شاطئ دجلة يغسل الثياب فاخذ المهد فإذا به صبي وبجنبه سفط فيه من الجواهر النفيسة والياقوت الأحمر ما لا يقدر قدره فحمله الرجل إلى منزله وجعلت امرأته ترضعه إلى أن ترعرع ونشأ مع صبيانهم ثم سلموه إلى الأدب فتأدب وكان ذكيا نقيا فنازعته نفسه إلى أدب الفرسان وتحرك إلى ذلك عرقه فلما رأى القصار ذلك صرفه إليهم فنفذ في ذلك أياما وحذق وفاق أستاذيه ثم لما بلغ نظر في نفسه وفي ولد القصار فلم ير فيهم أحداً يشبهه ويشاكله فساءه ذلك ونفرت نفسه منهم وقال للقصار لست أشبهكم ولا تشبهونني فاصدقني عن نفسي وعن نفسك وكان ينسب إليه فأخبره بخبره كيف كان فهيأ الغلام وأخذ سلاحه وركب فرسه وقصد باب الملكة هماي وهي متصيفة بماسبذان قد هيئت ميدانا للفرسان يلعبون فيه بالصوالجة ويرمون بالنشابة وهي مشرفة عليهم فوق مظلة فمن أصاب وأجاد أجزلت له الجاه والتكرمة فدخل الغلام الميدان فقالوا له من أنت فقال لا عليكم أن تسألوني عن نسبي حتى يتبين لكم أثري وذلك أنه استحيا أن ينسب إلى القصار فالتقف من أيديهم الكرة فبلغ به الشأو في ركضه وأخذه ثم أخذ القوس والنشابة ونضلهم ثم أخذ الرمح فثقفهم ثم راكضهم فسبقهم وهماي في المنظرة مشرفه عليهم معجبة به مع صباحة وجهه وحداثة سنه وكثرة شبهه بها فقال إن رأت الملكة أن تعفيني من هذه الخصلة فإني والناس كلهم عبيدها ثم در ثدياها وتحركت نفسها فنهضت من مجلسها وقالت للحاجب إيذن له فدخل وقالت أصدقني عن نفسك فقد أنكرت نفسي فيك فاخبرها بما أخبره به القصار فوثبت إليه وعانقته وقالت ابني والله ودعت الناس وأخبرتهم القصة ووضعت التاج على رأسه وقالت هذا ملككم وكان ملكها ثلاثين سنة ودارا كان شجاعاً حازماً فضبط المملكة وغزا الروم وقتل مقاتلها وسبى ذراريها وأتى بملكها أسيرا حتى مات في حبسه حتف أنفه ووظف عليهم الفدية وكان ملكه اثني عشر سنة ثم ملك ابنه دارا بن دارا الأصغر الذي بنى مدينة دارا بأرض نصيبين وبنى دارابجرد بأرض فارس وهو الذي قتله الاسكندر قصة دارا والاسكندر
وهذه قصة دارا والاسكندر قالوا أن دارا الأكبر قتل ملك الروم وأخذ منهم الفدية فلما مات وصار الأمر إلى ابنه دارا الأصغر كتب إلى فيلقوس أبي الاسكندر وكان ملك بلاد اليونانيين فبعث إليه بالجزية وكانت أرض الروم حينيذ طوائف لم يكن لهم ملك يجمعهم فلما مات فيلقوس وصار الأمر إلى الاسكندر جمع ملك الروم إلى نفسه ولم يحمل إلى دارا الخراج الذي كان يؤديه أبوه فكتب إليه دارا يونبه بسوء صنيعه ويعيره بحداثة سنه وبعث إليهم بصولجان وكرة وقفيز سمسم يريد به أنك صبي تلعب وأن عسكري في عدد السمسم وكثرة فنظر إليه الاسكندر واعتذر إليه وحلف أنه لم يأمر به ولم يأت لقتله وإنما كان يطلب الفدية كما كان آباؤهم يؤدونها إليه فزوجه دارا ابنته روشنك وقال أنها ملكة وأنت ملك كفوا لها وسأله أن يقيد من قاتله وأن لا يهدم بيوت النيران ولا يهيج الهرابذة قالوا فملك الاسكندر أربعة عشر سنة وهدم بيوت النيران وقتل الهرابذة وأحرق كتاب دينهم الذي جاءهم به زردشت وقيل أنه كان مكتوبا في اثني عشر ألف جلد من جلود البقر وفيه مذكور كل ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة حتى ملك العرب ومدة أيامهم قالوا وهم الاسكندر بقتل ملوك المشرق لما رأى من هيئاتهم وعددهم فكتب إلى معلمه ارسطاطاليس وكان خلفه لكبر سنه إبقاء أو شفقة عليه ويستشيره ويوامره فيهم فكتب إليهم أن الأحرار وذوي الاحساب أنصح للملوك وأوفى عهدا من سلفهم وعبيدهم وممارسة الرؤساء أيسر من ممارسة الأخساء لكن فرقهم وعصب بينهم واجعلهم طوائف قال فصير ما بين فرغانه وقشمير إلى أرض الشام سبعين ملكا لا يكون لأحدهم على الآخر طاعة ثم رفع البلاد وفتح الهند وغلب على الصين وكثير من الناس يرون هذا ذا القرنين وكان قيل له أن موتك يكون بأرض بابل على أرض من حديد تحت سماء من ذهب فلما استوسقت له الأمور وألقت إليها بأزمتها أراد أن يقع البرية إلى الاسكندرية وتطير من دخول بابل فرارا من القدر فانتهى إلى ناحية السواد وغلبة النوم فطرحت تحته الأمة درعا فاضطجع عليها واظل عليها بمحفة من ذهب فلما انتبه نظر إلى حالته فاستيقن بالموت فأوصى أن تجعل جثته في تابوت من زجاج ويحمل إلى الاسكندرية وكتب إلى والدته كتابا بالوصاة والتعزية وجعله درج كتاب مضمون ما في الدرج إذ أتاك كتابي هذا فاصنعي طعاما وادعي الناس إليه ولا تأذني أحد في تناول شيء من طعامك إلا من لم يصب بأب ولا أم ولا أخ ولا أخت ولا ابن ولا ابنه ولا قريب ولا حبيب ثم فكي الكتاب المدرج فيه واعملي عليه واتعظي بالله والسلم ففعلت الوالدة كما أمر فلم يمس أحد من الناس شيئا من الطعام ثم فكت الكتاب وقرأته ولم تدمع عينها ولا تغيرت حالتها لبليغ عظته وحسن وصيته قالوا ولم وضع الاسكندر في تابوته قامت الحكماء الذين كانوا يصاحبونه ويسايرونه فتكلم كل واحد بكلام وخبر بليغ وبقى ملوك الطوائف على ما صيرهم عليه مائتي سنة وستا وستين سنة ويقال أربع مائة سنة وكانوا يعظمون اشك بن دارا ويسمونه الملك وكان في يده من الموصل إلى الري واصبهان ذكر ملوك الطوائف يقال الأشغانيون ملك اشك الاشغاني عشر سنين ثم ملك شابور الاشغاني ستين سنة وفي زمانه ظهر عيسى عم بأرض فلسطين وغزا ططوس بن اسفيانوس ملك الرومية بيت المقدس بعد ارتفاع عيسى فقتل المقاتلة وسبى الذرية وهدم البناء حتى لم يدع حجرا على حجر فلم يزل كذلك إلى أن قام الإسلام وولي عمر بن الخطاب رضه بقول الله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها الآية ثم ملك جوذرزين عشر سنين ثم ملك بيزن إحدى وعشرين سنة ثم ملك جوذر تسع عشر سنة ثم ملك نرسي الاشغاني أربعين سنة ثم ملك هرمز سبع عشرة سنة ثم ملك اردوان اثني عشرة سنة ثم ملك كسرى الاشغاني أربعا وأربعين سنة ثم ملك بلاس أربعا وعشرين سنة ثم ملك اردوان الأصغر ثلث عشرة سنة ثم ملوك الطوائف وصار الأمر إلى بني ساسان وأول من ملك في بني ساسان اردشير بن بابك بن ساسان الجامع وهو من ولد دارا فيكون مدتهم في هذا الحساب مئتين وسبعين سنة، ملك اردشير الجامع ويقال له شاهنشاه
ثم ملك اردشير الجامع ويقال له شاهنشاه قالوا وكان اردشير رجلا بين الفضل في بعد رأيه وذكاء لبه مع صرامته وبأسه ونجدته ولما أفضى الأمر إليه أمر أهل الفقه بجمع ما قدروا عليه من كتب دينهم التي احترقت وتأليفها وتقييدها فانه لا يجمع القلوب المتعادية والأهواء المتنافرة إلا الدين فجمعوا ما أصابوا منها وهو الذي في أيديهم اليوم قالوا ثم عمد إلى كتب الطب والنجوم فجددها وأعادها وبث كتبه في من قرب منه ونأى عن الملوك يأمرهم بإقامة الدين والسنة ويحذرهم معصيته ومخالفته فصفت له المملكة أربع عشر سنة وستة أشهر، ثم ملك شابور بن اردشير فغزا الروم وسبى منهم سبيا كثيرا وأنزلهم في مدينة سابور بفارس ومدينتي جنديسابور وتشتر بالأهواز فمن ثم كثر علم الطب والأطباء في هذه المدن وفي زمان شابور بعث الله على سبا سيل العرم فتفرقوا في البلاد بقول الله عز وجل فمزقناهم كل ممزق وفي زمانه ظهر ماني الزنديق وذلك أن أول ما ظهر في الأرض من أمر الزندقة إلا أن الاسامي يختلف عليها إلى أن سمي اليوم علم الباطن والباطنية في زمانه قتلت الزباء جذيمة الأبرص وهو الذي حاصر الضيزن ملك الحضر فأشرفت عليه النضيرة بنت الضيزن وهويته فكتب في سهم يدل على عورة الحصن فأتتها من مدخل الماء ورمت بالسهم إليه فقطع الماء عنهم حتى أجهدهم العطش ثم استندبهم على حكمه وقتل النضيرة لغدرها بأبيها وهذا يسمى سابور الجنود لكثرة جنوده ودوام مسيره وقيل أنه أمر بذوابتها فشدت في ذنب مهر غير مروض وضرب وجهه وفيها يقول عدي بن زيد
والحضر صبت عليه داهية ... شديدة أيد مناكبها
ربيبة لم ترق والدها ... لحبها إذا ضاع راقبها
وكان حظ العروس إذ جشر ال صبح دماء تجري سبائبها
قالوا وكان ملكه ثلاثين سنة ملك هرمز البطل ويقال له هرمز الجريء ثم بعده هرمز البطل ويقال له هرمز الجريء ملك وأتاه ماني يدعوه إلى الزندقة فقال إلام تدعوني فقال إلى خراب الدنيا وترك العمارة فيها للآخرة فقال لأخربن بدنك فأمر به فقتل وحشى جلده تبنا وصلب بباب جندي سابور فهو إلى اليوم يسمى باب ماني ويقال أنه سلب بباب نيسابور بخراسان وكان ملكه سنة وعشرة أشهر ويقال أن ابنه بهرام بن هرمز قتل ماني وكان ملكه ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام ثم ملك ابنه بهرام ابن هرمز وهو الذي يقال له بهرام الصلف وكان فظا غليظا هان عليه الناس واستخف بهم حتى فزعوا إلى موبذ موبذان فقال إذا أصبحتم فالزموا بيوتكم ومنازلكم ولا يخرج إليه أحد ولو رآه قائما على بابه وأمر غلمانه وحاشيته أن لا يقوم على رأسه ولا يجيبه إذا دعاه ولا يطيعه فيما أمره ففعلوا ذلك وأصبح بهرام من غده على سجيته وجاء حتى قعد على سريره فلم ير أحداً من غلمانه ومرازبته ونظر إلى مجلس الوزراء والكتاب فلم ير فيه أحد ثم نادى بالحاجب فلم يجبه ودعا بالغلمان فلم يجيبوه فهاله ذلك وارتاع له ولم يدر ما السبب فبينما هو متفكر في نصيبه متعجب من أمره إذ دخل عليه موبذان موبذ ففرح به لما رآه وافرح عنه روعه وسأله عن الحال فقال تعلم أنك ملك ما أطاعوك ولا يطيعك الجماعة بغير رفق ففطن لهم بهرام وراجع نفسه وهجر الفظاظة ولزم الرفق ثم ملك بهرام بن بهرام أربعة أشهر ثم ملك نرسى بن بهرام تسع سنين ثم ملك هرمز بن نرسى سبع سنين وخمسة أشهر ثم ملك ابنه شابور ذو ولأكتاف قصة شابور ذي الأكتاف
وهذه قصة شابور ذي الأكتاف قالوا وهلك هرمز ولا ولد له فوجدوا ببعض نسائه حبلا فسألوها عن حالها فقالت إني أرى من نضارة لوني وحركة الجنين في الشق الأيمن ما أرجوا أن يكون تحقيقا لما قال المنجمون فأقعدوا التاج على بطن المرأة ثم لما وضعته سموه شاه شابور وجعل الوزراء يدبرون أمره والأعداء يزحفون إليه من كل جانب قالوا فلما أينع الغلام وترعرع سمع ضجيج الناس وأصواتهم وصراخهم فقال ما هذا فقيل ازدحم الناس على الجسر فقال هلا جعلتم جسرين أحدهما للذاهبين والآخر للجائين فلا يزحم بعضهم بعضا فاعجب من حضره من مقالته وحسن فطنته في صباه وصغر سنه قالوا فلم تغرب الشمس من يومهم حتى عقدوا جسرا آخر ثم لما بلغ خمس عشرة سنة وأطاق ركوب الخيل وحمل السلاح خرج لمحربة الأعراب التي زحفت من كاظمة البحرين وتطرقوا نواحيه يغيرون عليها ويفسدون فيها وجعل يقتلهم وينزع أكتافهم ويتبعهم في بواديهم وديارهم حتى أفنى إيادا خاصة إلا من بالروم وروى أن معاوية لما كتب إلى تميم يغريهم بعلي عم ويأمرهم بالوثوب عليه خطب علي ثم قال في كلامه
ان حيا يرى الصلاح فسادا ... ويرى الغي للشقاء رشادا
لقريب من الهلاك كما أه لك شابور بالسوار إيادا
قالوا ولم يكف شابور عن قتلهم حتى جلست عجوز على طريقه وصاحت به وكانت سيرة الملوك من صاح بهم وقفوا عليه إن كنت تطلب ثأرا فقد أدركته وإن كنت تقتل سرفا فإن لهذا قصاص فكف حينئذ عن القتل ولقد سمعت غير واحد من أهل العلم يقول عنت العجوز بقولها أمر النبي صلعم وادراكه من الفرس ثأر العرب قالوا ثم دخل شابور الروم متنكرا متجسسا أخبارهم ويطلع على عورة بلادهم ووافقته وليمة لقيصر فدخل عليها على هيأة السؤال ليشاهد أحوالهم وأخلاقهم فبينما هو واقف عليهم إذ أتى بإناء فيه تمثال شابور منقش فقال رجل من حكمائهم إن هذا التمثال يشبه صورة هذا السائل فقبضوا عليه وألحوا وخوفوه بالقتل حتى أقر فجعلوه في جلد بقرة وكتبوا إلى عظماء فارس انا قد ظفرنا بملككم فإما أن نقتله وإما أن تفتدوه فأرسلوا إليهم بأموالهم وخزائنهم وما ملكته أيديهم فأخذوا المال ولم يخلوا عنه ثم سار قيصر إلى بلادهم فقتل المقاتلة وأخرب المدن وعقر النخل وشابور معه في تابوت يسير حيث سار حتى انتهى إلى جنديسابور فنزل بساحتهم وقد تحصن أهله فحاصرهم شهورا وقالوا وأتت ليلة عيدهم فغفلوا عن شابور ونامت عنه الرقباء ونظر سابور إلى قوم أسارى وزقاق من زيت فقال لبعضهم أفرغوا على من هذا الزيت فأفرغوا عليه فلانت الجلدة عليه وانسلخت عنه وقام يدب على الأربع كالدواب حتى أقتحم سور المدينة ونادى أنا شابور الملك فاجتمعوا عليه وتباشروا به وخرج من ليلته والقوم في شغل من عيدهم فقتلهم أبرح قتل واستباح أموالهم وأسر قيصر ملكهم قال أني مستجبيك كما استجبيتني وأخذه برد ما أخذ من الأموال وإصلاح ما خرب من المدن من سرة بلاده وأن يغرس مكان كل نخلة عقرها زيتونة ولم يكن بالعراق حينئذ شجر الزيتون فحملوا الطين من أرض الروم في السفن والعجلات حتى عمروا ما خرب بأيديهم ثم رتقه وقطع عقبه وخلى سبيله وفيه يقول الشاعر
هم ملكوا جميع الناس طرا ... وهم رتقوا هرقلا بالسواد
وهم قتلوا أبا قابوس غضبا ... وهم كشفوا البسطة عن إياد
وكان ملكه أثني وسبعين سنة وملك الحيرة في أيامه امرؤ القيس الأول ثم ملك اردشير بن هرمز أخو شابور ذي الأكتاف إحدى عشرة سنة ملك يزدجرد الأثيم وهذه قصة يزدجرد الأثيم ثم ملك يزدجرد الأثيم ويقال له الخشن وهو يزدجرد بن بهرام بن شابور ذي الأكتاف وكان فظا غليظا مهيبا للناس سفاكا للدماء ركوبا للمآثم فشكوا إلى الله عز وجل ودعوا الله عليه فجاء فرس لم ير مثله في حسنه وكمال تقطيعه حتى وقف ببابه فلما خرج رمحه رمحة فقضي عليه وملأ فروجه جريا فلم يدرك فقالت الفرس هذا ملك جاء فأراحنا منه وكان له ابن اسمه بهرام تربى في حجر آل المنذر بأرض العرب
وهذه قصة بهرام جور ثم ملك ابنه بهرام جور فأحسن السيرة وأحيا الناس قالوا قصده خاقان ملك الخزر من نحو باب الأبواب في مائة ألف فخرج بهرام يشبه المتصيد في رابطته وبلغ الخبر خاقان بأن بهرام قد هرب وخلى مملكته لما سمع من كثرة جيوشك فاغفل الحذر وترك الحزم فانقض عليه بهرام من جبال أذربيجان فقتلهم أبرح قتل وجاء برأس خاقان وهو الذي يقول فيه الشاعر
أقول له لما فضضت جموعه ... كأنك لم تسمع بصولات بهرام
فإني حامي ملك فارس كلها ... وما خير ملك لا يكون له حامي أمرهم
قالوا وأمر بإحصاء ما أصاب من الغنائم فإذا هي مثل خراج مملكة لثلاث سنين فوضع الخراج على الرعية بمقدار ذلك وأمرهم بالتفرغ للتلذذ والتنعم قالوا وخرج بهرام يوما متصيدا وقد أردف جارية مغنية فعرض له وحش فقال للجارية أين تريدين أن أضع نشابتي قالت أريد أن تشبه ذكرانها بإناثها وإناثها بذكرانها فرمى ذكرا من الظباء بنشابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى الأنثى بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين ثم قالت وأريد أن تصل ظلف ظبي بأذنه فرمى ظبيا بجلاهق أهوى برجله ليحك أذنه رماه فوصل ظلفه بأذنه ثم ضرب بالجارية الأرض وقال لشد ما اشتططت على وأردت إظهار عجزي وقتلها وهذا والله غير ممكن إلا بالاتفاق قالوا وكان بهرام يعرف اللغات فيتكلم إذا غضب بالعربية وفي القتال بالتركية وفي مجلس العامة بالدرية ومع النساء بالهروية وكان نقش خاتمه بالأفعال تعظم الأخطار وكان صاحب لهو وغناء وصيد وكان لا يقاتل إلا من يقاتله ولا يتعرض لمن لا يتعرض له وبنى له النعمان بن المنذر الخورنق والسدير وفي أيامه ساح النعمان بن المنذر ملك الحيرة فملك بهرام الحيرة المنذر بن النعمان وفي أيامه تحركت أمر قريش لما أراد الله تعالى بهم وتزوج كلاب بن مرة فاطمة بنت سعد من الأزد فولدت له قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب وكان ملكه ثلاث وعشرين سنة ثم ملك الله يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما فلما مات تنازع الملك أبناه فيروز بن يزدجرد وهرمز بن يزدجرد بن بهرام جور قالوا وأسنت الناس في أيامه سبع سنين حتى فني أكثر الحيوان ثم أعاثهم الله بغيثه فزكت الأرض ونمى الزرع وأخرجت كل حبة سبع مائة حبة وسمعت بعض المفسرين يقول في قوله تعالى كمثل حبة أنبتت سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة حبة ولم يكن هذا إلا في زمن فيروز والله أعلم قالوا وكتب فيروز في ذلك القحط إلى العمال والولاة والوكلاء والبنادرة بقسمة ما في الخزائن على الناس وحسن التدبير لهم في المعاش فلم يهلك في تلك السنين إلا رجل باردشيرخرة ثم قصد فيروز الهياطلة وهم قوم كانوا بناحية بلخ وطخارستان وملكهم اشنوار فلما بلغ توجه فيروز إليهم اشتد خوفهم فاحتالوا وذلك أن رجلا منهم باع نفسه من الملك على أن يكفيه مؤونة أهله وعياله بعده وكان قد بلغ من السن غاية لا ينتفع معها بعيش فقطعوا يديه ورجليه والقوة على ظهر طريق فيروز فلما انتهت الخيل إليه سألوه فزعم أن اشنوار غضب عليه في تعصبه لفيروز ففعل به ما ترون فهل لكم أن أخذتكم على طريق تطلعون منه على اشنوار وجنوده مغافصة قالوا بلى فحملوه معهم وأخذ بهم على طريق معطش مهلك فساروا حتى أنفذوا ماء يسقيهم وتاهوا في متوجههم ثم صدقهم الرجل عن نفسه وحيلته عليهم فاخذ كل قومه وجهة يرجون النجاة إلا فيروز في شرذمة قليلة تخلصوا بحشاشة أنفسهم فأسرهم اشنوار واستباح عسكرهم ثم عاهدوا فيروز أن لا يتعرض لهم وخلى سبيله وكان ملكه تسعا وعشرين سنة ثم تنازع الملك بعده أبناه قباذ وبلاش فهرب قباذ إلى الترك يطلب المدد فملك بلاش أربع سنين ومات ثم عاد قباذ وملك وفي أيامه ظهرت المزدكية قصة قباذ ومزدك
وهذه قصة قباذ ومزدك قالوا أن قباذ بن فيروز كان رجلا مداريا متئدا يكره الدماء والمعاقبة وكثرت الأهواء في زمانه وانتحل كل فريق ملة ومذهبا ووثب مزدك وهو رجل من أهل فساد فعمل على الناس وقال أن الله عز وجل جعل الأرزاق في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحد منهم فضل على الآخر ولكن الناس تظالموا وتغالبوا واستأثر كل واحد بما أحب والواجب أن يؤخذ فضل ما في أيدي الأغنياء ويرد في الفقراء حتى يستووا في الدرجة فشايعه على ذلك الغوغاء وافترضوا قوله وجعلوا يدخلون على الرجل فيغلبون على أهله وماله ونسائه وعبيده واشتدت شوكتهم وعظمت نكبتهم وعجز السلطان عن مقاومتهم ولم يكن عندهم لمن أبى عليهم إلا القتل ثم وثبوا على قباذ فخلعوه وحسبوه وملكوا أخاه جاماسب وفسدت معائش الناس واختلطت أنسابهم فكان المولود لا يعرف أباه والضعيف لا يمتنع منه القوي ثم خرج زرمهر ابن سوخرا في من تبعه من الغواة والمطوعة وقتلوا من الزدكية ناسا كثيرا ورد الملك إلى قباذ فتبرأ منهم ويقال أنه كان بايعهم وفي أيامه ولد عبد المطلب وحمل إلى مكة وكان جاءه الحارث بن عمرو المعصوب بن حجر آكل المرار ودخل في دين المزدكية فملكه على العرب كلها فلما صار الأمر إلى انوشروان رد الملك إلى المنذر بن امرئ القيس وكان ملك قباذ اثنتين وأربعين سنة وفي أيامه غلبت الروم والحبشة على اليمن ثم ملك كسرى انوشروان بن قباذ وكان ملكه سبعا وأربعين سنة وسبعة أشهر فقتل ثمانين ألفا من المزدكية في يوم واحد وجمع الناس على الدين وأتم بباب الأبواب السور وغزا الروم ففتح إنطاكية وبنى بالمدائن مدينة على صورة إنطاكية وسماها الرومية وصاهر خاقان ملك الترك حتى عاونه على الهياطلة فأدرك منهم وتر فيروز وانبسط ملكه حتى بلغ قشمير وسرنديب وهو الذي بعث وهرز إلى اليمن فنفى عنه الحبشة وعلى رأسه أربعين من ملكه ولد النبي صلعم في قول بعضهم وكان حسن السيرة مبارك الولاية رحيما بالرعية متميزا للخيم ثم ملك ابنه هرمز بن كسرى فجار وعسف فزحفت إليه الجيوش من النواحي الأربع الروم والترك والخزز واليمن فوجه بهرام شوبينه اصفهبذ الري لالتقاء فقتلهم وسباهم ثم خلع بهرام يده عن الطاعة وتغلب على خراسان وما يليها وكتب القود والمرازبة يغريهم به فوثبوا عليله وسملوا عينيه وحبسوه وملكوا ابنه ابرويز بن هرمز وملك هرمز إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر ثم ملك ابرويز وجاء بهرام شوبينة فقاتله على شط النهروان وهزمه وكان ابرويز يومئذ على فرسه شبديز فلح به فقال للنعمان بن المنذر وهو يمشي بين يديه أعطني اليحموم وهو فرس معروف مشهور له وفيه يقول الأعشى
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق وقد كان يسبق
فلم يعطه اليحموم ونزل حسان بن حنظلة الطائي عن فرسه الضبيب وقال اركب أيها الملك فإن حياتك للناس خير من حياتي فركبه ابرويز ومر إلى ملك الروم موريقيس فاستنجده فزوجه ابنته مريم وأمده بمال ورجال فقاتل بهرام وهزمه إلى الترك واستولى على الملك فلم يزل يدس على بهرام حتى قتل بدار الغربة وكان ملك ابرويز ثمانيا وثلاثين سنة وفي أيامه بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم بالرسالة وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعبد الله بن حذافة السهمي يدعوه إلى الإسلام فمزق كتابه واستخف به وكتب إلى باذان ملك اليمن أن عبدا من عبيدي قد كتب يدعوني إلى دينه فابعث إليه رجلين جلدين يأتيان به مربوطا وإن أبى عليهما فليضربا عنقه ولهذه القصة موضع غير هذا فلما بلغ النبي صلعم تمزيقه كتابه قال مزق كتابي مزق الله عليه ملكه قال الله عز وجل (آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) روى أن عاملا لابرويز يقال له شهرابراز الفارسي غلبهم وسباهم ذلك أن الروم وثبت على ملكهم موريقيس فقتلوه فبعث ابرويز شهرابراز فنكا فيهم نكاية عظيمة قبل الهجرة بسنة ثم أدبرت الروم ابرويز فقتله ابنه وفي ابرويز يقول خالد الفياض
والكهل كسرى شنهشاه يقنصه ... سهم بريش جناح الموت مقطوب
إن كان لذته شبديز مركبه ... وغنج شيرين والديباج والطيب
بالنار آلى يمينا شد ما غلظت ... أن من بدا بنعي شبديز مصلوب
حتى إذا أصبح الشبديز منجدلا ... وكان ما مثله في الناس مركوب
ناحت عليه من الأوتار أربعة ... بالفارسية نوحا به تطريب
فراطن الهربذ الأوتار فالتهبت ... من سحر راحته اليسرى شابيب
فقال مات فقالوا أنت فهت به ... فأصبح الحنث عنه وهو محدوب
لولا الهرابذ والأوتار تندبه ... لم تستطع نعي شبديز المرازيب
أخنى الزمان عليهم فاجرهد بهم ... فما يرى منهم إلا الملاعيب
وابرويز الذي أمر فصور هو ودابته شبديز وسريته شيرين بقرميسين ليبقى له أثر ثم ملك ابنه شيرويه بن ابرويز وأمه ابنة ملك الروم مريم بنت موريقيس فوقع الطاعون في الناس وفنى تسعة أعشار الناس وهلك شيروية فيه وكان ملكه ثمانية أشهر وهو الذي سعى في قتل أبيه ليأخذ ملكه وفيه يقول الشاعر هو عدي بن زيد
وكسرى إذ تقسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام
تمخضت المنون له بيوم ... أتى ولكل حاملة تمام
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره ابرويز ليأتياه بالنبي صلعم فبينما هما عند النبي صلعم إذ قال لهما أن ربي أخبرني أنه قتل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلعم ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فملك عشرين يوما ثم اغتاله بوران دخت بنت ابرويز فقتلته وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة فأحسنت السيرة وعدلت في الرعية ولم تجب الخراج وفرقت الأموال في الأساورة والقواد وفيها يقول الشاعر
دهقانة يسجد الملوك لها ... جبي إليها الخراج في الجرب
ولما بلغ النبي صلعم خبرها قال لا يفلح قوم يليهم امرأة وفي أيامها كانت وقعة ذي قار فقال النبي صلعم يوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا ثم ملكت بعدها آزروميذ دخت بنت ابرويز أربعة أشهر فسمت فماتت ثم ملك رجل يقال له فرخ شهرا وقتل ثم طلبوا يزدجرد بن شهريار بن ابرويز وهو غلام فملكوه فمكث فيهم عشرين سنة والملك منتشر والأمر مختل مضطرب إلى أن قتله ماهوية دهقان مرو بقرية رزق سنة إحدى وعشرين من وفاة النبي صلعم في خلافة عثمان ابن عفان رضه وكان عبد الله بن عامر بن كريز بالطبسين وانقضى أمر ملوك الفرس وأظهر الله دينه وانجز وعده وفيه يقول ابن الجهم
والفرس والروم لها أيام ... يمنع من تقحيمها الإسلام
ويقول المسعودي في آخر قصيدته بالفارسية
سبرى شذ نشان خسروانا ... جوكام خويش راندند در جهانا
ملوك العرب ولهم ثلث ديار العراق والشام واليمن قصة ملوك العرب ولهم ثلث ديار العراق والشام واليمن ويقال أن من ملك اليمن بعد نزول قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح أتاها يعرب بن قحطان وهو أول من نطق بالعربية وأول من حياه ابنه بأبيت اللعن وأنعم صباحا ولا يدري من كان بعده حتى ملك حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ولم يزل الملك في ولده إلى أن مضت قرون وحقب وصار إلى الحارث الرائش بعد خمس آباء فمنهم من فرع ينهب بن أيمن بن ذي ترجم بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن الهميسع بن حمير وهو الذي أخرج العماليق من اليمن في زمن الضحاك وصاهر افريذون كما ذكرنا آنفا وفيهم يقول الشاعر
رأيت ملوك الناس في كل بلدة ... فلم أر في الأملاك أمثال حمير
ومنهم شمر ذو الجناح وفي أيامه ظهر موسى عم بالشام وهو زمن منوجهر ببابل ومنهم غمدان نبان وهو الذي بنى غمدان ومنهم شمر نهعص ومنهم ذو يقرع ومنهم ذو مرابح فأما ملوك اليمن فالذي يصح ذكره بعد الحارث الرائش ويقال أنه أول من غزا من ملوك اليمن وأصاب الغنائم فسمي الرائش لأنه راش الناس وكساهم وفي عصره مات لقمان صاحب النسور ويروى أن له شعرا يذكر فيه نبينا محمد صلعم وملوكا يكونون قبله ويقول
ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبي لا يرخص في الحرام
يسمى أحمد يا ليت أني ... أعمر بعد مبعثه بعام
قالوا وكان ملكه مائة وخمساً وعشرين سنة ثم ملك بعده أبرهة ذو المنار وسمى به لأنه غزا بلاد النسناس وجاء بهم وجوههم في صدورهم فذعر الناس لذلك وكان ملكه خمسا وعشرين سنة ثم ملك هداد بن شراحيل بن عمرو بن الحارث الرائش أبو بلقيس ولم يلبث إلا يسيرا حتى هلك ثم ملكت بلقيس أربعين سنة وكان من قصتها وقصة سليمان ما ذكر الله عز وجل ثم ملك ناشر النعم لإنعامه على الناس وذكروا أنه بلغ في غزاته إلى وادي الرمل الحماري فأمر بصنم من نحاس فصنع ثم كتب عليه ليس ورائي مذهب وكان ملكه خمسا وثمانين سنة ثم ملك شمر بن افريقيس بن ذي المنار بن الرائش وهو الذي يدعى بشمر بن رعش لرعشة أصابته وهو الذي غزا الصين وافتتح عامة فارس وسجستان وخراسان وخرب سمرقند فسميت شمركند وكان ملكه مائة وسبعا وثلاثين سنة وفيه يقول ابن الجهم
وظهرت باليمن التبابعة ... شمر يرعش وملوك خالعة
ثم ملك بعده ابنه الأقرن بن شمر وغزا الروم قبل ظهور عيسى عم وكان أهلها عبدة الأصنام والأوثان فمات بناحية منها يقال لها وادي الياقوت وكان ملكه ثلاث وخمسين سنة ثم ملك بعده تبع بن الأقرن وهو تبع الأكبر وكان أقام سنوات لا يغزو فسمته حمير موثبان وموثبان بلغتهم القاعد فغضب لذلك وأخذ بالغزو حتى وصل الصين وخلف رابطة بتبت فأعقابهم اليوم بها وهو القائل فيما يروى
قطع البقاء بقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا يمسى
وطلوعها بيضاء إذ طلعت ... وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت بالنفس
اليوم ينظر ما يجيء به ... ومضى لفضل قضائه أمس
وكان ملكه مائة وثلاثا وستين سنة ثم ملك بعده ملكيكرب ابن تبع خمسا وثلاثين سنة ثم ملك ابنه تبع الأوسط وهو أسعد أبو كرب وكان يغزو بالنجوم ويسير بها حتى بلغ الهند والروم إياه عنى الطائي بقوله
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كرى وصدت صدودا عن أبي كرب
قالوا وطالت مدته واشتدت وطأته وملته حمير لكثرة غزاته وهو الذي قال فيما يروى
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم
وهو الذي قتل يهود يثرب وأراد أن يخربها فأخبر أنها مهاجر نبي فآمن به وتركها كما يزعمون وكان ملكه ثلثمائة وعشرين سنة ثم ملك ابنه حسان بعدما وثبت حمير على أبيه فقتلوه ثم لقب حسان هذا ذوجيشان وهو الذي أباد جديس وقد مرت قصتهم وأخذ حسان يتجنى على قتله فقتلهم واحدا واحدا حتى بايعوا أخاه عمرو بن تبع على أن يقتل حسانا فقلته فلما قتله منع النوم فسأل الغلمان عن ذلك فقالوا إنك قتلت أخاك ظلما ولن يؤاتيك النوم حتى تقتل من أشار عليك بقتله فقتلهم كلهم إلا ذا رعين فإنه نهاه عن ذلك وكان قال حين سهر
ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
لنا معراج ملك حيث كنا ... تناوله المقاول باليدين
ملكنا بعد تبعنا زمانا ... وعبدنا ملوك المشرقين
زبرنا في ظفار زبور مجد ... ليقرأه جميع الخافقين
ونحن الواقفون بكل هون ... إذا قال المقاول أين أين
قالوا وكان هذا في زمن ملوك الطوائف بعد الاسكندر وفي ملكه تزوج عمرو بن حجر الكندي جد امرئ القيس الشاعر ابنة حسان بن تبع أخى عمرو بن تبع فولدت له الحارث ابن عمرو وفي أيامه أحس عمرو بن عامر بسيل العرم فخرج من سبأ بمن تبعه وهو أبو ملوك الحيرة والشام وعمان وكان ملكه ثلاثا وستين سنة ثم ملك بعده عبد كلال بن مثوب أربعا وسبعين سنة وآمن بعيسى عم ثم ملك بعده تبع الأصغر وهو تبع بن حسان ثمانيا وسبعين سنة وهو الذي قتل يهود يثرب في أصح الروايات وقصة ذلك قال محمد بن اسحق كان الأوس والخزرج مستضعفين متهضمين في أيدي اليهود وملكهم القيطون لا يزف عروس إلا اقتضها فلما تزوج مالك بن عجلان الخزرجي أخته وأدخلها إلى القيطون تشبه مالك بن عجلان بالنساء وتستر بثيابهن ودخل معهن واختبأ في ناحية من داره فلما هم القيطون بأخته قام إليه مالك بن عجلان فقتله ثم خرج إلى تبع فاستصرخه فجاء حتى قتل من رؤساء اليهود واعلامهم ثلثمائة وخمسين رجلا غيلة بذي حرض موضع بالمدينة فقالت امرأة من اليهود ترثيهم
بأهلي لمة لن تغن شيئا ... بذي حرض تصفقها الرياح
شباب من قريظة أتلفتها ... سيوف الخزرجية والرماح
ولو اربوا بأمرهم لحالت ... هنالك دونهم خود رداح
ويقال أن هذا كان ملك الشام الحارث الأعرج والله أعلم قال وهم تبع بإخراب المدينة فقالت له يهود إن هذا غير ممكن ولا أنت واصل إليه قال ولم قالوا لأنها مهاجر نبي يخرج من مكة فقبل تبع اليهودية ودان بها وأخذ حبرين من أحبارهم معه إلى اليمن ومر بالبيت وكساه البرود وهو أول من كساه وفيه يقول اليمانون
وكسونا بالبيت الذي كرم الل ه ملأ معضدا وبرودا
فلما قدموا اليمن اختلفوا عليه لمتابعته اليهود وكانت لهم نار تخرج من جبل يتحاكمون إليها ويزعمون أنها تصيب الظالم ولا تمس المظلوم والله أعلم ويشبه أنهم كانوا يقولون هذا القول على جهة التخويف فتحاكموا إليها فخرجت فأحرقت عبدة الأوثان وتركت الحبرين ومن معهما فتهود خلق كثير من اليمن وعلى اليهودية أحرق الناس بقول الله عز وجل قتل أصحاب الاخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود ثم ملك مرثد بن عبد كلال إحدى وأربعين سنة وتفرق ملك حمير فلم يعد ملكهم اليمن وذلك في زمن اردشير الجامع فملك ذو فايش وذو مجن وذو نواس وذو الكلاع وذو رعين وذو عكيلان ثم ملك وليعة بن مرثد سبعا وثلاثين سنة وفي زمانه أرسل الله على سبأ سيل العرم فبادوا ثم ملك ابرهة بن الصباح ثلاثاً وسبعين سنة ثم ملك حيان بمن عمرو سبعا وخمسين سنة ثم ملك ذو شناتر ولكم يكن من أهل بيت الملوك ولكنه من أبناء المقاول وكان لا يسمع بغلام نشأ من أبناء المقاول إلا بعث إليه فأفسده حتى قتله ذو نواس وقصة ذلك أنه بلغه من ذي نواس ظرافة وملاحة فبعث إليه فأحضر وكان له ذؤابتان تنوسان على عاتقه وهو على دين اليهود وهو صاحب الأخدود وكان قد خبأ سكينا صغيرة تحت ثيابه فلما راوده على الفاحشة وخلا به وثب عليه ذو نواس وبعج بطنه وقتله فحمدت حمير مذهبه وملكوه على أنفسهم،
قصة أصحاب الأخدود
وروى محمد بن اسحق عن وهب قال وكان رجل من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيمون خرج من الشام مع سيارة من العرب فأخذوه وباعوه من أهل نجران وكان أهل نجران يعبدون نخلة لهم فقال لهم فيمون إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع فلم تعبدون ولو دعوت ربي الذي أعبده لأهلكها قالوا فافعل فدعا فيمون ربه فجاءت ريح فجعفتها عن أصلها فاتبعه أهل نجران وآمنوا بعيسى وبلغ الخبر ذا نواس فسار إليهم بجنوده فحاصرهم زمانا ثم آمنهم فأعطاهم عهدا لا يغدر بهم إن هم نزلوا فلما هم نزلوا خد بهم الاخدود وأوقد فيه النار ثم جعل يجاء بفوج بعد فوج ويخيرون بين اليهودية والنار فمن أبى عليه قذفه في النار قالوا حتى أتي بامرأة معها صبي لها ترضعه فلما نظرت إلى النار ذعرت لذلك وكادت تعرض على دينها فقال لها الصبي مه يا أماه امضي على دينك فإنه لا نار بعدها فرمى بالمرأة وابنها في النار قال بعضهم فجعل الله النار عليهما بردا وسلاما فكف ذو نواس عن ذلك ومضى رجل من أهل اليمن يقال له ذو ثعلبان إلى ملك الحبشة ومعه صحف محرقة من الإنجيل ويستصرخه فبعث بجيش إلى اليمن وانهزم ذو نواس من بين أيديهم فخاض في البحر بفرسه حتى غرق وفيه يقول عمرو بن معدي كرب
أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
وكاين كان قبلك من نعيم ... وملك ثابت في الناس راسي
قديم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا وأمسى ... يحول في أناس من أناس
وانقضى ملك اليمن وغلبت الحبشة عليها وكان بين ملك الحارث الرائش إلى هلاك ذي نواس ألف سنة وستمائة سنة وستون سنة وقد قيل في قصة الأخدود غير هذا وقد ذكرناه في كتاب المعاني ثم ملكت الحبشة وذلك في زمن قباذ وأنوشروان قالوا ولما قتل ذو نواس أهل نجران وأحرقهم وذهب صريخهم إلى النجاشي ملك الحبشة يستنجده قال عندي رجال وليس عندي سفن فكتب إلى قيصر ملك الروم وبعث إليه بالأوراق المحرقة من الإنجيل يغريه بذلك ويحفظه ويسأله أن يعينه بالمعابر ليطلب بثأر دينهم فبعث إليه بسفن كثيرة فحمل النجاشي فيها جيشا كثيرا إلى اليمن فلما سمع ذو نواس صنع مفاتيح كثيرة وتلقاهم بها وقال هذه مفاتيح كنوز اليمن خذوها واستبقوا الرجال والذرية فقبلوا منه ثم فرقهم في المخاليف والقرى وأعطاهم تلك المفاتيح وكتب إلى كل مقول في مخلاف إذا كان يوم كذا وكذا فاذبح كل ثور أسود عندك ففطنوا لذلك وقتلوا أوليك الحبشة في يوم واحد ولم ينج منهم إلا الشريد وبلغ النجاشي الخبر فبعث بسبعين ألف مقاتل وأمرهم أن لا يدعوا رجلا إلا قتلوه ولا بناء إلا هدموه فعلم ذو نواس أنه لا طاقة له بهم فاستعرض البحر واقتحم اللجة وكان آخر العهد به وجاءت الحبشة فاستولوا على اليمن ورئيسهم ابرهة الأشرم فخربوا المدن وقتلوا الرجال وسبوا النساء والولدان ولم يبعثوا إلى النجاشي بشيء من ذلك فبعث النجاشي أرياط في جيش كثيف للقاء أبرهة فاتعد للقتال يوما وتواقفا فغدر بارياط أبرهة وقتله ورفع النجاشي الخبر فزعج نفسه وحلف بالمسيح أن لا يكون له ناهية حتى يهريق دم أبرهة ويجز ناصيته ويطأ تربته ففزع لذلك أبرهة وارتاع وبعث إليه بهدايا والأموال وكتب إليه يستعينه ويستعطفه ويعتذر إليه من صنيعه بارياط وبعث إليه بقارورة من دمه وجراب من تربة أرضه وجزة من ناصية وقال يطأ الملك التراب ويريق الدم ويجز الشعر فيبر قسمه بذلك فرضى عنه النجاشي وأعفاه واستجمع لأبرهة ملك اليمن فبنى كنيسة لم ير الناس مثلها في شرفها وحسنها ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسقيا والألوان والأصباغ وصنوف الجواهر وسماها القيس وأمر الناس أن يجعلوا حجهم إليها ويتركوا حج مكة فجاء رجل من النساة وقعد في كنيسه فغضب لذلك أبرهة وهم بغزو قريش وأوفد نارا لطعامهم فلما ارتحلوا عصفت الريح واشتعلت النار وأحرقت القليس فعند ذلك خرج الأشرم بالفيل إلى مكة يهدم البيت
قصة أصحاب الفيل
وسار بخيله ورجله يقدمهم الفيل لا يطأ بلدا إلا استباحهم وقتلهم فلقيه نفيل بن حبيب الخثمعي وقاتله فهزمه أبرهة وأسره وكاد يقتله فقال أنا رجل دليل خريت للفلوات فاستبقني يكن خيراً لك فتركه يدله وسار وبلغ الخبر قريشا فتحصنت في الشعاب ورؤوس الجبال ولم يتخلف بمكة غير عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جد النبي صلعم لأمه وجاء أبرهة حتى نزل عرفات وأرسل إلى أموال قريش فجمعها وساقها وأخذ لعبد المطلب مائتي ناقة فجاء عبد المطلب يطلب إبله واستأذن على أبرهة فأذن له فلما دخل عليه رحب به وعظمه وقال ما حاجتك قال إبلي قال له أبرهة قد كنت فيك راغبا فزهدت تسألني إبلك وتترك بيتك الذي هو دينك فقال عبد المطلب أنا رب هذه الإبل وللبيت رب إن شاء منعه فلما أصبحوا جهزوا الجيش ووجهوا الفيل نحو الكعبة فلما بلغ الحرم برك وانصرف راجعا إلى اليمن وأرسل الله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل كما ذكر الله عز وجل في القرآن فأهلكهم ووقعت الأكلة في جسد أبرهة فحمل إلى اليمن فهلك بها وفي هذه القصة اختلاف كثير في كيفية مجيء الطير وعدد الفيلة ووجود المعجزة في غير زمان نبي مبعوث فذكرناها في كتاب المعاني ولا معنى لإنكار من ينكر هذه القصة ويزعم أن القوم كان أحرقهم ثمار اليمن وأوباهم ماءها وهواءها فحصبوا أو جدروا فهلكوا ذلك أشيع فيهم وأفشى بهم من أن يأتي عليه الكتمان ولهم فيه الأشعار ما لا يعترض شك في صدقه فمنه قول عبد الله بن الزبعري
فنكبوا عن بطن مكة أنها ... كانت قديما لا يرام حريمها
سايل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين حليمها
ستون ألفا لم يؤوبوا أرضه م ولم يعش بعد الإياب سقيمها
ومنه قول الآخر
كاده الأشرم الذي جاء بالفي ل فولى وجيشه مهزوم
فاستهلت عليهم الطير بالجن دل حتى كأنه مرجوم
وفي عام الفيل ولد رسول الله صلعم والملك أنوشروان وعلى الحيرة النعمان بن المنذر ثم لما هلك أبرهة ملك ابنه يكسوم بن أبرهة اغتصب ريحانه بنت ذي جدن وامرأة ذي يزن أبي مرة الفياض فاستنكحها وكانت ولدت لذي يزن سيف بن ذي يزن ثم ولدت لأبرهة وكان خرج ذو يزن إلى كسرى أنوشروان يستنجده ويستعينه على السودان وامتدحه بالحميرية فاعجب كسرى بقصيدته لما ترجمت له فواصله وحباه وقال سأنظر في أمرك وكان مقيما ببابه على شبه العبدة حتى هلك وشب ابن ذي يزن ونشأ وهو يظن أنه ابن أبرهة فقال له مسروق لعنك الله ولعن أباك فرجع سيف إلى أمه وقال من أبي قالت أبرهة قال لا والله لو كان أبي أبرهة ما سبني ولا سبه مسروق فصدقته أمه الحديث وأن أباه ذهب إلى كسرى فما غيره فتهيأ الغلام وخرج إلى قيصر فشكا إليه فلم يشكه فجاء حتى أتى النعمان بن المنذر ملك الحيرة واستشاره في قصد كسرى فقال له النعمان إن لي عليه في كل عام وفادة فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم قدم معه إلى كسرى فاعترضه سيف بن ذي يزن وهو يسير فصاح أن لي عندك أيها الملك ميراثا فقال أنا ابن الشيخ الذي أتاك يستنجدك فاوعدته فعرف كسرى ذلك وسار حتى دخل القصر وجلس في الإيوان تحت التاج وكان تاجه مثل العقنقل العظيم معلقا بسلاسل من ذهب فلا يراه أحد إلا برك هيبة له واستأذن النعمان بن المنذر لسيف بن ذي يزن فأذن له فلما رأى كسرى خر ساجدا له من هيبته ثم قال غلبتنا على بلادنا الأغربة فجئتك لتنصرني ويكون ملك بلادي لك فقال بعدت بلادك مع قلة خيرها وما كنت لأورط جيشاً من فارس ثم رق له كسرى لما ذكر حال أبيه ومقامه ببابه إلى أن مات وأمر له بعشرة آلاف درهم وخلع فاخرة ودواب وقال الحق بلادك فإنك لا تزال أكثر قومك مالا فخرج سيف من عنده وجعل ينثر تلك الورق وينهبها الناس فدعاه كسرى فقال تنثر حبائي وتنهب عطيتي فقال لم آتك أيها الملك للمال وإنما آتيك للرجال وما تراب بلدي إلا من هذا يرغبه في بلاده فاستصوب كسرى ذلك من فعله وجمع المزاربة والموابذة واستشارهم في أمره فقالوا أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل وهم أهل بأس وشدة وحدة فنرى أن تبعثهم معه فإن أصابوا كان لك وإن هلكوا فذاك ما أردت فأمر بمن في السجون فأحضروا فوجدوهم ثماني مائة رجل وكان فيهم أسوار يقال له وهرز يعد بعشرة آلاف إسوار في مكيدته وبأسه فاستعمله عليهم وحملهم في السفن حتى خرجوا بساحل حضرموت وخرج سيف بن ذي يزن فأخذ على طريق البر وجمع قومه من أطاعه إلى وهرز وهلك يكسوم وملك أخوه مسروق ابن أبرهة فسار إليهم في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعاريب وأرسل إلى وهرز لقد غدرت بنفسك حين طمعت في ناحيتنا مع هذه الفئة القليلة وإن شئت أذنت لك فرجعت إلى بلادك وإن شئت أخرتك حتى تنظر في أمرك فقال وهرز بل نضرب بيننا أجلا لا يتعرض بعضنا لبعض حتى ينفض الأجل ففعلوا وقالوا وركب ابن لوهرز يسير على فرس له تحيت عسكرهم فجع به فرسه فأسقطه وثارت الحبشة إليه فقتلته فأرسل إليهم وهرز أن قد نقضتم العهد واخفرتم الذمة ثم أمر بابنه فطرح في صعيد ينظر هو وأصحابه إليه ليدبرهم ولم يظهر جزعا ولا أسفا فلما انقضى الأجل خرج وهرز إلى السفن التي جاء فيها فأحرقها ودعا بكل ناد كان مع القوم وجمعهم وقال كلوا ثم أمر بما فضل فألقى في البحر وعمد إلى فراشهم ورحالهم كلها فأحرقها ثم قام فيهم خطيبا فقال أما ما أحرقت من سفنكم إلا وأردت أن أعلمكم أن لا سبيل إلى بلادكم فإن أطاق أحدكم أن يركب البحر بلا مركب فليعبر وأما ما ألقيت من زادكم فإني كرهت أن يطمع أحدكم أن معه زاد يعيش به يوما واحدا فيفر طمعاً في الحيوة بذلك الزاد وأما ما أحرقت من ثيابكم ومفارشكم وأثقالكم فانه كان يغيظني ان كانت الدائرة عليكم أن يلبسها الحبشة ويفترشها بعدكم وإن ظفرتم لم تعدموا أمثالها وإن هلكتم فما حاجة الأموات إلى الأموال والمطارح والمفارش ثم قال أصدقوني يا قوم عن نفسكم فإن كنتم تحدثون أنفسكم بالفرار فأخبروني حتى أتكي على سيفي ولا أحتمل عار الدهر فقالوا جميعا نحن لك تبع وأنفسنا لك النداء ثن هيأ عسكره وعباهم وقال أوتروا قسيكم ولم يكن رؤى النشاب قبل ذلك باليمن وأقبل مسروق على فيل له وعلى رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء وكان وهرز شيخا معمرا دهريا قد كل بصره من الهرم وسقط
حاجباه على عينيه وفيه من بقية القوة ما لا يوتر قوسه غيره فعصب حاجبيه بعصابة وأوتر قوسه وقال أبن ملكهم قالوا على فيل قال إنه على مركب ملك قالوا قد نزل من الفيل وركب فرسا قال نزل عن بعض الملك قالوا نزل عن الفرس وركب بغلا فقال بالفارسية أين كوذك خرست يعني ابن الحمار ذهب ملكه ثم قال لغلامه أخرج من الجعبة نشابة وإن من رسمهم أن يكتبوا على نشابة اسم صاحبها وعلى أخرى اسم أبيه وعلى الثالثة اسم الملك وعلى الرابعة اسم المرأة يتفألون بها ويتطيرون فأخرج الغلام نشابة فقال ما الذي هو مكتوب فقال اسم امرأتك فقال ردها واخرج أخرى فردها وأخرج أخرى فقال ما عليها فقال اسم امرأتك قال أنت المرأة وعليك طائر السوء خرجت من بلادك ولا همة لك غير النساء ردها وأخرج غيرها فردها وخرجت نشابة المرأة فتفأل بها وهو ربما كانوا يتطيرون وقال زنان زنان نضرب نضرب ثم قال إذا رميت فإن أصبت ملكهم فارموا حينئذ بالفترجان والفترجان أن يرمى الرجل خمس نشابات وإن أخطأت فلا يرمين أحدكم حتى آمره فتمعط في قوسه حتى ملأها نزعا ثم سرجها فأقبلت النشابة كأنها رشاء فصكت الياقوتة بين عيني مسروق فطارت فضاضا وفلقت جبهته وتغلغلت في رأسه حتى خرجت من قفاه ولانت الحبشة وانتقضت صفوفهم ثم رموهم فترجانات فهزموهم وقتلوهم حتى كان الإسوار يسوق المائة والمائتين والثلاث مائة من الأسارى بين يديه وذكر أن رجلا ركض على جمل وله ثلاثة أيام والتفت إلى حقيبته فإذا فيها نشابة فقال أبعد ثلاث لا أم لك فظن أنها أتته من مسيرة ثلاثة أيام وصفت لوهرز اليمن ست سنين وكان فتحها سنة إحدى وأربعين من ملك انوشروان ورسول الله صلعم ابن سنة أو سنتين أو فوق ذلك ويقال بل كان ذلك في زمن هرمز بن انوشروان والله أعلم وفيه يقول أمية بن أبي الصلت على عينيه وفيه من بقية القوة ما لا يوتر قوسه غيره فعصب حاجبيه بعصابة وأوتر قوسه وقال أبن ملكهم قالوا على فيل قال إنه على مركب ملك قالوا قد نزل من الفيل وركب فرسا قال نزل عن بعض الملك قالوا نزل عن الفرس وركب بغلا فقال بالفارسية أين كوذك خرست يعني ابن الحمار ذهب ملكه ثم قال لغلامه أخرج من الجعبة نشابة وإن من رسمهم أن يكتبوا على نشابة اسم صاحبها وعلى أخرى اسم أبيه وعلى الثالثة اسم الملك وعلى الرابعة اسم المرأة يتفألون بها ويتطيرون فأخرج الغلام نشابة فقال ما الذي هو مكتوب فقال اسم امرأتك فقال ردها واخرج أخرى فردها وأخرج أخرى فقال ما عليها فقال اسم امرأتك قال أنت المرأة وعليك طائر السوء خرجت من بلادك ولا همة لك غير النساء ردها وأخرج غيرها فردها وخرجت نشابة المرأة فتفأل بها وهو ربما كانوا يتطيرون وقال زنان زنان نضرب نضرب ثم قال إذا رميت فإن أصبت ملكهم فارموا حينئذ بالفترجان والفترجان أن يرمى الرجل خمس نشابات وإن أخطأت فلا يرمين أحدكم حتى آمره فتمعط في قوسه حتى ملأها نزعا ثم سرجها فأقبلت النشابة كأنها رشاء فصكت الياقوتة بين عيني مسروق فطارت فضاضا وفلقت جبهته وتغلغلت في رأسه حتى خرجت من قفاه ولانت الحبشة وانتقضت صفوفهم ثم رموهم فترجانات فهزموهم وقتلوهم حتى كان الإسوار يسوق المائة والمائتين والثلاث مائة من الأسارى بين يديه وذكر أن رجلا ركض على جمل وله ثلاثة أيام والتفت إلى حقيبته فإذا فيها نشابة فقال أبعد ثلاث لا أم لك فظن أنها أتته من مسيرة ثلاثة أيام وصفت لوهرز اليمن ست سنين وكان فتحها سنة إحدى وأربعين من ملك انوشروان ورسول الله صلعم ابن سنة أو سنتين أو فوق ذلك ويقال بل كان ذلك في زمن هرمز بن انوشروان والله أعلم وفيه يقول أمية بن أبي الصلت
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... إذ رام في الحرب للأعداء أحوالا
فأما قيصر لما حان رحلته ... فلم يجد عنده بعض الذي سألا
حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم ... إيه لعمري لقد أسرعت قلقالا
لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن أرى لهم في الناس أمثالا
بيض مرازبه غلب أساورة ... تربت في الغارات أشبالا
يرمون عن شدف كأنها غبط ... بزمخر يعجل المرمى إعجالا
أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم في الأرض فلالا
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم من برديك أسبالا
تلك المكارم لا عقبان من لبنشيبا بماء فعاد بعد أبوالا أحتمل عار الدهر كثر منك مالا أنا أكثر منك مالا
قالوا وأقام سيف بن ذي يزن ملكا من قبل كسرى ووهرز له كالمعني والناصر إلى أن قتل وكان سبب قتله أنه أتخذ خولا لنفسه من الحبشة فخلوا به يوما في متصيدة فقتلوه ثم لما مات وهرز ملك ابنه البنجان بن وهرز ثم مات وبعث كسرى باذان فلم يزل عليها إلى أن بعث الله نبينا محمد صلعم فاتبعه وآمن به، وأما ملوك الحيرة والشام وسبأ فيقول الله عز وجل: ومزقناهم كل ممزق. وزعموا أنه لما أحس عمرو بن عامر بسيل العرم قال أني قد علمت أنكم ستمزقون كل ممزق فمن كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بكاش أو كروذ فكانت وادعة بنت عمرو من كان يدل وامر ذعر فليلحق بأرض شيث فكانت عوف بن عمرو من كان منكم يريد عيشا أنيسا وخزما آمنا فليلحق بالأزد يعني مكة فكانت خزاعة ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطمعات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج ومن كان منكم يريد خمرا وخميرا وذهبا وحريرا وملكا وتأميرا فليلحق بكوفة وبصرى وكان غسان بنو جفنة ملوك العراق والشام وأول من ملك الحيرة مالك بن فهم بن غنم بن دوس الأزدي وكان ممن خرج من سبأ مع مزيقيا عمرو بن عامر في زمن اردشير الجامع أو بعده بقليل وفي كتب أهل الإسلام أن ذلك كان في الفترة والله أعلم كان ملكه عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه جذيمة بن مالك الأبرش ويقال له الوضاح لبرص كان به وكان ولاه اردشير وكان ملكه ستين سنة
قصة جذيمة الأبرشوهذه قصة جذيمة الأبرش وزعموا أن منزل جذيمة الأبرش كان الانبار والحيرة وكان لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه أن يكون له نظير وينادم الفرقدين فإذا شرب قدحا صب ولهذا قدحا ولهذا قدحاً وكان له أخت مكينة عنده يقال لها رقاش أم عمرو وكان أخص خدمه وأقربهم من لخم يقال له عدي بن نصر بن الساطرون وصاحب الحضر بأرض الجزيرة ملك السريانيين فعشقته رقاش أخت الجذيمة وحملت منه فلما خافت الفضيحة قالت لعدي أخطبني من الملك إذا سكر ففعل ذلك فزوجه ودخل بها فلما صحا جذيمة ندم فأمر بعدي فضرب عنقه وظهر الحمل برقاش فقال جذيمة أصدقيني رقاش لا تكذبين بحر حملت أم بهجين أم لدون فأنت أهل لدون فقالت حملت ممن زوجتني به فلم يلبث أن ولدت عمر بن عدي فبناه جذيمة وعطف عليه فلما نشأ استهوته الجن فتاه في الأرض فجعل جذيمة لمن يأتي به حكمه فخرج في طلبه رجلان يقال لأحدهما مالك والآخر عقيل ولم يزالا يطلبانه حتى أتيا به فقال لهما جذيمة احتكما فقالا ننادمك ما عشت فنادماه أربعين سنة ويقول متمم بن نويرة
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وقال آخر
ألم تعلمي أن قد تفرق قلبنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
وكان لعمرو طوق من ذهب صيغ له في صباه فلما ردوه همت أمه أن ترد عليه الطوق فقال جذيمة شب عمرو عن الطوق فذهب كلامه مثلا وكانت بأرض الجزيرة ملكة يقال لها الزباء من قبل صاحب الروم فخطبها جذيمه ونهاه غلام له عن نكاحها يقال له قيصر فعصا هو نكحها وقال لا ينكح الملك إلا الملكة فذهب مثلا فلما دخل بها غدرت به فقتله فقال غلامه لا يطاع لقيصر أمر فذهبت مثلا ثم ملك بعده عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة واحتال قصير في الطلب بثأر جذيمة فأمر عمرو حتى جزعه وصلمه ثم خرج هاربا إلى الزباء يشكو عمرا وأنه اتهمه في قتل خاله فضمته الزباء إليها وولته أعمالها ثم سألها أن نبعثه إلى هجر ليأتيها من بضاعتها وتجارتها فأرسلته بمال بعد ما وثقت بناحيته وأمنت غائلته فجاء قصير على الإبل فافتك بها فاقعد رجالا شاكين في السلاح في الصناديق وحمل الصناديق على ظهر الإبل وأقبل قصير بالعير فأشرفت الزباء من فوق قصرها ويقال كانت كاهنة فقالت
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجند لا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثما قعودا
فلما دخلت الإبل القصر خرج الرجال بأيديهم السيوف فهبت الزباء إلى نفق لها تحت الأرض كانت أعدته للحوادث فوجدت عمرو بن عدي قد كمن على فوهة السرب فأيقنت بالهلاك فمصت خاتمها وكان مسموما وقالت منيتي بيدي فذهبت مثلا وفيه يقول الدريدي
فاستنزل الزباء قسرا وهي من ... عقاب لوح الجو أعلى منتمى
فلم يزل الملك في بني عمر بن عدي حتى كان زمن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الأثيم فجاء الحارث بن عمرو بن حجر الكندي آكل المرار ودخل في دين المزدكية فولاه قباذ الحيرة فجاء حتى قتل المنذر بن ماء السماء وبعث ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فلما ملك أنوشروان رد ملك العرب إلى المنذر بن امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك امرئ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك ابنه النعمان بن امرئ القيس وهذا هو النعمان الأكبر الذي بنى الخورنق والسدير في عهد بهرام جور وكان خاصته فساح في الأرض ذكرو أنه أشرف من الخورنق في زمن الربيع فنظر نحو المشرق حتى رجع نظره حسيرا عن أقاصي بلوغ خيله ونعمه فقال لمن هذا فقالوا لك أبيت اللعن ثم نظر نحو المغرب إلى بياض أنهار جارية وجنان زاكية فقال لمن هذه فقالوا لك أبيت اللعن فقال فهل أوتي أحد مثل هذا فقام رجل من الرابضة والرابضة بقية من أهل العلم لا تخلو الأرض منهم فقال أبيت اللعن إنما أعجبت بفان لا يبقى وزائل لا يدوم قال فكيف المخرج فقال العمل بطاعة الرب والتخلي عن الدنيا قال فإذا فعلت ذاك فمه قال ملك دائم لا يزول ومقام ليس بعده شخوص وحياة لا تموت قال فإذا كان وقت السحر فأقرع على بابي فأتاه الرجل للوقت فإذا هو قد صب على نفسه استياحا فساح معه حتى لحقا بالله ويذكره عدي بن زيد في قصيدة طويلة
وتأمل رب الخورنق إذ أش رف يوما وللهدى تفكير
سره ما رأى وكثرة ما يم لك والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه فقال وما ... غبطة حي إلى الممات يصير
واخو الحضر إذ بناه واذ دج لة تجبي إليه الخابور
شاده مرمرا وجلله كل سا فللطير في ذراه وكور
لم تهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر وان أم أين قبله شابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال روم لم يبق منهم مذكور
أيها الشامت المعير بالده ر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأ يام بل أنت جاهل مغرور
أم رأيت المنون أبقين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
ثم بعد الفلاح والخير والإ مة وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق ج ف وألوت بها الصبا والدبور
ثم ملك المنذر بن النعمان وأمه يقال لها ماء السماء لحسنها وجمالها ويقال لمزيقيا أيضا ماء السماء لأنه إذا كان قحط اجتنى فأقام ماله مقام القطر ويقال هذا أبو عامر ولاه أنوشروان بعدما كان أبوه قباذ الملك ولي الحارث بن عمر بن حجر المعصوب وهذه قصة الملك المعصوب في زمن قباذ ذكروا أنه لما ولاه قباذ العرب كلها استعمل ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فكان يأخذ من كل واحد منهم في كل عام جزة من الصوف وجراب أقط ونحيا من سمن فلما ضعف أمر قباذ وخلعته المزدكية منعوه إتاوتهم فقتل أربعين من سرواتهم بالعصى فسموا عبيد العصا ثم وثبوا عليه فقتلوه وكان قد طرد ابنه امرئ القيس لقوله الشعر فلما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنصره على بني أسد فهويته ابنة قيصر وكان رجلا طوالا جميلا ويقال أنه خالف إليها فصرفه قيصر ووعده أن يتبعه الجيوش فلما كان بأنقرة منزل الشام بعث إليه بثياب مسمومة فلما لبسها تساقط لحمه فأيقن بالهلاك وقال رب قصيدة مثعنجرة وخطبة مسحنفرة تبقى غدا بأنقرة ثم أنشأ يقول
أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
أجارتنا إنا مقيمان هاهنا ... وأني مقيم ما أقام عسيب
وأنشد قصيدته السينية التي يقول فيها
فلم أنها نفس تموت سوية ... ولكنها نفس تساقط انفسا
ومات وكان امرئ القيس عند خروجه إلى قيصر أودع السموءل ابن عادياء اليهودي شكة مائة رجل فلما مات امرئ القيس جاء الحارث بن جبلة الغساني ملك الشام يطلبها منه فأبى السموءل أن يعطيه شيئا دون أمر وليه وتحصن منه فأخذوا أبنا له فقتلوه وهو ينظر إليه من القصر ولم يغدر بمال امرئ القيس فذكره الأعشى في قصيدته
كن كالسموءل إذ سار الهمام له ... بجحفل كسواد الليل جرار
فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر فما منهما حظ بمختار
فشك غير قليل ثم قال له ... اذبح هديك إني مانع جاري
ثم ملك عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحارث بن عمرو الكندي ويقال له عمرو بن هند يضرط الحجارة لشدة وطأته وإلحاحه في المضايقة ويقال له أيضا المحرق لأنه أحرق قوما، وهذه قصة عمرو بن هند ذكروا أن ناسا من بني دلم أصابوا ابنا لعمرو خطاء فآلى ليحرقن منهم مائة فأحرق منهم ثمانية وتسعين رجلا ولم يصب منهم غيرهم ثم أكملهم بامرأة نهشلية ورجل من البراجم ولذلك قيل في المثل إن الشقى وافد البراجم وقد ذكره الدريدي في قصيدته يصف ملوكا فقال فلان ثم فلان ثم ابن هند باشرت نيرانه يوم أوارة تميما بالصلا وعمرو هذا قتل طرفة وأفلت المتلمس فقال
أودى الذي علق الصحيفة منها ... ونجا حذار حياته المتلمس
ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن امرئ القيس أبو قابوس صاحب النابغة وهو الذي قتل عبيد بن الأبرص الشاعر وعدي ابن زيد العبادي فقتله كسرى ابرويز، وهذه قصة النعمان بن المنذر أبي قابوس ذكروا أنه كان له يومان يوم بؤس لا يرى فيه أحدا إلا قتله ويوم نعمى لا يرى فيه أحدا إلا وصله فأتاه عبيد بن الأبرص في بؤسه وهو لا يعلم به وقد امتدحه بقصيدة فلما أخبر بسوء اختياره في لقائه ذلك اليوم أرتج عليه الكلام ثم لما قدم للقتل قيل أنشد قصيدتك قال حال الجريض دون القريض فذهبت مثلا فضربت عنقه وأما عدي بن زيد وكان ترجمان كسرى ابرويز وكاتبه بالعربية وهو الذي سعى في أمر النعمان ووصف لأبرويز منه جلادة وغناء حتى ولاه العرب فكره النعمان أن يكون لأحد عليه منة له أو صنيعة عنده فحبسه وجعل يقول الشعر في حبسه ويعظه ويستعطفه وكان أحد الحكماء من قراء الكتب فلم ينفعه شيء من ذلك وقتله أخريا فاحتال ابنه زيد بن عدي بن زيد حتى توصل إلى ابرويز أخذ مقام أبيه في الترجمة والكتابة وكان ابرويز شغفا بالنساء وقرأت في تأريخ اليمن أنه كانت عنده يوم قتل اثني عشر ألف امرأة وجارية فذكر زيد بن عدي نساء آل المنذر بالجمال والكمال فكتب إليه ابرويز بأن يبعث إليه من جوارى العرب ويقال بل خطب إليه بعض نسائه فلما قرأ النعمان الكتاب قال وما يصنع الملك بعربان البوادي بادية العراقيب أين هو عن مها السواد أن للملك فيهن لمندوحة وأجاب عن الكتاب فحرف زيد بن عدي الكلام عن وجهه العرب يسمون النساء المها والبقر الظباء والنعاج وقال يقول النعمان أن في بقر السواد لمندوحة فغضب ابرويز وبعث في طلب النعمان فهرب النعمان فاستودع شكته وعياله هاني بن مسعود وبعث ابرويز جيشا يحمل تلك الشكة فأبى هاني أن يسلمها إليهم وقاتلهم وهزمهم وهذه الوقعة تسمى يوم ذي قار ثم رجع النعمان إلى ابرويز فلقيه زيد بن عدي فقال له أنت فعلت هذا يا زييدا والله لئن بقيت لأسقينك بكأس أبيك فقال أنج نعيم ولقد وضعت لك آخية لا يقطعها المهر الآرن ثم أمر ابرويز بالنعمان فطرح تحت أرجل الفيلة بعد ما حبس زمانا وفيه يقول الشاعر
بين فيول الهند تخبطته ... مختبطا تدمى نواحيه
وفيه يقول الأعشى
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ... نحور فيول بعد بيت مسردق
وقد ذكر هذه القصة في موضع آخر ثم خرج الملك عن آل المنذر وولي ابرويز اياس بن قبيصة الطائي وشهرام الفارسي ومات اياس بعين التمر وفيه يقول زيد الخيل
فإن يك رب القوم خلى مكانه ... فكل نعيم لا محالة زائل
ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر فأجلاهم العلاء بن الحضرمي عن البحرين في عهد رسول الله صلعم واستمر بهم الانتقاض للإسلام إلى أن فتح السواد سعد بن أبي وقاص زمن عمر بن الخطاب رضهما وجفنه هو عمرو بن عامر مزيقياء وولد جفنة آل العنقاء وآل محرق فهم آل غسان بالعراق والشام فأوهم الحارث بن عمرو الغساني ويقال له الحارث الأكبر ثم ملك الحارث بن أبي شمر وهو الحارث الأعرج وأمه مارية ذات القرطين وسار إليه المنذر بن ماء السماء في مائة ألف فوجه إليهم لبيد بن ربيعة الشاعر وهو غلام فأظهر أنه بعثه للصلح فأحاطوا بهم وهمم غارون غافلون فأصابوا منهم وهزموهم وأسروا منهم خلقا كثيرا فأتابوا بهم فسأله النابغة الذبياني أن يطلق عنهم ففعل وأتاه يمدح علقمة بن عبدة في اطلاقه عن الأسارى
إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... وحق لشاس من نداك ذنوب
فقال الحارث نعم واذنبه ثم ملك الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر وفيهم يقول النابغة الذبياني
هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث الأ عرج والأصغر خير الأنام
وكان آخر ملوكهم جبلة بن الأيهم أسلم في عهد عمر بن الخطاب رضه ودخل الروم وانقضى ملكهم وأول من دخل الشام سليح وهم من غسان ويقال من قضاعة فدانت بالنصرانية وملك عليها ملك الروم رجلا يقال له النعمان بن عمرو بن مالك ثم ملك بعده ابنه مالك بن النعمان ثم ابنه عمرو بن مالك ولما خرج عمرو بن عامر مزيقياء من اليمن تفرق وله في البلاد فصار إلى جفنة ملوك الشام هذا ما حفظ من تواريخ ملوك هذه الأقاليم ولا بد أن للهند والروم انتساقا وتأريخا وكذلك الصين لكن لم نر العلماء تكلفوا ذلك ولا ذكروه في كتبهم فقد تصعب جميع أيام ملك وبلد واحد وشخص واحد ويفوت الضبط وقوع الاختلاف فيها فيما يحفظ ويحكى فكيف أيام ملوك الأرض ومن يحصيها إلا الله عز وجل ولعمري أن فيما ذكرنا موعظة وعبرة وتأديبا وتنبيها ويزعم قوم من المنجمين أن الملك ثابت في بيت رجل واحد بإقليم الصين مذ كذا وكذا ألف ألف سنة فمن يتحقق ذلك مع ما يرى من سرعة الانتقال في إقليمنا وتشوش أحوال مالكيها والله أعلم وقد ذكر شيء من تواريخ ملوك الروم واليونانيين مجردا من الأخبار والقصص وما أرى فيه كثير فائدة وقد حفظ من أيام دارا الأكبر وهو أول من وظف من ملوك فارس القديمة على الروم وأخذها من فليقوس أبي الاسكندر وكان يلي اليونانيين وملك الاسكندر بعد أبيه الروم وخرج فاستولى على الأرض وقتل دارا الأصغر وغصب بين ملوك المشرق ثم ملك بعده خليقته بطليموس الأديب وبطليموس بلغة يونان الملك ثم ملك بعده بطليموس لغوس محب الأخ وهو الذي غزا بني إسرائيل بأرض فلسطين فسباهم ثم أطلق عنهم وردهم إلى بيت المقدس ثم ملك بعده بطليموس الصانع ثم بطليموس محب الأب ثم بطليموس الظاهر وهو صاحب علم النجوم ثم بطليموس المخلص ثم ثم ثم عشرة أنفس كلهم ملوك وكلهم بطليموس وتسعة رجال وعاشرهم امرأة فهولاء الكفار كانوا ملوك اليونانين ملوك الروم
وأما ملوك الروم قال العرب تسميهم القياصرة والهراقل فأول من تحرك منهم بعد الاسكندر في زمان الأشغانيين قسطنطين المظفر وكان هم بغزو فارس كما فعل الاسكندر فجمع ثلاثون وأربع مائة ألف من مقاتل من جنود ملوك الطوائف وغزوا الروم فاثخنوا فيهم ووظفوا عليهم الفدية فذاك حملهم إلى بناء قسطنطينية وإنما نسب إلى قسطنطين لأنه بناها وكان ملك قبله وبعد الاسكندر عدة ملوك فلم يتعرض الفارس منهم غير اسيانس الذي غزا بني إسرائيل بعد ارميا النبي فقتلهم وسباهم ومنهم افطنجس وكان أنجس منه وأنحس وهو الذي بنى إنطاكية ويقال أن أول من ملك الروم بعد الاسكندر بلافس ثم سليفيس ثم افطنجس ثم ظهر عيسى عم بأرض الشام والملك هرادس ولا أدري من كان يملك الروم يومئذ ثم ملك طباريس بعد ما رفع عيسى عم ونصب الأوثان ودعا الخلق إلى عبادتها وكان ينزل الرومية ثم ملك بعده فيلوذيس فقتل النصارى وقتل شمعون الصفا صخرة الإيمان والنصارى يرونه نبيا ثم ملكك ططوس بن اسفيانس فغزا بني إسرائيل وقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس حتى لم يبق حجرا على حجر ولم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وهو إحدى المرتين اللتين وعد الله خرابه فقال لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ومن ثم في قول بعض أهل العلم وقعت قريظة والنضير إلى أرض الحجار فتولوا يثرب وتنصرت الروم بأسرها وأراه في زمن ططوس أو بعده ثم تركت النصرانية في زمن قسطنطين وعبدت الأوثان ثم عادت إلى النصرانية بعده وقد اختلفت بهم الأحوال في الدين بعد عيسى عم إلى أن أقام الإسلام غير مرة وكان ملكهم في عهد النبي صلعم هرقل وكان ملكه شهرابراز عامل ابرويز ثم من كان منهم في الإسلام إلى يومنا هذا فمحفوظة أسماءهم وآثارهم في كتب الأخبار والفتوح والله الملك الدائم والسلطان لا يسلب.
الجزء الرابع
الفصل الثاني عشر
في ذكر أديان أهل الأرض ونحلهم
ومذاهبهم وآرائهم من أهل الكتاب وغيرهم
اعلم أ، اختلاف الناس في مذاهبهم واعتقاداتهم كفاء اختلافهم في أخلاقهم وهممهم وإرادتهم وألوانهم وألسنتهم فكما لا تجد اثنين على صورة واحدة وصيغة واحدة وهمة واحدة إلا في الشاذ النادر فكذلك في وجود اثنين على رأي واحد وخاطر واحد وإن كان الدين الواحد يجمع عالما من الخلق فإن الآراء يتوزعهم والهمم تتشعب بهم اللهم إلا الطوائف المقلدة فإن إجماعهم على ما يزعمون دعوى لا حقيقة له عند التفتيش فليذكر الآن ما بلغنا من ديانات أهل الأرض على سبيل الإيجاز والاختصار ونقول وبالله التوفيق أن لا يخلو الإنسان العاقل من اعتقاد حق أو باطل أو الوقوف موقف الشك ولا يجوز أن لا يوجد لمميز إحدى الحالات التي ذكرنا إلا أن يكون ناقص العقل عن الاعتقاد والشك فلا يجوز أن يعد من جملة المخاطبين ولا يجوز بقاء الشك لأن الشك من الجهل بالشيء وتكافؤ العلل فيه بتحقيق شيء أو إبطاله كما لا يجوز قيام الأدلة على وجود شيء وعدمه في حالة واحدة ووقت واحد وبورود العلم بالشيء وزوال الجهل عنه فيحصل المشكوك فيه إما معلوما أو مجهولا وقد بطلت منزلة الشك والسلام فالناس إذا لا يخلون من اعتقاد ديانة ما أو تعطيل في الجملةذكر المعطلة ولهم أسماء أخرى يقال لهم الملاحدة والدهرية والزنادقة والمهملة وهم أقل الناس عددا وأفيلهم رأيا وأشرهم حالا وأوضعهم منزلة يقولون بقدم أعيان العالم والأجسام وتولد النبات والحيوان من الطبائع باختلاف الأزمنة ورجوعها إلى أصولها ولا صانع لها ولا خالق ولا مدبر ولا محي ولا مميت ولا معاقب ولا مثيب ولا حافظ ولا حسيب فلا يرون السعي إلا فيما يعود بصلاح أجسامهم وقوة نفوسهم في اعطائها مناها من الملاذ والشهوات والملاهي من غير مراقبة أحد ولا إئثار تجمل ولا الكف عن تعاطي محظور تاقت النفس إليه ولا مشكور صانع فيما صنع إليه ولم يفتعل على غيره أو يكف مساءته أو يغيث ملهوفا أو ينصر مظلوما أو يراعى حقا أو يؤدي فرضا أو ينجز وعدا أو يفي بعهد أو يرحم ذا ضعف أو يستعمل الإنسانية أو يتكلف التجمل في شيء سرا وعلانية من لا يرى لنفسه صانعا ولأفعاله مراقبا ولا له على إحسانه وإساءته مثيبا ولا معاقبا ولا بعد الموت والبلى نشورا وحياة وما الذي يمنع من هذا نحلته وعقيدته من ركوب الفواحش وإتيان المآثم وانتهاك المحارم والإشراف في المظالم والتهور في الفساد والخوض في الباطل وقلة المبالاة بموجب العقل والإعراض عن اللوازم والاستحقاق بملتزمي الشرائع ومن لا يعد على حرمه ولم يغتظ ممن يترخص في مثل عمله ولم يحقد على من يمسه من نفسه أو ماله أو أهله وهو اسوته في نحلته وعقيدته وما معنى استعمال العقل وتجرع مرارة النفس من غير باطل ولا عائد وهل يجوز توهم بقاء الخلق وقوام العيش مع هذه العقيدة وكفاك بها سبة وفضيحة ومتى كان لهذه الفرقة في الأرض مجمع ومشهد وهل شاع لهم دين أو مذهب وأهل الأرض مع اختلافهم في الأديان والملل مجمعون على تنقض هذا الرأي والازراء به والغض منه ومحق رايته وإتلاف مستحيله وقد مضى في الحجج عليهم في الفصل الثاني من الكتاب ما يوقع اليقين ويدحض الشك ويكشف عن عواره ولله الحمد والمنة على ذلك فإن احتمى أحدهم عند ذكر هذه الفضائح واستنكف من التصاقها به فالتجأ إلى العقل كاف عن تحسين الحسن وتقبيح القبيح قيل أنت تملك أو هو يملكك فإن زعم أن عقله مالكه فقد أقر بأمر ناه وضيوق في المعارضة والسؤال فإنه لا بد أن يشير إليه بالربوبية أو تنقض قوله وإن زعم أنه مالك عقله قيل فاصرفه استحسان القبيح واستقباح الحسن وإذا كنت مالكا له فإن زعم هذا غير جائز لأنه لم يصلح للضد كالآلة المهيأة لإصلاح شيء لا تصلح لفساده قيل أهو جعل نفسه كذلك أم جعل فإن زعم أنه جعل نفسه كذلك فقد وصفه بالقدرة والعلم والإرادة والاختيار وعاد إلى تصحيح قوله أن العقل هو الباري وإن زعم أنه جعل كذلك فقد أقر بصانع له بطل قوله إن أنكر العقل خرج من جملة أهل الخطاب والتمييز ووجب تقويمه فيما يقوم به البهائم الصامتة وإن أنكر النظر دخل في مذهب السوفسطائية وكيف ما دار اتجهت عليه حجة الله الدامغة واضطرته إلى الإقرار به بقول الله عز وجل فلله الحجة البالغة ويقول أيحسب الإنسان أم يترك سدى وقال تعالى أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون قال تعالى من يعمل سوء يجز به وقال جزاء وفاقا وأصل التعطيل إنكار الخالق والرسول والثواب والعقاب اعتقادا لا إقرارا منهم اختاروا في دفع عادية الناس عنهم فاثبتوا الثواب والعقاب التناسخ في السعادة والشقاوة اللتين عندهم الجنة والنار في هذا العالم إذ لا دار عندهم غيرها ولا هي فانية ولا منقضية ويدلك على موضع تمويههم في هذا الناموس أنهم إذا لم يكن لهم خالق قديم ولا صانع مدبر حكيم فمن الذي ينسخ نفوسهم وأرواحهم ويسعد المحسن ويشقي المسيء منهم وقط ما النتشروا في أمة من الأمم ولا قروا في وقت من الأوقات انتشارهم في هذه الأمة لاعطائهم الإقرار بالديانة ظاهرا وحقن الشريعة دم من أجاب إليها وهم هولاء الباطنية الباطلية الذين تخلفوا عن الأديان وأمرجوا نفوسهم في ميادين الشهوات فمطوا عند الظلمة بترخيصهم لهم في ارتكاب ما يهوون وتهوينهم عليهم عواقب ما يحذرون حتى ترى المظالم قد فشت والقلوب قد قست والمنكرات ظهرت والفواحش كثرت وارتفعت الأمانة غلبت الخيانة وعطلت المروءة واستخف بالربانيين واهتضم المستضعفون وأميت العدل وأحيي الجور فظهر ما لم يذكر في عهد ملك من الملوك في قديم الدهر وحديثه ولا في زمن نبي من الأنبياء عم ولولا فضل الله عز
وجل على هذه الفرقة المسترذلة المحقورة ببقايا من العوام متمسكين بأديانهم لاصطلمهم وأشكالهم وأشباههم واجتاحهم أولياءهم وأصحابهم الذين وقفوا على غور كلامهم وأحاطوا بحقيقة مذهبهم ولا بد أنه تارك بهم ما يقدرونه في غيرهم لوعد الله تبارك وتعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأنا أصف بعض مذاهبهم وواكل بعده ذا العقل والمروءة ومن هو راجع إلى نفس وحسب إلى اختياره كما قال الله تبارك وتعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اعلموا رحمكم الله أنهم قوم يبيحون ما حظرته الأديان ويتأولون ما جاءت به الشرائع من الأحكام إلى الرخص والتجوز فيما يتمنون ويشتهون ويستحلون المحارم كلها من الزنا واللواطة والغصب والسرقة والقتل والجرح والكذب والغيبة والنميمة والبهتان والوقيعة وشهادة الزور وقول الإفك ورمي المحصن والسعاية والغمر والسخرية والطنز والاستهزاء والبطر والكبر والخيلاء والظلم والعقوق والميل والغدر والخلاف ونقض العهد وإخلاف الوعد وأشباه ذلك من الرذائل المحظورة في العقل والمحارم المزجور عنها في الشرع لا يعرفون معرفة الحق ولا محافظة على ذمام ولا تنظفا من نجاسة ولا حياء من خساسة الملوك عندهم أرباب العتاة شياطين الضعفى والمبتلون أهل النار وأصحابهم عندهم الجن وسائر الناس البهائم لا يرحمون مسترحما ولا يغيثون مستغيثا ولا ينهون عن الاطلاع على حرم الناس ولا يأنفون من اطلاع الناس على حرمهم ولا يمتنعون من مواقعة من أمكنهم من الذكور والإناث ولا يتحاشون من مواقعة من واقعهم أو واقع حرمهم ولا يعيبون القيادة الديائة والاكتفاء والمبادلة ولا يرون النهي عن كل ما اشتاقت إليه النفس جمعوا رخص النحل كلها وزادوا عليها الديائة والكشخ فأخذوا من المجوس بقولهم في نكاح البنات والأمهات ومن الخرمية في التراضي بالأمهات والأزواج ومن الهند بإباحة الزنا والسفاح ومن الخناقين بقتل من خالفهم فلا حياهم الله من قوم ولا حيا مذهبهم من مذهب وقد ينكرون ما ذكرنا إذا بدهوا به جهارا ولكن إذا اجتررتهم في الكلام إلى الأول الذي هو العقل والثاني الذي هو النفس والأساسين والأصلين اللذين هما الأركان صح لك كله وإن كانوا له منكرين في الظاهر ولم يمتنعوا عنه وليس لهم خالق مثيب معاقب لو تسكت عنهم وبلوتهم ليظهر لك الامتحان جميع ذلك إما قولا أو فعلا وإما إجازة ولأن كل ذي دين عندهم معذور والله أعلم،ل على هذه الفرقة المسترذلة المحقورة ببقايا من العوام متمسكين بأديانهم لاصطلمهم وأشكالهم وأشباههم واجتاحهم أولياءهم وأصحابهم الذين وقفوا على غور كلامهم وأحاطوا بحقيقة مذهبهم ولا بد أنه تارك بهم ما يقدرونه في غيرهم لوعد الله تبارك وتعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأنا أصف بعض مذاهبهم وواكل بعده ذا العقل والمروءة ومن هو راجع إلى نفس وحسب إلى اختياره كما قال الله تبارك وتعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر اعلموا رحمكم الله أنهم قوم يبيحون ما حظرته الأديان ويتأولون ما جاءت به الشرائع من الأحكام إلى الرخص والتجوز فيما يتمنون ويشتهون ويستحلون المحارم كلها من الزنا واللواطة والغصب والسرقة والقتل والجرح والكذب والغيبة والنميمة والبهتان والوقيعة وشهادة الزور وقول الإفك ورمي المحصن والسعاية والغمر والسخرية والطنز والاستهزاء والبطر والكبر والخيلاء والظلم والعقوق والميل والغدر والخلاف ونقض العهد وإخلاف الوعد وأشباه ذلك من الرذائل المحظورة في العقل والمحارم المزجور عنها في الشرع لا يعرفون معرفة الحق ولا محافظة على ذمام ولا تنظفا من نجاسة ولا حياء من خساسة الملوك عندهم أرباب العتاة شياطين الضعفى والمبتلون أهل النار وأصحابهم عندهم الجن وسائر الناس البهائم لا يرحمون مسترحما ولا يغيثون مستغيثا ولا ينهون عن الاطلاع على حرم الناس ولا يأنفون من اطلاع الناس على حرمهم ولا يمتنعون من مواقعة من أمكنهم من الذكور والإناث ولا يتحاشون من مواقعة من واقعهم أو واقع حرمهم ولا يعيبون القيادة الديائة والاكتفاء والمبادلة ولا يرون النهي عن كل ما اشتاقت إليه النفس جمعوا رخص النحل كلها وزادوا عليها الديائة والكشخ فأخذوا من المجوس بقولهم في نكاح البنات والأمهات ومن الخرمية في التراضي بالأمهات والأزواج ومن الهند بإباحة الزنا والسفاح ومن الخناقين بقتل من خالفهم فلا حياهم الله من قوم ولا حيا مذهبهم من مذهب وقد ينكرون ما ذكرنا إذا بدهوا به جهارا ولكن إذا اجتررتهم في الكلام إلى الأول الذي هو العقل والثاني الذي هو النفس والأساسين والأصلين اللذين هما الأركان صح لك كله وإن كانوا له منكرين في الظاهر ولم يمتنعوا عنه وليس لهم خالق مثيب معاقب لو تسكت عنهم وبلوتهم ليظهر لك الامتحان جميع ذلك إما قولا أو فعلا وإما إجازة ولأن كل ذي دين عندهم معذور والله أعلم
ذكر أديان البراهمة أعلم أن لكل قوم دينا وأدبا وشريعة ففي الدين بقاءهم وصلاحهم وفي الأدب زيهم وشرفهم وفي الشريعة رسومهم ومعاملاتهم وقد ذكر قوم أن في الهند تسع مائة ملة مختلفة وأن الذي عرف منها تسعة وتسعون ضربا يجمع ذلك اثنان وأربعون مذهبا مدارها على أربعة أوجه ثم يرجع إلى اسمين البراهمة والسمنية فالسمنية هي التي معطلة البراهمة ثلاث أصناف صنف منهم يقولون بالتوحيد والثواب والعقاب ويبطلون الرسالة وصنف يقولون بالثواب والعقاب على التناسخ ويبطلون التوحيد والرسالة هذا جملة دينهم فأما آدابهم وأخلاقهم ففيهم الحساب والنجوم والطب واللهو المعازف والرقص والخفة والشجاعة والشعبذة وعمل النيرنجات وعلم الحروب ويدعون صفاء الفكر ونفاذ الوهم والأخذ بالعيون وإظهار التخييلات والرقا والإتيان بالمطر والبرد وحبسه وتحويله من مكان إلى مكان ويدعون حفظ الصحة ومنع الشيب والزيادة في القوة والذهن ورجوع الموتى إليهم وأما شرائعهم فمختلفة لاتساع بلادهم وتفاوت أقطارهم واختلاف الدين يوجب اختلاف الشرائع فالذي بلغنا أن إيمانهم في حديدة يحمونها حتى إذا بلغت غايتها في الحمى والحمرة أمروا المنكر أن يلحسها قالوا فإن كان كاذبا مبطلا احترق لسانه وإن كان صادقا محقا لم يضره ومنهم فرقة يغلون الزيت في برمة من حديد ويقذفون فيها حديدة ويأمرون المنكر أن يدخل يده فيستخرج الحديدة قالوا وإن كان كاذبا احترقت يده وإن كان صادقا لم يضره وعقوبة السارق والقاطع وسابي ذراريهم إذا ظفروا بهم أن يحرقوا بالنار ومنهم من يصلبهم وصلبهم أن يحد رأس الخشبة ثم يسلكه في مقعد المصلوب والمسلمون عندهم نجس لا يمسونها ولا يمسون ما يمسونه ولحم البقر عندهم حرام وحرمة البقر عندهم كحرمة أمهاتهم وجزاء من ذبح بقرة القتل ولا يعفى عنه والزنا حلال عندهم للعزاب لئلا ينتقض النسل ويتعاقب المحصن منهم إذا زنا ومن ارتد منهم إذا سباه المسلمون لم يقتلوه حتى يزكوه ويطهروه ان تحلق كل شعرة عليه من رأسه وجلده ثم يجمع أبوال البقر وأخثاءها وسمنها ولبنها فيسقى منها أياما ثم يذهب به إلى البقرة فيسجد لها ولا ينكحون من الأقارب بتة وعقوبة اللواطة عندهم القتل وشرب الخمر عند البراهمة حرام وكذلك ذبيحة أهل ملتهم ولكل قوم منهم ملة وشريعة يتعاملون عليها ويتعايشون بها
ذكر مللهم وأهوائهم زعمت الموحدة من البراهمة أن الله عز وجل بعث إليهم ملكا من الملائكة بالرسالة بصورة بشر اسمه ناشد له أربع أيد في إحدى يديه سيف والأخرى شكة الدرع والثالثة سلاح يقال له شكرته على هيأة حلقة وفي الرابعة وهق وهو راكب على العنقاء وله اثنا عشر رأسا رأس إنسان ورأس فرس ورأس أسد ورأس ثور ورأس نسر ورأس فيل ورأس خنزير حتى عدوها قالوا أمرنا بتعظيم النار التي عظمها الله عز وجل بالسناء والرفعة وألبسها الضياء والبهاء والنور وجعلها سببا لمنافع الدنيا ونهانا عن القتل وشرب الخمر وأباح لنا الزنا وأمر بعبادة البقر وأن نتخذ صنما على مثاله نعبده وأمرنا أن لا نجوز نهر كنك فإنه لا دين لمن جاوزه من البراهمة وإن الدين حسب لمن قبله ولذريته من بعده ولا يجوز لمن لم يكن منهم الدخول في دينه واسم هذه الفرقة الناشدية ومنم البهابوذية زعموا أن رسولهم ملك يقال له بهابوذ أتاهم في صورة بشر وهو راكب على ثور وعلى رأسه إكليل من عظام الموتى متقلد بقلادة من أقحاف الرؤوس وفي إحدى يديه قحف وفي الأخرى مزراق ذو ثلاث شعب مستظل بظلال من ذنب الطاووس فأمرهم بعبادة الله عز وجل وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه فيكون وسيلتهم إليه وأن لا يعافوا شيئا من الأشياء فإن الأشياء كلها من صنع الله عز وجل ومنهم الكابالية يزعمون أن رسولهم ملك يقال له شيب أتاهم في صورة بشر على رأسه قلنسوة من لبد مخبط عليها صفائح من أقحاف رءوس الناس فأمرهم أن يتخذوا صنما على مثال ذكر الإنسان ويعظموه ويعبدوه فإن الذكر سبب النسل في العالم ومنهم الدامانية والداونية هولاء الذين يقرون مع التوحيد بالرسالة فأما الذين يثبتون الخالق وينفون الرسل فأصناف منهم الرشتية وهم أصحاب الفكر الذين يعطون حواسهم بطول فكرهم ويزعمون أنهم إذا أخذوا أنفسهم بشدة التبرؤ والتجلي تجلت لهم الملائكة ويلطفونهم واستفادوا منهم هولاء لا يأكلون الألبان واللحمان وما مسته النار غير النبات والثمار مغمضة عيونهم عامة دهرهم ملحة أفكارهم يزعمون أنهم يدركون بها ما يريدون من مطر ورياح وقتل ونزول طير وإجابة دعوة ومنهم المصفدة قوم يصفدون أوساطهم إلى ظهورهم بالحديد قالوا لئلا ينشق بطونهم من غلبة الفكرة وكثرة العلم ومنها المهاكلية ولهم صنم يقال له مهاكال على ظهره جلد فيل يقطر منه الدم وأذناه مثقوبتان وعلى رأسه إكليل من عظام القحف يحجون إليه ويقصدونه لطلب حوائجهم ويزعمون أنه يقضيها لهم ومنهم التهكنية قوم لهم صنم على صورة امرأة يقال أن لها ألف يد في كل يد ضرب من السلاح ولهم عنده عيد إذا دخلت الشمس الميزان فيقربون قرابين من الجواميس والإبل والغنم ويقربون عبيدهم وإماءهم ويقاتلون الناس قربانا له حتى أن الضعفى يتوارون في تلك الأيام مخافة أن يكون الصنم يأمر ويأذن بقتلهم ومنهم الجهلكية يعبدون الماء ويزعمون أن معه ملكا وأنه أصل كل نشوء ونماء وحياة وعمارة وطهارة ومنهم الاكنهوطرية يعبدون النار وهي لها أعظم العناصر ولا يحرقون موتاهم لئلا ينجس النار ومنهم قوم يعبدون الشمس وقوم يعبدون الفهد وقوم يعبدون ملوكهم ولكل واحد منهم مذهب ورأي ودعوى ولا فائدة في ذكرها من التعجب والاعتبار فيما حكينا من فضائحهم وجهلهم وسخافة رأيهم وكفرهم كفاية
ذكر تحريق أبدانهم وإلقائها في النار يزعمون أن في ذلك نجاة لها وخلاصا إلى حيوة الأبد في الجنة ومنهم من يحفر له أخدود ويجمع فيه الألوان والأدهان والطيب ويوقد عليه ثم يجيء وحوله المعازف بالصنوج والطبول ويقولن طوبى لهذه النفس التي تعلو إلى الجنة مع الدخان وهو يقول في نفسه ليكن هذا القربان مقبولا ثم يسجد نحو المشرق والمغرب والشمال والجنوب ويرمي بنفسه في النار فيحترق ويصير إلى جهنم ومنهم من يجمع له أخثاء البقر فيقف في وسطه إلى أنصاف ساقيه وتشعل فيه النار ولم يزل واقفا حتى تأتي النار إليه ويحترق فيها ومنهم من يوضع على رأسه إكليل من المقل ويوقد حتى يسيل دماغه وحدقتاه ومنهم من يحمى له الصخور فلا يزال يضع على جوفه صخرة بعد صخرة حتى تخرج أمعاؤه ومنهم من أخذ مدية ويقطع من فخذه وساقه خصلة خضلة ويلقيها في النار وعلماؤهم وقوفا حوله يمدحونه ويزكونه حتى يموت ومنهم من يحفر له حفرة بجنب نهر ويوقد فيها ولا يزال يثب في النار من الماء ومن النار إلى الماء إلى أن تزهق نفسه فإن مات فيما بينهما جزع أهله وحزنوا وقالوا حرم عليه الجنة وإن مات في الماء أو في النار شهدوا له بالجنة ومنهم قوم يرهقون أنفسهم بالجوع فيمسكون عن الطعام حتى تبطل حواس أحدهم فيصير مثل الحشفة والشن البالي ثم يجمد ومنهم من يهيم في الأرض حتى يموت ولهم جبل شامخ في أصله صنم قد أشار بإحدى يديه إلى ربه فقر بين يديه ووضع يده الأخرى على نحره وإلى جانبه رجل قاعد على كرسي حوله أصحابه يقرؤون في كتاب طوبى لمن سلك هذا السبيل الذي أشار إليه هذا الصنم فإنه يؤدي إلى الجنة وقد ضمن الصنم ذلك فيركبون ردعهم حتى يموتوا ولهم جبل آخر تحته شجرة من حديد لها أغصان كالسفافيد وعندهم رجل بيده كتاب يقرأ فيه طوبى لمن ارتقى هذا الجبل وحاذى هذه الشجرة ثم بعج بطنه وأخرج أمعاءه فأمسكها بأسنانه ثم خر على هذه الشجرة ليبقى خالدا مخلدا وفي الجنة تختطفه الحور العين قبل وصوله إلى الشجرة فيتسارع إليه قوم فيخرقون أمعاءهم ويكبون على الشجرة ومنهم قوم يجيئون إلى نهر كنك في يوم عيد لهم ويجيء السدنة فيقطعونهم بنصفين ويطرحونهم في النهر ويزعمون أنه يخرج إلى الجنة ومنهم من يرمي نفسه بالحجارة ومنهم من يقعد عريانا حتى يأتي طير فيقطع لحمه ويأكله وكل من لا يؤمن بالرسالة والآخرة فإنه يؤمن بالثواب والعقاب في الانتقال والتناسخ واعتل عبدة الأصنام بأن البارئ جل جلاله في النهاية القصوى في كل ما يدرك ويعلم ويحس ويوصف ولا بد لكل متقرب إلى من يعظمه ويعبده إذا كان غائبا عن حواسه من واسطة ووسيلة فجعلنا هذه المتوسطات من الأجرام العلوية والسفلية إلى عبادته وقربة لديه وهكذا قالت العرب ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فسبحان من غرض كل عابد عبادته والوصول إليه وإن كان قد ضل وأخطأ الطريق وقرأت في كتاب المسالك أن السمنية فرقتان فرقة يزعم أن البد كان نبيا مرسلا وفرقة يزعم أن البد هو البارئ تراءيا للناس في تلك الصورة ونعوذ بالله
ذكر أهل الصين يزعمون أن أهل الصين عامتهم الثنوية والسمنية وله فرخارات فيها أصنام يعبدونها هذا دينهم ولهم آداب وأخلاق وحذق بلطيف التركيبات وعجيب الصنائع ولا يوجد في غيرهم ومن حسن أدبهم أن لا يقعد الصبي بين يدي الأب ولا يأكل معه ولا يمشي بين يديه ويسجد له وكذلك يسجد صغارهم لكبارهم تعظيما لهم وأما شرائعهم فإنهم يسجدون للشمس والقمر والكواكب والماء والنار وكل ما استحسنوا من شيء خروا له سجدا وكل مولود يولد كتبوا الوقت مولده ونظروا إلى طالعه وحكموا له بما دل عليه فليس في مملكة الصين ذكرا إلا وعددهم محصور في ديوان الملك لأنه يأخذ منهم الجزية ولا يموت منهم ميت إلا وأخر فيه إلى العام والشهر الذي ولد فيه ويطرح عليه دواء لئلا يفسد ومن سرق على زيادة ثلثمائة فلس وقيمتها عشرة دراهم قتل ومن استحق من السلطان أدبا أو قتلا أو عقوبة لم يفعل به شيء حتى يعطي كتابا بخطه ويقرأه بلسانه بحضرة المشايخ والصلحاء وأني قد أذنبت كيت وكيت واستحققت الضرب أو العقوبة أو القتل ثم أمضي عليه وما استحقه ويزعمون أن الشاهد واليمين باطل لأن الرجل إذا أعطي شيئا شهد بالزور ومذهبهم في هذا إذا كان لرجل على رجل دين أعطي كل واحد منهم صاحبه كتابا فيه علامته فيكتب في صاحب الدين إن لي على فلان كذا ويكتب المطلوب لفلان علي إلا كذا فإذا تداعيا وأنكر أحدهما طولبا بالخطين فيصح الحق ومن ولد بأرض وانتقل عنها ومات في غيرها نقل إلى أرض مولده ودفن فيها ومن استنكح من الغرباء بامرأة منهم وولد جارية ثم أرادوا الخروج منهم دفعوا الولد إليه وحبسوا الوالدة وقالوا لك ما زرعت ولنا الأصل ويبيحون الزنا للسفلة والضعفى ومن زنا من أهل اليسار والشرف قتلوه وعامة عقوبتهم في الذنوب القتل وأكثر زروعهم الاغذاء قالوا وإذا قلت الأمطار وغلت الأسعار جمع الملك السمنية وسدنة الأصنام ويهددهم بالقتل إن لم يأتوا بالمطر فلا يزالون محبوسين معتقلين حتى يأتي المطر قالوا وللملك كوسات في قصره فإذا غربت الشمس قرعوها قرعة واحدة فلا يبقى في المدينة أحد إلا سمعها ففزعوا إلى بيوتهم ومنازلهم فاغلقوا عليهم أبوابها وتحككت بالسكك والأزقة الجيوش والعسس إلى أن يسفر الصبح فمن وجدوه خارج داره ضربوا عنقه وكتبوا على ظهره بدمه هذا جزاء من تعدى أمر الملك، ذكر ما حكي من شرائع الترك وهم في شمال الصين ومغاربها يزعمون أن في بعضهم كتابا لهم وفي بعضهم كتاب التبتية لأنهم يجاورونهم وفي بعض كتاب السغدية قالوا وفي التغزغز نصارى وسمنية وليس من عادتهم قتل الأسارى ولا التجهيز على الجرحى ومن ظفروا به في الحرب فإن كان جريحا داووه وحملوه إلى منزله وأهله قالوا وخرخيز يحرقون موتاهم ويقولون أن النار تطهر جثته ودنيته ويعبدون الأوثان ومنهم من يعبد الشمس ومنهم من يعبد السماء ومنهم من يدفن على الميت عبيده وخدمه أحياء في التل حتى يموتوا ويعقرون الدواب عليه والتل بلغتهم القبر قالوا وفيهم قوم يزعمون أنهم يأتون بالثلج والريح والبرد وأكثر حكمهم على كتف الشاة والله أعلم
ذكر شرائع الحرانيين ذكر أحمد بن الطيب أنهم يقولون أن البارئ علة العالم لا يلحقه وصف شئ من المعلومات كلف أهل التمييز الإقرار بربوبيته وبعث الرسل تثبيتا لحجته ووعد من اطاع نعيما لايزول وأوعد من عصا العذاب بقدر استحقاقه قال وقصدوا في أمرهم أن يبحثوا عن الحكمة وأن يدفعوا ما ناقض الفطرة وأن يلزموا الفضائل ويجتنبوا الرذائل وصلواتهم ثلاث أولاها عند طلوع الشمس والثانية عند زوالها والثالثة عند غروبها ونصبوا قبلة بأن يجعلوا القطب الشمالي في نقرة القفا قالوا ويصلون كل يوم للكوكب الذي هو ربه فيصلون للزحل يوم السبت وللشمس يوم الأحد وللقمر يوم الاثنين وللمريخ يوم الثلاثاء ولعطارد يوم الاربعاء وللمشتري يوم الخميس وللزهرة يوم الجمعة قالوا ولا صلاة عندهم إلا على الظهور ولهم صيام وأعياد وقربان يتقربون فيها فيأكلون اللحم ويحرقون العظام وشحم الكلى ويغتسلون من الجنابة ومس الميت والطامثة ويعتزلون الطوامث ولايأكلون ما يذبح وينهون عن لحم الخنزير والسمك والباقلي والثوم ويعظمون أمر الجمل حتى يقولون من مشى تحت خطام ناقة لم يقض حاجته في ذلك اليوم ويتجنبون كل من به مرض مثل الجذام والبرص ولا يتزوجون بغير ولي وشهود ولا يتزوجون بالقريب ولا يجيزون الطلاق بغير حجة بينة عن فاحشة ظاهرة ولا يراجع المطلقة أبدا ولا يطأون إلا طلبا للولد والذكر والأنثى في الفرض عندهم سواء والثواب والعقاب يلحقان الأنفس وليس يؤخر ذلك عندهم إلى وقت معلوم بل يقولون أنها تصير إلى ما يجب عليها ولها من الجزاء عند ترك الأنفس استعمال البدن قال ويقولون أن النبي هو البرئ من المذمومات في النفس ومن الآفات في الجسم الكامل في كل محمود المستجاب الدعوة في إنزال الغيث ودفع الآفات وأن مذهبه مذهبا يصلح به العالم وتكثر به العمارة ولن تحصوا اسماء الرسل الذين دعوا إلى الله عز وجل كثرة قال وقولهم في العلوم قول ارسطاطاليس في كتبه وكتب امامهم لايخالفوا بها مذهب الفلاسفة اليونانيين في القديم.
ذكر أديان الثنوية وهم أصناف فمنهم المنانية والديصانية والماهانية والسمنية والمرقونية والكبانئون والصابئون وكثير من البراهمة والمجوس وكل من قال باثنين أو أكثر أو بشئ قديم مع البارئ فإن هذا الاسم يتناوله ويلحقه وكذلك القائلون بالجثة والجوهر والفضاء يزعم بعضهم أن الأصل هو النور والظلمة ثم يختلفون فيقول قائل إنهما جميعا حيان مميزان ويقول آخر بل النور حي عالم والظلمة جاهلة معمية وهذا رأي الصابئين ويقول مرقيون ثلاثة أشياء قديمة نور وظلمة وثالث معدل بينهما يخلق من هذا ومن هذا ليس من جنسهما ولولاه لم يك من طبعهما إلا التنافر ويقول المنانية النور خالق الخير والظلمة خالق الشر وأصحاب الطبائع قالوا بأربع طبائع وكثير من الفلاسفة بخامس معها خلافها ومنهم من يقول بقدم البارئ والطينة والعدم والصورة والزمان والمكان والعرض والمعطلة منهم قالوا بعدم العالم في أجسامه وأعراضه وشك قوم فلم يدر كيف يقولون وكل هذه المذاهب مخالفة لمذهب أهل التوحيد يكفيك ما مر من النقض عليهم في الفصل الثاني والله الموفق والمعين، ذكر عبدة الأوثان جاء في روايات أهل الإسلام أن أول ما عبدت الأوثان في زمن نوح النبي عم كما حكى الله تعالى عنهم وقالوا لاتذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا روينا عن محمد بن كعب القرظي أنه قال هولاء رجال صالحون من أولاد آدم عم وكان اذا مات أحدهم جزع عليه اخوته وعظم به وجدهم فجاءهم الشيطان وقال ألا أصور لكم صور اخوتكم فتتسلون بالنظر إليها وتستأنسون بها ففعل إلى أن مضت قرون فجاء وقال لأعقابهم إن آباءكم كانوا يعبدونها من دون الله فنصبوها آلهة ثم لما أغرق الله الأرض زمن نوح استخرجهم فنصبتها قريش يعبدونها كذا الرواية والله أعلم ثم تتابع الناس على عبادة الأوثان فمنهم من يجعلها وسيلة وذريعة إلى الله عز وجل ومنهم من استحسن ذلك لمشاكلة أفضل الصور ومنهم من يعبدها تقليدا حتى عبد قوم النار وقوم الشمس وقوم الماء وقوم الشجر وقوم النسر وقوم الفهد وقوم البشر وقوم الملائكة وقوم النجوم وقوم الحجر وفي الجملة كلهم يعبدون مع الله غيره إلا المسلمين وصنفا من اليهود
ذكر مذاهب المجوس وشرائعهم اعلم أنهم أصناف فمنهم اللغرية والبهافريذية والخرمية ولا قوم أكثر هوسا وتخليطا منهم فمنهم من يقول بالاثنين كالمنانية وبالثلاثة كالمرقونية ومنهم من يعبد النار والشمس والقمر والنجوم ويزعم أن الإله القديم لم يزل وأنه خلق اهرمي وهو بمنزلة ابليس عندهم فعاداه وناصبه ويزعم آخرون أن البارئ يفكر فكرة ردية فحدث منها هذا الشرير الخبيث المضاد له بغير إرادته ومنهم الزردشتية يقرون بنبوة زردشت وثلاثة أنبياء يكون بعده ويقرؤون كتابه الابسطا ويعظمون النار قربة إلى الله عز وجل لأنها أعظم الاسطقسات ثم يزعم بعضهم أن النار من نور الله عز وجل ويزعم آخرون أنها بعض من الله عز وجل ويحرمون الميتة وكل ما خرج من باطن الإنسان من أي منفذ كان ولذلك يزمزمون عند طعامهم ويصلون ثلاث صلوات يدورون فيها مع الشمس كيف دارت احداها عند طلوع الشمس والثانية نصف النهار كل واحد لطولها وعرضها ويعظمون من يعلمها ويزعمون أنهم كلما أرادوا طربا ازداد ابليس حربا وحزنا ويحرمون الأكل والشرب في أواني الخشب والخزف لأنهما يقبلان النجاسات وإذا غسلوا أيديهم على إثر الطعام لم يدخلوا الماء أفواههم لأنه من الاستخفاف به ويغسلون الشفاه ويستحلون نكاح الأخوات والبنات ويحتجون على من خالفهم بفعل آدم عم ذلك ويأكلون من الحيوان ما يأكله المسلمون وما كان من خلق ابليس فلا يأكلونه ويعظمون النيروز والمهرجان وأيام الفروردجان ويزعمون أن أرواح موتاهم ترجع إلى منازلهم وينظفون البيوت ويبسطون الفرش ويصنعون الأطعمة تلك الأيام ويقولون إنما يصيب الموتى منها روائحها بقواها ونورها وإذا احتضر أحدهم قربوا منه كلبا ويزعمون أن الشيطان يحضره عند مفارقة الروح فيلتبس بجسده كظل الشجرة إذا وقع على الحائط فإذا التفتت إليه الكلب فزع منه ففارقه ولا يجوز عندهم أن يقربوا الميت من الماء والنار ومن مسه وجب عليه الغسل لأنه نجس بانتقال روحه والطهارة واجبة عليهم في اليوم والليلة مرة واحدة وهي غسل اليدين وغسل الوجه بما يستخرج من الأشجار أو من البقر ثم يغسلون بعده بالماء الطاهر ولا غسل عليهم للجنابة والأختان والزكوة واجبة عليهم من جميع أموالهم أن يخرجوا الثلث منها للفقراء والمضطرين من أهل ملتهم ومن غيرهم وفي إصلاح القناطر وكنس الأنهار وعمارة الأرض وينكحون من النساء ما شاؤوا وكيف شاؤوا ولا يقع الطلاق إلا بأحد ثلاثة أشياء الزنا والسحر وترك الدين والسكر والزنا والسرقة عليهم حرام وعقوبة الزاني أن يضرب ثلاث مائة خشبه أو يؤخذ منه ثلاثمائة إستار فضة ومن سرق وشهد عليه ثلاثة عدول وأقر خرم أنفه وأذنه ويسمون ذلك درويش ويغرم مثل قيمة ما سرق فإن عاد وسرق ثانياً اكتفى عليه بشاهدين عدلين وقامت العلامة مقام شاهد وخرم في أنفه وأذنه في موضع آخر وغرم مثل قيمة ما سرق فإن عاد وسرق ثالثا اكتفى منه بشاهد وخرم في أنفه وأذنه من موضع آخر وغرم قيمة ما سرق فإن عاد وسرق رابعا لم يستشهد عليه بعد ذلك وغرم كل ما ادعى عليه الخصم ومن قطع الطريق أخذ منه قيمة ما أخذ أربع مرات وقتل ومن خرج عن الولاة فعقوبته أول مرة قطع اليدين من المعصم وفي الثانية قطعها من الذراع وفي الثالثة من الكتف وفي الرابعة ضرب العنق فإن كان في خروجه على السلطان لم يجن شيئا بيده ولكنه قال قولا مواجهة فقئت عيناه فإن كان سعى سعيا قطعت رجلاه وأحكامهم في المواريث عجيبة فلو أن رجلا مات وخلف امرأة وابنين وابنة فإن المرأة إن شاءت أخذت مهرها ويجب على ورثة زوجها إمساكها والانفاق عليها ما عاشت وإن لم يكن لها منه ولد فإن المال والمرءتان موقوفان إلى أن تتزوج المرأة فإذا تزوجت المرأة رفعت النفقة عنها وإن مات رجل وخلف أبا وأخا دفع المال إلى الأب على أن يتزوج امرأة ويولد لها ولد باسم المتوفى ليكون المال له وكذلك الأخ لا يرث شيئا إلا على هذه الشريعة وكذلك إن كان للمتوفى أختان دفع المال إلى الكبرى على أن تتزوج رجلا وتلد غلاما تسميه باسم هذا المتوفى ويدفع المال إليه فإن كانت الكبيرة متزوجة دفع المال إلى الصغيرة على هذه الشريطة وإن كانتا متزوجتين دفع المال إلى من يضمن إيلاد ولد باسم هذا المتوفى ويدفع المال إليها ويكون المال له وجملة هذا الباب أنه إذا كان للمتوفى ولد كان المال كله له وإن لم يكن له
ولد فلمن يقبل هذا الشرط،لد فلمن يقبل هذا الشرط، ذكر مذاهب الخرمية هم فرق وأصناف غير أنهم يجمعون القول بالرحمة ويقولون بتغيير الاسم وتبديل الجسم ويزعمون أن الرسل كلهم على اختلاف شرائعهم وأديانهم يحصلون على روح واحد وأن الوحي لا ينقطع أبدا وكل ذي دين مصيب عندهم إذا كان راجي ثواب وخاشي عقاب ولا يرون تهجينه والتخطي إليه بالمكروه ما لم يرم كيد ملتهم وخسف مذهبهم ويتجنبون الدماء جدا إلا عند عقد راية الخلاف ويعظمون أمر أبي مسلم ويلعنون أبا جعفر على قتله ويكثرون الصلاة على مهدي بن فيروز لأنه من ولد فاطمة بنت أبي مسلم ولهم أئمة يرجعون إليهم في الأحكام ورسل يدورون بينهم ويسمونهم فريشتكان ولا يتبركون بشيء مثل تبركهم بالخمور والأشربة وأصل دينهم القول بالنور والظلمة ومن شاهدنا منهم في ديارهم ماسبذان ومهرجان قذق فإنا وجدناهم في غاية التحري للنظافة والطهارة والتقرب إلى الناس بالملاطفة بتقديم الصنيعة ووجدنا منهم من يقول بإباحة النساء على الرضا منهن وإباحة كل ما يستلذ النفس وينزع إليه الطبع ما لم يعد على أحد بالضرر ذكر شرائع أهل الجاهلية كان فيهم من كل ملة ودين وكانت الزندقة والتعطيل في قريش والمزدكية والمجوسية في تميم واليهودية والنصرانية في غسان والشرك وعبادة الأوثان في سائرهم واتخذ بنو حنيفة إلها من حيس وعبدوه دهرا ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقال بعضهم
أكلت حنيفة ربها ... زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتباعة
وقال آخر
أكلت ربها حنيفة من جو ع قديم بها ومن إعواز
وكان في مشركيهم بقية من دين اسمعيل عم كالنكاح والختان والمناسك وتعظيم الأشهر الحرم وغير ذلك وأحدثوا أمر الحمس من قريش فكان لا يخرجون من الحرم ولا يقفون مع الناس بعرفات ويقولون نحن آل الله ولا نخرج من حرمه وكان الرجل من الغرباء إذا قدم مكة لا يطوف في الثوب الذي قارف فيه الذنب فإن أصاب من ثياب الحمس طاف فيه وإن لم يصب طاف الرجل بالنهار عريانا والمرأة بالليل عريانة وكانت الحمس لا يسلئون السمن ولا يأقطون الإقط ولا يأكلون اللحم أيام الموسم وكانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها ويقولون لا ينبغي أن يحول بيننا وبين السماء شيء وكانوا يحرمون من النساء ما حرمه الله عز وجل في القرآن إلا امرأة الأب فانزل الله سبحانه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف وكانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويصلون الوصيلة ويحمون الحامي ويستقسمون بالازلام ويقربون القربان وغير ذلك مما هو مذكور في أخبارهم وأشعارهم فأبطل الله عز وجل بأحكام الإسلام أكثرها وكانوا يقولون أن روح الميت تخرج من قبره وتصير هامة فتقول اسقوني اسقوني ومن ثم قال ذو الأصبع
يا عمرو إن لم تدع سبى ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
ومنهم من كان يؤمن بالبعث والنشور بعد الموت ويزعم أن من عقرت مطيته عند قبره حشر عليها وفيه يقول حريثة
واحمل أباك على بعير صالح ... ويقي البقية أنه هو الأقرب
ذكر شرائع اليهود وهم أصناف فمنهم العانانية والاشمعيثية والجالوتية والفيومية والسامرية والعكبرية والاصبهانية والعراقية والمغاربة والشرستانية والفلسطينية والمالكية والربانية فأما عانان فإنه يقول بالتوحيد والعدل ونفي التشبيه واشمعث يقول بخلافة وجمهور اليهود على هاذين الرجلين وأما سائر المخالفين فإنه يقع الخلاف بينهم في الشيء بعد الشيء وزاد رأس جالوت في التشبيه على اشمعث حتى يزعم أن معبوده شيخ اشمط واحتج أنه وجد في سفر دانيال رأيت قديم الآباء قاعدا على كرسي أبيض الرأس وحوله الاملاك فهم يسمون الجالوتية وأما الفيومية فصاحبهم أبو سعيد الفيومي يفسرون التورية على الحروف المقطعة كما يفعله الباطنية في الإسلام وأما السامرية فإنهم ينكرون كثيرا من شرائعهم ولا يقرون بنبوة من كان بعد يوشع بن نون مثل داود وسليمان وزكريا ويحي وغيرهم ويزعمون أنهم ليس لهم في التورية اسم وأما العكبرية فأصحاب أبي موسى البغدادي العكبري يخالفوهم في أشياء من السبت وتفسير التورية وأما الاصبهانية فأصحاب أبي عيسى الاصبهاني وادعى النبوة وأنه عرج إلى السماء فمسح الرب رأسه وأنه رأى محمدا في السماء فآمن به ويهود أصبهان يزعمون أن الدجال منهم يكون ومن ناحيتهم يخرج وأما العراقية مخالفون الخراسانية في أوقات أعيادهم ومدد أيامهم وأما المغاربة فإنهم يرون السفر في السبت وطبخ القدور فيه وأما الشرستانية فإنهم أصحاب شرستان زعم أنه ذهب من التورية ثمانون بسوقة ومعنى بسوقة آية ويدعى أن للتورية تأويلا باطنا مخالفا لظاهرها وأما يهود فلسطين فإنهم يزعمون أن عزيرا ابن الله على جهة التكرمة والرحمة كما يقال إبراهيم خليل الله وكثير من اليهود ينكرون هذا القول والواجب أن تعلم مذاهبهم ليتبين وجه الحق فلا ينسب إلى كل فرقة إلا من ينحلونه وأما المالكية فإنهم يقولون أن الله عز وجل لا يحي يوم القيامة من الموتى إلا من قد احتج عليه الرسل والكتب ومالك هذا تلميذ عانان وأما الربانية فإنهم يزعمون أن حائضا لو مست ثوبا من الثياب المنضودة وجب الغسل على جميع الأثواب والعراقية يأخذرن رؤوس الشهور بالأهلة والآخرون يأخذون بالعدد والحساب
ذكر أحكامهم واجب عليهم الإيمان بالله وحده وبموسى رسوله وبالتورية وما فيها والعشر والآيات لا بد لهم من درسها وتعلمها وأما وضوءهم واغتسالهم فمثل طهارة المسلمين سواء غير أنه ليس فيه مسح الرأس ويبدؤون بالرجل اليسرى واختلفوا في شيء منه قال عانان يستنجي قبل الوضوء لأن الإنسان لا يطهر ما لم يمط الأذى عنه وقال اشمعث يستنجي بعد الوضوء لأنه لا يجوز أن يغسل وجهه بعد الاستنجاء ولا يتوضؤون بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه ولا يجيزون الطهارة من غدير ما لم يكن عشرة أذرع في عشر والنوم قاعدا لا ينقض الوضوء ما لم يضع جنبه ومن أحدث في صلاته من قيء أو رعاف أو ريح انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ولا يجوز للرجل الصلاة في أقل من ثلاثة أثواب قميص وسراويل وملاءة يتردى بها فإن لم يجد الملاءة صلى جالسا وإن لم يجد القميص والسراويل صلى بقلبه ولا يجوز للمرأة الصلاة بأقل من أربعة ثياب والصلاة فرض عليهم في اليوم والليلة ثلاث صلوات إحداهن عند الصبح والثانية بعد الزوال إلى غروب الشمس والثالثة إلى وقت العتمة إلى أن يمضي من الليل ثلثه يسجدون في دبر كل صلاة سجدة طويلة ويزيدون يوم السبت وأيام الأعياد خمس صلوات سوى ما كانوا يصلونها فلهم خمس أعياد عيد الفطر وهو يوم الخامس عشر من نيسان وهو سبعة أيام يأكلون فيها الفطير وينظفون بيوتهم من خبز الخمير لأنها الأيام التي خلص الله فيها بني إسرائيل من يد فرعون وأغرقه في اليم فخرجوا من البحر وجعلوا يأكلون اللحم والعجين الفطير وعيد الأسابيع بعد عيد الفطر سبعة أسابيع وهو الذي كلم الله فيه بني إسرائيل من طور سيناء وعيد رأس الشهر وهو أول يوم من تشرين يزعمون أنه يوم فدي فيه اسحق عم من الذبح ويسمونه عيد راش هشنا أي عيد رأس الشهر وعيد صوما ربا معناه الصوم العظيم ويزعمون أن الله عز وجل يغفر لهم في ذلك اليوم جميع ذنوبهم وخطاياهم إلا ثلاثا الزنا لمحضنة وظلم الرجل أخاه وجحده ربوبية الله وعيد مظلى يستظلون سبعة أيام بقضبان الآس والخلاف ويزعم بعضهم أن بني إسرائيل انتهوا في هذه الأيام إلى مفازة فاستظلوا بالشجر وكان واجبا عليهم الحج في كل سنة ثلاث مرات حين كان الهيكل عامرا والمذبح قائما وأما الصوم فيجب عليهم الصوم أربعة أيام يوم السابع عشر من تموز وحده من غروب الشمس إلى غروب الشمس ويزعمون أن هذا اليوم الذي كسر فيه بخت نصر سور اورشليم يعني بيت المقدس ودخلها والثاني يوم العاشر من آب والثالث يوم العاشر من كانون الأول والرابع يوم الثالث عشر من آذار وأمرهم في الحيض والحائض شديد يجب عليهم أن يعتزلوها وثيابها وأوانيها وما مسته الحائض من شيء فقد نجس ووجب أن يغسل وإن مست لحم القربان وجب أن يحرق ذلك اللحم بالنار ومن مس الحائض أو خبزت أو طحنت أو غسلت فكله نجس حرام على الطاهرين وحل للحيض ومن غسل ميتا وجب عليه أن يغتسل سبعة أيام ولا يصلي فيها ويغسلون الموتى ولا يصلون عليهم وأما الزكوة فالواجب عليهم أن يخرج العشر من أموالهم كائنا ما كان من السوائم والناض ولا يجب العشر في شيء من أموالهم دون مائة عدديا كان أو وزنيا لأن ما لا يخرج منه عشر العشر لا يجب فيه العشر وكل ما أخرج منه مرة واحدة فليس فيه إعادة العشر وأما نكاحهم فلا يصح إلا بولي وخطبة وثلاث شهود ومهر مائتي درهم للبكر ومائة للثيب فإن كان أقل من ذلك لم يجز ويحضر عند عقد النكاح كاس من الخمر ودستجة من ريحان فيأخذ الإمام الكاس فيبرك عليها ويخطب خطبة النكاح ثم يدفعه إلى الختن ويقول قد تزوجت فلانة بهذه الفضة أو بهذا الذهب وهو خاتم في يده وبهذا الكاس من الخمر وبمهر كذا درهم ويشرب منها جرعة ثم ينزلون إلى منزل الجارية ويأمرونها أن تأخذ الخاتم والريحان والكاس من يد الختن فإذا أخذت وشربت منها جرعة يعقد النكاح ويضمن أولياء المرأة البكارة فإذا زفت وكل أبو المرأة رجلا وامرأة بباب البيت الذي يقتضها فيه الزوج وفرشوا لها ثيابا بيضاء فإذا الزوج نظر إلى الثياب وشهد بما رايا اقتضها فإن لم يجدها بكرا رجمت ولا يجوز لهم التمتع بالإماء إلا أن يعتقوهن وينكحوهن ومن واقع امرأته فقد عتقت عليه وأي عبد عمل لمولاه سنين معلومة فقد عتق ومن احتاج من اليهود جاز له بيع أولاده وإذا كانوا صغارا غير مدركين كذا هم في شريعة بني إسرائيل وأما طلاقهم
وخلعهم فإنهم لا يجوز لهم ذلك إلا أن يقفوا منهم على زنا أو سحر أو رفض دين ومن أراد أن يطلق امرأته فإن كانت بكرا أتى بخمسة وعشرين درهما وإن كانت ثيبا أتى باثني عشر درهما ونصف وأحضر الإمام والشهود وكتاب الطلاق وقال لها أنت طالق مني مائة مرة ومختلعة مني وفي سعة أن تتزوجي من شئت ولا يقع الطلاق على الحامل بتة وللرجل أن يراجع امرأته ما لم تتزوج انقضت عدتها ام لم تنقض فإذا تزوجت حرمت على الزوج الأول أبدا وحكمهم في البيوع أنه ما لم ينقل المشتري ما اشتراه إلى حيث شاء وسلمه البائع إليه فإنهما بالخيار والحدود عندهم على خمسة أوجه الحرق والقتل والرجم والتعزير والتغريم أما الحرق فعلى من زنا بأم امرأته أو بربيبته أو بامرأة ابنه والقتل على من قتل والرجم على المحضن إذا زنا أو لاوط وعلى المرأة إذا مكنت البهيمة من نفسها والتعزير على من قذف والتغريم على من سرق والبينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه سبعة وثلاثون عملا من أتى بواحد منها في السبت أو في ليلة السبت استحق القتل تكريب الأرض زرع الأرض حصد الزرع سياقة الماء إلى الزرع ضرب المحضنة حلبة اللبن كسر الحطب إيقاد النار عجن العجين خبز الخبز خياطة الثوب نسخ السلك كتابة حرفين أخذ الصيد ذبح الحيوان الخروج من القرية التحويل من موضع إلى موضع الشرى والبيع الدق والطحن والاحتطاب وقطع الجبن دق اللحم إصلاح النعل إذا انقطعت خلط علف الدابة ولا يجوز للكاتب أن يخرج يوم السبت من منزله ومعه قلمه ولا الخياط معه إبرته ومن أتى بشيء استحق به القتل فلم يسلم نفسه فهو ملعون فإنهم لا يجوز لهم ذلك إلا أن يقفوا منهم على زنا أو سحر أو رفض دين ومن أراد أن يطلق امرأته فإن كانت بكرا أتى بخمسة وعشرين درهما وإن كانت ثيبا أتى باثني عشر درهما ونصف وأحضر الإمام والشهود وكتاب الطلاق وقال لها أنت طالق مني مائة مرة ومختلعة مني وفي سعة أن تتزوجي من شئت ولا يقع الطلاق على الحامل بتة وللرجل أن يراجع امرأته ما لم تتزوج انقضت عدتها ام لم تنقض فإذا تزوجت حرمت على الزوج الأول أبدا وحكمهم في البيوع أنه ما لم ينقل المشتري ما اشتراه إلى حيث شاء وسلمه البائع إليه فإنهما بالخيار والحدود عندهم على خمسة أوجه الحرق والقتل والرجم والتعزير والتغريم أما الحرق فعلى من زنا بأم امرأته أو بربيبته أو بامرأة ابنه والقتل على من قتل والرجم على المحضن إذا زنا أو لاوط وعلى المرأة إذا مكنت البهيمة من نفسها والتعزير على من قذف والتغريم على من سرق والبينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه سبعة وثلاثون عملا من أتى بواحد منها في السبت أو في ليلة السبت استحق القتل تكريب الأرض زرع الأرض حصد الزرع سياقة الماء إلى الزرع ضرب المحضنة حلبة اللبن كسر الحطب إيقاد النار عجن العجين خبز الخبز خياطة الثوب نسخ السلك كتابة حرفين أخذ الصيد ذبح الحيوان الخروج من القرية التحويل من موضع إلى موضع الشرى والبيع الدق والطحن والاحتطاب وقطع الجبن دق اللحم إصلاح النعل إذا انقطعت خلط علف الدابة ولا يجوز للكاتب أن يخرج يوم السبت من منزله ومعه قلمه ولا الخياط معه إبرته ومن أتى بشيء استحق به القتل فلم يسلم نفسه فهو ملعون
ذكر شرائع أهل النصارى وفيهم اختلاف وفرق فمنهم الملكانية والنسطورية واليعقوبية والبرذعانية والمرقونية والفولية وهم الرهاويون الذين بنواحي حران وأصناف حادثة غيرها ولا يخالفون في أشياء كثيرة ومنهم من يذهب مذهب الحرانية بعينه ومنهم من يقول بالنور والظلمة والثنوية يقولون أجمعهم بنبوة المسيح ومنهم من يعتقد مذهب ارسطاطاليس ويجر كتابهم إلى تصويب ذلك فأما الملكانية واليعقوبية والنسطورية فمتفقون على أن معبودهم ثلاثة أقانيم وهذه هي الأقانيم الثلاثة شيء واحد وهو جوهر قديم معناه أب وابن وروح القدس إله واحد وأن الابن نزل من السماء فتدرع جسدا من مريم وظهر للناس يحي ويبرئ وينبئ ثم قتل وصلب وجرح فخرج من القبر لثلاث وظهر لقوم من أصحابه وعرفوه حق معرفته ثم صعد إلى السماء فجلس عن يمين الله هذا الذي يجمعهم اعتقاده غير أنهم يختلفون في العبارة والعلل فمنهم من زعم أن القديم جوهر واحد وثلاثة أقانيم وكل واحد منها جوهر خاص وأحد هذه الأقانيم أب واحد غير مولود والآخر ابن مولود وغير والد والثالث روح فائضة منثنية بين الأب والابن وزعم أن الابن لم يزل مولودا ابن الابن الابن والأب لم يزل والدا لا على جهة النكاح والتناسل لكن على جهة تولد ضياء الشمس وتولد حر النار من ذات النار ومنهم من يزعم أن معنى قولهم أن الإله ثلاثة أقانيم أنها ذات لها حياة ونطق في الحياة هي روح القدس والنطق هو العلم والحكمة والكلمة والنطق والعلم والحكمة والكلمة عبارة عن الابن كما يقال الشمس ضياءها وحرها فهو عبارة عن ثلاثة أشياء ترجع إلى أصل واحد ومنهم من زعم أنه لا يصح له تثبيت الإله فاعلا حكيما إلا أن يثبته حيا ناطقا ومعنى الناطق العالم المميز لا الذي يخرج الصوت بالحروف المركبة ومعنى الحي عندهم من له حياة بها يكون حيا ومعنى العالم من له علم به يكون عالما قالوا فذاته وعلمه وحياته ثلاث أشياء والأصل واحد فالذات هي لعلة للاثنين اللذين العلم والحياة والاثنان هما المعلولان للعلة ومنهم من يتجنب اللفظ بالعلة والمعلول في صفة القديم فيقول أب وابن وولد وروح وحياة وعلم وحكمة ونطق قالوا والابن اتحد إنسانا مخلوقا فصار هو من اتحد به مسيحا واحدا وأن المسيح هو إله العباد وربهم ثم اختلفوا في صفة الاتحاد فزعم بعضهم أنه وقع بين جوهر لاهوتي وجوهر ناسوتي اتحاد فصار مسيحا واحدا ولم يخرج الاتحاد كل واحد منهما عن جوهريته وعنصره وأن المسيح إله معبود وأنه ابن مريم الذي حملته وولدته وأنه قتل وصلب وزعم قوم أن المسيح بعد الاتحاد جوهران أحدهما لاهوتي والآخر ناسوتي وأن القتل والصلب وقعا به من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وهذا قول النسطورية ثم يقولون أن المسيح بكامله إله معبود وأنه ابن الله مع اختلاف كثير ويزعم بعضهم أن الاتحاد بين جوهرين لاهوتي وناسوتي وجوهر اللاهوتي بسيط غير منقسم لا يتجزأ ومنهم من يقول أن الاتحاد على جهة حلول الابن بالجسد ومخالطته إياه ومنهم من يقول أن الاتحاد على جهة الظهور كظهور كتابة الخاتم النقش إذا وقع على الطين والشمع وكظهور صورة الإنسان في المرآة وأعلم أنه لا مذهب أكثر اختلافا في العبارة من النصارى حتى لا يكاد يوجد منهم اثنان على قول واحد ويذكره اللاحقي في قصيدة له
وبابن الأب مادنت ... وروح من قدسي
ثلاث من أقانيم ... بمعنى واحداتي
ولاهوتية حلت بإنسان ولادي
وليس هذا موضع الرد عليهم ولكن من نظر إلى قولهم في القديم وما يصفونه به من الأعراض الطارية عليه علم فساد مذهبهم واستحالة القديم أن يكون بشيء من تلك الصفات فالملكانية ينسب إلى ملك الروم ويقولون الله اسم لثلاثة معان الأب والابن والجوهر وهو روح القدس والنسطورية ينسب إلى نسطور رجل منهم يزعمون أن الله اسم لثلاثة معان فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد واليعقوبية قالوا هو واحد وأنه كان لا جسم ولا إنسان ثم تجسم وتأنس والفولية قالوا الله واحد وعلمه قديم معه والمسيح ابنه على جهة الرحمة كما يقال إبراهيم خليل الله والمرقونية يزعمون أن المسيح يطوف عليهم كل يوم طوفة والبرذعانية يزعمون أن المسيح هو الذي يحشر الموتى من قبورهم ويحاسبهم مع ترهات كثيرة وأقاويل مردودة لعنهم الله وقبح مذهبهم ذكر أحكامهم لابد من تنصير أولادهم وذلك أنهم يعمدون إلى من يريدون تنصيره فيغمسونه بماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة ويقرؤون عليه شيئا من كتابهم ويزعمون أنه ينزل عليه روح القدس ويسمون هذا العمل المعمودية وطهارتهم غسل اليدين والوجه وليس الختان عليهم بفرض وصلاتهم سبع وقبلتهم المشرق وحجتهم إلى البيت المقدس وزكاتهم العشر من جميع أموالهم وصيامهم خمسون يوما ويكون اليوم الثاني والأربعون منه عيد السعانين ويزعمون أن هو اليوم الذي نزل فيه عيسى بن مريم عم من الجبل ودخل بيت المقدس وبعده بأربعة أيام عيد الفصح وهو اليوم الذي خرج فيه عيسى عم ببني إسرائيل من مصر وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة وهو اليوم الذي يزعمون أن عيسى عم خرج من قبره بعدما قتل ودفن وبعده بثمانية أيام عيد الجديد ويزعمون أنه اليوم الذي ظهر عيسى عم لتلامذته بعد ما خرج من القبر وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق ويزعمون أنه اليوم الذي صعد فيه عيسى إلى السماء ولهم أعياد سوى ما ذكرنا عيد الصليب وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشبة الصليب وإنما علموا ذلك أنه وضع ميت فحيي بزعمهم وعيد الدنح وعيد الميلاد ولهم قراؤون وكهنة ومنهم شماس وفوقه القس وفوق القس الأسقف والمطران وفوق المطران البطريق والسكر حرام عليهم ولا يحل لهم اللحم والجماع في الصوم وكل ما بيع في الأسواق ولم يعفه أنفسهم فمباح لهم ولا يصح نكاحهم إلا بحضور شماس والعدول والمهر ويحرمون على النساء ما حرم المسلمون ولا يحل لهم الجمع بين امرأتين ولا التسري بالجواري إلا أن يعتقوهن ويتزوجوهن وأي عبد من عبيدهم خدمهم سبع سنين فقد عتق ولا يحل للرجل طلاق إلا أن يأتي بالفاحشة فقد طلقت ولا يحل له أن يتزوج بها أبدا وحدودهم الرجم للمحصن والمحصنة فإن كانا غير محصنين وعلقت المرأة من الرجل وزوجت به ويقتل قاتل العمد والواجب على قاتل الخطأ أن يهرب وليس للموتور أن يطلبه لما أمروا به من استعمال العفو وكثير من أحكامهم أحكام التورية وقد لعن منهم اللواطي والشاهد بالزور والمقامر والزاني والسكير هذا أحكامهم والله أعلم،
الفصل الثالث عشر
في صفة الأرض ومبلغ عمرانها
وعدد أقاليمها وصفة البحار والأنهار وعجائب الأرض والخلق
اعلموا أن القدماء قسموا المعمور من الأرض على سبعة أقسام يسمونها الأقاليم فالاقليم الأول يبتدئ من المشرق من أقاصي بلاد الصين ويمر إلى ما يلي الجنوب من الصين وعلى سواحل البحر من جنوب بلاد السند يقطع البحر إلى جزيرة العرب وأرض اليمن ويقطع بحر القلزم إلى بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وينتهي إلى بحر المغرب وفيه المدن من مدينة ملك الصين وبلاد جنوب السند وجزيرة الكرك وجنوب الهند من اليمن عمان و حضرموت وعدن وصنعاء وسبأ وجرش وظفار ومهرة ومن الغرب تبالة ومدينة ملك الحبشة جرمى ومدينة النوبة دمقلى وجنوب البربرية إلى البحر الأخضر ويكون أطول نهار هولاء ثلاث عشرة ساعات والاقليم الثاني يبتدئ من المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند وبلاد السند ويمر بملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب وفيه من المدن مدن من بلاد الصين الهند ومن السند المنصورة والبيرون والديبل ومن أرض العرب مكة والطائف و جدة الجار ويثرب واليمامة وهجر ومن النيل قوس واخميم وانصنا واسوان ومن المغرب مدن افريقية وبربر إلى بحر المغرب ويكون أطول نهار هولاء عشرة ساعات ونصف والاقليم الثالث يبتدئ من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين ثم الهند ثم السند ثم كابل و كرمان وسجستان والبصرة وفارس والأهواز والعراقين والشام و مصر والاسكندرية والمغرب إلى البحر وفيه من المدن بعض بلاد الصين والهند والسند قندهار وغزنة وكابل والرخج وبست وزرنج وكرمان وجيرفت ومن فارس اصطخر وجور وفسا وسابور وشيراز وسيراف وجنابة وسينيز ومه رويان وكور الأهواز كلها ومن العراق البصرة وواسط والكوفة وبغداد والأنبار وهيت ومن الشام حمص ودمشق وصور وعكة وطبرية وقيسارية ورسوف والرملة وبيت المقدس وعسقلان وغزة ومدين والقلزم ومن أرض مصر الفرما وتنيس ودمياط والفسطاط والاسكندرية والفيوم ومن المغرب برقة وافريقية والقيروان وأطول نهار هولاء أربع عشرة ساعة والاقليم الرابع يبتدئ من المشرق فيمر ببلاد تبت وخراسان وجرجان وطبرستان والري واصبهان وهمدان وحلوان وشهرزور وسر من رأى أرض الجزيرة وشمال الشام إلى بحر المغرب وفيه من مدن خراسان فرغانة وخجند واشروسنة وسمرقند وبخارا وبلخ وآمل ومرو الروذ وهراة وسرخس وطوس ونيسابور وقومس ودماوند وقزوين والديلم وقم ونهاوند والدينور والجزيرة والموصل وبلد نصيبين وآمد ورأس العين وقاليقلا وسميساط والرقة وقرقيسيا ومن شمال الشام بالس والمصيصة واصيدان والكنيسة السوداء وآدنة وعمورية ولاذيقية ثم يمر من بحر الشام على جزيرة قبرس ثم يمر في المغرب على بلاد طنجة إلى البحر وأطول نهار هولاء أربعة عشر ساعة ونصف والإقليم الخامس يبتدى من المشرق على بلاد ياجوج وماجوج ثم على شمال خراسان وازربيجيان والخزر والروم إلى المغرب وفيه من مدن خراسان الطراز ونويكث وخوارزم واسبجاب والشاش وطاربند وبخارا ومن ازربيجيان كور أرمينية وبرذعة ونشوى وسيسجان وارزن واخلاط ومن الروم خرشنة وقرة والرومية الكبرى ثم سواحل بحر الشأم مما يلي الشمال ثم بلاد اندلس حتى ينتهي إلى بحر المغرب والاقليم السادس يبتدي من المشرق ويمر على بلاد ياجوج وماجوج ثم على بلاد الخزز ثم على وسط بحر جرجان إلى بلاد الروم فيمر على جرزان وهرفلة وقسطنطينية وبلاد برجان إلى بحر المغرب قال أهل هذا العلم أما ما وراء هذه الأقاليم إلى تمام الموضع المسكون الذي عرفناه فإنه يبتدي من المشرق ومن بلاد ياجوج وماجوج فيمر على بلاد التغزغز وأرض الترك وعلى بلاد الان ثم على بلاد برجان ثم على شمال الصقالبة إلى أن ينتهي إلى بحر المغرب فهذا موضع عمران الأرض والبحور مما يعرف وأما ما وراء ذلك فأرضون مجهولة لا يعرف ما وراءها أحد إلا الله عز وجل قالوا أما الذين يسكنون خارج الأقاليم فإنهم أناس لا يفهمون قولا ولا يعلمون شيئا من الصناعات والعلامات وكانت الأرض مقسومة في الدهر الأول على خمسة أجزاء فمنها الصين والترك وتبت والهند وجزء منها الروم والصقالبة وسعد وخوارزم وارمينية وجزء منها القبط والبربر والشام وجزء منها السودان وخراسان وكرمان وفارس واليمن وجزء منها الأرض المعروفة بإيران شهر وهي ما بين منتهى نهر بلخ إلى منتهى أزربيجيان وارمينية إلى الفرات
والقادسية إلى بحر اليمن وفارس إلى مكران وكابل إلى طخارستان وهي صفوة الأرض وسرتها وهي تسمى اقليم بابل،والقادسية إلى بحر اليمن وفارس إلى مكران وكابل إلى طخارستان وهي صفوة الأرض وسرتها وهي تسمى اقليم بابل، ذكر المعروف من البحار والأودية والأنهار قال القدماء البحار المعروفة العظام خمسة أحدها بحر الهند وفارس والصين والثاني بحر الروم وافريقية والثالث بحر اوقيانوس وهو بحر المغرب والرابع بحر بنطس والخامس بحر جرجان وفي رسالة ارسطاطاليس إلى الاسكندر التي تسمى بيت الذهب أن بحر اوقيانوس بحر محيط بالأرض كإكليل وينفجر منه خلجان وقد وصفوا طول هذه البحار وعرضها وجزائرها وسواحلها وما يخرج منها من الأرجل والخلجان ويسمون بحر فارس الخليج الفارسي وطوله مائة وخمسين فرسخا وعرضه مائة وخمسون فرسخا ويسمون بحر اليمن خليجا وكذلك سائر البحار وقالوا وفي البحر الهندي ألف وثلثمائة وسبعون جزيرة وربما بلغ طول الجزيرة مائة فرسخ في مائة فرسخ ومائتين وثلثمائة وفيها من المدن والقرى والأنهار والعيون والجبال والمفاوز والممالك قالوا وفي البحر الرومي مائة ونيف وستون جزيرة عامرة وبحر جرجان يقال له عابسكن وبحر باب الأبواب هو أصغر البحار طوله من المشرق إلى المغرب ثلثمائة ميل وكانت فيه جزيرتان عامرتان فخربتا وبحر بنطس يمتد من اللازقة إلى خلف قسطنطينية وطوله ألف وثلثمائة ميل ويخرج منه خليج القسطنطينية فيجري كهيأة النهر ويصب في بحر مصر وعرض الخليج ثلاثة أميال وبحر الروم طوله من المشرق من صور وصيدا إلى الخليج الذي يخرج من بحر المغرب وطوله خمس مائة ميل وعرضه في بعض المواضع ثماني مائة ميل وفي بعضها ست مائة ميل وبحر الهند طوله من المشرق من أقصى الهند إلى أقصى الحبش ثلاثة آلاف ميل وعرضه ألفان وسبع مائة ميل ويخرج منه خليج إلى ناحية البربر يسمى الخليج الفارسي طوله ألف وأربع مائة ميل وعرضه خمس مائة ميل وفيما بين هذين الخليجين خليج فارس وخليج أيلة أرض الحجاز واليمن وأما بحر اوقيانوس فإنه لا يعرف منه إلا ما يلي شمال المغرب من أقصى بلاد الحبش إلى برطلية وهو بحر لا تجري به السفن ويبعد عن العمران وفيه جزائر مقابل الأندلس وطنجة وأما البحيرتان الجاريتان اللتان بهما تتم سبعة أبحر كما ذكر الله عز وجل فإنهم يزعمون خلف خط الاستواء فوق النوبة وهما مادتا النيل وأما البحر الزنجي فإنه لا يكون فيه شيء من الحيوان لحرارة مائه وحرازته وليس يوجد اللؤلؤ والجوهر في عذاب البحور إلا في بحر الصين فإن ماءه عذب ويوجد فيه اللؤلؤ قال الله عز وجل يخرج منها اللؤلؤ والمرجان وأم البحار الصغار فلا تعد لأنها مستنقعات المياه كما لا تعد العيون والأنهار فمنها في الشام بحيرة زغر وبحيرة طبرية وباذربيجيان وبحر ارمينية واسفل خوارزم بحيرة سياه كوه وبدماوند بحيرة
ذكر المعروف من الأنهار نهر الكنك بأرض الهند ينبعث من جبال قشمير ويجري في أعالي الهند من ناحية الجنوب حتى ينصب في البحر الهندي ونهر مهران بأرض السند ينبعث من جبال اشغنان وينصب في البحر الهندي وأما الأنهار التي تنصب في بحر فارس فهي دجلة تخرج من جبال فوق ارمينية فأعظمها تقع في دجلة بالحديثة وأصغرهما تقع في دجلة بالسن ومخرج النهروان من ارمينية فإذا مر بباب صلوى يسمى تامرا ويستمد من الهواطل فإذا صار بباجسرى سمى النهروين وينصب في دجلة أسفل من جبل ومخرج الفرات من أرض الروم من جبال بها موضع يقال له ابريق صخر ويمر بالجزيرة والرقة وينحدر إلى الكوفة ثم يمر حتى ينصب في البطائح فيختلط بدجلة ومخرج الخابور من رأس العين ويستمد من الهرماس وينصب في الفرات أسفل قرقيسيا وتجمع هذه الأنهار كلها في دجلة ويمر دجلة بالأبلة إلى عبادان فينصب في الخليج الفارسي ومخرج نهر الأهواز ونهر جندى سابور من جبال اصبهان ويجتمعان في دجيل الأهواز ثم يفيض في بحر فارس وأما الأنهار التي تفيض في بحر جرجان فنهر كر ينبعث من بلاد الان ونهر تفليس وبرذعة وسبيذ روذ يمر ببلاد اذربيجيان ويدخل بلاد الديلم ثم يقع في بحر جرجان وكذلك شاه روذ يخرج من طالقان الري فيفيض في بحر جرجان وهذه أنهار صغار وأما النيل فإنه يخرج من جبل القمر وينصب في بحيرتين من خلف خط الاستواء ويطيف بأرض النوبة ويتشعب دون الفسطاط فيصير شعبة إلى الاسكندرية وشعبة إلى دمياط فيفيضان في بحر الشام وتلتقي شعبة منه في الماء الذي يحيط بجزيرة تنيس من البحر فإذا هبت جنوب عذب ماؤهم وإذا هبت الشمال ملح ومخرج نهر المصيصة وسيحان وجيحان كلها من بلاد الروم ومصبها في نهر الشام ومخرج نهر دمشق في جبال دمشق يسقي غوطة دمشق وينصب في بحيرة دمشق مخرج نهر حلب من حدود دابق دون حلب بثمانية عشر ميلا ويفيض في أجمة أسفل حلب ومخرج جيحون من جبال بلاد تبت فيمر بوخان ويسمى وخان ثم ينحدر إلى الترمذ ويسمى نهر بلخ ثم يمر فيجاور خوارزم وتبسط دونه فيصير بطائح ومستنقعات يصطاد منها السمك ثم يمر مستسفلا مقدار ثلاثين فرسخا حتى ينصب في بحيرة سياكوه وفي ساحلها الشرقي رياض ومروج ذات أشجار وشوك لا يكاد يمكن اخراقها إلا في طرق اتخذتها الخنازير ويفيض في هذه البحيرة نهر فرغانة ونهر الشاش ومخرج نهر فرغانة من بامير فوق راشت وكميذ ومخرج نهر الشاش من بلاد الترك وأربعة أنهار تنبعث من جبال باميان أحدها يدخل بلاد الهند من ناحية لامغان والثاني يسقي مرو الروذ والثالث يسقي بلخ والرابع يسقي سجستان وما فضل منه يجمع في بحيرة تسمى زرة وهي التي سمينا هي الأنهار العظام المذكورة في الكتب وأما الصغار والعيون فلا يحيط بها إلا علم الله سبحانه وتعالى وأهل الكتاب يزعمون أن أربعة أنهار تخرج من الجنة سيحان وجيحان والفرات والنيل وزعموا أن الفرات مد فرمى برمانة شبه البعير البازل وذلك في زمن معاوية فسئل كعب الأحبار فقال هي من الجنة وفي كتب العجم أن جم شاذ حفر سبعة أنهار سيحون وجيحون والفرات ودجلة ونهر مهران بأرض السند ونهرين لم يسمهما لنا وهذا غير جائز ولا ممكن اللهم إلا أن يقال هو ساق ماء هذه الأنهار إلى أراضي البلاد فاستعمرها واستنزلها وحفر الأنهار منها
ذكر الممالك المعروفة قال أهل هذا العلم أن الصين على ساحل بحر الهند طوله ألف وخمس مائة فرسخ فيها ثلاث مائة وستون مدينة يحمل كل يوم إلى الملك خراج مدينة وثياب بدنه وجارية يرضاها قالوا وعدد جند الملك أربع مائة ألف مرتزق من فارس وراجل واسم المدينة التي يسكنها الملك خمدان والغالب عليهم استدارة الوجوه وفطس الأنوف وشقرة الألوان وصهبة الشعور وعامة لباسهم الحرير والديباج والفرو ومن هيئتهم في اللباس توسيع الأكمام وتطويل الذيول ويباهون بتزويق المنازل وكثرة الفرش والأواني وأكثر أراضيهم الاعذاء يسقيهم المطر والأنداء ودينهم السمنية والوثنية وعبادة الأوثان قالوا وفي شمال الصين بلاد ياجوج وماجوج وفي مغاربهم الترك وفي مشارقهم قوم يكنون في الأسراب لشدة وقع الشمس عليهم ولا يعلم ما في جنوبهم أحد إلا الله وفي كتاب المسالك والممالك أن في مشارق الصين مدينة لا يدخلها أحد فيخرج منها لطيب هوائها وفرط شعاعها وزكاء أرضها وعذوبة مائها وحسن عشرة أهلها فرشهم الحرير والديباج وأوانيهم الذهب وكيت وكيت والله أعلم وأما الهند فصرود وجروم وأولها قشمير وهي خمسة وأربعون مصرا ممصرة كل مصر تشتمل على حدود ومدن وكل مدينة لها سواد وقرى ومنها جبال وشعاب ومفاوز وكل ذلك للملك خاصة والناس حراثوه وأكرته قالوا وللملك للخمارين ستون ألف جارية حانية وموظف عليهم أن يكنسوا الميدان ويرشوه إذا أراد الملك الضرب بالصوالجة ودينهم البرهمية وزيهم تطويل الشعر الغالب عليهم البياض لبرد هوائهم وفيهم علم النجوم والطب والشعبذة والسحر قالوا وشرق قشمير ختن وتبت والصين وجنوبها مملكة كور وشمالها بلورلوب ووخان وغربها كابل وغزنة ولهم الأنهار والعيون والقنى والأبار وعندهم من أصناف الدواب والطير والألوان من الأطعمة والثمار وأما جروم الهند فجزائر وسواحل حتى تتصل بأرض الصين فمن مدنها الكبار قنوج وقندهار وسرنديب وسندان وألف وثلاثمائة وسبعون جزيرة عامرة فيها المدن والقرى غير السواحل قالوا وأول شرقي بحر الهند مكران وآخره بلاد الصين وأول غريبة عدن وآخره بلاد الزنج وهم قوم خلاف الزنج والهند يمطرون في الصيف ولا يمطرون في الشتاء وعامة طعامهم الأرز والذرة ومشاربهم من مستنقعات يجمع فيها ماء المطر يسمونها تلاج وليس عندهم من الفواكه ما لأهل قشمير والغالب عليهم السمرة والصفرة ودينهم البرهمية والسمنية وملكهم الأعظم يقال له بلهرا تفسيره ملك الملوك وإن في الجزائر ملوكا لا يطيع بعضهم بعضا ومشارق الهند والصين وقشمير وشمالهم السند وجنوبهم بلاد محرقة مجهولة وبحار ومغاربهم الزنج والرانج واليمن وأما تبت فهم صنف بين الترك والهند زيهم زي أهل الصين لهم فطس الترك وسمرة الهند وفيهم الكتابة والحساب والنجوم وأرضهم أرض باردة مشرقها الصين وشمالها الترك ومغربها وخان وراشت وهي أعالي خراسان وجنوبها قشمير وأعظم مدنها ختن بلدتين غيرين فيه من ألوان الثمار والفواكه وعامة لباسهم وفرشهم القز وهم عبدة الأصنام وبختن جماعة من ولد الحسين ابن علي عليهما السلام ولهم بها مساجد وفي كتاب البلدان والبنيان من دخل تبت لم يزل مسرورا ضاحكا حتى يخرج وأما ياجوج وماجوج فصنف بين الصين والترك الغالب عليهم خشن العيون وفطس الأنوف وقصر القامة جنوبهم الصين وشمالهم الترك ومغاربهم مشارق قشمير وتبت فلا يدرى ما في مشارقهم وهم أسوأ الناس عيشا وأخبثهم طعما وأخرقهم خرقة وأقلهم تميزا وفطنة كما يزعمون وقد ذكرهم الله عز وجل في القرآن المجيد والكتاب الكريم ووصفهم العلماء بصفات قد بيناها في مواضعها وأما الترك فهم عدد كثير وبلادهم واسعة وممالكهم متفرقة وقبائلهم لا تحصى منهم أهل وبر وأهل مدر جنوبهم تبت وبعض الصين ومشرقهم الصين وياجوج وماجوج ومغربهم ما وراء النهر من منبعث جيحون إلى مغيضه وشمالهم التغزغز وهم صنف منهم وأصناف من الناس من أخلاق البهائم والسباع متوحشة زعرة ثم يلي شمال هولاء فياف ومجاهيل وأراض باردة لا يعلم ما فيها إلا الله عز وجل وحد بلاد الترك ينتهى إلى أحد جوانب بحر الروم وينتهي إلى بحر جرجان وسمعت أبا عبد الرحمن الأندلسي بمكة حرسها الله يحدث أنها ركضت راكضة من الترك على بعض حدود الأندلس وسبوا منه واستاقوا السوائم وأنه تبعهم الطلب فظفروا بواحد منهم فقالوا فذاك أول ما
رأينا من الترك وكنا نكمله ويكلمنا فلا يفهم ولا نفهم والغالب على الترك البياض والفطس وفيهم الثنوية والنصارى وعبدة الأوثان والشمس وأكثر بلادهم باردة قالوا وفي التغزغز ملك له خيمة من ذهب مركبة كالوطيس يرى تلك من فوق قصره على خمس فراسخ يعبدها قوم منهم وبلادهم سهيلة قل ما يقع الثلج ويشتد الحر في الصيف حتى يسكن أهلها في أسراب وربما جاءت الحية هاربة من الحر فتساكنهم ولهم أنواع الفواكه وألوان الثمار قالوا وخيرخيز أيضا لهم المزارع والأشجار وملك خرخيز خاقان قالوا ومن الطراز إلى التغزغز مسيرة شهر ومن التغزغز إلى خرخيز مسيرة شهر وسائر الترك قبائل وأحياء كلهم يرون الطاعة لملك الصين بالاسم قالوا ويجاور الترك الخزر روس وصقلاب وولج والان والروم وأصناف كثيرة من أشباههم والطريق إليهم في البر من خوارزم إلى بلغار ومن باب الأبواب وفي البحر من عابسكين فأما الخزر فعامتهم يهود يشتون في المدن ويصيفون في الخيام وأما روس فإنهم في جزيرة وبيئة يحيط بها بحيرة وهي حصن لهم ممن أرادهم وجملتهم في التقدير زهاء مائه ألف إنسان وليس لهم زرع ولا ضرع يتاخم بلدهم بلد الصقالبة فيغيرون عليهم ويأكلون أموالهم ويسبونهم قالوا وإذا ولد لأحد منهم مولود ألقى إليه سيف وقيل له ليس لك إلا ما تكسبه بسيفك ولهم ملك إذا حكم بين الخصمين بشيء فلم يرضى به قال تحاكما بسيفكما فأي السيفين كان أحد كانت الغلبة له وهم استولوا على برذعة سنة فارتكبوا من الإسلام وانتهكوا من محارمهم ما لم يسبقه إليه أحد من أهل الشرك فقتلهم الله عز وجل كلهم بالوباء والسيف قالوا وبلاد الخزر يتاخم بلاد ملك السرير وله قلعة على رأس جبل شاهق يحيط به سور من حجارة لا طريق إليها إلا من باب وله سرير من ذهب وسرير من فضة توارثهما من آباءه يذكرون أنهما فيهم من ألوف سنين والملك وحاشيته نصارى وسائر أهل مملكته عبدة الأوثان وصقلاب أكبر من الروس وأوسع خيرا وفيهم عبدة الشمس والأوثان وفيهم من لا يعبد شيئا وولج والان ليسا بالكثيرين في العدد وأما الروم فمشارقهم وشمالهم الترك والخزر والروس وجنوبهم الشام والاسكندرية ومغاربهم البحر والأندلس وطنجة وما يليها وكانت الرقة بعضا من حدود الروم أيام الأكاسرة والشامات ودار الملك انطاكية إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلادهم قالوا والروم أربعة وعشرون عملا على كل عمل جند وعامل ديوان جندهم مائة ألف مقاتل وعلى كل عشرة آلاف بطريق وعلى كل خمسة آلاف طرموخ وتحت كل بطريق طرموخان وهو اسم قائد الجيوش والمدبر لها دمستق وأكثر اعطائهم مقاتلهم في السنة أربعون رطلا ذهبا وأقلها اثنا عشر مثقالا ودينهم النصرانية ومذهبهم النسطروية وفيهم الحساب والحكماء والمنجمون والأطباء والحذاق بعمل الطلسمات والمنجنيقات وعجائب الصيغة ولهم صباحة وشقرة ونظافة وبلادهم برية بحرية سهلية جبلية باردة وفيهم يهود ومجوس يأخذون منهم الجزية ويأخذون من سائر الناس سوى خراج الضياع والأعشار والصدقات من كل بيت يوقد فيه النار درهما واحدا وأكثر غلمان الملك الترك والخزر ويسترق من الروم ما شاء قالوا وأعظم مدنهم الرومية وفيها أربعون ألف حمام ومنزل ملكهم قسطنطينية قالوا ومن وراء الروم ممالك لا يعظمون الطاعة لملك الروم ولا ينقادون له والحرب بينهم طول الصيف قائمة فإذا هجم الشتاء سد مسالكهم الثلج وأما البربر فإنهم من العمالقة الذين كانوا نزولا بأرض الشام وفلسطين فلما قاتلهم يوشع بن نون وقتل منهم من قتل انحازت بقيتهم إلى أعالي المغرب فيهم اليوم نزول بين قصر ابن بايان إلى برقة وقيروان في الرمال والجبال والسواحل أصحاب قناطر وأعمدة وفيهم جفاء وجلادة ويقال أن جالوت الذي قتله داود عم كان منهم وفيهم شرك واسلام والسبي الذي يجلب منهم من دار شركهم وفي حافاتهم أصناف من السودان يقال زغل وزغاوة ومن ثم يحمل هولاء الخصيان السود وأما الحبشة فقام سود وبلادهم محرقة سهول وسواحل دينهم النصرانية طعامهم العسل والذرة ومشارقهم الحجاز ومغاربهم البحر وبأرضهم يقنص هذه الزرافات وأما البشرية فإنهم قوم سود بلادهم حارة وماءهم من النيل ودينهم النصرانية وهم أصحاب الخيام منهم البجة وفوقهم موضع يقال له عبرات السلاحف قالوا لا نكاح بين أهلها ولا يعرف الولد أباه ويأكلون الناس والله أعلم وأما الزنج فقوم
سود الألوان فطس الأنوف جعاد الشعر قليلو الفهم والفطنة مشارقهم مغارب الهند ومغاربهم البحر وأرضهم أرض متخلخلة منهارة لا تحمل نبأ ولا تنبت شجرا يجلب إليهم الطعام والثياب ويحمل من عندهم الذهب والرقيق والنارجيل وأما بلاد الإسلام فواسعة بحمد الله ومنه عريضة واسعة وهي ممالك وأولها دار الحجاز دار النبي صلعم ومبعث الإسلام مشرقها العراق ومغربها بلاد مصر وشمالهم الشام وجنوبهم اليمن والحبشة ونجد ما ارتفع منها وتهامة ما تطاء من نحو البحر فمكة حرسها الله من تهامة والمدينة من نجد وهي بدو وحضر فمن مدن الحضر مكة والطائف والجدة والجحفة والمدينة ووادي القرى وخيبر ومدين وأيلة وتبالة ومدن آخر صغار مثل بدر والفرع والمروة وفداك والرحبة والسيالة والربذة ومن المدن بالحجاز تيماء وحصنها الأبلق ودومة الجندل وحصنها مارد وفيها تقول البزباء وتمرد مارد وعز الابلق وقرى كثيرة غير ما ذكرنا وأما البدو القبائل أصحاب الخيام وبدوهم أكثر من حضرهم، اليمن قالوا وكانت أعمال اليمن مقسومة على ثلاثة ولاة وال على الحرام ومخاليفها ووال على حضرموت ومخاليفها وهي أوسطها وأطيب بلادهم وأبردها وأكثر ما ارتفع من أموالها ما جباه بعض عمال بني العباس وستمائة ألف دينار وأهلها قوم فيهم جهل وغباوة وسلامة الصدر وضعف الحال وأكثر فواكههم الموز وعامة لحومهم لحم البقر وفي مشارق سواحلهم صحار ومسقط وسقوطرا وشحر محلب ومن عندهم اللبان والصبر وهم قوم ضعاف الحال سيوء العيش قليلو الخيل والصناعات ولهم لغة لا يفهمها غيرهم وتليهم الاحساء وهي من أرض العرب وقد استوطنها القرامطة اليوم، الشام وهي أربعة أجناد جند من حمص وجند دمشق وجند فلسطين وجند الأردن ولكل جند عمل يشتمل على عدة مدن وقرى وفيها العجائب والمساجد لأنها أرض الأنبياء عم فشرقي الشام غربي الفرات وغربي الشام ساحل الروم وشماله جبال الروم وجنوبه فلسطين والأردن وبعض البادية فمدينة الأردن الطبرية والرملة وبيت المقدس من سواد رملة وكان دار ملك سليمان وداود، عمل مصر مسيرة شهر في مسيرة شهر طولها من رفح إلى اسوان من حد النوبة وعرضها من برقة إلى أيلة وهي من بلاد مقدونية يونان وماءها من النيل وكانت المدينة في القديم عين الشمس ثم صارت الفسطاط من مصر إلى الاسكندرية ثلاثون فرسخا وما وراء ذلك من حد المغرب وما فوق اسوان من حد النوبة وما فوق رفح من حد فلسطين وكان خراج مصر زمن فرعون ثمانية وعشرين ألف دينار وجباه بنو أمية ألفى ألف وثمان مائة ألف دينار، المغرب من الاسكندرية إلى برقة مائتا فرسخ وبرقة أول مدينة من مدن المغرب وهي حمراء شديدة حمرة التربة موضوعة في صحراء محفوفة بالجبال ومنها إلى الافريقية وهي القيروان العلوي المهدي مائة وخمسون فرسخا عمارات متصلة حضرها المغاربة وبدوها البرابر ومن المهدية إلى السوس مسافة أيام كل هذا في يد العلوي وهو من أولاد ادريس بن عبد الله بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم ما وراء ذلك في يد ابن رستم الاباضي وهو رجل من الفرس يرى رأي الخوارج ويسلم عليه بالخلافة ومن افريقية إلى تاهرت مسيرة شهر ثم ما وراء تاهرت في يدي الأموية عبد الرحمن بن معاوية من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان وهي طنجة ولنجة واندلس وعمل طنجة مثل عمل مصر مسيرة شهر في شهر وهي متاخمة شمال الروم ومجمع البحرين الذي يجري فيه السفن والذي لا تجري وفي جنوب المغرب السودان زغل وزغاوة إلى النوبة والحبشة ومغارب طنجة والبحر الأخضر المظلم الذي لا يركبه أحد ولا يعلم أحد ما وراءه ويقابل طنجة واندلس وافريقية جزائر من البحر فيها عمارات ومدن وأكثرها من عمل الروم، العراق شرقي الحجاز طوله مائة وعشرون فرسخا من عقبة حلوان إلى العذيب وكانت الأكاسرة ينزلون المدائن إلى أن جاء الإسلام وجباها سهل بن حنيف زمن عمر بن الخطاب رضه مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم جباها الحجاج ثمانية عشر ألف ألف درهم وليس فيها مائة ألف ألف درهم تراجع إلى هذا المقدار في مدة أربعين سنة وزيادة مدنها الكبار أربع الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وليس بالعراق ماء جار إلا بالسواقي والدوالي غير عين البصرة فإن المد يسقيها والبطائح دون واسط بعشرين فرسخا وهي ثلاثون فرسخا في ثلاثين فرسخا وكانت هذه البطائح
في القديم قرى عامرة ومزارع متصلة والماء يجري من دجلة العوراء يمر بين يدي المذار وعبدسي وفم الصلح حتى يأتي المدائن والسفن تجري فيها من أرض الهند إلى المدائن ثم خدت الأرض حتى مرت بين يدي واسط قبل أن يكون واسط فجعلت بذلك الضياع بطائح قبلها جوخى بين المذار وعبدسي فصارت صحارى وسميت تلك دجلة العوراء لتحول الماء عنها وأنفق كسرى مالا عظيما على أن يحول الماء إلى دجلة العوراء فأعياه ذلك ورام بعده خالد بن عبد الله فأعجزه، الجزيرة ما بين دجلة والفرات فمنها سروج ورها وعين شمس ودارا ونصيبين وآمد وبرقعيد وبلد الموصل وبالس ورقة وهيت والرحبة أعلاها ارمينية، السواد سوادان سواد الكوفة وسواد البصرة وسمي سورستان طولها من حد الموصل إلى آخر الكوفة المعروفة ببهمن اردشير على فرات البصرة مائة وخمسة وعشرون فرسخا وعرضها ثمانون فرسخا من عقبة حلوان إلى العذيب مما يلي البادية يكون ذلك مكسرا عشرة آلاف فرسخ والفرسخ اثنا عشر الف ذراع كل ذلك مستعمر مستنزل وكان مبلغ خراج السواد مائة الف الف درهم وخمسين الف الف درهم ولم يزل على المقاسمة في أيام قباذ بن فيروز الملك فإنه مسحها ووضع الخراج عليها وبعث عمر بن الخطاب رضه عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة وثلاثون الف الف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، آذربيجان وارمينية هي شمال الجبل والعراق مشارقهم جرجان ومغاربهم الروم شمالهم أصناف أهل الشرك لأنه يقال أن ووراء باب الأبواب اثنين وسبعين فرقة من الكفار فمن مدنها الكبار اردبيل ومراغة وموقان وبرزغة وتفليس وثغورها ثغور أهل الشام وأهل الجزيرة وهي تسمى العواصم فمنها قالى قلا وسميساط واخلاط وقنسرين وكذلك طرسوس وعين زربة وآدنة والمصيصة، الأهواز طولها من سفح جبال اينان إلى شط البصرة وعرضها من حد واسط إلى حد فارس ومدنها الكبار ست كور وتستر وجندى وسابور والسوس والعسكر ورام هرمز ونفس مدينة الأهواز وكان يبلغ خراجها أيام الأكاسرة مائة ألف ألف درهم وخمسين ألف ألف درهم واف وحكي أنها جبيت في بعض الأوقات ألف حمل فضة، فارس طولها مائة وخمسون فرسخا في مائة وخمسين فرسخا منها صرود وجروم جبال وسهول وسواحل وكورها في الأصل أربع كور اصطخر وسابور ودارابجرد واردشير خره فمدينة اردشير ومدينة دارابجرد فسا ومدينة سابور نوبندجان ومدينة اصطخر البيضاء وخراجها أربعة وستون ألف ألف درهم واف ويتاخمها كرمان، كرمان وسجستان ومكران وما فوقها أما كرمان ففيها صرود وجروم وعيون وأدوية وأعظم مدنها أربع برماشير وبم وجيرفت ودار الملك المعروف بالسيرجان ويتاخمها بلاد مكران وسجستان فأما مكران فإنها تمتد إلى قيقان من أرض السند وفيه مدن وكور كثيرة ثم إلى مولتان تسمى فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف لما افتتحها أصاب بها أربعين بهارا من الذهب والبهار ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون منا ذهبا يتصل حدود مولتان بحدود الهند وأما سجستان فمشارقها أرض كابل ومغاربها كرمان وجنوبها مكران وقيقان وشمالها قهستان وخراسان وتتاخم سجستان بلدي الرور والرخج وبست وهذه النواحي تتاخم أرض غزنة وقد ظهر في نواح يقال لها خشباجي معدن الذهب يحفرون الآبار ويخرجون من التراب الذهب وظهر هذا في سنة تسعين وثلاثمائة وزيد هذا الفصل في هذا الكتاب لأنه من العجائب ثم يرتفع إلى فنجهير وهي معادن الفضة إلى اندراب وبذخشان ووخان ثم يتصاعد إلى تبت ومن تبت إلى المشرق وفي شمال تبت والرخج الغور وهي جبال شامخة يخرقها نهر زرنج وفي جنوبها أرض السند، الجبل وهي من شرقي العراق وغربي خراسان أدنها إلى العراق حلوان ثم قرماسين ثم الدينور ثم همذان ونهاوند يسمى ماء البصرة وفي شمال هذه النواحي اذربيجان وفي جنوبها ماسبذان والسيروان ومدينة مهرجان قذق وهذه المدن بين العراق والأهواز والجبل وما يلي أرض فارس من الجبل الكرج واصبهان وما بينهم آخر عمل الجبل مما يلي خراسان الري وقزوين ثم في شمالها متصاعدا جرجان وطبرستان والجيل والديلم فالديلم لهم الجبال وهم أقل عددا من الجيل والجيل لهم سواحل بحر عابسكين وفي مشارق الرى قومس ثم يمر متصاعدا حتى يدخل حدود خراسان قالوا وبين الحدين تل لما وافى عبد الله بن طاهر خراسان واليا عليها وقف على ذلك التل ونادى يا أهل خرسان لا أجيبكم حتى أحميكم، خراسان طوله من حد الدامغان إلى
شط نهر بلخ وعرضه من حد زرنج إلى حد جرجان ومدنها الكبار أربع نيسابور ومرو وهراة وبلخ ثم فوق بلخ إذا لم يعبر النهر ممالك منها طخارستان وختل وشغنان وبذخشان إلى حدود الهند من نحو باميا إلى حدود تبت من نحو وخان وإن عبرت النهر أداك إلى الصغانيين من الترمذ إلى نخشب وكميذ وراشت تتاخم بلاد الترك الخرلخية ومن قبلهم يجيئهم الماء وأما ما وراء النهر فممالك واسعة منها سمرقند وفرغانة والشاش واسبيجان ودار الملك بخارا وأما المدن الصغار فكثيرة مثل كش ونسف وكور سغد وإيلاق وخجند وفرب وعلى شطى جيحون إذا انحدرت على آمل بلاد خوارزم وهي تتاخم بلاد الترك بالغربية ومن خوارزم إلى بلغار يفضى إلى الخزر والروم ومن وراء باب الأبواب وفي مشارق خوارزم الترك وما وراء النهر وفي جنوبهم مرو الروذ وابيورد ونسا وفي مغاربهم البحر وفي شمالهم الترك فسبحان من أحصى هولاء الخلق عددا وقدر لهم الأراضي والنواحي مستقرا وموطنا وخالف بين أهوائهم وإرادتهم وهممهم ولغاتهم ومعاملاتهم ومعائشهم فهم كلهم بعينه وعينه في قبضته وتحت قدرته ولا يخفى منهم خافية عليه ولا يغيب غائبة فهم بين مرضى عنه ومسخوط عليه ومقرب إليه ومقصى عنه فلا المرضى المقرب آمن من عقوبته وسطوته ولا المقصى المسخوط عليه يائس من عفوه ورحمته تبارك الله وتعالى كيف لا يجار الأفهام في عجيب تدبيره وبديع تقديره ومحكم صنيعه وفاضل قسمته تكفل بارزاقهم ولم يخف عليه عدد أنفاسهم وجعل بعضهم لبعض فتنة يبلو بهم صبرهم وشكرهم في معافى ومبتلى وفقير وغني وضعيف وقوي وحسن ورميم وعالم وجاهل دلالة منه بما يصنع على وحدانيته ودعوة إلى معرفة ربوبيته فله الحمد بالاستحقاق والاستغناء ومن أحق بحمده ممن دعاه فأجابه وهداه فاهتدى به اللهم فالهمنا التوفيق لبلوغ رضاك وأداء حقك في أشاعة شكرك والقيام بلوازم فرضك وعرفنا بركتك بإعطاء القوة وزيادة النشاط في طاعتك وعبادتك ولا تجمع بيننا سوء اختيارنا وكثرة تفريطنا وبين من عاديناه فيك وناصبناه لدينك يا أرحم الراحمين وكم للناظر في هذا الفصل من العبر والتنبيه إن كان ذا عقل ودين يقول الله عز وجل وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ويقول قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ويقول سبحانه هو الذي جعل الأرض لكم ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ويقول أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها،بلخ وعرضه من حد زرنج إلى حد جرجان ومدنها الكبار أربع نيسابور ومرو وهراة وبلخ ثم فوق بلخ إذا لم يعبر النهر ممالك منها طخارستان وختل وشغنان وبذخشان إلى حدود الهند من نحو باميا إلى حدود تبت من نحو وخان وإن عبرت النهر أداك إلى الصغانيين من الترمذ إلى نخشب وكميذ وراشت تتاخم بلاد الترك الخرلخية ومن قبلهم يجيئهم الماء وأما ما وراء النهر فممالك واسعة منها سمرقند وفرغانة والشاش واسبيجان ودار الملك بخارا وأما المدن الصغار فكثيرة مثل كش ونسف وكور سغد وإيلاق وخجند وفرب وعلى شطى جيحون إذا انحدرت على آمل بلاد خوارزم وهي تتاخم بلاد الترك بالغربية ومن خوارزم إلى بلغار يفضى إلى الخزر والروم ومن وراء باب الأبواب وفي مشارق خوارزم الترك وما وراء النهر وفي جنوبهم مرو الروذ وابيورد ونسا وفي مغاربهم البحر وفي شمالهم الترك فسبحان من أحصى هولاء الخلق عددا وقدر لهم الأراضي والنواحي مستقرا وموطنا وخالف بين أهوائهم وإرادتهم وهممهم ولغاتهم ومعاملاتهم ومعائشهم فهم كلهم بعينه وعينه في قبضته وتحت قدرته ولا يخفى منهم خافية عليه ولا يغيب غائبة فهم بين مرضى عنه ومسخوط عليه ومقرب إليه ومقصى عنه فلا المرضى المقرب آمن من عقوبته وسطوته ولا المقصى المسخوط عليه يائس من عفوه ورحمته تبارك الله وتعالى كيف لا يجار الأفهام في عجيب تدبيره وبديع تقديره ومحكم صنيعه وفاضل قسمته تكفل بارزاقهم ولم يخف عليه عدد أنفاسهم وجعل بعضهم لبعض فتنة يبلو بهم صبرهم وشكرهم في معافى ومبتلى وفقير وغني وضعيف وقوي وحسن ورميم وعالم وجاهل دلالة منه بما يصنع على وحدانيته ودعوة إلى معرفة ربوبيته فله الحمد بالاستحقاق والاستغناء ومن أحق بحمده ممن دعاه فأجابه وهداه فاهتدى به اللهم فالهمنا التوفيق لبلوغ رضاك وأداء حقك في أشاعة شكرك والقيام بلوازم فرضك وعرفنا بركتك بإعطاء القوة وزيادة النشاط في طاعتك وعبادتك ولا تجمع بيننا سوء اختيارنا وكثرة تفريطنا وبين من عاديناه فيك وناصبناه لدينك يا أرحم الراحمين وكم للناظر في هذا الفصل من العبر والتنبيه إن كان ذا عقل ودين يقول الله عز وجل وقدر فيها اقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ويقول قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ويقول سبحانه هو الذي جعل الأرض لكم ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ويقول أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها
ذكر المساجد والبقاع الفاضلة والثغور، مكة جاء في أخبار أهل الإسلام أن أول ما خلق الله عز وجل في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى وأولها الكعبة وبكة وحول بكة مكة وحول مكة الحرام وحول الحرام الدنيا قالوا ولما هبط آدم إلى الأرض حزن على ما فاته من نعيم الجنة فعزاه الله عنه بخيمة من خيام الجنة درة مجوفة فوضعها في موضع الكعبة اليوم وجعل يطوف بها مع الملائكة قالوا فلما كان زمن الغرق رفعت الخيمة إلى السماء وزعم وهب أن أول من بنى الكعبة بالطين والحجارة شيث بن آدم عم فلما كان زمن إبراهيم عم أمره الله تعالى ببناء البيت وأرسل إليه السكينة وهي في هيئة سحابة لها وجه ولسان وعينان تتكلم فوقفت فوق موضع الكعبة وقالت يابراهيم خذ على قدر ظلي فبنى البيت على قدر ذلك الظل بقول الله عز وجل وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم قالوا وليست أمة في الأرض إلا وهم يعظمون ذلك البيت ويعترفون بقدمه وفضله وأنه من بناء إبراهيم الخليل عم حتى اليهود والنصارى والمجوس وقد قيل أن زمزم سميت بزمزمة المجوس عليها وأنشدوا بيتا
زمزمت الفرس على زمزم ... ذلك في سالفها الأقدم
قال الله تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر قالوا ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت نادى يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج إلى بيته تحجوه وبلغ الله عز وجل صوته من كان في أرحام الأمهات وأصلاب الآباء فمن أجابه ولباه فلا بد من أن يحج ومن لم يجبه فلا سبيل إلى ذلك قالوا وأول من كسا الكعبة تبع لما أتى به مالك بن عجلان إلى يثرب وقتل اليهود ومر بمكة وقد أخبر بفضلها وشرفها فكساه الخصف ثم رأى في المنام أنه أكسها أحسن من ذلك فكساها الانطاع فرأى في المنام أن أكسها أحسن من ذلك فكساها المعافر والوصائل وأول من حلى البيت عبد المطلب لما حفر بئر زمزم أصاب فيه من دفن جرهم غزالتين من ذهب فضربهما في باب الكعبة ثم لما قام الإسلام كساها عمر بن الخطاب رضه القباطي ثم كساه الحجاج بن يوسف الديباج ويقال أن أول من كساها الديباج الخسرواني يزيد بن معاوية وأول من خلق جوف الكعبة بالخلوق عبد الله بن الزبير وأول من بناها بعد بناء إبراهيم عم أهل الجاهلية قبل مبعث النبي صلعم وذلك أنه جاء سيل من أعلى فهدم جدار الكعبة وساق مالها فاجتمعت قريش وتشاورا في بنائها فبنوها ورفعوا بابها عن الأرض مخافة السيل وأن لا يدخل فيها إلا من أحبوا ثم اختلفوا في الركن فوضعه رسول الله صلعم بيده قبل الوحي وكان المسجد في عهده غير محاط عليه فضاق بالناس أيام عمر فاشترى دورا فهدمها وزاد بالمسجد وأحاط عليها بحائط دون قامة الرجل ثم زاد عثمان بعده ثم هدم البيت عبد الله بن الزبير على حديث عائشة وجعل له بابين في الأرض ونقل إليه ثلاث أساطين من قليس صنعاء ثم لما قتله الحجاج هدم بناءه وبناه على البناء الأول ثم وسع المسجد أبو جعفر المنصور ثم زاد فيه بقدر المهدي في سنة مائة وستين فهو اليوم على ما بنوه، مسجد المدينة كان بالمدينة على عهد رسول الله صلعم تسع مساجد يصلون ولا يحضرون مسجد الرسول إلا يوم الجمعة وأول ما بنى بها من المساجد مسجد قبا وذلك أن رسول الله صلعم لما قدم نزل في بني عمرو بن عوف وأسس به مسجد قبا ثم خرج من عندهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلى الجمعة في بطن الوادي وبنى فيه مسجدا ثم جاء إلى المدينة ونزل على أبي أيوب الأنصاري وكان المربد فيه قبور جاهلية وغرقد وما يستحل فسأل النبي صلعم عنه فقال له معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة إنه لسهل وسهيل ابني عمرو ويتيمين في حجرى وسأرضيهما عنه فأبى الرسول صلعم حتى ابتاعه منها وأمر بالقبور فنبشت وبالغرقد فقطع وباللبن فضرب ونقلت الحجارة لأساسه وكان رسول الله صلعم ينقل الحجر على بطنه فيلقيه أسد بن حصين فقال أعطنيه يا رسول الله فقال اذهب فاحمل غيره فلست بأفقر إلى الله عز وجل مني وجعل يقول فيما روى الزهري لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وجعل المسلمون يرتجزون
لئن قعدنا والنبي يعمل ... فذاك منا للعمل المضلل
قالوا وبنى المسجد في طول مائة ذراع مربعا أساسه الحجر وجدرانه اللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل وثلاثة أبواب فقيل له ألا تسقفه فقال لا عرش كعرش موسى وتمام الشان أعجل من ذلك فهذا كان من أمر المسجد في عهد رسول الله صلعم وأمر أن يحصب فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضه وزاد فيه دار العباس ثم زاد عثمان وجعل سقفه من الساج وحيطانه بالحجارة المنقوشة ثم لما استعمل الوليد بن عبد الملك عمرو بن عبد العزيز على المدينة كتب إليه أن يوسع المسجد ويدخل فيه بيوت أزواج النبي صلعم وبعث إليه بفعلة من الروم والقبط وأربعين ألف مثقال من ذهب فسوره وبطنه بالفسيفساء وألوان الزجاج ثم زاد فيه المهدي ثم المأمون بعده فهو اليوم على ما فعله المأمون، بيت المقدس وزعم وهب أن يعقوب النبي عم كان يمر في بعض حاجاته فأدركه النوم في موضع المسجد فرأى في المنام كأن سلما منصوبا إلى السماء والملائكة تعرج فيه وتنزل وأوحى الله عز وجل إني قد ورثتك هذه الأرض المقدسة ولذريتك من بعدك فابن لي فيها مسجدا فاختط عليه يعقوب ثم بعده قبة ايليا وهو الخضر ثم بنى بعده داود وأتمه سليمان وخربه بخت نصر فاوحى الله عز وجل إلى كوشك ملك من ملوك فارس فعمرها ثم خربها ططس الرومي الملعون فلم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وعمره عمر بن الخطاب رضه ثم معاوية بن أبي سفيان وبه بايعوه للخلافة وليس ببيت المقدس ماء جار وإنما يشربون ماء الأمطار في الجباب إلا عيينة تسمى عين سلوان فيه ملوحة يزعمون أن الله عز وجل أظهرها لمريم حين أرادت أن تغتسل وظهر المسجد مغطى بصفائح من رصاص وأرض المسجد مفروشة بالرخام لئلا يضيع ماء المطر وللمسجد أبواب باب داود وباب سليمان وباب الأسباط وباب البقر والمسجد من أحد جوانبه يفضى إلى وادي جهنم وفيه مقابر ومزارع وفي وسط المسجد قبة الصخرة وعلى باب المدينة باب داود يصعد إليه بدرجات وفي المدينة مسجد لعمر بن الخطاب رضه وفيه كنائس اليهود والنصارى منها كنيسة يقال لها جلجلة وفيها قبر آدان أبي زكريا عم ومنها كنيسة صهيون التي كان يتعبد فيها داود عم وكنيسة القيامة في الموضع الذي يزعم النصارى أن المسيح لما قتل دفن فيه ثم قام وصعد إلى السماء ومن رملة إلى بيت المقدس ثمانية عشر ميلا وفي نصف الطريق قرية شنا يقال لها قرية العنب ومن بيت المقدس إلى بيت لحم فرسخ وفيه مولد المسيح عم بجنبها كنيسة الصبيان يزعمون أن الملك هيروذوس قتل بها صبيانا على اسم المسيح ومن بيت لحم إلى قبر الخليل عم فرسخان، طور سينا يخرج الرجل من مصر إلى قلزم في ثلاثة أيام ومن قلزم إلى الطور طريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعا يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة ثم يسير منها إلى الطور في يومين فإذا انتهى إليه صعد ست آلاف وست مائة وستا وستين مرقاة وفي نصف الجبل كنيسة لايليا النبي وفي قلة الجبل كنيسة مبنية باسم موسى عم بأساطين من رخام وأبواب من صفر وهو الموضع الذي كلم فيه الله عز وجل موسى وقطع منه الألواح للتورية ولا يكون فيها إلا راهب واحد للخدمة ويزعمون أنه لا يقدر أحد أن يبيت فيها فيهيئ له بيت صغير من خارج ينام فيه، مسجد الكوفة بناه سعد بن أبي وقاص رضه بأمر عمر بن الخطاب رضه بالآجر وزاد فيه المأمون ويقال من موضعه فار التنور من الغرق، مسجد البصرة بناه عتبة بن غزوان بالقصب ثم بناه عبد الله بن عامر بالطين ثم بناه زياد بن أبيه بالآجر وزاد فيه المأمون وفيه موضع الحكم الذي كان يقضي فيه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، مسجد مصر بناه عمر بن العاص زمن إمارته بها، مسجد دمشق بناه الوليد بن عبد الملك ويقال أنه أحد عجائب الدنيا، مسجد الرملة يقال فيه قبر كذا نبي والله أعلم وأحكم
الطريق من العراق إلى مكة حرسها الله يقال من الكوفة إلى مكة مائتان وثلاثة وخمسون فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال يخرج من الكوفة إلى القادسية ثم إلى العذيب وهي كانت مسلحة للفرس بينها وبين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل وهي ستة أميال فإذا خرجت منها البادية ثم المغيثة ثم القرعا ثم واقصه ثم العقبة ثم القاع ثم زبالة وبها حصن وجامع ثم الشقوق ثم قبر العبادي ثم الثعلبية وهي ثلث الطريق ثم الخزيمية ثم الاجفر ثم فيد وهي نصف الطريق وبها حصن وجامع والبلد لطيئ ثم سميرا ثم الحاجر ثم النقرة ومنها يفترق الطريق إلى المدينة فمن أراد مكة أخذ المغيثة ثم الربذة ثم السليلة ثم العمق ثم معدن بني سليم ثم أفيعية ثم المسلح ثم الغمرة ومنها يحرم الناس إلا الجمالين فإنها يحرمون من ذات عرق ثم بستان بني عامر ومن البستان إلى مكة ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا ومن أراد المدينة من النقرة أخذ العسيلة ثم بطن النخل عمرها مصعب بن الزبير ثم الطرف ثم المدينة ومن المدينة إلى مكة ثلث طرق الجادة والساحل وطريق المخالف ولكل قوم طريق ومنازل مغدودة فلا فائدة في حفظها لغير أهلها، ذكر الثغور والرباطات أعلم أن لكل قوم عدوا يحاذرونهم فلأهل الشام واذربيجان والجزيرة عدوهم الروم وارمينية وثغورهم السواحل وطرسوس والمصيصة وعين زربة وقاليقلا وسميساط واخلاط وكذلك عدو المغاربة الروم وعدو أهل الجبل وجرجان والجيل والديلم الغزية الترك وكانت قزوين ثغر الديلم ودهستان ثغر الترك فأسلمت الديالمة وتباعدت عنهم الترك وعدو كرمان البلوص وعدو أهل بلخ وباميان وجوزجان الهند وأهل خراسان عدوهم الترك وعدو أهل مكران البارج وخاشت وثغورهم تيز وأهل زرنج وبست الغور وكثير من الثغور قد تباعد عنها العدو وأسلموا مثل قزوين أسلمت الديلم ومثل ويسكرد أسلمت راشت والتحرز من المسلمين أولى من غيرهم
ذكر ما يحكى من عجائب الأرض وأهلها قد ذكر في الكتب أن عجائب الدنيا أربع شجر الزرزور ومنارة الاسكندرية وكنيسة الرها ومسجد دمشق ومن العجائب الهرمان بمصر ارتفاعهما في السماء أربع مائة وخمسون ذراعا في انخراط مكتوب عليهما من ادعى قوة فليهدمهما فإن الهدم أسهل من البناء ومنها قنطرة بختن معقودة من رأس جبل إلى جبل عقدها أهل الصين في الدهر ومنها جبل تبت يقال له جبل السم إذا مر به الناس أخذ بأنفاسهم فمنهم من يموت ومنهم من ينغل لسانه ومنها أن قتيبة بن مسلم لما افتتح ويكند أصاب بها قدورا عظاما يصعد إليها بالسلاليم فتذكروا أنها مما عملته الشياطين لسليمان عم بقوله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ومنها ما يحكى أن في مطلع الشمس أرضا ينبت الذهب قطعا كالنبات يظهر عند انفجار الصبح كالسرج ثم يغوص إذا دنا طلوع الشمس وفي تلك الأرض دابة على صورة النمل تأكل الناس قالوا ولما أغزى كشتاسب بت لهراسب اسفنديار فسار في أرض الترك حتى خرج من وراء الروم في أقصى الغرب وضع ثم صنما ونقش فيه ليس وراء هذا أحد يقاتل ولما فتح طارق بن زياد الأندلس في ولاية الوليد بن عبد الملك أصاب بها مائدة بثلاثة أطواق لؤلؤ وزبرجد وياقوت فذكر أهل الكتاب أنهما مما استخرجه الشياطين من البحر لسليمان بن داود ومنها أن من دخل تبت لم يزل مسرورا ضاحكا حتى يخرج كما يزعمون من غير علة ومنها أساطين انصنا مرأى الصعيد وغضائر السروج ومنها البحر المغربي لا تجري به السفن لأن فيه جبالا من حجر المغناطيس إذا انتهت إليه السفن جذبت ما فيها من المسامير فانتقضت قالوا وفي بحر الهند حيتان يبتلعون القارب وفيه سمك طيارة وفي بحر المغرب سمك على صورة الناس سواء وبأرض الهند شجر تقود فروعها إلى الأرض فتغوص فيها ثم تخرج رؤوسها من موضع آخر فإذا صارت شجرا عادت رؤوسها إلى الأرض ثم لا يزال كذلك حتى بلغت فراسخ ويغلب على بلدان كثيرة بعروقها وفروعها وزعموا أن قصب الخيزران يسير تحت الأرض خمسة فراسخ أو ستة وبها شجر يقال لها وقواق فيزعمون أن صورة ثمره على صورة وجوه الناس وأما الحمات والنيران الظاهرة ومخارق الريح التي لا تسكن أبدا ومساقط الثلوج التي لا تخلو طول السنة ومستنقعات المياه المختلفة والطعوم والأرائيح والتراب المختلفة التي لا تحصى ولا تعد وقد ذكر محمد بن زكريا في كتاب الخواص منه طرفا صالحا فمما زعموا أن بارض الترك جبلا إذا انتهوا إليه شدوا في حوافر دوابهم اللبد والصوف لئلا يثير عجاجا فيمطرون قالوا ويحملون معهم من حجارة ذلك الجبل فإذا عطشوا حركوها في الماء فيمطرون في الحال وفي كتاب المسالك والممالك حكاية أن بأقصى الترك مما يلي شمالهم نهرا عظيما يدخل في نقب جبل عظيم ولا يدري أحد أين مخرج ذلك الماء ومصبه وأن رجلا منهم اتخذ ضغثا ودخل في زق عظيم وأمر أن ينفخ فيه واستوثق من رأسه ثم شد الزق على الضغث وطرح في الماء قالوا أنه غاص يومين أو ثلثة ثم خرج ببسيط من الأرض فلما أحس بضوء النهار شق عنه الزق فإذا هو بأرض ذات شجر وحيوان لم يرى مثلها في طولها وعرضها وعظمها وناس طوال القامات عراض الأجسام على دواب عظام فلما بصروا به جعلوا يضحكون تعجبا منه ومن خلقته وجسمه هكذا الحكاية فلا أدري من أي طريق عاد إليهم هذا الرجل وأخبرهم بالخبر ومن أراد معرفة هذه الأشياء فلينظر في طبائع الحيوان وطبائع الأحجار وطبائع النبات ويزده علما ومعرفة وخبرة
ومن عجائب أصناف الناس قد جاء في الأخبار من صفة ياجوج وماجوج وما ذكرناه في موضعه وكذلك من صفة النسناس بأرض وبار وصنف منهم بناحية بامير وهي مفازة بين قشمير وتبت ووخان والصين ناس وحشية مشعرة جميع أبدانهم إلا الوجه ينقزون نقز الظباء وحدثني غير واحد من أهل وخان أنهم يصطادونه ويأكلونه قالوا وفي غياض سرنديب ناس وحشية يصفر بعضها لبعض وينفرون من الناس وبالزنج في أقاصيها قوم ليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس من دواب البحر عند غروبها ولا لهم لباس غير ورق الشجر ولا لهم بناء إلا أكنان تحت الأرض وهم يأكلون بعضهم بعضا ولا يعرف أحد منهم أباه ولا نكاح فيهم قالوا وفي ناحية الترك قوم إذا خرجوا إلى عدوهم أخذوا الملح معهم فمن قتلوه ملحوه وأكلوه وقالوا في نواحي خرخيز أمة وحشية لا يخالطون الناس ولا يفهمون عنهم لباسهم وأوانيهم من جلود الوحش يتناكحون على أربع كالوحش والبهائم وإذا مات منهم ميت علقوه على الشجر حتى يبلى قالوا وفي جهة الشمال أمة في طباع السباع والزعرة هم سباع الناس وحدثني غير واحد من الغواصين بأنهم يرون حيونا في البحر على صورة الناس يكلم بعضهم بعضا وفي كتاب المسالك أن في جزيرة من جزائر الهند قوما عظام الأجسام قدم أحدهم ذراع يأكلون الناس يقول الله عز وجل ويخلق ما لا تعلمون وروينا عن عبد الله بن عمر أنه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس وقد قال رسول الله صلعم ما أنتم بالناس إلا كالرقمة في ذراع البكر وروى إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود وروى أنه قال لما ذكر أهل النار أما ترضون أن يكون من ياجوج وماجوج تسع مائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد قالوا وأعدل أقسام الأرض وأصفاها وأطيبها إيران شهر وهو المعروف باقليم بابل ما بين نهر بلخ إلى نهر الفرات في الطول ومابين بحر عابسكين إلى بحر فارس واليمن في العرض ثم إلى مكران وكابل وطخارستان ومنتهى اذربيجيان صفوة الأرض وسرتها لاعتدال ألوان أهلها واستواء أجسامهم وسلامة عقولهم وذلك أنهم سلموا من شقرة الروم وفظاظة الترك ودمامة الصين وقصر ياجوج وماجوج وسواد الحبشان وخبل الزنوج ولذلك سمي إيران شهر يعنون قلب البلدان وإيران هو القلب بلسان أهل بابل في القديم وهي أرض الحكماء والعلماء وفيهم السخاء والرحمة والتمييز والفطنة وكل خصلة محمودة التي عدمها الناس من سكان الأرض ويحسبك معرفة هذه البلاد أنه لا يحمل إليها أحد من غيرها ولا يقع إليها بنفسه فيشتاق بعد ذلك إلى أرضه أن يعود إليها وليس كذلك حال هذه البلاد والله أعلم
ذكر ما بلغنا من المدن والقرى ومن بناها ذكر في الأخبار أن أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان بقرذى وسوق ثمانين وذلك أن نوحا عم لما خرج إلى السفينة وكانوا ثمانين إنسانا هذه الرواية أربعون رجلا وأربعون امرأة بنى لهم تلك القرية وسموها سوق ثمانين وجاء أن أول بناء بني على وجه الأرض بيت الله الكعبة وبناه شيث بن آدم وفي كتب العجم أن المدائن بناها هوشنك وسماه كرد بنداذ معمولا وجد فكأنه كان بناء قبله ثم درس فبناه زاب الملك وهو الذي حفر الزابين ثم بناه الاسكندر ثم بناه شابور ذو الاكتاف قالوا وبنى طهمروث بابل وهي المدينة العتيقة وابريز بأرض اذربيجيان واواق على رأس جبل شاهق بأرض الهند وقهندز مرو بأرض خرسان قالوا بنو جم شاذ همذان بأرض الجبل واصطخر بأرض فارس والمذار بأرض بابل وطوس بأرض خراسان قالوا وبني كيلهراسب الجبار بلخ الحسناء بأرض الهند وقهندز بأرض مكران قالوا وبني بهمن حول اصطخر بناء عجيبا وبنى دارا دارابجرد بأرض فارس وبنى دارا بن دارا دارا بأرض الجزيرة وبنى اوشهنج مدينة بابل ومدينة السوس بأرض الأهواز ومعناه حسن ثم بنى بعدها تستر ومعناه أحسن وبنى شابور بن اردشير جندى شابور بأرض الأهواز والأنبار بأرض العراق وبنى هرمز البطل دسكرة الملك وبنى يزدجرد الجشن بناء بباب ارمينية وبناء بأرض جرجان وبنى شابور ذو الاكتاف نيسابور بخراسان وبنى الاسكندر عشر مدن سرنديب بأرض الهند والاسكندرية بأرض اليونان وجى بأرض اصبهان وهراة ومروة وسمرقند بأرض خراسان ومن يحصي بناء المدن وواضعي القرى ومن يعلم مبادئ إنشائها إلا الله عز وجل وهبنا أخبرنا بمدن فارس على نحو ما نجده في كتبهم والمدن التي أحدثت في الإسلام بقرب العهد وجدة التأريخ فمن لنا بمدن الهند والصين والروم والترك وليس كل مدينة أو قرية مبنية منسوبة إلى بانيها لأنه قد تسمى المدينة باسم الباني أو باسم لها قبل حدوثها أو باسم ماء أو شجر أو شيء ما وقد يجوز أن يجتمع قوم بموضع من المواضع فيصير ذلك مدينة فهذا يبين لك أن كل مدينة لا يوجب بانيا لها قاصدا إليها وقد قيل أن قسطنطينية مدينة ملك الروم بناها قسطنطين فسميت به ونيسابور بناها سابور فسميت به وافريقية بناها افريقس فسميت به وحران نزلها هاران بن آزر أخو إبراهيم عم فسميت به وسمرقند خربها شمر ملك من ملوك اليمن فقيل شمر كند ثم عرب وغمدان بناها غمدان الملك باليمن فسميت به وصنعاء سميت بجودة الصنعة وعدن سميت بالمقام قالوا وسميت مكة لازدحام الناس بها وسميت المدينة لاجتماع الناس فيها وهي تسمى يثرب وسماها رسول الله صلع طيبة وسميت المجحفة بسيل أتى فيها فجحف من فيها والكوفة مصرها سعد بن أبي وقاص وكان بها رمل فسميت به ويقال لها الكوفان والبصرة مصرها عتبة بن غزوان وسماها بحجارة بيض كانت في موضعها وأواسط بناها الحجاج ويقال لذلك وسط القصب ويقال بل توسطت البصرة والكوفة وهي سهلية جبلية برية بحرية يوجد بها الرطب والثلج والقمح والسمك وبغداد سميت باسم موضع كان قبلها ويقال لها الزوراء ويقال أبغ اسم صنم وسمتها الخلفاء مدينة السلام وأول من بناها أبو جعفر المنصور بنى بها قصر الخلد وسر من رأى بناها المعتصم وذلك أنه تنحى عن مدينة السلم ليبني في السراة الذين تجمعوا بديار ربيعة ومضر فنزلها وهي ضاحية على جهة مناخ العسكر لا سور عليها ولا خندق ولا ميرة ولا ماء ثم عطلت وكان أبو العباس نزل الأنبار فبناها وبنى المتوكل المتوكلية وانتقل إليها فقتل بها وطرسوس بني في أيام هارون الرشيد والمصيصة بناها المنصور وعسكر مكرم نزلها بن مطرف اللخمي فصارت مدينة ونسبت إليه فاعلم أن المدن تبنى على ثلاثة أشياء على الماء والكلاء والحطب فإذا فقدت واحدة من هذه الثلاثة لم تبق
ذكر ما جاء في خراب البلدان في كتاب أبي حذيفة عن مقاتل أنه قال قرأت في كتب الضحاك بعد موته وهي الكتب المخزونة عنده في قوله عز وجل وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا أما القرى مكة فيخربها الحبشان فذلك عذابهم وأما المدينة فالجوع يخربها وأما البصرة فالغرق وأما الكوفة فالترك وخراب الشام من قبل الملحمة بالكدى عند فتح القسطنطينية وخراب الأندلس وطنجة من قبل الريح وخراب الافريقية من قبل الأندلس وخراب مصر من انقطاع النيل وخراب اليمن من الجراد والحبش وخراب ارمينية من الصواعق والرواجف وخراب اذربيجيان بسنابك الخيل وخراب الجبل بالصواعق وخراب الري واصفهان وهمذان على أيدي الديالمة والطبرية وهلاك حلوان بهلاك الزوراء قال وهلاك الزوراء بريح ساكنة تمر بها فيصبح أهلها قردة وخنازير وأما الكوفان فيخربهما رجل من آل عنبسة بن أبي سفيان يعني السفياني وخراب سجستان برياح ورمال وحيات وأما خراسان فانها تهلك بأصناف العذاب وبلخ يصيبها رجة وهدة فيغلب عليها الماء فتهلك وبذخشان يغلب عليها أقوام عليهم الدواويح المشقوقة فيتركونها كجوف الحمار والترمذ يموتون بجارف الصغانية تهلك بقتل صريع ولهم من عدو سمرقند والشاش وفرغانة واسبيجاب وخوارزم يغلب عليها بنو قيطورا بن كركر وأما بخارا فأرض الجبابرة يصيبهم نحو ما يصيب خوارزم ثم يموتون قحطا وجوعا ومن الجملة خراب ما وراء النهر بالترك قالوا ويضيق بهم الأمر حتى لو نبح كلب على شاطئ آمل من على شط الفرات أنه مكان ذلك الكلب وخراب كرمان وفارس واصفهان من قبل عدو لهم وخراب مرو بالرمل ونيسابور بالريح وخراب هراة بالحيات قال تمطر عليهم الحيات فتأكلهم وقال مقاتل وخراب السند من قبل الهند وخراب خراسان من قبل تبت وخراب تبت من قبل الصين وكذا الروية والله أعلم فقد روى من خراب البلدان عن الصحابة فمن ذلك ما روى أبو هريرة أن النبي صلعم قال للمدينة لتركها أهلها على حين ما كانت مذللة للعوافى وما روى عن علي عم أنه قال ليخرب البصرة وليفرقن حتى يصير المسجد كأنه جؤجؤ سفينة،
الفصل الرابع عشر
في ذكر أنساب العرب وأيامها
المشهورة على غاية هذا الكتاب من الإيجاز والاختصار
اختلف الناس في نسب العرب فقال بعضهم كلهم من ولد اسماعيل بن إبراهيم وقال آخرون ليست النمر من ولد اسماعيل ولكنها من ولد قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح فهم أنسب وأقرب من غيرهم ولذلك تفتخر أعراب اليمن على غيرها من العرب وقال ابن اسحق لم أجد أحد من نساب اليمن له علم إلا وهو يزعم أنهم ليسوا من ولد اسماعيل ويقولون نحن العرب العاربة كنا قبل اسماعيل وإنما تكلم اسماعيل بلساننا لما جاورته جرهم إلا هاذين الحيين الأنصار وخزاعة فإنهم يزعمون أنهم من ولد اسماعيل عم قالوا أخو قحطان يقطر بن عامر بن عابر فولد يقطر جرهم وجزيلا فلم يبق في جزيل بقية فنزلت جرهم مكة فنكح فيها اسماعيل عم وقد قال رجل من قحطان بن هميسع بن نابت بن اسماعيل والنساب على أنه قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح والله أعلم وقحطان ونزار هما جرثومتان لأنه نسبة ولد اسماعيل من نزار ونسبة اليمن من قحطان هذا هو الأصل قال الشاعربجيلة حين جاءت ليس تدري ... أقحطان أبوها أم نزار
ونزار نزاران فهذا نزار بن معد بن عدنان والثاني نزار بن انمار ثم اختلفوا في نسب عدنان فقال بعضهم عدنان بن أدد بن يخنوخ بن مقوم بن ناحور بن تيرخ بن يعرب بن يشجب بن اسماعيل هذا قول محمد بن اسحق وقال بعضهم عدنان بن مبدع بن يسع بن الأدد بن كعب بن يشجب بن يعرب بن الهميسع بن حميل بن سليمان بن ثابت بن قيدر بن اسماعيل وقد روى ابن عباس رضه أن النبي صلعم انتسب فلما بلغ إلى عدنان وقف وقال كذب النسابون وقد روى ابن اسحق عن يزيد بن رومان عن عائشة أن النبي صلعم قال استقامت نسبة الناس إلى عدنان ويدلك على هذا القول لبيد
فإن لم نجد من دون عدنان والدا ... ودون معد فلترعك العواذل
فولد عدنان عك بن عدنان ومعد بن عدنان فأما عك فأول من تبدى في البادية والعدد في معد فولد معد بن عدنان ثمانية نفر يذكر منهم أربعة قضاعة بن معد واياد بن معد ونزار بن معد والعدد في نزار فولد نزار ثلثة نفر ربيعة ومضر وانمارا فأما انمار فإنه ولد خثعم وبجيلة فصاروا إلى اليمن فأما مضر فولد الياس ويقال لولد الياس خندف ينسبون إلى أمهم وولد الياس ثلثة نفر مدركة بن الياس وطابخه بن الياس وقمعة بن الياس فأما قمعة فزعم بعض الناس أنهم في اليمن ورجعت خندفها إلى مدركة وطابخة وأما الياس ابن مضر فهو قيس بن عيلان فمضر ترجع كلها إلى هاذين الحيين خندف وقيس وولد مدركة بن الياس هذيل وولد سعد تميم بن معاوية بن تميم وقد ولدوا غير ما نذكره غير أنا نذكر من له العدد وولد خزيمة بن مدركة أسد بن خزيمة فمنه تفرقت بطون العرب وهم بنو أسد والهون بن خزيمة فولد الهون القارة الذي يقال في المثل قد أنصف القارة من رماها ومن القارة عضل وديش وكنانة بن خزيمة فولد كنانة النضر بن كنانة ومالك بن كنانة وملكان بن كنانة وعبد مناة بن كنانة فأما النضر بن كنانة فهو أبو قريش كلها وولد النضر بن كنانة مالك بن النضر والصلت بن النضر فصارت الصلت في اليمن ورجعت قريش كلها إلى مالك بن النضر فولد مالك فهر بن مالك والحارث بن مالك فمن بني الحارث المطيبون والخلج وأما فهر فمنه تفرقت قبائل قريش وولد فهر غالب بن فهر ومحارب بن فهر فولد الغالب لؤي بن غالب وتميم بن غالب فأما تميم فهم بنو الادرم من أعراب قريش ليس منهم بمكة أحد وفيهم يقول الشاعر
إن بني الادرم ليسوا من أحد ... ولا توفاهم قريش في العدد
فأما لؤي بن غالب فإليه ينتهي عدد قريش وشرفها وولد لؤي سبعة نفر منهم كعب بن لؤي فولد كعب مرة بن كعب فمن عدي عمر بن الخطاب رضه ومن مرة أبو بكر الصديق رضه وولد مرة بن كعب كلاب بن مرة وولد كلاب قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب فأما قصي فاسمه زيد وإنما سمي قصيا لأنه تقصى مع أبيه وتسمية قريش مجمعا لأنه جمع قبائل قريش وأنزلها مكة وبنى بها دار الندوة وأحذ مفتاح البيت من خزاعة وكان قريش قبل ذلك حلولا فمن ذلك قريش الاباطح كانوا ينزلون الأبطح ومنهم قريش الظواهر كانوا ينزلون بظاهر مكة فجمعهم قصي وفيه يقول الشاعر
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرا على فخر
فتزوج قصي بن كلاب ابنة حليل بن حبش الخزاعي فولدت له أربعة نفر عبد مناف وعبد الدار وعبد العزي وعبدا فأما عبد فبادوا كلهم وعبد الدار فإنهم قتلوا يوم أحد إلا عثمان ابن طلحة فإنه أسلم ودفع بالنبي صلعم المفتاح إليه يوم فتح مكة ثم دفعه إلى شيبة فهو في ولده إلى اليوم وأما عبد العزي فبقوا ومنهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي وأما عبد مناف فولد عشرة نفر منهم هاشم والحارث وعباد ومخرمة وعبد شمس والمطلب ونوفل واسم عبد مناف المغيرة وكانوا يسمونه الغمر لجوده وفضله وإليه صار السودد بعد قصي فأما عبد شمس بن عبد مناف فانه ولد أولادا يسمون العبلات لأن اسم أمهم عبلة ويقال أيضا أمية الأصغر لأن لعبد مناف ولدا يقال له أمية الأكبر وولد يقال له عبد العزي والربيع يقال له جرو البطحاء وولد الربيع أبا العيص بن الربيع زوج بنت رسول الله صلعم ابن أخت خديجة وأما أمية الأكبر فإنه ولد حربا وأبا حرب وسفيان وعمروا وأبا عمرو يقال لهم العنابس شبهوا بالأسد والعاص وأبا العاص وأبا العيص ويقال لهم الأعياص فأما حرب بن أمية فولد أبا سفيان بن حرب وأما أبو العاص فولد أبا عثمان بن عفان وأما أبو العيص فقالوا ولد أسيدا أبا عتاب بن أسيد أمير مكة وأما هاشم بن عبد مناف فاسمه عمرو وسمي هاشما لأنه هشم الخبز ويقال كثر الخبز بالرحلتين بينهما في الصيف إلى الشام وفي الشتاء إلى اليمن وفيه يقول الشاعر
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وإليه صار السودد بعد عبد مناف وولد هاشم ولدا لم يعقب منهم أحد غير أسيد بن هاشم وعبد المطلب بن هاشم وهلك هاشم بغزة من أرض الشام وكان وافاها في تجارة له ومات المطلب بردمان من أرض اليمن ومات نوفل بسلمان من أرض العراق ومات عبد شمس بمكة وفيه يقول مطرود بن كعب
منيت بردمان ومنيت بسل مان ومنيت بين غزات
ومنيت أسكن اللحد لدى ... المحجوب شرقي البنيات
فهولاء بنو عبد مناف ثم صار الأمر إلى عبد المطلب بن هاشم بعد عمه المطلب بن عبد مناف، قصة عبد المطلب واسمه شيبة الحمد وذلك أن هاشم بن مناف خرج إلى الشام في تجارة فمر بالمدينة وتزوج بسلمى بنت عمرو النجارية فحملت بشيبة ورحل هاشم فمات بأرض الشام وولدته سلمى وترعرع الغلام وصار وصيفا فقدم ثابت بن المنذر أبو حسان بن ثابت الشاعر مكة فقال للمطلب بن عبد مناف لو رأيت ابن أخيك لرأيت جمالا وشرفا ورأيته بين آطام بني قنيقاع يناضل فتيانا من أخواله فيدخل في مرماتية جميعا في مثل راحتي هذه والمرماة السهام وكانوا إذ ذاك يرمون بسهمين فخرج المطلب حتى قدم المدينة ومكث يرقب شيبة فلما أبصره عرفه بالشيبة ففاضت عينه ثم دعاه فكساه حلة وردة إلى أمه وانشأ يقول
عرفت شيبة والنجار قد جعلت ... أناءها حوله بالنبل تنتضل
عرفت أجلاده منا وشيمته ... ففاض مني عليه واكف سبل
ثم أتي أمه فضنت به فلم يزل بها يقبل في الغارب والسنام حتى دفعه إليه فاحتمله وقفل راجعا إلى مكة وهو رديفه ولم يكن للمطلب ولد فقيل هذا عبده فنشب اللقب عليه ثم لما هلك المطلب بن عبد مناف قام بالأمر عبد المطلب بن هاشم وكثرت أمواله وتأثلت مواشيه فأجمع أن يحفر بئرا، قصة حفر عبد المطلب زمزم قد بينا في قصة اسماعيل وهاجر ما ذكر من أمر زمزم فمن قائل أنها ركضة جبرئيل وآخر أنها همزة اسمعيل بكعبه ثم عورتها السيول وعفتها الأمطار روى ابن اسحق عن علي بن أبي طالب عم أن عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم فقال ما زمزم فقال لا ينزف ولا يذم، لتسقى الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، وعند نقره الغراب الأعصم ، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه ليس له يومئذ ولد غيره فوجد الغراب ينقر بين اساف ونائلة فحفر منه فلما بدا الطى كبر فاستشركته قريش وقالوا انها بئر أبينا اسمعيل ولنا فيها حق فأبى أن يعطيهم حتى تحاكموا إلى كاهنة بنى سعد بأشراف الشام فركبوا وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفذ ماءهم فظمئوا وأيقنوا بالهلاك فانفجرت من تحت خف راحلة عبد المطلب عين من ماء فشربوا منه وعاشوا وقالوا قد والله قضى لك علينا لا نخاصمك فيها أبدا إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فانصرفوا وحفر زمزم فوجد فيها غزالين من ذهب كانت جرهم دفنتهما عند خروجهم من مكة ووجد فيها أسيافا قلعيه ودروعا فضرب الغزلين في باب الكعبة وأقام عبد المطلب سقاية زمزم للحجاج وفيه يقول حذيفة بن غانم
وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلكم سيد فهر
طوى زمزما عند المقام فأصبحت ... سقايته فخرا على كل ذي فخر
قصة ذبح عبد المطلب ابنه عبد الله أبا رسول الله صلعم قالوا وكان عبد المطلب نذر لله عز وجل حيث كان لقي من قريش ما لقي عند حفرة زمزم لئن ولد له عشرة نفر يمنعونه ممن يريده لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة شكرا له فلما توافى بنوه العشرة جمعهم فأخبرهم بنذره قالوا شأنك وما نذرت قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم ليكتب فيه اسمه ثم ليأتني به ففعلوا فقام ودخل بهم على هبل في جوف الكعبة وضرب عليهم قداحهم فخرج قداح عبد الله أبي رسول الله وهو أصغرهم فأخذ بيده وحدد الشفرة وجره إلى المذبح فقامت قريش من أنديتها وقالوا لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئذ فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه فيذبحه فما بقاء الناس على هذا ولكن انطلق إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فسلها فرحل عبد المطلب فقص عليها القصص فقالت صاحبكم وعشرا من الإبل ثم اضربوا عليها بالقداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا حتى يرضى ربكم فرجعوا إلى مكة وقربوا الإبل هبل ولم يزالوا يضربون عليها بالقداح وعلى عبد الله والقداح تخرج عليه حتى بلغت الإبل مائة ثم خرج على الإبل فأمر فنحرت بالبطحاء وفي شعاب مكة فجاجها وعلى رؤوس الجبال حتى أكلها الناس والطير وفيه يقول أبو طالب
وتطعم حتى تترك الطير سورها ... إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد
ثم أخذ عبد المطلب بيده عبد الله حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وأم آمنة برة بنت عبد العزي ابن قصي ابن كلاب فحملت آمنة بالنبي صلعم وهلك أبوه عبد الله بالمدينة والرسول حمل في بطن أمه فرثته آمنة بنت وهب أم الرسول صلعم فما يروى
عفا جانب البطحاء من آل هاشم ... وجاور لحدا مدرجا بالغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
قي أبيات غيرها قالوا ثم مات وهب بن عبد مناف فرثته ابنة آمنة أم رسول الله صلعم
أني لباكية وهبا فمعولة ... وهب بن عبد مناف سيد الناس
فقد رزئت كريما غير مؤتشب ... ضخم الدسيعة حناسا لحناس
ماضي العزيمة لا يخشى غوائله ... من جوهر من قريش غير أنكاس
في أبيات أخر ثم توفي عبد المطلب ورسول الله صلعم ابن ثمان سنين أو أقل، نسب أهل اليمن لا خلاف أنهم من ولد قحطان وإنما الخلاف في قحطان وهو قحطان أبو يعرب وولد يعرب يشجب وولد يشجب سبأ واسم سبأ عبد شمس بن يشجب وإنما سمي به لأنه أول من سبا بالعرب وولد سبأ سبعة نفر الأشعر بن سبأ ومنه رهط وأبي موسى الأشعري وحمير بن سبأ وانمار بن سبأ وعاملة بن سبأ ومرة بن سبأ فولد مرة بن سبأ شعبان بن مرة وولد الأشعر بن سبأ والأشعريين وولد عمرو بن سبأ عدي بن عمرو فولد عدي لخما وجذاما وجذام قبائلها وبطونها منهم جديس وغنم وجشم وغطفان ونفائة ومدالة والدار التي تنسب إليها الداريون وولد انمار بن سبأ ولدا فخالفوا خثعما وبجيلمة وقال نساب مضر أن خثعما وبجيلمة ابنا انمار ابن نزار فجر انمار بن سبأ نسبهم باسم أبيهم يتمنى به وقد قال جرير بن عبد الله البجلي نافرا لفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حاجس
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقال أيضا
ابنى نزار ابصر أخاكما ... إن أبي وجدته أباكما
لن يغلب اليوم أخ والاكما
وبجيلة امرأة نسبت القرية إليها ومن بطون بجيلة قسر رهط خالد بن عبد الله القسري وولد عاملة بن سبأ قبائل ويزعم نساب مضر إنهم من ولد قاسط وقال الأعشى
أعامل حتى متى يذهبن ... إلى غير والدك الأكرم
ووالدكم قاسط فارجعوا ... إلى النسب الأبلد الأقدم
وولد حمير بن سبأ ست نفر مالك بن حمير وعامر بن حمير وعوف بن حمير وسعد بن حمير ووائلة بن حمير وعمرو بن حمير فولد مالك بن حمير قضاعة بن مالك وولد قضاعة قبائل منها كلب بن وبرة ومصاد وبنوا القين وتنوخ وجرم بن زياد وراسب وبهراء وبلى ومهرة وعذرة وسعد هذيم وهذيم عبد حبشي نسب إليه والشائعة منه الكلاع وذو النواس وذو اصبح وذو وجدن وذو يزن وبطون كثيرة وفيها يقول الفاكهي
الحسب المعروف غير المنكر ... قضاعة بن ملك بن حمير
وولد كهلان بن سبأ زيد بن كهلان فولد زيد بن كهلان ملك بن زيد وادد بن زيد فولد ادد طى بن ادد والغوث بن ادد ومن طى بنو نبهان الذي يذكره أبو تمام الطائي
تنبهت لبني نبهان حين ثوى ... يد الزمان فعاثت فيهم وفمه
ويقول في افتخاره بهم
لنا جوهر زيدية اددية ... إذا نجمت ذلت لها الانجم الزهر
ومن طي بنمو ثعل الذي يذكره امرؤ القيس
رب رام من بني ثعل ... مخرج كفينه من ستره
ومن طي بنو سنبس الذين يذكرهم الأعشى
فصبحها القانص السنبسي ... فشلى كلابا بإسادها
وولد مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ يحابر بن مالك وقر ابن مالك ومربع بن مالك فولد يحابر مذحج وولد مذحج مرادا وجلدا وعنسا وسعد العشيرة وإنما سمي سعد العشيرة لأنه شهد الموسم ومعه بنون عشرة فقيل له من هولاء فقال هم العشيرة وولد سعد العشيرة جعفى بن سعد وحبيب ابن سعد وصعب بن سعد وعائذ الله بن سعد وفيه يقول مهلهل الشاعر
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الخباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها ... ضرج ما انف خاطب بدم
وفي الجملة اكثر قبائل العرب من اليمن فمنهم السكون وخولان والأزد ومازن بن الأزد وميدعان بن الأزد والهنو بن الأزد ورماد بن سلامان ومنهم آل العنقاء والفراهيد وقسامل وبلادس وثهلان وحرحنة وبطون كثيرة قد كتب دونت في كتب الأنساب حتى ما تسقط قبيلة ولا فخذ ولا رهط ولا بطن ، نسب الأوس والخزرج وهم الأنصار وهم من بلد كهلان بن سبأ الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان وأمهم قيلة فيقال للأنصار أبناء قيلة فولد الخزرج بن حارثة خمسة نفر جشم بن الخزرج وعوف بن الخزرج وهما الخرطومان يقال إن سرك العز فحجيج في جشم والحارث بن الخزرج وكعب بن الخزرج وعمرو بن الخزرج وكان يقال لهم القواقل وذلك أن الرجل كان إذا استجار بيثرب قيل له قوقل حيث شئت فقد أمنت ومن ولد عمرو بن الخزرج النجار ويقال لهم بنو النجار واسمه تيم اللات ابن ثعلبة ويقال سمي بذلك لأنه نجر وجه رجل بالقدوم ويقال اختتن بالقدوم وولد أوس بن حارثة مالك ابن أوس فمن مالك تفرقت قبائل الأوس كلها وبطونها فمنها عمرو بن عوف أهل قبا ومنهم جحجبي بن كلفه رهط أحيحة بن الجلاح زوج سلمى قبل هاشم ومنهم الجعادرة يقال لهم أوس الله ومنهم اليست وجردس وبنو عبد الأشهل وبنو الحبلى رهط عبد الله بن أبي ابن سلول ومنهم جفنة بن عمرو وآل القعقاع وآل محرق وهم ملوك غسان بالشام واسم محرق بالشام الحارث بن عمرو وإنما سمي محرقا لأنه كان يعاقب بالنار وفيهم يقول حسان
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد الرحيق عليهم ... بردا يصفق بالرحيق السلسل
يؤتون منهم ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أخلاقهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
إن التي ناولتني فشربتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
يزعمون أن عند ما أرسل الله عز وجل على أهل سبأ سيل العرم فلما قال عمرو بن عامر في كهانته ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج وقد قال سويد بن صامت
أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي ... أبوه عامر ماء السماء
وقال المنذر بن حرام جد حسان بن ثابت بن المنذر في الجاهلية العمياء يذكر نسبهم إلى غسان ثم إلى نابت بن مالك ثم إلى نبت بن اسمعيل بن ابرهيم
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر ... وحارثة الغطريف مجدا موثلا
موارث من أبناء نبت بن مالك ... ونبت بن اسمعيل ما أن تحولا
قالوا وولد واثلة بن حمير الشكاشك بن واثلة والعدد من حمير في واثلة
ذكر قيس بن عيلان بن مضر بن النزار بن معد ومن قيس فهم وعدوان واعصر وغني بن اعصر وسعد بن أعصر وهو أبو باهلة وباهلة امرأة من همدان ومنبه بن اعصر فهم الطعاوه وبنو اصمع رهط الأصمعي ومن بني باهلة قتيبة بن مسلم ومن قيس بنو وائل ومن بني وائل وثقيف وهولاء كلهم من مضر، ذكر ربيعة وأما ربيعة بن نزار بن معد فأنه ولد أسد بن ربيعة واكلب بن ربيعة وضبيعة بن ربيعة فهولاء قبيلة وبطون كثيرة فمنهم جديلة ودعمى وشن ولكيز ونكرة وهم أهل البحرين ومنهم الغدق وهنب بن افصى والاراقم وفدوكس رهط الأخطل الشاعر وبكر بن وائل وعجل وحنيفة وسدوس وقبائل كثيرة وبطون مشهورة مذكورة في الكتب ومن قبائل مضر بنو الأخيل رهط ليلى الأخيلية والمجنون الشاعر وعامر رهط لبيد بن ربيعة العامري ومنهم القرطاء قرط وقريط ومقرطة ومن يعد قبائلهم إلا النساب وفي مقدار ما ذكرناه كفاية فإن علم الأنساب من صناعة الأعراب والعرب كلها من قحطان وعدنان فأما قحطان فأبو اليمن ومن عددنا في جملتهم وأما عدنان فأبو سائر العرب وهم يرجعون إلى ابني نزار مضر وربيعة وقد ذكرنا بعضهم وثقيف بن مضر وهم فرقتان بنو مالك والأحلاف، ذكر رؤساء مكة جاء في الخبر أن إبراهيم عم لما حمل اسمعيل وأمه إلى مكة جاء جرهم وقطورا من اليمن وهما ابنا عم فرأيا بلد ذا ماء وشجر فنزلا ونكح اسمعيل في جرهم فلما توفى ولي البيت بعده نبت بن اسمعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد اسمعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافس جرهم وقطورا الملك فخرج جرهم في قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض بن عمرو وخرجت قطورا في اجياد وهي أسفل مكة وعليهم السميدع فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا وقتل السميدع فسميت تلك البقعة فاضحا لأن قطورا فضحت وسمى اجيادا لما كان معهم من جياد الخيل وسميت قعيقعان لتقعقعة السلح ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور واصطلحوا فسمي المطابخ قالوا ونشر الله عز وجل ولد اسمعيل فكثروا وربلوا ثم تنشروا في البلاد لا يطأون أرضا إلا ظهروا على أهلها بدينهم ثم أن جرهما بغوا بمكة واستحلوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى الناسة لا تقر ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته وكانت بنو بكر بن عبد مناة وغبشان ابن خزاعة حلولا حول مكة فأدنوهم بالقتال فاقتتلوا عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر وليس هو بمضاض الأكبر يقول، لا هم إن جرهما عبادك، الناس طرف وهم تلادك، فغلبتهم خزاعة ونفتهم عن مكة نفية يقول عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فازالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بباب البيت والخير ظاهر
فأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذاك على الباقين تجري المقادر
وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة ... كما عضت الأولى السنون الغوابر
في أبيات أخر ووليت خزاعة البيت ثلاث مائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبش الخزاعي وقريش اذذاك صريح ولد اسمعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة إلى أن أدرك قصي وتزوج بحبى بنت حليل بن حبش وولدت له عبد مناف وعبد العزي وعبدا وكثر ولده وعظم شرفه وهلك حليل بن حبش فرأى قصي أنه أولى بالكعبة من خزاعة فأخذ ما بأيديهم وقصي أول من أصاب ملكا من العرب من قريش بعد ولد اسمعيل وذلك في زمن المنذر بن النعمان على الحيرة والملك بهرام جور في الفرس فقطع قصي مكة أرباعا وبنى بها دار الندوة فلا يتزوج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرع جارية إلا فيها وسميت الندوة لأنهم ينتدون فيها للخير والشر وكانت قريش تؤدي الرفادة إلى قصي وهي خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم وكانت صوفة وهي قبيلة من جرهم بقيت بمكة تلي الاجازة بالناس من عرفة وخزاعة كانت تحجب البيت فإذا أفاض الناس أخذت صوفة بجانبي العقبة وقالت اجيزي صوفة فإذا نفدت صوفة وجازت خلوا سبيل سائر الناس حتى إذا كان العام الذي أراد الله عز وجل أن يظهر أمر قصي ففعلت صوفة كما يفعله فأتاهم قصي في من معه من قريش وقاتلوا صوفة فهزمهم وولي قصي البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء فلما كبر قصي ودق عظمه جعل الأمر إلى عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصي وأقامت على ذلك زمانا ثم إن بنى عبد مناف أجمعوا أن يأخذوا ما بأيدي عبد الدار وهموا بالقتال ثم تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بنو عبد مناف السقاية والرفادة وأن يكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار وتعاقدوا ذلك حلفا حلفا مؤكدا لا ينقضونه ما بل بحر صوفة فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملؤة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين فأخرجت بنو عبد الدار جفنة من دم وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسموا الأحلاف ولم يزالوا على ذلك حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فقال النبي صلعم ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة فأول من أصاب قريش ملكا قصي بن كلاب ثم ابنه عبد الدار وبنوه إلى أن قاسمهم بنو عبد مناف ثم هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد اللحاج وذلك أنه قال يا معشر قريش أنتم جيران الله وأهل بيته يأتيكم في الموسم زوار الله شعثا غبرا من كل فج وعميق على ضوامر كأنهم القداح قد ارصفوا ونهكوا وثقلوا وارملوا فاكرموا ضيف الله فترافدت قريش مالا عظيما كل سنة حتى كان يخرج أهل اليسار منهم مائة دينار هرقلية فكان يأمر بالحياض فبضرب ويترع من البئار ويطعم الناس اللحم والسويق والتمر إلى أن صدروا وفيه يقول الشاعر
يا أيها الرجل المحول رجله ... هلا سالت عن آل عبد مناف
كانت قريشا بيضة فتفلقت ... فالمح خالصها لعبد مناف
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
نسبت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف
فهلك هاشم بأرض غزة فصار الأمر إلى عبد المطلب بن هاشم صاحب زمزم وساقي الحجيج ومطعم الوحش ثم هلك وولي الأمر أبو طالب ثم وليه العباس ثم أقر رسول الله صلعم المفتاح في يدي عثمان بن طلحة والسقاية في يدي العباس فهو في ولدهم إلى اليوم
ذكر رؤساء المدينة ووقوع قريظة والنضير إليها في الخبر أن ططوس بن استيانوس الرومي الكافر لما خرب بيت المقدس إحدى المرتين وتفرقت بنو إسرائيل جاءت قريظة والنضير وهما من صريح ولد هارون بن عمران أخى موسى بن عمران حتى نزلوا يثرب في الفترة وكان نزول الأوس والخزرج إياها زمن سيل العرم لا شك ويقال أن مسقط يهود إليها من عهد موسى بن عمران عم وذلك أنه بعث جيشا إلى يثرب وأمرهم أن يقتلوا كل من وجدوا على قامة السوط قال فقتلوا إلا غلاما لم يروا أحسن منه فإنهم استبقوه وانصرفوا إلى الشام وإذا موسى قد هلك وتبرأت بنو إسرائيل من هذه الطبقة لمخالفة أمر موسى واستحيائهم من هذا الغلام فاقبلوا راجعين إليها واستوطنوا بها فإن كان هذا حقا فقد سبقوا الأوس والخزرج إلى يثرب والله أعلم قالوا وكان الملك في اليهود وملكهم قيطون وكان يبدأ بالعروس قبل زوجها حتى قتله مالك بن عجلان بن زيد بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج كما ذكرنا في قصة ملوك اليمن وملك مالك فصارت الرياسة له والشرف ثم جعلت الأوس والخزرج يتوارثون الرياسة إلى أن هاجر إليهم النبي صلعم فصارت الرياسة للإسلام وأهله والسلم،
الفصل الخامس عشر
في ذكر مولد النبي
صلى الله عليه وسلم ومنشأه ومبعثه إلى هجرته
هذا نسب رسول الله صلعم في رواية محمد بن اسحق المطلبي وقد بينا اختلاف الناس في نسبه عدنان وما فوقه في فصل الأنساب، محمد صلعم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن ادد ابن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن اسمعيل بن ابراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن رعو بن شالخ بن عابر بن فالج بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلح بن اخنوخ بن يارد بن مهلايل بن قينان بن شيث بن آدم عمذكر مولد النبي صلعم ولد بمكة عام الفيل بعد قدوم ابرهة بخمسين ليلة وكان أول يوم من المحرم عام الفيل يوم الجمعة وقدم الفيل يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة ثماني مائة واثنين وثمانين للاسكندر الرومي وستة عشر ومائتين من تأريخ العرب الذي أوله حجة الغدر وسنة أربع وأربعين من ملك انوشروان بن قباذ ملك العجم فيما يروى وكان مولده صلعم يوم الاثنين لثماني ليال خلون من ربيع الأول وقال ابن اسحق لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول قالوا وكان طالع النبي صلعم برج الأسد والقمر فيه بثماني عشرة درجة ودقائق والشمس في الثور بدرجة وهو يوم السابع عشر من دى ماه ويوم العشرين في الأرض التي تعرف بابن يوسف بمكة فصيرتها الخيزران بنت عطاء امرأة المهدي مسجدا ويدل خبر عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضه أن رسول الله صلعم وضع ليلا لأنه قال كان أهل الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل رموه تحت الإناء فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا فلما ولد رسول الله صلعم رموه تحت البرمة فلما أصبحوا إذا هي قد انفلقت بيتين وعيناه إلى السماء فعجبوا من ذلك وأرسلوا إلى عبد المطلب فجاء فنظر إليه فقال ارفعوا ابني هذا فإنه منا ودفع إلى امرأة من بني سعد بن بكر فلما ارضعته دخل عليها الخير من كل جانب وكانت لها شويهات فنمت وازدادت زيادة حسنة هذا الصحيح من خبر حليمة قال ابن اسحق والتمس الرضعاء لرسول الله صلعم فاسترضع في بني سعد بن بكر بثدي حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها الحارث بن عبد العزي واخوة رسول الله صلعم من الرضاعة عبد الله بن الحارث وانيسة بنت الحارث والشيماء بنت الحارث فكان عند ظئره سنتين إلى أن فطمته وردته إلى أمه ثم عادت إلى بلادها فلما تمت له خمس سنين حملته إلى أمه فكان عند أمه سنة حملته إلى بني عدي بن النجار تريد اياهم للخؤولة التي كانت لهم فكان مصيرها به إلى منصرفها شهر وتوفيت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلعم بالأبواء منزل بين مكة والمدينة وهي راجعة إلى مكة ورسول الله صلعم ابن ست سنين فحملته أم أيمن وهي حاضنته ومولاة أبيه إلى مكة فكان في حجر عبد المطلب فلما بلغ ثماني سنين توفي عبد المطلب وهلك انوشروان في هذه السنة كما يدل عليه التأريخ ثم ضمه أبو طالب إلى نفسه وأقام عنده أربع سنين فلما بلغ اثنتي عشرة سنة عرض لأبي طالب الخروج إلى الشام في تجارة فخرج بالنبي صلعم صبابة به ورقة قالوا حتى إذا كانوا ببصرى أشرف عليهم راهب يقال له بحيرا فرأى علامة من علامات النبوة فاتخذ طعاما ودعا الركب إليه فحضروه وخلفوا النبي في رحالهم لحداثة سنه فقال بحيرا لا يتخلفن أحد عن طعامي فدعوه فلما أبصره بحيرا توسم فيه مخائل النبوة وعرف دلائلها فاحتضنه وضمه إلى نفسه وقال لأبي طالب من هذا الغلام منك قال هو ابني قال ما ينبغي له أن يعيش أبوه قال ابن أخي قال ارجع بابن أخيك واحذر عليه من اليهود فانه كائن لابن أخيك شأن عظيم فقضي أبو طالب تجارته وأسرع به إلى مكة وفيه يقول
ألم يكون لقريش آية عجب ... فيما يقول بحيرة وعداس
قالوا فشب رسول الله صلعم شبابا حسنا يكلؤه الله عز وجل ويحوطه من اقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته حتى كان اسمه في قومه الصدوق الأمين فلما بلغ عشرين سنة هاجت حرب الفجار في رواية ابن اسحق والواقدي وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال هاجت الفجار ورسول الله عليه الصلوات والسلم ابن أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وقال النبي صلعم كنت أنبل إلى أعمامي في الفجار قالوا وإنما سميت هذه الحرب الفجار وكانت وقعات لما صنعوا فيها من الفجور في الشهر الحرام وذلك أن النعمان بن المنذر عامل ابرويز على الحيرة كان يبعث كل سنة بلطيمة إلى سوق عكاظ في جور رجل من العرب فلما كان في هذه السنة قال من يجير هذه العير قال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب الرحال أنا أيها الملك وقال البراض بن قيس وكان خليعا والخليع من خلع حلفاءه فمن قتله فدمه هدر أنا أيها الملك فقال أتجيرها على أهل الشيح والقيصوم وأنت كالكلب الخليع إنما أنت أضيق إستا من ذلك فقال البراض أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق جميعا فسلم النعمان اللطيمة إلى عروة وتبعه البراض حتى إذا كان بتيمن ذى طلال أصاب فرصة من عروة فوثب عليه فقتله في الشهر الحرام وقال في ذلك
وداهية يهم الناس قتلي ... شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت بها بيوت بني كلاب ... وأرضعت الموالى بالضروع
قتلت به بتيمن ذى طلال ... فخر يميد كالجدع الصريع
وتسامع الناس به فخرج كنانة وقريش بطلب ثأر عروة وخرجت قيس بن عيلان لأجل البراض واقتتلوا قتالا شديدا بعكاظ في الشهر الحرام ثم تحاجزوا وتداغشوا إلى الصلح ورهن حرب بن أمية ابنه أبا سفيان بن حرب في ذلك الصلح وفيه يقول الشاعر
قد بعثنا الحجار من كل حي ... وقمعنا الفجار يوم الفجار
قالوا أن رجلا تاجر قدم مكة وباع سلعته من العاص ابن وائل السهمي فمطلة حتى أجهده فصعد الرجل جبل أبي قبيس ونادى
يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الأهل والنفر
إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لمثوى لابس الغدر
فاجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان وتحالفوا على أن يكونوا يدا واحدا على المظلوم حتى يأخذوا له حقه فسمته قريش حلف الفضول وقد قال رسول الله صلعم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعي به في الإسلام لاجبت وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة، خروج النبي صلعم إلى الشام في مال خديجة رضها قالوا وكانت خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزي بن قصي من مياسير قريش وتجارها تستأجر الرجال وتبعثهم في مالها وذكر الواقدي أن أبا طالب قال يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد الحت علينا سنون منكرة فلو جئت خديجة وعرضت عليها نفسك لأسرعت إليك بما يبلغها من صدقك وعظم أمانتك فقال رسول الله صلعم فلعلها ترسل إلي في ذلك وبلغ خديجة خبر أبي طالب وما فاوض ابن أخيه فارسلت وسألته أن يخرج معه ميسرة غلام لها فخرج وباع سلعتها واشترى ما أراد أن يشتري وأقبل قافلا إلى مكة فباعت الحمولات فأضعفت وأثمرت فرغبت في نكاح رسول الله صلعم
نكاح خديجة رضها قالوا ولما ظهر لها من بركة رسول الله صلعم وعظم أمانته وصدق وفائه رغبت في نكاحه قال الواقدي فأرسلت نفيسة مولاة لها دسيسا فقالت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي شئ ما أتزوج فقالت نفيسة فإن كفيت ذلك ألا تجيب قال ومن هي قالت خديجة فذكر رسول الله صلعم لأعمامه ذلك فخرج معه حمزة بن عبد المطلب فخطبها إلى أبيها خويلد بن أسد ومعه ثمل فلما أصبح وصحا قال ما هذا الخلوق وهذه الحلة قالوا كساكها محمد ابن عبد الله فقد أنكحته خديجة ودخل بها فانتهرهم قال وأصدقها عشرين بكرة وروى الواقدي أنه أنكحها عمها عمرو بن أسد وكان رسول الله صلعم خمسة وعشرين سنة يوم تزوجها وخديجة بنت أربعين سنة ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وكانت قبله تحت عتيق بن عبد الله ويقال ابن عابد وولدت له جارية ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة هند بن زرارة فولدت له هند بن هند وولدت لرسول الله صلعم جميع ولده إلا ابرهيم بن مارية فإنه من القبطية فأكبر ولده القاسم وبه كان يكنى أبا القاسم ثم الطيب ثم الطاهر ثم رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة قال الواقدي ولم أر أصحابنا يثبتون الطيب ويقولون هو الطاهر وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أنها ولدت لرسول الله صلعم عبد مناف في الجاهلية وولدت له في الإسلام غلامين وأربع بنات القاسم وعبد الله فماتا صغيرين وفي كتاب ابن اسحق أن إبنيه هلكا في الجاهلية وأن بناته أدركن الإسلام وهاجرن والله أعلم، ذكر بنيان الكعبة قالوا ولما بلغ رسول الله صلعم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ليرفعوها ويقفوها وإنما كانت رضما فوق القامة فجاء سيل فهدمه وفي جوفها بئر يحرز فيه كنز الكعبة وما يهدى لها فسرق منها رجل يقال له دويك فقطعت قريش يده وتهيأوا لبناء الكعبة وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة فتحطت فأخذوا خشبها وكان بمكة رجل قبطي نجار فسوى لهم ذلك وبنوها ثماني عشرة ذرعا فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يلونه ويرفعونه إلى موضعه وتفاقم الأمر بينهم وتوعدوا للقتال ثم تحاجزوا وتناصفوا على أن يجعلوا بينهم أول طالع من باب المسجد يقضي بينهم فكان ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلم فقال هلم ثوبا فأتى به فوضع الركن فيه ثم قال ليأخذ كل فئة بناحية من الثوب ثم ليرفعوه ففعلوا حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ الحجر بيده فوضعه في الركن فرضوا بذلك وأنهوا عن الشر
ذكر المبعث ونزول الوحي قالوا فلما بلغ رسول الله صلعم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وهدى للخلق أجمعين وكان في مبتدأ الأمر يرى الرؤيا ويسمع الصوت ويتمثل له الخيال فراع لذلك وذعر وروينا عن عكرمة أنه قال أنزلت النبوة على محمد صلعم وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته اسرافيل ثلاث سنين فكان يترأى له ويلقى الكلمة إليه ولم ينزل القرآن على لسانه ثم قرن بنبوته جبريل عم فنزل القرآن عشرين سنة عشرا بمكة وعشرا بالمدينة وروى ابن اسحق عن الزهري عن عائشة أن أول ما ابتدى رسول الله صلعم من النبوة الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ثم حببت إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه أن يخلو وحده ثم جاءه الملك قالوا وكان قريش يتحنثون بحراء في رمضان وكان رسول الله صلعم يفعل ذلك لأنه من البر فبينما هو عاكف بحراء ومعه التمر واللبن يطعم الناس ويسقيهم إذ استعلق له جبرائيل ليلة السبت وليلة الأحد ثم أتاه بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان بقول الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وهو الخامس والعشرون من ابان ماه والتاسع من شباط وذلك في سنة عشرين من ملك ابرويز وأهل الأخبار على أن أول ما أنزل القرآن خمس آيات من سورة أقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله علم الإنسان ما لم يعلم وذكر بعضهم أنه صلعم قال أتاني رجل وفي يده سمط ديباج وأنا نائم فركضني برجله وقال اقرأ ففعل ذلك مرة أو مرتين ثم قال باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ثم قال ابشر فأنا جبريل وأنت نبي هذه الأمة وصلى به ركعتين وفي رواية عبيد بن عمير الليثي أنه أتاه وهو نائم ولم يذكر أنه ركضه برجله قال فأتيت وقد هالني من رأيت وكأنما كتاب كتب في قلبي وقلت أخشى أن أكون شاعرا أو مجنونا قالت وما ذاك ابن أخي فقصصت عليها القصة فقالت ابشر فانك تطعم الطعام وتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة لا يصنع الله بك إلا خيرا ثم جمعت عليها ثيابها وانطلقت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي ابن قصي وكان نصرانيا قد قرأ الكتب فقصت عليه الخبر فلما ذكرت جبريل قال قدوس قدوس مالك تذكرين الروح الأمين بهذا الوادي الذي أهله عبدة الأوثان لئن كنت صدقتني لقد حاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران فقولي له فليتثبت وإذا جاءه فتحسري بين يديه فإن كان شيطانا ثبت وإن كان ملكا لا تراه حينئذ فرجعت خديجة إلى رسول الله صلعم وقالت إذا أتاك صاحبك فناد بي فبينما هو عندها إذ جاءه جبريل عم فقال النبي عم هاهو يأخذ بي فقالت فقم واقعد على فخذى وحسرت عن رأسها وقالت تراه قال لا قالت ابشر فإنه والله ملك وما هو شيطان ولو كان شيطانا ما استحيى فآمنت به وصدقته وكثير من الناس يقولون أن أول الناس إيمانا بالنبي صلعم خديجة وروينا عن أبي رافع انه قال صلى رسول الله صلعم غداة يوم الاثنين وصلت خديجة في آخر ذلك اليوم قالوا ونزلت في هذه القصة ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون قال ورقة قال ورقة بن نوفل فيما روى ابن اسحق عنه
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري ياخديجا
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود يوما ... ويخصم من يكون له حجيجا
فيا ليتى إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا
فإن تبقوا وأبق يكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خروجا
قال الزهري فهلك ورقة بن نوفل قبل الوحي وقبل إظهار النبي صلعم الدعوة والله أعلم بصدقه
انقضاض الكواكب رأيت في بعض كتب التأريخ أنه كان بين مبعث رسول الله صلعم وإلى أن رأت قريش النجوم يرمي بها في السماء عشرون يوما وقال الله عز وجل إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يستمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب ألا من خطف الخطفة فاتبعته شهاب ثاقب فدل بقوله حفظا من كل شيطان مارد أنها لم تزل محفوظة مذ خلقت الكواكب لها زينة وقد سئل الزهري عن انقضاض الكواكب في الجاهلية فقال قد كان ذلك فلما بعث رسول الله صلعم شدد وغلظ ألا ترى إلى قول الشاعر
فأنقض كالكوكب الدري يتبعه ... نقع يخال على أرجائه الطنبا
وقد روى أخبار هذا الباب والذي يشبه الحق أنه قد كان قبل ذلك انقضاض الكواكب وأنه قرن به عند الوحي ضرب من العذاب يقضى به الخاطف المستمع والله أعلم، ذكر فترة الوحي قالوا ثم فتر الوحي عن رسول الله صلعم حتى شق عليه مشقة شديدة وفي رواية ابن عباس رضه أنه كان يعدو مرة إلى ثبير ومرة إلى حراء يريد أن يلقى نفسه منها فبينا هو كذلك إذ سمع صوتا فرفع صوته فإذا هو بالملك الذي جاءه بحراء بين السماء والأرض قال فخشيت رعبا ورجعت إلى أهلي فقلت زملوني فألقوا علي قطيفة سوداء وصبوا علي ماء بارد فنزل يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر، ذكر اختلافهم أول من أسلم قيل خديجة رضها صلى رسول الله صلعم غداة يوم الاثنين وصلت خديجة آخر اليوم وقيل علي بن أبي طالب صلى رسول الله صلعم يوم الاثنين وصلى يوم الثلثاء وقيل زيد بن حارثة وقيل أبو بكر الصديق رضه وأما ابن اسحق فإنه يقول أول من ذكر من الناس آمن بمحمد صلعم علي بن أبي طالب عم ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق وأسلم بدعائه عثمان بن عفان ثم سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله فهولاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام وروى الواقدي أن سعد بن أبي وقاص قال لقد أتى على يوم واني لثالث الإسلام وعن عمرو بن عنبسة كنت ثالثا أو رابعا في الإسلام وعن خالد بن سعيد بن العاص كنت خامسا في الإسلام وممن سبق إسلامه أبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام وعثمان بن مظعون وقدامة بن مظعون وعبيدة بن الحارث وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش وأبو سلمة بن عبد الأسد وواقد بن عبد الله وخنيس بن حذافة ونعيم بن عبد الله النحام وخباب بن الارت وعامر بن فهيرة رضهم أجمعين ومن النساء أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب وفاطمة بنت الخطاب امرأة سعيد بن زيد بن عمرو وأسما بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هولاء في ثلاث سنين ورسول الله صلعم يدعو في خفية قبل أن يدخل دار أرقم بن أبي الأرقم ثم أسلم صهيب بن سنان وعمار ابن ياسر وكان إسلامهما بعد إسلام بضعة وثلاثين رجلا ثم فشا بمكة وتحدث به وأمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة فقال فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وذلك في السنة الرابعة من النبوة
ذكر إظهار الدعوة إلى الإسلام قالوا فجهر رسول الله صلعم بدينه ودعا الخلق إليه و أبدى الصفحة لهم فلم يبعد عليه قومه ولا عابوا عليه رأيه لما عرفوه من صدق الحديث وحسن الجوار وتحرى الخير والتواضع للخلق وكمال العقل والشرف وعلو البيت وطهارة النسب حتى سب آلهتهم و سفه أحلامهم وضلل أراءهم ونقض دينهم فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وقد حدب عليه عمه أبو طالب وقام يناضل دونه ويحامي عليه فتضاغن القوم وتوامروا ومشوا إلى أبي طالب منهم أشراف قريش عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف و أخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة و أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس و أبو جهل بن هشام بن المغيرة المخزومي وكنيته أبو الحكم و أبو البختري بن هشام و الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي والعاص بن وائل السهمي فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا وإن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل أباءنا فإما أن تكفه وإما أن ننازله وإياك فقال له أبو طالب اتق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلعم أن أبا طالب قد تركه وأنه قد ضعف عن نصرته وهو خاذله فاستعبر ثم قال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله وأهلك دونه ما تركته فقال أبو طالب لا تخذله فمشوا إليه بعمارة بن الوليد فقالوا هذا أنهد فتى قريش وأجمله فخذه واتخذه ولدا وسلم إلينا ابن أخيك هذا الصابئ الذي خالف ديننا وفرق جماعتنا نقتله فقال أبو طالب تعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه هذا مما لا يكون فتنابذ القوم وتنادوا بعضهم بعضا وأقبلوا على من في القبائل من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله عز وجل رسوله بعمه أبي طالب أن تخلصوا في شعره وبشره غير أنهم يرمونه بالسحر والشعر والكهانة والجنون والقرآن ينزل عليهم بتكذيبهم والرد عليهم ورسول الله صلعم قائم بالحق ما يثنيه ذلك عن الدعاء إلى الله عز وجل سرا وجهرا حتى لحق أبو طالب بالله عز وجل فتخطوا إليه بالمكروه ونالوا منه ما كانوا يجمحون عنه من جنانه قالوا ولما أسلم حمزة بن عبد المطلب عز به النبي صلعم و أهل الإسلام فشق ذلك على المشركين فعدلوا عن المنابذة إلى المعاتبة وأقبلوا عليه يرغبونه في المال والأنعام ويعرضون عليه الأزواج فنزل قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فلما أعياهم أمره ويئسوا أن يستنزلوه عن دينه بشئ من حطام الدنيا أخذوا في طلب الآيات والتماس المعجزات كما حكى الله عز وجل عنهم في القرآن وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات وتواصوا على من أسلم يعذبونهم جهارا ويقاتلونهم سرا فأمر رسول الله صلعم بالهجرة إلى الحبشة فرارا بدينهم وهي الهجرة الأولى سنة خمس من البعث، ذكر الهجرة الأولى إلى الحبشة قالوا فخرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة و أميرهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلعم وخرجت قريش في أثرهم فلم يلحقوهم ومروا القوم إلى الحبشة فآمنوا واطمأنوا قالوا وتلا رسول الله صلعم سورة النجم فالقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فسجد المشركين وسروا بذلك وقالوا ما إن لابن أبي كبشة يذكر آلهتنا بخير وبلغ الخبر عثمان بن عفان ومن معه بأن قريشا قد أسلموا فأقبلوا راجعين فلما دنوا من مكة أخبروا أن ذلك باطلا فلم يدخل منهم مكة أحد إلا مستخفيا أو بجواز فاشتد الأمر وأطبق البلاء بالمسلمين فأمرهم النبي صلعم بالخروج ثانيا إلى الحبشة، ذكر الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة قالوا فخرجوا وأميرهم جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا فقال عبد الله بن الحارث بن قيس يذكر لهم ما فيه من الأمن والدعة
يا راكبا بلغن عني مغلغة ... من كان يرجو بلاغ الله والدين
كل امرئ من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون
إنا وجدنا بلاد الله واسعة ... تنجى من الذل والمخزاة والهون
فلا تقيموا على ذل الحياة ولا ... خزي الممات وعيب غير مأمون
وخرج أبو بكر الصديق رضه حتى بلغ برك الغماد فلقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال إلى أين يا أبا بكر قال أخرجني قومي فأسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك لا يخرج تكسب المعدوم وتصل الرحم و تقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق فرجع أبو بكر في جواره فقال ابن الدغنة يا معشر قريش إني أجرت أبا بكر قالوا فمره يعبد ربه في بيته ولا يفسد علينا صبياننا قالوا وبعثت قريش بعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة مع هدايا إلى النجاشي ملك الحبشة على أن يسلم المسلمين إليهما فقدما وأوصلا الهدية قال إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان من عندنا سفهاء فارقوا دينهم ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا اشرافنا إليكم لتردهم إليهم فقال النجاشي حتى أسئلهم عما يقولون ثم استدعى أصحاب رسول الله صلعم فجآؤه وقد جمع أساقفته وبطارقته وفرشوا مضاجعهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم فقال جعفر ابن أبي طالب رضه إنا كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة ونهريق الدماء ونأتي الفاحش حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده و نعبده و نخلع الحجارة والأوثان و أمرنا بصدق الحديث وصلة الرحم و حسن الجوار ونهانا عن الفواحش و المحارم فعذوا علينا ليردونا إلى عبادة الأصنام و الأوثان فهربنا إلى بلادك واخترناك على من سواك فقال لهم انطلقوا فو الله لا أرسلكم إليهم أبدا فخرجا من عنده مقبوحين فقال عمرو لأتينه بما يستأصل به خضرآؤهم ثم غدا إليهم من الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما فأرسل فاسألهمم ما يقولون في عيسى فقال جعفر بن أبي طالب رضه نقول فيه ما جاء به نبينا أنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فضرب النجاشي يده إلى الأرض وتناول منها عودا وقال ما عدا عيسى ما قلتم هذا العود ثم قرأ عليه جعفر بن أبي طالب صدر سورة كهيعص فآمن بالنبي صلعم ورد هدية عمرو وعبد الله و صرفهما إلى مكة ثم لما هاجر رسول الله صلعم إلى المدينة وكان المسلمون يخرجون إليه وكان آخرهم جعفر أدرك النبي صلعم وهو بخيبر قالوا ولما خرج رجع عمرو وعبد الله وجدوا أن عمر بن الخطاب رضه قد أسلم وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره فامتنع رسول الله صلعم به وبحمزة بن عبد المطلب حتى عادوا قريشا و كاثروهم ثم وقع الحصار في السنة السادسة من النبوة وبقي ثلاث سنين، ذكر الحصار قالوا واجتمعت قريش على بني هاشم وبني عبد المطلب وتعاقدوا على أن لا يبايعونهم ولا يخالطوهم و لا ينكحوا منهم و لا ينكحوهم حتى يتبرؤا من صاحبهم و يسلمونه للقتل و كتبوا صحيفة كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر و علقوها في الكعبة فانحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب فدخلوا الشعب وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزي بن عبد المطلب وحده وضاق الأمر عليهم لا يصل إليهم شئ من الطعام إلا سرا وبقوا فيه ثلاث سنين فلما كان في السنة التاسعة من النبوة قال النبي صلعم لأبي طالب هل شعرت بأن ربي قد سلط الأرضة على الصحيفة فلم تدع لله اسما إلا اثبتته ونفت القطيعة والظلم فقام أبو طالب حتى أتى المسجد فقال يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا فهلموا صحيفتكم فإن كان كما قال فانتهوا عن ظلمنا وقطيعتنا فإن كان كاذبا دفعته إليكم قالوا رضينا فنظروا فإذا هو كما قال صلعم فزادهم ذلك شرا ثم اجتمع نفر من قريش وقالوا يا قومنا تأكلون الطعام وتشربون الشراب وتلبسون الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبايعون ولا يناكحون والله لا نقعد حتى نشق هذه الصحيفة الظالمة لقاطعة فقام إليها مطعم بن عدي فشقها فقال أبو طالب
الاهل أتى بحرينا صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود
ألم يأتهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد
جزى الله رهطا بالحجون تبايعوا ... على ملأ يهدى لحزم ويرشد
قضوا ما قضوا من ليلهم ثم أصبحوا ... على مهل وسائر الناس رقد
فخرجوا من الشعب
ذكر خروجهم من الشعب قال الواقدي مات أبو طالب وخديجة في السنة العاشرة من النبوة بعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير وكان بين موت خديجة إلى أن مات أبو طالب شهر وخمسة أيام وقيل كان بينهما ثلاثة أيام فتشابعت على رسول الله صلعم المصائب واستكلبت عليه شوكة المشركين وبالغوا في الأذى وكان أشده عليه عمه أبو لهب عليه اللعنة وأبو جهل وعقبة وأبي بن خلف فمنهم من يقدر ببابه ومنهم من يطرح الأذى في برمته إذا نصبت ومنهم من يطرح رحم الشاة إذا سجد على ظهره ومنهم من يطأ برجليه على عنقه ومنهم من يذر التراب على رأسه ومنهم من يبزق في وجهه وجعلوا يستهزؤن به ويتضاحكون منه ورسول الله صابر محتسب على الأذى ثم خرج رسول الله صلعم إلى الطائف يستنصره، خروج النبي صلعم إلى الطائف قالوا وخرج مع زيد بن حارثة على حمار من هذه الدناية يلتمس النصر والمنعة وأقام بها عشرة أيام فلم يدع أحد من أشراف ثقيف إلا جاءه وكلمه وكانت رؤساء ثقيف ثلاثة أخوة عبد ياليل بن عمرو وحبيب بن عمرو ومسعود بن عمرو فجاءهم رسول الله صلعم وسألهم أن يمنعوه حتى يبلغ من الله عز وجل أمره فقال أحدهم انا امرط ثياب الكعبة إن الله أرسلك نبيا وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث لا أكلمك أبدا فقام رسول الله صلعم وقد يئس من نصرتهم فقال أكتموا على وكره أن يبلغ ذلك قومه فيذأرهم عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم وعبيدهم فجعلوا يسبونه ويغطغطون وراءه ويرمونه بالحجارة حتى التجأ إلى ظل حبلة في جنب حائط فجلس فيه ودعا دعوات فسأل ربه النصر والصبر وانصرف وكان مقامه بالطائف عشرة أيام فلما بلغ في منصرفه بطن نخل استمع إليه نفر من الجن، قصة الجن الأولى قالوا وقام رسول الله صلعم من خوف الليل يصلي فمر به سبعة نفر من جن نصيبين يقال أسماءهم حسا ومسا وشارصه وناحر ولاورد وسار وسان والأحقب فآمنوا به ورجعوا إلى قومهم منذرين كما قال الله عز وجل وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن الآيات وسار رسول الله صلعم من نخلة يريد مكة حتى أتى حراء وبعث إلى سهيل بن عمرو والأخنس بن شريق أدخل في جواركما فأبيا عليه وأرسل إلى مطعم بن عدي فأجاره وأمر بنيه فلبسوا السلاح ووقفوا عند خروجه إلى البيت فدخل رسول الله صلعم مكة وكان غيبته من خروجه إلى مرجعه خمسة وعشرين يوما ويقال شهرا وفيه يقول حسان بن ثابت
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله فيهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبي ملب وأحرما
قصة الجن الثانية قالوا ولما انصرف النفر من نصيبين إلى قومهم وأنذروهم جاءت جماعة منهم زهاء ثلثمائة رجل وخرج رسول الله صلعم إلى الحجون فقرأ عليهم ودعاهم إلى الله عز وجل فآمنوا به وصدقوه ثم صلى بهم وقرأ في الصلاة تبارك الملك وسورة الجن وهي فسمي ليلة الجن ثم هاجت الأزمة وهي الجوع فدعا النبي صلعم عليهم حتى أكلوا العلهز والقد والعظام المحرقة والكلاب الميتة وحتى كان الرجل يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان فجاءه أبو سفيان بن حرب وقال يا محمد جئت بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فادع الله لهم فلما دخلت سنة احدى عشرة سنة من النبوة دعا رسول الله صلعم فكشف عنهم بقول الله عز وجل إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ثم كان انشقاق القمر بقول الله عز وجل اقتربت الساعة وانشق القمر ثم غلبت الروم بقول الله عز وجل آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين
قصة الروم وذلك أن ابرويز لما انهزم من بين يدي بهرام جوبينة مضى إلى الروم واستنجد بملكهم موريقيس فأمده بالرجال و المال و زوجه ابنته مريم وانصرف وقاتل بهرام فنفاه إلى أقصى خراسان ووثبت الروم على ملكهم فقتلوه فسرح إليهم ابرويز شهرابراز الفارسي وجندا من الفرس فدخلوا قسطنطينة واحتووا على خزانتها وأموالها وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية وحملوا الخشبة التي يزعم النصارى أن المسيح عم صلب عليها وذلك في سنة احدى عشرة من النبوة قبل الهجرة بسنتين وأخبر الله عز و جل نبيه صلى الله عليه آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون وسر المشركين به وجادلوا المسلمين وقالوا تزعمون أنكم تغلبوننا لأنكم أهل كتاب وهذه المجوس قد ظهرت على الروم وهم أهل كتاب فنزل وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين فأنكروا ذلك و جحدوه فناجب أبو بكر أبي بن خلف على ذود من الإبل ليظهرن الروم على فارس إلى خمس سنين فقال النبي صلعم زده في الخطر ومده في الأجل فجعل الخطر ذودين والأجل سبع سنين فلما كان يوم الحديبية انكشف شهرابراز عن الروم حتى سار هرقل إلى العراق فأغار عليه وصدق وعد الله ثم كان بعد غلبة الروم المسرى، ذكر المسرى والمعراج أعلم أنه لا شيء أكثر من اختلاف هذه القصة أما المعراج فينكره بعض الناس وبعض يزعم أن المعراج هو المسرى ثم اختلفوا في كيفية المسرى فكانت عائشة ومغوية يقولان ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه ولكن الله أسرى بروحه وكان الحسن رضه يقول كانت رؤيا ويحتج بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وبقول ابراهيم إني أرى في المنام أني أذبحك ثم مضى على ذلك فعرفت أن الوحي يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما وكان النبي صلعم يقول تنام عيناي ولا ينام قلبي قال ابن اسحق والله أعلم أي ذلك كان ونحن نذكر في ذلك طرفا كما جاء في الخبر قال الواقدي أسرى به قبل الهجرة بسنة وكان المعراج قبل ذلك بثمانية عشر شهر قال النبي صلعم فاستلقاني على قفاي ثم شقا بطني واستخرجا حشوي ومعهما طست من ذهب يغسل فيه بطون الأنبياء فكان جبريل يختلف بالماء من زمزم وميكائيل يغسل جوفي فقال جبرائيل لميكائيل شق قلبه فشق قلبي فأخرج علقة سوداء فالقاها ثم أدخل هرمه ثم ذر عليه من ذرور كان معه وقال وقلب وكيع له عينان بصيرتان وأذنان سميعتان أنتم قشر المغفل الحاشر ثم قال ببطني هكذا فالتأم وقالا ملئ حكمة وإيمانا ثم وثبت قائما فأتيت بالمعراج فإذا هو أحسن ما رأيت منظرا ألم تروا إلى ميتكم إذا احتضر كيف يشخص ببصره إليه فإنه إنما ينظر إلى حسن المعراج فقال عرجا بي إلى السماء الدنيا فلما انتهينا إلى باب الحفظة وعليه ملك يقال له اسمعيل تحت يده سبعون ألف ملك ما منهم ملك إلا وهو على مائة ألف فقال من هذا قالوا محمد قال وقد بعث قال نعم قال فتبادروا واجتمعوا وفتحوا ورحبوا ودعوا بالبركة قال ورأيت في السماء الدنيا رجلا أعظم الناس جهة فقلت من هذا يا جبريل قال أبوك آدم وإذا أرواح ذريته تعرض عليه فإذا عرض عليه روح المؤمن قال ريح طيبة وروح طيب جعلوا كتابه في عليين وإذا عرض عليه روح الكافر قال ريح خبيثة وروح خبيث جعلوا كتابه في سجين ثم وصف السموات ومن فيهن ووصف الجنة والنار وأهلها قال ثم انتهيت إلى السماء السابعة فلم أسمع شيئا إلا صرير الأقلام ورأيت جبريل يتضاءل حتى كان فرخ طائر ما أكاد أتأمله وسمعت وحيه فقال لي جبرائيل اسجد فسجدت ودنوت قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ثم قال ارفع رأسك يا محمد وقد فرض الله عليك خمسين صلاة قال فرجعت إلى موسى عم ولم يزل يرده حتى حطه إلى خمس صلوات قال موسى ارجع إلى ربك واسئله أن يخفف عن أمتك فإن أمتك ضعيفة قال فقلت قد استحييت من ربي ولأصبرن على هذه الخمس قال فنوديت إني قد أمضيت فريضتي وخففتها على عبادي واجزي الحسنة بعشرة أمثالها هذا من رواية الواقدي وأما ابن اسحق فإنه روى أن النبي صلعم لما حدث عن المسرى وما بالمسجد الأقصى قال فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى المعراج ولم أر شيئا احسن منه وأصعدني صاحبي حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ثم ساق قصة شبيهة بما ساق الواقدي وسنذكر اختلاف الناس والكشف عن وجه الحق في آخر هذا الفصل
قصة المسرى قال ابن اسحق ثم أسرى برسول الله صلعم وكان فيه بلاء وتمحيض وأمر من الله عز وجل فيه عبرة وهدى ورحمة وكيف شاء ليريه من آياته فكان ابن مسعود يقول أتى رسول الله صلعم بالبراق وهي الدابة التي كان يحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج صاحبه يريه الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه ابراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فصلى بهم ثم أتى بثلاث أوان اناء فيه لبن واناء فيه خمر واناء في ماء قال فسمعت حين عرضت علي قائلا يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوى وغويت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته قال فأخذت اللبن فشربته وكان الحسن يقول أن النبي صلعم قال بينما أنا نائم في الحجر إذ أتاني جبريل فهمزني برجله فجلست ولم أر فيه شيئا فعدت إلى مضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فأخذ بعضدي وخرج بي إلى باب المسجد فإذا أنا بدابة أبيض بين البغل والحمار وفي فخذيه جناحان ومضى في حديثه مثل حديث ابن مسعود وزاد قال لما شربت اللبن حرمت عليكم الخمر فلما أصبح عدا على قريش فقالوا إن هذا والله لبين أن العير ليطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة فيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع فارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبكم يزعم كذا وكذا فقال أبو بكر لئن كان قاله فقد صدق فما يعجبكم من ذلك أنه يخبر الخبر من السماء إلى الأرض في ساعة فأصدقه قال وقال رسول الله صلعم فرفع بي حتى نظرت إليه فجعل يصفه وأبو بكر يصدقه وروى الواقدي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلعم قال لما كذبني قريش قمت بالحجر فخيل إلي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه وروى عن أم هاني بنت أبي طالب أنها قالت نام رسول الله صلعم عندي وفي بيتي تلك الليلة فلما كان الصبح أهبنا وقال لقد صليت عشاء الآخرة والفجر بهذا الوادي وصليت ما بينهما بالبيت المقدس وقد نشر لي الأنبياء فصليت بهم ثم قص القصة والوجه في هذا وما أشبه أن لا يجاوز فيه نص الكتاب ومستفيض السنة مع المخالف المنكر المستعظم لما يخرج عن العادة المعهودة والطبع القديم قال الله سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير فالمسرى قد يكون بالروح والجسم ثم قال ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ولا خلاف بين أهل اللغة أن الرؤيا في المنام لا غير وإن كان جاء في التفسير أنه رؤية العين فحكم العاقل أن يخاطب كلا على قدر فهمه وأي تفضيل يلحق النبي في رفع جسمه وجثته أو ليس قد أخبر أنه قد رأى في السماوات ابراهيم وموسى وعيسى وآدم وغير مختلف أنهم لم يرفعوا بأجسامهم مع أنا لا ننكر أن يرفع الله ما يشاء من جبل وحجر فكيف أنبياءه ورسله ولكن ذكرنا ما ذكرنا ليهون عليك ما يرد من كلام الخصوم ولتقصيد الاشبه بالمتعالم المعروف والله أعلم
ذكر مقدمات الهجرة وأول من هاجر قالوا وكان رسول الله صلعم يوافي كل موسم سوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق المجنة يتبع القبائل في رحالها ويغشاها في أنديتها يدعوهم إلى أن يمنعوه ليبلغ رسالة ربه فلا يجد أحدا ينصره حتى كانت سنة إحدى عشرة من النبوة لقي ستة نفر من الأوس عند العقبة فدعاهم الرسول صلعم إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه وقالوا هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم فأمنوا به وصدقوه وهم أسد بن زرارة وقطبة بن عامر بن حديدة ومعاذ بن عفراء وجابر بن عبد الله بن رئاب وعوف بن عفراء وعقبة بن عامر وأول من أسلم فيهم أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر وكان يقول في الجاهلية لا إله إلا الله ويقال بل أول من أسلم أبو الهيثم بن التيهان وكان لا يقرب في الجاهلية الأوثان فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام لما كانت اثني عشرة من النبوة وافى الموسم منهم اثنا عشر رجلا هولاء الستة وستة أخر أسماءهم أبو الهيثم بن التيهان وعبادة بن الصامت وعويم بن ساعدة ورافع بن مالك وذكوان بن عبد القيس وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة فآمنوا وأسلموا وواعدوا رسول الله صلى الله عليه العام القابل وسألوه أن يبعث معهم من يصلي بهم ويعلمهم القرآن فبعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف فتى قريش كلها يدعوا الناس إلى الإسلام وكان يدعى المهدي في زمن رسول الله صلعم فأسلم بدعائه بشر كثير وكان في من أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيد الأوس والخزرج فلما كان سنة ثلاث عشرة من النبوة قدم من الأنصار سبعون رجلا وامرأتان أم عامر وأم منيع ورئيسهم البراء بن معرور فجاءهم رسول الله صلعم عند العقبة وبايعوه على المنع والنصرة قال الواقدي واختلفوا في أول من ضرب يده على يد رسول الله صلعم فقيل البراء بن معرور وقيل أسعد بن زرارة وقيل أسيد بن حضير وقيل أبو الهيثم بن التيهان فقال لهم النبي صلعم اخرجوا إلى اثني عشر نقيبا يكونوا على قومهم وأخذ عليهم الميثاق والعهد والوفاء كنقباء بني إسرائيل فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وسعد بن عبادة والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن عجلان والمنذر بن عمر بن خنيس ومن الأوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان فقال كعب بن مالك يذكر تلك البيعة في قصيدة طويلة
فابلغ أبيا أنه قال رأيه ... وحان غداة الشعب والحين واقع
وابلغ أبا سفيان أن بدا لنا ... بأحمد نور من الهدى الله ساطع
فلا تزهدن في حشد أمر تريده ... والب واجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه عليك الرهط حتى يبايعوا
وانصرف الأنصار إلى المدينة وأمر رسول الله صلعم بالهجرة وكان هاجر إليها قبل بيعة العقبة أبو سلمة بن عبد الأسد بسنة وهو أول من هاجر إلى المدينة ثم هاجر بعده عبيدة بن الحارث وعثمان بن مظعون ومسطح بن أثاثه ثم هاجر بعدهم عمر بن الخطاب رضه وعياش بن أبي ربيعة وهو أخو أبي جهل بن هاشم فنذرت أمه أن لا يظلها سقف بيت حتى يرتد فخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام فرداه فلم يزالا يعذبانه حتى فتناه عن دينه وفيه نزلت ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ثم هاجر بعد ذلك وأسلم ثم خرج سائر المسلمين وبقي النبي صلى الله عليه وعلي بن أبي طالب وأبو بكر ومن لا قوة له في الحركة من ضعف وفاقة فلما رأت قريش أن شيعة النبي صلعم قد خرجوا فزعوا من ذلك وعلموا أنه إن خرج واقع بهم فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في أمره وروى أن الشيطان صرخ على العقبة يا أهل الأخشاب هل لكم في محمد وأصحابه فقد اجتمعوا لحربكم
ذكر دار الندوة قالوا فاجتمع رؤساء قريش في دار الندوة ومنهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبه بن ربيعة والعاص بن وائل وأبو سفيان بن حرب ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال بعضهم فاعترض لهم ابليس في صورة شيخ جليل عليه إتب فقالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم فحضر ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا فقام خطيبهم فقال إن هذا الرجل قد كان من أمره ما كان وانا لا نأمنه على الوثوب بنا فاجمعوا فيه رأيا فقال قائل منهم أرى أن تقتلوه بحديد أو أن تغلقوا عليه الباب حتى يموت فقال ابليس ما هذا برأي لأنكم لو فعلتم ذلك لأوشك أن ينزعه أصحابه من أيديكم فقال آخر أرى أن تربطوه على ظهر راحلة ثم اضربوا وجهها تهيم في الأرض حيث شاءت فقال ابليس ما هذا برأي ألم تروا إلى حسن لفظه وحلاوة منطقه ولا يحل بحي ولا بلد إلا سحرهم بكلامه فقال أبو جهل أرى أن نجمع من كل قبيلة منا فتى شبيبا نشيطا ثم نعطي كل واحد منهم سيفا صقيلا فيعمدون إليه فيضربونه ضربة رجل واحد ويفرقون دمه في القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على الإقادة بجميع الناس فقال ابليس هذا الرأي وقد حكى في ذلك شعر ومنهم من ينسبه إلى ابليس
الرأي رأيان رأي ليس يعرفه ... غاو ورأي كحد السيف معروف
يكون أول بشرى لآخره ... حقا وآخره مجد وتشريف
فتفرقوا على هذا وجمعوا من فتيان قريش أربعين شابا وأعطوهم السيوف وأمروهم أن يغتالوا النبي صلعم ويقتلوه، ذكر ليلة الدار قالوا فأتوا داره وأحاطوا به يرصدونه حتى ينام فيبيتون به وأتاه الخبر من السماء فثبت حتى أمسى ثم اضطجع على فراشه وتجلل ريطة له خضراء والرصد يرون ما صنعه ويترقبون نومه فدعا عليا وقال نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه وإن أتاك أبو بكر فاخبره أني قد خرجت إلى ثور أطحل وهو غار بأسفل مكة ومرة فليلحق بي وخرج رسول الله صلى الله عليه وقد أخذ حفنة من التراب فجعل ينثر على رؤوسهم وهو يتلوا هذه الآيات يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم إلى قوله فاغشيناهم فهم لا يبصرون ومر إلى الغار وقد أخذ الله عز وجل أبصارهم عنه فأتاهم آت فقال ما مقامكم ننتظر نوم محمد لنثور عليه قال إن محمدا قد مر وما ترك أحدا منكم إلا وضع التراب على رأسه قالوا فها هو نائم قال ذاك علي بن أبي طالب فاقتحموا الدار ونصوا الحلة فإذا هو علي فسقط في أيديهم وفيه نزل وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، ذكر حديث الغار قالوا وكان أبو بكر قد ابتاع راحلتين وحبسهما في الدار يعلفهما إعدادا لذلك الأمر فاستأجر دليلا يقال له عبد الله بن اريقط الليثي ويقال ابن ارقد ليأخذ بهما على الجادة وأمر غلامه عامر بن فهيرة أن يروح عليه يستحثه مغسفا وسوت له أسماء سفرة فحملها ومر إلى الغار فأقاما فيه ثلاثا وروى ابن اسحق أن النبي صلعم لما خرج من داره أتى إلى دار أبي بكر وخرج معه من ظهر بيته إلى ثور فاكتتما فيه قال قائل وصرخ صارخ أن محمدا قد خرج فخرج المشركون في إثرهما فكانا يريانهم ولا يرورنهما وروى الواقدي أن الله عز وجل بعث العنكبوت فضرب على باب الغار ونهى رسول الله صلعم عن قتل العنكبوت فلما أكدت قريش وخابت وجعلت مائة ناقة لمن رده فخرج سراقة بن مالك وكان من فرسان القوم وأشدائهم، ذكر خروج سراقة في إثرهما قالوا وخرج في إثرهما وروى بعد ما أسلم قال فلما بدى لي القوم عثر بي فرسي وذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه قال ثم انتزع يديه وتبعهما دخان كالإعصار فعرفت أنه حق فناديتهم انظروني أكلمكم فو الله لا آذيتكم فقال النبي صلعم لأبي بكر سل ما يطلب قال ما تبتغي منا قال قلت تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك فأمر أبا بكر فكتب لي كتابا في رقعة أو قال في عظم فلما كان يوم فتح مكة أتيته بالكتاب فقال اليوم يوم وفاء وبر ادن مني فأسلم فدنوت أسلمت وقد روى في هذا الخبر أنه ساخت قوائم دابته ثم خرجت ولها عثار
ذكر خروج النبي عم وأبي بكر من الغار إلى المدينة قال ابن اسحق وخرج بهما دليلهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان فهبط بهما العرج ثم لزم الجادة إلى المدينة وذكر حديث أم معبد بطوله قال وكان المسلمون بالمدينة لما سمعوا بخروج رسول الله صلعم من مكة يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه فإذا ارتفع النهار وعلا انصرفوا إلى بيوتهم حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلعم وكانوا قد انتظروه ورجعوا فرآه رجل من يهود فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرج الناس وثاروا إلى أسلحتهم وأسرعوا يتلقونه وكان ذلك يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول فيما روى ابن اسحق حين اشتد الضحى وكادت الشمس تعتدل وكان الزبير بن العوام لقيه في الطريق مقبل من الشام فطرح على رسول الله صلعم ثيابا بيضا فنزل رسول الله صلعم وأبو بكر بقبا في ظل نخلة وهي قرية بني عمرو بن عوف
في ذكر اختلاف الناس في هذا الفصل أعلم أن ما كان في هذه الأخبار من المعجزات فكلها مصدقة مقبولة إذا صحت الرواية والنقل أو شهد لها نص القرآن والدلالة عليها كذهاب قوائم فرس سراقة في الأرض وكإنزال شاة أم معبد اللبن بعد يبسها وكأخذ الله بأبصار الفتكة عن نبيه وككلام ابليس في دار الندوة وكخبر المعراج والمسرى وقصة الروم والجن ولحس الأرضة الصحيفة ونزول جبريل بالوحي وتظليل الغمام والطير له في سفره وإخبار بحيرا وعداس وورقة بأمره وما ذكر من العجائب في مولده في ظئره حليمة من نزول اللبن في ضرعها وفي ضرع شاتها وغير ذلك مما يوصف ويحكى مع ما ذكر من هذه الخصال كلها داخل في حد الجواز والإمكان بعد أن كنا مجيزين للممتنع في الطبع والعادة للأنبياء وفي أيامهم فكيف الممكن المتوهم من ذلك وقد ناقض المنكرون لهذه الحال لخروجها عن العادة المجيزين لها بأنه قد تسوخ القوائم في السهلة والسباخ وفي نافقاء اليرابع والجرذان ويعود اللبن في الضرع بعد ذهابه وجفوفه بتغير الطبع وزوال العلة ووجود قوة حادثة كما قد يبصر الإنسان بعد العمى ويسمع بعد الصمم بحدوث سبب أو معنى دواء الطعام ويأخذ الله بأبصار قوم بأن يأتي عليهم النعاس أو يخفي شخص المار بهم فلا يرونه وكلام ابليس غير عجيب لأنه قد يقال لمن عمل بعمل ابليس هذا ابليس وكذلك لمن تكلم بكلام ابليس يوسوس ابليس بمثله وقد سمى الله عز وجل من اقتدى بالشيطان شيطانا فقال وإذا خلوا إلى شياطينهم وابليس شيطان وأما المعراج والمسرى فكفاك حجة على الخصم عدم اختلاف أهل الملة فيه وخبر الروم ولحس الأرضة والصحيفة وغير ذلك مما أخبر النبي صلعم من أخبار الغيب فمن وحي الله وتنزيله ومع أن ذلك ممكن معرفته من جملة الخبر وأما كيفية نزول جبريل بالوحي وظهوره له فإن الواجب أن لا يكلم الخصم إلا بإيجاب الوحي كيف شاء لأن الوحي على وجوه وحي إلهام ووحي إلقاء ووحي تلقين ووحي رؤيا وقد سئل النبي صلعم كيف يأتيك الوحي فقال أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني رواه الواقدي ونحن بحمد الله مصدقون بكل ما جاء على ظاهره وجدنا له مثلا وشبها أو لم نجد ومقرون بنزول الملك على الأنبياء سفيرا بينهم وبين الله عز وجل وواسطة قال هذا المناقض في حجاجته فإن قال الملحد إذ كان الأمر كما زعمت وكان كل ذلك ممكنا لعامة الناس فلم سميتها معجزات الأنبياء وخصصتهم بها قيل قد يكون الشيء معجزة في وقت وهو بعينه غير معجزة في وقت آخر ويكون معجزة لقوم وغير معجزة لقوم ويكون الشيء باجتماع أجزائه معجزة ويكون كل جزء منه على الانفراد غير معجزة وقال ذلك قولنا أن النبي صلعم نصر ببدر في قلة عددهم فلو وجد مثله في زماننا أو في بلد الشرك لجاز ذلك وكان ممكنا ثم لا يجوز أن يسمى معجزة وقد كان لرسول الله صلعم معجزة عظيمة في زمانه لأنه قد يقع بالاتفاق ما لا يرجى كونه ووقوعه قال القرآن معجزة عظيمة لهم قال فاتفاق تلك المعاني للنبي صلعم وتناسقها في زمانه معجزة أتاحها الله عز وجل وقدرها علامة لنبوته هذا يرحمك الله باب كان الله أغنى هذا المتكلف عن الخوض فيه والتمرس به وما أراه ابلى عنا في الإسلام أو رد عنه عادية إن لم يكن فتح عليهم باب شنعة وتلبيس وسبيل المعجزات للأنبياء في خروجها عن العادة سبيل إيجاد أعيان الخلق لا من سابقه فكما أن إيجاد الخلق لا من شيء لا مفهوم ولا معقول ولكن بعرف وتعلم بقيام الأدلة عليه كذلك معجزات الأنبياء عم غير موهومة ولا معقولة وإنما بعلم بقيام الأدلة عليها ولذلك جعلت مسألة الرسالة تابعة لمسألة التوحيد ومرتبة عليها وقد مضى من هذا في فصله ما كفى وأغنى ولله الحمد والمنة والحول والقوة والتوفيق والهداية،
الفصل السادس عشر
في مقدم رسول الله
وسراياه وغزواته إلى وقت وفاته صلعم
قال قدم رسول الله صلعم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحى لاثني عشرة خلت من ربيع الأول وكان خرج من الغار ليلة الخميس غرة شهر ربيع الأول ودخله يوم الاثنين وأقام فيه ثلاثا وبقى في الطريق اثنتي عشرة ليلة فكان من خروجه من مكة إلى دخوله المدينة خمسة عشر يوما فنزل تحت ظل نخلة بقبا فطفق الناس يأتونه وينظرونه وكان أبو بكر معه في مثل سنه فما كان يعرفه إلا من كان رآه فلما زال الظلم قام أبو بكر فأظله بردائه فعرفه حينئذ من لم يكن يعرفه ثم نزل على كلثوم بن هدم ويقال على سعد بن خيثمه وأقام عندهم يوم الاثنين والثلثاء والأربعاء والخميس ولم تكن المدينة يومئذ ممصرة وإنما كانت آطاما وحوائط وكان بنو عمرو بن عوف ينتابونه عند كلثوم بن هدم فأول ما أمر فيهم بالأصنام أن تكسر فجعلوا يكسرونها ويوقدون النار فيها وأسس مسجد قبا وصلى فيه ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في بطن الوادي وهي أول جمعة صلاها في الإسلام وبنى في مصلاه مسجدا واستقبله الناس فجعل يقول كل قبيلة اقم عندنا في العدة والعدد ويقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة قالوا فلما انتهت إلى بيت أبي أيوب الأنصاري بركت ووضعت جيرانها في الأرض فنزل رسول الله صلعم على أبي أيوب وأقام عنده سبعة أشهر إلى أن بنى المسجد في فضل البلدان قالوا وبعث رسول الله صلى الله عليه أبا رافع مولاه وزيد بن الحارثة يقدمان بعياله وأعطاهما بعيرين وخمسة مائة درهم وأخذها من أبي بكر الصديق فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله وسودة بنت زمعه زوجة رسول الله صلعم وأما زينب بنت رسول الله فإن زوجها أبا العاص بن الربيع حبسها وأما رقية بنت رسول الله صلعم فإنها هاجرت قبله مع زوجها عثمان بن عفان وكانت هاجرت معه إلى الحبشة وقدم عبد الله بن أبي بكر بأختيه عائشة وأسما بنتي أبي بكر وأم رومان امرأة أبي بكر وكان رسول الله صلعم لما خرج خلف عليا بمكة وأمره أن يرد الودائع التي كانت عند رسول الله للناس إلى أهلها ففعل علي وخرج في إثره بعد ثلاث وفرضت الصلاة أربعا أربعا بعد الهجرة بشهر وكانوا يصلون قبلها ركعتين ركعتين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار وأقطع الدور وخط الخطط فلبثوا فيها وكتب كتابا وادع اليهود وأقرهم على دينهم وشرط لهم أن لا يهيجهم ولا يباديهم وشرط عليهم أن ينصروه ممن دهمه ولا يظاهروا عليه عدوا فلما رأت اليهود ظهور أمره واستجابة الناس له نقضوا العهد وأخفروا الذمة وناصبوه بغيا وحسدا فجعلوا يغشونه ويسألونه عن الأغلوطات منهم حي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب وجدي بن أخطب وزيد بن تابوة وعبد الله بن صورى ومحاض بن عابور والربيع بن أبي الحقيق وكعب بن الاشرف وشاس بن عمرو وفردم بن كردم وغيرهم من أشرافهم ونافق رهط من أهل المدينة وظاهروهم على ذلك منهم خذام بن خالد الذي أخرج مسجد الضرار من داره وجارية بن عامر وبحزج بن عمرو وعبد الله بن الأزعر وهم الذين بنوا مسجد الضرار ومجمع بن جارية وهو الذي كان يصلي بهم وأوس بن قيظي وهو الذي كان يوم الخندق إن بيوتنا عورة وأبيرق سارق الدرع ووديعة بن ثابت ومتعب بن قشير هما اللذان قالا إنما نخوض ونلعب وجد بن قيس الذي قال ائذن لي ولا تفتني وعبد الله بن أبي ابن سلول الخزرجي رأس النفاق وكان القرآن ينزل فيهم ويعبر عن خبث عقيدتهم ودرن سرائرهم إلى أن أذن الله لرسوله في السيف ونزل أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فاخذ في تسريب السرايا وبعث الجيوش وكانت سراياه ووفائعه أربعا وسبعين غزاة ويقال خمسا وسبعين في مهاجرة عشر سنين منها التي غزا بنفسه سبع وعشرين وقع منها في تسع القتال في بدر وأحد والمريسع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف ويقال أنه قاتل في بني النضير وكانت سنو الهجرة عشر سنين السنة الأولى سنة الهجرة والثانية سنة الأمر بالقتال والثالثة سنة التمحيص والرابعة سنة الترفيه والخامسة سنة الزلازل والسادسة سنة الاستئناس والسابعة سنة الاستغلاب والثامنة سنة الاستواء والتاسعة سنة البراءة والعاشرة سنة حجة الوداع ثم دخلت سنة إحدى عشرة من الهجرة مضى منها شهران واثنا عشر يوما ولحق بربه صلعم أما السنة إحدى من الهجرة فإن رسول الله صلعم قدم