كتاب : المستطرف في كل فن مستظرف
المؤلف : شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الملك العظيم العلي الكبير الغني اللطيف الخبير المنفرد بالعز والبقاء والارادة والتدبير الحي العليم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير أحمده حمد عبد معترف بالعجز والتقصير وأشكره على ما أعان عليه على قصد ويسر من عسير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مشير ولا ظهير له ولا وزير وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله البشير النذير السراج المنير المبعوث إلى كافة الخلق من غني وفقير ومأمور وأمير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يفوز قائلها من الله بمغفرة وأجر كبير وينجو بها في الآخرة من عذاب السعير وحسبنا الله ونعم الوكيل فنعم المولى ونعم النصير
اما بعد فقد رأيت جماعة من ذوي الهمم جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم وبسطوا مجلدات في التواريخ والنوادر والأخبار والحكايات واللطائف ورقائق الأشعار وألفوا في ذلك كتبا كثيرة وتفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة فاستخرت الله تعالى وجمعت من جموعها هذا المجموع اللطيف وجعلته مشتملا على كل فن ظريف وسميته المستطرف في كل فن مستظرف واستدللت فيه بآيات كثيرة من القرآن العظيم وأحاديث صحيحة من أحاديث النبي الكريم وطرزته بحكايات حسنة عن الصالحين الأخيار ونقلت فيه كثيرا مما أودعه الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار وكثيرا مما نقله ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ورجوت أن يجد مطالعه فيه كل ما يقصد ويريد

وجمعت فيه لطائف وظرائف عديدة من منتخبات الكتب النفيسة المفيدة وأودعته من الأحاديث النبوية والأمثال الشعرية والألفاظ اللغوية والحكايات الجدية والنوادر الهزلية ومن الغرائب والدقائق والأشعار والرقائق ما تشنف بذكره الأسماع وتقر برؤيته العيون وينشرح بمطالعته كل قلب محزون شعر
( من كل معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعشقه القرطاس والقلم )
وجعلته يشتمل على أربعة وثمانين بابا من أحسن الفنون متوجة بألفاظ كأنها الدر المكنون كما قال بعضهم شعرا في المعنى
( ففي كل باب منه در مؤلف ... كنظم عقود زينتها الجواهر )
( فإن نظم العقد الذي فيه جوهر ... على غير تأليف فما الدر فاخر )
وضمنته كل لطيفة ونظمته بكل ظريفة وقرنت الأصول فيه بالفضول ورجوت أن يتيسر لي ما رمته من الوصول وجعلت أبوابه مقدمة وفصلتها في مواضعها مرتبة منظمة ليقصد الطالب إلى كل باب منها عند الاحتياج إليه ويعرف مكانه بالاستدلال عليه فيجد كل معنى في بابه إن شاء الله تعالى والله المسؤول في تيسير المطلوب وأن يلهم الناظر فيه ستر ما يراه من خلل وعيوب إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وهذه فهرست الكتاب والله سبحانه المهون للصعاب
الباب الأول في مباني الإسلام وفيه خمسة فصول الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق والذم وغير ذلك الباب الثالث في القرآن العظيم وفضله وحرمته وما أعد الله تعالى لقارئه من الثواب العظيم والأجر الجسيم الباب الرابع في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم الباب الخامس في الآداب والحكم وما أشبه ذلك الباب السادس في الأمثال السائرة وفيه فصول الباب السابع في البيان والبلاغة والفصاحة وذكر الفصحاء من الرجال والنساء وفيه فصول الباب الثامن في الأجوبة المسكتة والمستحسنة ورشقات اللسان وما جرى

مجرى ذلك الباب التاسع في ذكر الخطب والخطباء والشعراء وسرقاتهم وكبوات الجياد وهفوات الأمجاد الباب العاشر في التوكل على الله تعالى والرضا بما قسم والقناعة وذم الحرص والطمع وما أشبه ذلك وفيه فصول الباب الحادى عشر في المشورة والنصيحة والتجارب والنظر في العواقب الباب الثاني عشر في الوصايا الحسنة والمواعظ المستحسنة وما أشبه ذلك الباب الثالث عشر في الصمت وصون اللسان والنهي عن الغيبة والسعي بالنميمة ومدح العزلة وذم الشهرة وفيه فصول الباب الرابع عشر في الملك والسلطان وطاعة ولاة أمور الإسلام وما يجب للسلطان على الرعية وما يجب لهم عليه الباب الخامس عشر فيما يجب على من صحب السلطان والتحذير من صحبته الباب السادس عشر في الوزراء وصفاتهم وأحوالهم وما أشبه ذلك الباب السابع عشر في ذكر الحجاب والولاية وما فيها من الغرور والخطر الباب الثامن عشر فيما جاء في القضاء وذكر القضاة وقبول الرشوة والهدية على الحكم وما يتعلق بالديون وذكر القصاص والمتصوفة وفيه فصول الباب التاسع عشر في العدل والإحسان والإنصاف وغير ذلك الباب العشرون في الظلم وشؤمه وسوء عواقبه وذكر الظلمة وأحوالهم وغير ذلك الباب الحادى والعشرون في بيان الشروط التي تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة وفيه فصلان الباب الثاني والعشرون في اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف وقضاء الحوائج للمسلمين وإدخال السرور عليهم الباب الثالث والعشرون في محاسن الأخلاق ومساويها الباب الرابع والعشرون في حسن المعاشرة والمودة والأخوة والزيارة وما أشبه ذلك الباب الخامس والعشرون في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة بهم وفضل الشفاعة وإصلاح ذات البين وفيه فصلان الباب السادس والعشرون في الحياء والتواضع ولين الجانب وخفض الجناح وفيه فصلان الباب السابع والعشرون في العجب والكبر والخيلاء وما أشبه ذلك الباب الثامن والعشرون في الفخر والمفاخرة والتفاضل

والتفاوت الباب التاسع والعشرون في الشرف والسؤدد وعلو الهمة الباب الثلاثون في الخير والصلاح وذكر السادة الصحابة وذكر الأولياء والصالحين رضي الله عنهم أجمعين الباب الحادى والثلاثون في مناقب الصالحين وكرامات الأولياء رضي الله عنهم الباب الثاني والثلاثون في ذكر الأشرار والفجار وما يرتكبون من الفواحش والوقاحة والسفاهة الباب الثالث والثلاثون في الجود والسخاء والكرم ومكارم الأخلاق واصطناع المعروف وذكر الأمجاد وأحاديث الأجواد الباب الرابع والثلاثون في البخل والشح وذكر البخلاء وأخبارهم وما جاء عنهم الباب الخامس والثلاثون في الطعام وآدابه والضيافة وآداب المضيف والضيف وأخبار الأكلة وما جاء عنهم وغير ذلك الباب السادس والثلاثون في العفو والحلم والصفح وكظم الغيظ والاعتذار وقبول المعذرة والعتاب وما أشبه ذلك الباب السابع والثلاثون في الوفاء بالوعد وحسن العهد ورعاية الذمم الباب الثامن والثلاثون في كتمان السر وتحصينه وذم إفشائه الباب التاسع والثلاثون في الغدر والخيانة والسرقة والعداوة والبغضاء والحسد وفيه فصول الباب الأربعون في الشجاعة وثمرتها والحروب وتدبيرها وفضل الجهاد وشدة البأس والتحريض على القتال وفيه فصول الباب الحادى والأربعون في ذكر أسماء الشجعان ذكر الأبطال وطبقاتهم وأخبارهم وذكر الجبناء وأخبارهم وذم الجبن الباب الثاني والأربعون في المدح والثناء وشكر النعمة والمكافأة وفيه فصول الباب الثالث والأربعون في الهجاء ومقدماته الباب الرابع والأربعون في الصدق والكذب وفيه فصلان الباب الخامس والأربعون في بر الوالدين وذم العقوق وذكر الأولاد وما يجب لهم وعليهم وصلة الرحم والقرابات وذكر الأنساب وفيه فصول الباب السادس والأربعون في الخلق وصفاتهم وأحوالهم وذكر الحسن والقبح والطول والقصر والألوان واللباس وما أشبه ذلك الباب السابع والأربعون في ذكر الحلى والمصوغ والطيب والتطبيب وما جاء في التختم الباب الثامن والأربعون في الشباب والشيب

والصحة والعافية وأخبار المعمرين وما أشبه ذلك وفيه فصول الباب التاسع والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب وما استحسن منها الباب الخمسون في الاسفار والاغتراب وما قيل في الوداع والفراق والحث على ترك الإقامة بدار الهوان وحب الوطن والحنين إلى الأوطان الباب الحادى والخمسون في ذكر الغنى وحب المال والافتخار بجمعه الباب الثاني والخمسون في ذكر الفقر ومدحه الباب الثالث والخمسون في ذكر التلطف في السؤال وذكر من سئل فجاد الباب الرابع والخمسون في ذكر الهدايا والتحف وما أشبه ذلك الباب الخامس والخمسون في العمل والكسب والصناعات والحرف والعجز والتواني وما أشبه ذلك الباب السادس والخمسون في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر وفيه ثلاثة فصول الباب السابع والخمسون فيما جاء في اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والسرور بعد الحزن ونحو ذلك الباب الثامن والخمسون في ذكر العبيد والإماء والخدم وفيه فصلان الباب التاسع والخمسون في أخبار العرب وذكر غرائب من عوائدهم وعجائب أمرهم الباب الستون في الكهانة والقيافة والزجر والعرافة والفأل والطيرة والفراسة والنوم والرؤيا الباب الحادى والستون في الحيل والخدائع المتوصل بها إلى بلوغ المقاصد والتيقظ والتبصر ونحو ذلك الباب الثاني والستون في ذكر الدواب والوحوش والطير والهوام والحشرات مرتبا على حروف المعجم الباب الثالث والستون في ذكر نبذة من عجائب المخلوقات وصفاتهم الباب الرابع والستون في خلق الجان وصفاتهم الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار وفيه فصول الباب السادس والستون في ذكر عجائب الأرض وما فيها من الجبال والبلدان وغرائب البنيان وفيه فصول الباب السابع والستون في ذكر المعادن والأحجار وخواصها الباب الثامن والستون في ذكر الأصوات والألحان وذكر الغناء واختلاف الناس ومن كرهه واستحسنه الباب التاسع والستون في ذكر المغنين والمطربين وأخبارهم ونوادر

الجلساء في مجالس الخلفاء الباب السبعون في ذكر القينات والأغاني الباب الحادي والسبعون في ذكر العشق ومن بلي به والافتخار به والعفاف وأخبار من مات بالعشق وما في معنى ذلك وفيه فصول الباب الثاني والسبعون في ذكر رقائق الشعر والمواليا والدوبيت وكان وكان والموشحات والزجل والقومة والألغاز ومدح الأسماء والصفات وفيه فصول الباب الثالث والسبعون في ذكر النساء وصفاتهن ونكاحهن وطلاقهن وما يمدح وما يذم من عشرتهن وفيه فصول الباب الرابع والسبعون في ذم الخمر وتحريمها والنهي عنها الباب الخامس والسبعون في المزاح والنهي عنه وما جاء في الترخيص فيه والبسط والتنعم وفيه فصول الباب السادس والسبعون في النوادر والحكايات وفيه فصول الباب السابع والسبعون في الدعاء وآدابه وشروطه وفيه فصول الباب الثامن والسبعون في القضاء والقدر وأحكامهما والتوكل على الله تعالى الباب التاسع والسبعون في التوبة وشروطها والندم والاستغفار الباب الثمانون في ذكر الأمراض والعلل والطب والدواء والسنة والعيادة وثوابها وما أشبه ذلك وفيه فصول الباب الحادي والثمانون في ذكر الموت وما يتصل به من القبر وأحواله الباب الثاني والثمانون في الصبر والتأسي والتعازي والمراثي ونحو ذلك وفيه فصول الباب الثالث والثمانون في ذكر الدنيا وأحوالها وتقلبها بأهلها والزهد فيها ونحو ذلك الباب الرابع والثمانون في فضل الصلاة على النبي وهو آخر الأبواب ختمتها بالصلاة على سيد العباد أرجو بذلك شفاعته يوم المعاد

الباب الأول في مباني الإسلام وفيه خمسة فصول
الفصل الأول في الأخلاص لله تعالى والثناء عليه
وهو أن تعلم أن الله تعالى واحد لا شريك له فرد لا مثل له صمد لا ند له أزلي قائم أبدي دائم لا أول لوجوده ولا آخر لأبديته قيوم لا يفنيه الأبد ولا يغيره الأمد بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن منزه عن الجسمية ليس كمثله شيء وهو فوق كل شيء فوقيته لا تزيده بعدا عن عباده وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد وهو على كل شيء شهيد وهو معكم أينما كنتم لا يشابه قربه قرب الأجسام كما لا يشابه ذاته ذوات الأجرام منزه عن أن يحده زمان مقدس عن أن يحيط به مكان تراه أبصار الأبرار في دار القرار على ما دلت عليه الآيات والأخبار حي قادر جبار قاهر لا يعتريه عجز ولا قصور ولا تأخذه سنة ولا نوم له الملكوت والعزة والجبروت خلق الخلق وأعمالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا تحصى مقدوراته ولا تتناهى معلوماته عالم بجميع المعلومات لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السموات يعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر مريد للكائنات مدبر للحادثات لا يجري في ملكه قليل ولا كثير ولا جليل ولا حقير خير أو شر نفع أو ضر إلا بقضائه وقدره وحكمه ومشيئته فما شاء كان وما لم

يشأ لم يكن فهو المبدىء المعيد الفاعل لما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته إلا بمحبته وإرادته لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا سميع بصير متكلم بكلام لا يشبه كلام خلقه وكل ما سواه سبحانه وتعالى فهو حادث أوجده بقدرته وما من حركة وسكون إلا وله في ذلك حكمة دالة على وحدانيته قال الله تعالى ( إن في خلق السموات والأرض ) الآية وقال أبو العتاهية
( فيا عجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد )
( ولله في كل تحريكة ... وتسكينة في الورى شاهد )
وقال غيره
( كل ما ترتقي إليه بوهم ... من جلال وقدرة وسناء )
( فالذي أبدع البرية أعلى ... منه سبحان مبدع الأشياء )
وقال علي رضي الله عنه في بعض وصاياه لولده إعلم يا بنى أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد لا يضاده في ملكه أحد وعنه عليه الصلاة و السلام كل ما يتصور في الأذهان فالله سبحانه بخلافه
وقال لبيد بن ربيعة
( ألا كل ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل )
( وكل ابن أنثى لو تطاول عمره ... إلى الغاية القصوى فللقبر آيل )
( وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل )
( وكل امرىء يوما سيعرف سعيه ... إذا حصلت عند الإله الحصائل )

وروي أن النبي قال وهو على المنبر أن أشعر كلمة قالتها العرب ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ثم بعد هذا الاعتقاد الإقرار بالشهادة بأن محمدا رسول الله بعثه برسالته إلى الخلائق كافة وجعله خاتم الأنبياء ونسخ بشريعته الشرائع وجعله سيد البشر والشفيع المشفع في المحشر وأوجب على الخلق تصديقه فيما أخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت من سؤال منكر ونكير وهما ملكان من ملائكةالله تعالى يسألان العبد في قبره عن التوحيد والرسالة ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك ويؤمن بعذاب القبر وأنه حق وأن الميزان حق والصراط حق والحساب حق وأن الجنة حق والنار حق وأن الله تعالى يدخل الجنة من يشاء بغير حساب وهم المقربون وأنه يخرج عصاة الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم بشفاعة العلماء ثم بشفاعة الشهداء وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ويحسن الظن بجميعهم على ما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك مؤمنا به موقنا فهو من أهل الحق والسنة مفارق لعصابة الضلال والبدعة رزقنا الله الثبات على هذه العقيدة وجعلنا من أهلها ووفقنا للدوام إلى الممات على التمسك والاعتصام بحبلها إنه سميع مجيب فهذه العقيدة قد اشتملت على أحد أركان الإسلام الخمسة قال رسول الله بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

الفصل الثاني في الصلاة وفضلها
قال الله تعالى ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) وقال تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وقال تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) واختلفوا في اشتقاق اسم الصلاة مم هو فقيل هو من الدعاء وتسمية الصلاة دعاء معروفة في كلام العرب فسميت الصلاة صلاة لما فيها من الدعاء وقيل سميت بذلك من الرحمة قال الله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) فهي من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الناس دعاء قال اللهم صل على آل أبي أوفى أي ارحمهم وقيل سميت بذلك من الاستقامة من قولهم صليت العود على النار إذا قومته والصلاة تقيم العبد على طاعة الله وخدمته وتنهاه عن خلافه قال الله تعالى ( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ) وقيل لأنها صلة بين العبد وربه وعن رسول الله قال علم الأيمان الصلاة فمن فرغ لها قلبه وحافظ عليها بحدودها فهو مؤمن وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو على المنبر إن الرجل ليشيب عارضاه في الاسلام وما اكمل لله تعالى صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم ركوعها وسجودها وخشوعها وتواضعه وإقباله على الله فيها وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان رسول الله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وقيل للحسن ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها فقال

لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره وقال بعضهم لا تفوت أحدا صلاة في جماعة إلا بذنب وكانت رابعة العدوية تصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وتقول والله ما أريد بها ثوابا ولكن ليسر ذلك رسول الله ويقول للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها في اليوم والليلة وقال بعضهم صليت خلف ذي النون المصري فلما أراد أن يكبر رفع يديه وقال الله ثم بهت وبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاما لربه جل وعلا ثم قال الله أكبر فظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره وقيل أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود كذب من ادعى محبتي وإذا جن عليه الليل نام عني أليس كل محب يحب الخلوة بحبيبه ولعبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه
( إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع )
( أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع )
وكان سيدي الشيخ الإمام العلامة فتح الدين بن أمين الدين الحكم التحريري رحمه الله كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات
( يا أيها الراكد كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد )
( وخذ من الليل ولو ساعة ... تحظى إذا ما هجع الرقد )
( من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل لو يجهد )
وكان سيدي أويس القرني لا ينام ليلة ويقول ما بال الملائكة لا يفترون ونحن نفتر وقال حذيفة رضي الله عنه كان رسول الله إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وقال هشام بن عروة كان أبي

يطيل المكتوبة ويقول هي رأس المال وقال أبو الطفيل سمعت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يقول يا أيها الناس قوموا إلى نيرانكم فاطفئوها سمعت رسول الله يقول الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر وجزأ محمد بن المنكدر عليه وعلى أمه وعلى اخته الليل أثلاثا فماتت اخته فجزأه عليه وعلى أمه فماتت أمه فقام الليل كله وكان مسلم بن بشار إذا أراد أن يصلي في بيته يقول لأهله تحدثوا فلست أسمع حديثكم وكان إذا دخل البيت سكت أهله فلا يسمع لهم كلام فاذا قام إلى الصلاة تحدثوا وضحكوا ووقع حريق إلى جنبه وهو في الصلاة فما شعر به حتى أطفىء وكان الحمام يقع على رأس ابن الزبير في المسجد الحرام يحسبه جذعا منصويا لطول انتصابه في الصلاة وكانت العصافير تقع على ظهر إبراهيم بن شريك وهو ساجد كما تقع على الحائط وختم القرآن في ركعة واحدة أربعة من الأئمة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم ورأى الأوزاعي شابا بين القبر والمنبر فلما طلع الفجر استلقى ثم قال عند الصباح يحمد القوم السرى فقال يا ابن أخي لك ولأصحابك لا للجمالين وكان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة فقيل له كيف تصبر فقال بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال فلان صبور وأنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع على وقال ابو صفوان بن عوانة ما من منظر أحسن من رجل عليه ثياب بيض وهو قائم يصلي في القمر كأنه يشبه الملائكة وقال الحسن ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام بنت رسول الله وكانت تقوم بالأسحار حتى تومت قدماها وقام رسول الله حتى تورمت قدماه وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكانت دموعه تقع في مصلاه كوكف المطر وكان إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام يسمع لقلبه خفقان وغليان هذا خوف الحبيب والخليل مع ما أعطيا من الإجلال والإكرام وشرف المقام

فالعجب كيف يطمئن قلب من أزعجته الآثام وقال رسول الله لرجل قال له ادع الله أن يجعلني رفيقك في الجنة فقال أعني على نفسك بكثرة السجود وقال حاتم الأصم رحمه الله تعالى فاتتني صلاة الجماعة مرة فعزاني أبو إسحق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف لأن مصيبة الدين عندهم أهون من مصيبة الدنيا وكان السلف رضي الله تعالى عنهم يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى وسبعا إذا فاتتهم الجماعة وقال ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه
وأنشد بعضهم
( خسر الذي ترك الصلاة وخابا ... وأبى معادا صالحا ومآبا )
( إن كان يجحدها فحسبك أنه ... أضحى بربك كافرا مرتابا )
( أو كان يتركها لنوع تكاسل ... غطى على وجه الصواب حجابا )
( فالشافعي ومالك رأيا له ... إن لم يتب حد الحسام عقابا )
( والرأي عندي للإمام عذابه ... بجميع تأديب يراه صوابا )
اللهم أعنا على الصلاة وتقبلها منا بكرمك ولا تجعلنا من الغافلين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
ومما يستحسن إلحاقه بهذا الفصل ذكر شيء من فضل السواك والأذان
أما السواك فقد قال الرسول لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وقال أيضا صلاة على أثر سواك أفضل من خمس وسبعين صلاة على غير سواك وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان رسول الله إذا قام ليتهجد شاص فاه

بالسواك وقال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وعنه أنه قال لو يعلم الناس ما في السواك لبات مع الرجل في لحافه وقال أيضا أفواهكم طرق لكلام ربكم فنظفوها والاختيار في السواك أن يكون بعود الأراك ويجزي بغيره من العيدان وبالسعد والإشنان والخرقة الخشنة وغير ذلك مما ينظف ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فيه وينوي به الإيتان بالسنة والسواك بعود الزيتون يزيل الحفر من الأسنان وقال الأصحاب يقول عند السواك اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين ويستاك في ظاهر الأسنان وباطنها ويمر السواك على أطراف أسنانه وأضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا ويستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد اللين فإن اشتد يبسه لينه بالماء وقد قيل إن من فضائل السواك أنه يذكر الشهادة عند الموت ويسهل خروج الروح
وأما الأذان فقد روي عن النبي أنه قال يد الرحمن على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه قيل في قوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا نزلت في المؤذنين وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال يغفر الله للمؤذن مدى صوته ويشهد له ما سمعه من رطب ويابس وعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة رواه مسلم وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين رواه البخاري ومسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة رواه البخاري والأحاديث في فضله كثيرة مشهورة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفصل الثالث في الزكاة وفضلها
قرن الله سبحانه وتعالى الزكاة بالصلاة في مواضع شتى من كتابه قال الله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وقال تعالى ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) وقال تعالى ( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) وعن بريدة رضي الله تعالى عنه عن النبي انه قال ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أهلكته وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال من كان عنده ما يزكي ولم يزك ومن كان عنده ما يحج ولم يحج سأل الرجعة يعني قوله تعالى ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت
ولنلحق بهذا الفصل ذكر شيء من الصدقة وفضلها وما جاء فيها وما أعد الله تعالى للمتصدقين من الأجر والثواب ودفع البلاء قال الله تعالى ( إن الله يجزي المتصدقين ) وقال تعالى ( والمتصدقين والمتصدقات ) الآية والآيات الكريمة في ذلك كثيرة والأحاديث الصحيحة فيه مشهورة وروي الترمذي في جامعه بسنده عن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره وفي صحيح مسلم وموطأ مالك وجامع الترمذي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ما نقص مال من صدقة أو قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع عبد إلا رفعه الله تعالى

ودخلت امرأة شلاء على عائشة رضي الله عنها فقالت كان أبي يحب الصدقة وأمي تبغضها لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقة فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكأن أمي قد غطت عورتها بالخلقة وفي يدها الشحمة تلحسها من العطش فذهبت إلى أبي وهو على حافة حوض يسقي الناس فطلبت منه قدحا من ماء فسقيت أمي فنوديت من فوقي ألا من سقاها فشل الله يدها فانتبهت كما ترين
ووقف سائل على امرأة وهي تتعشى فقامت فوضعت لقمة في فيه ثم بكرت إلى زوجها في مزرعته فوضعت ولدها عنده وقامت لحاجة تريد قضاءها فاختلسه الذئب فوقفت وقالت يا رب ولدي فأتاها آت فأخذ بعنق الذئب فاستخرجت ولدها من غير أذى ولا ضرر فقال لها هذه اللقمة بتلك اللقمة التي وضعتها في فم السائل
وعشش ورشان في شجرة في دار رجل فلما همت أفراخه بالطيران زينت امرأة ذلك الرجل له أخذ أفراخ ذلك الورشان ففعل ذلك مرارا وكلما فرخ الورشان أخذوا أفراخه فشكا الورشان ذلك إلى سليمان عليه السلام وقال يا رسول الله أردت أن يكون لي أولاد يذكرون الله تعالى من بعدي فأخذها الرجل بأمر امرأته ثم أعاد الورشان الشكوى فقال سليمان لشيطانين إذا رأيتماه يصعد الشجرة فشقاه نصفين فلما أراد الرجل أن يصعد الشجرة اعترضه سائل فأطعمه كسرة من خبز شعير ثم صعد وأخذ الأفراخ على عادته فشكا الورشان ذلك إلى سليمان عليه السلام فقال للشيطانين ألم تفعلا ما أمرتكما به فقال اعترضنا ملكان فطرحانا في الخافقين
وقال النخعي كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دفع عنه البلاء وكان الرجل يضع الصدقة في يد الفقير ويتمثل قائما بين يديه ويسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائل وقال

رسول الله الصدقة تسد سبعين بابا من الشر وعنه قال ردوا صدمة البلاء ولو بمثل رأس الطائر من طعام وروي عنه انه قال ردوا مذمة السائل ولو بظلف محرق وعنه أيضا اتقو النار ولو بشق تمرة وقال عيسى صلوات الله وسلامه عليه من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وكان نبينا محمد يناول المسكين بيده وعنه ما من مسلم يكسو مسلما ثوبا إلا كان في حفظ الله ما كانت عليه منه رقعة وقال عبد العزيز بن عمير الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك عليه وعن الربيع بن خيثم أنه خرج في ليلة شاتية وعليه برنس خز فرأى سائلا فأعطاه إياه وتلا قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وروي عن رسول الله أنه قال لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن سوء الخلق شؤم وحسن الملكة نماه والصدقة تدفع ميتة السوء وقال يحيى بن معاذ ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة وعن عمر رضي الله عنه أن الأعمال تباهت فقالت الصدقة أنا أفضلكن وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال تداركوا الهموم والغموم بالصدقات يدفع الله ضركم وينصركم على عدوكم وعن عبيد بن عمير قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأعطش ما كانوا قط فمن أطعم الله أشبعه الله ومن سقى لله سقاه الله ومن كسا لله كساه الله وقال الشعبي من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه وكان الحسن بن صالح إذا جاءه سائل فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه فإن لم يكن عنده من ذلك شيء أعطاه دهنا أو غيره مما ينتفع به فإن لم يكن عنده شيء أعطاه كحلا أو أخرج إبرة وخيطا فرقع بهما ثوب السائل

ووجه رجل ابنه في تجارة فمضت أشهر ولم يقع له على خبر فتصدق برغيفين وأرخ ذلك اليوم فلما كان بعد سنة رجع ابنه سالما رابحا فسأله أبوه هل أصابك في سفرك بلاء قال نعم غرقت السفينة بنا في وسط البحر وغرقت في جملة الناس وإذا بشابين أخذاني فطرحاني على الشط وقالا لي قل لوالدك هذا برغيفين فكيف لو تصدقت بأكثر من ذلك وقال علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج أليه فاغتنم حمله إياه ولله در القائل حيث قال
( يبكي على الذاهب من ماله ... وإنما يبقي الذي يذهب )
وحكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت به امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها وكانت ليلة شاتية فلم يلتفت إليها وأقبل على عبادته فولت المرأة فنظر إليها فأعجبته فملكت قلبه وسلبت لبه فترك العبادة وتبعها وقال إلى أين فقالت إلى حيث أريد فقال هيهات صار المراد مريدا والأحرار عبيدا ثم جذبها فأدخلها مكانه فأقامت عنده سبعة أيام فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام فبكى حتى غشي عليه فلما أفاق قالت له يا هذا والله أنت ما عصيت الله مع غيري وأنا ما عصيت الله مع غيرك وإني أرى في وجهك أثر الصلاح فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني قال فخرج هائما على وجهه فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز فمد ذلك الرجل العاصي يده فأخذ رغيفا فبقي منهم رجلا لم يأخذ شيئا فقال أين رغيفي فقال الغلام قد فرقت عليكم العشرة فقال أبيت طاويا فبكى الرجل العاصي وناول الرغيف لصاحبه وقال لنفسه أنا أحق أن أبيت طاويا لأنني عاص وهذا مطيع فنام واشتد به الجوع حتى أشرف على الهلاك

فأمر الله تعالى ملك الموت بقبض روحه فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة هذا رجل فر من ذنبه وجاء طائعا وقالت ملائكة العذاب بل هو رجل عاص فأوحى الله تعالى إليهم أن زنوا عبادة السبعين سنة بمعصية السبع ليال فوزنوها فرجحت المعصية على عبادة السبعين سنة فأوحى الله إليهم أن زنوا معصية السبع ليال بالرغيف الذي آثر به على نفسه فوزنوا ذلك فرجح الرغيف فتوفته ملائكة الرحمة وقبل الله توبته
وحكي أن رجلا جلس يوما يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية فوقف سائل ببابه فخرج إليه وانتهره فذهب فاتفق بعد ذلك أن الرجل افتقر وزالت نعمته وطلق زوجته وتزوجت بعده برجل آخر فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين أيديهما دجاجة مشوية وإذا بسائل يطرق الباب فقال الرجل لزوجته ادفعي إليه هذه الدجاجة فخرجت بها إليه فإذا هو زوجها الأول فدفعت إليه الدجاجة ورجعت وهي باكية فسألها زوجها عن بكائها فأخبرته أن السائل كان زوجها وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول فقال لها زوجها أنا والله ذلك السائل
وذكر عن مكحول أن رجلا أتى إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال ادع الله لابني فقد وقع في نفسي الخوف من هلاكه فقال له ألا أدلك على ما هو أنفع من دعائي وأنجع وأسرع إجابة قال بلى قال تصدق عنه بصدقة تنوي بها نجاة ولدك وسلامة ما معه فخرج الرجل من عنده وتصدق على سائل بدرهم وقال هذا خلاص ولدي وسلامته وما معه فنادى في تلك الساعة مناد في البحر ألا إن الفداء مقبول وزيد مغاث فلما قدم سأله أبوه عن حاله فقال يا أبت لقد رأيت في البحر عجبا يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا وهو اليوم الذي تصدق فيه والده عنه بالدرهم وذلك أنا أشرفنا على الهلاك والتلف فسمعنا صوتا من الهواء ألا ان الفداء مقبول وزيد مغاث وجاءنا رجال عليهم ثياب بيض فقدموا السفينة إلى جزيرة كانت بالقرب

منا وسلمنا وصرنا بخير أجمعين والآثار والحكايات في ذلك كثيرة وفيما أشرت إليه كفاية لمن وعى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى والله اعلم
الفصل الرابع في الصوم وفضله وما أعد الله للصائم من الأجر والثواب
قال الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) قيل الصوم عموم وخصوص وخصوص الخصوص فصوم العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية قال رسول الله زكاة الجسد الصيام وعنه انه قال للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه وقال وكيع في قوله تعالى ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) إنها أيام الصوم تركوا فيها الأكل والشرب وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي انه قال من أفطر يوما في رمضان من غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وروي في صحيح النسائي عنه أيضا أنه قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين وروي الزهري أن تسبيحة واحدة في شهر رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره وروي عن قتادة أنه كان يقول من لم يغفر له في شهر رمضان فلن يغفر له في غيره وقال رسول الله لو يعلم الناس ما في شهر رمضان من الخير لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ولو أذن الله للسموات والأرض أن تتكلما لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة وقال ليس من عبد يصلي في ليلة من شهر رمضان إلا كتب الله له بكل ركعة ألفا وخمسمائة حسنة وبنى له بيتا في الجنة من ياقوتة

حمراء لها سبعون ألف باب لكل باب منها مصراعان من ذهب وله بكل سجدة يسجدها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام وقال إن لكل صائم دعوة فإذا أراد أن تقبل فليقل في كل ليلة عند فطره يا واسع المغفرة اغفر لي وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من صام يوما من رمضان خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فإذا انسلخ عنه الشهر وهو حي لم يكتب عليه خطيئة حتى الحول ومن عطش نفسه لله في يوم شديد الحر من أيام الدنيا كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة وقال بعضهم الصيام زكاة البدن ومن صام الدهر فقد وهب نفسه لله تعالى وروي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وعنه أنه قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر وهي الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر وفي صحيح البخاري عن ابي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
وفضل الصوم غزير لأنه خصه الله تعالى بالإضافة إليه كما ثبت في الصحيح من الحديث عن النبي أنه قال مخبرا عن ربه عز و جل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وقد يكتفي في فضله بهذا الحديث الجليل وحسبنا الله ونعم الوكيل
الفصل الخامس في الحج وفضله
قال الله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال رسول الله من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات أجرى الله له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة

وقال من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا وفي الحديث إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة وفيه أعظم الناس ذنوبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له وهو أفضل يوم في الدنيا وفي الخبر إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة وأنه يبعثه الله يوم القيامة وله عينان ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق وصدق وجاء في الحديث الصحيح أن آدم عليه الصلاة و السلام لما قضي مناسكة لقيته الملائكة فقالوا يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وقال مجاهد أن الحجاج إذا قدموا مكة لحقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا وكان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة ويستقبلوا الحجاج ويقبلوهم بين أعينهم ويسألوهم الدعاء لهم ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام وعن النبي أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم الله تعالى من الملائكة وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة فكل من حجها يتعلق بأستارها ويسعى حولها حتى تدخل الجنة فيدخل معها
وحكي أن جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حجت سنة ست وثمانين وثلاثمائة فصارت تاريخا مذكورا قيل إنها سقت أهل الموسم كلهم السويق بالطبرزد والثلج واستصحبت البقول المزروعة في المراكن على الجمال وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار ولم تستصبح فيها وعندها إلا بشموع العنبر وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية وأغنت الفقراء والمجاورين ولما بنى آدم عليه الصلاة و السلام البيت وقال يا رب إن لكل عامل أجرا فما أجر عملي قال إذا طفت به غفرت لك ذنوبك قال زدني قال جعلته قبلة لك ولأولادك قال يا رب زدني قال أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك قال يا رب حسبي وفي الحديث الحج المبرور ليس

له جزاء إلا الجنة وقيل للحسن ما الحج المبرور قال أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة
وأول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح والإنطاع وكان يطيبها حتى يوجد ريحها من خارج الحرم وكان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفه مائة بدنة ومائة رقبة فيعتق الرقاب عشية عرفة وينحر البدن يوم النحر وكان يطوف بالبيت فيقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الرب ونعم الإله أحبه وأخشاه
ورؤي الحسن بن علي رضي الله عنهما يطوف بالبيت ثم صار إلى المقام فصلى ركعتين ثم وضع خده على المقام فجعل يبكي ويقول عبيدك ببابك خويدمك ببابك سائلك ببابك مسيكينك ببابك يردد ذلك مرارا ثم انصرف رضي الله عنه فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى الطعام فجلس معهم وقال لولا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا بنا إلى منزلي فتوجهوا معه فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم
وحج عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ومعه ثلاثون راحلة وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات فأعتق ثلاثين مملوكا وحملهم على ثلاثين راحلة وأمر لهم بثلاثين ألفا وقال أعتقهم لله تعالى لعله يعتقني من النار وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة
ومن لطيف ما أنشد عمرو بن حبان الضرير حين لم يهد إليه الحجاج شيئا
( كأن الحجيج الآن لم يقربوا منى ... ولم يحملوا منها سواكا ولا نعلا )
( أتونا فما جادوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا )

وقال غيره
( يحجون بالمال الذي يجمعونه ... حراما إلى البيت العتيق المحرم )
( ويزعم كل منهمو أن وزره ... يحط ولكن فوقه في جهنم )
وقال آخر
( حج في الدهر حجة ... حج فيها وأحرما )
( وأتانا من الحجاز ... ز كما راح محرما )
( فهو ذو الحجة الذي ... ما توقى محرما )
وتخاصم بدوي مع حاج عند منصرف الناس فقيل له أتخاصم رجلا من الحجاج فقال
( يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب )
وقال أبو الشمقمق
( إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حجت ولكن حجت العير )
( ما يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور ) والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك
نص الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ومنزل خطابه الوجيز على شرف العقل وقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال وأوضحها وبين بدائع مصنوعاته وشرحها فقال تعالى ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) وروي عن النبي أنه قال أول ما خلق الله تعالى العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال عز من قائل وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك بك آخذ وبك أعطي وبك أحاسب وبك أعاقب وقال أهل المعرفة والعلم العقل جوهر مضيء خلقه الله عز و جل في الدماغ وجعل نوره في القلب يدرك به المعلومات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة
واعلم أن العقل ينقسم إلى قسمين قسم لا يقبل الزيادة والنقصان وقسم يقبلهما فأما الأول فهو العقل الغريزي المشترك بين العقلاء وأما الثاني فهو العقل التجريبي وهو مكتسب وتحصل زيادته بكثرة التجارب والوقائع وباعتبار هذه الحالة يقال أن الشيخ أكمل عقلا وأتم دراية وإن صاحب التجارب أكثر فهما وأرجح معرفة ولهذا قيل من بيضت الحوادث سواد لمته وأخلقت التجارب لباس جدته وأراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره وأقضيته كان جديرا برزانة العقل ورجاحة الدراية وقد يخص الله تعالى بألطافه الخفية من يشاء من عباده

فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل وزيادة معرفة تخرجه عن حد الاكتساب ويصير بها راجحا على ذوي التجارب والآداب ويدل على ذلك قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام فيما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز حيث يقول ( وآتيناه الحكم صبيا ) فمن سبقت له سابقة من الله تعالى في قسم السعادة وأدركته عناية أزلية أشرقت على باطنه أنوار ملكوتية وهداية ربانية فاتصف بالذكاء والفطنة قلبه وأسفر عن وجه الإصابة ظنه وإن كان حديث السن قليل التجربة كما نقل في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وهو صبي حيث رد حكم أبيه داود عليه السلام في أمر الغنم والحرث
وشرح ذلك فيما نقله المفسرون أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب غنم والآخر صاحب حرث فقال أحدهما إن هذا دخلت غنمه بالليل إلى حرثي فأهلكته وأكلته ولم تبق لي فيه شيئا فقال داود عليه السلام الغنم لصاحب الحرث عوضا عن حرثه فلما خرجا من عنده مرا على سليمان عليه السلام وكان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشر سنة فقال لهما ما حكم بينكما الملك فذكرا له ذلك فقال غير هذا أرفق بالفريقين فعادا إلى داود عليه السلام وقالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام فدعاه داود عليه السلام وقال له ما هو الأرفق بالفريقين فقال سليمان تسلم الغنم إلى صاحب الحرث وكان الحرث كرما قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها وينتفع بدرها ونسلها ويسلم الكرم إلى صاحب الأغنام ليقوم به فإذا عاد الكرم إلى هيئته وصورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها وتسلم كرمه كما كان بعناقيده وصورته فقال له داود القضاء كما قلت وحكم به كما قال سليمان عليه السلام وفي هذه القصة نزل قوله تعالى ( وداود وسليمان إن يحكمان في

الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) فهذه المعرفة والدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة وطول المدة بل حصلت بعناية ربانية وألطاف إلهية وإذا قذف الله تعالى شيئا من أنوار مواهبه في قلب من يشاء من خلقه اهتدى إلى مواقع الصواب ورجح على ذوي التجارب والاكتساب في كثير من الأسباب ويستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه وما يصدر عنه فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام فأقول يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها ميله إلى محاسن الأخلاق وإعراضه عن رذائل الأعمال ورغبته في إسداء صنائع المعروف وتجنبه ما يكسبه عارا ويورثه سوء السمعة وقد قيل لبعض الحكماء بم يعرف عقل الرجل فقال بقلة سقطه في الكلام وكثرة إصابته فيه فقيل له فإن كان غائبا فقال بإحدى ثلاث إما برسوله وإما بكتابه وإما بهديته فإن رسوله قائم مقام نفسه وكتابه يصف نطق لسانه وهديته عنوان همته فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها وقيل من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل حسن مداراته للناس ويكفي أن حسن المداراة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه فإنه روي عن النبي أنه قال من حرم مداراة الناس فقد حرم التوفيق فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق وقالوا العاقل الذي يحس المداراة مع أهل زمانه وقال رسول الله الجنة مائة درجة تسعة وتسعون منها لأهل العقل وواحدة لسائر الناس وقال علي بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله وقيل بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس وكل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا وقيل لكل شيء غاية وحد والعقل لا غاية له ولا حد ولكن

الناس يتفاوتون فيه تفاوت الأزهار في المروج واختلف الحكماء في ماهيته فقال قوم هو نور وضعه الله طبعا وغريزة في القلب كالنور في العين وهو يزيد وينقص ويذهب ويعود وكما يدرك بالبصر شواهد الأمور كذلك يدرك بنور القلب المحجوب والمستور وعمى القلب كعمى البصر قال الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ) وقيل محل العقل الدماغ وهو قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذهب جماعة إلى أنه في القلب كما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى واستدلوا بقوله تعالى ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) وبقوله تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) أي عقل وقالوا التجربة مرآة العقل ولذلك حمدت أراء المشايخ حتى قالوا المشايخ أشجار الوقار لا يطيش لهم سهم ولا يسقط لهم فهم وعليكم بآراء الشيوخ فإنهم إن عدموا ذكاء الطبع فقد أفادتهم الأيام حيلة وتجربة قال الشاعر
( ألم تر أن العقل زين لأهله ... ولكن تمام العقل طول التجارب )
وقال آخر
( إذا طال عمر المرء في غير آفة ... أفادت له الأيام في كرها عقلا )
وقال عامر بن عبد قيس إذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل ويقال لا شرف إلا شرف العقل ولا غنى إلا غنى النفس وقيل يعيش العاقل بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته حيث كان قال الشاعر
( إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا بيت على الناس هين )
( ومن كان ذا عقل أجل لعقله ... وأفضل عقل من يتدين )

وقالوا العاقل لا تبطره المنزلة السنية كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح والجاهل تبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أدنى ريح وقيل لعلي رضي الله عنه صف لنا العاقل قال هو الذي يضع الشيء مواضعه قيل فصف لنا الجاهل قال قد فعلت يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه وقال المنصور لولده خذ عني ثنتين لا تقل من غير تفكير ولا تعمل بغير تدبير وقال أدرشير أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب والسرور إلى الأمن والقرابة إلى المودة والعقل إلى التجربة وقال كسرى أنو شروان أربعة تؤدي إلى أربعة العقل إلى الرياسة والرأي إلى السياسة والعلم إلى التصدير والحلم إلى التوقير وقال القاسم بن محمد من لم يكن عقله أغلب الخصال عليه كان حتفه من أغلب الخصال عليه وقيل أفضل العقل معرفة العاقل بنفسه وقيل ثلاثة هن رأس العقل مداراة الناس والاقتصاد في المعيشة والتجبب إلى الناس وقيل من أعجب برأي نفسه بطل رأيه ومن ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله وعن عمرو ابن العاص رضي الله تعالى عنه أنه قال أهل مصر أعقل الناس صغارا وارحمهم كبارا وقيل العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق وقيل لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ولا طعاما حتى يستمرئه ولا يثق بخليل حتى يستقرضه وقيل طول اللحية أمان من العقل وسئل بعضهم أيما أحمد في الصبا الحياء أم الخوف قال الحياء لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على الخبن وقيل غضب العاقل على فعله وغضب الجاهل على قوله وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله يا عويمر ازدد عقلا تزدد من الله تعالى قربا قلت بأبي وأمي ومن لي بالعقل قال اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائض الله تعالى تكن عاقلا ثم تنقل إلى صالح الأعمال تزدد في الدنيا عقلا وتزدد من الله قربا وعزا وحكى بعض أهل المعرفة قال حياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة القلب

بالعقل وحياة العقل بالعلم ويروي عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه أنه كان ينشد هذه الأبيات ويترنم بها
( إن المكارم أخلاق مطهرة ... فالعقل أولها والدين ثانيها )
( والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والعرف ساديها )
( والبر سابعها والصبر ثامنها ... والشكر تاسعها واللين عاشيها )
( والعين تعلم من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها )
( والنفس تعلم أني لا أصدقها ... ولست أرشد إلا حين أعصيها )
وقال بعض الحكماء العاقل من عقله في إرشاد ورأيه في إمداد فقوله سديد وفعله حميد والجاهل من جهله في إغراء فقوله سقيم وفعله ذميم ولا يكتفي في الدلالة على عقل الرجل الاغترار بحسن ملبسه وملاحة سمته وتسريح لحيته وكثرة صلفته ونظافة بزته إذ كم من كنيف مبيض وجلد مفضض وقد قال الأصمعي رأيت بالبصرة شيخا له منظر حسن وعليه ثياب فاخرة وحوله حاشية وهرج وعنده دخل وخرج فأردت أن اختبر عقله فسلمت عليه وقلت ما كنية سيدنا فقال أبو عبد الرحمن الرحيم مالك يوم الدين قال الأصمعي فضحكت منه وعلمت قلة عقله وكثرة جهله ولم يدفع ذلك عنه غرارة خرجه ودخله وقد يكون الرجل موسوما بالعقل مرموقا بعين الفضل فيصدر منه حالة تكشف عن حقيقة حاله وتشهد عليه بقلة عقله واختلاله وقيل إن إياس بن معاوية القاضي كان من أكابر العقلاء وكان عقله يهديه إلى سلوك طرق لا يكاد يسلكها من لم يهتد إليها فكان من جملة الوقائع التي صدرت منه وشهدت له بالعقل الراجح والفكر القادح أنه كان في زمانه رجل مشهور بين الناس بالأمانة فاتفق أن رجلا أراد أن يحج فأودع عند ذلك الرجل الأمين كيسا فيه جملة من الذهب ثم حج فلما عاد من حجه جاء إلى ذلك الرجل وطلب

كيسه منه فأنكره وجحده فجاء إلى القاضي إياس وقص عليه القصة فقال القاضي هل أخبرت بذلك أحدا غيري قال لا قال فهل علم الرجل أنك أتيت إلي قال لا قال انصرف وأكتم أمرك ثم عد إلي بعد غد فانصرف ثم إن القاضي دعا ذلك الرجل المستودع فقال قد حصل عندي أموال كثيرة ورأيت أن أودعها عندك فاذهب وهيىء لها موضعا حصينا فمضى ذلك الرجل وحضر صاحب الوديعة بعد ذهاب الرجل فقال له القاضي إياس امض إلى خصمك واطلب منه وديعتك فإن جحدك فقل له امض معي إلى القاضي إياس أتحاكم أنا وأنت عنده فلما جاء إليه دفع إليه وديعته فجاء إلى القاضي وأعلمه بذلك ثم إن ذلك الرجل المستودع جاء إلى القاضي طامعا في تسليم المال فسبه القاضي وطرده وكانت هذه الواقعة مما تدل على عقله وصحة فكره ولما مات بعض الخلفاء اختلفت الروم واجتمعت ملوكها فقال الآن يشتغل المسلمون بعضهم ببعض فتمكننا الغرة منهم والوثبة عليهم وعقدوا لذلك المشورات وتراجعوا فيه بالمناظرات وأجمعوا على أنه فرصة الدهر وكان رجل منهم من ذوي العقل والمعرفة والرأي غائبا عنهم فقالوا من الحزم عرض الرأي عليه فلما أخبروه بما أجمعوا عليه قال لا أرى ذلك صوابا فسألوه عن علة ذلك فقال في غد أخبركم إن شاء الله تعالى فلما أصبحوا أتوا إليه وقالوا قد وعدتنا أن تخبرنا في هذا اليوم بما عولنا عليه فقال سمعا وطاعة وأمر بإحضار كلبين عظيمين كان قد أعدهما ثم حرض بينهما وحرض كل واحد منهما على الآخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما فلما بلغا الغاية فتح باب بيت عنده وارسل على الكلبين ذئبا كان قد أعده لذلك فلما أبصراه تركا ما كانا عليه وتألفت قلوبهما ووثبا جميعا على الذئب فقتلاه فأقبل الرجل على أهل الجمع فقال مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب لا يزال الهرج بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم فإذا ظهر

تركوا العداوة بينهم وتألفوا على العدو فاستحسنوا قوله واستصوبوا رأيه فهذه صفة العقلاء
وأما ذم الأحمق فقد قال ابن الأعرابي الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور والحق غريزة لا تنفع فيها الحيلة وهو داء دواؤه الموت قال الشاعر
( لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها )
والحمق مذموم قال رسول الله الأحمق أبغض الخلق إلى الله تعالى إذ حرمه أعز الأشياء عليه وهو العقل ويستدل على صفة الأحمق من حيث الصورة بطول اللحية لأن مخرجها من الدماغ فمن افرط طول لحيته قل دماغه ومن قل دماغه قل عقله ومن قل عقله فهو أحمق وأما صفته من حيث الأفعال فترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه والعجب وكثرة الكلام وسرعة الجواب وكثرة الالتفات والخلو من العلم والعجلة والخفة والسفه والظلم والغفلة والسهو والخيلاء إن استغنى بطر وإن افتقر قنط وإن قال أفحش وإن سئل بخل وإن سأل ألح وإن قال لم يحسن وإن قيل له لم يفقه وإن ضحك قهقه وإن بكى صرخ وإن اعتبرنا هذه الخلال وجدناها في كثير من الناس فلا يكاد يعرف العاقل من الأحمق قال عيسى عليه السلام عالجت الأبرص والأكمة فأبرأتهما وعالجت الأحمق فأعياني والسكوت عند الأحمق جوابه ونظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال حجر على حجره
وحكي أن احمقين اصطحبا في طريق فقال أحدهما للآخر تعال نتمن على الله فإن الطريق تقطع بالحديث فقال أحدهما أنا

أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها وقال الآخر أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئا قال ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة فتصايحا وتخاصما واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق ثم تراضيا من أن أول من يطلع عليهما يكون حكما بينهما فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقان من عسل فحدثاه بحديثهما فنزل بالزقين وفتحهما حتى سال العسل على التراب قال صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت السماء وأعشبت الأرض فرأى حماره يرعي في ذلك العشب فقال يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري هذا فبلغ ذلك بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم أن يدعو عليه فأوحى الله إليه لا تدع عليه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم ويقال فلان ذو حمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه وخطب سهل هند ابنة عتبة فحمقته فقال
( وما هوجي يا هند إلا سجية ... أجر لها ذيلي بحسن الخلائق )
( ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولا طمت في البطحاء من كل طارق )
ويقال للابله السليم القلب هو من بقر الجنة لا ينطح ولا يرمح والأحمق المؤذي هو من بقر سقر والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثالث في القرآن وفضله وحرمته وما أعد الله تعالى لقارئه من الثواب العظيم والأجر الجسيم
قال الله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر ) وسمى الله تعالى القرآن كريما فقال تعالى ( إنه لقرآن كريم ) وسماه حكيما فقال تعالى ( يس والقرآن الحكيم ) وسماه مجيدا فقال تعالى ( ق والقرآن المجيد ) انذله الله تعالى على سيد الأنام وخاتم الانبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فكان من أعظم معجزاته أن اعجز الله الفصحاء عن معارضته وعن الاتيان بآية من مثله قال تعالى ( قل فأتوا بسورة من مثله ) وقال تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) فهو النور المبين والحق المستبين لا شيء أسطع من أعلامه ولا أصدع من أحكامه ولا أفصح من بلاغته ولا أرجح من فصاحته ولا أكثر من إفادته ولا ألذ من تلاوته قال رسول الله القرآن فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم وقال أيضا البيوت بيت صغر من كتاب الله تعالى وقال الشعبي الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه عز و جل ووفد غالب ابن صعصعة على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعه ابنه الفرزدق فقال له من أنت قال غالب بن صعصعة قال ذو

الإبل الكثيرة قال نعم قال فما فعلت بإبلك قال أذهبتها النوائب وزعزعتها الحقوق قال ذلك خير سبلها ثم قال له يا أبا الأخطل من هذا الذي معك قال ابني وهو شاعر قال علمه القرآن فهو خير له من الشعر فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى على نفسه ان لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن فحفظه في سنة وفي ذلك قال
( وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القيد إلا حاجة لي اريدها )
وقال أنس رضي الله عنه قال رسول الله يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت وإذا أمسيت فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهي عن الفحشاء والمنكر
وحكي الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار قال ومن حكايات الحشوية ما قيل إن إبراهيم الخواص مر بمصروع فأذن في اذنه فناداه الشيطان من جوفه دعني اقتله فإنه يقول القرآن مخلوق وكان سفيان الثورى رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان يفر من مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على القراءة في المصحف وكان أبو حنيفة والشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمه وقال علي رضي الله تعالى عنه من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا وقال الشعبي اللسان عدل على الأذن والقلب فاقرأ قراءة تسمعها اذنك ويفهمها قلبك وقال رسول الله من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي فقد استصغر ما عظم الله وعنه أنه قال إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله وما جلاؤها قال قراءة القرآن وذكر الموت وقال عمر بن ميمون من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا وقال علي كرم الله وجهه من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله

بكل حرف خمسون حسنة ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمسة وعشرون حسنة ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات وقال ابن عباس رضي الله عنهما لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن أقرأ القرآن كله هذرمة وقال رسول الله اقرؤا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وعن صالح المزني قال قرأت القرآن على رسول الله في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم وليلة الأثنين بطه إلى طسم نبأ موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس وعن علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في قراءة لا تدبر فيها وكان عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه ولعن أباه إذا نشر المصحف أغمى عليه ويقول هو كلام ربي وأبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله ليلة فقال ما حبسك قالت قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتا منه فقام فاستمع إليه طويلا ثم قال هذا سالم مولى ابي حذيفة الحمد الله الذي جعل في أمتي مثله وقال ابن عيينة رأيت رسول الله في المنام فقلت يا رسول الله قد اختلفت علي القراآت فعلى قراءة من تأمرني فقال على قراءة أبي عمرو وعن أبي عمرو أني لم أزل أطلب أن أقرأه كما قرأه رسول الله وكما أنزل عليه فقدمت مكة فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فقرأت عليهم فاشدد بها يدك فينبغي للإنسان أن يحافظ على تلاوة القرآن ليلا ونهارا سفرا وحضرا
وقال الشيخ محي الدين النووي رحمه الله تعالى في كتابه الإذكار قد كان للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه فكانت جماعة منهم يختمون في كل شهر ختمة وآخرون في كل شهر

عشر ليال ختمة وآخرون في كل ثلاث ليال ختمة وكان كثيرون في كل يوم وليلة ختمة وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين وختم بعضهم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار وروي أن مجاهدا رحمه الله تعالى كان يختم القرآن في شهر رمضان فيما بين المغرب والعشاء وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمنهم عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم وروينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وجلاله وإتقانه وبراعته ابي محمد الدارمي رحمه الله عن سعد بنأبي وقاص رضي الله عنه قال إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإذا وافق أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي قال الدارمي هذا حديث حسن عن سعد وأفضل القراءة ما كان في الصلاة وأما في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل والنصف الأخير منه أفضل من الأول والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة وأما قراءة النهار فأفضلها بعد الصبح ولا كراهة في وقت من الأوقات ولا في أوقات النهي عن الصلاة ويستحب الاجتماع عند الختم لحصول البركة وقيل أن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وإن الرحمة تنزل عند ختمه ويستحب الدعاء عقب الختم استجابا مؤكدا تأكيدا شديدا ويجب على القارىء الإخلاص في قراءته وأن يريد بها وجه الله تعالى أن لا يقصد بها توصلا إلى شيء سوى ذلك وأن يتأدب مع القرآن ويستحضر في ذهنه أنه يناجي ربه سبحانه وتعالى ويتلو كتابه فيقرأ على حالة من يرى الله تعالى فإنه إن لم يكن يراه فإن الله يراه وينبغي للقارىء إذا أراد القراءة أن ينظف فمه بالسواك وأن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب وبه تنشرح الصدور ويتيسر المرغوب ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وقد كان الواحد من السلف رضي الله عنهم يتلو آية واحدة ليلة كاملة يتدبرها ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على

البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله تعالى ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) وقال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف والمواهب واللطائف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلو البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين وقد جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإسرار قال العلماء إن أراد القارىء بالإسرار بعد الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك فإن لم يخف الرياء فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما والأحاديث في فضل القراءة وآداب حملة القرآن كثيرة غير محصورة من أراد الزيادة فلينظر في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن لشيخ مشايخ الإسلام محي الدين النووي قدس الله روحه ونور ضريحه وقد جاء في فضل القرآن أحاديث كثيرة وروي في فضل قراءة سور من القرآن في اليوم والليلة فضل كبير منها يس وتبارك الملك والواقعة والدخان فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال من قرأ يس في يوم وليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له وفي رواية له من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح مغفورا له وفي رواية عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم سمعت رسول الله يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه وعن جابر رضي الله عنه قال كان رسول الله لا ينام كل ليلة حتى يقرأ ألم تنزيل الكتاب وتبارك الملك وعن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال من قرأ في ليلة إذا زلزلت الأرض كانت له كعدل نصف القرآن ومن قرأ قل يا أيها الكافرون كانت له كعدل ربع القرآن ومن قرأ قل هو الله أحد كانت له كعدل الثلث والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة وقد أشرنا إلى المقاصد منها والله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الرابع في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم
قال الله تعالى ( إنما يخشي الله من عباده العلماء ) وقال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه عبادة وتعليمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام وبيان سبيل الجنة والمؤنس في الوحشة والمحدث في الخلوة والجليس في الوحدة والصاحب في الغربة والدليل على السراء والمعين على الضراء والزين عند الاخلاء والسلاح على الأعداء بالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى ومجالسة الملوك في الدنيا ومرافقة الأبرار في الآخرة والفكر في العلم يعدل الصيام ومذاكرته تعدل القيام وبالعلم توصل الأرحام وتفصل الأحكام وبه يعرف الحلال والحرام وبالعلم يعرف الله ويوحد وبالعلم يطاع الله ويعبد
قيل العلم درك حقائق الأشياء مسموعا ومعقولا وقال النبي خير الدنيا والآخرة مع العلم وشر الدنيا والآخرة مع الجهل وعنه عليه الصلاة و السلام يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشر بالجنة ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة

وقال علي كرم الله وجهه أقل الناس قيمة أقلهم علما وقال أيضا رضي الله عنه العلم نهر والحكمة بحر العلماء حول النهر يطوفون والحكماء وسط البحر يغوصون والعارفون في سفن النجاة يسيرون وقال موسى عليه السلام في مناجاته إلهي من أحب الناس إليك قال عالم يطلب علما وقال بعض السلف رضي الله عنهم العلوم أربعة الفقه للأديان والطب للأبدان والنجوم للأزمان والنحو للسان وقيل العالم طبيب هذه الأمة والدنيا داؤها فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره
وسئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها فقيل له لا تستحي فقال ولم أستحي مما لم تستح الملائكة منه حين قالت لا علم لنا وعن النبي فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وروي كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وقال علي كرم الله وجهه من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه وقيل مؤدب نفسه ومعلمها أحق بالإجلال من مؤدب الناس ومعلمهم وأنشدوا
( يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم )
( تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم )
( ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبدا وأنت من الرشاد عديم )
( فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم )
( فهناك يقبل ما تقول ويهتدى ... بالقول منك وينفع التعليم )
( لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم )
وقال بعضهم
( إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم )
( إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغش والظلم )

نظر رجل إلى امرأته وهي صاعدة في السلم فقال لها أنت طالق إن صعدت وطالق إن نزلت وطالق إن وقفت فرمت نفسها إلى الأرض فقال لها فداك أبي وأمي إن مات الإمام مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم وقال النبي هلاك أمتي في شيئين ترك العلم وجمع المال وسئل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال العلم بالله والفقه في دينه وكررها عليه فقال يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم فقال إن العلم ينفعك معه قليل العمل وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل وقال عيسى عليه السلام من علم وعمل عد في الملكوت الاعظم عظيما
وقال الخليل عليه السلام العلوم أقفال والأسئلة مفاتيحها وعنه عليه السلام زلة العالم مضروب بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل وقال الحسن رأيت أقواما من أصحاب رسول الله يقولون من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم وقال يزيد بن ميسرة من أراد بعلمه وجه الله تعالى أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله وجهه ووجوه العباد عنه وعن أنس رضي الله عنه عن النبي أنه قال ألا أخبركم بأجود الأجواد قالوا بلى يا رسول الله قال الله أجود الأجواد وأنا أجود ولد آدم وأجود من بعدي رجل علم علما فنشره يبعث يوم القيامة أمة وحده ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل وقال الثورى كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون عن الفضيل رحمه الله تعالى أنه قال لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وأعزوا هذا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس وكانوا لهم تبعا ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا فهانوا وذلوا فإنا لله وإنا إليه راجعون فأعظم بها مصيبة والله أعلم وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد

العزيز الجرجاني وفد أحسن كل الإحسان كأنما طرزت في خلع حسان
( ولم أقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما )
( ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لآخذ من لاقيت لكن لأخدما )
( أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فأتباع الجهل قد كان أسلما )
( فإن قلت زند العلم كاب فإنما ... كبا حين لم نحرس حماه وأظلما )
( لو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما )
( ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما )
وقيل من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره وقال الفضيل شر العلماء من يجالس الأمراء وخير الأمراء من يجالس العلماء وقال لقمان جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بماء السماء قيل من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى طالبي العلم قال مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة خلقان الثياب جدد القلوب رياحين كل قبيلة وقال علي رضي الله عنه كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه وعن النبي ما آتى الله أحدا علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحدا ودعا بعضهم لآخر فقال جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية وممن يظهر حقيقة ما يعلمه بما يعلمه وعن عمر رضي الله عنه عن النبي قال على باب الجنة شجرة تحمل ثمارا كثدي النساء يخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب والناس عطاش

وعن ابن مسعود رضي الله عنه من تعلم بابا من العلم ليعلمه للناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله ويل لأمتي من علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم
شعر
( العلم أنفس شيء أنت داخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره )
( أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره )
قال الشعبي دخلت على الحجاج حين قدم العراق فسألني عن إسمي فأخبرته ثم قال يا شعبي كيف علمك بكتاب الله قلت عني يؤخذ قال كيف علمك بالفرائض قلت إلي فيها المنتهى قال كيف علمك بأنساب الناس قلت أنا الفيصل فيها قال كيف علمك بالشعر قلت أنا ديوانه قال لله أبوك وفرض لي أموالا وسودني على قومي فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همذان وخرجت وأنا سيدهم
قال البستي
( إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى ... وسيرته عدلا وأخلاقه حسنا )
( فبشره أن الله أولاه فتنة ... تغشيه حرمانا وتوسعه حزنا )
وقال الهيثم بن جميل شهدت مالك بن أنس رضي الله عنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري وقال

الأوزاعي شكت النواويس إلى الله تعالى ما تجد من نتن ريح الكفار فأوحى الله إليها بطون علماء السوء انتن مما انتم فيه وقال علي رضي الله عنه من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض ولصالح اللخمي شعر
( تعلم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التعلم )
( تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلة الحسناء عند التكلم )
ودخل عبد الله بن مسلم الهذلي على المهدي في القراءة فأخذ عشرة آلاف درهم ثم دخل في الرماة فأخذ عشرة آلاف درهم ثم دخل في المغنين فأخذ كذلك ثم دخل في القصاص فأخذ كذلك فقال المهدي لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك ومل جماعة من الحكماء مجالسة رجل فتواروا عنه في بيت فرقي السطح وجعل يستمع من كوة حتى وقع عليه الثلج فصبر فشكر الله ذلك فجعله إمام الحكماء لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه وشكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ فقال له استعن على الحفظ بترك المعاصي فأنشا يقول
( شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي )
( وذلك أن حفظ العلم فضل ... وفضل الله لا يؤتى لعاصي )
ووجد في بعض الآثار عن بعضهم أنه قال إذا أردت أن تكون أحفظ الناس فقل عند رفع الكتاب أو المصحف أو ابتداء القراءة في كل شيء أردت بسم الله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الآبدين ودهر الداهرين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قيل وإذا أردت أن لا تنسى حرفا فقل قبل القراءة اللهم افتح علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك ياذا الجلال والإكرام وإذا أردت أن ترزق الحفظ فقل خلف كل صلاة مكتوبة آمنت بالله الواحد الأحد الحق لا شريك له وكفرت بما سواه

ومن فوائد سيدي الشيخ صالح شهاب الدين أحمدبن موسى بن عجيل رحمه الله تعالى في الحفظ يقرأ في كل يوم عشر مرات ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما إلى قوله تعالى وكنا فاعلين يا حي يا قيوم يا رب موسى وهارون ويا رب إبراهيم ويا رب محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ألزمني الفهم وارزقني العلم والحكمة والعقل برحمتك يا أرحم الراحمين وعن أبي يوسف قال مات لي ولد فأمرت من يتولى دفنه ولم أدع مجلس أبي حنيفة خوفا أن يفوتني منه يوم وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ما رأيت تحت أديم السماء أعلم الحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري حتى كان يقال إن حديثا لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث وقال البخاري رحمه الله تعالى أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وقال ما وضعت كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وقال أخرجته من ستمائة ألف حديث وصنفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى وقال مجاهد أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه وكان يقال الليث بن سعد رحمه الله تعالى ذهب علمه كله بموته ولهذا قال الشافعي لما قدم مصر بعد موته والله لأنت أعلم من مالك وإنما أصحابك ضيعوك وقال الليث بن سعد ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس ويقال إذا سئل العالم فلا تجب أنت فإن ذلك استخفاف بالسائل والمسؤول وقالوا من خدم المحابر خدمته المنابر
شعر
( لا تدخر غير العلوم ... م فإنها نعم الذخائر )
( فالمرء لو ربح البقاء ... ء مع الجهالة كان خاسر )
وللشافعي رضي الله تعالى عنه شعر
( أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان )

( ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان )
وقال الزهري العلماء أربعة سعيد بن المسيب بالمدينة وعامر الشعبي بالكوفة والحسن البصري بالبصرة ومكحول بالشام وقال بعضهم العلماء سرج الأزمنة كل عالم سراج زمانه يستضيء به أهل عصره وقيل لإبراهيم بن عيينة أي الناس أطول ندامة قال أما في الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره وأما في الآخرة فعالم مفرط
شعر
( كن عالما وارض بصف النعال ... ولا تكن صدرا بغير الكمال )
( فإن تصدرت بلا آلة ... صيرت ذاك الصدر صف النعال )
وقيل لما اجتمع موسى بالخضر عليهما السلام جاء عصفور فأخذ بمنقاره من البحر قطرة ثم حط على ورك الخضر ثم طار فنظر الخضر إلى موسى عليه السلام وقال يا نبي الله إن هذا العصفور يقول يا موسى أنت على علم من علم الله علمكه الله لا يعلمه الخضر والخضر على علم من علم الله علمه إياه لا تعلمه أنت وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه انت ولا الخضر وما علمي وعلمك وعلم الخضر في علم الله إلا كهذه القطرة من هذا البحر قال الله تعالى ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) وقال تعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما خلق الله تعالى أربعين ألف عالم الإنس والجن عالمان والبواقي لا يعلمها إلا هو وقال موسى عليه السلام يا رب قد قلت للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فلو لم تطعك السموات والأرض ماذا كنت فاعلا بهما قال يا موسى كنت آمر دابة من دوابي أن تبتلعهما قال موسى يا رب وأين تلك الدابة قال في مرج من مروجي قال

موسى يا رب وأين ذلك المرج قال في علم من علمي لا يعلمه إلا أنا وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال خرج علينا رسول الله ونحن في فكرة فقال فيم تفكرون تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فإن الله خلق من جانب العرب أرضا يقال لها البيضاء تقطعها الشمس في أربعين يوما فيها خلق ما عصوا الله طرفة عين فقال ابن عمر يا رسول الله أين إبليس منهم قال ما علموا بإبليس خلق أم لا قال أمن بني آدم قال ما علموا بآدم خلق أم لا فهذه كلها مما أعدها الله في علم غيبه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وأليه ترجعون وقال قتادة لو كان أحد منا مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ قال هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا وقال الحكماء أفضل العلم وقوف العالم عند علمه وقال بعضهم ليس العلم ما خزنته الدفاتر وإنما العلم ما خزنته الصدور وقيل العلم يؤدي إلى التصدير وقيل من تواضع للعلم ناله ومن لم يتواضع له لم ينله وقيل من برق علمه برق وجهه ومن لم يستفد بالعلم مالا اكتسب به جمالا العلم نور وهدى والجهل غي وردى وقال بعضهم العالم يعرف الجاهل والجاهل لا يعرف العالم لأن العالم كان جاهلا والجاهل لم يكن عالما وقيل أربعة يسودون العبد العلم والأدب والصدق والأمانة وقيل أهل العراق أطلب الناس للعلم وقال حماد بن سلمة مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو كمثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها ولإبراهيم ابن خلف المهراني
( النحو يصلح من لسان الأ لكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن )
( وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن )
وقال علي بن بشار
( رأيت لسان المرء آية عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون )

( ولا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عما عنده ويبين )
( ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن )
ودخل أعرابي السوق فوجدهم يلحنون فقال سبحان الله يلحنون ويربحون وكلم أبو موسى بعض قواده فلحن فقال لم لا تنظر في العربية فقال بلغني أن من نظر فيها قل كلامه فقال ويحك لأن يقل كلامك بالصواب خير لك من أن يكثر كلامك بالخطأ وكان يقال مجالسة الجاهل مرض للعاقل وقال أبو الأسود الدؤلي إذا أردت أن تعذب عالما فافرق به جاهلا وقال الشاعر
( جهلت ولا تدري بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري )
وقال رجل للحسن أنا أفصح الناس قال لا تقل هذا قال فخذ علي كلمة واحدة قال هذه واحدة أبو جهل كناه المسلمون بذلك وكانت قريش تكنيه أبا الحكم فقال حسان رضي الله تعالى عنه
( الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل )
واما ما جاء في الأدب فقد قال بعض الحكماء العقل يحتاج إلى مادة من الأدب كما تحتاج الأبدان إلى قوتها من الطعام وقال علي كرم الله وجهه الأدب كنز عند الحاجة عون على المروءة صاحب في المجلس أنيس في الوحدة تعمر به القلوب الواهية وتحيا به الألباب الميتة وينال به الطالبون ما حاولوا وقيل عقل بلا أدب كشجاع بلا سلاح
وحكي أن رجلا تكلم بين يدي المأمون فأحسن فقال ابن من أنت قال ابن الأدب يا أمير المؤمنين قال نعم النسب انتسبت إليه ولهذا قيل المرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد قال الشاعر

( كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب )
( إن الفتى من يقول ها أناذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي )
وقال بعض الحكماء من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان وضيعا وبعد صيته وإن كان خاملا وساد وإن كان غريبا وكثرت حوائج الناس إليه وإن كان فقيرا قال بعض الشعراء
( لكل شيء زينة في الورى ... وزينة المرء تمام الأدب )
( قد يشرف المرء بآدابه ... فينا وإن كان وضيع الأدب )
وقال بعض الأعاجم مفتخرا
( مالي عقلي وهمتي حسبي ... ما أنا مولى وما أنا عربي )
( إذا انتمى منتم إلى أحد ... فإنني منتم إلى أدبي )
وقيل الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب وقيل المرء بفضيلته لا بفصيلته وبكماله لا بجماله وبآدابه لا بثيابه وقيل لرجل من أدبك قال رأيت جهل الجهال قبيحا فاجتنبته فتأدبت ومن أدب ولده صغيرا سر به كبيرا من عرف الأدب اكتسب به المال والجاه خير الخلال الأدب وشر المقال الكذب وقيل لبقراط ما الفرق بين من له أدب ومن لا أدب به له قال كالفرق بين الحيوان الناطق والحيوان الذي ليس بناطق ودخل أبو العالية على ابن عباس رضي الله عنهما فأقعده معه على السرير وأقعد رجالا من قريش تحته فرأى سوء نظرهم إليه وحموضة وجوههم فقال ما لكم تنظرون إلي نظر الشحيح إلى الغريم المفلس هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير ويرفع المملوك على المولى ويقعد العبيد على الأسرة وقال جالينوس إن ابن الوضيع إذا كان أديبا كان نقص أبيه زائدا في منزلته وابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائدا في سقوطه وقيل أحسن الأدب أن لا يفتخر المرء بأدبه وسمع معاوية رجلا يقول

أنا غريب فقال كلا الغريب من لا أدب له ويقال إذا فاتك الأدب فالزم الصمت فهو من أعظم الآداب ولعبد الملك بن صالح
( في الناس قوم أضاعو مجد أولهم ... ما في المكارم والتقوى لهم أرب )
( سوء التأدب أرداهم وأرذلهم ... وقد يزين صحيح المنصب الأدب )
وقيل أربعة تسود العبد الأدب والعلم والصدق والأمانة وقال بعض الحكماء خمسة لا تتم إلا بخمسة لا يتم الحسب إلا بالأدب ولا يتم الجمال إلا بالحلاوة ولا يتم الغنى إلا بالجود ولا يتم البطش إلا بالجرأة ولا يتم الجهاد إلا بالتوفيق والله تعالى أعلم

الباب الخامس في الآداب والحكم وما أشبه ذلك
قال الحكماء إذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه الطاعة وألزمه القناعة وفقهه في الدين وعضده باليقين فاكتفى بالكفاف واكتسى بالعفاف وإذا أراد به شرا حبب إليه المال وبسط منه الآمال وشغله بدنياه ووكله إلى هواه فركب الفساد وظلم العباد الثقة بالله أزكى أمل والتوكل عليه أوفى عمل من لم يكن له من دينه واعظ لم تنفعه المواعظ من سره الفساد ساءه المعاد كل يحصد ما زرع ويجزي بما صنع لا يغرنك صحة نفسك وسلامة أمسك فمدة العمر قليلة وصحة النفس مستحيلة من أطاع هواه باع دينه بدنياه ثمرة العلوم العمل بالمعلوم من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه خير الناس من أخرج الحرص من قلبه وعصى هواه في طاعة ربه نصرة الحق شرف ونصرة الباطل سرف البخيل حارس نعمته وخازن لورثته من لزم الطمع عدم الورع إذا ذهب الحياء حل البلاء علم لا ينفع كدواء لا ينجع من جهل المرء أن يعصى ربه في طاعة هواه ويهين نفسه في إكرام دنياه أيام الدهر ثلاثة يوم مضى لا يعود اليك ويوم أنت فيه لا يدوم عليك ويوم مستقبل لا ندري ما حاله ولا تعرف من أهله من كثر ابتهاجه بالمواهب اشتد انزعاجه للمصائب لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة عظ المسيء بحسن أفعالك ودل على الجميل بجميل خلالك إياك وفضول الكلام فإنه يظهر من

عيوبك ما بطن ويحرك من عدوك ما سكن لا يجد العجول فرحا ولا الغضوب سرورا ولا الملول صديقا حسن النية من العبادة حسن الجلوس من السياسة من زاد في خلقه نقص في حظه من ائتمن الزمان خانه أظهر الناس محبة أحسنهم لقاء لا يكمل للإنسان دينه حتى يكون فيه أربع خصال يقطع رجاءه مما في أيدي الناس ويسمع شتم نفسه ويصبر ويحب للناس ما يحب لنفسه ويثق بمواعيد الله إياك والحسد فإنه يفسد الدين ويضعف اليقين ويذهب المروءة قيل لأفلاطون ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا قال مدح الانسان نفسه أربعة تؤدي إلى أربعة الصمت إلى السلامة والبر إلى الكرامة والجود إلى السيادة والشكر إلى الزيادة من ساء تدبيره أهلكه جده الغرة ثمرة الجهل آفة القوة استضعاف الخصم آفة النعم قبيح المن آفة الذنب حسن الظن الحزم أسد الآراء والغفلة أضر الأعداء من قعد عن حيلته أقامته الشدائد ومن نام عن عدوه أيقظته المكايد من قرب السفلة وأطرح ذوي الأحساب والمروآت استحق الخذلان من عفا تفضل من كظم غيظه فقد حلم من حلم فقد صبر ومن صبر فقد ظفر من ملك نفسه عند أربع حرمه الله على النار حين يغضب وحين يرغب وحين يرهب وحين يشتهي من طلب الدنيا بعمل الآخرة فقد خسرهما ومن طلب الآخرة بعمل الدنيا فقد ربحهما كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله فاقصره على الجميل واقتصر منه على القليل كل امرىء يعرف بقوله ويوصف بفعله فقل سديدا وافعل حميدا من عرف شأنه وحفظ لسانه وأعرض عما لا يعنيه وكف عن عرض أخيه دامت سلامته وقلت ندامته كن صموتا وصدوقا فالصمت حرز والصدق عز من أكثر مقاله سئم ومن أكثر سؤاله حرم من استخف بإخوانه خذل ومن اجترأ على سلطانه قتل ما عز من أذل جيرانه ولا سعد من حرم إخوانه خير النوال ما وصل قبل السؤال أولى الناس

بالنوال أزهدهم في السؤال من حسن صفاؤه وجب اصطفاؤه من غاظك بقبيح الشتم منه فغظه بحسن الحلم عنه من يبخل بماله على نفسه جاد به على زوج عرسه إذا اصطنعت المعروف فاستره وإذا اصطنع إليك فانشره من جاور الكرام أمن من الإعدام من طاب أصله زكا فرعه من أنكر الصنيعة استوجب القطيعة من من بمعروفه سقط شكره ومن أعجب بعمله حبط أجره من رضي من نفسه بالإساءة شهد على أصله بالرداءة من رجع في هبته بالغ في خسته من رقي في درجات الهمم عظم في عيون الأمم من كبرت همته كثرت قيمته من ساء خلقه ضاق رزقه من صدق في مقاله زاد في جماله من هان عليه المال توجهت إليه الآمال من جاد بماله جل ومن جاد بعرضه ذل خير المال ما أخذ من الحلال وصرف في النوال وشر المال ما اخذ من الحرام وصرف في الآثام أفضل المعروف إغاثة الملهوف من تمام المروءة أن تنسى الحق لك وتذكر الحق عليك وتستكبر الإساءة منك وتستصغرها من غيرك من أحسن المكارم عفو المقتدر جود الرجل يحببه إلى أصدقائه وبخله يبغضه إلى أودائه لا تسيء إلى من أحسن إليك ولا تعن على من أنعم عليك من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه من طال تعديه كثرت أعاديه شر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم من حفر حفيرا لأخيه كان حتفه فيه من سل سيف العدوان أغمد في رأسه من لم يرحم العبرة سلب النعمة ومن لم يقل العثرة سلب القدرة لا تحاج من يذهلك خوفه ويملكك سيفه صمت تسلم به خير من نطق تندم عليه من قال ما لا ينبغي سمع ما لا يشتهي جرح الكلام أصعب من جرح الحسام من سكت عن جاهل فقد أوسعه جوابا وأوجعه عتابا من أمات شهوته أحيا مروءته من كثرت عوارفه كثرت معارفه من لم

تقبل توبته عظمت خطيئته إياك والبغي فإنه يصرع الرجال ويقطع الآجال الناس في الخير أربعة أقسام منهم من يفعله ابتداء ومنهم من يفعله اقتداء ومنهم من يتركه حرمانا ومنهم من يتركه استحسانا فمن فعله ابتداء فهو كريم ومن فعله اقتداء فهو حكيم ومن تركه حرمانا فهو شقي ومن تركه استحسانا فهو دني من سالم سلم ومن قدم الخير غنم ومن لزم الرقاد عدم المراد ومن دام كسله خاب أمله العجول مخطىء وإن ملك والمتأني مصيب وإن هلك من أمارات الخذلان معاداة الإخوان استفساد الصديق من عدم التوفيق الرفق مفتاح الرزق من نظر في العواقب سلم من النوائب ومن أسرع في الجواب أخطأ في الصواب من ركب العجل أدركه الزلل من ضعفت آراؤه قويت أعداؤه من قلت فضائله ضعفت وسائله من فعل ما شاء لقي ما ساء من كثر اعتباره قل عثاره من ركب جده غلب ضده القليل مع التدبير أبقى من الكثير مع التبذير ظن العاقل أصح من يقين الجاهل قليل تحمد آخرته خير من كثير تذم عاقبته من خاف سطوتك تمنى موتتك إذا استشرت الجاهل اختار لك الباطل من أعجبته آراؤه غلبته أعداؤه من قصر عن السياسة صغر عن الرياسة لا تشتك ضعفك إلى عدوك فإنك تشمته بك وتطمعه فيك من لم يعمل لنفسه عمل للناس ومن لم يصبر على كده صبر على الإفلاس من أفشى سره أفسد أمره الحازم من حفظ ما في يده ولم يؤخر شغل يومه لغده من طلب ما لا يكون طال تعبه لا تفتح بابا يعييك سده ولا ترم سهما يعجزك رده سوء التدبير سبب التدمير أغمد سيفك ما ناب عنك لسانك ليس العجب من جاهل يصحب جاهلا ولكن العجب من عاقل يصحبه لأن كل شيء يفر من ضده ويميل إلى جنسه إذا نزل القدر بطل الحذر رب عطب تحت طلب ومنية تحت أمنية لا يخلو المرء من ودود يمدح وعدو يقدح الجوع خير الخضوع الكذوب متهم وإن صدقت لهجته ووضحت حجته من طاوعه طرفه اشتد

حتفه من لم تسر حياته لم تغم وفاته من اعظم الذنوب تحسين العيوب الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية إذا ملك الأراذل هلك الأفاضل من ساءت أخلاقه طاب فراقه من حسنت خصاله طاب وصاله بعد يورث الصفا خير من قرب يوجب الجفا اللسان سيف قاطع لا يؤمن حده والكلام سهم نافذ لا يمكن رده من اطلع على جاره انهتكت حجب أستاره أجهل الناس من قل صوابه وكثر إعجابه أظهر الناس نفاقا من أمر بالطاعة ولم يأتمر بها ونهى عن المعصية ولم ينته عنها من سلا عن المسلوب كمن لم يسلب ومن صبر على النكبة كمن لا ينكب الفضيلة بكثرة الآداب لا بفراهة الدواب من زادت شهوته نقصت مروءته من عرف بشيء نسب إليه ومن اعتاد شيئا حرص عليه عند الجدال يظهر فضل الرجال من أخر الأكل لذ طعامه ومن أخر النوم طاب منامه موت في دولة وعز خير من حياة في ذلة وعجز مقاساة الفقر هي الموت الأحمر ومسألة الناس هي العار الأكبر حق يضر خير من باطل يسر كم من مرغوب فيه يسوء ولا يسر ومرهوب منه ينفع ولا يضر عثرة الرجل تزيل القدم وعثرة اللسان تزيل النعم المزاج يورث الضغائن من حلم ساد ومن تفهم ازداد معاشرة ذوي الألباب عمارة القلوب شر ما صحب المرء الحسد ربما أصاب الأعمى رشده وأخطأ البصير قصده اليأس خير من التضرع إلى الناس لا تكن ضاحكا في غير عجب ولا ماشيا في غير أرب من سعى بالنميمة حذره القريب ومقته الغريب الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استبد برأيه أشرف الغني ترك المنى من ضاق خلقه مله أهله الحسد للصديق من سقم المودة كل الناس راض عن عقله دنياك كلها وقتك الذي أنت فيه استر سوأة أخيك لما يعلم فيك خمول الذكر أسنى من الذكر الذميم العجلة أخت الندامة

من كرم أصله لان قلبه ومن قل لبه زاد عجبه ربما أدرك بالظن الصواب ليس لمعجب رأي ولا لمتكبر صديق سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار لا تعادين أحد فإنك لا تخلو من عداوة جاهل أو عاقل فالحذر من حكمة العاقل وجهل الجاهل ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه من قل سروره كان الموت راحته لا تردن على ذي خطأ خطأه فيستفيد منك علما ويتخذك عدوا استحي من ذم من لو كان حاضرا لبالغت في مدحه ومدح من لو كان غائبا لسارعت إلى ذمه
وقيل المنفعة توجب المحبة والمضرة توجب البغضة والمخالفة توجب العداوة والمتابعة توجب الألفة والعدل يوجب اجتماع القلوب والجور يوجب الفرقة وحسن الخلق يوجب المودة وسوء الخلق يوجب المباعدة والانبساط يوجب المؤانسة والانقباض يوجب الوحشة والكبر يوجب المقت والتواضع يوجب الرفعة والجود يوجب المدح والبخل يوجب الذم والتواني يوجب التضييع والحزم يوجب السرور والحذر يوجب السلامة وإصابة التدبير توجب بقاء النعمة وبالتأني تسهل المطالب وبحسن المعاشرة تدوم المحبة وبخفض الجانب تأنس النفوس وبسعة خلق المرء يطيب عيشه والاستهانة توجب التباعد وبكثرة الصمت تكون الهيبة وبعدل المنطق تجلب الجلالة وبالنصفة تكثر المواصلة وبالأفضال يعظم القدر وبصالح الأخلاق تزكو الأعمال وباحتمال المؤن يجب السؤدد وبالحلم على السفيه تكثر أنصارك عليه وبالرفق والتودد تستحق اسم الكرامة وبترك ما لا يعنيك يتم لك الفضل
واعلم أن السياسة تكسو أهلها المحبة ومن صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة والنظر في العواقب نجاة ومن لم يحلم ندم ومن

صبر غنم ومن سكت سلم ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم ومن أطاع هواه ضل ومع العجلة الندامة ومع التأني السلامة وزارع البر يحصد السرور وصاحب العقل مغبوط وصداقة الجاهل تعب إذا جهلت فاسأل وإذا زللت فارجع وإذا أسأت فاندم وإذا ندمت فاقلع المروآت كلها تبع للعقل والرأي تبع للتجربة والعقل أصله التثبت وثمرته السلامة والأعمال كلها تتبع القدر واختار العلماء أربع كلمات من أربع كتب فمن التوراة من قنع شبع ومن الانجيل من اعتزل نجا ومن الزبور من سكت سلم ومن القرآن ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم واجتمعت حكماء العرب والعجم على أربع كلمات لا تحمل بطنك ما لا يطيق ولا تعمل عملا لا ينفعك ولا تغتر بامرأة ولا تثق بمال ولو كثر والله تعالى أعلم

الباب السادس في الأمثال السائرة وفيه فصول
الفصل الأول فيما جاء من ذلك في القرآن العظيم وأحاديث النبي الكريم
اعلم أن الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب خطابه وحلى بجواهره كتابه وقد نطق كتاب الله تعالى وهو أشرف الكتب المنزلة بكثير منها ولم يخل كلام سيدنا رسول الله عنها وهو أفصح العرب لسانا وأكملهم بيانا فكم في إيراده وإصداره من مثل يعجز عن مباراته في البلاغة كل بطل وسنذكر إن شاء الله تعالى بعد ذلك نبذة من أمثال العرب والمولدين والعامة
فمن أمثال كتاب الله تعالى قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ( الآن حصحص الحق ) ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ( أليس الصبح بقريب ) ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ) ( ليس لها من دون الله كاشفة ) ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) ( لكل نبأ مستقر ) ( قل كل يعمل على شاكلته ) ( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ( وإن تصبهم سيئة يفرحوا بها ) ( كل نفس بما كسبت رهينة ) ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) ( ما على الرسول إلا البلاغ ) ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) ( ما على المحسنين من سبيل ) ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) ( هل جزاء الإحسان إلا الاحسان ) ( ولا ينبئك مثل خير ولو علم الله فيهم خيرا

لأسمعهم ) ( كل حزب بما لديهم فرحون ) ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ( لا يستوي الخبيث والطيب ) ( ففررت منكم لما خفتكم ) ( وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ) ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ) ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدوا لكم تسوءكم ) ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ( إعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ) ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ) ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ) ( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) ( لا يجليها لوقتها إلا هو ) ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) ( كل يوم هو في شأن فبأي حديث بعده يؤمنون ) ( وما ربك بغافل عما تعملون ) ( واهجرهم هجرا جميلا من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) ( إن هي إلا فتنتك ) ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) ( وكان بين ذلك قواما ) ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) ( كل من عليها فان ) ( كل نفس ذائقة الموت ) ( أفسخر هذا أم أنتم لا تبصرون )
ومن الأمثال من الحديث النبوي إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى نية المرء خير من عمله آفة العلم النسيان من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه أنزلوا الناس منازلهم اليد العليا خير من اليد السفلى من مات غريبا مات شهيدا مطل الغنى ظلم يد الله مع الجماعة الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق من غشنا فليس منا سيد القوم خادمهم الحياء شعبة من الإيمان تخيروا لنطفكم ابدأ بنفسك ثم بمن تعول حدث

عن البحر ولا حرج المجالس بالأمانات كل ميسر لما خلق له أطلبوا الخير من حسان الوجوه إياك وما يعتذر منه الوحدة خير من الجليس السوء استعينوا على الحوائج بالكتمان الندم توبة لا يكون المؤمن طعانا ولا لعانا دع ما يريبك إلى ما لا يريبك من كثر سواد قوم فهو منهم أنصف أخاك ظالما أو مظلوما انتظار الفرج عبادة كاد الفقر أن يكون كفرا نعم صومعة بيته الأعمال بخواتيمها
الفصل الثاني في أمثال العرب
إن من البيان لسحرا إن الجواد قد يعثر إن البلاء موكل بالمنطق إن أخا الهيجاء من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك أنف في السماء وإست في الماء إن الذليل الذي ليست له عضد أي الرجال المهذب إنما هو كبرق خلب إذا أدبر الدهر عن قوم كفى عدوهم أمرهم إياك أعني فاسمعي يا جارة إن لم يكن وفاق ففراق إنك لا تجني من الشوك العنب إذا حان القضاء ضاق الفضاء إن المناكح خيرها الأبكار إذا كنت مناطحا فناطح بذوات القرون أوي إلى ركن بلا قواعد إياك أن تضرب بلسان عنقك أكل وحمد خير من أكل وذم آفة المروءة خلف الوعد إذا قلت له زن طأطأ رأسه وحزن إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تقض له حتى يأتيك خصمه فلعله فقئت عيناه ترك الذنب أيسر من طلب التوبة اتق شر من تحسن إليه الناس إخوان وشتى في الشيم بلغ السيل الزبى أجع كلبك يتبعك حافظ على الصديق ولو في الحريق إشتدي أزمة تنفرجي أتبع السيئة الحسنة تمحها الخيل أعرف بفرسانها رمتني بطرفها وانسلت رب رمية من غير رام الرباح مع السماح رب أكلة تمنع أكلات استراح من لا عقل له

رب أخ لم تلده أمك رب طمع أدى إلى عطب ربما كان السكوت جوابا رب ملوم لا ذنب له رب عين أنم على لسان رحم الله من هداني إلى عيوبي ركوب الخنافس ولا المشي على الطنافس سبق السيف العذل زوج من عود خير من قعود سبك من بلغك السب سحابة صيف عن قليل تقشع شر أيام الديك يوم تغسل رجلاه طاعة النساء ندامة أطلب تظفر طرف الفتى يخبر عن لسانه ظاهر العتاب خير من باطن الحقد
عند الصباح يحمد القوم السري الظلم مرتعه وخيم عند النطاح يغلب الكبش الأجم
( العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامة )
اعقل وتوكل العتاب قبل العقاب عند الرهان تعرف السوابق عند الامتحان يكرم المرء أو يهان عند النازلة تعرف أخاك في القمر ضياء والشمس أضوأ منه القول ما قالت حذام لقد اسمعت لو ناديت حيا أقلل طعامك يحمد منامك كل فتاة بأبيها معجبة كل كلب ببابه نباح كاد العروس أن يكون ملكا كثرة العتاب توجب البغضاء أكثر مصارع الرجال تحت بروق المطامع الكلام أنثى والجواب ذكر كل إناء يرشح بما فيه كما ترزع تحصد كل امرىء في بيته صبي كلب جوال خير من أسد رابض لقد ذل من بالت عليه الثعالب ليس الخير كالعيان لكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة لكل قادم دهشة لعل لها عذرا وأنت تلوم لكل ساقطة لاقطة لكل مقام مقال لك لسان من رطب ويدان من خشب للباطل جولة ثم يضمحل ليست النائحة الثكلى مثل المستأجرة لكل غد طعام لكل دهر دولة ورجال لا عطر بعد عروس لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين لا يضر السحاب نباح الكلاب لا تقتن من كلب سوء جروا مقتل الرجل بين

فكيه ما حك جلدك مثل ظفرك من عتب على الدهر طال عتبه معاتبة الإخوان خير من فقدهم النفس مولعة بحب العاجل هذه بتلك والبادي أظلم يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة يكسو الناس وإسته عارية يدك منك وإن كانت شلاء
الفصل الثالث في أمثال العامة والمولدين
التسلط على المماليك دناءة اجلس حيث يؤخذ بيدك وتبر ولا تجلس حيث يؤخذ برجلك وتجر أجرأ الناس على الأسد أكثرهم له رؤية الحاجة تفتق الحيلة الحاوي لا ينجو من الحيات الحية تدور وإلى الرحى ترجع المؤذي ردي كلما جلوته صدي الأسواق موائد الله في أرضه السلامة إحدى الغنيمتين الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ الطير بالطير يصاد اطلع القرد في الكنيف فقال هذه المرآة لهذا الوجه الظريف العادة طبيعة خامسة الغائب حجته معه الخضوع عند الحاجة رجولية الناس أتباع لمن غلب النكاح يفسد الحب النصح بين الملأ تقريع الحر حر وإن مسه الضر والعبد عبد وإن ملك الدر الثقيل إذا تخفف صار طاعونا أضيع من حلى على زنجية العمل للزرنيخ والإسم للنورة أنشط من إير دخل نصفه البغل الهرم لا يفزعه صوت الجلجل بدن وافر وقلب كافر
تزاوروا ولا تجاوروا تعاشروا كالإخوان وتعاملوا كالاجانب ثمرة العجلة الندامة جواهر الأخلاق تفضحها المعاشرة حيثما سقط لقط خذ اللص قبل أن يأخذك خذ القليل من اللئيم وذمه ذل من لا سفيه له ريق العدو سم قاتل رب ساع كقاعد زكاة البدن العلل زلق الحمار وكان من سهوة المكاري زلة الرجل عظم يجبر وزلة اللسان لا تبقي ولا تذر سلطان غشوم خير من فتنة تدوم سواء قوله

وبوله سفير السوء يفسد ذات البين شهر ليس لك فيه رزق لا تعد أيامه صديق الوالد عم الولد ضرب الطبل تحت الكسا طاعة الولاة بقاء العز طفيلي ويقترح عناية القاضي خير من شاهدي عدل دلت على أهلها براقش وهو اسم كلبة نبحت فدلت على الجيش فقتلوهم غش القلوب يظهر في فلتات الألسن وصفحات الوجوه غنى المرء في الغربة وطن فر من الموت وفي الموت وقع فم يسبح وقلب يذبح فلان كالكعبة يزار ولا يزور قيل للمزمار تهيأ للزمر قال المزمار في كمي والريح في فمي كل قليلا تعش كثيرا كلامه ريح في قفص كالإبرة تكسو الناس وهي عريانة كلمة حكمة من جوف خرب كاد المريب يقول خذوني كنت سندالا فصرت مطرقة كل ما فاتك من الدنيا فهو غنيمة كلما طار قصوا جناحه لو كان المزاح فحلا لم ينتج إلا شرا لسان الجاهل مفتاح حتفه لكل جديد لذة لو ضاعت صفعة ما وجدت إلا في قفاه لو كان في البوم خير ما فات الصياد من اعتمد على شرف آبائه فقد عقهم من سعادة المرء أن يكون خصمه عاقلا وبالله التوفيق
الفصل الرابع في الأمثال من الشعر المنظوم مرتبة على حروف المعجم
حرف الألف
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل )
( إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطل السحر والساحر )
( إذا لم يكن فيكن ظل ولا خبا ... فأبعد كن الله من شجرات )
( إذا كنت في فكري وقلبي ومقلتي ... فأي مكان من مكانك ألطف )
( إذا أراد كريم منع صاحبه ... فليس يخفي عليه كيف ينفعه )
( إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ... ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتد )
( إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل )

( إذا لم يكن عندي نوال هجرتني ... وان كان لي مال فأنت صديقي )
( الناس في طلب المعاش وأنما ... بالجد يرزق منهم من يرزق )
( أيها السائل عما قد مضى ... هل جديد مثل ملبوس خلق )
( إنما أنفسنا عارية ... والعواري حكمها أن تسترد )
( إن العدو وأن أبدي مسالمة ... إذا رأى منك يوما غرة وثبا )
( أتمنى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حر )
( إذا ملك لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه )
( إذا ثارت خطوب الدهر يوما ... عليك فكن لها ثبت الجنان )
( إذا كنت لا ترضى بما قد ترى ... فدونك الحبل به فاختنق )
( ان الأمور إذا بدت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر )
( إذا ضاع شيء بين أم وبنتها ... فإحداهما لا شك ذلك آخذه )
( إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا ... فلا تلم الصبيان فيه على الرقص )
( إذا ما أراد الله اهلاك نملة ... سمت بجناحيها إلى الجو تصعد )
( إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل )
( إذا لم تستطع أمرا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع )
( إذا صوت العصفور طار فؤاده ... ولكن حديد الناب عند الثرائد )
( أهن عامرا تكرم عليه فإنما ... أخو عامر من مسه بهوان )
( إذا محاسني اللاتي أتيت بها ... عدت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر )
( إخوان صدق ما رأوك بغبطة ... فإذا افتقرت فقد هوى بك من هوى )
( إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأيسر ما يمر به الوحول )
( ألم تر أن المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عمدا ليسلم سائره )

( إذا أنت لم تعلم طبيبك كل ما ... يسؤك أبعدت الدواء عن السقم )
( إذا أنت حملت الخؤن أمانة ... فإنك قد أسندتها شر مسند )
( أكل خليل هكذا غير منصف ... وكل زمان للكرام بخيل )
( إذا أنت عبت المرء ثم أتيته ... فأنت ومن تزري عليه سواء )
( أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس )
( الحادثات إذا ألم خطوبها ... فلها مساو مرة ومحاسن )
( الخير لا يأتيك متصلا ... والشر يسبق سيله مطره )
( العلم ينهض بالخسيس إلى العلا ... والجهل يقعد بالفتى المنسوب )
( الكفر بالنعمة يدعو إلى ... زوالها والشكر أبقى لها )
( أيا دارهم ما كنت أنت بدارهم ... ولا أنا مذ سار الركاب بهم أنا )
( أقلب طرفي لا أرى غير صاحب ... يميل مع النعماء حيث تميل )
( إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن ذاك غرم على غرم )
حرف الباء الموحدة
( بنا فوق ما تشكو فصبرا لعلنا ... نرى فرجا يشفي السقام قريبا )
( بالملح نصلح ما نخشى تغيره ... فكيف بالملح إن حلت به الغير )
( بني عمنا إن العداوة شأنها ... ضغائن تبقى في نفوس الأقارب )
حرف التاء المثناة الفوقية
( تحن إليه أفئدة البرايا ... وتهواه الخلائق للسماع )
( تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها للناس قبلي )
( تلجي الضرورات في الأمور إلى ... سلوك ما لا يليق بالأدب )
( تفرقت الظباء على حراش ... وما يدري حراش ما يصيد )

( تجتلي الأذن منه أحسن مما ... تجتلي العين من وجود البدور )
حرف الجيم
( جن له الدهر فنال الغنى ... آه لمن أغفله الدهر )
( جربت أهلي وأهليه فما تركت ... إلى التجارب في ود امرىء غرضا )
حرف الحا المهملة
( حياك من لم تكن ترجو تحيته ... لولا الدراهم ما حياك أنسان )
حرف الخاء المعجمة
( خفض الجأش واصبرن رويدا ... فالرزايا إذا توالت تولت )
( خليلي إن الحب صعب مراسه ... وإن عزيز القوم فيه يهان )
( خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح )
( خيالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فأين تغيب )
( خن من أمنت ولا تركن إلى أحد ... فما نصحنك إلا بعد تجريبي )
حرف الدال المهملة
( داود محمود وأنت مذمم ... عجبا لذاك وأنتما من عود )
( دعيني أنهب الأموال حتى ... أعف الاكرمين عن اللئام )
حرف الدال المعجمة
( ذو العقل يشقي في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاء منعم )
حرف الراء
( رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب )
( ردوا علي صحائفا سودتها ... فيكم بلا حق ولا استحقاق )
( رضيت ولا أرضى إذا كان مسخطي ... من الأمر ما فيه رضا صاحب الأمر )
( رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه )

حرف الزاي
( زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغي الأم ذو حسب لئيم )
حرف السين المهملة
( سروري أن نبقى بخير ونعمة ... وإني من الدنيا بذلك قانع )
( سوء حظي أنالني منك هجرا ... فعلى الحظ لا عليك العتاب )
( سبكناه ونحسبه لجينا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد )
( ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني نعم الصديق )
حرف الشين المعجمة
( شفيعي إليك الله لا رب غيره ... وليس إلى رد الشفيع سبيل )
( شكرتك قبل الخير أن كنت واثقا ... بأني بعد الخير لا شك شاكر )
حرف الصاد المهملة
( صحح لنا والده أولا ... وأنت في حل من الوالده )
حرف الضاد المعجمة
( ضاقت ولو لم تضق لما انفرجت ... والسر مفتاح كل ميسور )
حرف الطاء المهملة
( طويل عمر المعالي والندى أبدا ... قصير عمر الأعادي والمواعيد )
( طوبى لأعين قوم انت بينهم ... القوم في نزهة من وجهك الحسن )
حرف الظاء المشالة
( ظهرت خيانات الثقات وغيرهم ... حتى اتهمنا رؤية الابصار )
( ظلمت أمرا كلفته غير خلقه ... وهل كانت الاخلاق إلا غرائز )

حرف العين المهملة
( علم الله كيف أنت فأعطاك ... المحل الجليل من سلطانه )
( على المرء أن يسعى لما فيه نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر )
( عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر )
( عتبت على عمرو فلما تركته ... وجربت أقواما بكيت على عمرو )
حرف الغين المعجمة
( غني بلا دين عن الخلق كلهم ... وإن الغنى إلا عن الشيء لا به )
( غلام أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من شطر أم ولا أب )
حرف الفاء
( فلم أر كالأيام للمرء واعظا ... ولا كصروف الدهر للمرء هاديا )
( فنفسك أكرمها فإنك إن تهن ... عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما )
( فصبر جميل إن في اليأس راحة ... إذا الغيث لم يمطر بلادك ماطره )
( فما أكثر الأصحاب حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل )
( فإن كانت الأجسام منا تباعدت ... فإن المدى بين القلوب قريب )
( فلو كان حمدا يخلد المرء لم يمت ... ولكن حمد المرء غير مخلد )
( فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال )
حرف القاف
( قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه )
( قد زال ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع )
( قد يدرك المتأني نجح حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل )
( قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع )

حرف الكاف
( كلوا اليوم من رزق الإ له وأبشروا ... فإن على الخلاق رزقكم غدا )
( كفى زاجرا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي )
( كنت من كربتي أفر إليهم ... فهم كربتي فأين القرار )
( كانوا بني ام ففرق شملهم ... عدم العقول وخفة الأحلام )
( كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء )
( كأنك من كل النفوس مركب ... فأنت إلى كل الأنام حبيب )
( كالكلب إن جاع لم يمنعك بصبصة ... وإن ينل شبعا ينبح من الأشر )
حرف اللام
( لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا )
( لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق )
( للموت فينا سهام وهي صائبة ... من فاته اليوم سهم لم يفته غدا )
( لو ان خفة عقله في رجله ... سبق الغزال ولم يفته الأرنب )
( لو كان ما بي في صخر لأنحله ... فكيف يحمله خلق من الطين )
( لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود )
( لكل امرىء حالان بؤس ونعمة ... واعطفهم في النائبات أقاربه )
حرف الميم
( من يحمد الناس يحمدوه ... والناس من عابهم يعاب )
( من لم يعدنا إذا مرضنا ... إن مات لم نشهد الجنازه )
( متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم )
( من كان فوق محل الشمس رتبته ... فليس يرفعه شيء ولا يضع )
( من الناس من يغشى الأباعد نفعه ... ويشقى به حتى الممات أقاربه )

( ما كان في المخدع من أمركم ... فإنه في المسجد الجامع )
( ما قام عمرو في الولاية ... قائما حتى قعد )
حرف النون
( نسود أعلاها وتأبى أصولها ... وليس إلى رد الشباب سبيل )
( نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه )
( ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناه ما صنعت يداه )
حرف الهاء
( هناكم الله بالدنيا ومتعكم ... بما تحب لكم منها ونرضاه )
( هل بالحوادث والأيام من عجب ... أم هل إلى رد ما قد فات من طلب )
( هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذاك إلى الزوال )
( هنيئا لمن لا ذاق للدهر لوعة ... ولم تأخذ الأيام منه نصيبا )
( هم يحسدوني على موتي فواحزني ... حتى على الموت لا أخلو من الحسد )
حرف الواو
( ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل )
( وإذا خشيت من الأمور مقدرا ... وهربت منه فنحوه تتوجه )
( والرزق يخطىء باب عاقل قومه ... ويبيت بوابا بباب الأحمق )
( ولا يغررك طول الحلم مني ... فما أبدا تصادفني حليما )
( ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب )
( وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل )
( وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع )

( وما المرء إلا كالهلال وضوئه ... يوافي تمام الشهر ثم يغيب )
( وقد تسلب الأيام حالات أهلها ... وتعدو على أسد الرجال الثعالب )
( ومن يأمن الدهر الخئون فإنني ... برأي الذي لا يأمن الدهر أقتدي )
( وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال )
( ومن يكن الغراب له دليلا ... يمر به على جيف الكلاب )
( ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من الزاد يطرح نفسه أي مطرح )
( ولربما منع الكريم وما به ... بحل ولكن سوء حظ الطالب )
( ولا بات يسقينا سوى الماء وحده ... وهذا جزا من بات ضيف الضفادع )
( ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى ... من العيش ما يصفو وما يتكدر )
( ولو دامت الدولات دامت لغيرنا ... رعايا ولكن ما لهن دوام )
( وأحسن فإن المرء لا بد ميت ... وأنك مجزي بما كنت ساعيا )
( ولا ترين الناس إلا تجملا ... وإن كنت صفر الكف والبطن طاويا )
( وما لامرىء طول الخلود وإنما ... يخلد طول الثناء فيخلد )
( ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج )
( وكان رجائي أن أعود ممتعا ... فصار رجائي أن أعود مسلما )
( وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع )
( ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع )
( وهون حزني عن خليلي أنني ... إذا شئت لاقيت الذي مات صاحبه )
( ويوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر )
حرف اللام ألف
( لا تنظرن إلى الجهالة والحجى ... وانظر إلى الإقبال والإدبار )
( لا يسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر )
( لا يصبر الحر تحت ضيم ... وإنما يصبر الحمار )

( لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم )
( لا يبالي الشتم عرض ... كله شتم وذم )
( لا تنظرن إلى امرىء ما أصله ... وانظر إلى أفعاله ثم احكم )
( لا يسكن المرء في أرض يهان بها ... إلا من العجز أو من قلة الحيل )
( لا يقبلون الشكر ما لم ينعموا ... نعما يكون لها الثناء تبيعا )
( لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني )
حرف الياء المثناة التحتية
( يفر من المنية كل حي ... ولا ينجى من القدر الحذار )
( يريك الرضا والغل حشو جفونه ... وقد تنطق العينان والفم ساكت )
( يهمهم للشعير إذا رآه ... ويعبس إن رأى وجه اللجام )
( يفارقني من لا أطيق فراقه ... ويصحبني في الناس من لا أريده )
( يزيد تفضلا وأزيد شكرا ... وذلك دأبه أبدا ودأبي )
( يواسي الغراب الذئب في كل صيده ... وما صارت الغربان في سعف النخل )
( يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم اعراض لنا وعقول )
( يغر الفتى مر الليالي سليمة ... وهن به عما قليل غوائر )
( يغيظني وهو على رسله ... والمرء في غيظ سواه حليم )
( يريك البشاشة عند اللقا ... ويبريك في السر بري القلم )
الفصل الخامس في الأمثال السائرة بين الرجال والنساء مرتبة على حروف المعجم
حرف الألف
إن كنت ما تعمل جميل اعمل كما يعمل معك إذا أبغضك جارك حول باب دارك إذا كان صاحبك عسل لا تلحسه كله

المستعجل والبطيء عند المعدية تلتقي ألف ذقن ولا سلام عليكم ألف ذقن ولا ذقني إذا غاب عنك أصله كانت دلائل نسبته فعله إذا وصلت وسلم الله بع بما قسم الله إذا كنت أعمى وأطروش شم رائحة النقوش إذا كان النبيذ دردي والعشيق كردي والبقل فول حار والعشاء بيسار إيش يكون الحال إذا كان القطن أحمر والمغسل أعور والدكة مخلعة والنعش مكسر اعلم أن الميت من أهل سقر والوادي الأحمر إيش ينفع الضراط عند طلوع الروح قال تقريف للحاضرين وتفريق للملائكة القشر والنشر والعشا خبيزة أكل الدقة والنوم في الأزقة ولا دجاجة محمرة يعقبها مشقة إيش أنت في الحارة يا منخل بلا طارة الرجم بالطوب ولا الهروب إذا وقعت يا فصيح لا تصيح أقرع يقول لأقرع امش بنا نزرع في بركة القرعان إيش ما يطلع يطلع النصف لي والربع لي والثمن لي والثمن الآخر لك والله العدو ما يبقي حبيب حتى يصير الحمار طبيب أقعد يا حمار حتى ينبت لك الشعير أي موضع راح الحزين يلقى جنازة
قال الشاعر
( إن دام هذا السير يا مسعود ... لا جمل يبقى ولا قعود )
غيره
( إذا لم تكن لي والزمان شرم برم ... فلا خير فيك والزمان ترللي )
غيره
( إذا أقبلت كادت تقاد بشعرة ... وإن أدبرت كادت تقد السلاسلا )
حرف الباء الموحدة
بينما يتروى البخيل قضى الكريم حاجته بينما يسعد المعتر فرغ عمره بينما أصل قبره نسيت همه يعدل بينما المعتر حاله جاء الموت

شاله بينما يخلص ربنا حقي اتفرقعت جوزة حلقي بينما يقطع الجريد يفعل الله ما يريد بينما يجيء الدرياق من العراق يكون الملسوع مات بين حانة وبانة حلقت لحانه بدوي مقروح لقي التمر مطروح أين يخلي ويروح بدال لحمتك وقلقاسك هات لك شد على راسك بدال اللحمة والباذنجان هات لك قميص يا عريان بدال لحمتك التلاتة هات لك شد يا شماتة بقى للكلب سرج وغاشية وغلمان وحاشية بقي للخرا مرا ويحلف بالطلاق بعد الجوع والقلة بقي لك حمار وبغلة
حرف التاء المثناة فوق
تموت الحدادي وعينها في الصيد تعالوا بنا نقتبح ونرجع غدا نصطلح تدحرج الخرا لعند البعر قال له إيش أنت قال له بزم قردش ترك الفضول من حزم العقول تراب العمل ولا زعفران البطالة تسكر وتخانق ما هو شيء موافق تجارة الأحمق على أهل بيته تضارب الريح مع الموج جاء الهم على النواتية تزاوروا ولا تجاوروا تبات نار تصبح رماد لها رب يدبرها
حرف الثاء المثلثة
ثوب العيرة ما يدفي ثقيل واسمه صخر بن جبل ثور علقوه أغمي عليه قال حتى يطلع شيء يرشوه عليه ثور عاجز ما يدور ساقية ثقيل من أولاد الزنا مر العنا ثوب عليه وثوب على الوتد قال أنا اليوم أحسن من كل من في البلد
حرف الجيم
جور القط ولا عدل الفار جمل موضع جمل يبرك جهد المقل دموعه جمل بحبه قال وأين المحبة جيت أصطاد صادوني جار له حق وجار ما له حق وجار لا صحبته عافية جارك مرآك إن لم ينظر وجهك نظر قفاك جا كتاب من عند خاله قال كل من هو في حاله جا كتاب من عند عمه قال كل من هو ملهى بهمه جاؤا ينعلوا خيل الباشا مدت أم قويق رجلها جوزوها له ما لها إلا له جوزوا مشكاح لريمه ما على الاثنين قيمة

حرف الهاء المهممة
حاجة لا تهمك وصى عليها زوج أمك حول حبيبي ما عونة وقدرته مع كانونة حمار حنكوه بالتوت على باب الغيط يموت حلينا القلوع وأرسينا وأصبحنا على ما أمسينا حب ووارى واكره ودارى حدثتني ونصحتني عايرتني وفرحتني حط فليساتك في كمك واشتر أبوك وأمك حبة قرض تخرب أرض
حرف الخاء المعجمة
خديني وارغبي فيه أنا حصاد ملوخية وعند الخبز آكل مية وعند الشغل مالي نية خبثت لي وصلحت لك خذ ذا الصبي فوق صبيانك تمام لأحزانك خزينة في جره وملحه في صره خبزه بلا إدام ويعزم على الجيران
حرف الدال المهملة
دار الظالم خراب ولو بعد حين درهم لك ودرهم عليك لا لك ولا عليك دواء ما لا تشتهي النفوس تعجيل الفراق
حرف الذال المعجمة
ذا درب ما يسد ريح ذي ما هي رمانة إلا قلوب ملانة ذا لي وذا أيدي عليه ذي مائدة ما يقعد عليها طفيلي ذا الخبز ما هو من دار العميان الولد خرا من ظرفه كل من شال رجليه حك أنفه ذكروا مصر القاهرة قامت باب اللوق بحشايشها ذكروا المدن جاءت القرى تحجل
حرف الراء المهملة
راح ذاك الزمان بناسه وجا هذا الزمان بفاسه وكل من تكلم بالحق كسروا راسه رأوا حجار راكب حيط قالوا إلى أين حجار قال مسافر قالوا من كانت هذه المطية مطيته لا يشرق ولا يغزب رأوا سكران يقرأ قالوا غن تشاكل روحك رأوا شيخا يتهجى

قالوا يختم على الصراط رأوا وردانة على سنداس قالوا ما لذي الفسيقة إلا ذي البليطة رأوا على قبره مكتوب يا سعادة ساكنه قالوا أبصر من يزاحمه راكب بلاش ويناغش مراة الريس ركبتك وراي حطيت يدك في الخرج راح الجندي وخلى خلقه عندي رزق الكلاب على المجانين راسين في عمامة ما يكون راحت على جمل وجاءت على قطة قال ما لذي الشيلة إلا ذي الحطة
قال الشاعر
( راح الذي كنا نعيش ... بفضله بين الورى )
( وبقي الذين حياتهم ... ووجودهم مثل الخرا )
حرف الزاي المعجمة
زقزوق على بركة يضحك وهو ضحكة زاوية بلا عيش بنيت ليش زوج القصيرة يحسبها صغيرة زوجت بنتي أقعد في دارها جاتني وأربعة وراها
قال الشاعر
( زوجت بنتي تنستر ... ويمتلي بيتي قماش )
( جا غزلها في أكلها ... ونيكها طلع بلاش )
زنبور زن على حجر مسن قال له إيش تريد قال الحسك قال أنا ألحس البولاد زنبور زن على فلس جحش قال له إيش تطلب قال له عسل قال له قصدت معدن يا دندن
حرف السين المهملة
سل المجرب ولا تنس الطبيب سموك مسحر قال فرغ رمضان سموك حبل قال وطولت سموك راجح قال إن شاء الله تجي الحق سبع وزر ولا استر
قال الشاعر
( سيغني الله عن بقراط دن ... ويأتي الله باللبن الحليب )

وقال آخر
( سيغني الله عن زيد وعمرو ... ويأتي الله بالفرج القريب )
حرف الشين المعجمة
شره ووضيع ويغضب سريع شيء ما نابه وتقطعت ثيابه شعر يحلق وشعر ما يحلق شرب السموم القاتلة ولا الحاجة إلى السفل شمني ولا تدعكني شيء ما يجيء على القلب عنايته صعبة شرا العبد ولا تربيته شخت بغلة عامت زبلة ركبت خنفسة زمر زنبور قال ماذا الجوق الجليل إلا لمقطعات النيل
حرف الصاد المهملة
صام سنة وفطر على بصلة صبري على الحبيب ولا فقده صاحب يضر عدو مبين صباح الفوال ولا صباح العطار صباحك يا اعور قال ذي خناقة بايتة صباح الخير يا جاري انت في دارك وأنا في داري
حرف الضاد المعجمة
ضرب الحبيب كأكل الزبيب ضربتين في الرأس تعمي ضرب وبكي وسبق يشتكي ضربة على كيس غيري كأنها في عدل حنا ضمنوا حداية لغراب قال لكل يطيروا ضربوا بياع الكسبرة خري يباع التوم قال ذي داهية جات على الخضرية
حرف الطاء المهملة
طارت الطيور بأرزاقها طفيلي ويجلس في الصدر طفيلي ويقترح طويل الكم خطار قليل الفرح في الدار طبق وجارية على صحن بسارية طبلوا جاكم عثمان يد من ورا ويد من قدام طعامك ما جاني ودخانك عماني طار طيرك وأخذه غيرك طول ما أعيش يكفيني رعي الحشيش طول الغيبة وجانا بالخيبة
حرف الظاء المعجمة
ظهرك عندي نصف الليل

حرف العين المهملة
عنقود مدلى في الهوا من لا يصل إليه يقول حامض ولا استوى عشق بداله لا أباله عاشق ما يسمع بكا صغير عاشق ما يسمع كلام مفارق عاشق مقل شيء ما زرع إيش جا يستغل عزومة حسبت عليك كل وبحلق عينيك عند المخاضة يبان القيليط عند الطعان يبان الفارس من الجبان عريان التينة وفي حزامه سكينة عريان وفي كمه ميزان
حرف الغين المعجمة
غاتت السباع ولعبت الضباع غربه وكربه ما يحمل الحال غطاس وقلقاس نحسين في قدره غالي السوق ولا رخيص البيت
حرف الفاء
فرجة بلا كسر تعمي البصر فقير ونفير وكلامه كثير ويقول هاتوا عشا من يخني فوق الشراطة ملخ أو دانه فارس خرا ويسوق في الوحل فارس خرا واسمه عنتر فارس خرا ويسابق الخيل فرد ضربة في الرأس تكفي فصدوا قرد ضرط قالوا به دم زايد فرغت الرعانة يا جانم
حرف القاف
قالوا للأعمى زوق عصاتك قال هو أنا محب فيها قالوا للحمار اجتر قال مضغ المحال ما ينطلي قالوا للقرد شب ايادي ملاح وتمسك الماصول قالوا للقرد اطلب من ربك قال هو أنا عنده بوجه يبسط قالوا للجمل زمر قال لا شفف ملمومة ولا أيادي مفرودة قالوا للدبة طرزي قالت ذي خفة أيادي قالوا للكلاب احرثوا قالوا ما جرت بهذا عادة قالوا للغراب مالك تسرق الصابون قال الأذى طبعي قالوا لبقر الديوان إذا متم يكفنوكم في حرير قالوا اشتهينا نروح بجلودنا قالوا للغزاله ارحلي حركت ذنبها قالوا للعرب ارحلوا حملوا المناسف

حرف الكاف
كل من عودته بأكلك كلما نظرك جاع كشكار دايم ولا علامة مقطوعة كل كرها واشرب كرها ولا تعاشر كرها كل هم كاوي عند همي ياوي كل شيء لا يشبه قانيه حرام كل مائة عصفور ما يجو حداية كل ألف مصة ما يجو بغضه كل ألف بوسة ما يجو بعبوسة كملت يالحمان بالشعرة والصنان كمل حبيبي كل المعاني أعرج وقيليط ومعجباني كمل حبيبي وأكمل أعرج وقيليط وأحول وفيه عادة أخرى لمن يواصل يخرا كأنه خان للغجر ولا يوحشه من غاب ولا يؤانسه من حضر كأنه من طواحين الكشكار داير على رجل الفار كأنه عصفور ينيك بلاش ويأوي في الأعشاش
حرف اللام
لولاك يا كمي ما كلت يا فمي لولاك يا لساني ما انسكيت يا قفاي لولا الغيرة والحسد كانت عجوزة كفت بلد لولا أختك ما صرت ابن عمتك لو قليناها بلية ما جات هكذا لو كان فيها خير ما رماها طير لك وعليك ما يصعب عليك لك أسوة بغيرك لقمة بدقة ولا خروف بزقة لقمة تحت حيطة ولا خروف بعيطة لو سلم الكرم من حارسه طابت مغارسه لو تقطع يده وتدليها من فيه صنعة ما يخليها لو عمل لي من الذهب وليمة هو عندي بتلك العين القديمة لو شال رأسه إلى السما كأنه عصيدة بما لو نظر الجمل لصنمه كان كدمه لولا الكشط والبرايه ما كانت لأولاد الخرا كتاب
حرف الميم
محبه بلا حبه ما تساوي حبه ما شلتك يا دمعتي إلا لشدتي من عاشر غير جنسه دق الهم صدره من قدم النحس تعب في تأخيره من عاشر الحداد احترق بناره من عاشر الزبداني فاحت عليه روايحه من ركب في غير سرجه وغرزه دخل الهوا إسته وهزه من لا يحط يده لزنده ما يعرف حره من برده ما رأيتك يا نور حتى ابيضت

العيون مالي على فراقكم جلد الا هجاجي من البلد ما كفانا هم أبونا قام ابونا جاب أبوه قال خذوا جدكم ربوه من عدم نابه ونصابه وثيابه وشبابه كان الموت أولى به من يكلم القبح يروح عرضه وينفضح ما تنقدوهم كلهم زغليه ما فيهم من يعجب النقاد
حرف النون
نواية تسند الجره قال وتسند الزير الكبير نفسك أتلفت أي شيء أخلقت نصف البلا ولا البلا كله ناقص ونحاس ناموسه باتت على شجرة أصبحت تقول خاطرك قالت لها وأنت كنت على أي ورقه نيتك مطيتك نسيت يا فلاح ما كنت فيه كعبك المشقق والوحل فيه نيك حتى تبقى ديك
حرف الهاء
هانت الزلابية حتى أكلها بنو وائل هان المسك وانتثر هدية تعرقومها تخليتها ولا لومها هدية الأحباب على ورق السداب قال هو أعمى عن ورق الموز هو عرس تأكل وتنسل أهدوا هديه وأعينهم فيها يقول الله يردها هاتوا ذا الغزل المخبل لذا القلب المدبل
حرف الواو
واحد نتفه وآخر لقفه وقال آخر يا قريب الفرج واحد بيخطبوا له وهو قائم عليه قال أنا في حاجتك واحد جائز رأى قرد يجرش ترمس قال ما لذي الفاكهة البدرية إلا ذي الصورة القمرية واحد سموه عنبر وصنعته سرباتي قال الذي كسبه في الأسم خسره في الصنعه وحش ويكش ويقعد في الوش ويغني بلينا بكم وقت أكل الدجاج ما يفتكروني وفي وقت شيل التراب هات يدك وإيش قام على تومه بفصل الحكومه وقت الشوا واليخني ما قلت يا أخي الحقني ووقت ضرب الدره قلت اصفعوا واصفعني
حرف اللام ألف
لا تعيرني ولا أعيرك الدهر حيرني وحيرك لا أصل شريف

ولا وجه ظريف لا أخوك ولا ابن عمك تشقق ثوبك على إيش لا عاش بليق لا حراس ولا دراس لا عاش العار ولا بني له دار لا ربح ثوابه ولا خلاه لأصحابه لا في الفراق نجد راحه ولا في الوصل لا تشكرن فتى حتى تجربه ولا تفرح لمن يروح حتى تنظر من يجي لا يضر السحاب نبح الكلاب لا يغرك تظريفي الأصل في ريفي
حرف الياء
يا شب مليح ما أحسن وصفك لا في يدك ولا في طرفك يا ويل من ذاق الغنى بعد جوعه يموت وفي قلبه من الهم واجس يا طارق الباب بعد العشي لا تطرق الباب ما تم شي يا من ملنا ما كان حلنا لسا ما لنا في العشرة سنة يهنيكم قدومه قد جاكم بشومه يا ليتنا انكسرنا ولا بك انتصرنا يا ويل من كان عشيه من بيت خيه يا طالب الشر بلا أصل تعال للصائم بعد العصر
أمثال النساء حرف الألف
أحبك يا سواري مثل معصمي الذي في قلب أم حنين تحلم به في الليل إن كنتي حره لا تضيعي نقابك بره إن لم تعملي وتفتخري وإلا انهري وانعفري إن كانت الدايه أحن من الوالده قال ذي داهيه عياره الكلام لك يا جاره إلا انت حماره إيش تعمل الماشطة في الوجه المشئوم إيش قام على الحزينه بالنقش والزينه إيش ينفع النفخ في الوجه الأصم أرمله عدس ومتزوجه عدس أقعدي بعدسكي اسم الروج والطعم الترمل العاقلة فينا تزني بيقطينا إذا كان زوجي راضي إيش فضول القاضي استعارت الرعنه شيء حسبته لها أخذت المقص ودارته لها اقعدي في عشك حتى يجي حد ينشك
حرف الباء الموحدة
بعد أن كنتي لي وحدي بقيت أسمع أخبارك بعد سنة وشهرين جابت بنت بشفرين بعد أن كان زوجها بقي طباخ في عرسها بعد مشيك في الحلقه بقالك سلالم وغرفه واسمك ستيته بعد أمي وأختي

الكل جيراني بينما تنتقب الحوله اتصرف القاضي بنت الخرا تزف لابن الخرا بدف باتت ناموسه على جميزه قالت صبحك الله بالخير قالت من دري بك قبله بدال ما تمشي وتهزي كتفك رقعي فردة خفك بخر أو تزاحم بالبوس بقي لام سيسي برقع وللضفدعة زماره بعد مشيك في الخلافي لبستي الصافي بعيد على الحزينه تستعمل الزينه
حرف التاء
تابت القحبه يوم وليله قالت ما بقي في البلد حكام تضاربت المجنونه والحمقا حسبته الرعنه من حقا تضارب وتتعرى وتصيح ياقلة رجالي تأخذوا أبونا وتكابرونا ترتانه وبيبانه ومفاتيح الخزانه تباهت الرعنه بشعر بنت أختها تخلوني وإلا استحل بجارنا قالت إذا كان ذا قلبك خذيه بلا استحلال تتغمى بالخرج ولا تخلي الغنج تقعد عيوشه في ديارتها ما لا حد حاجة في زيارتها
حرف الثاء
ثوب سيدي ثوب حبيبي ثوب ستي ثوب قحبه
حرف الجيم
جاره بجاره والعدواه خساره جاني عذولي ورتالي ما هي محبه إلا شماته لي جاريه وزبديه على باذنجانه مقليه جاتنا العدوه مكحله قطران لا غيره وقلبها فرحان جاب ثيابه يغسلهم بلا صابونه معهم
حرف الحاء المهملة
حوله وتنتقب بنخ حزانى ما عندهم دقيق اشتروا لهم منخل رقيق حزانى ما عندهم خبز اشتروا لهم بعشره ملوخيه حزينة وواعيه حبله ومرضعة وعلى كتفها أربعة وطلعت الجبل تجيب دوا للحبل حوله ونصرانيه لا مليحه ولا أصل طيب حزينة ما لها مملوك سمت زنبورها خوشكلدم حزينه مالك ملك اكترت لها بواب حزينه ما لها كامليه طلبت لها خف وشعريه

حرف الخاء المعجمة
خطبوها تعززت وكان زمان البوار خلت زوجها مكروب وراحت تشوف المصلوب خذي قطيفه واكتمي سري قالت ما يطاوعني قلبي خلت ما يعنيها واتبعت حك رجليها
حرف الدال المهملة
دري زوجك بكتبتك تمي نهارك مع ليلتك دق من أسفل ولا تطلع ما أنت على القلب
حرف الذال المعجمة
ذكرت العجوز أطلالها
حرف الراء
رقصتي ما أحسنتي كان قعادك أجمل رعنا يضحكوا بها ومن تضحك تساعدهم رأوا جاموسه منقبه بحصير قالوا ما لذا الشكل الوضيع إلا دا القماش الرفيع راحت تبيع ربعه غابت جمعه راحت رجال الهيبه وبقيت رجال الخيبه راحت رجال اللحم والقلقاس وبقيت رجال الخبز بالفسفاس رأوا خنفسه على مكنسه قالوا ما لدي الصيفه إلا دا الحمار الأزعر
حرف الزاي
زمر بالزميميره تبان لك العاقله من المجينينه زوجي ما حكم علي قام لي عشيقي بشمعه زوجوا بنت نشادري لسرباتي قالوا قليلات الخرا تتدحرج لبعضها
حرف السين المهملة
سودا وتتنقش بسباخ سودا منقبه قفل على خزانه سألوها عن أبيها قالت جدي شعيب
حرف الشين المعجمة
شدي قرطاسك من عند موسه قالوا دا شي مفر حتى به وأنتي عروسه وشامته ومعزيه

حرف الصاد المهملة
صارت القحبه واعظه صارت القويقه شاعرة
حرف الضاد المعجمة
ضحك ابن سنه غمي على أمه قالت ما أخف دمه
حرف الطاء المهملة
طلعت ترحم نزلت تتوحم
حرف الظاء المعجمة
ظريفه وعفيفه ولها نفس شريفه
حرف العين المهملة
عميا تحفف مجنونه وتقول حواجبك سود مقرونه عاقله وجابت طفله وجاتها خطار واشتروا لها قلقاس ذكر وحطب أخضر في نهار مطر وقالوا لها اطبخي على قدر لمحه تقع الصلحه عجوزه وجابت غلام إذا جنت لا تلام عجوزه وخرفانه دي داهيه كمانه
حرف الغين المعجمه
غيرك يقوم مقامك عليش قلبي أعذبه
حرف الفاء
فرحت حزينه خربت مدينه
حرف القاف
قالوا للمغاني اتزوقوا قلبوا عصايبهم قحبة ما كنست بيتها كنست المسجد قوادي قحبه تطلب الثواب
حرف الكاف
كل من تبعت هواها صارت سراويلها رداها كبرتي يا برقوقه وبقي لك دبوقه كانوا مغاني صاروا ملاهي لا راحت ولا جات كما هي كلي قليه وباتي هنيه كأنها من الباسطيه قماش على جريده

كأنها حزمة فجل أصفر وعرقها أخضر كأنها من عمايم اليهود صفرا طويلة رفيعه كأنها من بيت الوالي ما يتحدث فيها سوى الحاشيه كأنها ضبه جعيدي مخلوعة ولا تاخذ شي
حرف اللام
لو كان ما ينقش إلا السمان بارت المواشط من زمان للساعة ما حبلت جابت المرسين لولا المعاير ما كانت الحراير
حرف الميم
ماشطه وتمشط بنتها من افتكرنا بياسمينا ما نسينا
حرف النون
نواية تسند الجره قال وتسند الزير الكبير
حرف الهاء
هش يا دبانا أنا حبلي من مولانا
حرف الواو
وجه لا يرى بالذهب يشتري
حرف اللام ألف
لا أنتي مليحة ولا تغني بايش تدلي
حرف الياء
يعيش المدلل بلا مكلل يا غزاله الاقمار أين كنتي بالنهار يا ما تحت النقاب والشعريه من كل بليه يا من ملنا ما كان حلنا للساعة مالنا في العشره سنة

الباب السابع في البيان والبلاغة والفصاحة وذكر الفصحاء من الرجال والنساء وفيه فصول
ال

فصل
الأول في البيان والبلاغة
أما البيان فقد قال الله تعالى ( الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان ) وقال أن من البيان لسحرا قال ابن المعتز البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول وأما حده فقد قال الجاحظ البيان اسم جامع لكل ما كشف لك عن المعنى
وأما البلاغة فانها من حيث اللغة هي أن يقال بلغت المكان إذا أشرفت عليه وإن لم تدخله قال الله تعالى ( فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف ) وقال بعض المفسرين في قوله تعالى ( أم لكم أيمان علينا بالغة ) أي وثيقة كأنها قد بلغت النهاية وقال اليوناني البلاغة وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الاشارة وقال الهندي البلاغة تصحيح الاقسام واختيار الكلام وقال الكندي يجب للبليغ أن يكون قليل اللفظ كثير المعاني وقيل إن معاوية سأل عمرو بن العاص من أبلغ الناس فقال أقلهم لفظا وأسهلهم معنى وأحسنهم بديهة ولو لم يكن في ذلك الفخر الكامل لما خص به سيد العرب والعجم

وافتخر به حيث يقول نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وذلك أنه كان عليه الصلاة و السلام يتلفظ باللفظ اليسير الدال على المعاني الكثيرة وقيل ثلاثة تدل على عقول أصحابها الرسول على عقل المرسل والهدية على عقل المهدي والكتاب على عقل الكاتب وقال أبو عبد الله وزير المهدي البلاغة ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة وقال البحتري خير الكلام ما قل وجل ودل ولم يمل وقالوا البلاغة ميدان لا يقطع إلا بسوابق الاذهان ولا يسلك إلا ببصائر البيان
وقال الشاعر
( لك البلاغة ميدان نشأت به ... وكلنا بقصور عنك نعترف )
( مهد لي العذر نظم بعثت به ... من عنده الدر لا يهدي له الصدف )
وروي أن ليلى الأخيلية مدحت الحجاج فقال يا غلام اذهب إلى فلان فقل له يقطع لسانها قال فطلب حجاما فقالت ثكلتك أمك إنما أمرك أن تقطع لساني بالصلة فلولا تبصرها بأنحاء الكلام ومذاهب العرب والتوسعة في اللفظ ومعاني الخطاب لتم عليها جهل هذا الرجل
وقال الثعالبي البليغ من يحول الكلام على حسب الامالي ويخيط الألفاظ على قدر المعاني والكلام البليغ ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا وقال الامام فخر الدين الرازي رحمة الله تعالى عليه في حد البلاغة إنها بلوغ الرجل بعبارته كنه ما في قلبه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل ولهذه الأصول شعب وفصول لا يحتمل كشفها هذا المجموع ويحصل الغرض بهذا القدر وبالله التوفيق إلى أقوم طريق

الفصل الثاني في الفصاحة
قال الامام فخر الدين الرازي رحمة الله تعالى عليه اعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة بل يستعملونهما استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحدة في تسوية الحكم بينهما ويزعم بعضهم أن البلاغة في المعاني والفصاحة في الألفاظ ويستدل بقولهم معنى بليغ ولفظ فصيح
وقال يحيى بن خالد ما رأيت رجلا قط الا هبته حتى يتكلم فان كان فصيحا عظم في صدري وإن قصر سقط من عيني
وقد اختلف الناس في الفصاحة فمنهم من قال إنها راجعة إلى الألفاظ دون المعاني ومنهم من قال إنها لا تخص الألفاظ وحدها واحتج من خص الفصاحة بالألفاظ بأن قال نرى الناس يقولون هذا لفظ فصيح وهذه الالفاظ فصيحة ولا نرى قائلا يقول هذا معنى فصيح فدل على أن الفصاحة من صفات الالفاظ دون المعاني وإن قلنا إنها تشمل اللفظ والمعنى لزم من ذلك تسمية المعنى بالفصيح وذلك غير مألوف في كلام الناس والذي أراه في ذلك أن الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحا حسنا ومن المستحسن في الالفاظ تباعد مخارج الحروف فإذا كانت بعيدة المخارج جاءت الحروف متمكنة في مواضعها غير قلقة ولا مكدودة والمعيب من ذلك كقول القائل
( لو كنت كنت كتمت الحب كنت كما ... كنا وكنت ولكن ذاك لم يكن )
وكقول بعضهم أيضا
( ولا الضعف حتى يبلغ الضعف ضعفه ... ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف )
وكقول الآخر
( وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر )

قيل إن هذا البيت لا يمكن إنشاده في الغالب عشر مرات متوالية إلا ويغلظ المنشد فيه لأن القرب في المخارج يحدث ثقلا في النطق به وقيل من عرف بفصاحة اللسان لحظته العيون بالوقار وبالفصاحة والبيان استولى يوسف الصديق عليه الصلاة و السلام على مصر وملك زمام الأمور وأطلعه ملكها على الخفي من أمره والمستور
قال الشاعر
( لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... ولم يبق إلا صورة اللحم والدم )
وسمع النبي من عمه العباس كلاما فصيحا فقال بارك الله لك يا عم في جمالك أي فصاحتك
وعرضت على المتوكل جارية شاعرة فقال أبو العيناء يستجيزها أحمد الله كثيرا فقالت حيت أنشأك ضريرا فقال يا امير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها فاشترها وقال فيلسوف كما أن الآنية تمتحن بأطيانها فيعرف صحيحها من مكسورها فكذلك الإنسان يعرف حاله من منطقه
وقال المبرد قلت للمجنون أجزني هذا البيت
( أرى اليوم يوما قد تكاثف غيمه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر )
فقال
( وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المحاجر )
وقال عبد الملك لرجل حدثني فقال يا أمير المؤمنين افتتح فإن الحديث يفتح بعضه بعضا وقال الهيثم ابن صالح لابنه يا بني إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب قال يا أبت فإن أنا أكثرت

وأكثرت يعني كلاما وصوابا قال يا بني ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك وقال الشعبي كنت أحدث عبد الملك بن مروان وهو يأكل فيحبس اللقمة فأقول أجزها أصلحك الله فإن الحديث من وراء ذلك فيقول والله لحديثك أحب إلي منها وقال ابن عيينة الصمت منام العلم والنطق يقظته ولا منام إلا بتيقظ ولا يقظة إلا بمنام قال ابن المبارك
( وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله )
ومر رجل بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومعه ثوب فقال له ابو بكر رضي الله عنه أتبيعه فقال لا رحمك الله فقال أبو بكر لو تستقيمون لقومت ألسنتكم هلا قلت لا ورحمك الله
ومنه ما حكي أن المأمون سأل يحيى بن اكثم عن شيء فقال لا وأيد الله أمير المؤمنين فقال المأمون ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها وكان الصاحب يقول هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ ويقال اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم وقال بعضهم شعرا
( سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب )
( وكذاك قس ناطق بعكاظه ... يعيا لديه بحجة وجواب )
وقيل أنه حج مع ابن المنكدر شابان فكانا إذا رأيا امرأة جميلة قالا قد أبرقنا وهما يظنان أن ابن المنكدر لا يفطن فرأيا قبة فيها امرأة فقالا بارقة وكانت قبيحة فقال ابن المنكدر بل صاعقة وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا امرأة جميلة يقولون حجة فعرضت لهم قبيحة فقالوا داحضة وكتب إبراهيم بن المهدي إياك والتتبع لو حشي الكلام طمعا في نيل البلاغة فإن ذلك العناء الأكبر وعليك بما سهل مع تجنبك الألفاظ السفل ويقال القول على حسب همة القائل يقع والسيف بقدر عضد الضارب يقطع وقال الأحنف سمعت كلام أبي بكر حتى مضي وكلام عمر حتى

مضى وكلام عثمان حتى مضى وكلام علي حتى مضى رضي الله تعالى عنهم ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة وقال معاوية رضي الله تعالى عنه ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله تعالى عنها ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلا فتحته ولا فتحت بابا فأرادت إغلاقه إلا أغلقته
ومن غريب الكنايات الواردة على سبيل الرمز وهو من الذكاء والفصاحة ما حكي أن رجلا كان أسيرا في بني بكر بن وائل وعزموه على غزو قومه فسألهم في رسول يرسله إلى قومه فقالوا لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم فجاؤا بعبد أسود فقال له أتعقل ما أقوله لك قال نعم إني لعاقل فأشار بيده إلى الليل فقال ما هذا قال الليل قال ما أراك إلا عاقلا ثم ملأ كفيه من الرمل وقال كم هذا قال لا أدري وإنه لكثير فقال أيما أكثر النجوم أم النيران قال كل كثير فقال أبلغ قومي التحية وقل لهم يكرموا فلانا يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل فإن قومه لي مكرمون وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها وان يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما اكلت معكم حيسا واسألوا عن خبري أخي الحرث فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا لقد جن الأعور والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب ثم دعوا بأخيه الحرث فقصوا عليه القصة فقال قد أنذركم أما قوله قد دنا العرفج يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله شكت النساء أي أخذت الشكاء للسفر واما قوله أعروا ناقتي الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الجمل الأصهب أي الجبل وأما قوله أكلت معكم حيسا أي أن أخلاطا من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط فامتثلوا أمره وعرفوا لحن الكلام وعملوا به فنجوا
وأسرت طيء غلاما من العرب فقدم أبوه ليفديه فاشتطوا عليه فقال أبوه والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيء ما عندي غير ما بذلته ثم انصرف وقال لقد أعطيته كلاما إن

كان فيه خير فهمه فكأنه قال له الزم الفرقدين يعني في هروبك على جبل طيء ففهم الإبن ما أراده أبوه وفعل ذلك فنجى
وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاما خادما اسمه طل فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكره في شعرها فاطلع الرشيد يوما عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين ومن ذلك قولهم تركت فلانا يأمر وينهي وهو على شرف الموت أي يأمر بالوصية وينهي عن النوح ويقال ما رأيت فلانا أي ما ضربته في رئته ولا كلمته أي ما جرحته فإن الكلوم الجراح وما رأيت ربيعا فالربيع حظ الأرض من الماء والربيع النهر وما رأيت كافرا ولا فاسقا فالكافر السحاب والفاسق الذي تجرد من ثيابه وما رأيت فلانا راكعا ولا ساجدا ولا مصليا فالراكع العاثر الذي كبا لوجهه والساجد المدمن النظر والمصلي الذي يجيء بعد السابق وما أخذت لفلان دجاجة ولا فروجا فالدجاجة الكبة من الغزل والفروجة الدراعة وما أخذت لفلان بقرة ولا ثورا فالبقرة العيال الكثيرة يقال جاء فلان يسوق بقره أي عياله والثور القطعة الكبيرة من الأقط
وحكي أن معاوية رضي الله تعالى عنه بينما هو جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطيبا وكان آخر كلامه أن لعن عليا رضي الله تعالى عنه ولعن لاعنه فقال الأحنف يا أمير المؤمنين إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله يا امير المؤمنين ودع عنك عليا رضي الله تعالى عنه فلقد لقي ربه وأفرد في قبره وخلا بعمله وكان والله المبرور سيفه الطاهر ثوبه العظيمة مصيبته فقال معاوية يا أحنف لقد تكلمت بما تكلمت وأيم الله لتصعدن على المنبر فتلعنه طوعا أو كرها فقال له الأحنف يا امير المؤمنين إن تعفني فهو خير لك وإن تجبرني على ذلك فوالله لا تجري شفتاي به أبدا فقال قم فاصعد قال أما والله لأنصفنك في القول والفعل قال وما أنت

قائل إن أنصفتني قال أصعد المنبر فأحمد الله وأثني عليه وأصلي على نبيه محمد ثم أقول أيها الناس إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليا ألا وإن معاوية وعليا اقتتلا فاختلفا فادعى كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته فإذا دعوت فأمنوا رحمكم الله ثم أقول اللهم ألعن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه والعن الفئة الباغية اللهم العنهم لعنا كثيرا أمنوا رحمكم الله يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي فقال معاوية إذا نعفيك يا أبا بحر
وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر قال أفعل فصعد المنبر ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه أيها الناس إن معاوية بن ابي سفيان قد امرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه فعليه لعنة الله ثم نزل فقال له معاوية إنك لم تبين من لعنت منهما بينه فقال والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا والكلام إلى نية المتكلم ودخلت امرأة على هرون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه فقالت يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وفرحك بما آتاك واتم سعدك لقد حكمت فقسطت فقال لها من تكونين أيتها المرأة فقالت من آل برمك ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم وسلبت نوالهم فقال أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله ونفذ فيهم قدره وأما المال فمردود إليك ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه فقال أتدرون ما قالت هذه المرأة فقالوا ما نراها قالت إلا خيرا قال ما أظنكم فهمتم ذلك أما قولها أقر الله عينك أي أسكنها عن الحركة وإذا سكنت العين عن الحركة عميت وأما قولها وفرحك بما آتاك فأخذته من قوله تعالى ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ) وأما قولها وأتم الله سعدك فأخذته من قول الشاعر
( إذا تم أمر بدا نقصه ... ترقب زوالا إذا قيل تم )
وأما قولها لقد حكمت فقسطت فأخذته من قوله تعالى ( وأما

القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) فتعجبوا من ذلك
وحكي أن بعضهم دخل على عدوه من النصارى فقال له أطال الله بقاءك وأقر عينك وجعل يومي قبل يومك والله إنه ليسرني ما يسرك فأحسن إليه وأجازه على دعائه وامر له بصلة وكان ذلك دعاء عليه لأن معنى قوله أطال الله بقاءك حصول منفعة المسلمين به في اداء الجزية واما قوله وأقر عينك فمعناه سكن الله حركتها أي أعماها وأما قوله وجعل يومي قبل يومك أي جعل الله يومي الذي أدخل فيه الجنة قبل يومك الذي تدخل فيه النار وأما قوله إنه ليسرني ما يسرك فإن العافية تسره كما تسر الآخر فانظر إلى الاشتراك وفائدته ولولا الاشتراك ما تهيأ لمتستر مراد ولا سلم له في التخلص قياد وكان حماد الراوية لا يقرأ القرآن فكلفه بعض الخلفاء القراءة في المصحف فصحف في نيف وعشرين موضعا من جملتها قوله تعالى ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) بالغين المعجمة والسين المهملة وقوله ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) بالباء الموحدة ليكون لهم عدوا وحزنا بالباء الموحدة ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار ) بالجيم والباء الموحدة ( هم احسن أثاثا ورئيا ) بالزاي وترك الهمزة ( عذابي أصيب به من أشاء ) بالسين المهملة ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) بالنون والعين المهملة ( سلام عليكم لا نبتغي ) باسقاط التاء ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) بالغين المعجمة والراء المهملة قرن الشقاق بالغرة وهذا لا يقع إلا من الأذكياء
وحكي أن المأمون ولي عاملا على بلاد وكان يعرف منه الجور في حكمه فأرسل إليه رجلا من أرباب دولته ليمتحنه فلما قدم عليه أظهر له أنه قدم في تجارة لنفسه ولم يعلمه أن أمير المؤمنين عنده علم منه فأكرم نزله وأحسن إليه وسأله أن يكتب كتابا إلى أمير المؤمنين المأمون

يشكر سيرته عنده ليزداد فيه أمير المؤمنين رغبة فكتب كتابا فيه بعد الثناء على أمير المؤمنين أما بعد فقد قدمنا على فلان فوجدناه آخذا بالعزم عاملا بالحزم قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته أغنى القاصد وأرضى الوارد وأنزلهم منه منازل الأولاد وأذهب ما بينهم من الضغائن والأحقاد وعمر منهم المساجد الداثرة وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة وهم مع ذلك داعون لأمير المؤمنين يريدون النظر إلى وجهه والسلام فكان معنى قوله آخذا بالعزم أي إذا عزم على ظلم أو جور فعله في الحال وقوله قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته أي أخذ كل ما معهم حتى ساوى بين الغني والفقير وقوله عمر منهم المساجد الداثرة وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة يعني أن الكل صاروا فقراء لا يملكون شيئا من الدنيا ومعنى قوله يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين أي ليشكوا حالهم وما نزل بهم فلما جاء الكتاب إلى المأمون عزله عنهم لوقته وولى عليهم غيره
ومن ذلك ما حكي أن القاضي الفاضل كان صديق خصيص به وكان صديقه هذا قريبا من الملك الناصر صلاح الدين وكان فيه فضيلة تامة فوقع بينه وبين الملك أمر فغضب عليه وهم بقتله فتسحب إلى بلاد التتر وتوصل إلى أن صار وزيرا عندهم وصار يعرف التتر كيف يتوصل إلى الملك الناصر بما يؤذيه فلما بلغه ذلك نفر منه وقال للفاضل اكتب إليه كتابا عرفه فيه انني ارضي عليه واستعطفه غاية الاستعطاف إلى أن يحضر فإذا حضر قتلته واسترحت منه فتحير الفاضل بين الاثنين صديقه يعز عليه والملك لا يمكنه مخالفته فكتب إليه كتابا واستعطفه غاية الاستعطاف ووعده بكل خير من الملك فلما انتهى الكتاب ختمه بالحمدلة والصلاة والسلام على النبي وكتب إن شاء الله تعالى كما جرت به العادة في الكتب فشدد إن ثم أوقف الملك على الكتاب قبل ختمه فقرأه في غاية الكمال وما فهم إن وكان قصد الفاضل أن الملأ ياتمرون بك ليقتلوك فلما وصل الكتاب إلى الرجل فهمه وكتب جوابه بأنه سيحضر عاجلا فلما أراد أن ينهي

الكتاب ويكتب إن شاء تعالى مد النون وجعل في آخرها ألفا وأراد بذلك أنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فلما وصل الكتاب إلى الفاضل فهم الاشارة ثم أوقف الملك على الجواب بخطه ففرح بذلك
وحكي أن بعض الملوك طلع يوما إلى أعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاتة فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراؤن أحسن منها فالتفت إلى بعض جواريه فقال لها لمن هذه فقالت يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز قال فنزل الملك وقد خامره حبها وشغف بها فاستدعى بفيروز وقال له يا فيروز قال لبيك يا مولاي قال خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية وائتني بالجواب فأخذ فيروز الكتاب وتوجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه وجهز أمره وبات ليلته فلما أصبح ودع أهله وسار طالبا لحاجة الملك ولم يعلم بما قد دبره الملك وأما الملك فإنه لما توجه فيروز قام مسرعا وتوجه متخفيا إلى دار فيروز فقرع الباب قرعا خفيفا فقالت امرأة فيروز من بالباب قال أنا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا فقال زائر فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيرا فقال لها ويحك إنني الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتني فقالت بل عرفتك يا مولاي ولقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم
( سأترك ماءكم من غير ورد ... وذاك لكثرة الوراد فيه )
( إذا سقط الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه )
( وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه )
( ويرتجع الكريم خميص بطن ... ولا يرضى مساهمة السفيه )
وما أحسن يا مولاي قول الشاعر
( قل للذي شفه الغرام بنا ... وصاحب الغدر غير مصحوب )

( والله لا قال قائل أبدا ... قد أكل الليث فضلة الذيب )
ثم قالت أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه قال فاستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها فنسي نعله في الدار هذا ما كان من الملك وأما ما كان من فيروز فانه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك في الدار فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله فسكت ولم يبد كلاما وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم عليه بمائة دينار فمضى فيروز إلى السوق واشترى ما يليق بالنساء وهيأ هدية حسنة وأتى إلى زوجته فسلم عليها وقال لها قومي إلى زيارة بيت أبيك قالت وما ذاك قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك قالت حبا وكرامة ثم قامت من ساعتها وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها شهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها فأتى إليه أخوها وقال له يا فيروز إما أن تخبرنا بسبب غضبك وإما أن تحاكمنا إلى الملك فقال إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقا فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم وكان القاضي إذ ذاك عند الملك جالسا إلى جانبه فقال أخو الصبية أيد الله مولانا قاضي القضاة أني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمره وهدم حيطانه وأخرب بئره فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له ما تقول يا غلام فقال فيروز أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان فقال القاضي هل سلم إليك البستان كما كان قال نعم ولكن أريد منه السبب لرده قال القاضي ما قولك قال والله يا مولاي ما رددت البستان كراهة فيه وإنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني فحرمت دخول البستان إكراما للأسد قال وكان الملك متكئا فاستوى جالسا وقال يا فيروز

ارجع إلى بستانك آمنا مطمئنا فوالله ان الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثرا ولا التمس منه ورقا ولا ثمرا ولا شيئا ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس ووالله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره قال فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك والله أعلم
وهذا كله مما يأتي به الانسان من غرائب الكنايات الواردة على سبيل الرمز ومنه ما يجده المتستر في أمره من الراحة في كتمان حاله مع لزوم الصدق ورضا الخصم بما وافق مراده لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب كما روي في غزوة بدر أن النبي كان سائرا بأصحابه يقصد بدرا فلقيهم رجل من العرب فقال ممن القوم فقال له النبي من ماء أخذ ذلك الرجل يفكر ويقول من ماء من ماء يرددها لينظر أي العرب يقال لهم ماء فسار النبي بأصحابه لوجهته وكان قصده أن يكتم أمره وقد صدق رسول الله في قوله فإن الله عز و جل قال ( فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق ) وكما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للكافر الذي سأله عن رسول الله وقت ذهابهما إلى الغار هو رجل يهديني السبيل وقد صدق فيما قال رضي الله عنه فقد هداه الله وهدانا السبيل ولا سبيل أوضح ولا أقوم من الأسلام وكما حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه لما سأله بعض المعتزلة بحضرة الرشيد ما تقول في القرآن فقال الشافعي أياي تعني قال نعم قال مخلوق فرضى خصمه منه بذلك ولم يرد الشافعي إلا نفسه وكما حكي عن ابن الجوزي رحمه الله تعالى أنه سئل وهو على المنبر وتحته جماعة من مماليك الخليفة وخاصته وهم فريقان قوم سنية وقوم شيعة فقيل له من أفضل الخلق بعد رسول الله أبو بكر أم علي رضي الله عنهما فقال أفضلها بعده من كانت ابنته تحته فأرضى الفريقين ولم يرد إلا أبا بكر رضي الله عنه لأن الضمير في ابنته يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه وهي عائشة رضي الله عنها وكانت تحت رسول الله والشيعة ظنوا أن الضمير في ابنته يعود إلى رسول الله وهي فاطمة رضي الله

عنها وكانت تحت علي رضي الله عنه فهذه منه جيدة حسنة وكلمة باتت جفون الفريقين منها وسنة والله أعلم
الفصل الثالث في ذكر الفصحاء من الرجال
دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم فأحب الحسن أن يتكلم فزجره وقال يا صبي تتكلم في هذا المقام فقال يا أمير المؤمنين إن كنت صبيا فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا انت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال أحطت بما لم تحط به ثم قال ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى
ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود فإذا فيهم وفد الحجاز فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم فقال ليتكلم من هو أسن منك فإنه أحق بالكلام منك فقال الصبي يا امير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك قال صدقت فتكلم فقال يا أمير المؤمنين إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي من علينا بك ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك أما عدم الرغبة فقد امنا بك في منازلنا وأما عدم الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فنحن وفد الشكر والسلام فقال له عمر رضي الله عنه عظني يا غلام فقال يا أمير المؤمنين إن أناسا غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه
( تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل )
( فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل )

وحكي أن البادية قحطت في أيام هشام فقدمت عليه العرب فهابوا أن يكلموه وكان فيهم درواس ابن حبيب وهو ابن ست عشرة سنة له ذؤابة وعليه شملتان فوقعت عليه عين هشام فقال لحاجبه ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقا فقال يا أمير المؤمنين إن للكلام نشرا وطيا وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته فأعجبه كلامه وقال له أنشره لله درك فقال يا أمير المؤمنين إنه اصابتنا سنون ثلاث سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم وسنة دقت العظم وفي أيديكم فضول مال فإن كانت لله ففرقوها على عباده وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين فقال هشام ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذرا فأمر للبوادي بمائة ألف دينار وله بمائة ألف درهم ثم قال له ألك حاجة قال مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين فخرج من عنده وهو من أجل القوم
وقيل إن سعد بن ضمرة الأسدي لم يزل يغير على النعمان بن المنذر يستلب أمواله حتى عيل صبره فبعث إليه يقول إن لك عندي الف ناقة على أنك تدخل في طاعتي فوفد عليه وكان صغير الجثة اقتحمته عينه ويتنقصه فقال مهلا أيها الملك إن الرجال ليسوا بعظم أجسامهم وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه إن نطق نطق ببيان وإن صال صال بجنان ثم أنشأ يقول
( يا ايها الملك المرجو نائله ... إني لمن معشر شم الذرى زهر )
( فلا تغرنك الأجسام إن لنا ... أحلام عاد وإن كنا إلى قصر )
( فكم طويل إذا أبصرت جثته ... تقول هذا غداة الروع ذو ظفر )
( فإن ألم به أمر فأفظعه ... رأيته خاذلا بالأهل والزمر )

فقال صدقت فهل لك علم بالأمور قال إني لأنقض منها المفتول وأبرم منها المحلول وأجيلها حتى تجول ثم أنظر فيها إلى ما تؤول وليس للدهر بصاحب من لا ينظر في العواقب قال فتعجب النعمان من فصاحته وعقله ثم أمر له بألف ناقة وقال له يا سعد إن أقمت واسيناك وإن رحلت وصلناك فقال قرب الملك أحب إلي من الدنيا وما فيها فأنعم عليه وأدناه وجعله من أخص ندمائه
وحكي أن هرقل ملك الروم كتب إلى معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه يسأله عن الشيء ولا شيء وعن دين لا يقبل الله غيره وعن مفتاح الصلاة وعن غرس الجنة وعن صلاة كل شيء وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء وعن رجل ولا أب له وعن رجل لا أم له وعن قبر جرى بصاحبه وعن قوس قزح ما هو وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها وعن ظاعن ظعن مرة واحدة ولم يظعن قبلها ولا بعدها وعن شجرة نبتت من غير ماء وعن شيء تنفس ولا روح له وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد وعن البرق والرعد وصوته وعن المحو الذي في القمر فقيل لمعاوية لست هناك ومتى أخطأت في شيء من ذلك سقطت من عينه فاكتب إلى ابن عباس يخبرك عن هذه المسائل فكتب إليه فأجابه أما الشيء فالماء قال الله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وأما لا شيء فانها الدنيا تبيد وتفنى وأما دين لا يقبل الله غيره فلا إله إلا الله وأما مفتاح الصلاة فالله أكبر وأما غرس الجنة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم واما صلاة كل شيء فسبحان الله وبحمده واما الأربعة الذين فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء فآدم وحواء وناقة صالح وكبش إسماعيل وأما الرجل الذي لا أب له فالمسيح وأما الرجل الذي لا ام له فآدم عليه السلام وأما القبر الذي جرى بصاحبه فحوت يونس عليه السلام سار به في البحر

وأما قوس قزح فأمان من الله لعباده من الغرق وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة فبطن البحر حين انفلق لبني إسرائيل وأما الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن قبلها ولا بعدها فجبل طور سيناء كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله تعالى بجناحين فنادى مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم ولا ألقيته عليكم فأخذوا التوراة معذرين فرده الله تعالى إلى موضعه فذلك قوله تعالى ( وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ظنوا أنه واقع بهم ) الآية وأما الشجرة التي تنبت من غير ماء فشجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالى على يونس عليه السلام وأما الشيء الذي يتنفس بلا روح فالصبح قال الله تعالى ( والصبح إذا تنفس ) وأما اليوم فعمل وأمس فمثل وغد فأجل وبعد غد فأمل وأما البرق فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب وأما الرعد فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره وأما المحو الذي في القمر فقول الله تعالى ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ودعا بعض البلغاء لصديق له فقال تمم الله عليك ما أنت فيه وحقق ظنك فيما ترجوه وتفضل عليك بما لم تحتسبه
وحكي أن الحجاج سأل يوما الغضبان بن القبعثري عن مسائل يمتحنه فيها من جملتها أن قال له من أكرم الناس قال أفقههم في الدين وأصدقهم لليمين وابذلهم للمسلمين وأكرمهم للمهانين وأطعمهم للمساكين قال فمن ألأم الناس قال المعطي على الهوان المقتر على الاخوان الكثير الألوان قال فمن شر الناس قال أطولهم جفوة وأدومهم صبوة وأكثرهم خلوة وأشدهم قسوة قال فمن أشجع الناس قال أضربهم بالسيف وأقراهم للضيف وأتركهم للحيف قال فمن أجبن الناس قال المتأخر عن الصفوف المنقبض عن الزجوف المرتعش عند الوقوف المحب ظلال السقوف

الكاره لضرب السيوف قال فمن أثقل الناس قال المتفنن في الملام الضنين بالسلام المهذار في الكلام المقبقب على الطعام قال فمن خير الناس قال أكثرهم احسانا وأقومهم ميزانا وأدومهم غفرانا وأوسعهم ميدانا قال لله ابوك فكيف يعرف الرجل الغريب أحسيب هو ام غير حسيب قال أصلح الله الأمير إن الرجل الحسيب يدلك أدبه وعقله وشمائله وعزة نفسه وكثرة احتماله وبشاشته وحسن مداورته على أصله فالعاقل البصير بالاحساب يعرف شمائله والنذل الجاهل يجهله فمثله كمثل الدرة إذا وقعت عند من لا يعرفها ازدراها وإذا نظر إليها العقلاء عرفوها وأكرموها فهي عندهم لمعرفتهم بها حسنة نفيسة فقال الحجاج لله ابوك فما العاقل والجاهل قال أصلح الله الأمير العاقل الذي لا يتكلم هذرا ولا ينظر شزرا ولا يضمر غدرا ولا يطلب عذرا والجاهل هو المهذر في كلامه المنان بطعامه الضنين بسلامه المتطاول على إمامه الفاحش على غلامه قال لله أبوك فما الحازم الكيس قال المقبل على شأنه التارك لما لا يعنيه قال العاجز قال المعجب بآرائه الملتفت إلى ورائه قال هل عندك من النساء خبر قال أصلح الله الأمير إني بشأنهن خبير إن شاء الله تعالى إن النساء من أمهات الأولاد بمنزلة الاضلاع إن عدلتها انكسرت ولهن جوهر لا يصلح إلا على المداراة فمن داراهن انتفع بهن وقرت عينه ومن شاورهن كدرن عيشه وتكدرت عليه حياته وتنغصت لذاته فأكرمهن أعفهن وأفخر أحسابهن العفة فإذا زلن عنها فهن أنتن من الجيفة فقال له الحجاج يا غضبان إني موجهك إلى ابن الأشعث وافد فماذا أنت قائل له قال أصلح الله الأمير أقول ما يرديه ويؤذيه ويضنيه فقال إني أظنك لا تقول له ما قلت وكأني بصوت جلاجلك تجلجل في قصري هذا قال كلا أصلح الله الأمير سأحدد له لساني وأجريه في ميداني قال فعند ذلك أمره بالمسير إلى كرمان فلما توجه إلى ابن الأشعث وهو على كرمان بعث الحجاج عينا عليه أي جاسوسا وكان يفعل ذلك مع جميع رسله فلما قدم الغضبان على ابن الأشعث قال له إن الحجاج قد هم بخلعك وعزلك فخذ حذرك وتغد به قبل أن

يتعشى بك فأخذ حذره عند ذلك ثم أمر للغضبان بجائزة سنية وخلع فاخرة فأخذها وانصرف راجعا فأتى إلى أرملة كرمان في شدة الحر القيظ وهي رملة شديدة الرمضاء فضرب قبته فيها وحط عن رواحله فبينما هو كذلك إذا باعرابي من بني بكر بن وائل قد أقبل على بعير قاصدا نحوه وقد اشتد الحر وحميت الغزاله وقت الظهيرة وقد ظمىء ظمأ شديدا فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال الغضبان هذه سنة وردها فريضة قد فاز قائلها وخسر تاركها ما حاجتك يا اعرابي قال أصابتني الرمضاء وشدة الحر والظمأ فيممت قبتك أرجو بركتها قال الغضبان فهلا تيممت قبة أكبر من هذه وأعظم قال آيتهن تعني قال قبة الأمير بن الأشعث قال تلك لا يوصل إليها قال إن هذه أمنع منها فقال الاعرابي ما اسمك يا عبد الله قال آخذ فقال وما تعطي قال أكره أن يكون لي اسمان قال بالله من أين أنت قال من الأرض قال فاين تريد قال أمشي في مناكبها فقال الأعرابي وهو يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر أتقرض الشعر قال إنما يقرض الفأر فقال أفتسجع قال إنما تسجع الحمامة فقال يا هذا أئذن لي أن أدخل قبتك قال خلفك أوسع لك فقال قد أحرقني حر الشمس قال مالي عليها من سلطان فقال الرمضاء أحرقت قدمي قال بل عليها تبرد فقال إني لا أريد طعامك ولا شرابك قال لا تتعرض لما لا تصل إليه ولو تلفت روحك فقال الأعرابي سبحان الله قال نعم من قبل أن تطلع أضراسك فقال الأعرابي ما عندك غير هذا قال بلى هراوة أضرب بها رأسك فاستغاث الأعرابي يا جار بني كعب قال الغضبان بئس الشيخ أنت فوالله ما ظلمك أحد فتستغيث فقال الأعرابي ما رأيت رجلا أقسى منك أتيتك مستغيثا فحجبتني وطردتني هلا أدخلتني قبتك وطارحتني القريض قال مالي بمحادثتك من حاجة فقال الأعرابي بالله ما أسمك ومن انت فقال الغضبان بن القبعثري فقال اسمان منكران خلقا من غضب قال قف متوكئا على باب قبتي برجلك هذه العوجاء فقال قطعها الله إن لم تكن خيرا من رجلك

هذه الشنعاء قال الغضبان لو كنت حاكما لجرت في حكومتك لأن رجلي في الظل قاعدة ورجلك في الرمضاء قائمة فقال الأعرابي إني لأظنك حروريا قال اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير ويريده فقال إني لأظن عنصرك فاسدا قال ما أقدرني على إصلاحه فقال الأعرابي لا أرضاك الله ولا حياك ثم ولى وهو يقول
( لا بارك الله في قوم تسودهم ... إني أظنك والرحمن شيطانا )
( أتيت قبته ارجو ضيافته ... فأظهر الشيخ ذو القرنين حرمانا )
فلما قدم الغضبان على الحجاج وقد بلغه الجاسوس ما جرى بينه وبين ابن الأشعث وبين الأعرابي قال له الحجاج يا غضبان كيف وجدت أرض كرمان قال اصلح الله الأمير أرض يابسة الجيش بها ضعاف هؤلاء إن كثروا جاعوا وإن قلوا ضاعوا فقال له الحجاج ألست صاحب الكلمة التي بلغتني أنك قلت لابن الأشعث تغد بالحجاج قبل ان أن يتعشى بك فوالله لأحبسنك عن الوساد ولأنزلنك عن الجياد ولأشهرنك في البلاد قال الأمان ايها الأمير فوالله ما ضرت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له فقال له ألم أقل لك كأني بصوت جلاجلك تجلجل في قصري هذ اذهبوا به إلى السجن فذهبوا به فقيد وسجن فمكث ما شاء الله ثم إن الحجاج ابتنى الخضراء بواسط فأعجب بها فقال لمن حوله كيف ترون قبتي هذه وبناءها فقالوا أيها الأمير إنها حصينة مباركة منيعة نضرة بهجة قليل عيبها كثير خيرها قال لم لم تخبروني بنصح قالوا لا يصفها لك إلا الغضبان فبعث إلى الغضبان فأحضره وقال له كيف ترى قبتي هذه وبناءها قال اصلح الله الأمير بنيتها في غير بلدك لا لك ولا لولدك لا تدوم لك ولا يسكنها وارثك ولا تبقى لك وما انت لها بباق فقال الحجاج قد صدق الغضبان ردوه إلى السجن فلما حملوه قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فقال أنزلوه فلما أنزلوه قال رب أنزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين فقال اضربوا به الأرض فلما ضربوا به الأرض قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم

ومنها نخرجكم تارة أخرى فقال جروه فأقبلوا يجرونه وهو يقول بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم فقال الحجاج ويلكم اتركوه فقد غلبني دهاء وخبثا ثم عفا عنه وانعم عليه وخلى سبيله
وحدث الزبير قال دخل محمد بن عبد الملك ابن صالح على المأمون وقد كانت ضياعهم أخذت فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين محمد بن عبد الملك بين يديك سليل نعمتك وغصن من أغصان دوحتك أتأذن له في الكلام فقال تكلم فقال الحمد لله رب العالمين ولا إله إلا الله رب العرش العظيم وصلى الله والملائكة على محمد خاتم النبيين ونستمتع الله لحياطة ديننا ودنيانا ورعاية أدنانا واقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأل الله أن يمد في عمرك من أعمارنا وأن يقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا فإن الحق لا تعفو آثاره ولا ينهدم مناره ولا ينبت حبله ولا يزول ما دمت بين الله وبين عباده والأمين على بلاده يا أمير المؤمنين هذا المقام مقام العائذ بظلك الهارب إلى كنفك الفقير إلى رحمتك وعدلك من تعاود النوائب وسهام المصائب وكلب الدهر وذهاب النعمة وفي نظر أمير المؤمنين ما يفرج كربة المكروب ويبرد غليل القلوب وقد نفذ أمر أمير المؤمنين في الضياع التي أفادناها نعم آبائه الطيبين ونوافل أسلافه الطاهرين الراشدين وقد قمت مقامي هذا متوسلا إليك بآبائك الطيبين وبالرشيد خير الهداة الراشدين والمهدي ناصر المسلمين والمنصور منكل الظالمين ومحمد خير المحمدين بعد خاتم النبيين مزدلفا إليك بالطاعة التي أفرع عليها غصني واحتنكت بها سني وريش بها جناحي متعوذا من شماتة الأعداء وحلول البلاء ومفارقة الشدة بعد الرخاء يا أمير المؤمنين قد مضى جدك المنصور وعمك صالح بن علي جدي وبينهما من الرضاع والنسب ما علمه أمير المؤمنين وعرفه وقد أثبت الله الحق في نصابه واقره في داره وأربابه يا أمير المؤمنين إن الدهر ذو اغتيال وقد يقلب حالا بعد حال فارحم يا أمير المؤمنين الصبية الصغار والعجائز الكبار الذين سقاهم الدهر كدرا بعد صفو ومرا بعد حلو وهبنا نعم آبائك اللاتي غذتنا صغارا وكبارا وشبابا وأشياخا وأمشاجا في الأصلاب ونطفا في الأرحام

وقدمنا في القرابة حيث قدمنا الله منك في الرحم فإن رقابنا قد ذلت لسخطك ووجوهنا قد عنت لطاعتك فأقلنا عثرتنا يا أمير المؤمنين إن الله قد سهل بك الوعور وجلا بك الديجور وملأ من خوفك القلوب والصدور بك يرع الفاسق ويقمع بك المنافق فارتبط نعم الله عندك بالعفو والإحسان فإن كل راع مسؤول عن رعيته وإن النعم لا ينقطع المزيد فيها حتى ينقطع الشكر عليها يا أمير المؤمنين أنه لا عفو أعظم من عفو إمام قادر عن مذنب عاثر وقد قال الله جل ثناؤه وتعالت قدرته ( ليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) أحاط الله أمير المؤمنين بستره الوافي ومنعه الكافي ثم أنشد يقول
( أمير المؤمنين أتاك ركب ... لهم قربى وليس لهم تلاد )
( هم الصدر المقدم من قريش ... وأنت الرأس تتبعك العباد )
( لقد طابت بك الدنيا ولذت ... وأرجو أن يطيب بك المعاد )
( فكيف تنالكم لحظات عين ... وكيف يقل سؤددك البلاد )
قال فاستحسن المأمون كلامه وأمر له بالحلل الفاخرة والجوائز السنية وأمر برد ضياعه وقرب منزلته وأدناه ودفع إليه من المال ما أغناه
ومن حكايات الفصحاء ونوادر البلغاء ما حكي أن عبد الملك بن مروان جلس يوما وعنده جماعة من خواصه وأهل مسامرته فقال أيكم يأتيني بحروف المعجم في بدنه وله علي ما يتمناه فقام إليه سويد بن غفلة فقال أنا لها يا أمير المؤمنين قال هات فقال نعم يا أمير المؤمنين أنف بطن ترقوة ثغر جمجمة حلق خد دماغ ذكر رقبة زند ساق شفة صدر ضلع طحال ظهر عين غبب فم قفا كف لسان منخر نغنوغ هامة وجه يد وهذه آخر حروف المعجم والسلام على أمير المؤمنين فقام بعض أصحاب عبد الملك وقال يا أمير المؤمنين أنا أقولها من جسد الإنسان مرتين فضحك عبد الملك وقال لسويد أسمعت ما قال قال أصلح الله الأمير أنا أقولها ثلاثا فقال هات

ولك ما تتمناه فابتدأ يقول انف أسنان أذن بطن بنصر بزة ترقوة تمرة تينة ثغر ثنايا ثدي جمجمة جنب جبهة حلق حنك حاجب خد خنصر خاصرة دبر دماغ درادير ذقن ذكر ذراع رقبة رأس ركبة زند زردمة زب فهناك ضحك عبد الملك حتى استلقى على قفاه ساق سرة سبابة شفة شفر شارب صدر صدع صلعة ضلع ضفيرة ضرس طحال طرة طرف ظهر ظفر ظلم عين عنق عاتق غبب غلصمة غنة فم فك فؤاد قلب قفا قدم كف كتف كعب لسان لحية لوح منخر مرفق منكب نغنوغ ناب نن هامة هيئة هيف وجه وجنة ورك يمين يسار يافوخ ثم نهض مسرعا فقبل الأرض بين يدي أمير المؤمنين قال فعندها ضحك عبد الملك وقال والله ما تزيدنا عليها شيئا أعطوه ما يتمناه ثم أجازه وأنعم عليه وبالغ في الإحسان إليه
وكان الحجاج بن يوسف الثقفي من الفصحاء وكان على عتوه وإسرافه جوادا وكان إذا ضحك واستغرق في الضحك أتبع ذلك الاستغفار مرات وكان يطعم على ألف خوان وكان يطوف على الموائد ويقول يا أهل الشام مزقوا الخبز لئلا يعود إليكم ثانيا وكان يجلس على كل مائدة عشرة رجال وذلك في كل يوم وكان يقول أرى الناس يتخلفون عن طعامي فقيل له إنهم يكرهون الحضور قبل أن يدعوا فقال قد جعلت رسولي إليهم كل يوم الشمس إذا طلعت وعند المساء إذا غربت
حكي عن عبد الملك بن عمير أنه قال لما بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان اضطراب أهل العراق جمع أهل بيته وأولي النجدة من جنده وقال أيها الناس إن العراق كدر ماؤها وكثر غوغاؤها وأملولح عذبها وعظم خطبها وظهر ضرامها وعسر أخماد نيرانها فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن حامع وقلب ذكي وأنف حمي فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلومها ويداوي الجرح حتى يندمل فتصفو البلاد وتأمن العباد فسكت القوم ولم يتكلم أحد فقام الحجاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق قال

ومن أنت لله أبوك قال أنا الليث الضمضام والهزبر الهشام أنا الحجاج بن يوسف قال ومن أين قال من ثقيف كهوف الضيوف ومستعمل السيوف قال أجلس لا أم لك فلست هناك ثم قال مالي أرى الرؤوس مطرقة والألسن معتقلة فلم يجبه أحد فقام إليه الحجاج وقال أنا مجندل الفساق ومطفىء نار النفاق قال ومن انت قال أنا قاصم الظلمة ومعدن الحكمة الحجاج بن يوسف معدن العفو والعقوبة آفة الكفر والريبة قال إليك عني وذاك فلست هناك ثم قال من للعراق فسكت القوم وقام الحجاج وقال انا للعراق فقال إذن أظنك صاحبها والظافر بغنائمها وإن لكل شيء يا ابن يوسف آية وعلامة فما آيتك وما علامتك قال العقوبة والعفو والاقتدار والبسط والازورار والادناء والابعاد والجفاء والبر والتأهب والحزم وخوض غمرات الحروب بجنان غير هيوب فمن جادلني قطعته ومن نازعني قصمته ومن خالفني نزعته ومن دنا مني أكرمته ومن طلب الأمان أعطيته ومن سارع إلى الطاعة بجلته فهذه آيتي وعلامتي وما عليك يا أمير المؤمنين أن تبلوني فان كنت للاعناق قطاعا وللأموال جماعا وللأرواح نزاعا ولك في الأشياء نفاعا وإلا فليستبدل بي أمير المؤمنين فان الناس كثير ولكن من يقوم بهذا الأمر قليل فقال عبد الملك أنت لها فما الذي تحتاج إليه قال قليل من الجند والمال فدعا عبد الملك صاحب جنده فقال هيىء له من الجند شهوته وألزمهم طاعته وحذرهم مخالفته ثم دعا الخازن فأمره بمثل ذلك فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق قال عبد الملك بن عمير فبينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة إذا أتانا آت فقال هذا الحجاج قدم أميرا على العراق فتطاولت الأعناق نحوه وأفرجوا له عن صحن المسجد فإذا نحن به يمشي وعليه عمامة حمراء متلثما بها ثم صعد المنبر فلم يتكلم كلمة واحدة ولا نطق بحرف حتى غص المسجد بأهله وأهل الكوفة يومئذ ذوو حالة حسنة وهيئة جميلة فكان الواحد منهم يدخل المسجد ومعه العشرون والثلاثون من أهل بيته ومواليه وأتباعه عليهم الخز والديباج قال وكان في المسجد يومئذ

عمير بن صابىء التميمي فلما رأى الحجاج على المنبر قال لصاحب له أسبه لكم قال اكفف حتى نسمع ما يقول فأبى ابن صابىء وقال لعن الله بني أمية حيث يولون ويستعملون مثل هذا على العراق وضيع الله العراق حيث يكون هذا أميرها فوالله لو دام هذا أميرا كما هو ما كان بشيء والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا فلما رأى المسجد قد غص بأهله قال هل اجتمعتم فلم يزد عليه أحد شيئا فقال إني لا أعرف قدر اجتماعكم فهل اجتمعتم فقال رجل من القوم قد اجتمعنا أصلح الله الأمير فكشف عن لثامه ونهض قائما فكان أول شيء نطق بهأن قال والله إني لأرى رؤسا أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى والله يا أهل العراق إن أمير المؤمنين نثر كنانة بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أثرتم الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأنكلن بكم في البلاد ولأجعلنكم مثلا في كل واد ولأضربنكم ضرب غرائب الابل وإني يا أهل العراق لا أعد إلا وفيت ولا أعزم إلا أمضيت فاياي وهذه الزرافات والجماعات وقيل وقال وكان ويكون يا أهل العراق إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأتاها وعيد القرى من ربها فاستوثقوا واستقيموا واعملوا ولا تميلوا وتابعوا وبايعوا واجتمعوا واستمعوا فليس منى الاهدار والاكثار إنما هو هذا السيف ثم لا ينسلخ الشتاء من الصيف حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ويقيم له أودكم ثم إني وجدت الصدق مع البر ووجدت البر في الجنة ووجدت الكذب مع الفجور ووجدت الفجور في النار وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني أن أنفق فيكم وأوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب ابن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا يتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يرد أحد شيئا فقال الحجاج اكفف

يا غلام ثم أقبل على الناس فقال أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون شيئا عليه هذا أدبكم الذي تأدبتم به أما والله لأودبنكم أدبا غير هذا الأدب اقرأ يا غلام فقرأ حتى بلغ قوله سلام عليكم فلم يبق أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام ثم نزل بعدما فرغ من خطبته وقراءته ووضع للناس عطاياهم فجعلوا يأخذونها حتى أتاه شيخ يرعش فقال أيها الأمير إني على الضعف كما ترى ولي ابن هو اقوى مني على الاسفار أفتقبله بديلا مني فقال نقبله إيها الشيخ فلما ولى قال له قائل أتدري من هذا أيها الأمير قال لا قال هذا ابن صابىء الذي يقول
( هممت ولم افعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله )
ولقد دخل هذا الشيخ على عثمان رضي الله عنه وهو مقتول فوطىء في بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه فقال الحجاج ردوه فلما ردوه قال له الحجاج أنت الفاعل بأمير المؤمنين عثمان ما فعلت يوم قتل الدار إن في قتلك إيها الشيخ اصلاحا للمسلمين يا سياف اضرب عنقه فضرب عنقه وكان من أمره بعد ذلك ما عرف وسطر
ومن حكايات الحجاج ما حكي أنه لما أسرف في قتل أسرى دير الجماجم وأعطى الأموال بلغ ذلك أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فشق عليه وكتب إليه اما بعد فقد بلغني عنك أسراف في الدماء وتبذير في العطاء وقد حكمت عليك في الدماء في الخطأ بالدية وفي العمد بالقود وفي الأموال أن تردها إلى مواضعها ثم تعمل فيها برأيي فإنما هو مال الله تعالى ونحن أمناؤه فإن كنت اردت الناس لي فما أغناني عنهم وإن كنت أردتهم لنفسك فما أغناك عنهم وسيأتيك عني أمران لين وشدة فلا يؤمننك إلا الطاعة ولا يوحشنك إلا المعصية وإذا أعطاك الله عز و جل الظفر فلا تقتلن جانحا ولا أسيرا وكتب في أسفل الكتاب

( إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها ... وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه )
( فإن ترمني غفلة قرشية ... فيا ربما قد غص بالماء شاربه )
( وأن تر مني وثبة أموية ... فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه )
( فلا تأمننى والحوادث جمة ... فإنك تجزي بالذي أنت كاسبه )
( فلا تعد ما يأتيك مني وإن تعد ... يقمن به يوما عليك نوادبه )
( فلا تمنعن الناس حقا علمته ... ولا تعطين ما ليس للناس واجبه )
( فإنك أن تعطي الحقوق فإنما ... النوافل شيء لا يثيبك واهبه )
فلما ورد الكتاب على الحجاج كتب إلى أمير المؤمنين أما بعد فقد ورد كتاب أمير المؤمنين بذكر إسرافي وتبذيري في الأموال ولعمري ما بلغت في عقوبة أهل المعصية ولا قضيت حقوق أهل الطاعة فإن كان قتلي العصاة إسرافا وإعطائي المطيعين تبذيرا فليمض لي أمير المؤمنين ما سلف والله ما أصبت القوم خطأ فأوديهم ولا ظلمتهم عمدا فأقاديهم ولا قتلت إلا لك ولا أعطيت إلا فيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنا لا أبغي رضاك وأتقي ... أذاك فليلي لا توارى كواكبه )
( وما لامرىء بعد الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راكبه )
( إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... لقامت عليه بالصباح نوادبه )
( إذا أنا لم أدن الشفيق لنصحه ... واقص الذي تسري إلي عقاربه )
( وأعط المواسي في البلاء عطية ... لرد الذي ضاقت علي مذاهبه )
( فمن يتقي بؤسي ويرجو مودتي ... ويخشى غدا والدهر جم نوائبه )
( وأمري إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه )
( ومهما أردت اليوم مني أردته ... وما لم ترده اليوم إني مجانبه )
( وقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... مدى الدهر حتى يرجع الدرحالبه )
( وإلا فدعني والأمور فإنني ... شفيق رفيق أحكمته تجاربه )

فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال خاف أبو محمد صولتي ولم يعاود لأمر كرهته إن شاء الله تعالى فمن يلومني على محبته يا غلام أكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وأنت أعلى عينا بما هناك
وفي مروج الذهب للمسعودي أن أم الحجاج وهي الفارغة بنت همام ولدته مشوها لا دبر له فثقب له دبر وأبى أن يقبل الثدي وأعياهم أمره فيقال ان الشيطان تصور له في صورة الحرث بن كلدة حكيم العرب فسألهم عن ذلك فأخبره مخبر من أهله فقال لهم اذبحوا له تيسا وألعقوه من دمه وأولغوه فيه ثم أطلوا به وجهه ففعلوا ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يقدر غيره عليها وكانت أمه متزوجة قبل أبيه الحرث بن كلدة فدخل عليها يوما في السحر فوجدها تخلل أسنانها فطلقها فسألته لم فعل فقال لها إن كنت باكرت الغداء فأنت شرهة وإن كان بقايا طعام بفيك فأنت قذرة فقالت كل ذلك لم يكن وإنما تخللت من شظايا السواك فقال قضي الأمر فتزوجها بعده يوسف بن عقيل الثقفي فأولدها الحجاج وقيل أن الحجاج تقلد الإمارة وهو ابن عشرين سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة وكان من عنف السياسة وثقل الوطأة وظلم الرعية والإسراف في القتل على ما لا يبلغه وصف أحصي من قتله الحجاج بأمره سوى من قتله في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفا ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة لم يجب على أحد منهم قطع ولا قتل وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن لحبسه سقف يستر الناس من الحر والبرد وقيل للشعبي أكان الحجاج مؤمنا قال نعم بالطاغوت وقال لو جاءت كل أمة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم والله أعلم وقد مضي القول في ذكر الفصحاء من الرجال وحكاياتهم وما أعان الله تعالى عليه واستحضرته من أخبارهم وأنا قائل أن شاء الله تعالى ما استحضرته من ذكر فصحاء النساء وأخبارهن وحكاياتهن والله المستعان

ذكر فصحاء النساء وحكاياتهن
حكي عن ابي عبد الله النميري أنه قال كنت يوما مع المأمون وكان بالكوفة فركب للصيد ومعه سرية من العسكر فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة فأطلق عنان جواده وكان على سابق من الخيل فأشرف على نهر ماء من الفرات فإذا هو بجارية عربية خماسية القد قاعدة النهد كانها القمر ليلة تمامه وبيدها قربة قد ملأتها وحملتها على كتفها وصعدت من حافة النهر فانحل وكاؤها فصاحت برفيع صوتها يا ابت أدرك فاها قد غلبني فوها لا طاقة لي بفيها قال فعجب المأمون من فصاحتها ورمت الجارية القربة من يدها فقال لها المأمون يا جارية من أي العرب أنت قالت أنا من بني كلاب قال وما الذي حملك أن تكوني من الكلاب فقالت والله لست من الكلاب وأنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف ويضربون بالسيف ثم قالت يا فتى من أي الناس أنت فقال أو عندك علم بالأنساب قالت نعم قال لها أنا من مضر الحمراء قالت من أي مضر قال من اكرمها نسبا وأعظمها حسبا وخيرها أما وأبا وممن تهابه مضر كلها قالت أظنك من كنانة قال أنا من كناية قالت فمن أي كنانة قال من أكرمها مولدا وأشرفها محتدا وأطولها في المكرمات يدا ممن تهابه كنانة وتخافه فقالت اذن أنت من قريش قال أنا من قريش قالت من أي قريش قال من أجملها ذكرا وأعظمها فخرا ممن تهابه قريش كلها وتخشاه قالت أنت والله من بني هاشم قال أنا من بني هاشم قالت من أي هاشم قال من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ممن تهابه هاشم وتخافه فعند ذلك قبلت الأرض وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين قال فعجب المأمون وطرب طربا عظيما وقال والله لأتزوجن بهذه الجارية لأنها من أكبر الغنائم ووقف حتى تلاحقته

العساكر فنزل هناك وانفذ خلف ابيها وخطبها منه فزوجه بها وأخذها وعاد مسرورا وهي والدة ولده العباس والله أعلم
وحكي أن هند ابنة النعمان كانت أحسن أهل زمانها فوصف للحجاج حسنها فأنفذ إليها يخطبها وبذل لها مالا جزيلا وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم ودخل بها ثم انها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة وكانت هند فصيحة أديبة فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة ثم إن الحجاج رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة وتقول
( وما هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها بغل )
( فإن ولدت فحلا فلله درها ... وإن ولدت بغلا فجاء به البغل )
فانصرف الحجاج راجعا ولم يدخل عليها ولم تكن علمت به فأراد الحجاج طلاقها فأنفذ إليها عبد الله ابن طاهر وأنفذ لها معه مائتي الف درهم وهي التي كانت لها عليه وقال يا ابن طاهر طلقها بكلمتين ولا تزد عليهما فدخل عبد الله بن طاهر عليها فقال لها يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله فقالت إعلم يا ابن طاهر أنا والله كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها فأرسل إليها يخطبها فأرسلت إليه كتابا تقول فيه بعد الثناء عليه إعلم يا امير المؤمنين أن الإناء ولغ فيه الكلب فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك من قولها وكتب إليها يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب فاغسلي الإناء يحل الاستعمال فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة فكتبت إليه بعد الثناء عليه يا امير المؤمنين والله لا أحل العقد إلا بشرط فإن قلت ما هو الشرط قلت أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك التي أنت فيها ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولا فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكا شديدا وانفذ إلى الحجاج

وأمره بذلك فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر ولم يخالف وأنفذ إلى هند يأمرها بالتجهز فتجهزت وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند فركبت هند في محمل الزفاف وركب حولها جواريها وخدمها وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير بها فجعلت هند تتواغد عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها ثم إنها قالت للهيفاء يا داية إكشفي لي سجف المحمل فكشفته فوقع وجهها في وجه الحجاج فضحكت عليه فأنشأ يقول
( فإن تضحكي مني فيا طول ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج )
فأجابته هند تقول
( وما نبالي إذا أرواحنا سلمت ... بما فقدناه من مال ومن نشب )
( فالمال مكتسب والعز مرتجع ... إذا النفوس وقاها الله من عطب )
ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة فرمت بدينار على الأرض ونادت يا جمال إنه قد سقط منا درهم فارفعه إلينا فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد إلا دينار فقال إنما هو دينار فقالت بل هو درهم قال بل دينار فقالت الحمد الله سقط منا درهم فعوضنا الله دينارا فخجل الحجاج وسكت ولم يرد جوابا ثم دخل بها على عبد الملك بن مروان فتزوج بها وكان من أمرها ما كان وقد وجدت في بعض النسخ ما هو أوسع من هذا ولكن اقتصرت على القليل منه إذ فيه الغرض والله أعلم
وقيل إن جارية عرضت على الرشيد ليشتريها فتأملها وقال لمولاها خذ جاريتك فلولا كلف بوجهها وخنس بأنفها لاشتريتها فلما سمعت الجارية مقالة أمير المؤمنين قالت مبادرة يا امير المؤمنين اسمع مني ما اقول فقال قولي فأنشدت تقول
( ما سلم الظبي على حسنه ... كلا ولا البدر الذي يوصف )

( الظبي فيه خنس بين ... والبدر فيه كلف يعرف )
قال فعجب من فصاحتها وأمر بشرائها وقيل عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال فائقة في الكمال غير أنها كانت تعرج برجلها فقال لمولاها خذ بيدها وارجع فلولا عرج بها لاشتريتها فقالت الجارية يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لا يكون بحيث تراه فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها
ومن ذلك ما حكي أن كريم الملك كان من ظرفاء الكتاب فعبر يوما تحت جوسق ببستان فرأى جارية ذات وجه زاهر وكمال باهر لا يستطيع أحد وصفها فلما نظر إليها ذهل عقله وطار لبه فعاد إلى منزله وأرسل إليها هدية نفيسة مع عجوز كانت تخدمه وكانت الجارية عزباء وكتب إليها رقعة يعرض إليها بالزيارة في جوسقها فلما قرأت الرقعة قبلت الهدية ثم أرسلت إليه مع العجوز عنبرا وجعلت فيه زر ذهب وربطت ذلك على منديل وقالت للعجوز هذا جواب رقعته فلما رأى كريم الملك ذلك لم يفهم معناه وتحير في أمره وكانت له ابنة صغيرة السن فلما رأت أباها متحيرا في ذلك قالت له يا أبت أنا علمت معناه قال وما هو لله درك قالت
( أهدت لك العنبر في جوفه ... زر من التبر خفي اللحام )
( فالزر والعنبر معناهما ... زر هكذا مختفيا في الظلام )
قال فعجب من فطنتها وفصاحتها واستحسن ذلك منها
وحكي إن طائفة من بني تميم كانوا يكسرون أول الفعل فمرت فتاة منهم جميلة الصورة على جماعة فناداها شخص منهم وأراد أن يوقعها فيما ينسب إليهم من كسر الفعل فقال لأي شيء يا بني تميم ما تكتنون فقالت ولم لا نكتني وكسرت الفعل فضحك عليها وقال أفعل إن شاء الله فخجلت من قوله وتغير وجهها وأرادت

أن توقعه كما أوقعها فقالت له هل تحسن شيئا من العروض قال نعم قالت قطع لي
( حولوا عنا كنيستكم ... يا بني حمالة الحطب )
فقطعه فوقف على عن ثم ابتدأ بالنون والألف مع بقية الحروف فضحكت عليه وأضحكت أصحابه فقال ويحك لم تبرحي حتى أخذت ثأرك
وحكي إن شاعرا كان له عدو فبينما هو سائر ذات يوم في بعض الطرق إذا هو بعدوه فعلم الشاعر أن عدوه قاتله لا محالة فقال له يا هذا أنا أعلم أن المنية قد حضرت ولكن سألتك الله إذا أنت قتلتني أمض إلى داري وقف بالباب وقل ألا أيها البنتان إن أباكما فقال سمعا وطاعة ثم إنه قتله فلما فرغ من قتله أتى إلى داره ووقف بالباب وقال ألا ايها البنتان إن أباكما وكان للشاعر ابنتان فلما سمعتا قول الرجل ألا أيها البنتان إن أباكما اجابتا بفم واحد قتيل خذا بالثأر ممن أتاكما ثم تعلقتا بالرجل ورفعتاه إلى الحاكم فاستقرره فأقر بقتله فقتله والله أعلم
وقيل بينما كثير عزة مار بالطريق يوما إذا هو بعجوز عمياء على قارعة الطريق تمشي فقال لها تنحي عن الطريق فقالت له ويحك ومن تكون قال انا كثير عزة قالت قبحك الله وهل مثلك يتنحى له عن الطريق قال ولم قالت ألست القائل
( وما روضة بالحسن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها )
( بأطيب من أردان عزة موهنا ... إذا أوقدت بالمجمر اللدن نارها )

ويحك يا هذا لو تبخر بالمجمر اللدن مثلي ومثل أمك لطاب ريحها لم لا قلت مثل سيدك أمرىء القيس
( وكنت إذا ما جئت بالليل طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب )
فقطعته ولم يرد جوابا وقيل أتى الحجاج بامرأة من الخوارج فقال لأصحابه ما تقولون فيها قالوا عاجلها بالقتل أيها الأمير فقالت الخارجية لقد كان وزراء صاحبك خيرا من وزرائك يا حجاج قال ومن هو صاحبي قالت فرعون استشارهم في موسى عليه السلام فقالوا أرجه وأخاه وأتي بأخرى من الخوارج فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه فقيل لها الأمير يكلمك وأنت لا تنظرين إليه فقالت إني لأستحي أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه
وحكى ابن الجوزي في كتابه المنتظم في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة بلغه أن أصدقة أزواج النبي خمسمائة درهم وإن فاطمة رضي الله عنها كان صداقها على علي بن ابي طالب كرم الله وجهه أربعمائة درهم فأدى اجتهاد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن لا يزيد أحد على صداق البضعة النبوية فاطمة رضي الله عنها فصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال أيها الناس لا تزيدوا في مهور النساء على أربعمائة درهم فمن زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين فهاب الناس أن يكلموه فقامت امرأة في يدها طول فقالت له كيف يحل لك هذا والله تعالى تقول ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) فقال عمر رضي الله عنه امرأة أصابت ورجل أخطأ وقيل جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال لها نعم الرجل زوجك وكان في مجلسه رجل يسمى كعبا فقال يا أمير المؤمنين إن هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه فقال له كما فهمت كلامها احكم بينهما فقال كعب علي بزوجها فأحضر فقال له

إن هذه المرأة تشكوك قال أفي أمر طعام أم شراب قال بل في أمر مباعدتك إياها عن فراشك فأنشدت المرأة تقول
( يا أيها القاضي الحكيم أنشده ... ألهى خليلي عن فراشي مسجده )
( نهاره وليله لا يرقده ... فلست في أمر النساء أحمده )
فأنشأ الزوج يقول
( زهدني في فرشها وفي الحلل ... أني امرؤ أذهلني ما قد نزل )
( في سورة النمل وفي السبع الطول ... وفي كتاب الله تخويف يجل )
فقال له القاضي
( إن لها عليك حقا لم يزل ... في أربع نصيبها لمن عقل )
( فعاطها ذاك ودع عنك العلل ... )
ثم قال إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع فلك ثلاثة أيام بلياليهن ولها يوم وليلة فقال عمر رضي الله عنه لا أدري من ايكم أعجب أمن كلامها أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك البصرة
حكاية المتكلمة بالقرآن )
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة و السلام فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد على الطريق فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت السلام عليك ورحمةالله وبركاته فقالت سلام قولا من رب رحيم قال فقلت لها يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان قالت ومن يضلل الله فلا هادي له فعلمت انها ضالة عن الطريق فقلت لها أين تريدين قالت سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فعلمت أنها قد قضت حجها وهي تريد بيت المقدس

فقلت له أنت منذ كم في هذا الموضع قالت ( ثلاث ليال سويا ) فقلت ما أرى معك طعاما تأكلين قالت ( هو يطعمني ويسقين ) فقلت فبأي شيء تتوضئين قالت ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) فقلت لها إن معي طعاما فهل لك في الأكل قالت ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) فقلت ليس هذا شهر رمضان قالت ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) فقلت قد أبيح لنا الإفطار في السفر قالت ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) فقلت لم لا تكلميني مثل ما اكلمك قالت ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) فقلت فمن أي الناس أنت قالت ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) فقلت قد أخطأت فاجعليني في حل قالت ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ) فقلت فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة قالت ( وما تفعلوا من خير يعمله الله ) قال فانحت ناقتي قالت ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) فغضضت بصري عنها وقلت لها اركبي فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) فقلت لها اصبري حتى أعقلها قالت ( ففهمناها سليمان ) فعقلت الناقة وقلت لها اركبي فلما ركبت قالت ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) قال فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح فقالت ( وأقصد في مشيك وأغضض من صوتك ) فجعلت أمشي رويدا رويدا وأترنم بالشعر فقالت ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن فقلت لها لقد أوتيت خيرا كثيرا قالت ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) فلما مشيت بها قليلا قلت ألك زوج قالت ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء أن تبدلكم تسؤكم ) فسكت ولم اكلمها حتى أدركت بها القافلة فقلت لها هذه القافلة فمن لك فيها فقالت ( المال والبنون زينة الحياة والدنيا ) فعلمت أن لها أولاد فقلت وما شأنهم في الحج قالت ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القباب والعمارات فقلت هذه القباب فمن لك فيها قالت ( واتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم الله موسى

تكليما يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا فلما استقر بهم الجلوس قالت ( فأبعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) فمضى أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يدي فقالت ( كلوا وأشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) فقلت الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها فقالوا هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن فسبحان القادرعلى ما يشاء فقلت ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) والله أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثامن في الاجوبة المسكتة والمستحسنة ورشقات اللسان وما جرى مجرى ذلك
قيل أن معن بن زائدة دخل على المنصور فقال له هيه يا معن تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله
( معن بن زائدة الذي زادت به ... شرفا على شرف بنو شيبان )
فقال كلا يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على قوله
( ما زلت يوم الهاشمية معلنا ... بالسيف دون الرحمن )
( فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان )
فقال أحسنت والله يا معن وأمر له بالجوائز والخلع ووفد ابن أبي محجن على معاوية فقام خطيبا فاحسن فحسده معاوية وأراد أن يوقعه فقال له أنت الذي أوصاك أبوك بقوله
( إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروى عظامي بعد موتي عروقها )
( ولا تدفنني في الغلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها )
وقال بل أنا الذي يقول أبي
( لا تسأل الناس ما مالي وكثرته ... وسائل الناس ما جودي وما خلقي )
( أعطي الحسام غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلق )
( وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق )

( ويعلم الناس أني من سراتهم ... إذا سما بصر الرعديد بالفرق )
فقال له معاوية أحسنت والله يا ابن أبي محجن وأمر له بصلة وجائزة
وقيل أخذ عبد الملك بن مروان بعض أصحاب شبيب الحارثي فقال له ألست القائل
( ومنا شريد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب )
فقال يا أمير المؤمنين إنما قلت ومنا أمير المؤمنين شبيب وأردت بذلك مناداة لك فكان ذلك سببا لنجاته
ودخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميما فقال له معاوية إنك لدميم والجميل خير من الدميم وإنك لشريك وما لله من شريك وإن اباك لأعور والصحيح خير من الأعور فكيف سدت قومك فقال له إنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت فكيف صرت أمير المؤمنين ثم خرج وهو يقول
( أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني )
( وحولي من ذوي يزن ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان )
( يعير بالدمامة من سفاه ... وربات الحجال من الغواني )
ودخل يزيد بنأبي مسلم صاحب شرطة الحجاج على سليمان بن عبد الملك بعد موت الحجاج فقال له سليمان قبح الله رجلا أجرك رسنه وأولاك أمانته فقال يا أمير المؤمنين رأيتني والأمر لك وهو عني مدبر فلو رأيتني وهو علي مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت واستعظمت مني ما استعظمت فقال سليمان أترى الحجاج استقر

في جهنم فقال يا أمير المؤمنين لا تقل ذلك فان الحجاج وطأ لكم المنابر وأذل لكم الجبابرة وهو يجيء يوم القيامة عن يمين ابيك وشمال أخيك فحيثما كانا كان
وقال يهودي لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه ما لكم لم تلبثوا بعد نبيكم الا خمس عشرة سنة حتى تقاتلتم فقال علي كرم الله وجهه ولم أنتم لم تجف أقدامكم من البلل حتى قلتم يا موسى أجعل لنا إلها كما لهم آلهة ووجد الحجاج على منبره مكتوبا قل تمتع بكفرك قليلا إنك من اصحاب النار فكتب تحته قل ( موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ) ودخل عقيل على معاوية وقد كف بصره فاجلسه معه على سريره ثم قال له أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم فقال له عقيل وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم وقيل اجتمعت بنو هاشم يوما عند معاوية فاقبل عليهم وقال يا بني هاشم ان خيري لكم لممنوح وان بابي لكم لمفتوح فلا يقطع خيري عنكم ولا يرد بأبي دونكم ولما نظرت في أمري وأمركم رأيت أمرا مختلفا انكم ترون أنكم أحق بما في يدي مني وإذا أعطيتكم عطية فيها قضاء حقوقكم قلتم أعطانا دون حقنا وقصر بنا عن قدرنا فصرت كالمسلوب والمسلوب لا حمد له هذا مع انصاف قائلكم وإسعاف سائلكم قال فاقبل عليه ابن عباس رضي الله عنهما فقال والله ما منحتنا شيئا حتى سألناه ولا فتحت لنا بابا حتى قرعناه ولئن قطعت عنا خيرك فخير الله أوسع منك ولئن أغلقت دوننا بابا لنكففن أنفسنا عنك وأما هذا المال فليس لك منه إلا ما للرجل من المسلمين ولولا حقنا في هذا المال لم يأتك منا زائر يحمله خف ولا حافر أكفاك أم أزيدك قال كفاني يا ابن عباس وقال معاوية يومها أيها الناس إن الله حبا قريش بثلاث فقال لنبيه ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ونحن عشيرته الأقربون وقال تعالى ( وإنه لذكر لك ولقومك ) ونحن قومه وقال

( لا يلاف قريش إيلافهم ) ونحن قريش فأجابه رجل من الأنصار فقال على رسلك يا معاوية فإن الله تعالى يقول ( وكذب به قومك وهو الحق ) وأنتم قومه وقال تعالى ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ) وأنتم قومه وقال تعالى وقال الرسول ( يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) وأنتم قومه ثلاثة بثلاثة ولو زدتنا لزدناك
وقال معاوية أيضا لرجل من اليمن ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة فقال أجهل من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ولم يقولوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه وقال يوما لجارية بن قدامة ما كان أهونك على قومك إذ سموك جارية فقال ما كان أهونك على قومك إذ سموك معاوية وهي الأنثى من الكلاب قال اسكت لا ام لك قال ام لي ولدتني أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا وإنك لم تهلكنا قسوة ولم تملكنا عنوة ولكنك أعطيتنا عهدا وميثاقا وأعطيناك سمعا وطاعة فإن وفيت لنا وفينا لك وإن نزعت إلى غير ذلك فإنا تركنا وراءنا رجالا شدادا وأسنة حدادا فقال معاوية لا أكثر الله في الناس مثلك يا جارية فقال له قل معروفا فإن شر الدعاء محيط بأهله وخطب معاوية يوما فقال إن الله تعالى يقول ( وأن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) فعلام تلوموني إذا قصرت في عطاياكم فقال له الأحنف وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما انزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه وقيل دخل مجنون الطاق يوما إلى الحمام وكان بغير مئزر فرآه أبو حنيفة

رضي الله تعالى عنه وكان في الحمام فغمض عينيه فقال المجنون متى أعماك الله قال حين هتك سترك
ومن ذلك ما حكى أن الحجاج خرج يوما متنزها فلما فرغ من نزهته صرف عنه اصحابه وانفرد بنفسه فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له من أين أيها الشيخ قال من هذه القرية قال كيف ترون عمالكم قال شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم قال فكيف قولك في الحجاج قال ذاك ما ولى العراق شر منه قبحه الله وقبح من استعمله قال أتعرف من أنا قال لا قال أنا الحجاج قال جعلت فداك أو تعرف من أنا قال لا قال فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين قال فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة
وقال رجل لصاحب منزل أصلح خشب هذا السقف فإنه يقرقع قال لاتخف فإنه يسبح قال إني أخاف أن تدركه رقة فيسجد
وقالت عجوز لزوجها أما تستحي أن تزني ولك حلال طيب قال أما حلال فنعم وأما طيب فلا
وقال ملك لوزيره ما خير ما يرزقه العبد قال عقل يعيش به قال فإن عدمه قال أدب يتحلى به قال فإن عدمه قال مال يستره قال فإن عدمه قال فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد
وتنبأ رجل في زمن المنصور مقال له المنصور أنت نبي سفلة فقال جعلت فداك كل نبي يبعث إلى شكلها
ومن الأجوبة المسكنة المستحسنة
ما ذكر أن إبراهيم مغني الرشيد غنى يوما بين يديه فقال له أحسنت أحسن الله إليك فقال له يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله الي بك فأمر له بمائة ألف درهم وقال رجل لبعض العلوية أنت بستان

فقال العلوي وأنت النهر الذي يسقى منه البستان وذبحت عائشة رضي الله تعالى عنها شاة وتصدقت بها وأفضلت منها كتفا فقال لها النبي ما عندك منها فقالت ما بقي منها إلا كتف فقال كلها إلا كتفا وقال عبد الله بن يحيى لأبي العيناء كيف الحال قال أنت الحال فانظر كيف انت لنا فأمر له بمال جزيل وأحسن صلته وكان عمرو بن سعد بن سالم في حرس المأمون ليلة فخرج المأمون يتفقد الحرس فقال لعمرو من أنت قال عمرو عمرك الله بن سعد أسعدك الله بن سالم سلمك الله قال انت تلكؤنا الليلة قال الله يلكؤك يا أمير المؤمنين وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين فقالالمأمون
( إن أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك )
( ومن اذا رأيت الزمان صدعك ... شتت فيك شمله ليجمعك )
دفعوا إليه أربعة آلاف دينار قال عمرو وددت لو أن الأبيات طالت وقال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي صغير أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص لفص كان في يده قال نعم يا أمير المؤمنين اليد التي هو فيها أحسن منه فأعجبه جوابه وأمر له بصلة وكسوة وقيل أن رجلا سأل العباس رضي الله عنه أأنت أكبر أم رسول الله فقال رسول الله أكبر وأنا ولدت قبله وقال معاوية لسعيد بن مرة الكندي أأنت سعيد قال أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة وقال المأمون للسيد بن أنس أأنت السيد قال أمير المؤمنين السيد وأنا ابن أنس وقال الحجاج للمهلب وهو يماشيه أأنا أطول أم أنت قال الأمير أطول وأنا أبسط قامة أراد الطول وهو الفضل والأجوبة بهذا المعنى كثيرة لو تتبعتها لعجزت عنها ولكني اقتصرت على هذا وأوجزت وفيما ذكرته من ذلك كفاية وأسأل الله تعالى العون والعناية

الباب التاسع في ذكر الخطب والخطباء والشعر والشعراء وسرقاتهم وكبوات الجياد وهفوات الأمجاد
قيل خطب المأمون فقال اتقوا الله عباد الله وأنتم في مهل بادروا الأجل ولا يغرنكم الأمل فكأني بالموت قد نزل فشغلت المرء شواغله وتولت عنه فواصله وهيئت أكفانه وبكاه جيرانه وصار إلى التراب الخالي بجسده البالي فهو في التراب عفير وإلى ما قدم فقير وقال الشعبي ما سمعت أحدا يخطب إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يخطىء ما خلا زيادا فإنه لا يزداد اكثارا إلا أزداد إحسانا
وخطب علي رضي الله عنه فقال في خطبته عباد الله الموت الموت ليس منه فوت إن أقمتم أخذكم وإن فررتم منه أدرككم الموت معقود بنواصيكم فالنجا النجا والوحا الوحا فإن وراءكم طالبا حثيثا وهو القبر ألا وإن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث كلمات فيقول أنا بيت الظلمة أنا بيت الوحشة أنا بيت الديدان ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد منه يوما يشيب فيه الصغير ويسكر فيه الكبير ( تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديدا ) ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد منه فيه نار تتسعر حرها شديد وقعرها بعيد وحليها حديد وماؤها صديد ليس لله فيها رحمة قال فبكي المسلمون بكاء شديدا ثم قال ألا وإن وراء ذلك اليوم ( جنة عرضها كعرض

السموات والأرض أعدت للمتقين ) أدخلنا الله وإياكم دار النعيم وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم
وخطب الحجاج بن يوسف فقال في بعض خطبه أن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن رضي الله عنه خطب بالبصرة فقال أيها الناس كل كلام في غير ذكر فهو لغو وكل صمت في غير فكر فهو سهو والدنيا حلم والآخرة يقظة والموت متوسط بينهما ونحن في أضغاث أحلام قيل اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة فقام رجل من الخطباء من عذرة يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبرا ثم قال أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية ثم قال فإن يهلك فهذا وأشار إلى يزيد ثم قال فمن أبى فهذا وأشار إلى سيفه فقال له معاوية أنت سيد الخطباء
فصل في ذكر الشعر والشعراء وسرقاتهم
قيل ما استدعي شارد الشعر بمثل الماء الجاري والشرف العالي والمكان الخضر الخالي وقيل أمسك على النابغة الجعدي أربعين يوما فلم ينطق بالشعر ثم أن بني جعدة غزوا فظفروا فاستخفه الطرب والفرح فرام الشعر فذل له ما أستصعب عليه فقال له قومه والله لنحن بإطلاق لسان شاعرنا أسر منا بالظفر بعدونا وقال أبو نواس ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء وليلى فما ظنك بالرجال وقال الرجال الشعراء أمراء الكلام يتصرفون فيه كيف شاؤا جائز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من اطلاق المعنى وتقييده ومن تسهيل اللفظ وتعقيده وقيل وفد زياد بن عبد الله على معاوية فقال له أقرأت القرآن قال نعم قال أقرضت القريض قال نعم قال أرويت الشعر قال لا فكتب إلى عبد الله أبا زياد بارك الله لك في

ابنك فأروه الشعر فقد وجدته كاملا وأني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول أرووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق وبقي مساويها وتعلموا الأنساب فرب رحم مجهولة قد وصفت بعريان النسب وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر ولقد هممت بالهرب يوم صفين فما ثبتني الا قول القائل
( أقول لها اذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي )
وقيل لم ير قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر كان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء فلا يتميز عن مفولهم ثم تنسك فكان يختم القرآن كل يوم وليلة وبذل له بعض الملوك مالا جزيلا على أن يتكلم في بيت من الشعر شكوا فيه فأبى وكان الحسن ابن علي رضي الله عنه يعطي الشعراء فقيل له في ذلك فقال خير مالك ما وقيت به في عرضك وقال أبو الزناد ما رأيت اروى للشعر من عروة قلت له ما أرواك يا أبا عبد الله فقال وما روايتي مع رواية عائشة رضي الله عنها ما كان ينزل بها شيء الا أنشدت فيه شعرا وكان رسول الله يتمثل بقول القائل كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا ولم ينطق به موزونا فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه أشهد أنك رسول الله حقا وتلا قوله تعالى ( وما علمناه الشعر وما ينبغي )
ولنذكر نبذة من سرقات الشعراء وسقطاتهم
فمن ذلك قول قيس بن الخطيم وهو شاعر الأوس وشجاعها
( وما المال والأخلاق الا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود )
وكيف يخفى ما أخذه مع اشتهار قصيدة طرفة بن العبد وهي معلقه على الكعبة يقول فيها

( لعمرك ما الأيام الا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود )
ومن ذلك قول عبدة بن الطيب
( فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما )
أخذه من قول امرىء القيس
( فلو أنها نفسي تموت شريتها ... ولكنها نفس تساقط أنفسا )
ويقال من سرق شيئا واسترقه فقد استحقه وهو أن يسرق الشاعر المعنى دون اللفظ فمن السرقة الفاحشة قول كثير في عبد الملك بن مروان
( إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها عقد در يزينها )
أخذه من قول الحطيئة ولم يغير سوى الروي
( إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها لؤلؤ وشنوف )
وجرير على سعة تبحره وقدرته على غرر الشعر وابتكار الكلام نقل قوله
( فلو كان الخلود بفضل قوم ... على قوم لكان لنا الخلود )
من قول زهير وهو شعر مشهور يحفظه الصبيان وترويه النسوان وهو
( فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت ... ولكن حمد المرء غير مخلد )
وقد قال الشماخ
( وأمر ترجي النفس ليس بنافع ... وآخر تخشى ضيره لا يضيرها )
وهو مأخوذ من قول الآخر
( ترجي النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها )
وأبو تمام مع قوته وقدرته على الكلام يقول
( وأحسن من نور تفتحه الصبا ... بياض العطايا في سواد المطالب )

أخذه من قول الأخطل
( رأيت بياضا في سواد كأنه ... بياض العطايا في سواد المطالب )
ومن سقطات الشعراء
ما قيل أن أبا العتاهية كان مع تقدمه في الشعر كثير السقط روي أنه لقي محمد ابن مبادر بمكة فمازحه وضاحكه ثم أنه دخل على الرشيد فقال يا أمير المؤمنين هذا شاعر البصرة يقول قصيدة في كل سنة وأنا أقول في كل سنة مائتي قصيدة فأدخله الرشيد إليه وقال ما هذا الذي يقول أبو العتاهية فقال يا أمير المؤمنين لو كنت أقول كما يقول
( ألا يا عتبة الساعه ... أموت الساعة الساعه )
لقلت كثيرا ولكني أقول
( ابن عبد الحميد يوم توفى ... هد ركنا ما كان بالمهدود )
( ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود )
فأعجب الرشيد قوله وأمر له بعشرة آلاف درهم فكاد أبو العتاهية يموت غما وأسفا وكان بشار بن برد يسمونه أبا المحدثين ويسلمون إليه في الفضيلة والسبق وبعض أهل اللغة يستشهد بشعره ومع ذلك قال
( إنما عظم سليمى حبتي ... قصب السكر لا عظم الحمل )
( واذا أدنيت منها بصلا ... غلب المسك على ريح البصل )
هذا مع قوله
( اذا قامت لمشيتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران )
ومع قوله في الفخر
( كأن مثار النقع فوق رؤسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه )

ومع قوله أيضا
( اذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه )
وأبو الطيب المتنبي في فضله المشهور وأخذه بزمام الكلام وقوته على رقائق المعاني وعلى ما في شعره من الحكم والأمثال السائرة يقول
( وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ... اذا رأى غير شيء ظنه رجلا )
وغير شيء معناه المعدوم والمعدوم لا يرى فهذا سقط فاحش ومما يستهجن من قوله وتكاد أن تمجه الأسماع قوله
( تقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا ... قلاقل عش كلهن قلاقل )
وقوله وقد جمع بين قبح اللفظ وبرودة المعنى
( ان كان مثلك كان أو هو كائن ... فبرئت حينئذ من الإسلام )
ومن معانيه المسروقة قوله
( ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش )
أخذه من قول أبي تمام
( ان الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب )
قال ابو عبد الله الزبيري اجتمع راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية الأحوص وراوية نصيب فافتخر كل منهم وقال صاحبي أشعر فحكموا السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله تعالى عنهما بينهم لعقلها وتبصرها بالشعر فخرجوا حتى استأذنوا عليها وذكروا لها أمرهم فقالت لراوية جرير أليس صاحبك الذي يقول
( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام )
وأي ساعة أحلى من الزيارة بالطروق قبح الله صاحبك قبح شعره فهلا قال فادخلي بسلام ثم قالت لراوية كثير أليس صاحبك الذي يقول
( يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت )

وليس شيء أقر بعينها من النكاح أيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول
( فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي )
فما أراه هوى وإنما طلب عقله قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول
( أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا حزني من ذا يهيم بها بعدي )
فما له همة إلا من يتعشقها بعده قبحه الله وقبح شعره هلا قال
( أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي )
ثم قالت لراوية الأحوص أليس صاحبك الذي يقول
( من عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلا اذا نجم الثريا حلقا )
( باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى اذا وضح الصباح تفرقا )
قبحه الله وقبح شعره هلا قال تعانقا فلم تثن على واحد منهم وأحجم رواتهم عن جوابها رضي الله عنها
وروى ابن الكلبي قال لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد على الخلفاء من قبله فأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم في الدخول حتى قدم عدي بن أرطأة عليه وكان منه بمكانة فتعرض له جرير وقال
( يا أيها الرجل المزجى مطيته ... هذا زمانك أني قد خلا زمني )
( أبلغ خليفتنا ان كنت لاقيه ... أني لدي الباب كالمشدود في قرن )

( لاتنس حاجتنا لاقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني )
فقال نعم يا أبا عبد الله فلما دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وألسنتهم مسمومة وسهامهم صائبة فقال عمر رضي الله عنه مالي وللشعراء فقال يا أمير المؤمنين إن رسول الله مدح فأعطى وفيه أسوة لكل مسلم قال صدقت فمن بالباب منهم قال ابن عمك عمر بن أبي ربيعة القرشي قال لا قرب الله قرابته ولا حيا وجهه أليس هو القائل
( ألا ليتني في يوم تدنو منيتي ... شممت الذي ما بين عينيك والفم )
( وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم )
( وياليت سلمى في القبور ضجيعتي ... هنالك أو في جنة أو جهنم )
فليته عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ثم يعمل عملا صالحا والله لا يدخل علي أبدا فمن بالباب غيره ممن ذكرت قال جميل بن معمر العذري قال أليس هو القائل
( ألا ليتنا نحيا جميعا فإن نمت ... يوافى لدى الموتى ضريحي ضريحها )
( فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوي عليها صفيحها )
( أظل نهاري لا أراها وتلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها )
والله لا يدخل علي أبدا فمن بالباب غيره ممن ذكرت قال كثير عزة قال أليس هو القائل
( رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر الفراق قعودا )
( لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خروا لعزة ركعا وسجودا )
أبعده الله فوالله لا يدخل علي أبدا فمن بالباب غيره ممن ذكرت قال الأحوص الأنصاري قال أبعده الله والله لا يدخل علي أبدا أليس هو القائل وقد افسد على رجل من أهل االمدينة جاريته حتى هرب بها منه

( الله بيني وبين سيدها ... يفر مني بها وأتبعه )
فمن بالباب غيره ممن ذكرت قال همام بن غالب الفرزدق قال أليس هو القائل يفتخر بالزنا في قوله
( هما دلياني من ثمانين قامة ... كما انقض باز لين الريش كاسره )
( فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحي فيرجى أم قتيل نحاذره )
( فقلت ارفعوا الأجراس لا يفطنوا بنا ... ووليت في أعقاب ليل أبادره )
والله لا دخل علي أبدا فمن بالباب غيره ممن ذكرت قال الأخطل الثعلبي قال أليس هو القائل
( ولست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي )
( ولست بزاجر عيسا بكورا ... إلى أطلال مكة بالنجاح )
( ولست بقائم كالعبد يدعو ... قبيل الصبح حي على الفلاح )
( ولكني سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح )
أبعده الله عني فوالله لادخل علي أبدا ولا وطىء لي بساطا وهو كافر فمن بالباب غيره من الشعراء ممن ذكرت قال جرير قال أليس هو القائل
( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام )
فإن كان ولا بد فهذا فأذن له قال عدي بن أرطأة فخرجت فقلت أدخل يا جرير فدخل وهو يقول
( إن الذي بعث النبي محمدا ... جعل الخلافة في الإمام العادل )
( وسع الخلائق عدله ووقاره ... حتى ارعووا وأقام ميل المائل )
( إني لأرجو منه نفعا عاجلا ... والنفس مولعة بحب العاجل )
( والله أنزل في الكتاب فريضة ... لابن السبيل وللفقير العائل )

فلما مثل بين يديه قال يا جرير اتق الله ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول
( كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر )
( ممن بعدلك يكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم يدرج ولم يطر )
( أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني ما بلغت من خبري )
( إنا نرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجوا من المطر )
( إن الخلافة جاءته على قدر ... كما أتى ربه موسى على قدر )
( هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر )
( الخير ما دلت حيا لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر )
فقال والله يا جرير لقد وافيت الأمر ولا أملك إلا ثلاثين دينارا فعشرة أخذها عبد الله ابني وعشرة أخذتها أم عبد الله ثم قال لخادمه ادفع إليه العشرة الثالثة فقال والله يا أمير المؤمنين أنها لأحب مال اكتسبته ثم خرج فقال له الشعراء ما وراءك يا جرير فقال ورائي ما يسوءكم خرجت من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإنني عنه لراض ثم أنشأ يقول
( رأيت رقى الجن لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن واقيا )
ومما جاء في كبوات الجياد وهفوات الأمجاد
قال الأحنف الشريف من عدت سقطاته وقلت عثراته وقالوا كل صارم ينبو وكل جواد يكبو وكان الأحنف بن قيس حليما سيدا يضرب به المثل وقد عدت له سقطة وهوان عمرو بن الأهتم دس إليه رجلا يسفهه فقال يا أبا بحر ما كان ابوك في قومه قال كان أوسطهم وسيدهم ولم يتخلف عنهم فرجع إليه ثانيا ففطن أنه من قبل عمرو ابن الأهتم فقال ما كان أبوك قال كانت له فتوة ومروءة ومكارم أخلاق ولم يكن أهتم سلاجا وقال سعيد بن المسيب ما فاتني الأذان في مسجد رسول الله منذ أربعين سنة ثم قام يريد الصلاة فوجد الناس قد خرجوا من المسجد وقال قتادة ما نسيت شيئا قط

ثم قال يا غلام ناولني نعلي قال النعل في رجلك وكان هشام بن عبد الملك من رجال بني أمية ودهاتهم وقد عدت له سقطات منها أن الحادي حدا به يوما فقال
( إني عليك أيها النجي ... أكرم من يمشي به المطي )
فقال هشام صدقت وذكر عنده سليمان وأخوه فقال والله لأشكونه يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك ولما ولي الخلافة قال الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام قال النابغة أي الرجال المهذب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب العاشر في التوكل على الله تعالى والرضا بما قسم والقناعة وذم الحرص والطمع وما أشبه ذلك وفيه فصول
الفصل الأول في التوكل على الله تعالى
قال الله تعالى ( وتوكل على الحي الذي لا يموت ) وقال تعالى ( وعلى ربهم يتوكلون ) وقال تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال ( يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير ) رواه مسلم قيل معناه متوكلون وقيل قلوبهم رقيقة وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله قال ( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتعود بطانا ) وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود من دعاني أجبته ومن استغاثني أغثته ومن استنصرني نصرته ومن توكل علي كفيته فأنا كافي المتوكلين وناصر المستنصرين وغياث المستغيثين ومجيب الداعين
وحكي أنه كان في زمن هارون الرشيد قد حصل للناس غلاء سعر وضيق حال حتى اشتد الكرب على الناس اشتدادا عظيما فأمر الخليفة

هارون الرشيد الناس بكثرة الدعاء والبكاء وأمر بكسر آلات الطرب ففي بعض الأيام رؤي عبد يصفق ويرقص ويغني فحمل إلى الخليفة هرون الرشيد فسأله عن فعله ذلك من دون الناس فقال إن سيدي عنده خزانة بر وأنا متوكل عليه أن يطعمني منها فلهذا أنا إذا لا أبالي فأنا أرقص وأفرح فعند ذلك قال الخليفة إذا كان هذا قد توكل على مخلوق مثله فالتوكل على الله أولى فسلم للناس أحوالهم وأمرهم بالتوكل على الله تعالى
وحكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال وكان له أولاد ذكور وإناث ولم يكن يملك حبة واحدة وكان قدمه التوكل فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج فداخل الشوق قلبه ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم ثم قال لهم لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم فقالت زوجته وأولاده أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة وكان له ابنة صغيرة فقالت ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول للرزق وليس برزاق فذكرتهم ذلك فقالوا صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا انطلق حيث أحببت فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج وخرج مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم كيف أذنوا له بالحج وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون لو سكت ما تكلمنا فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وأنك لا تضيعهم فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره واصحابه فحصل له عطش شديد فاجتاز ببيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء وقرع الباب فقالوا من انت قال الأمير ببابكم يستسقيكم فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعا واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ثم أنها أخذت

كوزا جديدا وملأته ماء وقالت للمتناول منها اعذرونا فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال هذه الدار لأمير فقالوا لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم فقال الأمير لقد سمعت به فقال الوزير يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا فقال الأمير ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار ثم قال لأصحابه من أحبني فليلق منطقته فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق فلما أنزل الأمير رجع إليهم الوزير ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا واستردها منهم فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا فقالوا لها ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي فإن الله قد وسع علينا فقالت يا ام والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن التدبير هذا ما كان من امرهم
وأما ما كان من امر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما ولحق بالقوم توجع أمير الركب فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا فقال هل من عبد صالح فدل على حاتم فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته فأمر له بما يركب وما يأكل وما يشرب فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله فقيل له في منامه يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه ثم أخبر بما كان من امر عياله فأكثر الثناء على الله تعالى فلما قضى حجه ورجع تلقته أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال صغار قوم كبار قوم آخرين إن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى اعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله فهو حسبه

ومن كلام الحكماء من أيقن أن الرزق الذي قسم له لا يفوته تعجل الراحة ومن أعلم أن الذي قضى عليه لم يكن ليخطئه فقد استراح من الجزع ومن علم أن مولاه خير له من العبادة فقصده كفاه همه وجمع شمله وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت عند النبي يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعت على أن تضرك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الصحف وجفت الأقلام
ورفع إلى الرشيد أن بدمشق رجلا من بني أمية عظيم المال والجاه كثير الخيل والجند يخشى على المملكة منه وكان الرشيد يومئذ بالكوفة قال منارة خادم الرشيد فاستدعاني الرشيد وقال اركب الساعة إلى دمشق وخذ معك مائة غلام وائتني بفلان الأموي وهذا كتابي إلى العامل لا توصله له إلا إذا امتنع عليك فإذا أجاب فقيده وعادله بعد أن تحصي جميع ما تراه وما يتكلم به واذكر لي حاله ومآله وقد أجلتك لذهابك ستا ولمجيئك ستا ولإقامتك يوما أفهمت قلت نعم قال فسر على بركة الله فخرجت أطوي المنازل ليلا ونهارا لا أنزل إلا للصلاة أو لقضاء حاجة حتى وصلت ليلة السابع باب دمشق فلما فتح الباب دخلت قاصدا نحو دار الأموي فإذا هي دار عظيمة هائلة ونعمة طائلة وخدم وحشم وهيبة ظاهرة وحشمة وافرة ومصاطب متسعة وغلمان فيها جلوس فهجمت على الدار بغير إذن فبهتوا وسألوا عني فقيل لهم إن هذا رسول أمير المؤمنين فلما صرت في وسط الدار رأيت أقواما محتشمين فظننت أن المطلوب فيهم فسألت عنه فقيل لي هو في الحمام فأكرموني وأجلسوني وأمروا بمن معي ومن صحبني إلى مكان آخر وأنا أنتقد الدار وأتأمل الأحوال حتى أقبل الرجل من الحمام ومعه جماعة كثيرة من كهول وشبان وحفدة وغلمان فسلم علي وسألني عن أمير المؤمنين فأخبرته وأنه بعافية فحمد الله تعالى ثم أحضرت له اطباق الفاكهة فقال

تقدم يا منارة كل معنا فتأملت تأملا كثيرا إذ لم يكنني فقلت ما آكل فلم يعاودني ورأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة ثم قدم الطعام فوالله ما رأيت أحسن ترتيبا ولا أعطر رائحة ولا أكثر آنية منه فقال تقدم يا منارة فكل قلت ليس لي به حاجة فلم يعاودني ونظرت إلى أصحابي فلم أجد أحدا منهم عندي فحرت لكثرة حفدته وعدم من عندي فلما غسل يديه أحضر له البخور فتبخر ثم قام فصلى الظهر فأتم الركوع والسجود وأكثر من الركوع بعدها فلما فرغ استقبلني وقال ما أقدمك يا منارة فناولته كتاب أمير المؤمنين فقبله ووضعه على رأسه ثم فضه وقرأه فلما فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه وخواص أصحابه وغلمانه وسائر عياله فضاقت الدار بهم على سعتها فطار عقلي وما شككت أنه يريد القبض علي فقال الطلاق يلزمه والحج والعتق والصدقة وسائر إيمان البيعة لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف أمره ثم أوصاهم على الحريم ثم استقبلني وقدم رجليه وقال هات يا منارة قيودك فدعوت الحداد فقيده وحمل حتى وضع في المحمل وركبت معه في المحمل وسرنا فلما صرنا في ظاهر دمشق ابتدأ يحدثني بانبساط ويقول هذه الضيعة لي تعمل في كل سنة بكذا وكذا وهذا البستان لي وفيه من غرائب الأشجار وطيب الثمار كذا وكذا وهذه المزارع يحصل لي منها كل سنة كذا وكذا فقلت يا هذا ألست تعلم أن أمير المؤمنين أهمه أمرك حتى أنفذني خلفك وهو بالكوفة ينتظرك وأنت ذاهب إليه ما تدري ما تقدم عليه وقد أخرجتك من منزلك ومن بين أهلك ونعمتك وحيدا فريدا وأنت تحدثني حديثا غير مفيد ولا نافع لك ولا سألتك عنه وكان شغلك بنفسك أولى بك فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أخطأت فراستي فيك يا منارة ما ظننت أنك عند الخليفة بهذه المكانة إلا لوفور عقلك فإذا أنت جاهل عامي لا تصلح لمخاطبة الخلفاء أما خروجي على ما ذكرت فإني على ثقة من ربي الذي بيده ناصيتي وناصية أمير المؤمنين فهو لا يضر ولا ينفع إلا بمشيئة الله تعالى فإن

كان قد قضى علي بأمر فلا حيلة لي بدفعه ولا قدرة لي على منعه وإن لم يكن قد قدر علي بشيء فلو اجتمع أمير المؤمنين وسائر من على وجه الأرض على أن يضروني لم يستطيعوا ذلك إلا باذن الله تعالى وما لي ذنب فأخاف وإنما هذا واش وشى عند أمير المؤمنين ببهتان وأمير المؤمنين كامل العقل فإذا اطلع على براءتي فهو لا يستحل مضرتي وعلى عهد الله لا كلمتك بعدها إلا جوابا ثم أعرض عني وأقبل على التلاوة وما زال كذلك حتى وافينا الكوفة بكرة اليوم الثالث عشر وإذا النجب قد استقبلتنا من عند أمير المؤمنين تكشف عن أخبارنا فلما دخلت على الرشيد قبلت الأرض فقال هات يا منارة أخبرني من يوم خروجك عني إلى يوم قدومك علي فابتدأت أحدثه بأموري كلها مفصلة والغضب يظهر في وجهه فلما انتهيت إلى جمعه لأولاده وغلمانه وخواصه وضيق الدار بهم وتفقدي لأصحابي فلم أجد منهم أحدا أسود وجهه فلما ذكرت يمينه عليهم تلك الإيمان المغلظة تهلل وجهه فلما قلت إنه قدم رجليه أسفر وجهه واستبشر فلما أخبرته بحديثي معه في ضياعه وبساتينه وما قلت له وما قال لي هذا رجل محسود على نعمته ومكذوب عليه وقد أزعجناه وأرعبناه وشوشنا عليه وعلى أولاده وأهله أخرج إليه وانزع قيوده وفكه وأدخله علي مكرما ففعلت فلما دخل قبل الأرض فرحب به أمير المؤمنين وأجلسه واعتذر إليه فتكلم بكلام صحيح فقال له أمير المؤمنين سل حوائجك فقال سرعة رجوعي إلى بلدي وجمع شملي بأهلي وولدي قال هذا كائن فسل غيره قال عدل أمير المؤمنين في عماله ما أحوجني إلى سؤال قال فخلع عليه أمير المؤمنين ثم قال يا منارة اركب الساعة معه حتى ترده إلى المكان الذي أخذته منه قم في حفظ الله وودائعه ورعايته ولا تقطع أخبارك عنا وحوائجك فانظر حسن توكله على خالقه فإنه من توكل عليه كفاه ومن دعاه لباه ومن سأله أعطاه ما تمناه
وروي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة

فكتبها وهي يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفد أبدا يا ابن آدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملآنة وخزائني لا تنفد أبدا يا ابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن أنست بغيرك فتك وفاتك الخير كله يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وقسمت رزقك فلا تتعب وفي أكثر منه فلا تطمع ومن أقل منه فلا تجزع فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك وكنت عندي محمودا وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البر ولا ينالك منها إلا ما قد قسمته لك وكنت عندي مذموما يا ابن آدم خلقت السموات السبع والأرضين السبع ولم أعي بخلقهن أيعينني رغيف أسوقه لك من غير تعب يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محبا يا ابن آدم لا تطالبني برزق غد كما لا أطالبك بعمل غد فإني لم أنس من عصاني فكيف من أطاعني وأنا على كل شيء قدير وبكل شيء محيط
قال الشاعر
( وما ثم إلا الله في كل حالة ... فلا تتكل يوما على غير لطفه )
( فكم حالة تأتي ويكرهها الفتى ... وخيرته فيها على رغم أنفه )
ولمؤلفه رحمه الله تعالى
( توكل على الرحمن في الأمر كله ... فما خاب حقا من عليه توكلا )
( وكن واثقا بالله واصبر لحكمه ... تفز بالذي ترجوه منه تفضلا )
الفصل الثاني في القناعة والرضا بما قسم الله تعالى
جاء في تفسير قوله تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) أن المراد بها القناعة وقال

( القناعة مال لا ينفذ ) وقيل يا رسول الله ما القناعة قال لا بأس مما في ايدي الناس وإياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من القناعة بالجانب الأوفر وأنه كان يشتهي الشيء فيدافعه سنة قال الكندي
( العبد حر ما قنع ... والحر عبد ما طمع )
وقال بشر بن الحرث خرج فتى في طلب الرزق فبينما هو يمشي فأعيا فآوى إلى خراب يستريح فيه فبينما هو يدير بصره إذ وقعت عيناه على أسطر مكتوبة على حائط فتأملها فإذا هي
( إني رأيتك قاعدا مستقبلي ... فعلمت أنك للهموم قرين )
( هون عليك وكن بربك واثقا ... فأخو التوكل شأنه التهوين )
( طرح الآذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون )
قال فرجع الفتى إلى بيته ولزم التوكل وقال اللهم أدبنا أنت قال الجاحظ إنما خالف الله تعالى بين طبائع الناس ليوفق بينهم في مصالحهم ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك والسياسة والتجارة والفلاحة وفي ذلك بطلان المصالح وذهاب المعايش فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خلفا قال ويلك يا حجام والحجام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال ويلك يا حائك فجعل الله تعالى الاختلاف سببا للائتلاف فسبحانه من مدبر قادر حكيم ألا ترى إلى البدوي في بيت من قطعة خيش معمد بعظام الجيف كلبه معه في بيته لباسه شملة من وبر أو شعر ودواؤه بعر الإبل وطيبه القطران وبعر الظباء وحلى زوجته الودع وثماره المقل وصيده

اليربوع وهو في مفازة لا يسمع فيها إلا صوت بومة وعواء ذئب وهو قانع بذلك مفتخر به
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه في القناعة فإنها مال لا ينفذ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وعليك باليأس فإنك لم تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه
وأصاب داود الطائي فاقه كبيرة فجاءه حماد بن أبي حنيفة رضي الله عنه بأربعمائة درهم من تركة أبيه وقال هي من مال رجل ما أقدم عليه أحد في زهده وورعه وطيب كسبه فقال لو كنت أقبل من أحد شيئا لقبلتها تعظيما للميت وإكراما للحي ولكني أحب أن أعيش في عز القناعة
وقال عيسى عليه الصلاة و السلام اتخذوا البيوت منازل والمساجد مساكن وكلوا من بقل البرية واشربوا من الماء القراح واخرجوا من الدنيا بسلام
وأنشد المبرد
( إن ضن زيد بما في بطن راحته ... فالأرض واسعة والرزق مبسوط )
( إن الذي قدر الأشيا بحكمته ... لم ينسني قاعدا والرحل محطوط )
قال عبد الواحد بن زيد ما أحسب أن شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا ولا أعلم درجة أرفع من الرضا وهو رأس المحبة قيل له متى يكون العبد راضيا عن ربه قال إذا سرته المصيبة كما تسره النعمة وكان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي فسكر يوما ففاتته الصلاة جاءته جارية له بجمرة فوضعتها على رجله فانتبه مذعورا فقالت له إذا لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصبر على نار الآخرة فقام فصلى الصلوات وتصدق بما يملكه وذهب يبيع البقل فدخل

عليه فضيل وابن عيينة فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء فقالا له إنه لم يدع أحد شيئا إلا عوضه الله منه بديلا فما عوضك عما تركت له قال الرضا بما أنا فيه
وقال الثوري ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذل له وقال الفضيل من رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه وكان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول الشمس في الشتاء جلالي ونور القمر سراجي وبقل البرية فاكهتي وشعر الغنم لباسي أبيت حيث يدركني الليل ليس لي ولد يموت ولا بيت يخرب أنا الذي كببت الدنيا على وجهها
بيت مفرد
( إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها هما يؤرقه )
وقال عيسى عليه الصلاة و السلام أنظروا إلى الطير تغدو وتروح ليس معها شيء من أرزاقها لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير فهذه الوحوش والبقر والحمر لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها وقيل وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك فشكا إليه خلته فقال له القائل
( لقد علمت وما الاسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني )
( أسعى إليه فيعييني تطلبه ... ولو قعدت أتاني ليس يعييني )
وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال يا أمير المؤمنين لقد وعظت فأبلغت وخرج فركب ناقته وكر إلى الحجاز راجعا فلما كان من الليل نام هشام على فراشه فذكر عروة فقال في نفسه رجل قريش قال حكمة ووفد علي فجبهته ورددته خائبا فلما أصبح وجد إليه بألفي دينار فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة وأعطاه المال فقال أبلغ امير المؤمنين مني السلام وقل له كيف رأيت قولي سعيت فأكديت فرجعت فأتاني رزقي في منزلي ولما ولي عبد الله

ابن عامر العراق قصده صديقان له أنصاري وثقفي فلما سارا تخلف الأنصاري وقال الذي أعطى ابن عامر العراق قادر على أن يعطيني فوفد الثقفي وقال أحوز الحظين فلما دخل على عبد الله بن عامر قال له ما فعل زميلك الأنصاري قال رجع إلى أهله فأمر للثقفي بأربعة آلاف دينار فخرج الثقفي وهو يقول
( فوالله ما حرص الحريص بنافع ... فيغني ولا زهد القنوع بضائر )
( خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر )
( فلما أنخنا الناجعات ببابه ... تخلف عني اليثربي ابن جابر )
( وقال ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر )
( فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري )
( فقلت خلالي وجهه ولعله ... سيجعل لي حظ الفتى المتزاور )
( فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنت ظؤار الأباعر )
( فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ضائرا شيء خلاف المقادر )
قيل أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه أتدري لم رزقت الأحمق قال لا يا رب قال ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتيال ولبعض العرب
( ولا تجزع إذا أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الزمن الطويل )
( ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل )
( وإن العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل )
( فلو أن العقول تسوق رزقا ... لكان المال عند ذوي العقول )
وأوحى الله تعالى إلى يوسف عليه الصلاة و السلام انظر إلى الأرض فنظر إليها فانفجرت فرأى دودة على صخرة ومعها الطعام فقال له أتراني لم أغفل عنها وأغفل عنك وأنت نبي وابن نبي
ودخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد أمسك علي بغلتي فأخذ الرجل لجامها ومضى

وترك البغلة فخرج علي وفي يده درهمان ليكافىء بها الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام فركبها ومضى ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاما فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين فقال علي رضي الله عنه أن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدر له
وقيل لراهب من أين تأكل فأشار إلى فيه وقال الذي خلق هذه الرحى يأتيها بالطحين وقال سليم بن المهاجر الجيلي
( كسوت جميل الصبر وجهي فصانه ... به الله عن غشيان كل بخيل )
( فما عشت لم آت البخيل ولم أقم ... على بابه يوما مقام ذليل )
( وإن قليلا يستر الوجه أن يرى ... إلى الناس مبذولا لغير قليل )
وصلى معروف الكرخي خلف إمام فلما فرغ من صلاته قال الإمام لمعروف من أين تأكل قال أصبر حتى أعيد صلاتي التي صليتها خلفك قال ولم قال لأن من شك في رزقه شك في خالقه وقال أبو حازم ما لم يكتب لي لو ركبت الريح ما أدركته وقال عمر بن أبي عمر اليوناني
( غلا السعر في بغداد من بعد رخصة ... وأني في الحالين بالله واثق )
( فلست أخاف الضيق والله واسع ... غناه ولا الحرمان والله رازق )
وقال القهستاني
( غني بلا دنيا عن الخلق كلهم ... وأن الغنى الأعلى عن الشيء لا به )
وقال منصور الفقيه
( الموت أسهل عندي ... بين القنا والأسنة )
( والخيل تجري سراعا ... مقطعات الأعنة )

( من ان يكون لنذل ... علي فضل ومنه )
وأنشد أعرابي
( أيا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله فالله أوسع )
( ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا )
وقال رجل لرسول الله أوصني قال عليك باليأس مما في أيدي الناس وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وقيل إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديقك وقيل لأعرابية من أين معاشكم قالت لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش وقال أعرابي أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك ولا يحقرك معها من فوقك
وقال المعري
( إذا كنت تبغي العيش فابغ توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاول )
( توقى البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها النقصان وهي كوامل )
وقال آخر
( اقنع بأيسر رزق أنت نائله ... واحذر ولا تتعرض للإرادات )
( فما صفا البحر إلا وهو منتقص ... ولا تعكر إلا في الزيادات )
وقال أعرابي استظهر على الدهر بخفة الظهر قال هشام بن إبراهيم البصري
( وكم ملك جانبته عن كراهة ... لإغلاق باب أو لتشديد حاجب )
( ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهب )
وقيل ينبغي أن يكون المرء في دنياه كالمدعو إلى الوليمة أن أتته صحفة تناولها وإن لم تأته لم يرصدها ولم يطلبها وقال شقيق بن إبراهيم البلخي قال لي إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أخبرني عما أنت عليه قلت إن رزقت أكلت وإن منعت صبرت قال هكذا تعمل كلاب بلخ فقلت كيف تعمل أنت قال أن رزقت آثرت وان منعت شكرت وقال بعضهم
( هي القناعة فالزمها تعش ملكا ... لو لم يكن منك إلا راحة البدن )

( وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن )
وقال آخر
( وإن القناعة كنز الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك )
( فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني له منهمك )
( فصرت غنيا بلا درهم ... أمر على الناس شبه الملك )
جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة فلم يجد عندهم شيئا للعشاء ووجدهم بغير سراج فجلس ليلته يبكي من الفرح ويقول بأي يد كانت مني تركت مثلي على هذه الحالة والله تعالى أعلم
الفصل الثالث في ذم الحرص والطمع وطول الأمل )
قال الله تعالى ( الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر )
وروي أن النبي قرأ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر قال يقول إبن آدم مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ولبست فأبليت وتصدقت فأمضيت
وروي عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال يا عائشةإن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه
وروي عن رسول الله أنه قال صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين وهلاك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل وقيل الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في رزقه وقيل لحكيم ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب قال لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشاب وما أحسن ما قال بعضهم

( إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكل دنيئة تدعى إليها )
وقال آخر وأجاد
( قد شاب رأسي ورأس الدهر لم يشب ... إن الحريص على الدنيا لفي تعب )
وقيل للاسكندر ما سرور الدنيا قال الرضا بما رزقت منها قيل فما غمها قال الحرص عليها
وقال الحسن لو رأيت الأجل ومروره لنسيت الأمل وغروره
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إشتري أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله يقول ألا تعجبون من أسامة إشترى إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان نبي الله يخرج فيبول ثم يمسح بالتراب فأقول إن الماء منك قريب فيقول ما يدريني لعلى ما أبلغه وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه لا يزال الكبير شابا في اثنين حب المال وطول الأمل وقيل لمحمد بن واسع كيف تجدك قال قصير الأجل طويل الأمل مسيء العمل وقيل من جرى في عنان أمله كان عاثرا بأجله لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال ولقد أحسن أبو العباس أحمد بن مروان في قوله
( وذي حرص تراه يلم وفرا ... لوارثه ويدفع عن حماه )
( ككلب الصيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه )
ولقد أحسن من قال في الجناس الحقيقي
( إذا ما نازعتك النفس حرصا ... فأمسكها عن الشهوات أمسك )
( ولا تحرص ليوم أنت فيه ... وعد فرزق يومك رزق أمسك )
ومن كلام الحكماء إياكم وطول الأمل فإن من ألهاه أمله أخزاه عمله قال عبد الصمد بن المعدل

( ولي أمل قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما )
قال الحسن إياكم وهذه الأماني فانه لم يعط أحد بالأمنية خيرا قط في الدنيا ولا في الآخرة
وقال قس بن ساعدة
( وما قد تولى فهو لا شك فائت ... فهل ينفعني ليتني ولعلني )
وقال آخر
( ولا تتعلل بالأماني فإنها ... عطايا أحاديث النفوس الكواذب )
وقال آخر وأجاد
( الله أصدق والآمال كاذبة ... وجل هذي المنى في الصدر وسواس )
وقال آخر
( شط المزار بسعدي وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رسم ولا طلل )
( إلا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمر فيأتي دونه الأجل )
وقال أبو العتاهية
( لقد لعبت وجد الموت في طلبي ... وأن في الموت لي شغلا عن اللعب )
( ولو سمت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتد حرصي على الدنيا ولا طلبي )
وله أيضا
( تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال )
( هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال )
وقد ضمنت البيت الأخير فقلت
( أيا من عاش في الدنيا طويلا ... وأفنى العمر في قيل وقال )
( وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرام أو حلال )
( هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8