كتاب : المستطرف في كل فن مستظرف
المؤلف : شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي

الحسن بن عمارة إن الأعمش يقع فيه ويقول ظالم ولي المظالم فأهدى إليه هدية فمدحه الأعمش بعد ذلك وقال الحمد لله الذي ولي علينا من يعرف حقوقنا فقيل له كنت تذمه ثم الآن تمدحه فقال حدثني خيثمه عن عبد الله أن رسول الله قال " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ) وقال عبد الملك ابن مروان ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الكتاب يدل على عقل كاتبه والرسول يدل على عقل مرسله والهدية تدل على عقل مهديها
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الخامس والخمسون في العمل والكسب والصناعات والحرف وما أشبه ذلك
أما العمل فقد روي عن النبي أنه قال " أفضل العمل أدومه وإن فل " وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه قليل مدام عليه خير من كثير مملول وفي التوراة حرك يدك افتح لك باب الرزق
وكان إبراهيم بن أدهم يسقي ويرعى ويعمل بالكراء وبحفظ البساتين والمزارع ويحصد بالنهار ويصلي بالليل وعن علي رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله ما ينفي عني حجة العلم ؟ قال العمل
وعنه أنه قال " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " وقال الأوزاعي إذا أراد الله بقوم سوء أعطاهم الجدل ومنعهم العمل وأنشد يقول
( وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل )

وقال بعض الحكماء لا شيء أحسن من عقل زانه حلم ومن عمل زانه علم ومن حلم زانه صدق ودخل بعض الخواص على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين فقال له عظني فقال له الولي بلغني رحمك الله أن الأعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك
فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه وقيل من جد وجد وأنشدوا في المعنى
( إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر )
( وقل من جد في أمر يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ) وتقول العرب فلان وثاب على الفرص وقال بعضهم
( وإني إذا باشرت أمرا أريده ... تدانت أقاصيه وهان أشده ) وعن أنس رضي الله تعالى عنه يتبع الميت ثلاث يرجع إثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ولا يرجع عمله
وقال بعضهم العمل سعي الأركان إلى الله والنية سعي القلوب إلى الله والقلب ملك والأركان جنود ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك وقيل الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم والعلم كله هباء إلا موضع العمل والعمل كله هباء إلا موضع الاخلاص هذا هو العمل
وأما الكسب فقد جاء في تفسير قوله تعالى ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) أي دروع من الحديد وذلك أن داود عليه الصلاة و السلام كان يدور في الصحاري فإذا رأى من لا يعرفه تحدث معه في أمر داود فإذا سمعه عابه بشيء يصلحه من نفسه فسمع يوما من يقول إني لا أجد في داود عيبا إلا أنه يأكل من غير كسبه فعند ذلك صلى داود عليه الصلاة

في محرابه وتضرع بين يدي الله تعالى وسأله أن يعلمه ما يستعين به على قوته فعلمه الله تعالى صنعة الحديد وجعله في يده كالشمع فاحترفها واستعان بها على أمره وسار يحكم منها الدروع
وقال رسول الله ( جعل رزقي تحت ظل رمحي فكانت حرفته الجهاد ) وقال رسول الله " إن الله يحب العبد المحترف " وقال " إن الله تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ "
وقال عليه الصلاة والسالم " من اكتسب قوته ولم يسأل الناس لم يعذبه الله تعالى يوم القيامة " ولو تعلمون ما أعلم من المسألة لما سأل رجل رجلا شيئا وهو يجد قوت يومه وليس عند الله أحب من عبد يأكل من كسب يده إن اله تعالى يبغض كل فارغ من أعمال الدنيا والأخرة وعن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي " من بات كالا في طلب الحلال أصبح مغفورا له " وعن الحسن رحمه الله كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف وقيل لمحمد بن مهران إن ههنا أقواما يقولون نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا فقال هؤلاء قوم حمقى إن كان لهم مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن فليفعلوا وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وقال أيضا إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فان قالوا لا سقط من عيني واشترى سليمان وسقا من طعام وهو ستون صاعا فقيل له في ذلك فقال إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت قال بعضهم في السعي
( خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح ) وقيل إن أول من صنع لسان الميزان عبد الله بن عامر وكان الناس إنما يزنون بالشاهيني وعن أنس رضي الله عنه قال غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله الخالق القابض المسعر الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمته بها في أهل ولا مال

وأما ما جاء في العجز والتواني فقد روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال من أطاع التواني ضيع الحقوق ومن العجز طلب ما فات مما لا يمكن استدراكه وترك ما أمكن مما تحمد عواقبه
قال الشاعر
( على المرء أن يسعى ويبذل جهده ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا ) ومثله قوله
( على المرء أن يسعى ويبذل نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر ) وقيل احذر مجالسة العاجز فانه من سكن إلى عاجز أعداه من عجزه وأمده من جزعه وعوده قلة الصبر ونساه ما في العواقب وليس للعجز ضد إلا الحزم
وقال بعض العلماء من الخذلان مسامرة الأماني ومن التوفيق بغض التواني وروي عن رسول الله أنه قال " باكروا في طلب الرزق والحوائج فان الغدو بركة ونجاح " وقال الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه احرص على ما ينفعك ودع كلام الناس فانه لا سبيل إلى السلامة من ألسنة الناس وقال علي رضي الله تعالى عنه التواني مفتاح البؤس وبالعجز والكسل تولدت الفاقة ونتجت الهلكة ومن لم يطلب لم يجد وأفضى إلى الفساد وقال حكيم من دلائل العجز كثرة الاحالة على المقادير وقال بعض الحكماء الحركة بركة والتواني هلكة والكسل شؤم وكلب طائف خير من أسد رابض ومن لم يحترف لم يعتلف
وقيل من العجز والتواني تنتج الفاقة قال هلال بن العلاء الرفاء هذين البيتين من جملة أبيات
( كأن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مهرا )
( فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... فإنكما لا بد أن تلدا الفقرا ) وقال آخر
( توكل على الرحمن في الأمر كله ... ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب )

( ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب )
( ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب ) وسأل معاوية رضي الله عنه سعيد بن العاص عن المروءة فقال العفة والحرفة
وكان أيوب السختياني يقول يا فتيان احترفوا فإني لا آمن عليكم أن تحتاجوا إلى القوم يعني الأمراء وقال رجل للحسن إني أنشر مصحفي فاقرؤه بالنهار كله فقال اقرأه بالغداة والعشي ويكون يومك في صنعتك وما لا بد منه ومر رحمه الله تعالى باسكاف فقال يا هذا اعمل وكل فان الله يحب من يعمل ويأكل ولا يحب من يأكل ولا يعمل وقال أبو تمام
( أعاذلتي ما أحسن الليل مركبا ... وأحسن منه في الملمات راكبه )
( ذريني وأهوال الزمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه )
( أرى عاجزا يدعى جليدا لقسمه ... ولو كلف المقوى لكلت مضاربه )
( وعفا يسمى عاجزا بعفافه ... ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه )
( وليس بعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه ) وقال آخر
( فلا تركن إلى كسل وعجز ... يحيل على المقادر والقضاء ) وقال اعرابي العاجز هو الشاب القليل الحيلة الملازم للأماني المستحيلة ويقال فلان يخدعه الشيطان عن الحزم فيمثل له التواني في صورة التوكل ويريه الهوينا باحالته على القدر وقال لقمان لابنه يا بني إياك والكسل والضجر فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق وقال أبو العتاهية
( إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزى بأن تتبددا ) فالتواني هو الكسل وتضييع الحزم وعدم القيام على مصالح النفس

وترك التسبب والاحتراف والاحالة على المقادير وهذا من أقبح الأفعال
وأما التأني فانه خلاف التواني وهو الرفق ورفض العجلة والنظر في العواقب وقد قيل من نظر في عواقب الأمور سلم من آفات الدهور
ومما جاء في ذلك قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) وقال رسول الله " من أعطى حظه من الرفق أعطى حظه من الدنيا والآخرة " وقال عليه الصلاة و السلام لعائشة " عليك بالرفق فان الرفق لا يخالط شيئا إلا زانه ولا يفارق شيئا إلا شانه " وفي التوراة الرفق رأس الحكمة وقالوا العقل أصله التثبت وثمرته السلامة
ووجد على سيف مكتوبا التأني فيما لا يخاف الفوت أفضل من العجلة في إدراك الأمل وقال بعض الحكماء إذا شككت فاجزم وإذا استوضحت فاعزم وقالوا يد الرفق تجني ثمرة السلامة ويد العجلة تغرس شجرة الندامة وأنشدوا في ذلك
( قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل ) وقالوا التأني حصن السلامة والعجلة مفتاح الندامة وقالوا إذا لم يدرك الظفر بالرفق والتأني فبماذا يدرك ؟ وقال المهلب أتاة في عواقبها درك خير من عجلة في عواقبها فوت وقالوا من تأنى نال ما تمنى والرفق مفتاح النجاح وقال بعض الحكماء إياك والعجلة فانها تكنى أم الندامة لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويعزم قبل أن يفكر ويحمد قبل أن يجرب وإن تصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة وجانب السلامة
وأما الصناعات والحرف وما يتعلق بها فقد روي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله " عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل "

وكان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويعلف ناضحه وقال سعيد بن المسيب كان لقمان الحكيم خياطا وقيل كان إدريس عليه السلام خياطا ووقف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على خياط فقال له يا خياط ثكلتك الثواكل صلب الخيط ودقق الدروز وقارب الغروز فإني سمعت رسول الله يقول " يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه واحذر السقاطات فان صاحب الثوب أحق بها ولا تتخذ بها الأيادي وتطلب المكافأة " وقال فيلسوف إن من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع وفي الحديث " أكذب أمتي الصواغون الصباغون وكذب الدلال مثل " وقالوا لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب وقال عبد الرحمن ابن شبل سمعت رسول الله يقول " التجار هم الفجار فقيل أليس الله تعالى قد أحل البيع ؟ قال نعم ولكن يحدثون فيكذبون ويحلفون فيحنثون " وقال الفضيل بخس الموازين سواد في الوجه يوم القيامة وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا وعطلوا الحدودونقصوا الكيل والميزان
وقال مجاهد في قوله تعالى ( واتبعك الأرذلون ) قيل هم الحاكة الاساكفة وقيل إن حائكا سأل إبراهيم الحربي ما تقول فيمن صلى العيد ولم يشتر ناطفا ما الذي يجب عليه " فتبسم إبراهيم ثم قال يتصدق بدرهمين فلما مضى قال ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق وقيل لرجل هل فيكم حائك ؟ قال لا قيل فمن ينسج لكم ثيابكم ؟ قال كل منا ينسج لنفسه في بيته وكان أردشير ابن بابك لا يرتضي لمنادمته ذا صناعة ردئية كحائك وحجام ولو كان يعلم الغيب مثلا وقال كعب لا تستشيروا الحاكة فإن الله تعالى سلب عقولهم ونزع البركة من كسبهم لأن مريم عليها السلام مرت بجماعة

من الحياكين فسألتهم عن الطريق فدلوها على غير الطريق فقالت نزع الله البركة من كسبكم وقال أبو العتاهية
( ألا أنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم )
( وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك او حجم ) وهذا ما أردناه سياقة في هذا الباب والله الموفق للصواب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب السادس والخمسون في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في شكوى الزمان وانقلابه بأهله
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ما من يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منه سمعت ذلك من نبيكم وكان معاوية رضي الله تعالى عنه يقول معروف زماننا منكر زمان قد مضى ومنكره معروف زمان لم يأت وكانت ناقة رسول الله العضباء لا تسبق فجاء اعرابي فسبقها فشق ذلك على الصحابة رضي الله عنهم فقال " إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلا وضعه " وحكي عن شيخ من همدان قال بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع الحميري بهدايا فمكثت شهرا لا أصل إليه ثم بعد ذلك أشرف أشرافه من كوة فخر له من حول القصر سجدا ثم رأيته من بعد ذلك وقد هاجر إلى حمص واشترى بدرهم لحما وسمطه خلف دابته وهو القائل هذه الأبيات
( أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها في بلاء وأذى )
( إن صفا عيش امرئ في صحبها ... جرعته ممسيا كأس الردى )

( ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم العالم عيشا قيل ذا ) وقال يونس بن ميسرة لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه ولا يتولى عنا زمان إلا بكينا عليه ومن قول ذلك
( رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه ومثله
( وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمسي ) ومن كلام ابن الأعرابي
( عن الأيام عد فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي ) وقال رضي الله عنه ما قال الناس لشيء طوبى إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء قال الشاعر
( فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعهد ) ودخل داود عليه الصلاة و السلام غارا فوجد فيه رجلا ميتا وعند رأسه لوح مكتوب فيه أنا فلان ابن فلان الملك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش ثم صار أمري إلى أن بعثت زنبيلا من الدراهم لي في رغيف فلم يوجد ثم بعثت زنبيلا من الجواهر فلم يوجد فدققت الجواهر واستفيتها فمت مكاني فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن على وجه الأرض أغنى منه أماته الله كاماتني وذكر أن عبد الرحمن بن زياد لما ولي خراسان حاز من الأموال ما قدر لنفسه أنه إن عاش مائة سنة ينفق في كل يوم ألف درهم على نفسه أنه يكفيه فرؤي بعد مدة وقد احتاج إلى أن باع حلية مصحفه وأنفقها وقال هيثم بن خالد الطويل دخلت على صالح مولى منارة في يوم شات وهو جالس في قبة مغشاة بالسمور وجميع فروشها سمور وبين يديه كانون فضة يبخر فيه بالعود ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسأل الناس

ولما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد ونزل في داره وقعد على فرشه دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليه لقد أبلغ في عظتك وقال مالك بن دينار مررت بقصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن
( إلا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يغدر بصاحبك الزمان )
( فنعم الدار تأوي كل ضيف ... إذا ما ضاق بالضيف المكان ) ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب وبه عجوزا فسألتها عما كنت رأيت وسمعت فقالت يا عبد الله إن الله يغير ولا يتغير والموت غالب كل مخلوق قد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان وقال أبو العتاهية
( لئن كنت في الدنيا بصيرا فإنما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر )
( إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر ) وقال عبد الملك بن عمير رأيت رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة ثم رأيت رأس زياد بين يدي المختار ثم رأيت رأس الختار بين يدي مصعب ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك قال سفيان فقلت له كم كان بين أول الرؤوس وآخرها ؟ قال اثنتا عشرة سنة
( إن للدهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا )
( قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمنا مسرورا ) وكان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره على الدجلة ينظر فاذا هو بحشيش في وسط الماء وفي وسطه قصبة على رأسها رقعة فدعا بها فإذا فيها مكتوب شعرا وهو للشافعي رضي الله تعالى عنه
( تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر )
( أحسنن ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر )

( وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر ) قال فما انتفع بنفسه وأعجب ما وجد في السير خبر القاهر أحد الخلفاء وقلعه من الملك وخروجه إلى الجامع في بطانة جبة بغير ظهارة ومد يده يسأل الناس بعد أن كان ملكه لأقطار الأرض فتبارك الله يعز من يشاء ويذل من يشاء وقيل كان لمحمد المهلبي قبل اتصاله بالسلطان حال ضعيف فبينما هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث إلا أنه من أهل الأدب إذ أنشده يقول
( ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه )
( ألا رحم المهيمن نفس حر ... تصدق بالوفاة على أخيه ) قال فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سد به رمقه وحفظ الأبيات وتفرقا ثم ترقى المهلبي إلى الوزارة وأخنى الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه فتوصل إلى إيصال رقعة إليه مكتوب فيها
( إلا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكر ما قد نسيه )
( أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه ) فلما قرأها نذكر فأمر له بسبعمائة درهم ووقع تحت رقعته ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ثم قلده عملا يرتزق منه
ودخل مسلمة بن زيد بن وهب على عبد الملك بن مروان فقال له أي الزمان أدركته أفضل وأي الملوك أكمل ؟ فقال أما الملوك فلم أر إلا حامدا وذاما وما الزمان فيرفع أقواما ويضع آخرين وكلهم يذكر أنه يبلى جديدهم ويفرق عديدهم ويهرم صغيرهم ويهلك كبيرهم وقال حبيب بن أوس
( لم أبك من زمن لم أرض خلته ... إلا بكيت عليه حين ينصرم )

وقال آخر
( يا معرضا عني بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبلة )
( هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلا انحطاط المنزلة ) وقال عبد الله بن عروة بن الزبير
( ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... بشوا إلي ورحبوا بالمقبل )
( وبقيث في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في المنزل ) وقال آخر في معناه
( يا منزلا عبث الزمان بأهله ... فأبادهم بتفرق لا يجمع )
( أين الذين عهدتهم بك مرة ... كان الزمان بهم يضر وينفع )
( أيام لا يغشى لذكرك مربع ... إلا وفيه للمكارم مرتع )
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع ) وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي
( وإني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة ومعايبه )
( إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من أن تذم عواقبه ) وقال بعضهم
( ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر )
( وبقيت في خلف يزين بعضه ... بعضا ليدفع معور عن معور )
( حلف الزمان ليأتين بمثلهم ... حنثت يمينك يا زمان فكفر )

يقال إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير وكان يقال بتقلب الدهر تعرف جواهر الرجال ويقال زمام العافية بيد البلاء ورأس السلامة تحت جناح العطب وقال بعضهم نحن في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا والشر إلا إقبالا والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا اضرب بطرفك حيث شئت هل تنظر إلا فقيرا يكابد فقرا أو غنيا بدل نعمة الله كفرا أو بخيلا اتخذ بحق الله وفرا أو متمردا كان بسمعه عن سماع المواعظ وقرا وقال آخر نحن فلي زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب وإذا ذكرنا الأحياء ماتت القلوب ويؤيد ذلك قوله " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانه " ويقال لا يقاوم عز الولاية بذل العزل بيت
( ما من مسيئ وإن طالت إساءته ... إلا ويكفيك يوم من مساويه ) وقال الأمين
( يا نفس قد حق الحذر ... أين المفر من القدر )
( كل امرئ مما يخاف ... ويرتجيه على خطر )
( من يرتشف صفو الزمان ... يغص يوما بالكدر ) وقال بعضهم
( وقائلة ما بال وجهك قد نضت ... محاسنه والجسم بان شحوبه )
( فقلت لها هاتي من الناس واحدا ... صفا وقته والنائبات تنوبه ) وللأمير أبي علي بن منقذ
( أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم )
( لئن كان كتمان المصائب مؤلما ... لإعلانها عندي أشد وأعظم )
( وبي كل ما يبكي العيون أقله ... وإن كنت منه دائما أبتسم )

وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأيم الله ما كان قوم قط في خفض عيش فزال عنهم إلا بذنوب اقترفوها لأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد ولو أن الناس حين ينزل بهم الفقر ويزول عنهم الغنى فزعوا إل ربهم بصدق نياتهم لرد عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد قال الشاعر
( يقولون الزمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان ) وكفى بالقرآن واعظا قال الله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) والله سبحانه وتعالى أعلم
الفصل الثاني في الصبر على المكاره ومدح التثبت وذم الجزع
قد مدح الله تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافا إلى الصبر وأثنى على فاعله وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه وحث على التثبت في الأشياء ومجانبة الاستعجال فيها فمن ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة وإن الله مع الصابرين فبدأ بالصبر قبل الصلاة ثم جعل نفسه مع الصابرين دون المصلين قوله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) وقوله تعالى ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) وبالجملة فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيف وسبعين موضعا وأمر نبيه به فقال تعالى ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) وقد روي عن النبي في ذلك أخبار كثيرة فمن ذلك قوله

في الصبر " وقوله عليه الصلاة و السلام " بالصبر يتوقع الفرج " وقوله " الأناة من الله تعالى والعجلة من الشيطان فمن هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمه الصبر في مواطن طلباته والتثبت في حركاته وسكناته وكثيرا ما أدرك الصابر مرامه أو كاد وفات المستعجل غرضه أو كاد " وقال الأشعث بن قيس دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهارا فقلت يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة ؟ فما زادني إلا أن قال
( اصبر على مضض الإدلاج في السحر ... وفي الروح إلى الطاعات في البكر )
( إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر )
( وقل من جد في أمر يؤمله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ) فحفظتها منه وألزمت نفسي الصبر في الأمور فوجدت بركة ذلك وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي أنه قال " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله " إذا أراد الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة " وقال " إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أنس بن مالك قال قال النبي " الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر والصبر عند الصدمة الأولى وعظم الأجر على قدر المصيبة ومن استرجع بعد مصيبته جدد الله له أجرها كيوم أصيب بها "

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال احفظوا عني خمسا اثنتين واثنتين وواحدة لا يخافن أحدكم إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحي أحد منكم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم وأعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور وأيما رجل حبسه السلطان ظلما فمات في حبسه مات شهيدا فان ضربه فمات فهو شهيد
وروي في الخبر لما نزل قوله تعالى ( من يعمل سوء يجز به ) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله كيف الفرح بعد هذه الآية ؟ فقال رسول الله غفر الله لك يا أبا بكر أليس تمرض أليس يصيبك الأذى أليس تحزن قال بلى يا رسول الله قال فهذا ما تجزون به يعني جميع ما يصيبك من سوء يكون كفارة لك وبهذا اتضح لك أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال بينما رسول الله يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل لعنه الله أيكم يقوم إلى سلا الجزور فيلقيه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه وأتى به فلما سجد وضع بين كتفيه السلا والفرث والدم فضحكوا ساعة وأنا قائم أنظر فقلت لو كان لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق انسان فأخبر فاطمة رضي الله عنها فجاءت فطرحته عن ظهره ثم أقبلت عليهم فسبتهم فلما قضى الصلاة رفع يديه فدعا عليهم فقال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمع القوم صوته ودعاءه ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته فقال اللهم عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة وربيعة

والوليد وأمية بن خلف فقال علي رضي الله عنه والذي بعث محمدا بالحق رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر وكان الصالحون يفرحون بالشدة لأجل غفران الذنوب لأن فيها كفارة السيئات ورفع الدرجات وروي عن رسول الله أنه قال " ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة الرضا بالقضاء والصبر على البلاء والدعاء في الرخاء
وحكي أن امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة فسرقها سارق فصبرت وردت أمرها إلى الله ولم تدع عليه فلما ذبحها السارق ونتف ريشها نبت جميعه في وجهه فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتى حبرا من أحبار بني إسرائيل فشكا له فقال لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة فأرسل إليها من قال لها أين دجاجتك ؟ فقالت سرقت فقال لقد آذاك من سرقها قالت قد فعل ولم تدع عليه قال وقد فجعك في بيضها قالت هو كذلك فما زال بها حتى أثار الغضب منها فدعت عليه فتساقط الريش من وجهه فقيل لذلك الحبر من أين علمت ذلك ؟ قال لأنها لما صبرت ولم تدع عليه انتصر الله لها فلما انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش من وجهه فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدة ويحمد الله ويعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا وأن المصائب والرزايا إذا توالت أعقبها الفرج والفرح عاجلا
ومن أحسن ما قيل في ذلك من المنظوم
( وإذا مسك الزمان بضر ... عظمت دونه الخطوب وجلت )
( وأتت بعده نوائب أخرى ... سئمت نفسك الحياة وملت )
( فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني ... فالرزايا إذا توالت تولت )
( وإذا أوهنت قواك وجلت ... كشفت عنك جملة وتخلت ) ولمحمد بن بشر الخارجي
( إن الأمور إذا اشتدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتجا )

( لا تيأسن وإن طالت مطالبه ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا ) ولزهير بن أبي سلمى
( ثلاث يعز الصبر عند حلولها ... ويذهل عنها عقل كل لبيب )
( خروج اضطرار من بلاد يحبها ... وفرقة أخوان وفقد حبيب ) وقال بعضهم
( عليك باظهار التجلد للعدا ... ولا تظهرن منك الذبول فتحقرا )
( أما تنظر الريحان يشمم ناضرا ... ويطرح في البيدا إذا ما تغيرا ) ولابن نباتة
( صبرا على نوب الزمان ... وإن أبي القلب الجريح )
( فلكل شيء آخر ... إما جميل أو قبيح ) وقال أبو الأسود وأجاد
( وإن امرء قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب )
( وما الدهر والأيام إلا كما ترى ... رزية مال أو فراق حبيب ) ومن كلام الحكماء ما جوهد الهوى بمثل الرأي ولا استنبط الرأي بمثل المشورة ولا حفظت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر وما استنجحت الأمور بمثل الصبر وقال نهشل
( ويوم كأن المصطلين بحره ... وإن لم يكن نار قيام على الجمر )
( صبرنا له صبرا جميلا وإنما ... تفرج أبواب الكريهة بالصبر ) قال ابن طاهر
( حذرتني وذا الحذر ... ليس يغني من القدر )
( ليس من يكتم الهوى ... مثل من باح واشتهر )

( إنما يعرف الهوى ... من على مره صبر )
( نفس يا نفس فاصبري ... فز بالصبر من صبر ) وكان يقال من تبصر تصبر وكان يقال إن نوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر وكان يقال لا دواء لداء الدهر إلا بالصبر ولله در القائل
( الدهر أدبني والصبر رباني ... والفوت أقنعني واليأس أغناني )
( وحنكتني من الأيام تجربة ... حتى نهيت الذي قد كان ينهاني ) وما أحسن ما قال محمود الوراق
( إني رأيت الصبر خير معول ... في النائبات لمن أراد معولا )
( ورأيت أسباب القناعة أكدت ... بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا )
( فاذا نبا بي منزل جاوزته ... وجعلت منه غيره لي منزلا )
( وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا ) وقال بعضهم
( إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة ... فافرغ لها صبرا ووسع لها صدرا )
( فان تصاريف الزمان عجيبة ... فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا ) وقال بعضهم
( وما مستني عسر ففوضت أمره ... إلى الملك الجبار إلا تيسرا ) وما أحسن ما قيل
( الدهر لا يبقى على حالة ... لا بد أن يقبل أو يدبر )
( فان تلقاك بمكروهه ... فاصبر فان الدهر لا يصبر ) ونقل عن محمد بن الحسن رحمه الله قال كنت معتقلا بالكوفة فخرجت يوما من السجن مع بعض الرجال وقد زاد همي وكادت نفسي

أن تزهق وضاقت علي الأرض بما رحبت وإذا برجل عليه آثار العبادة قد أقبل علي ورأى ما أنا فيه من الكآبة فقال ما حالك ؟ فأخبرته القصة فقال الصبر الصبر فقد روي عن النبي أنه قال " الصبر ستر الكروب وعون على الخطوب " وروي عن ابن عمه علي رضي الله تعالى عنه أنه قال الصبر مطية لا تدبر وسيف لا يكل وأنا أقول
( ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله ... عند الإله وأنجاه من الجزع )
( من شد بالصبر كفا عند مؤلمه ... ألوت يداه بحبل غير منقطع ) فقلت بالله عليك زدني فقد وجدت بك راحة فقال ما يحضرني شيء عن النبي ولكني أقول
( أما والذي لا يعلم الغيب غيره ... ومن ليس في كل الأمور له كفو )
( لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه ... لقد يجتني من بعده الثمر الحلو ) ثم ذهب فسألت عنه فما وجدت أحدا يعرفه ولا رآه أحد قبل ذلك في الكوفة ثم أخرجت في ذلك اليوم من السجن وقد حصل لي سرور عظيم بما سمعت منه وانتفعت به ووقع في نفسي أنه من الأبدال الصالحين قيضه الله تعالى لي يوقظني ويؤبني ويسليني وقيل إن رجلا كان يضرب بالسياط ويجلد جلدا بليغا ولم يتكلم ويصبر ولم يتأوه فوقف عليه بعض مشايخ الطريقة فقال له أما يؤلمك هذا الضرب الشديد ؟ فقال بلى قال لم لا تصيح ؟ فقال إن في هذا القوم الذين وقفوا علي صديقا لي يعتقد في الشجاعة والجلادة وهو يرقبني بعينه فأخشى إن ضجيت يذهب ماء وجهي عنده ويسوء ظنه بي فأنا أصبر على شدة الضرب وأحتمله لأجل ذلك قال الشاعر
( على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويحمد منه الصبر مما يصيبه )
( فمن قل فيما يلتقيه اصطباره ... لقد قل فيما يرتجيه نصيبه ) وقال رسول الله لعائشة رضي الله تعالى عنها يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا بالصبر ولم يكلفني إلا ما كلفوا

به فقال عز و جل ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني والله لأصبرن كما صبروا فان النبي لما صبر كما أمر أسفر وجه صبره عن ظفره ونصره وكذلك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الذين هم أولو العزم لما صبروا ظفروا وانتصروا وقد اختلف أهل العلم فيهم على أقوال كثيرة فقال مقاتل رضي الله تعالى عنه هم نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويونس وأيوب صلوات الله عليهم وقال قتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ويقال ما الذي صبروا عليه حتى سماهم الله تعالى أولي العزم فأقول ذكر ما صبروا عليه
أما نوح عليه الصلاة و السلام
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان نوح عليه الصلاة و السلام يضرب ثم يلف في لبد ويلقى في بيته يرون أنه قد مات ثم يعود ويخرج إلى قومه ويدعوهم إلى الله تعالى ولما أيس منهم ومن إيمانهم جاءه رجل كبير يتوكأ على عصاه ومعه ابنه فقال لابنه يا بني انظر إلى هذا الشيخ واعرفه ولا يغرك فقال له ابنه يا أبت مكني من العصا فأخذها من أبيه وضرب بها نوحا عليه الصلاة و السلام شج بها رأسه وسال الدم على وجهه فقال رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم وإلا فصبرني إلى أن تحكم فأوحى الله تعالى إليه ( إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا نبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك ) قال يارب وما الفلك ؟ قال بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي وأغرق أهل معصيتي قال يارب وأين الماء ؟ قال أنا على كل شيء قدير قال يارب وأني الخشب ؟ قال اغرس الخشب فغرس الساج عشرين سنة وكف عن دعائهم وكفوا عن ضربه إلا أنهم كانوا

به فلما أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها وقال يا رب كيف اتخذ هذا البيت ؟ قال اجعله على ثلاث صور وبعث الله له جبريل فعلمه وأوحي الله تعالى اليه أن عجل بعمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني فلما فرغت السفينة جاء أمر الله سبحانه وتعالى بانتصار نوح ونجاته وإهلاك قومه وعذابهم إلا من آمن معه وفار التنور وظهر الماء على وجه الأرض وقذفت السماء بأمطار كأفواه القرب حتى عطم الماء وصارت أمواجه كالجبال وعلا فوق أعلى جبل في الأرض أربعين ذراعا وانتقم الله سبحانه وتعالى من الكافرين ونصر نبيه نوحا عليه الصلاة و السلام وفي تمام قصته وحديث السفينة كلام مبسوط لأهل التفسير ليس هذا موضع شرحه وبسطه فهذا زبدة صبر نوح عليه الصلاة و السلام وانتصاره على قومه
وأما ابراهيم عليه الصلاة و السلام
فإنه لما كسر أصنام قومه التي كانوا يعبدونها لم يروا في قتله ونصرة آلهتهم أبلغ من إحراقه فأخذوه وحبسوه ببيت ثم بنوا حائزا كالحوش طول جداره ستون ذراعا في سفح جبل عال ونادى مناد ملكهم أن احتطبوا لإحراق إبراهيم زمن تخلف عن الاحتطاب أحرقه فلم يتخلف منهم أحد وفعلوا ذلك أربعين يوما ليلا ونهارا حتى كاد الحطب يساوي رؤوس الجبال وسدوا أبواب ذلك الحائز وقذفوا فيه النار فارتفع لهبها حتى كان الطائر يمر بها فيحترق من شدة لهبها ثم بنوا بنيانا شامخا وبنوا فوقه منجنيقا ثم رفعوا ابراهيم على رأس البنيان فرفع ابراهيم عليه الصلاة و السلام طرفه الى السماء ودعا الله تعالى وقال ( حسبي الله ونعم الوكيل ) وقيل كان عمره يومئذ ستة وعشرين سنة فنزل اليه جبريل عليه الصلاة و السلام وقال يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا فقال جبريل سل ربك فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى ( يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم )

فلما قذفوه فيها نزل معه جبريل عليه الصلاة و السلام فجلس به على الأرض وأخرج الله له ماء عذبا قال كعب ما أحرقت النار غير أكتافه وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام وقيل أكثر من ذلك ونجاه الله تعالى ثم أهلك نمرود وقومه باخس الأشياء وانتقم منهم وظفر إبراهيم عليه الصلاة و السلام بهم فهذه ثمرة صبره على مثل هذه الحالة العظمى ولم يجزع منها وصبر وفوض أمره إلى الله تعالى في ذلك وتوكل عليه ووثق به ثم جاءته قصة ذبح ولده وأمره الله تعالى بذلك فقابل أمره بالتسليم والامتثال وسارع إلى ذبحه من غير إهمال ولا إمهال وقصته مشهورة وتفاصيل القصة في كتب التفسير مسطورة ظهر صدقه ورضاه ومبادرته الى طاعة مولاه وصبره على ما قدره وقضاه عوضه الله تعالى عن ذبح ولده أن فداء واتخذه خليلا من بين خلقه واجتباه وأما الذبيح صلوات الله وسلامه عليه فإنه صبر على بلية الذبح
وتلخيصها أن الله تعالى لما ابتلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام بذبح ولده قال إني أريد أن أقرب قربانا " فأخذ ولده والسكين والحبل وانطلق فلما دخل بين الجبال قال ابنه أين قربانك يا أبت ؟ قال إن الله تعالى قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) يا أبت أشدد وثاقي كي لا أضطرب وأجمع ثيابك حتى لا يصل اليها رشاش الدم فتراه أمي فيشتد حزنها وأسرع إمرار السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي وإذ لقيت أمي فاقرأ السلام عليها فأقبل إبراهيم عليه الصلاة و السلام على ولده يقبله ويبكي ويقول نعم العون أنت يا بني على ما أمر الله تعالى قال مجاهد لما أمر السكين على حلقه انقلبت السكين فقال يا أبت اطعن بها طعنا وقال السدي جعل الله حلقة كصحيفة من نحاس لا تعمل فيها السكين شيئا فلما ظهر فيهما صدق التسليم نودي أن يا إبراهيم هذا فداء ابنك فأتاه جبريل عليه السلام بكبش أملح

فأخذه وأطلق ولده وذبح الكبش فلا جرم أن جعل الذبيح نبيا بصبره وامتثاله لأمره
وأما يعقوب عليه الصلاة و السلام فإنه لما ابتلي بفراق ولده وذهاب بصره واشتداد حزنه قال فصبر جميل وكذلك يوسف صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لما ابتلاه الله تعالى بالقائه فى ظلمة الجب وبيعه كما تباع العبيد وفراقه لأبيه وإدخاله السجن وحبسه فيه بضع سنين وأنه تلقى ذلك كله بصبره وقبوله فلا جرم أورثهما صبرهما جمع شملهما واتساع القدرة بالملك في الدنيا مع ملك النبوة في الآخرة
وأما أيوب عليه الصلاة و السلام فإنه ابتلاه الله تعالى بهلاك أهله وماله وتتابع المرض المزمن والسقم المهلك حتى أفضى أمره إلى ما تضعف القوى البشرية من حمله ولنذكر شيئا مختصرا من ذلك وهو أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان يظلم الناس فنهاه جماعة من الأنبياء عن الظلم وسكت عنه أيوب عليه الصلاة و السلام فلم يكلمه ولم ينهه لأجل خيل كانت له في مملكته فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه الصلاة و السلام تركت نهيه عن الظلم لأجل خيلك لأطيلن بلاءك فقال إبليس لعنه الله يارب سلطني على أولاده وماله فسلطه فبث إبليس مردته من الشياطين فبعث بعضهم إلى دوابه ورعاتها فاحتملوها جميعا وقذفوها في البحر وبعث بعضهم إلى زرعه وجناته فأحرقوها وبعث بعضهم إلى منازله وفيها أولاده وكانوا ثلاثة عشر ولدا وخدمه وأهله فزلزلوها فهلكوا ثم جاء إبليس إلى أيوب عليه الصلاة و السلام وهو يصلي فتمثل له في صورة رجل من غلمانه فقال يا أيوب أنت تصلي ودوابك ورعاتك قد هبت عليها ريح عظيمة وقذفت الجميع في البحر وأحرقت زرعك وهدمت منازلك على أولادك وأهلك فهلك الجميع ما هذه الصلاة ؟ فالتفت إليه وقال الحمد لله الذي أعطاني ذلك كله ثم قبله مني ثم قام إلى صلاته فرجع إبليس

ثانيا فقال يارب سلطني على جسده فسلطه فنفخ في إبهام رجله فانتفخ ولا زال يسقط لحمه من شدة البلاء إلى أن بقي أمعاؤه تبين وهو مع ذلك كله صابر محتسب مفوض أمره إلى الله تعالى وكان الناس قد هجروه واستقذروه وألقوه خارجا عن البيوت من نتن ريحه وكنت زوجته رحمة بنت يوسف الصديق قد سلمت فترددت إليه متفقدة فجاءها إبليس يوما في صورة شيخ ومعه سخلة وقال لها ليذبح أيوب هذه السخلة على إسمي فيبرأ فجاءته فأخبرته فقال لها إن شفاني الله تعالى لأجلدنك مائة جلدة تأمريني أن أذبح لغير الله تعالى فطردها عنه فذهبت وبقي ليس له من يقوم به فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا أحد من الناس يتفقده خر ساجدا لله تعالى وقال ( وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فلما علم الله تعالى منه ثباته على هذه البلوى طول هذه المدة وهي على ما قيل ثمان عشرة سنة وقيل غير ذلك وإنه تلقى جميع ذلك بالقبول وما شكا إلى مخلوق ما نزل به عاد الله تعالى بألطافه عليه فقال تعالى ( فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا ) وأفاض عليه من نعمه ما أنساه بلوى نقمه ومنحه من أقسام كرمه أن أفتاه في يمينه تحلة قسمه ومدحه في نص الكتاب فقال تعالى ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى المواهب لما أمر الله تعالى به رسله ذوي الحزم وسماهم بسبب صبرهم أولى العزم وفتح لهم بصبرهم أبواب مرادهم وسؤالهم ومنحهم من لدنه غاية أمرهم ومأمولهم ومرامهم فما أسعد من اهتدى بهداهم واقتدى بهم وإن قصر عن مداهم وقيل العسر يعقبه اليسر والشدة يعقبها الرخاء والتعب يعقبه الراحة والضيق

يعقبه السعة والصبر يعقبه الفرج وعند تناهي الشدة تنزل الرحمة والموفق من رزقه صبرا وأجرا والشقي من ساق القدر إليه جزعا ووزرا
ومما شنف السمع من نجح هذه الإشارة وأتحف النفع في نهج هذه العبارة ما روي عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنه قال كنت بواسط فرأيت رجلا كأنه قد نبش من قبر فقلت ما دهاك يا هذا ؟ فقال أكتم على أمري حبسني الحجاج منذ ثلاث سنين فكنت في أضيق حال وأسوأ عيش وأقبح مكان وأنا مع ذلك كله صابر لا أتكلم فلما كان بالأمس أخرجت جماعة كانوا معي فضربت رقابهم وتحدث بعض أعوان السجن أن غدا تضرب عنقي فأخذني حزن شديد وبكاء مفرط وأجرى الله تعالى على لساني فقلت إلهي اشتد الضر وفقد الصبر وأنت المستعان ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية وأنا بين اليقظان والنائم إذا آتاني آت فقال لي قم فصل ركعتين وقل يا من لا يشغله شيء عن شيء يا من أحاط علمه بما ذرأ وبرأ وأنت عالم بخفيات الأمور ومحصي وساوس الصدور وأنت بالمنزل الأعلى وعلمك محيط بالمنزل الأدنى تعاليت علوا كبيرا يا مغيث أغثني وفك أسري واكشف ضري فقد نفذ صبري فقمت وتوضأت في الحال وصليت ركعتين وتلوت ما سمعته منه ولم تختلف علي منه كلمة واحدة فما تم القول حتى سقط القيد من رجلي ونظرت إلى أبواب السجن فرأيتها قد فتحت فقمت فخرجت ولم يعارضني أحد فأنا والله طليق الرحمن وأعقبني الله بصبري فرجا وجعل لي من ذلك الضيق مخرجا ثم ودعني وانصرف يقصد الحجاز
وفيما يروى عن الله تعالى أنه أوحى إلى داود عليه الصلاة و السلام يا داود من صبر علينا وصل إلينا وقال بعض الرواة دخلت مدينة يقال لها دقار فبينما أنا أطوف في خرابها إذا رأيت مكتوبا بباب قصر خرب بماء الذهب واللازورد هذه الأبيات

( يا من ألح عليه الهم والفكر ... وغيرت حاله الأيام والغير )
( أما سمعت لما قد قيل في مثل ... عند الاياس فأين الله والقدر )
( ثم الخطوب إذا أحداثها طرقت ... فاصبر فقد فاز أقوام بما صبروا )
( وكل ضيق سيأتي بعده سعة ... وكل فوت وشيك بعده الظفر ) ولما حبس أبو أيوب في السجن خمس عشرة سنة ضاقت حيلته وقل صبره فكتب إلى بعض إخوانه يشكو إليه طول حبسه وقلة صبره فرد عليه جواب رقعته يقول
( صبرا أبا يوب صبر مبرح ... وإذا عجزت عن الخطوب فمن لها )
( إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يملك حلها )
( صبرا فإن الصبر يعقب راحة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها ) فأجابه أبو أيوب يقول
( صبرتني ووعظتني وأنا لها ... وستنجلي بل لا أقول لعلها )
( ويحلها من كان صاحب عقدها ... كرما به إذ كان يملك حلها ) فما لبث بعد ذلك أياما حتى أطلق مكرما وأنشدوا
إذا ابتليت فثق بالله وارض به ... إن الذي يكشف البلوى هو الله )
( اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسن فإن الصانع الله )
( إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ... فما ترى حيلة فيما قضى الله )
الفصل الثالث من هذا الباب في التأسي في الشدة والتسلي عن نوائب الدهر
قال الثوري رحمه الله تعالى لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة وقيل الهموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب

حكيم رجلا يقول لآخر لا أراك الله مكروها فقال كأنك دعوت عليه بالموت فإن صاحب الدنيا لا بد أن يرى مكروها وتقول العرب ويل أهون من ويلين وقال ابن عيينة الدنيا كلها غموم فما كان فيها من سرور فهو ربح وقال العتبي إذا تناهى الغم إنقطع الدمع بدليل أنك لا ترى مضروبا بالسياط ولا مقدما لضرب العنق يبكي
وقيل تزوج مغن بنائحة فسمعها تقول اللهم أوسع لنا في الرزق فقال لها يا هذه إنما الدنيا فرح وحزن وقد أخذنا بطرفي ذلك فإن كان فرح دعوني وإن كان حزن دعوك وقال وهب بن منبه إذا سلك بك طريق البلاء سلك بك طريق الأنبياء وقال مطرف ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يرفعه " يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء " وروى أبو عتبة عن النبي قال " إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قالوا وما اقتناه ؟ قال لا يترك له مالا ولا ولدا " ومر موسى عليه الصلاة و السلام برجل كان يعرفه مطيعا لله عز و جل قد مزقت السباع لحمه وأضلاعه وكبده ملقاة على الأرض فوقف متعجبا فقال أي رب عبدك ابتليته بما أرى فأوحى الله تعالى إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فأحببت أن أبتليه لأبلغه تلك الدرجة
وكان عروة بن الزبير صبورا حين ابتلي حكي أنه خرج إلى الوليد ابن يزيد فوطئ عظما فما بلغ إلى دمشق حتى بلغ به كل مذهب فجمع له الوليد الاطباء فأجمع رأيهم على قطع رجله فقالوا له اشرب مرقدا فقال ما أحب أن أغفل عن ذكر الله تعالى فأحمى له المنشار وقطعت رجله فقال ضعوها بين يدي ولم يتوجع ثم قال لئن كنت ابتليت في عضو فقد عوفيت في أعضاء فبينما هو كذلك إذ أتاه خبر ولده أنه أطلع من سطح على دواب الوليد فسقط بينها فمات فقال الحمد لله على كل حال لئن أخذت واحدا لقد أبقيت جماعة
وقدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير فسأله عن حاله وسبب

ذهاب بصره فقال خرجت مع رفقة مسافرين ومعي مالي وعيالي ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي فعرسنا في بطن واد فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل ومال وولد غير صبي صغير وبعير فشرد البعير فوضعت الصغير على الأرض ومضيت لآخذ البعير فسمعت صيحة الصغير فرجعت إليه فإذا رأس الذئب في بطنه وهو يأكل فيه فرجعت إلى البعير فحكم وجهي برجليه فذهبت عيناي فأصبحت بلا عينين ولا ولد ولا مال ولا أهل فقال الوليد إذهبوا إلى عروة ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه وقيل الحوادث الممضة مكسبة لحظوظ جليلة أما ثواب مدخر أو تطهير من ذنب أو تنبيه من غفلة أو تعريف لقدر النعمة
قال البحتري يسلي محمد بن يوسف على حبسه
( وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب إلى منزل ضنك )
( وقد دهمتك الحادثات وإنما ... صفا الذهب إلا بريز قبلك بالسبك )
( أما في نبي الله يوسف اسوة ... لمثلك محبوس عن الظلم والإفك )
( أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك ) وقال علي بن الجهم لما حبسه المتوكل
( قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد )
( والشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد )
( والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلى إن لم تثرها الأزند )
( والحبس ما لم تغشه لدنية ... شنعاء نعم المنزل المتودد )
( بيت يجدد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد )
( لو لم يكن في الحبس إلا أنه ... لا تستذلك بالحجاب الأعبد )
( غر الليالي باديات عود ... والمال عارية يعار وينفد )
( ولكل حي معقب ولربما ... أجلى لك المكروه عما يحمد )
( لا يؤيسنك من تفرج نكبة ... خطب رماك به الزمان الأنكد )

( كم من عليل ق تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود )
( صبرا فان اليوم يعقبه غد ... ويد الخلافة لا تطاولها يد ) قال وأنشد اسحاق الموصلي في إبراهيم بن المهدي حين حبس
( هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال )
( يوما تريك خسيس الأصل ترفعه ... إلى العلاء ويوما تخفض العالي ) فما أمسى حتى وردت عليه الخلع السنية من المأمون رضي الله عنه وقال إبراهيم بن عيسى الكاتب في إبراهيم بن المدني حين عزل
( ليهن أبا إسحاق أسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل )
( شهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل ) وقال آخر
( قد زاد ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع ) وقال أبو بكر الخوارزمي لمعزول الحمد لله الذي ابتلي في الصغير وهو المال وعافى في الكبير وهو الحال
( ولا عار إن زالت عن الحر نعمه ... ولكن عارا أن يزول التجمل ) وقيل المال حظ ينقص ثم يزيد وظل ينحسر ثم يعود وسئل بزرجمهر عن حاله في نكبته فقال عولت على أربعة أشياء أولها أني قلت القضاء والقدر لا بد من جريانهما الثاني أني قلت أن لم أصبر فما أصنع الثالث أني قلت قد كان يجوز أن يكون أعظم من هذا الرابع أني قلت لعل الفرج قريب والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب السابع والخمسون ما جاء في اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة والفرح والسرور ونحو ذلك مما يتعلق بهذا الباب
فمما يليق بهذا الباب من كتاب الله عز و جل قوله تعالى ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وقوله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) وقوله تعالى ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ) ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال لو كان العسر في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه وقال عليه الصلاة و السلام " عند تناهي الشدة يكون الفرج وعند تضايق البلاء يكون الرخاء " وقال علي رضي الله عنه عن النبي " أفضل عبادة أمتي انتظارها فرج الله تعالى " وقال الحسن لما نزل قوله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال النبي " أبشروا فلن يغلب عسر يسرين " ومن كلام الحكماء إن تيقنت لم يبق هم وقال أبو حاتم
( إذا اشتملت على البؤس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب )
( وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنه الخطوب )

( ولم نر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب )
( أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب ) وقال آخر
( عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب )
( فيأمن خائف ويغاث عان ... ويأتي أهله النائي الغريب ) وقال آخر
( تصبر أيها العبد اللبيب ... لعلك بعد صبرك ما تخيب )
( وكل الحادثات إذا تناهت ... يكون وراءها فرج قريب ) وقال إبراهيم بن العباس
( ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج )
( ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج ) وقال آخر
( لئن صدع البين المشتت شملنا ... فللبين حكم في الجموع صدوع )
( وللنجم من بعد الرجوع استقامة ... وللشمس من بعد الغروب طلوع )
( وإن نعمة زالت عن الحر وانقضت ... فإن بها بعد الزوال رجوع )
( فكن واثقا بالله واصبر لحكمه ... فان زوال الشر عنك سريع )
ولنذكر نبذة ممن حصل له الفرج بعد الشدة روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله عامله على المدينة المنورة أن اخرج الحسن بن الحسن بن علي من السجن وكان محبوسا واضربه في مسجد رسول الله خمسمائة سوط فأخرجه إلى

المسجد واجتمع الناس وصعد صالح يقرأ عليهم الكتاب ثم نزل يأمر بضربه فبينما هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي ين الحسين عليه السلام فأفرج له الناس حتى أتى الى جنب الحسن فقال يا ابن العم مالك ادع الله تعالى بدعاء الكرب يفرج الله عنك قال ما هو يا ابن العم ؟ فقال لا إله إلا الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان رب السموات ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين ثم أنصرف عنه وأقبل الحسن يكررهما فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل قال أراه في سجنه مظلوما أخرجوه وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره فأطلق بعد أيام وأتاه الفرج من عند الله تعالي وقال الربيع لما حبس المهدي موسى ابن جعفر رأى في المنام عليا رضي الله تعالى عنه وهو يقول يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال الربيع فأرسل المهدي الى ليلا فراغني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان حسن الصوت فقص علي الرؤيا ثم قال ائتني بموسى ين جعفر فجئته يه فعانقه وأجلسه الى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين يقرأ علي كذا فعاهدني أن لا تخرج علي ولا على أحد من ولدي فقال والله ما ذاك من شأني فقال صدقت ثم قال يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله بالمدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا على الطريق وقال إسماعيل بن بشار
( وكل حر وإن طالت بليته ... يوما تفرج غماه وتنكشف ) وقال مسلم بن الوليد كنت يوما جالسا عند خياط بازاء منزلي فمر بي انسان أعرفه فقمت اليه وسلمت عليه وجئت به الى منزلي لاضيفه وليس معي درهم بل كان عندي زوج أخفاف فارسلتها مع جاريتي لبعض معارفها فباعهما بتسعة دراهم واشترت بها ما قلته لها من الخبز واللحم فجلسنا نأكل وإذا بالباب يطرق فنظرت من شق الباب وإذا بانسان يسأل هذا منزل فلان ؟ ففتحت الباب وخرجت فقال أنت مسلم بن الوليد قلت نعم واستشهدت له بالخياط على ذلك فاخرج لي كتابا وقال هذا من الأمير

يزيد ين مزيد فإذا فيه قد بعثنا لك بعشرة آلاف درهم لتكون في منزلك وثلاثة آلاف درهم تتجمل بها لقدومك علينا فأدخلته الى دراي وزدت في الطعام واشتريت فاكهة وجلسنا فأكلنا ثم وهبت لضيفي شيئا يشتري به هدية لأهله وتوجهنا الى باب يزيد بالرقة فوجدناه في الحمام فلما خرج إستؤذن لي عليه فدخلت فإذا هو جالس على كرسي وبيده مشط يسرح به لحيته فسلمت عليه فرد أحسن رد وقال ما الذي أقعدك عنا ؟ قلت قلة ذات اليد وأنشدته قصيدة مدحته بها قال أتدري لم أحضرتك ؟ قلت لا أدري قال كنت عند الرشيد منذ ليال أحادثه فقال لي يا يزيد من القائل فيك هذه الأبيات
( سل الخليفة سيفا من بني مضر ... يمضي فيخترق الاجسام والهاما )
( كالدهر لا ينثني عما يهم به ... قد أوسع الناس إنعاما وارغاما ) فقلت والله لا أدري يا أمير المؤمنين فقال سبحان الله أيقال فيك مثل هذا ولا تدري من قاله ؟ فسألت فقيل لي هو مسلم بن الوليد فأرسلت اليك فانهض بنا الى الرشيد فسرنا اليه واستؤذن لنا فدخلنا عليه فقبلت الأرض وسلمت فرد على السلام فأنشدته ما لي فيه من شعر فأمر لي بمائتي ألف درهم وأمر لي يزيد بمائة وتسعين ألف درهم و قال ما ينبغي لي أن اساوي أمير المؤمنين في العطاء فانظر الى هذا التيسير الجسيم بعد العسر العظيم وما أحسن ما قيل
( الامن والخوف أيام مداولة ... بين الانام وبعد الضيق تتسع ) ولما وجه سليمان بن عبد المملك محمد بن يزيد الى العراق ليطلق أهل السجون ويقسم الأموال ضيق على يزيد ين أبي مسلم فلما ولي يزيد ابن عبد الملك الخلافة ولي يزيد بن أبي مسلم أفريقية وكان محمد ين يزيد واليا عليها فاستخفى محمد بن يزيد فطلبه يزيد بن أبي مسلم وشدد في طلبه فأتى به اليه في شهر رمضان عند المغرب وكان في يد يزيد ين أبي مسلم عنقود عنب فقال لمحمد بن يزيد حين رآه يا محمد ين يزيد قال

قال طالما سألت الله أن يمكنني منك فقال وأنا والله طالما سألت الله أن يجيرني منك فقال والله ما أجارك ولا أعادك وان سبقني ملك الموت الى قبض روحك سبقته والله لا آكل هذه الحبة العنب حتى أقتلك ثم أمر به فكتف ووضع في النطع وقام السياف فأقيمت الصلاة فوضع العنقود من يده وتقدم ليصلي وكان أهل أفريقية قد أجمعوا على قتله فلما رفع رأسه ضربه رجل بعمود على رأسه فقتله وقيل لمحمد بن يزيد اذهب حيث شئت فسبحان من قتل الأمير وفك الأسير قال اسحق بن إبراهيم الموصلي رأيت رسول الله في النوم وهو يقول أطلق القاتل فارتعت لذلك ودعوت بالشموع ونظرت في أوراق السجن وإذا ورقة إنسان ادعى عليه بالقتل وأقربه فأمرت بإحضاره فلما رأيته وقد ارتاع فقلت له أن صدقتني أطلقتك فحدثني انه كان هو وجماعة من أصحابه يرتكبون كل عظيمة وأن عجوزا جاءت لهم بامرأة صارت عندهم صاحت الله الله وغشي عليها فلما أفاقت قالت أنشدك الله في أمري فان هذه العجوزة غرتني وقالت ان في هذه الدار نساء صالحات وأنا شريفة جدي رسول الله وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي فاحفظوهم في فقمت دونها وناضلت عنها فاشتد علي واحد من الجماعة وقال لا بدمنها وقاتلني فقتلته وخلصت الجارية من يده فقالت سترك الله كما سترتني وسمع الجيران الصيحة فدخلوا علينا فوجدوا الرجل مقتولا والسكين بيدي فامسكوني وأتوا بي إليك وهذا أمري فقال اسحق قد وهبتك لله ولرسوله فقال وحق اللذين وهبتني لهما لا أعود إلى معصية أبدا وأمر الحجاج بإحضار رجل من السجن فلما حضر أمر بضرب عنقه فقال أيها الأمير أخرني الى غد قال وأي فرج لك في تأخير يوم واحد ؟ ثم أمر برده إلى السجن فسمعه الحجاج في السجن يقول
( عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر )

فقال الحجاج والله ما أخذه إلا من كتاب الله وهو قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ) وامر باطلاقه وقال بعض جلساء المعتمد كنا بين يديه ليلة فخفق رأسه بالنعاس فقال لا تبرحوا حتى أغفي سويعة فغفا ساعة ثم أفاق جزعا مرعوبا وقال امضوا الى السجن وائتوني بمنصور الجمال فجاؤا به فقال له كم لك في السجن ؟ قال سنة ونصف قال على ماذا ؟ قال أنا جمال من أهل الموصل وضاق علي الكسب ببلدي فأخذت جملي وتوجهت الى بلد غير بلدي لأعمل عليه فوجدت جماعة من الجند قد ظفروا بقوم غير مستقيمي الحال وهو مقدار عشرة أنفس وجدوهم يقطعون الطريق فدفع واحد منهم شيئا للأعوان فأطلقوه وأمسكوني عوضه وأخذوا جملي فناشدتهم الله فأبوا وسجنت أنا والقوم فأطلق بعضهم ومات بعضهم وبقيت أنا فدفع له المعتمد خمسمائة دينار وأجرى له ثلاثين دينارا في كل شهر وقال اجعلوه على جمالنا ثم قال أتدرون ما سبب فعلي هذا ؟ قلنا لا قال رأيت رسول الله وهو يقوم أطلق منصورا الجمال من السجن وأحسن اليه وأخذ الطاعون أهل بيت فسد بابه ففضل فيه طفل يرضع لم يشعر به أحد ففتح الباب بعد شهر فوجدوا الطفل قد عطف الله عليه كلبة ترضعه مع جرو لها فسبحان القادر على كل شئ لا إله غيره ولا معبود سواه قال الشاعر
( إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فاضيق الأمر أدناه إلى الفرج ) ( وقال آخر )
( فلا تجزعن ان أظلم الدهر مرة ... فإن إعتكار الليل يؤذن بالفجر ) ( وقال آخر )
( لعمرك ما كل التعاطيل ضائرا ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعه )

( إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم لذة الدعه )
( فان ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا رب ضيق في عواقبه سعه ) وقال الرياشي ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية حيث قال
( هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر )
( أتيأس أن ترى فرجا ... فأين الله والقدر )
( إلا سرى عني وهبت ريح الفرج ... )
ويروى أن سلطان صقلية أرق ذات ليلة ومنع النوم فأرسل إلى قاعد البحر وقال له انفذ الآن مركبا إلى أفريقية يأتوني بأخبارها فعمد القائد إلى مقدم مركب وأرسله فلما أصبحوا إذا بالمركب في موضعه كأنه لم يبرح فقال الملك لقائد البحر أليس قد فعلت ما أمرتك به ؟ قال نعم قد امتثلت أمرك وأنفذت مركبا فرجع بعد ساعة وسيحدثك مقدم المركب فأمر بإحضاره فجاء ومعه رجل فقال له الملك ما منعك أن تذهب حيث أمرت ؟ قال ذهبت بالمركب فبينما أنا في جوف الليل والرجال يجدفون أذا بصوت يقول يا الله يا الله يا غياث المستغيثين يكررها مرارا فلما استقر صوته في أسماعنا ناديناه مرارا لبيك لبيك وهو ينادي يا الله يا الله يا غياث المستغيثين فجدفنا بالمركب نوح الصوت فلقينا هذا الرجل غريقا في آخر رمق من الحياة فطلعنا به المركب وسألناه عن حاله فقال كنا مقلعين من أفريقية فغرقت سفينتنا منذ أيام وأشرفت على الموت وما زلت أصيح حتى أتاني الغوث من ناحيتكم فسبحان من أسهر سلطانا وأرقه في قصره لغريق في البحر حتى استخرجه من تلك الظلمات الثلاث ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الوحدة فسبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه
وحكي سيدي أبو بكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك قال أخبرني أبو الوليد الباجي عن أبي ذر قال كنت أقرأ على الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد جزأ من الحديث في حانوت رجل عطار فبينما أنا جالس معه في الحانوت إذ جاء رجل من الطوافين ممن

يبيع العطر في طبق يحمله على يده فدفع إليه عشرة دراهم وقال له اعطني بها أشياء سماها له من العطر فأعطاه اياها فأخذها في طبقه وأراد أن يمضي فسقط الطبق من يده فانكب جميع ما فيه فبكى الطواف وجزع حتى رحمناه فقال أبو حفص لصاحب الحانوت لعلك تعينه على بعض هذه الأشياء فقال سمعا وطاعة فنزل وجمع له ما قدر على جمعه منها ودفع له ما عدم منها وأقبل الشيخ على الطواف يصبره ويقول له لا تجزع فأمر الدنيا أيسر من ذلك فقال الطواف أيها الشيخ ليس جزعي لضياع ما ضاع لقد علم الله تعالى أني كنت في القافلة الفلانية فضاع لي هميان فيه أربعة آلاف دينار ومعها فصوص قيمتها كذلك فما جزعت لضياعها حيث كان لي غيرها من المال ولكن ولد لي ولد في هذه الليلة فاحتجنا لامة ما تحتاج النفساء ولم يكن عندي غير هذه العشرة دراهم فخشيت أن أشتري بها حاجة النفساء فأبقى بلا رأس مال وأنا قد صرت شيخا كبيرا لا أقدر على التكسب فقلت في نفسي أشتري بها شيئا من العطر فأطوف به صدر النهار فعسى أستفضل شيئا أسد به رمق أهلي ويبقى رأس المال أتكسب به واشتريت هذا العطر فحين انكب الطبق علمت أنه لم يبق لي الا الفرار منهم فهذا الذي أوجب جزعي
قال أبو حفص وكان رجل الجند جالسا إلى جانبي يستوعب الحديث فقال للشيخ أبي حفص يا سيدي أريد أن تأتي بهذا الرجل إلى منزلي فظننا أن يعطيه شيئا قال فدخلنا إلى منزله فأقبل على الطواف وقال له عجبت من جزعك فأعاد عليه القصة فقال له الجندي وكنت في تلك القافلة ؟ قال نعم وكان فيها فلان وفلان فعلم الجندي صحة قوله فقال وما علامة الهميان وفي أي موضع سقط منك ؟ فوصف له المكان والعلامة قال الجندي إذا رأيته تعرفه قال نعم فأخرج الجندي له هميانا ووضعه بين يديه فحين رآه صاح وقال هذا همياني والله وعلامة صحة قولي أن فيه من الفصوص ما هو كيت وكيت ففتح الهميان فوجده كما ذكر فقال الجندي خذ مالك بارك الله لك فيه فقال الطواف إن هذه الفصوص قيمتها مثل الدنانير وأكثر فخذها وأنت في حل منها ونفسي طيبة بذلك فقال الجندي ما كنت

لآخذ على أمانتي مالا وبي أن يأخذ شيئا ثم دفعها للطواف جميعها فأخذها ومضى ودخل الطواف وهو من الفقراء وخرج وهو من الأغنياء اللهم أغن فقرنا ويسر أمرنا برحمتك يا أرحم الراحمين
وحكي أن الملك ناصر الدولة من آل حمدان كان يشكو وجع القولنج حتى أعيا الأطباء دواؤه لم يجدوا له شفاء فدسوا على قتله وأرصدوا له رجلا ومعه خنجر فلما كان في بعض دهاليز القصر وثب عليه ذلك الرجل وضربه بالخنجر فجاءت الضربة أسفل خاصرته فلم تخط المعي الذي فيه القولنج فخرج ما فيه من الخلط فعافاه الله تعالى وبرئ أحسن ما كان وبضد هذا ما حكاه أبو بكر الطرطوشي قال حدثنا القاضي أبو مروان الداراني بطرطوشة قال نزلت قافلة بقرية خربة من أعمال دانية فأووا إلى دار خربة هناك فاستكنوا فيها من الرياح والأمطار واستوقدوا نارهم وسووا معيشتهم وكان في تلك الخربة حائط مائل قد أشرف على الوقوع فقال رجل منهم يا هؤلاء لا تقعدوا تحت هذا الحائط ولا يدخلن أحد في هذه البقعة فأبوا إلا دخولها فاعتزلهم ذلك الرجل وبات خارجا عنهم ولم يقرب ذلك المكان فأصبحوا في عافية وحملوا على دوابهم فبينما هم كذلك إذ دخل ذلك الرجل إلى الدار لييقضي حاجته فخر عليه الحائط فمات لوقته
قال وأخبرني أبو القاسم بن حبيش بالموصل قال لقد جرت في هذه الدار وأشار إلى دار هناك قضية عجيبة قلت وما هي ؟ قال كان يسكن هذه الدار رجل من التجار ممن يسافر إلى الكوفة في تجارة الخز فاتفق أنه جعل جميع ما معه من الخز في خرج وحمله على حماره وسار مع القافلة فلما نزلت القافلة أراد انزال الخرج عن الحمار فثقل عليه فأمر انسانا هناك فأعانه على انزاله ثم جلس يأكل فاستدعى ذلك الرجل ليأكل معه فسأله عن أمره فأخبره أنه من أهل الكوفة وأنه خرج لحاجة عرضت له بغير نفقة ولا زاد فقال له الرجل كن رفيقي آنس بك وتعينني على سفري ونفقتك ومؤنتك علي فقال له الرجل وأنا أيضا أختار صحبتك وأرغب في مرافقتك فسار معه في سفره وخدمه أحسن خدمة إلى أن وصلا إلى تكريت فنزل الرفقة خارج المدينة ودخل

الناس إلى قضاء حوائجهم فقال التاجر لذلك الرجل احفظ حوائجنا حتى أدخل المدينة وأشتري ما نحتاج إليه ثم دخل المدينة وقضى جميع حوائجه ورجع فلم يجد القافلة ولا صاحبه ورحلت الرفقة ولم ير أحدا فظن أنه لما رحلت الرفقة رحل ذلك الخادم معهم فلم يزل يسير ويجد في السير في المشي إلى أن أدرك القافلة بعد جهد عظيم وتعب شديد فسألهم عن صاحبه فقالوا ما رأيناه ولا جاء معنا ولكنه ارتحل على أثرك فظننا أنك أمرته فكر الرجل راجعا إلى تكريت وسأل عن الرجل فلم يجد له أثرا ولا سمع له خبرا فيئس منه ورجع إلى الموصل مسلوب المال فوصلها نهارا فقيرا جائعا عريانا مجهودا فاستحى أن يدخلها نهارا فتشمت به الأعداء نعوذ بالله من شماتتهم وخشى أن يحزن الصديق إذا رآه على تلك الحالة فاستخفى إلى الليل ثم عاد إلى داره فطرق الباب فقيل له من هذا قال فلان يعني نفسه فأظهروا له سرورا عظيما وحاجة إليه وقالوا الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت على ما نحن فيه من الضرورة والحاجة فانك أخذت مالك معك وما تركت لنا نفقة كافية واطلت سفرك واحتجنا وقد وضعت زوجتك اليوم والله ما وجدنا ما نشتري به شيئا للنفساء فأتنا بدقيق ودهن نسرج به علينا فلا سراج عندنا فلما سمع ذلك ازداد غما على غمه وكره أن يخبرهم بحاله فيحزنهم بذلك فأخذ وعاء للدهن ووعاء للدقيق وخرج إلى حانوت أمام داره وكان فيه رجل يبيع الدقيق والزيت والعسل ونحو ذلك وكان البياع أطفأ سراجه وأغلق حانوته ونام فناداه فعرفه فأجابه وشكر الله على سلامته فقال له افتح حانوتك وأعطنا ما نحتاج إليه من دقيق وعسل ودهن فنزل البياع إلى حانوته وأوقد المصباح ووقف يزن له ما طلب فبينما هو كذلك إذ حانت من التاجر التفاتة إلى قعر الحانوت فرأى خرجه الذي هرب به صاحبه فلم يملك نفسه أن وثب إليه والتزمه وقال يا عدو الله ائتني بمالي فقال له البياع ما هذا يا فلان ؟ والله ما علمتك متعديا وأنا أبدا ما جنيت عليك ولا على غيرك فما هذا الكلام قال هذا خرجي هرب به خادم كان يخدمني وأخذ حماري وجميع مالي فقال البياع والله ما لي علم غير أن رجلا ورد علي بعد العشاء واشترى مني عشاءه وأعطاني هذا

الخرج فجعلته في حانوتي وديعة إلى حين يصبح والحمار في دار جارنا والرجل في المسجد نائم قال له أحمل معي الخرج وامض بنا إلى الرجل فرفع الخرج على عاتقه ومضى معه إلى المسجد فإذا الرجل نائمن في المسجد فوكزه برجله فقام الرجل مرعوبا فقال مالك قال أين مالي يا خائن ؟ قال ها هو في خرجك فوالله ما أخذت منه ذرة قال فأين الحمار وآلته قال هو عند هذا الرجل الذي معك فعفا عنه وخلى سبيله ومضى بخرجه إلى داره فوجد متاعه سالما فوسع على أهله وأخبرهم بقصته فازداد سرورهم وفرحهم وتبركوا بذلك المولود فسبحان من لا يخيب من قصده ولا ينسى من ذكره
( ولنلحق بهذا الباب ذكر شيء مما جاء في التهنئة والبشائر )
كتب بعضهم إلى أخيه وقد أتاه خبرا استبشر به سمعت عنك خبرا سارا كتب في الألواح وامتزج بالأرواح وعد في جملة البشائر العظام وجرى في العروق وتمشي في العظام وكان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام بن عبد الملك من الرضاع وكان يقول له اني لأرى فيك آثار الخلافة ولا تموت حتى تليها فقال له ان أنا وليتها فلك العراق فلما ولى أتاه فقام بين الصفين وقال يا أمير المؤمنين أعزل الله بعزته وأيدك بملائكته وبارك لك فيما ولاك ورعاك فيما استرعاك وجعل ولايتك على أهل الاسلام نعمة وعلى أهل الشرك نقمة لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها وأنت لها أزين منها لك وما مثلها ومثلك إلا كما قال الأحوص هذه الأبيات
( وإن الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا )
( وتزيدن أطيب الطيب طيبا ... إن تمسسه أين مثلك أينا ) ودخل على المهدي اعرابي فقال له فيم جئت ؟ قال أتيتك برسالة قال هاتها قال أتاني آت في منامي فقال ائت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات
( لكم ارث الخلافة من قريش ... تزف إليكمو أبدا عروسا )

( إلى هرون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا ) فقال المهدي يا غلام علي بالجواهر فحشا فاه حتى كاد ينشق ثم قال اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها في بخانق صبياننا
قال إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة
( ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هرون أشرق نورها )
( تلبست الدنيا جمالا بملكه ... فهرون واليها ويحيى وزيرها ) وغناه بهما من وراء الحجاب فوصله بمائة ألف دينار ويحيى بخمسين ألفا ودخل عطاء بن أبي صيفي على يزيد بن معاوية وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية فقال رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله قضى معاوية نحبه فغفر الله ذنبه ووليت الرئاسة وكنت أحق بالسياسة فاحتسب عند الله أعظم الرزية واشكر الله على أعظم العطية ومر عمر ابن هبيرة بعد إطلاقه من السجن بالرقة فاذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحادث جارة لها ليلا وهي تقول لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفسا وقري عينا والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثامن والخمسون في ذكر العبيد والاماء والخدم وفيه فصلان
الفصل الأول في مدح العبيد والاماء والاستيصاء بهم خيرا
عن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله " أول من يدخل الجنة شهيد وعبد أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعن ابن عمر رضي الله عنه تعالى عنهما ( رفعه ) إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين " وكان زيد بن حارثة خادما لخديجة رضي الله تعالى عنها اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول الله فجاءه أبوه يريد شراءه منه فقال رسول الله إن رضي بذلك فعلت فسئل زيد فقال ذل الرق مع صحابة رسول الله أحب إلى من عز الحرية مع مفارقته فقال رسول الله إذا اختارانا اخترناه فأعتقه وزوجه أم أيمن وبعدها زينب بنت جحش ون علي رضي الله تعالى عنه قال كان آخر كلام رسول الله " أوصيكم بالصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم أماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي وعن ابن مسعود الأنصاري قال ضربت غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا " اعلم يا أبا مسعود إن الله أقدر عليك منك عليه " فالتفت فإذا هو النبي فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار
وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال جاء رجل إلى

رسول الله فقال يا رسول الله كم تعفو عن الخادم ؟ ثم أعاد عليه فصمت فلما كانت الثالثة قال له أعفو عنه كل يوم سبعين مرة وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال حدثني أبو القاسم نبي التوبة " من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جلد له يوم القيامة حدا " وقيل أراد رجل بيع جاريته فبكت فقال لها مالك ؟ فقالت لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي فأعتقها وتزوجها وقال أبو اليقظان إن قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثة هم خير أمل زمانهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه أتى ببنات يزدجرد بن شهرياربن كسرى مسبيات فأراد بيعهن فأعطاهن للدلال ينادي عليهن بالسوق فكشف عن وجه إحداهن فلطمته لطمة شديدة على وجهه فصاح واعمراه وشكا إليه فدعاهن عمر وأراد أن يضربهن بالدرة فقال علي رضي الله تعالى عنه يا أمير المؤمنين إن رسول الله قال " أكرموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر " إن بنات الملوك لا يبعن ولكن قوموهن فقومهن وأعطاه أثمانهن وقسمهن بين الحسن بن علي ومحمد بن أبي بكر وعبد الله ابن عمر فولدن هؤلاء الثلاثة وقيل استبق بنو عبد الملك فسبقوا مسلمة وكان ابن أمة فتمثل عبد الملك بقول عمرو العبدي
( نهيتكمو أن تحملوا فوق خيلكم ... هجينا لكم يوم الرهان فيدرك )
( فتعثر كفاه ويسقط سوطه ... ويخدر ساقاه فما يتحرك )
( وهل يستوي المرآن هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك ) فقال له مسلمة يغفر الله لك يا أمير المؤمنين ليس هذا مثلي ولكن كما قال ابن المعمر هذه الأبيات
( فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناهم بأرماحنا فسرا )
( فما زادنا فيها السباء مذلة ... ولا كلفت خبزا ولا طبخت قدرا )

( وكم قد ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقى الأبطال يطعنهم شزرا )
( ويأخذ ريان الطعان بكفه ... فيوردها بيضا ويصدرها حمرا ) فقبل رأسه وعينيه وقال أحسنت يا بني ذاك والله أنت وأمر له بمائة ألف درهم مثل ما أخذ السابق والله أعلم
الفصل الثاني في ذم العبيد والخدم
روي عن رسول الله أنه قال " بئس المال في آخر الزمان المماليك " وقال مجاهد إذا كثرت الخدم كثرت الشياطين وقال لقمان لابنه لا تأمنن امرأة على سر ولا تطأ خادما تريدها للخدمة ووصف بعضهم عبدا فقال يأكل فارها ويعمل كارها ويبغض قوما ويحب نوما وقيل لبعضهم ألك غلام ؟ فقال
( ومالي غلام فادعوا به ... سوى من أبوه أخو عمتي ) وقال أكثم
( الحر حر وإن مسه الضر ... والعبد عبد وإن ألبسته الدر ) ودعا بعض أهل الكوفة إخوانه وله جارية فقصرت فيما ينبغي لهم من الخدمة فقال
( إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... رأى خللا فيما تولى الولائد )
( فلا يتخذ منهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله بئس القعائد ) وكان لرجل غلام من أكسل الناس فأرسله يوما يشتري له عنبا وتينا فأبطأ عليه حتى عيل صبره ثم جاء بأحدهما فضربه وقال ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين فمرض الرجل

فأمر الغلام أن ييه بطبيب فغاب ثم جاء بالطبيب ومعه رجل آخر فسأله عنه فقال أما ضربتني وأمرتني أن أفضي حاجتين في حاجة فجئتك بالطبيب فان شفاك الله تعالى وإلا حفر لك هذا قبرك فهذا طبيب وهذا حفار وقيل كان عمرو الاعجمي يلي حكم السند فكتب إلى موسى الهادي إن رجلا من أشراف أهل الهند من آل المهلب ابن أبي صفرة اشترى غلاما أسود فرباه وتبناه فلما كبر وشب أشتد به هوى مولاته فراودها عن نفسها فأجابته فدخل مولاه يوما على غفلة منه من حيث لا يعلم فاذا هو على صدر مولاته فعمد إليه فجب ذكره وتركه يتشحط في دمه ثم أدركته عليه رقة وندم على ذلك فعالجه إلى أن برئ من علته فأقام الغلام بعدها مدة يطلب أن يأخذ ثأره من مولاه ويدبر عليه أمرا يكون فيه شفاء غليله وكان لمولاه إبنان أحدهما طفل والآخر يافع كأنهما الشمس والقمر فغاب الرجل يوما عن منزله لبعض الأمور فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما على ذروة سطح عال فنصبهما هناك وجعل يعللهما بالمطعم مرة وباللعب أخرى إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه فرأى في شاهق مع الغلام فقال ويلك عرضت ابني للموت قال أجل والله الذي لا يحلف العبد بأعظم منه لئن لم تجب ذكرك مثل ما جببتني لأرمين بهما فقال الله الله يا ولدي في تربيتي لك قال دع هذا عنك فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها في شربة ماء فجعل يكرر عليه ويتضرع له وهو لا يقبل ذلك ويذهب الوالد يريد الصعود إليه فيدليهما من ذلك الشاهق فقال أبوهما ويلك فاصبر حتى أخرج مدية وأفعل ما أمرت ثم أسرع وأخذ مدية فجب نفسه وهو يراه فلما رأى الأسود ذلك رمى الصبيين من ذلك الشاهق فتقطعا وقال إن جبك لنفسك ثأري وقتل أولادك زيادة فيه فأخذ الأسود وكتب بخبره لموسى الهادي فكتب موسى لصاحب السند عمرو الأعجمي بقتل الغلام وقال ما سمعت بمثل هذا قط وأمر أن يخرج من مملكته كل أسود فما ترى أردأ من العبيد ولا أقل خيرا منهم وأكثرهم رداءة المولدون لو أحسنت إلى أحدهم الدهر كله بكل ما تصل يدك إليه أنكره كأن لم ير منك شيئا وكلما أحسنت إليه

تمرد وإن أسأت إليه خضع وذل وقد جربت أنا ذلك كثيرا وما أحسن ما قيل
( إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ) وقيل إن العبد إذا شبع فسق وإن جاع سرق وكان جدي لأمي يقول شر المال تربية العبيد والمولدون منهم ألأم من الزنوج وأردأ لأن المولد لا يعرف له أبا وربما يعرف الزنجي أبويه ويقال في المولد بغل لأنه مجنس والبغل تكون أمه فرسا وأبوه حمارا وبالعكس فلا تثق بمولد لأنه قل أن يكون فيه خير وإن كان فذاك نادر والنادر لا حكم له وأنا أستغفر الله العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب التاسع والخمسون في أخبار العرب الجاهلية و أوابدهم وذكر غرائب من عوائدهم وعجائب من أكاذيبهم
للهرب أوابد وعوائد كانوا يرونها فضلا وقد دل على بعضها القرآن العظيم وأكذب الله دعاويهم فيها فمن ذلك قوله تعالى ( وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) قال أهل اللغة البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان الأخير ذكرا بحروا أذنها أي شقوا أذنها وامتنعوا من ذكاتها ولا تمنع من ماء ولا مرعى وكان الرجل اذا اعتق عبدا وقال هو سائبة فلا عقد بينهما ولا ميراث وأما الوصيلة ففي الغنم كانت الشاة اذا ولدت أنثى فهي لهم وان ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم فان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبح الذكر لآلهتهم فان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبح لآلهتهم وأما الحام فالذكر من الابل كانت العرب إذا نتج من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فلا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى وقال تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) فالخمر ما خامر العقل ومنه سميت الخمر خمرا والميسر القمار والأنصاب حجارة كانت لهم يعبدونها وهي الأوثان واحداها نصب والأزلام سهام كانت

لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي فاذا أراد الرجل سفرا أو أمرا يهتم به ضرب بتلك القداح فاذا خرج الأمر مضى لحاجته واذا خرج النهي لم يمض ومن أوابدهم وأد البنات أي دفنهن أحياء كانوا في الجاهلية اذا رزق أحدهم أنثى وأدها وإذا بشر بها ضاق صدره وكظم وجهه وهو قوله تعالى ( واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) وقال تعالى ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) وقد قيل إنهم كانوا يقتلونهن خوف العار وبمكة جبل يقال له أبو دلامة كانت قريش تئد فيه البنات وقيل إن صعصعة جد الفرزدق كان يشتري البنات ويفديهن من القتل كل بنت بناقتين عشراوين وجمل وفاخر الفرزدق رجلا عند بعض خلفاء بني أمية فقال أنا ابن محي الموني فأنكر الرجل ذلك فقال إن الله تعالى يقول ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )
وأما الرفادة في الحج فكانت خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالهم الي قصي فيصنع به طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد وذلك أن قصيا فرضه على قريش فقال لهم حين أمرهم به يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم وإن الحجاج ضيوف الله وزوار بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ففعلوا وكانوا يخرجون ذلك كل عام من أموالهم فيدفعونه اليهم وقيل أول من أقام الرفادة عبد المطلب وهو الذي حفر بئر زمزم و كانت مطمومة واستخرج منها الغزالين الذهب اللذين عليهما الدر والجوهر وغير ذلك من الحلى وسبعة أسياف وخمسة دروع سوابغ فضرب من الأسياف باب الكعبة وجعل أحد الغزالين الذهب صفائح الذهب وجعل الآخر في الكعبة

واعلم وفقني الله وإياك إنه لم يسمع بعجب أعظم من عجب سعيد بن زرارة وعبد الله بن زياد التميمي وابن سماك الاسدي الذين ضرب بهم المثل فأما سعيد ين زرارة فقيل إنه مرت به امرأة فقالت له يا عبد الله كيف الطريق الى مكان كذا فقال لها يا هنتاه مثلي يكون من عبيد الله ؟ وأما عبد الله بن زياد التميمي فقيل إنه خطب الناس بالببصرة فأحسن وأوجز فنودي منن نواحي المسجد كثر الله فينا مثلك فقال لقد كلفتم الله شططا وأما ابن سماك فإنه أضل راحلته فالتمسها فلم توجد فقال والله لئن لم يرد راحلتي على لا صليت له ابدا فوجدت وقد تعلق زمامها ببعض أغصان الشجر فقيل له قد رد الله عليك راحلتك فصل فقال انما كانت يميني يمينا قصدا فانظر رحمك الله الى هذا العجب كيف ذهب بهم حتى أفضى بهم الى الكفر وصاروا حديثا مستبشعا ومثلا بين العالمين مستشنعا نعوذ بالله من الخذلان المؤدي الى النيران ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم حكي عن الحجاج بن يوسف الثقفي انه قيل كيف وجدت منزلك بالعراق ؟ قال خير منزل ان الله أظفرني بأناس بلغني الأمل فيهم وأعانني على الانتقام منهم فكنت أتقرب اليه بدمائهم فقيل له من هم ؟ فذكر هؤلاء الثلاثة وذكر حديثهم ولا محالة أنها من محاسن الحجاج وأن قلت في جنب سيئاته والله تعالى أعلم
ذكر أديان العرب في الجاهلية كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة وكانت اليهودية في نمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة وكانت المجوسية في بني تميم منهم زرارة ابن عدي وابنه على وكان تزوج ابنته ثم ندم ومنهم الأقرع بن حابس كان مجوسيا وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الجزيرة وكانت بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنما من حيس فعبدوه دهرا طويلا ثم أدركتهم مجاعة فأكلوه وقد قيل إن أول من غير

الحنيفية عمرو بن لحي أبو خزاعة وهو أنه رحل الى الشام فرأى العماليق يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك فقال ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها ؟ قالوا هذه أصنام فتمطرنا فتمطرن ونستنصرها فتنصرنا فقال أعطوني منها صنما أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه وقيل إن أول ما كانت عبادة الأحجار في بني إسماعيل وسبب ذلك أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حتى ضاقت عليهم وتفرقوا في البلاد وما من أحد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة وأفضى ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحسنوه من الحجاره ثم خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه من دين إسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلال وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل وأيضا اتخذوا أسافا ونائلة على موضع زمزم فينحرون عندها ويطعمون وكان أساف ونائلة رجلا وامرأة فوقع أساف على نائلة في الكعبة فيمسخهما الله حجرين واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل سفرا تمسح به حين يركب وكان ذلك آخر ما يصنع إذا توجه إلى سفره وإذا قدم من سفره بدأ به قبل أن يدخل إلى أهله واتخذت العرب الأصنام وانهمكوا على عبادتها وكانت لقريش وبني كنانة العزى وكان حجابها بني شيبة وكانت اللات لثقيف بالطائف وكان حجابها بني مغيث من ثقيف وكانت مناة للأوس والخزرج من دان بدينهم وأما يغوث ويعوق ونسر فقيل إنهم كانوا أسماء أولاد آدم عليه الصلاة و السلام وكانوا أتقياء عبادا فمات أحدهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان وحسن لهم أن يصوروا صورته في قبلة مسجدهم ليذكروه إذا أنظروه فكرهوا ذلك فقال اجعلوه في مؤخر المسجد ففعلوا وصوره من صفر ورصاص ثم مات آخر ففعلوا ذلك الى ان ماتوا كلهم فصورهم هناك وأقام من بعدهم على ذلك الى ان تركوا الدين وحسن لهم الشيطان عبادة شئ غير الله فقالوا له من نعبد ؟ قال آلهتكم المصورة في

مصلاكم فعبدوها الى أن بعث الله نوحا عليه الصلاة و السلام فنهاهم عن عبادتها فقالوا كما أخبر الله عنهم ( لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ) الآية ولما عم الطوفان الأرض طمها وعلا عليها التراب زمانا طويلا فأخرجها الشيطان لمشركي العرب فعبدوها وذكر الواحدي في الوسيط أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فسول الشيطان لقومهم بعد موتهم أن يصوروا صورهم ليكون أنشط وأشوق للعبادة كلما رأوهم ففعلوا ثم نشأ بعدهم قوم جهال بالأحوال فحسن لهم عبادتها وأن من سبقهم من قومهم عبدوها فسموها بأسمائهم وقال الواقدي كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر والله تعالى اعلم أي ذلك كان
ذكر أوابدهم الرتم شجر معروف كانت العرب اذا خرج أحدهم الى سفر عمد الى شجرة منه فيقعد غصنا منها فاذا عاد من سفره ووجده قد انحل قال قد خانتني امرأتي وان وجده على حالته قال لم تخني الرئمية ناقة كانت العرب اذا مات واحد منهم عقلوا ناقته عند قبره وسدوا عينيها حتى تموت يزعمون أنه إذا بعث من قبره ركبها التعمية والتفقئة كان الرجل اذا بلغت إبله ألفا قلع عين الفحل يقولون ان ذلك يدفع عنها العين فاذا ازدادت على الألف فقأ عينه الأخرى العرداء يصيب الابل شبه الجرب كانوا يكوون السليمة ويزعمون ان ذلك بيرئ داء من العر ضرب الثور عن البقر كانت البقر اذا امتنعت عن الشرب ضربوا الثور يزعمون أن الجن يركبون الثيران فيصدون البقر عن الشرب الهامة كانوا يزعمون أن الانسان اذا قتل ولم يؤخذ بثأره يخرج من رأسه طائر يسمى الهامة وهو كالبومة فلا يزال يصيح على قبره اسفوني الى ان يؤخذ بثأره

وكان للعرب مذاهب في الجاهليه في النفس وتنازع في كيفياتها فمنهم من زعم أن النفس هي الدم وأن الروح الهواء الذي في باطن جسم الانسان الذي منه نفسه وقالوا ان الميت لا يوجد فيه الدم وانما يوجد في الحياة مع الحرارة والرطوبة لأن كل حي فيه حرارة ورطوبة فإذا مات ذهبت حرارته وحل به اليبس والبرودة وطائفة منهم يزعمون ان النفس طائر ينشط من جسم الانسان اذا مات أو قتل ولا يزال متصورات في صورة الطائر يصرخ على قبره مستوحشا له وفي ذلك يقول بعضهم
( سلط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام ) ثم جاء الاسلام والعرب ترى صحة أمر الهام حتى قال النبي ( لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هام ) وزعموا ان هذا الطائر يكون صغيرا ويكبر حتى يصير كضرب من البوم ويتوحش ويصرخ ويوجد في الديار المعطلة والنواويس ومصارع القتلى ويزعمون ان الهامة لا تزال عند ولد الميت لتعلم ما يكون من خبره فتخبر الميت والصفر زعموا ان الإنسان إذا جاع عض على شرسوفه الصفر وهي حية تكون في البطن تثنية الضربة زعموا ان الحية تموت في أول ضربة فإذا تثنيت عاشت
الغيلان والتغول للعرب في الغيلان والتغول أخبار وأقاويل يزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات في أنواع الصور فيخاطبونها وتخاطبهم وزعمت طائفة من الناس أن الغول حيوان مشؤوم وأنه خرج منفردا لم يستأنس وتوحش وطلب القفار وهو يشبه الانسان والبهيمة ويتراءى لبعض السفار في اوقات الخلوات وفي الليل وحكي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رآه في سفره الى الشام فضربه بالسيف وقال الجاحظ الغول كل شئ يتعرض للسيارة ويتلون في ضروب من الصور والثياب وفيه خلاف وقالوا إنه ذكر

وأنثى الا أن أكثر كلامهم أنه أنثى وأما القطرب في قولهم فهو نوع من الأشخاص المتشيطنة يعرف بهذا الاسم فيظهر في أكناف اليمن وصعيد مصر في أعاليه وربما أنه يلحق الانسان فينكحه فيدود دبره فيموت وربما نذا على الانسان وأمسكه فيقول أهل تلك النواحي التي ذكرناها أمنكوح هو أو مذعور ؟ فان كان قد نكحه أيسوا منه وإن كان قد ذعر سكن روعه وشجع قلبه واذا رآه الانسان وقع مغشيا عليه ومنهم من يظهر له فلا يكترث به لشهامته وثبات قلبه
ذكر الهواتف أما الهواتف فقد كانت كثرت في العرب وكان أكثرها أيام ولد سيدنا رسول الله وان من حكم الهواتف ان تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي
ومن عجيب ما حكي من امر الهواتف ما حكاه ابو عمرو بن العلاء قال خرجنا حجاجا فصاحبنا رجل وجعل يقول في طريقه ليت شعري هل بغت علي فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق فأجابه صوت في الظلام نعم نعم وناكها حجيه وهو رجل احمر ضخم في قفاه كيه فسكت الرجل فلما سرنا إلى البصرة أخبرنا ذلك الرجل قال دخل جيراني يسلمون علي فإذا فيهم رجل أحمر ضخم في قفاه كيه فقلت لأهلي من هذا ؟ قالت رجل كان ألطف جيراننا بنا فجزاه الله خيرا فسألتها عن اسمه فقالت حجية فقلت الحقي بأهلك وأما بكاء المقتول فكانت النساء لا يبكين المقتول حتى يؤخذ بثأره فاذا أخذ بثأره بكينه وأما رمي السن فكانوا يزعمون أن الغلام اذا ثغر فرمى سنه في عين المس بسبابته وإبهامه وقال أبدليني بأحسن منها فإنه يأمن من على أسنانه العوج والفلج

وما خضاب النحر فكانوا اذا أرسلوا الخيل على الصيد فسبق واحد منها خضبوا صدره بدم الصيد علامة وأما نصب الراية فكانت العرب تنصب الرايات على أبواب بيوتها لتعرف بها وأما جز النواصي فكانوا اذا أسروا رجلا ومنوا عليه وأطلقوه جزوا ناصيته
وأما الالتفات فكانوا يزعمون ان من خرج في سفر والتفت وراءه لم يتم سفره فان التفت تطيروا له وكانوا يقولون من علق عليه كعب الأرنب لم تصبه عين ولا سحر وذلك أن الجن تهرب من الأرانب لأنها تحيض وليست من مطايا الجن ويزعمون أن المرأة إذا أحبت رجلا وأحبها ثم لم يشق عليها رداءه وتشق عليه برقعها فسد حبهما ويزعمون أن الرجل اذا قدم قرية فخاف وباءها فوقف على بابها قبل ان يدخلها ونهق كما تنهق الحمير لم يصبه وباؤها ويزعمون ان الحرقوص وهو دويبة أكبر من البرغوث تدخل في فروج الأبكار فتفتضهن ويزعمون ان الرجل إذا ضل فقلب ثيابه اهتدى وكانوا يزعمون ان الناقة اذا نفرت وذكر اسم أمها فإنها تسكن وكانت لهم خرزة يزعمون ان العاشق اذا حكها وشرب ما يخرج منها صبر وتسمى السلوان ونكاح المقت من سنتهم وهو ان الرجل اذا مات قام ولده الاكبر فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها فإن لم يكن له بها حاجة زوجها لبعض أخوته بمهر جديد فكانوا يرثون النكاح كما يرثون المال ولهم حكايات عجيبة وأحوال غريبة والله تعالى اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الستون في الكهنانة والقيافة والزجر والعرافة والفأل والفراسة والنوم والرؤية وما أشبه ذلك
اما الكهانة فكانت فاشية في الجاهلية حتى جاء الاسلام فلم يسمع فيه بكاهن وكان ذلك من معجزات النبوة وآياتها وللكهنة أخبار فمنهم سطيح ورد عليه عبد المسيح وهو يعالج الموت وأخبره على ما يزعمون بما جاء لأجله وذلك أن الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجله وانتشرت في بلادها فلما أصبح أعلم كسرى بذلك فتصبر كسرى تشجعا ثم رأى ان لا يكتم ذلك عن وزرائه ورؤساء مملكته فلبس ناجه وقعد على سريره وجمع وزراءه ورؤساء مملكته فأخبرهم بالخبر فبينما هم كذلك اذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران وارتجاس الايوان فازدادوا غما على غمهم فكتب كسرى كتابا الى النعمان بن المنذر اما بعد فوجه الى رجلا عالما بما أريد ان أسأله عنه فوجه اليه عبد المسح الغساني فقال له كسرى أعندك علم بما أريد ان أسألك عنه ؟ قال ليخبرني الملك فان كان عندي علم منه والا أخبرته بمن يعلمه به فأخبره بما رآه الموبذان فقال علم ذلك عند كاهن يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك وائتني بالجواب فركب عبد المسيح وتوجه الى سطيح فوجده قد اشرف على الضريح فسلم عليه وحياه ولم يخبر عبد المسيح بما جاء بسببه غير أنه

أنشده شعرا يذكر فيه أنه جاء برسالة من قبل ملك العجم ولم يذكر له السبب فرفع رأسه وقال عبد المسيح على جمل يسيح الى سطيح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح اذا كثرت التلاوة وفاض وادي سماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما ولا العجم لعبد المسيح مقاما يرتفع امر العرب وأظن ان وقت ولادة محمد قد اقترب يملك منهم ملوكا وملكات بعدد الشرافات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فثار عبد المسيح الى راحلته وعاد فأخبر كسرى بذلك
وحكي أن ربيعه ين مضر اللخمي رأى مناما هاله فأراد تفسيره فقال له أهل مملكته ما يفسره لك الاشق وسطيح فأحضرهما وقال لسطيح اني رأيت مناما هالني فان عرفته فقد أصبحت تفسيره فقال رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نهمة فأكل منها كل ذات جمجمة فقال له الملك ما أخطأت شيئا ما تفسره قال ليهبطن بأرضك الحبش وتملك ما بين أبين إلى جرش فقال الملك ان هذا لغائط موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده ؟ قال بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين تمضي من السنين ثم يقتتلون بها أجمعين ويخرجون منها هاربين قال ومن ذا الذي يملك بعدهم ؟ قال أراه ذا يزن يخرج عليهم من عدن فما يترك منهم أحدا باليمن قال الملك فيدوم ذلك أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من العلى قال وممن يكون هذا النبي ؟ قال من ولد عدنان بن فهر بن مالك بن النضر يكون في قومه الملك إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى المسيئون قال أو حق ما تخبر قال والشفق والقمر إذا اتسق ان ما أنبأتك به لحق ثم دعا بشق فقال مثل ما قال سطيح ومن ذلك ما حكي أن أمية بن عبد شمس دعا هاشم بن عبد مناف إلى المفاخرة فقال له هاشم أفاخرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة فرضي أمية بذلك وجعل بينهم الخزاعي الكاهن حكما فخبؤا إليه شيئا وخرجا إليه ومعهما جماعة

من قومهما فقالوا قد خبأنا لك خبيا فان علمته تحاكمنا إليك وان لم تعلمه تحاكمنا إلى غيرك فقال لقد خبأتم لي كيت وكيت قالوا صدقت أحكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس أيهما أشرف بيتا ونسبا فقال والقمر الباهر والكوكب الزاهر والغمام الماطر وما بالجو طائر وما اهتدى بعلم مسافر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ولأمية أواخر فأخذ هاشم الابل ونحرها وأطعهما من حضر وخرج أمية إلى الشام وأقام بها عشر سنين ويقال إنها أول عداوة وقعت بين بني هاشم وبني أمية
وحكي أن هند بنت عتبة بن ربيعة كانت تحت الفاكه بن المغبرة وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت ضيافة خارجا عن البيوت تغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم واضطجع فيه هو وهند ثم نهض لحاجة فأقبل رجل ممن كن يغشى البيت فولجه فلما رأى هندا رجع هاربا فلما نظره الفاكه دخل عليها فضربها برجله وقال لها من هذا الذي خرج من عندك ؟ قالت ما رأيت أحدا قط وما انتبهت حتى أنبهتني قال فأردجعي إلى بيت أبيك وتكلم الناس فيها فقال أبوها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك الكلام فان يكن الرجل صادقا دسيت عليه من يقتله لينقطع كلام الناس وان يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن فقالت له لا والله ما هو علي بصادق فقال له يا فاكه انك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جمعة من بني مخزوم وخرج أبوها في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة فلما شارفوا البلاد قالوا غدا نرد على هذا الرجل فتغيرت حالة هند فقال لها أبوها اني أرى حالك قد تغير وما هذا إلا لمكروه عندك فقالت لا والله ولكن أعرف انكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يسمني بسيما تكون علي سبة فقال لها لا تخشي فسوف أختبره فصفر لفرسه حتى أدلى ثم أدخل في احليله حبة حنطة وربطه فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم فلما تغدوا

له عتبة قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئة نختبرك بها قال خبأتم لي تمرة في كمدة قال اني أريد أن أبين من هذا قال حبة بر في أحليل مهر قال فانظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يأتي إلى كل واحدة منهن ويضرب بيده على كتفها ويقول لها انهضي حتى بلغ هندا فقال انهضي غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكا اسمه معاوية فنهض اليها الفاكه فأخذ بيدها فجذبت يدها من يده وقالت اليك عني فوالله اني لأحرص أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان فولدت منه أمير المؤمنين معاوية رضي الله تعالى عنه
وأما القيافة فهي على ضربين قيافة البشر وقيافة الاثر فأما قيافة الشر فالاستدلال بصفات أعضاء الانسان وتختص بقوم من العرب يقال لهم بنو مدلج يعرض على أحدهم مولود في عشرين نفرا فيلحقه بأحدهم
وحكي عن بعض أبناء التجار أنه كان في بعض أسفاره راكبا على بعيره يقوده غلام أسود فمر بهؤلاء القبيلة فنظر إليه واحد منهم وقال ما أشبه الركب بالقائد قال ولد التاجر فوقع في نفسي من ذلك شيء فلما رجعت إلى أمي ذكرت لها القصة فقالت يا ولدي ان أباك كان شيخا كبيرا ذا مال وليس له ولد فخشيت أن يفوتنا ما له فمكنت هذا الغلام من نفسي فحملت بك ولولا أن هذا شيء ستعلمه غدا في الدار الآخرة لما أعلمتك به في الدنيا وأما قيافة الأثر فالاستدلال بالاقدام والحوافر والخفاف وقد اختص به قوم من العرب أرضهم ذات رمل إذا هرب منهم هارب أو دخل عليهم سارق تتبعوا آثار قدمه حتى يظفروا به ومن العجب أنهم يعرفون قدم الشاب من الشيخ والمرأة من الرجل والبكر من الثيب والغريب من المستوطن ويذكر أن في قطبة وثغر البرلس أقواما بهذه الصفة وقد وقعت من قريش حين خرج النبي وأبو بكر إلى الغار على صخر صلد وأحجار صم ولا طين ولا تراب تبين فيه الأقدام

فحجبهم الله تعالى عن نبيه بما كان من نسيج العنكبوت وما لحق القائف من الحيرة وقوله إلى ههنا انتهت الاقدام هذا ومعهم الجماعة من قريش أبصارهم سليمة ولولا أن هناك لطيفة لا يتساوى الانسان فيها يعني في علمها لما استأثر بعلم ذلك طائفة دون أخرى وقيل القيافة لبني مدلج في أحياء مضر واختلف رجلان من القافة في أمر بعير وهما بين مكة ومنى فقال أحدهما هو جمل وقال الآخر هي ناقة وقصدا يتبعان الاثر حتى دخلا شعب بني عامر فاذا بعير واقف فقال أحدهما لصاحبه أهو ذا ؟ قال نعم فوجداه خنثى فأصابا جميعا ومنهم من كان يخط الرمل في الأرض ويقول فيوافق قوله ما يأتي بعد وقال رجل شردت لي ابل فجئت إلى خراش فسألته عنها فأمر بنته أن تخط لي في الأرض فخطت ثم قامت فضحك خراش ثم قال أتدري قيامها لأي شيء ؟ قلت لا قال قد علمت أنك تجد ابلك وتتزوجها فاستحيت ثم خرجت فوجدت ابلي ثم تزوجتها وخرج عمرو بن عبد الله بن معمر ومعه مالك بن خراش الخزاعي غازيين فمرا بامرأة وهي تخط للناس في الأرض فضحك منها مالك هزوا وقال ما هذا ؟ فقالت أما والله لا تخرجي من سجستان حتى تموت وينزوج عمرو هذا زوجتك فكان كما ذكرت
وأما الزجر والعرافة فاحسنه ما روي إن كسرى أبرويز بعث إلى النبي حين بعث زاجرا ومصورا فقال للزاجر أنظر ما ترى في طريقك وعنده وقال للمصور أئتني بصورته فلما عاد إليه أعطاه المصور صورته فوضعها كسرى على وسادته ثم قال للزاجر ماذا رأيت ؟ قال ما رأيت ما أزجر به إلا أنه سيعلوا أمره عليك لأنك وضعت صورته على وسادتك
وبعث صاحب الروم إلى النبي رسولا وقال له انظر إليه ومل إلى جانبه وأنظر إلى ما بين كتفيه حتى ترى الخاتم والشامة فقدم الرسول فرأى النبي على نشز عال واضعا قدميه في الماء وعن يمينه علي رضي الله عنه فلما رآه رسول الله قال له تحول فانظر ما أمرت به فنظر

فلما رجع إلى صاحبه أخبره الخبر فقال ليعلون أمره وليملكن ما تحت قدمي فتفاءل بالنشز العلو وبالماء الحياة وقال المدايني وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان حين أتاها فخرج هاربا ونزل بقرية من قرى الصعيد فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك بن مروان فقال للرسول ما اسمك ؟ قال طالب بن مدرك فقال أواه ما أظن أني أرجع إلى الفسطاط فمات ولم يرجع وكانت نائلة بنت عمار الكلبي تحت معاوية فقال لفاختة بنت قرظة اذهبي فانظري إليها فذهبت ونظرت فقالت ما رأيت مثلها ولكني رأيت تحت سرتها خالا ليوضعن معه رأس زوجها في حجرها فطلقها معاوية وتزوجها بعده رجلان حبيب ابن مسلمة والنعمان بن بشير فقتل أحدهما ووضع رأسه في حجرها وبينما مروان بن محمد جالس في ايوانه يتفقد الأمور إذ تصدعت زجاجة من الايوان فوقعت منها الشمس على منكب مروان وكان هناك عراف وقيل قياف فقام فتبعه ثوبان مولى مروان فسأله فقال صدع الزجاج صدع السلطان ستذهب الشمس بملك مروان بقوم من الترك أو خراسان ذلك عندي واضح البرهان فما مضى غير شهرين حتى مضى ملك مروان
وروى المدايني أن عليا رضي الله عنه بعث معقلا في ثلاثة آلاف ليقيم بالرقة وذلك في وقعة صفين فسار حتى نزل الحديبية فبينما هو ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان فجاء رجلان فأخذ كل واحد منهما كبشا فذهب به فقال شداد بن أبي ربيعة الخثعمي الزاجر إنكم لتصرفون من موجهكم هذا لا تغلبون ولا تغلبون أما ترى الكبشين كيف انتطحا حتى حجز بينهما فتفرقا ولا فضل لأحدهما على الآخر
وحكي ان الاسكندر ملك بعض البلاد فدخل فيها فوجد امرأة تنسج ثوبا فلما رأته قالت له أيها الملك قد أعطيت ملكا ذا طول وعرض ثم دخل عليها بعد ذلك فقالت ستعزل من الملك قال فغضب عند ذلك فقالت له لا تغضب فانك في المرة الأولى دخلت علي والشقة بيدي أدير طولها وعرضها ودخلت علي الآن والشقة في يدي أريد قطعها لأني

قد فرغت من نسجها فلا تغضب فان النفوس تعلم أشياء بعلامات قال الراوي فكان كذلك
وحكي أن سيف بن ذي يزن لما استنجد كسرى على قتال الحبشة بعث إليه بجيش عظيم فخرج اليهم ملك الحبشة وهو مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وكان بين عينيه ياقوتة حمراء بعلاقة من الذهب على تاجه تضيء كالنور وهو على فيل عظيم قال وكان في عسكر ذي يزن رجل يقال له زهير فتأمل ذلك منه ثم قال لأميره اصبر لتنظر ما يكون من أمره فقال فتحول مسروق من الفيل إلى جمل فقال أصبر فتحول بعد ذلك إلى فرس ثم إلى بغل ثم إلى حمار وكأنه أنف من مقاتلتهم على شيء من ذلك الا على حمار لما أنه استصغرهم وأستحقرهم وتفرس ذلك الرجل فيه من الانتقال من أعلى إلى أدنى وقال أحملوا عليهم فإن ملكهم قد ذهب فإنه انتقل من كبير إلى صغير فحملوا عليهم فكسروهم وقتل الملك
وحكي أنه كان عراف من الطرقيين ببغداد يخبر بما يسئل عنه فلم يخطئ فسأله رجل عن شخص محبوس هل ينطلق قال نعم ويخلع عليه قال فقلت له بأي شيء عرفت ذلك ؟ فقال إنك لما سألتني التفت يمينا وشمالا فوجدت رجلا على ظهره قربة ماء ففرغها ثم حملها على كتفه فأولت الماء بالمحبوس وتفريق بالانطلاق ووضعها على كتفه بالخلعة قال وكان الأمر كذلك
وأما الفأل فقد روي أن النبي كان يحب الفأل الصالح والاسم الحسن وروي أنه لما نزل المدينة على كلثوم دعا غلامين له يا بشار ويا سالم فقال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أبشر يا أبا بكر فقد سلمت لنا الدار وقال الأصمعي سألت ابن عون عن الفأل فقال هو أن يكون مريض فيسمع يا سالم أو طالب حاجة فيسمع يا واجد وما أشبه ذلك

وأما الطيرة فقد كن يحب الفال ويكره الطيرة وقيل ذكرت الطيرة عند رسول الله فقال من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وعنه أنه قال ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( رفعه ) من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر وعن أبي هريرة رضي الله عنه من أتى كاهنا فصدقه فيما يقول أو أتى امرأته حائضا في دبرها فقد برئ مما نزل على محمد وأنشد المبرد هذه الأبيات يقول
( لا يعلم المرء ليلا ما يصبحه ... الا كواذب ما يجري به الفال )
( والفال والزجر والكهان كلهم ... مضللون ودون الغيب اقفال ) وقال لبيد
( لعمري ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرت الطير ما الله صانع ) وقال آخر
( تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور )
( بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير ) وكانت العرب تتطير بأشياء كثيرة منها العطاس وسبب تطيرهم منه ان دابة يقال لها العاطوس كانوا يكرهونها وكانوا إذا ارادوا سفر خرجوا من الغلس والطير في أوكارها على الشجر فيطيرونها فإن أخذت

أخذوا يمينا وإن أخذوا شمالا أخذوا شمالا ومنه قوله امرئ القيس
( وقد اغتدى والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل )
( مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من على ) والعرب أعظم ما يتطيرون منه الغراب فالقول فيه أكثر من أن يطلب عليه شاهد ويسمونه حاتما لأنه يحتم عندهم بالفراق ويسمونه الأعور على جهة التطير بصرا وفيه يقول بعضهم
( إذا ما غراب البين صالح فقل به ... ترفق رماك الله يا طير بالبعد )
( لأنت على العشاق أقبح منظر ... وأبشع في الابصار من رؤية اللحد )
( تصيح ببين ثم تعثر ماشيا ... وتبرز في ثوب من الحزن مسود )
( متى صحت صح البين وانقطع الرجا ... كأنك من يوم الفراق على وعد ) وأعرض بعضهم عن الغراب وتطير بالإبل وسبب ذلك لكونها تحمل أثقال من ارتحل وفي ذلك قال بعضهم مفردا أجاد
( زعموا بأن مطيهم سبب النوى ... والمؤذنات بفرقة الأحباب ) وقالوا من تطير من شيء وقع فيه
وحكي عن ابراهيم بن المهدي قال أرسل إلي محمد بن زبيدة في ليلة من ليالي الصيف مقمرة يقول يا عم إني مشتاق إليك فاحضر الآن عندنا فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن أبي جعفر وجاريته نعيم فقال لها غنينا شيئا فقد سررت بعمومتي فغنت وهي تقول هذه الأبيات
( همو قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه )
( بني هاشم كيف التواصل بيننا ... وحبند أخيه سيفه ونجائبه )

قال فغضب وتطير وقال لها ما قصتك ويحك انتبهي وغني ما يسرني فغنت تقول
( كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأكثر حزما منك ضرج بالدم ) فقال لها ويحك ما هذا الغناء في هذه الليلة غني غيره فغنت تقول هذه الأبيات
( ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء )
( تبكي فراقهم عيني فأرقها ... إن التفرق للمشتاق بكاء ) قال فانتهرها وقال لها قومي إلى لعنة الله فقالت والله يا مولاي لم يجر على لساني غير هذا وما ظننت إلا أنك تحبه ثم إنها قامت من بين يديه وكان بين يديه قدح بلور وكان أبوه يحبه فأصابه طرف ردائها فانكسر قال إبراهيم بن المهدي فالتفت إلي وقال يا عمي أرى أن هذا آخر أمرنا فقلت كلا بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك فسمعت هاتفا يقول قضي الأمر الذي فيه تستفيان فقال لي أسمعت ما سمعت يا عم ؟ فقلت ما سمعت شيئا وما هذا إلا توهم فإذا الصوت قد علا فقال يا عم إذهب إلى بيتك فمحال أن يكون بعد هذا اجتماع قال فانصرفت من عنده وكان هذا آخر عهدي به وخرج أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل فلما أراد الدخول إليها اندق لواؤه في أول درب منها فتطير لذلك فأنشده أبو الشمقمق يقول
( ما كان مندق اللواء لريبة ... تخشى ولا أمر يكون مبذلا )
( لكن هذا الرمح ضعف متنه ... صغر الولاية فاستقل الموصلا ) فسر خالد وأمر لأبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم ودخل الحجاج الكوفة متوجها إلى عبد الملك فصعد المنبر فانكسر تحت قدمه فعلم أنهم قد تطيروا له بذلك فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله تعالى فقال شاهت الوجوه وتبت الأيدي ويؤتم بغضب من الله إذا انكسر عود جذع ضعيف

تحت قدم أسد شديد تفاءلتم بالشؤم وإني على أعداء الله تعالى لأنكد من الغراب الأبقع وأشأم من يوم نحس مستمر وإني لاعجب من لوط وقوله لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد فأي ركن أشد من الله تعالى أو ما علمتم ما أنا عليه من التوجه إلى أمير المؤمنين وقد وليت عليكم أخي محمد بن يوسف وأمرته بخلاف ما أمر به رسول الله معاذا في أهل اليمن فانه أمره أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وقد أمرته أن يسيء إلى محسنكم وأن لا يتجاوز عن مسيئكم وأنا أعلم أنكم تقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة وأنا معجل لكم الجواب لا أحسن الله عليكم الخلافة أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وخرج بعض ملوك الفرس إلى الصيد فأول من استقبله أعور فضربه وأمر بحبسه ثم ذهب للصيد فاصطاد صيدا كثيرا فلما عاد استدعى بالأعور فأمر له بمال فقال لا حاجة لي به ولكن ائذن لي في الكلام فقال تكلم فقال أيها الملك إنك تلقيتني فضربتني وحبستني وتلقيتك فصدت وسلمت فأينا أشأم صباحا على صاحبه ؟ فضحك منه وأمر له بصلة
وحكي أيضا إن صاحب قرطبة أصابه وجع فأمر بعض جواريه أن تغنيه ليلهو عن وجعه فقالت
( هذي الليالي علمنا أن ستطوينا ... فشعشعينا بماء المزن واسقينا ) قال فتطير من ذلك وأمرها بالانصراف ولم يقم بعد ذلك غير خمسة أيام ومات
وحكي أن نور الدين محمودا وهمام الدين ركبا في يوم عيد وخرجا للتفرج فتجاولا في الكلام ثم قال محمودا يا من درى هل نعيش إلى مثل هذا اليوم ؟ فقال له همام الدين قل هل نعيش إلى آخر هذا الشهر فإن العام كثير قال فاجرى الله على منطقهما ما كان مقدرا في الأزل فمات أحدهما قبل تمام الشهر ومات الآخر قبل تمام العام

وأما الفراسة فقد قال الله تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) وقال رسول الله " اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله " وقال علي رضي الله تعالى عنه ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه وقيل أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على علي رضي الله تعالى عنه بشيء فلم يعمل به ثم ندم فقال يرحم الله ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق
وحكى أبو سعيد الخراز أنه كان في الحرم فقير ليس عليه إلا ما يستر عورته فانفت نفسي منه فتفرس ذلك مني فقرأ ( وأعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذوره ) فندمت واستغفرت الله في قلبي فتفرس ذلك أيضا فقرأ ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده )
وحكي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما رأ يا رجلا فقال أحدهما إنه نجار وقال الآخر أنه حداد فسأله عن صنعته فقال كنت حدادا وأنا الآن نجار
وحكي ان شخصا من أهل القرآن سأل بعض العلماء مسألة فقال له إجلس فإني أشم من كلامك رائحة الكفر فاتفق بعد ذلك أنه سافر السائل فوصل إلى القسطنطينية فدخل في دين النصرانية قال من رآه ولقد رأيته متكئا على دكة وبيده مروحة يروح بها عليه فقلت السلام عليكم يا فلان فسلم علي وتعارفنا ثم قلت له بعد ذلك هل القرآن باق على حاله أم لا ؟ فقال له لا أذكر منه إلا آية واحدة وهي قوله تعالى ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال فبكيت عليه وتركته وانصرفت وكان الحسن ابن السقاء من موالي بني سليم ولم يكن

في الأرض أحزر منه كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطئ وكان حذره للمكيول والموزون والمعدود سواء كان يقول في هذه الرمانة كذا وكذا حبة وزنتها كذا وكذا ويأخذ العود الآس فيقول فيه كذا وكذا ورقة فلا يخطئ وقالوا إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول لشيء ما عند الله خير وأبقى فاعلم إن جواره وليمة ولم يدع إليها وإذا رأيت قوما يخرجون من عند قاض وهم يقولون ا شهدنا إلا بما علمنا فاعلم أن شهادتهم لم تقبل وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء على أهله كيف ما تقدمت عليه ؟ فقال الصلاح خير من كل شيء فاعلم أن امرأته قبيحة وإذا رأيت إنسانا يمشي ويلتفت فاعلم أنه يريد أن يحدث وإذا رأيت فقيرا يعدو ويهرول فاعلم أنه في حاجة غني وإذا رأيت رجلا خارجا من عند الوالي وهو يقول يد لله فوق أيديهم فاعلم أنه صفع ويقال عين المرء عنوان قلبه وكانوا يقولون عظم الجبين يدل على البله وعرضه يدل على قلة العقل وصغره يدل على لطف الحركة وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد والعين المتوسطة في حجمها دليل الفطنة وحسن الخلق والمروءة والتي يطول تحديقها يدل على السمع والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان وكانت الفرس إذ تقول فشا الموت في الوحوش دل على ضيقه وإذا فشا في الفأر دل على الخصب وإذا نعق غراب فجاوبته دجاجة عمر الخراب وإذا قوقت دجاجة فجاوبها غراب خرب العمار والله أعلم بكل شيء عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد أو عنده مفاتح الغيب لا يعلما إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين
وأما النوم والسهر وما جاء فيهما فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الرسول أنه قال " أشراف أتي حملة القرآن وأصحاب الليل وروي أن أم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قالت يا بني لا تكثر النوم بالليل

فان صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا وكان زمعة بن صالح ليلا طويلا فإذا أسحر نادى أهله
( يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا ) فيتواثبون بين باك وداع ومتضرع فإذا أصبح نادى عند الصباح يحمد القوم السرى ( وأنشدوا )
( يا أيها الراقد كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد )
( وخذ من الليل وساعاته ... حظا إذا ما هجع الرقد )
( من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد )
( قل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة الحشر لكم موعد ) وقيل أن نومة الضحى تورث الغم والخوف ونومة العصر تورث الجنون وأنشد بعضهم
( إلا إن نومات الضحى تورث الفتى ... غموما ونومات العصير جنون ) وعن العباس بن عبد المطلب أنه مر يوما بابنه وهو نائم نومةالضحى فوكزه برجله وقال له قم لا أنام الله عينك أتنام في ساعة يقسم الله تعالى فيها الرزق بين العبد ؟ أو ما سمعت ما قالت العرب أنها مكسلة مهزلة منسية للحاجة والنوم على ثلاثة أنواع نومة الخرق ونومة الخلق ونومة الحمق فنومة الخرق نومة الضحى ونومة الخلق هي التي أمر النبي بها أمته فقال قيلوا فان الشيطان لا تقيل ونومة الحمق النومة بعد العصر لا ينامها إلا سكران أو مجنون وكان هشام بن عبد الملك يقول لولده لا تصطبح بالنوم فانه شؤم ونكد وقال الثوري لطبيب دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني فقال ادهن رأسك وأكثر من ذلك واتق الله وكان طاوس يقول لأن تختلف السياط على ظهري أحب إلي من أن أنام يوم الجمعة والإمام يخطب وكان شداد بن أوس يتلوى على فراشه كالحبة على المقلى ويقول اللهم إن النار منعتني النوم وأنشدوا في المعنى

( غيرت موضع مرقدي ... يوما ففارقني السكون )
( قل لي فأول ليلتي ... في حفرتي أني أكون ) وأنشد أبو دلف
( أمالكتي ردي علي رقاديا ... ونومي فقد شردته عن وساديا )
( أما تتقين الله في قتل عاشق ... أمت الكرى عنه فأحيا اللياليا ) وأنشد أبو غانم الثقفي
( رقدت رقاد الهيم حتى لو أنني ... يكون رقادي مغنما لغنيت ) فقيل لمن هذا ؟ فقال لرقاد من رقاد العرب وقيل ان نوم عبود يضرب به المثل وكان عبود هذا عبدا أسود قيل إنه نام اسبوعا وقل إنه تماوت على أهله وقال اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا أنا مت فسجى ونام وندب فإذا هو قد مات
وأما الرؤيا فقد قيل فيها أقاويل وهو أنهم قالوا أن النوم هو اجتماع الدم وانحداره إلى الكبد ومنهم من رأى ان ذلك هو سكون النفس وهدوء الروح ومنهم من زعم ان مايجده الانسان في نومه من الخواطر انما هو من الأطعمة والأغذية والطبائع وذهب جمهور الأطباء إلى أن الأحلام من الأخلاط وان ذلك بقدر مزاج كل واحد منها وقوته فالذي يغلب عليه الصفراء يرى بحورا وعيونا ومياها كثيرة ويرى أنه يسبح ويصيد سمكا ومن غلبت على مزاجه السوداء رأى في منامه أجداثا وأمواتا مكفنين بسواد وبكاء وأشياء مفزعة ومن غلب على مزاجه الدم رأى الخمر والرياحين وأنواع الملاهي والثياب المصبغة والذي يقع عليه التحقيق ان الرؤيا الصالحة كما قد جاء جزء من ستين جزء من النبوة وكان النبي أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق

الصبح والرؤيا على ضربين فمنهم من يرى رؤيا فتجيء على حالها لا تزيد ولا تنقص ومنهم من يرى الرؤيا في صورة مثل ضرب له
فمن ذلك ما حكي أن النبي رأى في الجنة غرفا فقال لمن هذه ؟ فقيل أبي جهل بن هشام فقال ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبدا قال فأتاه عكرمة ولده مسلما فتأولها به وكذلك تأول في قتل الحسين لما رأى أن كلبا أبقع يلغ في دمه وكان ذلك بعد رؤياه عليه الصلاة و السلام بخمسين عاما وكذلك حين قال بأبي بكر رضي الله تعالى عنه اني رأيت كأني رقيت أنا وأنت درجا في الجنة فسبقتك بدرجتين ونصف فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله أقبض بعدك بسنتين ونصف ورأت عائشة رضي الله تعالى عنها سقوط ثلاثة أقمار في حجرتها فأولها أبوها بموته وموت النبي وموت عمر رضي الله تعالى عنهما ودفنهم في حجرتها فكان الأمر كذلك
وحكي أن أم الشافعي رضي الله تعالى عنه لما حملت به رأت كأن المشتري خرج من فرجها وانقض بمصر ثم تفرق في كل بلد قطعة فأول بعالم يكون بمصر وينتشر علمه بأكثر البلاد فكان كذلك
وحكي أيضا ان عاملا أتى عمر رضي الله تعالى عنه فقال رأيت الشمس والقمر اقتتلا فقال له عمر مع من كنت ؟ قال مع القمر فقال مع الآية الممحوة والله لا وليت لي عملا فعزله ثم اتفق ان عليا رضي الله تعالى عنه وقع بينه وبين معاوية ما وقع فكان ذلك الرجل مع معاوية
وأما من مهر في تعبير الرؤيا فهو ابن سيرين جاءه رجل فقال له رأيت كأني اسقي شجرة زيتون زيتا فاستوى جالسا فقال ما التي تحتك ؟ قال عجلة اشتريتها وفي رواية جارية وأنا أطؤها فقال

أخاف أن تكون أمك فكشف عنها فوجدها أمه وجاءه رجل فقال رأيت كأن في يدي خاتما أختم به فروج النساء وأفواه الرجال فقال له أنت مؤذن تؤذن بالليل فتمنع الرجال والنساء من الاكل والوطء وجاءه رجل فقال رأيت جارة لي قد ذبحت في بيت من دارها فقال هي امرأة نكحت في ذلك البيت وكانت امرأة لصديق ذلك الرجل فاغتم لذلك ثم بلغه أن الرجل قدم في تلك الليلة وجامع زوجته في ذلك البيت وجاءه رجل معه جراب فقال له رأيت في النوم كأني أسد الزقاق سدا وثيقا شديدا فقال له أنت رأيت هذا ؟ قال نعم فقال لمن حضره ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان وربما تكون في جرابه آلة الخنق فوثبوا عليه وفتشوا الجراب فوجدوا فيه أوتارا وحلقا فسلموه إلى السلطان وجاءته امرأة وهو يتغدى فقالت له رأيت في النوم كأن القمر دخل في الثريا ونادى مناد من خلق ان ائتني ابن سيرين فقص عليه فتقلصت يده وقال ويلك كيف رأيتي هذا ؟ فأعادت عليه فقال لاخته هذه تزعم اني أموت لسبعة أيام وأمسك يده على فؤاده وقام يتوجع ومات بعد سبعة أيام وجاءه رجل فقال رأيت كأني آخذ البيض وأقشره فآكل بياضه وألقي صفاره فقال ان صدق منامك فأنت نباش الموتى فكان ذلك
وحكي ان ابن سيرين رأى الجوزاء قد تقدمت على الثريا فجعل يوصي وقال يموت الحسن وأموت بعده وهو أشرف مني فمات الحسن ومات بعده بمائة يوم
وحكى أن رجلا رأى عيسى عليه السلام فقال له يا نبي الله صلبك حق قال نعم فعبره على بعضهم فقال تكذب رؤياك بقوله تعالى ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) ولكن هو عائد على الرائي فكان كذلك وأتى ابنة مغيث آت في المنام فقال لها
( لك البشيرى بولد ... أشبه شيء بالاسد ... إذا الرجال في كبد )
( تغالبوا على بلد ... كان له حظ الأسد )

المختار بن أبي عبيد وذلك في عام الهجرة وقال رجل لسعيد بن المسيب رأيت كأني بلت خلف المقام أربع مرات قال كذبت لست صاحب هذه الرؤيا قال هو عبد الملك فقال يلي أربعة من صلبه الخلافة وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه رأيت عليا رضي الله تعالى عنه في المنام فقال لي ناولني كتبك فناولته إياها فأخذها وبددها فأصبحت أخا كآبة فأتيت الجعد فأخبرته فقال سيرفع الله شأنك وينشر علمك
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي أنه قال من رآني في منامه فقد رآني حقا فإن فان الشيطان لا يتمثل بي وجاء إلى النبي فقال رأيت كأن رأسي قد قطع وأنا أنظر إليه فضحك رسول الله وقال بأي عين كنت تنظر إلى رأسك فلم يلبث رسول الله أن توفي وأولوا رأسه بنبيه ونظره إليه باتباع سنته وقال رجل لعلي بن الحسين رأيت كأني أبول في يدي فقال تحتك محرم فنظروا فإذا بينه وبين امرأته رضاع وقال أبو حنيفة رضي الله عنه رأيت كأني نبشت قبر رسول الله فضممت عظامه إلى صدري فهالني ذلك فسألت ابن سيرين فقال ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا قلت أنا رأيتها قال إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك وقال النبي الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الدنيا والآخرة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال تضرعت إلى ربي سنة أن يرين أبي في النوم حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه فسألته فقال لولا رحمة الله لهلك أبوك إنه سألني عن عقال بعير للصدقة فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز فصاح وضرب بيده على رأسه وقال فعل هذا بالتقي الطاهر فكيف بالمقترف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم

الباب الحادي والستون في الحيل والخدائع المتوصل بها إلى بلوغ المقاصد والتيقظ والتبصر الحيلة من فوائد الآراء المحكمة وهي حسنة ما لم يستبح بها محظور وقد سئل بعض الفقهاء عن الحيل في الفقه فقال علمكم الله ذلك فانه قال ( وخذ بيدك ضغثا ) ( فاضرب به ولا تحنث ) وكان إذا أراد غزوة وروي بغيرها وكان يقول " الحرب خدعة " ولما أراد عمر رضي الله عنه قتل الهرمزان استسقى ماء فأتوه بقدح فيه ماء فأمسكه في يده واضطرب فقال له عمر لا بأس عليك حتى تشربه فألقى القدح من يده فأمر عمر بقتله فقال أولم تؤمني ؟ قال كيف أمنتك قال قلت لا بأس عليك حتى تشربه وقولك لا بأس عليك أمان ولم أشربه فقال عمر قاتلك الله أخذت مني أمانا ولم أشعر وقيل كان دهاة العرب أربعة كلهم ولدوا بالطائف معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة والسائب بن الأقرع وكان يقال الحاجة تفتح أبواب الحيل وكان يقال ليس العاقل الذي يحتال للأمور إذا وقع فيها بل العاقل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها وقال الضحاك بن مزاحم النصراني لو أسلمت فقال ما زلت محبا للإسلام إلا أنه يمنعني منه حبي للخمر فقال أسلم وأشربها فلما أسلم قال له قد أسلمت فان شربتها حديناك وإن ارتددت قتلناك فاختر لنفسك فاختار الاسلام وحسن إسلامه فأخذه بالحلية

وقيل دليت من السماء سلسلة في أيام داود عليه الصلاة و السلام عند الصخرة التي في وسط بيت المقدس وكان الناس يتحاكمون عندها فمن مد يده اليها وهو صادق نالها ومن كان كاذبا لم ينلها إلى أن ظهرت فيهم الخديعة فارتفعت وذلك أن رجلا أودع رجلا جوهرة فخبأها في مكانه في عكازة ثم أن صاحبها طلبها من الذي أودعها عنده فأنكرها فتحاكما عند السلسلة فقال المدعي اللهم إن كنت صادقا فلتدن مني السلسلة فدنت منه فمسها فدفع المدعى عليه العكازة للمدعي وقال اللهم إن كنت تعلم إني رددت الجوهرة إليه فلتدن مني السلسلة فدنت منه فمسها فقال الناس قد سوت السلسلة بين الظالم والمظلوم فارتفعت بشؤم الخديعة وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام ( أن أحكم بين الناس بالبينة واليمين ) فبقي ذلك إلى قيام الساعة وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي من دهاة ثقيف وثقيف دهاة العرب قيل أنه وجه إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد ثم دعا برجل من خواصه فدفع إليه حمامة بيضاء وقال له إن رأيت الأمر عليكم فارسلها ثم قال للناس إني لأجد في محكم الكتاب وفي اليقين والصواب أن الله ممدكم بملائكة غضاب صعاب تأتي في صور الحمام تحت السحاب فلما كادت الدائرة تكون على أصحابه عمد ذلك الرجل إلى الحمامة فأرسلها فتصايح الناس الملائكة الملائكة وحملوا فانتصروا وقتلوا ابن زياد وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال خرجت امرأتان ومعهما صبيان فعدا الذئب على صبي إحداهما فأكله فاختصما في الصبي الباقي إلى داود عليه الصلاة و السلام فقال كيف أمركما ؟ فقصتا عليه القصة فحكم به للكبرى منهما فاختصما إلى سليمان عليه الصلاة و السلام فقال ائتوني بسكين أشق الغلام نصفين لكل منهما نصف فقالت الصغرى أتشقه يا نبي الله ؟ قال نعم قالت لا تفعل ونصيبي فيه للكبرى فقال خذيه فهو ابنك وقضى به لها وجاء رجل إلى سليمان بن داود عليه الصلاة و السلام وقال يا نبي الله إن لي جيرانا يسرقون أوزي فلا أعرف السارق فنادى الصلاة جامعة ثم خطبهم وقال

في خطبته وإن أحدكم ليسرق أوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه فمسح الرجل رأسه فقال سليمان خذوه فهو صاحبكم
وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة وكان شابا جميلا فأرسلت إليهما أن يحضرا عندها فحضرا وجلست بحيث تراهما وتسمع كلامهما فلما رأى المغيرة ذلك الشاب وعاين جماله علم أنها تؤثره عليه فأقبل على الفتى وقال لقد أوتيت جمالا فهل عندك غيره هذا ؟ قال نعم فعدد محاسنه ثم سكت فقال له المغيرة كيف حسابك مع أهلك ؟ قال ما يخفى علي منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردل فقال المغيرة لكني أضع البدرة في بيتي فينفقها أهلي على ما يريدون فلا أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها فقالت المرأة والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلى من هذا الذي يحصي علي مثقال الذرة فتزوجت المغيرة
وبلغ عضد الدولة أن قوما من الأكراد يقطعون الطريق ويقيمون في جبال شامخة ولا يقدر عليهم فاستدعى بعض التجار ودفع إليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى مسمومة كثيرة الطيب في ظروف فاخرة ودنانير وافرة وأمره أن يسير مع القافلة ويظهر أن هذه هدية لأحد نساء الأمراء ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة فنزل القوم فأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به الجبل فوجد به الحلوى فقبح على نفسه أن ينفرد بها دون أصحابه فاستدعاهم فأكلوا على مجاعة فماتوا عن آخرهم وأخذ أرباب الأموال أموالهم
وأتي لبعض الولاة برجلين قد اتهما بسرقة فأقامهما بين يديه ثم دعى بشربة ماء فجئ له بكوز فرماه بين يديه فارتاع أحدهما وثبت الآخر فقال للذي ارتاع اذهب إلى حال سبيلك وقال للآخر أنت أخذت المال وتلذذت به وتهدده فأقر فسئل عن ذلك فقال إن اللص قوي القلب والبرئ يجزع ولو تحرك عصفور لفزع منه
وقصد رجل الحج فاستودع إنسانا مالا فلما عاد طلبه منه

فجحده المستودع فأخبر بذلك القاضي أياسا فقال أعلم بأنك جئتني قال لا قال فعد إلي بعد يومين ثم إن القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرجل فأحضره ثم قال له أعلم أنه قد تحصلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للناس وإني مسافر سفرا بعيدا وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك فقال حبا وكرامة قال فاذهب وهيئ موضعا للمال وقوما يحملونه فذهب الرجل وجاء صاحب الوديعة فقال له القاضي إياس امض إلى صاحبك وقل له إدفع إلي مالي وإلا شكوتك للقاضي أياس فلما جاء وقال له ذلك دفع إليه ماله واعتذر إليه فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره ثم بعد ذلك أتى الرجل وتبعه الحمالون لطلب الأموال التي ذكرها له القاضي فقال له القاضي بعد أن أخذ الرجل ماله منه بدا لي ترك السفر امض لشأنك لا أكثر الله في الناس مثلك ولما أراد شيرويه قتل أبيه ابرويز قال إبرويز للداخل عليه ليقتله إني لأدلك على شيء فيه غناك لوجوب حقك علي قال وما هو ؟ قال الصندوق الفلاني فلما قتله وذهب إلى شيرويه وأخبره الخبر فأخرج الصندوق فإذا فيه حق فيه حب ورقعة مكتوب فيها من تناول منه حبة واحدة افتض عشرة أبكار وكان لشيرويه غرام في الباه فتناول منه حبة فهلك من ساعته فكان أبرويز أول مقتول أخذ بثأره من قاتله ولما بايع الرشيد لأولاده الثلاثة بولاية العهد تخلف رجل مذكور من الفقهاء فقال له الرشيد لم تخلفت ؟ فقال عاقني عائق فقال اقرأوا عليه كتاب البيعة فقال يا أمير المؤمنين هذه البيعة في عنقي إلى قيام الساعة فلم يفهم الرشيد ما أراد وظن أنه إلى قيام الساعة يوم الحشر وما أراد الرجل إلا قيامه من المجلس وقال المغيرة بن شعبة لم يخدعني غير غلام من بني الحرث بن كعب فإني ذكرت امرأة منهم لأتزوجها فقال أيها الأمير لا خير لك فيها فقلت ولم ؟ قال رأيت رجلا يقبلها فاعرض عنها فتزوجها الفتى فلمته وقلت ألم تخبرني أنك رأيت رجلا يقبلها ؟ قال نعم رأيت أباها يقبلها وأتى رجل إلى الأحنف فلطمه فقال ما حملك على هذا ؟ فقال جعل

لي جعل على أن ألطم سيد بني تميم فقال لست بسيدهم عليك بحارثة ابن قدامة فانه سيدهم فمضى إليه فلطمه فقطعت يده
وقال الشعبي وجهني عبد الملك إلى ملك الروم فقال لي من أهل بيت الخلافة أنت ؟ قلت لا ولكني رجل من العرب فكتب إلى عبد الملك رقعة ودفعها إلي فلما قرأها عبد الملك قال لي أتدري ما فيها ؟ قلت لا قال فيها " العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف يولون أمرهم غيره " قال أتدري ما أراد بهذا ؟ قلت لا قال حسدني عليك فأراد أن أقتلك فقلت إنما كبرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يترك شيئا إلا سألني عنه وأنا أجيبه فبلغ ملك الروم ما قاله عبد الملك للشعبي فقال لله أبوه ما عدا ما في نفسي ولما ولي عبد الملك بن مروان أخاه بشرا الكوفة وكان شابا ظريفا غزلا بعث معه بن زنباع وكان شيخا متورعا فثقل على بشر مرافقته فذكر ذلك لندمائه فتوصل بعض ندمائه إلى أن دخل بيت روح بن زنباع ليلا في خفية فكتب على حائط قريب في مجلسه هذه الأبيات
( يا روح من لبنيات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي )
( إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل بنفسك يا روح بن زنباع ) فتخوف من ذلك وخرج من الكوفة فلما وصل إلى عبد الملك أخبره بذلك فاستلقى على قفاه من شدة الضحك قال ثقلت على بشر وأصحابه فاحتالوا لك
ومن الحيل الطريفة ما حكي أن النبي لما فتح خيبر وأعرس بصفية وفرح المسلمون جاءه الحجاج بن علاط السلمي وكان أول من أسلم في تلك الأيام وشهد خيبر فقال يا رسول الله إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة ولي مال متفرق عند تجار مكة فأذن لي يا رسول الله في العود إلى مكة

أسبق خبر إسلامي إليهم فإني أخاف إن علموا بإسلامي أن يذهب جميع مالي بمكة فأذن لي لعلي أخلصه فأذن له رسول الله فقال يا رسول الله إني احتاج إلى أن أقول فقال له رسول الله قل وأنت في حل قال الحجاج فخرجت فلما انتهيت إلى الثنية ثنية البيضاء وجدت بها رجالا من قريش يتسمعون الأخبار وقد بلغهم أن رسول الله سار إلى خيبر فلما أبصروني قالوا هذا لعمر الله عنده الخبر أخبرنا يا حجاج فقد بلغنا أن القاطع يعنون محمدا قد سار إلى خيبر قال قلت إنه سار إلى خيبر وعندي من الخبر ما يسركم قال فأحدقوا حول ناقتي يقولون إيه يا حجاج ؟ قال فقلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فصاحوا بمكة قد جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال فقلت أعينوني على جمع مالي من غرمائي فإني أريد أن اقدم خيبر فأغنم من ثقل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك فقاموا معي فجمعوا لي مالي كأحسن ما أحب فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أقبل علي حتى وقف إلى جانبي وأنا في خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به ؟ قال فقلت وهل عندك حفظ لما أودعه عندك من السر ؟ فقال نعم والله قال قلت استأخر عني حتى الفاك على خلاء فإني في جمع مالي كما ترى فانصرف عني حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت على الخروج لقيت العباس فقلت له احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى أن يتبعوني فاكتم على ثلاثة أيام ثم قل ماشئت قال لك علي ذلك قال قلت والله ما تركت ابن أخيك إلا عروسا على ابنة ملكهم يعني صفية وقد افتتح خيبر وغنم ما فيها وصارت له ولأصحابه قال أحق ما تقول يا حجاج ؟ قال قلت أي والله ولقد أسلمت وما جئت إلا مسلما لآخذ مالي خوفا من أن أغلب عليه فإذا مضت ثلاثة فاظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال فلما كان في اليوم الرابع لبس العباس حلة له وتخلق بالطيب

وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله هو التجلد لحر المصيبة قال كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على ابنه ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه قالوا من جاءك بهذا الخبر ؟ قال الذي جاءكم بما جاءكم به ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ ماله وانطلق ليلحق محمدا وأصحابه ليكون معهم قالوا تفلت عدو الله أما والله لو علمنا به لكان لنا وله شأن قال ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك فتوصل الحجاج بفطنته واحتياله إلى تخليصه وتحصيل
ماله ولما اجتمعت الاحزاب على حرب رسول الله عام الخندق وقصدوا المدينة وتظاهروا وهم في جمع كثير وجم غفير من قريش وغطفان وقبائل العرب وبني النضير وبني قريظة من اليهود ونازلوا رسول الله ومن معه من المسلمين واشتد الأمر واضطرب المسلمون وعظم الخوف على ما وصفه الله تعالى في قوله تعالى ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) فجاء نعيم بن مسعود بن عامر الغطفاني إلى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله خذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان نديما لهم في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد علمتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم فإن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاؤا الحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وأموالهم وأولادهم ونساؤهم بغير بلدكم وليسوا مثلكم لأنهم إن رأوا فرصة إغتنموها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل

ببلدكم ولا طاقة لمن به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديهم ثقة لمن على أن تقاتلوا معهم محمدا قالوا أشرت بالرأي ثم أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب وكان إذ ذاك قائد المشركين من قريش ومن معه من كبراء قريش قد علمتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر وأحببت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي قالوا نعم قال اعلموا أن معشر يهود بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه يقولون إنا قد ندمنا على نقض العهد الذي بيننا وبينك فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنسلمهم إليك فتضرب رقابهم ثم نكون معك على من بقي منهم فنستأصلهم فأرسل يقول نعم فان بعث إليكم يهود بني قريظة يلتمسون منكم رهائن من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم فلما كانت ليلة السبت أرسل أبو ورؤس بني غطفان إلى بني قريظة يقولون لهم إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاعتدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ فيما بيننا وبينه فأرسلوا يقولون لهم إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن دهمتكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجال في بلدنا ولا طاقة لنا به فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة يقولون إنا لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فأخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل إن الكلام الذي ذكره نعيم بن مسعود لحق وما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك شمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم فخذل الله تعالى بينهم وأرسل

عليهم الريح فتفرقوا وارتحلوا وكان هذا من لطف الله تعالى أن ألهم نعيم بن مسعود هذه الفتنة وهداه إلى اليقظة التي عم نفعها وحسن وقعها
وأما ما جاء في التيقظ والتبصر في الأمور فقد قالت الحكماء من أيقظ نفسه وألبسها لباس التحفظ أيس عدوه من كيده له وقطع عنه أطماع الماكرين به وقالوا اليقظ حارس لا ينام وحافظ لا ينسام وحاكم لا يرتشى فمن تدرع بها أمن من الاختلال والغدر والجور والكيد والمكر وقيل إن كسرى أنو شروان كان أشد الناس تطلعا في خفايا الأمور وأعظم خلق الله تعالى في زمانه تفحصا وبحثا عن أسرار الصدور وكان يبث العيون على الرعايا والجواسيس في البلاد ليقف على حقائق الأحوال ويطلع على غوامض القضايا فيعلم المفسد فيقابله بالتأديب والمصلح فيجازيه الاحسان ويقول متى غفل الملك عن تعرف ذلك فليس له من الملك إلا اسمه وسقطت من القلوب هيبته
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ليلة من الليالي يطوف يتفقد أحوال المسلمين فرأى بيتا من الشعر مضروبا فلم يكن قد رآه بالأمس فدنا من ه فسمع فيه أنين امرأة ورأى رجلا قاعدا فدنا منه وقال له من الرجل ؟ فقال له رجل من البادية قدمت إلى أمير المؤمنين لأصيب من فضله قال فما هذا الأنين ؟ قال امرأة تتمخض قد أخذها الطلق قال فهل عندها أحد ؟ قال لا فانطلق عمر لرجل لا يعرفه فجاء إلى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهما هل لك في أجر قد ساقه الله تعالى لك ؟ قالت وما هو ؟ قال امرأة تتمخض ليس عندها أحد قالت إن شئت قال فخذي معك ما يصلح للمرأة من الخرق والدهن وائتني بقدر وشحم وحبوب فجاءت به فحمل القدر ومشت خلفه حتى أتى البيت فقال ادخلي إلى المرأة ثم قال للرجل أوقد لي نارا ففعل فجعل عمر ينفخ

النار ويضرمها والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضجها وولدت المرأة فقالت أم كلثوم رضي الله عنها بشر صاحبك يا أمير المؤمنين بغلام فلما سمعها الرجل تقول يا أمير المؤمنين ارتاع وخجل وقال واخجلتاه منك يا أمير المؤمنين أهكذا تفعل بنفسك ؟ قال يا أخا العرب من ولي شيئا من أمور المسلمين ينبغي له أن يتطلع على صغير أمورهم وكبيره فإنه عنها مسؤول ومتى غفل عنها خسر الدينا والآخرة ثم قام عمر رضي الله عنه وأخذ القدر من على النار وحملها الى باب البيت وأخذتها أم كلثوم وأطعمت المرأة فلما استقرت وسكنت طلعت أم كلثوم فقال عمر رضي الله عنه للرجل قم الى بيتك وكل ما في البرمة وفي غد ائت الينا فلما أصبح جاءه فجهزه بما أغناه به وانصرف وكان رضي الله عنه من شدة حرصه على تعرف الأحوال وإقامة قسطاس العدل وإزاحة أسباب الفساد وإصلاح الأمة يعس بنفسه ويباشر أمور الرعية سرا في كثير من الليالي حتى أنه في ليلة مظلمة خرج بنفسه فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثا فوقف على الباب يتجسس فرأى عبدا أسود قدامه إناء فيه مزر وهو يشرب ومعه جماعة فهم بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسور على السطح ونزل إليهم من الدرجة ومعه الدرة فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا فمسك الأسود فقال له يا أمير المؤمنين قد أخطأت وإني تائب فاقبل توبتي فقال أريد أن أضربك على خطيئتك فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت فقال يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث فان الله تعالى قال ( ولا تجسسوا ) وأنت تجسست وقال تعالى ( وأتوا البيوت من أبوابها ) وأنت أتيت من السطح وقال تعالى ( ولا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) وأنت دخلت وما سلمت فهب هذه لهذه وأنا تائب إلى الله تعالى على يدك أن لا أعود فأستتوبه فاستحسن كلامه

وله رضي الله تعالى عنه وقائع كثيرة مثل هذه
وكان معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه قد سلك طريق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك وكان زياد بن أبيه يسلك مسلك معاوية في ذلك حتى نقل عنه أن رجلا كلمه في حاجة له وجعل يتعرف إليه ويظن أن زيادا لا يعرفه فقال أنا فلان ابن فلان فتبسم زياد وقال له أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بنفسك ؟ والله إني لأعرفك وأعرف أباك وأعرف أمك وأعرف جدك وجدتك وأعرف هذه البردة التي عليك وهي لفلان وقد أعارك إياها فبهت الرجل وارتعد حتى كاد يغشى عليه
ثم جاء بعدهم من اقتدى بهم وهو عبد الملك بن مروان والحجاج ولم يسلك بعدهما ذلك الطريق واقتفى آثار ذلك الفريق إلا المنصور ثاني خلفاء بني العباس ولي الخلافة بعد أخيه السفاح وهي في غاية الاضطراب فنصب العيون وأقام المتطلعين وبث في البلاد والنواحي من يكشف له حقائق الأمور والرعايا فاستقامت له الأمور ودانت له الجهات ولقد ابتلي في خلافته بأقوام نازعوه وأرادوا خلعه وتمردوا عليه وتكاثروا فلولا أن الله تعالى أعانه بتيقظه وتبصره ما ثبت له في الخلافة قدم ولا رفع له مع قصد أولئك القاصدين علم لكنه بث العيون فعرف من انطوى على خلافه فعالجه باتلافه واطلع على عزائم المعاندين فقط رؤوس عنادهم بأسيافه وكان بكمال يقظته يتلقى المحذور بدفعه دون رفعه ويعاجل المخوف بتفريق شمله قبل جمعه فذلت له الرقاب ولانت لخلافته الصعاب وقرر قواعدها وأحكمها بأوثق الأسباب فمن آثار يقظته وفطنته ما نقله عنه عقبة الأزدي قال دخلت مع الجند على المنصور فارتابني فلما خرج الجند أدناني وقال لي من أنت ؟ فقلت رجل من الأزد وأنا من جند أمير المؤمنين قدمت الآن مع عمر ابن حفص فقال إني لأرى لك هيبة وفيك نجابة وإني أريدك لأمر وأنا به معنى فإن كفيتنيه رفعتك فقلت إني لأرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين فقال أخف نفسك واحضر في يوم كذا قال فغبت

عنه إلى ذلك اليوم وحضرت فلم يترك عنده أحدا ثم قال لي اعلم أن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيد ملكنا واغتياله ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف بلادهم فخذ معك عينا من عندي وألطافا وكتبا واذهب حتى تأتي عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب فاقدم عليه متخشعا والكتب على ألسنة أهل تلك القرية والالطاف من عندهم إليه فإذا رآك فإنه سيردك ويقول لا أعرف هؤلاء القوم فاصبر عليه وعاوده وقل له قد سيروني سرا وسيروا معي ألطافا وعينا وكلما جبهك وأنكر أصبر عليه وعاوده واكشف باطن أمره قال عقبة فأخذت كتبه والعين والألطاف وتوجهت إلى جهة الحجاز حتى قدمت على عبد الله ابن الحسن فلقيته بالكتب فأنكرها ونهرني وقال ما أعرف هؤلاء القوم قال عقبة فلم أنصرف وعاودته القول وذكرت له اسم القرية وأسماء أولئك القوم وأن معي ألطافا وعينا فأنس بي وأخذ الكتب وما كان معي قال عقبة فتركته ذلك اليوم ثم سألته الجواب فقال أما كتاب فلا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فاقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني محمدا وإبراهيم خارجان لهذا الأمر وقت كذا وكذا قال عقبة فخرجت من عنده وسرت حتى قدمت على المنصور فأخبرته بذلك فقال لي المنصور إني أريد الحج فإذا صرت بمكان كذا وكذا وتلقاني بنو الحسن وفيهم عبد الله فإني اعظمه وأكرمه وأرفعه وأحضر الطعام فإذا فرغ من أكله ونظرت إليه فتمثل بين يدي ووقف قدامه فإنه سيصرف وجهه عنك فدر حتى تقف من ورائه واغمز ظهره بابهام رجلك حتى يملأ عينيه منك ثم انصرف عنه وإياك أن يراك وهو يأكل ثم خرج المنصور يريد الحج حتى إذا قارب البلاد تلقاه بنو الحسن فأجلس عبد الله إلى جانبه وحادثه فطلب الطعام للغداء فأكلوا معه فلما فرغوا أمر برفعه فرفع ثم أقبل على عبد الله بن الحسن وقال يا أبا محمد قد علمت أن مما أعطيتني من العهود والمواثيق أنك لا تريدني بسوء ولا تكيد لي سلطانا قال فأنا على ذلك يا أمير

المؤمنين قال عقبة فلحظني المنصور بعينه وقمت حتى وفقت بين يدي عبد الله بن الحسن فاعرض عني فدرت من خلفه وغمزت ظهره بإبهام رجلي فرفع رأسه وملأ عينيه مني ثم وثب حتى جثى بين يدي المنصور وقال أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله فقال له المنصور لا أقالني الله إن لم أقتلك وأمر بحبسه وجعل يتطلب ولديه محمد وإبراهيم ويستعلم أخبارهما
قال علي الهاشمي صاحب غدائه دعاني المنصور يوما فإذا بين يديه جارية صفراء وقد دعا لها بأنواع العذاب وهو يقول لها ويلك إصدقيني فوالله ما أريد إلا الألفة ولئن صدقتيني لأصلن رحمه ولأتبعن البر إليه وإذا هو يسألها عن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي ابن أبي طالب وهي تقول لا أعرف له مكانا فأمر بتعذيبها فلما بلغ العذاب منها أغمي عليها فقال كفوا عنها فلما رأى أن نفسها كادت تتلف قال ما دواء مثلها ؟ قالوا شم الطيب وصب الماء البارد على وجهها وأن تسقى السويق ففعلوا بها ذلك وعالج المنصور بعضه بيده فلما أفاقت سألها عنه فقالت لا أعلم فلما رأى إصرارها على الجحود قال لها أتعرفين فلانة الحجامة فلما سمعت منه ذلك تغير وجهها وقالت نعم يا أمير المؤمنين تلك من بني سليم قال صدقت هي والله أمتي إبتعتها بمالي ورزقي يجري عليها في كل شهر وكسوة شتائها وصيفها من عندي سيرتها وأمرتها أن تدخل منازلكم وتحجمكم وتتعرف أحوالكم وأخباركم ثم قال لها أتعرفين فلانا البقال ؟ قالت نعم يا أمير المؤمنين هو في بني فلان قال صدقت هو والله غلامي دفعت إليه مالا وأمرته أن يبتاع به ما يحتاج إليه من الأمتعة وأخبرني أن أمة لكم يوم كذا وكذا جاءت إليه بعد صلاة المغرب تسأله حناء وحوائج فقال لها ما تصنعين بهذا ؟ قالت كان محمد بن عبد الله بن الحسن في بعض الضياع بناحية البقيع وهو يدخل الليلة وأردنا هذا ليتخذ النساء ما يحتجن إليه عند دخول أزواجهن من المغيب فلما سمعت الجارية هذا الكلام من المنصور ارتعدت من شدة الخوف وأذعنت له بالحديث وحدثته بكل ما أراد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثاني والستون في ذكر الدواب والوحوش والطير والهوام والحشرات وما أشبه ذلك مرتبا على حرف المعجم
( حرف الهمزة ) ( الأسد ) من السباع والأنثى أسدة وله أسماء كثيرة فمن أشهرها أسامة والحرث وقسورة والغضنفر وحيدرة والليث والضرغام ومن كناه أبو الأبطال وأبو شبل وأبو العباس وهو أنواع منها ما وجهه وجه إنسان وشكل جسده كالبقر وله قرون سود نحو شبر ومنه ما هو أحمر كالعناب وغير ذلك وتلده أمه قطعة لحم وتستمر تحرسه ثلاثة أيام ثم يأتي أبوه فينفخ فيه فتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته ثم ترضعه وتستمر عيناه مغلوقة سبعة أيام ثم تفتتح ويقيم على تلك الحالة بين أبيه وأمه إلى ستة أشهر ثم يتكلف الكسب بعد ذلك وله صبر على الجوع والعطش وعنده شرف نفس يقال أنه لا يعاود فريسته ولا يأكل من فريسة غيره ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وفي ذلك يقول بعضهم
( سأترك حبكم من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه )
( إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه )
( وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه ) وإذا أكل نهش نهشا وريقه قليل جدا و لذلك يوصف بالبحر وعنده شجاعة وجبن وكرم فمن شجاعته الإقدام على الأمور وعدم الاكتراث بالغير ومن جبنه أنه يفر من صوت الديك والسنور

ويتحير عند رؤية النار ومن كرمه انه لا يقرب المرأة خصوصا إذا كانت حائضا وقيل أربع عيون تضئ بالليل عين الأسد وعين النمر وعين السنور وعين الأفعى
وروي أنه لما تلا رسول الله ( والنجم إذا هوى ) قال عتبة بن أبي لهب كفرت برب النجم يعني نفسه فقال رسول الله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ينهشه فخرج مع أصحابه في عير الى الشام حتى إذا كانوا بمكان يقال له الزرقاء زأر الأسد فجعلت فرائصه ترتعد فقالوا له من أي شئ ترتعد فرائصك فوالله ما نحن وأنت إلا سواء ؟ فقال ان محمدا دعا علي و والله ما أظلت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم وجعلوه بينهم وناموا فجاء الأسد يتهمس وشمهم رجلا رجلا حتى إنتهى اليه فضغطه ضغطة كانت إياها فسمع وهو بآخر رمق يقول ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس ولبعضهم في الأسد
( عبوس شموس مصلخد مكابد ... جريء على الأقران للقرن قاهر )
( براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضى في وجهه الشر ظاهر )
( يديل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر ) فائدة إذا أقبلت على واد مسبع فقل أعوذ بدانيال والجب من شر الأسد وسبب ذلك على ما قيل إن بختنصر رأى في نومه أن هلاكه يكون على يد مولود فجعل يأمر بقتل الأطفال فخافت أم دانيال عليه فجاءت الى بئر فألقته فيه فأرسل الله له أسدا يحرسه وقيل إن بختنصر توهم ذلك في دانيال فضري له أسدين وجعلهما في الجب وألقاه

فلم يؤذياه وصار يبصبصان حوله ويلحسانه فأقام ما شاء الله تعالى أن يقيم ثم اشتهى الطعام والشراب فأوحى الله تعالى إلى أرمياء بالشأم أن اذهب الى أخيك دانيال يحب كذا بمكان كذا قال أرمياء فسرت إلى ذلك الموضع فلما وقفت على رأس الجب ناديته فعرفني فقال من أرسلك إلي ؟ قلت أرسلني الله إليك بطعام وشراب فقال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد لله الذي لا يخيب من قصده والحمد لله الذي وثق به لا يكله إلى غيره والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاة وغفرانا والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا قال ثم صعد يه أرمياء من الجب وأقام عنده مدة ثم فارقه ورجع وحكي أن يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام مر بقبر دانيال عليه الصلاة و السلام فسمع منه صوتا يقول سبحان من تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت قال بعض الصالحين من قال هذه الكلمات استغفر له كل شئ
وحكي أن إبراهيم ين أدهم كان في سفره ومعه رفقة فخرج عليهم الأسد فقال لهم قولوا أللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاؤنا يا ألله يا ألله يا ألله قال فولى الأسد هاربا وقيل لما حمل نوح عليه الصلاة و السلام في سفينته من كل زوجين اثنين قال أصحابه كيف نطمئن ومعنا الأسج ؟ فسلط الله عليه الحمى وهي أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا اليه المعذرة فأمر الله تعالى الخنزير لا فعطس فخرج منه الفأر فلما كثر وزاد ضرره فشكوا ذلك لنوح عليه الصلاة واللام فأمر الله سبحانه وتعالى الأسد فعطس فخرج منه الهر فحجب الفأر عنهم ويحرم أكل السبع لنهيه عليه الصلاة و السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

خواصه فمن خواصه أن صوته يقتل التماسيح وشحمه من طلى به يده لم يقربه سبع ومرارة الذكر منه تحل المعقود ولحمه ينفع من الفالج واذا وضعت قطعة من جلده في صندوق لم يقربه سوس ولا أرضة واذا وضع على جلد غيره من السباع تساقط شعره وهو من الحيوان الذي يعيش ألف سنة على ما ذكر وعلامة ذلك كثرة سقوط أسنانه
( الإبل ) قيل ما خلق الله شيئا من الدواب خير من الإبل إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت وفي حديث ( الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة ) وهي من الحيوان العجيب وان كان عجبه قد سقط لكثرة مخالطته الناس وقد أطاعها الله للآدمي وغيره حتى قيل ان قطارا كان ببعض حبله دهن فمرت فأرة فجذبته فسار معها القطار بواسطة جذبها له وهي مراكب البر ولذلك قرنها الله تعالى بالسفن فقال تعالى ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ولما كانت مراكب البر والبر فيه ما ماؤه قليل وما ماؤه كثير جعل الله تعالى لها صبرا على العطش حتى قيل إنه يرتع ظمؤها الى عشر وفي الحديث ( لا تسبوا الإبل فانها من فنفس الله تعالى أي مما يوسع به على الناس ) حكاه ابن سيده والذي يعرف لا تسبوا الريح فانها من نفس الرحمن قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان ليس لشيء من الطحول مثل ما للجمل عند هيجانه فإنه يسوء خلقه فيظهر زبده ويقل رغاؤه فلو حمل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل ويقل أكله ويخرج له عند رغرئه شقشقة لا تعرف من أي شيء هي من أجزائه وهو من الأحرار حتى قيل إنه لا ينزو لا على أمه ولا على أخته حتى قيل إن بعض العرب ستر ناقته بثوب ثم أرسل عليها ولدها فلما عرف ذلك عمد إلى أحليله فأكله ثم حقد على صاحبه حتى قتله وليس له مرارة ولذلك كثر صبره وقيل يوجد على كبده شيء رقيق يشبه المرارة ينفع الغشاوة

في العين كحلا وفي معدته قوة حتى أنها تهضم الشوك وتستطيبه ويحل أكله بالنص والإجماع وأما تحريم يعقوب عليه الصلاة و السلام أكلها فباجتهاد منه وذلك أنه كان يسكن البوادي فاشتكى عرق النسا فلم يجد ما يل ائمه إلا ترك أكل لحومها فلذلك حرمها وأما انتقاض الوضوء بأكل لحمها فاختلف العلماء في ذلك فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض وعليه الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي وابن عباس وأبوا الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين وبه أخذ مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وخالف في ذلك أحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وهو مذهب الشافعي القديم
خواصه قال ابن زهير وغيره أكل لحمه يزيد في الباه وفي الإنعاظ بعد الجماع وبوله يفيق السكران ووبره إذا أحرق وذر على دم سائل قطعه وقراده إذا ربط على كم عاشق يزول عشقه
( الأرضة ) بفتح الهمزة والراء دويبة صغيرة كنصف العدسة تأكل الخشب والورق ولما كان فعلها في الأرض أضيف اسمها إليها قال القزويني إذا أتى على الأرضة سنة نبت لها جناحان طويلان تطير بهما ويقال إنها الدبةالتي دلت الجن على موت سليمان عليه الصلاة و السلام ومن شأنها أنها تبني لنفسها بيتا من عيدان تجمعها مثل بيت العنكبوت منخرطا من أسفله إلى أعلاه وله في إحدى جهاته باب مربع ومنه تعلم الأوائل وضع النواويس لموتاهم والنمل عدوها وهو أصغر منها فيأتي من خلفها ويحتملها ويمشي بها إلى حجره لأنه إذا أتاها مستقبلا لا يغلبها
( الأرنب ) حيوان شبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين يطأ الأرض على مؤخر قدميه وهو اسم يطلق على الذكر والأنثى وله شدة شبق وربما تسفد وهي حبلى ويكون عاما ذكرا وعاما أنثى ومن عجائبها أنها

تنام وعيناها مفتوحتان فيأتي الصياد فيظنها مستيقظة قيل من رأى أرنبا عند خروجه من بيته أول ما يخرج أو رآه عند قيامه من نومه واصطبح به لم تقض له حاجة في ذلك اليوم ومن عجيب أمره أن تحمل الأنثى منه باثنين وثلاثة وأربعة ولا تلد إلا تحت الأرض خوفا على أولادها من الإنسان وتحفر تحت الأرض الحفائر القوية حتى أنها تخرب الجدران وعند ولادتها ينتحل شعرها وهي تحضن الأولاد إلى عشرين يوما ومن طبعه إنه أبله وفيه قوة وشدة وفي سفاده حالة نزوة يصرخ الذكر والأنثى كالسنانير فإدا وقع منع الإنزال وقع على الأرض قليل الحركة وعند سفاده تدير له وجهها فإذا ملكها بعد ذلك فإنها تجري به وهو راكب عليها ويجري معها
فائدة ذكر ابن الأثير في الكامل أن صديقا له أصطاد أرنبا وله أنثيان وذكر وفرج وقيل التقطت الأرنب تمرة فاختلسها الثعلب فأكلها فانطلقا يتخاصمان إلى الضب فقالت الأرنب يا أبا حسل فقال سميعا دعوت قالت أتيناك لنختصم قال عادلا وحكيما قالت فاخرج إلينا قال في بيته يؤتى الحكم قالت إني وجدت تمرة حلوة قال فكليها قالت اختلسها الثعلب قال لنفسه بغي الخير قالت فلطمته قال بحقك أخذت قالت فلطمني قال اقتص قالت فاقض بيننا قال قد قضيت فذهبت أقواله أمثالا
ومن ذلك ما حكي أن عدي بن أرطأة أتى شريحا القاضي في مجلس حكمه فقال له أين أنت ؟ قال بينك وبين الحائط قال فاسمع مني قال للاستماع جلست قال إني تزوجت امرأة قال بالرفاه والبنين قال فشرط أهلها أن لا أخرجها من بينهم قال أوف لهم بالشرط قال فأنا أريد الخروج قال الشرط أملك قال أريد أن أذهب قال في حفظ الله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال فعلى من قضيت ؟ قال على ابن أمك قال بشهادة من ؟ قال ؟ بشهادة ابن أخت خالك
الخواص قال الجاحظ من علق عليه كعب أرنب لم تضره عين ولا

سحر وأكل دماغه يبرئ من الارتعاش العارض من البرد وإن شربت المرأة الحامل أنفحة الذكر ولدت ذكرا وإن شربت أنفحة الأنثى ولدت أنثى وإن علقت عليها زبلها لم تحمل والأرنب البحري من السموم فلا يحل أكله
( سقنقور ) دابة شكلها كالوزغة إذا أخذت وسلخت وملحت وشربت منها مثقال زاد في الباه وهر من الأشياء النفيسة عند أهل الهند يقال إنه يهدى إليهم فيذبحونه بسكين من الذهب ويحشونه من ملح مصر فإذا وضعوا منه مثقالا على لحم أو بيض نفع نفعا عظيما ( الأفعى ) الأنثى من الحيات والذكر أفعوان وهو يعيش ألف سنة على ما يقال ويعرف بالشجاع والأسود وهو أشر الحيات وأشرها حيات وأفاعي سجستان ومن عجيب ما يحكى عنها أنها لدغت إنسانا في رجله فانصدعت جبهته
وحكي أنها نهشت ناقة وفصيلها يرضع فمات قبل أمه وقيل لما دخل شبيب بن شبة على المنصور قال له يا شبيب أدخلت سجستان ؟ فقال له نعم قال صف لي أفاعيها قال يا أمير المؤمنين هي دقاق الأعناق صغار الأذناب مقلصة الرؤوس رتش برش كأنما كسين أعلام الحبرات كبارهن حتوف وصغارهن سيوف وقيل إنها تتدفن في التراب أربعة أشهر في البرد ثم تخرج وقد أظلمت عيناها فتمر بشجر الرازيانج وهو الشمر الأخضر فتحك عينيها به فيرجع إليها بصرها فسبحان من ألهمها ذلك وقال الزمخشري إذا عميت الأفعى بعد ألف سنة ألهما الله تعالى أن تأني البساتين وتلقي نفسها على هذه الشجرة وتحك عينيها بها فتبصر وقيل إذا قطع ذنبها عاد منا كان وإذا قلع نابها عاد بعد ثلاثة أيام وهي أعدي عدو للانسان وقال بعضهم رأيت حية قد ابتلعت كبشا عظيم القرنين فجعلت تضرب به الحجارة يمينا ويسارا حتى كسرت القرنين وابتلعته وقرنيه والله تعالى أعلم وقيل إذا قطع ذنب الحية تعيش إن سلمت من الذر وقيل إن بالحبشة حيات لها أجنحة تطير بها وقيل إن جلدها ينسلخ عنها في

كل سنة مرة وقيل إن الجلد لا ينسلخ وإنما الذي ينسلخ قشر فوق الجلد وغلاف يخلق لها كل عام وهي تبيض على عدد أضلاعها أي ثلاثين بيضة فيجتمع عليها النمل فيفسدها بقدرة الله تعالى إلا نادرا ومن عجيب أمرها أنها لا ترد المرء ولا ترده ولكنها إذا شمت رائحة الخمر فلا تكاد تصبر عنه مع أنه سبب هلاكها لأنها إذا شربت سكرت فتعرضت للقتل والذكر لا يقيم في الموضع وإنما تقيم الأنثى لأجل فراخها حتى تكتسب قوة فإذا قويت أخذتهم وإنسابت فأي جحر وجدته دخلت فيه وأخرجت صاحبه منه وعينها لا تدور وإذا قلعت عادت ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتقرب منها وتحب اللبن حبا شديدا وإذا دخلت بصدرها في جحر لا يستطيع أقوى الناس إخراجها منه ولو قطعت قطعا وليس لها قوائم ولا أظفار وإنما تقوى بظهرها لكثرة أضلاعها
وحكى عمر بن يحيى العلوي قال كنا في طريق مكة فأصاب رجلا منا استسقاء فاتفق العرب أن سرقوا منا فطار جمال على أحدها ذلك الرجل قال ثم بعد أيام جمعتنا المقادير فوجدته قد برئ فسألناه عن حاله فقال إن العرب لما أخذوني جعلوني في أواخر بيوتهم فكنت في حالة أتمنى فيها الموت وبينما أنا كذلك إذ أتوا يوما بأفاعي اصطادوها وقطعوا رؤوسها وأذنابها وشووها بعد ذلك فقلت في نفسي هؤلاء إعتادوها فلا تضرهم فلعلي إن أكلت منها مت فاسترحت فاستطعمتهم فأطعموني واحدة فلما استقرت في بطني أخذني النوم فنمت نوما ثقيلا ثم استيقظت وقد عرقت عرقا شديدا واندفعت طبيعتي نحو مائة مرة فلما أصبحت وجدت بطني قد ضمر وقد انقطع الألم فطلبت منهم مأكولا فأكلت وأقمت عندهم أياما فلما نشطت ووثقت من نفسي بالحركة أخذت في الطريق مع بعضهم وأتيت الكوفة
فائدة قيل إن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى وإنما وجد في زمانه وسببه أن كسرى كان ذات يوم جالسا في بعض متفرجاته إذا

جاءته حية فانسابت ين يديه وتمرغت وصارت تتقلق مثل الذي يشتكي فأراد بعض الجند قتلها فمنعهم الملك ثم قال لهم انظروا أمرها فلما سمعت ذلك انسابت بين يديه فأمرهم أن يتبعوها إلى المكان الذي تريده قال فجاءت إلى بئر وصارت تنظر فيه قال فنظروا فإذا فيه حية عظيمة وعلى ظهرها عقرب أسود فنخسها بعضهم برمح فقتلها وتركوها ورجعوا فأخبروا الملك بذلك فلما كان الغد جاءت الحية للملك وفي فمها بزر فنثرته بين يدي الملك وذهبت فقال الملك إنها أرادت مكافأتنا اجعلوه في الأرض لننظر ما يكون من أمره قال ففعلوا ذلك فطلع منه الريحان قال فلما انتهى أمره أتوا به إلى الملك قال وكان به زكام فشمه فبرئ
لطيفة من غريب ما اتفق لعماد الدولة أنه لما ملك شبراز اجتمع عليه أصحابه وطلبوا منه مالا ولم يكن عندهم ما يرضيهم به فاغتم لذلك ونام مستلقيا على قفاه مفكرا في ذلك وإذا بحية عظيمة خرجت من سقف ذلك المجلس ودخلت في سقف آخر قال فطلب سلما وصعد لينظر المكان الذي خرجت منه فلما رآه وجد كوة فنطر في داخلها فإذا هي مطمورة فدخلها فوجد فيها صندوقا فيه خمسمائة ألف دينار فأمر بإخراجه وإنفاقه على عسكره
ومن ألطف ما اتفق له أيضا أنه كان بتلك البلد خياط أطروش وكان الملك الذي قبله قد أودع عنده وديعة مال قال فطلبه عماد الدولة ليخيط له على عادته لأنه هو الذي يخيط للملوك قال فتوهم الأطروش أنه غمز عليه بسبب الوديعة فلما حضر بين يدي عماد الدولة قال له إن فلانا الملك لم يدع عندي سوى اثني عشر صندوقا ولم أدر ما فيها فأمر باحضارها فأحضرها فأخذها عماد الدولة ووسع بها على جنده وتعجب من هاتين القضيتين فكانت هذه الأسباب من دلائل السعادة له وأمر النبي بقتل الحيات بعد أن تنذر ثلاث مرات وقيل ثلاثة أيام وأما سكان البيوت

فالانذار لها متعين وفي الحديث " من قتل حية فكأنما قتل مشركا ومن لبس خفا فلينفضه ومن آوى إلى فراشه فلينظفه
الخواص يقال أن دمها يجلو البصر وقلبه إذا علق على إنسان لا يؤثر فيه السحر وضرسها إذا علق على من به وجع الضرس سكن الأيمن للأيمن والأيسر للأيسر ولحمها قال بقراط الحكيم من أكله أمن من الأمراض الصعبة
( الأنيس ) وتسميه الرماة الأنسية لأنه من طيور الواجب عندهم وهو طير له لون حسن غذاؤه الفاكهة ومأواه الأنهار والبساتين والغياض وله صوت حسن كالقمري ( الأوز ) طير السباحة وفراخه تخرج من البيضة تسبح
الخواص في جوفه حصاة تنفع المبطون ودهنه ينفع من ذات الجنب وداء الثعلب إذا طلي به ولسانه ينفع لقطار البول وغذاؤه جيد إلا أنه بطيء الهضم ( الإيل ) بتشديد الياء المكسورة ذكر الوعل وله أسماء باختلاف اللغات وهو يشبه بقر الوحش وإذا خاف من الصياد رمى بنفسه من رأس الجبل ولا يتضرر بذلك وإذا لسعته حية ذهب إلى البحر فأكل السرطان فيشفى
خواصه إن السمك يحب رؤيته وهو يحب ذلك ولذلك أكثر ما يكون بقرب البحر والصيادون يعرفون ذلك فيلبسون جدله ليراهم السمك فيأتي لهم وهو مولع بأكل الحيات وربما لسعته فتسيل دموعه تحت محاجر عينيه حتى تصير نفرتين من كثرة ذلك ثم تجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فتؤخذ وتجعل دواء للسم وهو الذي يسمى بالبنزهير الحيواني وأجوده الأصفر وأكثر ما يكون ببلاد الهند والسند وفارس وإذا وضع على لسعة الحيات أبرأها وإن وضعه الملسوع في فيه نفعه وهذا الحيوان لا تنبت قرناه إلا بعد سنتين وينبتان في أول الأمر مستقيمين

ثم بعد ذلك يحصل فيهما التشعب ولا يزال يزيد إلى ست سنين فحينئذ يصيران كنخلتين ثم بعد ذلك يلقيهما في كل سنة مرة ثم ينبتان قال أرسطو وهذا النوع يصاد بالصفير والأصوات المطربة فإنه يحب الطرب والصيادون يشغلونه بذلك ويأتونه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه وثبوا عليه وقرنه مصمت واحليله من عصب لا عظم فيه ولا لحم وهو من الحيوان الذي يزيد في السمن فإذا حصل له ذلك فر من مكانه خوفا من الصيادين وحكمه حل أكله
الخواص إذا بخر بقرنه البيت طرد الهوام التي فيه وإذا أحرق واستاك به الذي به صفرة الأسنان زال ذلك عنه ومن علق عليه شيء منه ذهب نومه ومن خواصه أن دمه يفتت الحصاة التي بالمثانة شربا والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
( حرف الباء الموحدة ) ( باز ) كنيته أبو الأشعث وهو من أشد الحيوان تكبرا وأضيقها خلقا قال القزويني إنها لا تكون إلا أنثى وذكرها من غيرها إما من جنس الحدأة أو الشواهين ولأجل ذلك تختلف ألوانها وهو أصناف منها البازي والباشق والشاهين والبيدق والبقر والبازي آخرها مزاجا لأنه لا يصبر على العطش فلذلك لا يفارق الماء والأشجار المتسعة والظل والظليل وهو خفيف الجناح سريع الطيران تكثر أمراضه من كثرة طيرانه لأنه كلما طار انحط لحمه وهزل وأحسن أنواعه ما قل ريشه واحمرت عيناه مع حدة فيهما قال الشاعر
( لو استضاء المرء في إدلاجه ... بعينه كفته عن سراجه ) ودونه الأزرق الأحمر العينين والأصفر دونهما ومن صفاته المحمودة أن يكون طويل العنق عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين شديد الانحطاط من الجو غليظ الذراعين مع قصر فيهما

لطيفة من عجيب أمره أن الرشيد خرج ذات يوم للصيد فأرسل بازا فغاب قليلا ثم أتي وفي فمه سمكة فأحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل يا أمير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال إن الجو معمور بأمم مختلفة الخلق وفيه دواب تبيض وتفرخ على هيئة السمك لها أجنحة ليست بذوات ريش فأجاز مقاتلا على ذلك وأكرمه ( باله ) سمكة عظيمة قال القزويني يقال إن طولها يبلغ خمسمائة ذراع وقال غيره خمسون ويقال لها العنبر وهي تظهر في بعض لأحايين لأصحاب المراكب فإذا رأوها طبلوا بالطبول حتى أنها تنفر لأن لها جناحين كالقناطر إذا نشرتها أغرقتهم فإذا بغت على حيوان البحر وزاد شرها أرسل الله عليها سمكة نحو الذراع تلتصق بأذنها ولا خلاص لها منهافتنزنل إلى قعر البحر وتضرب رأسها به حتى تموت ثم تطفو بعد ذلك فيقذفها الريح إلى الساحل فيأخذها أهله ويشقون جوفها ويستخرجون منها العنبر ( ببغاء ) هي أصناف كثيرة منها الأخضر والرمادي والأصفر والأبيض يتخذها الملوك والرؤساء لحسن لونها وصوتها وفصاحتها
حكي أنه أهدي لمعز الدولة درة بيضاء سوداء الرجلين والمنقار ويقال إن نوعا منها يقرأ القرآن
الخواص من أكل لسانها تفصح وإذا جفف دمها وجعل بين الصديقين حصلت بينهما الخصومة وزبلها يخلط بماء الحصرم ويكتحل به ينفع من الرمد وظلمة البصر ( بج ) طائر أبيض اللون يميل إلى الصفرة طويل المنقار كبير البطن أكثر أكله السمك ( يح ) طائر لطيف يأوي أطراف الماء وهو خلقة شريفة لم يوجد غالبا إلا اثنين فقط ( براق ) هو الدابة التي ركبها النبي وهو دون البغل وفوق الحمار أبيض اللون ( برذون ) نوع من الخيل دون الفرس العربي وفي الحديث أن النبي ركبه وكذا عمر رضي الله تعالى عنه فلما ركبه عمر جعل يتخلخل به فنزل عنه وضرب وجهه وقال لا أعلم والله علمك هذه الحيلاء ولم

يركب بزذونا قبله ولا بعده وكنيته أبو الأخطل لطول ذنبه وأنشد السراج الوراق في ذم البراذين يقول
( لصاحب الأحباس برذونة ... بعيدة العهد عن القرط )
( إذا رات خيلا على مربط ... تقول سبحانك يا معطي )
( تمشي إلى خلف إذا ما مشت ... كأنما تكتب بالقبطي )
الخواص إذا شربت امرأة دمه لم تحبل أبدا وزبله يخرج المشيمة والجنين الميت وإذا جفف وذر منه على من به الرعاف انقطع رعافه وكذا الجرح ( برغوث ) تفتح منه الباء وتضم وكنيته أبو طامر وأبو عدي وأبو وثاب وهو يثب إلى ورائه
حكي أنه يعرض له الطيران كالنمل وهو يطيل السفاد ويبيض ويفرخ وأصله أولا من التراب لا سيما في الأماكن المظلمة وسلطانه في أواخر الشتاء وأول فصل الربيع ويقال أنه على صورة الفيل وله أنياب وخرطوم وقال بعضهم دبيبها من تحتي أشد من عضها وليس ذلك بدبيب ولكن البرغوث خبيث يستلقي على ظهره ويرفع قوائمه فيزغزغ بها فيظن من لا علم له أنه يمشي تحت جنبيه وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يفلي ثوبه فيلتقط البراغيث ويدع القمل فقال له أنس في ذلك فقال أبدأ بالفرسان وأكر على الرجالة وأنشد أعرابي
( ليل البراغيث أعياني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث )
( كأنهن وجلدي إذ خلون به ... أيتام سوء أغاروا في المواريث ) وقال أبو الرماح الأزدي
( تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بوادي الغضى ليلي علي يطول )
( تؤرقني حدب قصار أذلة ... وإن الذي يؤذينه لذليل )

( إذا جلت بعض الليل منهن جولة ... تعلقن في رجلي حيث أجول )
( إذا ما قتلناهن أضعفن كثرة ... علينا ولا ينعى لهن قتيل )
( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وليس لبرغوث علي سبيل ) وقال ابن أيبك الصفدي
( أشكو إلى الرحمن ما نالني ... من البراغيث الخفاف الثقال )
( تعصبوا بالليل لما دروا ... أني تقنعت بطيف الخيال ) ولا يسب البرغوث لما ورد أن النبي سمع رجلا يسب برغوثا فقال لا تسبه فإنه أيقظ نبيا إلى الصلاة الفجر
فائدة سئل مالك عن البرغوث من يقبض روحه فقال أله نفس قيل نعم قال الله يتوفى الأنفس حين موتها ولقد شكا عامل افريقية إلى عمر بن عبد العزيز شر الهام فكتب إليه إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليقرأ ( وما لنا ألا نتوكل على الله ) الآية وقال حنين بن إسحاق الحيلة في دفع البرغوث أن تأخذ شيئا من الكبريت فتدخن به في البيت فإنها تفر من ذلك وقيل يرش البيت بماء السذاب وقيل مشاق المراكب يحرق في البيت مع قشور النارنج ( بعوض ) قيل إنه أكثر أعضاء منه فان للفيل أربعة أرجل وللبعوض ستة ويزيد عليه بأربعة أجنحة وله خرطوم مجوف نافذ فإذا طعن به جسد إنسان استقي الدم وقذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم ومما ألهمه الله تعالى أنه إذا جلس على عضو انسان يتبع مسام العروق فإنها أرق وأسرع له في اخراج الدم وعنده شره في مصه حتى قيل إنه لا يمص شيئا فيتركه باختياره إلى أن ينشق أو يطار ومن عجيب أمره أنه ربما قتل البعير وغيره من ذوات الأربع فيتركه طريحا وقال الجاحظ من علم البعوض إن وراء جلد الجاموس دما وأن ذلك الدم غذاء لها وأنها إذا طعنت في ذلك الجلد الغليظ نفذ فيه خرطومها مع ضعفه ولو أنك طعنت فيه بمسلات شديدة المتن رهيفة الحد لانكسرت فسبحان من رزقها على ضعفها بقوته وقدرته قال بعضهم

( أقول لنازل البستان طوبى ... لعيشك لم تشك فيه البعوض )
( يململه فليس له قرار ... ويثخنه فليس له نهوض )
( حماه قرصه وطنينه أن ... يبيت وعينه فيها غموض )
( كأنك حين تهدى بالأغاني ... تكر وفي مسامعك العروض )
ومن الحكم التي أودعها الله تعالى إياها أن جعل الله فيها قوة الحافظة والفكر وحاسة اللمس والبصر والشم ومنفذ الغذاء وجوفا وعروقا ومخا وعظاما فسبحان من قدر فهدى ولم يترك شيئا سدى وقال الزمخشري في تفسير سورة البقرة في ذلك
( يا من يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليل )
( ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخ من تلك العظام النحل )
( ويرى خرير الدم في أوداجها ... متنقلا من مفصل في مفصل )
( ويرى وصول إذا الجنين ببطنها ... في ظلمة الأحشا بغير تمقل )
( ويرى مكان الوطء من أقدامها ... في سيرها وحثيثها المستعجل )
( ويرى ويسمع حس ما هو دونها ... في قاع بحر مظلم متهول )
( امنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول ) ( بغل ) معروف وكنيته أبو قموص وأبو حرون وله كنى غير ذلك كثيرة وهو مركب من الفرس والحمار ولذلك صار له صلابة الحمار وعظم الخيل وهو عقيم لا نسل له روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن علي كرم الله وجهه أنها كانت تتناسل فدعا عليها إبراهيم الخليل لأنها كانت تسرع في نقل الحطب لنار

المنجنيق فقطع الله نسلها وهو أشر الطباع لأنه تجاذبه الاعراق المتضادة والاخلاق المتباينة والعناصر المتباعدة ومن العجيب أن كل عضو فرضته منه كان بين الفرس والحمار
الخواص يقال إن حافر البغلة السوداء ينفع لطرد الفار إذا بخر به البيت وإذا سحق حافره بعد حرقه وخلط بدهن الآس وجعل على رأس الاقرع نبت شعره وزبله إذا شمه المزكوم زال زكامه على ما ذكر
( بقر ) هو حيوان شديد القوة خلقه الله تعالى لمنفعة الانسان وهو أنواع الجواميس وهي أكثر ألبانا وكل حيون انائه أرق أصواتا من ذكوره إلا البقر وأنثاه يضربها الفحل في السنة مرة وإذا اشتد شبقها تركت المرعى وذهبت وإذا طلع عليها الفحل التوت تحته إذا أخطأ المجرى لشدة صلابة ذكره قال المسعودي رأيت بالري البقر تحمل كالبعير فتبرك على ركبتيها ثم تثور بالحمل ( عجيبة ) حكي في الأحياء أن شخصا كان له بقرة وكان يشوب لبنها بالماء ويبيعه فجاء السيل في بعض الأودية وهي واقفة ترعى فمر عليها فغرقها فجلس صاحبها يندبها فقال لها بعض بنيه يا أبت لا تندبها فان المياه التي نخلطها بلبنها اجتمعت فغرقتها
فائدة ذكر ابن الفضل في كتاب عن وهب ابن منبه أنه قال لما خلق الله تعالى الأرض ماجت واضطربت كالسفينة فخلق الله تعالى ملكا في نهاية العظم والقوة وأمره أن يدخل تحتها ويجعلها على منكبيه فدخل وأخرج يدا من المشرق ويدا من المغرب وقبض على أطراف الأرض وأمسكها ثم لم يكن لقدميه قرار فخلق الله تعالى صخرة من ياقوتة حمراء في وسطها سبعة آلاف ثقب فخرج من كل ثقب بحر لا يعلم عظمه إلا الله تعالى ثم أمر الصخرة أن تدخل تحت قدمي الملك ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق الله تعالى ثورا عظيما يقال له كيوثاء له أربعة آلاف عين ومثلها أنوف وآذان وافواه وألسنة وقوائم ما بين كل قائمتين منها مسيرة خمسمائة عام وأمر الله تعالى هذا الثور فدخل تحت الصخرة وحملها على ظهره وقرونه ثم لم يكن للثور قرار فخلق الله تعالى حوتا يقال له يهموت ثم أمره الله تعالى أن

يدخل تحته ثم جعل الحوت على ماء ثم جعل الماء على الهاء ثم جعل الهواء على ماء ايضا ثم جعل الماء على الثرى على الظلمة ثم انقطع علم الخلائق
الخواص شحم البقر إذا خلط بزرنيخ أحمر طرد العقارب وإذا طلي به إناء اجتمعت البراغيث إليه وإذاشرب لبنها زاد في الانعاظ وقرنها إذا سحق وجعل في طعام صاحب الحمى فأكله زالت الحمى ومرارتها إذا خلطت بماء الكراث نفعت من البواسير طلاء وإذا طلي به عل الأثر الأسود في البدن ازاله وخصيه الفحل إذا جففت وسحقت وجعلت في عسل وأكلت فانها تزيد في الباه وشعرها إذا احرق واستيك به نفع من وجع الاسنان وإذا خلط مع السكنجيين وشرب نفع من الطحال على ما ذكر ( بومة ) وكنيتها أم الخراب وأم الصبيان ومن طبعها أن تدخل على كل ير في وكره وتأكل أفراخه ولمعاداة الطيور لها يجعلها الصيادون في أشراكهم حتى يقع عليها الطير ونقل المسعودي عن الجاحظ أن البرمة لا تخرج بالنهار خوفا من العين لأنها تظن أنها حسناء وهي أصناف وكلها تحب الخلوة بنفسها
الخواص من خواصها أنها تنام باحدى عينيها والاخرى مفتوحة فإذا أخذت المفتوحة وجعلت تحت فص خاتم فمن لبسه لم ينم ما دام في يده وعكسها المغموضة وإذا أردت معرفة ذلك فالقهما في الماء فالراسبة للنوم والطافية لليقظة وإذا أخذ قلب البومة وجعل على الي اليسرى من المرأة وهي نائمة تحدثت بجميع بجميع ما فعلته في نومها ( بوقير ) طير أبيض يأتي منه في كل سنة طائفة إلى جبل بالصعيد يقال له جبل الطير فيه كوة فتجخهل من تلك الكوة فيمسك منها شيء فان أمسكت واحدة كان ذل العام متوسط الخصب وان أمسكت اثنتين كان كثير الخصب وإن لم تمسك شيئا كانت السنة مجذبة وأهل تلك الناحية تعرف ذلك وهذا الجبل بالقرب من بلدة مارية أم ابراهيم ولد النبي
( حرف التاء ) ( تمساح ) حيوان عجيب على صورة الضب له فم واسع وفيه ستون نابا وقيل ثمانون وبين كل نابين سن صغيره وهي انثى في

ذكر إذا أطبق فمه على شيء لا يفلته حتى يخلعه من موضعه وله لسان طويل وظهر كالسلحفاة ولا يعمل الحديد فيه وله أربعة أرجل وذنب طويل وهو لا يوجد إلا بنيل مصر وقال المسافرون أنه يوجد ببحر الهند وطوله في الغالب ستة أذرع إلى عشرة في عرض ذراعين أو ذراع ويقيم في البحر تحت الماء أربعة أشهر لا يظهر وذلك في زمن الشتاء ويتغوط من فيه في الغالب ويحصل في فيه الدود فيؤذيه فيلهمه الله تعالى فيخرج إلى بعض الجزائر ويفتح فاه فيرسل الله تعالى له طيرا يقال له القطقاط فيدخل في فيه فيأكل ما فيه من الدود فيحصل له راحة فعند ذلك يطبق فمه على الطير ليأكله فيضربه بريشتين خلقهما الله تعالى في جناحيه كريشة الفصاد فيؤلمه فيفتح فاه فيخرج ولذلك يضرب به المثل فيقال جازه مجازاة التماح وزعم بعض الباحثين عن أحوال التمساح أن له ستين نابا وستين عرقا ويسفد ستين مرة ويبيض ستين بيضة ويحضن ذلك ستين يوما ويعيش ستين سنة فإذا أفرخ فما صعد لجبل صار ورلا وما نزل البحر صار تمساحا وفكه الأسفل لا يستطيع تحريكه لأن فيه عظما متصلا بصدره وإذا أراد السفاد أخذ انثاه وطلع بها إلى البر وقلبها وجامعها فإذا قضى حاجته قلبها ثانيا لأنه لو تركها على تلك الحالة بقيت حتى تموت وما ذلك إلا أنها لا تستطيع الانقلاب ليبوسة ظهرها وصلابته وقد سلط الله تعالى عليه أضعف الحيوان وهو كلب الماء يقال انه يتبلط بالطين ويغافل التمساح ويقذف بنفسه في فيه فيبتلعه لنعومته فإذا حصل في جوفه ذاب ا عليه من سخونة بطنه فيعمد إلى أمعائه فيقطعها ويقطع مراق بطنه فيقتله
الخواص عينه تشد على من به رمد اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى وشحمه إذا قطر في أذن من به صم نفعه
( تنين ) ضرب من الحيات وهو طويل كالنخلة السحوق وجسده كالليل أحمر العينين لهما بريق واسع الفم والجوف يبتلع الحيوان وأول أمره يكون حية متمردة ثم تطغى وتتسلط على حيوان البر فيستغيث منها فيأمر الله تعالى ملكا فيحملها ويلقيها في البحر فتقيم فيه مدة ثم تتسلط على حيوانه

فيستغيث منها إلى ربه فيأمر الله تعالى بإلقائها في النار فيعذب بها الكافرين وقيل يأمر الله تعالى بإلقائها على يأجوج ومأجوج وروى ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول يسلط الله على الكافرين في قبره تسعه وتسعين تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو أن تنينا نفخ على الأرض ما نبتت فيها خضراء
( حرف الثاء ) ( ثعلب ) وهو معروف ذو مكر وخديعة وله حيل في طلب الرزق فمن ذلك أن يتماوت وينفخ بطنه ويرفع قوائمه حتى يظن أنه مات فإذا قرب منه حيوان وثب عليه وصاده وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد
ومن حيلته انه إذا تعرض للقنفذ نفش القنفذ شوكه فيسلح هو عليه فيلم شوكه فيقبض على مراق بطنه ويأكله وسلحه أنتن من سلح الحباري
ومن لطيف أمره أنه إذا تسلطت عليه البراغيث حملها وجاء إلى الماء وقطع قطعة من صوفه وجعلها في فيه ونزل في الماء والبراغيث تطير قليلا قليلا حتى تجمتع في تلك الصوفة فيلقيها في الماء ويخرج وفروه أدفى الفرا وفيه الأبيض والرمادي وغير ذلك وذكر في عجائب المخلوقات أنه أهدى إلى أبي منصور الساماني ثعلب له جناحان من ريش إذا قرب الانسان منه نشرهما وإذا بعد لصقهما
لطيفة ذكر ابن الجوزي في آخر كتاب الأذكياء والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء عن الشعبي أنه قال مرض الأسد فعادته السباع والوحوش ما خلا الثعلب فنم عليه الذئب فقال الأسد إذا حضر فاعلمني فلما حضر الثعلب أعلمه الذئب بذلك وكان قد أخبر بما قاله الذئب فقال الأسد أين كنت يا أبا الفوارس ؟ قال كنت أتطلب لك الدواء قال وأي شيء أصبته ؟ قال قيل لي خرزة في عرقوب أبي جعد قال فضرب الأسد بيده في ساق الذئب فأدماه ولم يجد شيئا فخرج ودمه يسيل على رجله وانسل الثعلب فمر به الذئب فناداه يا صاحب الخف الأحمر

قعدت عند ملوك فانظر ما يخرج منك فإن المجالس بالأمانات وقيل خرج الأسد والثعلب والذئب يتصيدون فاصطادوا حمار وحش وضبا وغزالا ثم جلسوا يقتسمون فقال الأسد للذئب اقسم علينا فقال حمار الوحش لي والغزال لأبي الحرث والضب للثعلب فضربه الأسد في فرضخمها فقال الثعلب أنا أقسم حمار الوحش لأبي الحرث يتغذى به والغزال لأبي الحرث يتعشى به والضب لأبي الحرث يتنقل به فيما بين ذلك فقال له الأسد لله درك من فرضي ما أعلمك بالفرائض من علمك هذا قال علمني التاج الأحمر الذي ألبسه هذا وأشار إلى الذئب
وحكي أن الثعلب مر في السحر بشجرة فرأى فوقها ديكا فقال له أما تنزل نصلي جماعة ؟ فقال إن الإمام نائم خلف الشجرة فأيقظه فنظر الثعلب فرأى الكلب فضرط وولى هاربا فناداه أما تأتي لنصلي ؟ فقال قد انتقض وضوئي فاصبر حتى أجدد لي وضوءا وأرجع
ومن العجيب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله والثعلب يصيد القنفذ فيأكله والقنفذ يصيد الأفعى فيأكلها والافعى تصيد العصفور والعصفور يصيد الجراد والجراد يصيد الزنابير والزنابير تصيد النحل والنحل تصيد الذباب والذباب يصيد البعوض والبعوض يصيد النمل والنمل يأكل كل ما تيسر من صغير وكبير فتبارك الله الذي أتقن ما صنع
الخواص رأسه إذا ترك في برج حمام هرب الحمام منه ونابه يشهد على الصبي بحسن خلقه ومرارته تجعل منها في أنف المصروع يبرأ ولحمه ينفع من اللقوة والجذام وخصيته تشد على الصبي تنبت أسنانه وفروه أنفع شيء للمربوط ودمه إذا جعل على رأس أقرع نبت شعره لذا كان دون بلوغ وطحاله يشد على من به وجع الطحال يبرأ ( ثعبان ) هو الكبير من الحيات ذكرا كان أو انثى وهو عجيب الشأن في هلاك بني آدم يلتوي على ساق الانسان فيكسرها وليس له عدو إلا النمس ولولا النموس لأكلت الثعابين أهل مصر

لطيفة قيل إن عبد الله بن جدعان كان في ابتداء أمره صعلوكا وكان شريرا يفتك ويقتل وكان أبوه يعقل عنه فضجر من ذلك وأراد قتله فخرج هاربا على وجهه فتوصل لجبل فوجد فيه شقا فدخل فيه فوجد في صدره شيا كهيئة الثعبان فدنا منه وقال لعله يثب علي فيقتلني وأستريح قال فدنا منه فوجده مصنوعا من ذهب وعيناه ياقوتتان ثم وجد من داخله بيتا فيه جثث طوال بالية على أسرة الذهب والفضة وعند رؤوسهم لوح مكتوب فيه تاريخهم وإذا بهم رجال من جرهم وفي وسط البيت كوم من الياقوت الأحمر والزمرد والذهب والفضة واللؤلؤ فأخذ منه قدر ما يحل وعلم الشق وذهب إلى قومه فأغناهم ورجع فلم يدر مكان الشق قال رسول الله لقد كنت أستظل بجفنة عند عبد الله بن جدعان من الهجير قالت عائشة يا رسول الله هل ينفعه ذلك شيئا ؟ قال لا لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
( حرف الجيم ) ( جراد ) حيوان معروف وليس له جهة مخصوصة وإنما يكون هائما هاربا وإذا أراد أن يبيض ذهب إلى بعض الصخور فضربها بذنبه فتنفرج له فيلقي بيضه فيها وله ستة أرجل وطرفا أرجله كالمنشار وهو ألوان عديدة وفيه خلقة عشرة من الجبابرة وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا إبل وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذ جمل ورجلا نعامة وذنب حية وهومن الحيوان الذي ينقاد إلى رئيسه كالعسكري إذا ظن أميره تتابع خلعه وفي الحديث ان جراده وقعت بين يدي رسول الله فإذا مكتوب على جناحها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسعة وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا بما فيها فقال عليه الصلاة و السلام " اللهم اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء " قال فجاء جبريل فقال أنه قد استجيب لك في بعضها وفي الحديث أن رسول الله قال ان الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وان أول هلاك هذه الامة الجراد فإذا هلك الجراد تتابعت الامم مثل الدر إذا قطع سلكه قيل

طعام يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام الجراد وقلوب الشجر وكان يقول من أنعم منك يا يحيى وقد أجمع المسلمون على أكل لحمه ومن خواصه إن الإنسان إذا تبخر به نفعه من عسر البول ( جرو ) بكسر الجيم وفتحها وضمها وهو الصغير من أولاد الكلاب والسباع وقد كان أمر بقتل الكلاب وسببه أن جبريل عليه السلام وعده ليأتيه فتأخر قال فلقيه النبي بعد ذلك فقال ما أخرك عن وعدك فقال ما تأخرت ولكن لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب فأمر بقتلها وروى مسلم والطبراني عن خولة بزيادة ولفظها أن جروا دخل تحت سرير لي بيته فمات فمكث النبي أياما لا يأتيه الوحي قال لعله حدث في البيت شيء فخرج للمسجد فنزل عليه الوحي قالت خولة فقمت للبيت فوجدت الكلب تحت السرير
عجيبة حكي أن رجلا لم يولد له ولدفكان يأخذ أولاد الناس فيقتلهم فنهته زوجته عن ذلك وقالت يؤاخذك الله بذلك فقال لو آخذ لفعل في يوم كذا وصار يعدد افعاله لها فقالت له إن صاعك لم يمتلئ ولو امتلأ آخذك قال فخرج ذات يوم وإذا بغلامين يلعبان ومعهما جرو فأخذهما الرجل ودخل البيت فقتلهما وطرد الجرو قال فطلبهما أبوهما فلم يجدهما فانطلق إلى نبي لهم فأخبره بذلك فقال ألهما لعبة كان يلعبان بها قال جرو كلب قال ائتني به فأتاه به فجعل خاتمه بن عينيه ثم قال له اذهب خلفه فأي بيت دخله ادخل معه فإن اولادك فيه قال فجعل الجرو يجوب الدروب والحارات حتى دخل بيت القاتل فدخل الناس خلفه وإذا بالغلامين متعفران بدمهما وهو قائم يحفر لهما مكانا يدفنهما فيه فامسكوه وأتوا به لنبيهم فأمر بصلبه فلما رأته زوجته على الخشبة قالت ألم أحذرك من هذا اليوم تقول ما تقول الآن امتلأ صاعك وسيأتي الكلام على الكلب في حرف الكاف إن شاء الله تعالى
( جعل ) دويبة معروفة تسمى أبا جعران والزعقوق يعض البهائم في وجهها فتهرب منه وهو أكبر من الخنفساء شديد السواد في بطنه لون حمرة للذكر قرنان يوجد كثيرا في مراح البقر والجاموس قيل إنه يتولد من أخثائها

شأنه جمع الروث وادخاره ومن عجيب أمره أنه إذا شم الورد مات ويعيش بعوده للروث وله جناحان لا يكادان يريان إلا إذا طار وله ستة أرجل وسنام مرتفع جدا وهو يمشي القهقري ومن طبعه أنه يحرس النيام فإذا قام أحدهم يتغوط تبعه ليأكل من رجعية وذلك من شدة شهوته للغائط
( حرف الحاء ) ( حجل ) طير فوق الحمامة أغبر اللون أحمر المنقار والرجلين يسمى دجاج البر وهو صنفان نجدي وتهامي النجدي أغبر والتهامي أبيض وله شدة الطيران وإذا تقاتل ذكر أن تبعث الانثى الغالب له شدة شبق وافراخه تخرج من البيض كاسية ويعمر في الغالب عشرين سنة وإذا قوي على غيره أخذ بيضه فحضنه ومن سر الله تعالى أنه إذا أفرخ ذلك البيض تبع الفرخ أمه التي باضته ومن طبعه أنه يخدع غيره في قرقرته ولذلك يتخذه الصيادون في إشراكهم
غريبة قيل أن أبا نضر بن مروان أكل مع بعض مقدمي الأكراد فأتى على سماطه بحجلتين مشؤيتين فلما رآها ضحك فقال مم تضحك ؟ قال كنت اقطع الطريق في عنفوان شبابي فمر بي تاجر فأخذته فلما أردت قتله تضرع إلي فلم أقتله فلما علم أنه لا بد لي من قتله التفت يمينا وشمالا فرأى حجلتين كانتا بقربنا فقال اشهدا لي أنه قاتلي ظلما فقتلته فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه في استشهاده بهما فقال أبو نصر والله لقد شهدتا عليك عند من أقادك بالرجل ثم أمر به فضربت عنقه
الخواص لحمها جيدة معتدل الهضم ومرارتها تنفع الغشاوة في العين وإذا سعط بها إنسان في كل شهر مرة جاد ذهنه وقل نسيانه وقوي بصره ( حدأة ) بكسر الحاء وفتح الدال مع همزة أخس الطير وتبيض بيضتين وربما باضت ثلاثا وتحضن عشرين يوما ومن ألوانها الأسود والرمادي وهي لا تصيد الا خطفا وفي طبعها أنها تقف في الطيران وهي أحسن الطير مجاورة لانها اذا جاعت لاتأكل أفراخ جارها ويقال إنها طرشاء وفي طبعها

أنها لا تخطف من الجهة اليمنى لانها عسراء وهي سنة ذكر وسنة انثى كالأرنب
( عجيبة ) روى الحافظ السلفي في فضائل الأعمال أن عاصم بن أبي النجود شيخ القراء في زمانه قال أصابتني خصاصة فجئت الى بعض اخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من منزله الى الجبانة فصليت ما شاء الله ثم وضعت رأسي على الأرض وقلت يا سامع الأصوات يا مجيب الدعوات يا قاضي الحاجات اكفني بحلالك عن حرامك وأغنيني بفضلك عمن سواك قال فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فإذا بحدأة قد طرحت كيسا أحمر فقمت فأخذته فإذا فيه ثمانون دينارا وجوهرة ملفوفة في قطن قال فاتجرت بذلك واشتريت لي عقارا وتزوجت
الخواص مرارتها تجفف في الظل وتنقع في إناء زجاج فمن لسع قطر منها في ذلك الموضع واكتحل مخالفا لجهة اللسع ثلاثة أميال أبرأته ودسمها إذا خلط بقليل من المسك وماء الورد وشرب على الريق نفع من ضيق النفس وإذا وضع في بيت لم تدخله حية ولا عقرب
( حرباء ) دويبة صغيرة على هيئة السمك ورأسها تشبه رأس العجل إذا رأت الإنسان انتفشت وكبرت ولها أربعة أرجل وسنام كهيئة الجمل ولها كنى كثيرة منها أم قرة ويقال لها جمل اليهود وهي أبدا تطلب الشمس فمن أجل ذلك يقال انها مجوسية وتستقبلها بوجهها وتدور معها كيفما دارت فإذا غابت الشمس أخذت في كسبها ومعاشها ويقال إن لسانها طويل نحو ذراع وهو مطوي في حلقها فذلك تخطف به ما بعد عنها من الذباب وتبتلعه والانثى من هذا النوع تسمى أم حبين ويقال أن الصبيان ينادونها أم حبين انشري برديك إن الأمير ناظر إليك وضارب بسوطه جنبيك فإذا زادوا عليها نشرت جناحيها وانتصبت على رجليها فإذا ازدادوا عليها أيضا نشرت أجنحة أحسن من تلك ملونة وإذا مشت تطأطئ برأسها وتتلون ألوانا ولذا يقال يتلون كالحرباء

( حمار أهلي ) معروف ليس في الحيوان من ينزو على غير جنسه إلا هو والفرس ونزوه بعد تمام ثلاثين شهرا وكنيته أبو محمود وأبو جحش وغير ذلك وهو أنواع فمنه ما هو لين الأعطاف سريع الحركة ومنه ما هو بضد ذلك ويوصف بالهداية إلى سلوك الطريق
( لطيفة ) في الحديث عن النبي أنه لما فتح خيبر أصاب حمارا أسود فكلمه فقال ما اسمك فقال يزيد بن شهاب أخرج الله تعالى من نسل جدي ستين حمارا كلها لا يركبها إلا نبي ولم يبق من الأنبياء غيرك وكنت أتوقعك لتركبني وأنا عند يهودي يجيع بطني ويضرب ظهري وكنت أعثر به عمدا فمساه النبي يعفورا وقال له أتشتهي الاناث ؟ قال لا وكان يركبه في حوايجه وإذا أراد حاجة عند إنسان أرسله اليه فيدفع الباب برأسه فيخرج صاحب البيت فيعرفه ويقضي حاجته فلما مات النبي ذهب الى بئر كانت لأبي الهيثم فتردى فيها جزعا على النبي فكانت قبره وقيل هذا الحديث منكر وقد ذكره السهيلي في التعريف والاعلام وللناس في ذمه ومدحه أقوال متباينة بحسب الأغراض فمن مدحه أن أبا صفوان وجد راكبا على حمار فقيل له في ذلك فقال عير هي من نسل الاكراد يحمل الرجل ويبلغ العقبة ويمنعني أن أكون جبارا في الأرض وقال آخر وأقل الدواب مؤنة وأكثرها معونة وأخفضها مهوى وأقربها مرتعا وكان حمار أبي يسارة مثلا في الصحة والقوة وهو حمار أسود حمل الناس عليه من منى إلى المزدلفة أربعين سنة وكان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار ويجعلان أبا يسارة قدوة لهما وحجة ومن ذمه ما نقل عن عبد الحميد الكاتب انه قال لا تركب الحمار فإنه إ ن كان فارها أتعب يدك وإن كان بليدا اتعب رجلك وقيل ما ينبغي لمركب الدجال أن يكون مركبا للرجال وقال أعرابي الحمار بئس المطية إن أوقفته أدلى وأن تركته ولى كثير الروث قليل الغوث سريع إلى الفرارة بطيء في الغارة لا توقي به الدماء ولا تمهر به النساء ولا يحلب في الإناء قال الزمخشري
( إن الحمار ومن فوقه ... حماران شرهما الراكب )

العرب من لا يركبه أبدا ولو بلغت به الحاجة والجهد
فيل كان لرجل بالبادية حمار وكلب وديك فالديك يوقظه للصلاة والكلب يحرسه إذا نام والحمار يحمل أثاثه إذا رحل قال فجاء الثعلب فأكل الديك فقال عسى أن يكون خيرا ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عسى أن يكون خيرا ثم جاء الذئب فبقر بطن الحمار فقال عسى أن يكون خيرا قال ثم إن جيرانه من الحي أغير عليهم فأخذوا فأصبح ينظر إلى منازلهم وقد خلت فقيل لهم إنما أخذوا بأصوات دوابهم فقال إنما كانت الخيرة في هلاك ما عندي فمن عرف لطف الله رضي بفعله
( حمام ) هو أنواع كثيرة والكلام في الذي ألف البيوت وهو قسمان أحدهما بري وهو الذي يوجد في القرى والآخر أهلي وهو أنواع وأشكال فمنه الرواعب والمراعيش والشداد والغلاب والمنسوب ومن طبعه أنه يطلب وكره ولو كان في مسافة بعيدة ولا جل ذلك يحمل الأخبار ومنه من يقطع عشرة فراسخ في يوم واحد وربما صيد وغاب عن وطنه عشر سنين وهو على ثبات عقله وقوة حفظه حتى يجد فرصة فيطير ويعود إلى وطنه وسباع الطير تطلبه أشد الطلب وخوفه من الشاهين أشد من غيره وهو أطير منه لكن إذا أبصره يعتريه ما يعتري الحمار إذا رأى الأسد والشاة إذا رأت الذئب والفأر إذا رأى الهر ومن طبعه أنه لا يريد إلا ذكره إلى أن يهلك أو يفقد أحدهما ويحب الملاعبة والتقبيل ويسفد لتمام أربعة أشهر ويحمل أربعة عشر يوما ويبيض بيضتين ويحضن عشرين يوما ويخرج من إحدى البيضتين ذكر والأخرى أنثى واتخاذها في البيوت لا بأس به غير أنه لا يجوز تطييرها والاشتغال بها والارتقاء بها على الأسطحة وعليه حمل أمل العلم قوله عليه الصلاة و السلام ( شيطان يتبع شيطانة حين رأى شخصا يتبع حمامة فإن لم يحصل شيء مما ذكر جاز اتخاذها قال رسول الله ( اتخذوا الحمام في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم واللعب بها من عمل قوم لوط ) وقال النخعي من لعب بالحمام لم يمت حتى يذوق ألم الفقر ولم يوجد شيء أبله من الحمام فإنه

تؤخذ أفراخه فتذبح في مكان ثم يعود في ذلك المكان ويبيض فيه ويفرخ وقال الجاحظ وللحمام من الفضيلة والفخر أن الحمامة قد تبتاع بخمسمائة دينار ولم يبلغ ذلك القدر شيء من الطير وغيره وهو الهادر الذي جاوز الغاية قالوا ولو دخلت بغداد والبصرة وجدت ذلك بلا معاناة ولو حدثت أن برذونا أو فرسا بيع بخمسمائة دينار لكان ذلك سمرا وقد تباع البيضة الواحدة من بيض ذلك الحمام بخمسة دنانير والفرخ بعشرين فمن كان له زوج منه قام في الغلة مقام ضيعة وأصحابه يبنون من أثمانه الدور والحوانيت وهو مع ذلك ملهى عجيب ومنظر أنيق
الخواص دمه ينفع الجراحات العارضة للعين والغشاوة ويقطع الرعاف ويبرئ حرق النار إذا خلط بالزيت منه وزبل الأحمر ينفع للسع العقرب إذا وضع عليه وإذا شرب منه مقدار درهمين مع ثلاثة دراهم دار صيني نفع من الحصاة
( حرف الخاء ) ( الخطاف ) أنواع كثيرة فمنه نوع دون العصفور رمادي اللون يسكن ساحل البحر ومنه ما لونه أخضر وتسميه أهل مصر الخطار ونوع طويل الأجنحة رقيق يألف الجبال ونوع أصفر يألف المساجد يسميه الناس السنونو وزعم بعضهم أنه الطير الأبابيل ويقال أن آدم عليه الصلاة و السلام لما أهبط إلى الأرض حصل له وحشة فخلق الله له هذا الطير يؤنسه فلأجل ذلك لا تجدها تفارق البيوت وهي تبني بيتها في أعلى مكان بالبيت وتحكم بنيانه وتطينه فإن لم تجد الطين ذهبت إلى البحر فتمرغت في التراب والماء وأتت فطينته وهي لا تزبل داخله بل على حافته أو خارجا عنه وعنده ورع كثير لأنه وإن ألف البيوت لا يشارك أهلها في أقواتهم ولا يلتمس منهم شيئا ولقد أحسن واصفه حيث يقول
( كن زاهدا فيما حوته يد الورى ... تبقى إلى كل الأنام حبيبا )
( وانظر إلى الخطاف حرم زادهم ... أضحى مقيما في البيوت ربيبا )

شأنه إنه لا يفرخ في عش عتيق بل يجدد له عشا وأصحاب اليرقان يلطخون أفراخه بالزعفران فيذهب فيأتي بحجر اليرقان ويلقيه في عشه لتوهمه أن اليرقان حصل لأولاده وهو حجر صغير فيه خطوط يعرفه غالب الناس فعند ذلك يأخذه من به اليرقان ويحكه ويستعمله ومن عجيب أمره إنه يكاد يموت من صوت الرعد وإذ عمي ذهب إلى شجرة يقال لها عين شمس فيتمرغ فيها فيفيق من غشوته ويفتح عينيه
لطيفة قيل إن خطافا وقف على قبة سليمان وتكلم مع خطافة وراودها عن نفسها فامتنعت فقال بها تتمنعين مني ولو شئت قلبت هذه القبة قال فسمع سليمان فدعاه وقال ما حملك على ما قلت ؟ فقال يا نبي الله إن العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم
الخواص مرارته تسود الشعر ولحمه يورث السهر وقلبه يهيج الباه إذا أكل جافا ودمه يسكن الصداع خفاش طير يوجد في الأماكن المظلمة وذلك بعد الغروب وقبل العشاء لأنه لا يبصر نهارا ولا في ضوء القمر وقوته البعوض وهذا الوقت هو الذي يخرج فيه البعوض أيضا لطلب رزقه فيأكله الخفاش فيتسلط طالب رزق على طالب رزق وهو من الحيوان الشديد الطيران قيل إنه يطير الفرسخين في ساعة وهو يعمر مثل النسر وتعاديه الطيور فتقتله لأنه قيل إن عيسى عليه الصلاة و السلام لما سأله النصارى في طير لا عظم فيه صنع لهم ذلك بإذن الله تعالى فهي تكرهه لأنه مباين لخلقتها ومن طبعه الحنو على ولده حتى قيل إنه يرضعه وهو طائر ( خنزير ) حيوان معروف وله كنى كثيرة منها أبو جهم وأبو زرعة وأبو دلف وهو مشترك بين البهيمة والسبع لأنه ذو ناب ويأكل العشب والعلف وهو كثير الشبق حتى قيل أنه يجامع الأنثى وهي سائرة فيرى في مشيها ستة أرجل فيتوهم الرائي إنه حيوان بستة أرجل وليس كذلك والذكر مثله فمن غلب استقل بالنزو على الأنثى وتحرك أذنابها في زمن هيجانها وتطأطئ رأسها وتغير أصواتها وتحمل من نزوة واحدة وتحمل ستة أشهر وتضع عشرين ولدا وينزوا الذكر إذا بلغ ستة أشهر وقيل أربعة باختلاف البلاد وقيل ثمانية وإذا بلغت

الأنثى خمس عشرة سنة ولا تحمل وهذا الجنس أفسد الحيوان والذكر أقوى الفحول وليس لذوات الأربع ما للخنزير في نابه من القوة حتى قيل إنه يضرب به السيف والرمح فينقطع ما لافاه وإذا التقى ناباه من الطول مات لأنهما حينئذ يمنعانه من الأكل ومن عجيب أمره أنه ياكل الحيات ولا يؤثر فيه سمها وإذا عض كلبا سقط شعره وإذا مرض واطعم السرطان يفيق ومن عجيب أمره أنه إذا ربط على ظهره حمار وبال الحمار وهو على ظهره مات ولا يسلخ جلده إلا بالقلع مع شيء من لحمه على ما ذكروا ( خنفساء ) دويبة تتولد من عفونات الأرض وبينها وبين العقرب مودة وكنيتها أم فسو لأن كل من وضع يده عليها يشم رائحة كريهة
فائدة قيل إن رجلا رأى خنفساء فقال ما يصنع الله بهذه فابتلاه الله تعالى بقرحة عجز الأطباء فيها فبينما هو ذات يوم إذا بطرقي يقول من به وجع كذا إلى أن قال من به قرحة فخرج إليه ذلك الرجل فلما رأى ما به قال ائتوني بخنفساء فضحك منه الحاضرون فقال ائتوه بالذي يطلب فأتوه بها فأخذها فأحرقها وأخذ رمادها وجعل منه على تلك القرحة فبرئت فعلم ذلك المقروح أن الله تعالى ما خلق شيئا سدى وأن في أخس المخلوقات أهم الأدوية فسبحان القادر على كل شيء
الخواص إذا قطعت رؤوس الخنافس وجعلت في برج الحمام كثر الحمام في ذلك البرج والاكتحال بما في جوفها من الرطوبة يحد البصر ويجلو الغشاوة والبياض وإذا بخر المكان بورق الدلب هربت منه الخنافس على ما ذكر ( خيل ) جماعة الأفراس وسميت بذلك لأنها تختال في مشيتها وهي من الحيوان المشرف ولقد مدحها الله تعالى ووصى بها النبي عليه الصلاة و السلام فقال " الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة " وقال " عليكم باناثا الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنز " وروي عن ابن عباس أو علي رضي الله عنهما أن رسول الله قال لما أراد الله تعالى خلق الخيل أوحى إلى الريح الجنوب وقال إني

خالق منك خلقا فاجتمعي فاجتمعت فأتي جبريل فأخذ منها قبضة فخلق الله منها فرسا كميتا وقال خلقتك عربيا وفضلتك على سائر البهائم فالرزق بناصيتك والغنائم تقاد على ظهرك وبصهيلك أرهب المشركين وأعز المؤمنين ثم وسمه بغرة وتحجيل فلما خلق الله تعالى آدم قال يا آدم اختر أي الدابتين الفرس أو البراق فقال الفرس يارب فقال الله تعالى اخترت عزك وعز أولادك وفي الحديث " ما من فرس إلا ويقول في كل يوم اللهم من جعلتني له فاجعلني أحب أهله إليه " وقيل الخيل ثلاثة فرس للرحمن وهي المغزو عليها وفرس لك وهي التي تسابق عليها وفرس للشيطان وهي التي جعلت للخيلاء وفي الحديث " إن الملائكة لا تحضر شيئا من اللهو إلا في مسابقة الخيل وملاعبة الرجل أهله " ولقد سابق النبي على الخيل وقيل إن الذكر من الخيل أقوى من الأنثى ولا يرد علينا ركوب جبريل في قصة موسى وفرعون الأنثى لأن ذلك من حكمة الله تعالى حتى تبعتها أحصنهم فأغرقوا لأن الحصان إذا رأى الحجرة تبعها وقيل إن الله تعالى أمر نبيه موسى عليه الصلاة و السلام أن يعبر البحر فعبره وهم خلفه فأعمى أعينهم عن الماء فكانوا يرون بلقعا والخيل تراه ماء فلولا دخول جبريل البحر بفرسه لما دخلت خيلهم وهي أصناف منها الصافنات وهي التي إذا ربطت في مكان وقفت على إحدى رجليها وقلبت بعض الأخرى في الوقوف وقيل غير ذلك وكانت الصافنات ألف فرس لسليمان عليه الصلاة و السلام فعرضها يوما ففاتته الصلاة قيل صلاة العصر فأمر بعقرها فعوضه الله عنها الريح فكانت فرسه وقيل إنما عقرها على وجه القرى كالهدي وقيل إن الفرس لا يحب الماء الصافي ولا يضرب فيه بيده كما يضرب بها في الاء الكدر فرحا به فإنه يرى شخصه في الماء الصافي فيفزعه ولا يراه في الماء الكدر وقد قيل في الحث على حب الخيل
( أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن العز فيها والجمالا )
( إذا ما الخيل ضيعها أناس ... ربطناها فأشركت العيالا )

( نقاسمها المعيشة كل يوم ... وتكسبنا الأباعر والجمالا )
( حرف الدال ) ( دابة ) اسم لكل ما دب على الأرض وأما التي ذكرها الله تعالى في سورة سبأ فقيل الأرضة وقيل السوسة وسبب ذلك أن سليمان عليه الصلاة و السلام كان قد أمر الجن ببناء صرح فبنوه ودخل فيه وأراد أن يصفو له يوم واحد من دهره فدخل عليه شاب فقال له كيف دخلت من غير استئذان ؟ فقال أذن لي رب البيت فعلم سليمان أن رب البيت هو الله تعالى وإن الشاب ملك الموت أرسل ليقبض روحه فقال سبحان الله هذا اليوم طلبت فيه الصفاء فقال طلبت ما لم يخلق قال وكان قد بقي من بناء المسجد الأقصى بقية فقا له يا أخي يا عزرائيل امهلني حتى يفرغ قال ليس في أمر ربي مهلة قال فقبض روحه وكان من عادته الانقطاع في التعبد شهرين وثلاثة ثم يأتي فنيظر ما صنعت الجن فلما قبض كان متوكئا على عصاه واستمر ذلك مدة والجن تتوهم أنه مشرف عليها فتعمل كل يوم بقدر عشرة أيام حتى أراد الله ما أراد فسلط على العصا الأرضة فأكلتها فخر ميتا تفترقت الجن عنه وقيل إن واحدا منهم مر عليه فسلم فلم يجبه فدنا منه فلم يجد له نفسا فحركه فسقطت العصا فإذا هو ميت قال وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة والعصا التي اتكأ عليها من خرنوب قال الله تعالى ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) قال فشكرت الجن الأرضة حتى قيل أنهم كانوا يأتونها بالماء حيث كانت وأما الدابة التي من أشراط الساعة فاختلف في أمرها فقيل تخرج من الصفا وهو الصحيح وقيل من الطائف وقيل من الحجر وطولها ستون ذراعا ذات قوائم وهي مختلفة الألوان وذلك في ليلة يكون الناس مجتمعين بمنى أو سائرين إلى منى ومعها عصا منوسى وخاتم سليمان

لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب تلحق المؤمن فتضربه بالعصا فتكتب في وجهه مؤمن وتدرك الكافر فتسمه بالخاتم وتكتب في وجهه كافر وروي أنها تخرج إذا انقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقل الخير
( داجن ) وهو ما يربيه الناس في البيوت من صغار الغنم والحمام والدجاج وغير ذلك وفي حديث الأفك ما نعلم لها قضية غير أنها جارية حديثة السن تعجن وتنام فتأتي الداجن فتأكل العجين ( دب ) من السباع وكنيته أبو جهل وأبو جهينة وغير ذلك ولا يخرج زمن الشتاء حتى يطيب الهواء وإذا جاع يمص يديه ورجليه فيندفع جدعه وهو كثير الشبق وينعزل بانثاه وتضع جروا واحدا وتصعد به إلى أعلى شجرة خوفا عليه من النمل لأنها تضعه قطعة لحم ثم لا تزال تلحسه وترفعه في الهواء حتى تنفرج أعضاؤه وتخشن ويصير له جلد وفي ولادتها صعوبة وربما ماتت منها وقد تلده ناقص الخلق شوقا منها للسفاد وهي من الحيوان الذي يدعو الانسان للفعل به وقيل إن الدب يقيم أولاده تحت شجرة الجوز ثم يصعد فيرمي بالجوز إليها إلى أن تشبع وربما قطع من الشجر الغصن العتل الضخم الذي لا يقطع إلا بالفأس والجهد ثم يشد به على الفارس فلا يضرب أحدا إلا قتله ( دجاجة ) وكنيتها أم ناصر الدين وأم الوليد وغير ذلك وإذا هرمت لم يبق لبيضها مخ وتوصف بقلة النوم قيل أن نومها بقدر ما تتنفس وعندها خوف في الليل ولأجل ذلك تطلب وقت الغروب مكانا عاليا وتخشى الثعلب قيل إنها إذا رأيته ألقت نفسها إليه من شدة الخوف ولا تخشى من بقية السباع وقيل يعرف الذكر من الأنثى بإمساك منقاره فإن تحرك فذكر وإلا فأنثى ومن الدجاج مايبيض في اليوم مرتين وهو من أسباب موتها ويستكمل خلق البيضة في بطن الدجاجة في عشرة أيام وفي الحديث أن النبي أمر باتخاذ الغنم للأغنياء وباتخاذ الدجاج للفقراء ومن العجيب في صنعة الله تعالى أن خلق الفروج من البياض وجع ل الصفار غذاء له كما خلق الطفل من المني وجعل دم الحيض غذاء له فتبارك الله أحسن الخالقين
الخواص لحم الدجاج الفتي يزيد في العقل ويصفي اللون ويزيد

في المني ويقيم الباه والمداومة عليه تورث النقرس والبواسير على ما ذكر
( دج ) طير كبير أغبر يكون بساحل البحر كثيرا وبالقرب من الإسكندرية والناس يصطادونه ويأكلونه ( دود ) إسم جنس ومنه دود القز ويقال لها الهندية ومن عجيب أمرها أنها تكون أولا مثل بزر التين ثم تصير دودا وذلك في أوائل فصل الربيع ويكون عند خروجه مثل الذر في قدره ولونه ويخرج في الأماكن الدافئة إذا كان مصرورا في حق وربما تأخر خروجه فتجعله النساء تحت ثديهن بصرته فيخرج وغذاؤه ورق التوت الأبيض قال ولا يزال يكبر حتى يصير بقدر أصبع ويتنقل السواد إلى البياض وكل ذلك في مدة ستين يوما قال ثم يأخذ في النسج بما يخرجه من فيه إلى أن ينفذ ما ف جوفه ثم يخرج شيئا كهيئة الفراش له جناحان لا يسكنان من الاضطراب وعند خروجه يهيج إلى السفاد ويلصق الذكر مؤخره إلى مؤخر الأنثى ويلتحمان مدة ثم يفترقان قال ويكون قد فرش لهما خرقة بيضاء فينشران البزر عليها ثم يموتان هذا إذا أريد منهما البزر وإن أريد الحرير تركا في الشمس بعد فراغهما من النسج فيموت وهو سريع العطب حتى إنه ليخشى عليه من صوت الرعد والعطاس ومس المرأة الحائض والرجل الجنب ورائحة الدخان والحر الشديد والبرد الشديد ونحو ذلك قال أبو الفتح البستي
( ألم تر أن المرء طول حياته ... معنى بأمر لا يزال يعالجه )
( كذلك دود القز يسنج دائما ... ويهلك غما وسط ما هو ناسجه ) وقال آخر
( يفنى الحريص بجمع المال مدته ... وللحوادث ما يبقى وما يدع )
( كدودة القز ما تبنيه يهلكها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفع )
( ديك ) وكنيته أبو حسان وأبةو حماد وغير ذلك ويسمى الأنيس والمؤانس ومن طبعه لا يألف زوجة واحدة وهو أبله الطبيعة لأنه إذا سقط من بيت أصحابه لا يهتدي إلى الرجوع إليه وفيه من الخصال الحميدة ما لا يحصر منها أنه يساوي بين أزواجه في الطعمة ويذكر الله

تعالى في الليل حتى قيل إنه ليوقته ويقسمه وربما لا يخرم في توقيته وفي الصحيح إذا سمعتم صياح الديك فاذكروا الله تعالى فإنه يصيح بصياح ديك للعرش وروى الغزالي عن ميمون بن مهران أن لله ملكا تحت العرش على صورة الديك فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وقال ليقم المسملون فإذا مضى الثلث الثاني ضرب بجناحيه وقال ليقم الذاكرون فإذا كان السحر وطلع الفجر ضرب بجناحيه وقال ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم وفي الحديث ان النبي قال " إن لله ديكا أبيض له جناحان موشحان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورأسه تحت العرش وقوائمه في الهواء فإذا كان ثلث الليل الأول خفق بجناحيه وقال سبحان الملك القدوس فإذا كان الثلث الثاني خفق بجناحيه وقال قدوس فإذا كان الثلث الثالث خفق بجناحيه وقال ربنا الرحمن الرحيم لا إله إلا هو " وروى الثعلبي باسناده عن النبي أنه قال ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى صوت الديك وصوت قارئ القرآن وصوت المستغفر بالأسحار وفي الحديث " لا تسبوا الديك فإنه يؤقت للصلاة "
وزعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لم يزل ينكب في أهله وماله
نادرة قيل كان لإبراهيم بن مزيد ديك وكان كريما عليه فجاء العيد وليس عنده شيء يضحي عليه فأمر امرأته بذبحه واتخاذ طعام منه وخرج إلى المصلى فأرادت المرأة تمسكه ففر فتبعته فصار يخترق من سطح إلى سطح وهي تتبعه فسألها جيرانها وهم هاشميون عن موجب ذبحه فذكرت لهم حال زوجها فقالوا ما نرضى أن يبلغ الاضطرار بأبي إسحاق إلى هذا القدر فأرسل إليه هذا شاة وهذا شاتين وهذا بقرة وهذا كبشا حتى امتلأت الدار فلما جاء ورأى ذلك قال ما هذا ؟ فقصت عليه زوجته القصة فقال إن هذا الديك لكريم على الله فإن إسماعيل نبي الله فدي بكبش واحد وهذا فدي بما أرى

( حرف الذال ) ( ذباب ) وكنتيه أبو جعفر وهو أصناف كثيرة يتولد من العفونة ومن عجيب أمره أنه يلقي رجيعه على الأبيض يسود وعلى الأسود يبيض ولا يقعد على شجرة الدباء وفي الحديث " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه دواء وفي الأخرى داء وإن من طبعه أن يلقي نفسه بالجناح الذي فيه الداء
وحكي أن المنصور كان جالسا فألح عليه الذباب حتى أضجره فقال انظروا من بالباب من العلماء فقالوا مقاتل بن سليمان فدعا به ثم قال له هل تعلم لأي حكمة خلق الله الذباب ؟ قال ليذل به الجبابرة قال صدقت ثم أجازه ومن خصائص النبي أنه كان لا يقع عليه ذباب قط وقال المأمون قالوا أن الذباب إذا دلك به موضع لسعة الزنبور سكن ألمه فلسعني زنبور فحككت على موضعه أكثر من عشرين ذبابة فما سكن له ألم فقالوا هذا كان حتفا قاضيا ولولا هذا العلاج لقتلك
وقال الجاحظ من منافع الذباب أنها تحرق وتخلط بالكحل فإذا اكتحلت به المرأة كانت عينها أحسن ما يكون وقيل إن المواشط تستعمله ويأمرن به العرائس وقيل إن الذباب إذا مات وألقي عليه برادة الحديد عاش وإذا بخر البيت بورق القرع هرب منه الذباب
( ذئب ) حيوان معروف وكنيته أبو جعدة وأبو جاعد وأبو ثمامة لونه رمادي وهو من الحيوان الذي ينام بأحدى عينيه ويحرس بالأخرى حتى تمل فيغمضها ويفتح الأخرى كما قال بعض واصفيه
( ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع ) وإذا أراد السفاد اختفى ويطول في سفاده كالكلب وإذا جاع عوى فتجمع الذئاب حوله فمن هرب منها أكلوه وإذا خاف منه الإنسان طمع فيه وليس في الأرض أسد يعض على عظم إلا ويسمع

لتكسيره صوت بين لحييه إلا الذئب فإن لسانه يبري العظم بري السيف ولا يسمع له صوت وقيل إذا أدماه الأنسان فشم الذئب رائحة الدم لا يكاد ينجو منه وإن كان أشد الناس قلبا وأتمهم سلاحا كما أن الحية إذا خدشث طلبها الذر فلا تكاد تنجو منه وكالكلب إذا عض الإنسان يطلبه الفأر فيبول عليه فيكون في ذلك هلاكه فيحتال له بكل حيلة وقيل لا يعرف الالتحام عند السفاد إلا في الكلب والذئب وإذا هجم الصياد على الذئب والذئبة وهما ينسافدان قتلهما كيف شاء والله أعلم
( حرف الراء ) ( رخ ) طير عظيم الخلقة يوجد بجزائر الصين قال أبو حامد الأندلسي ذكر لي بعض المسافرين في البحر أنهم أرسوا بجزيرة فلما أصبحوا وجدوا في طرفها لمعانا وبريقا فتقدموا إليه وإذا هم بشيء مثل القبة قال فجعلوا يضربون فيه بالفؤوس إلى أن كسروه فوجدوه كهيئة البيضة وفيه فرخ عظيم قال فتعلقوا بريشه وجروه ونشبوا القدور وخرجوا يحتطبون من تلك الحزيرة حطبا يقال له حطب الشباب فلما أكلوا ذلك الطعام اسودت لحية ولمة كل ذي شيب قال فلما أصبحوا جاءهم الرخ فوجدهم قد صنعوا بفرخه ما صنعوا فذهب وأتى في رجليه بحجر عظيم وتبعهم بعدما ساروا في البحر وألقاه على سفينتهم فسبقت السفينة وكانت مشرعة بتسع قلوع ووقع الحجر في البحر فنجاهم الله تعالى منه وكان ذلك من لطف الله تعالى بهم قال وقد كان بقي معهم أصل ريشة قيل إنهم كانوا يجعلون فيها الماء فتسع مقدار قربة فسبحان الخالق الأكرم ( رخم ) طير أغبر أصفر المنقار معروف وهو من أشر الطيور ويقال أنها صماء وسبب ذلك ما قيل في بعض الحكايات إن موسى عليه الصلاة و السلام لما مات تكلمت بموته وكانت تعرف مكانه فأصمها الله تعالى حتى لا ترشد أحدا إلى موضعه

( حرف الزاي ) ( زرافة ) حيوان غريب الخلقة ولما كان مأكولها ورق الشجر خلق الله تعالى يديها أطول من رجليها وهي ألوان عجيبة يقال إنها متولدة من ثلاث حيوانات الناقة الوحشية والنقرة الوحشية والضبع فينزو الضبع على الناقة فيأتي بذكر فينزو ذلك الذكر على البقرة فتتولد منه الزرافة والصحيح أنها خلقة بذاتها ذكر وأنثى كبقية الحيوانات لأن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا بحكمة
( زنبور ) حيوان فوق النحل له ألوان وقد أودعه الله حكمة في بنيانه بيته وذلك أنه يبنيه مربعا له أربعة أبواب كل باب مستقبل جهة من الرياح الأربع فإذا جاء الشتاء دخل تحت الأرض ويبقى إلى أيام الربيع فينفخ الله تعالى فيه الروح فيخرج ويطير وفي طبعه التهافت على الدم واللحم ومن خاصيته أنه إذا وضع في الزيت مات وفي الخل عاش ولسعته تزال بعصارة الملوخية
( حرف السين ) ( سعلاة ) نوع من المتشيطنة قال السهيلي هو حيوان يتراءى للناس بالنهار ويغول بالليل وأكثر ما يوجد بالغياض وإذا انفردت السعلاة بإنسان وأمسكته صارت ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر قال وربما صادها الذئب وأكلها وهي حينئذ ترفع صوتها وتقول أدركوني فقد أخذني الذئب وربما قالت من ينقذني منه وله ألف دينار وأهل تلك الناحية يعرفون ذلك فلا يلتفتون إلى كلامها
( سمندل ) حيوان يوجد بأرض الصين ومن عجيب أمره أنه يبيض في النار ويفرخ فيها ويؤخذ وبره فينسج ويجعل منه المناشف وهذه المناشف إذا اتسخت جعلت في النار فتأكل النار وسخها ولا تحرقها حكي أن شخصا بل واحدة من هذه المناشف بالزيت وجعلت في النار وأوقدت ساعة ولم تحترق ( سنجاب ) حيوان كهيئة الفأر يوجد في بلاد الترك على قدر اليربوع إذا أبصر الإنسان هرب منه وشعره كشعر الفأر وهو ناعم فيؤخذ ويسلخ جلده ويجعل فروا يلبس وطبعه

موافق لكل طبع وأحسنه الأزرق ( سنور ) حيوان متواضع ألوف خلقه الله تعالى لدفع الفأر والحشرات كناه وأسماؤه كثيرة
حكي أن أعرابيا صاد سنورا فرآه شخص فقال ما تصنع بهذا القط ؟ ولقيه آخر فقال ما تصنع بهذا الخيدع ولقيه آخر فقال ما تصنع بهذا الهر ؟ قال أبيعه قال بكم ؟ قال بمائة درهم فقال إنه يساوي نصف درهم قال فرمى به وقال لعنه الله ما اكثر أسماءه وأقل قيمته وهذا الحيون يهيج في زمان الشتاء في شهرين منه وتراهن يترددن صارخات في طلب السفاد فكم من حرة خجلت وذي غيرة هادت حميته وعزب تحركت شهوته وطيب فم النسور كطيب فم الكلب في النكهة وقيل أن الهرة تحمل خمسين يوما وهو يجمع بين العض والناب والخمش بالمخلاب وليس كل سبع كذلك وهو يناسب الانسان في بعض الأحوال فيعطس ويتمطى ويغسل وجهه بلعابه ويلطخ وبر ولده بلعابه حتى يصير كأن الدهن يسري في جلده وقيل إذا بال الهر شم بوله ودفنه قيل لأجل الفأر فإذا شمه علم أن هناك هرا فلم يخرج وأما سنور الزباد فهو الفهد بالهند ويوجد الزباد تحت أبطيه وفخذيه ( سوس ) هو دود الحبوب والفاكهة
ومن الفوائد التي تكتب في الحبوب فلا تسوس أسماء الفقهاء السبعة الذين كانوا بالمدينة وقد نظمها بعضهم فقال
( ألا كل من لا يتقدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه )
( فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه )
( حرف الشين ) ( شاد هوار ) حيوان يوجد بأرض الترك يقال أن له قرنا عليه اثنتان وسبعون شعبة مجوفة فإذا هبت الريح سمع لها تصويت عجيب يكاد يدهش وربما قيل إن فيه شعبة يورث سماعها البكاء والحزن وأخرى

تورث الفرح والضحك وأنه أهدي إلى بعض الملوك شيء من شعهبا فرأى فيه ذلك ويقال إن من الحيوان شيئا يوجد بالغياض في قصبة أنفه إثنا عشر ثقبا إذا تنفس يسمع له صوت كصوت المزمار فتأتيه الحيوانات لتسمعه فتدهش فيغفل بعضها من الطرب فيثب عليه فيأخذه وياكله وهي تعلم ذلك منه وتحترز فإذا لم يمسك منها شيئا ضاق خلقه وصاح بها صيحة فتهرب وتتركه
( شاهين ) طير يكون كهيئة الصقر إلا أنه عظيم الهامة واسع العينين ومزاجه أيبس من مزاج الصقر وحركته من العلو إلى أسفل أقوى ولذلك ينقض على الطير بشدة فربما يخطئه فيضرب نفسه بالأرض بشدة فيموت وقيل أول من صاد به قسطنطين وذلك أنه قد جعل له الحكماء الشواهين تظله من الشمس إذا سار فاتفق في بعض الأيام أنه ركب فدارت الشواهين عليه وسار قال فطار واحد منها وانقض على صيد فأخذه فأعجب الملك ذلك وصار يتصيد به ( شحرور ) طير أسود فوق العصفور يصوت بأصوات مطربة
( حرف الصاد ) ( صرد ) حيان يسمى الصرصار على قدر الخنفساء له جناحان ويقال له الصوام لأنه أول طير صام يوم عاشوراء ( صعو ) طير من صغار العصافير أحمر الرأس
( حرف الضاد ) ( ضأن ) نوع من الحيوانات ذوات الأربع وهو من الحيوانات المباركة تحمل الأنثى منه بواحد واثنين وفيها البركة وغيرها تحمل بالسبعة والتسعة وليس فيها بركة وإذا رعت زرعا نبت عوضه وذلك لبركتها بخلاف ذوات الشعر ومن عجيب أمرها أنها إذا رأت الذئب تخور وتخاف منه ولا يخاف من سائر السباع قال بعض القصاص مما أكرم الله تعالى به الكبش أن خلقه مستور العورة من قبل ومن دبر ومما أهان به التيس أن خلقه مهتوك الستر مكشوف العورة من قبل ومن

دبر ويقال الضأن من دواب الجنة وهي صفوة الله من البهائم ويقال في المدح هو كبش من الكباش وفي الذم هو تيس من التيوس وأهدى بعضهم إلى صديقه شاة هزيله فقال
( تقول لي الأخوان حين طبختها ... أتطبخ شطرنجا عظاما بلا لحم ) ومن العجب أنه يأتي غنم من الهند للكبش منها ألية في صدره وأليات في كتفيه وأليه على ذنبه وربما تكبر ألية الضأن حتى تمنعه من المشي ومن عجيب أمرها أنها إذا تسافدت وقت المطر لا تحمل وعند هبوب الريح إن كانت شمالية حملت ذكرا وجنوبية حملت أنثى والله أعلم
ومن خواصها أن لحمها ينفع للسوادء ويزيد في المني والباه وإذا تحملت المرأة بصوفها قطع حبلها وإذا غطي إناء العسل بصوف الضأن الأبيض منع وصول النمل إليه وإذا دفن قرن كبش تحت شجرة كثر حملها على ما ذكر والله أعلم
( ضب ) حيوان يجعل جحره في الأرض الصلدة وعنده بلم فربما لا يهتدي لجحره إا خرج منه فلذلك لا يحفره إلا بقرب كودية أو اشارة وهو من الحيوان الذي يعمر قيل إنه يعيش سبعمائه سنة ومن طبعه أنه يصير على الماء يقال إنه لا يشرب فإنه يبول في كل أربعين يوما قطرة والأنثى تبيض سبعين بيضة وأكثر وتجعلها في الأرض وتتعاهدها في كل يوم إلى أربعين يوما فيخرج وبيضها قدر بيض الحمام وهذا الحيوان شديد الخوف من الآدمي وللك يجعل العقارب في جحره حتى يمتنع بها ويخرج من جحره كليل البصر فيستقبل الشمس فيحصل له بذلك حدة في بصره وإذا عطش نشق النسيم فيروى وبينه وبين الافاعي مناسبة وذلك أنه لا يخرج زمن الشتاء
فائدة قيل أن أعرابيا أتى النبي وفي كمه ضب قد صاده وقال لولا أن تسميني العرب عجولا لقتلتك وسررت الناس بقتلك فقال عمر دعني يا رسول الله أقتله فقال عليه الصلاة و السلام مهلا يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ؟ قال ثم أقبل الأعرابي

على النبي وقال والله لا آمنت بك إلا أن يؤمن بك هذا الضب وأخرجه من كمه قال فعند ذلك قال النبي ياضب فأجابه بلسان فصيح لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين فقال من تعبد ؟ قال الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه فقال من أنا يا ضب ؟ قال رسول رب العالمين قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك قال فقال الاعرابي عند ذلك يا ويلاه ضب اصطدته بيدي من البرية يشهد لك بالرسالة أنا أولى منه بذلك هات يدك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا ولقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد أكثر بغضا مني إليك ولقد صرت الآن أذهب من عندك وما على وجه الأرض أحدا أكثر محبة مني إليك ولأنت الساعة أحب إلي من أهلي وولدي وما تملك يدي فقد آمن بك شعري وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي فقال النبي الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى عليه ولكن لا يقبله الله إلا بصلاة ولا يقبل الصلاة إلا بقراءة قال فعلمني يا حبيبي قال فعلمه سورة الفاتحة وسورة الأخلاص وقال من قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن قال لهذا يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ثم سأله ألك مال ؟ فقال يا حبيبي ليس في بني سليم أفقر مني فقال لأصحابه أعطوه فأعطوه حتى أثقلوه فقال عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله عندي ناقة عشارية أعطيها له فقال إن الله يعطيك ناقة في الجنة من درة قوائمها من الزبر جد الأخضر وعيناها من الياقوت الأحمر وعليها هودج نم السندس تخطفك من الصراط كالبرق قال فخرج الإعرابي من عنده فتلقاه ألف فارس من المشركين كلهم يريدون قتل النبي فأخبرهم بقصته فأسلموا عن آخرهم وأمر النبي خالد بن الوليد عليهم وهذه القصة ذكرها الدار قطني بتمامها والبيهقي والحاكم وابن عدي
الخواص قلبه يذهب الحزن والخفقان وشحمه يطلى به الذكر يزيد في الباه وكعبه يشد على وجع الضرس يبرأ وإذا جعل على وجه فرس لا يسبقه شيء وبعره يذهب البرص والكلف طلاء ومن أكل

لحمه لا يعطش زمانا طويلا
( ضبع ) حيوان معروف ومن كناه أم عامر ومن طبعه حب لحم الآدمي حتى قيل إنه ينبش القبور وإذا مر بانسان نائم حفر تحت رأسه ووثب عليه وبقر بطنه وشرب دمه
الخواص من شرب دمه ذهب وسواسه ومن علق عليه عينه أحبه الناس وإذا جعلها في خل سبعة أيام ثم جعلها تحت فص خاتم فكل من كان به سحر وجعل الخاتم في قليل ماء وشربه زال سحره
( ضفدع ) حيوان يتولد من المياه الضعيفة الجري ومن العفونات وعقيب الأمطار وأول ما يظهر مثل الحب الأسود ثم ينمو ثم تتشكل له الأعضاء وإذا نق جعل فكه الأسفل في الماء والأعلى من خارج وفي صوته حدة قال سفيان ليس من الحيوان أكثر ذكرا لله تعالى من الضفدع وفي الآثار أن داود عليه الصلاة و السلام قال لأسبحن الله تعالى بتسبيح ما سبحه أحد قبلي فنادته ضفدعة يا داود تمن على الله تعالى بتسبيحك وأنا لي تسعون سنة ما جف لساني عن ذكر الله تعالى قال فما تقولين في تسبيحك ؟ قالت أقول سبحان من هو مسبح بكل لسان سبحان من هو مذكور بكل مكان فقال داود ما عسى أن أقول وقال بعضهم إنها كانت تأخذ الماء بفيها وتجعله على نار إبراهيم الخليل والله سبحانه وتعالى أعلم
( حرف الطاء ) ( طاوس ) طير مليح ذو ألوان عجيبة وعنده الزهو في نفسه والعجب ومن طبعه العفة وهو من الطير كالفرس من الحيوان والأنثى تبيض حين يمضى لها من العمر ثلاث سنين وفي ذلك الأوان يكمل ريش الذكر ويتم لونه وتبيض الأنثى مرة واحدة في كل شهر ففي السنة اثنتا عشرة بيضة أو أقل أو أكثر ويسفد الذكر في أيام الربيع ويرمي ريشه في أيام الخريف كالشجر فاذا بدأ طلوع الورق طلع ريشه ومدة حضنه ثلاثون يوما
فائدة قيل إن آدم لما غرس الكرمة جاء إبليس لعنه الله فذبح عليها طاوسا فشربت دمه فلما طلعت أوراقها ذبح عليها قردا

فشربت دمه فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسدا فشربت دمه فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيرا فشربت دمه فمن أجل ذلك تجد شارب الخمر أول ما يشربها وتدب فيه يزهو بنفسه ويميس عجبا كالطاولس فإذا جاء مبادئ السكر لعب وصفق بيديه كالقرد فإذا قوي سكره قام وعربد كهيئة الأسد فإذا انتهى سكره انقبض كما ينقبض الخنزير ثم يطلب النوم والناس تتشاءم باقامته بالدور قيل لأنه كان سببا لدخول إبليس الجنة وخروج آدم منها والله على كل شيء قدير
( حرف الظاء ) ( ظبي ) واحد الغزلان وهو ثلاثة أصناف الأول الآرام وهو ظباء الرمل ولونها رمادي وهي سمينة العنق والثاني العفر ولونها أحمر وهي قصيرة العنق والثالث الآدم وهي طويلة العنق وتوصف بحدة البصر وقيل إن الظبي يقضم الحنظل ويمضغه مضغا وماؤه يسيل من شدقيه ويرد الماء الملح فيشرب الماء الأجاج ويغمس خرطومه فيه كما تغمس الشاة لحييها في العذب فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر ويستحلي مرارة الحنظل
الخواص لسانه يجفف ويطعم للمرأة السليطة تزول سلاطتها وبعره وجلده يحرقان ويسحقان ويجعلان في طعام الصبي يزيد ذكاؤه ويصير فصيحا ذلقا حافظا ( ظربان ) دويبة فوق جرو الكلب منتنة الريح تزعم العرب أن من صادها وفست في ثوبه لا تزول الرائحة منه حتى يبلى الثوب ويحكى من شؤمها أنها تأتي بيت الظبي فتفسو فيه ثلاث مرات فتقتل ما فيه وتأكله بعد ذلك
( حرف العين ) ( عجل ) حيوان معروف وهو ذكر البقر وسمي بذلك لاستعجال بني اسرائيل بعبادته والسبب في ذلك أن موسى عليه الصلاة و السلام وقت الله له ثلاثين ليلة ثم أنمها بعشر وكان فيهم شخص يسمى موسى بن ظفر

السامري في قلبه من حب عبادة البقر شيء فابتلى الله به بني اسرائيل فقال ائتوني بحلى قال فأتوه بجميع حليهم فصنع منه عجلا جسدا وألقى عليه قبضة من التراب أخذه من أثر فرس جبريل عليه السلام فصار له خوار كما أخبر الله تعالى فعكفوا على عبادته من دون الله تعالى وكانوا يأتون إليه ويرقصون حوله ويتواجدون فيخرج منه تصويت كهيئة الكلام فيتعجبون من ذلك ويظنون أنه تكلم وإنما فعل ذلك باغواء ابليس لعنة الله حتى يطغيهم
( فائدة ) نقل القرطبي عن سيدي أبو بكر الطرطوشي رحمهما الله أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان فيقرؤن من القرآن ثم ينشد لهم الشعر فيرقصون ويطربون ثم يضرب لهم بعد ذلك بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم حرام فقال مذهب الصوفية أن هذه بطالة وجهالة وضلالة وما الاسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذوا العجل فهذه الحالة هي حالة عباد العجل وإنما كان النبي مع أصحابه في جلوسهم كأنما على رؤسهم الطير مع الوقار والسكنية فينبغي لولاة الأمر وفقهاء الإسلام أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى ( عقرب ) هو من الحشرات قال الجاحظ أنها تلد من فيها مرتين وتحمل أولادها على ظهرها وهم كهيئة القمل كثير العدد وقال غيره إذا حملت تسلط عليها أولادها فاكلوا بطنها وخرجوا كهيئة الذر ثم يكثرون ويطوفون بالأرض ولها ثمانية أرجل ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب النائم إلا إذا تحرك شيء منه والخنافس تأوي إلهيا وربما لسعت التنين العظيم فقتلته ( غريبة ) قال ذو النون المصري بينما أنا في بعض سياحتي إذ مررت بشاطء البحر فرأيت عقربا أسود قد أقبل إلى أن جاء إلى شاطئ البحر فظننت أنه يشرب فقمت لأنظر فإذا بضفدع قد خرج من الماء وأتاه

فحمله على ظهره وذهب به إلى ذلك الجانب قال ذو النون فاتززت بمئزري وعمت خلفه حتى إذا صعد من ذلك الجنانب صعدت وسرت وراءه فما زال حتى جاء إلى شجرة فوجدت تحتها غلاما نائما من شدة السكر قد أقبل عليه تنين عظيم قال فلصقت العقرب برأس التنين ولسعته فقتلته ثم رجعت إلى ظهر الضفدع فعبر بها إلى الماء وسار بها إلى المكان الذي جاءت منه قال ذو النون فتعجبت من ذلك وأنشدت
( يا راقدا والجليل يحفظه ... من كل سوء يكون في الظلم )
( كيف تنام العيون عن ملك ... يأتيك منه فوائد النعم ) ثم أيقظت الغلام وأخبرته بذلك قال فلما سمع ذلك قال أشهدك على أني قد تبت عن هذه الخصلة ثم جرينا ذلك التنين ورميناه في البحر ولبس ذلك الغلام مسحا وساح إلى أن مات رحمه الله تعالى عليه وما أحسن ما قال بعضهم
( إذا لم يسالمك الزمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب )
( ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب )
( فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد ... وخرب فأر قبل ذا سد مأرب )
( إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من التضييع في غير واجب )
( فبين اختلاف الليل والصبح معرك ... يكر علينا جيشه بالعجائب )
فائدة إذا لدغ أحد فاقرأ عليه هذه الكلمات وهي سلام على نوح في العالمين وصلى الله على سيدنا محمد في المرسلين أعيذك من حاملات السم أجمعين لا دابة بين السماء والأرض إلا ربي آخذ بناصيتها كذلك يجزي عباده المحسنين إن ربي على صراط مستقيم نوح قال لكمن من ذكرني لا تلدغوه إن ربي بكل شيء عليم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وقال بعض العلماء من قال عقدت زبان العقرب ولسان الحية

ويد السارق يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أمن من العقرب والحية والسارق وفي البخاري أن رجلا جاء إلى النبي وقال يا رسول الله ماذا لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال له النبي أما إنك لو قلت إذا امسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك وروى الترمذي أن من قال حين يمسي أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات ثم قال سلام على نوح في العالمين لم تضره الحية والعقرب والسر في ذكر نوح دون غيره هو أنه لما ركب في السفينة سألته الحية والعقرب أن يحملهما معه فشرط عليهما أنهما لا يضران من ذكر اسمه بعد ذلك فشرطا له ذلك
الخواص من بخر البيت بزرنيخ أحمر وشحم بقر هربت منه العقارب ومن شرب مثقالين من حب الاترج أبرأه من سمها ومن علق عليه شيء من ورق الزيتون برئ أيضا لوقته
( عقعق ) طير ذو لونين طويل الذنب قدر الحمامة على شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة وهو لا يأوي إلا الأماكن العالية وإذا باض جعل حول بيضه ورق الدلب خوفا عليه من الخفاش لا يفسده الخواص ذمه إذا جعل على قطن وألصق على موضع النصل والشوكة الغائبة في البدن أخرجه ( علق ) دود أحمر وأسود يكون بالماء بعلق بالخيل والآدمي فإذا علقت بك فرش عليها ماء وملحا وإذا علقت بفرس فبخره بوبر الثعلب فانها تنفصل من رائحة دخانه ومن خواصة ان البيت إذا بخر به هرب ما فيه من البق والبعوض وإذا جفف وسحق وقلع الشعر وطلي به مكانه منع نباته
( عنقاء ) اختلف فيها فقال بعضهم هو طائر عظيم الخلقة له وجه

انسان وفيه من كل حيوان لون وقال بعضهم هو طير غريب الشكل يبيض بيضا كالجبال ويبعد في طيرانه وسميت بذلك لأنه كان في عنقها طوق أبيض قال القزويني إنها تخطف الفيلة لعظمها وكبر جثتها كما تخطف الحدأة الفأر قال وكانت في قديم الزمان بين الناس إلى أن خطفت عروسا بحليها فذهب أهلها إلى نبي دلك الزمان فشكوها إليه فدعا عليها فذهب بها إلي بعض الجزائر التي خلف خط الاستواء وهي جزيرة لا يصل إليها أحد وجعل لها فيها ما تقتات به من السباع كالفيل والكركند و غير ذلك وقال أصحاب التواريخ إن هذا الطير يعمر حتى قيل إنه يعيش ألفي سنة ويتزوج إذا مضى عليه خمسمائة
وحكى الزمخشري في ربيع الأبرار أن الله تعالى خلق في زمن موسى عليه الصلاة و السلام طيرا يقال له العنقاء له وجه كوجه الانسان وأربعة أجنحة من كل جانب وخلق له أنثى مثله ثم أوحى الله تعالى إلى موسى إني خلقت خلقا كهيئة الطير وجعلت رزقه الوحوش والطير التي حول بيت المقدس قال فتناسلا وكثر نسلهما فلما توفي موسى عليه الصلاة و السلام انتقلت إلى نجد والعرق فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن تنبأ خالد بن سنان العبسي فشكوها له فدعا عليها فانقطعت وانقطع نسلها وانقرضت
( عنكبوت ) دويبة لها ثمانية أرجل وستة عيون وهي من الحيوان الذي صيده الذباب وولده يخرج قويا على النسج من غير تعليم ولا تلقين ويخرج أولاده دردا صغيرا ثم يتغير وتصير عنكبوتا وتكمل صورته
فائدة قيل إن امرأة ولدت جارية ثم قالت لخادم لها إقتبس لنا نارا فخرج فوجد بالباب سائلا فقال له ما ولدت سيدتك ؟ فقال بنتا فقال لا تموت حتى تبغي بألف رجل ويتزوجها خادما ويكون موتها بالعنكبوت فقال الخادم وأنا أصبر لهذه حتى يحصل منها ما يحصل فصبرت حتى قامت أمها لتقضي بعض شؤونها وعمد إلى البنت فشق بطنها بسكين وهرب قال فجاءت أمها فوجدتها على تلك الحالة فدعت بمن يعالجها حتى شفيت فلما كبرت بغت قال

ثم إنها سافرت وأتت مدينة على ساحل من سواحل البحر فأقامت هناك تبغي قال وأما الرجل فإنه صار من التجار وقدم لتلك المدينة ومعه مال كثير فقال لامرأة عجوز هناك أخطبي لي امرأة حسنة أتزوج بها قال فوصفتها له وقالت ليس هنا أحسن منها ولكنها تبغي فقال العجوز ائتني بها قال فذهبت وأخبرتها بالقصة فقالت لها حبا وكرامة فإني قد تبت عن البغي فتزوج الرجل بها وأحبها حبا شديدا وأقام معها أياما وكان يود أن يراها متجردة فلم يمكنه ذلك حتى إذا كان في بعض الأيام خرج على عادته لقضاء أشغاله ودخلت هي الحمام وعرضت له حاجة فرجع إلى الدار وصعد إلى قصرها فلم يرها فسأل عنها فقيل له هي في الحمام فدخل عليها فرآها متجردة ورأى في بطنها أثرا كالخياطة فقال ما هذا ؟ قالت لا أعلم إلا أن أمي أخبرتني أنه كان لنا خادما وأنه يوم ولادتي غافل أمي وشق بطني بسكين وهرب وأنها حين رأتني كذلك دعت بعض الأطباء فخاط بطني وعالجني حتى أندمل جرحي وشفيت وبقي هذا الأثر فقال لها أنا ذلك الخادم وحكى لها السبب وأن ذلك السائل أخبره أنها تموت بالعنكبوت ثم إنه اهتم بأمرها وجمع مهندسي البلدة التي هم فيها وسألهم أن يبنوا له بناء لا ينسج عليه العنكبوت فقالوا كل بناء ينسج عليه إلا أن يكون البلور لنعومته لا ينسج عليه فأمرهم أن يصنعوا لها قصرا من البلور وبذل لهم ما أرادوا فعملوه وفرشه وأمرها أن تقيم فيه لا تخرج منه خوفا عليها من العنكبوت قال فبينما هو ذات يوم إذ رأى عنكبوتا قد نسج في ذلك القصر فقام إليه فرماه وقال لها هذا الذي يكون موتك منه قال فداسته بإبهامها وقالت كالمستهزئة أهذا الذي يقتلني فشدخته فتعلق بطرف إبهامها من مائة شيء فعمل بها حتى ورمت ساقها ثم وصل الورم إلى قلبها فقتلها فما أفاده قصره ولا صرحه سيئا قال الله تعالى ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) الآية

فائدة نسج العنكبوت على ثلاثة مواضع على غار النبي وعلى غار عبد الله بن أنيس لما بعثه النبي لخالد الهذلي فقتله وحمل رأسه ودخل به في غار خوفا من أهله ونسج على عورة زيد ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لما صلب عريانا وقيل إنها نسجت مرتين على داود حين كان جالوت يطلبه
الخواص نسجها إن وضع على الجراح الطرية يقطع دمها ويجلو الفضة إذا دلكت به والذي يوجد من نسجها في بيت الخلاء ينفع المحموم إذا تبخر به
( ابن عرس ) حيوان معروف وهو بأرض مصر كثير ويسمى العرسة وهو عدو للفأر وعنده الحيل قيل إنه عدا خلف فأر فصعد منه على شجرة فصعد خلفه وأمر إنثاه أن تقف تحت الشجرة ثم قطع الغصن الذي كان عليه الفأر فسقط فأخذته أنثاه ومما يحكى عنه أنه يحب الذهب فيسرقه ويلد عليه عجيبة قيل إن رجلا صاد فرخا من أولاده وحبسه تحت طاسة فجاء أبوه فوجده فذهب وأتى بدينار فوضعه فلم يفلته ثم ذهب وأتى بآخر وما زال كذلك حتى أتى بخمسة دنانير فلم يفلته ثم أتى بخرقة فلم يفلته فأراد ابن عرس أن يأخذ ما برطله به فلما علم الرجل ذلك فهم أنه لم يبق عنده شيء فأفلته له
( حرف الغين ) ( غراب ) وكنيته أبو حاتم وله كنى غير ذلك وهو أنواع كثيرة منها الأكحل وغراب الزرع والأزرق وهذا النوع يحكي جميع ما سمعه والعرب تتفاءل بصياح الغراب فتقول إذا صاح مرتين فشر وإذا صاح ثلاثة فخير وهو كالإنسان عند الجماع وفي طبعه الاستتار عن الناس عند مجامعته والأنثى تبيض ثلاثا أو أربعا أو خمسا وتحضن ذلك والأب يسعي في طعمتها إلى أن تفرخ فإذا فرخت خرجت أفراخها قبيحة المنظر فتتفرق منها وتتركها وتغيب فيرسل الله لها البعوض

به ثم لا تزال تتعاهدها حتى ينبت لها الريش فتأتيها ومنه قول الحريري
( يا رازق النعاب في عشه ... وجابر العظم الكسير المهيض ) ومن طبعه أنه لا يتعاطى الصيد بل إن وجد رمة أكل منها ويقم من الأرض ما وجد ويسمى بالفاسق لأنه لما أرسله نوح عليه السلام ليكشف عن الماء فوجد في طريقه رمة فسقط عليها وترك ما أرسل إليه ويسمى بالبين لأنه إذا رحل العرب من مكان نزل فيه وزعق في أثرهم ومن الغرائب أن بين الغراب وبين الذئب إلفة وذلك إنه إذا رأى الذئب بقر بطن شاة سقط وأكل منها ومعه الذئب لا يضره
الخواص إذا غمس الغراب في الخل ثم جفف وسحق ريشا وطلي به الشعر سوده وإذا علق منقاره على إنسان زالت عنه العين وزبل الغراب الأبقع ينفع الخوانيق والخنازير طلاء وإن صر في خرقة على من به السعال زال
( غرغر ) دجاج بني إسرائي يقال إن فرقة من بني إسرائيل كانت بتهامة فطغت وبغت وتجبرت وكفرت فعاقبهم الله تعالى بأن جعل رجالهم القردة وكلابهم الأسود وعينهم الأراك وجوزهم المقل ودجاجهم الغرغر وهو دجاج الحبشة فلا ينفع لحمه لرائحته الكريهة وهذا مشاهد في زماننا هذا الآن على ما نقل والله سبحانه وتعالى أعلم
( حرف الفاء ) ( فاختة ) طير أغبر من ذوات الأطواق بقدر الحمام لها حسن الصوت يحكى أن الحيات تهرب من صوتها وفي طبعها الأنس فمن أجل ذلك

تتخذ بيتها في البيوت وهي من الحيوان الذي يعمر وقد ظهر منها ما عاش خمسا وعشرين سنة
الخواص دمها ينفع من الآثار في العين من ضربة أو قرحة إذا قطر فيها
( فأرة ) وكنيتها أم خراب وغير ذلك وتسمى بالفويسقة وذلك أن النبي انتبه ليلة فوجدها قد جذبت الفتيلة وأحرقت طرف سجادته فقتلها وأمر بقتلها وهي التي قطعت حبل سفينة نوح وأذاها لا يكاد ينحصر ومنه أنها تأتي إلى إناء الزيت فتشرب منه فإذا نقص صارت تشرب بذنبها فإذا لم تصل إليه ذهبت وأتت في فيها بماء وأفرغته فيه حتى يعلو لها الزيت فتشربه وربما وضعت فيه حجرا فكسرته ويقال إنها بقايا الممسوخين الذين كانوا يهودا ومن أراد أن يعلم ذلك فليضع لها لبن ناقة في إناء فإن لم تشربه فهي منهم
الخواص عينه تشد على الماشي يسهل تعبه وإذا بخر البيت بزبل الذئب أو الكلب ذهب منه الفأر ( فرس البحر ) حيوان غليظ أفطس الوجه ناصيته كالفرس ورجلاه كالبقر وذنبه قصير يشبه ذنب الخنزير وجلده يوجد بالنيل ووجهه أوسع من وجه الفرس يصعد البر ويرعى الزرع وربما قتل الانسان وغيره
( فهد ) حيوان شرس الأخلاق قال أرسطو هو متولد من الأسد والنمر في طبعه مشابهة بطيع الكلب ونومه ثقيل وفي طبعه الحنو على أنثاه وقيل أول من صاد به كليب بن وائل وأول من حمله على الخيل يزيد بن معاوية وأكثر من اشتهر باللعب به أبو مسلم الخراساني
( فيل ) حيوان يوجد بأرض الهند وكنيته أبو الحجاج والأنثى أم سبل وهو ينزو على أثاه إذا بلغ من العمر خمس سنين وتحمل أنثاه سنتين ثم تضع ولا يقربها الذكر في مدة حملها ولا بعده بثلاث سنين ولا يلقح إلاببلاده وإذا أردات الوضع دخلت النهر لأن رجليها لا ينثنيان فتخاف عليه والذكر يحرسها خوفا على ولده من الحيات فإنها تأكله وهو عند شدة غلمته كالجمل ويهيج في زمن الربيع وزعم أهل الهند أن لسانه مقلوب ولولا ذلك لكان يتكلم لشدة ذكائه وقيل إن ثدييه في صدره كالإنسان وهو أضخم الحيوان

وأعظمه جرما وما ظنك بخلق ربما كان نابه أكثر من ثلاثمائة سن وهو مع ذلك أملح وأظرف من كل نحيف الجسم رشيق وربما مر الفيل مع عظم بدنه خلف القاعدة فلا يشعر برجله ولا يحس بمروره لخفة همسه واحتمال بعض جسده لبعض وأهل الهند يزعمون أن أنياب الفيل وقرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقان وخرطوم أنفه ويده وبه يتناول الطعام إلى جوفه وبه يقاتل وبه يصيح وصياحه ليس في مقدار جرمه وقيل أن الفيل جيد السباحة وإذا سبح رفع خرطومه كما يغيب الجاموس جميع بدنه إلا منخريه ويقوم خرطومه مقام عنقه والخرق الذي في خرطومه لا ينفذ وإنما هو وعاء إذا ملأه من طعام أو ماء أولجه في فيه لأنه قصير العنق لا ينال ماء ولا مرعى وأهل الهند تجعله في القتال وهو أيضا يقاتل مع جنسه فمن غلب دخلوا تحت أمره وقيل جعل الله في طبع الفيل الهرب من السنور
حكي عن هارون مولى الأزد أنه خبأ معه هرا ومضى بسيف إلى الفيل فلما دنا منه رمى بالهر في جهه فأدبر هاربا وكبر المسلمون وظنوا أنه هرب منه قال أبو الشمقمق
( يا قوم إني رأيت الفيل بعدكم ... تبارك الله لي في رؤية الفيل )
( رأيت بيتا له شيء يحركه ... فكدت أفعل شيئا في السراويل ) وقيل إذا اغتم الفيل لم يكن لسواسه هم إلا الهرب بأنفسهم ويتركونه ومن عجيب أمره أن سوطه الذي به يحث ويضرب محجن حديد أحد طرفيه في جبهته والآخر في يد راكبه فإذا أراد شيئا غمزه به في لحمه وأول شيء يؤدبون به الفيل يعلمونه السجود للملك
قيل خرج كسرى أبرويز لبعض الأعياد وقد صفوا له ألف فيل وأحدق به ثلاثون ألف فارس فلما رأته الفيلة سجدت له فما رفعت رؤوسها حتى جذبت بالمحاجن وراضتها الفيالون وتزعم أهل الهند أن

جبهة الفيل تعرق كل عام عرقا غليظا سائلا أطيب من رائحة المسك ولا يعرض ذلك العرق إلا في بلادها الخاصة وإن عظام الفيل كلها عاج إلا أن جوهر نابه أكرم وأثمن ولولا شرف العاج وقدره لما فخر الأحنف ابن قيس على أهل الكوفة في قوله نحن أكثر منكم عاجا وساجا وديباجا وخراجا وقيل أن الفيلة لا تتسافد في غير بلادها
فائدة من قرأ سورة الفيل ألف مرة في كل يوم عشرة أيام متوالية ثم جلس على ماء جار وقال اللهم أنت الحاضر المحيط بمكنونات الضمائر اللهم عز الظالم وقل الناصر وأنت المطلع العالم اللهم إن فلانا ظلمني وأساءني ولا يشهد بذلك غيرك انت مالكه فأهلكه اله سربله سربال الهوان وقمصه قميص الردى اللهم اقصفه ست مرات اللهم اخفضه مرتين فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق فإن الله يستجيب له ما لم يكن ظالما
الخواص جلده إذا بخر به بيت هرب بقه وإذا سقي إنسان من وسخ أذنه نام نومة طويلة وإذا علق من نابه شيء على شجرة لم تثمر وإذا عمل من جلده ترس يكون أصلب من كل ترس
( حرف القاف ) ( قاقم ) دويبة تشبه السنجاب إلا أنه أبرد منه مزاجا وهو أبيض يقق وجلده أعز قيمة من السنجاب
( قاوند ) طير يكون بساحل البحر يبيض في الرمل ويحضن بيضه سبعة أيام ثم تخرج افراخه بعد ذلك فيزقها بعد سبعة أيام ويقال ما يمسك الله البحر في هيجانه عن أن يفيض على الساحل إلا إكراما له لأنه يقال أنه يبر والديه
خواصه أنه يقيم المقعد ويحلل البلاغم المزمنة وينفع الأمراض الباردة وأوجاع الأعصاب
( قرد ) حيوان معروف وكنيته ابو خالد وغير ذلك وهو قبيح المنظر ملح الذكاء سريع الفهم يتعلم الصنائع قيل إنه أهدي للمتوكل قرد خياط وآخر صائغ

وأهل اليمن يعلمون القرد البيع والجلوس في الدكاكين حتى قيل إنه يخرز النعل ويصر القرطاس وهو ذو غيرة وعنده لواط حتى قيل إنه يعدو خلف المليح من شدة المحبة والتفت ابن الرومي يوما إلى أبي الحسن الأخفش وهو يحاكي القرد فقال
( هنيئا يا أبا الحسن المفدى ... بلغت من الفضائل كل غاية )
( شركت القرد في قبح وسخف ... وما قصرت عنه في الحكاية )
( قنفذ ) بالذال المعجمة وكنيته أبو سفيان ومن عجيب أمره أنه يصعد الكرم فيرمي العنقود ثم ينزل فيأكل منه ما أطاق فإن كان له أفراخ تمرغ في الباقي فيتعلق بشوكه فيذهب به إلى أولاده وهو مولع بأكل الأفاعي فإذا لدغته لا يؤثر فيه سمها لدفع ذلك بشوكه وإذا تأذى منها ذهب فأكل السعتر البري فيزول أذاها وهو الحيوان الذي يسفد مباطنة كالرجل وله خمسة أرجل
( حرف الكاف ) ( كركند ) حيوان يوجد ببلاد الهند والنوبة وهو دون الجاموس وله قرن واحد عظيم لا يستطيع رفع رأسه منه لثقله وهو مصمت قوي يقاتل به الفيل فيغلبه ولا تعمل ناباه شيئا معه وعرض قرنه شبران وليس بطويل جدا وهو محدد الرأس شديد الملامسة وإذا نشر قرنه ظهرت في معاطفه صور عجيبة كالطواويس والغزلان وأنواع الطير والشجر وبني آدم ولذلك يتخذ منه صفائح الأسرة والناطق للملوك ويتغالون في ثمنها بحيث تبلغ المنطقة اربعة آلاف أو اكثر والأنثى تحمل ثلاث سنين ويخرج ولدها نابت الأسنان والقرون قوي الحافر ويقال إنها إذا قاربت الوضع أخرج الولد رأسه من بطنها وصار يرعى أطراف الشجر فإذا شبع أدخل رأسه في بطن أمه ويزعم أهل الهند أنه إذا كان ببلاد لم يدع فيها من الحيوان شيئا حتى يكون بينها وبينه مائة فرسخ من جميع الجهات هيبة له وهربا منه ويسمى الحمار الهندي وهو شديد العداوة للإنسان يتبعه إذا سمع صوته فيقتله ولا يأكل منه شيئا

( كروان ) طير معروف لا ينام غالب الليل خصوصا في القمر وعنده ذكاء قيل إنه يتكلم بجميع ما يبصره ولا يحتمل المغابنة
( كركي ) طير محبوب للملوك وله مشتى ومصيف فمشتاه بأرض مصر ومصيفه بأرض العراق وهو من الحيوان الرئيس قيل إذا نزل بمكان اجتمع حلقه ونام وقام عليه واحد يحرسه وهو يصوت تصويتا لطيفا حتى يفهم أنه يقظان فإذا تمت نوبته أيقظ غيره لنوبته قال القزويني وإذا مشى وطئ الأرض بأحدى رجليه وبالأخرى قليلا خوفا من أن يحس به وإذا طار سار سطرا يقدمه واحد كهيئة الدليل ثم تتبعه البقية
( كلب ) معروف وهو نوعان أهلي وسلوقي وهذان النوعان سواء إلا أن أنثى السلوقي أسرع في التعلم من ذكره وهذا الحيوان حليم وعنده رياضة وفي طبعه إكرام الأجلاء من الناس
وحكي أن رجلا عزم جماعة فتخلف شخص منهم في منزله ودخل على زوجة صاحب المنزل فضاجعها فوثب الكلب عليهما فقتلهما فرجع صاحب المنزل فوجدهما قتيلين فأنشد يقول
( وما زال ذمتي ويحوطني ... ويحفظ عهدي والخليل يخون )
( فواعجبا للخل يهتك حرمتي ... وواعجبا للكلب كيف يصون ) وحكى أبو عبيدة قال خرج رجل إلى الجبانة ومعه أخوه وجاره لينظروا إلى الناس فتبعه كلب له فضربه ورماه بحجر فلم ينته ولم يرجع فلما قعد ربض الكلب بين يديه فجاء عدو له في طلبه فلما رآه خاف على نفسه فإذا بئر هناك قريبة القعر فنزل فيها وأمر أخاه وجاره أن يهيلا عليه التراب ثم ذهب أخوه وجاره إلى سبيلهما وصار الكلب ينبح حوله فلما انصرف العدو أتاه الكلب فما زال يبحث في التراب إلى أن كشفه عن رأسه فتنفس الرجل ومر به أناس فتناولوه وردوه إلى أهله فلما تمات ذلك الكلب عمل له قبرا ودفنه فيه وجعل عليه قبة وسمى ذلك قبر الكلب وفي ذلك قيل
( تفرق عنه جاره وشقيقه ... وما حاد عنه كلبه وهو ضاربه )

ومن ذلك ما حكي أن رجلا قتل ودفن وكان معه كلب فصار يأتي كل يوم إلى الموضع الذي دفن فيه وينبح وينبش ويتعلق برجل هناك فقال الناس إن لهذا الكلب شأنا فكشفوا عن ذلك وحفروا ذلك الموضع فوجدوا قتيلا فقبضوا على ذلك الرجل الذي ينبح عليه الكلب وضربون فأقر بقتله فقتل وهو من الحيوان الذي يعرف الحسنة وقيل أن الأنثى تحيض في كل شهر سبعة أيام وأكثر ما تضع إثنا عشر جروا وذلك في النادر والغالب خمسة أو ستة وربما ولدت واحدا ويعيش الكلب في الغالب عشر سنين وربما بلغ عشرين سنة ووصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد فأرسل من جاء به إليه فجوع أسدا وأطلقه عليه فتهارشا وتواثبا حتى وقعا ميتين وقيل كلب الصياد يشبه به الفقير المجاور للغني لأنه يرى من نعمته وبؤس نفسه ما يفتت كبده وقيل لرجل ما بال الكلب يرفع رجله إذ بال ؟ قال يخاف أن يلوث ذراعيه قيل أو للكلب ذراعان ؟ قال هو يتوهم ذلك
فائدة حكي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه سمع شخصا من وراء النهر يروي أحاديث مثلثة فسار إليه ودخل عليه فوجده يطعم كلبا وهو مشتغل به قال الامام أحمد فأخذت في نفسي وأضمرت أن أرجع إذا لم يلتفت الرجل إلي ثم قال حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال " من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامه فلم يلج الجنة وإن أرضنا هذه ليست بأرض كلاب وقد قصدني هذا الكلب فخشيت أن أقطع رجاءه " قال فقال الإمام أحمد رحمه الله هذا الحديث يكفيني ثم رجع قافلا إلى أهله فائدة اخرى قال الترمذي لما هبط الله تعالى آدم إلى الأرض سلط عليه إبليس السباع وكان أشدها الكلب قال فنزل عليه جبريل عليه السلام وأمره أن يضع يده عليه ففعل واطمأن إليه وألفه وصار يحرسه وبقيت الألفة فيه لأولاده إلى يوم القيامة وقيل أن أول من اتخذ الكلب بعد آدم نوح عليهما الصلاة والسلام وذلك لأن

قومه كانوا يعمدون بالليل فيفسدون ما صنعه في السفينة بالنهار فأمره الله أن يتخذ كلبا حارسا ففعل قال فكان الكلب إذا أتاه مفسد قام عليه فيتيقظ نوح عليه الصلاة و السلام فيدفعه
فائدة أخرى قيل كان كلب أهل الكهف أسمر واسمه قطمير وقيل أصفر وقيل خلنجي اللون وليس في الحيوان ما يدخل الجنة إلا هو وكبش إسماعيل وناقة صالح وحمار العزيز وبراق النبي فائدة أخرى إذا نبح عليك كلب وخفت منه فاقرأ ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وقل بعد ذلك لا إله إلا الله فإنك تكفاه
( حرف اللام ) ( لغلغ ) طير معروف قيل إنه من طيور الفواخت ويأتي إلى أرض مصر في أيام الشتاء فيأكل ما قسم الله له من الرزق ويأكل منه من له فيه رزق ثم يرحل إلى بلاده
( حرف الميم ) ( مالك الحزين ) طير يوجد بالضحضاح غذاؤه السمك وسمي بذلك لأنه قيل أنه لا يشرب حتى يروى خوفا من أن ينقص الماء وإذا نشف الضحضاح حزن لأنه لا يستطيع العوم ونظيره دويبة بأرض فارس معروفة عندهم يقال إن غذاءها التراب فإذا أكلت لا تشبع خوفا من أن يفرغ
( حرف النون ) ( نمل ) قال عليه الصلاة و السلام إلا تنظرون إلى صغير من خلق الله كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد

تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على الأرض وسعت في مناكبها وطلبت رزقها تنقل الحبة إلى جحرها تجمع في حرمها لبردها في وردها لصدرها لا يغفل عنها المنان ولا يحرمها الديان ولو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا وللقيت من وصفها تعبا فتعالى الذي اقامها على قوائهما وبناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر ولم يعنه على خلقها قادر لا إله إلا هو ولا معبود سواه وقيل إذا خافت على حبها أن يعفن أخرجته إلى ظهر الأرض ليجف وقيل إنها تفلق الحبة نصفين خوفا من أن تنبت فتفسد إلا الكزبرة فإنها تفلقها أربعا لأنها من دون الحب ينبت نصفها وليس كل أرباب الفلاحة يعرف هذا فسبحان من ألهمها ذلك وقيل إنها تشم رائحة الشيء من بعيد ولو وضعته على أنفك لم تجد له رائحة وإذا عجزت عن حمل شيء استعانت برفقتها فيحملونه جميعا إلى باب جحرها وقيل إذا انفتح باب قرية النمل فجعلت فيه زرنيخا أو كبريتا هجرتها والله أعلم ( نحل ) حيوان ليس له نظر في العواقب وله معرفة بفصول السنة وأوقاتها وأوقات المطر وفي طبعه الطاعة لأميره والانقياد له ومن شأنه في تدبير معاشه أنه يبني له بيتا من الشمع شكلا مسدسا لا يوجد فيه اختلاف كالقطعة الواحدة إذا طار ارتفع في الهواء وحط على الأماكن النظيفة وأكل نوار الزهر والأشاء الحلوة وشرب من الماء الصافي وأتى فأخرج ذلك فأول ما يخرج الشمع ليكون كالوعاء ثم العسل وقيل إنه يقسم الأعمال فبعضه يعمل البيوت وبعضه يعمل الشمع وبعضه يعمل العسل وفي طبعه النظافة فيجعل رجيعه خارج الخلية وما مات منه أخرجه ورماه وعند الطرب فيحب الأصوات اللذيذة وله آفات تقطعه كالظلمة والغيم والريح والمطر والدخان والنار وكذلك المؤمن له آفات تقطعه منها ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام ونار الهوى
فائدة قيل مرض شخص فقال أئتوني بماء وعسل فأتوه

بذلك فخلط الجميع وشربه فشفي وروي أن شخصا شكا النبي بطن أخيه فأمره بشرب العسل فشربه ثم جاء ثانيا فأمره بشربه ثم جاء في الثالثة فقال يا رسول الله إن بطنه لم يزل فقال رسول الله إن بطنه لم يزل فقال رسول الله " صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه الثالثة فشفي "
نادرة قيل إن بعضهم حضر مجلس المنصور فقال بعض الحاضرين المراد من قوله تعالى ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) أهل البيت فإنهم النحل والشراب القرآن فقال له بعض من حضره من اللطفاء جعل الله طعامك وشرابك ما يخرج من بطون بني هاشم فضحك الحاضرون عليه وأبهته
الخواص إذا خلط العسل الخالص بمسك خالص واكتحل به نفع من نزول الماء في العين والتلطخ به يقتل القمل ولعقه علاج لعضة الكلب والمطبوخ منه نافع للمسموم
( نسر ) هو سيد الطيور ويعمر طويلا قيل أنه يعيش ألف سنة وله قوة على الطيران حتى قيل أنه يقطع من المشرق إلى المغرب في يوم وجثته عظيمة حتى قيل أنه يحمل أولاد الفيلة وله قوة حاسة الشم حتى قيل أنه يشم رائح الجيفة من مسيرة أربعمائة فرسخ وإذا سقط على جيفة تباعدت عنها الطيور هيبة له حتى يفرغ من الأكل وعنده شره قيل أنه ياكل حتى يضعف عن الحركة بحيث أن أضعف الناس لو أراد إمساكه في تلك الحالة أمسكه وإذا باض ذهب وأتى بورق الدلب فجعله في عشه خوفا من الخفاش أن يفسد بيضه وهو لا يحضن البيض وإنما يبيض في الأماكن العالية ويبقيه في الشمس فتكون حرارتها بمنزلة الحضن ومن طبعه أنه لو شم الطيب مات وعنده الحزن على فراق إلفه حتى قيل إنه ليموت كمدا ويقال للأنثى منه أم قشعم وفي الحديث " أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد لكل شيء سيد فسيد البشر آدم وسيد ولد آدم أنت وسيد الروم صهيب وسيد فارس سلمان وسيد الحبش بلال وسيد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8