كتاب : المستطرف في كل فن مستظرف
المؤلف : شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي

الطيور النسر وسيد الشهور رمضان وسيد الأيام الجمعة وسيد الكلام العربي وسيد العربي القرآن وسيد القرآن سورة البقرة
الخواص إذا أخذ قلب النسر وجعل في جلد الذئب وعلق على شخص كان مهابا عند الناس مقضي الحاجة وإذا عسر على المرأة الوضع جعل تحتها من ريشه يسهل وضعها
( نعام ) يذكر ويؤنث وتسمى الأنثى بأم البيض والذكر بالظليم ومن عجيب أمرها أنها تبيض بيضا طوالا متساوية القدر وتجعلها أثلاثا للحضن وثلثا تأكله في حضنها وثلثا تكسره وتفتحه فيتعفن ويدود فيكون منه غذاء أولادها وعندها الحمق أنها تخرج من حضنها فتجد
بيض غيرها فتحضنه وتترك بيض نفسها
فائدة روى كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى لما خلق القمح وأنزله على آدم كان على قدر بيض النعام وقال له هذا رزقك ورزق أولادك قم فاحرث وازرع قال ولم يزل الحب على ذلك مدة ثم نزل إلى بيض الدجاجة ثم الحمامة ثم النبق وكان في زمن العزيز على قدر الحمص وقيل كل حيوان إذا كسرت رجله مشى بالأخرى إلا النعام فإنه يبرك إلى أن يموت وخلق الله تعالى له قوة الشم البليغ حتى قيل أنه يشم رائحة القناص من مسيرة نصف ميل وهي لا تشرب الماء كالضب ويقال إن القناص إذا أدركها أدخلت رأسها في شيء له شعب أو حجر تظن أنها قد استترت منه ولها معدة قوية تقطع الحديد والصوان والجمر وفي طبعها الأذى يقال أنها تخطف الحلق من أذن الصغير وقيل أن الذئب لا يتعرض لبيض النعام وأفراخه ما دام الأبوان حاضرين لأنهما إذا راياه ركضه الذكر إلى أن يسلمه إلى الأنثى فتركضه إلى أن تسلمه إلى الذكر ولا يزالان به حتى يقتلاه أو يعجزهما هربا وقيل أشد ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح وتقول العرب صنفان من الحيوان لأصمان ا يسمعان النعام والأفاعي وسأل أبو عمرو الشيباني بعض العرب عن الظليم هل يسمع فقال يعرف بعينيه وأنفه ولا يحتاج معهما إلى سمع
( نمير ) حيوان أغبر وكنيته أبو الصعب وهو صنفان صنف عظيم الجثة صغير الذنب والآخر بالعكس قال

الجاحظ وهو يحب الشراب وعنده شراسة في خلقه ويقال أن أنثاه لا تدع ولدها إلا مطوقا بحية ولا يضرها نهشها وذلك لأجل الصياد حتى لا يظفر به وإذا مرض أكل الفأر فيبرأ وفي طبعه عداوة الأسد وعنده شرف في نفسه يقال أنه لا يأكل جيفة ولا يأكل من صيد غيره ولا يملك نفسه عند الغضب وأدنى وثبته عشرون ذراعا وأكثرها أربعون الخواص من حمل من جلده شيئا صار مهابا عند الناس ومن كان به بواسير فجلس على جلده زالت بواسيره
( حرف الهاء ) ( هدهد ) طير معروف وهو من رسل سليمان عليه الصلاة و السلام وعنده حدة البصر حتى قيل أنه يرى الماء تحت الأرض وسب غيابه عن خدمة سليمان عليه الصلاة و السلام حين سأل عنه ولم يجده هو أن هدهدا من سبأ أخبره أن عرش بلقيس صفته كذا وكذا فذهب لينظره فدخلت الشمس من مكانه فرآها سليمان عليه الصلاة و السلام فتفقده وطلبه فلما حضر قال يا نبي الله إني رأيت كيت وكيت وقص عليه القصة ويقال أنه قال لسيمان عليه الصلاة و السلام لما أراد تعذيبه يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فارتعد سليمان من هذا الكلام وأطلقه
الخواص إذا بخر البيت بريشه طرد الهوام عنه وعينه إذا علقت على صاحب النسيان ذكر ما نسيه وريشه إذا حمله إنسان وخاصم غلب خصمه وقضيت حاجته وظفر بما يريد ولحمه إذا اكل مطبوخا نفع من القولنج وإن بخر بمخه برج حمام لم يقربه شيء يؤذيه ومن علق عليه لحيه الأسفل أحبه الناس والله سبحانه وتعالى أعلم
( حرف الواو ) ( ورشان ) طير يتولد بين الحمام والفاختة وهو حسن شديد الحنو يقال إنه يكاد يقتل نفسه إذا أمسك القناص أولاده من شدة حنوه وقال

بعضهم أنه يقول في صياحه لدوا للموت وابنوا للخراب والهدهد إذا نزل القضاء عمي البصر والفاختة تقول ليت هذا الخلق ما خلقوا وليتهم إذا خلقوا علموا لماذا خلقوا وليتهم عملوا لما علموا والخطاف يقول قدموا خيرا تجدوه عند ربكم والحمامة تقول سبحان ربي الأعلى والبازي يقول سبحان ربي وبحمده والسرطان يقول سبحان المذكور بكل لسان والدراج يقول الرحمن على العرش استوى والعقاب يقول البعد عن الناس رحمة ومن الطيور من يقرأ الفاتحة كالدرة ويمد صوته في الضالين كالقارئ
( حرف الياء ) ( يأجوج ومأجوج ) سموا بذلك لكثرتهم وقيل بل هو اسم أعجمي غير مشتق قال مقاتل وهو ولد يافث بن نوح عليه الصلاة و السلام وقول من قال إن آدم نام فاحتلم فالتصق منيه بالتراب فتولد منه هذا الحيوان مردود بعدم احتلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي الحديث " يأجوج ومأجوج أمة عظيمة لا يموت أحدهم حتى يرى من صلبه ألف نسمة " انتهى وهم أصناف منهم منا طوله عشرون ذراعا وما طوله ذراع وأقل وأكثر وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن لهم مخالب الطير وأنياب السباع وتداعي الحمام وتسافد البهائم ولهم شعور تقيهم الحر والبرد وإذا مشوا في الأرض كان أولهم بالشام وآخرهم بخراسان يشربون مياه المشرق إلى بحيرة طبرية ويمنعهم الله تعالى من دخول مكة والمدينة وبيت المقدس ويأكلون كل شيء يمرون به ومن مات منهم اكلوه ويقال أن صنفا منهم له أذنان إحداهما صلدة والأخرى وبرة فهو يلتحف باحداهما ويفترش الأخرى وفي الحديث أنه عليه الصلاة و السلام سئل هل بلغتهم الدعوة ؟ فقال عليه الصلاة و السلام دعوتهم ليلة أسري بي فلم يجيبوا فهم خلق النار وفي الحديث أيضا إن الله عز و جل إذا كان يوم القيامة قال يا آدم أرسل بعث النار فيقول يارب وما بعث النار ؟ فيقول الله تعالى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون للنار وواحدة للجنة قال فاشتد الأمر

على المسلمين فقال رسول الله أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم واحدا وفي الحديث أن رجلا جاء إلى النبي فأخبره بالردم فقال صفه فقال يا رسول الله انطلقت إلى أرض ليس لأهلها إلا الحديد يعلمونه فدخلت في بيت فلما كان وقت الغروب سمعت ضجة عظيمة أفزعتني فارتعدت منها قال فقال صاحب البيت لا بأس عليك إن هذه الضجة أصوات قوم يذهبون هذه الساعة من خلف هذا الردم أتريد أن تنظر إليه فإذا لبنه مثل الصخرة ومساميره مثل جذوع النخل كله من حديد كأنه البرد المخبر فقال رسول الله من سره أن ينظر إلى من رأى الردم فلينظر هذا الرجل قال المفسرون وهذا هو السد الذي بناه ذو القرنين وهذه الأمة خلفه تطلب المجيء إلى هذه الجهة تنقبه كل يوم فيعيره الله كما كان إلى أن يقضي الله أمره ثم يسلط الله عليهم بعد ذلك دورا يطلع في حلاقيمهم فيهلكهم الله به والأخبار في ذلك كثيرة
( جمور ) دابة وحشية لها قرنان طويلان كأنهما منشاران تنشر بهما الشجر وقيل هو كالأيل يلقي قرنيه في كل سنة وهما صامتان وقال الجوهري هو الحمار الوحشي
نادرة قيل ترافق رجلان في طريق فلما قربا من مدينة من المدن قال أحدهما للآخر قد صار لي عليك حق وإني رجل من الجان ولي إليك حاجة قال وما هي ؟ قال إذا وصلت إلى المكان الفلاني من هذه المدينة فهناك عجوز عندها ديك فاشتره منها واذبحه فقال له الآخر وأنا أيضا لي إليك حاجة قال وما هي ؟ قال إذا ركب الجني إنسانا ما يعمل له قال تشد بهاميه بسير من جلد اليحمور وتقطر في أذنيه من ماء السذاب في اليمنى أربعا وفي اليسرى ثلاثا فإن الراكب له يموت تفرقا ودخل الأنسي ففعل ما أمره به الجني من شراء الديك وذبحه فلم يشعر بعد أيام إلا وقد أحاط به أهل صبية من تلك البلدة وقالوا له أنت ساحر ومن حين ذبحت الديك سلبت من صبية عندنا عقلها فلا نفلتك إلا إلى صاحب المدينة قال ائتوني بسير من جلد اليحمور وقليل من ماء السذاب ودخلت على الصبية فشددت وقطرت

ماء السذاب في أذنيها فسمعت صوتا يقول آه علمتك على نفسي ثم مات ساعته وشفي الله تلك الشابة
فصل في خواص الطير والحيوان على الاجمال
الضب والخنزير لا يلقيان شيئا من أسنانهما أبدا وكل حيوان يعوم بالطبع الانسان والقرد وكل ذي عين فإن أهداب عينه في الجهة العليا فقط إلا الانسان من الجهتين والفرس لا طحال له والبعير لا مرارة له والظليم لا مخ لعظمه والحيات لا ألسنة لها والسمكة لا رئة لها لأنها تتنفس من كبدها وكل حيوان لا حافر له فله قرن وما لا قرن له فله حافر والحيوان المتهم باللواك القرد والخنزير والحمار والسنور والعيون التي تضيء بالليل عين الأسد والنمر والأفعى والسنور والذي يدخر القوت من الحيوان الانسان والفأر والغراب والنحل والنمل والذي يحيض من الحيوان الإنسان والفرس والكلب والأرنب والضبع والخفاش ويقال أيضا الرعاد من السمك فتبارك الله أحسن الخالقين وهذا آخر ما قصدت إيراده في هذا الباب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

الباب الثالث والستون في ذكر نبذة من عجائب المخلوقات وصفاتهم
ذكر المسعودي في كتابه عن بعض العلماء أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأرض قبل آدم ثمانيا وعشرين أمة على خلق مختلفة وهي أنواع منها ذوات أجنحة وكلامهم قرقعة ومنها ما له أبدان كالأسود ورؤوس كالطير ولهم شعور وأذناب وكلامهم دوي ومنها ما له وجهان واحد من قبله والآخر من خلفه وأرجل كثيرة ومنها يشبه نصف الانسان بيد ورجل وكلامهم مثل صياح الغرانيق ومنها ما وجهه كالآدمي وظهره كالسلحفاة وفي رأسه قرن وكلامهم مثال عوي الكلاب ومنها ما له شعر أبيض وذنب كالبقر ومنها ما له أنياب بارزة كالخناجر وآذان طوال ويقال إن هذه الأمم تناكحت وتناسلت حتى صارت مائة وعشرين أمة ولم يخلق الله تعالى أفضل ولا أحسن ولا أجمل من الإنسان وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلق الله تعالى ألف أمة وعشرين أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة وعشرون في البر وفي الإنسان من كل خلق فلذلك سخر الله له جميع الخلق واستجمعت له جميع اللذات وعمل بيده جميع الآلات وله النطق والضحك والبكاء والفكرة والفطنة واختراعات الأشياء واستنباط جميع العلوم واستخراج المعادن وعليه وقع الأمر والنهي والوعد والوعيد والنعيم والعذاب وإياه خاطب وله قرب وخلق الله تعالى إسرافيل عليه السلام على صورة الانسان وهو أقرب الملائكة إليه وفي الحديث " لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل " وآيات الله تعالى في

أكثر من أن تحصر ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) وقال الشيخ عبد الله صاحب كتاب تحفة الألباب دخلت إلى باشقرد فرأيت قبور عاد فوجدت سن أحدهم طوله أربعة أشبار وعرضه شبران وكان عندي في باشقرد نصف ثنية أخرجت لي من فك أحدهم الأسفل فكان نصف الثنية شبرين ووزنها ألف ومائة مثقال وكان دور فك ذلك العادي سبعة عشر ذراعا وطول عظم عضد أحدهم ثمانية أذرع وعرض كل ضلع من أضلاعهم ثلاثة أشبار كلوح الرخام قال ولقد رأيت في بلغار سنة ثلاثين وخمسمائة من نسل عاد رجلا طويلا طوله أكثر من سبعة وعشرين ذراعا كان يسمى دنقي أو ديقي وكان يأخذ الفرس تحت إبطه كما يأخذ الولد الصغير وكان من قوته يكسر بيده ساق الفرس ويقطع جلده وأعضاءه كما يقع باقة البقل وكان صاحب بلغار قد اتخذ له درعا تحمل على عجلة وبيضة عادية لرأسه كأنها قطعة من جبل وكان يأخذ في يده شجرة من البلوط كالعصا لو ضرب بها الفيل لقتله وكان خيرا متواضعا كان إذا لقيني يسلم علي ويرحب بي ويكرمني وكان رأسي لا يصل إلى ركبتيه رحمه الله تعالى عليه ولم ين في بلغار حمام يمكنه دخولها إلا حمام واحدة وكانت له أخت على طوله ورأيتها مرات في بلغار وقال لي قاضي بلغار يعقوب ابن النعمان إن هذه المرأة العادية قتلت زوجها وكان اسمه آدم وكان أقوى أهل بلغار قيل إنها ضمته إليها فكسرت أضلاعه فمات من ساعته
وروي عن وهب بن منبه في عوج بن عنق أنه كان من أحسن الناس وأجملهم إلا أنه كان لا يوصف طوله قيل إنه كان يخوض في الطوفان فلم يبلغ ركبتيه ويقال إن الطوفان علا على رؤوس الجبال أربعين ذراعا وكان يجتاز بالمدينة فيتخطاها كما يتخطى أحدكم الجدول الصغير وعمره الله دهرا طويلا حتى أدرك موسى عليه السلام وكان جبارا في أفعاله يسير في الأرض برا وبحرا ويفسد ما شاء ويقال

إنه لما حصر بنو إسرائيل في التيه ذهب فأتى بقطعة من جبل على قدرهم واحتملها على رأسه ليلقيها عليهم فبعث الله طيرا في منقاره حجر مدور فوضعه على الحجر الذي على رأسه فانثقب من وسطه وانخرق في عنقه وأخبر الله عز و جل نبيه موسى عليه الصلاة و السلام بذلك فخرج إليه وضربه بعصا فقتله ويقال إن موسى عليه الصلاة و السلام كان طوله عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع وقفز في الهواء عشرة أذرع وضربه فلم يصل إلى عرقوبه فتبارك الله أحسن الخالقين ومن ذلك ما قيل عن أمه عنق بنت آدم عليه الصلاة و السلام وكانت مفردة بغير أخ وكانت مشوهة الخلقة لها رأسان وفي كل يد عشرة أصابع ولكل أصبع ظفران كالمنجلين وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هي أول من بغى في الأرض وعمل الفجور وجاهر بالمعاصي واستخدم الشياطين وصرفهم في وجوه السحر وكان قد أنزل الله على آدم عليه الصلاة و السلام أسماء عظيمة تطيعه الشياطين بها وأمره أن يدفعها إلى حواء لتحترز بها فغافلتها عنق وسرقتها واستخدمت بها الشياطين وتكلمت بشيء من الكهانة فدعا عليها آدم وأمنت على ذلك حواء فأرسل الله عليه أسدا أعظم من الفيل فهجم عليها وقتلها وذلك بعد ولادتها عوجا بسنتين
ومن ذلك ما حكي عن بعض فقهاء الموصل أنه شاهد ببلاده الأكراد المحمدية في جبل من جبال المصل إنسانا طوله تسعة أذرع وهو صبي لم يبلغ وكان يأخذ بيده الرجل القوي ويرميه خلف ظهره فأراد صاحب الموصل استخدامه فقيل له في عقله خبل فتركه
وروي عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال دخلت بلدة اليمن فرأيت بها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن واحد ومن وسطه إلى أعلاه بدنان مفترقان برأسين ووجهين وأربع أيد وهما يأكلان ويشربان ويتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان قال ثم غبت عنهما قليلا ورجعت فقيل لي أحسن الله عزاءك في أحد الشقين فقلت وكيف

صنع به ؟ فقيل ربط في أسفله حبل وثيق وترك حتى ذبل ثم قطع ورأيت الجسد الآخرب بالسوق ذاهبا وراجعا
ومنه ما أرسله بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة وهو رجلان في جسد واحد فأحضر الأطباء وسألهم عن انفصال أحدهما عن الآخر فسألوهما هل تجوعان معا وتعطشان معا ؟ قال نعم فقالوا له لا يمكن فصلهما ويقال إنه أحضر أباهما فسأله عن حالهما فأخبر أنهما يختصمان في بعض الأحيان وأنه يصلح بينهما ومن ذلك ما ذكر أنه أهدي إلى أبي منصور الساماني فرس له قرنان وثعلب له جناحان إذا قرب منه إنسان نشرهما وإذا بعد ألصقهما وذكر القاضي عياض رحمة الله تعالى عليه أنه ولد له مولود على حد جنبيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله وهذا لا يبعد فإنه يوجد كثيرا في السنور الدبركي وذكر أنه ولد بالقاهرة غلام له أربعة أرجل ومثلها أيد وذكر أنه كان لبعض ولاة مصر مملوك يدعى طقطو فولاه فوض من أعمال الصعيد فتزوج بها وولد له ولد ثم انقلب امرأة فتزوج بها وولدت ولدين وأما كبش بأربعة قرون ودجاجة بأربعة أرجل وحيوان برأسين والمخرج واحد فكثير وعجائب الله تعالى في مصنوعاته غير متناهية فلله الحمد على ما أنعم به علينا لا نحصي ثناء عليه
ومن ذلك إنسان الماء وهو حيوان يشبه الآدمي وفي بعض الأوقات يطلع ببحر الشام شيخ بلحية بيضاء ويستبشر الناس برؤيته في تلك السنة بالخصب
ومن ذلك بنات الماء وهم أمة ببحر الروم يشبهن النساء ذوات شعور وثدي وفروج وهن حسان ولهن كلام لا يفهم وضحك ولعب ولهن رجال من جنسهن ويقال إن الصيادين يصطادونهن ويجامعونهن فيجدون لذة عظيمة لا توجد في غيرهن من النساء ثم يعيدوهن في البحور ثانيا ويقال إن هذا الصنف يوجد بالبرلس ورشيد على ما ذكر

وحكي عن الشيخ أبي العباس الحجازي قال حدثني بعض التجار أنه في سنة من السنين خرجت إليه سمكة عظيمة فنقبوا أذنها وجعلوا فيها الحبال وأخرجوها ففتحت أذنها فخرجت جارية حسناء بيضاء سوداء الشعر حمراء الخدين كحلاء العينين من أحسن ما يكون من النساء ومن صرتها إلى نصف ساقيها شيء كالثوب يستر قبلها ودبرها ودائر عليها كالإزار فأخذها الرجال إلي البر فصارت تلطم وجهها وتنتف شعرها وتعض يدها وتصيح كما تصيح النساء حتى ماتت في أيديهم فألقوها في البحر فتبارك الله أحسن الخالقين
وحكى القزويني عن بعض البحريين أن الريح ألقتهم على جزيرة ذات أشجار وأنهار فأقاموا بهامدة وكانوا إذا جاء الليل يسمعون بها همهمة واصواتا وضحكا ولعبا فخرج من المراكب جماعة وكمنوا في جانب البحر فلما جاء الليل خرج بنات الماء على عادتهن فوثبوا عليهن فأخذوا منهن اثنتين فتزوج بهما شخصان فأما أحدهما فوثق بصاحبته فأطلقها فوثبت في البحر وأما الآخر فبقي مع صاحبته زمانا وهو يحرسها حتى ولدت له ولدا كأنه القمر فلما طاب الهواء وركبوا البحر ووثق بها فأطلقها فأغفلته وألقت نفسها في البحر فتأسف عليها تأسفا عظيما فلما كان بعد أيام ظهرت من البحر ودنت من المراكب وألقت لصاحبها صدفا فيه در وجوهر فباعه وصار من التجار
ونظير هذه الحكاية ما ذكره ابن زولاق في تاريخه أن رجلا من الأندلس من الجزيرة الخضراء صاد جارية منهن حسناء الوجه سوداء الشعر حمراء الخدين نجلاء العينين كأنها البدر ليلة التمام كاملة الأوصاف فأقامت عنده سنين وأحبها حبا شديدا وأولدها ولدا ذكرا وبلغ من العمر أربع سنين ثم إنه أراد السفر فاستصحبها معه ووثق بها فلما توسطت البحر أخذت ولدها وألقت نفسها في البحر فكاد أن يلقي نفسه خلفها حسرة عليها فلم يمكنه أهل المركب من ذلك فلما كان بعد ثلاثة أيام ظهرت له ألفت له صدفا كثيرا فيه در ثم سلمت عليه وتركته

فكان ذلك آخر العهد بها فتبارك الله ما أكثر عجائب خلقه وما لم نشاهده ونسمع به أكثر فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو ولا معبود سواه فالعاقل يعرف الجائز والمستحيل ويعلم أن كل مقدور بالإضافة إلى قدره الله تعالى قليل وإذا سمع عجبا جائزا استحسنه ولم يكذب قائله والجاهل إذا سمع ما لم يشاهده قطع بتكذيب قائله وتزييف ناقله وذلك لقلة عقله وقد وصف الله تعالى الجاهل بعدم العقل بقوله تعالى ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ) وقد أودع الله تعالى من عجائب المصنوعات في الآفاق والسماوات ما يدل عليه قوله تعالى ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) فلا تكن منكر العجائب فكل الأشياء من آياته
( فيا عجبا كيف يعصى الاله ... أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد ) ومن شاهد حجر المغناطيس وجذبه للحديد وكذلك حجر الماس الذي يعجز عن كسره الحديد ويكسره الرصاص ويثقب الياقوت والفولاذ ولا يقدر على ثقب الرصاص يعلم أن الذي أودعه هذا السر قادر على كل شيء فلا تكن مكذبا بما لا تعلم وجه حكمته فإن الله تعالى قال ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) قال صاحب تحفة الألباب إن في بلاد السودان أمة لا رؤوس لهم
وقد ذكرهم الشعبي في كتاب سير الملوك وذكر في بلاد المغرب أمة من ولد آدم كلهم نساء ولا يعيش في أرضهم ذكر وأن هؤلاء النساء يدخلن في ماء عندهم فيحبلن من ذلك وتلد كل امرأة منهن بنتا ولا يلدن ذكرانا أبدا وقيل إن ولد تبع اليماني وصل إليهم لما أراد أن يصل إلى الظلمات التي دخلها ذو القرنين وإن ولد تبع هذا كان إسمه أفريقش وهو الذي

بنى إفريقية وسماها باسمه وأنه وصل إلى وادي السبت وهو واد يجري فيه الرمل كما يجري فيه السيل لا يمكن أن يدخل فيه حيوان إلا هلك فلما رآه استعجل الرجوع وذو القرنين لما وصل إليه أقام إلى يوم السبت فسكن جريانه فعبره إلى أن وصل إلى الظلمات فيما يقال والله سبحانه وتعالى أعلم وتلك الأمة التي لا رؤوس لهم أعينهم في مناكبهم وأفواههم في صدورهم وهم كثيرون كالبهائم يتناسلون ولا مضرة على أحد منهم وأما الملك العظيم والعدد الكثير والنعم الجزيلة والسياسة الحسنة والرخاء والأمن الذي لا خوف معه ففي بلاد الهند وبلاد الصين وأهل الهند أعلم الناس بعلم الطب وعلم النجوم والهندسة والصناعات العجيبة التي لا يقدر أحد سواهم على أمثالها وفي بلادهم وجزائرهم ينبت العود وشجر الكافور وجميع أنواع الطيب كالقرنفل والسنبل والدرصيتي والكبابة والبسباسة وأنواع العقاقير والأدوية وعندهم حيوان المسك وهو حيوان كالغزال يجتمع المسك في سرعته وعندهم حيوان الزباد وهو حيوان كالسنور يخرج منه عرق كالقطران أسود ثخين يسيل من جسده وتزيد رائحته بالتغرب بحيث تكون أذكى من المسك الأذفر ويخرج من بلادهم أنواع اليواقيت وأكثرها في جزيرة سرنديب وعلى جبلها نزل آدم عليه الصلاة و السلام من الجنة فيما يقال
وحكي إنه كان ببابل سبع مدائن كل مدينة فيها أعجوبة كان في إحداها تمثال الأرض فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته وامتنعوا عن القيام بالخراج خرج أنهارها عليهم في التمثال فلا يطيق أهل تلك الناحية سد الماء حتى يعتدلوا وما لم يسد التمثال لا سيد في ذلك البلد وفي الثانية حوض إذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحب من الشراب فصبه ذلك الحوض فاختلطت الأشربة فكل من سقى من ذلك الحوض كان شرابه الذي جاء به وفي الثالثة طبل إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه فإ ن كان حيا سمع له صوت وإن كان ميتا لم يسمع له صوت وفي الرابعة مرآة إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب فيها فأبصروه على أي حالة هو عليها

كأنهم يشاهدونه وفي الخامسة أوزة من نحاس فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتا يسمعه أهل المدينة وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء فيأتي الخصمان فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضيين ويقع المبطل في الماء وفي السابعة شجرة ضخمة لا تطل إلا ساقها فإن جلس تحتها أحد أظلته إلى ألف شخص فإذا أرادوا على الألف واحدا جلسوا في الشمس كلهم ولو بسطت المقال في ذلك لاتسع المجال وقد اقتصرت في ذلك على ما ذكرت والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الرابع والستون في خلق الجان وصفاتهم روي عن الشيخ عبد الله صاحب تحفة الألباب أنه قال قرأت في بعض الكتب المتقدمة المأثورة عن العلماء رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما أراد أن يخلق الجان خلق نار السموم وخلق من مارجها خلقا سماه جانا كما قال الله تعالى ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) وقال الله تعالى في موضع آخر ( وخلق الجان من مارج من نار ) وقيل إن الله تعالى خلق الملائكة من نور النار والجان من لهبها والشياطين من دخانها وقد جاء في بعض الأخبار أن نوعا من الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصلاة و السلام كانوا سكانا في الأرض قد طبقوها برا وبحرا سهلا وجبلا وكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة وكانوا يطيرون الى السماء ويسلمون على الملائكة ويستعلمون منهم خبر ما في السماء وكثرت نعم الله عليهم إلى أن بغوا وطغوا وتركوا وصايا أنبيائهم فأرسل الله تعالى عليهم جندا من الملائكة فحصل بينهم مقتلة عظيمة وغلبوا الجن وطردوهم إلى أطراف البحار وأسروا منهم أمما كثيرة وذكر المسعودي أن الفرس واليونان قالوا كان الجن بالأرض قبائل منهم من يسترق السمع ومنهم من ينط مع لهب النار ومنهم من يطير ولكل قبيلة ملك وكان من جملتهم إبليس لعنه الله ثم بعد خمسة آلاف سنة افترقوا وملكوا عليهم ملوكا وأقاموا على ذلك مدة طويلة ثم تحاسدوا على الملك وأغار بعضهم على بعض

وجرت بينهم وقائع وحروب وكان إبليس لعنه الله يصعد إلى السماء ويختلط بالملائكة فبعثه الله تعالى بجيوش من الملائكة فهزم الجن وقتلهم وتملك الأرض مدة طويلة إلى أن خلق آدم عليه الصلاة و السلام واتفق له معه ما اتفق وأهبط آدم إلى الأرض وعظم شأنه فعند ذلك انتقل إبليس إلى البحر المحيط وسكن هناك ثم ألقى عليه قوة شهوة السفاد فهو لا يلد لكنه يلقح كالطير ويبيض ويفرخ قيل إنه يخرج من كل بيضة ستون ألف شيطان فيسلطهم على الخلق وأقربهم إليه وأدناهم منه ومن مجلسه أكثرهم إيذاء للخلق وفي الحديث أن إبليس لعنه الله قال يا رب أنزلتني إلي الأرض وطردتني وجعلتني رحيما فاجعل لي مسكنا قال مسكنك الأسواق قال فاجعل لي طعاما قال ما لم يذكر اسمي عليه قال فاجعل لي شرابا قال كل مسكر قال فاجعل لي مؤذنا قال المزامير قال فاجعل لي صيدا أو قال مصائد قال النساء
فصل في مكايده لعنه الله
منها أنه كان في بني إسرائيل عابد يدعى برصيصا وله جار له بنت فحصل لها مرض فقال له جيرانه لو حملتها إلى جارك برصيصا ليدعو لها قال فجاء إبليس إلى العابد وقال إن لجارك عليك حق الجوار وإن له بنتا مريضة فما ضرك لو جعلتها عندك في جانب البيت ودعوت الله لها عقب عبادتك فعسى أن تشفى من مرضها قال فلما أتاه جاره بالبنت قال له العابد دعها وانصرف قال فتركها عنده مدة حتى شفيت فجاء له إبليس ووسوس له حتى وطئها فحملت منه فلما حملت جاء له إبليس لعنه الله فقال له اقتلها لئلا تفتضح قال فقتلها ودفنها قال فعند ذلك ذهب الشيطان إلى أهلها وأعلمهم بذلك فجاؤا إلى العابد وكشفوا عن قضيته ثم أخذوه ومضوا ليقتلوه فعارضه إبليس اللعين في الطريق فقال له إن سجدت لي خلصتك منهم

فسجد له فعند ذلك تبرأ منه ومات الرجل كافرا اللهم اعصمنا من مكائد الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين
ومن ذلك ما اتفق أن بني إسرائيل اتخذوا شجرة وصاروا يعبدونها فجاء بعض عبادهم بفأس ليقطعها فعارضه إبليس لعنه الله وقال له تركت عبادتك وجئت لشيء لا يعود عليه نفعه ولم يزل به حتى تقاتل معه فصرعه العابد وجلس على صدره ثم رجع ولم يزل يعمل معه ذلك في كل يوم إلى ثلاثة أيام فلما رآه لا يرجع قال له اترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك وعبادتك وعاهده على ذلك فرجع قال فجعل له تحت وسادته دينارين ثم دينارين ثم دينارين ثم قطع ذلك عنه فأخذا العابد الفأس وذهب إلى قطع الشجرة فعارضه إبليس في الطريق وتحاور معه وتجاذبا فصرعه إبليس وجلس على صدره وقال له إن لم ترجع عن قطعها وإلا ذبحتك فقال له العابد خل عني واخبرني كيف غلبتني فقال له لما غضبت لله غلبتني ولما غبت لنفسك غلبتك
ومنها أشياء كثيرة ليس هذا محل استيفائها قال الله تعالى ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهو لكم عدو بئس للظالمين بدلا )
فصل في المتشيطنه وهم أنواع كثيرة
منها الولهان يوجد في جزائر البحار على صورة الإنسان
حكى بعض المسافرين أنه عرض لمركب وهو راكب على نعامة يريد أخذ المركب وصاح بهم صيحة عظيمة خروا منها على وجوههم

بعض من في المركب ومنها السعلاة يحكى أن صنفا منها يتزيا بزي النساء ويتراءى
للرجال وحكي أن بعضهم تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم فأقامت معه مدة وولدت منه أولادا ذكورا وإناثا فلما كانت ذات ليلة صعدت معه السطح فنظرت فرأت نارا من بعد عند الجبانة فاضطربت وقالت ألم تنر نيران السعالى وتغير لونها وقالت بنوك وبناتك أوصيك بهم خيرا ثم ط ارت ولم تعد إليه ومنها نوع يقال له المذهب يخدم العباد ومقصوده بذلك أن يعجبوا بأنفسهم
وحكي أن بعض العباد نزل صومعة يتعبد فيها فأتاه شخص بسراج وطعام فتعجب العابد من ذلك فقال له شخص بالصومعة إنه المذهب يريد أن يخيل لك أن ذلك من كرامتي والله إني لأعلم أنه شيطان وقال بعض الصوفية المذهب أصناف منهم من يحمل الفانوس بين يدي الشيخ ومنهم من يأتيه بالطعام والشراب وغير ذلك ومنهم من ينشد الشعر
وقال بعض المسافرين أبق لي غلام فخرجت في أثره فإذا أنا بأربعة يتناشدون شعر الفرزدق وجرير قال فدنوت منهم وسلمت عليهم فقالوا ألك حاجة ؟ فقلت لا فقال بعضهم تريد غلامك قلت وما أعلمك بغلامي ؟ قال كعلمي بجهلك قلت أو جاهل أنا ؟ قال نعم وأحمق قال ثم غاب وأتاني بالغلام مقيدا فلما رأيته غشي علي فلما أفقت قال أنفخ في يده ففعلت فانفرج العيد عنه وصرت لا أنفخ في شيء من ذلك ولا في وجع من الأوجاع إلا برئ ووخلص صاحبه ومنها نوع يقال له العفريت يخطف النساء يقال إن رجلا اختطفت ابنته في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وقال بعض المسافرين بينما نحن سائرون ذات ليلة إذا عرض لي قضاء الحاجة فانفردت عن رفقتي وضللت عنهم فبينما أنا سائر في أثرهم إذ رأيت نارا عظيمة وخيمة فجئت إلى جانبها وإذا أنا

بجارية جميلة جالسة فيها فسألتها عن حالها فقالت أنا من فزارة اختطفني عفريت يقال له ظليم وجعلني ههنا فهو يغيب عني بالليل ويأتيني بالنهار فقلت لها امضي معي فقالت أهلك أنا وأنت فإنه يتبعنا ويأتينا فيأخذني ويقتلك فقلت لا يستطيع أخذك ولا قتلي وما زلت أرددها الحديث حتى رضيت فأنخت لها ناقتي فركبتها وسرت بها حتى طلع الفجر فالتفت فإذا أنا بشخص عظيم مهول قد أقبل ورجلاه تخطان في الأرض فقالت ها هو قد أتانا فأنخت ناقتي وخططت حولها خطا وقرأت آيات من القرآن وتعوذت بالله العظيم فتقدم وأنشد يقول
( يا ذا الذي للحين يدعوه القدر ... )
( خل عن الحسناء ثم سر ... )
( وإن تكن ذا خبرة فينا اصطبر ... ) قال فأجبته
( يا ذا الذي للحين يدعوه الحمق ... )
( خل عن الحسناء رسلا وانطلق ... )
( ما أنت في الجن بأول من عشق ... ) قال فتبدى لي في صورة أسد وجاذبني وجاذبته ساعة فلم يظفر أحد منا بصاحبه فلما أيس مني قال هل لك في جز ناصيتي أو إحدى ثلاث خصال ؟ قلت وما هن ؟ قال مائتان من الإبل أو أخدمك أيام حياتي أو ألف دينار الساعة وخل بيني وبين الجارية فقلت لا أبيع ديني بدنياي ولا حاجة لي بخدمتك فاذهب من حيث أتيت فال فانطلق وهو يتكلم بكلام لا أفهمه وسرت بالجارية إلى أهلها وتزودت بها وجاءني منها أولاد

وقيل لما سخر الله تعالى الجن لسليمان عليه الصلاة و السلام نادى جبريل عليه السلام أيها الجن أجيبوا نبي الله سليمان بن داود بإذن الله تعالى قال فخرجت الجن والشياطين من الجبال والكهوف والغيران و الأودية والفلوات والآجام وهم يقولون لبيك لبيك والملائكة تسوقهم سوق الراعي للغنم حتى حشرت بين يدي سليمان عليه الصلاة و السلام طائعة ذليلة وكانوا إذ ذاك أربعا وعشرين فرقة فنطر إلى ألوانها فإذا هي سود وشقر ورقط وبيض وصفر وخضر وعلى صور جميع الحيوانات ومنهم من رأسه رأس أسد وبدنه بدن الفيل ومنهم من له خرطوم وذنب ومنهم من له قرون وحوافر وغير ذلك من الأنواع قال فعند ذلك تعجب نبي الله سليمان عليه الصلاة و السلام من هذه الأشكال وسجد شكرا لله تعالى وقال إلهي ألبسني هيبة من عندك وجعل يسألهم عن طباعهم وعن طعامهم وشرابهم وهو يجيبونه ثم فرقهم في الصنائع من قطع الصخور والأحجار والأشجار والغوص في البحار وأبنية الحصون وفي استخراج المعادن والجواهر قال الله تعالى ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) ونكتفي من ذلك بهذا القدر اليسير والله المسؤول في تيسير كل عسير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار وفيه فصول
الفصل الأول في ذكر البحار
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لما أراد الله تعالى أن يخلق الماء خلق ياقوتة خضراء لا يعلم طولها وعرضها إلا الله سبحانه وتعالى ثم نظر إليها بعين الهيبة فذابت وصارت ماء فاضطرب الماء فخلق الريح ووضع عليها الماء ثم خلق العرش ووضعه على متن الماء وعليه قوله تعالى ( وكان عرشه على الماء )
واعلم أن بحر الظلمات لا يدخله شمس ولا قمر وإن بحر الهند خليج منه وبحر اللاذقية خليج منه وبحر الصين خليج منه وبحر الروم خليج منه وبحر فارس خليج منه وكل هذه البحار التي ذكرتها أصلها من البحر الأسود الذي يقال له البحر المحيط وأما بحر الخرز وبحر خوارزم وبحر أرمينية والبحر الذي عند مدينة النحاس وغير ذلك من البحار الصغار فهي منقطعة عن البحر الأسود ولذلك ليس فيها جزر ولا مد وقيل سئل النبي عن الجزر والمد فقال هو ملك عال قائم بين البحرين إن وضع رجله في البحر حصل له المد وإذا رفعها حصل له الجزر قيل إنما سمي البحر الأسود لأن ماءه فيه

رأى العين كالحبر الأسود فإن أخذ منه الإنسان في يده شيئا رآه أبيضا صافيا إلا أنه أمر من الصبر مالح شديد الملوحة فإذا صار ذلك الماء في بحر الروم تراه أخضر كالزنجار والله تعالى يعلم لأي شيء ذلك وكذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم وبحر أصفر كالذهب وخليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع والماء في نفسه أبيض صاف وقيل إن تغير الماء بلون الأرض
وأما ما يخرج من البحر من السمك وغيره فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال بعثنا رسول الله إلى ساحل البحر وأمر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقى عير قريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل فأشرفنا على ساحل البحر فرأينا شيئا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر فأقمنا شهرا نأكل منها ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي في وقب عينيها بالفلال ونقطع منه القطعة كالثور ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها وأخذ ضلعا من أضلاعها فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمها فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله ذلك فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم شيء من لحمها فتطعمونا فأرسلنا له منه فأكله وقيل يخرج من البحر سمكة عظيمة فتتبعها سمكة أخرى أعظم منها لتأكلها فتهرب منها إلى مجمع البحرين فتتبعها فتضيق عليها مجمع البحرين لعظمها وكبرها فترجع إلى البحر الأسود وعرض مجمع البحرين مائة فرسخ فتبارك الله رب العالمين
وقال صاحب تحفة الألباب ركبت في سفينة مع جماعة فدخلنا إلى مجمع البحرين فخرجت سمكة عظيمة مثل الجبل العظيم فصاحت صيحة عظيمة لم أسمع قط أهول منها ولا أقوى فكاد قلبي ينخلع وسقطت على وجهي أنا وغيري ثم ألقت السمكة نفسها في البحر

فاضطرب البحر اضطرابا شديدا وعظمت أمواجه وخفنا الغرق فنجانا الله تعالى بفضله وسمعت الملاحين يقولون هذه سمكة تعرف بالبغل قال ورأيت في البحر سمكة كالجبل العظيم ومن رأسها إلى ذنبها عظام سود كأسنان المنشار كل عظم أطول من ذراعين وكنا بيننا وبينها في البحر أكثر من فرسخ فسمعت المالحين يقولون هذه السمكة تعرف بالمنشار إذا صادفت أسفل السفينة قصمتها نصفين ولقد سمعت أنا من يقول أن جماعة ركبوا سفينة في البحر فأرسوا على جزيرة فخرجوا إلى تلك الجزيرة فغسلوا ثيابهم واستراحوا ثم أوقدوا نارا ليطبخوا فتحركت الجزيرة وطلبت البحر وإذا بها سمكة فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو ولا معبود سواه وقيل إن في البحر سمكة تعرف بالمنارة لطولها يقال إنها تخرج من البحر إلى جانب السفينة فتلقى نفسها عليها فتحطمها وتهلك من فيها فإذا أحس بها أهل السفينة صاحوا وكبروا وضجوا وضربوا الطبول ونقروا الطسوت والسطول والأخشاب لأنها إذا سمعت تلك الأصوات ربما صرفها الله تعالى عنهم بفضله ورحمته وقال الشيخ عبد الله صاحب تحفة الألباب كنت يوما في البحر على صخرة فإذا أنا بذنب حية صفراء منقطة بسواد طولها مقدار باع فطلبت أن تقبض على رجلي فتباعدت عنها فأخرجت رأسها كأنه رأس أرنب من تحت تلك الصخرة فسللت خنجرا كبيرا كان معي فطعنت به رأسها فغار فيه فلم أقدر على خلاصه منها فأمسكت نصابه بيدي جميعا وجعلت أجره حتى ألصقتها بباب الجحر فتركت الجحر وخرجت من تحت الصخرة فإذا هي خمس حيات في رأس واحد فتعجبت من ذلك وسألت من كان هناك عن اسم هذه الحية فقال هذه تعرف بأم الحيات وذكروا أنها تقبض على الآدمي في الماء فتمسكه حتى يموت وتأكله وأنها تعظم حتى تكون كل حية اكثر من عشرين ذراعا وأنا تقلب الزوارق وتأكل من قدرت عليه من أصحابها وأن جلدها أرق من جلد البصل ولا يؤثر فيها الحديد شيئا قال ورأيت مرة في البحر صخرة عليها شيء كثير من النارنج

الأحمر الطري الذي كأنه قطع من شجرة فقلت في نفسي هذا قد وقع من بعض السفن فذهبت إليه فقبضت منه نارنجة فإذا هي ملتصقة بالحجر فجذبتها فإذا هي حيوان يتحرك ويضرب في يدي فلففت يدي بكم ثوبي وقبضت عليه وعصرته فخرج من فيه مياه كثيرة وضمر فلم أقدر أن أقلعه من مكانه فتركته عجزا عنه وهو من عجائب خلق الله تعالى وليس له عين ولا جارحة إلا الفم والله سبحانه وتعالى أعلم لأي شيء يصلح ذلك
قال ولقد رأيت يوما على جانب البحر عنقود عنب أسود كبير الحب أخضر العرجون كأنما قطف من كرمه فأخذته وكان ذلك في أيام الشتاء وليس في تلك الأرض التي كنت فيها عنب فرمت أن آكل منه فقبضت على حبة منه وجذبتها فلم أقدر أن أقلعها من العنقود حتى كأنها من الحديد قوة وصلابة فجذبتها جذبة أقوى من الأولى فانقشرت قشرة من تلك الحبة كقشر العنب وفي داخلها عجم كعجم العنب فسألت عن ذلك فقيل لي هذا من عنب البحر ورائحته كرائحة السمك وفي البحر أيضا حيوان رأسه يشبه رأس العجل وله أنياب كأنياب السباع وجلده له شعر كشعر العجل وله عنق وصدر وبطن وله رجلان كرجل الضفدع وليس له يدان يعرف بالسمك اليهودي وذلك أنه إذا غابت الشمس ليلة السبت يخرج من البحر ويلقي نفسه في البر ولا يتحرك ولا يأكل ولو قتل ولا يدخل البحر حتى تغيب الشمس ليلة الأحد فحينئذ يدخل البحر ولا تلحقه السفن لخفته وقوته وجلده يتخذ منه نعل لصاحب النقرس فلا يجد له ألما ما دام ذلك الجلد عليه وهو من العجائب وقيل إن في بحر الروم سمكا طويلا طول السمكة مائة ذراع وأكثر وله أنياب كأنياب الفيل تؤخذ وتباع في بلاد الروم وتحمل إلى سائر البلاد وهي أحسن وأقوى من أنياب الفيل وإذا شق الناب منها يظهر فيه نقوش عجيبة ويسمونه الجوهر ويتخذون منه نصبا للسكاكين وهو مع قوته وحسن لونه ثقيل الوزن كالرصاص وفي البحر أيضا سمك يسمى الرعاد إذا دخل في شبكة فكل من جر تلك الشبكة أو وضع يده عليها أو على

حبل من حبالها تأخذه الرعدة حتى لا يملك من نفسه شيئا كما يرعد صاحب الحمى فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة فإن أعادها عادت إليه الرعدة وهذا أيضا من العجائب فسبحان الله جلت قدرته
وقال صاحب تحفة الألباب حدثني الشيخ أبو العباس الحجازي قال حدثني رجل يعرف بالهاروني من ولد هارون الرشيد أنه ركب سفينة في بحر الهند فراى طاوسا قد خرج من البحر أحسن من طاوس البر وأجمل ألوانا قال فكبر بالحسنة فجعل يسبح وينظر لنفسه وينشر أجنحته وينظر إلى ذنبه ساعة ثمن غاص في البحر وفي البحر دابة يقال لها الدرفين تنجي الغريق لأنها تدنو منه حتى تضع يده على ظهرها فيستعين بالإتكاء عليها ويتعلق بها فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته فسبحان من من دبر هذا التدبير اللطيف وأحكم هذه الحكمة البالغة وزعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن ويصبو لسماعه وربما قيل إن بعض الصيادين يحفرون في البحر حفائر ثم يجلسون فيضربون بالمعازف والآت الطرب فيجتمع المسك ويقع في تلك الحفائر وقيل إن الدرفين وأنواع السمك إذا سمعت صوت الرعد هربت إلى قعر البحر وقيل إن خيل البحر توجد بنيل مصر وهي صفة خيل البر وقيل إنها تأكل التماسيح وربما خرجت فرعت الزرع وإذا رأى أهل مصر أثر حوافرها حكموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان وقيل إن في البحر المحيط شيئا يتراءى كالحصون فيرتفع على وجه الماء ويظهر منه صور كثيرة ويغيب ومن عجيب ما حكى أن فيه جزيرة فيها ثلاث مدن عامرة وهي كثيرة الأمطار وأهلها يحصدون زرعها قبل جفافه لقلة طلوع الشمس عندهم ويجعلونه في بيت ويوقدون حوله النيران حتى يجف وعجائبه لا تحصى ولا يمكن حصرها ويقال إن الاسكندر لما سار إلى بحر الظلمات مر بجزيرة بها أمة رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب يخرج من أفواههم مثل لهب النار وخرجوا إلى مراكبه وحاربوه ثم تخلص منهم وسار فرأى صورا متلونة بألوان شتى وسمكا طوله مائة ذراع وأكثر وأقل فسبحان الله تعالى ما أكثر عجائب خلقه

ويقال إنه مر في بعض الجزائر على قصر مصنوع من البلور على قلعة محكمة البناء وحولها قناديل لا تطفأ ومن جزائر البحر جزيرة القمر يقال إن بها شجرا طول الشجرة مائتا ذراع ودور ساقها مائة وعشرون ذراعا وبها طوائف من السودان عرايا الأبدان يلتحفون بورق الشجر وهو ورق يشبه ورق الموز لكنه أسمك وأعرض وأنعم ويقال إن هذه الجزيرة بالقرب من نيل مصر وإن هذه الأمة التي بها يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وهم في غاية اللطافة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالقرب منهم معدن الذهب والياقوت وبها الفيلة البيض وحيوانات مختلفة الأشكال من الوحوش وغيرها وبها العود القماري والآبنوس والطواويس وبها مدن كثيرة ومنها جزيرة الواق خلف جبل يقال له اصطفيون داخل البحر الجنوبي ويقال إن هذه الجزيرة كانت ملكتها امرأة وإن بعض المسافرين وصل إليها ودخلها ورأى هذه الملكة وهي جالسة على سرير وعلى رأسها تاج من ذهب وحولها أربعمائة وصيفة كلهن أبكار وفي هذه الجزيرة من العجائب شجر يشبه شجر الجوز وخيار الشنبر ويحمل حملا كهيئة الانسان فإذا انتهى سمع له تصويت يفهم من واق واق ثم يسقط وهذه الجزيرة كثيرة الذهب حتى قيل إن سلاسل خيمهم ومقاود كلابهم وأطواقها من الذهب ومنها جزيرة الصين يقال إن بها ثلاثمائة مدينة ونيفا سوى القر والأطراف وأبوابها اثنا عشر بابا وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة وهذه الجبالى تمر بها المراكب مسيرة سبعة أيام وإذا جاوزت السفينة الأبواب سارت في ماء عذب حتى تصل إلى الموضع الذي تريده وفيها من الأودية والأشجار والأنهار ما لا يمكن وصفه فتبارك الله رب العالمين
وقيل إن الاسكندر لما فرغ من بناء سده حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم نام وإذا بحيوان عظيم صعد من البحر إلى أعلى وسد الأفق فظن من حول الملك أنه يريد ابتلاعهم ففزعوا فانتبه فقال ما لكم ؟ فقالوا له انظر ما حل بنا فقال ما كان الله ليأخذ نفسا قبل انقضاء أجلها وقد منعني من العدو فلا يسلط علي حيوانا من البحر قال

فإذا بالحيوان قد دنا من الملك وقال أيها الملك أنا حيوان من هذا البحر وقد رأيت هذا السد بني وخرب سبع مرات ولم يزد على ذلك ثم غاب في البحر فتبارك من له الملك العظيم لا إله إلا هو العزيز الحكيم
وقيل إن بجزيرة النسناس باليمن مدينة بين جبلين وليس لها ماء يدخل فيها إلا من المطر وطولها نحو ستة فراسخ وهي حصينة ذات كروم ونخيل وأشجار وغير ذلك وإذا أراد إنسان الدخول فيها حثى وجهه التراب فإن أبى إلا الدخول خنق أو صرع وقيل إنها معمورة بالجان وقيل بخلق من النسناس ويقال إنهم من بقايا عاد الذين أهلكهم الله بالريح العقيم وكل واحد منهم شق إنسان ونقل عن بعض المسافرين أنه قال بينما نحن سائرون إذ أقبل علينا الليل فبتنا بواد فلما أصبح الصباح سمعنا قائلا يقول من الشجرة يا أبا بجير الصبح قد أسفر والليل قد أدبر والقناص قد حضر فالحذر الحذر قال فلما ارتفع النار أرسلنا كلبين كانا معنا نحو الشجرة فسمعت صوتا يقول ناشدتك قال فقلت لرفيقي دعهما قال فلما وثقا بنا نزلا هاربين فنبعهما الكلبان وجدا في الجرى فامسكا شخصا منهما قال فأدركناه وهو يقول
( الويل لي مما به دهاني ... دهري من الهموم والأحزان )
( قفا قليلا أيها الكلبان ... إلى متى إلي تجريان ) قال فأخذناه ورجعنا فذبحه رفيقي وشواه فعفته ولم آكل منه شيئا فتبارك الله ما اكثر عجائب خلقه لا إله إلا هو ولا معبود سواه
الفصل الثاني في ذكر الأنهار والآبار والعيون
قال الله تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع

في الأرض ) وقال المفسرون هو المطر ومعنى سلكه أدخله في الأرض وجعله عيونا ومسايل ومجاري كالعروق في الجسد فمن الأنهار ما هو من الأمطار المجتمعة ولهذا ينقطع عند فراغ مادته ومنها ما ينبع من الأرض وأطول ما يكون من الأنهار ألف فرسخ وأقصره عشرة فراسخ إلى اثنين وثلاثة وبين ذلك وكلها تبتدئ من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح وفي ممرها تسقي المدن والقرى وما فضل منها ينصب في البحر المالح ويختلط به ولا يمكن استيفاء عددها لكنا نشير إلى بعضها فنقول
النيل المبارك ليس في الأنهار أطول منه لأنه مسيرة شهرين في بلاد الإسلام وشهرين في بلاد النوبة وأربعة في الخراب وقيل إن مسافته من منبعه إلى أن ينصب في البحر الرومي ألف وسبعمائة فرسخ وثمانية وأربعون فرسخا قال ذلك صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر واختلف في زيادته فقيل إن الأنهار والعيون تمده في الوقت الذي يريده الله تعالى وفي الحديث " إنه من أنهار الجنة " وقال أهل الأثر إن الأنهار التي من الجنة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب ثم تمر بالبحر المحيط وتشق فيه قالوا ولولا ذلك لكانت أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور
نهر الفرات يوجد بأرض أرمينية فضائله كثيرة والنيل أصدق حلاوة منه وبه من السمك الأبيض ما تكون الواحدة قنطارا بالدمشقي وطول هذا النهر من حين يخرج من عند ملطية إلى أن يأتي إلى بغداد ستمائة وثلاثون فرسخا وفي وسطه مدن وجزائر تعد من أعمال الفرات
جيحون نهر عظيم تتصل به أنهار كثيرة ويمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع به شيء من البلاد سوى خوارزم لأنها منسفلة عنه ثم يصب في بحيرة بينها وبين خوارزم ستة أيام وهو يجمد في الشتاء خمسة أشهر والماء يجري من تحت الجمد فيحفر أهل

خوارزم منه لهم أماكن ليستقوا منها وإذا اشتد جموده مروا عليه بالقوافل والعجل المحملة ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويعلوه التراب ويبقى على ذلك شهرين
سيحون نهر عظيم قيل إن مبدأه من حدود الترك ويجري حتى يتصل ببلاد الفرغانه وربما يجتمع مع جيحون في بعض الأماكن
الدجلة نهر بغداد وله أسماء غير ذلك وماؤه أعذب المياه بعد النيل وأكثرها نفعا قيل مقداره ثلاثمائة فرسخ وفي بعض الأوقات يفيض حتى قيل إنه يخشى على بغداد الغرق منه وهو نهر مبارك كثيرا ما ينجو غريقه
حكي إنه وجد به غريق فيه الروح فلما أفاق سألوه عن حاله فأخبرهم أنه لما غلب على نفسه رأى كأن أحدا يحمله ويصعد به وروي في الأثر أن الله تعالى أمر دانيال عليه الصلاة و السلام أن يحفر لعباده ما يستقون منه وينتفعون به فكان كلما مر بأرض ناشده أهلها أن يحفر ذلك عندهم إلى أن حفر دجلة والفرات
وأما الأنهار الصغار فكثيرة ولكنا نذكر منها طرفا فنقول نهر حصن المهدي قال صاحب تحفة الألباب إنه بين البصرة والأهواز وإنه يرتفع منه في بعض الأوقات شيء يشبه صورة الفيل ولا يعرف أحد شأنه
نهر أذربيجان قيل إن بالقرب منه نهرا يجري فيه الماء سنة ثم ينقطع ثمان سنين ثم يعود في التاسعة وقيل إنه ينعقد حجرا ويستعمل منه اللبن ويبنى به وقيل إن في تلك الأرض بحيرة تجف فلا يوجد فيها ماء ولا سمك ولا طين سبع سنين ثم يعود الماء والسمك والطين فتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء
قدير نهر صقلاب يجري فيه الماء يوما واحدا في كل أسبوع ثم ينقطع ستة أيام

نهر العاصي بأرض حماة وقيل بحمص وهو نهر معروف وفيه يقول بعضهم
( مدينة حمص كعبة القصف أصبحت ... يطوف بها الداني ويسعى لها القاضي )
( بها روضة من حسنها سندسية ... تعلق في أكناف أذيالها العاصي )
نهر العمود بأرض الهند عليه شجرة نابتة من حديد وقيل من نحاس وتحتها عمود من نحاس وقيل من حديد طوله من فوق الماء نحو عشرة أذرع وعرضه ذراع وعلى رأسه ثلاث شعب مسنونة محدودة وعنده رجل يقرأ كتاب الله تعالى ويقول يا عظيم البركة طوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود فيدخل الجنة وقال أهل تلك الناحية من يريد ذلك فيصعد على تلك الشجرة ويلقي نفسه فيتقطع
نهر باليمن قال صاحب تحفة الألباب إنه عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق نهر ببلاد الحبشة والسودان يجري إلى المشرق يشبه النيل في زيادته ونقصانه وأرضه بها الخصب والبركة وبها شجر كالأراك يحمل ثمرا كالبطيخ داخله شيء يشبه القند في الحلاوة ولكن فيه بعض حموضة وهذا النهر يجري في بلادهم ثمانية أشهر ثم ينصب في البحر المحيط فسبحان من دبر هذا التدبير وأحكم هذه الصنعة لا إله إلا هو الحكيم الخبير
الفصل الثالث في ذكر الآبار
قال مجاهد كنت أحب أن أرى كل شيء غريب فسمعت أن ببابل بئر هاروت وماروت فسرت إليها فلما وصلت إلى ذلك

المكان وجدت عنده بيوتا فدخلت في بعضها فوجدت شخصا فسلمت عليه فرحب بي وسألني عن حاجتي فذكرت له غرضي فأمر يهوديا معي فيوقفني على البئر ويطلعني على الملكين قال فسرنا إلى البئر ففتح سردابا ونزلنا فأمرني أن لا أذكر اسم الله تعالى قال فلما رأيت الملكين رأيت شيئا كالجبلين العظيمين منكسين على رؤوسهما الحديد من أعناقهما إلى ركبهما قال مجاهد فلما رأيت ذلك ذكرت الله تعالى قال فاضطربا اضطرابا شديدا حتى كادا يقطعان السلاسل قال ففر اليهودي فتعلقت به فقال أما أمرتك أن لا تذكر اسم الله تعالى كدنا والله نهلك
بئر برهوت بقرب حضرموت وهي التي قال النبي إنها مجمع أرواح الكفار قال علي كرم الله وجهه أبغض البقاع إلى الله تعالى بئر برهوت ماؤها أسود منتن تأوي إليها الكفار والموكل بها ملك يسمى دومة
بئر عسفان ماؤها يستشفى به قيل إن النبي تفل فيها قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كنا نغسل المريض منها فيعافى وقيل إن النبي توضأ منها
بئر معروفة بأرض حلب خاصيتها أنها إذا شرب منها المكلوب زال كلبه ما لم يجاوز الأربعين وبنيسابور آبار كثيرة وهي معادن الفيروزج وإنما يمنع الناس عنها كثرة عقاربها وبأرض فارس بئر ينبع منها ماء في وقت من السنة فيرتفع على وجه الأرض لمحة واحدة ويجري فينتفع به في سقي الزرع ثم يعود إلى ما كان وعجائب الله كثيرة لا تكاد تنحصر لا إله إلا الله ولا معبود سواه

الباب السادس والستون في ذكر عجائب الأرض وما فيها من الجبال والبلدان وغرائب البنيان وفيه فصول
الفصل الأول في ذكر الأرض وما فيها من العمران
روى وهب بن منبه رضي الله عنه عن النبي أنه قال إن لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا منها عالم واحد وما العمران في الخراب إلا كخردلة في كف أحدكم وقال رواة الأثر إن لله عز و جل دابة في مرج من مروجه في غامض علمه رزقها في كل يوم بقدر رزق العالم بأسره وجميع مدائن الدنيا أربعة آلاف مدينة وخمسمائة وست وخمسون مدينة وقيل غير ذلك وأقاليم الأرض سبعة الأقليم الأول الهند والثاني الحجاز والثالث اقليم مصر الرابع اقليم بابل الخامس اقليم الروم والشام السادس اقليم الترك السابع اقليم الصين وأوسط الأقاليم اقليم بابل وهو أعمرها وفيه جزيرة العرب وفيه العراق الذي هو سرة الدنيا وبغداد في وسط هذا الاقليم فلاعتداله اعتدلت ألوان أهله فسلموا من شقرة الروم وسواد الحبشة وغلظ الترك وجفاء أهل الجبال ودمامة أهل الصين والممالك المشهورة التي ضبطت عدتها في زمن المأمون ثلاثمائة وثلاث وأربعون مملكة أوسعها ثلاثة أشهر وأضيقها ثلاثة أيام وقال أهل الهيئة إنه يكون عند خط الاستواء ربيعان وصيفان وخريفان وشتاءان في سنة واحدة وأنه

يكون في بعض البلاد ستة أشهر ليل وستة أشهر نهار وبعضها حر وبعضها برد فسبحان من خلق كل شيء فأتقنه لا إله إلا هو ولا معبود سواه
الفصل الثاني في ذكر الجبال
قيل إن الله تعالى لما خلق الأرض ماجت واضطربت فخلق الجبال وأرساها بها فاستقوت ومجموع ما عرف بالأقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وتسعون جبلا فمنها ما طوله عشرون فرسخا ومنها ما طوله مائة فرسخ إلى ألف فرسخ ولنذكر منها ما هو مشهور ومعروف بين
الناس فمن أعجبها جبل سرنديب وطوله مائتان ونيف وستون ميلا وفيه أثر قدم آدم عليه الصلاة و السلام حين أهبط وحوله الياقوت وفي أوديته الماس الذي يقطع به الصخور ويثقب به اللؤلؤ وفيه العود والفلفل ودابة المسك ودابة الزباد
جبل الروم الذي فيه السد طوله سبعمائة فرسخ وينتهي إلى بحر الظلمات
جبل أبي قيس سمي بذلك لآن آدم عليه الصلاة و السلام كناه بذلك حين اقتبس منه النار التي بين أيدي الناس وقيل غير ذلك
جبل القدس جبل شريف مبارك فيه غار يضيء بالليل من غير سراج ويزوره الناس
جبل أروند بهمذان برأسه عين تخرج من صخرة أياما معدودة في السنة تقصد من كل وجه يستشفى بها جبل الشام لونه أسود كالفحم وترابه أبيض تبيض به الثياب جبل الأندلس فيه غار إذا دهنت فتيلة وأدخلتها فيه أوقدت وبها جبل به عينان إحداهما باردة والأخرى حارة والمسافة التي بينهما مقدار شبر وجبل به معدن الكبريت والزئبق والزنجفر

جبل سمرقند يقطر منه ماء في الصيف يصير جليدا وفي الشتاء يحرق من حرارته
جبل الصور بكرمان يكسر حجره فيخرج منه كصور الآدميين قائمين وقاعدين ومضطجعين وإذا سحق وطرح في الماء يرى كذلك جبل الأرجان بطبرستان يقطر منه ماء كل قطرة تصير حجرا مسدسا أو مثمنا جبل هرمز ينزل منه ماء إلى وهدة فإن صاح إنسان
صيحة وقف فإن ثنى جرى جبل الطير بإقليم الصعيد يجتمع عنده الطير في كل سنة مرة ويدخل في كوة هناك فتمسك الكوة على واحدة وتطير البقية ويكون ذلك علامة الخصب في تلك النسنة ولنقتصر على ذلك ومن أراد الوقوف على جميعها فعليه بتاريخ مرآه الزمان
الفصل الثالث في ذكر المباني العظيمة وغرائبها وعجائبها
قال أهل التواريخ ونقلة الأخبار أن أول بناء بني على وجه الأرض الصرح الذي بناه نمرود الأكبر بن كوش بن حام بن نوح عليه الصلاة و السلام وبقعته بكوثى من أرض بابل وبه إلى عصرنا أثر ذلك البناء كأنه جبال شاهقات قالوا كان طوله خمسة آلاف ذراع بناه بالحجارة والرصاص والشمع واللبان ليمتنع هو وقومه من طوفان ثان فأخرب الله تعالى ذلك الصرح في ليلة واحدة بصيحة فتبللت بها ألسنة الناس فسميت أرض بابل
إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد
حكى الشعبي في كتاب سير الملوك أن شداد بن عاد ملك جميع

الدنيا وكان قومه قوم عاد الأولى زادهم الله بسطه في الأجسام وقوة حتى قالوا من أشد منا قوة قال الله تعالى ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) وأن الله تعالى بعث اليهم هودا نبيا عليه الصلاة و السلام فدعاهم إلى الله تعالى فقال له شداد إن آمنت بإلهك فماذا لي عنده ؟ قال يعطيك في الآخرة جنة مبنية من ذهب ويواقيت ولؤلؤ وجميع أنواع الجواهر قال شداد أنا أبني مثل هذه الجنة ولا أحتاج إلى ما تعدني به قال فأمر شداد ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا ويطلبوا أرضا واسعة كثيرة الماء طيبة الهواء بعيدة من الجبال ليبني فيها مدينة من ذهب قال فخرج أولئك الأمراء ومع كل أمير ألف رجل من خدمه وحشمه فساروا في الأرض حتى وصلوا إلى جبل عدن فرأوا هناك أرضا واسعة طيبة الهواء فأعجبتهم تلك الأرض فأمروا المهندسين والبنائين فخطوا مدينة مربعة الجوانب دورها أربعون فرسخا من كل جهة عشرة فراسخ فحفروا الأساس إلى الماء وبنوا الجدران بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض ثم أحاطوا به سور ارتفاعه خمسمائة ذراع وغشوه بصفائح الفضة المموهة بالذهب فلا يكاد يدركه البصر إذا أشرقت الشمس وكان شداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا فاستخرج منها الذهب واتخذه لبنا ولم يترك في أحد من الناس في جميع الدنيا شيئا من الذهب إلا غضبه واستخرج الكنوز المدفونة ثم بنى داخل المدينة مائة ألف قصر بعدد رؤساء مملكته كل قصر على عمد من أنواع الزبرجد واليواقيت معقودة بالذهب طول كل عمود مائة ذراع وأجرى في وسطها أنهارا وعمل منها جداول لتلك القصور والمنازل وجعل حصاها من الذهب والجواهر واليواقيت وحلى قصورها بصفائح الذهب والفضة وجعل على حافات الأنهار أنواع الأشجار جذوعها من الذهب وأوراقها وثمرها من أنواع الزبرجد واليواقيت واللآلئ وطلى حيطانها بالمسك والعنبر وجعل فيها جنة مزخرفة له وجعل أشجارها الزمرد واليواقيت وسائر أنواع المعادن ونصب عليها أنواع الطيور المسموعة الصادح والمغرد وغير ذلك

ثم بنى حول المدينة مائة ألف منارة برسم الحراس الذين يحرسون المدينة فلما كمل بناؤها أمر في مشارق الأرض ومغاربها أن يتخذوا في البلاد بسطا وستورا وفرشا من أنواع الحرير لتلك القصور والغرف وأمر باتخاذ أواني الذهب والفضة فاتخذوا جميع ما أمر به فلما فرغوا من ذلك جميعه خرج شداد من حضرموت في أهل مملكته وقصد مدينة إرم ذات العماد فلما أشرف عليها ورآها قال قد وصلت إلى ما كان هود يعدني به بعد الموت وقد حصلت عليه في الدنيا فلما أراد دخولها أمر الله تعالى ملكا فصاح بهم صيحة الغضب وقبض ملك الموت أرواحهم في طرفة عين فخروا على وجوههم صرعى قال الله تعالى ( وإنه أهلك عادا الأولى ) وذلك قبل هلاك عاد بالريح العقيم وأخفى الله تعالى تلك المدينة عن أعين الناس فكانوا يرون بالليل في تلك البرية التي بنيت فيها معادن الذهب والفضة واليواقيت تضيء كالمصابيح فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هناك شيئا
وقد نقل أن رجلا من أصحاب رسول الله يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري دخل
إلهيا وذلك أنه ضلت له إبل فخرج في طلبها فوصل إليها فلما رآها دهش وبهت ورآى ما أذهله وحيره وقال في نفسه هذه تشبه الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين في الآخرة فقصد بابا من أبوابها فلما وصل إليه أناخ راحلته ودخل المدينة فرأى تلك القصور والأنهار والأشجار ولم ير في المدينة أحدا فقال ارجع إلى معاوية وأخبره بهذه المدينة وما فيها ثم حمل معه شيئا من تلك الجواهر واليواقيت في وعاء وجعله على راحلته وعلم على المدينة علامة وقال قربها من جبل عدن كذا ومن الجهة الفلانية كذا ثم انصرف عنها بعدما ظفر بإبله ثم دخل على معاوية رضي الله تعالى عنه بدمشق وأخبره بجميع ما رآه فقال له معاوية في اليقظة رأيتها أم في المنام ؟ قال بل في اليقظة وقد حملت من حصبائها وأخرج له شيئا مما حمله من الجواهر واليواقيت فتعجب معاوية من ذلك ثم أرسل إلى كعب الأحبار رضي الله

عنه فلما دخل عليه قال له معاوية يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين وقد ذكرها الله عز و جل في القرآن لنبيه بقوله عز من قائل ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وقد أخفاها الله تعالى عن أعين الناس وسيدخلها رجل من هذه الأمة يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري ثم التقت فرأى عبد الله بن قلابة فقال هاهو يا أمير المؤمنين وصفه واسمه في التوراة ولا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة وقيل إن ذلك كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأن الرجل الذي دخلها حكى ذلك لعمر بن الخطاب فلم ينكره ولا من كان حاضرا بل قال إن النبي قال يدخلها بعض أمتي والله سبحانه وتعالى أعلم
ومن المباني العجيبة الخورنق الذي بناه النعمان بن امرئ القيس وهو النعمان الأكبر بناه في عشرين سنة فلما انتهى أعجبه فخشي أن يبنى لغيره مثله فأمر أن يلقى بانيه من أعلاه فألقوه فتقطع واسم بانيه سنمار فصارت العرب تضرب به المثل يقولون جزاه جزاء سنمار قال الشاعر
( جازى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار ) ومن المباني العجيبة حائط العجور واسمها دلوك القبطية وسبب بنائها لذلك أنها ولدت ولدا فأخذت له الرصد فقيل لها عليه من التمساح فلما شب الغلام خافت عليه فبنت الحائط وجعلته من العريش إلى إسوان شاملا لكورة مصر من الجانب الشرقي وقيل بنته خوفا على مصر وأهلها بعد غرق فرعون أن يطمع الملوك فيها وقد قيل إنها أرادت أن تخوف ولدها من التمساح حتى لا ينزل البحر فصورت له صورة التمساح فرآه شكلا مهولا فأذهله وأخذه الفزع والهم فضعف وانسل إلى أن مات لا مفر من قضاء الله تعالى

المباني العجيبة الأهرام وهي بالجانب الغربي من مصر مشاهدة في زماننا هذا قيل أن دور الهرم الأكبر من الثلاثة ألفا ذراع من كل جهة خمسمائة ذراع وعلوه خمسمائة ذراع وقد ذهب المأمون إلى مصر حتى شاهدها على ما ذكر وفتح منها هرما وتعجب من بنيانها وصفتها قيل إن كل حجر من حجارتها ثلاثون ذراعا في عرض عشرة أذرع وقد أحكم إلصاقه ونحته وتسويته ولا يقدر النجار الصانع أن يتخذ من خشب صندوقا صغيرا على إحكامه وهي من عجائب الدنيا قال بعضهم
( أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع )
( تتخلف الآثار عن سكانها ... حينا ويدركها الفناء فتصرع ) وزعم قوم أن الأهرام الموجودة بمصر قبور لملوك عظام أرادوا أن يتميزوا بها عن الناس بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم ورجوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبها فنقب أحدها بعد جهد شديد وعناء طويل فوجد داخله مزاليق ومهاوي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها ووجد في أعلاه بيت وفي وسطه حوض من رخام مطبق فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية فعند ذلك أمر المأمون بالكف عما سواه ويقال إن الذي بناها اسمه سوريد بن سهراق بن سرياق لرؤيا رآها وهي آفة تنزل من السماء وهي الطوفان فقالوا إنه بناها في ستة أشهر وقال قل لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة سنة والهدم أيسر من البنيان وكسوناها الديباج الملون فليكسها حصرا والحصر أهون من الديباج والأمر فيها عجيب جدا والله سبحانه وتعالى أعلم
ومن المباني العجيبة منار الاسكندرية التي بناها ذو القرنين قيل إنها كانت مبنية بحجارة منهدمة مغموسة في الرصاص فيها نحو من ثلاثمائة بيت تصعد الدابة بحملها إلى كل بيت وللبيوت طاقات تطل على البحر ويقال إن طولها كان ألف ذراع وفي أعلاها تماثيل من نحاس منها تماثل رجل قد أشار بيده إلى البحر فإذا صار العدو على نحو ليلة منه

له تصويت يعلم به أهل المدينة مجيء العدو فيستعدون له ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوت تصويتا مطربا ويقال إنه كان بأعلاها مرآة من الحديد الصيني عرضها سبعة أذرع كانوا يرون فيها المراكب بجزيرة قبرص وقيل كانوا يرون فيها من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم فإن كانوا أعداء تركوهم حتى يقربوا من المدينة فإذا مالت الشمس للغروب أرادوا المرآة مقابلة الشمس واستقبلوا بها السفن فيقع شعاعها بضوء الشمس على السفن فتحرق في البحر ويهلك كل من فيها وكانت الروم تؤدي الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق السفن ولم تزل كذلك إلى زمن الوليد بن عبد الملك
قال المسعودي قيل إن ملكا من الروم تحيل على الوليد وأظهر أنه يريد الاسلام وأرسل إليه تحفا وهدايا وأظهر له بواسطة حكماء كانوا عنده أن ببلاده دفائن وأرسل له بذلك قسيسين من خواصه وأرسل معهم أموالا قيل إنهم حفروا بقرب المنارة ودفنوا تلك الأموال وقالوا للوليد إن تحت المنارة كنوزا لا تنفذ وبازائها خبية بها كذا وكذا ألف دينار فأمرهم باستخراج ما بالقرب من المنارة فإن كان ذلك حقا استخرجوا ما تحت المنارة بعد هدمها فحفروا واستخرجوا ما دفنوه بأيديهم فعند ذلك أمر الوليد بهدم المنارة واستخراج ما تحتها فهدموها فلم يجدوا تحتها شيئا وهرب أولئك القسيسون فعلم الوليد أنها مكيدة عليه فندم على ذلك غاية الندم ثم أمر ببنائها بالآجر ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة فلما أتموها نصبوا عليها المرآة كما كانت فصدئت ولم يروا فيها شيئا مثل ما كانوا يرون أولا وبطل إحراقها فندموا على مافعلوا وفاتهم من جهلهم وطمعهم نفع عظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ذوقد علمت الجن لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا على أعمدة من الجزع اليماني المصقول كالمرآة إذا نظر الانسان إليها يرى من يمشي خلفه لصفائها وفي وسط ذلك المجلس عمود من الرخام طولة مائة وأحد عشر ذراعا وفي تلك الأعمدة عمود واحد يتحرك

شرقا وغربا بطلوع الشمس وغروبها يشاهد الناس ذلك ولا يعلمون ما سببه
وفي مدينة حمص مدينة أخرى تحت المدينة المسكونة العليا فيها من عجائب البنيان والبيوت والغرف والماء الجاري في كل طريق من طرقها ما لا يعلمه إلا الله تعالى وعند حوران مدينة عظيمة يقال لها اللجأة فيها من البنيان ما يعجز عن وصفه ألسنة العقلاء كل دار منها مبنية من الصخر المنحوت ليس في الدار خشبة واحدة بل أبوابها وغرفها وسقوفها وبيوتها من الصخر المنحوت الذي لا يستطيع أحد أن يعمله من الخشب وفي كل دار بئر وطاحون وكل دار مفردة لا يلاصقها دار أخرى ولك دار كالقلعة الحصينة إذا خاف تلك النواحي من العدو دخلوا إلى تلك المدينة فينزل كل إنسان في دار بجميع عياله وخيله وغنمه وبقره ويغلق بابه ويجعل خلف الباب حصاة فلا يقدر أحد على فتح ذلك الباب لإحكامه وفي هذه المدينة أكثر من مائتي ألف دار فيما يقال ولا يعلم أحد من بناها وسمتها العرب اللجأة لأنهم يلجأون إليها عند الخوف
ومن المباني العجيبة إيوان كسرى أنو شروان بناه سابور ذو الأكتاف في نيف وعشرين سنة وطوله مائة ذراع في عرض خمسين بناه بالآجر والجص وجعل طول كل شرافة من شراريفه خمسة عشر ذراعا ولما ملك المسلمون المدائن أحرقوا هذا الإيوان فأخرجوا منه ألف دينار ذهبا
ووحكي أن المنصور لما أراد بناء بغداد عزم على هدمه وأن يجعل آلته في بنائه فقيل له إن نقضه يتكلف بقدر العمارة فلم يسمع وهدم شرافة وحسب ما أنفق عليه فوجد الأمر كذلك وقيل إن بعض رؤساء مملكته قال له لما أراد هدمه هو آية الاسلام فلا تهدمه
وحكي أنه كان بمدينة قيسارية كنيسة بها مرآة إذا اتهم الرجل امرأته بزنا نظر في تلك المرآة فيرى صورة الزاني فاتفق أن بعض الناس قتل غريمه فعمد أهله اليها فكسروها والله سبحانه وتعالى أعلم وقد اقتصرت من ذلك على هذا القدر اليسير وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب السابع والستون في ذكر المعادن والأحجار وخواصها
المعادن لا تكاد تحصى لكن منها ما يعرفه الناس ومنها ما لا يعرفونه وهي مقسومة إلى ما لا يذوب وإلى ما لا يذوب والذي اشتهر بين الناس من المعادن سبعة وهي الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والأسرب والخارصيني ولنبدأ أولا بذكر ( الذهب ) فقيل طبعة حار لطيف لشدة اختلاط أجزائه المائية بالترابية قيل إن النار لا تقدر على تفريق أجزائه فلا يحترق ولا يبلى ولا يصدأ وهو لين براق حلو الطعم أصفر اللون فالصفرة من ناريته والليونة من دهنيته والبراقة من صفاء مائه
خواصه يقوي القلب ويدفع الصرع تعليقا ويمنع الفزع والخفقان ويقوي العين كحلا ويجلوها إذا كان ميلا ويحسن نظرها وإذا ثقبت به الأذن لم تلتحم وإذا كوى به لم ينفط يبرأ سريعا وإمساكه في الفم يزيل البخر
( الفضة ) قريبة منه وتصدأ وتحترق وتبلى بالتراب وإذا أصابها رائحة الرصاص والزئبق تكسرت أو رائحة الكبريت أسودت ومن خواصها أنها تزيل البخر من الفم إذا وضعت فيه وإذا أذيبت مع الزئبق وطلي بها البدن نفع ذلك من الحكة والجرب وعسر البول
( النحاس ) قريب منها لكنه أيبس وأغلظ في الطبع
ومن خواصه إذا صدئ وطلي بالحامض زال صدؤه والأكل في آنيته يولد أمراضا لا دواء لها
( الحديد ) كثير الفائدة إذ ما من صنعة إلا وله فيها مدخل

ومن خواصه أنه يمنع غطيط النائم إذا علق عليه وحمله يقوي القلب ويزيل الخوف والأفكار والأحلام الرديئة ويسر النفس وصدؤه ينفع أمراض العين كحلا والبواسير تحملا ( القصدير ) صنف من الفضة دخل عليه آفات من الأرض ومن خواصه أنه إذا ألقي في قدر لم ينضج ما فيها ( الأسرب ) هو الرصاص ( ومن خواصه ) أنه يكسر الماس ومن خواص الماس الدخول في كل شيء وإذا شد من الرصاص قطعة على الخنازير والغدد أبرأتها ( الخارصيني ) حجر لونه أسود لونه يعطي حمرة ومن خواصه إذا عمل منه مرآة ونظر فيها في الظلمات نفعت للقوة وإذا نتف الشعر بملقاط منه لم ينبت الأحجار الجوهرية أصل الجوهر وهو الدر على ما قيل أن حيوانا يصعد من البحر على ساحله وقت المطر ويفتح أذنه يلتقط بها المطر ويضمها ويرجع إلى البحر فينزل إلى قراره ولا يزال طابقا أذناه على ما فيها خوفا أن يختلط بأجزاء البحر حتى ينضج ما فيها ويصير درا فإن كانت القطرة صغيرة كانت الدرة صغيرة وإن كانت كبيرة فكبيرة فإن كان في بطن هذا الحيوان شيء من الماء المر كانت الدرة كدرة وإن لم يكن كانت صافية وقيل غير ذلك والدر نوعان كبير وصغير قيل إنه تصل الواحدة إلى مثقال
خواصه أنه يفرح القلب ويبسط النفس ويحسن الوجه ويصفي دم القلب وإذا خلط مع الكحل شد عصب العين
( الياقوت ) سيد الأحجار وأصول الوانه أربعه الأحمر والأصفر والأزرق والإسمانجوني ويتولد منها ألوان كثيرة وأعدلها الأحمر الخالص الرماني الشبيه بحب الرمان الأحمر ودونه الأحمر المشرب ببياض ثم الوري ثم الخمري ثم العصفري وأردؤه الأزرق الذي لونه يشبه زهر السوسن وأقله قيمة الأبيض
خواصه أنه لا يعمل فيه الفولاذ ولا حجر الماس ولا تدنسه النار

ويورث لابسه مهابة ووقارا ويسهل قضاء الحوائج ويدر الريق في الفم ويقطع العطش ويدفع السم ويقوي القلب وجميعه ينفع للمصروع تعليقا والأبيض منه يبسط النفس ويوجد من الأصفر ما وزنه ثلاثون مثقالا على ما قيل
( البلخش ) هو مقارب الياقوت في القيمة ودونه في الشرف ومن خواصه أنه يورث قبض النفس وسوء الخلق والحزن وهو ألوان أحمر وأخضر وأصفر
( البنقش ) أصناف أحمر مفتوح اللون صاف وأحمر قوي الحمرة وأسود يعلوه حمرة مطوسة بزرقة خفيفة ثم أصفر مفتوح اللون ( عين الهر ) حجر يتكون من معدن الياقوت والغالب عليه البياض الناصع باشراق مفرط ومائيته رقيقة شفافة وفي مائيته سر إذا حرك يمينا تحركت يسارا وبالعكس ومن خواصه إذا علق على العين أمن عليها من الجدري على ما قليل ( الماس ) يوجد بواد بالهند يقال إنه مشحون بالحيات فيأتي من يريد استخراجه من ذلك الوادي فيضع في الوادي مرآة كبيرة فتأتي الحيات فتنظر إلى خيالها في المرآة فتفر من ذلك الجانب فينزل فيأخذ ما له فيه رزق وقيل إنهم ينحرون الجزر ويلقون لحمها في ذلك الوادي فيلتصق الماس وغيره باللحم فتأتي الطير فتختطف اللحم وتصعد به إلى الجبال فتأكل اللحم وتترك الحجر فيأخذه صاحب اللحم وقيل إن الحيات لها مشتى ستة أشهر في مكان ومصيف ستة أشهر في مكان آخر فإذا ذهبت إلى مشتاها ومصيفها أخذ الحجر في غيبتها والله أعلم بصحة ذلك ومن عجيب أمره أنه إذا أريد كسره جعل في أنبوبة قصب وضرب فإنه يتفتت وكذا إذا جعل في مع أو قار وإذا جعل عليه شمع تيس وقرب من النار ذاب
ومن خواصه أن الملوك يتخذونه عندهم لشرفه وهو من السموم القاتلة القطعة الصغيرة منه إذا حصلت في الجوف ولو بقدر السمسمة خرقت الأمعاء
ومن خواصه الجليلة أنه يعرق عند وجود السم أو الطعام المسموم

( الزمرد ) ويسمى الزبرجد وهو ألوان أخضر وزنجاري وصابوني ويكون الحجر منه خمسة مثاقيل وأقل ومن خواصه أنه يدفع العين ويفرح القلب ويقوي البصر ويصفي الذهن وينشط النفس ( الفيروزج ) نوعان إسحاقي وخلنجي وأجوده الاسحاقي الأزرق الصافي خواصه النظر فيه يجلو البصر ويقويه وينشط النفس ولا يصيب المتختم به آفة من قتل أو غرق وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ما افتقرت يد تختمت بفيروزج وإذا مضى له بعد خروجه من معدنه عشرون سنة نقض لونه ولا يزال كذلك حتى ينطفئ ( العقيق ) معدن بأرض صنعاء باليمن وهو ألوان ويوجد عليه غشاوة ويحمى عليه ببعر الابل ثم يبرد ويكسر وقيل يوجد بالهند ولكن اليمن أجود
خواصه التختم به وحمله يورث الحلم والأناة وتصويب الرأي ويسر النفس ويكسب حامله وقارا وحسن خلق ويسكن الجدة عند الخصومة قال رسول الله ( من تختم بالعقيق لم يزل في بركه )
( الجزع ) هو حجر أيضا يؤتى به من اليمن والصين وألوانه كثيرة والناس يكرهونه لأنه يورث الهم والأحلام الرديئة وسوء الخلق وتعسر قضاء الحوائج ويكثر بكاء الصبي وسيلان لعابه ويثقل اللسان إذا سحق وشرب ماؤه وإذا وضع بين قوم لا علم لهم به حصلت بينهم العداوة لكنه يسهل الولادة تعليقا ( البلور ) هو صنف من الزجاج يحكى أن ببلاد كيسان جبلين أحدهما بلور وإذا أريد قطع البلور في ذلك الموضع قطع في الليل لأنه في النهار يكون له شعاع عظيم خواصه النظر فيه يشرح القلب ويبسط النفس ويسكن وجع الضرس ( المرجان ) هو واسطة بين النبات والمعدن لأنه بتشجره يشبه النبات وبتحجره يشبه المعدن ولا يزال لينا في معدنه فإذا فارقه تحجر ويبس

خواصه النظر فيه يشرح الصدر ويبسط النفس ويفرح القلب ويذهب بالداء المحتبس في العين ويسكن الرمد وسحاقته المخلوطة بالخل تجلو قلح الأسنان وإذا وضع على الجرح منعه من الانتفاخ وأنواعه كثيرة أحمر وأزرق وأبيض وأصله من البحر قيل إنه شجر ينبت وقيل إنه من حيوانه ( حجر الماطليس ) هو حجر هندي لا يعمل فيه الحديد والبيت الذي يكون فيه لا يدخله السحر ولا الجن ولأجل ذلك كان الاسكندر يجعله في عسكره ( الحجر الماهاني ) من تختم به أمن من الروع والهم والحزن والغم ولونه أبيض وأصفر ويوجد بأرض خراسان ( حجر مراد ) يوجد بناحية الجنوب وخاصيته إن الجن تتبع حامله وتعمل له ما أراد ( الدهنج ) خاصيته أنه إذا سقي إنسان من محكه يفعل فعل السم وإذا سقي شارب السم منه نفعه وإذا مسح به موضع اللدغ سكن وينفع من خفقان القلب وإذا طلي بحكاكته بياض البرص أزاله وإن علق على إنسان غلب عليه الباه ( السبج ) خواصه أنه يقوي النظر الضعيف من الكبر أو نزول الماء ولبسه ينفع عسر البول وإدمان النظر فيه يحد البصر وسحاقته تجلو البصر وإذا علق على من به صداع زال عنه ( المغناطيس ) يوجد في بحر الهند وهناك لا يتخذ في السفن حديد ويوجد ببلاد الأندلس أيضا وأجود أنواعه ما كان أسود يضرب إلى حمرة خواصه الاكتحال بسحاقته يورث ألفة بين المكتحل وبين من يحبه ويسهل الولادة تعليقا ومن تختم به كانت حاجته مقضية وتعليقه في العنق يزيد في الذهن وإذا سحق وشرب من سحاقته من به سم بطل سمه وإذا أصابته رائحة الثوم بطلت خاصيته وإذا غسل بالخل عاد إلى حالته وأجوده ما جذب نصف مثقال من الحديد ( حجر الخطاف ) الخطاف يوجد في عشه حجران أحدهما أحمر والآخر أبيض فالأحمر إذا علق على من يفزع في نومه زال فزعه والأبيض إذا علق على من به صرع زال عنه ( حجر الزاج ) إذا دخن البيت بسحافته هرب منه الفأر والذباب ( حجر الزنجفر ) أصله من الزئبق واستحال

وخاصيته أنه يدمل الجراحات وينبت اللحم ( حجر الملح ) هو أنواع وأجوده ما يوجد بأرض سدوم بالقرب من بحر لوط وقد جعله الله قواما للدنيا
ومن خاصيته أنه يحسن الذهب ويزيد في صفرنه وعن النبي أنه قال يا علي ابدأ بالملح واختم به فإن فيه شفاء من سبعين داء ( حجر النطرون ) قال أرسطو ينفع الأرحام التي غلبت عليها الرطوبة ينشفها ويقويها وإذا ألقي في العجين طيبه وبيضه ونشفه وهو نوعان أبيض وأحمر ( حجر اللازورد ) مشهور قال أرسطو من تختم به عظم في أعين الناس وينفع من السهر وا لله أعلم ومن أراد التعمق في ذلك فعليه بالكتب الموضوعة له ولكن قد ذكرنا ما هو معروف والحمد لله على كل حال وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثامن والستون في الأصوات والألحان وذكر الغناء واختلاف الناس فيه ومن كرهه ومن استحسنه وما ذكرت ذل إلا لأني كرهت أن يكون كتابي هذا بعد اشتماله على فنون الأدب والتحف والنوادر والأمثال عاطلا من هذه الصناعة التي هي مراد السمع ومرتع النفس وربيع القلب ومجال الهوى ومسلاة الكئيب وأنس الوحيد وزاد الراكب لعظم موقع الصوت الحسن من القلب وأخذه بمجامع النفس
فصل في الصوت الحسن
قال بعض أهل التفسير في قوله تعالى ( يزيد في الخلق ما يشاء ) هو الصوت الحسن وعن النبي أنه قال أتدرون متى كان الحداء ؟ قالوا لا بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله قال إن أباكم مضر خرج في طلب مال له فوجد غلاما قد تفرقت إبله فضربه على يده بالعصا فعدا الغلام في الوادي وهو يصي ح وايداه فسمعت الإبل صوته فعطفت عليه فقال مضر لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان كلاما تجتمع عليه الإبل فاشتق الحداء وقال النبي لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما أعجبه حسن صوته لقد رأيت مزمارا من مزامير آل داود وقيل إن داود عليه الصلاة و السلام كان يخرج

إلى صحراء بيت المقدس يوما في الأسبوع وتجتمع عليه الخلق فيقرأ الزبور بتلك القراءة الرخيمة وكان له جاريتان موصوفتان بالقوة والشدة فكانتا تضبطان جسده ضبطا شديدا خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب وكانت الوحوش والطير تجتمع لاستماع قراءته قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى بلغنا أن الله تعالى يقيم داود عليه الصلاة و السلام يوم القيامة عند ساق العرش فيقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم وقال سلام الحادي للمنصور وكان يضرب المثل بحدائه مر يا أمير المؤمنين بأن يظمأوا إبلا ثم يورودها الماء فإني آخذ في الحداء فترفع رؤوسها وتترك الشرب وزعم أهل الطب أن الصوت الحسن يجري في الجسم مجرى الدم في العروق فيصفو له الدم وتنمو له النفس ويرتاح له القلب وتهتز له الجوارح وتخف له الحركات ولهذا كرهوا للطفل أن ينام على أثر البكاء حتى يرقص ويطرب وزعمت الفلاسفة أن النغم فصل بقي من النطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس وحينت إليه الروح ألا ترى إلى أهل الصناعات كلها إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنموا بالألحان واستراحت إليها أنفسهم وليس من أحد كائنا من كان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ويعجبه طنين رأسه ولو لم يكن من فضل الصوت الحسن إلا أنه ليس في الأرض لذة تكتسب من مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا صيد إلا وفيها معاناة على البدن وتعب على الجوارح ما خلا السماع فإنه لا معاناة فيه على البدن ولا تعب على الجوارح وقد يتوصل بالألحان الحسان إلى خيري الدنيا والآخرة فمن ذلك أنها تبعث على مكارم الأخلاق من اصطناع المعروف وصلة الأرحام والذب عن الأعراض والتجاوز عن الذنوب وقد يبكي الرجل بها على خطيئته ويتذكر نعيم الملكوت ويمثله في ضميره ولأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يمجدون الله تعالى بها ويبكون على خطاياهم ويتذكرون نعيم الآخرة وكان أبو يوسف القاضي يحضر مجلس الرشيد وفيه الغناء فيجعل مكان السرور به بكاء كأنه يتذكر نعيم الآخرة وقد تحن

القلوب إلى حسن الصوت حتى الطير والبهائم وكان صاحب الفلاحات يقول إن النحل أطرب الحيوان كله على الغناء قال الشاعر
( والطير قد يسوقه للموت ... إصغاؤه إلى حنين الصوت ) وزعموا أن في البحر دواب ربما زمرت أصواتا مطربة ولحونا مستلذة يأخذ السامعين الغشي من حلاوتها فاعتنى بها وضعة الألحان بأن شبهوا بها أغانيهم فلم يبلغوا وربما يغشى على سامع الصوت الحسن للطافة وصوله إلى الدماغ وممازجته القلب ألا ترى إلى الأم كيف تناغي ولدها فيقبل بسمعه على مناغاتها ويتلهى عن البكاء والإبل تزداد نشاطها وقوتها بالحداء فترفع آذانها وتلتفت يمنة ويسرة وتتبختر في مشيتها وزعموا أن السماكين بنواحي العراق يبنون في جوف الماء حفائر ثم يضربون عندها بأصوات شجية فتجتمع السمك في الحفائر فيصيدونه وقد نبهت على ذلك في باب ذكر البحار وما فيها من العجائب والراعي إذا رفع صوته ونفخ في يراعته تلقته الغنم بآذانها وجدت في رعيها والدابة تعاف الماء فإذا سمعت الصفير بالغت في الشرب وليس شيء مما يستلذ به أخف مؤنة من السماع قال أفلاطون من حزن فليسمع الأصوات الحسنة فإن النفس إذا حزنت خمدت نارها فإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمدت وما زالت ملوك فارس تلهي المحزون بالسماع وتعلل به المريض وتشغله عن التفكير ومنهم أخذت العرب حتى قال ابن غيلة الشيباني
( وسماع مسمعة يعللنا ... حتى ننام تناوم العجم ) وحكي أن البعلبكي مؤذن المنصور رجع في أذانه ليلة وجارية تصب الماء على يد المنصور فارتعدت حتى وقع الإبريق من يدها فقال له المنصور خذ هذه الجارية فهي لك ولا تعد ترجع هذا الترجيع وقال عبد الرحمن به عبد الله بن أبي عمارة في قينة

( ألم ترها لا أبعد الله دارها ... إذا رجعت في صوتها كيف تصنع )
( تدير نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل من صوتها يترجع ) وبعد فهل خلق الله شيئا أوقع بالقلوب وأشد اختلاسا للعقول من الصوت الحسن لا سيما إذا كان من وجه حسن كما قال الشاعر
( رب سماع حسن ... سمعته من حسن )
( مقرب من فرح ... مبعد من حزن )
( لا فارقاني أبدا ... في صحة من بدن ) وهل على الأرض من جبان مستطار الفؤاد يغني بقول جرير
( قل للجبان إذا تأخر سرجه ... هل أنت من شرك المنية ناجي ) إلا شاجن شجعت نفسه وقوي قلبه أم هل على الأرض من بخيل قد انقبضت أطرافه يوما يغني بقول حاتم الطائي
( يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا ) إلا انبسطت أنامله ورشحت أطرافه واختلف الناس في الغناء فأجازه عامة أهل الحجاز وكرهه عامة أهل العراق فمن حجة من أجازه ما روي أن النبي قال لحسان ( شن الغطاريف على بني عبد مناف فوالله لشعرك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام ) واحتجوا في أباحة الغناء واستحسانه بقول النبي لعائشة رضي الله تعالى عنها ( أهديتم الفتاة إلى بعلها ؟ قالت نعم قال فبعثتم معها من يغني ؟ قالت لم نفعل قال أو ما علمت أن الأنصار قوم يعجبهم القول ألا بعثتم معها من يقول
( أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم )

( ولولا الحبة السمراء ... لم نحلل بواديكم ) ولا بأس بالغناء إذا لم يكن فيه أمر محرم ولا يكره السماع عند العرس والوليمه والعقيقة وغيرها فإن فيه تحريكا لزيادة سرور مباح أو مندوب ويدل عليه ما روي من إنشاد النساء بالدف والألحان عند قدوم النبي حيث قلن
( طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع )
( وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع )
( أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع ) ويدل عليه ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها إنها قالت رأيت النبي يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد الحرام حتى أكون أنا التي أسامه ويدل عليه أيضا ما روي في الصحيحين من حديث عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رشي الله تعالى عنها أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى يدففان ويضربان والنبي متغش بثوبه فانتهرها أبو بكر فكشف النبي عن وجهه وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وعن قرة بن خالد بن عبد الله بن يحيى قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه للنابغة الجعدي أسمعني بعض ما عفا الله لك عنه من هناتك فأسمعه كلمة فقال له وإنك لقائلها قال نعم قال طالما غنيت بها خلف جمال الخطاب وعن عبد الله بن عوف قال أتيت باب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فسمعته يغني بالركابية يقول
( فكيف ثوائي بالمدينة بعدما ... قضى وطرا منها جميل بن معمر ) وكان جميل بن معمر من أخصاء عمر قال فلما استأذنت عليه قال لي أسمعت ما قلت ؟ قلت نعم قال إذا خلونا ما يقول الناس في بيوتهم وقد أجازوا تحسين الصوت في القراءة والأذان فإن كانت الألحان مكروهة فالقراءة والأذان أحق بالتنزيه عنها وإن كانت غير

مكروهة فالشعر أحوج إليها لإقامة الوزن وما جعلت العرب الشعر موزونا إلا لمد الصوت والدندنة ولولا ذلك لكان الشعر المنظوم كالخبر المنشور ومن حجة من كره الغناء أنه قال أنه ينفر القلوب ويستفز العقول ويبعث على اللهو ويحض على الطرب وهذا باطل في أصله وتأولوا في ذلك قوله تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) وأخطأ من أول هذا التأويل إنما نزلت هذه الآية في قوم كانوا يشترون الكتب من أخبار السير والأحاديث القديمة ويضاهون بها القرآن ويقولون إنها أفضل منه وليس من سمع الغناء يتخذ آيات الله هزوا وقال رجل للحسن البصري ما تقول في الغناء يا أبا سعيد ؟ فقال نعم العون على طاعة الله تعالى يصل الرجل به رحمه ويواسي به صديقه قال ليس عن هذا أسألك قال وعم سألتني ؟ قال أن يغني الرجل قال وكيف يغني ؟ فجعل الرجل يلوي شدقيه ويفتح منخريه فقال الحسن والله يا ابن أخي ما ظننت أن عاقلا يفعل بنفسه هذا أبدا فلم ينكر الحسن عليه إلا تشويه وجهه وتعويج فمه وسمع ابن المبارك سكران يغني هذا البيت
( أذلني الهوى فأنا الذليل ... وليس إلى الذي أهوى سبيل ) قال فأخرج دواة وقرطاسا وكتب البيت فقيل له أتكتب بيت شعر سمعته من رجل سكران فقال أما سمعتم المثل رب جوهرة في مزبلة وكان لأبي حنيفة جار من الكيالين مغرم بالشراب وكان يغني على شرابه يقول العرجي
( اضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر ) قال فأخذه العسس ليلة وحبسه ففقد أبو حنيفة صوته واستوحش له فقال لأهله ما فعل جارنا الكيال ؟ قالوا أخذه العسس وهو

في الحبس فلما أصبح أبو حنيفة توجه إلى عيسى بن موسى فاستأذن عليه فأسرع إذنه وكان أبو حنيفة قليلا ما يأتي أبواب الملوك فأقبل عليه عيسى بن موسى وسأله عما جاء بسببه فقال أصلح الله الأمير إن لي جارا من الكيالين أخذه عسس الأمير ليلة كذا فوقع في حبسه فأمر عيسى بن موسى بإطلاق كل من في الحبس إكراما لأبي حنيفة فأقبل الكيال على أبي حنيفة يتشكر له فلما رآه أبو حنيفة قال له هل أضعناك يا فتى يعرض له بشعره الذي ينشده ؟ قال لا والله ولكنك بررت وحفظت وكان عروة بن أدية ثقة في الحديث روي عنه مالك بن أنس وكان شاعرا مجيدا لبقا غزلا وكان يصوغ ألحان الغناء على شعره وينحلها للمغنين قيل إنه وقفت عليه إمرأة يوما وحوله التلاميذ فقالت له أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح وأنت تقول
( إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... عمدت نحو سقاء القوم أبترد )
( هبي بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد ) وكان عبد الملك الملقب بالقس عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح في العبادة قيل إنه مر يوما بسلامة وهي تغني فاقام يسمع غناءها فرآه مولاها فقال له هل لك أن تدخل وتسمع فأبى فلم يزل به حتى دخل فغنته فأعجبته ولم يزل يسمعها ويلاحظ النظر حتى شغف بها فلما شعرت بلحظه إياها غنته
( رب رسولين لنا بلغا ... رسالة من قبل أن نبرحا )
( الطرف للطرف بعثناهما ... فقضيا حاجا وما صرحا ) قال فأغمي عليه وكاد يهلك فقالت له إني والله أحبك قال وأنا والله أحبك قالت وأحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا والله كذلك قالت فما يمنعك من ذلك ؟ قال أخشى أن تكون صداقة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة أما سمعت قوله تعالى

( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ثم نهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها وأنشأ يقول
( قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام )
( فاليوم أعذرهم وأعلم إنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام ) وقدم عبد الله بن جعفر على معاوية بالشام فأنزله في دار عياهل وأظهر من إكرامه ما يستحقه فغاظ ذلك فاختة بنت قرظة زوج معاوية فسمعت ذات ليلة غناء عند عبد الله بن حعفر فجاءت إلى معاوية فقالت هلم فاسمع ما في منزلك الذي جعلته من لحمك ودمك وأنزلته بين حرمك فجاء معاوية فسمع شيئا حركه وأطربه فقال والله إني لأسمع شيئا تكاد الجبال أن تخر له ثم انصرف فلما كان في آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر وهو قائم يصلي فنبه فاختة وقال لها اسمعي مكان ما أسمعتني هؤلاء قومي ملوك بالنهار رهبان بالليل ثم إن معاوية أرق ذات ليلة فقال لخادمه اذهب فانظر من عند عبد الله بن جعفر وأخبره إني قادم عليه فذهب وأخبره فأقام عبد الله كل من كان عنده فلما جاء معاوية لم ير في المجلس غير عبد الله فقال مجلس من هذا ؟ قال عبد الله هذا مجلس فلان يا أمير المؤمنين فقال معاوية مره فليرجع إلى مجلسه حتى لم يبق إلا مجلس رجل واحد قال مجلس من هذا ؟ قال مجلس رجل يداوي الآذان يا أمير المؤمنين قال إن أذني عليلة فمره أن يرجع إلى مجلسه وكان مجلس بديح المغني فأمره عبد الله بن جعفر فرجع إلى موضعه فقال له معاوية داو أذني من علتها فتناول العود وغنى وقال
( ودع سعاد فإن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل ) قال فحرك عبد الله بن جعفر رأسه فقال له معاوية لم حركت رأسك يا ابن جعفر ؟ قال أريحية أجدها يا أمير المؤمنين لو لقيت

لأبليت ولو سئلت لأعطيت وكان معاوية قد خضب قال فقال ابن جعفر لبديح هات غير هذا وكان عند معاوية جارية أعز جواريه عليه وكانت تتولى خضابه فغنى بديح وقال
( أليس عندك شكر للتي جعلت ... ما ابيض من قادمات الرأس كالحمم )
( وجددت منك ما قد كان أخلقه ... صرف الزمان وطول الدهر والقدم ) فطرب معاوية طربا شديدا وجعل يحرك رجله فقال له ابن جعفر يا أمير المؤمنين إنك سألتني عن تحريك رأسي فأجبتك وأخبرتك وأنا أسألك عن تحريك رجلك فقال كل كريم طروب ثم قام وقال لا يبرح أحد منكم حتى يأتي له إذني ثم ذهب فبعث إلى ابن جعفر بعشرة آلاف دينار ومائة ثوب من خاصة كسوته وإلا كل رجل منهم بألف دينار وعشرة أثواب وحدث ابن الكلبي والهيثم بن عدي قالا بينما عبد الله بن جعفر في بعض أزقة المدينة إذ سمع غناء فاصغى إليه فإذا صوت رقيق لقينة تغني وتقول
( قل للكرام ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج ) فنزل عبد الله عن دابته ودخل على القوم بلا إذن فلما رأوه قاموا إجلالا له ورفعوا مجلسه فأقبل عليه صاحب المجلس وقال يا ابن عم رسول الله أتدخل مجلسنا بلا إذن وليس هذا من شأنك ؟ فقال عبد الله لم أدخل إلا بإذن قال ومن لك ؟ قال قينتك هذه سمعتها تقول قل للكرام ببابنا يلجوا فولجنا فإن كنا كراما فقد أذن لنا وإن كنا لئاما خرجنا مذمومين فقبل صاحب المنزل يده وقال جعلت فداك والله ما أنت إلا من أكرم الناس فبعث عبد الله إلى جارية من جواريه فحضرت ودعا بثياب وطيب فكسا القوم وطيبهم ووهب الجارية لصاحب المنزل وقال هذه أحذق بالغناء من جاريتك وسمع سليمان بن عبد الملك مغنيا في عسكره فقال

اطلبوه فجاؤا به فقال أعد علي ما غنيت به فغنى وأحفل وكان سليمان أغير الناس فقال لأصحابه كأنها والله جرجرة الفحل في الشوك وما أظن أنثى تسمع هذا إلا صبت إليه ثم أمر به فخصي
أصل الغناء ومعدنه قال أبو المنذر هشام الغناء على ثلاثة أوجه النصب والسناد والهزج فأما النصب فغناء الفتيان والركبان وأما السناد فالثقيل الترجيع الكثير النغمات وأما الهزج فالخفيف كله وهو الذي يستفز القلوب ويهيج الحليم وقيل كان أصل الغناء ومعدنه في أمهات القرى فاشيا ظاهرا وهي المدينة والطائف وخيبر وفدك ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة وهذه القرى مجامع أسواق العرب ويقال إن أول من صنع العود لامك ابن قاين بن آدم وبكى به على ولده ويقال إن صانعه بطليموس صاحب الموسيقى وهو كتاب اللحون الثمانية والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب التاسع والستون في ذكر المغنين والمطربين وأخبارهم ونوادر الجلساء في مجالس الرؤساء قيل إن أول من غنى في العرب قينتان للنعمان يقال لهما الجرادتان ومن غنائهما
( ألا يا قين ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما ) وإنما غنتا هذا حين حبس الله عنهم المطر وقيل أول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق طويس وهو الذي علم ابن سريج والدلال نوبة الضحى وكان يكنى أبا عبد النعيم ومن غنائه وهو أول صوت غنى به في الإسلام هذا البيت
( قد براني الشوق حتى ... كدت من وجدي أذوب ) ثم نجم بعد طويس ابن طنبور وأصله من اليمن وكان أهزج الناس وأخفهم غناء ومن غنائه
( وفتيان على شرب جميعا ... دلفت لهم بباطية هدور )
( فلا تشرب بلا طرب فإني ... رأيت الخيل تشرب بالصفير ) ومنهم حكم الوادي ومن غنائه
( إمدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا يا لعطش )

( إنما الراح ربيع باكر ... فإذا ما وافت المرء انتعش ) وكان لهارون الرشيد جماعة من المغنين منهم إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي وغيرهما وكان له زامر يقال له برصوما وكان إبراهيم أشدهم تصرفا في الغناء وابن جامع أحلاهم نغمة فقال الرشيد يوما لبرصوما ما تقول في ابن جامع ؟ قال يا أمير المؤمنين وما أقول في العسل الذي من حيثما ما ذقته فهو طيب قال فإبراهيم الموصلي ؟ قال بستان فيه جميع الأزهار والرياحين وكان ابن محرز يغني كل إنسان بما يشتهيه كأنه خلق من قلب كل إنسان وغنى رجل بحضرة الرشيد بهذه الأبيات
( وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا )
( فليست عشيات الحمى برواجع ... عليك ولكن خل عينيك تدمعا )
( بكت عيني اليسرى فلما نهيتهما ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا ) قال فاستخف الرشيد الطرب فأمر له بمائة ألف درهم
وحدث ابن الكلبي عن أبيه قال كان ابن عائشة من أحسن الناس غناء وأنبههم فيه وكان من أضيق الناس خلقا إذا قيل له غن قال لمثلي يقال غن علي عتق رقبة إن غنيت يومي هذا فلما كان في بعض الأيام سال وادي العقيق فلم يبق في المدينة مخبأة ولا مخدرة ولا شاب ولا كهل إلا خرج يبصره وكان فيمن خرج ابن عائشة المغني وهو معتجر بفضل ردائه فنظر إليه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وكان الحسن فيمن خرج إلى العقيق وبين يديه عبدان أسودان كأنهما ساريتان يمشيان أمام دابته فقال لهما أقسم بالله إن لم تفعلا ما أمركما به لأنكلن بكما فقالا يا مولانا قل ما أمرتنا به فلو امرتنا ان نقتحم النار فعلنا قال فاذهبا إلى ذلك الرجل المعتجر بفضل ردائه فأمسكاه فإن لم يفعل ما آمره به وإلا فاقذفا به في العقيق قال فمضيا والحسن يقفوهما فلم يشعر ابن عائشة إلا وهما آخذان بمنكبيه فقال

هذا ؟ فقال له الحسن أنا هذا يا ابن عائشة فقال لبيك وسعديك بأبي أنت وأمي قال اسمع مني ما أقول لك واعلم أنك مأسور في أيديهما وقد أقسمت إن لم تغن مائة صوت ليطرحانك في العقيق قال فصاح ابن عائشة واويلاه واعظم مصيبتاه فقال له الحسن دعنا من صياحك وخذ فيما ينفعنا قال اقترح وأقم من يحصي ثم أقبل يغني فترك الناس العقيق واقبلوا عليه فلما تمت أصواته مائة كبر الناس بلسان واحد تكبيرة ارتجت لها أقطار الأرض وقالوا للحسن صلى الله على جدك حيا وميتا فما اجتمع لأحد من أهل المدينة سرور قط إلا بكم أهل البيت فقال له الحسن ما فعلت هذا بك يا ابن عائشة إلا لأخلاقك الشرسة فقال ابن عائشة والله ما مرت بي شدة أعظم من هذه لقد بلغت أطراف أعضائي فكان ابن عائشة بعد ذلك إذا قيل له ما أشد يوم مر عليك ؟ يقول يوم العقيق
وحدث أبو جعفر البغدادي قال حدثني عبد الله بن محمد كاتب بغداد عن أبي عكرمة قال خرجت يوما إلى المسجد الجامع فمررت بباب أبي عيسى بن المتوكل فإذا على بابه المشدود وهو أحذق خلق الله تعالى بالغناء فقال أين تريد يا أبا عكرمة ؟ قلت المسجد الجامع لعلي أستفيد حكمة اكتبها فقال أدخل بنا إلى أبي عيسى قلت أمثل أبي عيسى في قدره وجلالته يدخل عليه بلا إذن ؟ فقال للحاجب أعلم أمير المؤمنين بمكان أبي عكرمة فما لبث إلا ساعة حتى خرج الغلمان إلي فحملوني حملا فدخلت إلى دار ما رأيت أحسن منها بناء ولا أظرف منها هيئة فلما نظرت إلى أبي عيسى قال لي ما يعيش من يحتشم اجلس فجلست فأتينا بطعام كثير فملا انقضى أتينا بشراب وقامت جارية تسقينا شرابا كالشعاع في زجاجة كأنها كوكب دري فقلت أصلح الله الأمير وأتم عليه نعمه ولا سلبه ما وهبه قال فدعا أبو عيسى بالمغنيين وهم المشدود ودبيس ورقيق ولم يكن في ذلك الزمان أحذق من هؤلاء الثلاثة بالغناء فابتدأ المشدود وغنى يقول
( لما استقل بارداف تجاذبه ... واخضر فوق بياض الدر شاربه )

( وأشرق الورد من نسرين وجنته ... واهتز أعلاه وارتجت حقائبه )
( كلمته بجفون غير ناطقة ... فكان من رده ما قال حاجبه ) ثم سكت وغنى دبيس
( الحب حلو أمرته عواقبه ... وصاحب الحب صب القلب ذائبه )
( استودع الله من بالطرف ودعني ... يوم الفراق ودمع العين ساكبه )
( ثم انصرفت وداعي الشوق يهتف بي ... إرفق بقلبك قد عزت مطالبه ) ثم سكت وغنى رقيق
( بدر من الإنس حفته كواكبه ... قد لاح عارضه واخضر شاربه )
( إن يوعد الوعد يوما فهو مخلفه ... أو ينطق القول يوما فهو كاذبه )
( عاطيته كدم الأوداج صافية ... فقام يشدو وقد مالت جوانبه ) ثم سكت وابتدأ المشدود يقول
( يا دير حنة من ذات الاكيراح ... من يصح عنك فإني لست بالصاحي ) ثم سكت وغنى دبيس
( دع البساتين من آس وتفاح ... واعدل هديت إلى شيخ الاكيراح )
( واعدل إلى فتية ذابت لحومهم ... من العبادة إلا نضو أشباح )
( وخمرة عتقت في دنها حقبا ... كأنها دمعة في جفن سياح ) ثم سكت وغنى رقيق
( لا تحلفن بقول اللائم اللاحي ... واشرب على الورد من مشمولة الراح )
( كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... أغناه لألاؤها عن كل مصباح )

( ما زلت أسقي نديمي ثم ألثمه ... والليل ملتحف في ثوب امساح )
( فقام يشدو وقد مالت سوالفه ... يا دير حنة من ذات الأكيراح ) ثم أقبل أبو عيسى على المشدود وقال له غن لي شعري فغناه
( يا لجة الدمع هل للغمض مرجوع ... أم للكرى من جفون العين ممنوع )
( ما حيلتي وفؤادي هائم دنف ... بعقرب الصدغ من مولاي ملسوع )
( لا والذي تلفت نفسي بفرقته ... فالقلب من فرق الأحزان مصدوع )
( ما أرق العين إلا حب مبتدع ... ثوب الجمال على خديه مخلوع ) قال أبو عكرمة فوالله لقد حضرت من المجالس ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى فما حضرت مثل ذلك المجلس ولولا أن أبا عيسى قطعهم ما انقطعوا وحكي عن الرشيد أنه قال يوما للفضل ابن الربيع من بالباب من الندماء ؟ قال جماعة فيهم هاشم بن سليمان مولى بني أمية وأمير المؤمنين يشتهي سماعه قال فأذن له وحده فدخل فقال هات يا هشام فغناه من شعر جميل حيث يقول
( إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالحكل )
( فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح عقلي ما أصبت به أهلي )
( خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكي من حب قاتله قبلي ) قال فطرب الرشيد طربا شديدا وقال أحسنت لله أبوك قلده عقدا نفيسا فلما رأه هاشم ترقرقت عيناه بالدموع فقال له الرشيد ما يبكيك يا هاشم ؟ فقال يا أمير المؤمنين إن لهذا العقد حديثا عجيبا إن أذن لي أمير المؤمنين حدثته به فقال قد أذنت لك قال يا أمير المؤمنين قدمت يوما على الوليد وهو على بحيرة طبرية ومعه قينتان لم ير مثلهما جمالا وحسنا فلما وقعت عينه علي قال هذا

إعرابي قد ظهر من البوادي أدعو به لنسخر به فدعاني فسرت إليه ولم يعرفني فغنت إحدى الجاريتين بصوت هو لي فأخطأته الجارية فقلت لها أخطأت يا جارية فضحكت ثم قالت يا أمير المؤمنين ألم تسمع ما يقول هذا الأعرابي يعيب علينا غناءنا ؟ فنظر إلى كالمنكر فقلت يا أمير المؤمنين أنا أبين لك الخطأ فلتصلح وتر كذا ووتر كذا ففعلت وغنت شيئا ما سمع منها إلا في هذا اليوم فقامت الجارية مكبة علي وقالت أستاذي هاشم ورب الكعبة فقال الوليد أهاشم ابن سليمان أنت ؟ قلت نعم يا أمير المؤمنين وكشفت عن وجهي وأقمت معه بقية يومنا فأمر لي بثلاثين ألف درهم فقالت الجارية يا أمير المؤمنين أتأذن لي في بر أستاذي ؟ فقال الوليد ذلك إليك فحلت يا أمير المؤمنين هذا العقد من عنقها ووضعته في عنقي وقالت هو لك ثم قربوا إليه السفينة ليرجع إلى موضعه فركب في السفينة وطلعت معه إحدى الجاريتين وأبتعتها صاحبتي فأردات أن ترفع رجلها وتطلع السفينة فسقطت في الماء فغرقت لوقتها وطلبت فلم يقدر عليها فاشتد جزع الوليد عليها وبكى بكاء شديدا وبكيت أنا عليها أيضا بكاء شديدا فقال لي يا هاشم ما نرجع عليك مما وهبناه لك ولكن نحب أن يكون هذا العقد عندنا نذكرها به فبعني إياه فعوضني عنه ثلاثين ألف درهم فلما وهبتني العقد يا أمير المؤمنين تذكرت قضيته وهذا سبب بكائي فقال الرشيد لا تعجب فإن الله كما ورثنا مكانهم ورثنا أموالهم وقال علي بن سليمان النوفلي غنى دحمان الأشقر عند الرشيد يوما فأنشده
( إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا برؤياك هاديا )
( ذكرتك بالديزين يوما فأشرفت ... بنات الهوى حتى بلغن التراقيا )
( إذا ما طواك الدهر يا أم مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا ) قال فطرب الرشيد طربا شديدا واستعاده منه مرات ثم قال له

علي قال أتمنى الهنىء والمرئ وهما ضيعتان غلتهما أربعون ألف دينار في كل سنة فأر له بهما فقيل له يا أمير المؤمنين إن هاتين الضيعتين من جلالتهما يجب أن لا يسمح بمثلهما فقا الرشيد لا سبيل إلى استرداد ما أعطيت ولكن احتالوا في شرائهما منه فساوموه فيهما حتى وقفوا معه على مائة ألفه دينار فرضي بذلك فقال الرشيد إدفعوها له فقاولا يا أمير المؤمنين في إخراج مائة ألف دينار من بيت المال طعن ولكن نقطعها له فكان يوصل بخمسة آلاف وثلاثة آلاف حتى استوفاها ومن ذلك ما حكى إسحاق الموصلي قال كان الواثق بن المعتصم أعلم الناس بالغناء وكان يضع الألحان العجيبة فغنيني بها شعره وشعر غيره فقال له يوما يا أبا محمد لقد فقت أهل العصر في كل شيء فغني شعرا أرتاح إليه وأطرب عليه يومي هذا قال اسحاق فغنيته هذه الأبيات
( ما كنت أعلم ما في البين من حرق ... حتى تنادوا بأن قد جيء بالسفن )
( قالت تودعني والدمع يغلبها ... فهمهمت بعض ما قالت ولم تبن )
( مالت إلى وضمتني لترشفني ... كما يميل نسيم الريح بالغصن )
( وأعرضت ثم قالت وهي باكية ... يا ليت معرفتي إياك لم تكن ) قال فخلع علي خلعة كانت عليه وأمر لي بمائة ألف درهم وقال وغنيته يوما
( قفي ودعينا يا سعاد بنظرة ... فقد حان منا يا سعاد رحيل )
( فيا جنة الدنيا ويا غاية المنى ... ويا سؤال نفسي هل إليك سبيل )
( وكنت إذا ما جئت جئت لعلة ... فافنيت علاتي فكيف أقول )
( فما كل يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك وصول ) فقال والله لا سمعت يومي غيره وألقى علي خلعة من ثيابه وأمر لي بصلة ما أمر لي قبلها بمثلها

حذف حذف 332

ومن حكايات الخلفاء ومكارم أخلاقهم ما حكي عن إبراهيم بن المهدي قال قال جعفر بن يحيى يوما لبعض ندمائه إني قد استأذنت أمير المؤمنين في الخلوة غدا فهل من مساعدة ؟ فقلت جعلت فداءك أنا أسعد بمساعدتك وأسر بمشاهدتك فقال بكر بكور الغراب قال فأتيته عند الفجر فوجدت الشموع قد أوقدت بين يديه وهو ينتظرني في الميعاد فما زلنا في أطيب عيش إلى وقت الضحى فقدمت إلينا موائد الأطعمة عليها من أفخر الطعام وأطيبه فأكلنا وغسلنا أيدينا ثم خلعت علينا ثياب المنادمة وضمخنا بالخلوق وانتقلنا إلى مجلس الطرب ومدت الستائر وغنت القينات فظللنا بأنعم يوم ثم إنه داخله الطرب فدعا بالحاجب وقال له إذا أتى أحد يطلبنا فأذن له ولو كان عبد الملك بن صالح بنفسه فاتفق بالأمر المقدر إن عم الرشيد عبد الملك بن صالح قدم علينا في ذلك الوقت وكان صاحب جلالة وهيبة ورفعة وعنده من الورع والزهد والعبادة ما لا مزيد عليه وكان الرشيد إذا جلس مجلس لهو لا يطلعه على ذلك لشدة ورعه فلما قدم دخل به الحاجب علينا فلما رأيناه رمينا ما في أيدينا وقمنا إجلالا له نقبل يده وقد ارتعنا لذلك وخجلنا وزاد بنا الحياء فقال لا بأس عليكم كونوا على ما أنتم عليه ثم صاح بغلام فدفع له ثيابه ثم أقبل علينا وقال اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم قال فما كان بأسرع من أن طرحت عليه ثياب خز معلم وقدمت إليه موائد الطعام والشراب فطعم وشرب الشراب لساعته ثم قال خففوا عني فإنه شيء ما فعلته والله قط قال فتهلل وجه جعفر ثم التفت إلى عبد الملك فقال له جعلت فداءك قد علوت علينا وتفضلت فهل من حاجة تبلغها مقدرتي وتحيط بها نعمتي فاقضيها لك مكافأة لك على ما صنعت قال بلى إن في قلب أمير المؤمنين بعض تغير علي فتسأله الرضا عني فقال جعفر قد رضي عنك أمير المؤمنين قال وعلي عشرة آلاف دينار فقال جعفر هي حاضرة لك من مالي ولك من مال أمير المؤمنين مثلها قال أريد أن أشد ظهر ابني إبراهيم بمصاهرة من أمير المؤمنين قال قد زوجه أمير المؤمنين بابنته الغالية قال وأحب أن أن تخفق الألوية على رأسه قال وقد ولاه

أمير المؤمنين مصر فانصرف عبد الملك بن صالح وبقيت متعجبا من إقدام جعفر على ذلك من غير استئذان وقلت عسى أن يجيبه أمير المؤمنين إلى ما سأله من الولاية والمال والرضا إلا المصاهرة قال فلما كان من الغد بكرت إلى باب الرشيد لأنظر ما يكون من أمرهم فدخل جعفر فلم يلبث أن دعي بأبي يوسف القاضي ثم بإبراهيم بن عبد الملك بن صالح فخرج إبراهيم وقد عقد نكاحه بالغالية بنت الرشيد وعقد له على مصر الرايات والألوية تخفق على رأسه وخرج كل من في القصر معه إلى بيت عبد الملك بن صالح قال ثم بعد ذلك خرج إلينا جعفر وقال أظن أن قلوبكم تعلقت بحديث عبد الملك بن صالح وأحببتم سماع ذلك قلنا هو كما ظننت قال لما دخلت على أمير المؤمنين ومثلت بين يديه قال كيف كان يومك يا جعفر بالأمس ؟ فقصصت عليه القصة حتى بلغت إلى دخول عبد الملك بن صالح فكان متكئا فاستوى جالسا وقال لله أبوك ما سألك ؟ قلت سأنل رضاك عنه يا أمير المؤمنين قال بم أجبته قلت قد رضي عنك أمير المؤمنين قال قد رضيت عنه ثم ماذا قلت وذكر ان عليه عشرة آلاف دينار قال فبم أجبته ؟ قلت قد قضاها عنك أمير المؤمنين قال وقد قضيتها عنه ثم ماذا قلت ورغب أن يشد أمير المؤمنين ظهر ولده إبراهيم بمصاهرة منه قال فبم أجبته ؟ قلت قد زوجه أمير المؤمنين بابنته الغالية قال قد أجبته إلى ذلك ثم ماذا قلت ؟ قال وأحب أن تخفق الألوية على رأسه قال فبم أجبته ؟ قلت قد ولاه أمير المؤمنين مصر قال قد وليته إياها ثم نجز له جميع ذلك من ساعته قال إبراهيم بن المهدي فوالله ما أدري أي الثلاثة أكرم وأعجب فعلا ما ابتدأه عبد الملك بن صالح من المنادمة ولم يكن فعل ذلك قط أم إقدام جعفر على الرشيد أم إمضاء الرشيد جميع ما حكم به جعفر فهكذا تكون مكارم الأخلاق وحكى أبو العباس عن عمر الرازي قال أقبلت من مكة أريد المدينة فجعلت أسير في جمد من الأرض فسمعت غناء لم أسمع مثله فقلت والله لأتوصلن إليه فإذا هو عبد أسود فقلت له أعد علي ما سمعت فقال والله لو كان عندي قري أقريكه لفعلت ولكني أجعله قراك

فإني والله ربما غنيت بهذا الصوت وأنا جائع فأشبع وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط أو عطشان فأروى ثم اندفع يغني ويقول
( وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها )
( من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها ) قال عمر فحفظته منه ثم تغنيت به على الحالات التي وصفها إلى فإذا هي كما ذكر والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب السبعون في ذكر القينات والأغاني
حكى علي بن الجهم قال لما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المتوكل أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان جارية يقال لها محبوبة كانت قد نشأت بالطائف فبرعت في الجمال والأدب وأجادت قول الشعر وحذاقة الغناء فشغف بها أمير المؤمنين المتوكل حتى كانت لا تفارق مجلسه ساعة واحدة ثم أنه حصل منه عليها بعد ذلك جفاء فهجرها قال علي بن الجهم فبينما أنا نائم عنده ذات ليلة إذ أيقظني فقال يا علي قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال قد رأيت الليلة في منامي كأني رضيت على محبوبة وصالحتها فقلت خيرا رأيت يا أمير المؤمنين أقر الله عينك إنما هي جاريتك والرضا والجفاء بيدك فوالله إنا لفي حديثها إذ جاءت وصيفة فقالت يا أمير المرمنين سمعت صوت عود من حجرة محبوبة فقال قم بنا يا علي ننظر ما تصنع فنهضنا حتى أيتنا حجرتها فإذا هي تضرب بالعود وتقول
( أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلتمني )
( كأنني قد أتيت معصية ... ليس لها توبة تخلصني )
( فهل شفيع لنا إلى ملك ... قد زارني في الكرى وصالحني )
( حتى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره وصارمني ) قال فصاح أمير المؤمنين فلما سمعته تلقته وأكبت على رجليه تقبلهما فقال ما هذا ؟ قلت يا مولاي رأيت في منامي هذه الليلة

كأنك قد رضيت عني فأنشدت ما سمعت قال وأنا والله رأيت مثل ذلك ثم قال يا علي هل رأيت أعجب من هذا الاتفاق ثم أخذ بيدها ومضى إلى حجرتها وكان من أمرهما ما كان
قيل وكان أمير المؤمنين الواثق إذا شرب رقد في موضعه الذي شرب فيه ومن كان معه من ندمائه وشرب رقد ولم يخرج فشرب يوما وخرج من كان عنده إلا مغنيا واحدا أظهر التراقد فترك وكانت مغنية من حظايا الخليفة نائمة فلما خلا المجلس كتب المغني رقعة ورمى بها إليها فإذا فيها
( إني رأيتك في المنام ضجيعتي ... مسترشفا من ريق فيك البارد )
( وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعا في لحاف واحد )
( ثم انتبهت ومنكباك كلاهما ... في راحتي وتحد خدك ساعدي )
( فقطعت يومي كله متراقدا ... لأرك في نومي ولست براقد ) فكتبت إليه على ظهرها تقول
( خيرا رأيت وكل ما أملته ... ستناله مني برغم الحاسد )
( وتبيت بين خلاخلي ودمالجي ... وتحل بين مراشفي ونواهدي )
( ونكون أنعم عاشقين تعاطيا ... ملح الحديث بلا مخافة راصد ) فلما مدت يدها لترمي إليه بالرقعة رفع الواثق رأسه فأخذها من يدها وقال ما هذا ؟ فحلفا له أنه لم يجر بينهما قبل ذلك كلام ولا كتاب ولا رسول إلا أن العشق قد خامرهما قال فاعتقها من وقتها وزوجها به وقلت خذها ولا تقربنا بعد اليوم وكان لأسماء بنت المهدي جارية يقال لها كاعب وكانت بكرا ناهدا بنت ثلاث عشرة سنة قال فتلاعب عليها أبو نواس فتمنعت فوقع في قلبه منها ما وقع وأحبته هي أيضا فجعل أبو نواس كلما أمسكها تمنعت فظفر بها ليلة من الليالي في ناحية

من القصر فأمسكها فبكت وقالت له يا سيدي الموت دون ذلك فقال أبو نواس هذا جزع الابكار فاتفق أنه خرج يوما من القصر وقد ترقرق الدجا فوجدها نائمة في سدلة وهي سكرى لا تفيق فتقرب منها وحل سراويلها ووقع عليها فإذا هي خالية من البكارة فارتاع وظن أن يكون أتاها دم فلم يجد فقام عنها وندم على ما كان منه وأنشد يقوله
( وناهدة الثديين من خدم القصر ... مرقوقة الخدين ليلية الشعر )
( كلفت بها دهرا على حسن وجهها ... طويلا وما حب الكواعب من أمري )
( فما زلت بالأشعار حتى خدعتها ... وروضتها والشعر من خدع السحر )
( أطالبها شيئا فقالت بعبرة ... أموت ولا هذا ودمعتها تجري )
( فلما تعارضنا توسطت لجة ... غرقت بها يا قوم في لجج البحر )
( فصحت أغثني يا غلام فجاءني ... وقد زلقت رجلي وصرت إلى الصدر )
( ولولا صياحي بالغلام وإنه ... تداركني بالحبل صرت إلى القعر )
( فأقسمت عمري لا ركبت سفينة ... ولا سرت طول الدهر إلا على ظهر ) ومن ذلك ما حدث الشيباني قال كان عند رجل بالعراق قينة وكان أبو نواس يختلف إليها وكانت تظهر له أنها لا تحب غيره وكان كلما دخل إليها وجد عندها شابا يجالسها ويحادثها فقال فيها هذه الأبيات
( ومظهرة لخلق الله ودا ... وتلقي بالتحية والسلام )
( أتيت لبابها أشكو إليها ... فلم أخلص إليه من الزحام )
( فيا من ليس يكفيها خليل ... ولا ألفا خليل كل عام )
( أراك بقية من قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام ) وقال أبو سويد حدثني أبو زيد الأسدي قال دخلت على سليمان ابن عبد الملك وهو جالس في إيوان مبلط بالرخام الأحمر مفروش بالديباج الأخضر في وسط بستان ملتف قد أثمر وأينع وعلى رأسه وصائف كل

واحدة منهن أحسن من صاحبتها وقد غابت الشمس وغنت الأطيار فتجاوبت وصفقت الرياح على الأشجار فتمايلت فقلت السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته وكان مطرقا فرفع رأسه وقال أبا زيد في مثل هذا حين تصاحبنا فقلت أصلح الله الأمير أو قامت القيامة ؟ قال نعم على أهل المحبة ثم أطرق مليا ورفع رأسه وقال أبا زيد ما يطيب في يومنا هذا ؟ قلت أصلح الله الأمير قهوة حمراء في زجاجة بيضاء تناولها غادة هيفاء مضمومة الفاء أشربها من كفها وأمسح فمي بخدها فأطرق سليمان مليا لا يرد جابا تنحدر من عينيه عبرات بلا شهيق فلما رأت الوصائف ذلك تنحين عنه ثم رفع رأسه فقال أبا زيد حضرت في يوم فيه انقضاء أجلك ومنتهى مدتك وتصرم عمرك والله لأضربن عنقك أو لتخبرني ما أثار هذه الصفة من قلبك قلت نعم أصلح الله الأمير كنت جالسا عند دار أخيك سعيد بن عبد الملك فإذا أنا بجارية قد خرجت من باب القصر كأنها غزال انفلت من شبكة صياد عليها قميص سكب اسكندراني يبين منه بياض بدنها وتدوير سرتها ونقش تكتها وفي رجليها نعلان صراران قد أشرق بياض قدميها على حمرة نعليها بذؤابتين تضربان إلى حقويها لها صدغان كأنهما نونان وحاجبان قد قوسا على محاجر عينيها وعينان مملوءتان سحرا وأنف كأنه قصبة بلور وفم كأنه جرح يقطر دما وهي تقول عباد الله من لي بدواء ما لا يشتكى وعلاج ما لا يسمى طال الحجاب وأبطأ الجواب والقلب طائر والعقل عازب والنفس والهة والفؤاد مختلس والنوم محتبس رحمة الله على قوم عاشوا تجلدا وماتوا كمدا ولو كان إلى الصبر حيلة أو إلى ترك الغرام سبيل لكان أمرا جميلا ثم أطرقت طويلا ورفعت رأسها فقلت لها أيتها الجارية إنسية أنت أم جنية سماوية أنت أم أرضية ؟ فقد أعجبني ذكاء عقلك واذهلني حسن منطقك فسترت وجهها بكمها كأنها لم ترني ثم قالت أعذر أيها المتكلم فما أوحش الساعد بلا مساعد والمقاساة لصب معاند ثم انصرفت فوالله ما أكلت طعاما طيبا إلا غصصت به لذكرها ولا رأيت حسنا إلا سمج في عيني لحسنها فقال سليمان أبا زيد كاد الجهل يستفزني والصبا يعاودني والحلم يعزب

عني لشجو ما سمعت اعلم يا أبا زيد أن تلك التي رأيتها هي الذلفاء التي قيل فيها
( إنما الذلفاء ياقوتة ... أخرجت من كيس دهقان ) شراؤها على أخي ألف ألف درهم وهي عاشقة لمن باعها والله إن مات ما يموت إلا بحبها ولا يدخل القبر إلا بغصتها وفي الصبر سلوة وفي توقع الموت نهيه قم أبا زيد في دعة الله تعالى ثم قال يا غلام نفله ببدرة فأخذتها وانصرفت قال فلما أفضت الخلافة إليه صارت الذلفاء إليه فأمر بفسطاط فأخرج على دهناء الغوطة وضرب في روضة خضراء مونقة زهراء ذات حدائق بهجة تحتها أنواع الزهر ما بين أصفر فاقع وأحمر ساطع وأبيض ناصع وكان لسليمان مغن يقال له سنان به يأنس وإليه يسكن فأمره أن يضرب فسطاطه بالقرب منه وكانت الذلفاء قد خرجت مع سليمان إلى ذلك المتنزه فلم يزل سنان يومه ذلك عند سليمان في أكمل سرور وأتم حبور إلى أن انصرف من الليل إلى فسطاطه فنزل به جماعة من إخوانه فقالوا له نريد قرا أصلحك الله قال وما قراكم ؟ قالوا أكل وشرب وسماع قال أما الأكل والشرب فمباحان لكم وأما السماع فقد عرفتم شدة غيرة أمير المؤمنين ونهيه عنه إلا ما كان في مجلسه قالوا لا حاجة لنا بطعامك وشرابك إن لم تسمعنا قال فاختاروا صوتا واحدا أغنيكموه قالوا غننا صوت كذا فرفع صوته يغني بهذه الأبيات
( محجوبة سمعت صوتي فأرقها ... من آخر الليل لما نبه السحر )
( في ليلة البدر ما يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر )
( لم يحجب الصوت احراس ولا غلق ... فدمعها لطروق الصوت منحدر )
( لو مكنت لمشت نحوي على قدم ... تكاد من لينها في المشي تنفطر ) قال فسمعت الذلفاء صوت سنان فخرجت إلى صحن الفسطاط

تسمع فجعلت لا تسمع شيئا من حسن خلق ولطافة قد إلا رأت ذلك كله في نفسها وهيئتها فحرك ذلك ساكنا من قلبها فهملت عيناها وعلا نحيبها فانتبه سليمان فلم يجدها معه فخرج إلى صحن الفسطاط فرآها على تلك الحال فقال ما هذا يا ذلفاء ؟ فقالت
( ألا رب صوت رائع من مشوه ... قبيح المحيا واضع الأب والجد )
( يروعك منه صوته ولعله ... إلى أمة يعزى معا وإلى عبد ) فقال سليمان دعيني من هذا فوالله لقد خامر قلبك منه ما خامر ثم قال يا غلام علي بسنان فدعت الذلفاء خادما لها فقالت له إن سبقت رسول أمير المؤمنين إلى سنان فحذرته فلك عشرة آلاف درهم وأنت حر لوجه الله تعالى فخرج الرسولان فسبق رسول أمير المؤمنين سليمان فلما أتى به قال يا سنان ألم أنهك عن مثل هذا ؟ قال يا أمير المؤمنين حملني على ذلك حلمك وأنا عبد أمير المؤمنين وغرس نعمته فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفو عن عبده فليفعل قال قد عفوت عنك ولكن أما علمت أن الفرس إذا صهل ودقت له الحجرة وأن الفحل إذا هدر ضبعت له الناقة وأن الرجل إذا تغنى أصغت له المرأة إياك إياك والعود إلى ما كان منك فيطول غمك
وحكي أن الرشيد فصد يوما فأرسلت إليه بعض حظاياه قدحا فيه شراب مع وصيفة لها حسنة الوجه جميلة الطلعة بديعة المحيا وغطته بمنديل مكتوب عليه هذه الأبيات
( فصدت عرقا تبتغي صحة ... ألبسك الله به العافية )
( فاشرب بهذا الكأس يا سيدي ... واهنأ به من كف ذي الجارية )
( واجعل لمن أنفذه خلوة ... تحظى بها في الليلة الآتية ) قال فنظر الرشيد إلى الوصيفة التي جاءت بالقدح فاستحسنها

فافتضها ثم أرسلها فعلمت مولاتها بذلك فكتبت إليه رقعة تقول فيها هذه الأبيات
( بعثت الرسول فأبطأ قليلا ... على الرغم مني فصبرا جميلا )
( وكنت الخليل وكان الرسول ... فصرت الرسول وصار الخليلا )
( كذا من يوجه في حاجة ... إلى من يجب رسولا جميلا ) قال فاستحسن الرشيد ذلك منها وأرسل إليها أنا عندك الليلة وأهدى داود بن روح المهلبي إلى المهدي جارية فحظيت عنده فواعدته المبيت عنده ليلة فمنعها الحيض فكتب إليها يقول
( لأهجرن حبيبا خان موعده ... وكان منه لصفو العيش تكدير ) فأرسلت إليه تجيبه
( لا تهجرن حبيبا خان موعده ... ولا تذمن وعدا فيه تأخير )
( ما كان حبسي إلا من حدوث أذى ... لا يستطاع له بالقول تفسير ) وقال محمد بن مروان يصف جارية له
( أمست تباع ولو تباع بوزنها ... درا بكى أسفا عليها البائع ) وكان للمأمون جويرية من أحسن الناس وأسبقهم إلى كل نادرة فحظت عنده فحسدها الجواري وقلن لا حسب لها فنقشت على خاتمها حسبي حسني فازداد بها المأمون عجبا فمستها الجواري فماتت فجزع عليها المأمون جزعا شديدا وقال
( اختلست ريحانتي من يدي ... أبكي عليها آخر الأبد )
( كانت هي الأنس إذا استوحشت ... نفسي من الأقرب والأبعد )
( وروضة كان بها مرتعي ... ومنهلا كان بها موردي )
( كانت يدي كان بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي )

وللمتوكل في قينة
( أمازحها فتغضب ثم ترضى ... فكل فعالها حسن جميل )
( فان غضبت فاحسن ذي دلال ... وان رضيت فليس لها عديل ) وحدث أبو عبد الله بن عبد البر قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عدي قال كان في المدينة رجل من بني هاشم وكان له قينتان يقال لأحداهما رشا وللأخرى جؤذر وكان بالمدينة رجل مضحك لا يكاد يغيب عن مجلس المستطرفين فأرسل الهاشمي إليه ذات يوم ليسخر به فلما أتاه قال له أصلحك الله إنك لفي لذتك ولا لذة لي قال وما لذتك ؟ قال تحضر لي نبيذا فإنه لا يطيب لي عيش إلا به فأمر الهاشمي باحضار نبيذ وأمر أن يطرح فيه سكر العشر فلما شربه المضحك تحرك عليه بطنه فتناوم الهاشمي وغمز جاريتيه عليه فلما ضاق عليه الأمر واضطر إلى التبرز قال في نفسه ما أظن هاتين المغنيتين إلا يمانيتين وأهل اليمن يسمون الكنف بالمراحيض فقال لهما يا حبيبتي أين المرحاض ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ما يقول سيدنا قالت يقول غنياني
( رحضت فؤادي فخليتني ... أهيم من الحب في كل وادي ) فاندفعتا تغنيانه فقال في نفسه والله ما أظنهما فهمتا عني وما أظنهما إلا مكيتين وأهل مكة يسمونها المخارج فقال يا حبيبتي أني المخرج ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ما يقول سيدنا ؟ قالت يقول غنياني
( خرجت لها من بطن مكة بعدما ... أقام المنادي بالعشي فأعتما ) فاندفعتا يغنيانه فقال في نفسه لم يفهما عني وما أظنهما إلا شاميتين وأهل الشام يسمونها المذاهب فقال يا حبيبتي أين المذاهب ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ما يقول حبيبنا ؟ قالو يقول غنياني

( ذهبت من الهجران في كل مذهب ... ولم يك حقا كل هذا التجنب ) فغنتاه الصوت فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لم يفهما عني وما أظن القحبتين إلا مدنيتين وأهل المدينة يسمونهابيت الخلاء فقال يا حبيبتي أين بيت الخلاء ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ما يقول سيدنا ؟ قالت يقول غنياني
( خلا علي بقاع الأرض إذا ظنوا ... من بظن مكة واستراعائي الحزن ) قال فغنتاه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظن الفاسقتين إلا بصريتين وأهل البصرة يسمونها الحشوش فقال يا حبيبتي أين الحشوش ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ما يقول سيدنا ؟ قالت يقول غنياني
( أوحشوني وعز صبري فيهم ... ما احتيالي وما يكون فعالي ) قال فاندفعتا تغنيانه فقال ما أراهما إلا كوفيتين وأهل الكوفة يسمونها الكنف فقال لهما يا حبيبتي أين الكنيف ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها يعيش سيدنا ما رأيت أكثر اقتراحا من هذا الرجل قالت ما يقول قالت يسأل أن تغني له
( تكنفني الهوى طفلا ... فشيبني وما اكتهلا )
فقال واويلاه وأعظم مصيبتاه هذا والهاشمي يتقطع ضحكا فقال لهما يا زانيتان إن لم تعلماني به أنا اعلمكما ثم رفع ثيابه وسلح عليهما وعلى الفراش فانتبه الهاشمي وقد غشي عليه من شدة الضحك وقال ويلك ما هذا تسلح على وطائي ؟ فقال الرجل حياة نفسي أعز علي من وطائك وقيل إنه لما قيل له ويلك ما هذا ؟ قال المضحك هذه الأبيات
( تكنفني الملاح واضجروني ... على ما بي بنيات الزواني )

( فلما قل عن ذاك اصطباري ... قذفت به على وجه الغواني ) قال فانبسط الهاشمي ودفع إليه مالا ومضى إلى سبيله
قال علي بن الجهم قلت لقينة
( هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدني إليك فإن الحب أقصاني ) قالت تأتي من باب الذهب وأنشدت
( إجعل شفيعك منقوشا تقدمه ... فلم يزل مدنيا من ليس بالداني ) وكان أشعب يختلف قينة بالمدينة فجلس عندها يوما يطارحها الغناء فلما أراد الخروج قال لها ناوليني خاتمك أذكرك به قالت إنه من ذهب وأخاف أن تذهب ولكن خذ هذا العود فلعلك أن تعود وناولته عودا من الأرض وكان بعض القينات من الجمال والحسن بجانب ثم أصابتها علة فتغير حالها فكانت تنشد
( ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح )
( أباها علي الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح ) وكان المعتصم يحب قينة من حظاياه فاتفق أنه خرج إلى مصر وتركها فذكرها في بعض الطريق فاشتاق إليها فغلبه الوجد فدعا مغنيا له وقال ويحك قد ذكرت جاريتي فلانة بنت فلانة فأقلقني الشوق إليها فعسى أن تغنيني شيئا في معنى ما ذكرته لك فأطرق مليا ثم غناه
( وددت من الشوق المبرح أنني ... اعار جناحي طائر فأطير )
( فما لنعيم ليس فيه بشاشة ... وما لسرور ليس فيه سرور )
( وإن امرأ في بلد نصف قلبه ... ونصف بأخرى غيرها لصبور ) والحكايات في معنى ذلك كثيرة ولو أردت بسطها لاحتجت إلى مجلدات ولكن ما قل وجل خير من كثير يمل وفيما ذكرته كفاية والله المسؤول أن يمدني منه باللطف والعناية ونسأله التوفيق والهداية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الحادي والسبعون في ذكر العشق ومن بلي به والإفتخار بالعفاف وأخبار من مات بالعشق وما في معنى ذلك وفيه فصول
الفصل الأول في وصف العشق
قال الجاحظ العشق اسم لما فضل عن المحبة كما أن السرف اسم لما جاوز الجود وقال أعرابي العشق خفي أن يرى وجلى أن يخفى فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وقيل أول العشق النظر وأول الحريق الشرر وكان العشاق فيما مضى يشق الرجل برقع حبيبته والمرأة تشق رداء حبيبها ويقولان إنهما إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما وقال عبد بني الحسحاس
( وكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس )
( إذا شق برد شق بالبرد برقع ... من الحب حتى كلنا غير لابس ) وقيل لاعرابي ما بلغ من حبك لفلانه ؟ قال إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك وقيل رأى شبيب أخو بثينة جميلا عندها فوثب عليه وآذاه ثم إن شبيبا أتى مكة وجميل فيها فقيل لجميل دونك شبيبا فخذ بثأرك منه فقال

( وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب ) وأنشد الأخفش الحداد يقول
( مطارق الشوق منها في الحشى أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر )
( ونار كور الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الحب لا يبقى ولا يذر ) وفي الجليس الأنيس لأبي العالية الشامي قال سأل أمير المؤمنين المأمون يحيى بن أكثم عن العشق ما هو ؟ فقال هو سوانح تسنح للمرء فيهيم بها قلبه وتؤثرها نفسه وقال ثمامة العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه ضيقة ومذاهبه غامضة وأحكامه جائرة ملك الأبدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها وأعطى عنان طاعتها وقوة تصريفها توارى عن الأبصار مدخله وخفي في القلوب مسلكه وكان شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور قال لسليمان بن عمرو ومن معه أنتم أدباء وقد سمعتم الحكمة ولكم حداء ونغم فهل فيكم عاشق ؟ قال لا قال اعشقوا فان العشق يطلق اللسان ويفتح جبلة البليد والبخيل ويبعث على التلطف وتحسين اللباس وتطييب المطعم ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشريف الهمة وقال المجنون
( قالت جننت على ذكرى فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين )
( الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين ) قال ذالرياستين إن بهرام جور كان له ابن وكان قد رشحه للأمر من بعده فنشأ الفتى ناقص الهمة ساقط المروءة خامل النفس مسيء

الأدب فغمه ذلك فوكل به من المؤدبين والمنجمين والحكماء من يلازمه ويعلمه وكان يسألهم عنه فيحكون له ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه إلى أن سأل بعض مؤدبيه يوما فقال له المؤدب قد كنا نخاف سوء أدبه فحدث من أمره ما ص يرنا إلى الرجاء في فلاحه قال وما ذاك الذي حدث ؟ قال رأى ابنة فلان المرزبان فعشقها فغلبت عليه فهو لا يهدأ إلا بها ولا يتشاغل إلا بها فقال بهرام الآن رجوت فلاحه ثم دعا بأبي الجارية فقال له إني مسر إليك سرا فلا يعدوك فضمن له ستره فاعلمه ان ابنه قد عشق ابنته وأنه يريد أن ينكحها إياه وأمره أن يأمرها باطماعه في نفسها ومراسلته من غير أن يراها وتقع عينه عليها فإذا استحكم طمعه فيها تجتنبه وتهجره فإن استعملها علمته أنها لا تصلح إلا لملك ثم لتعلمني خبرها وخبره ولا تطلعهما على ما أسره إليك فقبل أبوها ذلك منه ثم قال للمؤدب والموكل بأدبه حضه وشجعه على مراسلة المرأة ففعل ذلك وفعلت المرأة كما أمرها أبوها فلما انتهت إلى التجني عليه وعلم الفتى السبب الذي كرهته لأجله أخذ في الأدب وطلب الحكمة والعلم والفروسية والرماية وضرب الصولجان حتى مهر في ذلك ثم رفع إلى أبيه أنه محتاج إلى الدواب والآلات والمطاعم والملابس والندماء وما أشبه ذلك فسر الملك بذلك وأمر له بما طلب ثم دعا مؤدبه فقال له إن الموضع الذي وضع به ابني نفسه من خبر هذه المرأة لا يدري به فتقدم إليه وأمره أن يرفع أمرها إلي ويسألني أن أزوجه إياها ففعل المؤدب ذلك فرفع الفتى ذلك لأبيه فدعا بأبيها وزوجه إياها وأمر بتعجيلها إليه وقال إذا اجتمعت أنت وهي فلا تحدث شيئا حتى أصير إليك فلما اجتمعا صار إليه فقال يا بني لا يضعن قدرها عندك مراسلتها إياك وليست في خبائك فإني أمرتها بذلك وهي أعظم الناس منة عليك بما دعتك إليه من طلب الحكمة والتخلق بأخلاق الملوك حتى بلغت الحد الذي تصلح معه للملك من بعدي فزدها من التشريف والإكرام بقدر ما تستحق منك ففعل الفتى وعاش مسرورا بالجارية وعاش أبوه مسرورا به وأحسن ثواب أبيها ورفع منزلته لصيانه سره وأحسن جائزة المؤدب لامتثال ما أمر به

وكان عبد الله بن عبيدة الريحاني يهوى جارية فزارته يوما فأقام يحدثها ويشكو إليها ألم الفراق فحان وقت الظهر فناداه إنسان الصلاة يا أبا الحسن فقال له رويدك حتى تزول الشمس أي حتى تقوم الجارية وقالت ليلى العامرية في قيسها
( لم يكن المجنون في حالة ... إلا وقد كنت كما كانا )
( لكنه باح بسر الهوى ... وإنني قد ذبت كتمانا ) وقال أحمد بن عثمان الكاتب
( وإني ليرضيني الممر ببابها ... وأقنع منها بالشتيمة والزجر ) وقال الفتح بن خاقان صاحب المتوكل
( أيها العاشق المعذب صبرا ... فخطايا أخي الهوى مغفورة )
( زفرة في الهوى احط لذنب ... من غزاة وحجة مبرورة ) وقال عمر بن أبي ربيعة كنت بين امرأتين هذه تساررني وهذه تعضني فما شعرت بعضة هذه من لذة هذه وأنشد شيبان العذري يقول
( لو حز بالسيف رأسي في محبتها ... لطار يهوي سريعا نحوها رأسي ) وقال يحيى بن معاذ الرازي لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا
الفصل الثاني من هذا الباب فيمن عشق وعف والافتخار بالعفاف
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله من عشق فعف فمات فهو شهيد وقال عفوا تعف نساؤكم وقال بعضهم رأيت امراة مستقبلة البيت في غاية الضعف والنحافة

رافعة يديها تدعو فقلت لها هل من حاجة ؟ فقالت حاجتي أن تنادي في الموقف بقولي
( تزود كل الناس زادا يقيهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي ) فناديت كما أمرتني وإذا بفتى نحيل الجسم قد أقبل إلي فقال أنا الزاد فمضيت به إليها فما زاد على النظر والبكاء ثم قالت له انصرف بسلام فقلت ما علمت ان لقاءكما يقتصر على هذا فقالت أمسك يا هذا أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد ؟ قال إبراهيم بن محمد المهلبي
( كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر )
( وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتأنيس )
( أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر )
( كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر ) وقال بعض بني كلب
( إن أكن طامح اللحاظ فإني ... والذي يملك الفؤاد عفيف ) ونحو ذلك قول القائل
( فقالت بحق الله إلا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبة الطيالس )
( فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد نام عنها كل واش وحارس )
( فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعا ولم أقلب لها كف لامس ) ونزل رجل على صديق له مستترا خائفا من عدو له فأنزله في منزله وتركه فيه وسافر لبعض حوائجه وقال لامرأته أوصيك بضيفي هذا خيرا فلما عاد بعد شهر قال لها كيف ضيفنا قالت ما أشغله بالعمى عن كل شيء وكان الضيف قد أطبق عينيه فلم ينظر إلى امرأة صاحبه ولا إلى منزله إلى أن عاد من سفره وكان عمر بن أبي ربيعة

عفيفا يصف ويعف ويحرم ولا يرد ودخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال لها يا بثينة ما أرى فيك شيئا مما كان يقوله جميل فقالت يا أمير المؤمنين إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك قال فكيف رأيتيه في عشقه ؟ قالت كان كما قال الشاعر
( لا والذي تسجد الجباه له ... مالي بما تحت ذيلها خبر )
( ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر ) وقد قدمت هذين البيتين في الجزء الأول فيما جاء في الكتابة على سبيل الرمز وعن أبي سهل الساعدي قال دخلت على جميل وبوجهه آثار الموت فقال لي يا أبا سهل إن رجلا يلقى الله ولم يسفك دما ولم يشرب خمرا ولم يأت فاحشة أفترجو له الجنة ؟ قلت أي والله فمن هو ؟ قال إني لأرجو أن أكون ذلك فذكرت له بثينة فقال إني لفي آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة قط وعن عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي أنه دعته بغي إلى نفسها وبذلت له مالا وكانت تتكهن وتسمع باتيان رسول الله وكانت جميلة فأرادت أن تخدع عبد الله رجاء أن يكون النبي منها للنور الذي رأته بين عينيه فأبى وقال
( أما الحرام فالحمام دونه ... والحل لا تأبى ونستدينه )
( فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه ) وقال آخر
( وأحور مخضوب البنان محجب ... دعاني فلم أعرف إلى ما دعا وجها )
( بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... ولست مريدا ذاك طوعا ولا كرها ) وراود شاب ليلى الأخيلية عن نفسها فاشمأزت وقالت
( وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل )
( لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل )

ابن ميادة
( موانع لا يعطين حبة خردل ... وهن دوان في الحديث أوانس )
( ويكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة ... كما كرهت صوت اللجام الشوامس ) وقال آخر
( حور حرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام )
( يحسبن من لين الكلام فواسقا ... ويصدهن عن الخنى الإسلام ) وكان الأصمعي يستحسن بيتي العباس بن الأحنف
( أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر )
( لا يظهر الشوق إن طال الجلوس به ... عف الضمير ولكن فاسق النظر ) واختفى إبراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك وكانت واحدة زمانها في الحسن والأدب طلبت منها بخمسمائة ألف درهم فهويها إبراهيم وكره أن يراودها عن نفسها فغنى يوما وهي قائمة على رأسه
( يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه )
( أنا ضيف وجزاء المضيف ... إحسان إليه ) ففهمت الجارية ما أراد فحكت ذلك لمولاتها فقالت إذهبي إليه فاعلميه أني وهبتك له فعادت إليه فلما رآها أعاد البيتين فاكبت عليه فقال لها كفى فلست بخائن فقالت قد وهبتني لك مولاتي وأنا الرسول فقال أما الآن فنعم وأنشد المبرد
( ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا نهاني الحياء والكرم )
( فلا إلى فاحش مددت يدي ... ولا مشت بي لزلة قدم )

وقال آخر
( يقولون لا تنظر فذاك بلية ... بلى كل ذي عينين لا بد ناظر )
( وهل باكتحال العين بالعين ريبة ... إذا عف فيما بينهن السرائر ) وكان بعض الخلفاء قد نذر على نفسه أن لا ينشد شعرا ومتى أنشد بيت شعر فعليه عتق رقبة قال فبينما هو في الطواف يوما إذ نظر إلى شاب يتحدث مع شابة جميلة الوجه فقال له يا هذا اتق الله أفي مثل هذا المكان ؟ فقال يا أمير المؤمنين والله ما ذاك لخني ولكنها ابنة عمي وأعز الناس علي وإن أباها منعني من تزوجها لفقري وفاقتي وطلب مني مائة ناقة ومائة أوقية من الذهب ولم أقدر من ذلك قال فطلب الخليفة أباها ودفع إليه ما اشترطه على ابن أخيه ولم يقم من مقامه حتى عقد له عليها ثم دخل الخليفة إلى بيته وهو يترنم ببيت من الشعر فقالت له جارية من حظاياه أراك اليوم يا مولاي تنشد الشعر أفنسيت ما نذرت أم نراك قد هويت فأنشد هذه الأبيات يقول
( تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أسليت حينا )
( أراك اليوم قد أحدثت عهدا ... وأورثك الهوى داء دفينا )
( بحقك هل سمعت لها حديثا ... فشاقك أو رأيت لها جبينا )
( فقلت شكا إلي أخ محب ... كمثل زماننا إذ تعلمينا )
( وذو الشجو القديم وإن تعزى ... محب حين يلقى العاشقينا ) ثم عد الأبيات فإذا هي خمسة أبيات فاعتق خمس رقاب ثم قال لله درك من خمسة أعتقت خمسة وجمعت بين رأسين في الحلال وروي عن عثمان الضحاك قال خرجت أريد الحج فنزلت بخيمة بالابواء فإذا بجارية جالسة على باب الخيمة فأعجبني حسنها فتمثلت بقول نصيب

( بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل لا تملينا فما ملك القلب ) فقالت يا هذا أتعرف قائل هذا البيت ؟ قلت بلى هو نصيب فقالت أتعرف زينبه ؟ قلت لا قالت أنا زينبه قلت حياك الله وحباك قالت أما والله إن اليوم موعده وعدني العام الأول بالاجتماع في هذا اليوم فلعلك أن لا تبرح حتى تراه قال فبينما هي تكلمني إذا أنا براكب قالت ترى ذلك الراكب ؟ قلت نعم قالت إني لأحسبه إياه فأقبل فإذا هو نصيب فنزل قريبا من الخيمة ثم أقبل فسلم ثم جلس قريبا منها فسألته أن ينشدها فأنشدها فقلب في نفسي محبان قد طال التنائي بينهما فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة فقمت إلى بعيري لأشد عليه فقال على رسلك إني معك فجلست حتى نهض معي فسرنا وتسامرنا فقال لي أقلت في نفسك محبان التقيا بعد طول تناء فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة قلت نعم قد كان ذلك قال ورب البيت منذ أحببتها ما جلست منها مجلسا هو أقرب من مجلسي هذا فتعجبت لذلك وقلت والله هذه هي العفة في المحبة
وعن محمد بن يحيى المدني قال سمعت بعض المدنيين يقول كان الرجل إذا أحب الفتاة يطوف حول دارها حولا يفرح أن يرى من يراها فان ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار واليوم هو يشير إليها وتشير إليه ويعدها وتعده فإن التقيا لم يتشاكيا حبا ولم يتناشدا شعرا بل يقوم إليها ويجلس بين شعستيها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة وقال الأصمعي قلت لأعرابية ما تعدون ا0لعشق فيكم ؟ قالت الضمة والغمزة والقبلة ثم أنشأت تقول
( ما الحب إلا قبلة ... وغمز كف وعضد )
( ما الحب إلا هكذا ... إن نكح الحب فسد ) ثم قالت كيف تعدون أنتم العشق ؟ قلت نمسك بقرنيها ونفرق بين رجليها قالت لست بعاشق أنت طالب ولد ثم أنشأت تقول

( قد فسد العشق وهان الهوى ... وصار من يعشق مستعجلا )
( يريد أن ينكح أحبابه ... من قبل أن يشهد أو ينحلا ) وقيل لرجل وقد زفت عشيقته على ابن عم لها أيسرك أن تظفر بها الليلة ؟ قال نعم والذي أمتعني بحبها وأشقاني بطلبها قيل فما كنت صانعا بها قال كنت أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في إثمها ولا أفسد عشق عشرين سنة بما يبقى ذميم عاره وينشر قبيح أخباره إني إذن للئيم لم يلدني كريم
ومر سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في ليلة في بعض سكك المدينة فسمع امرأة تقول
( ألا طال هذا الليل وازور جانبه ... وليس إلى جنبي خليل الأعبة )
( فوالله لولا الله تخشى عواقبه ... لحرك من هذا السرير جوانبه )
( مخافة ربي والحياء يعفني ... وإكرام بعلي أن تنال مراتبه ) قال فسأل عمر رضي الله تعالى عنه عنها فقيل له إنها امرأة فلان وله في الغزاة ثمانية أشهر فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن لا يغيب الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر
ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في كتاب تلقيح فهوم الأثر عن محمد بن عثمان بن أبي خيثمة السلمي عن أبيه عن جده قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يطوف ذات ليلة في سكك المدينة إذ سمع امرأة تقول
( هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج )
( إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل ... سهل المحيا كريم غير ملجاج )
( تنميه أعراق صدق حين تنسبه ... أخي وفاء عن المكروب فراج )

عمر رضي الله تعالى عنه لا أرى معي بالمدينة رجلا تهتف به العواتق في خدورهن علي بنصر بن حجاج فلما أصبح أتني بنصر ين حجاج فإذا هو من أحسن الناس وجها وأحسنهم شعرا فقال عمر عزيمة من أمير المؤمنين لنأخذن من شعرك فأخذ من شعره فخرج من عنده وله وجنتان كأنهما شقتا قمر فقال له اعتم فاعتم فافتتن الناس بعينيه فقال له عمر والله لا تساكنني في بلدة أنا فيها فقال يا أمير المؤمنين ما ذنبي ؟ قال هو ما أقول لك ثم سيره إلى البصرة وخشيت المرأة التي سمع منها عمر ما سمع أن يبدر من عمر إليها شيء فدست إليه المرأة أبياتا وهي
( قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج )
( لا تجعل الظن حقا أن تبينه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي )
( إن الهوى زم بالتقوى فتحبسه ... حتى يقر بإلجام وإسراج ) قال فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وقال الحمد لله الذي زم الهوى بالتقوى قال وطال مكث نصر بن حجاج بالبصرة فخرجت أمه يوما بين الأذان والإقامة متعرضة لعمر فإذا هو قد خرج في إزار ورداء وبيده الدرة فقالت له يا أمير المؤمنين والله لأقفن أنا وأنت بين يدي الله تعالى وليحاسبك الله أيبيتن عبد الله وعاصم إلى جنبيك وبيني وبين ابني الفيافي والأودية فقال لها إن ابني لم تهتف بهما العواتق في خدورهن ثم أرسل عمر إلى البصرة بريدا إلى عتبة بن غزوان فأقام أياما ثم نادى عتبة من أراد أن يكتب إلى أمير المؤمنين فليكتب فإن البريد خارج فكتب نصر بن حجاج بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليك يا أمير المؤمنين أما بعد فاسمع مني هذه الأبيات
( لعمري لئن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت من عرضي عليك حرام )
( فأصبحت منفيا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكتين مقام )
( لئن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض أماني النساء غرام )

( ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء ومالي جرمة فألام )
( فيمنعني مما تقول تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام )
( ويمنعها مما تقول صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام )
( فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام ) قال فلما قرأ عمر رضي الله تعالى عنه هذه الأبيات قال أما ولي السلطان فلا وأقطعه دارا بالبصرة في سوقها فلما مات عمر ركب راحلته وتوجه نحو المدينة والله سبحانه وتعالى أعلم
الفصل الثالث من هذا الباب في ذكر من مات بالحب والعشق )
حدث أبو القاسم بن إسماعيل بن عبد الله المأمون قال حدثني أبي قال كنت بالمدينة قينة من أحسن الناس وجها وأكملهم عقلا وأكثرهم أدبا قد قرأت القرآن وروت الأشعار وتعلمت العربية فوقعت عند يزيد بن عبد الملك فأخذت بمجامع قلبه فقال لها ذات يوم ويحك أما لك قرابة أو أحد تحبين أن أضيفه وأسدي إليه معروفا ؟ قالت يا أمير المؤمنين أما قرابة فلا ولكن بالمدينة ثلاثة نفر كانوا أصدقاء لمولاي وأحب أن ينالهم خير مما صرت إليه فكتب إلى عامله بالمدينة في إحضارهم إليه وأن يدفع إلى كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فلما وصلوا إلى باب يزيد استؤذن لهم في الدخول عليه فأذن لهم وأكرمهم غاية الإكرام وسألهم عن حوائجهم فأما اثنان منهم فذكرا حوائجهما فقضاها وأما الثالث فسأله عن حاجته فقال يا أمير المؤمنين ما لي حاجة قال ويحك أولست أقدر على حوائجك ؟ قال بلى يا أمير المؤمنين ولكن حاجتي ما أظنك تقضيها فقال ويحك فاسألني فإنك لا تسألني حاجة أقد عليها إلا قضيتها قال بلى فلي الأمان يا أمير المؤمنين ؟ قال نعم إن رأيت يا أمير المؤمنين

أن تأمر جاريتك فلانة التي أكرمتنا بسببها تغني ثلاثة أصوات أشرب عليها ثلاثة أرطال فافعل قال فتغير وجه يزيد ثم قام من مجلسه فدخل على الجارية فأعلمها فقالت وما عليك يا أمير المؤمنين فأمر بالفتى فأحضر وأمر بثلاثة كراسي من ذهب فنصبت فقعد يزيد على أحدها والجارية على الآخر والفتى على الثالث ثم دعا بصنوف الرياحين والطيب فوضعت ثم أمر بثلاثة أرطال فملئت ثم قال الفتى سل حاجتك قال تأمرها يا أمير المؤمنين أن تغني بهذا الشعر
( لا أستطيع سلوا عن مودتها ... أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا )
( ادعو إلى هجرها قلبي فيسعدني ... حتى إذا قلت هذا صادق نزعا ) فأمرها فغنت وشرب يزيد وشرب الفتى وشربت الجارية ثم أمر بالأرطال فملئت وقال للفتى سل حاجتك فقال مرها يا أمير المؤمنين أن تغني بهذا الشعر
( تخيرت من نعمان عود أراكه ... لهند ولكن من يبلغه هندا )
( ألا عرجابي بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا ) فأمرها فغنت وشرب يزيد وشرب الفتى وشربت الجارية ثم أمر بالأرطال فملئت وقال للفتى سل حاجتك فقال مرها يا أمير المؤمنين أن تغني بهذا الشهر
0م - ني الوصال ومنكم الهجر ... حتى يفرق بيننا الدهر )
( والله لا أسلوكمو أبدا ... ما لاح بدرا وبدا فجر ) فأمرها فغنت قال فلم تتم الأبيات حتى خر الفتى مغشيا عليه فقال يزيد للجارية قومي انظري ما حاله فقامت إليه فحركته فإذا هو ميت فقال لها يزيد ابكيه فقالت لا أبكيه يا أمير المؤمنين وأنت حي فقال لها ابكيه فوالله لو عاش ما انصرف إلا بك فبكت الجارية وبكى أمير

وأمر بالفتى فجهز ودفن وأما الجارية فلم تمكث بعده إلا أياما قلائل وماتت
وحكي عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قدم على عبد الملك بن مروان فجلس ذات ليلة يسامره
فتذاكر الغناء والجواري المغنيات والعشق فقال عبد الملك لعبد الله حدثني بأمر ما مر لك في هذه الأغاني وما رأيت من الجواري ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين اشتريت جارية مولدة بعشرة آلاف درهم وكانت حاذقة مطبوعة فوصفت ليزيد بن معاوية فكتب إلي في شأنها فكتبت إليه والله لا تخرج مني ببيع ولا هبة فأمسك عني فكانت عندي على تلك الحالة لا أزداد فيها إلا حبا فبينما أنا ذات ليلة إذ أتتني عجوز من عجائزنا فذكرت لي أن بعض أعراب المدينة يحبها وتحبه ويراها وتراه وإنه يجيء كل ليلة متنكرا فيقف بالباب فيسمع غناءها ويبكي شغفا وحبا فراعيت ذلك الوقت الذي قالت عليه العجوز فإذا به قد أقبل مقنعا رأسه وقعد مستخفيا فلم أدع بها في تلك الليلة وجعلت أتأمل موضعها وموضعه فإذا بها تكلمه ويكلمها ولم أر بينهما إلا عتبا ولم يزالا كذلك حتى ابيض الصبح فدعوت بها وقلت لقيمة الجواري أصلحي فلانة بما يمكنك فأصلحتها وزينتها فلما جاءت بها قبضت على يديها وفتحت الباب وخرجت فجئت إلى الفتى فحركته فانتبه مذعورا فقلت لا بأس عليك ولا خوف هي هبة مني إليك فدهش الفتى ولم يجبني فدنوت إلى أذنه وقلت قد أظفرك الله تعالى ببغيتك فقم وانصرف بها إلى منزلك فلم يرد جوابا فحركته فإذا هو ميت فلم أر شيئا قط كان أعجب من أمره قال عبد الملك لقد حدثني بعجب فما صنعت الجارية قلت ماتت والله بعده بأيام بعد نحول عظيم وتعليل وماتت كمدا ووجدا على الغلام وقيل ان عبد الله بن عجلان الهندي رأى أثر كف عشيقته في ثوب زوجها فمات
وذكر محمد بن واسع الهيتي أن عبد الملك بن مروان بعث كتابا إلى الحجاج بن يوسف الثقفي يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عند عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف أما بعد إذا ورد عليك

كتابي هذا وقرأته فسير لي ثلاث جوار مولدات أبكارا يكون إليهن المنتهي في الجمال وأكتب لي بصفة كل جارية منهن ومبلغ ثمنها من المال فلما ورد الكتاب على الحجاج دعا بالنخاسين وأمرهم بما أمره به أمير المؤمنين وأمرهم أن يسيروا إلى أقصى البلاد حتى يقعوا بالغرض وأعطاهم المال وكتب لهم كتبا إلى كل الجهات فساروا يطلبون ما أراد أمير المؤمنين فلم يزالوا من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم حتى وقعوا بالغرض ورجعوا إلى الحجاج بثلاث جوار مولدات ليس لهن مثيل قال وكان الحجاج فصيحا فجعل ينظر إلى كل واحدة منهن ومبلغ ثمنها فوجدهن لا يقام لهن بقيمة وأن ثمنهن ثمن واحدة منهن ثم كتب كتابا إلى عبد الملك بن مروان يقول فيه بعد الثناء الجميل ومبلغ ثمنها فوجدهن لا يقام لهن بقيمة وأن ثمنهن ثمن واحدة منهن وصلني كتاب أمير المؤمنين أمتعني الله تعالى ببقائه يذكر فيه أني أشتري له ثلاث جوار مولدات أبكارا وأن أكتب له صفة كل واحدة منهن وثمنها فأما الجارية الأولى أطال الله تعالى بقاء أمير المؤمنين فإنها جارية عيطاء السوالف عظيمة الروادف كحلاء العينين حمراء الوجنتين قد أنهدت نهداها والتفت فخذا ها كأنها ذهب شيب بفضة وهي كما قيل
( بيضاء فيها إذا استقبلتها دعج ... كأنها فضة قد شابها ذهب ) وثمنها يا أمير المؤمنين ثلاثون ألف درهم وأما الثانية فإنها جارية فائقة في الجمال معتدلة القدر والكمال تشفي السقيم بكلامها الرخيم وثمنها يا أمير المؤمنين ستون ألف درهم وأما الثالثة فإنها جارية فاترة الطرف لطيفة الكف عميمة الردف شاكرة للقليل مساعدة للخليل بديعة الجمال كأنها خشف الغزال وثمنها يا أمير المؤمنين ثمانون ألف درهم ثم أطنب في الشكر والثناء على أمير المؤمنين وطوى الكتاب وختمه ودعا النخاسين فقال لهم تجهزوا للسفر بهؤلاء الجواري إلى أمير المؤمنين فقال أحد النخاسين أيد الله الأمير إني رجل كبير ضعيف عن السفر ولي ولد ينوب عني افتأذن لي في ذلك ؟ قال نعم فتجهزوا وخرجوا ففي بعض مسيرهم نزلوا يوما

ليستريحوا في بعض الأماكن فنامت الجواري فهبت الريح فانكشف بطن إحداهن وهي الكوفية فبان نور ساطع وكان اسمها مكتوم فنظر إليها ابن النخاس وكان شابا جميلا ففتن بها لساعته فأتاها على غفلة من أصحابه وجعل يقول
( أمكتوم عيني لا تمل من البكا ... وقلبي باسهام الأسى يترشق )
( أمكتوم كم من عاشق قتل الهوى ... وقلبي رهين كيف لا أتعشق ) فأجابته تقول
( لو كان حقا ما تقول لزرتنا ... ليلا إذا هجعت عيون الحسد ) قال فلما جن الليل انتضى الفتى ابن النخاس سيفه وأتى نحو الجارية فوجدها قائمة تنتظر قدومه فأخذها وأرادأن يهرب ففطن به أصحابه فأخذوه وكتفوه وأوثقوه بالحديد ولم يزل مأسورا معهم إلى أن قدموا على عبد الملك بن مروان فلما مثلوا بالجواري بين يديه أخذ الكتاب ففتحه وقرأه فوجد الصفة وافقت اثنتين من الجواري ولم توافق الثالثة ورأى في وجهها صفرة وهي الجارية الكوفية فقال للنخاسين ما بال هذه الجارية لم توافق حليتها التي ذكرها الحجاج في كتابه وما هذا الاصفرار الذي بها والانتحال فقالوا يا أمير المؤمنين نقول ولنا الأمان قال وان كذبتم هلكتم فخرج أحد النخاسين وأتى بالفتى وهو مصفد بالحديد فلما قدموه بين يدي أمير المؤمنين بكى بكاء شديدا وأيقن بالعذاب ثم أنشأ يقول
( أمير المؤمنين أتيت رغما ... وقد شدت إلى عنقي يديا )
( مقرا بالقبيح وسوء فعلي ... ولست بما رميت به بريا )
( فان تقتل ففوق القتل ذنبي ... وان تعفو فمن جود عليا ) فقال عبد الملك يا فتى ما حملك على ما صنعت استخفاف بنا أم هوى الجارية قال وحق رأسك يا أمير المؤمنين وعظم قدرك ما هو إلا هوى الجارية فقال هي لك بما أعددته لها فأخذها الغلام بكل ما أعده لها أمير المؤمنين من الحلي والحلل وسار بها فرحا مسرورا إلى نحو أهله حتى إذ كانا ببعض الطريق نزلا بمرحلة ليلا فتعانقا وناما فلما أصبح الصباح

وأراد الناس السير نبهوهما فوجدوهما ميتين فبكوا عليهما ودفنوهما بالطريق ووصل خبرهما إلى عبد الملك فبكى عليهما وتعجب من ذلك
ومن ذلك ما روي عن النبي أنه أخرج خالد ين الوليد المخزومي رضي الله تعالى عنه إلى مشركي خزاعة قال خالد فأخرجني إليهم رسول الله في عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والبأس قال فجد بنا المسير إليهم فسبق إليهم الخبر فخرجوا إلينا فقاتلناهم قتالا شديدا حتى تعالى النهار وطار الشرار وهاجت الفرسان وتلاحمت الأقران فلولا الله تعالى أيدنا بنصره لكادت الدائرة أن تكون علينا ولكن تداركنا الله برحمة منه فهزمناهم وقتلناهم قتلا ذريعا ولم ندع لهم فارسا إلا قتلناه ثم طلبنا البيوت فنهبنا وسبينا فلما هدأ القتال والنهب أمرت أصحابي بجمع السبايا لنقدم بهن على رسول الله فلما أخرجنا وأحصيناهم خرج منهم غلام لم يراهق الحلم ولم يجر عليه القلم وهو ماسك بشابة جميلة فقلنا له يا غلام انعزل عن النساء فصاح صيحة مزعجة وهجم علينا فوالله لقد قتل منا في بقية نهارنا مائة رجل قال خالد فرأين أصحابي قد كرهوا قالته وتأخروا عنه فملك منهم جوادا وعلا على ظهره ونادى البرازيا خالد قال فبرزت إليه بنفسي بعد أن أنشدت شعرا فوالله لم يمهلني حتى أتم شعري بل حمل علي فتطاعنا حتى تكسرت القنا وتضاربنا بالسيوف حتى تفللت فوالله لقد اقتحمت الأهوال ومارست الأبطال فما رأيت أشد من حملاته ولا أسرع من هجماته فبينما نخن نعترك إذ كبا به فرسه فصار بين قوائمه فوثبت عليه وعلوت على صدره وقلت له افد نفسك بقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنا أردك من حيث جئت قال يا خالد ما أنصفتني اتركني حتى أجد من نفسي القوة قال خالد فتركته وقلت لعله أن يسلم ثم شددته وثاقا وصفدته بالحديد وأنا أبكي إشفاقا على حسن شبابه ثم أوثقته على بعير لي فلما علم أن لا خلاص له قال يا خالد سألتك بحق إلهك إلا ما شددت ابنة عمي على ناقة أخرى إلى جانبي ؟ قال خالد فأخذتها وشددتها على ناقة أخرى إلى جانبه ووكلت بهما جماعة من أشد القوم بالقواضب والرماح وسرنا فلما استقامت مطاياهما جعل الغلام والجارية يتناشدان الأشعار ويبكيان إلى آخر الليل فسمعته يذكر قصيدة

يسب فيها الإسلام ويذكر أن لا يسلم أبدا فأخذت السيف وضربته فرميت رأسه فصاحت الجارية وأكبت صارخة فحركتها فوجدتها ميتة فأبركنا الأباعر وحفرنا ودفناهما فلما قدمنا على رسول الله أقبلنا نحدثه بعجيب ما رأينا مع الغلام فقال لا تحدثوني شيئا أنا أحدثكم به فقلنا من أعلمك به يا رسول الله ؟ قال أخبرني جبريل عليه السلام وتعجب رسول الله من موافقتهما وموافقة
ومن ذلك ما حكاه الثوري قال حدثني جبلة بن الأسود وما رأيت شيخا أصبح ولا أوضح منه قال خرجت في طلب ابل لي ضلت فما زلت في طلبها إلى أن أظلم الظلام وخفيت الطريق فسرت أطوف وأطلب الجادة فلا أجدها فبينما أنا كذلك إذ سمعت صوتا حسنا بعيدا وبكاء شديدا فشجاني حتى كدت أسقط عن فرسي فقلت لأطلبن الصوت ولو تلفت نفسي فما زلت أقرب إليه إلى أن هبطت واديا فإذا راع قد ضم غنما له إلى شجرة وهو ينشد ويترنم
( وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها ... أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها )
( من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها ) قال فدنوت منه وسلمت عليه فرد السلام وقال من الرجل ؟ فقلت منقطع به الممالك أتاك يستجير بك ويستعينك قال مرحبا وأهلا أنزل على الرحب والسعة فعندي وطاء وطئ وطعام غير بطئ فنزلت فنزع شملته وبسطها تحتي ثم أتاني بتمر وزبد ولبن وخبز ثم قال اعذرني في هذا الوقت فقلت والله إن هذا لخير كثير فمال إلى فرسي فربطه وسقاه وعلفه فلما أكلت توضأت وصليت واتكأت فإني لبين النائم واليقظان إذ سمعت حس شيء وإذا بجارية قد أقبلت من كبد الوادي فضحت الشمس حسنا فوثب قائما إليها وما زال يقبل الأرض حتى وصل إليها وجعل يتحادثان فقلت هذا رجل عربي ولعلها حرمة له فتناومت وما بي نوم فما زالا في أحسن حديث ولذة مع شكوى وزفرات إلا أنهما لا يهم أحدهما لصاحبه بقبيح فلما طلع الفجر عانقها وتنفسا الصعداء وبكى وبكت ثم قال لها يا ابنة العم سألتك بالله لا تبطئي عني كما أبطأت الليلة قالت يا ابن

أما علمت أني أنتظر الواشين والرقباء حتى يناموا ثم ودعته وسارت وكل واحد منهما يلتفت نحو الآخر ويبكي فبكيت رحمة لهما وقلت في نفسي والله لا أنصرف حتى استضيفه الليلة وأنظر ما يكون من أمرهما فلما أصبحنا قلت له جعلني الله فداءك الأعمال بخواتيمها وقد نالني أمس تعب شديد فأحب الراحة عندك اليوم فقال على الرحب والسعة لو أقمت عندي بقية عمرك ما وجدتني إلا كما تحب ثم عمد إلى شاة فذبحها وقام إلى نار فأججها وشواها وقدمها إلي فأكلت وأكل معي إلا أنه أكل أكل من لا يريد الأكل فلم أزل معه نهاري ذلك ولم أر أشفق منه على غنمه ولا ألين جانبا ولا أحلى كلاما إلا أنه كالولهان ولم أعلمه بشيء مما رأيت فلما أقبل الليل وطأت وطائي فصليت وأعلمته أني أريد الهجوع لما مر بي من التعب بالأمس فقال لي نم هنيئا فأظهرت النوم ولم أنم فأقام ينتظرها إلى هنيهة من الليل فأبطأت عليه فلما حان وقت مجيئها قلق قلقا شديدا وزاد عليه الأمر فبكى ثم جاء نحوي فحركني فأوهمته إني كنت نائما فقال يا أخي هل رأيت الجارية التي كانت تتعهدني وجاءتني البارحة قلت قد رأيتها قال فتلك ابنة عمي وأعز الناس علي وإني لها محب ولها عاشق وهي أيضا محبة لي أكثر من محبتي لها وقد منعني أبوها من تزويجها لي لفقري وفاقتي علي فصرت راعيا بسببها فكانت تزورني في كل ليلة وقد حان وقتها الذي تأتي فيه واشتغل قلبي وتحدثني نفسي أن الأسد قد افترسها ثم أنشأ يقول ... ما بال مية لا تأتي كعادتها ... أعاقها طرب أم صدها شغل )
( نفسي فداؤك قد أهللت بي سقما ... تكاد من حره الأعضاء تنفصل ) قال ثم انطلق عني ساعة فغاب وأتى بشيء فطرحه بين يدي فإذا هي الجارية قد قتلها الأسد وأكل أعضاءها وشوه خلقتها ثم أخذ السيف وانطلق فأبطأ هنيهة وأتى ومعه رأس الأسد فطرحه ثم أنشأ يقول
( ألا أيها الليث المدل بنفسه ... هلكت لقد جريت حقا لك الشرا )

( وخلفتني فردا وقد كنت آنسا ... وقد عادت الأيام من بعدها غبرا ) ثم قال بالله يا أخي إلا ما قبلت ما أقول لك فإني اعلم أن المنية قد حضرت لا محالة فإذا أنا مت فخذ عباءتي هذه فكفني فيها وضم هذا الجسد الذي بقي منها معي وادفناني في قبر واحد وخذ شويهاتي هذه وجعل يشير إليها فسوف تأتيك امرأة عجوز هي والدتي فاعطها عصاي هذه وثيابي وشويهاتي وقل لها مات ولدك كمدا بالحب فإنها تموت عند ذلك فادفنها إلى جانب قبرنا وعلى الدنيا مني السلام قال فوالله ما كان إلا قليل حتى صاح ووضع يده على صدره ومات لساعته فقلت والله لأصنعن له ما أوصاني به فغسلته وكفنته في عباءته وصليت عليه ودفنته ودفنت باقي جسدها إلى جانبه وبت تلك الليلة باكيا حزينا فلما كان الصباح أقبلت امرأة عجوز وهي كالولهانة فقالت لي هل رأيت شابا يرعى غنما فقلت لها نعم وجعلت أتلطف بها ثم حدثتها بحديثه وما كان من خبره فأخذت تصيح وتبكي وأنا ألاطفها إلى أن أقبل الليل وما زالت تبكي بحرقة إلى أن مضى من الليل برهة فقصدت نحوها فإذا هي مكبة على وجهها وليس لها نفس يصعد ولا جارحة تتحرك فحركتها فإذا هي ميتة فغسلتها وصليت عليها ودفنتها إلى جانب قبر ولدها وبت الليلة الرابعة فلما كان الفجر قمت فشددت فرسي وجمعت الغنم وسقتها فإذا أنا بصوت هاتف يقول
( كنا على ظهرها والدهر يجمعنا ... والشمل مجتمع والدار والوطن )
( فمزق الدهر بالتفريق ألفتنا ... وصار يجمعنا في بطنها الكفن ) قال فأخذت الغنم ومضيت إلى الحي لبني عمهم فأعطيتهم الغنم وذكرت لهم القصة فبكي عليهم أهل الحي بكاء شديدا ثم مضيت إلى أهلي وأنا متعجب مما رأيت في طريقي
ومن ذلك ما حكي أن زوج عزة أراد أن يحج بها فسمع كثير الخبر فقال والله لا حجن لعلي أفوز من عزة بنظرة قال فبينما الناس في

الطواف إذ نظر كثير لعزة وقد مضت إلى جمله فحيته ومسحت بين عينيه وقالت له يا جمل فبادر ليلحقها ففاتته فوقف على الجمل
( حيتك عزة بعد الحج وانصرفت ... فحي ويحك من حياك يا جمل )
( لو كنت حييتها ما كنت ذا سرف ... عندي ولا مسك لا دلاج والعمل ) قال فسمعه الفرزدق فتبسم وقال له من تكون يرحمك الله قال أنا كثير عزة فمن أنت يرحمك الله ؟ قال أنا الفرزدق بن غالب التميمي قال أنت القائل
( رحلت جمالهم بكل أسيلة ... تركت فؤادي هائما مخبولا )
( لو كنت أملكهم إذا لم يرحلوا ... حتى أودع قلبي المتبولا )
( ساروا بقلبي في الحدوج وغادروا ... جسمي يعالج زفرة وعويلا ) فقال الفرزدق نعم فقال كثير والله لولا إني بالبيت الحرام لأصيحن صيحة أفزع هاشم عبد الملك وهو سرير ملكه فقال الفرزدق والله لاعرفن بذلك هشاما ثم توادعا وافترقا فلما وصل الفرزذق إلى دمشق دخل إلى هشام بن عبد الملك فعرفه بما اتفق له مع كثير فقال له اكتب إليه بالحضور عندنا لنطلق عزة من زوجها ونزوجه إياها فكتب إليه بذلك فخرج كثير يريد دمشق فلما خرج من حيه وسار قليلا رأى غرابا على بانة وهو يفلي نفسه وريشه يتساقط فأصفر لونه وارتاع من ذلك وجد في السير ثم إنه مال ليسقي راحلته من حي بني فهد وهم زجرة الطير فبصر به شيخ من الحي فقال يا ابن أخي أرأيت في طريقك شيئا فراعك ؟ قال نعم رأيت غرابا عل بانة يتفلى وينتف ريشه فقال له الشيخ أما الغراب فانه اغتراب والبانة بين والتفلي فرقة فازداد كثير حزنا على حزنه لما سمع من الشيخ هذا الكلام وجد في السير إلى أن صل إلى دمشق ودخل من أحد أبوابها فرأى الناس يصلون على جنازة فنزل وصلى معهم فلما قضيت

صاح صائح لا إله إلا الله ما أغفلك يا كثير عن هذا اليوم فقال ما هذا اليوم يا سيدي ؟ فقال إن هذه عزة قد ماتت وهذه جنازتها فخر مغشيا عليه فلما أفاق أنشأ يقول
( فما أعرف الفهدي لا دردره ... وأزجره للطير لا عز ناصره )
( رأيت غرابا قد علا فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره )
( فقال غراب واغتراب من النوى ... وبانة بين من حبيب تعاشره ) ثم شهق شهقة فارقت روحه الدنيا ومات من ساعته ودفن مع عزة في يوم واحد
وحكى الأصمعي قال بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت
( أيا معشر العشاق بالله خبروا ... إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع ) فكتبت تحته
( يداري هواه ثم يكتم سره ... ويخشع في كل الأمور ويخضع ) ثم عدت في اليوم الثاني فوجدت مكتوبا تحته
( فكيف يداري والهوى قاتل الفتى ... وفي كل يوم قلبه يتقطع ) فكتبت تحته
( إذا لم يجد صبرا لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت أنفع ) ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شابا ملقى تحت ذلك الحجر ميتا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد كتب قبل موته
( سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا ... سلامي على من كان للوصل يمنع )
وحكي أيضا عن الأصمعي رحمه الله تعالى أنه قال بينما أنا

في بعض مقابر البصرة إذ رأيت جارية على قبر تندب وتقول
( بروحي فتى أوفى البرية كلها ... وأقواهم في الحب صبرا على الحب ) قال فقلت لها يا جارية بم كان أوفى البرية وبم كان أقواها ؟ فقالت يا هذا إنه ابن عمي هويني فهويته فكان إن أباح عنفوه وإن كتم لاموه فانشد بيتي شعر وما زال يكررهما إلى أن مات والله لأندبنه حتى أصير مثله في قبر إلى جانبه فقلت لها يا جارية فما البيتان ؟ قالت
( يقولون لي إن بحت قد غرك الهوى ... وإن لم أبح بالحب قالوا تصبرا )
( فما لامرئ يهوى ويكتم أمره ... من الحب إلا أن يموت فيعذرا ) ثم إنها شهقت شهقة فارقت روحها الدنيا رحمه الله تعالى عليها والحكايات في ذلك كثيرة وفي الكتب مشهورة ولولا الإطالة والخوف من الملالة لجمعنا في هذا المعنى أشياء كثيرة ولكن اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الباب الثاني والسبعون في ذكر رقائق الشعر والمواليا والدوبيت وان وكان والموشحات والزجل والحماق والقومة والألغاز ومدح الأسماء والصفات وما أشبه ذلك وفيه فصول الفصل الأول في الشعر قد قسم الناس الشعر خمسة أقسام مرقص كقول أبي جعفر طلحة وزير سلطان الأندلس
( والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا من كؤوس الشقيق ) ومطرب كقول زهير
( تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله ) ومقبول كقول طرفة بن العبد
( ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود ) ومسموع مما يقام به الوزن دون أن يمجه الطبع كقول ابن المعتز
( سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر ) ومتروك وهو كان كلا على السمع والطبع كقول الشاعر
( تقلقلت بالهم الذي قلقل الحشى ... قلاقل هم كلهن قلاقل )

قسم الناس فنون الشعر إلى عشرة أبواب الحماسة بوب أبو تمام في الحماسية وقال عبد العزيز بن أبي الأصبع الذي وقع لي أن فنون الشعر ثمانية عشر فنا وهي غزل ووصف وفخر ومدح وهجاء وعتاب واعتذار وأدب وزهد وخمريات ومراث وبشارة وتهاني ووعيد وتحذير وتحريض وملح وباب مفرد للسؤال والجواب ولنذكر إن شاء الله تعالى من ذلك ما تيسر على سبيل الاختصار ولنبدأ من ذلك بذكر الغزل المذكر ( ابن نباتة )
( أأغصان بان ما رأى أم شمائل ... وأقمار تم ما تضم الغلائل )
( وبيض رقاق أم جفون فواتر ... وسمر دقاق أم قدود قواتل )
( وتلك نبال أم لحاظ رواشق ... لها هدف مني الحشى والمقاتل )
( بروحي أفدي شادنا قد ألفته ... غدوت وبي شغل من الوجد شاغل )
( أمير جمال والملاح جنوده ... يجور علينا قده وهو عادل )
( له حاجب عن مقلتي حجب الكرى ... ناظره الفتان في القلب عامل )
( رفعت إليه قصة الدمع شاكيا ... فوقع يجري فهو في الخد سائل )
( شكوت فما ألوي وقلت فما صغى ... وجد بقلبي حبه وهو عازل )
( طويل التواني دله متواتر ... مديد التجني وافر الحسن كامل )
( أطارحه بالنحو يوما تعللا ... فيبدو وللأعراب فيه دلائل )
( ويرفع وصلي وهو مفعول في الهوى ... وينصب هجري عامدا وهو فاعل )
( تفقهت في عشقي له مثل ما غدا ... خبيرا بأحكام الخلاف يجادل )
( فيا مالكي ما ضر لو كنت شافعي ... بوصلك فافعل بي كما أنت فاعل )
( فإني حنيفي الهوى متحنبل ... بعشقك لا أصغي وإن قال قائل )
كمال الدين بن النبيه
( الله أكبر كل الحسن في العرب ... كم تحت لمة ذا التركي من عجب )

( صبح الجبين بليل ال شعر منعقد ... والخد يجمع بين الماء واللهب )
( تنفست عن عبير الراح ريقته ... وافتر مبسمه الشهدي عن حبب )
( لا في العذيب ولا في بارق غزلي ... بل في جنى فمه أو ريقه الشنب )
( كأنه حين يزمي عن حنيته ... بدر رمى عن هلال الأفق بالشهب )
( يا جاذب القوس تقريبا لوجنته ... والهائم الصب منها غير مقترب )
( أليس من نكد الأيام يحرمها ... فمي ويلثمها سهم من الخشب )
( من لي بأغيد قاسي القلب مبتسم ... لا عن رضا معرض عني بلا غضب )
( فكم له في وجود الذنب من سبب ... وليس لي في قيام العذر من سبب )
( تميل أعطافه تيها بطرته ... كما تميل رماح الخط بالعذب )
( أشار نحوي وجنح الليل معتكر ... بمعصم بشعاع الكأس مختضب )
( بكر جلاها أبوها قبل ما جليت ... في حجر لدن أو في قشرة العنب ) البها زهير
( يعاهدني لا خانني ثم ينكث ... وأحلف لا كلمته ثم أحنث )
( وذلك دأبي لا يزال ودأبه ... فيا معشر العشاق عنا تحدثوا )
( أقول له صلني يقول نعم غدا ... ويكسر جفنا هازئا بي ويعبث )
( وما ضر بعض الناس لو كان زارني ... وكنا خلونا ساعة نتحدث )
( أمولاي إني في هواك معذب ... وحتام أبقى في الغرام وأمكث )
( فخذ مرة روحي ترحنى ولا أرى ... أموت مرارا في النهار وأبعث )
( فإني لهذا الضيم منك لحامل ... ومنتظر لطفا من الله يحدث )
( أعيذك من هذا الجفاء الذي بدا ... خلائقك الحسنى أرق وأدمث )

( تردد ظن الناس في فأكثروا ... أحاديث فيها ما يطيب ويخبث )
( وقد كرمت في الحب مني شمائل ... ويسأل عني من أراد ويبحث ) النابلسي
( ما كنت أعلم والضمائر تصدق ... إن المسامع كالنواظر تعشق )
( حتى سمعت بذكرهم فهويتكم ... وكذاك أسباب المحبة تعلق )
( ولقد قنعت من اللقاء بساعة ... إن لم يكن لي الدوام تطرق )
( قد ينعش العطشان بلة ريقه ... ويغص بالماء الكثير ويشرق )
( فعسى عيوني أن ترى لك سيدي ... وجها يكاد الحسن فيه ينطق ) أبو الحسين الجزار
( في خده من بقايا اللثم تخميش ... وبي لتشويش ذاك الصدع تشويش )
( ظبي من الترك أغنته لواحظه ... عما حوته من النبل التراكيش )
( إذا تثنى فقلب الغصن منكسر ... وإن تبدى فطرف البدر مدهوش )
( يا عاذلي إن تكن عن حسن صورته ... أعمى فإني عما قلت أطروش )
( كم ليلة بات يسقيني المدام على ... روض له بثياب الغيم ترقيش )
( والغيث كالجيش يرتج الوجود له ... والبرق رايته والرعد جاويش )
( في مجلس ضحكت أرجاؤه طربا ... لأنه ببديع الزهر مفروش ) سيدي أبو الفضل بن أبي الوفاء
( ترى متى من فتور اللحظ ينتشط ... من قلبه بحبال الشعر مرتبط )
( قد رق لي خصره المضنى فناسبني ... فقلت خير الأمور الأنسب الوسط )
( وقد خفى الردف عني من تثاقله ... فقلت هذا على ضعفي هو الشطط )
( وصدره الرحب قد عانقته سحرا ... والقلب منبعث الآمال منبسط )
( وفيه تلك النهود المشتهاة ترى ... رمانها فيه قلبي أمره فرط )

( إن الصواب لتعجيل السرور فقم ... قبل الفوات فأوقات الهنا غلط ) القاضي مجد الدين بن مكانس
( أهدى تحيته وجاد بوعده ... أفديه من قمر بدا في سعده )
( بدر جرى ماء الحياء بثغره ... وترددت فضلاته في خده )
( أسكنته قلبي فأوقد خده ... نيران أحشائي عليه ووجده )
( من لي به حلو الشمائل أهيف ... روت العوالي عن مثقف قده )
( يا عاذلي في حبه لو أبصرت ... عيناك فوق الردف مسبل جعده )
( لعذرت كل متيم في حبه ... وعلمت أن ضلاله في رشده )
( فوحق موتي في هواه صبابة ... وحياة مبسمه الشهي وبرده )
( ما جاد غيث الدمع إلا عن هوى ... خلع القلوب ببرقه وبرعده )
( قم يا رسول وابلغ العشاق ما ... ألقاه من جور الحبيب وبعده )
( وإذا سألتك أن تؤدي في الهوى ... خبري فصف فعل الغرام وأبده ) عز الدين الموصلي والصحيح أن هذه الأبيات لابن نباتة لأنها في ديوانه
( نفس عن الحب ما أغفت وما غفلت ... بأي ذنب وقاك الله قد قتلت )
( دعها ومدمعها الجاري لقد لقيت ... ما قدمت من أسى قلبي وما عملت )
( أفديك من ناشط الأجفان في تلفي ... والسحر يوهم في أنها كسلت )
( وأوضح الحسن لو شاءت ذوائبه ... في الأفق وصل دجا الظلماء لاتصلت )
( معسل بنعاس في لواحظه ... أما تراها إلى كل القلوب حلت )
( من لي بألحاظ ظبي يدعي كسلا ... وكم ثياب ضنى حاكت وكم غزلت )
( وحمرة فوق خديه ومرشفه ... هذي محاسنها تزهو وذي ذبلت )
( أما كفاني تكحيل الجفون أسى ... حتى المراشف منه باللمى كحلت )

( أستودع الله أعطافا شوت كبدي ... وكلما رمت تجديد الوصال قلت )
( ومهجة لي كم ألقت بمسمعها ... إلى الملام ولا والله ما قبلت ) غيره للفاضل
( شرخ الشباب بحبكم أفنيته ... والعمر في كلف بكم قضيته )
( وأنا الذي لو مر بي من نحوكم ... داع وكنت بحفرتي لبيته )
( كيف التعرض للسلو وحبكم ... حب بأيام الشباب شريته )
( لله داء في الفؤاد أجنه ... يزداد نكسا كلما دوايته )
( قالوا حبيبك في التجني مسرف ... قاس على العشاق قلت فديته )
( أأروم من كلفي عليه تخلصا ... لا والذي بطحاء مكة بيته )
( ولو استطعت بكل إسم في الورى ... من لذة الذكرى به سميته ) وللشيخ بدر الدين الدماميني
( سل سيفا من الجفون صقيلا ... مذ تصدى جلاه رحت قتيلا )
( صح عن جفنه حديث فتور ... وهو ما زال من قديم عليلا )
( مر أبدى لنا من الخصر ردفا ... فأرانا مع الخفيف ثقيلا )
( ذو قوام كأنه الغصن لكن ... بالهوى نحو وصلنا لن يميلا )
( كامل الحسن وافر ظل وجدي ... فيه يا عاذلي مديدا طويلا )
( فاتك الجفن ذو جمال كثير ... أتلف العاشقين إلا قليلا )
( قلت إذ لاح طرفه ولماه ... فاتر اللحظ بكرة وأصيلا )
( كيف حالي وهل لصب إليه ... من سبيل فقال لي سل سبيلا )

وقال آخر
( لو أن قلبك لي يرق ويرحم ... ما بت من ألم الجوى أتألم )
( ومن العجائب أنني لا سهم لي ... من ناظريك وفي فؤادي أسهم )
( يا جامع الضدين في وجناته ... ماء يرق عليه نار تضرم )
( عجبي لطرفك وهو ماض لم يزل ... فعلام يكسر عندما تتكلم )
( ومن المروءة إن تواصل مدنفا ... والدهر سمح والحوادث نوم ) وقال آخر
( تصدق بوعد إن دمعي سائل ... وزود فؤادي نظرة فهو راحل )
( فخدك موجود به التبر دائما ... وحسنك معدوم لديه المماثل )
( أيا قمرا من شمس طلعة وجهه ... وظل عذاريه الدجا والأصائل )
( تنقلت من طرف مع القلب والهوى ... وهاتيك للبدر المنير منازل )
( جعلتك للتمييز نصبا لخاطري ... فهلا رفعت الهجر والهجر فاعل ) وقال ابن صابر
( قبلت وجنته فألفت جيده ... خجلا ومال بعطفه المياس )
( فانهل من خديه فوق عذاره ... عرق يحاكي الطل فوق الآس )
( فكأنني استقطرت ورد خدوده ... بتصاعد الزفرات من أنفاسي ) وقال آخر
( وغزال كل من شبهه ... بهلال أو ببدر ظلمه )
( قال إذ قبلت وهما فمه ... قد تعديت وأسرفت فمه ) وقال آخر
( بأبي غلام لست غير غلامه ... مذ جاد لي بسلامه وكلامه )

( ذو حاجب ما إن رأيت كنونه ... أبدا وصدغ ما رأيت كلامه ) وقال جمال الدين بن مطروح
( ذكر الحمى فصبا وكان قد ارعوى ... صب على عرش الغرام قد استوى )
( تجري مدامعه ويخفق قلبه ... مهما جرى ذكر العقيق مع اللوى )
( وإذا تألق بارق من بارق ... فهناك ينشر من هواه ما انطوى )
( فخذوا أحاديث الهوى عن صادق ... ما ضل في شرع الغرام وما غوى )
( وبمهجتي رشأ أطالت عذلي ... فيه الملام وقد حوى ما قد حوى )
( قالوا أفيه سوى رشاقة قده ... وفتور عينيه وهل موتي سوى )
( ما أبصرته الشمس إلا واكتست ... خجلا ولا غصن النقا إلا التوى )
( يروي الأراك محاسنا عن ثغره ... يا طيب ما نقل الأراك وما روى ) وقال آخر
( عبث النسيم بقده فتأودا ... وسرى الحياء بخده فتوردا )
( رشأ تفرد فيه قلبي بالهوى ... لما غدا بجماله متفردا )
( قاسوه بالغصن الرطيب جهالة ... تالله قد ظلم المشبه واعتدى )
( حسن الغصون إذا اكتست أوراقها ... وتراه أحسن ما يكون مجردا ) وقال غيره
( يا حسنا مالك لم تحسن ... إلى قلوب في الهوى متعبة )
( رقمت بالورد وبالسوسن ... صفحة خد بالسنا مذهبة )
( وقد أبى خدك أن أجتني ... منه وقد ألسعني عقربه )
( يا حسنه إذ قال ما أحسني ... ويا لذاك اللفظ ما أعذبه )
( قلت له كلك عندي سنا ... وكل ألفاظك مستعذبه )

( ففوق السهم ولم يخطني ... ومذ رآني ميتا أعجبه )
( وقال كم من عاشق حبني ... وحبه إياي قد أتعبه )
( يC على أنني ... قتلي له لم أدر ما أوجبه ) وقال آخر
( مليح يغار الغصن عند اهتزازه ... ويخجل بدر التم عند شروقه )
( فما فيه معنى ناقص غير خصره ... وما فيه شيء بارد غير ريقه ) وقال يحيى بن أكثم
( دنا هاجري نحوي بمقلته الكحلا ... فلما رأى ذلي ثنى عطفه دلا )
( فتيمني شوقا وأنحلني أسى ... وأفقدني صبرا وأعدمني عقلا )
( شكوت فما ألوى وولى وما لوى ... وأعرض مزورا فسل الحشى سلا )
( إذا ما دعاه فرط سقمي لزورة ... يناديه فرط العجب من عطفه كلا ) وقال أيضا
( بأبي غزالا غازلته مقلتي ... بين العذيب وبين شطي بارق )
( وسألت منه زورة تشفي الجوى ... فأجابني عنها بوعد صادق )
( بتنا ونحن من الدجا في خيمة ... ومن النجوم الزهر تحت سرادق )
( عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الذكي لناشق )
( وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي )
( حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته عني وكان معانقي )

( أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على فراش خافق )
( لما رأيت الليل آخر عمره ... قد شاب في لمم له ومفارق )
( ودعت من أهوى وقلت تأسفا ... صعب علي بأن أراك مفارقي ) وقال ابن نباتة
( بدا ورنت لواحظه دلالا ... فما أبهى الغزالة والغزالا )
( واسفر عن سنا قمر منير ... ولكن قد وجدت به الضلالا )
( صقيل الخد أبصر من رآه ... سواد العين فيه فخال خالا )
( وممنوع الوصال إذا تبدى ... وجدت له من الألفاظ لالا )
( عجبت لثغره البسام أبدى ... لنا درا وقد سكن الزلالا )
( شهدت بشهد ريقته لأني ... رأيت على سوالفه نمالا )
( فيا عجبا لحسن قد حواه ... وقد أهدى إلى قلبي الوبالا )
( سأشكو الحسن ما بقيت حياتي ... وأشكو من صنائعه الجمالا ) القاضي فخر الدين بن مكانس
( يا غصنا في الرياض مالا ... حملتني في هواك مال )
( يا رائحا بعد أن سباني ... حسبك رب السما تعالى ) وله أيضا
( أجارك الله قد رثت لي ... مما ألاقي عدا وحسد )
( وعاذلي مذ رأى ضلوعي ... تعد سقما بكى وعدد ) ابن رفاعة
( يقولون هل من الحبيب بزورة ... ومنامكم المطلوب قلنا لهم منا )

( فقالوا لنا غوصوا على قده وما ... يحاكي إذا ما اهتز قلنا لهم غصننا ) الشيخ برهان الدين القيراطي
( ووردي خد نرجسي لواحظ ... مشايخ علم السحر عن لحظه رووا )
( وواوت صدغيه حكين عقاربا ... من المسك فوق الجلنار قد التووا )
( ووجنته الحمرا تلوح كجمرة ... عليها قلوب العاشقين قد اكتووا )
( ودي له باق ولست بسامع ... لقول حسود والعواذل اذ عووا )
( ووالله ما أسلو ولو صرت رمة ... فكيف وأحشائي على حبه انطووا ) وللشيخ برهان الدين القيراطي أيضا
( شبه السيف والسنان بعيني ... من لقتلي بين الأنام استحلا )
( فأبى السيف والسنان وقالا ... حدنا دون ذاك حاشى وكلا )
وله أيضا
( بأبي أهيف المعاطف لدن ... حسد الأسمر المثقف قده )
( ذو جفون مذ رمت منها كلاما ... كلمتني سيوفهن محده ) آخر
( تملك رقي شادن قد هويته ... من الهند معسول اللمى أهيف القد )
( أقول لصحبي حين يرنو بطرفه ... خذوا حذركم قد سل صارمه الهندي ) ومما قيل في الغزل المؤنث للشيخ شمس الدين بن البديري
( خيال سلمى عن الأجفان لم يغب ... وطيفها عن عياني غير محتجب )
( وذكرها أنس روحي وهي نائية ... والقلب ما زال عنها غير منقلب )

( لم أصغ فيها للاح راح يعذلني ... ولا لواش خلي بات يلعب بي )
( عذابها في الهوى عذب ألذ به ... ومر هجرانها أحلى من الضرب )
( فإن نأت أو دنت وجدي كما علمت ... تشيب فيه الليالي وهو لم يشب )
( دعها فأمر هوى المحبوب متبع ... وغير طاعته في الحب لم يجب ) وقال عفا الله عنه
( سقى طللا حلته سلمى معاهد ... وحياه من دمعي مذاب وجامد )
( فربع به سلمى مصيف ومربع ... وأرض نأت عنها قفار جلامد )
( وحيث ثوت أرضا فأعذب مورد ... ولو كدرت منها علي الموارد )
( رعى الله دهرا سالمتني صروفه ... وظلت لياليه بسلمى تساعد )
( وقد غفل الواشون عني ولم أزل ... ويقظان طرف البين عني راقد )
( وأيامنا بالقرب بيض أزاهر ... وأوقاتنا بالوصل خضر أمالد )
( وأرواحنا ممزوجة وقلوبنا ... ونحن كأنا في الحقيقة واحد )
( وكم قد مرجنا في مروج صبابة ... ولم يطرد فينا من البين طارد )
( نجر ذيول اللهو في قمص الهوى ... تلوح علينا للغرام شواهد )
( ولم يخطر التفريق منا بخاطر ... ولم نحسب الأيام فينا تعاند )
( فهل أنت يا سلمى وقد حكم الهوى ... كما كنت لي أم حاد بالقلب حائد )
( وهل ودنا باق وإلا تغيرت ... على عادة الأيام منك العوائد )
( وهل محيت آثار رسم حديثنا ... وأنساك حفظ الود هذا التباعد )
( وهل تذكرين العهد إذ نحن باللوى ... وقولك لا عاش الخؤون المعاهد )
( وهل أنت غيرت الذي أنا حافظ ... وهل أنت أحللت الذي أنا عاقد )
( وهل بدلت منك المودة بالجفا ... وفيك يقيني بالوفا منك شاهد )
( وإني ما بدلت عهدك في الهوى ... ولا اختلفت فيما علمت العوائد )

( ولا بت مسرورا وعيشك ليلة ... وكيف سلوي والحبيب مباعد )
( فإن كنت حبل الود صرمت طرفه ... فودي طريف في هواك وتالد )
( وإن قلت إن الحب غير النوى ... لعمري وجدي بالحشاشة واقد )
( وإن أوردوا يوما صبابة عاشق ... فبي يضرب الأمثال من هو وارد )
( فما شئت كوني إني بك مدنف ... صبور على البلوى شكور وحامد )
( ومنك تساوى عندي الوصل والجفا ... وفيك لقد هانت علي الشدائد )
( ولو رمت ألوي عن هواك أعنتي ... لقاد زمامي نحو حبك قائد )
( نصبت شراك الحب صدت حشاشتي ... فكيف خلاصي والهوى منك صائد )
( بعدت وقلت البين يسلي أخا الهوى ... وهل يسلي ذا الأشجان هذا التباعد )
( وما غير التفريق ما تعهدينه ... وسوق سلوي في المحبين كاسد )
( وجل مناي القرب منك وإنما ... إذا عظم المطلوب قل المساعد ) وقال عفا الله عنه
( تهددني بتبريح وبين ... وتوعدني بتفريق وصد )
( وتحلف لي لتلبسني سقاما ... تهي جلدي به وتذيب جلدي )
( وترميني بنبل من جفون ... فتضنيني وتصميني وتردي )
( وتحرقني بنار الصد حتى ... تذيب حشاشتي كمدا وكبدي )
( فقلت لها ودمعي في انسكاب ... يفيض دما على صفحات خدي )
( ومن لي أن يقال قتيل وجد ... واذكر في هواك ولو بصدي ) وقال عفا الله عنه
( سلوي عنك شيء ليس يروى ... وحبي فيك سار مع الركاب )
( ولم يمرر سواك على ضميري ... ووجدي فيك أيسره عذابي )

( ومالك عن سواد العين يوما ... وما لسواد قلبي من حجاب )
( وما اخضرت دواعي الشوق إلا ... هززت إليك أجنحة التصابي ) وقال عفا الله عنه
( قفا نبك دارا شط عنا مزارها ... وأنحلنا بعد البعاد أدكارها )
( وعوجا بأطلال محتها يد النوى ... فأظلم بالنأى المشت نهارها )
( فقدنا بها ريما من الإنس إن رنت ... بمقلتها يصمي القلوب احورارها )
( تصيد قلوب العاشقين أنيسة ... ويحسن منها صدها ونفارها )
( ويهزأ بالأغصان لين قوامها ... إذا مال فوق الغصن منها خمارها )
( وليس لبدر التم قامة قدها ... وما هو إلا حجلها وسوارها )
( منازلها مني الفؤاد وإن نأى ... عن العين مثواها ففي القلب دارها )
( يمثلها بالوهيم فكري لناظري ... وأكثر ما يضني النفوس افتكارها )
( وهيج دمعي حر نار صبابتي ... وما خمدت بالدمع مني نارها )
( وساعدني بالأيك ليلا حمائم ... تهاتف شجوا لا يقر قرارها )
( بكين ولم تسفح لهن مدامع ... وعيني فاضت بالدموع بحارها ) ولمؤلفه رحمه الله تعالى وهو قول ضعيف على قدر حاله لكنه يسأل الواقف عليه من أفضاله ستر ما يراه من عيوبه وإن يدعو له بمغفر ذنوبه
( نسيم الصبا بلغ سليمى رسائلي ... بلطف وقل عن حال صبك سائلي )
( فقد صار بالأسقام صبا معذبا ... قريح جفون من دموع هوامل )
( صبورا على حر الغرام وبرده ... حليف الضنى لم يصغ يوما لعاذل )
( يبيت على جمر الغضى متقلبا ... يئن غراما فارحميه وواصلي )
( إلا يا سليمى قد أضر بي الهوى ... وهاجت بتبريح الغرام بلابلي )
( رميت بسهم من لحاظك قاتل ... فلم يخط قلبي والحشى ومقاتلي )

( كتمت غرامي في هواك ولم أبح ... بسر فناحت أدمعي برسائلي )
( سليمى سلي ما قد جرى لي من النوى ... فقد عاد لي له رق عاذلي )
( لعل تجودي للكئيب وتسمحي ... بوعد بعد الوعد إن شئت ما طلي )
( عسى تنطفي بالوعد ناري وأشتفي ... فبالسقم أعضائي وهت ومفاصلي )
( خفيت عن العواد لولا تأوهي ... وعظم أنيني لا يراني مسائلي )
( فرقي فقد رقت عداي لذلتي ... وفاضت على حالي عيون عواذلي )
( قطعت زماني في عسى ولعلها ... وما فزت في الأيام منك بطائل )
( فما آن أن ترضى علي وترحمي ... ضنى جسدي فالوجد لا شك قاتلي )
( توسلت بالمختار في شملنا ... نبي له فضل على كل فاضل ) وله رحمه الله تعالى
( يا ربة الحسن من بالصد أوصاكي ... حتى قتلت بفرط الهجر مضناكي )
( ويا فتاة بفتان القوام سبت ... من في الورى يا ترى بالقتل أفتاكي )
( لقد جننت غراما مذ رأى نظري ... في النوم طيف خيال من محياكي )
( ومذ رآه جفا طيب المنام وقد ... أضحى عليلا حزينا لم يزل باكي )
( عذبتني بالتجني وهو يعذب لي ... فهل ترى تسمحي يوما برؤياكي )
( إن كنت لم تذكرينا بعد فرقتنا ... فالله يعلم أنا ما نسيناكي )
( ما آن أن تعطفي جودا علي فقد ... أضحى فؤادي أسيرا لحظ عيناكي )
( ما كنت أ حسب أن العشق فيه ضنى ... ولا عذاب نفوس قبل أهواكي )
( حتى تولع قلبي بالغرام فما ... أمسى أسيرا سوى في حسن معناكي )
( رقي لعبدك جودا واعطفي وذري ... ولا تطيلي بحق الله جفواكي )
( يا هند رفقا بقلب ذاب فيك أسى ... ومهجة تلفت ما هند أقساكي )
( رق العذول لحالي في الهوى ورثى ... وأنت يا هند لا ترثي لمضناكي )
( والله لو مت ما أسلاك يا آملي ... ولو فنيت غراما لست أنساكي )

آخر
( كأن فؤادي يوم سرت دليل ... يسير أمام العيس وهو ذليل )
( فصرت عقيب الظاعنين لكي أرى ... فؤادي سرى في الركب وهو عجول )
( وقائلة لي كيف حالك بعدنا ... لتعلم ما هذا إليه يؤول )
( فقلت لها قد مت قبل ترحلي ... فمن باب أولى أن يجد رحيل )
( وقلت فليلي طال هما فأنشدت ... وما زال ليل العاشقين طويل )
( فقلت وجسمي لم يزل مترجفا ... فقالت وجسم العاشقين نحيل )
( فقلت لها لو كنت أدري فراقنا ... بيوم وداع ما إليه سبيل )
( قلعت لعيني في هواك بأصبعي ... لكيلا أرى يوما علي ثقيل ) وقال الوأواء الدمشقي عفا الله عنه
( يا من نفت عني لذيذ رقادي ... مالي ومالك قد أطلت سهادي )
( فبأي ذنب أم بأية حالة ... أبعدتني ولقد سكنت فؤادي )
( وصددت عني حين قد ملك الهوى ... روحي وقلبي والحشا وقيادي )
( ملكت لحاظك مهجتي حتى غدا ... قلبي أسيرا ما له من فادي )
( لا غرو إن قتلت عيونك مغرما ... فلكم صرعت بها من الآسادي )
( يا من حوت كل المحاسن في الورى ... والحسن منها عاكف في بادي )
( رفقا بمن أسرت عيونك قلبه ... ودعي السيوف تفر في الأغماد )
( وتعطفي جودا علي بقلبة ... فبميم مبسمكي شفاه الصادي )
( ماتت أطال الله عمرك سلوتي ... ولقد فنى صبري وعاش سهادي )
( ومن المنى لو دام لي فيك الضنى ... يا حبذا لأراك من عوادي )

( وأجيل منك نواظري في ناضر ... من خدك المترقرق الوقاد )
( وأقول ما شئت اصنعي يا منيتي ... مالي سواك ولو حرمت مرادي )
( إلا مديح المصطفى هو عمدتي ... وبه سألقى الله يوم ميعادي ) وقال البهازهير
( إذا جن ليلي هام قلبي بذكركم ... أنوح كما ناح الحمام المطوق )
( وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى ... وتحتي بحار بالجوى تتدفق )
( سلو أم عمرو كيف بات أسيرها ... تفك الأسارى دونه وهو موثق )
( فلا أنا مقتول ففي القتل راحة ... ولا أنا ممنون عليه فيعتق ) مجنون ليلى
( وقد خبروني أن تيماء منزل ... لليلى ما الليل ألقى المراسيا )
( فهذي شهور الصيف عنا ستنقضي ... فما للنوى يرمي بليلى المراميا )
( أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا )
( وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس بالليل خاليا )
( إلا أيها الركب اليمانون عرجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا )
( يمينا إذا كانت يمينا فان تكن ... شمالا ينازعني الهوى عن شماليا )
( أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها ... اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا )
( خليلي لا والله لا أملك الهوى ... إذا علم من أرض ليلى بداليا )
( خليلي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا )
( قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا )
( ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا )
( وددت على حبي الحياة لو أنه ... يزاد لها في عمرها من حياتيا )
( على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه لا علي ولا ليا )
( إذا ما شكوت الحب قالت كذبتني ... فمالي أرى الأعضاء منك كواسيا )

( فلا حب حتى يلصق الجلد بالحشى ... وتخرس حتى لا تجيب المناديا ) وقال آخر
( قالت لطيف خيال زارني ومضى م ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد )
( فقال خلفته لو مات من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد )
( قالت عهدت الوفا والصدق شيمته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي ) كمال الدين بن النبيه
( أما وبياض مبسمك النقي ... وسمرة مسكة اللمس الشهي )
( ورمان من الكافور تعلو ... عليه طوابع الند الندي )
( وقد كالقضيب إذا تثنى ... خشيت عليه من ثقل الحلي )
( لقد أسقمت بالهجران جسمي ... وأعطشني وصالك بعد ريي )
( إلى كم أكتم البلوى ودمعي ... يبوح بمضمر السر الخفي )
( وكم أشكو اللاهية غرامي ... فويل للشجي من الخلي ) صفي الدين الحلي
( أبت الوصال مخافة الرقباء ... وأتتك تحت مدارع الظلماء )
( أصفتك من بعد الصدود مودة ... وكذا الدواء يكون بعد الداء )
( أحيت بزورتها النفوس وطالما ... ضنت بها فقضت على الأحياء )
( أمت بليل والنجوم كأنها ... در بباطن خيمة زرقاء )
( أمست تعاطيني المدام وبيننا ... عتب غنيت به عن الصهباء )
( آبت إلى جسدي لتنظر ما انتهت ... من بعدها فيه يد البرحاء )

( ألفت به وقع الصفاح فراعها ... جزعا وما نظرت جراح حشائي )
( أمصيبة منا بنبل لحاظها ... ما أخطأته أسنة الأعداء )
( أعجبت مما قد رأيت وفي الحشا ... أضعاف ما عاينت في الأعضاء )
( أمسي ولست بسالم من طعنة ... نجلاء أو من مقلة نجلاء ) وله رحمه الله تعالى
( قفي ودعينا قبل وشك التفرق ... فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي )
( قضيت وما أودى الحمام بمهجتي ... وشبت وما حل البياض بمفرقي )
( قنعت أنا بالذل في مذهب الهوى ... ولم تفرقي بين المنعم والشقي )
( قرنت الرضا بالسخط والقرب بالنوى ... ومزقت شمل الوصل كل ممزق )
( قبلت وصايا الهجر من غير ناصح ... وأحببت قول الهجر من غير مشفق )
( قطعت زماني بالصدود وزرتني ... عشية زمت للترحل أينقي )
( قضى الدهر بالتفريق فاصطبري له ... ولا تذممي أفعاله وترفقي ) وقال عفا الله عنه
( جاءت لتنظر ما أبقت من المهج ... فعطرت سائر الأرجاء بالأرج )
( جلت علينا محيا لوجلته لنا ... في ظلمة الليل أغنتنا عن السرج )
( حورية الخد تحمي ورد وجنتها ... بحارس من نبال الغنج والدعج )
( جزت إساءة أفعالي بمغفرة ... فكان غفرانها يغني عن الحجج )
( جادت لعرفانها أني المريض بها ... فما علي إذا أذنبت من حرج )
( جست يدي لترى ما بي فقلت لها ... كفي فذاك جوى لولاك لم يهج )
( جفوتني فرأيت الصبر أجمل بي ... والصمت في الحب أولى من اللهج )
( جرات لحاظك فينا غير راحمة ... ولذة الحب جور الناظر الغنج )

ابن نباتة
( رقت لنا حين هم السفر بالسفر ... وأقبلت في الدجى تسعى على حذر )
( راض الهوى قلبها القاسي فجادلنا ... وكان أبخل من تموز بالمطر )
( رأت غداة النوى نار الكليم وقد ... شبت فلم تبق من قلبي ولم تذر )
( رشيقة لو تراها عندما سفرت ... والبدر ساه إليها سهو معتذر )
( رأيت بدرين من وجه ومن قمر ... في ظل جنحين من ليل ومن شمر )
( رشفت در الحميا من مقبلها ... إذ نبهتني إليها نسمة السحر )
( رنت نجوم الدجى نحوي فما نظرت ... من يرشف الراح قبلي من فم القمر )
( راق العتاب وابدت لي سرائرها ... في ليلة الوصل بل في غرة القمر ) وقال ابن الساعاتي
( قبلتها ورشفت خمرة ريقها ... فوجدت نار صبابة في كوثر )
( ودخلت جنة وجهها فاباحني ... رضوانها المرجو شرب المسكر ) وقال آخر
( بكت للفراق وقد راعها ... بكاء المحب لبعد الديار )
( كأن الدموع على خدها ... بقية طل على جلنار ) الوأواء الدمشقي تضمين
( قالت متى الظعن يا هذا فقلت لها ... إما غدا زعموا أو لا فبعد غد )
( فامطرت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضت على العناب بالبرد ) لابن نباتة
( عذولي لست أسمع منه قولا ... على غيداء مثل البدر تما )

( له طرف ضرير عن سناها ... ولي أذن عن الفحشاء صما ) وقال آخر
( ورب ليال في هواها سهرتها ... أراعي نجوم الليل فيها إلى الفجر )
( حديثي عال في السهاد لأنني ... رويت أحاديث السهاد عن الزهر ) السراج الوراق
( يا لائمي في هواها ... أسرفت في اللوم جهلا )
( ما يعلم الشوق إلا ... ولا الصبابة إلا ) وقال آخر
( وعدت أن تزور ليلا فألوت ... وأتت في النهار تسحب ذيلا )
( قلت هلا صدقت في الوعد قالت ... كيف صدقت أن ترى الشمس ليلا ) لعز الدين الموصلي
( قد سلونا عن الغزال بخود ... ذات وجه بها الجمال تفتن )
( ورجعنا عن التهتك فيه ... ودفعناه بالتي هي أحسن ) وقال آخر
( قالت وناولتها سواكا ... ساد بفيها على الأراك )
( سواي ما ذاق طعم ريقي ... قلت لها ذاقه سواكي ) وقال آخر
( سألتها أن تعيد لفظا ... قالت محب دعوه يعذر )
( حديثها سكر شهي ... واحسن السكر المكرر ) ابن نباتة
( وملولة في الحب لما أن رأت ... أثر السقام بجسمي المنهاض )

( قالت تغيرنا فقلت لها نعم ... أنا بالسقام وأنت بالإعراض ) وقال أبو الطيب المتنبي
( بأبي الشموس الجانحات غواربا ... اللابسات من الحرير جلاببا )
( الناهياتعيوننا وقلوبنا ... وجناتهن الناهبات الناهبا )
( الناعمات القاتلات المحييات ... الميديات من الدلال غرائبا )
( حاولن تفديتي وخفن مراقبا ... فوضعن أيديهن فوق ترائبا )
( وبسمن عن برد خشيت أذيبه ... من حر أنفاسي فكنت الذائبا )
( يا حبذا المتجملون وحبذا ... واد لثمت به الغزالة كاعبا )
( كيف الرجاء من الخطوب تخلصا ... من بعد أن أنشبن في مخالبا ) وله أيضا من جملة قصيدة
( ولما التقينا والنوى ورقيبنا ... غفولان عنا ظلت أبكي وتبسم )
( فلم أر بدرا ضاحكا قبل وجهها ... ولم تر قبلي ميتا يتكلم ) الشريف الرضي
( وتميس بين مزعفر ومعصفر ... ومعنبر وممسك ومصندل )
( هيفاء إن قال الشباب لها انهضي ... قالت روادفها أقعدي وتمهلي )
( وإذا سألت الوصل قال جمالها ... جودي وقال دلالها لا تفعلي ) ابن اسرائيل
( وعدت بوصل والزمان مسوف ... حوراء ناظرها حسام مرهف )
( نشوانة خصباء منهل ثغرها ... در وريقتها سلاف قرقف )

( وتخال بين البدر منها والنقا ... غصنا يميس به النسيم مهفهف )
( لا تحسبن الحلف شيمة مثلها ... وعدت ولكن الزمان يسوف )
( يا بانة قد أطلعت أغصانها ... وردا جنيا باللواحظ يقطف )
( وغزالة يحكي الغزالة وجهها ... ويعير ناظرها الحسام الأوطف )
( ما تأمرين لمغرم تسطو به ... أجفانك المرضى ولا تستعطف )
( قسما بوجهك وهو صبح مشرق ... وسواد شعرك وهو ليل مسدف )
( وبهز غصن البان منك على النقا ... مالي إلى أحد سواك تشوف ) ولنذكر إن شاء الله تعالى في هذا الباب نبذة من ملح النظم ورقائق الشعر من غير تبويب ولا ترتيب للشيخ شمس الدين بن الريدي
( ولما نأت سلمى وشط بها النوى ... وأيقنت أني بالغرام أذوب )
( علقت بأخرى غيرها متلاهيا ... ليطفى ضرام في الحشا ولهيب )
( وكان هيامي والهوى وصبابتي ... لمن هو في الأولى إلي حبيب ) وله في المعنى
( تلاهيت عنها في الغرام بغيرها ... وقلت لقلبي هذه هي زينب )
( وقبلت فاها مبردا لصبابتي ... فأضرمت نارا في الحشا تتلهب )
( فكنت كمن هو ذا غريقا بلجة ... تمسك بالموج الذي يتقلب ) وقال أيضا
( سألت القلب هل ميلي لليلى ... وهل عند الفؤاد لها التفات )
( فقال الآن لا لكن تأنيى ... فقلت الحب فيه تقلبات )
( فإن الحب يهجم بعد بأس ... ويعتاد المحب تغيرات )
( فلا تظهر لها يوما سلوا ... فتفضحك التصابي الواردات )

( وترمى بالصدود وبالتجني ... وتنحلك الرعود الكاذبات )
( فكن جلدا ولا تك ذا لجاج ... فما يغنيك إن فات الفوات ) وقال البيطار
( يقولون هذي أم عمرو قريبة ... دنت بك أرض نحوها وسماء )
( ألا إنما قرب الحبيب وبعده ... إذا هو لم يوصل إليه سواء ) وقال غيره
( وقالوا بع حبيبك وابغ عنه ... حبيبا آخرا تحيا سعيدا )
( إذا كان القديم هو المصافي ... وخان فكيف أأتمن الجديدا ) وقال آخر
( لم أنس إذ قلت من وجدي لها غلطا ... ووجهها مشرق في حندس الظلم )
( سلوت عنك فقالت وهي ضاحكة ... لتقرعن علي السن من ندم ) وقال آخر
( أمن المروءة أن أبيت مسهدا ... قلقا أبل ملابسي بدموعي )
( وتبيت ريان الجفون من الكرى ... وأبيت منك بليلة الملسوع ) وقال آخر
( إلى الله أشكو جور أهيف شاذن ... وقعت فما لي من يدميه خلاص )
( جرحت بعيني خده وهو جارح ... بعينيه قلبي والجروح قصاص ) وقال آخر
( قد كنت أسمع بالهوى فأكذب ... وأرى المحب وما يقول فأعجب )
( حتى رميت بحلوه وبمره ... من كان يتهم الهوى فيجرب ) وقال آخر
( سألتها التقبيل من خدها ... عشرا وما زاد يكون احتساب )

( فمذ تلاقينا وقبلتها ... غلطت في العد وضاع الحساب ) وقال آخر
( يا من سقامي من سقام جفونه ... وسواد حظي من سواد عيونه )
( قد كنت لا أرضى الوصال وفوقه ... واليوم أقنع بالخيال ودونه ) وقال آخر
( صبحته عند المساء فقال لي ... تهزي بقدري أو تريد مزاحا )
( فأجبته إشراق وجهك غرني ... حتى توهمت المساء صباحا ) أبو عبد الله الغواص
( من عذيري من عذول في رشا ... فأمر القلب هواه فقمر )
( قمر لم يبق مني حسنه ... وهواه غير مقلوب قمر ) وقال آخر
( جاذبتها والريح تجذب برقعا ... من فوق خد مثل قلب العقرب )
( وطفقت ألثم ثغرها فتحجبت ... وتسترت عني بقلب العقرب ) وقال آخر
( لو مت من كثرة الأشواق وانبدلت ... مدامعي بدم من كثرة السهر )
( ما اخترت عنك سلوا لا ولا نظرت ... عيني لغير محيا وجهك القمر ) إبراهيم بن العباس
( تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضى ... ويسرع قلبي إذ يهب هبوبها )
( قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كل نفس أين حل حبيبها ) وقال النوفلي
( إذا اختلجت عيني رأت من تحبه ... فدام لعيني ما حييت اختلاجها )
( وما ذقت كأسا مذ علقت بحبها ... فأشربه إلا ودمعي مزاجها )

وقال آخر رحمه الله تعالى
( ياذا الذي زار وما زارا ... كأنه مقتبس نارا )
( قام بباب الدار من تيهه ... ما ضره لو دخل الدارا ) وقال آخر
( ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت مني ظاهري لجليسي )
( فالكل مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي ) ابن نباتة
( أناشده الرحمن في جمع شملنا فيقسم هذا لا يكون إلى الحشر )
( إذا ما غدا مثل الحديد فؤاده ... فوالعصر إن العاشقين لفي خسر ) أمين الدين بن أبي الوفاء
( يا نازلا مني فؤادا راحلا ... ومن العجائب نازلا في راحل )
( أضرمت قلب متيم أهلكته ... وسكنته والنار مثوى القاتل ) وقال آخر
( يا عاذلي في هواه ... إذا بدا كيف أسلو )
( يمر بي كل وقت ... وكلما مر يحلو ) الحاجبي
( ملأت فؤادي من محبة فاتن ... أميل إليه وهو كالظبي رائغ )
( وقلت لقلبي قم لتعشق شادنا ... سواه فقال القلب ما أنا فارغ ) وقال ديك الجن
( ولي كبد حري ونفس كأنها ... بكف عدو ما يريد سراحها )
( كأن على قلبي قطاة تذكرت ... على ظمأ وردا فهزت جناحها )

وقال عبد الله بن طاهر
( أقام ببلدة ورحلت عنه ... كلانا بعد صاحبه غريب )
( أقل الناس في الدنيا سرورا ... محب قد نأى عنه الحبيب ) وقال آخر
( ما اخترت ترك وداعكم يوم النوى ... والله لا مللا ولا لتجنب )
( لكن خشيت بأن أموت صبابة ... فيقال أنت قتلته فتقاد بي ) وقال ابن المعتز
( هب لعيني رقادها ... وانف عنها سهادها )
( وارحم المقلة التي ... كنت فيها سوادها )
( كن صلاحا لها كما ... كنت دهرا فسادها ) وقال آخر
( وقالوا دع مراقبة الثريا ... ونم فالليل مسعود الجناح )
( فقلت وهل أفاق القلب حتى ... أفرق بين ليلي والصباح ) وقال آخر
( ولي فؤاد إذا طال النزاع به ... طار اشتياقا إلى لقيا معذبه )
( يفديك بالنفس صب لو يكون له ... أعز من نفسه شيء فداك به ) وقال آخر
( وما هجرتك النفس يأمي إنها ... قلتك ولا أن قل منك نصيبها )
( ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا ... بقول إذا ما جئت هذا حبيبها ) وقال المحاربي
( إذا أنت لم توقن بما صنع الهوى ... بأهل الهوى فافقد حبيبا وجرب )

( ترى حرقات يلدغ القلب حرها ... بأنضج من كي الغضى المتلهب ) وقال الأقرع بن معاذ
( أقول لمفت ذات يوم لقيته ... بمكة والانضاء ملقى رحالها )
( بحقك أخبرني أما تأثم التي ... أضر بجسمي منذ مر خيالها )
( فقال بلى والله أو سيصيبها ... من الله بلوى في الزمان تنالها )
( فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... سريع على جيب القميص انهمالها )
( عفا الله عنها كل ذنب ولقيت ... مناها وإن كانت قليلا نوالها ) وقال آخر
( بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه )
( وعرضا بي وقولا في حديثكما ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه )
( فإن تبسم قولا عن ملاطفة ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه )
( وإن بدا لكما من سيدي غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه ) وقال عبد الله بن أبي الشيص
( ومعرضة تظن الهجر فرضا ... تخال لحاظها للضعف مرضى )
( كأني قد قتلت لها قتيلا ... فما مني بغير الهجر ترضى ) وقال الحسين بن الضحاك
( بعضي بنار الهجر مات حريقا ... والبعض أضحى بالدموع غريقا )
( لم يشك عشقا عاشق فسمعته ... إلا ظننتك ذلك المعشوقا )

وقال آخر
( وأجيل فكري في هواك ... بلا لسان ناطق )
( أدعو عليك بحرقة ... من غير قلب صادق ) وقال آخر
( يا ويح من خبل الأحبة قلبه ... حتى إذا ظفروا به قتلوه )
( عزوا ومال به الهوى فأذله ... إن العزيز على الذليل يتيه )
( أنظر إلى جسد أضر به الهوى ... لولا تقلب طرفه دفنوه )
( من كان خلوا من تباريح الهوى ... فأنا الهوى وحليفه وأخوه ) وقال أحمد بن طاهر
( تقول العاذلات تسل عنها ... وداو عليل صبرك بالسلو )
( فكيف ونظرة منها اختلاسا ... ألذ من الشماتة بالعدو ) وقال إسحاق مولى المهلب
( هبيني يا معذبتي أسأت ... وبالهجران قلبكم بدأت )
( فأين الفضل منك فدتك نفسي ... علي إذا أسأت كما أسأت ) وقال أبو العتاهية
( يقول أناس لو نعت لنا الهوى ... ووالله ما أدري لهم كيف أنعت )
( سقام على جسمي كثير موسع ... ونوم على عيني قليل مفوت )
( إذا اشتد ما بي كان أفضل حيلتي ... له وضع كفي فوق خدي وأسكت ) وقال بشار
( يا قرة العين إني لا أسميكي ... أكني بأخرى أسميها وأعنيك )
( أخشى عليك من الجارات حاسد ... أو سهم غيران يرميني ويرميك )

( لولا الرقيبان إذ ودعت غادية ... قبلت فاك وقلت النفس تفديك )
( يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك )
( قد زرتنا مرة في الدهر واحدة ... بالله لا تجعليها بيضة الديك ) وقال آخر
( ألم تعلمي يا أحسن الناس أنني ... أحبك حبا مستكنا وباديا )
( أحبك ما لو كان بين قبائل ... من الناس أعداء لجر التصافيا ) وقال آخر
( أقول لشادن في الحسن أضحى ... يصيد بطرفه قلب الكمي )
( ملكت الحسن أجمع في نصاب ... فأد زكاة منظرك البهي )
( وذاك بأن تجود لمستهام ... برشف من مقبلك الشهي )
( فقال أبو حنيفة لي إمام ... يرى أن لا زكاة على الصبي ) وقال آخر
( سقى الله ربعا كنت أخلو بوجهكم ... وثغر الهنا في روضة الحسن ضاحك )
( أقمنا زمانا والعيون قريرة ... وأصبحت يوما والجفون سوافك ) وقال آخر
( ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني ... أظل إذا لم أسق ماءك صاديا )
( وما زلت بي يا بين حتىلو أنني ... من الوجد استبكي الحمام بكى ليا ) أبو العباس الشهير بالنفيس
( يا راحلا وجميل الصبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك يتفق )
( ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو يحترق ) الوزير ظهير الدين الملقب بأبي شجاع

( لأعذبن العين غير مفكر ... فبها بكت بالدمع أو فاضت دما )
( ولأهجرن من الرقاد لذيذه ... حتى يعود على الجفون محرما )
( هي أوقعتني في حبائل فتنة ... لو لم تكن نظرت لكنت مسلما )
( سفكت دمي فلأسفحن دموعها ... وهي التي بدأت فكانت أظلما ) وقال العتبي
( أضحت بخدي للدموع رسوم ... أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم )
( والصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم ) الرفاء الأندلسي
( ومهفهف كالغصن إلا أنه ... تتحير الألباب عند لقائه ) ... ( أضحى ينام وقد تكلل خده ... عرقا فقلت الورد رش بمائه ) وقال آخر
( اخضر واصفر لاعتلال ... فصار كالنرجس المضعف )
( كأن نسرين وجنتيه ... بشعر أصداغه مغلف )
( يرشح منه الجبين ماء ... كأنه لؤلؤ منصف ) وقال آخر
( ما زال ينهل من صرف الطلا قمري ... حتى غدت وجنتاه البيض كالشفق )
( وقام يخطر والأرداف تقعده ... طورا وحاول أن يسعى فلم يطق )
( فعائل فعلت فعل الشمول به ... فعل النسيم بغصن البانة الورق )
( جاذبته لعناقي فانثنى خجلا ... وكللت وجنتاه الحمر بالعرق )
( وقال لي بفتور من لواحظه ... إن العناق حرام قلت في عنقي ) وقال آخر
( بأركان هذا البيت إني لطائف ... وفي الكون أسرار وفيه لطائف )

( رعى الله أياما وناسا عهدتهم ... جيادا ولكن الليالي صيارف )
( وبي ذهبي اللون صيغ لمحنتي ... يريد امتحاناتي وما أنا زائف )
( يذيب فؤادا وهو لا غش عنده ... فيا ذهبي اللون إنك خائف ) وقال آخر
( أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من أعمالي )
( فرقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال ) ومما قيل في الرقباء
( لو أن لي في الحب أمرا نافذا ... وملكت بسط الأمر في التعذيب )
( لقطعت ألسنة العواذل كلها ... ولكنت أقلع عين كل رقيب ) وقال إعرابي
( بسهم الحب كلم في فؤادي ... ولا كالكلم من عين الرقيب )
( تمكن ناظراه به وأضحى ... مكان الكاتبين من الذنوب )
( ومن حذر الرقيب إذا التقينا ... نسلم كالغريب على الغريب )
( ولولاه تشاكينا جميعا ... كما يشكو المحب إلى الحبيب ) وقال آخر
( من عاش في الدنيا بغير حبيب ... فحياته فيها حياة غريب )
( عين الرقيب غرقت في البحر العمى ... لا أنت لا بل عين كل رقيب ) وقال أحمد بن أبي سلمة
( يعذلني فيه جميع الورى ... كأنني جئت بأمر عجيب )
( أظن نفسي لو تعشقتها ... بليت فيها بملام الرقيب )
( وأنا الغريب فلا ألام على البكا ... إن البكا حسن بكل غريب )

وقال آخر
( وما فارقت سعدى عن قلاها ... ولكن شقوة بلغت مداها )
( بكيت نعم بكيت وكل إلف ... إذا بانت حبيبته بكاها ) وقال آخر
( رقائلة ما بال دمعك أبيض ... فقلت لها يا علو هذا الذي بقي )
( ألم تعلمي أن البكا طال عمره ... فشابت دموعي عندما شاب مفرقي )
( وعما قليل لا دموع ولا دما ... ولم يبق إلا لوعتي وتحرقي ) وقال آخر
( ولم أر مثلي غار من طول ليله ... عليه لأن الليل يعشقه معي )
( وما زلت أبكي في دجى الليل صبوة ... من الوجد حتى ابيض من فيض أدمعي ) وقال آخر
( رجوت طيف خيال ... وكيف لي بهجوع )
( والذاريات جفوني ... والمرسلات دموعي ) وقال آخر
( يا نازح الطيف من نومي يعاودني ... فقد بكيت لفرط النازحين دما )
( أوجبت غسلا على عيني بأدمعها ... فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما ) وقال آخر
( ارحم رحمت لوعتي ... وابعث خيالك في الكرى )
( ودموع عيني لا تسل ... عن حالها ياما جرى ) وقال آخر
( أملت أن تتعطفوا بوصالكم ... فرأيت من هجرانكم ما لا أرى )

( وعلمت أن فراقكم لا بد أن ... يجري به دمعي دما وكذا جرى ) وقال آخر
( إن عيني مذ غاب شخصك عنها ... يأمر السهد في كراها وينهي )
( بدموع كأنهن الغوادي ... لا تسل ما جرى على الخد منها ) وقال آخر
( يقولون لي والدمع قرح مقلتي ... بنار أسى من حبة القلب تقدح )
( أدمعك جمر قلت لا تتعجبوا ... فكل وعاء بالذي فيه ينضح ) وقال البدر الذهبي
( قالوا تباكى بالدموع وما بكى ... بدم على عيش تصرم وانقضى )
( فأجبتهم هو من دمي لكنه ... لما تصاعد صار يقطر أبيضا ) قال ابن مطروح في الغيرة
( ولو أمسى على تلفي مصرا ... لقلت معذبي بالله زدني )
( ولا تسمح بوصلك لي فإني ... أغار عليك منك فكيف مني ) وقال آخر
( أغار عليك من نظري ومني ... ومنك ومن مكانك والزمان )
( ولو أني خبأتك في جفوني ... إلى يوم القيامة ما كفاني ) المظفر بن عمر الآمدي
( قولي لمن قد جفوني إذ لهجت بهم ... دون الأنام وخير القول أصدقه )
( أحبكم وهلاكي في محبتكم ... كعابد النار يهواها وتحرقه )

وقال غيره
( لم أنس أيام الصبا والهوى ... لله أيام النجا والنجاح )
( ذاك زمان مر حلو الجنى ... ظفرت فيه بحبيب وراح ) الشريف الرضي
( عللاني بذكركم واسقياني ... وامزجا لي دمعي بكأس دهاق )
( وخذا النوم من جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق ) وقال آخر
( قالوا أترقد مذ غبنا فقلت لهم ... نعم وأشفق من دمعي على بصري )
( ما حق طرف هداني نحو حسنكم ... أني أعذبه بالدمع والسهر ) عز الدين الموصلي
( فسدت لطول بعادكم أحلامنا ... وعقولنا وجفا الجفون منام )
( والطيف قد وعد الجفون بزورة ... يا حبذا إن صحت الأحلام )
ومما قيل في السهر وطول الليل ونحو ذلك قال الشاعر
( ورب ليل سهرناه وقد طلعت ... بقية البدر في أولى تسايره )
( كأنما أدهم الظلماء حين نجا ... من أشهب الصبح ألقى نعل حافره ) وقال آخر
( ليل المحبين مطوي جوانبه ... مشمر الذيل منسوب إلى القصر )
( ما ذاك إلا لأن الصبح نم بنا ... فاطلع الشمس من غيظ على القمر ) وقال غيره
( فلم أر مثل ليل ذوي التصابي ... وكل يشتكيه بكل حال )

( فيشكو طوله أهل التجافي ... ويشكو قصره أهل الوصال ) وقال آخر
( ليلي وليلى سواء في اختلافهما ... قد صبراني جميعا في الهوى مثلا )
( يجود بالطول ليلي كلما بخلت ... بالطول ليلى وإن جادت به بخلا ) وقال آخر
( إن الليالي للأنام مناهل ... تطوي وتنشر بينها الأعمار )
( فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهن مع السرور قصار ) وقال غيره
( رب ليل لم أذق فيه الكرا ... حظ عيني فيه دمع وسهر )
( كلما هيج ليلى حرقي ... صحت يا ليل أما فيك سحر ) وقال آخر
( يا ليل طل أو لا تطل ... لا بد لي من سهرك )
( لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك ) وقال بشار بن برد
( خليلي ما بال الدجى لا يزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح )
( أضل إليها المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح ) وقال آخر
( كأن الثريا راحة تشبر الدجى ... ليعلم طال الليل أم قد تعرضا )
( فليل تراه بين شرق ومغرب ... يقاس بشبر كيف يرجى له انقضا ) وقال ابن منقذ
( لما رأيت النجم ساه طرفه ... والقطب قد ألقى عليه سباتا )

( وبنات نعش في الحداد سوافر ... أيقنت أن صباحهم قد ماتا ) وقال آخر في ليلة ممطرة
( أقول والليل في امتداد ... وأدمع الغيث في انسفاح )
( أظن ليل بغير شك ... قد بات يبكي على الصباح ) ومما جاء في الأشعار الخمرية قول صفي الدين الحلي
( بدت لنا الراح في تاج من الحبب ... فخرقت حلة الظلماء باللهب )
( بكر إذا زوجت بالماء أولدها ... أطفال در على مهد من الذهب )
( بقية من بقايا قوم نوح إذا ... لاحت جلت ظلم الأحزان والكرب )
( بعيدة العهد بالمعصار لو نطقت ... لحدثتنا بما في سالف الحقب )
( باكرتها برفاق قد ذهبت بهم ... قبل السلاف سلاف العلم والأدب )
( بكل متشح بالفضل مؤتزر ... كأن في لفظه ضربا من الضرب )
( بل رب ليل غدا مثل الإهاب غدت ... تنقض فيه كؤوس الراح كالشهب )
( بذلت عقلي صداقا حين بت به ... أزوج ابن سحاب بابنة العنب )
( بتنا بكاساتها صرعى ومكربنا ... يعيد أرواحنا من شدة الطرب )
( بعث ألم فلم تعلم لفرحتنا ... من نفخة الصور أم من نفخة القصب )
( بروضة طل فيها الطل أدمعه ... والزهر مبتسم عن ثغره الشنب ) وقال أيضا
( تاب الزمان من الذنوب فوات ... واغنم لذيذ العيش قبل فوات )
( تم السرور فقم يا صاحبي ... نستدرك الماضي بنهب الآتي )

( توج بكاسات الطلا هام الربا ... في روضة مطلولة الزهرات )
( تغدو سلاف القطر دائرة بها ... والكأس دائرة بكف سقاة )
( تلف النضار على العقار غنيمتي ... وفراغ راحاني على الراحات )
( تركي لأكياس النضار جهالة ... من ذا أحق بها من الكاسات )
( نبت يدا من تاب عن رشف الطلا ... والكاس متقد كخد فتاة )
( تتابع إلى أوقاتها داعي الصبا ... واعجب لما فيها من الآيات )
( تمم بها نقص السرور فإنها ... عند الكرام تتمة اللذات ) وقال أيضا
( حي الرفاق وطف بكاس الراح ... واطرز بكاسك حلة الأفراح )
( حث الكؤوس على جسوم أصبحت ... فيها المدام شريكة الأرواح )
( حاش الأنام وعاطني مشمولة ... ظنت فسادي وهي عين صلاحي )
( حمراء لو ترك السقاة مزاجها ... لأغنى تلألؤها عن المصباح )
( حبب تظل به الكؤوس كأنها ... خصر الفتاة ممنطق بوشاح )
( حجب الحباب شعاعها فكأنه ... شفق تلهب تحت ذيل صباح )
( حكم الزمان وغض عنا طرفه ... يا صاح لا تقنع بانك صاح ) وقال آخر
( قد قلت إذ أضحى يعبس كلما ... دارت عليه بالمدام الأكؤس )
( تالله ما أنصفتها يا سيدي ... تأتيك باسمة وأنت تعبس ) عز الدين الموصلي
( لئن شبه الساقي المدام بعسجد ... فقد مال بالتشبيه عن صيغة الأدب )
( ولكن رآها جوهرا سميت طلا ... فميز ما قد حلت الكاس بالذهب ) يزيد بن معاوية
( وشمسة كرم برجها قعر دنها ... وطلعتها الساقي ومغربها فمي )

( مدام كتبر في إناء كفضة ... وساق كبدر مع ندامى كأنجم ) وقال آخر
( كأن الندامى والسقاة ودننا ... وكاساتنا في الروض تملى وتشرب )
( شموس وأقمار وفلك وأنجم ... ونور ونوار وشرق ومغرب ) وقال آخر
( فكأنها وكأن حامل كأسها ... إذ قام يجلوها على الندماء )
( شمس الضحى رقصت فنقط وجها ... بدر الدجى بكواكب الجوزاء ) وقال كشاجم
( صدح الديك في الدجى فاسقنيها ... خمرة تترك الحليم سفيها )
( لست أدري من رقة وصفاء ... هي في الكاس أم هو الكاس فيها ) كمال الدين بن النبيه
( قم يا غلام ودع مقالة من نصح ... فالديك قد صدع الدجى لما صدح )
( خفيت تباشير الصباح فاسقني ... ما ضل في الظلماء من قدح القدح )
( صهباء ما لمعت بكف مديرها ... لمقطب إلا تهلل وانشرح )
( تالله ما مزج المدام بمائها ... لكنه مزج المسرة بالفرح )
( هي صفوة الكرم الكريم فما سرت ... سراؤها في باخل إلا سمح )
( من كف قيان اللحاظ بوجهه ... عذر لمن خلع العذار أو افتضح ) وقال غيره
( وليلة أوسعتني ... حسنا ولهوا وأنسا )
( ما زلت ألثم بدرا ... بها وأشهد شمسا ) ( عبد الله بن محمد العطار وقيل يزيد بن معاوية )

( وكاس يرينا آية الصبح في الدجى ... فأولها شمس وآخرها بدر )
( مقطبة ما لم يزرها مزاجها ... فإن جاءها جاء التبسم والبشر )
( فيا عجبا للدهر لم يخل مهجة ... من العشق حتى الماء يعشقه الخمر ) ( وقال ابن تميم )
( وليلة بت أسقي من غياهبها ... راحا تسل شبابي من يد الهرم )
( ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم ) ( ابن مكانس )
( نزل الطل بكرة ... وتوالى تجددا )
( والندامى تجمعوا ... فأجل كأسي على الندى ) ( الشيخ شهاب الدين بن حجازي )
( كأسنا يا صاح صرفا ... جليت بين الندامى )
( لم نجد ماء لمزج ... فقنعنا بالندامى ) ( صفي الدين الحلي )
( كيف لا تخضع العقول لديها ... وهي سلطان سائر المسكرات )
( الفوا في الكؤوس إذ مزجوها ... بين ماء الحيا وماء الممات ) ( غيره )
( صهباء في الكاس صرفا ... غلبت ضوء السراج )
( ظنها في الكاس نارا ... فطفاها بالمزاج ) ( مجد الدين بن تميم )
( نديمي لا تسقني ... سوى الصرف فهو الهنى )
( ودع كاسها أطلسا ... ولا تسقني مع دني )

( تقي الدين بن حجة )
( حيا بها عاصرها في كاسها ... مشرقة باسمة كالثغر )
( وقال هذي تحفة في عصرنا ... قلت اسقنيها يا إمام العصر ) ( أبو الطيب المتنبي )
( يا صاحبي امزجا كاس المدام لنا ... كيما يضيء لنا من أفقها الغسق )
( خمرا إذا ما نديمي هم يشربها ... أخشى عليه من اللألأء يحترق )
( لو راح يحلف أن الشمس ما غربت ... في فيه كذبه في وجهه الشقق ) ( وقال آخر )
( بنت كرم يتموها أمها ... وأهانوها بدوس بالقدم )
( ثم داروا حكموها فيهم ... ويلهم من جور مظلوم حكم ) ( وقال آخر )
( عناقيد على قضب تدلت ... حكى منظومها عقد اللآلي )
( إذا عصرت بدا في الكأس منها ... دوالي قد تربت في دوالي ) ( برهان الدين بن المعمار )
( باكر لكرم العنب المجتنى ... واستجنه من عند عنابه )
( واعصره واستخرج لنا ماءه ... لكي تزيل الهم عنابه ) ( جولان العاذلي )
( إذا ما الخمر في الكاسات صبت ... رأيت لها شموسا في بروج )
( وإن جليت على الندمان يوما ... تزاحمت الهموم على الخروج ) ( وقال في الشراب المطبوخ )
( يا من يعذب ماء الكرم يحرقه ... بالنار في أي شيء تظلم العنب )

( ان التي طبختها الشمس أنفع لي ... ولست أخسر لا قدرا ولا حطبا ) وقال أيضا
( وعتيقة رقت وراق مزاجها ... لطفا وأنحلها الزمان الغابر )
( لم يبق منها غير نور ساطع ... لا يستطيع يجول فيه الناظر )
( ترنو إليك من الحباب بأعين ... خلقت ولم تخلق لهن محاجر ) وقال غيره
( لا تعصرن زبيبا واعتصر عنبا ... فبين هذين فرقنا بتصريح )
( هذا من الحي للأحياء معتصر ... وذاك يعصر من جسم بلا روح ) وقال غيره
( عابوا علي مداما ... أخرتها لصبوحي )
( واستنكروها وقالوا ... ارتحت قلت روحي ) وقال آخر في الشراب على الرعد والبرق
( أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا )
( فاشرب على غيم كصبغ الدجى ... أضحك وجه الروض لما بكى )
( وانظر لماء النيل في مده ... كأنه صندل أو مصطكا ) وقال آخر
( يا ليلة جمعت لنا الأحبابا ... لو شئت دام لنا النعيم وطابا )
( بتنا بها نسقى سلافا قرقفا ... يذر الصحيح بعقله مرتابا )
( من كف غانية كأن بنانها ... من فضة قد قمعت عنابا ) وقال آخر
( أما ترى الغيث كالباكي بأدمعه ... والأرض تضحك والأزهار في فرح )
( فقم فديتك نشكو ما نكابده ... من الزمان وما نلقى إلى القدح )

نباتة
( أما ترى الليل قد ولت غياهبه ... وعارض الفجر بالإشراق قد طلعا )
( فاشرب على وردة وردية قدمت ... كأنها خد ريم ريم فامتنعا ) ومن شعر عضد الدولة
( طربت إلى الصبوح مع الصباح ... وشرب الراح والغرر الملاح )
( وكان الثلج كالكافور نثرا ... وناري بين نارنجي وراحي )
( فمشمومي ومشروبي وناري ... وثلجي والصباح مع الصباح )
( لهيب في لهيب في لهيب ... صباح في صباح في صباح ) ابن وكيع
( وصفراء من ماء الكروم كأنها ... فراق عدو أو لقاء صديق )
( كأن الحباب المستدير بطوقها ... كواكب در في سماء عقيق )
( صببت عليها الماء حتى تعوضت ... قميص بهار من قميص شقيق ) وقال آخر
( وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق )
( حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا ... عليها مزاجا فاكتسب لون عاشق ) وقال آخر
( إذا الكروان صاح على الرمال ... وحل البدر في برج الكمال )
( وجعد وجه بركتنا هبوب ... تمر به الجنوب من الشمال )
( وحركت الغصون فشابهتها ... قدود سقاتنا في كل حال )
( فهات الكأس مترعة ودعني ... أبادر لذتي قبل ارتحالي )

( فكل جماعة لا شك يوما ... يفرق بينهم صرف الليالي ) وقال آخر في الشراب على الغيم
( أرى غيما تؤلفه جنوب ... ويوشك أن يوافقنا بهطل )
( فوجه الرأي أن تدعو برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل ) وقال آخر
( فيا بكر باكر بكرة بكر كرمة ... تفز ببكور باكرتك بها بكر )
( وداو خمار الخمر بالخمر إنما ... دواء خمار الخمر من دائها الخمر ) وقال
( لا تبكين على الأطلال والدمن ... ولا على منزل أقوى من السكن )
( وقم بنا نصطبح صهباء صافية ... تنفي الهموم ولا تبقي على الحزن )
( بكرا معتقة عذراء واضحة ... تبدو فتخبرنا عن سالف الزمن )
( حمراء مروقة صفراء فاقعة ... كأنما مزجت من طرفك الوسني )
( يسعى بها غنج في خده ضرج ... في ثغره فلج ينمى إلى اليمن )
( في ريقه عسل قلبي به خبل ... في مشيه ميل أربى على الغصن )
( كأنه قمر ما مثله بشر ... في طرفه حور يرنو فيجرحني )
( سبحان خالقه يا ويح عاشقه ... يهدي لرامقه صنفا من الشجن )
( في روضة زهرت بالنبت قد حسنت ... كأنها فرشت من وجهه الحسن )
( يا طيب مجلسنا والطير يطربنا ... والعود يسعدنا مع منشد لسن ) كمال الدين بن النبيه
( طاب الصبوح لنا فهاك وهات ... واشرب هنيئا يا أخا اللذات )

( كم ذا التواني والزمان مساعد ... والدهر سمح والحبيب مواتي )
( قم واغتبق من شمس كاسك واصطبح ... بكواكب طلعت من الكاسات )
( حمراء صافية توقد نورها ... فعجبت للنيران في الجنات )
( ينسل في قاع الظروف حبابها ... والدر مجتلب من الظلمات )
( عذراء واقعها المزاج أما ترى ... منديل عذرتها بكف سقاة )
( يسعى بها عبل الروادف أهيف ... خنث الشمائل شاطر الحركات )
( يهوي فتسبقه ذوائب شعره ... ملتفة كأساود الحيات )
( لو قسمت أرزاقنا بيمينه ... عدل الزمان على ذوي الحاجات ) وقال أيضا
( باكر صبوحك أهنى العيش باكره ... فقد نرنم فوق الأيك طائره )
( والليل تجري والدراري في مجرته ... كالروض تطفو على نهر أزاهره )
( وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره )
( فانهض إلى ذوب ياقوت لها حبب ... تنوب عن ثغر من تهوى جواهره )
( حمراء من وجنة الساقي لها شبه ... فهل جناها من العنقود عاصره )
( ساق تكون من صبح ومن غسق ... فابيض خداه واسودت غدائره )
( بيض سوالفه لعس مراشفه ... نعس نواظره خرس أساوره )
( مفلج الثغر معسول اللمى غنج ... مؤنث الجفن فحل اللحظ شاطره )
( مهفهف القد يبدي جسمه ترفا ... مخصر الخصر عبل الردف وافره )
( تعلمت بانة الوادية شمائلة ... وزورت سحر عينيه جآذره )
( كأنه بسواد اللحظ مكتحل ... وركبت فوق صدغيه محاجره )
( فلو رأت مقلتا هاروت آيته الكبرى ... لآمن بعد الكفر ساحره )

( خذ من زمانك ما أعطاك مغتنما ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره )
( فالعمر كالكاس تستحلي أوائله ... لكنه ربما مرت أواخره )
( واجسر على فرص اللذات محتقرا ... عظيم ذنبك إن الله غافره ) وقال آخر
( شربنا بالبواطي ثم رحنا ... نعلل بالكؤوس وبالقناني )
( ولولا خيفة الإجرام قلنا ... لساقيها أدرها بالدنان ) برهان الدين القيراطي
( أرى جرار الخمر تغلو وقد ... عزت وبالإفلاس حالي عجيب )
( جئنا لخمار وقلنا له ... أحمل إلينا جرة كي نطيب )
( قال زبيبا تريدون أم ... خمرا فإن الكل مني قريب )
( قلنا له خمرا فنادى زنوا ... في جرة عشرين قلنا الزبيب ) وقال أيضا
( صرف الزبيب لصرف همي ... نص على نفعه طبيبي )
( آها على سكرة لعلي ... أن أخلط الهم بالزبيب ) وقال
( قالوا اترك الخمر واجتنبها ... لا تتعد الحرام حدا )
( قلت أراها للروح قوتا ... وطلب القوت ما تعدى ) ومما قيل في شرب الفقهاء
( يحمون بالفقه عرض الدين من سفه ... عاما بمصريف أحوال وتحقيق )
( وبعضهم يكرع الصهباء مغتنما ... تحت الظلام بأفواه الأباريق ) فيمن يطيل الحديث والكأس في يده
( وشادن نطقه جار إذا شفعت ... في مجلس الشرب كاسات بطاسات )

( يظل يحكي وكاس الراح في يده ... حكاية عرضها عرض السموات ) ومما قيل في كريم السكر لئيم الصحو
( إذا هز اللئيم السكر يوما ... بدا في بذل مال فيه ضنا )
( يجود بماله في الشرب سكرا ... ويأكل كفه في الصحو حزنا ) وقيل في شجاع السكر
( إذا شرب الجبان الخمر يوما ... أعارته الشجاعة باللسان )
( وعند الصحو تلقاه جزوعا ... إذا اشتد اللقا يوم الطعان ) وفيه أيضا
( يقول جبان القوم في حال سكره ... وقد شرب الصهباء هل من مبارز )
( وأين الخيول الأعوجيات في الوغى ... أناقل فيها كل ليث مناهز )
( ومن لي بحرب ليس تخمد نارها ... لعمري إني لست فيها بعاجز )
( ففي السكر قيس وابن معدى وعامر ... وفي الصحو تلقاه كبعض العجائز ) وقال في شرب الثلاثة
( ثلاثة في مجلس طيب ... وعيشهم ما فيه تكدير )
( هذا يغني ذا وهذا لذي ... يسقي وذا بالشرب مسرور ) وقيل في شرب الأربعة
( ألا إنما خير المجالس مجلس ... به وله صفو الزمان مساعد )
( فتاة وساق والمغني وصاحب ... وخامسهم هم على الكل زائد ) وقيل في شرب الستة
( خير المجالس خمسة أو ستة ... أو سبعة وعلى الكثير ثمانية )
( فإذا تعدى صار شغلا شاغلا ... وتكسرت بين الرجال الآنية )
( فاهرب إذا ما كنت تاسع مجلس ... ولئن أتيت به فأمك زانيه )

ومما قيل في الشرب مع التجار
( شربت مع التجار وكان يوما ... جعلت حضورنا فيه وداعا )
( فذاك يقول كم أطلقت بيعا ... ووفيت الذي بعت الذراعا )
( وهذا قال عندي كل شيء ... ولكن لا أبيع ولا أباعا )
( فلا تجعلهمو أبدا ندامى ... فتكسب من مجالسهم صداعا ) فيمن أكل على الشراب
( وندمان إذا ما الكاس دارت ... بغير الأكل إرتعدت يداه )
( نديم دابه في السكر أكل ... فلا يبقي على شيء يراه ) قيل في قدح
( غرامي وجدي بالذي كان في الثرى ... مهانا فأضحى في المجالس حاكما )
( قضى ما عليه من ورود جهنم ... فصار لجنات النعيم ملازما ) محمد بن جعفر الأنصاري يستدعي بعض أصدقائه إلى الشراب
( بساط الأرض مسك وعبير ... وزهر الروض وشي أو حرير )
( وقد صفى الدنان الخمر حتى ... لقد عاد لدينا وهي نور )
( ومن يرد السرور يعش هنيئا ... إذ العيش الهنيء هو السرور )
( وعندي اليوم فتيان كرام ... وجوههمو شموس أو بدور )
( وقطب الأمر أنت وهل لأمر ... بغير القطب فيه رحى تدور )
( فرأيك في الحضور فحق يومي ... عليك قد دعاك له الحضور ) وقال آخر
( باكر صبوحك واشربها مشعشة ... واهنأ بعيش حميد غير مذموم )
( حمراء من بعدما احمرت موردة ... طافت علينا فسرت كل مهموم )
( كأن في كاسها والماء يقرعها ... أكارع النمل أو نقش الخواتيم )
( لا صاحبتني يد لم تغن ألف يد ... ولم ترد القنا حمر الخياشيم )

آخر
( بادر بجودك بادر قبل عائقة ... فإن خلف الفتى عندي من اللون ) سيف الدولة بن حمدان في ساق
( وساق في صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض )
( يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فما بين منقض علينا ومنفض )
( وقد نشرت أيدي النجوم مطارفا ... على الجو دكنا والحواشي على الأرض )
( يطرزها قوس السماء بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيض )
( كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض ) ابن نباتة
( سقى وواعدني وصلا ألذ به ... عند المنام ولا والله ما وصلا )
( قبيلة الله من ساق مواعده ... كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ) وقال آخر في ساق
( وساق كالهلال سعى بكاس ... لربة نرجس فسقى وحيا )
( فقلت تأملوا بدرا منيرا ... سقى شمسا وحيا بالثريا ) وفيه لابن نباتة
( ساق صحيفة خده ما سودت ... عبثا بلام عذاره وبنونه )
( جمد الذي بيمينه في خده ... وجرى الذى في خده بيمينه ) في جارية ساقية
( نديمتي جارية ساقية ... ونزهتي ساقية جارية )
( جارية أعينها جنة ... وجنة أعينها جارية ) فيمن حبس الكاس في يده
( قالوا الذي تهواه يحبس كاسه ... في كفه من غير ذنب موجب )
( فأجبتهم كفوا الملام فإنه ... قمر ينزه طرفه في كوكب )

وقال آخر في مجلس أنس
( ومجلس راق من واش يكدره ... ومن رقيب له باللوم إيلام )
( ما فيه ساع سوى السافي وليس له ... على الندامى سوى الريحان نمام ) صفي الدين الحلي في عود
( وعود به عاد السرور لأنه ... حوى اللهو قدما وهو ريان ناعم )
( يغرب في تغريده فكأنه ... يعيد لنا ما لقنته الحمائم ) وقال آخر في زامرة
( وناطقة بالفخ عن روح بها ... تعبر عما دوننا وتترجم )
( سكتنا وقالت للقلوب فاطربت ... فنحن سكوت والهوى يتكلم ) ومما قيل في فانوس لابن تميم
( انظر إلى الفانوس تلق متيما ... ذرفت على فقد الحبيب دموعه )
( يبدو تلهب جسمه لنحوله ... وتعد من تحت القميص ضلوعه ) وقال لابن قزل
( وكأنما الفانوس في غسق الدجى ... دنف براه شوقه وسهاده )
( أضلاعه خفيت ورق أديمه ... وجرت مدامعه وذاب فؤاده ) ولبعضهم في شمعة
( حكتني وقد أودى بي السقم شمعة ... وإن كنت صبا دونها متوجعا )
( ضنى وسهادا واصفرارا ورقة ... وصبرا وصمتا واحتراقا وأدمعا ) ومما قيل في الربيع والرياض والبساتين والمياه والنواعير ونحو ذلك قال الشاعر
( هذا الربيع وهذه أزهاره ... متجاوب في أيكه أطياره )

( وبدا البنفسج والشقائق مونق ... والورد يضحك بينها وبهاره )
( فاشرب على وجه الحبيب وغن لي ... هذا هواك وهذه آثاره ) وقال غيره
( غدونا على الروض الذي طله الندى ... سحيرا وأوداج الأباريق تسفك )
( فلم نر شيئا كان أحسن منظرا ... من النور يجري دمعه وهو يضحك ) وقال آخر
( أما ترى الأرض قد أعطتك زهرتها ... بخضرة واكتسى بالنور عاريها )
( فللسماء بكاء في جوانبها ... وللربيع ابتسام في نواحيها ) وقال غيره
( إن السماء إذا لم تبك مقتلها ... لم تضحك الأرض عن شيء من الزهر )
( والأرض لا تنجلي أنوارها أبدا ... إلا إذا رمدت من شدة المطر ) وقال ابن قرناص
( أيا حسنها من رياض غدا ... جنوني فنونا بأفنانها )
( مشى الماء فيها على رأسه ... لتقبيل أقدام أغصانها ) وقال آخر
( أنظر إلى الأغصان كيف تعانقت ... وتفارقت بعد التعانق رجعا )
( كالصب حلول قبلة من إلفه ... فرأى المراقب فانثنى متوجعا ) وقال ابن تميم
( وحديقة ينساب فيها جدول ... طرفي برونق حسنها مدهوش )
( يبدو خيال غصونها في مائه ... فكأنما هو معصم منقوش )

أيضا عفا الله عنه
( لم لا أهيم إن الرياض وحسنها ... وأظل منها تحت ظل صافي )
( والزهر حياني بثغر باسم ... والماء وافاني بقلب صافي ) وقال آخر
( قد سعينا نبغي زيارة دوح ... قد حبانا باللطف والإكرام )
( ناولتنا أيدي الغصون ثمارا ... أخرجتها لنا من الأكمام ) ( ومما قيل في الأزهار والثمار ) قال بعضهم في الورد
( يا راقدا ونسيم الصبح منتبه ... في روضة القصف والأطيار تنتحب )
( الورد ضيف فلا تجهل كرامته ... فهاتها قهوة في الكاس تلتهب )
( سقيا له زائرا تحيا النفوس به ... يجود بالوصل شهرا ثم يحتجب ) وقال آخر فيه
( طاب الزمان وجاء الورد فاصطبحا ... ما دام للورد أنوار وأزهار )
( واستقبلا عيشنا بالكأس مترعة ... لا طولت للئام الناس أعمار ) وقال أخر
( اشرب على الورد من حمراء صافية ... شهرا وعشرا وخمسا بعدها عددا )
( واستوف بالكأس من لهو ومن طرب ... فلست تأمن صرف الحادثات غدا ) وقال آخر
( اشرب على ورد الخدود فإنها ... أيام ورد والصبوح يطيب )
( ما الورد أحسن منظرا من وجنة ... حمراء جاد بها عليك حبيب ) وقال بعضهم
( ولقد رأيت الورد يلطم خده ... ويقول وهو على البنفسج يحنق )

( لا تقربوه وإن تضوع نشره ... من بينكم فهو العدو الأزرق ) ( ومما قيل في البنفسج ) قال ابن المعتز
( ولا زوردية وافت بزورتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت )
( كأنمل فوق طاقات صففن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت ) وقال آخر
( اشرب على زهر البنفسج قهوة ... تهدي السرور لكل صب مكمد )
( فكأنه قرص بخد مهفهف ... أو أعين زرق كحلن بأثمد ) ولبعضهم في الورد
( للورد فضل على زهر الربيع سوى ... أن البنفسج أزكى منه في المهج )
( كأنه وعيون الناس ترمقه ... آثار قرض يد في خد ذي غنج ) وقال آخر
( يا مهديا لي بنفسجا أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح )
( بشرتني عاجلا مصحفة ... بأن ضيق الأمور ينفسح ) وقال غيره في النرجس
( وقضب زمرد تعلو عليها ... عيون لم تذق طعم الغماض )
( توهمت الغمام لها رقيبا ... فنكست الرؤوس إلى الرياض ) وقال آخر فيه
( أنت يا نرجس روض ... لزهور الأرض ست )
( ودليل القول فيك ... أن أوراقك ست ) وقال آخر
( أقول وطرف النرجس الغصن شاخص ... إلي وللنمام حولي إلمام )
( أيا رب حتى في الحدائق أعين ... علينا وحتى في الرياحين نمام )

وقال أيضا فيه
( لما تمادى الورد في زهوه ... وراح من إعجابه يرأس )
( تلون المنثور مما به ... واصفر من غيظ به النرجس ) ومما قيل في اللينوفر لابن المعز المصري
( وبركة تزهو بلينوفر ... نسيمه يشبه نشر الحبيب )
( مفنح الأجفان في نومه ... حتى إذا الشمس دنت للمغيب )
( أطبق جفنيه على خده ... وغاص في البركة خوف الرقيب ) وقال تميم بن المعز المصري
( رأيت في البركة لينوفر ... فقلت ما شأنك وسط البرك )
( فقال لي غرقت في أدمعي ... وصادني ظبي الفلا بالشرك )
( فقلت ما بال اصفرار بدا ... فيك وما هذا الذي غيرك )
( فقال لي ألوان أهل الهوى ... صفر ولو ذقت الهوى صفرك ) ومما قيل في البان
( قد أقبل الصيف وولى الشتا ... وعن قليل تسأم الحرا )
( أما ترى البان بأغصانه ... قد قلب الفرو إلي تبرا ) وقال آخر فيه
( أو ما ترى البان الذي يزهو على ... كل الغصون بقده المياس )
( وافى يبشر بالربيع وقربه ... يختال في السنجاب والبرطاس ) وقال في الشقيق
( حييته بشقائق في مجلس ... ورأى الرقيب فشق ذاك عليه )

( فاحمر من خجل فأنبت خده ... أضعاف ما حملت يداي إليه ) وقال آخر
( لو لم أعانق من أحب بروضة ... أحداق نرجسها إلينا تنظر )
( ما انشق جيب شقيقها حسدا ولا ... بات النسيم بذيله يتعثر ) وقيل إن ابن الرومي زار قبر أخيه يوما فوجد الشقائق قد نبتت على قبره فأنشد يقول
( قالت شقائق قبره ... ولرب أخرس ناطق )
( فارقته ولزمته ... فأنا الشقيق الصادق ) ومما قيل في المنثور
( تخال منثورها في الدوح منتثرا ... كأنما صيغ من در وعقيان )
( والطير ينشد في أغصانه سحرا ... هذا هو العيش إلا أنه فاني ) وقال آخر
( قد أقبل المنثور يا سيدي ... كالدر والياقوت في نظمه )
( ثناك لا زال كأنفاسه ... ومخ من يشناك مثل اسمه ) ولبعضهم فيه
( ولقد خلوت مع الأحبة مرة ... في روضة للزهر فيها معرك )
( ما بين منثور أقام ونرجس ... مع أقحوان وصفه لا يدرك )
( هذا يشير بأصبع وعيون ذا ... ترنو إليه وثغر هذا يضحك ) ومما قيل في الياسمين
( والأرض تبسم عن ثغور رياضها ... والأفق يسفر تارة ويقطب )
( وكأن مخضر الرياض ملاءة ... والياسمين لها طراز مذهب )

وقال آخر
( رأيت الفأل بشرني بخير ... وقد أهدى إلي الياسمين )
( فلا تحزن فإن الحزن شين ... ولا تيأس فإن اليأس مين ) ومما قيل في السوسن للأخطل الأهوازي
( سقيا لأرض إذا ما نمت نبهني ... بعد الهدو بها قرع النواقيس )
( كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس ) ومما قيل في الأقحوان لعبد القادر ابن مهنا المغربي
( أفدي الذي زارني سرا فأتحفني ... باقحوان يحاكي ثغر مبتسم )
( فبت من فرحي أفني مقبله ... لثما وأرشف من ريق له شبم ) ولبعضهم فيه
( إن فاه ثغر الأقاحي في تشبهه ... بثغر حبك واستولى به الطرب )
( فقل له عندما يحكيه مبتسما ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ) ومما قيل في الجلنار
( وجلنار مشرق ... على أعالي شجره )
( كأنه في غصنه ... أحمره وأصفره )
( قراضة من ذهب ... في خرقة معصفرة ) ومما قيل في الآسى
( أهديت مشبه قدك المياس ... غصنا نضيرا ناعما من آس )
( فكأنما يحيك في حركاته ... وكأنما تحكيه في الأنفاس )

ومما قيل في الريحان
( وغصن من الريحان أخضر ناضر ... نما بين غصني نرجس وشقائق )
( يريك إذا كف الصبا عبثت به ... شمائل معشوق وذلة عاشق ) وفيه أيضا
( وريحان يميس بحسن قد ... يلذ بشمه شرب الكؤس )
( كسودان لبسن ثياب خز ... وقد قاموا مكاشيف الرؤوس ) وقال آخر
( قضيب من الريحان شاكل لونه ... إذا ما بدا للعين لون الزبرجد )
( فشبهته لما بدا متجعدا ... عذار تبدى في سوالف أغيد ) ( ومما قيل في الفواكه والثمار على اختلافها في الأترج ) قال ابن الرومي
( كل الخلال اللى فيكم محاسنكم ... تشابهت منكم الأخلاق والخلق )
( كأنكم شجر الاترج طاب معا ... حملا ونشرا وطاب العود والورق ) ولبعضهم فيه
( حياك من تهوى بأترجة ... ناعمة مقدودة غضه )
( فجلدها من ذهب أصفر ... وجسمها الناعم من فضه ) وقال آخر
( يا حبذا أترجة ... تحدث النفس الطرب )
( كأنها كافورة ... لها غشاء من ذهب ) في الليمون قول أبي الحسن رئيس الرؤساء
( يا حسن ليمونة حيا بها قمر ... حلو المقبل ألمى بارد الشنب )
( كأنها أكره من فضة خرطت ... واستودعوها غلافا صيغ من ذهب )

أيضا
( وصاحب ناديته ... والطير لم يغرد ...
( انهض إلى الراح ولا ... ترضى بعيش نكد )
( واشرب سلافا قرقفا ... من كف ساق أغيد )
( قد اكتست تلهبا ... من خده المورد )
( ولا تدع مجتهدا ... لذة يوم لغد )
( أما ترى الليمون في ... غصن من الزبرجد )
( كأكرة من فضة ... مملوءة من عسجد ) في النارنج لعبد الله بن المعتز
( نظرت إلى نارنجة في يمينه ... كجمرة نار وهي باردة اللمس )
( فقربها من خده فتألفت ... فشبهتها المريخ في دارة الشمس ) وقال آخر
( ونارنجة بين الرياض نظرتها ... على غصن رطب كقامة أغيد )
( إذا ميلتها الريح مالت كأكره ... بدت ذهبا في صولجان زبرجد ) وقال آخر
( ونارنج يلوح على غصون ... ومنه ما نرى كالصولجان )
( أشبهها ثديا ناهدات ... غلائلها صبغن بزعفران ) وقال آخر
( وأشجار نارنج كأن ثمارها ... حقاق عقيق قد ملئن من الدر )
( نطالعها بين الغصون كأنها ... قدود عذارى في ملاحفها الخضر )
( أتت كل مشتاق بريا حبيبه ... فهاجت له الأشجان من حيث لا يدري )

في التفاح لبعضهم
( ولما بدا التفاح أحمر مشرقا ... دعوت بكاسي وهي ملأى من الشفق )
( وقلت لساقيها أدرها فعندنا ... خدود الأغاني قد جمعن على طبق ) وقال آخر في تفاحة
( وتفاحة من سندس صيغ نصفها ... ومن جلنار نصفها وشقائق )
( كأن الهوى قد ضم من بعد فرقة ... بها خد معشوق إلى خد عاشق ) ولبعضهم فيه
( تفاحة كسيت لونين خلتهما ... خدي محب ومحبوب قد التصقا )
( تعانقا فبدا واش فراعهما ... فاحمر ذا خجلا واصفر ذا فرقا ) وقال آخر
( وتفاحة وردية ذهبية ... تجلي عن المهموم ليل همومه )
( كأن سلاف الخمر روى أديمها ... بخمر فجاءت باحمرار أديمه )
( تذكرني شكل الحبيب وحسنه ... وتوريد خديه وطيب نسيمه ) وقال آخر
( حمرة التفاح في خضرته ... أشبه الألوان من قوس قزح )
( فعلى التفاح فاشرب قهوة ... واسقنيها بنشاط وفرح ) وفيه أيضا
( أهدى لنا التفاح من كفه ... من لم يزل يجنيه من خده )
( وخط بالمسك على بعضها ... قد عطف المولى على عبده ) وقيل في السفرجل
( حاز السفرجل لذات الورى فغدا ... على الفواكه بالتفضيل مشهورا )
( كالراح طعما وشم المسك رائحة ... والتبر لونا وشكل البدر تدويرا )

آخر
( سفرجلة صفراء تحكي بلونها ... محيا شجاه للحبيب فراق )
( إذا شمها المشتاق شبه ريحها ... بريح حبيب لذ منه عناق )
( وطيبة عند المذاق فطعمها ... كريق حبيب طاب منه مذاق ) وقال آخر
( سفرجلة جمعت أربعا ... فكان لها كل معنى عجيب )
( صفار النضار وطعم العقار ... ولون المحب وريح الحبيب ) وقيل في الكمثري
( وكمثرى لذيذ الطعم حلو ... شهي جاء من دوح الجنان )
( مناقير الطيور إذا اقتتلنا ... مغبرة بلون الزعفران ) ابن برغش متغزلا
( وكمثري سباني منه طعم ... كطعم الشهد شيب بماء ورد )
( لذيذ خلقه لما أتانا ... نهود السمر في معنى وقد ) وما قيل في المشمش
( بدا مشمش الأشجار يذكو شهابه ... على غصن أغصان من الروض مقيد )
( حكى وحكت أشجاره في اخضراره ... جلاجل تبر في قباب زبرجد ) ما قيل في الإجاص
( أنظر إلى شجر الإجاص قد حملت ... أغصانه ثمرا ناهيك من ثمر )
( تراه في أخضر الأوراق مستترا ... كما اختبى الزنج في خضر من الأزر ) ما قيل في الخوخ
( أهدى إلي الصديق خوخا ... منظره منظر أنيق )

( من كل مخصوصة بحسن ... معناه في مثلها دقيق )
( حمراء صفراء مستعير ... بهجتها التبر والعقيق )
( كوجنة مسها خلوق ... فزال عن بعضها الخلوق ) وما قيل في الفستق
( تفكرت في معنى الثمار فلم أجد ... لها ثمرا يبدو بحسن مجرد )
( سوى الفستق الرطب الجنى فإنه ... زها بمعان زينت بتجرد )
( غلالة مرجان على جسم فضة ... وأحشاء ياقوت وقلب زبرجد ) ما قيل في البندق
( ولقد شربت مع الحبيب مدامة ... حمراء صافية بغير مزاج )
( فتفضل الظبي البهي ببندق ... شبهته ببنادق من ساج )
( فكسرته فوجدت ثوبا أحمرا ... قد لف بنادق من عاج ) ومما قيل في النبق
( وسدرة كل يوم ... من حسنها في فنون )
( كأنما النبق فيها ... وقد حلا في العيون )
( جلاجل من نضار ... قد علقت في الغصون ) ومما قيل في اللوز
( ومهد إلينا لوزة قد تضمنت ... لمبصرها قلبين فيها تلاصقا )
( كأنهما حبان فازا بخلوة ... على رقبة في مجلس فتعانقا ) في العنب لبعضهم
( هدية شرفتنا من أخ ثقة ... نعم الهدية إذ وافتك من يده )
( نوعان من عنب جاءا على طبق ... كأن طيبهما من طيب محتده )

( فأبيض العين يحكي لون أبيضه ... وأسود العين يحكي لون أسوده ) وقال في قصب السكر
( ورماح لغير طعن وضرب ... بل لأكل ومص لب ورشف )
( كملت في استوائها واستقامت ... باعتدال وحسن قد ولطف ) ومما قيل في البطيخ الأصفر
( أتانا غلام فاق حسنا على الورى ... ببطيخة صفراء في لون عاشق )
( فشبهته بدرا يقد أهلة ... من الشمس ما بين النجوم ببارق ) وقال آخر
( وبطيخة وافى بها فوق كفه ... إلينا غلام فاق كل غلام )
( فخيل لي شمس الأصيل أهلة ... يقطعها بالبرق بدر تمام ) ومما قيل في البطيخ الأخضر
( وظبي أتى في الكف منه بمدية ... وقد لاح في خديه شبه شقيق )
( فمال إلى بطيخة ثم شقها ... وفرقها ما بين كل صديق )
( فشبهتها لما بدت في أكفهم ... وقد عملت فيهم كؤوس رحيق )
( صفائح بلور بدت في زبرجد ... مرصعة فيها فصوص عقيق ) وقال آخر
( وبطيخة خضراء في كف أغيد ... أتانا بها فارتاح ذو الهم وابتهج )
( وأقبل يفريها بمديته وقد فرى ... طرفه الساجي القلوب مع المهج ) ومما قيل في القثاء
( أنظر إليها أنابيبا منضدة ... من الزمرد خضرا ما لها ورق )
( إذا قلبت اسمها بانت ملاحتها ... وصار في عكسه أني بكم أثق )

قيل في الباذنجان
( وكأنما الابذنج سود حمائم ... أوكاره خمل الربيع المبكر )
( نقرت مناقرة الزمرد سمسما ... فاستودعته حواصلا من عنبر ) ( ومما قيل في الأنهار والبرك والنواعير )
( أما ترى البركة الغراء قد كسيت ... نورا من الشمس في حافاتها طلعا )
( والنهر من فوقه يلهيك منظره ... شهب سماوية فارتج والتمعا )
( كأنه السيف مصقولا يقلبه ... كف الكمي إلى ضرب الكماة سعى ) وقال آخر في البركة
( يا من يرى البركة الحسناء رؤيتها ... والآنسات إذا لاحت مغانيها )
( فلو تمر بها بلقيس عن عرض ... قالت هي الصرح تمثيلا وتشبيها )
( كأنها الفضة البيضاء سائلة ... من السبائك تجري في مجاريها )
( إذا علتها الصبا أبدت لها حسبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها )
( فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها ... وريق الغيث أحيانا يباكيها )
( إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلا حسبت سماء ركبت فيها ) وقال آخر
( وبركة للعيون تبدو ... في غاية الحسن والصفاء )
( كأنها إذا صفت وراقت ... في الأرض جزء من السماء ) وقال محمد بن سارة المغربي
( النهر قد رقت غلالة صبغه ... وعليه من صبغ الأصيل طراز )
( تترقرق الأمواج فيه كأنها ... عكن الخصور تهزها الأعجاز ) وقال آخر
( يوم لقا بالنيل مختصرا ... ولكل وقت مسرة قصر )

( فكأنما أمواجه عكن ... وكأنما داراته سرر ) وقال آخر في نهر يسبح فيه الغلمان
( خليج كالحسام له صقال ... ولكن فيه للرائي مسره )
( رأيت به الملاح تجيد عوما ... كأنهم نجوم في المجره ) وقال آخر في النيل
( النيل قال وقوله ... إذ قال ملء مسامعي )
( في غيظ من طلب العلا ... عم البلاد منافعي )
( وعيونهم بعد الوفا ... قلعتها باصابعي ) وقال آخر
( كأن النيل ذو فهم ولب ... لما يبدو لعين الناس منه )
( فيأتي عند حاجتهم إليه ... ويمضي حين يستغنون عنه ) وقال آخر فيه
( وفت أصابع نيلنا ... وطغت وطافت في البلاد )
( وأتت بكل مسرة ... ما ذي أصابع ذي أياد ) وقال آخر
( سد الخليج بكسره جبر الورى ... طرا فكل قد غدا مسرورا )
( والماء سلطان فكيف تواترت ... عنه البشائر إذ غدا مكسورا ) وقال آخر
( ونهر خالف الأهواء حتى ... غدت طوعا له في كل أمر )
( إذا عصفت على الأغصان ألقت ... إليه بها فيأخذها ويجري ) وقال آخر في ناعورة
( وكريمة سقت الرياض بدرها ... فغدت تنوب عن الغمام الهامع )

( بلسان محزون ومدمع عاشق ... ومسير مشتاق وأنه جازع ) وقال آخر
( وناعورة قالت وقد حال لونها ... وأضلعها كادت تعد من السقم )
( أدور على قلبي لأني فقدته ... وأما دموعي فهي تجري على جسمي ) وفيها أيضا
( وحنانة من غير شوق ولا وجد ... يفيض لها دمع كمنتثر العقد )
( أحن إذا حنت وأبكي إذا بكت ... فليس لنا من ذلك الفعل من بد )
( ولكنها تبكي بغير صبابة ... وأبكي بافراط الصبابة والوجد )
( وأدمعها من جدول مستعارة ... ودمعي من عيني يفيض على خدي ) وفيها أيضا قال الخطيري
( رب ناعورة كأن حبيبا ... فارقته فقد غدت لي تحكي )
( أبدا هكذا تئن بشجو ... وعلى إلفها تدور وتبكي ) ابن تميم
( تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى ... ودمعهم ا بين الرياض غدير )
( كأن نسيم الجو قد ضاع منهما ... فأصبح ذا يجري وذاك يدور )
فصل في ذكر أرباب الصنائع والحرف والأسماء وما أشبه ذلك
لابن عفيف في قاض مليح
( ورب ق اض لنا مليح ... يعرب عن منطق لذيذ )
( إذا رنا لي بسهم لحظ ... قلنا له دائم النفوذ ) وقال في فقيه مليح
( وبمهجتي ظبي عدا متفقها ... وهو المهذب في الرشاقة والحور )
( أمسى بسيط الشعر منه مطولا ... لكن وجيز الخصر منه المختصر )

وقال في محدث مليح
( علقته محدثا ... شرد عن جفني الوسن )
( حديثه ووجهه ... كلاهما عندي حسن ) وقال في إمام
( جاء يسعى إلى الصلاة بوجه ... يخجل البدر في ليالي السعود )
( فتمنيت أن وجهي أرض ... حين يومي بوجهه للسجود ) ابن الرومي في عروضي وأجاد
( بي عروضي مليح ... موتتي فيه حياة )
( عاذلاتي في هواه ... فاعلات فاعلات ) في مؤذن مليح
( ومؤذن أضحى كريما وجهه ... لكنه بالوصل أي شحيح )
( أبدا أموت بهجره لكنني ... من بعد ذاك أعيش بالتسبيح ) لابن عربي
( وبنفسي مؤذن قد سباني ... لم يفدني شكوى الغرام إليه )
( كيف أصغي لما يقول حبيب ... واضع أصبعيه في أذنيه ) وقال آخر في مريد
( مراد قلبي مريد ... مخبأ في الزوايا )
( وليس ذا بعجيب ... ففي الزوايا خبايا ) وفي فقير مليح
( بي فقير يتغنى ... بسنا وجه منير )
( لا تلمني في افتضاحي ... فغرامي بالفقير ) في أمير شكار لابن دانيال

( بي من أمير شكار ... وجد يذيب الجوارح )
( لما حكى الظبي حسنا ... حنت إليه الجوارح ) في مليح مغن
( أضحى يخر لوجهه قمر الدجا ... وغدا يلين لحسنه الجلمود )
( فإذا بدا فكأنما هو يوسف ... وإذا شد فكأنه داود ) في مليح عواد
( غنى على العود ظبي سهم ناظره ... أمسى به قلبي المضنى على خطر )
( دنا إلي وجست كفه وترا ... فراحت الروح بين السهم والوتر ) في مليح كاتب
( بروحي كاتبا كالبدر حسنا ... بديعا ما رأينا منه أجمل )
( على ريحان عارضه المفدى ... بوجنته غدا دمعي مسلسل ) غيره
( وراقنا ذا المفدى ... فيه تزايد عشقي )
( فلو يجود بوصل ... لكان مالك رقي ) وفيه أيضا
( يا حسن وراق أرى خده ... قد راق في التقبيل عندي ورق )
( تميل في الدكان أعطافه ... ما أحسن الأغصان بين الورق ) للسيد الشريف صلاح الدين الأسيوطي فيه أيضا
( فديتك أيها الوراق قلبي ... لمطلك بالوصال يكاد يبلى )
( وقد طلب الوفاء وغير بدع ... محب يسأل الوراق وصلا ) في مليح صيرفي
( يا سائلا عن حالتي ما حال من ... أمسى بعيد الدر فاقد إلفه )

( بي صيرفي لا يرق لحالتي ... قد مت من جور الزمان وصرفه ) في مليح بخانقي
( تسلطن في الملاح بخانقي ... ولا يرضى ببدر التم نائب )
( وقد صفت له الاتراك جندا ... وأصبح راكبا تحت العصائب ) في مليح فراء
( قلت لفراء فرى أديمي ... وزاد صدا وطال هجرا )
( قد فر نومي وفر صبري ... فقال لما عشقت فرا )
سيدي أبو الفضل بن أبي الوفاء في مزين
( حبي المزين وافى ... بعد البعاد بنشطه )
( ومص دمل قلبي ... بكأس راح وبطه ) في مليح قصاص
( أشكو إلى الله قصاصا يجرعني ... بالهجر والصد أنواعا من الغصص )
( أن تحسن القص يمناه فمقلته ... أيضا تقص علينا أحسن القصص ) في مليح صياد
( ومولع بفخاخ ... يمدها وشراك )
( قالت له العين ماذا ... تصيد قال كراكي ) في مليح رامي بندق
( وأهيف القد ذي دلال ... طائر قلبي عليه واجب )
( كالشمس في كفه هلال ... يرمي إلى البدر بالكواكب ) وقال آخر في راع
( أفديه من راع كبدر الدجى ... قوامه فاق الغصون الرشاق )

( ضيفني بالجدي ناديته ... ما القصد يا مولاي إلا العناق ) القيراطي في مليح طحان
( حسن طحان سباني ... بلحاظ وبقامه )
( خاف من واش فأضحى ... يجعل الغمز علامه ) القاضي بدر الدين البلقيني في تراب
( رب تراب مليح ... أورث القلب عذابا )
( قلت لما أن بدا لي ... ليتني كنت ترابا ) وقال آخر في مليح عوام
( يا حسن عوام كغصن النقا ... يبخل بالوصل لمن هاما )
( وتقنع العشاق منه بأن ... يريهم الأرداف إن عاما ) ابن نباته في مليح حبشي
( بروحي مشروطا على الخد أسمرا ... دنا ووفى بعد التجنب والسخط )
( وقال على اللثم اشترطنا فلا تزد ... فقبلته ألفا على ذلك الشرط ) وله أيضا
( ومن عجب تدعى للطفك سنبلا ... ونشرك كافور وذكرك عنبر )
( وسعدك اقبال وحسنك مرشد ... وخلقك ريحان ولفظك جوهر ) وقال آخر فيمن به صفرة
( قالوا به صفرة شانت محاسنه ... فقلت ما ذاك من عيب به نزلا )
( عيناه مطلوبة في ثأر من قتلت ... فلست تلقاه إلا خائفا وجلا ) للشيخ شهاب الدين بن حجر في مليح اسمه زائد
( وزائر قال قلبي ... للطرف يا طرف شاهد )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8