كتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة
المؤلف : أحمد زكي صفوت

الباب الأول
الخطب
والوصايا في العصر الجاهلي
الخطب
إصلاح مرثد الخير بين سبيع بن الحارث وبين ميثم بن مثوب
كان مرثد الخير بن ينكف قيلا وكان حدبا على عشيرته محبا لصلاحهم وكان سبيع بن الحرث وميثم بن مثوب بن ذي رعين تنازعا الشرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حييهما شر فيتفانى جذماهما فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينهما فقال لهما

مقال مرثد الخير
إن التخبط وامتطاء الهجاج واستحقاب اللجاج سيقفكما على شفا هوة في توردها بوار الأصيلة وانقطاع الوسيلة فتلافيا أمر كما قبل انتكاث العهد وانحلال العقد وتشتت الألفة وتباين السهمة وأنتما في فسحة رافهة وقدم واطدة والمودة مثرية والبقيا معرضة فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب ممن عصى النصيح وخالف الرشيد وأصغى إلى التقاطع ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم وكيف كان صيور أمورهم فتلافوا القرحة قبل تفاقم الثاي واستفحال الداء وإعواز الدواء فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء وإذا استحكمت الشحناء تقضبت عرى الإبقاء وشمل البلاء

2 -

مقال سبيع بن الحرث
فقال سبيع أيها الملك إن عداوة بنى العلات لا تبرئها الأساة ولا تشفيها الرقاة ولا تستقل بها الكفاة والحسد الكامن هو الداء الباطن وقد علم بنو أبينا هؤلاء أنا لهم ردء إذا رهبوا وغيث إذا أجدبوا وعضد إذا حاربوا ومفزع إذا نكبوا وأنا وإياهم كما قال الأول
( إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب )
مقال ميثم بن مثوب
فقال ميثم أيها الملك إن من نفس على ابن أبيه الزعامة وجد به في المقامة واستكثر له قليل الكرامة كان قرفا بالملامة ومؤنبا على ترك الاستقامة وإنا والله ما نعتد لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها ولا يتفيأ لهم علينا ظل نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها ونحن بنو فحل مقرم لم تقعد بنا الأمهات ولا بهم ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم فعلام مط الخدود وخزر العيون 12 والتصعر والبأو والتكبر ألكثرة عدد أم لفضل جلد أم لطول معتقد وإنا وإياهم لكما قال الأول
( لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عنى ولا أنت ديانى فتخزونى )
ومقاطع الأمور ثلاثة حرب مبيرة أو سلم قريرة أو مداجاة وغفيرة
4 -
مقال مرثد الخير
فقال الملك
لا تنشطوا عقل الوارد ولا تلقحوا العون القواعد ولا تورثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة والجائحة والأليلة وعفوا بالحلم أبلاد الكلم وأنيبوا إلى السبيل الأرشد والمنهج الأقصد فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور وتدبر بالويل والثبور ثم قال الملك
( ألا هل أتى الأقوام بذلى نصيحة ... حبوت بها منى سبيعا وميثما )
( وقلت اعلما أن التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما )
( فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء أن تهدما )
( ولا تجنيا حربا تجر علييكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما

والتصعر والبأو والتكبر ألكثرة عدد أم لفضل جلد أم لطول معتقد وإنا وإياهم لكما قال الأول
( لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عنى ولا أنت ديانى فتخزونى )
ومقاطع الأمور ثلاثة حرب مبيرة أو سلم قريرة أو مداجاة وغفيرة
4 - مقال مرثد الخير
فقال الملك لا تنشطوا عقل الشوارد ولا تلقحوا العون القواعد ولا تورثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة المستأصلة والجائحة والأليلة وعفوا بالحلم أبلاد الكلم وأنيبوا إلى السبيل الأرشد والمنهج الأقصد فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور وتدبر بالويل والثبور ثم قال الملك
( ألا هل أتى الأقوام بذلى نصيحة ... حبوت بها منى سبيعا وميثما )
( وقلت اعلما أن التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما )
( فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزة القعساء أن تتهدما )
( ولا تجنيا حربا تجر عليكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما )

( فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوقهم منها الذعاف المقشما )
( حذار فلا تستنبثوها فإنها ... تغادر ذا الأنف الأشم مكشما )
فقالا لا أيها الملك بل نقبل نصحك ونطيع أمرك ونطفئ النائرة ونحل الضغائن ونثوب إلى السلم
5 -

طريف بن العاصى والحرث بن ذبيان يتفاخران
عند بعض مقاول حمير
5 - اجتمع طريف بن العاصى الدوسى والحرث بن ذبيان وهو أحد المعمرين عند بعض مقاول حمير فتفاخرا
فقال الملك للحرث يا حارث ألا تخبرنى بالسبب الذي أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان فقال أخبرك أيها الملك خرج هجينان منا يرعيان غنما لهما فتشاولا بسيفيهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا فعاث فيه السيف فنزف فمات فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين وهي نصف دية الصريح فأبى قومي وكان لنا رباء عليهم فأبينا إلا دية الصريح وأبوا إلا دية الهجين فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهى سوداء أيضا فتفاقم الأمر بين الحيين فقال رجل منا

( حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر )
( وأدوا إلى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبة في العشائر )
( فإن ابن زبراء الذى فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر )
( فإن لم تعاطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم وسيف أجور جائر )
فتظافروا علينا حسدا فأجمع ذوو الحجى منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد فلحقنا بالنمر بن عثمان فوالله ما فت في أعضادنا فأبنا عنهم ولقد أثأرنا صاحبنا وهم راغمون
فوثب طريف بن العاصي من مجلسه فجلس بإزاء الحرث ثم قال تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب ولا أقرب من خطل ولا أجلب لقذع من قول هذا والله أيها الملك ما قتلوا بهجينهم بذجا ولا رقوا به درجا ولا انطوا به عقلا ولا اجتفئوا به خشلا ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم وأجلاهم عن محلهم حتى استلانوا خشونة الإزعاج ولجئوا إلى أضيق الولاج قلا وذلا
فقال الحارث أتسمع يا طريف إني والله ما إخا لك كافا غرب لسانك ولا منهنها شرة نزوانك حتى أسطو بك سطوة تكف طماحك وترد

جماحك وتكبت تترعك وتقمع تسرعك
فقال طريف مهلا يا حارث لا تعرض لطحمة استنانى وذرب سنانى وغرب شبابى وميسم سبابى فتكون كالأظل الموطوء والعجب الموجوء
فقال الحرث إياى تخاطب بمثل هذا القول فو الله لو وطئتك لأسختك ولو وهصتك لأوهطتك ولو نفحتك لأفدتك
فقال طريف متمثلا
( وإن كلام المرء في غير كهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها )
أما والأصنام المحجوبة والأنصاب المنصوبة لئن لم تربع على ظلعك وتقف عند قدرك لأدعن حزنك سهلا وغمرك ضحلا وصفاك وحلا
فقال الحارث أما والله لو رمت ذلك لمرغت بالحضيض وأغصصت بالجريض وضاقت عليك الرحاب وتقطعت بك الأسباب ولألفيت لقى

تهاداه الروامس بالسهب الطامس
فقال طريف دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال وحياض أهوال وحفزة إعجال يمنع معه تطامن الإمهال
فقال الملك ايها عنكما فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا ولم يثلبا ولم يلصوا ولم يقفوا

وفود العرب يعزون سلامة ذا فائش بابن له مات
نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول وكان مسرورا به يرشحه لموضعه فركب ذات يوم فرسا صعبا فكبا به فوقصه فجزع عليه أبوه جزعا شديدا وامتنع من الطعام واحتجب عن الناس واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزوه فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه فخرج إلى الناس فقام خطباؤهم يؤسونه وكان في القوم الملبب ابن عوف وجعادة بن أفلح فقام الملبب فقال
6 -
خطبة الملبب بن عوف
أيها الملك إن الدنيا تجود لتسلب وتعطي لتأخذ وتجمع لتشتت وتحلى لتمر وتزرع الأحزان في القلوب بما تفجأ به من استرداد الموهوب وكل مصيبة تخطأتك جلل ما لم تدن الأجل وتقطع الأمل وإن حادثا ألم بك فاستبد بأقلك وصفح عن أكثرك لمن أجل النعم عليك وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر وأصيب فاغتفر إذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر فاستشعر اليأس مما فات إذ كان ارتجاعه ممتنعا ومرامه مستصعبا فلشئ ما ضربت الأسى وفزع أولو الألباب إلى حسن العزاء

خطبة جعادة بن أفلح
وقام جعادة فقال أيها الملك لا تشعر قلبك الجزع على ما فات فيغفل دهنك عن الاستعداد لما يأتي وناضل عوارض الحزن بالأنفة عن مضاهاة أفعال أهل وهي العقول فإن العزاء لجزماء الرجال والجزع لربات الحجال ولو كان الجزع يرد فائتا أو يحيي تالفا لكان فعلا دنيئا فكيف وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب فارغب بنفسك أيها الملك عما يتهافت فيه الأرذلون وصن قدرك عما يركبه المخسسون وكن على ثقة أن طمعك فيما استبدت به الأيام ضلة كأحلام النيام 8
تساؤل عامر بن الظرب وحممة بن رافع عند أحد ملوك حمير
اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع الدوسي عند ملك من ملوك حمير فقال تساءلا حتى أسمع ما تقولان قال عامر لحممة أين تحب أن تكون أياديك قال عند ذي الرثية العديم وذي الخلة الكريم والمعسر الغريم والمستضعف الهضيم
قال من أحق الناس بالمقت قال الفقير المختال والضعيف الصوال والعيي القوال
قال فمن أحق الناس بالمنع قال الحريص الكاند والمستميد الحاسد والملحف الواجد
قال فمن أجدر الناس بالصنيعة قال من إذا أعطى شكر وإذا

منع عذر وإذا موطل صبر وإذا قدم العهد ذكر
قال من أكرم الناس عشرة قال من إن قرب منح وإن بعد مدح وإن ظلم صفح وإن ضويق سمح قال من ألأم الناس قال من إذا سأل خضع وإذا سئل منع وإذا ملك كنع ظاهره جشع وباطنه طبع قال فمن أحلم الناس قال من عفا إذا قدر وأجمل إذا انتصر ولم تطغه عزة الظفر قال فمن أحزم الناس قال من أخذ رقاب الأمور بيديه وجعل العواقب نصب عينيه ونبذ التهيب دبر أذنيه قال فمن أخرق الناس قال من ركب الخطار واعتسف العثار وأسرع في البدار قبل الاقتدار قال فمن أجود الناس قال من بذل المجهود ولم يأس على المعهود قال فمن أبلغ الناس قال من جلى المعنى المزيز باللفظ الوجيز وطبق المفصل قبل التحزيز قال فمن أنعم الناس عيشا قال من تحلى بالعفاف ورضى بالكفاف وتجاوز ما يخاف إلى مالا يخاف
قال فمن أشقى الناس قال من حسد على النعم وتسخط على القسم واستشعر الندم على فوت ما لم يحتم قال من أغنى الناس قال من استشعر الياس وأبدى التجمل للناس واستكثر قليل النعم ولم يسخظ على القسم قال فمن أحكم الناس قال من صمت فادكر ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر قال من أجهل الناس قال من رأى الخرق مغما والتجاوز مغرما
9 -

خطبة عامر بن الظرب العدواني وقد خطبت ابنته
خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب العدواني ابنته عمرة فقال

ياصعصعة إنك جئت تشتري منى كبدي وأرحم ولدي عندي منعتك أو بعتك النكاح خير من الأيمة والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك أفر من السر إلى العلانية أنصح ابنا وأودع ضعيفا قويا ثم أقبل على قومه فقال يا معشر عدوان أخرجت من بين أظهركم كريمتكم على غير رغبة عنكم ولكن من خط له شئ جاءه رب زارع لنفسه حاصد سواه ولولا قسم الحظوظ على قدر الجدود ما أدرك الآخر من الأول شيئا يعيش به ولكن الذي أرسل الحيا أنبت المرعى ثم قسمه أكلا لكل فم بقلة ومن الماء جرعة إنكم ترون ولا تعلمون لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واع ولكل شئ راع ولكل رزق ساع إما أكيس وإما أحمق وما رأيت شيئا إلا سمعت حسه ووجدت مسه وما رأيت موضوعا إلا مصنوعا وما رأيت جائيا إلا داعيا ولا غانما إلا خائبا ولا نعمة إلا ومعها بؤس ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء فهل لكم في العلم العليم قيل ما هو قد قلت فأصبت وأخبرت فصدقت فقال أمورا شتى وشيئا شيا حتى يرجع الميت حيا ويعود لا شيء شيا ولذلك خلقت الأرض والسموات فتولوا عنه راجعين فقال ويلمها نصيحة لو كان من يقبلها
10 -

حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت
سنه
كان لرجل من مقاول حمير ابنان يقال لأحدهما عمرو وللآخر ربيعة وكانا قد

برعا في الأدب والعلم فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى على الفناء دعاهما ليبلو عقولهما ويعرف مبلغ علمهما فلما حضرا قال لعمرو وكان الأكبر أخبرني عن أحب الرجال إليك وأكرمهم عليك قال السيد الجواد القليل الأنداد الماجد الأجداد الراسي الأوتاد الرفيع العماد العظيم الرماد الكثير الحساد الباسل الذواد الصادر الوراد قال ما تقول يا ربيعة قال ما أحسن ما وصف وغيره أحب إلي منه قال ومن يكون بعد هذا قال السيد الكريم المانع للحريم المفضال الحليم القمقام الزعيم الذي إن هم فعل وإن سئل بذل
قال أخبرني يا عمرو بأبغض الرجال إليك قال البرم اللئيم المستخذي للخصيم المبطان النهيم العيي البكيم الذي إن سئل منع وإن هدد خضع وإن طلب جشع قال ما تقول يا ربيعة قال غيره أبغض إلي منه قال ومن هو قال النئوم الكذوب الفاحش الغضوب الرغيب عند الطعام الجبان عند الصدام
قال أخبرني يا عمرو أي النساء أحب إليك قال الهركولة اللفاء الممكورة الجيداء التي يشفي السقيم كلامها ويبري الوصب إلمامها التي إن أحسنت إليها شكرت وإن أسأت إليها صبرت وإن استعتبتها أعتبت الفاترة الطرف الطفلة الكف العميمة الردف
قال ما تقول يا ربيعة قال نعت فأحسن وغيرها أحب إلي منها قال ومن هي قال الفتانة العينين

الاسيلة الخدين الكاعب الثديين الرداح الوركين الشاكرة للقليل المساعدة للحليل الرخيمة الكلام الجماء العظام الكريمة الأخوال والأعمام العذبة اللثام
قال فأي النساء إليك أبغض يا عمرو قال القتاتة الكذوب الظاهرة العيوب الطوافة الهبوب العابسة القطوب السبابة الوثوب التي إن ائتمنها زوجها خانته وإن لان لها أهانته وإن أرضاها أعضبته وإن أطاعها عصته قال ما تقول يا ربيعة قال بئس والله المرأة ذكر وغيرها أبغض إلي منها قال وأيتهن التي هي أبغض إليك من هذه قال السليطة اللسان الموذية للجيران الناطقة بالبهتان التي وجهها عابس وزوجها من خيرها آيس التي إن عاتبها زوجها وترته وإن ناطقها انتهرته
قال ربيعة وغيرها أبغض إلي منها ومن هي قال التي شقي صاحبها وخزى خاطبها وإفتضح أقاربها قال ومن صاحبها قال مثلها في خصالها كلها لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها قال فصفه لي قال الكفور غير الشكور اللئيم الفجور العبوس الكالح الحرون الجامح الراضى بالهوان المختال المنان الضعيف الجنان الجعد البنان القئول غير المفعول الملول غير الوصول الذي لا يرع عن المحارم ولا يرتدع عن المظالم
قال أخبرني يا عمرو أي الخيل أحب إليك عند الشدائد إذا إلتقى الأقران للتجالد قال الجواد الأنيق الحصان العتيق الكفيت العريق الشديد الوثيق الذي يفوت إذا هرب ويلحق إذا طلب قال نعم الفرس والله نعت قال فما تقول

يا ربيعة قال غيره أحب إلي منه
قال وما هو قال الحصان الجواد السلس القياد الشهم الفؤاد الصبور إذا سرى السابق إذا جرى
قال فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو قال الجموح الطموح النكول الأنوح الصئول الضعيف الملول العنيف الذي إن جاريته سبقته وإن طلبته أدركته قال ما تقول يا ربيعة قال غيره أبغض إلي منه قال وما هو قال البطيء الثقيل الحرون الكليل الذي إن ضربته قمص وإن دنوت منه شمس يدركه الطالب ويفوته الهارب ويقطع بالصاحب قال ربيعة وغيره أبغض إلي منه قال وما هو قال الجموح الخبوط الركوض الخروط الشموس الضروط القطوف في الصعود والهبوط الذي لا يسلم الصاحب ولا ينجو من الطالب
قال أخبرني يا عمرو أي العيش ألذ قال عيش في كرامة ونعيم وسلامة واغتباق مدامة قال ما تقول يا ربيعة قال نعم العيش والله وصف وغيره أحب إلي منه قال وما هو قال عيش في أمن ونعيم وعز وغنى عميم في ظل نجاح وسلامة مساء وصباح وغيره أحب إلي منه قال وما هو قال غنى دائم وعيش سالم وظل ناعم
قال فما أحب السيوف إليك يا عمرو قال الصقيل الحسام الباتر المجذام الماضي السطام المرهف الصمصام الذي إن هززته لم يكب وإذا ضربت به لم ينب قال ما تقول يا ربيعة قال نعم السيف نعت وغيره أحب

إلي قال وما هو قال الحسام القاطع ذو الرونق اللامع الظمآن الجائع الذي إن هززته هتك وإذا ضربت به بتك قال فما أبغض السيوف إليك يا عمرو قال الفطار الكهام الذي إن ضرب به لم يقطع وإن ذبح به لم ينخع قال فما تقول يا ربيعة قال بئس السيف والله ذكر وغيره أبغض إلي منه قال وما هو قال الطبع الددان المعضد المهان
قال فأخبرني يا عمرو أي الرماح أحب إليك عند المراس إذا اعتكر الباس واشتجر الدعاس قال أحبها إلي المارن المثقف المقوم المخطف الذي إذا هززته لم ينعطف وإذا طعنت به لم ينقصف قال ما تقول يا ربيعة قال نعم الرمح نعت وغيره أحب إلي منه قال وما هو قال الذابل العسال المقوم النسال الماضي إذا هززته النافذ إذا همزته
قال فأخبرني يا عمرو عن أبغض الرماح إليك قال الأعصل عند الطعان المثلم السنان الذي إذا هززته انعطف وإذا طعنت به انقصف قال ما تقول يا ربيعة قال بئس الرمح ذكر وغيره أبغض إلي منه قال وما هو قال الضعيف المهز اليابس الكز الذي إذا أكرهته انحطم وإذا طعنت به انقصم قال انصرفا الآن طاب لي الموت

11 -

إحدى ملكات اليمن وخاطبوها
وذكروا أن ملكة كانت بسبأ فأتاها قوم يخطبونها فقالت ليصف كل رجل منكم نفسه وليصدق وليوجز لأتقدم إن تقدمت أو أدع إن تركت على علم فتكلم رجل منهم يقال له مدرك فقال إن أبي كان في العز الباذخ والحسب الشامخ وأنا شرس الخليقة غير رعديد عند الحقيقة قالت لا عتاب على الجندل فأرسلتها مثلا
ثم تكلم آخر منهم ويقال له ضبيس بن شرس فقال أنا في مال أثيث وخلق غير خبيث وحسب غير عثيث أحذو النعل بالنعل وأجزى القرض بالقرض فقالت لا يسرك غائبا من لا يسرك شاهدا فأرسلتها مثلا ثم تكلم آخر منهم يقال له شماس بن عباس فقال أنا شماس ابن عباس معروف بالندى والباس حسن الخلق في سجية والعدل في قضية مالي غير محظور على القل والكثر وبابي غير محجوب على العسر واليسر قالت الخير متبع والشر محذور فأرسلتها مثلا ثم قالت اسمع يا مدرك وأنت يا ضبيس لن يستقيم معكما معاشرة لعشير حتى يكون فيكما لين عريكة وأما أنت يا شماس فقد حللت مني محل الأهزع من الكنانة والواسطة من القلادة لدماثة خلقك وكرم طباعك ثم اسع بجد أودع فأرسلتها مثلا وتزوجت شماسا

12 -

رواد مذحج يصفون ما ارتادوا من المراعى
عن أشياخ من بني الحرث بن كعب قالوا أجدبت بلاد مذحج فأرسلوا روادا من كل بطن رجلا فبعثت بنو زبيد رائدا وبعثت النخع رائدا وبعثت جعفى رائدا فلما رجع الرواد قيل لرائد بني زبيد ما وراءك قال رأيت أرضا موشمة البقاع ناتحة النقاع مستحلسة الغيطان ضاحكة القريان واعدة وأحر بوفائها راضية أرضها عن سمائها وقيل لرائد جعفى ما وراءك قال رأيت أرضا جمعت السماء أقطارها فأمرعت أصبارها وديثت أوعارها فبطنانها غمقة وظهرانها غدقة ورياضها مستوسقة ورقاقها رائخ ووطئها سائخ وماشيها مسرور ومصرمها محسور وقيل للنخعي ما وراءك فقال مداحي سيل وزهاء ليل

وغيل يواصي غيلا قد ارتوت أجزازها ودمث عزازها والتبدت أقوازها فرائدها أنق وراعيها سنق فلا قضض ولا رمض عازبها لا يفزع وواردها لا ينكع فاختاروا مراد النخعي
13 -

ما دار من الحديث بين المنذر بن النعمان الأكبر وبين عامر بن جوين الطائي
وفد عامر بن جوين الطائي على المنذر بن النعمان الأكبر جد النعمان بن المنذر وذلك بعد انقضاء ملك كندة ورجوع الملك إلى لخم وكان عامر قد أجار امرؤ القيس ابن حجر أيام كان مقيما بالجبلين وقال كلمته التي يقول فيها
( هنالك لا أعطي مليكا ظلامة ... ولا سوقة حتى يئوب ابن مندله )

وكان المنذر ضغنا عليه فلما دخل عليه قال له يا عام لساء مثوى أثويته ربك وثويك حين حاولت إصباء طلته ومخالفته إلى عشيره أما والله لو كنت كريما لأئويته مكرما موقرا ولجانبته مسلما فقال له أبيت اللعن لقد علمت

أبناء أدد إني لأعزها جارا وأكرمها جوارا وأمنعها دارا ولقد أقام وافرا وزال شاكرا فقال له المنذر يا عام وإنك لتخال هضيبات أجأ ذات الوبار وأفنيات سلمي ذات الأغفار مانعاتك من المجر الجرار ذي العدد الكثار والحصن والمهار والرماح الحرار وكل ماضي الغرار بيد كل مسعر كريم النجار قال عامر أبيت اللعن إن بين تلك الهضيبات والرعان والشعاب والمصدان لفتيانا أبطالا وكهولا أزوالا يضربون القوانس ويستنزلون الفوارس بالرماح المداعس لم يتبعوا الرعاء ولم ترشحهم الإماء فقال الملك يا عام لو قد تجاوبت الخيل في تلك الشعاب صهيلا كانت الأصوات قعقعة وصليلا وفغر الموت وأعجز الفوت فتقارشت الرماح وحمى السلاح لتساقى قومك كأسا لا صحو بعدها فقال مهلا أبيت اللعن إن شرابنا وبيل

وحدنا أليل ومعجمنا صليب ولقاءنا مهيب فقال له يا عام إنه لقليل بقاء الصخرة الصراء على وقع الملاطيس فقال أبيت اللعن إن صفاتنا عبر المراديس فقال لأوقظن قومك من سنة الغفلة ثم لأعقبنهم بعدها رقدة لايهب راقدها ولا يستيقظ هاجدها فقال له عامر إن البغي أباد عمرا وصرع حجرا وكانا أعز منك سلطانا وأعظم شانا وإن لقيتنا لم تلق أنكاسا

ولا أغساسا فهبش وضائعك وصنائعك وهلم إذا بدا لك فنحن الألى قسطوا على الأملاك قبلك ثم أتى راحلته فركبها وأنشأ يقول
( تعلم أبيت اللعن أن قناتنا ... تزيد على غمز الثقاف تصعبا )
( أتوعدنا بالحرب أمك هابل ... رويدك برقا لا أبا لك خلبا )
( إذا خطرت دوني جديلة بالقنا ... وحامت رجال الغوث دوني تحدبا )
( أبيت التي تهوى وأعطيتك التي ... تسوق إليك الموت أخرج أكهبا )
( فإن شئت أن تزدارنا فأت تعترف ... رجالا يذيلون الحديد المعقربا )
( وإنك لو أبصرتهم في مجالهم ... رأيت لهم جمعا كثيفا وكوكبا )
( وذكرك العيش الرخى جلادهم ... وملهى بأكناف السدير ومشربا )
( فأغض على غيظ ولا ترم التي ... تحكم فيك الزاعبى المحربا )

14 -

قيس بن رفاعة والحارث بن أبي شمر الغساني
كان قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النعمان اللخمي بالعراق وسنة إلى الحارث ابن ابي شمر الغساني بالشأم فقال له يوما وهو عنده يابن رفاعة بلغني أنك تفضل النعمان على قال وكيف أفضله عليك أبيت اللعن فوالله لقفاك أحسن من وجهه ولأمك أشرف من أبيه ولأبوك أشرف من جميع قومه ولشمالك أجود من يمينه ولحرمانك أنفع من نداه ولقليلك أكثر من كثيره ولثمادك أغزر من غديره ولكرسيك أرفع من سريره ولجدولك أغمر من بحوره وليومك أفضل من شهوره ولشهرك أمد من حوله ولحولك خير من حقبه ولزندك أورى من زنده ولجندك أعز من جنده وإنك لمن غسان أرباب الملوك وإنه لمن لخم الكثير النوك فكيف أفضله عليك
15 -
قيس بن خفاف البرجمي وحاتم طيئ
أتى أبو جبيل قيس بن خفاف البرجمى حاتم طيئ في دماء حملها عن قومه فأسلموه فيها وعجز عنها فقال والله لآتين من يحملها عني وكان شريفا شاعرا فلما قدم عليه قال إنه وقعت بين قومي دماء فتواكلوها وإني حملتها في مالي وأملي

فقدمت مالي وكنت أملي فإن تحملها فرب حق قد قضيته وهم قد كفيته وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أيأس من غدك ثم أنشأ يقول
( حملت دماء للبراجم جمة ... فجئتك لما أسلمتني البراجم )
( وقالوا سفاها لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يكفي الحمالة حاتم )
( متى آته فيها يقل لي مرحبا ... وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم )
( فيحملها عنى وإن شئت زادني ... زيادة من حنت إليه المكارم )
( يعيش الندى ما عاش حاتم طيئ ... فإن مات قامت للسخاء مآتم )
( ينادين مات الجود معك فلا نرى ... مجيبا له ما حام في الجو حائم )
( وقال رجال أنهب العام ماله ... فقلت لهم إني بذلك عالم )
( ولكنه يعطي من أموال طي ... إذا جلف المال الحقوق اللوازم )
( فيعطي التي فيها الغنى وكأنه ... لتصغيره تلك العطية جارم )
( بذلك أوصاه عدي وحشرج ... وسعد وعبد الله تلك القماقم )
فقال له حاتم إن كنت لأحب أن يأتيني مثلك من قومك هذا مرباعي من الغارة على بني تميم فخذه وافرا فإن وفى بالحمالة وإلا أكملتها لك وهو مائتا بعير سوى بنيها وفصالها مع أني لا أحب أن تويس قومك بأموالهم فضحك أبو جبيل وقال لكم ما أخذتم منا ولنا ما أخذنا منكم وأي بعير دفعته إلي ليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه برئ فدفعها إليه وزاده مائة بعير فأخذها وانصرف راجعا إلى قومه
فقال حاتم في ذلك

( أتاني البرجمي أبو جبيل ... لهم في حمالته طويل )
( فقلت له خذ المرباع رهوا ... فإني لست أرضى بالقليل )
( على حال ولا عودت نفسي ... على علاتها علل البخيل )
( فخذها إنها مائتا بعير ... سوى الناب الرذية والفصيل )
( فلا من عليك بها فإني ... رأيت المن يزري بالجزيل )
( فآب البرجمى وما عليه ... من أعباء الحمالة من فتيل )
( يجر الذيل ينفض مذرويه ... خفيف الظهر من حمل ثقيل )
16 -

مقال قبيصة بن نعيم لامرئ القيس بن حجر
قدم على امرىء القيس بن حجر الكندي بعد مقتل أبيه رجال من قبائل بني أسد وفيهم قبيصة بن نعيم يسألونه العفو عن دم أبيه فخرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء وكانت العرب لا تعتم إلا في الترات فلما نظروا إليه قاموا له وبدر إليه قبيصة فقال إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر وما تحدثه أيامه وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تذكير من واعظ ولا تبصير من مجرب ولك من سودد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك فى العرب محتد يحتمل ما حمل عليه

من إقالة العثرة ورجوع عن الهفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح ما يطول رغباتها ويستغرق طلباتها وقد كان الذي كان من الخطب الجليل الذي عمت رزيته نزارا واليمن ولم تخصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع كان لحجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشيم ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه ولا يلحق أقصاه أدناه
فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا وأعلاها في بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعة تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته فنقول رجل امتحن بهالك عزيز فلم يستل سخيمته إلا تمكينه من الإنتقام أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يرددها تسليط الإحن على البرآء
وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات
فبكى امرؤ القيس ساعة ثم رفع رأسه فقال

17 -

رد امرئ القيس عليه
لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر في دم وأني لن أعتاض به جملا ولا ناقة فأكتسب به سبة الأبد وفت العضد وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها ولن أكون لعطبها سببا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل في القلوب حنقا وفوق الأسنة علقا
( إذا جالت الحرب في مأزق ... تصافح فيه المنايا النفوسا ) أتقيمون أم تنصرفون
قالوا بل ننصرف بأسوأ الاختيار وأبلى الاجترار بمكروه وأذية وحرب وبلية ثم نهضوا عنه وقبيصة يتمثل
( لعلك أن تستوخم الورد إن غدت ... كتائبنا في مأزق الحرب تمطر )
فقال امرؤ القيس لا والله ولكن أستعذبه فرويدا ينفرج لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير ولقد كان ذكر غير هذا بي أولى إذ كنت نازلا بربعي ولكنك قلت فأوجبت فقال قبيصة ما يتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب فقال امرؤ القيس هو ذاك

18 -

خطبة هانئ بن قبيصة الشيباني
قال هانئ بن قبيصة الشيباني يحرض قومه يوم ذي قار
يا معشر بكر هالك معذور خير من ناج فرور إن الحذر لا ينجي من القدر وإن الصبر من أسباب الظفر المنية ولا الدنية استقبال الموت خير من استدباره الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور يا آل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد
19 -
خطبة عمرو بن كلثوم
أما بعد فإنه لا يخبر عن فضل المرء أصدق من تركه تزكية نفسه ولا يعبر عنه في تزكية أصحابه أصدق من اعتماده إياهم برغبته وائتمانه إياهم على حرمته
20 -
أكثم بن صيفي يعزي عمرو بن هند عن أخيه
وعزى أكثم بن صيفي عمرو بن هند ملك العرب عن أخيه فقال له
إن أهل هذه الدار سفر لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها وقد أتاك ما ليس بمردود عنك وارتحل عنك ما ليس براجع إليك وأقام معك من سيظعن عنك ويدعك واعلم أن الدنيا ثلاثة أيام فأمس عظة وشاهد عدل فجعك بنفسه

وأبقى لك وعليك حكمته واليوم غنيمة وصديق أتاك ولم تأته طالت عليك غيبته وستسرع عنك رحلته وغد لا تدري من أهله وسيأتيك إن وجدك فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم للقادر وقد مضت لنا أصول نحن فروعها فما بقاء الفروع بعد أصولها واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها وخير من الخير معطيه وشر من الشر فاعله
21 -

خطبة قس بن ساعدة الإيادي
خطب قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ فقال أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ليل داج ونهار ساج وسماء ذات أبراج ونجوم تزهر وبحار تزخر وجبال مرساة وأرض مدحاة وأنهار مجراة
إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه إنكم لتأتون من الأمر منكرا ويروي أن قسا أنشأ بعد ذلك يقول
( في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر )
( لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر )

( ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر )
( لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر )
( أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر )
22 -

قس بن ساعدة عند قيصر
وكان قس بن ساعدة يفد على قيصر ويزوره فقال له قيصر يوما ما أفضل العقل قال معرفة المرء بنفسه قال فما أفضل العلم قال وقوف المرء عند علمه قال فما أفضل المروءة قال استبقاء الرجل ماء وجهه قال فما أفضل المال قال ما قضي به الحقوق
23 -
خطبة المأمون الحارثي
قعد المأمون الحارثي في نادي قومه فنظر إلى السماء والنجوم ثم أفكر طويلا ثم قال أرعوني أسماعكم وأصغوا إلي قلوبكم يبلغ الوعظ منكم حيث أريد طمح بالأهواء الأشر وران على القلوب الكدر وطخطخ الجهل النظر إن فيما ترى لمعتبرا لمن اعتبر أرض موضوعة وسماء مرفوعة وشمس تطلع وتغرب ونجوم تسري فتعزب وقمر تطلعه النحور وتمحقه أدبار الشهور وعاجز مثر وحول مكد وشاب مختضر ويفن قد غبر وراحلون لا يئوبون وموقوفون

لا يفرطون ومطر يرسل بقدر فيحيي البشر ويورق الشجر ويطلع الثمر وينبت الزهر وماء يتفجر من الصخر الأير فيصدع المدر عن أفنان الخضر فيحيي الأنام ويشبع السوام وينمي الأنعام إن في ذلك لأوضح الدلائل على المدبر المقدر البارئ المصور
يأيها العقول النافرة والقلوب النائرة أنى تؤفكون وعن أي سبيل تعمهون وفي أي حيرة تهيمون وإلى أي غاية توفضون لو كشفت الأغطية عن القلوب وتجلت الغشاوة عن العيون لصرح الشك عن اليقين وأفاق من نشوة الجهالة من استولت عليه الضلالة
24 -

بين مهلهل بن ربيعة ومرة بن ذهل بن شيبان
لما قتل جساس بن مرة بن ذهل الشيباني كليب بن ربيعة التغلبي تشمر أخوه مهلهل واستعد لحرب بكر وجمع إليه قومه فأرسل رجالا منهم

إلى بني شيبان فأتوا مرة بن ذهل بن شيبان أبا جساس وهو في نادي قومه فقالوا له
إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناب من الإبل فقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم ونحن نعرض عليكم خلالا أربعا لكم فيها مخرج ولنا فيها مقنع فقال مرة وما هي قالوا تحيي لنا كليبا او تدفع إلينا جساسا قاتله فنقتله به أو هماما فإنه كفء له أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه فقال أما إحيائي كليبا فهذا ما لا يكون وأما الجساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد احتوى عليه وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم يقتل بجريرة غيره وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أول قتيل بينها فما أتعجل الموت ولكن لكم عندي خصلتان أما إحداهما فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم نسعة فانطلقوا به إلى رحالكم فاذبحوه ذبح الجزور وإلا فألف ناقة سود الحدق حمر الوبر أقيم لكم بها كفيلا من بني وائل فغضب القوم وقالوا لقد أسأت تبذل لنا ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب ونشبت الحرب بينهم
25 -

منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامرين
لما أسن أبو براء عامر بن مالك بن جعفر بن ملاعب الأسنة تنازع في الرياسة عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر وعلقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص ابن جعفر

فقال علقمة كانت لجدي الأحوص وإنما صارت لعمك بسببه وقد قعد عمك عنها وأنا استرجعتها فأنا أولى بها منك فشرى الشر بينهما وسارا إلى المنافرة فقال علقمة إن شئت نافرتك فقال عامر قد شئت
والله إني لأكرم منك حسبا وأثبت منك نسبا وأطول منك قصبا
فقال علقمة والله لأنا خير منك ليلا ونهارا فقال عامر والله لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهن منك أنا أنحر منك للقاح وخير منك في الصباح وأطعم منك في السنة الشياح
فقال علقمة أنا خير منك أثرا وأحد منك بصرا وأعز منك نفرا وأشرف منك ذكرا
فقال عامر ليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد وبصري ناقص وبصرك صحيح ولكني أنافرك إني أسمى منك سمة وأطول منك قمة وأحسن منك لمة وأجعد منك جمة وأسرع منك رحمة وأبعد منك همة فقال علقمة أنت رجل جسيم وأنا رجل قضيف وأنت جميل وأنا قبيح ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي فقال عامر آباؤك أعمامي ولم أكن لأنافرك بهم لكني أنافرك أنا خير منك عقبا وأطعم منك جدبا فقال علقمة قد علمت أن لك عقبا وقد أطعمت طيبا ولكني أنافرك إني خير منك وأولى بالخيرات منك
فخرجت أم عامر وكانت تسمع كلامهما فقالت يا عامر نافره أيكما أولى بالخيرات قال عامر إني والله لأركب منك في الحماة وأقتل منك للكمأة

وخير منك للمولى والمولاة فقال له علقمة والله إني لبر وإنك لفاجر وإني لولود وإنك لعاقر وإني لعف وإنك لعاهر وإني لوفى وإنك لغادر ففيم تفاخرني يا عامر فقال عامر والله إني لأنزل منك للقفرة وأنجر منك للبكرة وأطعم منك للهبرة وأطعن منك للثغرة
فقال علقمة والله إنك لكليل البصر نكد النظر وثاب على جاراتك بالسحر
فقال بنو خالد بن جعفر وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر لن تطيق عامرا ولكن قل له أنافرك بخيرنا وأقربنا إلى الخيرات فقال له علقمة هذا القول فقال عامر عير وتيس وتيس وعنز فذهبت مثلا نعم على مائة من الإبل إلى مائة من الإبل يعطاها الحكم أينا نفر عليه صاحبه أخرجها ففعلوا ذلك ووضعوا بها رهنا من أبنائهم على يدي رجل يقال له خزيمة بن عمرو بن الوحيد فسمى الضمين
وخرج علقمة ومن معه من بني خالد وخرج عامر فيمن معه من بني مالك وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية فلم يقل بينهما شيئا وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما وقال أنتما كركبتي البعير الأدرم قالا فأينا اليمين قال كلا كما يمين وأبى أن يقضي بينهما فانطلقا إلى ابي جهل بن هشام فأبى أن يحكم بينهما وقد كانت العرب تحاكم إلى قريش فأتيا عيينة بن حصن بن حذيفة

أن يقول بينهما شيئا فأتيا غيلان بن سلمة الثقفي فردهما إلى حرملة ابن الأشعر المري فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان الفزاري فانطلقا حتى نزلا به وقد ساقا الإبل معهما حتى أشتت وأربعت لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضى بينهما فقال هرم لعمري لأحكمن بينكما ثم لأفصلن فأعطياني موثقا أطمئن إليه أن ترضيا بما أقول وتسلما لما قضيت بينكما وأمرهما بالانصراف ووعدهما ذلك اليوم من قابل فانصرفا حتى إذا بلغ الأجل خرجا إليه وأقام القوم عنده أياما
فأرسل هرم إلى عامر فأتاه سرا لا يعلم به علقمة فقال يا عامر قد كنت أرى لك رأيا وأن فيك خيرا
وما حيستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك أتنافر رجلا لا تفخر أنت وقومك إلا بآبائه فما الذي أنت به خير منه فقال عامر نشدتك الله والرحم أن لا تفضل على علقمة فوالله لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا هذه ناصيتي فاجززها واحتكم في مالي فإن كنت لا بد فاعلا فسو بيني وبينه قال انصرف فسوف أرى رأيي فخرج عامر وهو لا يشك أنه ينفره عليه ثم أرسل إلى علقمة سرا لا يعلم به عامر فأتاه وقال له مثل ما قال لعامر فرد عليه علقمة بما رد به عامر وانصرف وهو لا يشك أنه سيفضل عليه عامرا ثم إن هرما أرسل إلى بنيه وبنى أبيه إني قائل غدا بين هذين الرجلين مقالة فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة ويطرد بعضكم عشر جزائر ينحرها عن عامر وفرقوا بين الناس لا تكون لهم جماعة وأصبح هرم فجلس مجلسه وأقبل الناس وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا فقام هزم فقال يا بني جعفر قد تحاكمتما عندي وأنتما كركبتي

البعير الأدرم تقعان إلى الأرض معا وليس فيكما أحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه وكلا كما سيد كريم وعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر فنحروها حيث أمرهم هرم وفرقوا الناس ولم يفضل هرم أحدا منهما على صاحبه وكره أن يفعل وهما ابنا عم فيجلب بذلك عداوة ويوقع بين الحيين شرا

أشراف العرب بين يدي كسرى
قال كسرى للنعمان بن المنذر يوما هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة قال نعم قال فبأي شيء قال من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء ثم اتصل ذلك بكمال الرابع فالبيت من قبيلته فيه وينسب إليه قال فاطلب ذلك فطلبه فلم يصبه إلا في آل حذيفة بن بدر وآل حاجب بن زرارة وآل ذي الجدين وآل الأشعث ابن قيس بن كندة فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم وأقعد لهم الحكام والعدول وقال ليتكلم كل منكم بمآثر قومه وليصدق فكان حذيفة بن بدر الفزاري أول متكلم وكان ألسن القوم فقال
26 -
مقالة حذيفة بن بدر الفزاري
قد علمت العرب أن فينا الشرف الأقدم والأعز الأعظم ومأثرة للصنيع الأكرم فقال من حوله ولم ذاك يا أخا فزازة فقال ألسنا الدعائم التي لا ترام والعز الذي لا يضام قيل صدقت ثم قام شاعرهم فقال
( فزارة بيت العز والعز فيهم ... فزارة قيس حسب قيس نضالها )
( لها العزة القعساء والحسب الذي ... بناء لقيس في القديم رجالها )

( فهيهات قد أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس مجدها وفعالها )
( وهل أحد إن هز يوما بكفه ... إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها )
( فإن يصلحوا يصلح لذاك جميعها ... وإن يفسدوا يفسد من الناس حالها )
27 -

مقال الأشعث الكندي
ثم قام الأشعث الكندي وإنما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته من النعمان بن المنذر فقال قد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكثر وزحفها الأكبر وإنا لغياث الكربات ومعدن المكرمات قالوا ولم يا أخا كندة قال لأنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه وتقلدنا منكبه الأعظم وتوسطنا بحبوحه الأكرم ثم قام شاعرهم فقال
( إذا قست أبيات الرجال ببيتنا ... وجدت لنا فضلا على من يفاخر )
( فمن قا كلا أو أتانا بخطة ... ينافرنا فيها فنحن نخاطر )
( تعالوا قفوا كي يعلم الناس أينا ... له الفضل فيما أورثته الأكابر )
28 -
مقال بسطام الشيباني
ثم قام بسطام الشيباني فقال قد علمت العرب أنا بناة بيتها الذي لا يزول ومغرس عزها الذي لا يحول قالوا ولم يا أخا شيبان قال لأنا أدركهم للثار وأضربهم للملك الجبار وأقومهم للحكم وألدهم للخصم ثم قام شاعرهم فقال

( لعمري بسطام أحق بفضلها ... وأول بيت العز عز القبائل )
( فسائل أبيت اللعن عن عز قومها ... إذا جد يوم الفخر كل مناقل )
( ألسنا أعز الناس قوما ونصرة ... وأضربهم للكبش بين القبائل )
( وقائع غر كلها ربعية ... تذل لها عزا رقاب المحافل )
( إذا ذكرت لم ينكر الناس فضلها ... وعاذ بها من شرها كل وائل )
( وإنا ملوك الناس في كل بلدة ... إذا نزلت بالناس إحدى الزلازل )
29 -

مقال حاجب بن زرارة
ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال قد علمت معد أنا فرع دعامتها وقادة زحفها قالوا ولم ذاك يا أخا بني تميم قال لأنا أكثر الناس عديدا وأنجبهم طرا وليدا وأنا أعطاهم للجزيل وأحملهم للثقيل ثم قام شاعرهم فقال
( لقد علمت أبناء خندف أننا ... لنا العز قدما في الخطوب الاوائل )
( وأنا كرام أهل مجد وثروة ... وعز قديم ليس بالمتضائل )
( فكم فيهم من سيد وابن سيد ... أغر نجيب ذي فعال ونائل )
( فسائل أبيت اللعن عنا فإننا ... دعائم هذا الناس عند الجلائل )

30 -

مقال قيس بن عاصم السعدي
ثم قام قيس بن عاصم السعدي فقال لقد علم هؤلاء أنا أرفعهم في المكرمات دعائم وأثبتهم في النائبات مقادم قالوا ولم ذاك يا أخا بنى سعد قال لأنا أدركهم للثار وأمنعهم للجار وأنا لا ننكل إذا حملنا ولا نرام إذا حللنا ثم قام شاعرهم فقال
( لقد علمت قيس وحندف أننا ... وجل تميم والجميع الذي ترى )
( ( بأنا عماد في الأمور وأننا ... لنا الشرف الضخم المركب في الندى )
( وأنا ليوث الناس في كل مأزق ... إذا جز بالبيض الجماجم والطلا )
( فمن ذا ليوم الفخر يعدل عاصما ... وقيسا إذا مرت ألوف إلى العلا )
( فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم ... وقاموا بيوم الفخر مسعاة من سعى )
فقال كسرى حينئذ ليس منهم إلا سيد يصلح لموضعه وأسنى حباءهم وأعظم صلاتهم وكرم مآبهم

وفود العرب على كسرى
قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم وبلادهم فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثنى فارس ولا غيرها فقال كسرى وأخذته عزة الملك يا نعمان لقد فكرت فى أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم على من وفود الأمم فوجدت للروم حظا فى اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها وأن لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهلها ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وطبها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها ودقيق حسابها وكثرة عددها وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وأن لها ملكا يجمعها والترك والخرر علة ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ومع أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وإن قرى أحدهم ضيفا عدها مكرمة

وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما خلا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا وإن لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وأمورا تشبه بعض أمور الناس يعنى اليمن ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس قال النعمان أصلح الله الملك
حق لأمة الملك منها أن يسموا فضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها إلا أن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له فإن أمننى من غضبه نطقت به قال كسرى قل فأنت آمن
31 -

خطبة النعمان بن المنذر
قال النعمان أما أمتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها وبسطة محلها وبحبوحة عزها وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك وأما الأمم التي ذكرت فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها قال كسرى بماذا قال النعمان بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وانفتها ووفائها
فأما عزها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر إذ غيرها من الأمم إنما عزها من الحجارة والطين وجزائر البحور
وأما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحفة والروم والترك المشوهة المقشرة

وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه ذنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعى إلى غير أبيه
وأما سخاؤها فإن أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغه في حموله وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزى بالشربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر
وأما حكمة ألسنتهم فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم الأشياء وضربهم للأمثال وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر
وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من نسكه بدينة أن لهم أشهرا حرما وبلدا محرما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثاره وإدراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى

حذف 53

وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الإيماءة فهي ولث وعقدة لا يحلها إلا خروج نفسه وإن أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به وعسى أن يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله
وأما قولك أيها الملك يئدون أولادهم فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج
وأما قولك إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا احتقارا لها فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها اكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها ألبانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة وإنه لا شيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه
وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم إلانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والوطث بالعسف

وأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى جد الملك إليها الذي أتاه عند غلبة الجبش له على ملك متسق وأمر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من يليه من العرب لمال إلى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار
فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال إنك لأهل لموضعك من الرياسة في أهل إقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة
فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين وإلى الحرث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين وإلى خالد بن جعفر وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين وإلى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والحارث بن ظالم المرى فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منها وقد سمعت من كسرى مقالات تخوفت أن يكون لها غور أو يكون إنما أظهرها لأمر أراد أن يتخذ به العرب خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج إليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوله فاقتص عليهم مقالات كسرى وما رد عليه فقالوا أيها الملك وفقك الله ما أحسن ما رددت وأبلغ ما حججته به فمرنا بأمرك وادعنا إلى ما شئت
قال إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم وليس شيء أحب إلى مما سدد الله به أمركم وأصلح به شأنكم وأدام به عزكم والرأي أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا إلى كسرى فإذا دخلتم نطق كل رجل منكم

بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدثته نفسه ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذليل وليكن أمر بين ذلك تظهر به وثاقة حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم ابن صيفي ثم تتابعوا على الأمر من منازلكم التي وضعتكم بها فإنما دعاني إلى التقدمة إليكم علمي بميل كل رجل منكم إلى التقدم قبل صاحبه فلا يكونن ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا فإنه ملك مترف وقادر مسلط ثم دعا لهم بما في خزائنه من طرائف حلل الملوك كل رجل منهم حلة وعممه عمامة وختمه بياقوته وأمر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة وكتب معهم كتابا
أما بعد فإن الملك ألقى إلى من أمر العرب ما قد علم وأجبته بما قد فهم مما أحببت أن يكون منه على علم ولا يتلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها في شىء من الأمور التي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة وقد أوفدت أيها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم فليسمع الملك وليغمض عن جفاء إن ظهر من منطقهم وليكرمني بإكرامهم وتعجيل سراحهم وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى عشائرهم
فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن فدفعوا إليه كتاب النعمان فقرأه وأمر بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم فلما أن كان بعد ذلك بأيام أمر مرازبته ووجوه أهل مملكته فحضروا وجلسوا على كراسي عن يمينه

وشماله ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في كتابه وأقام الترجمان ليؤدي إليه كلامهم ثم أذن لهم في الكلام
32 -

خطبة أكثم بن صيفي
فقام أكثم بن صيفي فقال
إن أفضل الأشياء أعاليها وأعلى الرجال ملوكها وأفضل الملوك أعمها نفعا وخير الأزمنة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها الصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطئ
آفة الرأي الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الأمور الصبر حسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء شر البلاد بلاد لا أمير بها شر الملوك من خافه البرىء المرء يعجز لا المحالة أفضل الأولاد البررة خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة أحق الجنود بالنصر من حسنت سريرته يكفيك من الزاد ما بلغك المحل حسبك من شر سماعه الصمت حكم وقليل فاعله البلاغة الإيجاز من شدد نفر ومن تراخى تألف
فتعجب كسرى من أكثم ثم قال ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك كلامك في غير موضعه قال أكثم الصدق ينبىء عنك لا الوعيد قال كسرى لو لم يكن للعرب غيرك لكفى
قال أكثم رب قول أنفذ من صول

خطبة حاجب بن زرارة
ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال
ورى زندك وعلت يدك وهيب سلطانك إن العرب أمة قد غلظت أكبادها واستحصدت مرتها ومنعت درتها وهي لك وامقة ما تألفتها مسترسلة ما لا ينتها سامعة ما سامحتها وهي العلقم مرارة والصاب غضاضة والعسل حلاوة والماء الزلال سلاسة نحن وفودها إليك وألسنتها لديك ذمتنا محفوظة وأحسابنا ممنوعة وعشائرنا فينا سامعة مطيعة إن نؤب لك حامدين خيرا فلك بذلك عموم محمدتنا وإن نذم لم نخص بالذم دونها
قال كسرى يا حاجب ما أشبه حجر التلال بألوان صخرها قال حاجب بل زئير الأسد بصولتها قال كسرى وذلك 34
خطبة الحارث بن عباد
ثم قام الحارث بن عباد البكري فقال دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظها وعلو سنائها من طال رشاؤه كثر متحه ومن ذهب ماله قل منحه تناقل الأقاويل يعرف اللب وهذا

مقام سيوجف بما ينطق به الركب وتعرف به كنه حالنا العجم والعرب ونحن جيرانك الأدنون وأعوانك المعينون خيولنا جمة وجيوشنا فخمة إن استنجدتنا فغير ربض وإن استطرقتنا فغير جهض وإن طلبتنا فغير غمض لا ننثني لذعر ولا نتنكر لدهر رماحنا طوال وأعمارنا قصار
قال كسرى أنفس عزيزة وأمة ضعيفة قال الحرث أيها الملك وأنى يكون لضعيف عزة أو لصغير مرة قال كسرى لو قصر عمرك لم تستول على لسانك نفسك
قال الحرث أيها الملك إن الفارس إذا حمل نفسه على الكتيبة مغررا بنفسه على الموت فهى منية استقبلها وجنان استدبرها والعرب تعلم أنى أبعث الحرب قدما وأحبسها وهى تصرف بها حتى إذا جاشت نارها وسعرت لظاها وكشفت عن ساقها جعلت مقادها رمحى وبرقها سيفى ورعدها زئيرى ولم أقصر عن خوص خضخاضها حتى أنغمس فى غمرات لججها وأكون فلكا لفرسانى إلى بحبوحة كبشها فأستمطرها دما وأترك حماتها جزر السباع وكل نسر

قشعم ثم قال كسرى لمن حضره من العرب أكذلك هو قالوا فعاله أنطق من لسانه
قال كسرى ما رأيت كاليوم وفدا أحشد ولا شهودا أوفد 35

خطبة عمرو بن الشريد
ثم قام عمرو بن الشريد السلمى فقال
أيها الملك نعم بالك ودام فى السرور حالك إن عاقبة الكلام متدبرة وأشكال الأمور معتبرة وفى كثير ثقلة وفى قليل بلغة وفى الملوك سورة العز وهذا منطق له ما بعده شرف فيه من شرف وخمل فيه من خمل لم نأت لضيمك ولم نفد لسخطك ولم نتعرض لرفدك أن فى أموالنا منتقدا وعلى عزنا معتمدا إن أورينا نارا أثقبنا وإن أود دهر بنا اعتدلنا إلا أنا مع هذا لجوارك حافظون ولمن رامك كافحون حتى يحمد الصدر ويستطاب الخبر
قال كسرى ما يقوم قصد منطقك بإفراطك ولا مدحك بذمك قال عمرو كفى بقليل قصدى هاديا وبأيسر إفراطى مخبرا ولم يلم من غربت نفسه عما يعلم ورضى من القصد بما بلغ
قال كسرى ما كل ما يعرف المرء ينطق به اجلس

خطبة خالد بن جعفر الكلابى
ثم قام خالد بن جعفر الكلابى فقال
أحضر الله الملك إسعادا وأرشده إرشادا إن لكل منطق فرصة ولكل حاجة غصة وعى المنطق أشد من عى السكوت وعثار القول أنكأ من عثار الوعث وما فرصة المنطق عندنا إلا بما نهوى وغصة المنطق بما لا نهوى غير مستساغة وتركى ما أعلم من نفسى ويعلم من سمعى أننى له مطيق أحب إلى من تكلفى ما أتخوف ويتخوف منى وقد أوفدنا إليك ملكنا النعمان وهو لك من خير الأعوان ونعم حامل المعروف والإحسان أنفسنا بالطاعة لك باخعة ورقابنا بالنصيحة خاضعة وأيدينا لك بالوفاء رهينة
قال له كسرى نطقت بعقل وسموت بفضل وعلوت بنبل 37
خطبة علقمة بن علاثة العامري
ثم قام علقمة بن علاثة العامري فقال
نهجت لك سبل الرشاد وخضعت لك رقاب العباد إن للأقاويل مناهج وللآراء موالج وللعويص مخارج وخير القول أصدقه وأفضل الطلب أنجحه إنا وإن كانت المحبة أحضرتنا والوفادة قربتنا فليس من حضرك منا بأفضل ممن عزب عنك بل لو قست كل رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا لوجدت له فى آبائه

دنيا أندادا وأكفاء كلهم إلى الفضل منسوب وبالشرف والسؤدد موصوف وبالرأي الفاضل والأدب النافذ معروف يحمى حماه ويروى نداماه ويذود أعداه لا تخمد ناره ولا يحترز منه جاره أيها الملك من يبل العرب يعرف فضلهم فاصطنع العرب فإنها الجبال الرواسى عزا والبحور الزواخر طميا والنجوم الزواهر شرفا والحصى عددا فإن تعرف لهم فضلهم يعزوك وإن تستصرخهم لا يخذلوك
قال كسرى وخشى أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه حسبك أبلغت وأحسنت 38

خطبة قيس بن مسعود الشيباني
ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال
أطاب الله بك المراشد وجنبك المصائب ووقاك مكروه الشصائب ما أحقنا إذ أتيناك بإسماعك ما لا يحنق صدرك ولا يزرع لنا حقدا فى قلبك لم نقدم أيها الملك لمساماة ولم ننتسب لمعاداة ولكن لتعلم أنت ورعيتك ومن حضرك من وفود الأمم أنا فى المنطق غير محجمين وفى الناس غير مقصرين إن جورينا فغير مسبوقين وإن سومينا فغير مغلوبين

قال كسرى غير أنكم إذا عاهدتم غير وافين وهو يعرض به فى تركه الوفاء بضمانه السواد قال قيس أيها الملك ما كنت فى ذلك إلا كواف غدر به أو كخافر أخفر بذمته قال كسرى ما يكون لضعيف ضمان ولا لذليل خفارة قال قيس أيها الملك ما أنا فيما أخفر من ذمتى أحق بإلزامي العار منك فيما قتل من رعيتك وأنتهك من حرمتك قال كسرى ذلك لأن من ائتنمن الخانة واستنجد الأثمة ناله من الخطإ ما نالنى وليس كل الناس سواء كيف رأيت حاجب بن زرارة لم يحكم قواه فيبرم ويعهد فيوفى ويعد فينجز قال وما أحقه بذلك وما رأيته إلا لى قال كسرى القوم بزل فأفضلها أشدها

خطبة عامر بن الطفيل العامري
ثم قام عامر بن الطفيل العامري فقال
كثر فنون المنطق ولبس القول أعمى من حندس الظلماء وإنما الفخر فى الفعال والعجز فى النجدة والسؤدد مطاوعة القدرة وما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا وبالحرى إن أدالت الأيام وثابت الأحلام أن تحدث لنا أمورا لها أعلام قال كسرى وما تلك الأعلام قال مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر قال كسرى وما الأمر الذي يذكر قال ما لي علم بأكثر مما أخبرنى به مخبر قال كسرى متى تكاهنت يا بن الطفيل قال لست بكاهن ولكنى بالرمح

طاعن قال كسرى فإن اتاك آت من جهة عينك العوراء ما أنت صانع قال ما هيبتى فى قفاي بدون هيبتي في وجهي وما أذهب عيني عيث ولكن مطاوعة العبث
40 -

خطبة عمرو بن معديكرب الزبيدي
ثم قام عمرو بن معديكرب الزبيدي فقال
إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فبلاغ المنطق الصواب وملاك النجعة الارتياد وعفو الرأى خير من استكراه الفكرة وتوقيف الخبرة خير من أعتساف الحيرة فاجتبذ طاعتنا بلفظك واكتظم بادرتنا بحلمك وألن لنا كنفك يسلس لك قيادنا فإنا أناس لم يوقس صفاتنا قراع مناقير من أراد لنا قضما ولكن منعنا حمانا من كل من رام لنا هضما
41 -
خطبة الحارث بن ظالم المرى
ثم قام الحرث بن ظالم المري فقال
إن من آفة المنطق الكذب ومن لؤم الأخلاق الملق ومن خطل الرأي خفة الملك المسلط فإن أعلمناك أن مواجهتنا لك عن الائتلاف وانقيادنا لك عن تصاف فما أنت لقبول ذلك منا بخليق ولا للاعتماد عليه بحقيق ولكن الوفاء بالعهود وإحكام ولث العقود والأمر بيننا وبينك معتدل مالم يأت من قبلك ميل أو زلل

قال كسرى من أنت قال الحرث بن ظالم قال إن في أسماء آبائك لدليلا على قلة وفائك وأن تكون أولى بالغدر وأقرب من الوزر قال الحارث إن في الحق مغضبة والسرو التغافل ولن يستوجب أحد الحلم إلا مع القدرة فلتشبه أفعالك مجلسك قال كسرى هذا فتى القوم
ثم قال كسرى قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم وتفنن فيه متكلموكم ولولا أني أعلم أن الأدب لم يثقف أودكم ولم يحكم أمركم وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طباعكم لم أجز لكم كيرا مما تكلمتم به وإني لأكره أن أجبه وفودي أو أحنق صدورهم والذي أحب من إصلاح مدبركم وتألف شواذكم والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب وصفحت عما كان فيه من خلل فانصرفوا إلى ملككم فأحسنوا موازرته والتزموا طاعته واردعوا سفهاءكم وأقيموا أودهم وأحسنوا أدبهم فإن في ذلك صلاح العامة

42 -

مخالس بن مزاحم وقاصر بن سلمة عند النعمان بن المنذر
كان مخالس بن مزاحم الكلبي وقاصر بن سلمة الجذامي بباب النعمان بن المنذر وكان بينهما عداوة فأتى قاصر إلى ابن فرتني وهو عمرو بن هند أخو النعمان ابن المنذر وقال إن مخالسا هجاك وأنشده في ذلك أبياتا فلما سمع عمرو ذلك أتى النعمان فشكا مخالسا وأنشده الأبيات فأرسل النعمان إلى مخالس فلما دخل عليه قال لا أم لك أتهجو امرأ هو ميتا خير منك حيا وهو سقيما خير منك صحيحا وهو غائبا خير منك شاهدا فبحرمة ماء المزن وحق أبي قابوس لئن لاح لي أن ذلك كان منك لأنزعن غلصمتك من قفاك ولاطعمنك لحمك
قال مخالس أبيت اللعن كلا والذي رفع ذروتك بأعمادها وأمات حسادك بأكمادها ما بلغت غير أقاويل الوشاة ونمائم العصاة وما هجوت أحدا ولا أهجو امرأ ذكرت أبدا وإنى أعوذ بجدك الكريم وعز بيتك القديم أن ينالنى منك عقاب أو يفاجئني منك عذاب قبل الفحص والبيان عن أساطير أهل البهتان
فدعا النعمان قاصرا فسأله فقال قاصر أبيت اللعن وحقك لقد هجاه وما أروانيها سواه فقال مخالس لا يأخذن أيها الملك منك قول امرئ آفك ولا توردني سبيل المهالك
واستدلل على كذبه بقوله إني أرويته مع ما تعرف من عداوته فعرف النعمان صدقه فأخرجهما فلما خرجا قال مخالس لقاصر شقي جدك وسفل خدك وبطل كيدك ولاح للقوم جرمك وطاش عني سهمك ولأنت أضيق حجرا من نقاز وأقل قوى من الحامل على الكراز فأرسلها مثلا

43 -

ضمرة بن ضمرة عند النعمان بن المنذر
قيل إن رجلا من بني تميم يقال له ضمرة بن ضمرة كان يغير على مسالح النعمان بن المنذر حتى أذا عيل صبر النعمان كتب إليه أن أدخل في طاعتي ولك مائة من الإبل فقبلها وأتاه فلما نظر إليه أزدراه وكان ضمرة دميما فقال تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال ضمرة مهلا أيها الملك إن الرجال لا يكالون بالصيعان وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان وإن نطق نطق ببيان
قال صدقت لله درك هل لك علم بالأمور والولوج فيها قال والله إني لأبرم منها المسحول وأنقض منها المفتول وأحيلها حتى تحول ثم أنظر إلى ما يئول وليس للأمور بصاحب من لا ينظر في العواقب قال صدقت لله درك فأخبرني ما العجز الظاهر والفقر الحاضر والداء العياء والسوءة السوءاء قال ضمرة
أما العجز الظاهر فالشاب القليل الحيلة اللزوم للحليلة الذي يحوم حولها ويسمع قولها فإن غضبت ترضاها وإن رضيت تفداها وأما الفقر الحاضر فالمرء لا تشبع نفسه وإن كان من ذهب خلسه وأما الداء العياء فجار السوء إن كان فوقك قهرك وإن كان دونك همزك وإن أعطيته كفرك وإن منعته شتمك فإن كان ذلك جارك فأخل له دارك وعجل منه فرارك وإلا فأقم بذل

وصغار وكن ككلب هرار وأما السوءة السوءاء فالحليلة الصخابة الخفيفة الوثابة السليطة السبابة التي تعجب من غير عجب وتغضب من غير غضب الظاهر عيبها والمخوف غيبها فزوجها لا يصلح له حال ولا ينعم له بال إن كان غنيا لا ينفعه غناه وإن كان فقيرا أبدت له قلاه فأراح الله منها بعلها ولا متع الله بها أهلها
فأعجب النعمان حسن كلامه وحضور جوابه فأحسن جائزته واحتبسه قبله
44 -

لبيد بن ربيعة يصف بقلة
وفد على النعمان بن المنذر عامر بن مالك ملاعب الأسنة في رهط من بني جعفر ابن كلاب فيهم لبيد بن ربيعة فطعن فيهم الربيع بن زياد العبسي وذكر معايبهم وكان نديما للنعمان وكانت بنو جعفر له أعداء فلم يزل بالنعمان حتى صده عنهم فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء وقد كان يكرمهم ويقربهم فخرجوا غضابا ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ متاعهم ويغدو بإبلهم كل صباح يرعاها وكان أحدثهم سنا فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع فسألهم عنده فكتموه فقال والله لا حفظت لكم متاعا ولا سرحت لكم بعيرا أو تخبروني فيم أنتم وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع فقالوا خالك قد غلبنا على الملك وصد عنا وجهه فقال لبيد هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممض مؤلم لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدا قالوا وهل عندك شيء قال نعم قالوا فإنا نبلوك

قال وما ذاك قالوا تشتم هذه البقلة وقدامهم بقلة دقيقة القضبان قليلة الأوراق لاصقة بالأرض تدعى التربة فقال
هذه التربة التي لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا ولا تسر جارا عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل أقبح البقول مرعى وأقصرها فرعا وأشدها قلعا فتعسا لها وجدعا بلدها شاسع ونبتها خاشع وآكلها جائع والمقيم عليها قانع فالقوا بي أخا بني عبس أرده عنكم بتعس ونكس وأتركه من أمره في لبس
فلما أصبحوا غدوا به معهم إلى النعمان فذكروا حاجتهم فاعترض الربيع فرجز به لبيد رجزا ما لبث معه النعمان أن تقزز منه وأمره بالانصراف إلى أهله
45 -

كلمات هند بنت الخس الإيادية
أتى رجل هند بنت الخس الإيادية يستشيرها في امرأة يتزوجها فقالت انظر رمكاء جسيمة أو بيضاء وسيمة في بيت جد أو بيت حد أو بيت عز قال ما تركت من النساء شيئا قالت بلى شر النساء تركت السويداء الممراض والحميراء المحياض الكثيرة المظاظ
وقيل لها أي النساء أسوأ قالت التي تقعد بالفناء وتملأ الإناء وتمذق

مافي السقاء قيل فأي النساء أفضل قالت التي إذا مشت أغبرت وإذا نطقت صرصرت متوركة جارية في بطنها جارية يتبعها جارية
قيل فأي الغلمان أفضل قالت الأسوق الأعنق الذي إن شب كأنه أحمق قيل فأي الغلمان أفسل قالت الأويقص القصير العضد العظيم الحاوية الأغيبر الغشاء الذي يطيع أمه ويعصي عمه
وقيل لها أي الرجال أحب إليك قالت السهل النجيب السمح الحسيب الندب الأريب السيد المهيب قيل لها فهل بقي أحد من الرجال أفضل من هذا قالت نعم الأهيف الهفهاف الأنف العياف المفيد المتلاف الذي يخيف ولا يخاف قيل لها فأي الرجال أبغض إليك قالت الأوره النئوم الوكل السئوم الضعيف الحيزوم اللئيم الملوم قيل لها فهل بقي أحد شر من هذا قالت نعم الأحمق النزاع الضائع المضاع الذي لا يهاب ولا يطاع قالوا فأي النساء أحب إليك قالت البيضاءالعطرة كأنها ليلة قمرة قيل فأي النساء

أبغض اليك قالت العنفص القصيرة التي إن استنطقتها سكتت وإن سكت عنها نطقت
وقال لها أبوها يوما أي المال خير قالت النخل الراسخات في الوحل المطعمات في المحل قال وأي شيء قالت الضأن قرية لا وباء بها تنتجها رخالا وتحلبها علالا وتجز لها جفالا ولا أرى مثلها مالا قال فالإبل مالك تؤخرينها قالت هي أذكار الرجال وإرقاء الدماء ومهور النساء قال فأي الرجال خير قالت
( خير الرجال المرهقون كما ... خير تلاع البلاد أوطؤها )
قال أيهم قالت الذي يسأل ولا يسأل ويضيف ولا يضاف ويصلح ولا يصلح قال فأي الرجال شر قالت النصيط النطيط الذي معه سويط الذي يقول أدركوني من عبد بني فلان فإني قاتله أو هو قاتلي قال فأي النساء خير قالت التي في بطنها غلام تحمل على وركها غلاما يمشي وراءها غلام قال فأي الجمال خير قالت السبحل الربحل الراحلة الفحل قال

أرأيتك الجذع قالت لا يضرب ولا يدع قال أرأيتك الثني قالت يضرب وضرابه وفي قال أرأيتك السدس قالت ذاك العرس
وقيل لها أي الخيل أحب إليك قالت ذو الميعة الصنيع السليط التليع الأيد الضليع الملهب السريع فقيل لها أي الغيوث أحب إليك قالت ذو الهيدب المنبعق الأضخم المؤتلق الصخب المنبثق وقيل لها ما مائة من المعز قالت مؤيل يشف الفقر من ورائه مال الضعيف وحرفة العاجز قيل فما مائة من الضأن قالت قرية لا حمى بها قيل فما مائة من الإبل قالت بخ جمال ومال ومنى الرجال قيل فما مائة من الخيل قالت

طغى من كانت له ولا يوجد قيل فما مائة من الحمر قالت عازبة الليل وخزى المجلس لا لبن فيحلب ولا صوف فيجز إن ربط عيرها أدلى وإن ترك ولى وقيل لها من أعظم الناس في عينك قالت من كانت لي إليه حاجة
وقالت أخبث الذئاب ذئب الغضا وأخبث الأفاعي أفعى الجدب وأسرع الظباء ظباء الحلب وأشد الرجال الأعجف وأجمل النساء الفخمة الأسيلة وأقبح النساء الجهمة القفرة وآكل الدواب الرغوث وأطيب اللحم عوذه وأغلظ المواطي الحصى على الصفا وشر المال مالا يزكى ولا يذكى وخير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة

46 -

خطبة كعب بن لؤي
وخطب كعب بن لؤي وهو الجد السابع للنبي فقال
اسمعوا وعوا وتعلموا تعلموا و تفهموا تفهموا ليل ساج ونهار صاج والأرض مهاد والجبال أوتاد والأولون كالآخرين كل ذلك إلى بلاء فصلوا أرحامكم وأصلحوا أحوالكم
فهل رأيتم من هلك رجع أو ميتا نشر الدار أمامكم والظن خلاف ما تقولون زينوا حرمكم وعظموه وتمسكوا به ولا تفارقوه فسيأتي له نبأ عظيم وسيخرج منه نبي كريم ثم قال
( نهار وليل واختلاف حوادث ... سواء علينا حلوها ومريرها )
( يئوبان بالأحداث حتى تأوبا ... وبالنعم الضافي علينا ستورها )
( صروف وأنباء تقلب أهلها ... لها عقد ما يستحيل مريرها )
( على غفلة يأتي النبي محمد ... فيخبر أخبارا صدوقا خبيرها )
ثم قال
( يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلانا )

47 -

خطبة هاشم بن عبد مناف يحث قريشا على إكرام زوار بيت الله الحرام
كان هاشم بن عبد مناف يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول
يا معشر قريش أنتم سادة العرب أحسنها وجوها وأعظمها أحلاما وأوسطها أنسابا وأقربها أرحاما
يا معشر قريش أنتم جيران بيت الله أكرمكم بولايته وخصكم بجواره دون بني إسماعيل وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزوار بيته فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد فورب هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتكموه ألا وإني مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام فواضعه فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج رجل منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما ولم يقطع فيه رحم ولم يغتصب

48 -

خطبة هاشم بن عبد مناف في قريش وخزاعة
تنافرت قريش وخزاعة إلى هاشم بن عبد مناف فخطبهم بما أذعن له الفريقان بالطاعة فقال في خطبته
أيها الناس نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل وبنو النضر بن كنانة وبنو قصي بن كلاب وأرباب مكة وسكان الحرم لنا ذروة الحسب ومعدن المجد ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته وإجابة دعوته إلا ما دعا إلى عقوق عشيرة وقطع رحم يا بني قصي أنتم كغصني شجرة أيهما كسر أوحش صاحبه والسيف لا يصان إلا بغمده ورامي العشيرة يصيبه سهمه ومن أمحكه اللجاج أخرجه إلى البغي
أيها الناس الحلم شرف والصبر ظفر والمعروف كنز والجود سؤدد والجهل سفه والأيام دول والدهر غير والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء وأكرموا الجليس يعمر ناديكم وحاموا الخليط يرغب في جواركم وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم وعليكم

بمكارم الأخلاق فإنها رفعة وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع الشرف وتهدم المجد وإن نهنهة الجاهل أهون من جريرته ورأس العشيرة يحمل أثقالها ومقام الحليم عظة لمن انتفع به
فقالت قريش رضينا بك أبا نضلة وهي كنيته
49 -

خطبة عبد المطلب بن هاشم
يهنئ سيف بن ذي يزن باسترداد ملكه من الحبشة
لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنئه وتمدحه ومنهم وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم فاستأذنه في الكلام فأذن له فقال
إن الله تعالى أيها الملك أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن فأنت أبيت اللعن رأس العرب وربيعها الذي به تخصب وملكها الذي به تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد سلفك خير سلف وأنت لنا بعدهم خير خلف ولن يهلك من أنت

خلفه ولن يخمل من أنت سلفه نحن أيها الملك أهل حرم الله وذمته وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجك بكشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة
50 -

خطبة أبي طالب في زواج الرسول بالسيدة خديجة
خطب أبو طالب حين زواج النبي بالسيدة خديجة فقال
الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا وفضلا وكرما وعقلا ومجدا ونبلا وإن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما أحببتم من الصداق فعلى

خطب الكهان
51 -
الكاهن الخزاعي ينفر هاشم بن عبد مناف على أمية بن عبد شمس
ولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليه من السقاية والرفادة فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على رياسته وإطعامه وكان ذا مال فتكلف أن يصنع صنيع هاشم فعجز عنه فشمت به ناس من قريش فغضب ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة فكره هاشم ذلك لسنة وقدره فلم تدعه قريش حتى نافره على خمسين ناقة سود الحدق ينحرها ببطن مكة والجلاء عن مكة عشر سنين فرضى بذلك أمية وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي وهو جد عمرو بن الحمق ومنزله بعسفان وكان مع أمية همهمة بن عبد العزى الفهرى وكانت ابنته عند أمية فقال الكاهن
والقمر الباهر والكوكب الزاهر والغمام الماطر وما بالجو من طائر وما اهتدى بعلم مسافر من منجد وغائر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر أول منه وآخر وأبو همهمة بذلك خابر

فقضى لهاشم بالغلبة وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها وغاب أمية عن مكة بالشأم عشر سنين فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية
52 -

عوف بن ربيعة الأسدي يتكهن بمقتل حجر بن الحارث
كان حجر بن الحارث أبو امرئ القيس ملك بني أسد وكان له عليهم إتاوة كل سنة لما يحتاج إليه فبقي كذلك دهرا ثم بعث إليهم من يجبي ذلك منهم وحجر يومئذ بتهامة فطردوا رسله وضربوهم فبلغ ذلك حجرا فسار إليهم فأخذ سرواتهم وخيارهم وجعل يقتلهم بالعصا فسموا عبيد العصا وأباح الأموال وصيرهم إلى تهامة وحبس جماعة من أشرافهم منهم عبيد بن الأبرص الشاعر فقال شعرا يستعطفه فيه ومنه قوله
( أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامة )
فرق لهم وعفا عنهم وردهم إلى بلادهم فلما صاروا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة بن عامر الأسدي فقال لهم يا عبادي قالوا لبيك ربنا فقال من الملك الصلهب الغلاب غير المغلب في الإبل كأنها الربرب لا يقلق رأسه الصخب هذا دمه ينثعب وهو غدا أول من يستلب قالوا ومن هو ربنا قال لولا تجيش نفس جاشية لأخبرتكم أنه حجر ضاحية

فركبوا كل صعب وذلول حتى بلغوا عسكر حجر فهجموا عليه في قبته فقتلوه
53 -

كاهن بني الحارث بن كعب يحذرهم غزو بني تميم
كان بنو تميم قد أغاروا على لطيمة لكسرى فيها مسك وعنبر وجوهر كثير فأوقع كسرى بهم وقتل المقاتلة وبقيت أموالهم وذراريهم في مساكنهم لا مانع لها وبلغ ذلك بني الحارث بن كعب من مذحج فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا اغتنموا بني تميم فاجتمعت بنو الحارث وأحلافها من زيد وحزم بن ريان في عسكر عظيم وساروا يريدون بني تميم فحذرهم كاهن كان مع الحارث واسمه سلمة بن المغفل وقال
إنكم تسيرون أعقابا وتغزون أحبابا سعدا وربابا وتردون مياها جبابا فتلقون عليها ضرابا وتكون غنيمتكم ترابا فأطيعوا أمري ولا تغزوا تميما ولكنهم خالفوه وقاتلوا بني تميم فهزموا هزيمة نكراء

54 -

أحد كهان اليمن يفصل في أمر هند بنت عتبة
كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش وكان قد تزوج هند بن عتبة وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن فقال يوما في ذلك البيت وهند معه ثم خرج عنها وتركها نائمة فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ولى عنها فاستقبله الفاكه بن المغيرة فدخل على هند وأنبها وقال من هذا الخارج من عندك قالت والله ما انتبهت حتى أنبهتني وما رأيت أحدا قط قال الحقي بأبيك وخاض الناس في أمرهم فقال لها أبوها يا بنية العار وإن كان كذبا بثيني شأنك فإن كان الرجل صادقا دسست عليه من يقتله فيقطع عنك العار وإن كان كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن قالت والله يا أبت إنه لكاذب فخرج عتبة فقال إنك رميت ابنتي بشيء عظيم فإما أن تبين ما قلت وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن قال ذلك لك فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش ونسوة من بني مخزم وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند وكسف بالها فقال لها أبوها أي بنية ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا قالت يا أبت والله ما ذلك لمكروه قبلي ولكنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب فقال لها أبوها صدقت ولكني سأخبره لك فصفر بفرسه فلما أدلى عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله ثم أوكى عليها وسار فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم فقال له عتبة إنا أتيناك في أمر وقد خبأنا لك خبيئة فما هي قال برة في

كمرة قال أريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت فانظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن ويقول قومي لشأنك حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها وقال انهضي غير رقحاء ولا زانية وستلدين ملكا يسمى معاوية
فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنثرت يده من يدها وقالت إليك عنى والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك فتزوجها أبو سفيان فولدت له معاوية
55 -

خمسة نفر من طيئ يمتحنون سواد بن قارب الدوسي
خرج خمسة نفر من طيئ من ذوي الحجا والرأي منهم برج بن مسهر وهو أحد المعمرين وأنيف بن حارثة بن لأم وعبد الله بن سعد بن الحشرج أبو حاتم طييء وعارف الشاعر ومرة بن عبد رضى يريدون سواد بن قارب الدوسي ليمتحنوا علمه فلما قربوا من السراة قالوا ليخبأ كل رجل منا خبيئا ولا يخبر به صاحبه ليسأله عنه فإن أصاب عرفنا علمه وإن أخطأ ارتحلنا عنه فخبأ كل رجل منهم خبيئا ثم صاروا إليه فأهدوا له إبلا وطرفا من طرف الحيرة فضرب عليهم قبة ونحر لهم فلما مضت ثلاث دعا بهم فدخلوا عليه فتكلم برج وكان أسنهم فقال جادك السحاب وأمرع لك الجناب

وضفت عليك النعم الرغاب نحن أولو الآكال والحدائق والأغيال والنعم الجفال ونحن أصهار الأملاك وفرسان العراك يورى عنهم أنهم من بكر بن وائل
فقال سواد والسماء والأرض والغمر والبرض والقرض والفرض إنكم لأهل الهضاب الشم والنخيل العم والصخور الصم من أجأ العيطاء وسلمى ذات الرقبة السطعاء
قالوا إنا كذلك وقد خبأ لك كل رجل منا خبيئا لتخبرنا باسمه وخبيئه فقال لبرج أقسم بالضياء والحلك والنجوم والفلك والشروق والدلك لقد خبأت برثن فرخ في إعليط مرخ تحت آسرة الشرخ قال ما أخطأت شيئا فمن أنا قال أنت برج بن مسهر عصرة الممعر وثمال المحجر

ثم قام أنيف بن حارثة فقال ما خبييء وما اسمي فقال والسحاب والتراب والأصباب والأحداب والنعم والكثاب لقد خبأت قطامة فسيط وقذة مريط في مدرة من مدى مطيط قال ما أخطأت شيئا فمن أنا قال أنت أنيف قاري الضيف ومعمل السيف وخالط الشتاء بالصيف
ثم قام عبد الله بن سعد فقال ما خبيئي وما اسمي فقال سواد أقسم بالسوام العازب والوقير الكارب والمجد الراكب والمشيح الحارب لقد خبأت نفاثة فنن في قطيع قد مرن أو أديم قد جرن قال ما أخطأت حرفا فمن أنا قال أنت ابن سعد النوال عطاؤك سجال وشرك عضال وعمدك طوال وبيتك لا ينال
ثم قام عارف فقال ما خبيئى وما اسمي فقال سواد أقسم بنفنف اللوح

والماء المسفوح والفضاء المندوح لقد خبأت زمعة طلا أعفر في زعنفة أديم أحمر تحت حلس نضو أدبر قال ما أخطأت شيئا فمن أنا قال أنت عارف ذو اللسان العضب والقلب الندب والمضاء الغرب مناع السرب ومبيح النهب
ثم قام مرة بن عبد رضى فقال ما خبيئي وما اسمي فقال سواد أقسم بالأرض والسماء والبروج والأنواء والظلمة والضياء لقد خبأت دمة في رمة تحت مشيط لمة قال ما أخطأت شيئا فمن أنا قال أنت مرة السريع الكرة البطئ الفرة الشديد المرة
قالوا فأخبرنا بما رأينا في طريقنا إليك فقال والناظر من حيث لا يرى والسامع قبل أن يناجى والعالم بما لا يدري لقد عنت لكم عقاب عجزاء في شغانيب دوحة جرداء تحمل جدلا فتماريتم إما يدا وإما رجلا فقالوا كذلك ثم مه قال سنح لكم قبل طلوع الشرق سيد أمق

على ماء طرق قالوا ثم ماذا قال ثم تيس أفرق سند في أبرق فرماه الغلام الأزرق فأصاب بين الوابلة والمرفق
قالوا صدقت وأنت أعلم من تحمل الأرض ثم ارتحلوا عنه
56 -

حديث مصاد بن مذعور القيني
كان مصاد بن مذعور القيني رئيسا قد أخذ مرباع قومه دهرا وكان ذا مال فند ذود من أذواد له فخرج في بغائها قال فإني لفي طلبها إذ هبطت واديا شجيرا كثيف الظلال وقد تفسخت أينا فأنخت راحلتي في ظل شجرة وحططت رحلي ورسغت بعيري واضطجعت في بردى فإذا أربع جوار كأنهن اللآلي يرعين بهما لهن فلما خالطت عيني السنة أقبلن حتى جلسن قريبا مني وفي كف كل واحدة منهن حصيات تقلبهن فخطت إحداهن ثم طرقت فقالت قلن يا بنات عراف في صاحب الجمل النياف والبرد الكثاف والجرم الخفاف ثم طرقت الثانية فقالت

مضل أذواد علاكد كوم صلاخد منهن ثلاث مقاحد وأربع جدائد شسف صمارد ثم طرقت الثالثة فقالت رعين الفرع ثم هبطن الكرع بين العقدات والجرع فقالت الرابعة ليهبط الغائط الأفيح ثم ليظهر في الملا الصحصح بين سدير وأملح فهناك الذود رتاع بمنعرج الأجرع قال فقمت إلى جملي فشددت عليه رحله وركبت ووالله ما سألتهن من هن ولا ممن هن فلما أدبرت قالت إحداهن أبرح فتى إن جد في طلب فماله غيرهن نشب وسيثوب عن كثب ففزع قلبي والله قولها فقلت وكيف هذا وقد خلفت بوادي عرجا عكامسا فركبت السمت الذي وصف لي حتى انتهيت إلى المواضع فإذا ذودي رواتع فضربت أعجازهن

حتى أشرفت على الوادي الذي فيه إبلي فإذا الرعاء تدعو بالويل فقلت ما شأنكم قالوا أغارت بهراء على إبلك فأسخفتها فأمسيت والله مالي قال غير الذود فرمى الله في نواصيهن بالرغس وإني اليوم لأكثر بني القين مالا
57 -

حديث خنافر بن التوءم الحميري مع رئيه شصار
كان خنافر بن التوءم الحميري كاهنا وكان قد أوتي بسطة في الجسم وسعة في المال وكان عاتيا فلما وفدت وفود اليمن على النبي وظهر الإسلام أغار على إبل لمراد فاكتسحها وخرج بأهله وماله ولحق بالشحر فخالف جودان بن يحيى الفرضمي وكان سيدا منيعا ونزل بواد من أودية الشحر مخضبا كثير الشجر من الأيك والعرين قال خنافر وكان رئيي في الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءني ذلك فبينا أنا ليلة بذلك الوادي نائما إذ هوى هوى العقاب فقال خنافر فقلت شصار فقال اسمع أقل قلت قل أسمع فقال عه تغنم لكل مدة نهاية وكل ذي أمد إلى غاية قلت أجل فقال كل دولة إلى أجل ثم يتاح لها حول انتسخت النحل ورجعت إلى حقائقها الملل إنك سجير موصول والنصح لك مبذول وإني آنست بأرض الشأم نفرا من آل العذام حكاما على الحكام يذبرون ذارونق من الكلام ليس

بالشعر المؤلف ولا السجع المتكلف فأصغيت فزجرت فعاودت فظلفت فقلت بم تهينمون وإلام تعتزون قالوا خطاب كبار جاء من عند الملك الجبار فاسمع يا شصار عن أصدق الأخبار واسلك أوضح الآثار تنج من أوار النار فقلت وما هذا الكلام فقالوا فرقان بين الكفر والإيمان رسول من مصر من أهل المدر ابتعث فظهر فجاء بقول قد بهر وأوضح نهجا قد دثر فيه مواعظ لمن اعتبر ومعاذ لمن ازدجر ألف بالآى الكبر قلت ومن هذا المبعوث من مضر قال أحمد خير البشر فإن آمنت أعطيت الشبر وإن خالفت أصليت سقر فآمنت يا خنافر وأقبلت إليك أبادر فجانب كل كافر وشايع كل مؤمن طاهر وإلا فهو الفراق لا عن تلاق قلت من اين أبغي هذا الدين قال من ذات الإحرين والنفر اليمانين أهل الماء والطين قلت أوضح قال الحق بيثرب ذات النخل والحرة ذات النعل فهناك أهل الطول والفضل والمواساة والبذل ثم املس عنى فبت مذعورا أراعي الصباح فلما برق لي النور امتطيت راحلتي وآذنت أعبدي واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقابها وأقبلت أريد صنعاء فأصبت بها معاذ بن جبل أميرا لرسول الله فبايعته على الإسلام وعلمني سورا من القرآن فمن الله علي بالهدى بعد الضلالة والعلم بعد الجهالة

58 -

شافع بن كليب الصدفي يتكهن بظهور النبي
قدم على تبع الآخر ملك اليمن قبل خروجه لقتال المدينة شافع بن كليب الصدفي وكان كاهنا فقال له تبع هل تجد لقوم ملكا يوازي ملكي قال لا إلا ملك غسان قال فهل تجد ملكا يزيد عليه قال
أجده لبار مبرور ورائد بالقهور ووصف في الزبور فضلت

أمته في السفور يفرج الظلم بالنور أحمد النبي طوبى لأمته حين يجي أحد بني لؤي ثم أحد بني قصي
فنظر تبع في الزبور فإذا هو يجد صفة النبي
59 -

سطيح الذئبي يعبر رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي
ورأى ربيعة بن نصر اللخمي ملك اليمن وقد ملك بعد تبع الآخر رؤيا هالته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بها وبتأويلها قالوا له اقصصها علينا نخبرك بتأويلها قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها فقال له رجل منهم فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فيها يخبرانه بما سأل عنه فبعث إليهما فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له إني قد رأيت رؤيا

هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها قال أفعل رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها فقال أحلف بما بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش فقال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائط موجع فمتى هو كائن أفي زماني هذا أم بعده قال لا بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع قال لا بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون بها أجمعين ويخرجون منها هاربين قال ومن يلي ذلك من قتلهم إخراجهم قال يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا منهم باليمن قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع قال بل ينقطع قال ومن يقطعه قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلى قال وممن هذا النبي قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك ابن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر قال

نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون
قال أحق ما تخبرنا يا سطيح قال نعم والشفق والغسق والفلق إذا انشق إن ما أنبأتك به لحق
60 -

شق أنمار يعبر رؤيا ربيعة بن نصر أيضا
ثم قدم عليه شق فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان قال نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمه فأكلت منها كل ذات نسمة
فلما سمع الملك ذلك قال ما أخطأت يا شق منها شيئا فما عندك في تأويلها قال أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران فقال له الملك وأبيك يا شق إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده قال لا بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذوشان ويذيقهم أشد الهوان قال ومن هذا العظيم الشأن قال غلام ليس بدنى ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن قال أفيدوم سلطانه أم ينقطع قال بل ينقطع برسول

مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل قال وما يوم الفصل قال يوم تجزى فيه الولاة يدعى فيه من السماء بدعوات يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه بين الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات قال أحق ما تقول قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض
فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور فأسكنهم بالحيرة فمن بقية ولده النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر
61 -

وفود عبد المسيح بن بقيلة على سطيح
عن ابن عباس رضي الله عنه قال
لما كان ليلة ولد النبي ارتج إيوان كسرى فسقطت منه أربع عشرة شرفة فعظم ذلك على أهل مملكته فما كان أوشك أن كتب إليه

صاحب اليمن يخبره أن بحيرة ساوة غاضت تلك الليلة وكتب إليه صاحب السماوة يخبره أن وادي السماوة انقطع تلك الليلة وكتب إليه صاحب طبرية أن الماء لم يجر تلك الليلة في بحيرة طبرية وكتب إليه صاحب فارس يخبره أن بيوت النيرات خمدت تلك الليلة ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة فلما توارت الكتب أبرز سريره وظهر لأهل مملكته فأخبرهم الخبر فقال الموبذان أيها الملك إني رأيت تلك الليلة رؤيا هالتني قال له وما رأيت قال رأيت إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد اقتحمت دجلة وانتشرت في بلادنا قال رأيت عظيما فما عندك في تأويلها قال ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ولكن أرسل إلى عاملك بالحيرة يوجه إليك رجلا من علمائهم فإنهم أصحاب علم بالحدثان فبعث إليه عبد المسيح بن بقيلة الغساني
فلما قدم عليه أخبره كسرى الخبر فقال له أيها الملك والله ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ولكن جهزني إلى خال لي بالشام يقال له سطيح قال جهزوه فلما قدم إلى سطيح وجده قد احتضر فناداه فلم يجبه وكلمه فلم يرد عليه فقال عبد المسيح
( أصم أم يسمع غطريف اليمن ... يا فاضل الخطة أعيت من ومن )
( أتاك شيخ الحي من آل سنن ... أبيض فضفاض الرداء والبدن )
( رسول قيل العجم يهوى للوثن ... لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن )

فرفع إليه رأسه وقال عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح وقد أوفي على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاج الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد اقتحمت في الواد وانتشرت في البلاد
يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادى السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليست بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات عدد سقوط الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قال
( إن كان ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوارا دهارير )
( منهم بنو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور )
( فربما أصبحوا يوما بمنزلة ... تهاب صولهم الأسد المهاصير )
( حثوا المطي وجدوا في رحالهم ... فما يقوم لهم سرج ولا كور )
( والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور )
( والخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور )

ثم أتى كسرى فأخبره بما قاله سطيح فغمه ذلك ثم تعزى فقال إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا يدور الزمان فهلكوا كلهم في أربعين سنة وكان آخر من هلك منهم في أول خلافة عثمان رضي الله عنه
62 -

شق وسطيح ينبئان بأصل ثقيف
عن ابن الكلبي قال كان قسي وهو ثقيف مقيما باليمن فضاق عليه موضعه ونبا به فأتى الطائف وهو يومئذ منازل فهم وعدوان بني عمرو بن قيس ابن عيلان فانتهى إلى الظرب العدواني فوجده نائما تحت شجرة فأيقظه وقال من أنت قال أنا الظرب قال على ألية إن لم أقتلك أو تحلف لي لتزوجني ابنتك ففعل وانصرف الظرب وقسي معه فلقيه ابنه عامر بن الظرب فقال من هذا معك يا أبت فقص قصته قال عامر لله أبوه لقد ثقف أمره فسمى يومئذ

ثقيفا وعير الظرب بتزويجه قسيا وقيل زوجت عبدا فسار إلى الكهان يسألهم فانتهى إلى شق بن مصعب البجلى وكان أقربهم منه فلما انتهى إليه قال إنا قد جئناك في أمر فما هو قال جئتم في قسي وقسي عبد إياد أبق ليلة الواد في وج ذات الأنداد فوالي سعدا ليفاد ثم لوى بغير معاد يعنى سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر ثم توجه إلى سطيح الذئبي حي من غسان ويقال إنهم حي من قضاعة نزول في غسان فقالوا إنا جئناك في أمر فما هو قال جئتم في قسي وقسي من ولد ثمود القديم ولدته أمه بصحراء تريم فالتقطه إياد وهو عديم فاستعبده وهو مليم
فرجع الظرب وهو لا يدري ما يصنع في أمره وقد وكد عليه في الحلف والتزويج وكانوا على كفرهم يوفون بالقول فلهذا يقول من قال إن ثقيفا من ثمود لأن إيادا من ثمود
63 -

تنافر عبد المطلب بن هاشم والثقفيين إلى عزى سلمة الكاهن
كان لعبد الملك بن هاشم مال بالطائف يقال له ذو الهرم فغلبه عليه خندف ابن الحارث الثقفي فنافرهم عبد المطلب إلى عزى سلمة الكاهن أو إلى نفيل ابن عبد العزى جد عمر بن الخطاب فخرج عبد المطلب مع ابنه الحرث وليس له يومئذ غيره وخرج الثقفيون مع صاحبهم وحرب بن أمية معهم على عبد المطلب فنفد ماء عبد المطلب فطلب إليهم أن يسقوه فأبوا فبلغ العطش منه كل مبلغ وأشرف

على الهلاك فبينا عبد المطلب يثير بعيره ليركب إذ فجر الله له عينا من تحت جرانه فحمد الله وعلم أن ذلك منه فشرب وشرب أصحابه ريهم وتزودوا منه حاجتهم ونفد ماء الثقفيين فطلبوا إلى عبد المطلب أن يسقيهم فأنعم عليهم فقال له ابنه الحارث لأنحنين على سيفي حتى يخرج من ظهري فقال عبد المطلب لأسقينهم فلا تفعل ذلك بنفسك فسقاهم ثم انطلقوا حتى أتوا الكاهن وقد خبئوا له رأس جرادة في خرزة مزادة وجعلوه في قلادة كلب لهم يقال له سوار فلما أتوا الكاهن إذا هم ببقرتين تسوقان بينهما بخرجا كلتاهما تزعم أنه ولدها ولدتا في ليلة واحدة فأكل النمر أحد البخرجين فهما ترأمان الباقي فلما وقفتا بين يديه قال الكاهن هل تدرون ما تريد هاتان البقرتان قالوا لا قال الكاهن ذهب به ذو جسد أربد وشدق مرمع وناب معلق ما للصغرى في ولد الكبرى حق فقضى به للكبرى ثم قال ما حاجتكم قالوا قد خبأنا لك خبئا فأنبئنا عنه ثم نخبرك بحاجتنا قال خبأتم لي شيئا طار فسطع فتصوب فوقع في الأرض منه بقع فقالوا لاده أي بينه
قال هو شيء طار فاستطار ذو ذنب جرار وساق كالمنشار ورأس كالمسمار فقالوا لاده قال إن لاده فلاده هو

رأس جرادة في خرز مزادة في عنق سوار ذي القلادة قالوا صدقت فأخبرنا فيم اختصمنا إليك قال أحكم بالضياء والظلم والبيت والحرم أن المال ذا الهرم للقرشي ذي الكرم فقضى بينهم ورجعوا إلى منازلهم على حكمه
وروى الجاحظ لعزى سلمة أنه قال
والأرض والسماء والعقاب والصقعاء واقعة ببقعاء لقد نفر المجد بني العشراء للمجد والسناء
64 -

منافرة عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية
تنافر عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة فأبى أن ينفر بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رياح فقال لحرب

يا أبا عمرو أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأعظم منك هامة وأوسم منك وسامة وأقل منك ملامة وأكثر منك ولدا وأجزل صفدا وأطول منك مذودا وإني لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب رفيع الصوت في العرب جلد المريرة جليل العشيرة ولكنك نافرت منفرا
فغضب حرب وقال إن من انتكاس الزمان أن جعلت حكما
65 -

ما أمر به عبد المطلب بن هاشم في منامه من حفر زمزم
ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب وشرف في قومه وعظم شأنه ثم إنه حفر زمزم وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام التي أسقاه الله منها وكانت جرهم قد دفنتها وكان سبب حفره إياها أنه قال بينا أنا نائم بالحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة قلت وما طيبة فذهب وتركني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر برة قلت وما برة فذهب وتركني فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي

فنمت فيه فجاءني فقال احفر المضنونة قلت وما المضنونة فذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم إنك إن حفرتها لا تندم فقلت وما زمزم قال تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام جافل لم يقسم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقد محكم ليس كبعض ما قد تعلم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل
فلما بين له شأنها ودله على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث ليس له ولد غيره فحفر بين أساف ونائلة في الموضع الذي تنحر فيه قريش لأصنامها وقد رأى الغراب ينقر هناك فلما بدا له الطوى كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته

خطب الكواهن
66 -
الشعثاء الكاهنة تصف سبعة إخوة
كانت عثمة بنت مطرود البجلية ذات عقل ورأي مستمع في قومها وكانت لها أخت يقال لها خود وكانت ذات جمال وميسم وعقل فخطب سبعة إخوة غلمة من بطن الأزد خودا إلى أبيها فأتوه وعليهم الحلل اليمانية وتحتهم النجائب الفرة فقالوا نحن بنو مالك بن غفيلة ذي النحيبن فقال لهم انزلوا على الماء فنزلوا ليلتهم ثم أصبحوا غادين في الحلل والهيئة ومعهم ربيبة لهم يقال لها الشعثاء كاهنة فمروا بوصيدها يتعرضون لها وكلهم وسيم جميل وخرج أبوها فجلسوا إليه فرحب بهم فقالوا بلغنا أن لك بنتا ونحن كما ترى شباب وكلنا يمنع الجانب ويمنح الراغب فقال أبوها كلكم خيار فأقيموا نرى رأينا ثم دخل على ابنته فقال ما ترين فقد أتاك هؤلاء القوم فقالت أنكحني على قدري ولا تشطط في مهري فإن تخطئني أحلامهم لا تخطئني أجسامهم لعلي أصيب ولدا وأكثر عددا فخرج أبوها فقال أخبروني عن أفضلكم
قالت ربيبتهم الشعثاء الكاهنة اسمع أخبرك عنهم هم إخوة وكلهم أسوة

أما الكبير فمالك جرئ فاتك يتعب السنابك ويستصغر المهالك وأما الذي يليه فالغمر بحر غمر يقصر دونه الفخر نهد صقر وأما الذي يليه فعلقمة صليب المعجمة منيع المشتمة قليل الجمجمة وأما الذي يليه فعاصم سيد ناعم جلد صارم أبي حازم جيشه غانم وجاره سالم وأما الذي يليه فثواب سريع الجواب عتيد الصواب كريم النصاب كليث الغاب وأما الذي يليه فمدرك بذول لما يملك عزوب عما يترك يفنى ويهلك وأما الذي يليه فجندل لقرنه مجدل مقل لما يحمل يعطى ويبذل وعن عدوه لا ينكل
فشاورت أختها فيهم فقالت أختها عثمة ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل اسمعي منى كلمة إن شر الغريبة يعلن وخيرها يدفن انكحي في قومك ولا تغررك الأجسام فلم تقبل منها وبعثت إلى أبيها أنكحنى مدركا فأنكحها أبوها على مائة ناقة ورعاتها وحملها مدرك فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى صبحهم فوارس من بني مالك بن كنانة فاقتتلوا ساعة ثم إن زوجها وإخوته وبني عامر انكشفوا فسبوها فيمن سبوا فبينما هي تسير بكت فقالوا ما يبكيك أعلى فراق زوجك قالت قبحه الله قالوا لقد كان جميلا قالت قبح الله جمالا

لانفع معه إنما أبكي على عصياني أختى وقولها ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل وأخبرتهم كيف خطبوها فقال لها رجل منهم يكنى أبا نواس شاب أسود أفوه مضطرب الخلق أترضين بي على أن أمنعك من ذئاب العرب فقالت لأصحابه أكذلك هو قالوا نعم إنه مع ما ترين ليمنع الحليلة وتتقيه القبيلة قالت هذا أجمل جمال وأكمل كمال قد رضيت به فزوجوها منه
67 -

طريفة الخير تتكهن بسيل العرم وخراب سد مأرب
قال عبد الملك بن عبد الله بن بدرون في شرح قصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون التي قالها في رثاء دولة بني الأفطس بالأندلس
كان أول من خرج من اليمن في أول تمزيقهم عمرو بن عامر مزيقياء وكان سبب خروجه أنه كانت له زوجة كاهنة يقال لها طريفة الخير وكانت رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم فأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه ففزعت طريفة لذلك فزعا شديدا وأتت الملك عمرا وهي تقول ما رأيت اليوم أزال عني النوم رأيت غيما رعد وبرق طويلا ثم صعق فما وقع على شيء إلا احترق فلما رأى ما داخلها من الفزع سكنها ثم إن عمرا دخل حديقة له ومعه جاريتان من جواريه فبلغ ذلك طريفة فخرجت إليه وخرج معها وصيف لها اسمه سنان فلما برزت من بيتها عرض لها ثلاث مناجيد منتصبات على

أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن وهي دواب تشبه اليرابيع فقعدت إلى الأرض واضعة يديها على عينيها وقالت لوصيفها إذا ذهبت هذه المناجيد فأخبرني فلما ذهبت أعلمها فانطلقت مسرعة فلما عارضها خليج الحديقة التي فيها عمرو وثبت من الماء سلحفاة فوقعت في الطريق على ظهرها وجعلت تروم الانقلاب فلا تستطيع وتستعين بذنبها فتحثو التراب على بطنها من جنباته وتقذف بالبول قذفا فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض فلما عادت السلحفاة إلى الماء مضت إلى أن دخلت على عمرو وذلك حين انتصف النهار في ساعة شديدة الحر فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح فلما رآها عمرو استحيا منها وأمر الجاريتين بالتنحي ثم قال لها يا طريفة فكهنت وقالت والنور والظلماء والأرض والسماء إن الشجر لهالك وليعودن الماء كما كان في الزمان السالك قال عمرو ومن خبرك بهذا قالت أخبرتني المناجد بسنين شدائد يقطع فيها الولد الوالد قال ما تقولين قالت أقول قول الندمان لهفا لقد رأيت سلحفا تجرف التراب جرفا وتقذف بالبول قذفا فدخلت الحديقة فإذا الشجر من غير ريح يتكفا قال عمرو وما ترين قالت داهية دهياء من أمور جسيمة ومصائب عظيمة قال وما هو ويلك قالت أجل إن فيه الويل وما لك فيه من قيل وإن الويل فيما يجىء به السيل فألقى عمرو نفسه عن فراشه وقال ما هذا يا طريفة قالت هو خطب جليل وحزن طويل وخلف قليل قال وما علامة ما تذكرين قالت اذهب إلى السد فإذا رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر ويقلب برجليه من أجل الصخر فاعلم أن غمر الغمر

وأن قد وقع الأمر قال وما هذا الذى تذكرين قالت وعد من الله نزل وباطل بطل ونكال بنا نكل فبغيرك يا عمرو فليكن الثكل فانطلق عمرو فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلا كذا فرجع إلى طريفة فأخبرها الخبر وهو يقول
( أبصرت أمرا عادنى منه ألم ... وهاج لي من هوله برح السقم )
( من جرذ كفحل خنزير الأجم ... أو كبش صرم من أفاريق الغنم )
( يسحب صخرا من جلاميد العرم ... له مخاليب وأنياب قضم )
( ما فاته سحلا من الصخر قصم )
فقالت طريفة وإن من علامات ما ذكرت لك أن تجلس فتأمر بزجاجة فتوضع بين يديك فإن الريح تملؤها من تراب البطحاء من سهلة الوادي ورمله وقد علمت أن الجنان مظللة لا يدخلها شمس ولا ريح فأمر عمرو بزجاجة فوضعها بين يديه ولم يمكث إلا قليلا حتى امتلأت من تراب البطحاء فأخبر عمرو طريفة بذلك وقال لها متى يكون هلك السد قالت له فيما بينك وبين سبع سنين قال ففي أيها يكون قالت لا يعلم بذلك إلا الله ولو علمه أحد لعلمته ولا تأتى على ليلة فيما بيني وبين سبع سنين إلا ظننت الهلاك في غدها أو في مسائها ثم رأى عمرو فى نومه سيل العرم وقيل له آية ذلك أن ترى الحصباء في سعف النخل فنظر إليها فوجد الحصباء فيها قد

ظهرت فعلم أن ذلك واقع وأن بلادهم ستخرب فكتم ذلك وأخفاء وأجمع على بيع كل شئ له بأرض مأرب وأن يخرج منها هو وولده فخرج ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه

وقال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني
وسارت القبائل من أهل مأرب حين خافوا سيل العرم وعليهم مزيقياء ومعهم طريفة الكاهنة فقالت لهم
لا تؤموا مكة حتى أقول وما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الأمم من عرب وعجم قالوا لها ما شأنك يا طريفة قالت خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم تكن لكم أرض جرهم جيران بيته المحرم
وروى الميداني في مجمع الأمثال قال
ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بمكة وما حولها فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى فدعوا طريفة فشكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم قد أصابني الذي تشكون وهو مفرق بيننا قالوا فما تأمرين قالت

من كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت أزد عمان ثم قالت من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة ثم قالت من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج ثم قالت من كان منكم يريد الخمر الخمير والملك والتأمير ويلبس الديباج والحرير فليلحق ببصرى وغوير وهما من أرض الشام فكان الذين سكنوها من آل جفنة من غسان ثم قالت من كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق وكنوز الأرزاق والدم المهراق فليلحق بأرض العراق فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش ومن كان بالحيرة وآل محرق
68 -

حديث زبراء الكاهنة مع بني رئام من قضاعة
كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشحر وحضرموت بنو ناعب وبنو داهن وبنو رئام وكانت بنو رئام أقلهم عددا وأشجعهم لقاء وكانت لبني رئام عجوز تسمى خويلة وكانت لها أمة من مولدات العرب تسمى زبراء وكان يدخل على خويلة أربعون رجلا كلهم لها محرم بنو إخوة وبنو أخوات وكانت خويلة عقيما وكان بنو ناعب وبنو داهن متظاهرين على بني رئام فاجتمع بنو رئام ذات يوم في عرس لهم وهم سبعون رجلا كلهم شجاع بئيس فطعموا وأقبلوا على شرابهم وكانت

زبراء كاهنة فقالت لخويلة انطلقي بنا إلى قومك أنذرهم فأقبلت خويلة تتوكأ على زبراء فلما أبصرها القوم قاموا إجلالا لها فقالت يا ثمر الأكباد وأنداد الأولاد وشجا الحساد هذه زبراء تخبركم عن أنباء قبل انحسارالظلماء بالمؤيد الشنعاء فاسمعوا ما تقول قالوا وما تقولين يا زبراء قالت
واللوح الخافق والليل الغاسق والصباح الشارق والنجم الطارق والمزن الوادق إن شجر الوادي ليأدو ختلا ويخرق أنيابا عصلا وإن صخر الطود لينذر ثكلا لا تجدون عنه معلا
فوافقت قوما أشارى سكارى فقالوا ريح خجوج بعيدة ما بين الفروج أتت زبراء بالأبلق النتوج
فقالت زبراء مهلا يا بني الأعزة والله إنى لأشم ذفر الرجال تحت الحديد

فقال لها فتى منهم يقال له هذيل بن منقذ يا خذاق والله ما تشمين إلا ذفر إبطيك فانصرفت عنهم وارتاب قوم من ذوي أسنانهم فانصرف منهم أربعون رجلا وبقي ثلاثون فرقدوا في مشربهم وطرقتهم بنو داهن وبنو ناعب فقتلوهم أجمعين وأقبلت خويلة مع الصباح فوقفت على مصارعهم ثم عمدت إلى خناصرهم فقطعتها وانتظمت منها قلادة وألقتها في عنقها وخرجت حتى لحقت بمرضاوى بن سعوة المهري وهو ابن أختها فأناخت بفنائه فاستعدته على بني داهن وبني ناعب فخرج في منسر من قومه فطرقهم فأوجع فيهم
69 -

كاهنة ذي الخلصة تتكهن بما في بطن رقية بنت جشم
زعموا أن رقية بنت جشم بن معاوية ولدت نميرا وهلالا وسواءة ثم اعتاطت فأتت كاهنة بذي الخلصة فأرتها بطنها وقالت إني قد ولدت ثم اعتطت فنظرت إليها ومست بطنها وقالت
رب قبائل فرق ومجالس حلق وظعن حزق في بطنك زق

فلما مخضت بربيعة بن عامر قالت إني أعرف ضرطي بهلال أي هو غلام كما أن هلالا كان غلاما
70 -

رأى سلمى الهمدانية في حريم المرادى
أغار رجل من مراد يقال له حريم على إبل عمرو بن براقة الهمداني وخيل له فذهب بها فأتى عمرو سلمى الهمدانية وكانت بنت سيدهم وعن رأيها كانوا يصدرون فأخبرها أن حريما المرادى أغار على إبله وخيله فقالت والخفو والوميض والشفق كالإحريض والقلة والحضيض إن حريما لمنيع الحيز سيد مزيز ذو معقل حريز غير أني أرى الحمة ستظفر منه بعثرة بطيئة الجبرة فأغر ولا تنكع فأغار عمرو فاستاق كل شيء له فأتى حريم بعد ذلك يطلب إلى عمرو أن يرد عليه بعض ما أخذ منه فامتنع ورجع حريم

71 -

تنافر العجفاء بنت علقمة وصواحباتها إلى الكاهنة السعدية
روى أن العجفاء بنت علقمة السعدي وثلاث نسوة من قومها خرجن فاتعدن بروضة يتحدثن فيها فوافين بها ليلا في قمر زاهر وليلة طلقة ساكنة وروضة معشبة خصبة فلما جلسن قلن ما رأينا كالليلة ليلة ولا كهذه الروضة روضة اطيت ريحا ولا أنضر ثم افضن في الحديث فقلن أي النساء أفضل قالت إحداهن الخرود الودود الولود قالت الأخرى خيرهن ذات الغناء وطيب الثناء وشدة الحياء قالت الثالثة خيرهن السموع الجموع النفوع غير المنوع قالت الرابعة خيرهن الجامعة لأهلها الوادعة الرافعة لا الواضعة قلن فأي الرجال أفضل قالت إحداهن خيرهم الحظ الرضى غير الحظل البطى
قالت الثانية خيرهم السيد الكريم ذو الحسب العميم والمجد القديم قالت الثالثة خيرهم السخي الوفي الرضي الذي لا يغير الحرة ولا يتخذ الضرة قالت الرابعة وأبيكن إن في أبي لنعتكن كرم الأخلاق والصدق عند التلاق والفلج عند السباق ويحمده أهل الرفاق قالت العجفاء عند ذلك كل فتاة بأبيها معجبة
وفي بعض الروايات أن إحداهن قالت إن أبي يكرم الجار ويعظم الخطار وينحر العشار بعد الحوار ويحمل الأمور الكبار ويأنف من الصغار فقالت

الثانية إن أبي عظيم الخطر منيع الوزر عزيز النفر يحمد منه الورد والصدر فقالت الثالثة إن أبي صدوق اللسان حديد الجنان رذوم الجفان كثير الأعوان يروى السنان عند الطعان قالت الرابعة إن أبي كريم النزال منيف المقال كثير النوال قليل السؤال كريم الفعال
ثم تنافرن إلى كاهنة معهن في الحي فقلن لها اسمعي ما قلنا واحكمي بيننا واعدلي ثم أعدن عليها قولهن فقالت لهن كل واحدة منكن ماردة بأبيها واجدة على الإحسان جاهدة لصواحباتها حاسدة ولكن اسمعن قولي خير النساء المبقية على بعلها الصابرة على الضراء مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها فتلك الكريمة الكاملة وخير الرجال الجواد البطل القليل الفشل إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل كثير النفل ثم قالت كل واحدة منكن بأبيها معجبة
72 -

عفيراء الكاهنة تعبر رؤيا مرثد بن عبد كلال
روى أن مرثد بن عبد كلال قفل من غزاة عزاها بغنائم عظيمة فوفد عليه زعماء العرب وشعراؤها وخطباؤها يهنئونه فرفع الحجاب عن الوافدين وأوسعهم عطاء واشتد سروره بهم فبينما هو كذلك إذ نام يوما فرأى رؤيا في المنام أخافته وأذعرته وهالته في حال منامه فلما انتبه أنسيها حتى لم يذكر منها شيئا وثبت ارتياعه في نفسه بها فانقلب سروره حزنا واحتجب عن الوفود حتى أساءوا به الظن ثم إنه حشر الكهان فجعل يخلو بكاهن كاهن ثم يقول له أخبرني عما أريد أن أسألك عنه

فيجيبه الكاهن بأن لا علم عندي حتى لم يدع كاهنا علمه إلا كان إليه منه ذلك فتضاعف قلقه وطال أرقه وكانت أمه قد تكهنت فقالت له أبيت اللعن أيها الملك إن الكواهن أهدى إلى ما تسأل عنه لأن أتباع الكواهن من الجان ألطف وأظرف من أتباع الكهان فأمر بحشر الكواهن إليه وسألهن كما سأل الكهان فلم يجد عند واحدة منهن علما مما أراد علمه ولما يئس من طلبته سلا عنها ثم إنه بعد ذلك ذهب يتصيد فأوغل في طلب الصيد وانفرد عن أصحابه فرفعت له أبيات من ذرا جبل وكان قد لفحه الهجير فعدل إلى الأبيات وقصد بيتا منها كان منفردا عنها فبرزت إليه منه عجوز فقالت له أنزل بالرحب والسعة والأمن والدعة والجفنة المدعدعة والعلبة المترعة فنزل عن جواده ودخل البيت فلما احتجب عن الشمس وخفقت عليه الأرواح نام فلم يستيقظ حتى تصرم الهجير فجلس يمسح عينيه فإذا هو بين يديه فتاة لم ير مثلها قواما ولا جمالا فقالت أبيت اللعن أيها الملك الهمام هل لك في الطعام فاشتد إشفاقه وخاف على نفسه لما رأى أنها عرفته وتصام عن كلمتها فقالت له لا حذر فداك البشر فجدك الأكبر وحظنا بك الأوفر ثم قربت إليه ثريدا وقديدا وحيسا وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لبنا صريفا وضريبا فشرب ما شاء وجعل يتأملها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسنا وقلبه هوى فقال لها ما اسمك يا جارية قالت اسمي عفيراء فقال لها يا عفيراء من الذي دعوته بالملك الهمام قالت مرثد العظيم الشان حاشر الكواهن والكهان لمعضلة بعد عنها الجان فقال يا عفيراء

أتعلمين تلك المعضلة قالت أجل ايها الملك إنها رؤيا منام ليست بأضغاث أحلام قال الملك أصبت يا عفيراء فما تلك الرؤيا قالت رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع فيها لهب لامع ولها دخان ساطع يقفوها نهر متدافع وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذي جرس صادع هلموا إلى المشارع فروى جارع وغرق كارع فقال الملك أجل هذه رؤياي فما تأويلها يا عفيراء قالت الأعاصير الزوابع ملوك تبابع والنهر علم واسع والداعي نبي شافع والجارع ولي تابع والكارع عدو منازع فقال الملك يا عفيراء أسلم هذا النبي أم حرب فقالت أقسم برافع السماء ومنزل الماء من العماء إنه لمطل الدماء ومنطق العقائل نطق الإماء
فقال الملك إلام يدعو يا عفيراء قالت إلى صلاة وصيام وصلة أرحام وكسر أصنام وتعطيل أزلام واجتناب آثام فقال الملك

يا عفيراء إذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده عظاريف يمانون طائرهم به ميمون يغزيهم فيغزون ويدمث بهم الحزون وإلى نصرة يعتزون فأطرق الملك يؤامر نفسه في خطبتها فقالت أبيت اللعن أيها الملك إن تابعي غيور ولأمرى صبور وناكحي مثبور والكلف بي ثبور فنهض الملك وجال في صهوة جواده وانطلق فبعث إليها بمائة ناقة كوماء

الوصايا
73 -
وصية أوس بن حارثة لابنه مالك
عاش الأوس بن حارثة دهرا وليس له ولد إلا مالك وكان لأخيه الخزرج خمسة عمرو وعوف وجشم والحرث وكعب فلما حضره الموت قال له قومه قد كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت فقال الأوس لم يهلك هالك ترك مثل مالك وإن كان الخزرج ذا عدد وليس لمالك ولد فلعل الذي استخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة أن يجعل لمالك نسلا ورجالا بسلا يا مالك المنية ولا الدنية والعتاب قبل العقاب والتجلد لا التبلد واعلم ان القبر خير من الفقر وشر شارب المشتف وأقبح طاعم المقتف ودهاب البصر خير من كثير من النظر ومن كرم الكريم الدفاع عن الحريم ومن قل ذل ومن أمر فل وخير الغنى القناعة وشر الفقر الضراعة والدهر يومان فيوم

لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فكلاهما سينحسر فإنما تعز من ترى ويعزك من لا ترى ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا ولكن الناس فيه مستوون الشريف الأبلج واللئيم المعلهج والموت المفيت خير من أن يقال لك هبيت وكيف بالسلامة لمن ليست له إقامة وشر من المصيبة سوء الخلف وكل مجموع إلى تلف حياك إلهك 4

وصية ذى الإصبع العدوانى لابنه أسيد
لما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا فقال له يا بنى إن أباك قد فنى وهو حى وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عنى ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشئ يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك وأسرع النهضة في الصريخ فإن لك أجلا لا يعدوك وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا فبذلك يتم سؤددك

وصية عمرو بن كلثوم لبنيه
أوصى عمرو بن كلثوم التغلبى فقال يا بنى إنى قد بلغت من العمر ما لم يبلغ أحد من آبائى وأجدادي ولا بد من أمر مقتبل وأن ينزل بى ما نزل بالآباء والأجداد والأمهات والأولاد فاحفظوا عنى ما أوصيكم به إنى والله ما عيرت رجلا قط أمرا إلا عير بى مثله إن حقا فحقا وإن باطلا فباطلا ومن سب سب فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لأعراضكم وصلوا أرحامكم تعمر داركم وأكرموا جاركم يحسن ثناؤكم وزوجوا بنات العم بنى العم فإن تعديتم بهن إلى الغرباء فلا تألوا بهن الأكفاء وأبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال فإنه أغض للبصر وأعف للذكر ومتى كانت المعاينة واللقاء ففي ذلك داء من الأدواء ولا خير فيمن لا يغار لغيره كما يغار لنفسه وقل لمن انتهك حرمة لغيره إلا انتهكت حرمته وامنعوا القريب من ظلم الغريب فإنك تذل على قريبك ولا يحل بك ذل غريبك وإذا تنازعتم فى الدماء فلا يكن حقكم للقاء فرب رجل خير من ألف وود خير من خلف وإذا حدثتم فعوا وإذا حدثتم فأوجزوا فإن مع الإكثار يكون الإهذار وموت عاجل خير من ضني آجل وما بكيت من زمان إلا دهانى بعده زمان وربما شجانى من لم يكن أمره عناني وما عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة واعلموا أن أشجع القوم العطوف وخير الموت تحت ظلال السيوف ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب ولا فيمن إذا عوتب لم يعتب ومن الناس من لا يرجى خيره ولا يخاف شره فبكؤه خير من دره وعقوقه خير من بره ولا تبرحوا فى حبكم فإنه من برح فى حب آل

ذلك إلى قبيح بغض وكم قد زارنى إنسان وزرته فانقلب الدهر بنا فبرته واعلموا أن الحكيم سليم وأن السيف كليم إنى لم أمت ولكن هرمت ودخلتنى ذلة فسكت وضعف قلبى فأهترت سلمكم ربكم وحياكم 76

وصية الحرث بن كعب لبنيه
وأوصى الحرث بن كعب بنيه فقال
يا بنى قد أتت على مائة وستون سنة ما صافحت يمينى يمين غادر ولا قنعت لنفسى بخلة فاجر ولا صبوت بابنة عم ولا كنة ولا بحت لصديق بسر ولا طرحت عن مومسة قناعا ولا بقى على دين عيسى بن مريم وروى على دين شعيب من العرب غيري وغير تميم بن مرة وأسد بن خزيمة فموتوا على شريعتى واحفظوا وصيتى وإلهكم فاتقوا يكفكم ما أهمكم ويصلح لكم حالكم وإياكم ومعصيته فيحل بكم الدمار ويوحش منكم الديار كونوا جميعا ولا تفرقوا فتكونوا شيعا وبزوا قبل أن تبزوا فموت فى عز خير من حياة فى ذل وعجز وكل ما هو كائن كائن وكل جمع إلى تباين والدهر ضربان ضرب بلاء وضرب رخاء واليوم يومان يوم حبرة ويوم عبرة والناس رجلان رجل لك ورجل عليك زوجوا النساء الأكفاء وإلا فانتظروا بهن القضاء وليكن أطيب طيبهن

الماء وإياكم والورهاء فإنها أدوأ الداء وإن ولدها إلى أفن يكون لا راحة لقاطع القرابة وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم وآفة العدو اختلاف الكلمة والتفضل بالحسنة يقى السيئة والمكافأة بالسيئة دخول فيها وعمل السوء يزيل النعماء وقطيعة الرحم تورث الهم وانتهاك الحرمة يزيل النعمة وعقوق الوالدين يعقب النكد ويخرب البلد ويمحق العدد والإسراف فى النصيحة هو الفضيحة والحقد يمنع الرفد ولزوم الخطيئة يعقب البلية وسوء الرعة يقطع أسباب المنفعة والضغائن تدعو إلى التباين يا بنى إنى قد أكلت مع أقوام وشربت فذهبوا وغبرت وكأنى بهم قد لحقت ثم قال
( أكلت شبابى فأفنيته ... وأبليت بعد دهور دهورا )
( ثلاثة أهلين صاحبتهم ... فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا )
( قليل الطعام عسير القيام ... قد ترك الدهر خطوى قصيرا )
( أبيت أراعي نجوم السماء ... أقلب أمرى بطونا ظهورا ) 77

وصية عامر بن الطرب العدوانى لقومه
وكان عامر بن الظرب العدوانى سيد قومه فلما كبر وخشى عليه قومه أن يموت اجتمعوا إليه وقالوا إنك سيدنا وقائلنا وشريفنا فاجعل لنا شريفا وسيدا وقائلا بعدك فقال
يا معشر عدوان كلفتمونى بغيا إن كنتم شرفتمونى فإني أريتكم ذلك من نفسى فأنى لكم مثلى افهموا ما أقول لكم إنه من جمع بين الحق والباطل لم

له وكان الباطل أولى به وإن الحق لم يزل ينفر من الباطل ولم يزل الباطل ينفر من الحق
يامعشر عدوان لا تشمتوا بالذلة ولا تفرحوا بالعزة فبكل عيش يعيش الفقير مع الغنى ومن ير يوما ير به وأعدوا لكل امرئ جوابه إن مع السفاهة الندامة والعقوبة نكال وفيها ذمامة ولليد العليا العاقبة والقوذ راحة لا لك ولا عليك وإذا شئت وجدت مثلك إن عليك كما أن لك وللكثرة الرعب وللصبر الغلبة ومن طلب شيئا وجده وإن لم يجده يوشك أن يقع قريبا منه 78

وصية دويد بن زيد لبنيه
لما حضرت دويد بن زيد الوفاة قال لبنيه :
أوصيكم بالناس شرا لا ترحموا لهم عبرة ولا تقيلوهم عثرة قصروا الأعنة وطولوا الأسنة واطعنوا شزرا واضربوا هبرا وإذا أردتم المحاجزة

فقبل المناجزة والمرء يعجز لا المحالة بالجد لا بالكد التجلد ولا التبلد والمنية ولا الدنية ولا تأسوا على فائت وإن عز فقده ولا تحنوا إلى ظاعن وإن ألف قربه ولا تطمعوا فتطبعوا ولا تهنوا فتخرعوا ولا يكونن لكم المثل السوء إن الموصين بنو سهوان إذا مت فأرحبوا خط مضجعي ولا تضنوا على برحب الأرض وما ذلك بمؤد إلى روحا ولكن حاجة نفس خامرها الإشفاق قال أبو بكر بن دريد في حديث أخر إنه قال
( اليوم يبنى لدويد بيته ... يارب نهب صالح حويته )
( ورب قرن بطل أرديته ... ورب غيل حسن لويته )
( ومعصم مخضب ثنيته ... لو كان للدهر بلى أبليته )
( أو كان قرني واحدا كفيته )

79 -

وصية زهير بن جناب الكلبي
وأوصى زهير بن جناب الكلبي بنيه فقال
يا بني قد كبرت سني وبلغت حرسا من دهري فأحكمتني التجارب والأمور تجربة واختبار فاحفظوا عنى ما أقول وعوه أياكم والخور عند المصائب والتواكل عند النوائب فإن ذلك داعية للغم وشماتة للعدو وسوء ظن بالرب وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين ولها آمنين ومنها ساخرين فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا ولكن توقعوها فإنما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه ومجاوز لموضعه وواقع عن يمينه وشماله ثم لا بد أنه مصيبه
80 -
وصية النعمان بن ثواب العبدي لبنيه
كان للنعمان بن ثواب العبدي بنون ثلاثة سعد وسعيد وساعدة وكان أبوهم ذا شرف وحكمة وكان يوصي بنيه ويحملهم على أدبه أما ابنه سعد فكان شجاعا بطلا من شياطين العرب لا يقام لسبيله ولم تفته طلبته قط ولم يفر عن قرن وأما سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسودده وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندامى وإخوان فلما رأى الشيخ حال بينه دعا سعدا وكان صاحب حرب فقال

يا بني إن الصارم ينبو والجواد يكبو والأثر يعفو فإذا شهدت حربا فرأيت نارها تستعر وبطلها يخطر وبحرها يزخر وضعيفها ينصر وجبانها يجسر فأقلل المكث والانتظار فإن الفرار غير عار إذا لم تكن طالب ثار فإنما ينصرون هم وإياك أن تكون صيد رماحها ونطيح نطاحها
وقال لابنه سعيد وكان جوادا يا بني لا يبخل الجواد فابذل الطارف والتلاد واقلل التلاح تذكر عند السماح وابل إخوانك فإن وفيهم قليل واصنع المعروف عند محتمله
وقال لابنه ساعدة وكان صاحب شراب يا بني إن كثرة الشراب تفسد القلب وتقلل الكسب وتجد اللعب فأبصر نديمك واحم حريمك وأعن غريمك واعلم أن الظمأ القامح خير من الري الفاضح وعليك بالقصد فإن فيه بلاغا 81
-

وصية قيس بن زهير لبني النمر بن قاسط
جاور قيس بن زهير العبسي بعد يوم الهباءة النمر بن قاسط وتزوج منهم وأقام فيهم حتى ولد له فلما أراد الرحيل عنهم قال

حذف

يا معشر النمر إن لكم على حقا وأنا أريد أن أوصيكم فآمركم بخصال وأنهاكم عن خصال عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة وتنال الفرصة وتسويد من لا تعابون بتسويده وعليكم بالوفاء فإن به يعيش الناس وبإعطاء من تريدون إعطاءه قبل المسالة ومنع من تريدون منعه قبل الإلحاح وإجارة الجار على الدهر وتنفيس المنازل عن بيوت اليتامى وخلط الضيف بالعيال
وأنهاكم عن الغدر فإنه عار الدهر وعن الرهان فإني به ثكلت مالكا أخي وعن البغي فإنه قتل زهيرا أبي وعن الإعطاء في الفضول فتعجزوا عن الحقوق وعن السرف في الدماء فإن يوم الهباءة ألزمني العار ومنع الحرم إلا من الأكفاء

فإن لم تصيبوا لهن الأكفاء فإن خير منا كحهن القبور أو خير منازلها واعلموا أني كنت ظالما مظلوما ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا أخي وظلمتهم بأن قتلت من لا ذنب له
82 -

وصية حصن بن حذيفة لبنيه
وأوصى حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري بني بدر فقال اسمعوا مني ما أوصيكم به لا يتكل آخركم على أولكم فإنما يدرك الآخر ما أدركه الأول وأنكحوا الكفء الغريب فإنه عز حادث وإذا حضركم أمران فخذوا بخيرهما صدرا فإن كل مورد مغروف واصحبوا قومكم بأجمل أخلاقكم ولا تخالفوا فيما اجتمعوا عليه فإن الخلاف يزري بالرئيس المطاع وإذا حادثتم فاربعوا ثم قولوا الصدق فإنه لا خير في الكذب وصونوا الخيل فإنها حصون الرجال وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل وأعزوا الكبير بالكبر فإني بذلك كنت أغلب الناس ولا تغزوا إلا بالعيون ولا تسرحوا حتى تأمنوا الصباح واعطوا على حسب المال وأعجلوا الضيف بالقرى فإن خيره أعجله واتقوا فضيحات البغى وفلتات المزاح ولا تجيروا على الملوك فإن أيديهم أطول من أيديكم

83 -

وصية لأكثم بن صيفي
كتب النعمان بن خميصة الباروقي إلى أكثم بن صيفي مثل لنا مثالا نأخذ به فقال
قد حلبت الدهر أشطره فعرفت حلوه ومره عين عرفت فذرفت إن أمامي مالا أسامي رب سامع بخبر لم يسمع بعذرى
كل زمان لمن فيه في كل يوم ما يكره كل ذي نصرة سيخذل تباروا فإن البر ينمي عليه العدد وكفوا ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه إن قول الحق لم يدع لي صديقا الصدق منجاة لا ينفع مع الجزع التبقي ولا ينفع مما هو واقع التوقي ستساق إلى ما انت لاق
في طلب المعالي يكون العناء الاقتصاد في السعي أبقى للجمام من لم يأس على ما فاته ودع بدنه ومن قنع بما هو فيه قرت عينه التقدم قبل التندم أصبح عند رأس الأمر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه لم يهلك من مالك ما وعظك ويل لعالم أمر من جاهله يتشابه الأمر إذا أقبل فإذا أدبر عرفه الكيس والأحمق الوحشة ذهاب الأعلام البطر عند الرخاء حمق والعجز عند البلاء أفن لا تغضبوا

من اليسير فربما جنى الكثير لا تجيبوا فيما لم تسألوا عنه ولا تضحكوا مما لا يضحك منه حيلة من لا حيلة له الصبر كونوا جميعا فإن الجمع غالب تثبتوا ولا تسارعوا فإن أحزم الفريقين الركين رب عجلة تهب ريثا ادرعوا الليل واتخذوه جملا فإن الليل أخفي للويل ولا جماعة لمن اختلف تناءوا في الديار ولا تباغضوا فإنه من يجتمع يتقعقع عمده ألزموا النساء المهابة نعم لهو الغرة المغزل إن تعش تر مالم تره قد أقر صامت المكثار كحاطب ليل من أكثر أسقط لا تجعلوا سرا إلى أمه لا تفرقوا في القبائل فإن الغريب بكل مكان مظلوم عاقدوا الثروة وإياكم والوشائظ فإن مع القلة الذلة لو سئلت العارية قالت أبغي لأهلي ذلا الرسول مبلغ غير ملوم من فسدت بطانته غص بالماء أساء سمعا فأساء جابة الدال على الخير كفاعله إن المسألة من أضعف المسكنة قد تجوع الحرة

ولا تأكل بثدييها لم يجر سالك القصد ولم يعم قاصد الحق من شدد نفر ومن تراخى تألف الشرف التغافل أوفي القول أوجزه أصوب الأمور ترك الفضول التغرير مفتاح البؤس التواني والعجز ينتجان الهلكة لكل شيء ضراوة أحوج الناس إلى الغنى من لا يصلحه إلا الغنى وهم الملوك حب المدح رأس الضياع رضا الناس غاية لا تبلغ لا تكره سخط من رضاه الجور معالجة العفاف مشقة فتعوذ بالصبر اقصر لسانك على الخير وأخر الغضب فإن القدرة من ورائك من قدر أزمع أمر أعمال المقتدرين الانتقام جاز بالحسنة ولا تكافئ بالسيئة أغنى الناس عن الحقد من عظم عن المجازاة من حسد من دونه قل عذره من جعل لحسن الظن نصيبا روح عن قلبه عي الصمت أحمد من عي المنطق الناس رجلان محترس ومحترس منه كثير النصح يهجم على كثير الظنة من ألح في المسألة أبرم خير السخاء

ما وافق الحاجة الصمت يكسب المحبة لن يغلب الكذب شيئا إلا عليه الصدق القلب قد يتهم وإن صدق اللسان الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة وتقربهم مكسبة لقرين السوء فكن من الناس بين القرب والبعد فإن خير الأمور أوساطها فسولة الوزراء أضر من بغض الأعداء خير القرناء المرأة الصالحة وعند الخوف حسن العمل من لم يكن له من نفسه زاجر لم يكن له من غيره واعظ وتكن منه عدوه على أسوأ عمله لن يهلك امرؤ حتى يمل الناس عتيد فعله ويشتد على قومه ويعجب بما ظهر من مروءته ويغتر بقومه والأمر يأتيه من فوقه ليس للمختال في حسن الثناء نصيب لا نماء مع العدم غنه من أتى المكروه إلى أحد بدأ بنفسه العي أن تتكلم فوق ما تسد به حاجتك لا ينبغي لعاقل أن يثق بإخاء من تضطره إلى إخائه حاجة أقل الناس راحة الحقود من تعمد الذنب لا تحل رحمته دون عقوبته فإن الأدب رفق والرفق يمن
84 -

وصية أكثم بن صيفي لطيء
وقال أكثم بن صيفي في وصية كتب بها إلى طيء أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم وإياكم ونكاح الحمقاء فإن نكاحها غرر وولدها ضياع وعليكم بالخيل فأكرموها فإنها حصون العرب ولا تضعوا رقاب الإبل في غير حقها فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف

ويغذى الصغير ولو أن الإبل كلفت الطحن لطحنت ولن يهلك امرؤ عرف قدره والعدم عدم العقل لا عدم المال ولرجل خير من ألف رجل ومن عتب على الدهر طالت معتبته ومن رضى بالقسم طابت معيشته وآفة الرأى الهوى والعادة أملك والحاجة مع المحبة خير من البغض مع الغنى والدنيا دول فما كان لك أتاك على ضعفك وما كان عليك لم تدفعه بقوتك والحسد داء ليس له دواء والشماتة تعقب ومن ير يوما ير به قبل الرماة تملأ الكنائن الندامة مع السفاهة دعامة العقل الحلم خير الأمور مغبة الصبر بقاء المودة عدل التعاهد من يزر رغبا يزدد حبا التغرير مغتاح البؤس من التوانى والعجز نتجت الهلكة لكل شىء ضراوة فضر لسانك بالخير عى الصمت أحسن من عى المنطق الحزم حفظ ما كلفت وترك ما كفيت كثير النصح يهجم على كثير الظنة من ألحف فى المسألة ثقل من سأل فوق قدره استحق الحرمان الرفق يمن والخرق شؤم خير السخاء ما وافق الحاجة خير العفو ما كان بعد القدرة
85 -

وصية أكثم بن صيفي لبنيه ورهطه
وصى أكثم بن صيفي بنيه ورهطه فقال يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي إن بين حيزومي وصدري لكلاما لا أحد له مواقع إلا

أسماعكم ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بأسماع مصغية وقلوب واعية تحمدوا مغبته الهوى يقظان والعقل راقد والشهوات مطلقة والحزم معقول والنفس مهملة والروية مقيدة ومن جهة التواني وترك الروية يتلف الحزم ولن يعدم المشاور مرشدا والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل ومن سمع سمع به ومصارع الرجال تحت بروق الطمع ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام وعلى الاعتبار طريق الرشاد ومن سلك الجدد أمن العثار ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ويشغل فكره ويؤرث غيظه ولا تجاوز مضرته نفسه يا بني تميم الصبر على جرع الحلم أعذب من جنى ثمر الندامة ومن جعل عرضه دون ماله استهدف للذم وكلم اللسان أنكى من كلم السنان والكلمة مرهونة مالم تنجم من الفم فإذا نجمت فهي أسد محرب أو نار تلهب ورأى الناصح اللبيب دليل لا يجوز ونفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن والضرب
86 -

نصيحة أكثم بن صيفي لقومه
ونصح قومه فقال أقلوا الخلاف على أمرائكم واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة يا قوم تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب عجلة تهب ريثا واتزروا للحرب وادرعوا الليل فإنه أخفى للويل ولا جماعة لمن اختلف

87 - أمثال أكثم بن صيفي ( وبزرجمهر ) الفارسي
العقل بالتجارب الصاحب مناسب الصديق من صدق غيبه الغريب من لم يكن له حبيب رب بعيد أقرب من قريب القريب من قرب نفعه لو تكاشفتم ما تدافنتم خير أهلك من كفاك خير سلاحك ما وقاك خير إخوانك من لم تخبره رب غريب ناصح الجيب وابن أب متهم بالغيب أخوك من صدقك الأخ مرآة أخيه إذا عز أخوك فهن مكره أخاك لا بطل تباعدوا في الديار وتقاربوا في المحبة أي الرجال المهذب من لك بأخيك كله إنك إن فرحت لاق فرحا

أحسن يحسن إليك ارحم ترحم كما تدين تدان من ير يوما ير به والدهر لا يغتر به عين عرفت فذرفت في كل خبرة عبرة من مأمنه يؤتى الحذر لا يعدو المرء رزقه وإن حرص إذا نزل القدر عمي البصر وإذا نزل الحين نزل بين الأذن والعين الخمر مفتاح كل شر الغناء رقية الزناء القناعة مال لا ينفد خير الغنى غني النفس منساق إلى ما أنت لاق خذ من العافية ما أعطيت ما الإنسان إلا القلب واللسان إنما لك ما أمضيت لا تتكلف ما كفيت القلم أحد اللسانين قلة العيال أحد اليسارين ربما ضاقت الدنيا باثنين لن تعدم الحسناء ذاما لم يعدم الغاوي لائما لا تك في أهلك كالجنازة لا تسخر من شئ فيجوز بك أخر الشر فإذا شئت تعجلته صغير الشر يوشك أن يكبر يبصر القلب ما يعمى عنه البصر الحر حر وإن مسه الضر العبد عبد وإن ساعده جد من عرف قدره استبان

أمره من سره بنوه ساءته نفسه من تعظم على الزمان أهانه من تعرض للسلطان آذاه ومن تطامن له تخطاه من خطا يخطو كل مبذول مملول كل ممنوع مرغوب فيه كل عزيز تحت القدرة ذليل لكل مقام مقال لكل زمان رجال لكل أجل كتاب لكل عمل ثواب لكل نبأ مستقر لكل سر مستودع قيمة كل إنسان ما يحسن اطلب لكل غلق مفتاحا أكثر في الباطل يكن حقا عند القنط يأتي الفرج عند الصباح يحمد السرى الصدق منجاة والكذب مهواة الاعتراف يهدم الاقتراف رب قول أنفذ من صول رب ساعة ليس بها طاعة رب عجلة تعقب ريثا بعض الكلام أقطع من الحسام بعض الجهل أبلغ

من الحلم ربيع القلب ما اشتهى الهوى شديد العمى الهوى الإله المعبود الرأي نائم والهوى يقظان غلب عليك من دعا إليك لا راحة لحسود ولا وفاء لا سرور كطيب النفس العمر أقصر من أن يحتمل الهجر أحق الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة خير العلم ما نفع خير القول ما اتبع البطنة تذهب الفطنة شر العمى عمى القلب أوثق العرى كلمة التقوى النساء حبائل الشيطان الشباب شعبة من الجنون الشقي من شقي في بطن أمه السعيد من وعظ بغيره لكل امرئ في بدنه شغل من يعرف البلاء يصبر عليه المقادير تريك ما لا يخطر ببالك أفضل الزاد ما تزود للمعاد الفحل أحمى للشول صاحب الحظوة غدا من بلغ المدى عواقب الصبر محمودة لا تبلغ الغايات بالأماني الصريمة على قدر العزيمة الضيف يثنى أو يذم من تفكر اعتبر كم شاهد لك لا ينطق ليس منك من غشك ما نظر لامرئ مثل نفسه ما سد فقرك إلا ملك يمينك ما على عاقل ضيعة الغنى في الغربة وطن المقل في أهله غريب أول المعرفة الاختبار يدك منك وإن كانت شلاء أنفك منك وإن كان أجدع

من عرف بالكذب جاز صدقه الصحة داعية السقم الشباب داعية الهرم كثرة الصياح من الفشل إذا قدمت المصيبة تركت التعزية إذا قدم الإخاء سمج الثناء العادة أملك من الأدب الرفق يمن والخرق شؤم المرأة ريحانة وليست بقهرمانة الدال على الخير كفاعله المحاجزة قبل المناجزة قبل الرماية تملا الكنائن لكل ساقطة لاقطة مقتل الرجل بين فكيه ترك الحركة غفلة الصمت حبسة من خير خبر إن تسمع تمطر كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة قيدوا النعم بالشكر من يزرع المعروف يحصد الشكر لا تغتر بمودة الأمير إذا غشك الوزير أعظم من المصيبة سوء الخلف منها من أراد البقاء فليوطن نفسه علىالمصائب لقاء الأحبة مسلاة للهم قطيعة الجاهل كصلة العاقل من رضي على نفسه كثر الساخط عليه قتلت آرض جاهلها وقتل أرضا عارفها أدوأ الداء الخلق الدنئ واللسان البذى إذا جعلك السلطان أخا فاجعله ربا احذر الأمين ولا تأمن الخائن عند الغاية يعرف السبق عند الرهان يحمد المضمار السؤال وإن قل أكثر من النوال وإن جل كافيء المعروف بمثله أو انشره لا خلة مع عيلة لا مروءة مع ضر ولا صبر مع شكوى

ليس من العدل سرعة العذل عبد غيرك حر مثلك لا يعدم الخيار من استشار الوضيع من وضع نفسه المهين من نزل وحده من أكثر أهجر كفي بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع
ومن أمثال أكثم بن صيفي أيضا
في الجريرة تشترك العشيرة إذا قرع الفؤاد ذهب الرقاد هل يهلكني فقد مالا يعود أعوذ بالله أن يرميني امرؤ بدائه رب كلام ليس فيه اكتتام حافظ على الصديق ولو في الحريق ليس بيسير تقويم العسير إذا أردت النصيحة فتأهب للظنة متى تعالج مال غيرك تسأم غثك خير من سمين غيرك لا تنطح جماء ذات قرن قد يبلغ الخضم بالقضم قد صدع الفراق بين الرفاق استأنوا أخاكم فإن مع اليوم غدا الحر عزوف لا تطمع في كل ما تسمع
88 -

نصيحة الجمانة بنت قيس بن زهير لجدها الربيع بن زياد
كان قيس بن زهير العبسي قد اشترى من مكة درعا حسنة تسمى ذات الفضول وورد بها إلى قومه فرآها عمه الربيع بن زياد وكان سيد بني عبس فأخذها منه

غصبا فقالت الجمانة بنت قيس لأبيها دعنى أناظر جدي فإن صلح الأمر بينكما وإلا كنت من وراء رأيك فأذن لها فأتت الربيع فقالت
إذا كان قيس أبي فإنك يا ربيع جدي وما يجب له من حق الأبوة على إلا كالذي يجب عليك من حق البنوة لي والرأي الصحيح تبعثه العناية وتجلى عن محضه النصيحة إنك قد ظلمت قيسا بأخذ درعه وأجد مكافأته إياك سوء عزمه والمعارض منتصر والبادي أظلم وليس قيس ممن يخوف بالوعيد ولا يردعه التهديد فلا تركنن إلى منابذته فالحزم في متاركته والحرب متلفة للعباد ذهابه بالطارف والتلاد والسلم أرخى للبال وأبقى لأنفس الرجال وبحق أقول لقد صدعت بحكم وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم ثم أنشأت تقول
( أبي لا يرى أن يترك الدهر درعه ... وجدى يرى أن يأخذ الدرع من أبي )
( فرأى أبي رأى البخيل بماله ... وشيمة جدي شيمة الخائف الأبي )
89 -

وصف عصام الكندية أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني
لما بلغ الحارث بن عمرو ملك كندة جمال أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني وكمالها وقوة عقلها أراد أن يتزوجها فدعا امرأة من كندة يقال لها عصام ذات عقل ولسان وأدب وبيان وقال لها اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف فمضت حتى انتهت إلى أمها أمامة بنت الحارث فأعلمتها ما قدمت له فأرسلت أمامة إلى ابنتها وقالت أي بنية هذه خالتك أتت إليك لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئا أرادت النظر إليه من وجه وخلق وناطقيها فيما استنطقتك فيه فدخلت عصام عليها فنظرت إلى مالم تر عينها مثله قط بهجة وحسنا وجمالا فإذا هي أكمل الناس عقلا وأفصحهم لسانا فخرجت من عندها وهي تقول ترك الخداع من كشف

القناع فذهبت مثلا ثم أقبلت إلى الحارث فقال لها ما وراءك يا عصام فأرسلها مثلا قالت صرح المخض عن الزبد فذهبت مثلا قال أخبريني قالت أخبرك صدقا وحقا
رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة يزينها شعر حالك كأذناب الخيل المضفورة إن أرسلته خلته السلاسل وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلاها الوابل وحاجبين كأنهما خطا بقلم أو سودا بحمم قد تقوسا على عيني الظبية العبهرة التي لم يرعها قانص ولم يذعرها قسورة بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يمض به طول حفت به وجنتان كالأرجوان في بياض محض كالجمان شق فيه فم كالخاتم لذيذ المبتسم فيه ثنايا غر ذوات أشر وأسنان تبدو كالدرر وريق كالخمر له نشر الروض بالسحر يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان يحركه عقل وافر وجواب حاضر تلتقي دونه شفتان حمراوان كالورد يجلبان ريقا كالشهد تحت ذلك عنق كإبريق الفضة ركب في صدر كصدر تمثال دمية يتصل بها عضدان ممتلئان لحما مكتنزان شحما وذراعان ليس فيهما عظم يحس ولا عرق يجس ركبت فيهما كفان دقيق

قصبهما لين عصبهما تعقد إن شئت منهما الأنامل وتركب الفصوص في حفر المفاصل وقد تربع في صدرها حقان كأنهما رمانتان يخرقان عليها ثيابها تحت ذلك بطن طوى كطي القباطي المدمجة كسى عكنا كالقراطيس المدرجة تحيط تلك العكن بسرة كمدهن العاج المجلو خلف ذلك ظهر كالجدول ينتهي إلى خصر لولا رحمة الله لانبتر تحته كفل يقعدها إذا نهضت وينهضها إذا قعدت كأنه دعص رمل لبده سقوط الطل يحمله فخذان لفاوان كأنهما نضيد الجمان تحتهما ساقان خدلتان كالبردى وشيتا بشعر أسود كأنه حلق الزرد يحمل ذلك قدمان كحذو اللسان فتبارك الله مع صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما فأما ما سوى ذلك فتركت أن أصفه غير أنه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها فزوجه إياها

وصية أمامة بنت الحارث لإبنتها أم إياس
فلما حملت إلى زوجها قالت لها أمها أمامة بنت الحارث
أي بنية إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو أن إمرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشد ة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال
أى بنية إنك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقررين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا يا بنية احملي عني عشر خصال تكن لك ذخرا وذكرا الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة والتعهد لموقع عينه والتفقد لموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح والكحل أحسن الحسن والماء أطيب الطيب المفقود والتعهد لوقت طعامه والهدو عنه عند منامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة والاحتفاظ ببيته وماله والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير ولا تفشي له سرا ولا تعصي له أمرا فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره ثم اتقى من

ذلك الفرح إن كان ترحا والاكتئاب عنده إن كان فرحا فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير وكوني أشد ما تكونين له إعظاما يكن أشدما يكون لك إكراما وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما تكونين له مرافقة واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت والله يخير لك

الخطب والوصايا عصر صدر الإسلام
خطب النبي
1
أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه
حمد الله وأثنى عليه ثم قال
إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا

2 -

أول خطبة خطبها بالمدينة
حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال
أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وأتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم وعلى رسول الله ورحمة الله وبركاته
3 -
خطبته في أول جمعة جمعها بالمدينة
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادى من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي وفرط وضل ضلالا بعيدا وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرا وإن

تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول عز و جل ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وإن تقوى الله يوقى مقته ويوقى عقوبته ويوقى سخطه وإن تقوى الله يبيض الوجوه ويرضى الرب ويرفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه يملك من الناس ولا يملكون منه الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم
4 -

خطبة له يوم أحد
قام عليه الصلاة و السلام فخطب الناس فقال
أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فإن جهاد العدو شديد كربه قليل من يصبر عليه إلا

من عزم له على رشده إن الله مع من أطاعه وإن الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي أمركم به فإني حريص على رشدكم إن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف وهو مما لا يحبه الله ولا يعطى عليه النصر
أيها الناس إنه قذف في قلبي أن من كان على حرام فرغب عنه ابتغاء ما عند الله غفر له ذنبه ومن صلى على محمد وملائكته عشرا ومن أحسن وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو في آجل آخرته ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ومن استغنى عنها ساتغنى الله عنه والله غني حميد
ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه وإنه قد نفث الروح الأمين في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شئ وإن أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا في طلب الرزق ولا يحملنكم استبطاؤه على أن تطلبوه بمعصية ربكم فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه وليس ملك إلا وله حمى ألا وإن حمى الله محارمه والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده والسلام عليكم

5 -

خطبته بالخيف
وخطب بالخيف من منى فقال
نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم اداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لافقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن إخلاص العمل لله والنصيحة لأولى الأمر ولزوم الجماعة إن دعوتهم تكون من ورائه ومن كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كان همه الدنيا فرق الله أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له
6 - خطبة له عليه الصلاة و السلام
ومن خطبه أيضا أنه خطب بعد العصر فقال ألا إن الدنيا خضرة حلوة ألا وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ألا لا يمنعن رجلا مخافة الناس أن يقول الحق إذا علمه ولم يزل يخطب حتى لم تبق من الشمس إلا حمرة على أطراف السعف فقال إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى

7 -

خطبة له
إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أصدق الحديث وأبلغه أحبوا من أحب الله وأحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقسو عليه قلوبكم اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا اتقوا الله حق تقاته وصدقوا صالح ما تعملون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم والسلام عليكم ورحمة الله
8 - خطبة له
أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم فإن العبد بين مخافتين أجل قد مضى لا يدري ما الله فاعل فيه وأجل باق لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار

9 -

خطبة له
أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب وكان الحق فيها على غيرنا قد وجب وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل من تراثهم كأنا مخلدون بعدهم ونسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن أنفق مالا اكتسبه من غير معصية وجالس أهل الفقه والحكمة وخالط أهل الذل والمسكنة طوبى لمن زكت وحسنت خليقته وطابت سريرته وعزل عن الناس شره طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم تستهوه البدعة
10 - خطبة له
ألا أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا وبادروا الأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتؤجروا وتنصروا واعلموا أن الله عز و جل قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في عامي هذا في شهري هذا إلى يوم القيامة حياتي ومن بعد موتى فمن تركها وله إمام فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا حج له ألا ولا صوم له ألا ولا صدقة له ألا ولا بر له ألا ولا يؤم أعرابي مهاجرا ألا ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه

11 -

خطبته يوم فتح مكة
وقف على باب الكعبة ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا فيهما الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم ) الآية يا معشر قريش أو يأهل مكة ما ترون إني فاعل بكم قالو خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء
12 -
خطبته في الاستسقاء
روى أن أعرابيا جاء إلى رسول الله وآله في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرتضع ولا شارف تجتر ثم أنشده
( أتيناك والعذراء يدمي لبابها ... وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل )
( وألقى بكفيه الفتى لاستكانة ... من الجوع حتى ما يمر ولا يحلى )

( ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل )
( وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل )
فقام النبي يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سحا سجالا غدقا طبقا ديما دررا تحيي به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع واجعله سقيا نافعة عاجلا غير رائث
فوالله ما رد رسول الله وآله يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه
13 -

خطبته في حجة الوداع
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أوصيكم

عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا إيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم اشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب وإن دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية
أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم أيها الناس إنما النسئ زيادة

في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت اللهم اشهد
أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت اللهم اشهد
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه الا عن طيب نفس منه ألا هل بلغت اللهم اشهد فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده كتاب الله ألا هل بلغت اللهم اشهد
ايها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى الا هل بلغت اللهم اشهد قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد الغائب

أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية ولا يجوز وصية في أكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر الحجر من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل والسلام عليكم ورحمة الله
14 -

خطبته في مرض موته
عن الفضل بن عباس قال جاءني رسول الله فخرجت إليه فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدي يا فضل فأخذت بيده حتى جلس على المنبر ثم قال ناد في الناس فاجتمعوا إليه فقال
اما بعد أيها الناس فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا إن كان له أو حللني فلقيت ربي وأنا طيب النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عنى أقوم فيكم مرارا

ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى فادعى عليه رجل بثلاثة دراهم فأعطاه عوضها ثم قال أيها الناس من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا ألا وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ثم صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم ثم قال إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بأنفسنا وآبائنا
15 -

خطبة أكثم بن صيفي يدعو قومه إلى الإسلام
لما ظهر النبي بمكة ودعا الناس إلى الإسلام بعث أكثم ابن صيفي ابنه جبيشا فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقام فيهم خطيبا فقال
يا بني تميم لا تحضروني سفيها فإنه من يسمع يخل إن السفيه يوهن من فوقه ويتبب من دونه لا خير فيمن لا عقل له كبرت سني ودخلتني ذله فإذا رأيتم مني حسنا فاقبلوه وإن رأيتم مني غير ذلك فقوموني أستقم إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتاني بخبره وكتابه يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد عرف ذوو الرأي منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأي ترك

ما ينهى عنه إن أحق الناس بمعونة محمد ومساعدته على أمره أنتم فإن يكن الذي يدعو إليه حقا فهو لكم دون الناس وإن يكن باطلا كنتم أحق الناس بالكف عنه وبالستر عليه وقد كان أسقف نجران يحدث بصفته وكان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله وسمى ابنه محمدا فكونوا في أمره أولا ولا تكونوا آخرا ائتوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا كان في أخلاق الناس حسنا أطيعوني واتبعوا أمري أسأل لكم أشياء لا تنزع منكم أبدا وأصبحتم أعز حي في العرب وأكثرهم عددا وأوسعهم دارا فإني أرى أمرا لا يجتنبه عزيز إلا ذل ولا يلزمه ذليل إلا عز إن الأول لم يدع للآخر شيئا وهذا أمر له ما بعده من سبق إليه غمر المعالي واقتدى به التالي والعزيمة حزم والاختلاف عجز فقال مالك بن نويرة قد خرف شيخكم فلا تتعرضوا للبلاء فقال أكثم ويل للشجي من الخلى والهفي على أمر لم أشهده ولم يسعنى
ثم رحل إلى النبي فمات في الطريق وبعث بإسلامه مع من أسلم ممن كان معه

16 -

وصية أبي طالب لوجوه قريش عند موته
لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال
يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب فيكم السيد المطاع وفيكم المقدام الشجاع الواسع الباع واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم بذلك على الناس الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم ألب وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية يعنى الكعبة فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثباتا للوطأة صلوا أرحامكم فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل وزيادة في العدد اتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فإن فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام
وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به وقد جاءنا بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن وايم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وإذا

أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصفت له بلادها وأعطته قيادها يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ولا يأخذ بهديه أحد إلا سعد ولو كان لنفسي مدة وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي

خطب الوفود
17 -
خطبة عطارد بن حاجب بن زرارة بين يدي النبي
قدم على رسول الله سنة تسع للهجرة عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم فلما دخل الوفد المسجد نادوا رسول الله من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك من صياحهم رسول الله فخرج إليهم فقالوا يا محمد جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا قال نعم قد أذنت لخطيبكم فليقل فقام إليه عطارد فقال
الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤس الناس وأولى فضلهم فمن يفاخرنا فليعدد مثل ما عددنا وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا وإنا نعرف بذلك أقول هذا الآن لتأتونا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا ثم جلس فقال رسول الله لثابت بن قيس بن الشماس قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت فقال
18 -
خطبة ثابت بن قيس بن الشماس
الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يك شئ قط إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى

من خير خلقه رسولا أكرمهم نسبا وأصدقهم حديثا وأفضلهم حسبا فأنزل عليه كتابه وأتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس أنسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس فعالا ثم كان أول الخلق استجابة لله حين دعاه رسول الله نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبدا وكان قتله علينا يسيرا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين وللمؤمنات والسلام عليكم ثم قالوا يا محمد أئذن لشاعرنا فقال نعم فقام الزبرقان بن بدر فأنشد قصيدة في الفخر وبعث النبي إلى حسان بن ثابت فرد عليه فقال الأقرع ابن حابس التميمي إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله فأحسن جوائزهم
19 -

عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر بين يدي رسول الله
وسأل رسول الله عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر فقال عمرو مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان

والله يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي فقال عمرو أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق الصدر زمر المروءة أحمق الوالد لئيم الخال حديث الغنى فلما رأى أنه خالف قوله الآخر قوله الأول ورأى الإنكار في عين رسول الله قال يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى فقال رسول الله عند ذلك إن من البيان لسحرا
20 -

خطبة طهفة بن أبي زهير النهدي بين يدي رسول الله
لما قدمت وفود العرب على النبي قام طهفة بن أبي زهير النهدي فقال يا رسول الله أتيناك من غورى تهامة بأكوار الميس ترمى بنا العيس نستحلب الصبير ونستجلب الخبير ونستعضد البرير ونستخيل الرهام ونستحيل الجهام من أرض غائلة النطاء غليظة الوطاء نشف المدهن

ويبس الجعثن وسقط الاملوج ومات العسلوج وهلك الهدى ومات الودى برئنا يا رسول الله من الوثن والعثن وما يحدث الزمن لنا دعوة السلام وشريعة الإسلام ما طمى البحر وقام تعار ولنا نعم همل أغفال ما تبض ببلال ووقير كثير الرسل قليل الرسل أصابتها سنية حمراء مؤزلة ليس بها علل ولا نهل
رده صلى الله عليه و سلم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها وابعث راعيها في الدثر بيانع الثمر وافجر له الثمد وبارك له في المال والولد من أقام الصلاة كان مسلما ومن آتى الزكاة كان محسنا ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا يا بنى نهد ودائع الشرك ووضائع الملك لا تلطط فى الزكاة ولا تلحد فى الحياة ولا تثاقل عن الصلاة

خطبة ظبيان بن حداد بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم
وفد ظبيان بن حداد فى سراة مذحج على النبى صلى الله عليه و سلم فقال بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم والثناء على الله عز و جل بما هو أهله
الحمد لله الذى صدع الأرض بالنبات وفتق السماء بالرجع ثم قال نحن قوم من سراة مذحج من يحابر بن مالك ثم قال فتوقلت بنا القلاص من أعالى الحوف ورءوس الهضاب يرفعها عرر الربا ويخفضها بطنان الرقاق وتلحقها دياحى الدجى ثم قال وسروات الطائف كانت لبنى مهلائيل بن قينان غرسوا وديانه وذللوا خشانة ورعوا قربانه ثم ذكر نوحا حين خرج من السفينة بمن معه قال فكان أكثر بنيه بنات وأسرعهم نباتا عاد وثمود فرماهم الله بالدمالق وأهلكهم بالصواعق ثم قال وكانت بنو هانئ من ثمود تسكن

الطائف وهم الذين خطوا مشاربها وأتوا جداولها وأحيوا غراسها ورفعوا عريشها ثم قال وإن حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وأغمارها ورءوس الملوك وعرارها فكان لهم البيضاء والسوداء وفارس الحمراء والجزية الصفراء فبطروا النعم واستحقوا النقم فضرب الله بعضهم ببعض ثم قال وإن قبائل من الأزد نزلوا على عهد عمرو بن عامر ففتحوا فيها الشرائع وبنوا فيها المصانع واتخذوا الدسائع ثم ترامت مذحج بأسنتها وتنزت بأعنتها فغلب العزيز أذلها وقتل الكثير أقلها ثم قال وكان بنو عمرو ابن خالد بن جذيمة يخبطون عضيدها ويأكلون حصيدها ويرشحون حصيدها
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن نعيم الدنيا أقل وأصغر عند الله من خرء بعيضة ولو عدلت عند الله جناح ذباب لم يكن لكافر منها خلاق ولا لمسلم منها لحاق
خطبة مالك بن نمط بين يدي النبى صلى الله عليه و سلم
وقدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيهم مالك بن نمط أبو ثور فقام بين يديه ثم قال

يا رسول الله نصية من همدان من كل حاضر وباد أتوك على قلص نواج متصلة بحبال الإسلام لا تأخذهم فى الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السواد والقرى أجابوا دعوة الرسول وفارقوا آلهة الأنصاب عهدهم لا ينقض ما أقام لعلع وما جرى اليعفور بصلع
سفانة بنت حاتم بين يدى رسول الله صلى الله عليه و سلم
حدث الإمام على كرم الله وجهه قال لما أتينا بسبايا طيئ كانت فى النساء جارية جميلة وهي سفانة بنت حاتم فلما رأيتها أعجبت بها فقلت لأطلبنها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليجعلها من فيئى فلما تكلمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها فقالت يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فإن رأيت أن تخلى عنى فلا تشمت بى أحياء العرب فإنى بنت سيد قومى كان أبى يفك العانى ويحمى الذمار

ويقرى الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم طييء فقال لها رسول الله يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان ابوك إسلاميا لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق
25 -

وصية دريد بن الصمة
قال دريد بن الصمة لمالك بن عوف النصري قائد هوازن يوم حنين
يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم له ما بعده من أيام مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به ثم قال راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ويحك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم ثم ألق الصبا على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك

قال لا والله ما أفعل إنك قد كبرت وذهل عقلك قال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ثم أنشأ يقول
( يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع )
( أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع )
26 -

وصية عمير بن حبيب الصحابي لبنيه
أوصى عمير بن حبيب بنيه فقال
يا بني إياكم ومخالطة السفهاء فإن مجالستهم داء وإن من يحلم عن السفيه يسر بحلمه ومن يجبه يندم ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطن قبل ذلك على الأذى وليوقن بالثواب من الله عز و جل إنه من يوقن بالثواب من الله عز و جل لا يجد مس الأذى
27 -
وصية قيس بن عاصم المنقري لبنيه
أوصى قيس بن عاصم المنقري بنيه فقال
يا بني خذوا عني فلا أحد أصلح لكم مني إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم فسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم وإذا سودوا

أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم وإياكم ومعصية الله وقطيعة الرحم وتمسكوا بطاعة أمرائكم فإنهم من رفعوا ارتفع ومن وضعوا اتضع وعليكم بهذا المال فأصلحوه فإنه منبهة للكريم وجنة لعرض اللئيم وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل وإن أحدا لم يسأل إلا ترك الكسب وإياكم والنياحة فإني سمعت رسول الله ينهى عنها وادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم ولا يعلم بكر بن وائل بمدفني فقد كانت بيني وبينهم مشاحنات في الجاهلية والإسلام وأخاف أن يدخلوا عليكم بي عارا وخذوا عني ثلاث خصال إياكم وكل عرق لئيم أن تلابسوه فإنه إن يسرركم اليوم يسؤكم غدا واكظموا الغيظ واحذروا بني أعداء آبائكم فإنهم على منهاج آبائهم ثم قال
( أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء )

خطب يوم السقيفة
لما قبض النبي اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا نولي هذا الأمر بعد محمد سعد بن عبادة وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض فلما اجتمعوا قال لابنه أو بعض بني عمه إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق مني قولي فأسمعهموه فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه
28 -
خطبة سعد بن عبادة
فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه
يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب إن محمدا عليه الصلاة و السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل وما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن

الله عز و جل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر دون الناس فإنه لكم دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما رأيت نوليك هذا الأمر وأتى عمر الخبر فأقبل إلى أبي بكر فقال أما علمت أن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة من يقول منا أمير ومن قريش أمير فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فتماشوا إليهم ثلاثتهم فجاءوا وهم مجتمعون فقال عمر أتيناهم وقد كنت زويت كلاما أردت أن أقوم به فيهم فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر رويدا حتى أتكلم ثم انطق بعد بما أحببت فنطق فقال عمر فما شئ كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه
29 -

خطبة أبي بكر رضي الله عنه
حمد الله وأثنى عليه ثم قال
إن الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور ثم قرأ ( ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من

قومه بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم وكل الناس مخالف زار عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله انصارا لدينه ورسوله وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تفتاتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور
30 -

نص آخر لخطبة أبي بكر يوم السقيفة
حمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس نحن المهاجرون أول الناس إسلاما وأكرمهم أحسابا وأوسطهم دارا وأحسنهم وجوها وأكثر الناس ولادة في العرب وأمسهم رحما برسول الله أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن عليكم فقال تبارك وتعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) فنحن المهاجرون وأنتم الأنصار إخواننا في الدين وشركاؤنا في الفئ وأنصارنا على العدو آويتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا فنحن الأمراء وأنتم الوزراء

لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش فلا تنفسوا على إخوانكم ما منحهم الله من فضله
31 -

خطبة الحباب بن المنذر
ثم قام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال
يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلى عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدد والمنعة والتجربة وذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ويتقض عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير
32 -
خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال عمر هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة

33 -

خطبة أخرى للحباب بن المنذر
فقام الحباب بن المنذر فقال
يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لمن يكن يدين أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة
فقال عمر إذن يقتلك الله قال بل إياك يقتل فقال أبو عبيدة
يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير
34خ - طبة بشير بن سعد
فقام بشير بن سعد ابو النعمان بن بشير فقال
يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي المنة علينا

بذلك ألا إن محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم
فقال أبو بكر هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقالا لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك نبايعك وقام الناس إليه فبايعوه

خطب أبي بكر الصديق ووصاياه رضي الله عنه
35 -
خطبته يوم قبض الرسول
دخل أبو بكر الصديق رضوان الله عليه على النبي وهو مسجى بثوب فكشف عنه الثوب وقال
بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولولا أن موتك كان اختيارا منك لجدنا لموتك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشئون فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وإدناف يتخالفان ولا يبرحان

اللهم فأبلغه عنا السلام اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا
ثم خرج إلى الناس وهم في شديد غمراتهم وعظيم سكراتهم فخطب خطبة قال فيها
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال وأن الله هو الحق المبين في كلام طويل ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وإن الله قد تقدم إليكم في أمره فلا تدعوه جزعا وإن الله قد أختار لنبيه ما عنده على ما عندكم وقبضة إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ) ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يفتننكم عن دينكم فعاجلوه بالذي تعجزونه ولا تستنظروه فيلحق بكم
36 -

خطبته بعد البيعة
حمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

37 -

خطبة أخرى له بعد البيعة
وقال الطبري نادى منادي أبي بكر من بعد الغد من متوفي رسول الله ليتم بعث أسامة ألا لا يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره وقام في الناس فجمد الله وأثنى عليه ثم قال
ياأيها الناس إنما أنا مثلكم وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله يطيق إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني وإن رسول الله قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونهما ألا وإن لي شيطانا يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم ألا وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال فإن قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم فإياكم أن تكونوا أمثالهم الجد الجد والوحا الوحا والنجاء النجاء فإن وراءكم طالبا حثيثا أجلا مره سريع احذروا الموت واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به إلا الأموات

38 -

خطبة أخرى
قال الطبري وقام أيضا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
إن الله عز و جل لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه فأريدوا الله بأعمالكم واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها وحظ ظفرتم به وضرائب أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم اعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم أين الجبارون وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما قد تركت عليهم القالات الخبيثات وإنما الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها قد بعدوا ونسي ذكرهم وصاروا كلا شئ ألا وإن الله قد أبقى عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم وبقينا خلفا من بعدهم فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن اغتررنا كنا مثلهم أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم صاروا ترابا وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة وللسعادة فيما بعد الموت

ألا إن الله لا شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه به سوءا إلا بطاعته واتباع أمره واعلموا أنكم عبيد مدينون وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته أما وإنه لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة
39 -

خطبة له
ومن خطبه حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال
إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك فرفع الناس رءوسهم فقال مالكم يا معشر الناس إنكم لطعانون عجلون إن من الملوك من إذا ملك زهده الله فيما في يده ورغبه فيما في يدي غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير ويسأم الرخاء وتنقطع عنه لذه البهاء لا يستعمل العبرة ولا يسكن إلى الثقة فهو كالدرهم القسي والسراب الخادع جذل الظاهر حزين الباطن فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظله حاسبة الله فأشد حسابه وأقل عفوه ألا إن الفقراء هم المرحومون وخير الملوك من آمن بالله وحكم بكتاب الله وسنة نبيه وإنكم اليوم على خلافة نبوة ومفرق محجة وسترون بعدي ملكا عضوضا وأما شعاعا ودما مفاحا فإن كانت للباطل نزوة ولأهل الحق جولة يعفو لها الأثر وتموت السنن فالزموا المساجد

واستشيروا القرآن والزموا الجماعة وليكن الإبرام بعد التشاور والصفقة بعد طول التناظر أي بلاد خرشنة إن الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها
40 - خطبة له
وخطب أيضا فقال
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأومن به وأتوكل عليه وأستهدى الله بالهدى وأعوذ به من الضلالة والردى ومن الشك والعمى من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شىء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون إلى الناس كافة رحمة لهم وحجة عليهم والناس حينئذ على شر حال فى ظلمات الجاهلية دينهم بدعة ودعوتهم فرية فأعز الله الدين بمحمد صلى الله عليه و سلم وألف بين قلوبكم أيها المؤمنون فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون فأطيعوا الله ورسوله فإنه قال عز رجل ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا )
أما بعد أيها الناس إنى أوصيكم بتقوى الله العظيم فى كل أمر وعلى كل حال ولزوم الحق فيما أحببتم وكرهتم فإنه ليس فيما دون الصدق من الحديث خير من يكذب

يفجر ومن يفجر يهلك وإياكم والفخر وما فخر من خلق من التراب وإلى التراب يعود هو اليوم حى وغدا ميت فاعملوا وعدوا أنفسكم فى الموتى وما أشكل عليكم فردوا علمه إلى الله وقدموا لأنفسكم خيرا تجدوه محضرا فإنه قال عز و جل ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) فاتقوا الله عباد الله وراقبوه واعتبروا بمن مضى قبلكم واعلموا أنه لا بد من لقاء ربكم والجزاء بأعمالكم ضغيرها وكبيرها إلا ما غفر الله إنه غفور رحيم فأنفسكم أنفسكم والمستعان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ( إن الله وملائكته يصلون على النبى يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على محمد عبدك ورسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك وزكنا بالصلاة عليه وألحقنا به واحشرنا فى زمرته وأوردنا حوضه اللهم أعنا على طاعتك وانصرنا على عدوك 41

خطبة له
وخطب أيضا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة فإن الله أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال ( إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم وعوضكم بالقليل الفانى الكثير الباقى وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فثقوا بقوله

وانتصحوا كتابه واستبصروا فيه ليوم الظلمة فإنه خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون 42

خطبة له فى الأنصار
ووصل إليه مال من البحرين فساوى فيه بين الناس فغضبت الأنصار وقالوا له فضلنا فقال أبو بكر صدقتم إن أردتم أن أفضلكم صار ما عملتموه للدنيا وإن صبرتم كان ذلك لله عز و جل فقالوا والله ما عملنا إلا لله تعالى وانصرفوا فرقى أبو بكر المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه و سلم ثم قال
يا معشر الأنصار إن شئتم أن تقولوا إنا آويناكم فى ظلالنا وشاطرناكم فى أموالنا ونصرناكم بأنفسنا قلتم وإن لكم من الفضل مالا يحصيه العدد وإن طال به الأمد فنحن وأنتم كما قال طفيل الغنوى
( جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا فى الواطئين فزلت )
( أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقى الذى يلقون منا لملت )
( هم أسكنونا فى ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت أدفأت وأظلت )

وصيته لأسامة بن زيد
وأوصى أسامة بن زيد وجيشه حين سيره إلى أبنى فقال
يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تقعروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رءوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقا اندفعوا باسم الله
44و - صيته لعمرو بن العاص والوليد بن عقبة
وشيع عمرو بن العاص والوليد بن عقبة مبعثهما على الصدقة وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة
اتق الله فى السر والعلانية فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث

لا يحتسب ومن يتق الله يكفر عنه سيئآته ويعظم له أجرا فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله إنك فى سبيل من سبل الله لا يسعك فيه الإدهان والتفريط والغفلة عما فيه قوام دينكم وعصمة أمركم فلا تن ولا تفتر

خطب الفتوح فى عهد أبى بكر
45
-
وصيته لخالد بن الوليد
ووصى أبو بكر خالد بن الوليد فقال سر على بركة الله فإذا دخلت أرض العدو فكن بعيدا عن الحملة فإنى لا آمن عليك الجولة واستظهر بالزاد وسر بالأدلاء ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه واحترس من البيات فإن فى العرب غرة وأقلل من الكلام فإن مالك ما وعى عنك وأقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سريرتهم وأستودعك الله الذى لا تضيع ودائعه 46
خطبة خالد بن الوليد
وكان أبو بكر رضى الله عنه قد بعث المثنى بن حارثة على جيش إلى العراق فقدم العراق فقاتل وأغار على أهل فارس ونواحى السواد ثم بعث أخاه مسعودا إلى أبى بكر يستمده
فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وكان باليمامة أن يسير إلى العراق فلما قرأ خالد الكتاب قام فى الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه و سلم ثم قال

الحمد لله والله أهله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلينا يحضنا على طاعة ربنا وجهاد عدونا وعدو الله وبالجهاد فى سبيل الله أنجز الله دعوتنا وجمع كلمتنا وأمنيتنا والحمد لله رب العالمين ألا إنى خارج ومعسكر وسائر إن شاء الله ومعجل فمن أراد ثواب العاجل والآجل فلينكمش 47

خطبة لأبى بكر فى ندب الناس لفتح الشأم
وخطب يندب الناس لفتح الشأم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال
ألا إن لكل أمر جوامع فمن بلغها فهى حسبه ومن عمل لله كفاه الله عليكم بالجد والقصد فإن القصد أبلغ ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له ولا أجر لمن لا حسبة له ولا عمل لمن لا نية له ألا وإن فى كتاب الله من الثواب على الجهاد فى سبيل الله كما ينبغى للمسلم أن يحب أن يخص به هى التجارة التى دل الله عليها ونجى بها من الخزى وألحق بها الكرامة فى الدنيا والآخرة

فتح الشام
حدث أبو اسماعيل محمد بن عبد الله الأزدى البصرى صاحب فتوح الشام قال لما أراد أبو بكر رحمة الله عليه أن يجهز الجنود إلى الشأم دعا عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ووجوه المهاجرين والأنصار من النصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه فقال 48
خطبة أبى بكر
إن الله تبارك وتعالى لا تحصى نعمه ولا تبلغ جزاءها الأعمال فله الحمد كثيرا على ما اصطنع عندكم فقد جمع كلمتكم وأصلح ذات بينكم وهداكم إلى الإسلام ونفى عنكم الشيطان فليس يطمع أن تشركوا بالله ولا أن تتخذوا إلها غيره فالعرب اليوم بنو أم وأب وقد أردت أن أستنفرهم إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين ويجعل الله كلمته العليا مع أن للمسلمين فى ذلك الحظ الأوفر فمن هلك منهم هلك شهيدا وما عند الله خيرا للأبرار ومن عاش منهم عاش مدافعا عن الدين مستوجبا على الله عز و جل ثواب المجاهدين هذا رأيى الذى رأيت فليشر على أمرؤ بمبلغ رأيه 49
خطبة عمر
فقام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه و سلم ثم قال
الحمد لله الذى يخص بالخير من يشاء من خلقه والله ما استبقنا إلى شئ من الخير قط إلا سبقتنا إليه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قد والله أردت لقاءك لهذا الرأى

الذى ذكرت فما قضى الله أن يكون ذلك حتى ذكرته الآن فقد أصبت أصاب الله بك سبل الرشاد سرب إليهم الخيل فى إثر الخيل وابعث الرجال تتبعها الرجال والجنود تتبعها الجنود فإن الله عز و جل ناصر دينه ومعز الإسلام وأهله ومنجز ما وعد رسوله 50

خطبة عبد الرحمن بن عوف
ثم إن عبد الرحمن بن عوف قام فقال
يا خليفة رسول الله إنها الروم وبنو الأصفر حد حديد وركن شديد والله ما أرى أن تقحم الخيل عليهم إقحاما ولكن تبعث الخيل فتغير فى أدانى أرضهم ثم تبعثها فتغير ثم ترجع إليك ثم تبعثها فتغير ثم ترجع إليك فإذا فعلوا ذلك مرارا أضروا بعدوهم وغنموا من أدانى أرضهم فقووا بذلك على قتالهم ثم تبعث إلى أقاصى أهل اليمن وإلى أقاصى ربيعة ومضر فتجمعهم إليك جميعا فإن شئت عند ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت بعثت على غزوهم غيرك
ثم جلس وسكت وسكت الناس
قال لهم أبو بكر ما ترون رحمكم الله فقام عثمان بن عفان رضوان الله عليه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي ثم قال
رأيي أنك ناصح لأهل هذا الدين عليهم شفيق فإذا رأيت رأيا علمته لهم رشدا وصلاحا وخيرا فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين ولا متهم عليهم
فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وجميع من حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار
صدق عثمان فيما قال ما رأيت من رأى فأمض فإنا سامعون لك مطيعون لا نخالف أمرك ولا نتهم رأيك ولا نتخلف عن دعوتك وإجابتك

فذكروا هذا وشبهه وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليه في القوم لا يتكلم فقال له أبو بكر ما ترى يا أبا الحسن قال
أرى أنك مبارك الأمر ميمون النقيبة وأنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت إن شاء الله
فقال له أبو بكر بشرك الله بخير فمن أين علمت هذا قال سمعت رسول الله يقول لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرين فقال ابو بكر سبحان الله ما أحسن هذا الحديث لقد سررتني سرك الله في الدنيا والآخرة 51

خطبة أبي بكر
ثم إن أبا بكر رحمة الله عليه ورضوانه قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على النبي ثم قال
أيها الناس إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام وإعزكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين على أهل كل دين فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشأم فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لهم ألوية فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم ولتحسن نيتكم وسيرتكم وطعمتكم فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
فسكت الناس فوالله ما أجابه أحد هيبة لغزو الروم لما يعلمون من كثرة عددهم وشدة شوكتهم فقام عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه فقال يا معشر المسلمين ما لكم لا تجيبون خليفة رسول الله إذ دعاكم لما يحييكم 52
خطبة خالد بن سعيد بن العاص
فقام خالد بن سعيد بن العاص فحمد الله وأثنىعليه وصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله ثم قال

الحمد لله الذي لا إله الا هو الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فإن الله منجز وعده ومعز دينه ومهلك عدوه ثم أقبل على أبي بكر فقال نحن غير مخالفين لك ولا متخلفين عنك وأنت الوالي الناصح الشفيق ننفر إذا استنفرتنا ونطيعك إذا أمرتنا ونجيبك إذا دعوتنا
ففرح أبو بكر بمقالته وقال له جزاك الله من أخ وخليل خيرا فقد أسلمت مرتغبا وهاجرت محتسبا وهربت بدينك من الكفار لكي يطاع الله ورسوله وتكون كلمة الله هي العليا فتيسر رحمك الله
فتجهز خالد بن سعيد بأحسن الجهاز وخرج هو وإخوته وغلمانه ومن تبعه من أهل بيته فكان أول من عسكر وأمر أبو بكر بلالا فنادى في الناس أن انفروا إلى جهاد عدوكم الروم بالشام فنفروا اليه وكان خالد من عمال رسول الله فكره الإمارة واستعفى أبا بكر فأعفاه
ورأى أبو بكر أن يكتب كتابا إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الجهاد ويرغبهم في ثوابه وبعث الكتاب مع أنس بن مالك
قال أنس أتيت أهل اليمن جناحا جناحا وقبيلة قبيلة أقرأ عليهم كتاب أبي بكر وإذا فرغت من قراءته قلت
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني رسول خليفة رسول الله ورسول المسلمين إليكم إلا وإني وقد تركتهم معسكرين ليس يمنعهم من الشخوص إلى عدوهم الا انتظاركم فعجلوا إلى إخوانكم رحمة الله عليكم أيها المسلمون
فكان كل من أقرأ عليه ذلك الكتاب ويسمع مني هذا القول يحسن الرد علي ويقول نحن سائرون وكأنا قد فعلنا 53

خطبة ذي الكلاع
حتى انتهيت إلى ذي الكلاع فلما قرأت عليه الكتاب وقلت هذا المقال دعا بفرسه وسلاحه ونهض في قومه من ساعته ولم يؤخر ذلك وأمر بالمعسكر فما برحنا حتى عسكر وعسكر معه جموع كثيرة من أهل اليمن وسارعوا فلما اجتمعوا إليه قام فيهم

فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال أيها الناس إن من رحمة الله إياكم ونعمته عليكم أن بعث فيكم رسولا وأنزل عليه كتابا فأحسن عنه البلاغ فعلمكم ما يرشدكم ونهاكم عما يفسدكم حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون ورغبكم في الخير فيما لم تكونوا ترغبون ثم قد دعاكم إخوانكم الصالحون إلى جهاد المشركين واكتساب الأجر العظيم فلينفر من أراد النفير معى الساعة
فنفر بعدد من أهل اليمن كثير وقدموا على أبى بكر ففرح بمقدمهم 54

وصية خالد بن سعيد بن العاص لأبى بكر
ولما أراد خالد بن سعيد بن العاص أن يغدو سائرا إلى الشأم لبس سلاحه وأمر إخوته فلبسوا أسلحتهم عمرا والحكم وأبان وغلمته ومواليه ثم أقبل إلى أبى بكر رضى الله عنه بعد صلاة الغداة وصلى معه فلما انصرفوا قام إليه هو وإخوته فجلسوا إليه فحمد الله خالد وأثنى عليه وصلى على النبى ثم قال
يا أبا بكر إن الله أكرمنا وإياك والمسلمين طرا بهذا الدين فأحق من أقام السنة وأمات البدعة وعدل فى السيرة الوالي على الرعية وكل امرئ من أهل هذا الدين محقوق بالإحسان ومعدلة الوالى أعم نفعا فاتق الله يا أبا بكر فيمن ولاك الله أمره وارحم الأرملة واليتيم وأعن الضعيف المظلوم ولا يكن رجل من المسلمين إذا رضيت عنه آثر عندك فى الحق منه إذا سخطت عليه ولا تغضب ما قدرت على ذلك فإن الغضب يجر الجور ولا تحقد على مسلم وأنت تستطيع فإن حقدك على المسلم يجعلك له عدوا وإن اطلع على ذلك منك عاداك فإذا عادى الوالى الرعية وعادت الرعية الوالى كان بك قصفا أن يكون إلى هلاكهم داعيا وكن لينا للمحسن واشدد على المريب

ثم قال هات يدك فإنى لا أدرى هل نلتقى في الدنيا بعد هذا اليوم فإن قضى الله لنا التقاء فنسأل الله عفوه وغفرانه وإن كانت هى الفرقة التى ليس بعدها التقاء فعرفنا الله وإياك وجه النبى صلى الله عليه و سلم فى جنات النعيم فأخذ أبو بكر رضى الله عنه بيده ثم بكى وبكى خالد والمسلمون وظنوا أنه يريد الشهادة 55

وصية أبى بكر لخالد بن سعيد بن العاص
فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر رضى الله عنه
إنك قد أوصيتنى برشدى وقد وعيته وأنا موصيك فاستمع وصيتى وعها إنك امرؤ قد جعل الله لك سابقة فى الإسلام وفضيلة عظيمة والناس ناظرون إليك ومستمعون منك وقد خرجت فى هذا الوجه العظيم الأجر وأنا أرجو أن يكون خروجك فيه لحسبة ونية صادقة إن شاء الله فثبت العالم وعلم الجاهل وعاتب السفيه المترف وانصح لعامة المسلمين واخصص الوالى على الجند من نصيحتك ومشورتك ما يحق الله وللمسلمين عليك واعمل لله كأنك تراه واعدد نفسك فى الموتى واعلم أنا عما قليل ميتون ثم مبعوثون ثم مساءلون ومحاسبون جعلنا الله وإياك لأنعمه من الشاكرين ولنقمه من الخائفين ثم أخذ يده فودعه
وجهز أبو بكر أربعة جيوش على أحدها عمرو بن العاص ووجهه إلى فلسطين وعلى الثانى شرحبيل ابن حسنة ووجهه إلى الأردن وعلى الثالث يزيد بن أبى سفيان ووجهه إلى البلقاء وعلى الرابع أبو عبيدة عامر بن الجراح ووجهه إلى حمص وشيع الأمراء ووصاهم 56
وصية أبى بكر لعمرو بن العاص
ولما أجمع أبو بكر أن يبعث الجيوش إلى الشأم كان أول من سار من عماله عمرو

يا عمرو اتق الله فى سر أمرك وعلانيته واستحيه فإنه يراك ويرى عملك وقد رأيت تقديمي إياك على من هو أقدم سابقة منك ومن كان أعظم غناء عن الإسلام وأهله منك فكن من عمال الآخرة وأرد بما تعمل وجه الله وكن والدا لمن معك ولا تكشفن الناس عن أستارهم واكتف بعلانيتهم وكن مجدا فى أمرك واصدق اللقاء إذا لافيت ولا تجبن وتقدم فى العلوم وعاقب عليه وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك فى وصية له طويلة 57

وصية أخرى
وأمد أبو بكر أبا عبيدة بجيش عليه عمرو بن العاص فلما أراد الشخوص خرج معه أبو بكر رضى الله عنه يشيعه وقال
يا عمرو إنك ذو رأى وتجربة بالأمور وتبصرة بالحرب وقد خرجت مع أشراف قومك ورجال من صلحاء المسلمين وأنت قادم على إخوانك فلا تألهم نصيحة ولا تدخر عنهم صالح مشورة فرب رأى لك محمود فى الحرب مبارك فى عواقب الأمور فقال له عمرو ما أخلقنى أن أصدق ظنك وأن أقبل رأيك ثم ودعه وانصرف 58
وصية أبى بكر ليزيد بن أبى سفيان
ودعا يزيد بن أبى سفيان فعقد له وأوصاه فقال
يا يزيد إنى أوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له والخوف منه وإذا لقيت

العدو فأظفركم الله بهم فلا تغلل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تحرقوا نخلا ولا تقعره ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكلة وستمرون بقوم فى الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له وستجدون آخرين قد فحص الشيطان عن أوساط رءوسهم حتى كأن أوساط رءوسهم أفاحيص القطا فاضربوا ما فحصوا من رءوسهم بالسيوف حتى ينيبوا إلى الإسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب ثم أخذ يده فقال إنى أستودعك الله وعليك سلام الله ورحمته ثم ودعه وقال إنك أول أمرائى وقد وليتك على رجال من المسلمين أشراف غير أوزاع فى الناس فأحسن صحبتهم ولتكن لهم كنفا واخفض لهم جناحك وشاورهم فى الأمر أحسن الله لك الصحابة وعلينا الخلافة 54

وصية أخرى ليزيد بن أبى سفيان
ووصى يزيد بن أبى سفيان أيضا حين وجهه لفتح الشام فقال
إنى قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذى يرى من ظاهرك وإن أولى الناس بالله أشدهم توليا له وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض

أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسى بعضه بعضا وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا تريثهم فيروا خللك ويعلموا علمك وأنزلهم فى ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولى لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيختلط أمرك وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك واسمر بالليل فى أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأستار وأكثر حرسك وبددهم فى عسكرك وأكثر مفاجأتهم فى محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه فى غير إفراط وعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذ لها مدقعا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده ولا تجسس عليهم فتفضحهم ولا يكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء واصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم فى الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له

دعاء أبى بكر
وكان أبو بكر رحمة الله عليه يدعو فى كل يوم غدوة وعشية فى دبر صلاة الغداة وبعد العصر يقول
اللهم إنك خلقتنا ولم نك شيئا ثم بعثت إلينا رسولا رحمة منك لنا وفضلا منك علينا فهديتنا وكنا ضلالا وحببت إلينا الإيمان وكنا كفارا وكثرتنا وكنا قليلا وجمعتنا وكنا أشتاتا وقويتنا وكنا ضعافا ثم فرضت علينا الجهاد وأمرتنا بقتال المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون اللهم لأصبحنا إن نطلب رضاك ونجاهد أعداءك من عدل بك وعبد معك إلها غيرك تعاليت عما يقولون علوا كبيرا اللهم فانصر عبادك المسلمين على عدوك من المشركين اللهم افتح لهم فتحا يسيرا وانصرهم نصرا عزيزا واجعل لهم من لدنك سلطانا نصيرا اللهم شجع جبنهم وثبت أقدامهم وزلزل بعدوهم وأدخل الرعب قلوبهم واستأصل شأفتهم واقطع دابرهم وأبد خضراءهم وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم وكن لنا وليا وبنا حفيا وأصلح لنا شأننا كله ونياتنا وقضاءنا وتبعاتنا واجعلنا لأنعمك من الشاكرين واغفر لنا والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت فى الحياة الدنيا و فى الآخرة إنه بالمؤمنين رءوف رحيم 61
وصيته لشرحبيل بن حسنة
ووجه شرحبيل بن حسنة وودعه فقال له يا شرحبيل ألم تسمع وصيتى ليزيد ابن أبى سفيان قال بلى قال فإنى أوصيك بمثلها وأوصيك بخصال أغفلت ذكرهن

ليزيد أوصيك بالصلاة فى وقتها وبالصبر يوم البأس حتى تظفر أو تقتل وبعيادة المرضى وبحضور الجنائز وذكر الله كثيرا على كل حال 62

وصيته لأبى عبيدة بن الجراح
ولما أراد أن يبعث أبا عبيدة بن الجراح ودعاه فودعه ثم قال له
اسمع سماع من يريد أن يفهم ما قيل له ثم يعمل بما أمر به إنك تخرج فى أشراف الناس وبيوتات العرب وصلحاء المسلمين وفرسان الجاهلية كانوا يقاتلون إذ ذاك على الحمية وهم اليوم يقاتلون على الحسبة والنية الحسنة أحسن صحبة من صحبك وليكن الناس عندك فى الحق سواء واستعن بالله وكفى بالله معينا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا اخرج من غد إن شاء الله 63
وصيته لأبى عبيدة بن الجراح أيضا
فلما كان من الغد خرج أبو بكر رضى الله عنه يمشى فى رجال من المسلمين حتى أتى أبا عبيدة فسار معه حتى بلغ ثنية الوداع ثم قال حين أراد أن يفارقه
يا أبا عبيدة اعمل صالحا وعش مجاهدا وتوف شهيدا يعطك الله كتابك بيمينك ولتقر عينك فى دنياك وآخرتك فوالله إنى لأرجو أن تكون من التوابين الأوابين المخبتين الزاهدين فى الدنيا الراغبين فى الآخرة إن الله قد صنع بك خيرا وساقه إليك إذ جعلك تسير فى جيش من المسلمين إلى عدوه من المشركين فقاتل من كفر بالله وأشرك به وعبده معه غيره

خطبة أبى بكر
وسار أبو عبيدة حتى إذا دنا من الجابية بلغه أن هرقل ملك الروم بأنطاكية وأنه قد جمع لهم جموعا كثيرة فكتب أبو عبيدة إلى أبى بكر يخبره بذلك فقام أبو بكر رضى الله عنه فى الناس
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن إخوانكم المسلمين معافون مكلئون مدفوع عنهم مصنوع لهم وقد ألقى الله الرعب فى قلوب عدوهم منهم وقد اعتصموا بحصونهم وأغلقوا أبوابها دونهم عليهم وقد جاءتنى رسلهم يخبروننى بهرب هرقل ملك الروم من بين أيديهم حتى نزل قرية من قرى الشأم فى أقصى الشام وقد بعثوا إلى يخبروننى أنه قد وجه إليهم هرقل جندا من مكانه ذلك فرأيت أن أمد إخوانكم المسلمين بجند منكم يشدد الله بكم ظهورهم ويكبت بهم عدوهم ويلق بهم الرعب فى قلوبهم فانتدبوا رحمكم الله مع هاشم بن عتبة بن أبى وقاص واحتسبوا فى ذلك الأجر والخير فإنكم إن نصرتم فهو الفتح والغنيمة وإن تهلكوا فهى الشهادة والكرامة 65
وصية أبى بكر لهاشم بن عتبة
ولما سار هاشم بن عتبة ودعه أبو بكر رضى الله عنه وقال له
يا هاشم إنا إنما كنا ننتفع من الشيخ الكبير برأيه ومشورته وحسن تدبيره وكنا ننتفع من الشاب بصبره وبأسه ونجدته وإن الله عز و جل قد جمع لك تلك الخصال كلها وأنت حديث السن مستقبل الخير فإذا لقيت عدوك فاصبر وصابر واعلم أنك لا تخطو خطوة ولا تنفق نفقة ولا يصيبك ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فى سبيل الله إلا كتب الله لك به عملا صالحا إن الله لا يضيع أجر محسنين

فقال هاشم إن يرد الله بى خيرا يجعلنى كذلك وأنا أفعل ولا قوة إلا بالله وأنا أرجو إن أنا لم أقتل أن أقتل إن شاء الله
فقال له عمه سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه يابن أخى لا تطعن طعنة ولا تضربن ضربة إلا وأنت تريد بها وجه الله واعلم أنك خارج من الدنيا رشيدا وراجع إلى الله قريبا ولن يصحبك من الدنيا إلى الآخرة إلا قدم صدق قدمته أو عمل صالح أسلفته
فقال أى عم لا تخالن منى غير هذا إنى إذا لمن الخاسرين إن جعلت حلى وارتحالى وغدوى ورواحى وسيفى وطعنى برمحى وضربى بسيفى رياء للناس
ثم خرج فقدم على أبى عبيدة فتباشر بمقدمة المسلمين 66

خطبة خالد بن الوليد يوم اليرموك
ووجه هرقل إلى كل جيش من جيوش المسلمين جيشا يفوقه فأشار عمرو بن العاص على الأمراء بالاجتماع فأرسلوا إلى أبى بكر فى ذلك فأشار عليهم بمثل رأى عمرو
فاجتمعوا باليرموك وكل واحد من الأمراء أمير على جيشه والروم أمامهم وبين الفريقين خندق فكان الروم يقاتلون باختيارهم وإن شاءوا احتجزوا بخنادقهم فأرسل الأمراء ألى أبى بكر يستمدونه
فكتب إلى خالد بن الوليد أمير جند العراق يأمره أن يستخلف على جنده بعد أن يأخذ معه نصفه ويتوجه إلى الشام مددا لأمرائه فسار إلى الشام ووافى المسلمين وهم متضايقون إذ وصل باهان بجيش مددا للروم فولى خالد قتاله وقاتل كل أمير من بإزائه متساندين فرأى خالد أن هذا القتل لا يجدى نفعا ما دامت كل فرقة من الجيش لها أمير فجمع الأمراء وخطبهم
فحمد الله وأثنى عليه وقال
إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغى فيه الفخر ولا البغى أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده ولا تقاتلوا قوما على نظام وتعبية على تساند

وانتشار فإن ذلك لا يحل ولاينبغي وان من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته
قالوا فهات فما الرأي قال إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أنا سنتياسر ولو علم بالذي كان ويكون لما جمعكم إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم فالله الله فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقص منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ولا يزيده عليه ان دانوا له إن تأمير بعضكم لا ينقضكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله هلموا فإن هؤلاء قد تهيأوا وهذا يوم له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم تزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور الإمارة فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر والآخر غدا بعد غد حتى يتأمر كلكم ودعوني أتأمر اليوم فأمروه وانتهت الموقعة بهزيمة الروم شر هزيمة سنة 13ه
67 -

خطبة أبي عبيدة في وقعة اليرموك
ولما برز المسلمون إلى الروم في وقعة اليرموك سار أبو عبيدة في المسلمين ثم قال
ياعباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فإن وعد الله حق يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار فلا تبرحوا مصافكم ولا تخطوا إليهم خطوة ولا تبدءوهم بقتال وأشرعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت الا من ذكر الله حتى آمركم إن شاء الله

68 -

قصص معاذ بن جبل
وخرج معاذ بن جبل يقص على الناس ويقول :
يا قراء القرآن ومستحفظي الكتاب وأنصار الهدى وأولياء الحق إن رحمة الله والله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادقين المصدقين بما وعدهم الله عز و جل ألم تسمعوا لقول الله ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم )
أنتم إن شاء الله منصورون فأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين واستحيوا من ربكم أن يراكم فرارا من عدوكم وأنتم في قبضته ورحمته وليس لأحد منكم ملجأ ولا ملتجأ من دونه ولا متعزز بغير الله
فجعل يمشي في الصفوف ويحرضهم ويقص عليهم ثم انصرف الىموقفه
69 -
خطبة عمرو بن العاص
ومر عمرو بن العاص يومئذ على الناس فجعل يعظهم ويقص عليهم ويحرضهم ويقول
أيها الناس غضوا أبصاركم واجثوا على الركب وأشرعوا الرماح والزموا مراكزكم ومصافكم فإذا حمل عليكم عدوكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثوب الأسد فوالذي يرضى الصدق ويمقت الكذب ويعاقب عليه

ويجزى بالإحسان لقد بلغني أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم فإنكم لو قد صدقتموهم الشدة لقد انذعروا انذعار أولاد الحجل
70 -

خطبة أبي سفيان بن حرب
وكان أبو سفيان بن حرب يسير في الناس يوم اليرموك ويقف على أهل كل راية وعلى كل جماعة فيحرض الناس ويحضهم ويعظهم ويقول
إنكم يا معشر المسلمين أصبحتم في دارالعجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وأمداد المسلمين وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عددهم شديد عليكم حنقهم وقد وترتموهم في أنفسهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم وبلادهم فلا والله لا ينجيكم منهم اليوم وتبلغون رضوان الله إلا صدق اللقاء والصبر في مواطن المكروة فامتنعوا بسيوفكم وتقربوا بها إلى خالقكم ولتكن هي الحصون التى تلجئون إليها وبها تمنعون
وقاتل أبو سفيان يومئذ قتالا شديدا وأبلى بلاء حسنا
71 -
وصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما عند موته
إني مستخلفك من بعدي وموصيك بتقوى الله إن لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وعملا بالنهارلا يقبله بالليل وإنه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة فإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينة يوم القيامة بأتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم

وحق لميزان لايوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينة يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه الا الباطل أن يكون خفيفا إن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم قلت إني أخاف ألا أكون من هؤلاء وذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ولم يذكر حسناتهم فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو ألا أكون من هؤلاء وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغبا راهبا ولا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإذا حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك وإن ضيعت وصيتي فلا يكن غئب أبغض إليك من الموت ولست بمعجز الله
72 -

كلامه لعبد الرحمن بن عوف في علته التي مات فيها
وقال عبد الرحمن بن عوف
دخلت يوما على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في علته التي مات فيها فقلت له أراك بارئا يا خليفة رسول الله فقال أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي إني وليت أموركم خيركم من نفسي فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حتاب السعدان والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب

عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادى الطريق جرت إنما هو والله الفجر أو البجر
فقلت خفض عليك يا خليفة رسول الله فإن هذا يهيضك إلى ما بك فوالله مازلت صالح مصلحا لا تأسى على شئ فاتك من أمر الدنيا ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا
73 -

خطبة السيدة عائشة في الانتصار لأبيها
يروى أنه بلغ عائشة رضي الله عنها أن أقواما يتناولون أبا بكر رضي الله عنه فأرسلت إلى أزفلة من الناس فلما حضروا أسدلت أستارها وعلت وسادها ثم قالت
أبي وما أبيه أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وفرع مديد هيهات كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى قريس ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعبها ويلم شعثها حتى حليته قلوبها ثم

استشرى في دين الله فما برحت شكيمته في ذات الله عز و جل حتى اتخذ بفنائه مسجدا يحيى فيه ما أمات المبطلون وكان رحمه الله غزير الدمعة وقيذ الجوانح شجي النشيج فانقضت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) فأكبرت ذلك رجالات من قريش فحنت قسيها وفوقت سهامها وامتثلوه غرضا فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومر على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه ورست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجا ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا اختارالله لنبيه ماعنده فلما قبض الله نبيه ضرب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله وأجلب بخيله ورجله واضطرب حبل الإسلام ومرج عهده وماج أهله وبغى الغوائل فظنت رجال أن قد أكثبت أطماعهم ولات حين الذي يرجون وأني والصديق بين أظهرهم فقام حاسرا مشمرا

فجمع حاشيته ورفع قصريه فرد رسن الإسلام على غربه ولم سعثه بطبه وانتاش الدين فنعشه فما أراح الحق على أهله وفرر الؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها أتته منيته فسد ثلمته بنظيره في الرحمة وشقيقة في السيرة والمعدلة ذاك بان الخطاب فلله در ام حملت به ودرب عليه لقد أوحدت به ففنخ الكفرة ويدخها وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها ولفظت خبأها ترأمه ويصدف عنها وتصدى له ويأباها ثم وزع فيها فيئها وودعها كما صحبها فأروني ماذا ترتئون وأي يومي أبي تنقمون أيوم إقامته إذ عدل فيكم أم يوم ظعنه إذ نظر لكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت أنشدكم الله هل أنكرتم مما قلت شيئا قالوا اللهم لا

74 -

رثاؤها لأبيها
لما توفي أبو بكر رضي الله عنه وقفت عائشة على قبره فقالت
نضر الله وجهك يا أبت وشكرلك صالح سعيك فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها وللآخرة معزا بإقبالك عليها ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله رزؤك وأعظم المصائب بعده فقدك إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك حسن العوض منك وأنا أستنجز موعود الله تعالى بالصبر فيك وأستقضيه بالاستغفار لك أما لئن قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين لما وهي شعبه وتفاقم صدعه ورجفت جوانبه فعليك سلام الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك

خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه
75 -
خطبته حين ولى الخلافة
لما استخلف عمر رضي الله عنه صعد المنبر فقال إني قائل كلمات فأمنوا عليهن فكان أول منطق نطق به حين استخلف قال
إنما مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده وأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق
76 -
خطبة أخرى
وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار لما ولى عمر صعد المنبر فقال ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر ثم نزل عن مجلسه مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله

بمنزله والي اليتيم ان استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهمة الأعرابية القضم لا الخضم
77 -

خطبة له
وذكر الطبري أنه خطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم ذكر الناس بالله عز و جل واليوم الآخر ثم قال
يأيها الناس إني قد وليت عليكم ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم استضلاعا بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم ولكفى عمر مهما محزنا انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها ووضعها أين أضعها وبالسير فيكم كيف أسير فربى المستعان فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز و جل برحمته وعونة وتأييده
78 - خطبة له
ثم خطب فقال
إن الله عز و جل قد ولاني أمركم وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم وإني أسأل الله أن يعينني عليه وأن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره وأن يلهمني العدل

في قسمكم كالذي أمرني به وإني امرؤ مسلم وعبد ضعيف إلا ما أعان الله عز و جل ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله إنما العظمة لله عز و جل وليس للعباد منها شئ فلا يقولن أحد منكم إن عمر تغير منذ ولي أعقل الحق من نفسي وأتقدم وأبين لكم امري فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا في خلق فليؤذني فإنما أنا رجل منكم فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم وأعراضكم وأعطوا الحق من أنفسكم ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إلى فإنه ليس بينى وبين أحد من الناس هوادة وانا حبيب إلى صلاحكم عزيز على عنتكم وأنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع إلا ما جاء الله به إليه وإن الله عز و جل قد وعدكم كرامة كثيرة وأنا مسئول عن أمانتي وما أنا فيه ومطلع على ما بحضرتي بنفسي إن شاء الله لا أكله إلى أحد ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله
79 -

خطبة أخرى
وقال ابن عبد ربه وخطب إذ ولى الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يأيها الناس إني داع فأمنوا اللهم إني غليظ فليني لأهل طاعتك بموافقة الحق ابتغاء وجهك والدار الآخرة وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم اللهم إني شحيح فسخني

في نوائب المعروف قصدا من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمعة واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة اللهم ارزقني خفض الجناح ولين الجانب للمؤمنين اللهم إني كثير الغفلة والنسيان فألهمني ذكرك على كل حال وذكر الموت في كل حين اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك اللهم ثبتى باليقين والبر والتقوى وذكر المقام بين يديك والحياء منك وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني والمحاسبة لنفسي وإصلاح الساعات والحذر من الشبهات اللهم ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك والفهم له والمعرفة بمعانيه والنظر في عجائبه والعمل بذلك ما بقيت إنك على كل شئ قدير 80

خطبة له
وخطب أيضا فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي
أيها الناس إن بعض الطمع فقر وإن بعض اليأس غنى وإنكم تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون وأنتم مؤجلون في دار غرور كنتم على عهد رسول الله تؤخذون بالوحي فمن أسر شيئا أخذ بسريرته ومن أعلن شيئا أخذ بعلانيته فأظهروا لنا أحسن أخلاقكم والله أعلم بالسرائر فإنه من أظهر لنا قبيحا وزعم أن سريرته حسنة لم نصدقة ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا وأعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون أيها الناس أطيبوا مثواكم وأصلحوا أموركم واتقوا الله ربكم ولا تلبسوا نساءكم القباطى فإنه إن لم يشف فإنه يصف أيها الناس إني لوددت

أن أنجو كفافا لالى ولا على وإني لأرجو إن عمرت فيكم يسيرا أو كثيرا ان أعمل بالحق فيكم إن شاء الله وأن لا يبقى أحد من المسلمين وإن كان في بيته إلا أتاه حقه ونصيبه من مال الله وإن لم يعمل إليه نفسه ولم ينصب إليه بدنه وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله ولقليل في رفق خير من كثير في عنف والقتل حتف من الحتوف يصيب البر والفاجر والشهيد من احتسب نفسه وإذا أراد أحدكم بعيرا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضر به بعصا فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره
81 - خطبة له
وخطب أيضا فقال
إن الله سبحانه وبحمده قد استوجب عليكم الشكر واتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الآخرة والدنيا من غير مسألة منكم له ولا رغبة منكم فيه إليه فخلقكم تبارك وتعالى ولم تكونوا شيئا لنفسه وعبادته وكان قادرا أن يجعلكم لأهون خلقه عليه فجعل لكم عامة خلقه ولم يجعلكم لشئ غيره وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وحملكم في البر والبحر ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا وبصرا ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم ومنها نعم اختص بها أهل دينكم ثم صارت تلك النعم خواصها وعوامها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة الا لو قسم ما وصل إليه منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها وفدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا امتان أمة مستعبدة للإسلام وأهله

يتجرون لكم تستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباههم وعليهم المئونة ولكم المنفعة وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجئون إليه ولا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله عز و جل ونزلت بساحتهم مع رفاغة العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة التي لم تكن هذه الأمة على أحسن منها مذ كان الإسلام والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ مع هذا شكر الشاكرين وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها ولا يقدر قدرها ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه فنسأل الله الذي لا إله إلا هو الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته والمسارعة إلى مرضاته فاذكروا عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفي مجالسكم مثنى وفرادى فإن الله عز و جل قال لموسى ( أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ) وقال لمحمد ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ) فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها وتستريحون إليها مع المعرفة بالله ودينه وترجون بها الخير فيما بعد الموت لكان ذلك ولكنكم كنتم أشد الناس معيشة وأعظم الناس بالله جهالة فلو كان هذا الذى ابتلاكم به لم يكن معه حظ فى دنياكم غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد والمنقلب وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه كنتم أحرياء أن تشحوا على نصيبكم منه وأن تظهروه على غيره فبله ما أنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا وكرامة الآخرة أو لمن شاء أن يجمع له ذلك منكم فإذكركم الله الحائل بينكم وبين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله

فعملتم له وقسرتم أنفسكم على طاعته وجمعتم مع السرور بالنعم خوفا لزوالها ولانتقالها ووجلا من تحويلها فإنه لا شئ أسلب للنعمة من كفرانها وإن الشكر أمن للغير ونماء للنعمة واستجلاب للزيادة وهذا لله على من أمركم ونهيكم واجب
82 -

خطبة له
وخطب أيضا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ ابن جبل ومن أراد ان يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا وقاسما إني بادئ بأزواج رسول الله فمعطيهن ثم المهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أنا وأصحابي ثم بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ثم من أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العطاء ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته إني قد بقيت فيكم بعد صاحبي فابتليت بكم وابتليتم بي وإني لن يحضرني من أموركم شئ فأكله إلى غير أهل الجزاء والأمانة فلئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم
83 - خطبة له
وخطب أيضا فقال
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورحمنا بنبيه فهدانا له من الضلالة وجمعنا به من الشتات وألف بين قلوبنا ونصرنا على

عدونا ومكن لنا في البلاد وجعلنا به إخوانا متحابين فاحمدوا الله على هذه النعمة واسألوه المزيد فيها والشكر عليها فإن الله قد صدقكم الوعد بالنصر على من خالفكم وأياكم والعمل بالمعاصي وكفر النعمة فقلما كفر قوم بنعمة ولم ينزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم أيها الناس إن الله قد أعز دعوة هذه الأمة وجمع كلمتها وأظهر فلجها ونصرها وشرفها فاحمدوه عباد الله على نعمه واشكروه على آلائة جعلنا الله وإياكم من الشاكرين
84 -

خطبة له
وخطب عمر الناس فقال
والذي بعث محمدا بالحق لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب
قال أبو زيد آل الخطاب يعني نفسه ما يعني غيرها
85 - خطبة له
وخطب أيضا فقال
أيها الناس إنه أتي على حين وأنا أحسب أن من قرأ القرآن إنما يريد به الله وما عنده ألا وإنه قد خيل إلى أن أقواما يقرءون القرآن يريدون به ما عند الناس ألا فأريدوا الله بقراءتكم وأريدوه بأعمالكم فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل وإذ النبي بين أظهرنا فقد رفع الوحي وذهب النبي فإنما أعرفكم بما أقول لكم ألا فمن أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا وأثنينا به عليه

ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فإنها طلعة وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية إن هذا الحق ثقيل مرئ وإن الباطل خفيف وبئ وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة ورب نظرة زرعت شهوة وشهوة ساعة أورثت حزنا طويلا
وفي رواية صاحب العقد ألا وإني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وسنتكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ويأخذوا أموالكم ألا من رابه شئ من ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفسي بيده لأقصنكم منه فقام عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن بعثت عاملا من عمالك فأدب رجلا من رعيتك فضربه أتقصه منه قال نعم والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه فقد رأيت رسول الله يقص من نفسه
وفي رواية الطبري
وخطب عمر الناس يوم الجمعة فقال اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم وأن يقيموا فيهم فيئهم وأن يعدلوا فإن أشكل عليهم شئ رفعوه إلى
يأيها الناس إني والله ما أرسل إليكم عمالا ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم فمن فعل به شئ سوى ذلك فليرفعه إلى فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه
فوثب عمرو بن العاص فقال
يا أميرالمؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنك لتقصنه منه قال إي والذي نفس عمر بيده إذن لأقصنه منه وكيف

لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم
86 -

خطبته عام الرمادة
وخطب عام الرمادة بالعباس رحمه الله
حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال
أيها الناس استغفروا ربكم إنه كان غفارا اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبار رجاله فإنك تقول وقولك الحق ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا ) فحفظتهما لصلاح أبيهما فاحفظ اللهم نبيك في عمه اللهم اغفر لنا إنك كنت غفارا اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسيرة بمضيعة اللهم قد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم أغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
فما برحوا حتى علقوا الحذاء وقلصوا المآزز وطفق الناس بالعباس يقولون هنيئا لك يا ساقي الحرمين

87 -

خطبته وقد بلغه أن قوما يفضلونه على أبي بكر
وبلغه أن قوما يفضلونه على أبي بكر الصديق فوثب مغضبا حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال
أيها الناس إني سأخبركم عني وعن أبي بكر إنه لما توفي رسول الله ارتدت العرب ومنعت شاتها وبعيرها فأجمع رأينا كلنا أصحاب محمد أن قلنا له يا خليفة رسول الله إن رسول الله كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمده الله بهم وقد انقطع ذلك اليوم فالزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بقتال العرب فقال ابو بكر أو كلكم رأيه على هذا فقلنا نعم فقال والله لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلى من أن يكون رأيي هذا ثم صعد المنبر فحمد الله وكبره وصلى على نبيه ثم أقبل على الناس فقال
أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت أيها الناس أن كثر أعداؤكم وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب والله ليظهرن الله هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون قوله الحق ووعده الصدق بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين والله أيها الناس لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه واستعنت عليهم الله وهو خير معين ثم نزل

خطب الفتوح في عهد عمر
في فتح فارس
كان المثنى بن حارثة الشيباني أمير جيش العراق قدم على أبي بكر بالمدينة يستمده فألفاه مريضا ووصى أبو بكر عمر بالمبادرة إلى إرسال الجيوش معه فكان أول ما عمل به عمر أن ندب الناس مع المثنى إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر من الليلة التي مات فيها أبو بكر وكان وجه فارس من أكره الوجوه اليهم وأثقلها عليهم لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم الأمم وجعل يندبهم ثلاثة أيام فلا ينتدب أحد إلى فارس فلما كان اليوم الرابع عاد فندب الناس إلى العراق فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار وتتابع الناس وتكلم المثنى بن حارثة فقال
88 -
خطبة المثنى بن حارثة الشيباني
أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد تبحبحنا ريف فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم واجترأنا من قبلنا عليهم ولها إن شاء الله ما بعدها
89 -
خطبة عمر رضي الله عنه
وقام عمر في الناس فقال
إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك

أين الطراء المهاجرون عن موعود الله سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال ( ليظهره على الدين كله ) والله مظهر دينه ومعز ناصره ومولى أهله مواريث الأمم أين عباد الله الصالحون
فلما اجتمع له البعث أمر عليهم أو لهم انتدابا وهو أبو عبيد وقال له اسمع من أصحاب رسول الله وأشركهم في الامر ولاتجتهد مسرعا حتى تتبين فإنها الحرب والحرب لا يصلحها الا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف
90 -

وصية عمر لأبي عبيد بن مسعود
وتقدم عمر إلى ابي عبيد بن مسعود فقال
إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية تقدم على قوم قد جرءوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون واخزن لسانك ولا تفشين سرك فإن صاحب السر ما ضبطه متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه وإذا ضيعه كان بمضيعة
91 -
خطبة له وقد شيع جيش سعد بن أبي وقاص
وشيع جيش سعد بن أبي وقاص حين وجهه لحرب العراق فقام في الناس خطيبا فقال
إن الله تعالى أنما ضرب لكم الأمثال وصرف لكم الأقوال ليحيي بها

القلوب فإن القلوب ميتة في صدورها حتى يحييها الله من علم شيئا فلينتفع به وإن للعدل أمارات وتباشير فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين وأما التباشير فالرحمة وقد جعل الله لكل أمر بابا ويسر لكل باب مفتاحا فباب العدل الاعتبار ومفتاحه الزهد والاعتبار ذكر الموت بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال والزهد أخذ الحق من كل أحد قبله حق وتأدية الحق إلى كل أحد له حق ولا تصانع في ذلك احدا واكتف بما يكفه من الكفاف فإن من لم يكفيه الكفاف لم يغنه شئ إني بينكم وبين اله وليس بيني وبينه أحد وإن الله قد ألزمني دفع الدعاء عنه فأنهوا شكاتكم إلينا فمن لم يستطع فإلى من يبلغناها نأخذ له الحق غير متعتع
92 -

وصيته لسعد بن أبي وقاص
وصى سعد بن أبي وقاص حين أمره على حرب العراق فقال
يا سعد سعد بنى وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله وصاحب رسول الله فإن الله عز و جل لا يمحو السيئ بالسيئ ولكنه يمحو السيئ بالحسن فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته فالناس شريفهم ووضعيهم في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت النبي منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمه فإنه الأمر هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين
93 -
وصيته لسعد بن أبي وقاص أيضا
ولما أراد أن يسرحه دعاه فقال
إني قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتي فإنك تقدم على امر شديد كريه

لا يخلص منه إلا الحق فعود نفسك ومن معك الخير واستفتح به واعلم أن لكل عادة عتادا فعتاد الخير الصبر فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك يجتمع لك خشية الله واعلم أن خشية الله تجتمع في امرين في طاعته واجتناب معصيته وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء منها السر ومنها العلانية فأما العلانية فأن يكون حامده وذامه في الحق سواء وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه علي لسانه وبمحبة الناس فلا تزهد في التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم وإن الله إذا أحب عبدا حببه وإذا أبغض عبدا بغضه فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس ممن يشرع معك في أمرك
94 -

وصية أخرى كتبها إلى سعد بن أبي وقاص
وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن ابي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد
أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله

ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا فرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني اسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس فجاسو اخللال الجدينار وكان وعدا مفعولا واسالوا اللهالعون لى أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسأل الله تعالى ذلك لنا ولكم وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيرا يتبعهم ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك الا من تثق بدينه ولا يرزأ أحدا من أهلها شيئا فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم خيرا ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح وإذا وطئت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عينا لك وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم وتنق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك وتخير لهم سوابق الخيل فإن لقوا عدوا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد ولا تخض بها أحدا بهوى فتضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل

خاصتك ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف فيه غلبة أو ضيعة ونكاية فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يستكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها فتصنع بعدوك كصنعة بك ثم أذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك ولا تؤتي بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب به عدو الله وعدوك والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان
95 -

وصيته للمجاهدين
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند عقد الألوية
بسم الله وبالله وعلى عون الله امضوا بتأييد الله وما النصر إلا من عند الله ولزوم الحق والصبر فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ولا تجبنوا عند اللقاء ولا تمثلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند شن الغارات

96 -

وصية عمر ليعلى بن أمية في إجلاء أهل نجران
روى الطبراني قال
كان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد ثم بعث يعلى بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء أهل نجران لوصية رسول الله في مرضه بذلك ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه وقال
ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم ثم أجلهم من أقام منهم على دينه وأقرر المسلم وامسح أرض كل من تجلى منهم ثم خيرهم البلدان وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله الا يترك بجزيرة العرب دينان فليخرجوا من أقام على دينه منهم ثم نعطيهم أرضا كأرضهم إقرارا لهم بالحق على أنفسنا ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك بدلا بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف
97 -
خطبة لعمر
ولما انتهى إلى عمر قتل أبي عبيد بن مسعود نادى في المهاجرين والأنصار وخرج حتى أتى صرارا فعسكر به واستشار الناس فكلهم أشار عليه بالسير إلى فارس واستشار ذوي الرأي فاشاروا عليه أن يقيم ويبعث رجلا فقام في الناس فقال إن الله عز و جل قد جمع على الإسلام أهله فألف بين القلوب وجعلهم فيه إخوانا والمسلمون فيما بينهم كالجسد لا يخلو منه شىء من شىء أصاب غيره وكذلك يحق على المسلمين أن يكونوا ( وأمرهم شورى بينهم ) بين ذوي الرأي منهم فالناس تبع لمن قام

بهذا الأمر ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعا لهم ومن قام بهذا الأمر تبع لأولى رأيهم ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعا لهم
يا أيها الناس إني إنماكنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج فقد رأيت ان أقيم وأبعث رجلا وقد أحضرت هذا الأمرمن قدمت ومن خلفت
98 -

خطبة جرير بن عبد الله البجلي
وقال المثنى بن حارثة وهو على قتال فارس من يتبع الناس إلى السيب فقام جرير بن عبد الله البجلي في قومه فقال
يا معشر بجيلة إنكم وجميع من شهد هذا اليوم في السابقة والفضيلة والبلاء سواء وليس لأحد منهم في هذا الخمس غدا من النفل مثل الذي لكم منه ولكم ربع خمسه نفلا من أمير المؤمنين فلا يكونن أحد أسرع إلى هذا العدو ولا أشد عليه منكم للذي لكم منه ونية إلى ما ترجون فإنما تنتظرون إحدى الحسنين الشهادة والجنة أو الغنيمة والجنة
99 -
خطبة سعد بن أبي وقاص يوم أرماث
وخطب سعد بن أبي وقاص يوم أرماث سنة 14ه فحمد الله وأثنى عليه وقال
إن الله هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خلف قال الله جل ثناؤه

( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) إن هذا ميراثكم وموعود ربكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فأنتم تطعمون منها وتأكلون منها وتقتلون أهلها وتجبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم وقد جاءكم منهم هذا الجمع وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة وعز من وراءكم فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة ولا يقرب ذلك أحدا إلى أجله وإن تفشلوا وتهنوا وبتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم
100 -

خطبة عاصم بن عمرو
وقام عاصم بن عمرو فقال
إن هذه بلاد قد أحل الله لكم أهلها وأنتم تنالون منها منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم وأنتم الأعلون والله معكم إن صبرتم وصدقتموهم الضرب والطعن فلكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم وإن خرتم وفشلتم والله لكم من ذلك جار وحافظ لم يبق هذا الجمع منكم باقية مخافة أن تعودوا عليهم بعائده هلاك الله الله اذكروا الأيام وما منحكم الله فيها أولا ترون أن الأرض وراكم بسابس قفار ليس فيها خمر ولا وزر يعقل إليه ويمتنع به اجعلوا همكم الآخرة
101 -
خطبة طليحة بن خويلد الآسدي
وحمل أصحاب الفيلة من جيش الفرس على المسلمين وكادت بجيلة أن تؤكل فرت عنها خيلها نفارا فأرسل سعد إلى بني أسد ذببوا عن بجيلة وقام طليحة بن خويلد الأسدي في قومه حين استصرخهم سعد فقال

يا عشيرتاه ان المنوه باسمه الموثوق به وإن هذا لو علم أن احدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم استغاثهم ابتدئوهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعله شدوا ولا تصدوا وكروا ولا تفروا لله در ربيعة أي فري يفرون وأي قرن يغنون هل يوصل إلى مواقفهم فأغنوا عن مواقفكم أعانكم الله شدوا عليهم باسم الله
102 -

الخنساء تحرض أولادها على القتال
حضرت الخنساء حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فقالت لهم
يا بني أنتم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غبرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله عز و جل ( ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فإذا أصبحتم غدا فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ولله على أعدائه مستنصرين
فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون الأراجيز فقاتلوا حتى استشهدوا جميعا فلما بلغها الخبر قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته فكان عمر رضي الله عنه يعطيها أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد منهم مائة درهم حتى قبض وماتت الخنساء

103 -

خطبة عتبة بن غزوان
وفي سنة 14ه وجه عمربن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة وأمره بنزولها بمن معه وقطع مادة أهل فارس عن الذين بالمدائن ونواحيها منهم فرفعوا له منبرا وقام يخطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال
اما بعد فإن الدنيا قد تولت حذاء مدبرة وقد آذنت أهلها بصرم وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يصطبها صاحبها ألا وإنكم مفارقوها لا محالة ففارقوها بأحسن ما يحضركم ألا وإن من العجب أني سمعت رسول الله يقول إن الحجر الضخم يلقى في النار من شفيرها فيهوي فيها سبعين خريفا ولجهنم سبعة ابواب ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة ولتأتين عليها ساعة وهي كظيظ بالزحام ولقد كنت مع رسول الله سابع سابعة مالنا طعام الا ورق البشام حتى قرحت أشداقنا فوجدت أنا وسعد بن مالك تمرة فشققتها بينى وبينه نصفين والتقطت بردة فشققتها بين بوبينه فأتزرت بنصفها وأتزر بنصفها وما منا أحد اليوم إلا وهو أمير على مصر من الأمصار وإنه لم يكن نبوة قط إلا تناسختها جبرية وأنا أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وفي أعين الناس صغيرا وستجربون الأمراء من بعدي فتعرفون وتنكرون

104 -

خطبة لسعد بن أبي وقاص
ولما نزل سعد بهرسير وهي المدينة الدنيا طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى على نهر دجلة فلم يقدر على شئ ووجدهم قد ضموا السفن فجمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال
إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه معه وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شئ تخافون أن تؤتوا منه فقد كفاكموه أهل الأيام وعطلوا ثغورهم وأفنوا ذادتهم وقد رأيت من الرأي ان تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم
فقالوا جميعا عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل
واقتحم دجلة وفتح المدينة القصوى سنة 16ه
105 -
خطبة عمر
ولما تجمعت جموع الفرس بنهاوند كتب سعد إلى عمر يخبره بذلك فاجتمع الناس وقام عمرعلى المنبر خطيبا فأخبرهم الخبر واستشارهم وقال
هذا يوم له ما بعده من الأيام ألا وإني قد هممت بأمر وإني عارضه عليكم فاسمعوه ثم أخبروني وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ولا تكثروا ولا تطيلوا فتفشغ بكم الأمور ويلتوى عليكم الرأي أفمن الرأي أن أسير فيمن قبلى ومن قدرت عليه حتى أنزل منزلا وسطا بين هذين المصرين فأستنفزهم ثم أكون

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6