كتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة
المؤلف : أحمد زكي صفوت

139 -

الجاحظ وابن أبى داود
وكان الجاحظ مختصا بمحمد بن عبد الملك الزيات منحرفا عن أحمد بن أبى داود فلما نكب ابن الزيات حمل الجاحظ مقيدا من البصرة وفي عنقه سلسلة وعليه قميص سمل فلما دخل على القاضى أحمد قال له والله ما أعلمك إلا متناسيا للنعمة كفورا للصنيعة معدنا للمساويء وما فتنتنى باستصلاحى لك ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك ورداءة دخيلتك وسوء اختيارك وغالب طباعك
فقال الجاحظ خفض عليك أيدك الله فوالله لأن يكون لك الأمر على خير من أن يكون لى عليك ولأن أسىء وتحسن أحسن في الأحدوثة عليك من أن أحسن وتسىء ولأن تعفو عنى في حال قدرتك أجمل بك من الانتقام مني
فقال أحمد والله ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام فحل عنه الغل والقيد وأحسن إليه وصدره في المجلس

140 -

أبو العيناء وابن أبى داود
وقال أبو العيناء لابن أبى داود إن قوما من أهل البصرة قدموا إلى سر من رأى يدا على فقال يد الله فوق أيديهم فقلت إن لهم مكرا فقال ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فقلت إنهم كثير قال ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) تم الجزء الثالث ويليه ذيل الجمهره

الباب الأول في خطب الأندلسيين والمغاربة
1 - خطبة عبد الرحمن الداخل المتوفى سنة 171ه يوم حربه مع يوسف الفهري صاحب الأندلس
لما اشتد الكرب بين يدي عبد الرحمن الداخل يوم حربه مع يوسف الفهري صاحب الأندلس ورأى شدة مقاساة أصحابه قال
هذا اليوم هو أس ما يبني عليه إما ذل الدهر وإما عز الدهر فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون
ولما أنحى أصحابه على أصحاب الفهري بالقتل يوم هزيمتهم على قرطبة قال

لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم واستبقوهم لأشد عداوة منهم يشير إلى استبقائهم ليستعان بهم على أعداء الدين
2 -

عبد الرحمن الداخل ورجل من جند قنسرين
ولما أذعن يوسف صاحب الأندلس لعبد الرحمن واستقر ملكه استحضر الوفود إلىقرطبة فانثالوا عليه ووالى القعود لهم في قصره عدة أيام في مجالس يكلم فيها رؤساءهم ووجوههم بكلام سرهم وطيب نفوسهم
وفي بعض مجالسهم هذه مثل بين يديه رجل من جند قنسرين يستجديه فقال له
يابن الخلائف الراشدين والسادة الأكرمين إليك فررت وبك عذت من زمن ظلوم ودهر غشوم قلل المال وكثر العيال وشعث الحال فصير إلى نداك المال وأنت ولى الحمد والمجد والمرجو للرفد فقال له عبد الرحمن مسرعا
قد سمعنا مقالتك وقضينا حاجتك وأمرنا بعونك على دهرك على كرهنا لسوء مقامك فلا تعودن ولا سواك لمثله من إراقة ماء وجهك بتصريح المسألة والإلحاف في الطلبة وإذا ألم بك خطب أو حزبك أمر فارفعه إلينا في رقعة لا تعدوك كيما نستر عليك خلتك ونكف شمات العدو عنك بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا عز وجهه بإخلاص الدعاء وبصدق النية

وأمر له بجائزة حسنة وخرج الناس يتعجبون من حسن منطقه وبراعة أدبه وكف فيما بعد ذوو الحاجات عن مقابلته بها شفاها في مجلسه
3 -

عبد الرحمن الداخل ورجل من جنده يهنئه بفتح سرقسطة
ولما فتح عبد الرحمن الداخل سرقسطة وحصل في يده ثائرها الحسين الأنصارى وانتهى نصره فيها إلى غاية أمله أقبل خواصه يهنئونه فجرى بينهم أحد من لا يؤبه به من الجند فهنأه بصوت عال فقال له عبد الرحمن
والله لولا أن هذا اليوم يوم أسبغ على فيه النعمة من هو فوقي فأوجب على ذلك أن أنعم فيه على من هو دوني لأصليتك ما تعرضت له من سوء النكال من تكون حتى تقبل مهنئا رافعا صوتك غير متلجلج ولا متهيب لمكان الإمارة ولا عارف بقيمتها حتى كأنك تخاطب أباك أو أخاك وإن جهلك ليحملك على العود لمثلها فلا تجد مثل هذا الشافع في مثلها من عقوبة
فقال ولعل فتوحات الأمير يقترن اتصالها باتصال جهلى وذنوبي فتشفع لي متى أتيت بمثل هذه الزلة لا أعدمنيه الله تعالى
فتهلل وجه الأمير وقال ليس هذا باعتذار جاهل ثم قال نهونا على أنفسكم إذا لم تجدوا من ينبهنا عليها ورفع مرتبته وزاد في عطائه
4 -
تاديب عبد الرحمن الاوسط لابنه المنذر
كان المنذر ابن الأمير عبد الرحمن الأوسط سيء الخلق في أول أمره كثير الإصغاء إلى أقوال الوشاة مفرط القلق مما يقال في جانبه معاقبا على ذلك من يقدر على معاقبته

مكثر التشكى ممن لا يقدر عليه لوالده الأمير عبد الرحمن فطال ذلك على الأمير فأمر ثقة من ثقاته أن يبنى بجبل منقطع عن العمران بناء يسكن فيه ابنه وألا يدع أحدا من أصحابه يزوره فلما استقر المنذر في ذلك المكان وبقي وحده ونظر إلى ما سلبه من الملك ضجر وقال للثقة عسى أن يصلني غلماني وأصحابى آنس بهم فقال له إن الأمير أمر ألا يصلك أحد وأن تبقى وحدك لتستريح مما يرفع لك أصحابك من الوشاية فعلم أن الأمير قصد بذلك محنته وتأديبه فكتب إليه يشكو استيحاشه بمكانه فلما وقف الأمير على رقعته وعلم أن الأدب بلغ به حقه استدعاه فقال له
وصلت رقعتك تشكو ما أصابك من توحش الانفراد في ذلك الموضع وترغب أن تأنس بخولك وعبيدك وأصحابك وإن كان لك ذنب يترتب عليه أن تطول سكناك في ذلك المكان وما فعلت ذلك عقابا لك وإنما رأيناك تكثر الضجر والتشكى من القال والقيل فأردنا راحتك بأن نحجب عنك سماع كلام من يرفع لك وينم حتى تستريح منهم
فقال له سماع ما كنت أضجر منه أخف على من التوحد والتوحش والتخلي مما أنا فيه من الرفاهية والأمر والنهي
فقال له فإذ قد عرفت وتأدبت فارجع إلى ما اعتدته وعول على أن تسمع كأنك لم تسمع وترى كأنك لم تر وقد قال النبي لو تكاشفتم ما تدافنتم واعلم أنك أقرب الناس إلى وأحبهم في وبعد هذا فما يخلو صدرك في وقت من الأوقات عن إنكار على وسخط لما أفعله في جانبك أو جانب غيرك

مما لو أطلعنى الله تعالى عليه لساءنى لكن الحمد لله الذى حفظ ما بين القلوب بستر بعضها عن بعض فيما يجول فيها وإنك لذو همة ومطمح ومن يكن هكذا يصبر ويغض ويحمل ويبدل بالعقاب الثواب ويصبر الأعداء من قبيل الأصحاب ويصير من الشخص على ما يسوء فقد يرى منه بعد ذلك ما يسر ولقد يخف على اليوم من قاسيت من فعله وقوله ما لو قطعتم عضوا عضوا لما ارتكبوه مني ما شفيت منهم غيظى ولكن رأيت الإغضاء والاحتمال لاسيما عند الاقتدار أولى ونظرت إلى جميع من حولي ممن يحسن ويسئ فوجدت القلوب متقاربة بعضها من بعض ونظرت إلى المسيء يعود محسنا والمحسن يعود مسيئا وصرت أندم على من سبق له مني عقاب ولا أندم على من سبق له مني ثواب فالزم يا بني معالي الأمور وإن جماعها في التغاضي ومن لا يتغاض لا يسلم له صاحب ولا يقرب منه جانب ولا ينال ما تترقى إليه همته ولا يظفر بأمله ولا يجد معينا حين يحتاج إليه
فقبل المنذر يده وانصرف ولم يزل يأخذ نفسه بما أوصاه والده حتى تخلق بالخلق الجميل وبلغ ما أوصاه به أبوه ورفع قدره
5 -

عبد الرحمن الأوسط وابنه المنذر أيضا
وقال له أبوه يوما إن فيك لتيها مفرطا فقال له حق لفرع أنت أصله أن يعلو فقال له يا بنى إن العيون تمج التياه والقلوب تنفر عنه فقال يا أبي لي من العز والنسب وعلو المكان والسلطان ما يجل عن ذلك وإني لم أر العيون إلا مقبلة علي ولا الأسماع إلا مصغية إلى وإن لهذا السلطان رونقا يريقه التبذل وعلوا يخفضه الانبساط ولا يصونه ويشرفه إلا التيه والانقباض وإن هؤلاء الأنذال

لهم ميزان يسبرون به الرجل منا فإن رأوه راجحا عرفوا له قدر رجاحته وإن رأوه ناقصا عاملوه بنقصه وصيروا تواضعه صغرا وتخفضه خسة فقال له أبوه لله أنت فابق وما رأيت
6 -

يعقوب بن عبد الرحمن الأوسط وأحد خدامه
ومدح بعض الشعراء يعقوب بن عبد الرحمن الأوةسطك فأمر له بمال جزيل فلما كان مثل ذلك الوقت جاءه بمدح آخر فقال أحد خدام يعقوب هذا اللئيم له دين عندنا يقتضيه فقال الأمير
يا هذا إن كان الله تعالى خلقك مجبولا على كره رب الصنائع فاجر على ما جبلت عليه في نفسك ولا تكن كالأجرب يعدى غيره وإن هذا رجل قصدنا قبل فكان منا ما أشر به وحمله على العودة وقد ظن فينا خيرا فلا تخيب ظنه والحديث أبدا يحفظ القديم وقد جاءنا على جهة التهنئة بالعمر ونحن نسأل الله تعالى أن يطيل عمرنا حتى يكثر ترداده ويديم نعمنا حتى نجد ما ننعم به عليه ويحفظ علينا مروءتنا حتى يعيننا علىالتجمل معه ولا يبلينا بجليس مثلك يقبض أيدينا عن إسداء الأيادى
وأمر للشاعر بما كان أمر له به قبل وأوصاه بالعود عند حلول ذلك الأوان ما دام العمر

7 -

وفاء الوزير ابن غانم لصديقه الوزير هاشم بن عبد العزيز واعتذاره عنه لدى
الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط
كان الوزير الوليد بن عبد الرحمن بن غانم صديقا للوزير هاشم بن عبد العزيز ثابتا على مودته فلما قضى الله على هاشم بالأسر أجرى السلطان محمد بن عبد الرحمن الأموي ذكره في جماعة من خدامه والوليد حاضر فنسبه إلى الطيش والعجلة والاستبداد برأيه فلم يكن فيهم من اعتذر عنه غير الوليد فقال
أصلح الله تعالى الأمير إنه لم يكن على هاشم التخير في الأمور ولا الخروج عن المقدور بل قد استعمل جهده واستفرغ نصحه وقضى حق الإقدام ولم يكن ملاك النصر بيده فخذله من وثق به ونكل عنه من كان معه فلم يزحزح قدمه عن موطن حفاظه حتى ملك مقبلا غير مدبر مبليا غير فشل فجوزى خيرا عن نفسه وسلطانه فإنه لا طريق للملام عليه وليس عليه ما جنته الحرب الغشوم وأيضا فإنه ما قصد أن يجود بنفسه إلا رضا للأمير واجتنابا لسخطه فإذا كان ما اعتمد فيه الرضا جالب التقصير فذلك معدود في سوء الحظ
فأعجب الأمير كلامه وشكر له وفاءه وأقصر عن تفنيد هاشم وسعى في تخليصه

8 - خطبة منذر بن سعيد البلوطي المتوفي سنة 355ه في الاحتفال بقدوم رسل ملك الروم
روى المؤرخون أن الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بلغ من عزة الملك ورفعة السلطان بالأندلس أن كانت ملوك الروم والإفرنجة تزدلف إليه تطلب مهادنته وتهدي إليه أنفس الذخائر ومن جملتهم قسطنطين بن ليون صاحب القسطنطينية فقد رغب في موادعته وبعث إليه سنة 338ه وفدا من قبله بهدية له فتأهب الناصر لورودهم واحتفل بقدومهم احتفالا رائعا أحب أن يقوم فيه الخطباء والشعراء بين يديه لتذكر جلالة ملكه وعظيم سلطانه ونصف ما تهيأ من توطيد الخلافة في دولته وتقدم إلى الأمير الحكم ابنه وولى عهده بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء فأمر الحكم صنيعة الفقيه محمد بن عبد البر بالتأهب لذلك وكان يدعى من القدرة على تأليف الكلام ما ليس في وسع غيره وحضر المجلس السلطانى فلما قام يحاول التكلم بهره هول المقام وأبهة الخلافة فلم يهتد إلى لفظة بل غشى عليه وسقط إلى الأرض فقيل لأبى على القالى صاحب الأمالى وهو حينئذ ضيف الخليفة الوافد عليه من العراق قم فارقع هذا الوهى فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على نبيه ثم انقطع به القول فوقف ساكتا متفكرا

في كلام يدخل به إلى ذكر ما أريد منه فلما رأى ذلك منذر بن سعيد البلوطى وكان ممن حضر في زمرة الفقهاء قام من ذاته بدرجة من مرقاته فوصل افتتاح أبى على لأول خطبته بكلام كان يسحه سحا كأنما كان يحفظه قبل ذلك بمدة فقال
أما بعد حمد الله والثناء عليه والتعداد لالائه والشكر لنعمائه والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه فإن لكل حادثة مقاما ولكل مقام مقال وليس بعد الحق إلا الضلال وإني قد قمت في مقام كريم بين يدي ملك عظيم فأصغوا إلى معشر الملا بأسماعكم وأتقنوا عني بأفئدتكم إن من الحق أن يقال للمحق صدقت وللمبطل كذبت وإن الجليل تعالى في سمائه وتقدس في صفاته وأسمائه أمر كليمة موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه أن يذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم وفيه وفي رسول الله أسوة حسنة وإنى أذكركم بأيام الله عندكم وتلافية لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم وأمنت سربكم ورفعت قوتكم بعد أن كنتم قليلا فكثركم ومستضعفين فقواكم ومستذلين فنصركم ولاه الله رعايتكم وأسند إليه إمامتكم أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق وأحاطت بكم شعل النفاق حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش والتغيير فاستبدلتم بخلافته من الشدة الرخاء وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية بعد استيطان البلاء
أنشدكم بالله معاشر الملأ ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها والسبل مخوفة فأمنها

والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها ألم تكن البلاد خرابا فعمرها وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها فاذكروا الآء الله عليكم بخلافته وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته حتى أذهب الله عنكم غيظكم وشفى صدوركم وصرتم يدا على عدوكم بعد أن كان بأسكم بينكم
فأنشدكم الله ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد إنطلاقها من عقالها ألم يتلاف صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها ولم يكل ذلك إلى القواد والأجناد حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد واعتزل النسوان وهجر الأوطان ورفض الدعة وهي محبوبة وترك الركون إلى الراحة وهى مطلوبة بطوية صحيحة وعزيمة صريحة وبصيرة ثابته نافذة ثاقبة وريح هابة غالبة ونصرة من الله واقعة واجبة وسلطان قاهر وجد ظاهر وسيف منصور تحت عدل مشهور متحملا للنصب مستقلا لما ناله في جانب الله من التعب حتى لانت الأحوال بعد شدتها وانكسرت شوكة الفتنة عند حدتها ولم يبق لها غارب إلا جبه ولا نجم لأهلها قرن إلا جده فأصبحتم بنعمة الله إخوانا وبلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانا حتى تواترت لديكم الفتوحات وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات وصارت وفود الروم وافدة عليه وعليكم وآمال الأقصين والأدنين مستخدمة إليه وإليكم يأتون من كل فج عميق وبلد سحيق لأخذ حبل بينه وبينكم جملة وتفصيلا ليقضى الله أمرا كان مفعولا ولن يخلف الله وعده ولهذا الأمر ما بعده وتلك أسباب ظاهرة بادية تدل على أحوال باطنة خافية دليلها قائم وجفنها غير نائم ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم

في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) وليس في تصديق ما وعد الله ارتياب ولكل نبإ مستقر ولكل أجل كتاب فاحمدوا الله أيهاالناس على الائه واسألوه المزيد من نعمائه فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين أيده الله بالعصمة والسداد وألهمه خالص التوفيق إلى سبيل الرشاد أحسن الناس حالا وأنعمهم بالا وأعزهم قرارا وأمنعهم دارا وأكثفهم جمعا وأجملهم صنعا لا تهاجون ولا تذادون وأنتم بحمد الله على أعدائكم ظاهرون فاستعينوا علي صلاح أحوالكم بالمناصحة لإمامكم والتزام الطاعة لخليفتكم وابن عم نبيكم فإن من نزع يده من الطاعة وسعى في تفريق الجماعة ومرق من الدين فقد خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين
وقد علمتم أن في التعلق بعصمتها والتمسك بعروتها حفظ الأموال وحقن الدماء وصلاح الخاصة والدهماء وأن بدوام الطاعة تقام الحدود وتوفي العهود وبها وصلت الأرحام ووضحت الأحكام وبها سد الله الخلل وأمن السبل ووطأ الأكناف ورفع الاختلاف وبها طاب لكم القرار واطمأنت بكم الدار فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به فإنه تبارك وتعالى يقول ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) وقد علمتم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين وصنوف الملحدين الساعين في شق عصاكم وتفريق ملئكم الاخذين في مخاذلة دينكم وهتك حريمكم وتوهين دعوة نبيكم صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين أقول قولي هذا وأختم بالحمد لله رب العالمين مستغفرا لله الغفور والرحيم فهو خير الغافرين

وخرج الناس يتحدثون عن حسن مقامه وثبات جنانه وبلاغة لسانه وكان الناصر أشدهم تعجبا منه فولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء ثم توفى محمد بن عيسى القاضى فولاه قضاء الجماعة بقرطبة وأقره على الصلاة بالزهراء
9 -

خطبة أخرى له
وخطب منذر بن سعيد يوما وأراد التواضع فكان من فصول خطبته أن قال
حتى متى وإلى متى أعظ ولا أتعظ وأزجر ولا انزجر أدل الطريق إلى المستدلين وأبقى مقيما مع الحائرين كلا إن هذا لهو البلاء المبين إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين اللهم فرغني لما خلقتنى له ولا تشغلنى بما تكفلت لي به ولا تحرمني وأنا أسألك ولا تعذبني وأنا استغفرك يا أرحم الراحمين
10 - أحد حساد الرمادي الشاعر والمنصور بن أبي عامر المتوفي سنة 394ه
وقال المنصور بن أبي عامر المعافري يوما لأبي عمر يوسف الرمادي الشاعر

كيف ترى حالك معي فقال فوق قدري ودون قدرك فأطرق المنصور كالغضبان فانسل الرمادي وخرج وقد ندم على ما بدر منه وجعل يقول أخطأت لا والله ما يفلح مع الملوك من يعاملهم بالحق ما كان ضرني لو قلت له إنى بلغت السماء وتمنطقت بالجوزاء وأنشد
( متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة ... لنفسى إلا قد قضيت قضاءها )
وكان في المجلس من يحسده على مكانه من المنصور فوجد فرصة فقال
وصل الله لمولانا الظفر والسعد إن هذا الصنف صنف زور وهذيان لا يشكرون نعمة ولا يرعون إلا ولا ذمة كلاب من غلب وأصحاب من أخصب وأعداء من أجدب وحسبك منهم أن الله جل جلاله يقول فيهم ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون ) والابتعاد منهم أولي من الاقتراب وقد قيل فيهم ما ظنك بقوم الصدق يستحسن إلا منهم
فرفع المنصور رأسه وكان محامي أهل الأدب والشعر وقد اسود وجهه وظهر فيه الغضب المفرط ثم قال
ما بال أقوام يشيرون في شيء لم يستشاروا فيه ويسيئون الأدب بالحكم فيما لا يدرون أيرضي أم يسخط وأنت أيها المبتعث للشر دون أن يبعث قد علمنا غرضك في أهل الأدب والشعر عامة وحسدك لهم لأن الناس كما قال القائل

( من رأى الناس له فضلا ... عليهم حسدوه )
وعرفنا غرضك في هذا الرجل خاصة ولسنا إن شاء الله نبلغ أحدا غرضه في أحد ولو بلغناكم بلغنا في جانبكم وإنك ضربت في حديد بارد وأخطأت وجه الصواب فزدت بذلك احتقارا وصغارا وإنى ما أطرقت من كلام الرمادى إنكارا عليه بل رأيت كلاما يجل عن الأقدار الجليلة وتعجبت من تهديه له بسرعه واستنباطه له على قلة من الإحسان الغامر مالا يستنبطه غيره بالكثير والله لو حكمته في بيوت الأموال لرأيت أنها لا ترجح ما تكلم به قلبه ذرة وإياكم أن يعود أحد منكم إلى الكلام في شخص قبل أن يؤخذ معه فيه ولا تحكموا علينا في أوليائنا ولو أبصرتم منا التغير عليهم فإننا لا نتغير عليهم بغضا لهم وانحرافا عنهم بل تأديبا وإنكارا فإنا من نريد إبعاده لم نظهر له التغير بل ننبذه مرة واحدة فإن التغير إنما يكون لمن يراد استبقاؤه ولو كنت مائل السمع لكل أحد منكم في صاحبه لتفرقتم في أيدي سبا وجونبت أنا مجانبة الأجرب وإني قد أطلعتكم على مافى ضميرى فلا تعدلوا عن مرضاتى فتجنبوا سخطي بما جنيتموه على أنفسكم
ثم أمر أن يرد الرمادى وقال له أعد على كلامك فارتاع فقال الأمر على خلاف ما قدرت الثواب أولى بكلامك من العقاب فسكن لتأنيسه وأعاد ما تكلم به
فقال المنصور بلغنا أن النعمان بن المنذر حشا فم النابغة بالدر لكلام

استملحه منه وقد أمرنا لك بما لا يقصر عن ذلك ما هو أنوه وأحسن عائدة وكتب له بمال وخلع وموضع يعيش منه ثم رد رأسه إلى المتكلم في شأن الرمادي وقد كان يغوص في الأرض لو وجد لشدة ما حل به مما رأى وسمع وقال والعجب من قوم يقولون الابتعاد من الشعراء أولى من الاقتراب نعم ذلك لمن ليس له مفاخر يريد تخليدها ولا أياد يرغب في نشرها فأين الذين قيل فيهم
( على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل ) وأين الذى قيل فيه
( إنما الدنيا أبو دلف ... بين مبداه ومحتضره )
( فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره )
أما كان في الجاهلية والإسلام أكرم ممن قيل فيه هذا القول بلى ولكن صحبة الشعراء والإحسان إليهم أحيت غابر ذكراهم وخصتهم بمفاخر عصرهم وغيرهم لم تخلد الأمداح مآثرهم فدثر ذكرهم ودرس فخرهم

11 - ابن اللبانة الشاعر وعز الدولة بن المعتصم بن صمادح لما مات المعتصم بن صمادح ملك المرية ركب البحر ابنه وولى عهده الواثق عز الدولة وفارق الملك كما أوصاه والده المعتصم
قال أبو بكر بن اللبانة الشاعر ما علمت حقيقة جدور الدهر حتى اجتمعت ببجاية مع عز الدولة بن المعتصم فإنى رأيت منه خير من يجتمع به كأنه لم يخلقه الله تعالى إلا للملك والرياسة وإحياء الفضائل ونظرت إلى همته تنم من تحت خموله كما ينم فرند السيف وكرمه من تحت الصدأ مع حفظه لفنون الأدب والتواريخ وحسن استماعه وإسماعه ورقة طباعه ولطافة ذهنه ولقد ذكرته لأحد من صحبته من الأدباء في ذلك المكان ووصفته بهذه الصفات فتشوق إلى الاجتماع به ورغب إلى في أن أستأذنه في ذلك فلما أعلمت عز الدولة قال
يا أبا بكر إنك لتعلم أنا اليوم في خمول وضيق لا يتسع لنا معهما ولايجمل بنا الاجتماع مع أحد لاسيما مع ذى أدب ونباهة يلقانا بعين الرحمة ويزورنا بمنة التفضل في زيارتنا ونكابد من ألفاظ توجعه وألحاظ تفجعه ما يجدد لنا هما قد بلى ويحيى كمدا قد فنى وما لنا قدرة على أن نجود عليه بما يرضى عن همنا فدعنا كأننا في قبر نتدرع لسهام الدهر بدرع الصبر وأما أنت فقد أختلطت بنا اختلاط اللحم بالدم وامتزجت امتزاج الماء بالخمر فكأنا لم نكشف حالنا لسوانا ولا أظهرنا ما بنا لغيرنا فلا نحمل غيرك بحملك

قال ابن اللبانة فملأ والله سمعى بلاغة لا تصدر إلا عن سداد ونفس أبية متمكنة من أعنة البيان وانصرفت متمثلا
( لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم )
( وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم )
12 -

دفاع ابن الفخار عن القاضي الوحيدى بحضرة ابن تاشفين
لما تألب بنو حسون على القاضي أبى محمد عبد الله الوحيدي قاضي مالقة انبري للدفاع عنه العالم الأصولي أبو عبد الله بن الفخار فقصد إلى حضرة الإمامة مراكش وقام في مجلس أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وقد غص بأربابه فقال
إنه لمقام كريم نبدأ فيه بحمد الله على الدنو منه ونصلي على خيرة أنبيائه محمد الهادى إلى الصراط المستقيم وعلى آله وصحابته نجوم الليل البهيم أما بعد فإنا نحمد الله الذى اصطفاك للمؤمنين أميرا وجعلك للدين الحنيفى نصيرا وظهيرا ونفزع إليك مما دهمنا في حماك ونبث إليك ما لحقنا من الضيم ونحن تحت ظل علاك ويأبى الله أن يدهم من إحتمى بأمير المسلمين ويصاب بضيم من أدرع بحصنه الحصين شكوى قمت بها بين يديك في حق أمرك الذي عضده مؤيده لتسمع منها ما تختبره برأيك وتنقذه وإن قاضيك ابن الوحيدي الذي قدمته في مالقة للأحكام ورضيت

بعدله فيمن بها من الخاصة والعوام ولم يزل يدل على حسن اختيارك بحسن سيرته ويرضى الله تعالى ويرضى الناس بظاهره وسريرته ما علمنا عليه من سوء ولا درينا له موقف خزى ولم يزل جاريا على ما يرضى الله تعالى ويرضيك ويرضينا إلى أن تعرضت بنو حسون للطعن في أحكامه والهد من أعلامه ولم يعلموا أن اهتضام المقدم راجع على المقدم بل جمحوا في لجاجهم فعموا وصموا وفعلوا وأمضوا ما به هموا وإلى السحب يرفع الكف من قد جف عنه مسيل عين ونهر
فملا سمعه بلاغه أعقبت نصره ونصر صاحبه
13 - موعظة ابن أبي رندقة الطرطوشي المتوفي سنة 520ه للأفضل بن أمير الجيوش
دخل ابن أبي رندقة الطرطوشى مرة على الأفضل بن أمير الجيوش فوعظه وقال له
إن الأمر الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك وهو خارج عن يدك بمثل ما صار إليك فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة فإن الله عز و جل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل واعلم أن الله عز و جل آتي سليمان بن داود

ملك الدنيا بحذافيرها فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحوش والبهائم وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ورفع عنه حساب ذلك أجمع فقال عز من قائل ( لهذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) فما عد ذلك نعمة كما عددتموها ولا حسبها كرامة كما حسبتموها بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز و جل فقال ( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم
14 - خطبة ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين المتوفي سنة 534ه
استدعى محمد بن عبد الله بن تومرت مؤسس دولة الموحدين أصحابه قبل موته بأيام يسيرة وقد أراد أن يستخلف عليهم عبد المؤمن بن على فلما حضروا بين يديه قام

فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلي على محمد نبيه ثم أنشأ يترضي عن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ويذكر ما كانوا عليه من الثبات في دينهم والعزيمة في أمرهم وأن أحدهم كان لا تأخذه في الله لومة لائم وذكر من حد عمر رضي الله عنه ابنه في الخمر وتصميمه على الحق في أشباه لهذه الفصول ثم قال
فانقرضت هذه العصابة نضر الله وجوهها وشكر لها سعيها وجزاها خيرا عن أمة نبيها وخبطت الناس فتنة تركت الحليم حيران والعالم متجاهلا مداهنا فلم ينتفع العلماء بعلمهم بل قصدوا به الملوك واجتلبوا به الدنيا وأمالوا وجوه الناس إليهم في أشباه لهذا القول إلى هلم جرا
ثم إن الله سبحانه وله الحمد من عليكم أيتها الطائفة بتأييده وخصكم من بين أهل هذا العصر بحقيقة توحيده وقيض لكم من ألفاكم ضلالا لا تهتدون وعميا لا تبصرون لاتعرفون معروفا ولا تنكرون منكرا قد فشت فيكم البدع واستهوتكم الأباطيل وزين لكم الشيطان أضاليل وترهات أنزه لسانى عن النطق بها وأربأ بلفظى عن ذكرها فهداكم الله به بعد الضلالة وبصركم بعد العمى وجمعكم بعد الفرقة وأعزكم بعد الذلة ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين وسيورثكم أرضهم وديارهم ذلك بما كسبته أيديهم واضمرته قلوبهم وما ربك بظلام للعبيد

فجددوا الله سبحانه خالص نياتكم وأروه من الشكر قولا وفعلا ما يزكي به سعيكم ويتقبل أعمالكم وينشر أمركم واحذروا الفرقة واختلاف الكلمة وشتات الآراء وكونوا يدا واحدة على عدوكم فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس وأسرعوا إلى طاعتكم وكثر أتباعكم وأظهر الله الحق على أيديكم وإلا تفعلوا شملكم الذل وعمكم الصغار واحتقرتكم العامة فتخطفكم الخاصة وعليكم في جميع أموركم بمزج الرأفة بالغلظة واللين بالعنف واعلموا مع هذا أنه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا على الذي صلح عليه أمر أولها
وقد اخترنا لكم رجلا منكم وجعلناه أميرا عليكم هذا بعد أن بلوناه في جميع أحواله من ليله ونهاره ومدخله ومخرجه واختبرنا سريرته وعلانيته فرأيناه في ذلك كله ثبتا في دينه متبصرا في أمره وإني لأرجو أن لا يخلف الظن فيه وهذا المشار إليه هو عبد المؤمن فاسمعوا له وأطيعوا ما دام سامعا مطيعا لربه فان بدل أو نكص على عقبه أو ارتاب في أمره ففي الموحدين أعزهم الله بركة وخير كثير والأمر أمر الله يقلده من شاء من عباده
فبايع القوم عبد المؤمن ودعا لهم ابن تومرت

15 - مقال لسان الدين بن الخطيب المتوفى سنة 776ه في الحض على الجهاد
وقال لسان الدين بن الخطيب في الحض على الجهاد أيها الناس رحمكم الله تعالى
إخوانكم المسلمون بالأندلس قد دهم العدو قصمه الله تعالى ساحتهم ورام الكفر خذله الله تعالى استباحتهم وزحفت أحزاب الطواغيت إليهم ومد الصليب ذراعيه عليهم وأيديكم بعزة الله تعالى أقوى وأنتم المؤمنون أهل البر والتقوى وهودينكم فانصروه وجواركم القريب فلا تخفروه وسبيل الرشد قد وضح فلتبصروه الجهاد الجهاد فقد تعين الجار الجار فقد قرر الشرع حقه وبين الله الله في الإسلام الله الله في أمة محمد عليه الصلاة و السلام الله الله في المساجد المعمورة بذكر الله الله الله في وطن الجهاد في سبيل الله قد استغاث بكم الدين فأغيثوه قد تأكد عهد الله وحاشاكم أن تنكثوه أعينوا إخوانكم بما أمكن من الإعانة أعانكم الله تعالى عند الشدائد جددوا عوائد الخير يصل الله تعالى

لكم جميل العوائد صلوا رحم الكلمة واسوا بأنفسكم وأموالكم تلك الطوائف المسلمة كتاب الله بين أيديكم وألسنة الايات تناديكم وسنة رسول الله قائمة فيكم والله سبحانه يقول فيه ( يأيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) ومما صح عنه قوله ( من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ) لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا أدركوا رمق الدين قبل أن يفوت بادروا عليل الإسلام قبل أن يموت احفظوا وجوهكم مع الله تعالى يوم يسألكم عن عباده جاهدوا في الله بالألسن والأقوال حق جهاده
( ماذا يكون جوابكم لنبيكم ... وطريق هذا العذر غير ممهد )
( إن قال لم فرطتمو في أمتى ... وتركتموهم للعدو المعتدى )
( تالله لو أن العقوبة لم تخف ... لكفى الحيا من وجه ذاك السيد )
اللهم اعطف علينا قلوب العباد اللهم بث لنا الحمية في البلاد اللهم دافع عن الحريم والضعيف والأولاد اللهم انصرنا على أعدائك بأحبابك وأوليائك يا خيرالناصرين اللهم أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين و وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
16 -

ما خاطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني
وحاطب لسان الدين بن الخطيب تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني لما قصدها عقب ما شرع في جواره فقال
السلام عليك ثم السلام أيها المولى الهمام الذي عرف فضله الإسلام وأوجبت حقه العلماء الأعلام وخفقت بعز نصره الأعلام وتنافست في أنفاذ أمره

ونهيه السيوف والأقلام السلام عليك أيها المولى الذي قسم زمانه بين حكم فصل وإمضاء نصل وإحراز خصل وعبادة قامت من اليقين على أصل السلام عليك يا مقرر الصدقات الجارية ومشبع البطون الجائعة وكاسى الظهور العارية وقادح زناد العزائم الوارية ومكتب الكتائب الغازية في سبيل الله تعالى والسرايا السارية السلام عليك يا حجة الصبر والتسليم ومتلقى أمر الله تعالى بالخلق المرضى والقلب السليم ومفوض الأمر في الشدائد إلى السميع العليم ومعمل البنان الطاهر في اكتتاب الذكر الحكيم كرم الله تعالى تربتك وقدسها وطيب روحك الزكية وآنسها فلقد كنت للدهر جمالا وللإسلام ثمالا وللمستجير مجيرا وللمظلوم وليا ونصيرا لقد كنت للمحارب صدرا وفي المواكب بدرا وللمواهب بحرا وعلىالعباد والبلاد ظلا ظليلا وسترا لقد فرعت أعلام عزك الثنايا وأجزلت همتك لملوك الأرض الهدايا كأنك لم تعرض الجنود ولم تنشر البنود ولم تبسط العدل المحدود ولم توجد الجود ولم تزين الركع السجود فتوسدت الثرى وأطلت الكرى وشربت الكأس التي يشربها الورىوأصبحت ضارع الخد كليل الحد سالكا سنن الأب والجد لم تجد بعد انصرام أجلك إلا صالح عملك ولا صحبت لقبرك إلا رابح تجرك وما أسلفت من رضاك وصبرك فنسأل الله تعالى أن يؤنس اغترابك ويجود بسحاب الرحمة ترابك وينفعك بصدق اليقين ويجعلك من الائمة المتقين ويعلى درجتك في عليين ويجعلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين

وليهنك أن صبر الله تعالى ملكك من بعدك إلى نير سعدك وبارق رعدك ومنجز وعدك أرضى ولدك وريحانة خلدك وشقة نفسك والسرحة المباركة من غرسك ونور شمسك وموصل عملك البر إلى رمسك فقد ظهر عليه أثر دعواتك في خلواتك وأعقاب صلواتك فكلمتك والمنة لله تعالى باقية وحسنتك إلى محل القبول راقية يرعى بك الوسيلة ويتمم مقاصدك الجميلة أعانه الله تعالى ببركة رضاك على ما قلده وعمر بتقواه يومه وغده وأبعد في السعد أمده وأطلق بالخير يده وجعل الملائكة أنصاره والأقدار عدده
وإثنيي أيها المولى الكريم البر الرحيم لما اشتراني وراشني وبراني وتعبدني بإحسانه واستعمل في استخلاصى خط بنانه ووصية لسانه لم أجد مكافأة إلا التقرب إليك وإليه برثائك وإغراء لسانى بتخليد عليائك وتعفير الوجنة في حرمك والإشادة بعد الممات بمجدك وكرمك ففتحت الباب في هذا الغرض إلى القيام بحقك المفترض الذى لولاه لاتصلت الغفلة عن أدائه وتمادت فما يبست الألسن ولا كادت متحيزا بالسبق إلى أداء هذا الحق بادئا بزيارة قبرك الذى هو رحلة الغرب ما نوبته من رحلة الشرق وما أعرضت عنه فأقطعه أثر مواقع الاستحسان وقد جمع بين الشكر والتنويه والإحسان والله سبحانه يجعله عملا مقبولا ويبلغ فيه من القبول مأمولا ويتغمد من ضاجعته من سلفك الكرام بالمغفرة الصيبة والتحيات الطيبة فنعم الملوك الكبار والخلفاء الأبرار والأئمة الأخيار الذين كرمت منهم السير وحسنت الأخبار وسعد بعزماتهم الجهادية المؤمنون وشقى الكفار وصلوات الله تعالى عودا وبدءا على الرسول الذي اصطفاه واختاره فهو المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الذين هم السادة الأبرار وسلم تسليما

17 -

وصية لسان الدين بن الخطيب لأولاده
الحمد لله الذى لا يروعه الحمام المرقوب إذا شيم نجمه المثقوب ولا يبغته الأجل المكتوب ولا يفجؤه الفراق المعتوب ملهم الهدى الذى تطمئن به القلوب وموضح السبيل المطلوب وجاعل النصيحة الصريحة من قسم الوجوب لاسيما للولى المحبوب والولد المنسوب القائل في الكتاب المعجز الأسلوب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله أكرم من زرت على نوره جيوب الغيوب وأشرف من خلعت عليه حال المهابة والعصمة فلا تقتحمه العيون ولا تصمه العيوب والرضا عن اله وأصحابه المثابرين على لسان الاستقامة بالهوى المغلوب والأمل المسلوب والاقتداء الموصل إلى المرغوب والعز والأمن من اللغوب وبعد فإنى لما علاني المشيب بقمته وقادني الكبر برمته واد كرت الشباب

بعد أمته أسفت لما أضعت وندمت بعد الفطام على ما رضعت وتأكد وجوب نصحى لمن لزمنى رعيه وتعلق بعينى سعيه وأملت أن تتعدى إلى ثمرة استقامته وأنا رهين فوات وفي برزخ أموات ويأمن العثور في الطريق التي اقتضت عثاري إن سلك وعسى ألا يكون ذلك علي آثاري فقلت أخاطب الثلاثة الولد وثمرات الخلد بعد الضراعة إلى الله تعالى في توفيقهم وإيضاح طريقهم وجمع تفريقهم وأن يمن على منهم بحسن الخلف والتلافي من قبل التلف وأن يرزق خلفهم التمسك بهدى السلف فهو ولي ذلك والهادي إلى خير المسالك اعلموا هداكم الله تعالى الذي بأنواره تهتدي الضلال وبرضاه ترفع الأغلال وبالتماس قربه يحصل الكمال إذا ذهب المال وأخلفت الامال وتبرأت من يمينها الشمال أني مودعكم وإن سالمني الردي ومفارقكم وإن طال المدى وما عدا مما بدا فكيف وأدوات السفر تجمع ومنادي الرحيل يسمع ولا أقل للحبيب المودع من وصية محتضر وعجالة مقتصر ورتيمة تعقد في خنصر ونصيحة تكون نشيدة واع مبصر تتكفل لكم بحسن العواقب من بعدى وتوضح لكم من الشفقة والحنو قصدي حسبما تضمن وعد الله من قبل وعدي فهي أربكم الذي لا يتغير وقفه ولا ينالكم المكروه ما رف عليكم سقفه وكأني بشبابكم قد شاخ وبراحلكم قد أناخ وبناشطكم قد كسل واستبدل الصاب من العسل ونصول الشيب تروع بأسل لا بل السام من كل حدب قد نسل والمعاد

اللحد ولا تسل فبالأمس كنتم فراخ حجر واليوم أبناء عسكر مجر وغدا شيوخ مضيعة وهجر والقبور فاغرة والنفوس عن المألوفات صاغرة والدنيا بأهلها ساخرة والأولى تعقبها الأخرة والحازم من لم يتعظ به في أمر وقال بيدى لا بيد عمرو فاقتنوها من وصية ومرام في النصح قصية خصوا بها أولادكم إذا عقلوا ليجدوا زادها إذا انتقلوا وحسبي وحسبكم الله الذي لم يخلق الخلق هملا ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا ولا رضي الدنيا منزلا ولا لطف بمن أصبح عن فئة الخير منعزلا ولتلقنوا تلقينا وتعلموا علما يقينا أنكم لن تجدوا بعد أن أنفرد بذنبي ويفترش التراب جنبى ويسح انسكابي وتهرول عن المصلي ركابي أحرص مني على سعادة إليكم تجلب أو غاية كمال بسببكم ترتاد وتطلب حتى لا يكون في الدين والدنيا أورف منكم ظلا ولا أشرف محلا ولا أغبط نهلا وعلا وأقل ما يوجب ذلك عليكم أن تصيخوا إلى قولي الآذان وتستلمحوا

صبح نصحى فقد بان وسأعيد عليكم وصية لقمان أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) وأعيد وصية خليل الله وإسرائيله حكم ما تضمنه حكم تنزيله ( يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) والدين الذى ارتضاه واصطفاه وأكمله ووفاه وقرره مصطفاه من قبل أن يتوفاه إذا أعمل فيه انتقاد فهو عمل واعتقاد وكلاهما مقرر ومستمد من عقل أو نقل محرر والعقل متقدم وبناؤه مع رفض أخيه متهدم فالله واحد أحد فرد صمد ليس له والد ولاولد تنزه عن الزمان والمكان وسبق وجوده وجود الأكوان خالق الخلق وما يعملون الذى لا يسأل عن شيء وهم يسألون الحى العليم المدبر القدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أرسل الرسل رحمة لتدعو الناس إلى النجاة من الشقاء وتوجه الحجة في مصيرهم إلى دار البقاء مؤيدة بالمعجزات التي لا تتصف أنوارها بالاختفاء ولا يجوز على تواترها دعوى الانتفاء ثم ختم ديوانهم بنبى ملتنا المرعية الهمل الشاهدة على الملل فتلخصت الطاعة وتعينت الإمرة المطاعة ولم يبق بعده إلا ارتقاب الساعة ثم إن الله تعالى قبضه إذ كان بشرا وترك دينه يضم من الأمة نشرا فمن تبعه لحق به ومن تركه نوط عنه في منسبه وكانت نجاته على قدر سببه روى عنه عليه الصلاة و السلام

أنه قال تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي كتاب الله وسنتى فعضوا عليهما بالنواجذ
فاعملوا يا بني بوصية من ناصح جاهد ومشفق شفقة والد واستشعروا حبه الذى توافرت دواعيه وعوامر اشد هديه فيافوز واعيه وصلوا السبب بسببه وآمنوا بكل ما جاء به مجملا أو مفصلا على حسبه وأوجبوا التجلة لصحبه الذين اختارهم الله تعالى لصحبته واجعلوا محبتكم إياهم من توابع محبته واشملوهم بالتوقير وفضلوا منهم أولي الفضل الشهير وتبرءوا من العصبية التي لم يدعكم إليها داع ولاتع التشاجر بينهم أذن واع فهو عنوان السداد وعلامة سلامة الاعتقاد ثم اسحبوا فضل تعظيمهم على فقهاء الملة وأئمتها الجلة فهم صقلة نصولهم وفروع ناشئة من أصولهم وورثتهم وورثة رسولهم واعلموا أنني قطعت في البحث زماني وجعلت النظر شاني منذ براني الله تعالى وأنشاني مع نبل يعترف به الشاني وإدراك يسلمه العقل الإنساني فلم أجد خابط ورق ولا مصبب عرق ولا نازع خطام ولا متكلف فطام ولا مقتحم بحر طام إلا وغايته التي يقصدها قد نضلتها الشريعة وسبقتها وفرعت ثنيتها وارتقتها فعليكم بالتزام جادتها السابلة ومصاحبة رفقتها الكاملة والاهتداء بأقمارها غير الآفلة والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقد علت شرائعه وراع الشكوك رائعة فلا تستنزلكم الدنيا عن الدين وابذلوا دونه النفوس فعل المهتدين فلن ينفع متاع بعد الخلود في النار أبد الابدين ولا يضر مفقود مع الفوز بالسعادة والله أصدق الواعدين ومتاع الحياة الدنيا أخس ما ورث الأولاد عن الوالدين اللهم قد بلغت فأنت خير الشاهدين فاحذروا المعاطب التي توجب في الشقاء الخلود وتستدعي شوه الوجوه ونضج الجلود واستعيذوا برضا الله من سخطه واربئوا بنفوسكم عن غمطه وارفعوا آمالكم عن القنوع بغرور قد خدع

أسلافكم ولا تحمدوا على جيفة العرض الزائل ائتلافكم واقنعوا منه بما تيسر ولا تأسوا على مافات وتعذر فإنما هي دجنة ينسخها الصباح وصفقة يتعاقبها الخسار أو الرباح ودونكم عقيدة الإيمان فشدوا بالنواجذ عليها وكفكفوا الشبه أن تدنو إليها واعلموا أن الإخلال بشيء من ذلك خرق لا يرفؤه عمل وكل ما سوى الراعي همل وما بعد الرأس في صلاح الجسم أمل وتمسكوا بكتاب الله تعالى حفظا وتلاوة واجعلوا حمله على حمل التكليف علاوة وتفكروا في آياته ومعانيه وامتثلوا أوامره ونواهيه ولا تتأولوه ولا تغلوا فيه واشربوا قلوبكم حب من أنزل على قلبه وأكثروا من بواعث حبه وصونوا شعائر الله صون المحترم واحفظوا القواعد التي ينبني عليها الإسلام حتى لا ينخرم الله الله في الصلاة ذريعة التجلة وخاصة الملة وحاقنة الدم وغنى المستأجر المستخدم وأم العبادة وحافظة اسم المراقبة لعالم الغيب والشهادة والناهية عن الفحشاء والمنكر إن عرض الشيطان عرضها ووطأ للنفس الأمارة سماءها وأرضها والوسيلة إلى بل الجوانح ببرود الذكر وإيصال تحفة الله إلى مريض الفكر وضامنة حسن العشره من الجار وداعية للمسالمة من الفجار والواسمة بسمة السلامة والشاهدة للعبد برفع الملامة وغسول الطبع إذا شانه طبع والخير الذى كل ما سواه له تبع فاصبروا النفس على وظائفها بين بدء وإعادة فالخير عادة ولا تفضلوا عليها الأشغال البدنية وتؤثروا على العلية الدنية فإن أوقاتها المعينة بالانفلات تنبس والفلك بها من أجلكم لا يحبس وإذا قورنت بالشواغل فلها الجاه الأصيل والحكم الذي لا يغيره الغدو ولا الأصيل والوظائف بعد أدائها لا تفوت وأين حق من يموت من حق الحي الذي لا يموت وأحكموا أوضاعها إذا أقمتموها وأتبعوها النوافل ما أطقتموها فبالإتقان تفاضلت الأعمال وبالمراعاة

استحقت الكمال ولا شكر مع الإهمال ولا ربح مع إضاعة رأس المال وذلك أحرى بإقامة الفرض وأدعى إلى مساعدة البعض البعض
والطهارة التي هي في تحصيلها سبب موصل وشرط لمشروطه محصل فاستوفوها والأعضاء نظفوها ومياهها بغير أوصافها الحميدة فلا تصفوها والحجول والغرر فأطيلوها والنيات في كل ذلك فلا تهملوها فالبناء بأساسه والسيف بمراسه واعلموا أن هذه الوظيفة من صلاة وطهور وذكر مجهور وغير مجهور تستغرق الأوقات وتنازع شتى الخواطر المفترقات فلا يضبطها إلا من ضبط نفسه بعقال واستعاض صدأه بصقال وإن تراخى قهقر الباع وسرقته الطباع وكان لما سواها أضيع فشمل الضياع والزكاة أختها الحبيبة ولدتها القريبة مفتاح السعادة بالعرض الزائل وشكران المسئول على الضد من درجة السائل وحق الله تعالى في مال من أغناه لمن أجهده في المعاش وعناه من غير استحقاق ملء يده وإخلاء يد أخيه ولا علة إلا القدر الذى يخفيه وما لم ينله حظ الله تعالى فلا خير فيه فاسمحوا بتفريقها للحاضر لإخراجها في اختيار عرضها ونتاجها واستحيوا من الله تعالى أن تبخلوا عليه ببعض مابذل وخالفوا الشيطان كلما عذل واذكروا خروجكم إلى الوجود لا تملكون ولا تدرون أين تسلكون فوهب وأقدر وأورد بفضله

وأصدر ليرتب بكرمه الوسائل أو يقيم الحجج والدلائل فابتغوا إليه الوسيلة بمالة واغتنمو رضاه ببعض نواله وصيام رمضان عبادة السر المقربة إلى الله زلفى الممحوضة لمن يعلم السر وأخفى مؤكدة بصيام الجوارح عن الاثام والقيام ببر القيام والاجتهاد وإيثار السهاد على المهاد وإن وسع الاعتكاف فهو من سننه المرعية ولواحقه الشرعية فبذلك تحسن الوجوه وتحصل من الرقة على ما ترجوه وتذهب قسوة الطباع ويمتد في ميدان الوسائل الباع والحج مع الاستطاعة الركن الواجب والفرض على العين لا يحجبه الحاجب وقد بين رسول الله قدره فيما فرض عن ربه وسنه وقال ( ليس له جزاء عنه الله إلا الجنه ) ويلحق بذلك الجهاد في سبيل الله تعالى إن كانت لكم قوة عليه وغنى لديه فكونوا ممن يسمع نفيره ويطيعه وإن عجزتم فاعينوا من يستطيعه هذه عمد الإسلام وفروضه ونقود مهره وعروضه فحافظوا عليها تعيشوا مبرورين وعلى من يناويكم ظاهرين وتلقوا الله لا مبدلين ولا مغيرين ولا تضيعوا حقوق الله فتهلكوا مع الخاسرين
واعلموا أن بالعلم تستعمل وظائف هذه الألقاب وتجلى محاسنها من بعد الانتقاب فعليكم بالعلم النافع دليلا بين يدي السامع فالعلم مفتاح هذا الباب والموصل إلى اللباب والله عز و جل يقول ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولو الألباب ) والعلم وسيلة النفوس الشريفة إلى المطالب المنيفة وشرطه الخشية لله تعالى والخيفة وخاصة الملإ الأعلى وصفة الله في كتبه التى تتلى والسبيل في الآخرة إلى السعادة وفي الدنيا إلى النحلة عادة والذخر الذي قليله يشفع وكثيره ينفع لا يغلبه الغاصب ولا يسلبه العدو المناصب ولا يبتزه الدهر إذا نال ولا يستأثر به البحر إذا هال من لم ينله فهو ذليل وإن كثرت آماله

وقليل وإن جم ماله وإن كان وقته قد فات اكتسابكم وتخطى حسابكم فالتمسوه لبنيكم واستدركوا منه ما خرج عن أيديكم وأحملوهم على جمعه ودرسه واجعلوا طباعهم ثرى لغرسه واستسهلوا ما ينالهم من تعب من جراه وسهر يهجر له الجفن كراه تعقدوا لهم ولاية عز لا تعزل وتحلوهم مثابة رفعة لا يحط فارعها ولا يستنزل واختاروا العلوم التي يتعقبها الوقت فلا ينالها في غيره المقت وخير العلوم علوم الشريعة وما نجم بمنابتها المريعة من علوم لسان لا تستغرق الأعمار فصولها ولا يضايق ثمرات المعاد حصولها فإنها هي آلات لغير وأسباب إلى خير منها وخير فمن كان قابلا للازدياد وألفى فهمه ذا انقياد فيلخص تجويد القرآن بتقديمه ثم حفظ الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه ثم الشروع في أصول الفقه فهو العلم العظيم المنة المهدي كنوز الكتاب والسنة ثم المسائل المنقولة عن العلماء الجلة والتدرج في طرق النظر بصحيح الأدلة وهذه هي الغاية القصوى في الملة ومن قصر إدراكه عن هذا المرمى وتقاعد عن التي هي أسمى فليرو الحديث بعد تجويد الكتاب وإحكامه وليقرأ المسائل الفقهية على مذهب إمامه وإياكم والعلوم القديمة والفنون المهجورة الذميمة فأكثرها لا يفيد إلا تشكيكا ورأيا ركيكا ولا يثمر في العاجلة إلا اقتحام العيون وتطريق الظنون وتطويق الاحتقار وسمة الصغار وخمول الأقدار والخسف من بعد الإبدار وجادة الشريعة أعرق في الاعتدال وأوفق من قطع العمر في الجدال هذا ابن رشد قاضي المصر ومفتيه

وملتمس الرشد وموليه عادت عليه بالسخطة الشنيعة وهو إمام الشريعة فلا سبيل إلى اقتحامها والتورط في ازدحامها ولا تخلطوا جامكم بجامها إلا ما كان من حساب ومساحة وما يعود بجدوى فلاحة وعلاج يرجع على النفس والجسم براحة وما سوى ذلك فمحجور وضرم مسجور وممقوت مهجور وأمروا بالمعروف أمرا رفيقا وانهوا عن المنكر نهيا حريا بالاعتدال حقيقا واغبطوا من كان من سنة الغفلة مفيقا واجتنبوا ما تنهون عنه حتى لا تسلكوا منه طريقا وأطيعوا أمر من ولاه الله تعالى من أموركم أمرا ولا تقربوا من الفتنة جمرا ولا تداخلوا في الخلاف زيدا ولا عمرا وعليكم بالصدق فهو شعار المؤمنين وأهم ما أضرى عليه آلاباء آلسنة البنين وأكرم منسوب إلى مذهبه ومن أكثر من شيء عرف به وإياكم والكذب فهو العورة التي لا توارى والسوءة التي لا يرتاب في عارها ولا يتمارى وأقل عقوبات الكذاب بين يدى ما أعد الله له من العذاب أن لا يقبل صدقة إذا صدق ولا يعول عليه إن كان بالحق نطق وعليكم بالأمانة فالخيانة لوم وفي وجه الديانة كلوم ومن الشريعة التي لا يعذر بجهلها أداء الأمانات إلى أهلها وحافظوا على الحشمة والصيانة ولا تجزوا من أقرضكم دين الخيانة ولا توجدوا للغدر قبولا ولا تقروا عليه طبعا مجبولا وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ولا تستأثروا بكنز ولا خزن ولا تذهبوا لغير مناصحة المسلمين في سهل ولا حزن ولا تبخسوا الناس أشياءهم في كيل أو وزن والله الله أن تعينوا في سفك الدماء ولو بالإشارة أو الكلام أو ما يرجع إلى وظيفة الأقلام واعلموا أن الإنسان في فسحة ممتدة

وسبل الله تعالى غير منسدة مالم ينبذ إلى الله تعالى بأمانه ويمس الدم الحرام بيد أو لسانه قال الله تعالى في كتابه الذى هدى به سننا قويما وجلى من الجهل والضلال ليلا بهيما ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) واجتناب الزنا وما تعلق به من أخلاق من كرمت طباعه وامتد في سبيل السعادة باعه لو لم تتلق نور الله الذى لم يهد شعاعه فالحلال لم تضق عن الشهوات أنواعه ولا عدم إقناعه ومن غلبت غرائز جهله فلينظر هل يجب أن يزنى بأهله والله قد أعد للزاني عذابا وبيلا وقال ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) والخمر أم الكبائر ومفتاح الجرائم والجرائر واللهو لم يجعله الله في الحياة شرطا والمحرم قد أغنى عنه بالحلال الذى سوغ وأعطى وقد تركها في الجاهلية أقوام لم يرضوا لعقولهم بالفساد ولا لنفوسهم بالمضرة في مرضاة الأجساد والله تعالى قد جعلها رجسا محرما علىالعباد وقرنها بالأنصاب والأزلام في مباينة السداد ولا تقربوا الربا فإنه من مناهي الدين والله تعالى يقول ( وذروا مابقى من الربا إن كنتم مؤمنين ) وقال ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) في الكتاب المبين ولا تأكلوا مال أحد بغير حق يبيحه وانزعوا الطعم عن ذلك حتى تذهب ريحه والتمسوا الحلال يسعى فيه أحدكم على قدمه ولا يكل خياره إلا الثقة من خدمه ولا تلجئوا إلى المتشابه إلا عند عدمه فهو في السلوك إلى الله تعالى أصل مشروط والمحافظ عليه مغبوط وإياكم والظلم فالظالم ممقوت بكل لسان

مجاهر الله تعالى بصريح العصيان ( والظلم ظلمات يوم القيامة ) كما ورد في الصحاح الحسان والنميمة فساد وشتات لايبقى عليه متات وفي الحديث لا يدخل الجنة قتات واطرحوا الحسد فما ساد حسود وإياكم والغيبة فباب الخير معها مسدود والبخل فما رئى البخيل وهو مودود وإياكم وما يعتذر منه فمواقع الخزى لا تستقال عثراتها ومظنات الفضائح لا تؤمن غمراتها وتفقدوا أنفسكم مع الساعات وأفشوا السلام في الطرقات والجماعات ورقوا على ذوي الزمانات والعاهات وتاجروا مع الله بالصدقة يربحكم في البضاعات وعولوا عليه وحده في الشدائد واذكروا المساكين إذا نصبتم الموائد وتقربوا إليه باليسير من ماله واعلموا أن الخلق عيال الله وأحب الخلق إليه المحتاط لعياله وارعوا حقوق الجار واذكروا ما ورد في ذلك من الآثار وتعاهدوا أولي الأرحام والوشائج البادية الالتحام واحذروا شهادة الزور فإنها تقطع الظهر وتفسد السر والجهر والرشا فإنها تحط الأقدار وتستدعي المذلة والصغار ولا تسامحوا في لعبة قمر ولا تشاركوا أهل البطالة في أمر وصونوا المواعيد من الإخلاف والأيمان من حنث الأوغاد والأجلاف وحقوق الله تعالى من الازدراء والاعتساف ولا تلهجوا بالآمال العجاف ولا تكلفوا بالكهانة والارجاف واجعلوا العمر بين معاش ومعاد وخصوصية وابتعاد واعلموا أن الله سبحانه بالمرصاد وأن الخلق بين زرع وحصاد وأقلوا بغير الحالة الباقية الهموم واحذروا القواطع عن السعادة كما تحذر السموم واعلموا أن الخير أو الشر في الدنيا محال أن يدوم وقابلوا بالصبر أذية المؤذين ولا تعارضوا مقالات الظالمين فالله لمن بغي عليه خير الناصرين ولا تستعظموا

حوادث الأيام كلما نزلت ولا تضجوا للأمراض إذا أعضلت فكل منقرض حقير وكل منقض وإن طال قصير وانتظروا الفرج وانتشقوا من جناب الله تعالى الأرج وأوسعوا بالرجاء الجوانح واجنحوا إلى الخوف من الله تعالى فطوبى لعبد إليه جانح وتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء والجئوا إليه في البأساء والضراء وقابلوا نعم الله تعالى بالشكر الذي يقيد به الشارد ويعذب الوارد وأسهموا منها للمساكين وأفضلوا عليهم وعينوا الحظوظ منها لديهم فمن الآثار يا عائشة أحسنى جوار نعم الله فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم ولا تطغوا في النعم وتقصروا عن شكرها وتغلبكم الجهالة بسكرها وتتوهموا أن سعيكم جلبها وجدكم حلبها فالله خير الرازقين والعاقبة للمتقين ولا فعل إلا الله إذا نظر بعين اليقين والله الله لا تنسوا الفضل بينكم ولا تذهبوا بذهابه زينكم وليلتزم كل منكم لأخيه ما يشتد به تواخيه بما أمكنه من إخلاص وبر ومراعاة في علانية وسر وللإنسان مزية لا تجهل وحق لا يهمل وأظهروا التعاضد والتناصر وصلوا التعاهد والتزاور ترغموا بذلك الأعداء وتستكثروا الأوداء ولا تتنافسوا في الحظوظ السخيفة ولا تتهارشوا تهارش السباع على الجيفة واعلموا أن المعروف يكدر بالامتنان وطاعة النساء شر ما أفسد بين الإخوان فإذا أسديتم معروفا فلا تذكروه وإذا برز قبيح فاستروه وإذا أعظم النساء أمرا فاحقروه والله الله لا تنسوا مقارضة سجلي وبروا أهل مودتي من أجلي ومن رزق منكم مالا بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح لغير الجهاد فلا يستهلكه أجمع في العقار فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار وساعيا لنفسه إن تغلب العدو على بلده

في الافتضاح والافتقار ومعوقا عن الانتقال أمام النوب الثقال وإذا كان رزق العبد على المولى فالإجمال في الطلب أولى وازهدوا جهدكم في مصاحبة أهل الدنيا فخيرها لا يقوم بشرها ونفعها لا يقوم بضرها وأعقاب من تقدم شاهدة والتواريخ لهذه الدعوى عاضدة ومن بلى بها منكم فليستظهر بسعة الاحتمال والتقلل من المال وليحذر معاداة الرجال ومزلات الإدلال وفساد الخيال ومداخلة العيال وإفشاء السر وسكر الاغترار فإنه دأب الغر وليصن الديانة ويؤثر الصمت ويلازم الأمانة ويسر من رضا الله على أوضح الطرق ومهما اشتبه عليه أمران قصد أقربهما إلى الحق وليقف في التماس أسباب الجلال دون الكمال غير النقصان والزعازع تسالم اللدن اللطيف من الأغصان وإياكم وطلب الولايات رغبة واستجلابا واستظهارا على الخطوب وغلابا فذلك ضرر بالمروءات والأقدار داع إلى الفضيحة والعار ومن امتحن بها منكم اختيارا أو جبر عليه إكراها وإيثارا فليتلق وظائفها بسعة صدره ويبذل من الخير فيها ما يشهد أن قدرها دون قدره فالولايات فتنة ومحنة وأسر وإحنة وهى بين إخطاء سعادة وإخلال بعبادة وتوقع عزل وإدالة بإزاء بيع جد بهزل ومزلة قدم واستتباع ندم ومآل العمر كله موت ومعاد واقتراب من الله وابتعاد جعلكم الله ممن نفعه بالتبصير والتنبيه وممن لاينقطع بسببه عمل أبيه هذه أسعدكم الله وصيتي التي أصدرتها وتجارتي التى لربحكم أدرتها فتلقوها بالقبول لنصحها والاهتداء بضوء صبحها وبقدر ما أمضيتم من فروعها واستغشيتم من دروعها اقتنيتم من المناقب الفاخرة وحصلتم على سعادة الدنيا والآخرة وبقدر ما أضعتم لآلئها النفيسة القيم استكثرتم من بواعث الندم ومهما سئمتم إطالتها واستغزرتم مقالتها فاعلموا أن تقوىالله فذلكة الحساب وضابط هذا الباب كان الله خليفتي عليكم في كل حال فالدنيا

مناخ ارتحال وتأميل الإقامة فرض محال فالموعد للالتقاء دار البقاء جعل الله من وراء خطته النجاة ونفق بضائعها المزجاة بلطائفه المرتجاة والسلام عليكم من حبيبكم المودع والله سبحانه يلئمه حيث شاء من شمل متصدع والدكم محمد بن عبد الله بن الخطيب ورحمة الله وبركاته
18 -

خطبة وعظية له
وصدر عنه على لسان واعظ
الحمد لله الولى الحميد المبدئ المعيد البعيد في قربه من العبيد القريب في بعده وهو أقرب من حبل الوريد محيى ربوع العارفين بتحيات حياة التوحيد ومفنى نفوس الزاهدين بكنوز احتقار الافتقار إلى العرض الزهيد ومخلص خواطر المحققين من سجون دجون التقييد إلى فسح التجريد نحمده وله الحمد المنتظمة درره في سلوك الدوام وسموط التأييد حمد من نزه أحكام وحدانيته وأعلام فردانيته عن مرابط التقييد ومخابط الطبع البليد ونشكره شكر من افتتح بشكره أبواب المزيد ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو شهادة نتخطى بها معالم الخلق إلى حضرة الحق على كبد التفريد ونشهد أن محمدا عبده ورسوله قلادة الجيد المجيد وهلال العيد وفذلكة الحساب وبيت القصيد المخصوص بمنشور الإدلال وإقطاع الكمال بين مقام المراد ومقام المريد الذي جعله السبب الأوصل في نجاة الناجي وسعادة السعيد وخاطب الخلائق على لسانه الصادق بحجتي الوعد والوعيد فكان مما أوحي به إليه وأنزل الملك به عليه من الذكر الحميد ليأخذ

بالحجز والأطواق من العذاب الشديد ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) وعلى آله صلاة تقوم ببعض حقه الأكيد وتسرى إلى تربته الزكية من ظهور المواجد الجائية على البريد
( قعدت لتذكير ولو كنت منصفا ... لذكرت نفسي فهي أحوج للذكرى )
( إذا لم يكن مني لنفسي واعظ ... فياليت شعري كيف أفعل في الأخرى )
آه أي وعظ بعد وعظ الله تعالى يا أحبابنا يسمع وفي ماذا وقد تبين الرشد من الغى يطمع من يعطي ويمنع إذا لم تقم الصنيعة فماذا نصنع أجمعنا بقلوبنا يا من يفرق ويجمع ولين حديدها بنار خشيتك فقد استعاذ نبيك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع اعلموا رحمكم الله أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من الأقوال والأحوال ومن الجماد والحيوان وما أملاه الملوان فإن الحق نور لا يضره أن صدر من الخامل ولا يقصر بمحموله احتقار الحامل وأنتم تدرون أنكم في أطوار سفر لا تستقر لها دون الغاية رحلة ولا تتأتى معها إقامة ولا مهلة من الأصلاب إلى الأرحام إلى الوجود إلى القبور إلى النشور إلى إحدى دارى البقاء أفى الله شك فلو أبصرتم مسافرا في البرية يبنى ويفرش ويمهد ويعرش ألم تكونوا تضحكون من جهله وتعجبون من ركاكة عقله ووالله ما أموالكم ولا أولادكم وشواغلكم عن الله التي فيها اجتهادكم إلا بقاء سفر في قفر أو إعراس

في ليلة نفر كأنكم بها مطرحة تعبر فيها المواشى وتنبو العيون عن خبرها المتلاشى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) ما بعد المقيل إلا الرحيل ولا بعد الرحيل إلا المنزل الكريم أو المنزل الوبيل وإنكم تستقبلون أهوالا سكرات الموت بواكر حسابها وعتب أبوابها فلو كشف الغطاء عن ذرة منها لذهلت العقول وطاشت الألباب وما كل حقيقة يشرحها الكلام ( يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) أفلا أعددتم لهذه الورطة حيلة وأظهرتم للاهتمام بها مخيلة اتعويلا على عفوه مع المقاطعة وهو القائل في مقام التهديد ( إن عذابى لشديد ) أأمنا من مكره مع المنابذة ( ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) أطمعا في رحمته مع المخالفة وهو يقول ( فسأكتبها للذين يتقون ) أمشاقة ومعاندة ( ومن يشاقق الله فإن الله شديد العقاب ) أشكا في الله فتعالوا نعيد الحساب ونقرر العقد ونتصف بدعوة الحق أو غيرها من اليوم يفقد عقد العقائد عند التساهل بالوعيد فالعامي يدمي الأصبع الوجعة والعارف يضمد لها مبدأ العصب
( هكذا هكذا يكون التعامي ... هكذا هكذا يكون الغرور )
( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) وما عدا مما بدا ورسولكم الحريص عليكم الرءوف الرحيم يقول لكم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فعلام بعد هذا المعول وماذا يتأول اتقوا الله تعالى في نفوسكم وانصحوها واغتنموا فرص الحياة وارتجوها ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت

في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ) وتنادى أخرى ( هل إلى مرد من سبيل ) وتستغيث أخرى ( يا ليتنا نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل ) وتقول أخرى ( رب ارجعون ) فرحم الله من نظر لنفسه قبل غروب شمسه وقدم لغده من أمسه وعلم أن الحياة تجر إلى الموت والغفلة تقود إلى الفوت والصحة مركب الألم والشبيبة سفينة تقطع إلى ساحل الهرم
وإن شاء قال بعد الخطبة
إخواني ما هذا التواني والكلف بالوجود الفاني عن الدائم الباقي والدهر يقطع الأماني وهادم اللذات قد شرع في نقض المباني ألا معتبر في عالم هذه المعانى ألا مرتحل عن مغابن هذه المغاني
( ألا أذن تصغى إلى سميعة ... أحدثها بالصدق ما صنع الموت )
( مددت لكم صوتى فأواه حسرة ... على ما بدا منكم فلم يسمع الصوت )
( هو القدر الآتي على كل أمة ... فتوبوا سراعا قبل أن يقع الفوت )
يا كلفا بما لا يدوم يا مفتونا بغرور الوجود المعدوم يا صريع جدار الأجل المهدوم يا مشتغلا ببنيان الطرق قد ظهر المناخ وقرب القدوم يا غريقا في بحار الأمل ما عساك تعوم يا معلل الطعام والشراب ولمع السراب لا بد أن تهجر المشروب وتترك المطعوم دخل سارق الأجل بيت عمرك فسلب النشاط وأنت تنظر وطوى البساط وأنت تكرب واقتلع جواهر الجوارح وقد وقع بك النهب ولم يبق إلا أن يجعل الوسادة على أنفك ويقعد
( لو خفف الوجد عني ... دعوت طالب ثاري )
( كلا إنها كلمة هو قائلها ) كيف التراخي والفوت مع الأنفاس ينتظر

كيف الأمان وهاجم الموت لا يبقى ولا يذر كيف الركون إلى الطمع الفاضح وقد صح الخبر من فكر في كرب الخمار تنغصت عنده لذة النبيذ من أحس بلفظ الحريق فوق جداره لم يصغ بصوته لنغمة العود من تيقن بذل العزلة هان عليه ترك الولاية
( ماقام خيرك يا زمان بشره ... أولى لنا ما قل منك وما كفى )
أوحى الله سبحانه إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه أن ضع يدك على متن ثور فبعدد ما حاذته من شعره تعيش سنين فقال يا رب وبعد ذلك قال تموت قال يا رب فالآن
( رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا )
إذا شعرت نفسك بالميل إلى شيء فاعرض عليها غصة فراقه ( ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حى عن بينة ) فالمفروح به هو المحزون عليه أين الأحباب مروا فياليت شعرى أين استقروا استكانوا والله واضطروا واستغاثوا من سبقك بأوليائهم ففروا وليتهم إذ لم ينفعوا ما ضروا فالمنازل من بعدهم خالية خاوية والعروش ذابلة ذاوية والعظام من بعد التفاصل متشابهة متساوية والمساكن تندب في أطلالها الذئاب العاوية
( صحت بالربع فلم يستجيبوا ... ليت شعري أين يمضي الغريب )
( وبجنب الدار قبر جديد ... منه يستسقي المكان الجديب )
( غاض قلبي فيه عند التماحي ... قلت هذا القبر فيه الحبيب )
( لا تسل عن رجعتي كيف كانت ... إن يوم البين يوم عصيب )

( باقتراب الموت عللت نفسي ... بعد إلفي كل آت قريب )
أين المعمر الخالد أين الولد أين الوالد أين الطارف أين التالد أين المجادل أين المجالد هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا وجوه علاهن الثرى وصحائف تفض وأعمال على الله تعرض بحث الزهاد والعباد والعارفون والأوتاد والأنبياء الذين يهدى بهم العباد عن سبب الشقاء الذى لا سعادة بعده فلم يجدوا إلا البعد عن الله تعالى وسببه حب الدنيا لن تجتمع أمتي على ضلالة
( هجرت حبائبى من أجل ليلى ... فما لىبعد ليلى من حبيب )
( وماذا أرتجى من وصل ليلي ... ستجزي بالقطيعة عن قريب )
وقالوا ما أورد النفس الموارد وفتح عليها باب الحتف إلا الأمل كلما قومتها مثاقف الحدود فتح لها أركان الرخص كلما عقدت صوم العزيمة أهداها طرف الغرور في أطباق حتى وإذا ولكن وربما فأفرط القلب في تقليبها حتى أفطر
( ما أوبق الأنفس إلا الأمل ... وهو غرور ما عليه عمل )
( يفرض منه الشخص وهما ماله ... حال ولا ماض ولا مستقبل )
( ما فوق وجه الأرض نفس حية ... إلا قد انقض عليها الأجل )
( لو أنهم من غيرها قد كونوا ... لامتلأ السهل بهم والجبل )
( ما ثم إلا لقم قد هيئت ... للموت وهو الأكل المستعجل )
( والوعد حق والورى في غفلة ... قد خودعوا بعاجل وضللوا )
( أين الذين شيدوا واغترسوا ... ومهدوا وافترشوا وظللوا )

( أين ذوو الراحات زادت حسرة ... إذ جنبوا إلى الثرى وانتقلوا )
( لم تدفع الأحباب عنهم غير أن ... بكوا على فراقهم وأعولوا )
( الله في نفسك أولى من له ... ذخرت نصحا وعتابا يقبل )
( لا تتركنها في عمى وحيرة ... عن هول ما بين يديها تغفل )
( مقر لها الفاني وحاول زهدها ... وشوقها إلى الذى تستقبل )
( وفد إلى الله بها مضطرة ... حتى ترى السير عليها يسهل )
( هو الفناء والبقاء بعده ... والله عن حكمته لا يسأل )
( يا قرة العين ويا حسرتها ... يوم يوفى الناس ما قد عملوا )
يا طرد المخالفة إنكم مدركون فاستبقوا باب التوبة فإن رب تلك الدار يجير ولا يجار عليه ( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما هداكم ) يا طفيلية الهمة دسوا أنفسكم بزمر التائبين وقد دعوا إلى الله دعوة الحبيب فإن لم يكن أكل فلا أقل من طيب الوليمة قال بعض العارفين إذا عقد التائبون الصلح مع الله تعالى انتشرت رعايا الطاعة في عمالة الأعمال ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب ) معانى هذا المجلس والله نسيم سحر إذا استنشقه مخمور الغفلة أفاق سعوط هذا الوعظ ينقض إن شاء الله زكمة البطالة إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء إكسير هذا الكتاب يلقب بحكمة جابر القلوب المنكسرة عين من كان له قلب

( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ) إلهي دلنا من حيرة يضل فيها إلا إن هديت الدليل وأجرنا من غمرة وكيف إلا بإغاثتك السبيل نفوس صدئ من مر الأزمان منها الصقيل ونبا بجنوبها عن الحق المقيل وآذان أنهضها القول الثقيل وعثرات لا يقبلها إلا أنت يا مقيل العثرات يا مقيل أنت حسبنا ونعم الوكيل
19 -

وصية موسى بن سعيد العنسي لابنه
قال أبو الحسن على بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي
لما أردت النهوض من ثغر الإسكندرية إلى القاهرة أول وصولي إلى الإسكندرية رأى أبى أن يكتب لي وصية أجعلها إماما في الغربة فبقى فيها أياما إلى أن كتتها عنه وهي هذه
( أودعك الرحمن في غربتك ... مرتقبا رحماه في أوبتك )

( وما اختيارى كان طوع النوى ... لكننى أجرى على بغيتك )
( فلا تطل حبل النوى إننى ... والله أشتاق إلى طلعتك )
( من كان مفتونا بأبنائه ... فإننى أمعنت في خيرتك )
( فاختصر التوديع أخذا فما ... لى ناظر يقوى على فرقتك )
( واجعل وصاتى نصب عين ولا ... تبرح مدى الأيام من فكرتك )
( خلاصة العمر التي حنكت ... في ساعة زفت إلى فطنتك )
( فللتجاريب أمور إذا ... طالعتها تشحذ من غفلتك )
( فلا تنم عن وعيها ساعة ... فإنها عون إلى يقظتك )
( وكل ما كابدته في النوى ... إياك أن يكسر من همتك )
( فليس يدرى أصل ذى غربة ... وإنما تعرف من شيمتك )
( وكل مايفضى لعذر فلا ... تجعله في الغربة من إربتك )
( ولا تجالس من فشا جهله ... واقصد لمن يرغب في صنعتك )
( ولا تجادل أبدا حاسدا ... فإنه أدعى إلى هيبتك )
( وامش الهوينى مظهرا عفه ... وابغ رضا الأعين عن هيئتك )
( أفش التحيات إلى أهلها ... ونبه الناس على رتبتك )
( وانطق بحيث العى مستقبح ... واصمت بحيث الخير في سكتتك )
( ولا تزل مجتمعا طالبا ... من دهرك الفرصة في وثبتك )
( وكلما أبصرتها أمكنت ... ثب واثقا بالله في مكنتك )
( ولج على رزقك من بابه ... واقصد له ما عشت في بكرتك )

( وايأس من الود لدى حاسد ... ضد ونافسه على خطتك )
( ووفر الجهد فمن قصده ... قصدك لا تعتبه في بغضتك )
( ووف كلا حقه ولتكن ... تكسر عند الفخر من حدتك )
( ولا تكن تحقر ذا رتبة ... فإنه انفع في غربتك )
( وحيثما خيمت فاقصد إلى ... صحبة من ترجوه في نصرتك )
( وللرزايا وثبة مالها ... إلا الذى تذخر من عدتك )
( ولا تقل أسلم لي وحدتي ... فقد تقاسي الذل في وحدتك )
( والتزم الأحوال وزنا ولا ... ترجع إلى ما قام في شهوتك )
( ولتجعل العقل محكا وخذ ... كلا بما يظهر في نقدتك )
( واعتبر الناس بألفاضهم ... واصحب أخا يرغب في صحبتك )
( بعد اختبار منك يقضى بما ... يحسن في الآخذ من خلطتك )
( كم من صديق مظهر نصحه ... وفكره وقف على عثرتك )
( إياك أن تقربه إنه ... عون مع الدهر علىكربتك )
( واقنع إذا ما لم تجد مطمعا ... واطمع إذا أنعشت من عسرتك )
( وانم نمو النبت قد زاره ... غب الندى واسم إلى قدرتك )
( وإن نبا دهر فوطن له ... جأشك وانظره إلى مدتك )
( فكل ذى أمر له دولة ... فوف ما وافاك في دولتك )
( ولا تضيع زمنا ممكنا ... تذكاره يذكى لظى حسرتك )
( والشر مهما اسطعت لا تأته ... فإنه حوز على مهجتك )

يا بني الذي لا ناصح له مثلي ولا منصوح لي مثله قد قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في كل أوان رجوت لك حسن العاقبة إن شاء الله تعالى وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول الأول
( يزين الغريب إذا ما اغترب ... ثلاث فمنهن حسن الأدب )
( وثانية حسن أخلاقه ... وثالثة إجتناب الريب )
وإذا اعتبرت هذه الثلاثة ولزمتها في الغربة رأيتها جامعة نافعة لا يلحقك إن شاء الله مع استعمالها ندم ولا يفارقك بر ولا كرم ولله در القائل
( يعد رفيع القوم من كان عاقلا ... وإن لم يكن في قومه بحسيب )
( إذا حل أرضا عاش فيها بعقله ... وما عاقل في بلدة بغريب )
وما قصر القائل حيث قال
( واصبر على خلق من تعاشره ... وداره فاللبيب من دارى )
( واتخذ الناس كلهم سكنا ... ومثل الأرض كلها دارا ) وأصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم الكرم والصبر
( ولو أن أوطان الديار نبت بكم ... لسكنتم الأخلاق والآدابا )
إذ حسن الخلق أكرم نزيل والأدب أرحب منزل ولتكن كما قال بعضهم في أديب متغرب وكان كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد وإليه قصد غير مستريب بدهره ولا منكر شيئا من أمره وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلما وهب في روض أخلاقه هبوب النسيم وحل بطرفه حلول الوسن وأنزل بقلبه نزول المسرة حتى يتمكن لك وداده ويخلص فيك اعتقاده وطهر من الوقوع فيه لسانك وأغلق سمعك ولا ترخص

في جانبه لحسود لك منه يريد إبعادك عنه لمنفعته أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ولاتتمهد بدوام رقدته فقد ينبهه الزمان ويغير منه القلب واللسان ولذا قيل إذا أحببت فأحبب هونا ما ففى الممكن أن ينقلب الصديق عدوا والعدو صديقا وإنما العاقل من جعل عقله معيارا وكان كالمرآة يلقى كل وجه بمثاله وجعل نصب ناظره قول أبى الطيب
( ولما صار ود الناس خبا ... جزيت على ابتسام بابتسام )
وفي أمثال العامة من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل فاحتذ بأمثلة من جرب واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم ولا تتكل على عقلك فإن النظر فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غاليا بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصا وإن رأيت من له مروءة وعقل وتجربة فاستفد منه ولا تضيع قوله ولا فعله فإن فيما تلقاه تلقيحا لعقلك وحثا لك واهتداء
وإياك أن تعمل بهذا البيت في كل موضع والحر يخدع بالكلام الطيب فقد قال أحدهم ما قيل أضر من هذا البيت على أهل التجمل وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره فإن كان موافقا لعقلك مصلحا لحالك فراع ذلك عندك وإلا قانبذه نبذ النواة فليس لكل أحد يتبسم ولا كل شخص يكلم ولا الجود مما يعم به ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد ولله در القائل
( ومالي لا أوفي البرية قسطها ... على قدر ما يعطي وعقلي ميزان )
وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر فلا تعامل الدون بمعاملة الكفء ولا

الكفء بمعاملة الأعلى ولا تضيع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة اجلة واسمع قول الأول
وبع آجلا منك بالعاجل وأقلل من زيارة الناس ما استطعت ولا تجفهم بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء ولاتقل أيضا أقعد في كسر بيتى ولا أرى أحدا وأستريح من الناس فإن ذلك كسل داع إلى الذل والمهانة وإذا علم عدو لك أو صديق منك ذلك عاملاك بحسبه فازدراك الصديق وجسر عليك العدو وإياك أن يغرك صاحب عن أن تدخر غيره للزمان وتطيعه في عداوة سواه ففي الممكن أن يتغير عليك فتطلب إعانة غيره أو استغناء عنه فلا تجد ذخيرة قدمتها وكان هو في أوسع حال وأعلي رأي بما دبره بحيلته في انقطاعك عن غيره فلو اتفق لك أن تصحب من كل صناعة ورياسة من يكون لك عدة لكان ذلك أولي وأصوب وسلني فإنى خبير طال والله ما صحبت الشخص أكثر عمري لا أعتمد على سواه ولا أعتد إلا إياه منخدعا بسرابه موثوقا في حبائل خطابه إلى أن لا يحصل لي منه غير العض على البنان وقول لو كان ولو كان ولا يحملنك أيضا هذا القول أن تظنه في كل أحد وتعجل المكافأة وليكن حسن الظن بمقدار ما والفطن لا تخفى عليه مخايل الأحوال وفي الوجوه دلالات وعلامات وأصغ إلى القائل
( ليس ذا وجه من يضيف ولا يقرى ... ولا يدفع الأذى عن حريم )
فمن يكن له وجه مثل هذا الوجه فول وجهك عنه قبلة ترضاها ولتحرص جهدك على أن لا تصحب أو تخدم إلا رب حشمة ونعمة ومن نشأ في رفاهية ومروءة فإنك تنام معه في مهاد العافية وإن الجياد على أعراقها تجرى وأهل الأحساب

والمروءات يتركون منافعهم متى كانت عليهم فيها وصمة وقد قيل في مجلس عبد الملك ابن مروان أشرب مصعب الخمر فقال عبد الملك وهو عدو له محارب له على الملك لو علم مصعب أن الماء يفسد مروءته ما شربه والفضل ما شهدت به الأعداء
يا بني وقد علمت أن الدنيا دار مفارقة وتغير وقد قيل اصحب من شئت فإنك مفارقه فمتى فارقت أحدا فعلي حسني في القول والفعل فإنك لا تدرى هل أنت راجع إليه فلذلك قال الأول
( ولما مضى سلم بكيت على سلم ... وإياك والبيت السائر )
( وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا )
واحرص على ما جمع قول القائل ثلاثة تبقى لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه واحذر كل ما بينه لك القائل كل ما تغرسه تجنيه إلا إبن آدم فإنك إذا غرسته يقلعك وقول الآخر ابن آدم يتمسكن حتى يتمكن وقول الآخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة
وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره فيحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته فجاوبه إن الصحبة رق ولا أضع رقى في يدك حتى أعرف كيف ملكتك وأستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه فإن الكلام سلاح السلم وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية تجعلها نهاية لك

واكد ما أوصيك به أن تطرح الأفكار وتسلم للأقدار
( واقبل من الدهر ما أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه )
إذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو المجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك ولله در القائل
( إذا ما كنت للأحزان عونا ... عليك مع الزمان فمن تلوم )
مع أنه لا يرد عليك الفائت الحزن ولا يرعوى بطول عتبك الزمن ولقد شاهدت بغرناطة شخصا قد ألفته الهموم وعشقته الغموم من صغره إلى كبره لا تراه أبدا خليا من فكره حتى لقب بصدر الهم ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفا من أن لا يدوم
وينشد توقع زوالا إذا قيل ثم وينشد وعند التناهي يقصر المتطاول
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره مخسور يمر ضياعا
ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العلم ما تحسنه حسدا لك وقصدا لتصغير قدرك عندك وتزهيدا لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتر كن إلى العلم الذي مدحوه فتكون مثل الغراب الذى أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل
( إن الغراب وكان يمشي مشية ... فيما مضى من سالف الأجيال )
( حسد القطا وأراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال )

( فأضل مشيته وأخطأ مشيها ... فلذاك سموه أبا مرقال )
ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول ما بقى في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الحرمان واستحقت طلعته للهوان وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وإقامة الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم وتعذير أمورهم ولا تزل هذين البيتين من فكرك
( لن إذا ما نلت عزا ... فأخو العز يلين )
( فإذا نابك دهر ... فكما كنت تكون ) وقول الآخر
( ته وارتفع إن قيل أقتر ... وانخفض إن قيل أثرى )
( كالغصن يسفل ما اكتسي ... ثمرا ويعلو ما تعرى ) ولا قول الاخر
( الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد ) واعتقد في الناس ما قاله القائل
( ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يفو لا يعدم على الغى لائما ) وقريب منه قول القائل
( بقدر الصعود يكون الهبوط ... فإياك والرتب العاليه )
( وكن في مكان إذا ما سقطت ... تقوم ورجلاك في عافية ) وتحفظ بما تضمنه قول الاخر

( ومن دعا الناس إلى ذمة ... ذموه بالحق وبالباطل ) ولله در القائل
( ما كل ما فوق البسيطة كافيا ... فإذا قنعت فكل شيء كافى )
والأمثال يضربها لذي اللب الحكيم وذو البصر يمشى على الصراط المستقيم والفطن يقنع بالقليل ويستدل باليسير والله سبحانه خليفتى عليك لا رب سواه
20 - خطبة ابن الزيات المنزوعة الألف توفي سنة 728ه
وخطب أحمد بن الحسن بن على بن الزيات خطبة ألغيت الأف من حروفها على كثرة ترددها في الكلام وهي
حمدت ربي جل من كريم محمود وشكرته عز من عظيم معبود ونزهته عن جهل كل ملحد كفور وقدسته عن قول كل مفسد غرور كبير لو تقوم في فهم لحد قدير لو تصور في رسم لحد لو عرته فكرة تصور لتصور ولو حدته فكرة لتقدر ولو فهمت له كيفية لبطل قدمه ولو علمت له كيفية لحصل عدمه ولو حصر في ظرف لقطع بتجسمه ولو قهره وصف لصدع بتقسمه ولو فرض له شبح لرهقه كيف عظيم من غير تركيب قطر عليم من

غير ترتيب فكر موجود من غير شيء يمسكه معبود من غير وهم يدركه كريم من غير عوض يلحقه حكيم من غير عرض يلحقه قوي من غير سبب يجمعه على من غير سبب يرفعه لو وجد له جنس لعورض في قيوميته ولو ثبت له حس لنوزع في ديموميته
ومنها تقدس وعز فعله وتنزه عز اسمه وفضله جل قاهر قدرته وعز باهر عزته وعظمت صفته وكثرت منته فتق ورتق وصور وخلق وقطع ووصل ونصر وخذل حمدته حمد من عرف ربه ورهب ذنبه وصفت حقيقة يقينه قلبه وزكت بصيرة دينه لبه ربط سلك سلوكه وشد وهدم صرح عتوه وهد وحرس معقل عقله وحد وطرد غرور غرته ورذله علم علم تحقيق فنحا نحوه نقر له عز و جل بثبوت ربوبيته وقدمه ونعتقد صدور كل جوهر وعرض عن جوده وكرمه ونشهد بتبليغ محمد رسوله وخير خلقه ونعلن بنهوضه في تبيين فرضه وتبليغ شرعه ضرب قبة شرعه فنسخت كل شرع وجدد عزيمته فقمع عدوه خير قمع قوم كل مقوم بقويم سنته وكريم هديه وبين لقومه كيف يركنون ففازوا بقصده وسديد سعيه بشر مطيعه فظفر برحمته وحذر عاصيه فشقى بنقمته
وبعد فقد نصحتكم لو كنتم تعقلون وهديتكم لو كنتم تعلمون بصرتم لو كنتم تبصرون وذكرتم لو كنتم تذكرون ظهرت لكم حقيقة نشركم

وبرزت لكم حقيقة حشركم فكم تركضون في طلق غفلتكم وتغفلون عن يوم بعثكم وللموت عليكم سيف مسلول وحكم عزم غير معلول فكيف بكم يوم يؤخذ كل بذنبه ويخبر بجميع كسبه ويفرق بينه وبين صحبه ويعدم نصرة حزبه ويشتغل بهمه وكربه عن صديقه وتربه وتنشر له رقعة وتعين له بقعة فربح عبد نظر وهو في مهل لنفسه وترسل في رضى عمل جنة لحلول رمسه وكسر صنم شهوته ليقر في بحبوحة قدسه
ومنها فتنبه ويحك من سنتك ونومك وتفكر فيمن هلك من صحبتك وقومك هتف بهم من تعلم وشب عليهم منه حرق مظلم فخربت بصيحته ربوعهم وتفرقت لهوله جموعهم وذل عزيزهم وخسئ رفيعهم وصم سميعهم فخرج كل منهم عن قصره ورمى غير موسد في قبره فهم بين سعيد في روضة مقرب وبين شقى في حفرة معذب فنستوهب منه عز و جل عصمة من كل خطيئة وخصوصية تقى من كل نفس جريئة
21 -

خطبة القاضي عياض التي ضمنها سور القرآن
وخطب القاضي أبو الفضل عياض خطبة ضمنها سور القرآن فقال
الحمد لله الذي فتتح بالحمد كلامه وبين في سورة البقرة أحكامه ومد

في ال عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه وجعل في الأعراف أنفال توبة يونس وألر كتاب أحكمت اياته بمجاورة يوسف الصديق في دار الكرامة وسبح الرعد بحمده وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ليؤمن أهل الحجر أنه إذا أتى أمر الله سبحانه فلا كهف ولا ملجأ إلا إليه ولا يظلمون قلامة وجعل في حروف كهيعص سرا مكنونا قدم بسببه طه على سائر الأنبياء ليظهر إجلاله وإعظامه وأوضح الأمر حتى حج المؤمنون بنور الفرقان والشعراء صاروا كالنمل ذلا وصغارا لعظمته وظهرت قصص العنكبوت فآمن به الروم وأيقنوا أنه كلام الحي القيوم نزل به الروح الأمين على زين من وافى يوم القيامة وأوضح لقمان الحكمة بالأمر بالسجود لرب الأحزاب فسبا فاطر السموات أهل الطاغوت وأكسبهم ذلا وخزيا وحسرة وندامة وأمد يس بتأييد الصافات فصاد الزمر يوم بدره وأوقع بهم ما أوقع صناديدهم في القليب مكدوس ومكبوب حين شالت بهم النعامة وغفر غافر الذنب وقابل التوب للبدريين رضي الله عنهم ما تقدم وما تأخر حين فصلت كلمات الله فذل من حقت عليه كلمة العذاب وأيس من السلامة ذلك بأن أمرهم شورى بينهم وشغلهم زخرف الآخرة عن دخان الدنيا فجثوا أمام الأحقاف بقتال أعداء محمد يمينه وشماله وخلفه وأمامه فأعطوا الفتح وبوئوا حجرات الجنان وحين تلواق والقرآن المجيد وتدبروا جواب قسم الذاريات والطور لاح لهم نجم الحقيقة وانشق لهم قمر اليقين فنافروا السآمة ذلك بأنهم أمنهم الرحمن إذا وقعت الواقعة

واعترف بالضعف لهم الحديد وهزم المجادلون وأخرجوا من ديارهم لأول الحشر يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين حين نافروا السلامة
أحمده حمد من امتحنته صفوف الجموع في نفق التغابن فطلق الحرمات حين اعتبر الملك وعامه وقد سمع صريف القلم وكأنه بالحاقة والمعارج يمينه وشماله وخلفه وأمامه وقد ناح نوح الجن فتزمل وتدثر فرقا من يوم القيامة وأنس بمرسلات النبأ فنزع العبوس من تحت كور العمامة وظهر له بالانفطار التطفيف فانشقت بروج الطارق بتسبيح الملك الأعلى وغشيته الشهامة فورب الفجر والبلد والشمس والليل والضحى لقد انشرحت صدور المتقين حين تلوا سورة التين وعلق الإيمان بقلوبهم فكل على قدر مقامه يبين ولم يكونوا بمنفكين دهرهم ليله ونهاره وصيامه وقيامه إذا ذكروا الزلزلة ركبوا العاديات ليطفئوا نور القارعة ولم يلههم التكاثر حين تلوا سورة العصر والهمزة وتمثلوا بأصحاب الفيل ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) أرأيتهم كيف جعلوا على رءوسهم من الكور عمامة فالكوثر مكتوب لهم والكافرون خذلوا وهم نصروا وعدل بهم عن لهب الطامة وبسورة الإخلاص قروا وسعدوا وبرب الفلق والناس استعاذوا فأعيذوا من كل حزن وهم وغم وندامة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة تنال بها منازل الكرامة صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه ما غردت في الأيك حمامة

22 -

خطبة سعيد بن أحمد المقرى التى ضمنها سور القرآن
وخطب سعيد بن أحمد المقري خطبة على هذا النمط نصها
الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفى من آل عمران رجالا ونساء وفضلهم تفضيلا ومد مائدة إنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه حقه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلا ونجى هودا من كربه وحزنه كما خلص يوسف من جبه وسجنه وسبح الرعد بحمده ويمنه واتخذ الله إبراهيم خليلا الذي جعل في حجر الحجر من النحل شرابا نوع باختلاف ألوانه وأوحى إليه بخفى لطفه سبحانه واتخذ منه كهفا قد شيد بنيانه وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلا وفضل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون إذ جعل نور الفرقان دليلا وصدق محمدا الذى عجزت الشعراء في صدق نعته وشهدت النمل بصدق بعثه وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه ونسج العنكبوت عليه في الغار سترا مسدولا وملئت قلوب الروم رعبا من هيبته وتعلم لقمان الحكمة من حكمته وهدى أهل السجدة للإيمان بدعوته وهزم الأحزاب وسباهم وأخذهم أخذا وبيلا فلقبه فاطر السموات والأرض بيس كما نفذ حكمه في الصافات وبين ص صدقه بإظهار المعجزات وفرق زمر المشركين وصبر على أقوالهم وهجرهم هجرا جميلا فغفر له غافر الذنب ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفصلت رقاب المشركين إذ لم يكن أمرهم شورى بينهم وزخرف منار الإسلام وخفى دخان الشرك وخرت المشركون جاثية كما أنذر أهل الأحقاف فلا يهتدون سبيلا وأذل الذين كفروا بشدة القتال

وجاء الفتح للمؤمنين والنصر العزيز وحجر الحجرات الحريز وبق القدرة قتل الخراصون تقتيلا كلم موسى على جبل الطور فارتقى نجم محمد فاقتربت بطاعته مبادئ السرور وأوقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور فتعجب الحديد من قوته وكثرة المجادلة في أمته إلى أن أعيد في الحشر بأحسن مقيلا امتحنه في صف الأنبياء وصلى بهم إماما وفي تلك الجمعة ملئت قلوب المنافقين من التغابن خسرا وإرغاما فطلق وحرم تبارك الذي أعطاه الملك وعلم بالقلم ورتل القرآن ترتيلا وعن علم الحاقة كم سأل سائل فسأل الإيمان ودعا به نوح فنجاه الله تعالى من الطوفان وأتت إليه طائفة الجن يستمعون القران فأنزل عليه ( يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) فكم من مدثر يوم القيامة شفقة على الإنسان إذا أرسل مرسلات الدمع فعم يتساءلون أهل الكتاب وما تقبل من نازعات المشركين إذا عبس عليهم مالك وتولاهم بالعذاب وكورت الشمس وانفطرت السماء وكانت الجبال كثيبا مهيلا فويل للمطففين إذا انشقت السماء بالغمام وطويت ذات البروج وطرق طارق الصور بالنفخ للقيام وعز اسم ربك الأعلى لغاشية الفجر فيومئذ لا بلد ولا شمس ولا ليل طويلا فطوبى للمصلين الضحى عند انشراح صدورهم إذا عاينوا التين والزيتون وأشجار الجنة فسجدوا باقرأ اسم ربك الذى خلق هذا النعيم الأكبر لأهل هذه الدار ما أحيوا ليلة القدر وتبتلوا تبتيلا ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب من أهل الزلزلة من صديق ولا حميم وتسوقهم كالعاديات إلى سواء الجحيم وزلزلت بهم قارعه العقاب وقيل لهم ألهاكم التكاثر هذا عصر العقاب الأليم وحشر الهمزة وأصحاب الفيل إلى النار فلا يظلمون فتيلا وقالت قريش ما أمنتم من هول الحشر أرأيت الذي يكذب بالدين كيف

طرد عن الكوثر وسيق الكافرون إلى النار وجاء نصر الله والفتح فتبت يدا أبى لهب إذ لا يجد إلى سورة الإخلاص سبيلا فنعوذ برب الفلق من شر ما خلق ونعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذى فسق ونتوب إليه ونتوكل عليه وكفى بالله وكيلا
23 -

خطبة الكفعمى التي ضمنها سور القرآن أيضا
وخطب الكفعمي خطبة على هذا النمط أيضا نصها
الحمد لله الذى شرف النبي العربي بالسبع المثاني وخواتيم البقرة من بين الأنام وفضل ال عمران على الرجال والنساء بما وهب لهم من مائدة الأنعام ومنحهم بأعراف الأنفال وكتب لهم براءة من الاثام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي نجى يونس وهودا ويوسف من قومهم برعد الانتقام وغذى إبراهيم في الحجر بلعاب النحل ذات الإسرار فضاهى كهف مريم عليه السلام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى هو طه الأنبياء وحج المؤمنين ونور فرقان الملك العلام فالشعراء والنمل بفضله تخبر ولقصص العنكبوت الروم تذكر ولقمان في سجدته يشكر والأحزاب كأيادي سبا تقهر وفاطر يس لصافاته ينصر وصاد مقلة زمرة تنظر الأعلام فال حم بقتال فتحه في حجرات قافه قد ظهرت وذاريات طوره ونجمه وقمره قد عطرت وبالرحمن واقعة حديده يوم المجادلة قد نصرت وأبصار معانديه في الحشر يوم الامتحان حسرت وصف جمعته فائز إذ أجساد المنافقين بالتغابن استعرت وله الطلاق والتحريم ومقام الملك والقلم فناهيك به من

مقام وفى الحاقة أعلى الله له المعارج نوح المطهر وخصه من بين الإنس والجن بيأيها المزمل ويأيها المدثر وشفعه في القيامه إذا دموع الإنسان مرسلات كالماء المتفجر ووجهه عند نبإ النازعات وقد عبس الوجه كالهلال المتنور ويوم التكوير والانفطار وهلاك المطففين وانشقاق ذات البروج بشفاعته غير متضجر وقد حرست لمولده السماء بالطارق الأعلى وتمت غاشية العذاب إلى الفجر على المردة اللئام فهو البلد الأمين وشمس الليل والضحى المخصوص بانشراح الصدر والمفضل بالتين والزيتون المستخرج من أمشاج العلق الطاهر العلي القدر شجاع البرية يوم الزلزال إذ عاديات القارعة تدوس أهل التكاثر ومشركي العصر أهلك الله به الهمزة وأصحاب الفيل إذ مكروا بقريش ولم يتواصوا بالحق ولم يتواصوا بالصبر المخصوص بالدين الحنيفي والكوثر السلسال والمؤيد على أهل الجحد بالنصر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تبت يدا معاديه ونعم بالتوحيد مواليه وما أفصح فلق الصبح بين الناس وامتد الظلام

الباب الثاني في خطب ووصايا مجهول عصرها أو قائلها
1 -
خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة
لما ولي أبو بكر بن عبد الله المدينة وطال مكثه عليها كان يبلغه عن قوم من أهلها أنهم ينالون من أصحاب رسول الله وإسعاف من اخرين لهم على ذلك فأمر أهل البيوتات ووجوه الناس في يوم جمعة أن يقربوا من المنبر فلما فرغ من خطبة الجمعة قال
أيها الناس إنى قائل قولا فمن وعاه وأداه فعلى الله جزاؤه ومن لم يعه فلا

يعد من ذمامها إن قصرتم عن تفصيله فلن تعجزوا عن تحصيله فأرعوه أبصاركم وأوعوه أسماعكم وأشعروه قلوبكم فالموعظة حياة والمؤمنون إخوة ( وعلى الله قصد السبيل ) ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) فأتوا الهدى تهتدوا واجتنبوا الغي ترشدوا ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) والله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه أمركم بالجماعة ورضيها لكم ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم ف ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) جعلنا الله وإياكم ممن تبع رضوانه وتجنب سخطه فإنما نحن به وله
وإن الله بعث محمدا بالدين واختاره على العالمين واختار له أصحابا على الحق ووزراء دون الخلق اختصهم به وانتخبهم له فصدقوه ونصروه وعزروه ووقروه فلم يقدموا إلا بأمره ولم يحجموا إلا عن رأيه وكانوا أعوانه بعهده وخلفاءه من بعده فوصفهم فأحسن صفتهم وذكرهم فأثنى عليهم فقال وقوله الحق ( محمد رسول الله والذين امنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه

فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) فمن غاظه كفر وخاب وفجر وخسر وقال الله عز و جل ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله رسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) فمن خالف شريطة الله عليه لهم وأمره إياه فيهم فلا حق له في الفىء ولا سهم له في الإسلام في أي كثيرة من القرآن
فمرقت مارقة من الدين وفارقوا المسلمين وجعلوهم عضين وتشعبوا أحزابا أشابات وأوشابا فخالفوا كتاب الله فيهم وثناءه عليهم وآذوا رسول الله فيهم فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة ( ذلك هو الخسران المبين ) ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) مالى أرى عيونا خزرا ورقابا صعرا وبطونا بحرا شجالا يسيغه الماء وداء لا يشرب فيه الدواء ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ) كلا والله بل هو الهناء والطلاء حتى يظهر العذر ويبوح السر ويضح الغيب

ويسوس الجنب فإنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى ويحكم إنى لست أتاويا أعلم ولا بدويا أفهم قد حلبتكم أشطرا وقلبتكم أبطنا وأظهرا فعرفت أنحاءكم وأهواءكم وعلمت أن قوما أظهروا الإسلام بألسنتهم وأسروا الكفر في قلوبهم فضربوا بعض أصحاب رسول الله ببعض وولدوا الروايات فيهم وضربوا الأمثال ووجدوا على ذلك من أهل الجهل من أبنائهم أعوانا يأذنون لهم ويصغون إليهم مهلا مهلا قبل وقوع القوارع وطول الروائع هذا لهذا ومع هذا فلست أعتنش ائبا ولا تائبا ( عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) فأسروا خيرا وأظهروه واجهروا به وأخلصوه فطالما مشيتم القهقرى ناكصين وليعلم من أدبر وأصر أنها موعظة بين يدى نقمة ولست أدعوكم إلى أهواء تتبع ولا إلى رأى يبتدع إنما أدعوكم إلى الطريقة المثلى التي فيها خير الاخرة والأولى فمن أجاب فإلى رشده ومن عمى فعن قصده فهلم إلى الشرائع الجدائع ولا تولوا عن سبيل المؤمنين ولا تستبدلوا

الذي هو أدني بالذي هو خير ( بئس للظالمين بدلا )
إياكم وبنيات الطريق فعندها الترنيق والرهق وعليكم بالجادة فهي أسد وأورد ودعوا الأماني فقد أردت من كان قبلكم وليس للإنسان إلا ما سعى ولله الآخرة والأولى و ( لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ) ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
2 -

وصية أعمى من الأزد لشاب يقوده
عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال رأيت ببيشة رجلا من أزد السراة أعمى يقوده شاب جميل وهو يقول له يا سمى لا يغرنك أن فسح الشباب خطوك وخلى سربك وأرفه وردك فكأنك بالكبر قد أرب ظوفك وأثقل أوقك وأوهن طوقك وأتعب سوقك فهدجت بعد الهملجة ودججت بعد الدعلجة فخذ من أيام الترفيه لأيام الانزعاج ومن ساعات المهملة لساعة

الإعجال يابن أخي إن اغترارك بالشباب كالتذاذك بسمادير الأحلام ثم تنقشع فلا تتمسك منها إلا بالحسرة عليها ثم تعرى راحلة الصبا وتشرب سلوة عن الهوي واعلم أن أغني الناس يوم الفقر من قدم ذخيرة وأشدهم اغتباطا يوم الحسرة من أحسن سريرة
3 -

وصية رجل لاخر وقد أراد سفرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت رجلا يوصي آخر وأراد سفرا فقال
آثر بعملك معادك ولا تدع لشهوتك رشادك وليكن عقلك وزيرك الذى يدعوك إلى الهدى ويعصمك من الردى الجم هواك عن الفواحش وأطلقه في المكارم فإنك تبر بذلك سلفك وتشيد شرفك
4 -
وصية رجل لابنه وقد أراد التزوج
وقال بعضهم لولده وقد أراد التزوج
يا بني لا تتخذها حنانة ولا أنانة ولا منانة ولا عشبة الدار

ولا كبة القفا
5 -

وصية بعض العلماء لابنه
وأوصى بعض العلماء ابنه فقال
أوصيك بتقوى الله وليسعك بيتك واملك عليك لسانك وابك على خطيئتك
6 -
وصية لبعض الحكماء
وقال بعض الحكماء
لا يكونن منكم المحدث ولا ينصت له والداخل في سر اثنين لم يدخلاه ولا آتى الدعوة لم يدع إليها ولا الجالس المجلس لا يستحقه ولا الطالب الفضل من أيدى اللئام ولا المتعرض للخير من عند عدوه ولا المتحمق في الدالة
7 -
وصية أخرى
وقال بعض الحكماء
إياك والعجلة فإن العرب كانت تكنيها أم الندامة لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويعزم قبل أن يفكر ويقطع قبل أن يقدر ويحمد قبل أن يجرب ويذم قبل أن يخبر ولن يصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة واعتزل السلامة

-

وصية أخري
وقال ابن دريد أوصى بعض الحكماء رجلا فقال
امرك بمجاهدة هواك فإنه يقال إن الهوى مفتاح السيئات وخصيم الحسنات وكل أهوائك لك عدو وأهواها هوى يكتمك في نفسه وأعداها هوى يمثل لك الإثم في صورة التقوى ولن تفصل بين هذه الخصوم إذا تناظرت لديك إلا بحزم لا يشوبه وهن وصدق لا يطمع فيه تكذيب ومضاء لا يقاربه التثبط وصبر لا يغتاله جزع ونية لا يتقسمها التضييع
9 -
عظة لبعض الحكماء
عن الأصمعى قال بلغنى أن بعض الحكماء كان يقول
إني لآعظكم وإني لكثير الذنوب مسرف على نفسى غير حامد لها ولا حاملها على المكروه في طاعة الله عز و جل قد بلوتها فلم أجد لها شكرا في الرخاء ولا صبرا على البلاء ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه لترك الأمر بالخير والنهى عن المنكر ولكن محادثة الإخوان حياة للقلوب وجلاء للنفوس وتذكير من النسيان واعلموا أن الدنيا سرورها أحزان وإقبالها إدبار وآخر حياتها الموت فكم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يبلغه ولو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره

10 -

نصيحة لبعض الحكماء
وحذر بعض الحكماء صديقا له صحبه رجل فقال
احذر فلانا فإنه كثير المسألة حسن البحث لطيف الاستدراح يحفظ أول كلامك على اخره ويعتبر ما أخرت بما قدمت فلا تظهرن له المخافة فيرى أنك قد تحرزت واعلم أن من يقظة الفطنة إظهار الغفلة مع شدة الحذر فباثه مباثة الامن وتحفظ منه تحفظ الخائف فإن البحث يظهر الخفى الباطن ويبدى المستكن الكامن
11 -
كلمات شتى لبعض الحكماء
عن الأصمعى قالقال بعض الحكماء
من كانت فيه سبع خصال لم يعدم سبعا من كانجوادا لم يعدم الشرف ومن كان ذا وفاء لم يعدم المقة ومن كان صدوقا لم يعدم القبول ومن كان شكورا لم يعده الزيادة ومن كانذا رعاية للحقوق لم يعدم السؤدد ومن كان منصفا لم يعدم العافية ومن كان متواضعا لم يعدم الكرامة
وقيل لبعض الحكماء كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد الامال ويقرب الاجالقيل له فما حال أهله قال من ظفر به نصب ومن فاته حزن قيل فأى الأصحاب أبر قال العمل الصالح قيل فأيهم أضر قال النفس والهوى قيل ففيم المخرج قال فى قطع الراحة وبذل المجهود
وأخبر عبد الرحمن عنعمهقال سمعت رجلا يقول
الحسد ما حق الحسنات والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين والعجب صارف عن الازدياد من العلم داع إلى التخمط والجهل والبخل أذم الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة
وقال قال بعض العرب
أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله وأعون الأشياء على تذكية العقل التعلم وأدل الأشياء علىعقل العاقل حسن التدبير
وقال الأصمعى العرب تقول
لا ثناء مع الكبر ولا صديق لذى الحسد ولا شرف لسيء الأدب
قال وكان يقال شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عند الإعطاء
وقال أبو على القالى وأملى علينا أبو عبد الله قال من كلام العرب ووصاياها
جالس أهل العلم فإن جهلت علموك وإن زللت قوموك وإن أخطأت لم يمفندوك وإن صحبت زانوك وإن غبت تفقدوك ولا تجالس أهل الجهل فإنك إن جهلت عنفوك وإن زللت لم يقوموك وإن أخطأت لم يثبتوك
12 -
رجل من العرب والحجاج
سأل الحجاج رجلا من العرب عن عشيرته قال أى عشيرتك أفضل قال أتقاهم الله بالرغبة في الاخرة والزهد في الدنيا قال فأيهم أسود قال أرزنهم حلما حين يستجهل وأسخاهم حين يسأل قال فأيهم أدهى قال من كنتم سره

وأخبر عبد الرحمن عن عمه قال سمعت رجلا يقول
الحسد ما حق الحسنات والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين والعجب صارف عن الازدياد من العلم داع إلى التخمط والجهل والبخل أذم الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة
وقال قال بعض العرب
أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله وأعون الأشياء على تذكية العقل التعلم وأدل الأشياء علىعقل العاقل حسن التدبير
وقال الأصمعى العرب تقول
لا ثناء مع الكبر ولا صديق لذى الحسد ولا شرف لسيء الأدب
قال وكان يقال شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عند الإعطاء
وقال أبو على القالى وأملى علينا أبو عبد الله قال من كلام العرب ووصاياها
جالس أهل العلم فإن جهلت علموك وإن زللت قوموك وإن أخطأت لم يفندوك وإن صحبت زانوك وإن غبت تفقدوك ولا تجالس أهل الجهل فإنك إن جهلت عنفوك وإن زللت لم يقوموك وإن أخطأت لم يثبتوك
12 - رجل من العرب والحجاج
سأل الحجاج رجلا من العرب عن عشيرته قال أي عشيرتك أفضل قال أتقاهم الله بالرغبة في الاخرة والزهد في الدنيا قال فأيهم أسود قال أرزنهم حلما حين يستجهل وأسخاهم حين يسأل قال فأيهم أدهى قال من كتم سره

ممن أحب مخافة أن يشاره يوما قال فأيهم أكيس قال من يصلح ماله ويقتصد في معيشته قال فأيهم أرفق قال من يعطي بشر وجهه أصدقاءه ويتلطف في مسألته ويتعاهد حقوق إخوانه في إجابة دعواتهم وعيادة مرضاهم والتسليم عليهم والمشي مع جنائزهم والنصح لهم بالغيب قال فأيهم أفطن قال من عرف مايوافق الرجال من الحديث حين يجالسهم قال فأيهم أصلب قال من اشتدت عارضته في اليقين وحزم في التوكل ومنع جاره من الظلم
13 -

أحد الوافدين على عمر بن عبد العزيز
ووفد وافد على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له كيف تركت الناس فقال
تركت غنيهم موفورا وفقيرهم محبورا وظالمهم مقهورا ومظلومهم منصورا فقال الحمد لله لو لم تتم واحدة من هذه الخصال إلا بعضو من أعضائى لكان يسيرا
14 -
كاتب وأمير
ودخل بعض الكتاب على أمير بعد نكبة نابته فرأى من الأمير بعض الازدراء فقال له
لا يضعني عندك خمول النبوة وزوال الثروة فإن السيف العتيق إذا مسه كثير الصدإ استغنى بقليل الجلاء حتى يعود حده ويظهر فرنده ولم أصف نفسي عجبا لكن شكرا قال أنا أشرف ولد آدم ولا فخر فجهر بالشكر وترك الاستطالة بالكبر

15 -

وصف الهلباجة
من أمثال العرب أعجز من هلباجة وهو النئوم الكسلان العطل الجافى وقد سار في وصف الهلباجة فصل لبعض الأعراب المتفصحين وفصل آخر لبعض الحضريين فأما وصف الأعرابى فقد سئل ابن أبى كبشة بن القبعثرى عنه فقال الهلباجة الضعيف العاجز الأخرق الأحمق الجلف الكسلان الساقط لا معنى فيه ولا غناء عنده ولا كفاية معه ولا عمل لديه
وأما وصف الحضرى فإن بعض بلغاء الأمصار سئل عن الهلباجة فقال
هو الذي لا يرعوي لعذل العاذل ولا يصغي إلى وعظ الواعظ ينظر بعين حسود ويعرض إعراض حقود إن سأل ألحف وإن سئل سوف وإن حدث حلف وإن وعد أخلف وإن زجر عنف وإن قدر عسف وإن احتمل أسف وإن استغنى بطر وإن افتقر قنط وإن فرح أشر وإن حزن يئس وإن ضحك زأر وإن بكى جأر وإن حكم جار وإن قدمته تأخر وإن أخرته تقدم وإن أعطاك من عليك وإن أعطيته لم يشكرك وإن أسررت إليه خانك وإن أسر إليك اتهمك وإن صار فوقك قهرك وإن صار دونك حسدك وإن وثقت به خانك وإن انبسطت إليه شانك وإن أكرمته أهانك وإن غاب عنه الصديق سلاه وإن حضره قلاه وإن فاتحه لم يجبه وإن أمسك عنه لم يبدأه وإن بدأ بالود هجر وإن بدأ بالبر جفا وإن تكلم فضحه العي وإن عمل قصر به

الجهل وإن اؤتمن غدر وإن أجار أخفر وإن عاهد نكث وإن حلف حنث لا يصدر عنه الآمل إلا بخيبة ولا يضطر إليه حر إلا بمحنة
قال خلف الأحمر سألت أعرابيا عن الهلباجة فقال هو الأحمق الضخم الفدم الأكول الذي والذي ثم جعل يلقانى بعد ذلك ويزيد في التفسير كل مرة شيئا ثم قال لى بعد حين وأراد الخروج هو الذي جمع كل شر
16 -

بعض البلغاء يصف رجلا
ووصف بعض البلغاء رجلا فقال
إنه بسيط الكف رحب الصدر موطأ الأكناف سهل الخلق كريم الطباع غيث مغوث وبحر زخور ضحوك السن بشير الوجه بادي القبول غير عبوس يستقبلك بطلاقة ويحييك يبشر ويستدبرك بكرم غيث وجميل بشر تبهجك طلاقته ويرضيك بشره ضحاك على مائدته عبد لضيفانه غير ملاحظ لأكيله بطين من العقل خميص من الجهل راجح الحلم ثاقب الرأي طيب الخلق محصن الضريبة معطاء غير سآل كاس من كل مكرمة عار من كل ملأمة إن سئل بذل وإن قال فعل

17 -

خمس جوار من العرب يصفن خيل آبائهن
عن ابن الكلبى عن أبيه قال
اجتمع خمس جوار من العرب فقلن هلممن نصف خيل آبائنا فقالت الأولى
فرس أبى وردة وما وردة ذات كفل مزحلق ومتن أخلق وجوف أخوق ونفس مروح وعين طروح ورجل ضروح ويد سبوح بداهتها إهذاب وعقبها غلاب وقالت الثانية
فرس أبى اللعاب وما اللعاب غبية سحاب واضطرام غاب مترص الأوصال أشم القذال ملاحك المحال فارسه مجيد وصيده عتيد إن أقبل فظبى معاج وإن أدبر فظليم هداج وإن أحضر فعلج هراج وقالت الثالثة
فرس أبي حذمة وما حذمة إن أقبلت فقناة مقومة وإن أدبرت فأثفبة

ململمة وإن أعرضت فذئبة معجرمة أرساغها مترصة وفصوصها ممحصة جريها انثرار وتقريبها انكدار وقالت الرابعة
فرس أبي خيفق وما خيفق ذات ناهق معرق وشدق أشدق وأديم مملق لها خلق أشدف ودسيع منفنف وتليل مسيف وثابة زلوج خيفانة رهوج تقريبها إهماج وحضرها ارتعاج وقالت الخامسة
فرس أبى هذلول وما هذلول طريده محبول وطالبه مشكول رقيق الملاغم أمين المعاقم عبل المحزم مخد مرجم منف الحارك أشم

السنابك مجدول الخصائل سبط الفلائل غوج التليل صلصال الصهيل أديمه صاف وسبيبه ضاف وعفوه كاف
18 -

رجل من العرب يصف مطرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال
سئل رجل من العرب عن مطر كان بعد جدب فقال
نشأ حملا سدا متقاذف الأحضان محمومى الأركان لماع الأقراب مكفهر الرباب تحن رعوده حنين اضطراب وتزمجر زمجرة الليوث الغضاب لبوارقه التهاب ولرواعده اضطراب فجاحفت صدوره الشعاف وركبت أعجازه القفاف ثم ألقى أعباءه وحط أثقاله فتألق وأصمت وانبجس وانبعق ثم أثجم فانطلق فغادر النهاء مترعة والغيطان ممرعة حباء للبلاد ورزقا للعباد

الباب الثالث في نثر الأعراب
قولهم في الوعظ والتوصية
1 -
مقام أعرابى بين يدى سليمان بن عبد الملك
قام أعرابى بين يدى سليمان بن عبد الملك فقال
إنى مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغلظة فاحتمله إن كرهته فإن وراءه ما تحبه إن قبلته قال هات يا أعرابى إنا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا نأمن غشه وأرجو أن تكون الناصح جيبا المأمون غيبا قال يا أمير المؤمنين أما إذ أمنت بادرة غضبك فإني سأطلق لساني بما خرست عنه الألسن من عظتك تأدية لحق الله وحق إمامتك إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك فهم حرب للاخرة سلم للدنيا فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه فإنهم لا يألونك خبالا والأمانة تضييعا والأمة عسفا وخسفا وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا مسئولين عما آجترحت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة وأعظمهم غبنا من باع آخرته بدنيا غيره

قال سليمان أما أنت يا أعرابي فقد سللت لسانك وهو أقطع سيفيك فقال أجل يا أمير المؤمنين لك لا عليك
2 -

أعرابى يعظ هشام بن عبد الملك
ودخل أعرابي على هشام بن عبد الملك فقال له عظنى يا أعرابى فقال
كفى بالقرآن واعظا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) ثم قال يا أمير المؤمنين هذا جزاء من يطفف في الكيل والميزان فما ظنك بمن أخذه كله
3 -
خطبة أعرابي
وولى جعفر بن سليمان أعرابيا بعض مياههم فخطبهم يوم الجمعة فقال
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله علىسيدنامحمد خاتم النبيين أما بعد فإن الدنيا دار بلاغ والآخرة دار قرار فخذوا لمقركم من ممركم ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم

قبل أن تخرج منها ابدانكم ففيها حييتم ولغيرها خلقتم اليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل إن الرجل إذا هلك قال الناس ما ترك وقالت الملائكة ما قدم فلله اباؤكم قدموا بعضا يكون لكم قرضا ولا تخلفوا كلا يكون عليكم كلا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم والمحمود الله والمصلى عليه محمد والمدعو له الخليفة ثم إمامكم جعفربن سليمان قوموا إلى صلاتكم
4 -

خطبة أخرى
وخطب أعرابي فقال الحمد لله الحميد المستحمد وصلى الله على النبى محمد
أما بعد فإن التعمق في ارتجال الخطب لممكن والكلام لا ينثنى حتى ينثنى عنه والله تبارك وتعالى لا يدرك واصف كنه صفته ولا يبلغ خطيب منتهى مدحته له الحمد كما مدح نفسه فانهضوا إلى صلاتكم ثم نزل فصلى
5 - خطبة أخرى
وخطب أعرابي قومه فقال
الحمد لله وصلى الله علىالنبى المصطفى وعلى جميع الأنبياء ما أقبح بمثلى أن ينهى عن أمر ويرتكبه ويأمر بشيء ويجتنبه وقد قال الأول
( ودع مالمت صاحبه عليه ... فذم أن يلومك من تلوم )
ألهمنا الله وإياكم تقواه والعمل برضاه
6 -
أعرابية توصي ابنها وقد أراد السفر
قال أبان بن تغلب وكان عابدا من عباد أهل البصرة توفى سنة 141ه شهدت أعرابية وهي توصي ولدا لها يريد سفرا وهي تقول له

أي بني اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك أى بنى إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضا وخليق أن لا يثبت الغرض على كثرة السهام وقلما اعتورت السهام غرضا إلا كلمته حتى يهى ما اشتد من قوته وإياك والجود بدينك والبخل بمالك وإذا هززت فاهزز كريما يلين لهزتك ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها ثم أمسكت فدنوت منها فقلت بالله يا أعرابية إلا زدته في الوصية فقالت أوقد أعجبك كلام العرب يا عراقي قلت نعم قالت والغذر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها
7 -

أعرابية توصي ابنها
وقالت أعرابية لابنها
يا بني إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم ومن افتقرت إليه هنت عليه ولاتزال تحفظ وتكرم حتى تسأل وترغب فإذا ألحت عليك الحاجة ولزمك سوء الحال فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسئول فإنه يعطى السائل

8 -

أعرابى يوصى ابنه
ووصى أعرابى ابنه فقال
ابذل المودة الصادقة تستفد إخوانا وتتخذ أعوانا فإن العداوة موجودة عتيدة والصداقة مستعرزة بعيدة جنب كرامتك اللئام فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا وإن نزلت شديدة لم يصبروا
9 -
أعرابي ينصح لابنه
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول لابنه
لا يغرنك ما ترى من خفض العيش ولين الرياش ولكن فانظر إلى سوء الظعن وسوء المنقلب
10 -
أعرابى ينصح لابنه
وقال سمعت أعرابيا يقول لابنه
كن للعاقل المدبر أرجى منك للأحمق المقبل ثم أنشد
( عدوك ذو الحلم أبقى عليك ... وأرعى من الوامق الأحمق )
11 -
أعرابي ينصح لأخيه
ونصح أعرابي لأخيه فقال
اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برؤيته ونظره ومثل لك الأحوال المخوفة عليك وخلط الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفاء رجائك وشكرك إزاء النعمة عليك وأن الغاش لك

والحاطب عليك من مد لك في الاغترار ووطأ لك مهاد الظلم تابعا لمرضاتك منقادا لهواك
12 -

أعرابى يعظ أخاه
ووعظ أعرابى أخا له أفسد ماله في الشراب فقال
لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك ولا الشيب يزجرك والساعات تحصى عليك والأنفاس تعد منك والمنايا تقاد إليك أحب الأمور إليك أعودها بالمضرة عليك
13 -
أعرابى يعظ صاحبه
وقال أعرابى لصاحبه
والله لئن هملجت إلى الباطل إنك لقطوف عن الحق ولئن أبطأت ليسرعن بك وقد خسر أقوام وهم يظنون أنهم رابحون فلا تغرنك الدنيا فإن الاخرة من ورائك
14 -
أعرابي يعظ أخاه
وقال أعرابي لأخيه
يا أخى أنت طالب ومطلوب يطلبك مالا تفوته وتطلب ما قد كفيته فكأن ما غاب عنك قد كشف لك وما أنت فيه قد نقلت عنه فامهد لنفسك وأعد ذلك وخذ في جهازك

15 -

أعرابي يعظ رجلا
وقال أعرابي لرجل
أي أخي إن يسار النفس أفضل من يسار المال فإن لم ترزق غني فلا تحرم تقوى فرب شبعان من النعم عريان من الكرم واعلم أن المؤمن على خير ترحب به الأرض وتستبشر به السماء ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها
16 -
أعرابي يعظ رجلا
وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يعظ رجلا وهو يقول
ويحك إن فلانا وإن ضحك إليك فإنه يضحك منك ولئن أظهر الشفقة عليك إن عقاربه لتسرى إليك فإن لم تتخذه عدوا في علانيتك فلا تجعله صديقا في سريرتك
17 - أعرابي يعظ رجلا
وسمع أعرابي رجلا يقع في السلطان فقال
إنك غفل لم تسمك التجارب وفي النصح لسع العقارب كأني بالضاحك إليك وهوباك عليك
18 -
كلام أعرابي لابن عمه
وشاور أعرابي ابن عم له فأشار عليه برأي فقال
قد قلت بمايقول به الناصح الشفيق الذى يخلط حلو كلامه بمره وحزنه بسهله ويحرك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره وقد وعيت النصح منه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا شك في مودته وصافى غيبه وما زلت بحمد الله إلى الخير منهجا واضحا وطريقا مهيعا

19 -

كلمات حكيمة للأعراب
قيل لأعرابىمالك لا تشرب النبيذ قال لثلاث خلال فيه لأنه متلف للمال مذهب للعقل مسقط للمروءة
وقال أعرابى الدراهم مياسم تسم حمدا وذما فمن حبسها كان لها ومن أنفقها كانت له وما كل من أعطي مالا أعطي حمدا ولا كل عديم ذميم
وقال أعرابى لأخ له يا أخي إن مالك إن لم يكن لك كنت له وإن لم تفنه أفناك فكله قبل أن يأكلك
وقال أعرابى إن الموفق من ترك أرفق الحالات به لأصلحها لدينه نظرا لنفسه إذا لم تنظر نفسه لها
وقال أعرابى إن الله مخلف ما أتلف الناس والدهر متلف ما أخلفوا وكم من ميتة عليها طلب الحياة وكم من حياة سببها التعرض للموت
وقال أعرابي إن الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب غر من راه وأخلف من رجاه
وقال أعرابي لصاحب له أصحب من يتناسى معروفه عليك ويتذكر حقوقك عليه
وقال أعرابى لا تسأل من يفر من أن تسأله ولكن سل من أمرك أن تسأله وهو الله تعالى
وقال أعرابى ما بقاء عمر نقطعه الساعات وسلامة بدن معرض للآفات ولقد عجبت من المؤمن كيف يكره الموت وهو ينقله إلى الثواب الذي أحيا له ليله وأظمأ له نهاره

وذكر أهل السلطان عند أعرابي فقال أما والله لئن عزوا في الدنيا بالجور لقد ذلوا في الاخرة بالعدل ولقد رضوا بقليل فان عوضا عن كثير باق وإنما تزل القدم حيث لا ينفع الندم
وقال أعرابى من كانت مطيته الليل والنهار سارا به وإن لم يسر وبلغا به وإن لم يبلغ
وقال أعرابى الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة والزهادة في الآخرة مفتاح الرغبة في الدنيا
وقيل لأعرابى وقد مرض إنك تموت قال وإذا مت فإلى أين يذهب بي قالوا إلى الله تعالى قال فما كراهتي أن يذهب بي إلى من لم أو الخير إلا منه
وقال أعرابي من خاف الموت بادر الموت ومن لم ينح النفس عن الشهوات أسرعت به إلى الهلكات والجنة والنار أمامك
وقال أعرابى خير لك من الحياة ما إذا فقدته أبغضت له الحياة وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت له الموت
وقيل لأعرابي من أحق الناس بالرحمة قال الكريم يسلط عليه اللئيم والعاقل يسلط عليه الجاهل
وقيل له أى الداعين أحق بالإجابة قال المظلوم وقيل له فأي الناس أغنى عن الناس قال من أفرد الله بحاجته
وقال الأصمعى سمعت أعرابيا يقول إذا أشكل عليك أمران فانظر أيهما أقرب من هواك فخالفه فإن أكثر ما يكون الخطأ مع متابعة الهوى
وقال أعرابي الشر عاجله لذيذ وآجله وخيم

وقال أعرابى من ولد الخير أنتج له فراخا تطير بأجنحة السرور ومن غرس الشر أنبت له نباتا مرا مذاقه وقضبانه الغيظ وثمرته الندم
وقال أعرابي من كساه الحياء ثوبه حفى على الناس عيبه وقال بئس الزاد التعدى على العباد وقال التلطف بالحيلة أنفع من الوسيلة وقال من ثقل على صديقه خف على عدوه ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه مالا يعلمون
وقال أعرابى أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم
وقال أعرابى لابنه لا يسرك أن تغلب بالشر فإن الغالب بالشر هو المغلوب
وقال أعرابى لأخ له قد نهيتك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه فإن حظك من عطيته السؤال
وقال أعرابى إن حب الخير خير وإن عجزت عنه المقدرة وبغض الشر خير وإن فعلت أكثره
وقال أعرابى والله لولا أن المروءة تقيل محملها شديدة مؤنتها ما ترك اللئام للكرام شيئا
واحتضر أعرابي فقال له بنوه عظنا يا أبت فقال عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم
ودخل أعرابي على بعض الملوك في شملة شعر فلما رآه أعرض عنه فقال له إن الشملة لا تكلمك وإنما يكلمك من هو فيها
وقال أعرابي رب رجل سره منشور على لسانه وآخر قد التحف عليه قلبه التحاف الجناح على الخوافي

وقيل لأعرابي كيف كتمانك للسر قال ما جوفى له إلا قبر
ومر أعرابيان برجل صلبه بعض الخلفاء فقال أحدهما أنبتته الطاعة وحصدته المعصية وقال الآخر من طلق الدنيا فالآخرة صاحبته ومن فارق الحق فالجذع راحلته
وقال أعرابي إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه
وقال أعرابي إذا كان الرأى عند من لا يقبل منه والسلاح عند من لا يستعمله والمال عند من لا ينفقه ضاعت الأمور
وقال أعرابي إن الدنيا تنطق بغير لسان فتخبر عما يكون بما قد كان
وقال الأصمعى سمعت أعرابيا يقول غفلنا ولم يغفل الدهر عنا فلم نتعظ بغيرنا حتى وعظ غيرنا بنا فقد أدركت السعادة من تنبه وأدركت الشقاوة من غفل وكفى بالتجربة واعظا
وقال أعرابي لرجل اشكر للمنعم عليك وأنعم علي الشاكر لك تستوجب من ربك زيادته ومن أخيك مناصحته
وتذاكر قوم صلة الرحم وأعرابى جالس فقال منسأة في العمر مرضاة للرب محبة في الأهل
وقال أعرابي لا أعرف ضرا أوصل إلى نياط القلب من الحاجة إلى من لم تثق بإسعافه ولا تأمن رده وأكلم المصائب فقد خليل لا عوض منه
وقيل لأعرابي أي شيء أمتع فقال ممازحة المحب ومحادثة الصديق وأمانى تقطع بها أيامك

وقال أعرابي من لم يرض عن صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه ومن عاتب على كل ذنب كثر عدوه ومن لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه
عن عبد الرحمن عن عمه قال قلت لأعرابي ما تقول في المراء قال ما عسى أن أقول في شيء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة أقل ما فيه أن يكون دربة للمغالبة والمغالبة من أمتن أسباب الفتنة
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول لا يوجد العجول محمودا ولا الغضوب مسرورا ولا الملول ذا إخوان ولا الحر حريصا ولا الشره غنيا
وقال سمعت أعرابيا يقول صن عقلك بالحلم ومروءتك بالعفاف ونجدتك بتجانبة الخيلاء وخلتك بالإجمال في الطلب
وقال سمعت أعرابيا يقول أقبح أعمال المقتدرين الانتقام وما استنبط الصواب بمثل المشاورة ولا حصلت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر
وقال أعرابى خير الإخوان من ينيل عرفا أو يدفع ضرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يقول العاقل حقيق أن يسخى بنفسه عن الدنيا لعلمه أن لا ينال أحد فيها شيئا إلا قل إمتاعه به أو كثر عناؤه فيه واشتدت مرزئته عليه عند فراقه وعظمت التبعة فيه بعده
وقال أعرابي خصلتان من الكرم إنصاف الناس من نفسك ومواساة الإخوان

وقال أعرابي ما غبنت قط حتى يغبن قومي قيل وكيف ذلك قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم
وقال أعرابي لرجل مطله في حاجة إن مثل الظفر بالحاجة تعجيل اليأس منها إذا عسر قضاؤها وإن الطلب وإن قل أعظم قدرا من الحاجة وإن عظمت والمطل من غير عسر آفة الجود
وقال أعرابي وعد الكريم نقد وتعجيل ووعد اللئيم مطل وتعليل وقال أعرابي اعتذار من منع أجمل من وعد ممطول وقال أعرابي عود لسانك الخير تسلم من أهل الشر
وقال أعرابي خرجت ليلة حين انحدرت أيدى النجوم وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل حتى انصدع الفجر فإذا بجارية كأنهاعلم فجعلت أغازلها فقالت يا هذا أمالك ناه من كرم إن لم يكن لك زاجر من عقل قال والله ما يراني إلا الكواكب قالت فأين مكوكها

أجوبة الأعراب
20 -
مجاوبة أعرابي للحجاج
خرج الحجاج ذات يوم فأصحر وحضر غداؤه فقال اطلبوا من يتغدي معي فطلبوا فإذا أعرابي في شملة فأتى به فقال السلام عليكم قال هلم أيها الأعرابى قال قد دعاني من هو أكرم منك فأجبته قال ومن هو قال دعاني

الله ربى إلى الصوم فأنا صائم قال وصوم في مثل هذا اليوم الحار قال صمت ليوم هو أحر منه قال فأفطر اليوم وصم غدا قال ويضمن لي الأمير أني أعيش إلى غد قال ليس ذاك إليه قال فكيف تسألنى عاجلا باجل ليس إليه سبيل قال إنه طعام طيب قال والله ماطيبه خبازك ولا طباخك قال فمن طيبه قال العافية قال الحجاج تالله إن رأيت كاليوم أخرجوه عني
21 -

مساءلة الحجاج أعرابيا فصيحا
وقال الحجاج لأعرابي كلمه فوجده فصيحا كيف تركت الناس وراءك فقال تركتهم أصلح الله الأمير حين تفرقوا في الغيطان واخمدوا النيران وتشكت النساء وعرض الشاء ومات الكلب فقال الحجاج لجلسائه أخصبا نعت أم جدبا قالوا بل جدبا قال بل خصبا قوله تفرقوا في الغيطان معناه أنها أعشبت فإبلهم وغنمهم ترعى وأخمدوا النيران معناه استغنوا باللبن عن أن يشتووا لحوم إبلهم وغنمهم ويأكلوها وتشكت النساء أعضادهن من كثرة ما يمخضن الألبان وعرض الشاء استن من كثرة العشب والمرعى ومات الكلب لم تمت أغنامهم وإبلهم فيأكل جيفها
22 -
مجاوبة أعرابى لعبد الملك بن مروان
ودخل أعرابي على عبد الملك بن مروان فقال له يا أعرابي صف الخمر فقال
( شمول إذا شجت وفي الكأس مزة ... لها في عظام الشاربين دبيب )

( تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب )
فقال ويحك يا أعرابي لقد اتهمك عندي حسن صفتك لها قال يا أمير المؤمنين واتهمك عندي معرفتك بحسن صفتي لها
23 -

مجاوبة أعرابى لخالد بن عبد الله القسرى
وخطب خالد بن عبد الله القسري فقال
يأهل البادية ما أخشن بلدكم وأغلظ معاشكم وأجفى أخلاقكم لا تشهدون جمعة ولا تجالسون عالما فقام إليه رجل منهم دميم فقال أما ما ذكرت من خشونة بلدنا وغلظ طعامنا فهو كذلك ولكنكم معشر أهل الحضر فيكم ثلاث خصال هي شر من كل ما ذكرت قال له خالد وما هي قال تنقبون الدور وتنبشون القبور وتنكحون الذكور قال قبحك الله وقبح ما جئت به
24 -
أجوبة شتى
وقدم أعرابي إلى السلطان فقال له قل الحق وإلا أوجعتك ضربا قال له وأنت فاعمل به فوالله ما أوعدك الله على تركه أعظم مما توعدني به
ونظر عثمان إلى أعرابي في شملة غائر العينين مشرف الحاجبين ناتىء الجبهة فقال له أين ربك قال بالمرصاد
وقيل لأعرابي إنك تحسن الشارة قال ذلك عنوان نعمة الله عندى

وقيل لأعرابي كيف أنت في دينك قال أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار
وسئل أعرابي عن القدر فقال الناظر في قدر الله كالناظر في عين الشمس يعرف ضوءها ولا يقف على حدودها
وسئل اخر عن القدر فقال علم اختصمت فيه العقول وتقاول فيه المختلفون وحق علينا أن يرد إلينا ما التبس علينا من حكمه إلى ماسبق علينا من علمه
وقيل لأعرابي من أبلغ الناس قال أحسنهم لفظا وأسرعهم بديهة
وقيل لأعرابى مالك لا تطيل الهجاء قال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق
وقال معاوية لأعرابية هل من قرى قالت نعم قال وما هو قالت خبز خمير ولبن فطير وماء نمير
وقيل لأعرابي فيم كنتم قال كنا بين قدر تفور وكأس تدور وحديث لا يحور
وقيل لأعرابي ما أعددت للبرد قال شدة الرعدة وقرفصاء القعدة وذرب المعدة
وقيل لأعرابي ما لك من الولد قال قليل خبيث قيل له ما معناه قال إنه لا أقل من واحد ولا أخبث من أنثى
وقيل لأعرابي وقد أدخل ناقته في السوق ليبيعها صف لنا ناقتك قال

ما طلبت عليها قط إلا أدركت ولا طلبت إلا فت وقيل له فلم تبيعها قال لقول الشاعر
( وقد تخرج الحاجات يا أم عامر ... كرائم من رب بهن ضنين )
وقيل لأعرابي ما عندكم في البادية طبيب قال حمر الوحش لا تحتاج إلى بيطار
وقيل لشريح القاضي هل كلمك أحد قط فلم تطق له جوابا قال ما أعلمه إلا أن يكون أعرابيا خاصم عندي وهو يشير بيديه فقلت له أمسك فإن لسانك أطول من يدك قال أسامري أنت لا تمس
وقيل لأعرابي أي الألوان أحسن قال قصور بيض في حدائق خضر
وقيل لآخر أي الألوان أحسن قال بيضة في روضة عن غب سارية والشمس مكبدة

وخطب أعرابي إلى قوم فقالوا ما تبذل من الصداق وارتفع السجف فرأى شيئا كرهه فقال والله ما عندي وإني لأكره أن يكون علي دين
وقيل لأعرابية مات ابنها ما أحسن عزاءك عن ابنك قالت إن مصيبته امنتني من المصائب بعده
وقال محمد بن حرب الهلالي قلت لأعرابي إني لك لواد قال وإن لك من قلبي لرائدا
وقال الأصمعي رأيت أعرابيا أمامه شاء فقلت لمن هذه الشاء قال هي لله عندي

قولهم في الاستمناح والاستجداء
25 -
أعرابي يجتدي عتبة بن أبى سفيان
اعترض أعرابي لعتبة بن أبي سفيان وهو على مكة فقال أيها الخليفة فقال لست به ولم تبعد قال يا أخاه قال أسمعت فقل قال
شيخ من بنى عامر يتقرب إليك بالعمومة ويختص بالخئولة ويشكو إليك كثرة العيال ووطأة الزمان وشدة فقر وترادف ضر وعندك ما يسعه ويصرف عنه بؤسه قال أستغفر الله منك وأستعينه عليك قد أمرت لك بغناك فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك

26 -

أعرابي يجتدي عمر بن عبد العزيز
وأتى أعرابي عمر بن عبد العزيز فقال
رجل من أهل البادية ساقته إليك الحاجة وبلغت به الغاية والله سائلك عن مقامي غدا فقال عمر والله ما سمعت كلمة أبلغ من قائل ولا أوعظ لمقول له منها
27 -
خطبة أعرابي بين يدى هشام بن عبد الملك
وكانت الأعراب تنتجع هشام بن عبد الملك بالخطب كل عام فتقدم إليهم الحاجب يأمرهم يالإيجاز فقام أعرابى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أمير المؤمنين إن الله تبارك وتعالى جعل العطاء محبة والمنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه وأجزل له
28 -
مقام أعرابي بين يدي هشام
وقام أعرابي بين يدي هشام فقال
يا أمير المؤمنين أتت على الناس ثلاث سنين أما الأولى فلحت اللحم وأما الثانية فأكلت الشحم وأما الثالثة فهاضت العظم وعندكم فضول أموال فإن كانت لله فاقسموها بين عباده وإن كانت لهم ففيم تحظر عنهم وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها إن الله يجزى المتصدقين قال هشام هل من حاجة غير هذه يا أعرابي قال ما ضربت إليك أكباد الإبل أدرع الهجير وأخوض الدجى لخاص دون عام فأمر هشام بمال فقسم بين الناس وأمر

للأعرابي بمال فقال أكل المسلمين له مثل هذا قالوا لا ولا يقوم بذلك بيت مال المسلمين قال فلا حاجة لي فيما يبعث لآئمة الناس على أمير المؤمنين
29 -

أعرابي يستجدي عبيد الله بن زياد
وقال العتبي وقف أعرابى بباب عبيد الله بن زياد فقال
يأهل الغضارة حقب السحاب وانقشع الرباب واستأسدت الذئاب وردم الثمد وقل الحفد ومات الولد وكنت كثير العفاة صخب السقاة عظيم الدلاة لاتصال الزمان وغفل الحدثان حي حلال وعدد ومال فتفرقتا أيدي سبا بين فقد الأبناء والاباء وكنت حسن الشارة خصيب الدارة سليم الجارة وكان محلي حمي وقومي أسي وعزى جدا

قضى الله ولا رجعان لما قضى بسواف المال وشتات الرجال وتغير الحال فأعينوا من شخصه شاهده ولسانه وافده وفقره سائقه وقائده
30 -

أعرابية تستجدى عبد الله بن أبي بكرة
ودخلت أعرابية على عبد الله بن أبي بكرة بالبصرة فوقفت بين السماطين فقالت
أصلح الله الأمير وأمتنع به حدرتنا إليك سنة اشتد بلاؤها وانكشف غطاؤها أقود صبية صغارا وآخرين كبارا في بلدة شاسعة تخفضنا خافضة وترفعنا رافعة لملمات من الدهر برين عظمى وأذهبن لحمي وتركنني والهة أدور بالحضيض وقد ضاق بي البلد العريض فسألت في أحياء العرب من الكاملة فضائله المعطي سائله المكفىنائله فدللت عليك أصلحك الله تعالى وأنا امرأة من هوازن قد مات الوالد وغاب الرافد وأنت بعد الله غياثى ومنتهى أملي فافعل بي إحدى ثلاث خصال إما أن تردني إلى بلدي أو تحسن صفدي أو تقيم أودي فقال بل أجمعهن لك فلم يزل يجرى عليها كما يجرى على عياله حتى ماتت
وروى صاحب العقد قال
قال الأصمعي وقفت أعرابية على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما فقالت
إنى أتيت من أرض شاسعة تخفضني خافضة وترفعني رافعة في بوادي

برين لحمي وهضن عظمي وتركنني والهة قد ضاق بي البلد بعد الأهل والولد وكثرة من العدد لا قرابة تؤويني ولا عشيرة تحميني فسألت أحياء العرب من المرتجي سيبه المأمون عيبه الكثير نائله المكفي سائله فدللت عليك وأنا امرأة من هوازن فقدت الولد والوالد فاصنع في أمري واحدة من ثلاث إما أن تحسن صفدي وإما أن تقيم أودي وإما أن تردني إلى بلدي قال بل أجمعهن لك ففعل ذلك بها
31 -

أعرابي يستجدي خالد بن عبد الله القسري
ودخل أعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال
أصلح الله الأمير شيخ كبير حدته إليك بارية العظام ومؤرثة الأسقام ومطولة الأعوام فذهبت أمواله وذعذعت آباله وتغيرت أحواله فإن رأي الأمير أن يجبره بفضله وينعشه بسجله ويرده إلى أهله فقال كل ذلك وأمر له بعشرة الاف درهم
32 -
أعرابي يستجدي معن بن زائدة
وقدم أعرابي من بني كنانة على معن بن زائدة وهو باليمن فقال
إني والله ما أعرف سببا بعد الإسلام والرحم أقوي من رحلة مثلي من أهل السن والحسب إليك من بلاده بلا سبب ولا وسيلة إلا دعاءك إلى المكارم ورغبتك في المعروف فإن رأيت أن تضعني من نفسك بحيث وضعت نفسي من رجائك فافعل فوصله وأحسن إليه

33 -

خطبة الأعرابى السائل في المسجد الحرام
عن أبي زيد قال بينا أنا في المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابي فقال
يا مسلمون إن الحمد لله والصلاة على نبيه إني امرؤ من أهل هذا الملطاط الشرقى المواصى أسياف تهامة عكفت على سنون محش فاجتبت الذري وهشمت العري وجمشت النجم وأعجت البهم وهمت الشحم والتحبت اللحم وأحجنت العظم وغادرت التراب مورا والماء غورا والناس أوزاعا والنبط قعاعا والضهل جزاعا والمقام جعجاعا يصبحنا الهاوي ويطرقنا العاوي فخرجت لا أتلفع بوصيدة ولا أتفوت هبيدة فالبخصات وقعة والركبات زلعة والأطراف قفعة والجسم مسلهم والنظر مدرهم أعشو فأغطش وأضحي فأخفش أسهل ظالعا وأحزن راكعا فهل من آمر

بمير أو داع بخير وقاكم الله سطوة القادر وملكة الكاهر وسوء الموارد وفضوح المصادر قال فأعطيته دينارا وكتبت كلامه واستفسرته ما لم أعرفه
34 -

خطبة الأعرابي السائل في المسجد الجامع بالبصرة
وروى الجاحظ قال
قال أبو الحسن سمعت أعرابيا في المسجد الجامع بالبصرة بعد العصر سنة ثلاث وخمسين ومائة وهو يقول
أما بعد فإنا أبناء سبيل وأنضاء طريق وفل سنة تصدقوا علينا فإنه لا قليل من الأجر ولا غنى عن الله ولا عمل بعد الموت أما والله إنا لنقوم هذا المقام وفي الصدر حزازة وفي القلب غصة
35 -
صورة أخرى
وروى أبو علي القالي هذه الخطبة بصورة أخرى وهاكها
عن يونس قال وقف أعرابي في المسجد الجامع في البصرة فقال
قل النيل ونقص الكيل وعجفت الخيل والله ما أصبحنا ننفخ في وضح وما لنا في الديوان وشمة وإنا لعيال جربة فهل من معين أعانه الله يعين ابن سبيل ونضو طريق وفل سنة فلا قليل من الأجر ولا غنى عن الله ولا عمل بعد الموت

36 - صورة أخرى
ورواها صاحب العقد فقال وقف أعرابي على حلقة يونس فقال
الحمد لله وأعوذ بالله أن ذكر به وأنساه إنا أناس قدمنا المدينة ثلاثون رجلا لا ندفن ميتا ولا نتحول من منزل وإن كرهناه فرحم الله عبدا تصدق على ابن سبيل ونضو طريق وفل سنة فإنه لا قليل من الأجر ولا غنى عن الله ولا عمل بعد الموت يقول الله عز و جل ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) إن الله لا يستقرض من عوز ولكن ليبلو خيار عباده
37 -

أعرابي يستجدي
وقال المدائني سمعت أعرابيا يسأل وهو يقول
رحم الله امرأ لم تمج أذناه كلامي وقدم لنفسه معاذه من سوء مقامي فإن البلاد مجدبة والدار مضيعة والحال سيئة والحياء زاجر ينهي عن كلامكم والعدم عاذر يحملني على إخباركم والدعاء إحدي الصدقتين فرحم الله امرأ أمر بمير أو دعا بخير فقال له بعض القوم ممن الرجل فقال ممن لا تنفعكم معرفته ولا تضركم جهالته ذل الاكتساب يمنع من عز الانتساب
38 - أعرابي يستجدي
وقال الأصمعي أصابت الأعراب أعوام جدبة وشدة وجهد فدخلت طائفة منهم البصرة وبين يديهم أعرابي وهو يقول
أيها الناس إخوانكم في الدين وشركاؤكم في الإسلام عابرو سبيل

وأفلال بؤس وصرعى جدب تتابعت علينا سنون ثلاثة غبرت النعم وأهلكت النعم فأكلنا مابقى من جلودها فوق عظامها فلم نزل نعلل بذلك أنفسنا ونمنى بالغيث قلوبنا حتى عاد مخنا عظاما وعاد إشراقنا ظلاما وأقبلنا إليكم يصرعنا الوعر ويكننا السهل وهذه آثار مصائبنا لائحة في سماتنا فرحم الله متصدقا من كثير ومواسيا من قليل فلقد عظمت الحاجة وكسف البال وبلغ المجهود والله يجزى المتصدقين
39 -

أعرابي يستجدي
وقال الأصمعي كنت في حلقة بالبصرة إذ وقف علينا أعرابي سائلا فقال
أيها الناس إن الفقر يهتك الحجاب ويبرز الكعاب وقد حملتنا سنو المصائب ونكبات الدهور على مركبها الوعر فواسوا أبا أيتام ونضو زمان وطريد فاقة وطريح هلكة رحمكم الله
40 -
أعرابى يستجدى
وقال الأصمعي وقف أعرابي علينا فقال
يا قوم تتابعت علينا سنون بتغير وانتقاص فما تركت لنا هبعا ولا ربعا ولا عافطة ولا نافطة ولا ثاغية ولا راغبة فأماتت الزرع وقتلت الضرع وعندكم من مال الله فضل نعمة فأعينونى من عطية ما آتاكم الله وارحموا أبا أيتام ونضو زمان فلقد خلفت أقواما يمرضون ولا يكفنون ميتهم ولا ينتقلون من منزل وإن كرهوه ولقد مشيت حتى انتعلت الدماء وجعت حتى أكلت الثرى

41 -

أعرابية تستجدي
وقال الأصمعي وقفت أعرابية فقالت
يا قوم سنة جردت وأيد جمدت وحال جهدت فهل من فاعل لخير وآمر بمير رحم الله من رحم فأقرض من لا يظلم
42 -
أعرابي يستجدي
ووقف أعرابي بقوم فقال
أشكو إليكم أيها الملأ زمانا كلح في وجهه وأناخ على بكلكله بعد نعمة من المال وثروة من المآل وغبطة من الحال اعتورتني جدائده بنبل مصائبه عن قسى نوائبه فما تركا لي ثاغيه اجتدي ضرعها ولا راغية أرتجي نفعها فهل فيكم من معين على صرفه أو معد على حتفه فرد القوم عليه ولم ينيلوه شيئا فأنشأ يقول
( قد ضاع من يأكل من أمثالكم ... جودا وليس الجود من فعالكم )
( لا بارك الله لكم في مالكم ... ولا أزاح السوء عن عيالكم )
( فالفقر خير من صلاح حالكم ... )
43 - أعرابي يستجدي
وسمع عدي بن حاتم رجلا من الأعراب وهو يقول
يا قوم تصدقوا على شيخ معيل وعابر سبيل شهد له ظاهره وسمع شكواه

خالقه بدنه مطلوب وثوبه مسلوب فقال له من أنت قال رجل من بني سعد في دية لزمتني قال فكم هى قال مائة بعير قال دونكما في بطن الوادي
44 -

أعرابي يستجدي
ووقف أعرابي على قوم فقال
إنا رحمكم الله أبناء سبيل وأنضاء طريق وقاسية رحم الله امرأ أعطي من سعة وواسي من كفاف
فأعطاه رجل درهما فقال آجرك الله من غير أن يبتليك
45 - أعرابي يستجدي
ووقف أعرابي بقوم فقال
يا قوم تتابعت علينا سنون جماد شداد لم يكن للسماء فيها رجع ولا للأرض فيها صدع فنضب العد ونشف الوشل وأمحل الخصب وكلح الجدب وشف المال وكسف البال وشظف المعاش وذهب الرياش وطرحتنى الأيام إليكم غريب الدار فأتي المحل ليس لي مال أرجع إليه ولا عشيرة ألحق بها فرحم الله امرأ رحم اغترابي وجعل المعروف جوابي

46 -

أعرابية تستجدي
وخرج المهدى يطوف بعد هدأة من الليل فسمع أعرابية من جانب المسجد وهي تقول
قوم متظلمون نبت عنهم العيون وفدحتهم الديون وعضتهم السنون بادت رجالهم وذهبت أموالهم وكثر عيالهم أبناء سبيل وأنضاء طريق وصية الله ووصية الله ورسوله فهل من امرىء يجير كلأه الله في سفره وخلفه في أهله
فأمر نصيرا الخادم فدفع إليها خمسمائة درهم
47 -
أعرابي يستجدي
ووقف أعرابي في شهر رمضان على قوم فقال
يا قوم لقد ختمت هذه الفريضة على أفواهنا من صبح أمس ومعي بنتان لي والله ما علمتهما تحللتا بحلال فهل رجل كريم يرحم اليوم مقامنا ويرد حشاشتنا منعه الله أن يقوم مقامه فإنه مقام ذل وعار وصغار
فافترق القوم ولم يعطوه شيئا فالتفت إليهم حتى تأملهم جميعا ثم قال
أشد والله على من سوء حالي وفاقتي توهمي فيكم المواساة انتعلوا الطريق لاصحبكم الله

48 -

أعرابي يستجدي
وقام أعرابى ليسأل فقال
أين الوجوه الصباح والعقول الصحاح والألسن الفصاح والأنساب الصراح والمكارم الرياح والصدور الفساح تعيذني من مقامي هذا
49 -
أعرابي يستجدي
ودعا أعرابي في طريق مكة فقال
هل من عائد بفضل أو مواس من كفاف فأمسك عنه فقال اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز ولا إلى الناس فنضيع
50 - أعرابي يستجدي
وقف أعرابي فسأل قوما فقالوا له عليك بالصيارفة قال هناك والله قرارة اللؤم
51 - أعرابي يستجدي
وسأل أعرابي ناسا فقال جعل الله حظكم في الخير ولا جعل حظ السائل منكم عذرة صادقة
52 - أعرابي يستجدي
وسأل أعرابى فقال له صبي من جوف الدار بورك فيك فقال قبح الله هذا الفم لقد تعلم الشر صغيرا

53 -

أعرابي يستجدي
ووقف أعرابي على قوم فمنعوه فقال
اللهم اشغلنا بذكرك وأعذنا من سخطك وأولجنا إلى عفوك فقد ضن خلقك برزقك فلا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك وآتنا من الدنيا القنعان وإن كان كثيرها يسخطك فلا خير فيما يسخطك
54 - أعرابي يستجدي
وقال أبو الحسن وقف علينا أعرابي فقال
أخ في كتاب الله وجار في بلاد الله وطالب خير من رزق الله فهل فيكم من مواس في الله
وسأل أعرابي رجلا فاعتل عليه فقال إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا
55 -
أعرابي يسأل رجلا حاجة له
أتى أعرابي رجلا لم تكن بينه وبينه حرمة في حاجة له فقال
إنى امتطيت إليك الرجاء وسرت على الأمل ووفدت بالشكر وتوسلت بحسن الظن فحقق الأمل وأحسن المثوبة وأكرم القصد وأتم الود وعجل المراد

قولهم في بكاء الموتي
56 -
أعرابية تبكي ابنها
وحجت أعرابية ومعها ابن لها فأصيبت به فلما دفن قامت على قبره وهي وجعة فقالت
والله يا بني لقد غذوتك رضيعا وفقدتك سريعا وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة والتنسم في طيب روائحها تحت أطباق الثرى جسدا هامدا ورفاتا سحيقا وصعيدا جرزا
أى بنى لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفنا وأسكنتك دارالبلي ورمتني بعدك نكبة الردي أي بني لقد أسفر لي عن وجه الدنيا صباح داج ظلامه ثم قالت
أي رب ومنك العدل ومن خلقك الجور وهبته لي قرة عين فلم تمتعني به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر ووعدتني عليه الأجر فصدقت وعدك ورضيت قضاءك فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثري اللهم ارحم غربته وأنس وحشته واستر عورته يوم تنكشف الهنات والسوءات

فلما أرادت الرجوع إلى أهلها وقفت على قبره فقالت
أى بنى إنى قد تزودت لسفرى فليت شعرى ما زادك لبعد طريقك ويوم معادك اللهم إنى أسألك له الرضا برضاي عنه ثم قالت
استودعتك من استودعنيك في أحشائي جنينا واثكل الوالدات ما أمض حرارة قلوبهن وأقلق مضاجعهن وأطول ليلهن وأقصر نهارهن وأقل أنسهن وأشد وحشتهن وأبعدهن من السرور وأقربهن من الأحزان
فلم تزل تقول هذا ونحوه حتى أبكت كل من سمعها وحمدت الله عز و جل واسترجعت وصلت ركعات عند قبره وانطلقت
57 -

حديث امرأة سكنت البادية قريبا من قبور أهلها
وروى أبو علي القالي عن عبد الرحمن عن عمه قال
دفعت يوما في تلمسى بالبادية إلى واد خلاء لا أنيس به إلا بيت معتنز بفنائه أعنز وقد ظمئت فيممته فسلمت فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامة راخم فقلت هل من ماء فقالت أو لبن فقلت ما كانت بغيتى إلا الماء فإذا يسر الله اللبن فإني إليه فقير فقامت إلى قعب فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله ثم جاءت إلى الأعنز فتغيرتهن حتى احتلبت قراب ملء القعب ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثمالته كأنها غمامة بيضاء ثم ناولتنى إياه فشربت حتى تحببت ريا واطمأننت فقلت

إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش والحلة منك قريب فلو انضممت إلى جنابهم فأنست بهم فقالت
يابن أخي إني لأتس بالوحشة وأستريح إلى الوحدة ويطمئن قلبي إلي هذا الوادى الموحش فأتذكر من عهدت فكأني أخاطب أعيانهم وأتراءى أشباحهم وتتخيل لي أندية رجالهم وملاعب ولدانهم ومندي أموالهم والله يابن أخي لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين بأهل أدواح وقباب ونعم كالهضاب وخيل كالذئاب وفتيان كالرماح يبارون الرياح ويحمون الصباح فأحال عليهم الجلاء قما بغرفة فأصبحت الاثار دارسة والمحال طامسة وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به
ثم قالت ارم بعينك في هذا الملا المتباطن فنظرت فإذا قبور نحو أربعين أو خمسين فقالت ألا ترى تلك الأجداث قلت نعم قالت ما انطوت إلا على أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض وأنا أترقب ما غالهم انصرف راشدا رحمك الله
58 -

حديث امرأة مات ابنها بين يديها
عن عبد الرحمن عن عمه قال دخلت على امرأة من العرب بأعلى الأرض في خباء لها وبين يديها بنى لها قد نزل به الموت فقامت إليه فأغمضته وعصبته وسجته ثم قالت

يابن أخي قلت ما تشائين قالت ما أحق من ألبس النعمة وأطيلت له النظرة أن لا يدع التوثق من نفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوته والمحالة بينه وبين نفسه قال وما يقطر من عينها قطرة صبرا واحتسابا ثم نظرت إليه فقالت والله ما كان مالك لبطنك ولا أمرك لعرسك ثم أنشدت تقول
( رحيب الذراع بالتى لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا )

قولهم في الشكوى
59 -
أعرابى يشكو حاله
عن عبد الرحمن عن عمه قال
قدم علينا البصرة رجل من أهل البادية شيخ كبير فقصدته فوجدته يخضب لحيته فقال ما حاجتك فقلت بلغني ما خصك الله به فجئتك أقتبس من علمك فقال أتيتني وأنا أخضب وإن الخضاب لمن علامات الكبر وطال والله ما غدوت على صيد الوحوش ومشيت أمام الجيوش واختلت بالرداء وهؤت بالنساء وقريت الضيف وأرويت السيف وشربت الراح ونادمت الجحجاح فاليوم قد حناني الكبر وضعف مني البصر وجاء بعد الصفو الكدر ثم قبض على لحيته وأنشأ يقول
( شيب تغيبه كيما تغر به ... كبيعك الثوب مطويا على حرق )
( قد كنت كالغصن ترتاح الرياح له ... فصرت عودا بلا ماء ولا ورق )

( صبرا على الدهر إن الدهر ذو غير ... وأهله منه بين الصفو والرنق )
60 -

كلمات شتى في الشكوى
قيل لأعرابية أصيبت بابنها ما أحسن عزاءك قالت إن فقدي إياه أمنني كل فقد سواه وإن مصيبتى به هونت على المصائب بعده ثم انشأت تقول
( من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر )
( ليت المنازل والديار ... حفائر ومقابر )
وقيل لأعرابي كيف حزنك على ولدك قال ما ترك هم الغداء والعشاء لي حزنا
وقيل لأعرابى ما أنحل جسمك قال سوء الغذاء وجدوبة المرعى واختلاف الهموم في صدري ثم أنشأ يقول
( الهم مالم تمضه لسبيله ... داء تضمنه الضلوع عظيم )
( ولربما استيأست ثم أقول لا ... إن الذى ضمن النجاح كريم )
وقيل لأعرابي قد أخذ به السن كيف أصبحت قال أصبحت تقيدني الشعرة وأعثر في البعرة قد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره

وقال أعرابي لقد كنت أنكر البيضاء فصرت أنكر السوداء فيا خير مبدول ويا شر بدل
وذكر أعرابى منزلا باد أهله فقال منزل والله رحلت عنه ربات الخدور وأقامت فيه رواحل القدور وقد اكتسى بالنبات كأنما ألبس الحلل وكان أهله يعفون فيه اثار الرياح وأصبحت الريح تعفو آثارهم فالعهد قريب والملتقى بعيد
وذكر أعرابي قوما تغيرت أحوالهم فقال أعين والله كحلت بالعبرة بعد الحبرة وأنفس لبست الحزن بعد السرور
وذكر أعرابي قوما تغيرت حالهم فقال كانوا والله في عيش رقيق الحواشى فطواه الدهر بعد سعة حتى لبسوا أيديهم من القر ولم أر صاحبا أغر من الدنيا ولا ظالما أغشم من الموت ومن عصف عليه الليل والنهار أردياه ومن وكل به الموت أفناه
ووقف أعرابي على دار قد باد أهلها فقال دار والله معتصرة للدموع حطت بها السحاب أثقالها وجرت بها الرياح أذيالها

وذكر أعرابي رجلا تغيرت حاله فقال طويت صحيفته وذهب رزقه فالبلاء مسرع إليه والعيش عنه قابض كفيه
وذكر أعرابي رجلا ضاق عيشه سعة فقال كان والله في ظل عيش ممدود فقدحت عليه من الدهر زند غير كابية
وذكر أعرابي مصيبة نالته فقال مصيبة والله تركت سود الرءوس بيضا وبيض الوجوه سودا وهونت المصائب بعدها
وذكر أعرابى قطيعة بعض إخوانه فقال صفرت عياب الود بيني وبينه بعد امتلائها وأقفرت وجوه كانت بمائها فأدبر ما كان مقبلا وأقبل ما كان مدبرا
وقيل لأعرابي ما أذهب شبابك قال من طال أمده وكثر ولده ودف عدده وذهب جلده ذهب شبابه
وسئل أعرابي عن سفر أكدي فيه فقال ما غنمنا إلا ما قصرنا في صلاتنا فأما ما أكلته الهواجر ولقيته منا الأباعر فأمر استخففناه لما أملناه

وقالت امرأة من الأعراب أصبحنا ما يرقد لنا فرس وما ينام لنا حرس
وقال أعرابي مضي لنا سلف أهل تواصل اعتقدوا مننا واتخذوا الأيادى ذخيرة لمن بعدهم يرون اصطناع المعروف عليهم فرضا لازما وإظهار البر واجبا ثم جاء الزمان ببنين اتخذوا منهم بضاعة وبرهم مرابحة وأياديهم تجارة واصطناع المعروف مقارضة كنقد خذ منى وهات
وقيل لأعرابي في مرضه ما تشتكى قال تمام العدة وانقضاء المدة
ونظر أعرابي إلى رجل يشكو ما هو فيه من الضيق والضر فقال يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك
ووصف أعرابي الدنيا فقال هي رنقة المشارب جمة المصائب لا تمتعك الدهر بصاحب
وقال أعرابي حسبك من فساد الدنيا أنك ترى أسنمة توضع وأخفافا ترفع والخير يطلب عند غير أهله والفقير قد حل غير محله

وقيل لأعرابي كيف ابنك وكان به عاقا قال عذاب لا يقاومه الصبر وفائدة لا يجب فيها الشكر فليتني قد استودعته القبر
عن الأصمعي قال قيل لأعرابي قدم الحضرة ما أقدمك قال الحين الذى يغطى العين
وأصيب أعرابي بابن له فقال وقد قيل له اصبر أعلي الله أتجلد أم فى مصيبتي أتبلد والله للجزع من أمره أحب إلى الان من الصبر لأن الجزع استكانة والصبر قساوة ولئن لم أجزع من النقص لم أفرح بالمزيد
وقيل لأعرابي لم لا تضرب في الأرض فقال يمنعني من ذلك طفل بارك ولص سانك ثم إني لست بعد ذلك واثقا بنجح طلبتي ولا معتقدا قضاء حاجتي ولا راجيا عطف قرابتى لأني أقدم على قوم أطغاهم الشيطان واستمالهم السلطان وساعدهم الزمان وأسكرهم حداثة الأسنان
وقال بعض الأعراب نالنا وسمى وخلفه ولي فالأرض كأنها وشى

عبقري ثم أتتنا غيوم جراد بمناجل حواد فخربت البلاد وأهلكت العباد فسبحان من يهلك القوى الأكول بالضعيف المأكول
61 -

قولهم في العتاب والاعتذار
عاتب أعرابي أباه فقال يا أبت إن عظيم حقك على لا يذهب صغير حقي عليك والذى تمت به إلى أمت ممثله إليك ولست أزعم أنا سواء ولكني أقول لا يحل لك الاعتداء
وقال أعرابي لصديق استبطأه فلامه كانت بي إليك زلة يمنعني من ذكرها ما أملت من تجاوزك عنها وليس أعتذر إليك منها إلا بالإقلاع عنها
وقال اخر لابن عم له والله ما أعرف تقصيرا فأقلع ولا ذنبا فأعتب ولست أقول إنك كذبت ولا إنني أذنبت
وقال اخر لابن عم له سأتخطى ذنبك إلى عذرك وإن كنت من أحدهما على يقين ومن الاخر على شك ولكن ليتم المعروف مني إليك وتقوم الحجة لي عليك
وعذلت أعرابية أباها في الجود وإتلاف ماله فقالت حبس المال أنفع للعيال من بذل الوجه في السؤال فقد قل النوال وكثر البخال وقد أتلفت

الطارف والتلاد وبقيت تطلب ما فى أيدي العباد ومن لم يحفظ ما ينفعه أو شك أن يسعي فيما يضره
62 -

قولهم في المدح
دخل أعرابي على بعض الملوك فقال رأيتني فيما أتعاطي من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذى لا يخفي على الناظر وأيقنت أني حيث انتهي بى القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك
وأثنى أعرابي على رجل فقال إن خيرك لسريح وإن منعك لمريح وإن رفدك لربيح
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا من بني كلاب يذكر رجلا فقال كان والله الفهم منه ذا أذنين والجواب ذا لسانين لم أر أحدا كان أرتق لخلل رأي منه ولا أبعد مسافة روية ومراد طرف إنما يرمي بهمته حيث أشار إليه الكرم وما زال والله يتحسى مرارة أخلاق الإخوان ويسقيهم عذوبة أخلاقه
وقال سمعت أعرابيا ذكر رجلا فقال كان والله للإخاء وصولا وللمال بذولا وكان الوفاء بهما عليه كفيلا وممن فاضله كان مفضولا

ووصف أعرابى رجلا فقال ذاك والله ممن ينفع سلمه ويتواصف حلمه ولا بستمرآ ظلمه إن قال فعل وإن ولي عدل
وذكر أعرابي قوما فقال أدبتهم الحكمة وأحكمتهم التجارب ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة وجانبوا التسويف الذى به قطع الناس مسافة آجالهم فذلت ألسنتهم بالوعد وانبسطت أيديهم بالإنجاز فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال
عن عبد الرحمن عن عمه قال وصفت أعرابية زوجها بمكارم الأخلاق عند أمها فقالت يا أمه من نشر ثوب الثناء فقد أدي واجب الجزاء وفي كتمان الشكر جحود لما وجب من الحق ودخول في كفر النعم فقالت لها أمها أي بنية أطبت الثناء وقمت بالجزاء ولم تدعي للذم موضعا إني وجدت من عقل لم يعجل بذم ولا ثناء إلا بعد اختبار فقالت يا أمه ما مدحت حتي اختبرت ولا وصفت حتى عرفت
ووصف بعض الأعراب أميرا فقال إذا أوعد أخر وإذا وعد عجل وعيده عفو ووعده إبحاز
ونعت أعرابي رجلا فقال كأن الألسن والقلوب ريضت له فما تنعقد إلا على وده ولا تنطق إلا بحمده

وذكر رجل عند أعرابى فوقع فيه قوم فقال أما والله إنه لاكلكم للمأدوم وأعطاكم للمغروم وأكسبكم للمعدوم وأعطفكم على المحروم
وأعطى رجل أعرابيا فأكثر له فقال له الأعرابى إن كنت جاوزت قدري عند نفسي فقد بلغت أملي فيك
ومدح أعرابي رجلا فقال كان والله يعني في طلب المكارم غير ضال في معارج طرقها ولا متشاغل عنها بغيرها
ودخل أعرابى على رجل من الولاة فقال أصلح الله الأمير اجعلني زماما من أزمتك يجربها الأعداء فإني مسعر حرب وركاب نجب شديد على الأعداء لين على الأصدقاء منطوي الحصيلة قليل الثميلة غرار النوم قد غذتني الحرب بأفاويقها وحلبت الدهر أشطره ولا تمنعك مني الدمامه فإن من تحتها شهامة

ومدح أعرابى رجلا فقال ذاك والله فسيح الأدب مستحكم السبب من أي أقطاره أتيته تثني عليه بكرم فعال وحسن مقال
ومدح أعرابي رجلا فقال كان والله يغسل من العار وجوها مسودة ويفتح من الرأى عيونا منسدة
وذكر أعرابي قوما عبادا فقال تركوا والله النعيم ليتنعموا لهم عبرات متدافقة وزفرات متتابعة لا تراهم إلا في وجه وجيه عند الله
وذكر أعرابي قوما فقال ما رأيت أسرع إلى داع بليل على فرس حسيب وجمل نجيب ثم لا ينتظر الأول السابق الاخر اللاحق
وذكر أعرابي قوما فقال جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد يعطونها بطيبة أنفسهم إذا طلبت إليهم ويباشرون المعروف بإشراق الوجوه إذا بغى لديهم
وذكر أعرابي قوما فقال والله ما أنالوا شيئا بأطراف أناملهم إلا وطئناه بأخماص أقدامنا وإن أقصي همهم لأدنى فعالنا

وذكر أعرابي أميرا فقال إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه فهو غائب عنهم شاهد معهم فالمحسن راج والمسىء خائف
وذكر أعرابي رجلا ببراعة المنطق فقال كان والله بارع المنطق جزل الألفاظ عربي اللسان فصيح البيان رقيق حواشى الكلام بليل الريق قليل الحركات ساكن الإشارات
وذكر أعرابي رجلا فقال رأيت له حلما وأناة يحدثك الحديث على مقاطعه وينشد الشعر على مدارجه فلا تسمع له لحنا ولا إحالة
وذكر أعرابي قوما فقال الت سيوفهم ألا تقضى دينا عليهم ولا تضيع حقا لهم فما أخذ منهم مردود إليهم وما أخذوا متروك لهم
ومدح أعرابي رجلا فقال ما رأيت عينا قط أخرق لظلمة الليل من عينه ولحظة أشبه بلهيب النار من لحظته له هزة كهزة السيف إذا طرب وجرأة كجرأة الليث إذا غضب
ومدح أعرابي رجلا فقال كانت ظلمة ليله كضوء نهاره امرا بارتياد وناهيا عن فساد لحبيب السوء غير منقاد

وذكر أعرابي رجلا فقال اشترى والله عرضه من الأذي فلو كانت الدنيا له فأنفقها لرأي بعدها عليه حقوقا وكان منهاجا للأمور المشكلة إذا تناجز الناس باللائمة
وذكر أعرابي رجلا فقال يفوق الكلمة على المعنى فتمرق مروق السهم من الرمية فما أصاب قتل وما أخطأ أشوى وما غطغط له سهم منذ تحرك لسانه في فيه
وذكر أعرابى أخاه فقال كان والله ركوبا للأهوال غير ألوف للحجال إذا أرعد لقوم من غير قر يهين نفسا كريمة على قومها غير مبقية لغد ما فى يومها
ومدح أعرابى رجلا فقال كان والله من شجر لا يخلف ثمره ومن بحر لا يخاف كدره
وذكر أعرابى رجلا فقال ذاك والله فتى رماه الله بالخير ناشئا فأحسن لبسه وزين به نفسه

ومدح أعرابي رجلا فقال يصم أذنيه عن استماع الخنا ويخرس لسانه عن التكلم به فهو الماء الشريب والمصقع الخطيب
وذكر أعرابي رجلا فقال ذاك رجل سبق إلى معروفه قبل طلبي إليه فالعرض وافر والوجه بمائه وما أستقل بنعمة إلا أقفلني بأخري
وذكر أعرابي رجلا فقال ذاك رضيع الجود والمفطوم به عقيم عن الفحشاء معتصم بالتقوى إذا حذفت الألسن عن الرأى حذف بالصواب كما يحذف الأرنب فإن طالت الغاية ولم يكن من دونها نهاية تمثل أمام القوم سابقا
وذكر أعرابي رجلا فقال إن جليسه لطيب عشرته أطرب من الإبل على الحداء وتمهل على الغناء
وذكر أعرابي رجلا فقال كان له علم لا يخالطه جهل وصدق لا يشوبه كذب كأنه الوبل عند المحل
وذكر أعرابي رجلا فقال ما رأيت أعشق للمعروف منه وما رأيت المنكر أبغض لأخذ بغضه له

وقدم أعرابي البادية وقد نال من بني برمك فقيل له كيف رأيتهم قال رأيتهم وقد أنست بهم النعمة كأنها من ثيابهم
وذكر أعرابي رجلا فقال ما زال يبني المجد ويشتري الحمد حتى بلغ منه الجهد
ودخل أعرابي على بعض الملوك فقال إن جهلا أن يقول المادح بخلاف ما يعرف من الممدوح وإني والله ما رأيت أعشق للمكارم في زمان اللؤم منك وأنشد
( مالي أري أبوابهم مهجورة ... وكأن بابك مجمع الأسواق )
( حابوك أم هابوك أم شاموا الندى ... بيديك فاجتمعوا من الآفاق )
( إني رأيتك للمكارم عاشقا ... والمكرمات قليلة المشاق )
وضل أعرابي الطريق ليلا فلما طلع القمر اهتدي فرفع رأسه إليه فقال ما أدري ما أقول أأقول رفعك الله فقد رفعك أم أقول نورك الله فقد نورك أم أقول حسنك الله فقد حسنك أم أقول عمرك الله فقد عمرك ولكنى أقول جعلنى الله فداك
وذكر أعرابى قومه فقال كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام خطرت بينهم السهام بوفود الحمام وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها فرب

يوم عارم قد أحسنوا أدبه وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم وخطب شئز قد ذللوا مناكبه ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصبر حتى ينجلي إنما كانوا البحر الذي لا ينكش غماره ولا ينهنه تياره
ووصف أعرابي رجلا فقال هو أطهر من الماء وأرق طباعا من الهواء وأمضى من السيل وأهدى من النجم
ووصف أعرابي قومه فقال ليوث حرب وليوث جدب إن قاتلوا أبلوا وإن بذلوا أفنوا
وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسنة بالفروع والله يعلم أن قلبى لك شاكر ولساني ذاكر ومحال أن يظهر الود المستقيم من الفؤاد السقيم
وسئل أعرابي عن قومه فقال يقتلون الفقر عند شدة القر وأرواح الشتاء وهبوب الجربياء بأسنمة الجزور ومترعات القدور تحسن وجوههم عند طلب المعروف وتعبس عند لمعان السيوف

ووصف أعرابي قوما فقال لهم جود كرام اتسعت أحوالها وبأس ليوث تتبعها أشبالها وهمم ملوك آنفسحت آمالها وفخر صميم آباد شرفت أحوالها
63 -

قولهم في الذم
وذكر أعرابي قوما فقال أولئك سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت وجوههم باللؤم لباسهم في الدنيا الملامة وزادهم إلى الاخرة الندامة
وذكر أعرابي قوما فقال لهم بيوت تدخل حبوا إلى غير نمارق ولا وسائد فصح الألسن برد السائل جعاد الأكف عن النائل
وقال أعرابي لقد صغر فلانا في عيني عظم الدنيا في عينه وكأنما يري السائل إذا أتاه ملك الموت إذا راه
وسئل أعرابي عن رجل فقال ما ظنكم بسكير لا يفيق يتهم الصديق ويعصي الشفيق لايكون في موضع إلا حرمت فيه الصلاة ولو أفلتت كلمه سوء لم تضر إلا إليه ولو نزلت لعنة من السماء لم تقع إلا عليه

وذكر أعرابى رجلا فقال إن فلانا ليعدى بإثمه من تسمى باسمه ولئن خيبني فلرب باقية قد ضاعت في طلب رجل كريم
وذكر أعرابي رجلا فقال تغدوإليه مراكب الضلالة فترجع من عنده ببذور الآثام معدم مما تحب مكثر مما تكره وصاحب السوء قطعة من النار
وقال أعرابي لرجل أنت والله ممن إذا سأل ألحف وإذا سئل سوف وإذا حدث حلف وإذا وعد أخلف تنظر نظر حسود وتعرض إعراض حقود
وسافر أعرابى إلى رجل فحرمه فقال لما سئل عن سفره ما ربحنا في سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا فأما الذي لقينا من الهواجر ولقيت منا الأباعر فعقوبة لنا فيما أفسدنا من حسن ظننا ثم أنشأ يقول
( رجعنا سالمين كما خرجنا ... وما خابت سرية سالمينا )
وذكر أعرابي رجلا فقال كان إذا راني قرب من حاجب حاجبا فأقول له لا تقبح وجهك إلى قبحه فوالله ما أتيتك لطمع راغبا ولا لخوف راهبا
وذم أعرابي رجلا فقال عبد الفعال حر المقال عظيم الرواق دنىء الأخلاق الدهر يرفعه ونفسه تضعه
وقال أعرابي دخلت البصرة فرأيت ثياب أحرار على أجساد عبيد إقبال

حظهم إدبار حظ الكرام شجر أصوله عند فروعه شغلهم عن المعروف رغبتهم في المنكر
وذكر أعرابى رجلا فقال ذاك سم المجالس أعيا ما يكون عند جلسائه أبلغ ما يكون عند نفسه
وذكر أعرابي رجلا فقال ذلك من يداوي عقله من الجهل أحوج منه إلى من يداوي عقله من المرض إنه لا مرض أوجع من قلة عقل
وذكر أعرابي رجلا لم يدرك بثأره فقال كيف يدرك بثأره من في صدره من البلغم حشو مرقعة لو دقت بوجهه الحجارة لرضها ولو خلا بالكعبة لسرقها
وذكر أعرابي رجلا فقال تسهر والله زوجته جوعا إذا سهر الناس شبعا ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار ولا اجل نار كالبهيمة أكلت ما جمعت ونكحت ما وجدت
وسمع أعرابي رجلا يزعق فقال ويحك إنما يستجاب لمؤمن أو مظلوم ولست بواحد منهما وأراك يخف عليك ثقل الذنوب فيحسن عندك مقابح العيوب

وذكر أعرابي رجلا بضعف فقال سيء الروية قليل التقية كثير السعاية ضعيف النكاية
وذكر أعرابي رجلا فقال عليه كل يوم من فعله شاهد بفسقه وشهادات الأفعال أعدل من شهادات الرجال
وذكر أعرابي رجلا بذلة فقال عاش خاملا ومات موتورا
وقال أعرابي لرجل شريف البيت دني الهمة ما أحوجك أن يكون عرضك لمن يصونه فتكون فوق ما أنت دونه
وذكر أعرابي رجلا فقال إن حدثته يسابقك إلى ذلك الحديث وإن سكت عنه أخذ في الترهات
وذكر أعرابي رجلا راكبا هواه فقال والله لهو أقصد إلى ما يهواه من الطرق إلى المياه أفقره ذلك أو أغناه
وقال أعرابي ليت فلانا أقالنى من حسن ظني به فأختم بصواب إذ بدأت بخطأ ولكن من لم تحكمه التجارب أسرع بالمدح إلي من يستوجب الذم وبالذم إلى من يستوجب المدح

وقال أعرابي لرجل هل أنت إلا أنت لم تغير ولو كنت من حديد محمي ووضعت على عين لم تذب
وقال أعرابى لأخيه قد كنت نهيتك أن تدنس عرضك بعرض فلان وأعلمك أنه سمين المال مهرول المعروف من المرزوقين فجأة قصير عمر الغني طويل عمر الفقر
وقال أعرابي لا ترك الله مخا في سلامي ناقة حملتني إليك وللداعي عليها أحق بالدعاء عليه إذ كلفها المسير إليك
وذكر أعرابي رجلا فقال لا يؤنس جارا ولا يؤهل دارا ولا يبعث نارا
وذكر أعرابي امرأة قبيحة فقال ترخي ذيلها على عرقوبي نعامة وتسدل خمارها على وجه كالجعالة
وقال أعرابي لامرأة والله إنك لمشرفة الأذنين جاحظة العينين ذات خلق متضائل يعجبك الباطل إن شبعت بطرت وإن جعت صخبت وإن رأيت حسنا دفنته وإن رأيت سيئا أذعته تكرمين من حقرك وتحقرين من أكرمك

وسأل أعرابي رجلا فحرمه فقال له أخوه نزلت والله بواد غير ممطور وأتيت رجلا بك غير مسرور فلم تدرك ما سألت ولا نلت ما أملت فارتحل بندم أو أقم على عدم
ودخلت أعرابية على حمدونة بنت المهدي فلما خرجت سئلت فقالت والله لقد رأيتها فما رأيت طائلا كأن بطنها قربة كأن ثديها دبة كأن استها رفعة كأن وجهها وجه ديك قد نفش عفريته يقاتل ديكا
وذم أعرابي رجلا فقال أفسد اخرته بصلاح دنياه ففارق ما أصلح غير راجع إليه وقدم على ما أفسد غير منتقل عنه ولو صدق رجل نفسه ما كذبته ولو ألقى زمامه أوطأه راحلته
قال الأصمعي سمعت أعرابية تقول لرجل تخاصمه والله لو صور الجهل لأظلم معه النهار ولو صور العقل لأضاء معه الليل وإنك من أفضلهما لمعدم فخف الله واعلم أن من ورائك حكما لا يحتاج المدعي عنده إلى إحضار بينة
وقال أعرابى يعيب قوما هم أقل الناس ذنوبا إلى أعدائهم وأكثرهم جرما إلى أصدقائهم يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء

ووصف أعرابى رجلا فقال صغير القدر قصير الشبر ضيق الصدر لئيم النجر عظيم الكبر كثير الفخر
وذكر أعرابي أميرا فقال يقضي بالعشوة ويطيل النشوة ويقبل الرشوه
وسمع عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أعرابيا يقول اللهم اغفر لأم أوفى قال ومن أم أوفى قال امرأتي وإنها لحمقاء مرغامة أكول قامة لا تبقي لها حامة غير أنها حسناء فلا تفرك وأم غلمان فلا تترك
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهي تقول والله إن شربك لاشتفاف وإن ضجعتك لانجعاف وإن شملتك لالتفاف وإنك لتشبع ليلة تضاف وتنام ليلة تخاف فقال لها والله إنك لكرواء الساقين قعواء الفخذين مقاء الرفغين مفاضة الكشحين ضيفك جائع وشرك شائع

عن عبد الرحمن عن عمه قال مر أعرابي برجل يكنى أبا الغمر وكان ضخما جسيما وكان بوابا لبعض الملوك فقال أعن الفقير الحسير فقال ما ألحف سائلكم وأكثر جائعكم أراحنا الله منكم فقال له الأعرابى لو فرق قوت جسمك في جسوم عشرة منا لكفانا طعامك في يوم شهرا وإنك لعظيم السرطة شديد الضرطة لو ذرى بحبقتك بيدر لكفته ريح الجربياء
64 -

قولهم في الغزل
سئل أعرابي عن امرأة فقال هي أرق من الهواء وأطيب من الماء وأحسن من النعماء وأبعد من السماء
وذكر أعرابي امرأة فقال لها جلد من لؤلؤ مع رائحة المسك وفي كل عضو منها شمس طالعة
وذكر أعرابي مرأة فقال كاد الغزال أن يكونها لولا ما تم منها وما نقص منه
وذكر أعرابي نسوة خرجن متنزهات فقال وجوه كالدنانير وأعناق كأعناق اليعافير وأوساط كأوساط الزنابير أقبلن إلينا بحجول تخفق وأوشحة تعلق وكم أسير لهن وكم مطلق

ووصف أعرابي امرأة حسناء فقال تبسم عن خمش اللثات كأقاحي النبات فالسعيد من ذاقه والشقى من راقه
وذكر أعرابي امرأة فقال هي السقم الذي لا برء منه والبرء الذى لاسقم معه وهي أقرب من الحشا وأبعد من السما
ووصف أعرابي امرأة فقال بيضاء جعدة لا يمس الثوب منها إلا مشاشة كتفيها وحلمة ثدييها ورضفى ركبتيها ورانفتي أليتيها وأنشد
( أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا )
( وإذا الرياح مع العشى تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا )
وذكر أعرابي امرأة فقال تلك شمس باهت بها الأرض شمس سمائها وليس لى شفيع في اقتضائها وإن نفسي لكتوم لدائها ولكنها تفيض عند امتلائها
وقال أعرابي في امرأة ودعها للمسير والله ما رأيت دمعة ترقرق من

عين بإثمد على ديباجة خد أحسن من عبرة أمطرتها عينها فأعشت بها قلبي
وقال أعرابي إن لي قلبا مروعا وعينا دموعا فماذا يصنع كل واحد منهما بصاحبه مع أن داءهما دواؤهما وسقمهما شفاؤهما
وقال أعرابي ما أشد جولة الرأي عند الهوي وفطام النفس عن الصبا ولقد تقطعت كبدي لوم العاذلين للعاشقين قرطة في اذانهم ولو عات الحب نيران في أبدانهم مع دموع علىالمغاني كغروب السواني
وذكر أعرابي امرأة فقال لقد نعمت عين نظرت إليها وشقيى قلب تفجع عليها ولقد كنت أزورها عند أهلها فيرحب بى طرفها ويتجهمني لسانها قيل له فما بلغ من حبك لها قال إني ذاكر لها وبيني وبينها عدوة الطائر فأجد لذكرها ريح المسك
وقال أعرابي الهوي هوان ولكن غلط باسمه وإنما يعرف من يقول من أبكته المنازل والطلول
وذكر أعرابي امرأة فقال إن لساني لذكرها لذلول وإن حبها لقلبي لقتول وإن قصير الليل بها ليطول

ووصف أعرابي نساء ببلاغة وجمال فقال كلامهن أقتل من النبل وأوقع بالقلب من الوبل بالمحل فروعهن أحسن من فروع النخل
وقال أعرابي دخلت البصرة فرأيت أعينا دعجا وحواجب زجا يستحبن الثياب ويسلبن الألباب
وذكر أعرابي نساء فقال ظعائن في سوالفهن طول غير قبيحات العطول إذا مشين أسبلن الذيول وإن ركبن أثقلن الحمول
وقال أعرابي لقد رأيت بالبصرة برودا كأنها صبغت بأنوار الربيع فهي تروع واللابس لها أروع
وقال أعرابي شيعنا الحي وفيهم أدوية السقام فقرأن بالحدق السلام وخرست الألسن عن الكلام
وسئلت أعرابية عن الهوى فقالت لامتع الهوى بملكه ولا ملي

بسلطانه وقبض الله يده وأوهن عضده فإنه جائر لا ينصف في حكم أعمى لا ينطق بعدل ولا يقصر في ظلم ولا يرعوى لذم ولا ينقاد لحق ولا يبقى على عقل وفهم لو ملك الهوى وأطيع لرد الأمور على أدبارها والدنيا على أعقابها
وسئل أعرابي عن الهوى فقال هو داء تداوى به النفوس الصحاح وتسل منه الأرواح وهو سقم مكتتم وحميم مضطرم فالقلوب له منضجة والعيون ساكبة
ووصف أعرابى امرأة يحبها فقال هي زينة الحضور وباب من أبواب السرور ولذكرها في المغيب والبعد عن الرقيب أشهى إلينا من كل ولد ونسيب وبها عرف فضل الحور العين واشتيق بها إليهن يوم الدين ووصف أعرابى نساء فقال
يلتثمن على السبائك ويتشحن علىالنيازك ويأتزرن على العوانك ويرتفقن على الأرائك ويتهادين على الدرانك ابتسامهن وميض عن وليع كالإغريض وهن إلى الصبا صور وعن الخنا نور

قولهم في الوصف
65 -
أعرابي يصف مطرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال سئل أعرابي عن مطر فقال
استقل سد مع إنتشار الطفل فشصا واحزأل ثم اكفهرت أرجاؤه واحمومت أرحاؤه وابذعرت فوارقه وتضاحكت بوارقه واستطار وادقة وارتتقت جوبه وارتعن هيدبه وحشكت أخلافه واستقلت أرادفه وانتشرت أكنافه فالرعد مرتجس والبرق مختلس والماء منبجس فأترع الغدر وانتبث الوجر وخلط الأوعال بالاجال وقرن الصيران بالرئال

فللأودية هدير وللشراج خرير وللتلاع زفير وحط النبع والعتم من القلل الشم إلى القيعان الصحم فلم يبق في القلل إلا معصم مجرنتم أو داحض مجرجم وذلك من فضل رب العالمين على عباده المذنبين
66 - أعرابي يصف مطرا
عن الأصمعي قال سمعت أعرابيا من غني يذكر مطرا أصاب بلادهم في غب جدب فقال
تدارك ربك خلقه وقد كلبت الأمحال وتقاصرت الآمال وعكف الياس وكظمت الأنفاس وأصبح الماشي مصرما والمترب معدما وجفيت الحلائل وامتهنت العقائل فأنشأ سحابا ركاما كنهورا سجاما بروقه متألقة ورعوده متقعقعة فسح ساجيا راكدا ثلاثا غير ذي فواق ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه وفرقت جهامه فانقشع محمودا وقد أحيا

وأغنى وجاد فأروى والحمد لله الذي لاتكت نعمه ولا تنفد قسمه ولا يخيب سائله ولا ينزر نائله
67 -

أعرابى يصف مطرا
عن الأصمعي قال سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن مطر صاب بلادهم فقال
نشأ عارضا فطلع ناهضا ثم ابتسم وامضا فأعس في الأقطار فأسجاها وامتد في الآفاق فغطاها ثم ارتجز فهمهم ثم دوى فأظلم فأرك ودث وبغش وطش قم قطقط فأفرط ثم ديم فأغمط ثم ركد فأشجم ثم وبل فسجم وجاد فأنعم فقمس الربا وأفرط الزبى سبعا تباعا ما يريد انقشاعا حتى إذا ارتوت الحزون وتضحضحت المتون ساقه ربك إلى حيث شاء كما جلبه من حيث شاء

68 -

ثلاثة غلمة من الأعراب يصفون مطرا
عن الأصمعي قال مررت بغلمة من الأعراب يتماقلون في غدير فقلت لهم أيكم يصف لي الغيث وأعطيه درهما فخرجوا إلي فقالوا كلنا وهم ثلاثة فقلت لهم صفوا فأيكم ارتضيت وصفه أعطيته الدرهم فقال أحدهم
عن لنا عارض قصرا تسوقه الصبا وتحدوه الجنوب يحبو حبوالممتنك حتى إذا ازلأمت صدوره وانتحلت خصوره ورجع هديره وصعق زئيره واستقل نشاصه وتلام خصاصه وارتعج ارتعاصه وأوفدت سقابه وامتدت أطنابه تدارك ودقة وتألق برقة وحفزت تواليه وانسفحت عزاليه فغادر الثرى عمدا والعزاز ثئدا والحث عقدا والضحاضح متواصية والشعاب متداعية

وقال الآخر تراءت المخايل من الأقطار تحن حنين العشار وتترامي بشهب النار قواعدها متلاحكة وبواسقها متضاحكة وأرجاؤها متقاذفة وأعجازها مترادفة وأرحاؤها متراصفة فوصلت الغرب بالشرق والوبل بالودق سحا دراكا متتابعا لكاكا فضحضحت الجفاجف وأنهرت الصفاصف وحوضت الاصالف ثم أقلعت محمودة الآثار مرموقة الخيار
فقال الثالث والله ما خلته بلغ خمسا فقال هلم الدرهم أصفه لك فقلت لا أو تقول كما قالا قال لأبذنهما وصفا ولأوقفنهما رصفا فقلت هات لله أبوك فقال بينما الحاضر بين الباس والإبلاس قد غمرهم الإشفاق رهبة الإملاق وقد جفت الأنواء ورفرف البلاء واستولى القنوط على القلوب وكثر الاستغفار من الذنوب ارتاح ربك لعباده فأنشأ سحابا مستهجرا كنهورا معنونكا محلولكا ثم استقل واخزأل فصار كالسماء دون السماء

وكالأرض المدحوة في لوح الهواء فأحسب السهول وأتأق الهجول وأحيا الرجاء وأمات الضراء وذلك من فضل رب العالمين
قال فملأ والله اليفع صدري فأعطيت كل واحد درهما وكتبت كلامهم
69 -

أعرابي يصف مطرا
عن الأصمعي قال سألت أعرابيا عن مطر صابهم بعد جدب فقال
ارتاح لنا ربك بعد ما استولي على الظنون وخامر القلب القنوط فأنشأ بنوء الجبهة قزعة كالفرض من قبل العين فاحزألت عند ترجل النهار لإزميم السرار حتى إذا نهضت في الأفق طالعة أمر مسخرها الجنوب فتنسمت لها فانتشرت أحضانها واحمومت أركانها وبسق عنانها واكفهرت رحاها وانبعجت كلاها وذمرت أخراها أولاها ثم استطارت عقائقها وتقعقعت صواعقها ثم ارثعنت جوانبها وتداعت سواكبها ودرت حوالبها فكانت الأرض طبقا سح فهضب وعم فأحسب فعل القيعان وضحضح

الغيطان وجوخ الأضواج وأترع الشراج فالحمد لله الذى جعل كفاء إساءتنا إحسانا وجزاء ظلمنا غفرانا
70 - أعرابي يصف مطرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا من بني عامر بن لوى بن صعصعة يصف مطرا فقال
نشأ عند القصر بنوء الغفر حبيا عارضا ضاحكا وامضا فكلا ولا ما كان حتى شجيت به أقطار الهواء واحتجبت به السماء ثم أطرق فاكفهر وتراكم فادلهم وبسق فازلأم ثم حدت به الريح فحن فالبرق مرتعج والرعد متبوج والخرج متبعج فأثجم ثلاثا متحيرا هثهاثا أخلافه حاشكة ودفعه متواشكة وسوامه متعاركة ثم ودع منجما وأقلع متهما محمود البلاء مترع النهاء مشكور النعماء بطول ذي الكبرياء

71 -

أعرابي يصف مطرا
عن أبي عبيدة قال خرج النعمان في بعض أيامه في عقب سماء فلقي أعرابيا على ناقة فأمر فأتي به قال كيف تركت الأرض وراءك فقال
فيح رحاب منها السهول ومنها الصعاب منشوطة بجيالها حاملة لأثقالها قال إنما سألتك عن السماء قال
مطلة مستقلة على غير سقاب ولا أطناب يختلف عصراها ويتعاقب سراجاها قال ليس عن هذا أسألك قال فسل ما بدا لك قال هل صاب الأرض غيث قال
نعم أغمطت السماء فيأرضنا ثلاثا رهوا فثرت وأرزغت ورسغت ثم خرجت من أرض قومى اقرؤها فإذا هى متواصية لاخطيطة بينها حتى هبطت بعشار فتداعي السحاب من الأقطار فجاءنا بالسيل الخرار فعفا الاثار وملأ الجفار وقور عالي الأشجار فأحجر الحضار ومنع السفار ثم أقلع عن نفع وإضرار فلما اتلأبت لي القيعان ووضحت السبل في الغيطان وفات العنان من أقطار الأعنان فلم أجد وزرا إلا الغيران ففات وجار الضبع فغادرت السهول

كالبحار تتلاطم بالتيار والحزون متلفعة بالغثاء والوحوش مقذوفة على الأرجاء فما زلت أطأ السماء وأخوض الماء حتى وطئت أرضكم
72 -

أعرابي يصف مطرا
عن أبي عبيدة قال وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال
يا قومي بدا شأني والذي الفجني إلى مسألتكم إن الغيث كان قد قوى عنا نم تكرفأ السحاب وشصا الرباب وادلهم سيقه فارتجس ريقه وقلنا هذا عام باكر الوسمي محمود السمي ثم هبت له الشمال فاحزألت طخاريره وتفزع كرفئه متباشرا ثم تتابع لمعان البرق حيث تشيمه الأبصار وتجده النظار ومرت الجنوب ماءه فقوض الحي مزلئمين نحوه فسرحنا المال فيه وكان وخما وخيما فأساف المال وأضف الحال فرحم الله امرأ جاد بمير أو دل علىخير
73 - أعرابي يصف مطرا
عن عبد الرحمن عن عمه قال
قال أبو مجيب وكان أعرابيا من بني ربيعة بن مالك لقد رأيتنا في أرض

عجفاء وزمان أعجف وشجر أعسم في قف غليظ فبينما نحن كذلك إذ أنشأ الله تعالى من السماء غيثا مستكفا نشؤه مسبلة عزاليه ضخاما قطره جودا صوبه زاكيا أنزله الله تعالى رزقا لنا فعيش به أموالنا ووصل به طرقنا وأصابنا وإنا لبنوطة بعيدة الأرجاء فاهرمع مطرها حتى رأيتنا وما نرى غير السماء والماء وضهوات الطلح وضرب السيل النجاف وملأ الأودية فزعبها فما لبثنا إلا عشرا حتى رأيتها روضة تندي
74 - أعرابي يصف مطرا
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال
أصابتك سماء في وجهك يا أعرابي قال نعم يا أمير المؤمنين غير أنها سحاء طحناء وطفاء كأن هواديها الدلاء مرجحنة النواحي موصولة بالاكام تكاد تمس هام الرجال كثير زجلها قاصف رعدها خاطف برقها حثيث ودقها بطىء مسيرها مثعنجر قطرها مظلم نوؤها قد لجئت الوحش إلى أوطانها تبحث عن أصولها بأظلافها متجمعة بعد شتاتها فلولا اعتصامنا يا أمير المؤمنين

بعضاه الشجر وتعلقنا بقنن الجبال لكنا جفاء في بعض الأودية ولقم الطريق فأطال الله للأمة بقاءك ونسألها في أجلك ببركتك وعاد الله بك علىرعيتك وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
فقال سليمان لعمر أبيك لئن كانت بديهة لقد أحسنت وإن كانت محبرة لقد أجدت قال بل محبرة مهدورة يا أمير المؤمنين قال يا غلام أعطه فوالله لصدقه أعجب إلينا من صفته
75 -

أعرابية تصف مطرا
عن الأصمعي قال كان شيخ من الأعراب في خبائه وابنه له بالفناء إذ سمع رعدا فقال ما ترين يا بنية قالت أراها حواء قرحاء كأنها أقراب أتان قمراء ثم سمع راعدة أخرى فقال كيف ترينها قالت أراها جمة الترجاف متساقطة الأكناف تتألق بالبرق الولاف قال هلمى المغرفة انتئى نؤيا
76 - أعرابية تصف مطرا
عن الأصمعي قال كان أعرابي ضرير تقوده ابنته وهي ترعي غنيمات لها فرأت سحابا فقالت يا أبت جاءتك السماء فقال كيف ترينها قالت كأنها فرس دهماء تجر جلالها قال ارعى غنيماتك فرعت مليا ثم قالت يا أبت جاءتك السماء قال كيف ترينها قالت كأنها عين جمل طريف قال ارعى

غنيماتك فرعت مليا ثم قالت يا أبت جاءتك السماء قال كيف ترينها قالت سطحت وابيضت قال أدخلى غنيماتك قال فجاءت السماء بشيء شطأ الزرع وأينع وخضر ونضر
77 -

أعرابى يصف أرضا
ووصف أعرابي أرضا أحمدها فقال
خلع شيحها وأبقل رمثها وخضب عرفجها واتسق نبتها واخضرت قريانها وأخوصت بطنانها وأحلست أكمامها واعتم نبت جراثيمها وأجرت بقلتها وذرقتها وخبازتها واحورت خواصر إبلها وشكرت حلوبتها وسمنت قتوبتها وعمد ثراها وعقدت تناهيها وأماهت ثمارها ووثق الناس بصائرتها

78 -

رائد يصف أرضا جدبة
قال أبو المجيب وصف رائد أرضا جدبة فقال
اغبرت جادتها وذرع مرتعها وقضم شجرها ورقت كرشها وخور عظمها والتقى سرحاها وتميز أهلها ودخل قلوبهم الوهل وأموالهم الهزل
79 -
رائد يصف أرضا
عن محمد بن كناسة قال أخبرني بعض فصحاء أعراب طيء قال
بعث قوم رائدا فقالوا ما وراءك قال عشب وتعاشيب وكمأة متفرقة شيب تقلعها بأخفافها النيب قالوا لم تصنع شيئا هذا كذب فأرسلوا اخر فقالوا ما وراءك قال عشب تأد مأدمولى وعهد متدارك جعد كأفخاذ نساء بنى سعد تشبع منه النيب وهى تعد

80 - رائد يصف أرضا
وبعث رجل أولاده يرتادون في خصب فقال أحدهم رأيت بقلا وماء غيلا يسيل سيلا وخوصه تميل ميلا يحسبها الرائد ليلا وقال الثانى رأيت ديمة على ديمة في عهدها غير قديمة وكلأ تشبع منه الناب قبل الفطيمة وروى هذا الوصف عن ابن الكلبي بصورة أخرى قال
خطب هند بنة الخس الإيادية ثلاثة نفر من قومها وارتضت أنسابهم وجمالهم وأرادت أن تسبر عقولهم فقالت لهم إني أريد أن ترتادوا إلي مرعي فلما أتوها قالت لأحدهم ما رأيت قال رأيت بقلا وبقيلا وماء غدقا سيلا يحسبه الجاهل ليلا قالت أمرعت قال الاخر رأيت ديمة بعد ديمة على عهاد غير قديمة فالناب تشبع قبل الفطيمة قال الثالث رأيت غيثا ثعدا معدا متراكما جعدا كأفخاذ نساء بني سعد تشبع منه النيب وهي تعد
81 -

أعرابي يصف أرضه وماله
عن أبي عمر وبن العلاء قال لقيت أعرابيا بمكة فقلت له ممن أنت قال أسدى قلت ومن أيهم قال نهدى قلت من أي البلاد قال من عمان

قلت فأني لك هذه الفصاحة قال إنا سكنا قطرا لا نسمع فيه ناجخة التيار قلت صف لي أرضك قال سيف أفيح وفضاء صحصح وجبل صردح ورمل أصبح قلت فما مالك قال النخل قلت فأين أنت من الإبل قال إن النخل حملها غذاء وسعفها ضياء وجذعها بناء وكربها صلاء وليفها رشاء وخوصها وعاء وقروها إناء
82 -

أعرابي يصف بلدا
وذكر أعرابي بلدا فقال بلد كالترس ما تمشى فيه الرياح إلا عابرات سبيل ولا يمر فيه السفر إلا بأدل دليل
وقال أعرابي مررت ببلد ألقى به الصيف بقاعه فأظهر غديرا يقصر الطرف عن أرجائه وقد نفت الريح القذى عن مائه فكأنه سلاسل درع ذات فضول
وسئل أعرابي عن مسافة ما بين بلدين فقال عمر ليلة وأديم يوم وقال آخر سواد ليلة أو بياض يوم وقال آخر إن المسافر ومتاعه لعلي قلت إلا ما وقى الله

83 -

أعرابي يصف أشد البرد
سئل أعرابي فقيل له ما أشد البرد قال ريح جربياء في طل عماء غب سماء
84 -
أعرابي يصف إبلا
وقال سمعت أعرابيا يصف إبلا فقال
إنها لعظام الحناجر سباط المشافر كوم بهازر نكد خناجر أجوافها رغاب وأعطانها رحاب تمنع من البهم وتبذل للجمم
85 -
أعرابى يصف ناقة
ووصف أعرابي ناقة فقال إذا إكحالت عينها وأللت أذنها وسجح خدها وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فهي الكريمة

أعرابي يصف خيلا
وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول خرجت علينا خيل مستطيرة النفغ كأن هواديها أعلام وآذانها أطراف أقلام وفرسانها أسود آجام
87 -
أعرابي يصف خيلا
وذكر أعرابي خيلا فقال والله ما انحدرت في واد إلا ملأت بطنه ولا ركبت بطن جبل إلا أسهلت حزنه
88 - أعرابي يصف خيلا
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يصف خيلا فقال سباط الخصائل ظماء المفاصل شداد الأباجل قب الأياطل كرام النواجل
89 -
أعرابي يصف فرسا
ووصف بعض الأعراب فرسا فقال قد انتهي ضموره وذبل فريره وظهر حصيره وتفلقت غروره واسترخت شاكلته يقبل بزور الأسد ويدبر بعجز الذئب

إعرابي يصف خاتما
وقال أعرابى يصف خاتما شف تقدير حلقته ودور كرسي فضته وأحكم تركيبه وأتقن تدبيره فبه يتم الملك وينفذ الأمر ويكرم الكتاب ويشرف المكتوب إليه
91 -
أعرابي يصف أطيب الطعام
وقال عبد الملك لأعرابي ما أطيب الطعام فقال بكرة سنمة معتبطة غير ضمنة في قدور رذمة بشفار خذمة في غداة شبمة فقال عبد الملك وأبيك لقد أطيبت
92 -
أعرابى يصف السويق
وعاب رجل السويق بحضرة أعرابي فقال لا تعبه فإنه عدة المسافر وطعام العجلان وغذاء المبكر وبلغة المريض ويسرو فؤاد الحزين ويرد من نفس المحدود وجيد في التسمين ومنعوت في الطب وقفاره يحلو

البلغم وملتوته يصفي الدم وإن شئت كان شرابا وإن شئت كان طعاما وإن شئت فثريدا وإن شئت فخبيصا
93 -

أعرابي يصف الجمال
وقيل لأعرابي ما الجمال قال طول القامة وضخم الهامة ورحب الشدق وبعد الصوت وسئل اخر ما الجمال قال غثور العينين وإشراف الحاجبين ورحب الشدقين
94 -
أبو المخش يصف ابنه
وسأل جعفر بن سليمان أبا المخش عن ابنه المخش وكان جزع عليه جزعا شديدا قال صف لى المخش فقال كان أشدق خرطمانيا سائلا لعابه كأنما ينظر من قلتين كأن ترقوته بوان أو خالفة كأن منكبه كركرة جمل ثقال فقأ الله عينى إن كنت رأيت قبله أو بعده مثله
95 -
أعرابي يصف بنيه
عن عبد الرحمن عن عمه قال قلت لأعرابي بحمى الربذة ألك بنون قال نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة فقلت صفهم لى فقال جهم وماجهم

ينضى الوهم ويصد الدهم ويفري الصفوف ويعل السيوف قلت ثم من قال غشمشم وما غشمشم ماله مقسم وقرنه مجرجم جذل حكاك ومدره لكاك قلت ثم من قال عشرب وما عشرب ليث محرب وسمام مقشب ذكره باهر وخصمه عاثر وفناؤه رحاب وداعيه مجاب قلت صف لي نفسك فقال ليث أبو ريابل ركاب معاضل عساف مجاهل حمال أعباء نهاض ببزلاء
96 -

أعرابي يصف أخويه
عن العتبي قال أخبرني أعرابي عن إخوة ثلاثة قال قلت لأحدهم أخبرني عن أخيك زيد فقال أزيد إنيه والله ما رأيت أحدا أسكن فورا ولا أبعد غورا ولا اخذ لذنب حجة قد تقدم رأسها من زيد فقلت أخبرني عن أخيك زائد قال كان والله شديد العقدة لين العطفة ما يرضيه أقل مما يسخطه فقلت فأخبرني عن نفسك فقال والله إن أفضل ما فى لمعرفتي بفضلهما وإنى مع ذلك لغير منتشر الرأي ولا مخذول العزم

قولهم في الدعاء
97 -
دعاء أعرابي
قال أبو حاتم أملى علينا أعرابي يقال له مرثد
اللهم اغفر لي والجلد بارد والنفس رطبة واللسان منطلق والصحف منشورة والأقلام جارية والتوبة مقبولة والأنفس مريحة والتضرع مرجو قبل آن الفراق وحشك النفس وعلز الصدر وتزيل الأوصال ونصول الشعر واحتياف التراب وقبل أن لا أقدر على استغفارك حين يفني العمل ويحضر الأجل وينقطع الأمل
أعني علي الموت وكربته وعلى القبر وغمته وعلى الميزان وخفته وعلى الصراط وزلته وعلى يوم القيامة وروعته اغفر لي مغفرة عزما لا تغادر ذنبا ولا تدع كربا اغفرلي جميع ما افترضت على ولم أؤده إليك اغفر لي جميع ما تبت إليك منه ثم عدت فيه
يا رب تظاهرت على منك النعم وتداركت عندك منى الذنوب فلك الحمد على النعم التي تظاهرت وأستغفرك للذنوب التي تداركت وأمسيت عن عذابى غنيا وأصبحت إلى رحمتك فقيرا

اللهم إني أسألك نجاح الأمل عند انقطاع الأجل اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا وإذا ابتليتهم صبروا وإذا أذكرتهم ذكروا واجعل لي قلبا توابا أوابا لا فاجرا ولا مرتابا اجعلنى من الذين إذا أحسنوا ازدادوا وإذا أساءوا استغفروا
اللهم لا تحقق على العذاب ولا تقطع بي الأسباب واحفظني في كل ما تحيط به شفقتي وتأتي من ورائه سبحتي وتعجز عنه قوتى أدعوك دعاء ضعيف عمله متظاهرة ذنوبه ضنين على نفسه دعاء من بدنه ضعيف ومنته عاجزة قد إنتهت عدته وخلقت جدته وتم ظمؤه اللهم لا تخيبني وأنا أرجوك ولا تعذبنى وأنا أدعوك والحمد لله على طول النسيئة وحسن التباعة وتشنج العروق وإساغة الريق وتأخر الشدائد والحمد لله على حلمه بعد علمه وعلى عفوه بعد قدرته والحمد لله الذي لا يودى قتيله ولا يخيب سوله ولا يرد رسوله اللهم إنى أعوذ بك من الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك وأعوذ بك أن أقول زورا أو أغشي فجورا أو أكون بك مغرورا وأعوذ بك من شماتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء وزوال النعمة

98 - دعاء أعرابي
ودعا أعرابي وهو يطوف بالكعبة فقال
إلهي من أولي بالتقصير والزلل مني وأنت خلقتني ومن أولي بالعفو منك عني وعلمك بي ماض وقضاؤك بي محيط أطعتك بقوتك والمنة لك وعصيتك بعلمك فأسألك يا إلهي بوجوب رحمتك وانقطاع حجتي وافتقاري إليك وغناك عني أن تغفر لي وترحمني
إلهي لم أحسن حتى أعطيتني فتجاوز عن الذنوب التي كتبت على اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك الشرك بك فاغفر لي ما بين ذلك
اللهم إنك انس المؤنسين لأوليائك وأحضرهم للمتوكلين عليك إلهي أنت شاهدهم وغائبهم والمطلع على ضمائرهم وسرى لك مكشوف وأنا إليك ملهوف إذا أوحشتنى الغربة انسنى ذكرك وإذا أكبت على الغموم لجأت إلى الاستجارة بك علما بأن أزمة الأمور كلها بيدك ومصدرها عن قضائك فأقللني إليك مغفورا لي معصوما بطاعتك بقية عمري يا أرحم الراحمين
99 -

دعاء أعرابى
وقال الأصمعي حججت فرأيت أعرابيا يطوف بالكعبة ويقول
يا خير موفود سعي إليه الوفد قد ضعفت قوتي وذهبت منتى وأتيت إليك بذنوب لا تغسلها الأنهار ولا تحملها البحار أستجير برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك ثم التفت فقال أيها المشفقون ارحموا من شملته الخطايا

وغمرته البلايا ارحموا من قطع البلاد وخلف ما ملك من التلاد ارحموا من وبخته الذنوب وظهرت منه العيوب ارحموا أسير ضر وطريد فقر أسألكم بالذى أعملتم الرغبة إليه إلا ما سألتم الله أن يهب لي عظيم جرمى ثم وضع في حلقه بالباب خده وقال ضرع خدى لك وذل مقامى بين يديك ثم أنشأ يقول
( عظيم الذنب مكروب ... من الخيرات مسلوب )
( وقد أصبحت ذا فقر ... وما عندك مطلوب )
100 -

دعاء أعرابي
وسمع أعرابي بعرفات عشية عرفة وهو يقول
اللهم إن هذه عشية من عشايا محبتك وأحد أيام زلفتك يأمل فيها من لجأ إليك من خلقك أن لا يشرك بك شيئا بكل لسان فيها يدعي ولكل خير فيها يرجى أتتك العصاة من البلد السحيق ودعتك العناة من شعب المضيق رجاء مالا خلف له من وعدك ولاانقطاع له من جزيل عطائك أبدت لك وجوهها المصونة صابرة على وهج السمائم وبرد الليالى ترجو بذلك رضوانك يا غفار يامستزادا من نعمه ومستعاذا من نقمه ارحم صوت حزين دعاك بزفير وشهيق
ثم بسط كلتا يديه إلى السماء وقال اللهم إن كنت بسطت يدى إليك داعيا

فطالما كفيتنى ساهيا بنعمتك التي تظاهرت على عند الغفلة فلا أبأس بها عند التوبة لاتقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف آثامك وإن كنت لا أصل إليك إلا بك فهب لي يا رب الصلاح في الولد والأمن في البلد والعافية في الجسد وعافني من شر الحسد ومن شر الدهر النكد
101 -

دعاء أعرابي
ودعا أعرابي فقال يا عماد من لا عماد له وياركن من لاركن له ويا مجير الضعفي ويا منقذ الهلكى ويا عظيم الرجاء أنت الذى سبح لك سواد الليل وبياض النهار وضوء القمر وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوي الماء يا محسن يا مجمل يا مفضل لا أسألك الخير بخيرهم عندك ولكنى أسألك برحمتك فاجعل العافية لي شعارا ودثارا وجنة دون كل بلاء
102 - دعاء أعرابي
وقال الأصمعي سمعت أعرابيا في فلاة من الأرض وهو يقول في دعائه
اللهم إن استغفارى إياك مع كثرة ذنوبي للؤم وإن تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة رحمتك لعجز إلهى كم تحببت إلى بنعمتك وأنت غنى عنى وكم أتبغض إليك بذنوبي وأنا فقير إليك سبحان من إذا توعد عفا وإذا وعد وفى

103 -

دعاه أعرابي
قال وسمعت أعرابيا يقول في دعائه اللهم إن ذنوبي إليك لا تضرك وإن رحمتك إياي لا تنقصك فاغفر لي مالا يضرك وهب لي مالا ينقصك
104 -
دعاء أعرابي
وقال سمعت أعرابيا وهو يقول في دعائه اللهم إنى أسألك عمل الخائفين وخوف العاملين حتى أتنعم بترك النعيم طمعا فيما وعدت وخوفا مما أوعدت اللهم أعذني من سطواتك وأجرني من نقماتك سبقت لي ذنوب وأنت تغفر لمن يحوب إليك بك أتوسل ومنك إليك أفر
105 -
دعاء أعرابي
وقال سمعت أعرابيا يقول اللهم إن قوما امنوا بك بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا ما أملوا وقد امنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك فأدرك منا ما أملناه
106 - دعاء أعرابي
قال ورأيت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة رافعا يديه إلى السماء وهو يقول رب أتراك معذبنا وتوحيدك في قلوبنا وما إخالك تفعل ولئن فعلت لتجمعنا مع قوم طالما أبغضناهم لك

7 -

دعاء اعرابي
وقال سمعت أعرابيا يقول في صلاته الحمد لله حمدا لا يبلى جديده ولا يحصى عديده ولا يبلغ حدوده اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره واجعل القبر خير بيت نعمره واجعل ما بعده خيرا لنا منه اللهم إن عينى قد اغرورقتا دموعا من خشيتك فاغفر الزلة وعد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك
108 -
دعاء أعرابي
وقال رأيت أعرابيا أخذ بحلقتي باب الكعبة وهو يقول
سائلك عند بابك ذهبت أيامه وبقيت اثامه وانقطعت شهوته وبقيت تباعته فارض عنه وإن لم ترض عنه فاعف عنه غير راض
109 -
دعاء أعرابى
قال ودعا أعرابي عند الكعبة فقال اللهم إنه لا شرف إلا بفعال ولا فعال إلا بمال فأعطني ما أستعين به على شرف الدنيا والاخرة
110 -
دعاء أعرابي
عن طاوس قال بينا أنا بمكة إذ دفعت إلى الحجاج بن يوسف فثنى لي وسادا فجلست فبينا نحن نتحدث إذ سمعت صوت أعرابي في الوادي رافعا صوته بالتلبية

فقال الحجاج على بالملبى فأتى به فقال من الرجل قال من أفناء الناس قال ليس عن هذا سألتك قال نعم سألتنى قال من أي البلدان أنت قال من أهل اليمن قال له الحجاج فكيف خلفت محمد بن يوسف يعني أخاه وكان عامله على اليمن قال خلفته عظيما جسيما خراجا ولا جا قال ليس عن هذا سألتك قال نعم سألتني قال كيف خلفت سيرته في الناس قال خلفته ظلوما غشوما عاصيا للخالق مطيعا للمخلوق فازور من ذلك الحجاج وقال ما أقدمك لهذا وقد تعلم مكانته منى فقال له الأعرابي أفتراه بمكانة منك أعز مني بمكانتي من الله تبارك وتعالى وأنا وافد بيته وقاضي دينه ومصدق نبيه فوجم لها الحجاج ولم يحر له جوابا حتى خرج الرجل بلا إذن
قال طاوس فتبعته حتى أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة فقال بك أعوذ وإليك ألوذ فاجعل لي في اللهف إلي جوارك والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين وغني عما في أيدى المستأثرين اللهم عد بفرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة
قال طاوس ثم اختفى في الناس فألفيته بعرفات قائما علىقدميه وهو يقول اللهم إن كنت لم تقبل حجي ونصبي وتعبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حوضك وانصرف محروما من وجه رغبتك

111 -

دعاء أعرابي
وقال الأصمعي رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة وهو يقول إلهي عجت إليك الأصوات بضروب من اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البكاء إذا نسيني أهل الدنيا اللهم هب لى حقك وأرض عنى خلقك اللهم لا تعيني في طلب مالم تقدره لي وما قدرته لي فيسره لي
112 - دعاء أعرابي
قال ودعت أعرابية لابن لها وجهته إلى حاجة فقالت كان الله صاحبك في أمرك وخليفتك في أهلك وولي نجح طلبتك امض مصاحبا مكلوءا لا أشمت الله بك عدوا ولا أرى محبيك فيك سوءا
113 - دعاء أعرابي
وقال الأصمعي خرجت أعرابية إلى منى فقطع بها الطريق فقالت
يا رب أعطيت وأخذت وأنعمت وسلبت وكل ذلك منك عدل وفضل والذى عظم على الخلائق أمرك لابسطت لسانى بمسألة أحد غيرك ولا بذلت رغبتى إلا إليك ياقرة أعين السائلين أغننى بجود منك أتبحبح في فراديس

نعمته وأتقلب في رواق نضرته أحملني من الرجلة وأغنني من العيلة واسدل على سترك الذى لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح إنك سميع الدعاء
114 -

أدعية شتي
ومات ابن لأعرابى فقال اللهم إني وهبت له ما قصر فيه بري فهب لي ما قصر فيه من طاعتك فإنك أجود وأكرم
ووقف أعرابي في بعض المواسم فقال اللهم إن لك على حقوقا فتصدق بها على وللناس تبعات قبلى فتحملها عنى وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك الليلة فاجعل قراى فيها الجنة
وقال سفيان بن عيينة سمعت أعرابيا يقول عشية عرفة
اللهم لا تحرمني خير ما عندك لشر ما عندي وإن لم تتقبل تعي ونصي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته
وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول لرجل أطعمك الله الذي أطعمتني له فقد أحييتني بقتل جوعي ودفعت عني سوء ظني فحفظك الله على كل جنب وفرج عنك كل كرب وغفر لك كل ذنب

عن الأصمعي قال رأيت أعرابيا يصلي وهو يقول أسألك الغفيرة والناقة الغزيرة والشرف في العشيرة فإنها عليك يسيره
عن عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيا يدعو لرجل فقال جنبك الله الأمرين وكفاك شر الأجوفين وأذاقك البردين
ودعا أعرابي فقال اللهم إنى أسألك البقاء والنماء وطيب الإتاء وحط الأعداء ورفع الأولياء
وقال أعرابي اللهم لا تنزلني ماء سوء فأكون امرأ سوء وقال أعرابي اللهم قني عثرات الكرام
ووهب رجل لأعرابى شيئا فقال جعل الله للمعروف إليك سبيلا وللخير عليك دليلا وجعل عندك رفدا جزيلا وأبقاك بقاء طويلا وأبلاك بلاء جميلا
وقال الأصمعى سمعت أعرابيا يدعو وهو يقول اللهم ارزقني مالا أكبت به الأعداء وبنين أصول بهم على الأقوياء

ودعت أعرابية على رجل فقالت أمكن الله منك عدوا حسودا وفجع بك صديقا ودودا وسلط عليك هما يضنيك وجارا يؤذيك
ودعا أعرابي فقال أعوذ بك من الفواقر والبواقر ومن جار السوء في دار المقامة والظعن ومما ينكس رأس المرء ويغرى به لئام الناس
وقال أعرابي أعوذ بك من سقم وعداوة ذى رحم ودعواه ومن فاجر وجدواه وعمل لا ترضاه
ودعت أعرابية لرجل فقالت كبت الله كل عدو لك إلا نفسك
ودعا أعرابي فقال اللهم هب لى حقك وأرض عنى خلقك
وقال أعرابي اللهم إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا
وقال أعرابي منحكم الله منحة ليست بجداء ولا نكداء ولا ذات داء
وقال أعرابي اللهم إنك حبست عنا قطر السماء فذاب الشحم وذهب اللحم ورق العظم فارحم أنين الانة وحنين الحانة اللهم ارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها

وحج أعرابي فقال اللهم إن كان رزقي فى السماء فأنزله وإن كان في الأرض فأخرجه وإن كان نائيا فقربه وإن كان قريبا فيسره
ومات ولد لرجل من الأعراب فصلي عليه فقال اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجدين سهل الخدين فاغفر له وإلا فلا
وقالت أعرابية لرجل رماك الله بليلة لا أخت لها أي لا تعيش بعدها
ودعا أعرابي فقال اللهم إنى أعوذ بك أن افتقر في غناك أو أضل في هداك أو أذل في عزك أو أضام في سلطانك أو اضطهد والأمر إليك
وقال الأصمعي سمعت أعرابية تقول اللهم ارزقني عمل الخائفين وخوف العاملين حتى أنعم بترك التنعم رجاء لما وعدت وخوفا مما أوعدت
وقال اخر اللهم من أراد بنا سوءا فأحطه به كإحاطة القلائد بأعناق الولائد وأرسخه على هامته كرسوخ السجيل على هام أصحاب الفيل

115 -

نوادر وملح لبعض الأعراب
غزا أعرابي مع النبي فقيل له ما رأيت مع رسول الله في غزاتك هذه قال وضع عنا نصف الصلاة وأرجو في الغزاة الأخرى أن يضع النصف الباقي
ودخل أعرابي المسجد والنبي جالس فقام يصلي فلما فرغ قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال النبي عليه الصلاة و السلام لقد تحجرت واسعا يا أعرابي
وخرج الحجاج متصيدا بالمدينة فوقف على أعرابي يرعى إبلا له فقال له يا أعرابي كيف رأيت سيرة أميركم الحجاج قال له الأعرابي غشوم ظلوم لا حياة الله فقال فلم لا شكوتموه إلى أمير المؤمنين عبد الملك قال فأظلم وأغشم فبينا هو كذلك إذا أحاطت به الخيل فأومأ الحجاج إلى الأعرابي فأخذ وحمل فلما صار معه قال من هذا قالوا له الحجاج فحرك دابته حتى صار بالقرب منه ثم ناداه يا حجاج قال ما تشاء يا أعرابى قال السر الذى بينى وبينك أحب أن يكون مكتوما فضحك الحجاج وأمر بتخلية سبيله
وخرج أبو العباس السفاح متنزها بالأنبار فأمعن في نزهته وانتبذ من أصحابه فوافى خباء لأعرابى فقال له الأعرابى ممن الرجل قال من كنانة قال من أي كنانة قال من أبغض كنانة إلى كنانة قال فأنت إذن من قريش قال

نعم قال فمن أي قريش قال من أبغض قريش إلى قريش قال فأنت إذن من ولد عبد المطلب قال نعم قال فمن أي ولد عبد المطلب قال من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المطلب قال فأنت إذن أمير المؤمنين السلام عليك يا أمير المؤمنين ووثب إليه فاستحسن ما رأي منه وأمر له بجائزة
وولي يوسف بن عمر الثقفي صاحب العراق أعرابيا على عمل له فأصاب عليه خيانة فعزله فلما قدم عليه قال له يا عدو الله أكلت مال الله قال الأعرابي فمال من آكل إذا لم آكل مال الله لقد راودت إبليس أن يعطينى فلسا واحدا فما فعل فضحك منه وخلى سبيله
وأخذ الحجاج أعرابيا لصا بالمدينة فأمر بضربه فلما قرعه بسوط قال يا رب شكرا حتى ضربه سبعمائة سوط فلقيه أشعب فقال له تدرى له ضربك الحجاج سبعمائة سوط قال لماذا قال لكثرة شكرك إن الله تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم قال وهذا في القرآن قال نعم فقال الأعرابى
( يا رب لا شكرا فلا تزدنى ... أسأت في شكرى فاعف عنى )
( باعد ثواب الشاكرين منى ... )
ونزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة وقد دجنت عندها فذبحتها وجاءت بها إليه فقالت يا أبا جعفر هذه دجاجة لي كنت أدجنها وأعلفها من قوتي وألمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتي زلت عن كبدي فنذرت الله أن

أدفنها في أكرم بقعة تكون فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك فأردت أن أدفنها فيه فضحك عبد الله بن جعفر وأمر لها بخسمائة درهم
وسمع أعرابي وهو يقول في الطواف اللهم اغفر لأمي فقيل له مالك لا تذكر أباك قال أبي رجل يحتال لنفسه وأما أمي فبائسة ضعيفة
وقال أبو زيد رأيت أعرابيا كآن أنفه كوز من عظمه فرآنا نضحك منه فقال ما يضحككم فوالله لقد كنت في قوم ما كنت فيهم إلا أفطس
وجىء بأعرابي إلى السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته وهو يقول هاؤم اقرءوا كتابيه فقيل له يقال هذا يوم القيامه قال هذا والله شر من يوم القيامة إن يوم القيامة يؤتي بحسناتي وسيئاتي وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي
واشترى أعرابي غلاما فقيل للبائع هل فيه من عيب قال لا إلا أنه يبول في الفراش قال هذا ليس بعيب إن وجد فراشا فليبل فيه
ومر أعرابي بقوم وهو ينشد ابنا له فقالوا له صفة قال كأنه دنينير قالوا لم نره ثم لم يلبث القوم أن أقبل الأعرابي وعلى عنقه جعل فقالوا هذا الذي قلت فيه دنينير قال القرنبي في عين أمها حسناء

وقيل لأعرابى ما يمنعك أن تغزو قال والله إني لأ بغض الموت على فراشي فكيف أن أمضي إليه ركضا
وخرج أعرابي إلى الحج مع أصحاب له فلما كان ببعض الطريق راجعا يريد أهله لقيه ابن عم له فسأله عن أهله ومنزله فقال اعلم أنك لما خرجت وكانت لك ثلاثة أيام وقع في بيتك الحريق فرفع الأعرابى يديه إلى السماء وقال ما أحسن هذا يا رب تأمرنا بعمارة بيتك أنت وتخرب بيوتنا
وخرجت أعرابية إلى الحج فلما كانت في بعض الطريق عطبت راحلتها فرفعت يديها إلى السماء وقالت يا رب أخرجتنى من بيتى إلى بيتك فلا بيتى ولا بيتك
وعرضت السجون بعد هلاك الحجاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يجب على واحد منهم قتل ولا صلب وفيهم أعرابي أخذ يبول في أصل مدينة واسط فكان فيمن أطلق فأنشأ يقول
( إذا ما خرجنا من مدينة واسط ... خرينا وبلنا لا نخاف عقابا )
ونظر أعرابى إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال والله لئن آثرتموه لتمسكن منه بذنابى عيش أغبر
ونظر أعرابى إلى رجل سمين فقال أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك

وقال أعرابي اللهم إنى أسألك ميتة كميتة أبى خارجة أكل بذجا وشرب مشعلا ونام في الشمس فمات دفان شبعان ريان
وقيل لأبي المخش الأعرابي أيسرك أنك خليفة وأن أمتك حرة قال لا والله ما يسرني قيل له ولم قال لأنها كانت تذهب الأمة وتضيع الأمة
وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك فجعل يمر إلى ما بين يديه فقال له الحاجب مما يليك فكل يا أعرابي فقال من أجدب انتجع فشق ذلك على سليمان وقال للحاجب إذا خرج عنا فلا يعد إلينا
وشهد بعد هذا سفرته أعرابى اخر فمر إلى ما بين يديه أيضا فقال له الحاجب مما يليك فكل يا عرابى قال من أخصب تخير فأعجب ذلك سليمان فقربه وأكرمه وقضى حوائجه
وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك فلما أتى بالفالوذج جعل يسرع فيه فقال سليمان أتدري ما تأكل يا أعرابي فقال بلى يا أمير المؤمنين إنى لأجد ريقا هنيئا ومزدردا لينا وأظنه الصراط المستقيم الذى ذكره الله في كتابه فضحك سليمان وقال أزيدك منه يا أعرابى فإنهم يذكرون أنه يزيد في الدماغ قال كذبوك يا أمير المؤمنين لو كان كذلك لكان رأسك مثل رأس البغل
وحضر سفرة سليمان أعرابى فنظر إلى شعرة في لقمة الأعرابي فقال أري

شعرة في لقمتك يا أعرابي قال وإنك لتراعينى مراعاة من يبصر الشعرة في لقمتى والله لا واكلتك أبدا فقال استرها يا أعرابى فإنها زلة ولا أعود لمثلها
وقال الأصمعى قلت لأعرابى أتهمز إسرائيل قال إنى إذن لرجل سوء قلت له أفتجر فلسطين قال إنى إذا لقوى
وسمع أعرابى إماما يقرأ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا قرأها بفتح التاء فقال ولا إن امنوا أيضا لم ننكحهم فقيل له إنه يلحن وليس هكذا يقرأ فقال أخروه قبحه الله لا تجعلوه إماما فإنه يحل ما حرم الله
وخطب أعرابى فلما أعجله بعض الأمر عن التصدير بالتحميد والاستفتاح بالتمجيد قال أما بعد بغير ملال لذكر الله ولا إيثار غيره عليه فإنا نقول كذا ونسأل كذا فرارا من أن تكون خطبته بتراء وشوهاء
ودفعوا إلىأعرابية علكا لتمضغه فلم تفعل فقيل لها في ذلك فقالت ما فيه إلا تعب الأضراس وخيبة الحنجرة

وقيل لأعرابي عند من تحب أن يكون طعامك قال عند أم صبي راضع أو ابن سبيل شاسع أو كبير جائع أو ذي رحم قاطع
وقال أعرابي
( لولا ثلاث هن عيش الدهر ... الماء والنوم وأم عمرو )
( لما خشيت من مضيق القبر )
وسمع أعرابى رجلا يقرأ سورة براءة فقال ينبغى أن يكون هذا اخر القران قيل له ولم قال رأيت عهدوا تنبذ
وسمع أعرابي رجلا يقرأ وحملناه على ذات ألواح ودسر تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر قالها بفتح الكاف فقال الأعرابي لا يكون فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء فقال الأعرابي يكون

الباب الرابع في خطب النكاح
1 -
خطبة قريش في الجاهلية
روى الجاحظ قال
كانت خطبة قريش في الجاهلية يعني خطبة النساء
باسمك اللهم لك ذكرت فلانة وفلان بها مشغوف باسمك اللهم لك ما سألت ولنا ما أعطيت
2 -
خطبة النبى في زواج السيدة فاطمة
الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المرهوب من عذابه المرغوب فيما عنده النافذ أمره في سمائه وأرضه الذى خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقاوأمرا مفترضا ووشج به الأرحام وألزمه الأنام قال تبارك اسمه وتعالى ذكره

( وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ) فأمر الله يجرى إلى قضائه ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
ثم إن ربى أمرني أن أزوج فاطمة من على بن أبى طالب وقد زوجتها إياه علي أربعمائة مثقال فضة إن رضى بذلك على
3 -

خطبة الإمام على كرم الله وجهه
وخطب الإمام على كرم الله وجهه حين تزوج بالسيدة فاطمة رضي الله عنها فقال
الحمد لله الذي قرب من حامديه ودنا من سائليه ووعد بالجنة من يتقيه وقطع بالنار عدد من يعصيه أحمده بجميع محامده وأياديه وأشكره شكر من يعلم أنه خالقه وباريه ومصوره ومنشيه ومميته ومحييه ومقربه ومنجيه ومثيبه ومجازيه وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه وأن محمدا عبده ورسوله صلاة تزلفه وتدنيه وتعزه وتعليه وتشرفه وتجتبيه
أما بعد فإن اجتماعنا مما قدره الله تعالى ورضيه والنكاح ما أمر الله به وأذن فيه وهذا محمد قد زوجني فاطمة ابنته على صداق أربعمائة درهم وثمانين درهما ورضيت به فاسألوه وكفى بالله شهيدا
4 -
خطبة عتبة بن أبي سفيان
خطب عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان إلي عتبه بن أبي سفيان ابنته فأقعده على فخذه وكان حدثا فقال
أقرب قريب خطب أحب حبيب لا أستطيع له ردا ولا أجد من إسعافه بدا قد زوجتكها وأنت أعز علي منها وهي ألصق بقلبي منك فأكرمها يعذب

على لساني ذكرك ولاتهنها فيصغر عندى قدرك وقد قربتك مع قربك فلا تبعد قلبى من قلبك
5 -

خطبة شبيب بن شيبة
وقال العتبي زوج شبيب بن شيبة ابنه بنت سوار القاضي فقلنا اليوم يعب عبابه فلما اجتمعوا تكلم فقال
الحمد لله وصلى الله على رسول الله أما بعد فإن المعرفة منا ومنكم بنا وبكم تمنعنا من الإكثار وإن فلانا ذكر فلانة
6 -
خطبة الحسن البصري
وكان الحسن البصري يقول في خطبة النكاح بعد الحمد والثناء عليه
أما بعد فإن الله جمع بهذا النكاح الأرحام المنقطعة والأنساب المتفرقة وجعل ذلك في سنة مندينه ومنهاج واضح من أمره وقد خطب إليكم فلان وعليه من الله نعمة وهو يبذل من الصداق كذا فاستخيروا الله وردوا خيرا يرحمكم الله
7 -
خطبة ابن الفقير
وقال العتبى حضرت ابن الفقير خطب على نفسه امرأة من باهلة فقال
( وما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقا تذم وتمدح ) وإن فلانة ذكرت لي

8 -

خطبة عمر بن عبد العزيز
وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز
قد زوجك أمير المؤمنين ابنته فاطمة قال جزاك الله يا أمير المؤمنين خيرا فقد أجزلت العطية وكفيت المسألة
9 -
خطبة أخرى له وحدث محمد بن عبيد الله القرشي عن أبي المقدام قال
كانت قريش تستحسن من الخاطب الإطالة ومن المخطوب إليه التقصير فشهدت محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان خطب إلى عمر بن عبد العزيز أخته أم عمر بنت عبد العزيز فتكلم محمد بن عبد الوليد بكلام جاز الحفظ فقال عمر
الحمد لله ذي الكبرياء وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء أما بعد فإن الرغبة منك دعتك إلينا والرغبة فيك أجابتك منا وقد أحسن بك ظنا من أودعك كريمته واختارك ولم يختر عليك وقد زوجتكها على كتاب الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
10 -
خطبة بلال
وخطب بلال إلى قوم من خثعم لنفسه ولأخيه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أنا بلال وهذا أخي كنا ضالين فهدانا الله عبدين فأعتقنا الله فقيرين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فالمستعان الله

11 -

خطبة خالد بن صفوان
وزوج خالد بن صفوان مولاه من أمته فقال له العبد لو دعوت الناس وخطبت قال ادعهم أنت فدعاهم العبد فلما اجتمعوا تكلم خالد بن صفوان فقال
أما بعد فإن الله أعظم وأجل من أن يذكر في نكاح هذين الكلبين وأنا أشهدكم أني زوجت هذه الزانية من هذا ابن الزانية
12 -
خطبة أعرابي
وخطب الفضل الرقاشي إلى قوم من بني تميم فخطب لنفسه فلما فرغ قام أعرابي منهم فقال
توسلت بحرمة وأوليت بحق واستندت إلي خير ودعوت إلى سنة ففرضك مقبول وما سألت مبذول وحاجتك مقضية إن شاء الله تعالى
قال الفضل لو كان الأعرابي حمد الله في أول كلامه وصلى على النبي لفصحنى يومئذ
13 -
خطبة المأمون
وقال يحيى بن أكثم أراد المأمون أن يزوج ابنته من علي بن موسى الرضا فقال يا يحيى تكلم فأجللته أن أقول أنكحت فقلت يا أمير المؤمنين أنت الحاكم الأكبر والإمام الأعظم وأنت أولى بالكلام فقال
الحمد لله الذى تصاغرت الأمور بمشيئته ولا إله إلا هو إقرارا بربوبيته وصلى الله على محمد عند ذكره أما بعد فإن الله قد جعل النكاح دينا ورضيه حكما وأنزله وحيا ليكون سبب المناسبة ألا وإني قد زوجت ابنة المأمون من علي بن موسى

وأمهرتها أربعمائة درهم اقتداء بسنة رسول الله وانتهاء إلى ما درج إليه السلف والحمد لله رب العالمين
وخطب رجل إلى قوم فأتى بمن يخطب له فاستفتح بحمد الله وأطال وصلى على النبي عليه الصلاة و السلام وأطال ثم ذكر البدء وخلق السموات والأرض واقتص ذكر القرون حتى ضجر من حضر والتفت إلى الخاطب فقال ما اسمك أعزك الله فقال والله قد أنسيت اسمى من طول خطبتك وهى طالق إن تزوجتها بهذه الخطبة فضحك القوم وعقدوا في مجلس اخر

الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم
ونوادر طريفة لبعض الخطباء
روى الجاحظ قال صعد عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه المنبر فأرتج عليه فقال
إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب
وروى ابن عبد ربه قال أول خطبة خطبها عثمانبن عفان أرتج عليه فقال
أيها الناس إن أول كل مركب صعب وإن أعش تأتكم الخطب على وجههاوسيجعل الله بعد عسر يسرا إن شاء الله
ولما قدم يزيد بن أبى سفيان الشأم واليا عليها لأبى بكر خطب الناس فأرتج عليه فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه فقال
يأهل الشأم عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا ومن بعد عى بيانا

الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم
ونوادر طريفة لبعض الخطباء
روي الجاحظ قال صعد عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه المنبر فأرتج عليه فقال
إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب
وروي ابن عبد ربه قال أول خطبة خطبها عثمان بن عفان أرتج عليه فقال
أيها الناس إن أول كل مركب صعب وإن أعش تأتكم الخطب على وجههاوسيجعل الله بعد عسر يسرا إن شاء الله
ولما قدم يزيد بن أبي سفيان الشأم واليا عليها لأبي بكر خطب الناس فأرتج عليه فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه فقال
يأهل الشأم عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا ومن بعد عي بيانا

وأنتم إلى إمام فاعل أحوج منكم إلى إمام قائل ثم نزل فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه
وكان يزيد بن المهلب ولي ثابت قطنة بعض قرى خراسان فلما صعد المنبر يوم الجمعة قال الحمد لله ثم أرتج عليه فنزل وهو يقول
( فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني ... بسيفي إذا وجد الوغي لخطيب ) فقيل له لوقلتها فوق المنبر لكنت أخطب الناس وخطب معاوية بن أبي سفيان لما ولى فحصر فقال
أيها الناس إنى كنت أعددت مقالا أقومبه فيكم فحجبت عنه فإن الله يحول بين المرء وقلبه كماقال في كتابه وأنتم إلى لإمام عدل أحوج منكم إلى إمام خطيب وإنى امركم بما أمر الله به ورسوله وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ورسوله وأستغفر الله لى ولكم
وصعد خالد بن عبد الله القسري يوما المنبر بالبصرة ليخطب فأرتج عليه فقال

أيها الناس أما بعد فإن هذا الكلام يجئ أحيانا ويعزب أحيانا فيسيح عند مجيئه سيبه ويعز عند عزوبه طلبه ولربما كوبر فأبى وعولج فنأى فالتأتي لمجيه خير من التعاطي لأبيه وتركه عند تنكره أفضل من طلبه عند تعذره وقد يختلج من الجرىء جنانه وينقطع من الذرب لسانه فلا يبطره ذلك ولا يكسره وسأعود فأقول إن شاء الله ثم نزل فما رئى حصر أبلغ منه
وصعد أبو العنبس منبرا من منابر الطائف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فأرتج عليه فقال أتدرون ما أريد أن أقول لكم قالوا لا قال فما ينفعني ما أريد أن أقول لكم ثم نزل فلما كان في الجمعة الثانية وصعد المنبر وقال أما بعد أرتج عليه فقال أتدرون ما أريد أن أقول لكم قالوا نعم قال فما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما علمتم ثم نزل فلما كانت الجمعة الثالثة قال أما بعد فأرتج عليه قال أتدرون ما أريد أن أقول لكم قالوا بعضنا يدري وبعضنا لا يدري قال فليخبر الذى يدري منكم الذى لا يدري ثم نزل
وولي اليمامة رجل من بني هاشم يعرف بالدندان فلما صعد المنبر أرتج عليه فقال

حيا الله هذه الوجوه وجعلنى فداءها إنى قد أمرت طائفى بالليل أن لا يرى أحدا إلا أتاني به وإن كنت أنا هو ثم نزل
وخطب عبد الله بن عامر بالبصرة في يوم أضحى فأرتج عليه فمكث ساعة ثم قال
والله لا أجمع عليكم عيا ولؤما من أخذ شاة من السوق فهى له وثمنها على
قال الجاحظ ولما حصر عبد الله بن عامر على منبر البصرة شق ذلك عليه فقال له زياد أيها الأمير إنك إن أقمت عامة من ترى أصابه أكثر مما أصابك
وكان سعيد بن بحدل الكلبى على قنسرين فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع لابن الزبير فلما قعد زفر على المنبر قال الحمد لله الذى أقعدنى مقعد الغادر الفاجر وحصر فضحك الناس من قوله
وصعد عدي بن أرطاة المنبر فلما رأى جماعة الناس حصر فقال الحمد لله الذى يطعم هؤلاء ويسقيهم
وصعد روح بن حاتم المنبر فلما راهم شفنوا أبصارهم وفتحوا أسماعهم نحوه

حصر فقال نكسوا رءوسكم وغضوا أبصاركم فإن المنبر مركب صعب وإذا يسر الله فتح قفل تيسر
وكان عبد ربه اليشكري عاملا لعيسى بن موسى على المدائن فصعد المنبر فحمد الله وأرتج عليه فسكت ثم قال والله إنى لأكون في بيتى فتجىء على لساني ألف كلمة فإذا قمت على أعوادكم هذه جاء الشيطان فمحاها من صدري ولقد كنت وما في الأيام يوم أحب إلى من يوم الجمعة فصرت وما في الأيام يوم أبغض إلى من يوم الجمعة وما ذلك إلا لخطبتكم هذه
وأرتج على معن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال فتى حروب لا فتى منابر وحدث عيسى بن عمر قال
خطب أمير مرة فانقطع فخجل فبعث إلى قوم من القبائل عابوا ذلك ولفهم وفيهم يربوعى جلد فقال اخطبوا فقام واحد فمر في الخطبة حتى إذا بلغ أما بعد قال أما بعد أما بعد ولم يدر مايقول ثم قال فإن امرأتي طالق ثلاثا لم أرد أن أجمع اليوم فمنعتني وخطب آخر فلما بلغ أما بعد بقى ونظر فإذا إنسان ينظر إليه فقال لعنك الله ترى ما أنا فيه وتلمحنى ببصرك أيضا وقال أحدهم رأيت القراقر من السفن تجري بيني وبين الناس وصعد اليربوعي فخطب فقال أما بعد فوالله ما أدرى ما أقول ولا فيم أقمتموني أقول ماذا

فقال بعضهم قل في الزيت فقال الزيت مبارك فكلوا منه وادهنوا
قال فهو قول الشطار اليوم إذا قيل لم فعلت ذا فقل في شأن الزيت وفي حال الزيت
وروى الجاحظ أنه قيل لرجل من الوجوه قم فاصعد المنبر وتكلم فلما صعد حصر وقال الحمد لله الذى يرزق هؤلاء وبقى ساكتا فأنزلوه وصعد اخر فلما استوي قائما وقابل بوجهه وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل فقال اللهم العن هذه الصلعة
وقيل لوازع اليشكرى قم فاصعد المنبر وتكلم فلما رأي جمع الناس قال لولا أن امرأتي لعنها الله حملتنى على إتيان الجمعة اليوم ما جمعت وأنا أشهدكم أنها مني طالق ثلاثا
ودعى أيوب بن القرية لكلام فاحتبس القول عليه فقال قد طال السمر وسقط القمر واشتد المطر فماذا ينتظر فأجابه فتى من عبد القيس فقال قد طال الأرق وسقط الشفق وكثر اللثق فلينطق من نطق

وجاء في أمالى السيد المرتضى
روى أن بعض خلفاء بني العباس وأظنه الرشيد صعد المنبر ليخطب فسقطت على وجهه ذبابة فطردها فرجعت فحصر وأرتج عليه فقال أعوذ بالله السميع العليم يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ثم نزل فاستحسن ذلك منه
وروى أن رجلا صعد المنبر أيام يزيد بن معاوية وكان واليا علىقوم فقال لهم أيها الناس إنى إن لم أكن فارسا طبا بهذا القرآن فإن معي من أشعار العرب ما أرجو أن يكون خلفا منه وما أساء القائل أخو البراجم حيث قال
( وما عاجلات الطير يدنين للفتى ... رشادا ولا من ريثهن يخيب )
( ورب أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهن وجيب )
( ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب )
( وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة ... ويخطى الفتى في حدسه ويصيب ) فقال رجل من كلب إن هذا المنبر لم ينصب للشعر بل ليحمد الله تعالى

ويصلى على النبى واله عليهم الصلاة والسلام وللقرآن فقال أما لو أنشدتكم شعر رجل من كلب لسركم فكتب إلى يزيد بذلك فعزله وقال قد كنت أراك جاهلا أحمق ولم أحسب أن الحمق يبلغ بك إلى هذا المبلغ فقال له أحمق مني من ولاني
وخطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد فقال هذا كما قال الله تعالى في كتابه
( كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول )
وخطب يوما فقال هذا كما قال الله تبارك وتعالى إنما يتفاضل الناس بأعمالهم وكل ما هو ات قريب قالوا له إن هذا ليس من كتاب الله ما ظننت إلا أنه من كتاب الله
وخطب وكيع بن أبى سود بخراسان فقال إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر فقيل له إنها ستة أيام فقال وأبيك لقد قلتها وإنى لأستقلها
وصعد المنبر فقال إن ربيعة لم تزل غضابا على الله مذ بعث نبيه من مضر

ألا وإن ربيعة قوم كشف فإذا رأيتموهم فاطعنوا الخيل في مناخرها فإن فرسا لم يطعن في منخره إلا كان أشد على فارسه من عدوه
وضربت بنو مازن الحتات بن يزيد المجاشعى فجاءت جماعة منهم فيهم غالب أبو الفرزدق فقال يا قوم كونوا كما قال الله لا يعجز القوم إذا تعاونوا
وخطب عدى بن زياد الإيادى فقال أقول لكم كما قال العبد الصالح لقومه ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد قالوا له ليس هذا من قول عبد صالح إنما هو من قول فرعون قال من قاله فقد أحسن
وروى الطبرى أن عبد الله بن الزبير كان ولى أخاه عبيدة على المدينة ثم نزعه عنها وكان سبب عزله إياه أنه خطب الناس فقال لهم قد رأيتم ما صنع بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوم الناقة وبلغ ذلك ابن الزبير فقال إن هذا لهو التكلف
وروى الجاحظ وابن عبد ربه هذا الخبر فقالا خطب والي اليمامة فقال إن الله لا يقار عباده على المعاصى وقد أهلك الله أمة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم فسمي مقوم ناقة الله

وخطب فبيصة وهو خليفة أبيه على خراسان وأتاه كتابه فقال هذا كتاب الأمير وهو والله أهل لأن أطيعه وهو أبي وأكبر مني
ودعي مصعب بن حيان ليخطب في نكاح فحصر فقال لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فقالت أم الجارية عجل الله موتك ألهذا دعوناك
وخطب أمير المؤمنين الموالى وهكذا لقبه خطبة نكاح فحصر فقال اللهم إنا نحمدك ونستعينك ولا نشرك بك
وخطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فسقط القضيب من يده فتفاءل له عدوه بالشر واغتم صديقه فعرف ذلك قتيبة فأخذه وقال ليس الأمر على ماظن العدو وخاف الصديق ولكنه كما قال الشاعر
( فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر )
وتكلم صعصعة عند معاوية فعرق فقال معاوية بهرك القول فقال صعصعة إن الجياد نضاحة بالماء
وشخص يزيد بن عمر بن هبيرة إلى هشام بن عبد الملك فتكلم فقال هشام ما مات من خلف مثل هذا فقال الأبرش الكلبي ليس هناك أما تراه يرشح جبينه لضيق صدره قال يزيد ما لذلك رشح ولكن لجلوسك في هذا الموضع

وقال عبيد الله بن زياد نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد والتشرف للخطب
وقيل لعبد الملك بن مروان عجل عليك المشيب يا أمير المؤمنين فقال كيف لا يعجل على وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين أو قال شيبنى صعود المنابر والخوف من اللحن

بدء الخطب وختامها
قال ابن قتيبة في عيون الأخبار
تتبعت خطب رسول الله فوجدت أوائل أكثرها الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ووجدت في بعضها أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته ووجدت كل خطبة مفتاحها الحمد إلا خطبة العيد فإن مفتاحها التكبير
وروى ابن عبد ربه في العقد قال
وكان آخر كلام أبي بكر الذى إذا تكلم به عرف أنه قد فرغ من خطبته اللهم اجعل خير زماني آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامى يوم ألقاك
وكان اخر كلام عمر الذى إذا تكلم به عرف أنه فرغ من خطبته اللهم لا تدعني في غمرة ولا تأخذني على غرة ولا تجعلنى من الغافلين
وكان عبد الملك بن مروان يقول في اخر خطبته اللهم إن ذنوبى قد عظمت وجلت أن تحصي وهى صغيرة في جنب عفوك فاعف عني تم بحمد الله

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6