كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي

الأصول في النحو

بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن السري النحوي : النحو إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من إستقراء كلام العرب حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة فبإستقراء كلام العرب فاعلم : أن الفاعل رفع والمفعول به نصب وأن فعل مما عينه : ياء أو واو تقلب عينُه من قولهم : قام وباع
واعتلالات النحويين على ضربين : ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب كقولنا : كل فاعل مرفوع وضرب آخر يسمى علة العلة مثل أن يقولوا : لِمَ صار الفاعل مرفوعاً والمفعول به منصوباً ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحاً قلبتا ألفاً وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها وتبين بها فضل هذه اللغة على غيرها من اللغات وقد وفر الله تعالى من الحكمة بحفظها وجعل فضلها غير مدفوع

وغرضي في هذا الكتاب ذكر العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط وذكر الأصول والشائع لأنه كتاب إيجاز
الكلام :
يأتلف من ثلاثة أشياء : ( إسم ) ( وفعل ) ( وحرف )

شرح الإسم
الإسم : ما دل على معنى مفرد وذلك المعنى يكون شخصاً وغير شخص فالشخص نحو : رجل وفرس وحجر وبلد وعمر وبكر
وأما ما كان غير شخص فنحو : الضرب والأكل والظن والعلم واليوم والليلة والساعة
وإنما قلت : ( ما دل ) على معنى مفرد لا فرق بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل
فإن قلت : إن في الأسماء مثل اليوم والليلة والساعة وهذه أزمنة فما الفرق بينها وبين الفعل قلنا : الفرق أن الفعل ليس هو زماناً فقط كما أن اليوم زمان فقط فاليوم معنى مفرد للزمان ولم يوضع مع ذلك لمعنى

آخر ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم وإذا دلت على معنى وزمان محصل فهي فعل وأعني بالمحصل الماضي والحاضر والمستقبل
ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم
فالإسم تخصه أشياء يعتبر بها منها أن يقال : أن الإسم ما جاز أن يخبر عنه نحو قولك : عمرو منطلق وقام بكر
والفعل : ما كان خبراً ولا يجوز أن يُخبر عنه نحو قولك : أخوك يقوم
وقام أخوك فيكون حديثاً عن الأخ ولا يجوز أن تقول : ذهب يقوم ولا يقوم يجلس
الحروف : ما لا يجوز أن يخبر عنها ولا يجوز أن تكون خبراً نحو : من وإلى
والإسم قد يعرف أيضاً بأشياء كثيرة منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو : الرجل والحمار والضرب والحمد فهذا لا يكون في الفعل ولا تقول : اليقوم ولا اليذهب
ويعرف أيضاً بدخول حرف الخفض عليه نحو مررت بزيد وبأخيك وبالرجل ولا يجوز أن تقول : مررت بيقوم ولا ذهبت إلى قام
ويعرف أيضاً بإمتناع قد وسوف من الدخول عليه ألا ترى أنك لا تقول : قد الرجل ولا سوف الغلام إلا أن هذا ليس خاصاً بالإسم فقط

ولكن قد يمتنع سوف وقد من الدخول على الحروف ومن الدخول على فعل الأمر والنهي إذا كان بغير لام نحو : اضرب واقتل لا يجوز أن تقول : قد اضرب الرجل ولا سوف اقتل الأسد
والإسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت
وكذلك الحرف لا ينعت تقول : مررت برجل عاقل ولا تقول : يضرب عاقل فيكون ( العاقل ) صفة ليضرب
والإسم يضمر ويُكنى عنه تقول : زيد ضربته والرجل لقيته والفعل لا يكنى عنه فتضمره لا تقول : ( يقوم ضربته ) ولا ( أقوم تركته ) إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم وإنما يعرف بها الأكثر ألا ترى أن المضمرات والمكنيات أسماء ومن الأسماء ما لا يكنى عنه وهذا يبين في موضعه إن شاء الله
ومما يقرب على المتعلم أن يقال له : كل ما صلح أن يكون معه ( يضر وينفع ) فهو اسم وكل ما لا يصلح معه ( يضر وينفع ) فليس باسم تقول : ( الرجل ينفعني والضرب يضرني ) ولا تقول ( يضرب ينفعني ) ولا ( يقوم يضرني )

شرح الفعل
الفعل : ما دل على معنى وزمان وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل
وقلنا : ( وزمان ) لنفرق بينه وبين الإسم الذي يدل على معنى فقط
فالماضي كقولك : ( صلى زيد ) يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان والحاضر نحو قولك : ( يصلي ) يدل على الصلاة وعلى الوقت

الحاضر
والمستقبل نحو ( سيصلي ) يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل
والإسم إنما هو لمعنى مجرد من هذا الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر نحو : الأكل والضرب والظن والعلم والشكر
والأفعال التي يسميها النحويون ( المضارعة ) : هي التي في أوائلها الزوائد الأربع : الألف والتاء والياء والنون تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل ويأكل ونأكل فجميع هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل في قولك : رجل فعل كذا وكذا أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه لأنه أولى به إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء ومعنى ضارع : شابه ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع يعم شيئين : المستقبل والحاضر كما يعم قولك : ( رجل ) زيداً وعمراً فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه فخصصت به واحداً ممن له هذا الإسم فحينئذ يعلم

المخاطب من تريد لأنك لا تقول : ( الرجل ) إلا وقد علم من تريد منهم أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض فلا يكون في غيرها كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها
وجميع الأفعال مشتقة من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد ألا ترى أن حمدت مأخوذ من الحمد و ( ضربت ) مأخوذ من الضرب وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر لأن الأفعال كأنها صدرت عنها
وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الإسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف
وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله

شرح الحرف
الحرف : ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الإسم ألا ترى أنك لا نقول : إلى منطلق كما تقول : ( الرجل منطلق ) ولا عن ذاهب كما تقول : ( زيد ذاهب ) ولا يجوز أن يكون خبراً لا تقول : ( عمرو إلى ) و ( لا بكر عن ) فقد بان أن الحرف من الكلم الثلاثة هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبراً . والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام لو قلت

( أمن ) تريد ألف الإستفهام ( ومن ) التي يجر بها لم يكن كلاماً وكذلك لو قلت : ثم قد تريد ( ثم ) التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلاماً ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت : أيقوم ولم تجد ذكر أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان لم يكن كلاماً ولا يأتلف أيضاً منه مع الإسم كلام لو قلت : ( أزيد ) كان كلاماً غير تام فأما ( يا زيد ) وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء وما يقوله النحويون : من أن ثم فعلاً يراد تراه في باب النداء إن شاء الله
والذي يأتلف منه الكلام الثلاثة الإسم والفعل والحرف فالإسم قد يأتلف مع الإسم نحو قولك : ( الله إلهنا ) ويأتلف الإسم والفعل نحو : قام عمرو ولا يأتلف الفعل مع الفعل والحرف لا يأتلف مع الحرف فقد بان فروق ما بينهما

باب مواقع الحروف
واعلم : أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع إما أن يدخل على الإسم وحده مثل الرجل أو الفعل وحده مثل سوف أو ليربط اسماً بإسم : جاءني زيد وعمرو أو فعلاً بفعل أو مفعل باسم أو على كلام تام أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائداً
أما دخوله على الإسم وحده فنحو لام التعريف إذا قلت : الرجل
والغلام فاللام أحدث معنى التعريف وقد كان رجل وغلام نكرتين
أما دخوله على الفعل فنحو سوف والسين إذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا
وأما ربطه الإسم بالإسم فنحو قولك : جاء زيد وعمرو فالواو ربطت عمراً بزيد
وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك : قام وقعد وأكل وشرب
وأما ربطه الإسم بالفعل فنحو : مررت بزيد ومضيت إلى عمرو

وأما دخولُه على الكلام التام والجمل فنحو قولك : أعمرو أخوك وما قام زيد ألا ترى أن الألف دخلت على قولك ( عمرو أخوك ) وكان خبراً فصيرته استخباراً وما دخلت على : قام زيد وهو كلام تام موجب فصار بدخولها نفياً
وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك : إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام يقوم زيد يقعد عمرو فيقوم زيد ليس متصلا بيقعد عمرو ولا منه في شيء فلما دخلت ( إن ) جعلت إحدى الجملتين شرطاً والأخرى جواباً
وأما دخوله زائداً فنحو قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله ) والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله
(

ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها
)
اعلم : أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الإسم والفعل دون الحرف لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير فالتغيير الواقع فيهما على ضربين : أحدهما تغيير الإسم والفعل في ذاتهما وبنائهما فيلحقهما من التصاريف ما يُزيل الإسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله
وأما ما يلحق الإسم من ذلك فنحو التصغير وجمع التكسير تقول في تصغير حجر : حجير فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته وأزالته من وزن فعل إلى وزن ( فعيل ) وتجمعه فتقول : أحجار فتزيد

في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفاً ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال وأما ما يلحق الفعل فنحو : قام ويقوم وتقوم واستقام وجميع أنواع التصريف لإختلاف المعاني
والضرب الثاني من التغيير : هو الذي يسمى الإعراب وهو ما يلحق الإسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما نحو قولك : هذا حكم وأحمر ورأيت حكما وأحمر ومررت بحكم وأحمر وهذان حكمان ورأيت حكمين وهؤلاء حكمون ورأيت حكمين ومررت بحكمين وهو يضرب ولن يضرب ولم يضرب وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا وهم يضربون ولن يضربوا ولم يضربوا ألا ترى أن ( حكماً ويضرب ) لم يَزُلْ مِن حركاتهما وحروفهما شيء فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعانٍ تحدث ( إعراباً ) وبدأوا بذكره في كتبهم لأن حاجة الناس إليه أكثر وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف ( مبنياً )

باب الإِعراب والمعرب والبناء والمبني
الإِعراب الذي يلحق الإسم المفرد السالم المتمكن وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون بحركات ثلاث : ضم وفتح وكسر فإِذا كانت الضمة إعراباً تدخل في أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها سميت رفعاً ن فإذا كان الفتحة كذلك سميت نصباً وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضاً وجراً هذا إذا كنَّ بهذه الصفة نحو قولك : هذا زيد يا رجل ورأيت زيداً يا هذا ومررت بزيد فاعلم ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها
فإن كانت الحركات ملازمة سمي الإسم مبنياً فإن كان مفهوماً نحو : ( منذُ ) قيلَ : مضموم ولم يُقل : مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب وإن كان مفتوحاً نحو : ( أين ) قيل : مفتوح ولم يقل : منصوب وإن كان مكسوراً نحو : ( أمس ) و ( حذام ) قيل : مكسور ولم يقل : مجرور

وإذا كان الإسم متصرفاً سالماً غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك : هذا مسلم ورأيت مسلماً ومررت بمسلم وإنما قلت ( سالم ) لأن في الأسماء معتلاً لا تدخله الحركة نحو : قفا ورحى تقول في الرفع : هذا قفا وفي النصب : رأيت قفاً يا هذا ونظرت إلى قفاً وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفاً
وقلت : منصرف لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه نحو : هذا أحمر ورأيت أحمر ومررت بأحمر والتنوين نون صحيحة ساكنة وإنما خصها النحويون بهذا اللقب وسموها تنويناً ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع
فإذا ثنيت الإسم المرفوع لحقه ألف ونون فقلت : المسلمان والصالحان وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر ونون الإثنين مكسورة أبداً تقول : رأيت المسلمين والصالحين ومررت بالمسلمين والصالحين فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية
وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية لأن الجمع جمعان جمع يقال له جمع السلامة وجمع يقال له : جمع التكسير فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واواً ونوناً أو ياءً ونوناً نحو مسلمين ومسلمون ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم فلم تغير شيئاً من نضده وألحقته واواً ونوناً أو ياءً ونوناً كما فعلت في التثنية

وجمع التكسير هو الذي يغير فيه بناء الواحد مثل جمل وأجمال ودرهم ودراهم
فإذا جمعت الإسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع نحو قولك : هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض نحو : رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين ونون هذا الجمع مفتوحة أبداً والواو مضموم ما قبلها والياء مكسورة ما قبلها
وهذا الجمع مخصوص به من يعقل ولا يجوز أن تقول في جمل جملون ولا في جبل جبلون ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل
والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وفي الجمع مختلف فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفاً وتاءً وحذفت الهاء إن كانت في الإسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نوناً ساكنة فقلت في جمع مسلمة ( هؤلاء مسلمات )
والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر والتنوين نظير النون وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعاً تقول : رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون
وأما الإِعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعاً والفتحة نصباً والإِسكان جزماً وقد كنت بينت لك أن

المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد التاء والنون والياء والألف فالألف للمتكلم مذكراً كان أو مؤنثاً نحو : أنا أفعل لأن الخطاب يبينه والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو : أنت تفعل وأنت تفعلين وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت : هي تفعل وإن كان الفعل للمتكلم ولأخر معه أو جماعة قلت : نحن نفعل والمذكر والمؤنث في ذا أيضاً سواء لأنه يبين أيضاً بالخطاب والياء للمذكر الغائب فجميعُ ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد فإنما كان ذلك لأنه غير ملبس فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك : زيد يقوم وأنا أقوم وأنت تقوم وهي تقوم والمنصوب : لن يقوم ولن يقعدوا والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف لأن الألف لا يمكن تحركها تقول فيما كان معتلاً من ذوات الواو في الرفع : هو يغزو ويغدو يا هذا فتسكن الواو وتقول في النصب : لن يغزو فتحرك الواو وتسقط في الجزم فتقول : لم يغز ولم يغد وكذلك ما لامه ياء نحو : يقضي ويرمي تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول : هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب فتقول : لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم وأما ما لامه ألف فنحو : يخشى ويخفى تقول في الرفع : هو يخشى ويخفى وفي النصب : لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخشَ ولم يخف فإذا صار الفعل المضارع لإثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفاً ونوناً وكسرت النون فقلت : يقومان فالألف ضمير الإثنين الفاعلين والنون علامة الرفع واعلم : أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل فإذا قلت : يقومان فالألف ضمير الفاعلين اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو

جزمت حذفتها فقلت : لن يقوما ولن يعقدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم وتبع النصب الجزم لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم إذ كان الخفض يخص الأسماء فإن كان الفعل المضارع لجمع مذكرين زدت في الرفع واواً مضموماً ما قبلها ونوناً مفتوحة كقولك : أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك فالواو ضمير لجمع الفاعلين والنون علامة الرفع
فإذا دخل عليها جازم أو ناصب حذفت فقيل : لم يفعلوا كما فعلت في التثنية فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياءً مكسوراً ما قبلها ونوناً مفتوحة نحو قولك : أنتِ تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك : لم تضربي ولن تضربي
فإن صار الفعل لجمع مؤنث زدته نوناً وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو : هن يضربن ويقعدن فالنون عندهم ضمير الجماعة وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم ها هنا خاصة فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته قلت : فعلاً وفعلوا ولم تأت بنون لأنه غير معرب والنون في ( فعلن ) إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام فيها كما أسكنتها في ( فعلت ) حتى

لا تجتمع أربع حركات وليس ذا في أصول كلامهم والفعل عندهم مبني مع التاء في ( فعلت ) ومع النون في ( فعلن ) كأنه منه لأن الفعل لا يخلو من الفاعل وأما لام ( يفعلن ) فإنما أسكنت تشبيهاً بلام ( فعلن ) وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر وإن لم تكن فيه تلك العلة وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله
واعلم : أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة وأن الإِعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبينة إن شاء الله
وأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا ذلك فهو مبني
فالأسماء تنقسم قسمين : أحدهما معرب والآخر مبني فالمعرب يقال له : متمكن وهو ينقسم أيضاً على ضربين : فقسم : لا يشبه الفعل وقسم : يشبه الفعل فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون وقسم يضارع الفعل غير متصرف لا يدخله الجر ولا التنوين وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله

والمبني من الأسماء ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون نحو : كم ومن وإذ وذلك حق البناء وأصله وضرب مبني على الحركة فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين : ضرب حركته لإلتقاء الساكنين نحو أين وكيف وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو ( يا حكم ) في النداء وجئتك من علُ وجميع هذا يبين في أبوابه إن شاء الله
فأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون والسكون أصل كل مبني وذلك نحو : اضرب واقتل ودحرج وانطلق وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو : الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه
وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو : ليقم زيد وليفتح بكر ولتفرح يا رجل وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب
فحكمه حكمه نحو قولك : أكرم بزيد و ( أسمع بهم وأبصر ) وزيد ما أكرمه وما أسمعهم وما أبصرهم
والضرب الثاني مبني على الفتح وهو كل فعل ماض كثرت حروفه أو قلت نحو : ضرب واستخرج وانطلق وما أشبه ذلك

ذكر العوامل
من الكلم الثلاثة الإسم والفعل والحرف وما لا يعمل منها

تفسير الأول وهو الإسم :
الإسم : يعمل في الإسم على ثلاثة أضرب :
الضرب الأول :
أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف فإجتماعهما الكلام ويتم ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك : ( عبد الله أخوك ) . . فعبد الله مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثاً عنه : ( وأخوك ) مرتفع بأنه الحديث المبني على الإسم الأول المبتدأ
الضرب الثاني :
أن يعمل الإسم بمعنى الفعل والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل وصار الفعل سبباً له وشاركه في المعنى وإن افترقا في الزمان كما أعربوا الفعل لما ضارع الإسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل أعمل كما أعمل إذا كان الفعل مشتقاً منه إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول لأنه غيرهما تقول : عجبت من ضرب زيد عمراً فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في إسم الفاعل لا يجوز أن تقول : عجبت من ضارب زيد وزيد فاعل لأنك تضيف الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز
فأما ما شبه باسم الفاعل نحو : حسن وشديد فتجوز إضافته إلى

الفاعل وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك : الحسن الوجه والشديد اليد والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام وهي لا تجتمع مع الإضافة على الحسن الوجه وما أشبهه لأن إضافته غير حقيقية ومعنى : حسن الوجه حسن وجهه وقد أفردت باباً للأسماء التي تعمل عمل الفعل اذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله
الضرب الثالث :
أن يعمل الإسم لمعنى الحرف وذلك في الإِضافة والإِضافة تكون على ضربين : تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى ( من )
فأما الإِضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك : غلام زيد ودار عمرو ألا ترى أن المعنى : غلام لزيد ودار لعمرو إلا أن الفرق بين ما أضيف بلام وما أضيف بغير لام أن الذي يضاف بغير لام يكتسي مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة ألا ترى أنك إذا قلت غلام زيد فقد عرف الغلام بإضافة إلى زيد وكذلك إذ قلت : دار الخليفة عرفت الدار بإضافتها إلى الخليفة
ولو قلت : دار للخليفة لم يعلم أي دار هي وكذلك لو قلت : غلام لزيد لم يدر أي غلام هو وأنت لا تقول : غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته
أما الإِضافة التي بمعنى ( من ) فهو أن تضيف الإسم إلى جنسه نحو قولك : ثوب خز وباب حديد تريد ثوباً من خز وباباً من حديد فأضفت كل واحد منهما إلى

جنسه الذي هو منه وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير ( من ) وبين إضافته ( بمن ) وإنما حذفوا ( من ) هنا استخفافاً فلما حذفوها التقى الإسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبراً عن الأول ولا صفة له ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذاً نون الأول نحو قولك : ثوبٌ خزاً
واعلم : أن الإسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف
تفسير الثاني وهو الفعل :
اعلم : أن كل فعل لا يخلو من أن يكون عاملاً وأول عمله أن يرفع الفاعل أو المفعول الذي هو حديث عنه نحو : قام زيد وضرب عمرو وكل اسم تذكره ليزيد في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالإسم المرفوع الذي يكون ذلك الفعل حديثاً عنه فهو منصوب ونصبه لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه وهذه العلل التي ذكرناها ها هنا هي العلل الأول وها هنا علل ثوان أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله
تفسير الثالث وهو العامل من الحروف :
الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول منها يدخل على الأسماء فقط دون الأفعال فما كان كذلك فهو عامل في الإسم

والحروف العوامل في الأسماء نوعان :
نوع منها يخفض الأسماء ويدخل ليصل اسماً بإسم أو فعلاً بإسم
أما وصله أسماً بإسم فنحو قولك : خاتم من فضة وأما وصله فعلاً بإسم فنحو قولك : مررت بزيد
والنوع الثاني : يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما مررت الإسم ويرفع الخبر نحو ( إن وأخواتها ) كقولك : زيد قائم وجميع هذه الحروف لا تعمل في الفعل ولا تدخل عليه لا تقول : مررت بيضرب وإلى ذهبت إلا قام ولا أن يقعد قائم
والقسم الثاني من الحروف :
ما يدخل على الأفعال فقط ولا يدخل على الأسماء وهي التي تعمل في الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو : ( أن ) في قولك : أريد أن تذهب فتنصب و ( لم ) في قولك : لم يذهب فتجزم ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : لم زيد ولا : أريد أن عمرو
والقسم الثالث من الحروف :
ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال ولا الأفعال دون الأسماء وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في اسم ولا فعل نحو ألف الإستفهام تقول : أيقوم زيد فيدخل حرف الإستفهام على الفعل ثم تقول : أزيد أخوك فيدخل الحرف على الإسم وكذلك ( ما ) إذا نفيت بها في لغة من لم يشبهها بليس فإنه يدخلها

على الإسم والفعل ولا يعملها كقولك : وما زيد قائم ما قام زيد ومن شبهها ( بليس ) فاعملها لم يجز أن يدخلها على الفعل إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل ونحن نذكر جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله
فإن قال قائل : ما بال لام المعرفة لم تعمل في الإسم وهي لا تدخل إلا على الإسم ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل قيل : هذه اللام قد صارت من نفس الإسم ألا ترى قولك : رجل يدلك على غير ما كان يدل عليه الرجل وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو قولك : عبد الملك ولو أفردت عبداً من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك وكذلك الجواب في السين وسوف إن سأل سائل فقال : لِمَ لَمْ يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها فقصتهما قصة الألف واللام في الإسم وذلك أنها إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعاً يحضره وفصلته تفصيلاً يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على متعلميه حفظه
واعلم : أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم : أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه فلا يطرد في نظائره وهذا يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم فمتى وجدت حرفاً مخالفاً لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم : أنه شاذ فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن

يكون قد حاول به مذهباً ونحا نحواً من الوجوه أو استهواه أمر غلطه والشاذ على ثلاثة أضرب : منه ما شذ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو : استحوذ فإن بابه وقياسه أن يُعل فيقال : استحاذ مثل استقام واستعاذ وجميع ما كان على هذا المثال ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك ومنه ما شذ عن الإستعمال ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع فإن قياسه وبابه أن يقال : ودع يدع إذ لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض ولكنهم لم يستعملوا ودع استغنى عنه ( بترك ) فصار قول القائل الذي قال : ودعه شاذاً وهذه أشياء تحفظ ومنه ما شذ عن القياس والإستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى من إدخال الألف واللام على اليّجدعُ وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها فنبدأ بالمرفوعات ثم نردفها المنصوبات ثم المخفوضات فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى يتوكل وبه نستعين

ذكر الأسماء المرتفعة
:
الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف : الأول : مبتدأ له خبر
والثاني : خبر لمبتدأ بنيته عليه
والثالث : فاعل بني على فعل ذلك الفعل حديثاً عنه
والرابع : مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل
والخامس : مشبه بالفاعل في اللفظ
شرح الأول : وهو المبتدأ :
المبتدأ : ما جردته من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولاً لثانٍ مبتدأ به دون الفعل يكون ثانيه خبره ولا يستغني واحد منهما عن صاحبه وهما مرفوعان أبداً فالمبتدأ رفع بالإبتداء والخبر رفع بهما نحو قولك : الله ربنا ومحمد نبينا والمبتدأ لا يكون كلاماً تاماً إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو : كان وأخواتها وما أشبه ذلك من العوامل تقول : عمرو أخونا وإن زيداً أخونا وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله
والمبتدأ يبتدأ فيه بالإسم المحدث عنه قبل الحديث وكذلك حكم كل مخبر والفرق بينه وبين الفاعل : أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله ألا ترى أنك إذا قلت : زيد منطلق فإنما بدأت ( بزيد ) وهو الذي حدثت عنه بالإنطلاق والحديث عنه بعده وإذا قلت : ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه ثم ذكرت زيداً المحدث عنه بالإنطلاق بعد أن ذكرت الحديث
فالفاعل مضارع للمبتدا من أجل أنهما جميعاً محدث عنهما وإنهما جملتان

لا يستغني بعضهما عن بعض وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة فأما المعرفة فنحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وأما ما قارب المعرفة من النكرات فنحو قولك : رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني . وصاحب لزيد جاءني
وإنما امتنع الإبتداء بالنكرة المفردة المحضة لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به ألا ترى أنك لو قلت : رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائماً أو عالماً فإذا قلت : رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة فإن الإبتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها كقولك : ما أحد في الدار وما في البيت رجل ونحو ذلك في لغة بني تميم خاصة : وما أحد حاضر وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم
وقد يجوز أن تقول : رجل قائم إذا سألك سائل فقال : أرجل قائم أم امرأة
فتجيبه فتقول : رجل قائم وجملة هذا أنه إنما ينظر إلى ما فيه فائدة فمتى كانت فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدُك تنبيه السامع بذكر الإسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده والإسم لا فائدة له لمعرفته به وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلاً خاصة فتقول : منطلق زيد وأنت تريد : زيد

منطلق فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع ( ينطلق ) فترفع زيداً بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت : ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو ( منطلق ) وما أشبهه على شيء قبله وإنما يجري فجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك : مررت برجل قائم أبوه ارتفع ( أبوه ) ( بقائم ) أو يكون مبنياً على مبتدأ نحو قولك : زيد قائم أبوه وحسن عندهم : أقائم أبوك وأخارج أخوك تشبيهاً بهذا إذا اعتمد ( قائم ) على شيئ قبله فأما إذا قلت قائم زيد فأردت أن ترفع زيدا بقائم وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح وهو جائز عندي على قبحه وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله نحو : ضارب وقاتل لا تقول : ضارب بكراً عمرو فتنصب بكراً ( بضارب ) وترفع عمراً به لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولاً على غيره فتقول : هذا ضارب بكراً جعلوا بين الإسم والفعل فرقاً فإذا قلت : قائم أبوك ( فقائم ) مرتفع بالإبتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله
فأما قولك : كيف أنت وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء ( فأنت وزيد ) مرتفعان بالإبتداء ( وكيف وأين ) خبران فالمعنى في : كيف أنت على أي حال أنت وفي : ( أين زيد ) في أي مكان ولكن الإستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة الشيء المستفهم عنه ألا ترى أنك إذا سئلت : كيف أنت فقلت : صالح إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر وكذلك إذا قال : أين زيد فقلت : في داري فإنما أخبرت بما اقتضته أين ولكن جميع هذا وإن كان خبراً فلا

يكون إلا مبدوءاً به وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء فلا تزيل المبتدأ عن حاله كلام الإبتداء وحروف الإستفهام ( وأما وما ) إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك فتقول : أعمرو ( قائم ) ولبكر أخوك وما زيد قائم وأما بكر منطلق فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها ألا ترى أن قولك : عمرو منطلق كان خبراً موجباً فلما أدخلت عليه ( ما ) صار نفياً وإنما نفيت ( بما ) ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبراً قد قيل أو ظن كأن قائلاً قال : عمرو قائم فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم وقع في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت مما وقع في نفسك بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول : أعمرو قائم أم لا لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون عندك موجبة أو منفية واقعاً ولام الإبتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه فإذا قلت : لعمرو منطلق أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الإختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك : قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول : قام زيد قام عمرو وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم فيقال : والله لزيد خير منك لأنك

لا تقسم إلا مع تحقيق الخبر ( وأما ) فإنما تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت بعض من ذكر وحققت الخبر عنه ألا ترى أن القائل يقول : زيد وعمرو في الدار فتقول : أما زيد ففي الدار وأما عمرو ففي السوق وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئاً بشيء وتعق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله ( ولأما ) موضع تذكر فيه وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما
شرح الثاني وهو خبر المبتدأ :
الإسم الذي هو خبر المتبدا هو الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلاماً وبالخبر يقع التصديق والتكذيب
ألا ترى أنك إذا قلت : عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله لأن الفائدة هي في جلوس عبد الله وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه ( جالساً ) فإذا كان خبر المبتدأ اسماً مفرداً فهو رفع نحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين : إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو : زيد أخوك وعبد الله منطلق فالخبر هو الأول في المعنى إلا أنه لو قيل لك من أخوك هذا الذي ذكرته لقلت : زيد أو قيل لك : من المنطلق لقلت : عبد الله أو يكن غير الأول ويظهر فيه ضميره نحو قولك : عمرو ضربته وزيد رأيت أباه فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال
وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين فضرب يظهر فيه الإسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك : زيد أخوك

وزيد قائم وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له وذلك الظرف على ضربين : إما أن يكون من ظروف المكان وإما أن يكون من ظروف الزمان
أما الظروف في المكان فنحو قولك : زيد خلفك وعمرو في الدار
والمحذوف معنى الإستقرار والحلول وما أشبههما كأنك قلت : زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الإستعمال
وأما الظرف من الزمان فنحو قولك : القتال يوم الجمعة والشخوص يوم الخميس كأنك قلت : القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف فإن لم ترد هذا المعنى
فالكلام محال لأن زيداً الذي هو المبتدأ ليس من قولك : ( خلفك ) ولا في الدار شيء لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر
واعلم : أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الخميس ولا عمرو في شهر كذا لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث وإنما يجوز ذلك في الأحداث نحو الضرب والحمد وما أشبه ذلك وعلة ذلك أنك لو قلت : زيد اليوم لم تكن فيه فائدة لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك من اليوم إذ كان الزمان لا يتضمن واحداً دون الآخر والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبراً عن الجثث وغيرها كذلك
والظرف من الأماكن تكون إخباراً عن المعاني التي ليست بجثث يعني المصادر نحو قولك : البيع في النهار والضرب عندك فإن قال قائل فأنت قد تقول : الليلة الهلال والهلال جثة فمن أين جاز هذا فالجواب في ذلك : أنك إنما أردت : الليلة حدوث الهلال لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه ألا ترى أنك لا تقول : الشمس اليوم ولا القمر الليلة لأنه غير متوقع وكذلك إن قلت : اليوم زيد وأنت تريد هذا

المعنى جاز وتقول : أكل يوم لك عهد لأن فيه معنى الملك ويوم الجمعة عليك ثوب إنما جاز ذلك لإستقرار الثوب عليك فيه وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ : وهو الذي يكون غير الأول ويظهر يفه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلاً فيه ضمير المبتدأ نحو : زيد يقوم والزيدان يقومان فهذا الضمير وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع وذلك ضرورة خوف اللبس ومضمره كظاهره وأنت إذا قلت : زيد قائم فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه فإن قال قائل : فإنك قد تقول : الزيدان قائمان والزيدون قائمون قيل له : ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين إنما الألف تثنية الإسم والواو جمع الإسم وأنت إذا قلت : الزيدون قائمون فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول القائمان الزيدان ولا القائمون الزيدون أو يكون جملة فيها ضميره والجمل المفيدة على ضربين : إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل فنحو قولك : زيد ضربته وعمرو لقيت أخاه وبكر قام أبوه وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك : زيد أبوه منطلق وكل جملة تاتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ ألا ترى أن إعراب ( أبوه منطلق ) بعد قولك : بكر كإعرابه لو لم يكن بكر قبله فأبوه مرتفع بالإبتداء ( ومنطلق ) خبره فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثانٍ ومنطلق خبر الأب والأب ( منطلق ) خبر بكر

وموضع قولك : ( أبوه منطلق ) رفع ومعنى قولنا : الموضح أي لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعاً وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ بعد مبتدأ وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون ولا أعرف له في كلام العرب نظيراً فمن ذلك قولهم : زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله فزيد مبتدأ أول وهند مبتدأ ثان والعمران مبتدأ ثالث وهند وما بعدها خبر لها والعمران وما بعدهما خبر لهما وجميع ذلك خبر عن زيد والراجع الهاء في قولك من أجله والراجع إلى هند ( الهاء ) في قولك : إليها والمنطلقان هما العمران وهما الخبر عنها
وفيهما ضميرهما فكلما سئلت عنه من هذا فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك : ( عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره ) صار جميع هذا خبراً عن ( عبد الله ) من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك : ( في داره ) وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها ( منطلقاً ) وما أشبهه ما كان إلا رفعاً فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء الإسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة
واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة : الأول : أي يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو : عمرو منطلق وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام
الثاني : أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو : زيد أخوك وأنت

تريد أنه أخوه من النسب وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيداً على إنفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له : أنت زيد أخوك أي زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته فتكون الفائدة في اجتماعهما وذلك هو الذي استفاده المخاطب فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين وإن هذا هذا فذا كلام لا فائدة فيه فإن قال قائل : فأنت تقول : الله ربنا ومحمد نبينا وهذا معلوم معروف قيل له : هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين وإنما نقوله رداً على الكفار وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد لطلب الثواب به فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحداً شيئاً وإنما يريد أن يتبرر ويتقرب إلى الله بقول الحق وبذلك أمرنا وتعبدنا وأصل ذلك الإعتراف بمن الله عليه بأن عرفه نفسه وفضله على من لا يعرف ذلك وأصل الكلام موضوع للفائدة وإن اتسعت المذاهب فيه ولكن لو قال قائل : النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلاماً لا فائدة فيه وإن كان الخبر فيهما نكرة
الثالث : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة
فأما الكلام إذا كان منفياً فإن النكرة فيه حسنة لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك : ما أحد في الدار وما فيها رجل

الرابع : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهذا قلب ما وضع عليه الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر نحو قوله :
( كأنَّ سلافةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مزاجَهَا عَسلٌ ومَاءُ )
فجعل إسم ( كان ) عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإِضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنماحسن هذا عند قائله أن عسلاً وماءً نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو : تمرة وجوزة والضمير الذي في ( مزاجها ) راجع إلى نكرة وهو قوله : سلافة فهو مثل قولك : خمرة ممزوجة بماء
وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضاً لعلم المخاطب بما حذف والمحذوف على ثلاث جهات :

الأولى : حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل : الهلال والله أي : هذا الهلال فيحذف هذا وكذلك لو كنت منتظراً رجلاً فقيل : عمرو جاز على ما وصفت لك ومن ذلك : مررت برجل زيد لأنك لما قلت : مررت برجل أردت أن تبين من هو فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى : ( بشر من ذلكم النار )
الجهة الثانية : أن تحذف الخبر لعلم السامع فمن ذلك أن يقول القائل : ما بقي لكم أحد فتقول : زيد أو عمرو أي : زيد لنا ومنه لولا عبد الله لكان كذا وكذا فعبد الله مرتفع بالإبتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا فكأنه قال : لولا عبد الله بذلك المكان ولولا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى فأما قوله : لكان ( كذا وكذا ) فحديث متعلق بحديث ( لولا ) وليس من المبتدا في شيء ومن ذلك : هل من طعام فموضع ( من طعام ) رفع كأنك قلت : هل طعام والمعنى : هل طعام في زمان أو مكان و ( من ) تزاد توكيداً مع حرف النفي وحرف الإستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله
وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضاً كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا : ما أتاني من رجل في موضع : ما أتاني رجل . ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد ) و ( هل تحس منهم من أحد )
وكذلك قولك : هل من طعام وإنما هو : هل طعام فموضع ( من طعام ) رفع بالإبتداء

الجهة الثالثة : أنهم ربما حذفوا شيئاً من الخبر في الجمل وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم : السمن منوان بدرهم يريد : منه وإلا كان كلاماً غير جائز لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول
وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع ولكنه متصل بالكلام نحو قولك : الكر بستين درهماً فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم المخاطب
وتعتبر خبراً لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى
ألا ترى أن القائل إذا قال : عمرو منطلق فقلت : من المنطلق قال : عمرو وكذلك إذا قال : عبد الله أخوك فقلت : من أخوك قال : عبد الله وكذلك لو قال : عبد الله قامت جاريته في دار أخيه فقلت : من الذي قامت جاريته في دار أخيه لقال : عبد الله وخبر المبتدأ يكون جواب ( ما ) واي وكيف وكم وأين ومتى يقول القائل : الدينار ما هو فتقول : حجر فتجيبه بالجنس ويقول الدينار أي الحجارة هو فتقول : ذهب فتجيبه بنوع من ذلك الجنس وهذا إنما يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه
ويقول : الدينار كيف هو فتقول : مدور أصفر حسن منقوش ويقول : الدينار كم قيراطاً هو فتقول : الدينار عشرون قيراطاً فيقول : أين

هو فتقول : في بيت المال والكيس ونحو ذلك ولا يجوز أن تقول : الدينار متى هو وقد بينا أن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة والتأول ولكن تقول : القتال متى هو فتقول : يوم كذا وكذا فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهوداً فإنما يقع في جواب ( من وأي ) نحو قوله : زيد من هو والمعنى : أي الناس هو وأي القوم هو فتقول : أخوك المعروف أو أبو عمرو أي الذي من أمره كذا وتقول : هذا الحمار أي الحمير هو فتقول : الأسود المعروف بكذا وما أشبهه . واعلم : أن خبر المبتدأ إذا كان اسماً من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جارياً عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر الضمير نحو قولك : عمرو قائم وأنت منطلق فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى لأن عمراً هو الذي قام وقائم جار على ( عمرو ) وموضوع إلى جانبه لم يحل بينه وبينه حائل فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكداً فإن أردت التأكيد قلت : زيد قائم هو وإن لم ترد التأكيد فأنت مستغن عن ذلك وإنما احتمل ( ضارب وقائم ) وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء ليس هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جارياً على الإسم الذي قبله وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع : إما أن يكون خبراً لمبتدأ نحو قولك : عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو : مررت برجل قائم أو حالاً نحو : رأيت زيداً قائماً ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل كما يكون في الفعل لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل

ولذلك بنيت لام ( فعل ) مع ضمير الفاعل المخاطب في ( فعلت ) والمخاطب والمخاطبة أيضاً في ( فعلتَ ) وفعلتِ كما بينا فيما مضى
فإن قلت : هند زيد ضاربته لم يكن بد من أن تقول : هي من أجل أن قولك : ( ضاربته ) ليس لزيد في الفعل نصيب وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها والفعل لها فإنما ( ضاربته ) خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى ولم يجز إلا إظهار الضمير فقلت حينئذ هي مرتفعة ( بضاربته ) كما ترتفع هند إذا قلت : زيد ضاربته هند فالمكنى ها هنا بمنزلة الظاهر ولا يجوز أن تتضمن ( ضاربته ) ضمير الفاعل فإن أردت أن تثني قلت : الهندان الزيدان ضاربتهما هما لأن ( ضاربه ) ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر هذا على قول من قال : أقائم أخواك فأما من قال : أكلوني البراغيث فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في ( فعلت هند ) فرقاً بين فعل المذكر والمؤنث فإنه يقول : الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت : هند زيد ضاربته هي ( فهند ) مرتفعة بالإبتداء ( وزيد ) مبتدأ ثان وضاربته خبر زيد ( وهي ) هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة والفعل ( ضاربته ) والهاء ترجع إلى زيد وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها فإن جعلت موضع فاعل يفعل فقلت : زيد هند تضربه أضمرت الفاعل ولم تظهره فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال ألا ترى أنك تقول : زيد أضربه وزيد تضربه . فإن

كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو كما قد ذكرنا فيما قد تقدم وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل تقول : زيد مضروب فتكون خبراً لزيد كما تكون ( ضارب ) ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل فتقول : عمرو الجبة مكسوته إذ كان في ( مكسوته ) ضمير الجبة مستتراً فإن كان فيه ضمير ( عمرو ) لم يجز حتى تقول : عمرو الجبة مكسوها هو فحكم المفعول حكم الفاعل كما أن فُعِلَ ( كفَعَلَ ) في عمله وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبراً كاسمه يجوز فيه التصديق والتكذيب ولا يكون استفهاماً ولا أمراً ولا نهياً وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت ولكن العرب قد اتسعت في كلامها فقالت : زيد كم مرة رأيته فاستجازوا هذا لما كان زيدٌ في المعنى والحقيقة داخلاً في جملة ما استفهم عنه لأن الهاء هي زيدٌ وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب
شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل :
الإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل
ويجعل الفعل حديثاً عنه مقدماً قبله كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن

كقولك : جاء زيدٌ ومات عمروٌ وما أشبه ذلك ومعنى قولي : بنيته على الفعل الذي بني للفاعل أي : ذكرت الفعل قبل الإسم لأنك لو أتيت بالفعل بعد الإسم لأرتفع الإسم بالإبتداء وإنما قلت على الفعل الذي بني للفاعل لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا ( ضرب ) للفاعل مفتوح الفاء و ( ضرب ) للمفعول مضموم الفاء مكسور العين وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله
وإنما قلت : كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن لأن الفعل ينقسم قسمين : فمنه حقيقي ومنه غير حقيقي والحقيقي ينقسم قسمين : أحدهما أن يكون الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول نحو : قمت وقعدت والآخر أن يكون فعلاً وأصلاً إلى اسم بعد اسم الفاعل والفعل الواصل على ضربين : فضربٌ واصل مؤثر نحو : ضربت زيداً وقتلت بكراً والضرب الآخر واصل إلى الإسم فقط غير مؤثر فيه نحو : ذكرت زيداً ومدحت عمراً وهجوت بكراً فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة
ومنها الأفعال الداخلة على الإبتداء والخبر وإنما تنبىء عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول ولكن أخبار الفاعل بما وقع عنده نحو : ظننت زيداً أخاك . وعلمت زيداً خير الناس

القسم الثاني : من القسمة الأولى : وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي فهو على ثلاثة أضرب فالضرب الأول : أفعال مستعارة للإختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات زيدٌ وسقط الحائط ومرض بكر
والضرب الثاني : أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية وإنما تدل على الزمان فقط وذلك قولك : كان عبد الله أخاك وأصبح عبد الله عاقلاً ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل
والضرب الثالث : أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك : لا أرينك ها هنا فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى
وتأويله : لا تكونن ها هنا فإن ( من ) حضرني رأيته ومثله قوله تعالى : ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) لم ينههم عن الموت في وقت لأن ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه : كونوا على الإسلام
فإن الموت لا بد منه فمتى صادفكم صادفكم عليه وهذا تفسير أبي العباس رحمه الله
فالإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو والفعل جملة يستغني عليها

السكوت وتمت بها الفائدة للمخاطب ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم فأما الفعل فلا بد له من فاعل وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الإبتداء والخبر ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد فهو بمنزلة قولك : القائم زيد
فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه ( فَعَلَ ) وسيفعل أو هو في حال الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلاً أو نفيت أن يكون فاعلاً نحو : قام عبد الله ويقوم عبد الله . وسيقوم عبد الله
وفي الإستفهام : أيقوم عبد الله وفي الجزاء إِنْ يذهب زيد أذهب
وفي النفي ما ذهب زيد ولم يقم عمرو فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل فسواء كان الفعل مجزوماً أو منصوباً أو مرفوعاً أو موجباً أو منفياً أو خبراً أو استخباراً هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الإسم الذي بني له فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ويقتصر به على زمان واحد فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال وقد أفردناها وقد أعملوا اسم الفعل وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء : فعل متصرف وفعل غير متصرف وأسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي
فأما الأول : وهو الفعل المتصرف فنحو : قام وضربَ وتصرفه أنك تقول : يقوم وأقوم وتقوم
وضربَ ويضرب وأضرب وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل فتقول : ضارب

والثاني : وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو : ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه يفعل ولا فاعل
ولا يزول عن بناءٍ واحدٍ وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله
الثالث : وهو اسم الفاعل الجاري على فعله نحو قولك : قام يقوم فهو قائم : وضرب يضرب فهو ضارب وشرب يشرب فهو شارب فضارب وشارب وقائم أسماء الفاعلين
وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله
وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب خبر الإبتداء
والرابع : الصفة المشبهة باسم الفاعل نحو قولك : حسن وشديد تقول : الحسن وجه زيد و الشديد ساعدك وما أشبهه
والخامس : المصدر نحو قولك عجبت من ضرب زيدٍ عمرو وتأويله : من أن ضربَ زيداً عمرو
السادس : الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم : تراكها ومناعها يريدون : أترك وأمنع ورويد زيداً وهلم الثريد وصه ومه يريدون : اسكت وعليك زيداً فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظاً ولا يقاس عليها وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله
شرح الرابع من الأسماء المرتفعة :
وهو المفعول الذي لم يسم من فَعَلَ به إذا كان الإسم مبنياً على فعلٍ بني للمفعول ولم يذكر من فعلَ به فهو رفع وذلك قولك : ضرب بكر وأخرج خالد واستخرجت الدراهم فبني الفعل للمفعول على ( فعل ) نحو :

( ضُرِبَ ) وأفعلَ نحو : ( أكرِمَ ) وتفعل نحو : تضرب ونفعل نحو : نضرب فخولف بينه وبين بناءِ الفعل الذي بني للفاعل لئلا يلتبس المفعول بالفاعل وارتفاع المفعول بالفعل الذي تحدثت به عنه كإرتفاع الفاعل إذا كان الكلام لا يتم إلا به ولا يستغني دونه ولذلك قلت : إذا كان مبنياً على فعلٍ بني للمفعول أردت به ما أردت في الفاعل من أن الكلام لا يتم إلا به وقلت ولم تذكر من فعل به لأنك لو ذكرت الفاعل ما كان المفعول إلا نصباً وإنما ارتفع لما زال الفاعل وقام مقامه
واعلم : أن الأفعال التي لا تتعدى لا يبنى منها فعل للمفعول لأن ذلك محال نحو : قام وجلس
لا يجوز أن تقول : قيم زيد ولا جلس عمرو إذ كنت إنما تبني الفعل للمفعول فإذا كان الفعل لا يتعدى إلى مفعول فمن أين لك مفعول تبنيه له فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد نحو : ضربت زيداً أزلت الفاعل وقلت : ضرب زيد فصار المفعول يقوم مقام الفاعل وبقي الكلام بغير اسم منصوب لأن الذي كان منصوباً قد ارتفع وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت زيداً درهماً فرددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أُعطي زيد درهماً فقامَ أحد المفعولين مقامَ الفاعلِ وبقيَ منصوب واحد في الكلام وكذلك إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو : أعلم الله زيداً بكراً خير الناس إذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعلم زيد بكراً خير الناس
فقام أحد المفعولين مقام الفاعل
وبقي في الكلام اسمان منصوبان فعلى هذا يجري هذا الباب
وإن كان الفعل لا يتعدى لم يجز ذلك فيه وإن كان يتعدى إلى مفعول واحدٍ بقي الفعل غير متعمدٍ وإن كان يتعدى إلى اثنين بقي الفعل متعدياً إلى واحد وإن كان يتعدى إلى ثلاثة بقي الفعل يتعدى إلى إثنين فعلى هذا فقس متى نقلت ( فعل ) الذي هو

للفاعل مبني إلى ( فُعِلَ ) الذي هو مبني للمفعول فانقص من المفعولات واحداً
وإذا نقلت ( فَعَلَت ) إلى أفعلتَ فإن كان الفعل لا يتعدى في ( فعلت ) فعدهِ إلى واحدٍ إذا نقلته إلى أفعلت تقول قمت فلا يتعدى إلى مفعول فإن قلت أفعلت منه قلت أقمت زيدا وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد فنقلته من ( فعلت ) إلى ( أفعلت ) عديته إلى إثنين نحو قولك : رأيت الهلال هو متعدٍ إلى مفعول واحدٍ فإن قلت : أريت زيداً الهلال فيتعدى إلى إثنين وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين فعلت إلى أفعلت تعدي إلى ثلاثة مفعولين تقول علمت بكراً خير الناس فإن قلت : أعلمتُ قلت : أعلمتُ بكراً زيداً خير الناس فتعدى إلى ثلاثة فهذان النقلان مختلفان إذا نقلت ( فعلتُ ) إلى ( فعلتُ ) نقصت من المعفولات واحداً أبداً وإذا نقلت ( فعلت ) إلى ( أفعلت ) زدت في المفعولات واحداً أبداً فتبين ذلك فإني إنما ذكرت ( فعّلتُ ) وإن لم يكن من هذا الباب لأن الأشياء تتضح بضمها إلى أضدادها واسم المفعول الجاري على فعله يعمل عمل الفعل نحو قولك : مضروب ومعط يعمل عمل أعطى ونعطي تقول : زيد مضروب أبوه فترفع ( وأبوه ) بمضروب كما كنت ترفعه بضاربٍ إذا قلت : زيد ضارب أبوه عمراً وتقول : زيد معط أبوه درهماً ( فترفع الأب ) ( بمعط ) وتقول : دفَع إلى زيد درهم فترفع الدرهم لأنك جررت زيداً فقام الدرهم مقام الفاعل ويجوز أن تقول : سير بزيد فتقيم ( بزيد ) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعاً ولا يمنعه حرف الجر من ذلك كما قال : ما جاءني من أحد فأحد فاعل وإن كان مجروراً ( بمن ) وكذلك قوله تعالى : ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم )

فإن أظهرت زيداً غير مجرور قلت : أعطى زيد درهماً وكسى زيد ثوباً فهذا وجه الكلام ويجوز أن تقول : أعطى زيداً درهم وكسى زيداً ثوب كما كان الدرهم والثوب مفعولين وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز ولكن لو قلت : أعطى زيد عمراً وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول : أعطى عمرو زيداً لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذاً لصاحبه وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذاً وإنما هذا مجاز والأول الوجه
ومن هذا : أدخل القبر زيداً وألبستُ الجبة زيداً ولا يجوز على هذا ضرب زيداً سوطٌ لأن سوطاً في موضع قولك : ضربةً بسوطٍ فهو مصدر
واعلم : أنه يجوز أن تقيم المصادر والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة وذلك نحو قولك : سير بزيد سير شديد وضرب من أجل زيد عشرون سوطاً واختلف به شهران ومضى به فرسخان وقد يجوز نصبهما على الموضع وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل أعني قولك : بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره وذلك المحذوف على ضربين إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدراً استغنى عن ذكره بدلالة الفعل عليه وإما أن يكون مكاناً دلَّ الفعل عليه أيضاً إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقاً من مصدره نحو قولك : سير بزيد فرسخاً أضمرت السير لأن ( سير ) يدل على السير فكأنك قلت : سير السير بزيد فرسخاً ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه كما تقول : من كذب كان شراً له تريد : كان الكذب شراً له
ولم تذكر الكذب لأن ( كذب ) قد دل عليه ونظيره قوله تعالى : ( لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم )
يعني البخل الذي دل عليه ( يبخلون ) وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في

هذه المسألة ما يدل عليه ( سير ) نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة
ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق فكأنك قلت : سير عليه الطريق فرسخاً ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني فقد صارَ في ( سيرَ بزيدٍ ) ثلاثة أوجه : أجودها أن تقيم ( بزيد ) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعاً وإن كان مجروراً في اللفظ وقد أريناك مثل ذلك
والوجه الثاني : الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه
والوجه الثالث : وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه
واعلم : أنك إذا قلت : سير يزيد سيراً فالوجه النصب في ( سير ) لأنك لم تفد بقولك ( سيراً ) شيئاً لم يكن في ( سير ) أكثر من التوكيد فإن وصفته فقلت : شديداً أو هيناً فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في ( سير ) والظروف بهذه المنزلة لو قلت : سير بزيد مكاناً أو يوماً لكان الوجه النصب فإن قلت : يوم كذا أو مكاناً بعيداً أو قريباً أختير الرفع والتقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار في الإسم الذي قام مقام الفاعل ولم يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك وتقول : كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا فإن قلت : نحى قصدك فالإختيار عند قوم من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعاً في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان

الفاعل معه أنه مفعول صحيح فحينئذ يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا لم تذكر الفاعل
فأما الحال والتمييز فلا يجوز أن يجعل واحد منهما في محل الفاعل إذا قلت : سير بزيد قائماً أو تصبب بدن عمرو عرقاً لا يجوز أن تقيم ( قائماً وعرقاً ) مقام الفاعل لأنهما لا يكونان إلا نكرة فالفاعل وما قام مقامه يضمر كما يظهر والمضمر لا يكون إلا معرفة وكذلك المصدر الذي يكون علة لوقوع الشيء نحو : جئتك ابتغاء الخير لا يقوم مقام الفاعل ابتغاء الخير لأن المعنى لإبتغاء الخير ومن أجل ابتغاء الخير فإن أقمته مقام الفاعل زال ذلك المعنى وقد أجاز قوم في ( كان زيد قائماً ) أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون : كين قائم
قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن ( كان ) فعل غير حقيقي وإنما يدخل على المبتدأ والخبر فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد لأن الثاني هو الأول في المعنى
وقد نطق بما لم يسم فاعله في أحرف ولم ينطق فيها بتسمية الفاعل فقالوا : أنيخت الناقة وقد وضع زيد في تجارته ووكس وأغرى به وأولع به وما كان من نحو هذا مما أَخذ عنهم سماعاً وليس بباب يقاس عليه
شرح الخامس :
وهو المشبه بالفاعل في اللفظ : المشبه بالفاعل على ضربين : ضرب منه

ارتفع ( بكان وأخواتها ) وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت ( بكان ) والفعل وأخوات ( كان ) : صار وأصبح وأمسى وظل وأضحى وما دام وما زال وليس وما أشبه ذلك مما يجيىء عبارة عن الزمان فقط وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل وتصاريفه تصاريف الفعل تقول : كان ويكون وسيكون وكائن فشبهوها بالفعل لذلك فأما مفارقتها للفعل الحقيقي فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان نحو قولك : ضرب يدل على ما مضى من الزمان وعلى الضرب الواقع فيه وكان إنما يدل على ما مضى من الزمان فقط ( ويكون ) تدل على ما أنت فيه من الزمان وعلى ما يأتي فهي تدل على زمان فقط فأدخلوها على المبتدأ وخبره فرفعوا بها ما كان مبتدأ تشبيهاً بالفاعل ونصبوا بها الخبر تشبيهاً بالمفعول فقالوا : كان عبد الله أخاك كما قالوا : ضرب عبد الله أخاك إلا أن المفعول في ( كان ) لا بد من أن يكون هو الفاعل لأن أصله المبتدأ وخبره كما كان خبر المبتدأ لا بد من أن يكون هو المبتدأ فإذا قالوا ( كان زيد قائماً ) فإنما معناه : زيد قام فيما مضى من الزمان فإذا قالوا : أصبح عبد الله منطلقاً فإنما المعنى : أتى الصباح وعبد الله منطلق فهذا تشبيه لفظي وكثيراً ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ وإن لم يكن مثله في المعنى وسترى ذلك إن شاء الله فقد بان شبه ( كان وأخواتها ) بالفعل إذ كنت تقول : كان يكون وأصبح يصبح وأضحى ويضحى ودام يدوم وزال يزال فأما ليس فالدليل على أنها فعل وإن كانت لا تتصرف تصرف الفعل قولك : لست كما تقول : ضربت ولستما كضربتما ولسنا كضربنا ولسن كضربن

ولستن كضربتن وليسوا كضربوا ولسيت أمة الله ذاهبة كقولك : ضربت أمة الله زيداً
وإنما امتنعت من التصرف لأنك إذا قلت ( كان ) دللت على ما مضى وإذا قلت ( يكون ) دللت على ما هو فيه وعلى ما لم يقع وإذا قلت : ليس زيد قائماً الآن أو غداً أدت ذلك المعنى الذي في يكون فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع وبات
وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فاسم ( كان ) المعرفة كما كان ذلك في الإبتداء هو المبتدأ لا فرق بينهما في ذلك تقول : كان عمرو منطلقاً وكان بكر رجلاً عاقلاً وقد يكون الإسم معرفة والخبر معرفة كما كان ذلك في الإبتداء أيضاً تقول : كان عبد الله أخاك وكان أخوك عبد الله أيهما شئت جعلته اسم ( كان ) وجعلت الآخر خبراً لها والشعراء قد يضطرون فيجعلون الإسم نكرة والخبر معرفة لعلمهم أن المعنى يؤول إلى شيء واحد فمن ذلك قول حسان :
( كأنَّ سلافةً منْ بيت رأسٍ ... يكون مزاجَها عسَل وماءُ )
وقال القطامي :
( قفي قبل التفرقِ يا ضباعا ... ولا يك موقف منكِ الوداعا )

وقد مضى تفسير هذا وقد تخبر في هذا الباب بالنكرة عن النكرة إذا كان فيه فائدة وذلك قولك : ما كان أحد مثلك وليس أحد خيراً منك وما كان رجل قائماً مقامك وإنما صلح هذا هنا لأن قولك : ( رجل ) في موضع الجماعة إذا جعلوا رجلاً رجلاً يدلك على ذلك قولك : ما كان رجلان أفضل منهما
والمعول في هذا الباب وغيره على الفائدة كما كان في المبتدأ والخبر
فما كانت فيه فائدة فهو جائز فأنت إذا قلت : ليس فيها أحد فقد نفيت الواحد والإثنين وأكثر من ذلك ومثل هذا لا يقع في الإيجاب ونظير أحد عريب وكتيع وطوريء وديار قال الراجز :
( وبلدة ليس بها ديار ... )
ومن هذه الأسماء ما يقع بعد ( كل ) لعمومها تقول : يعلم هذا كل أحد وأما قول الشاعر :

( حتى ظهرت فما تخفى على أحدٍ ... إلا على أحدٍ لا يعرف القمرا )
فقد فسر هذا البيت على ضربين : أحدهما : أن يكون ( أحد ) في معنى واحد كأنه قال : إلا على واحد لا يعرف القمرا فأحد هذه هي التي تقع في قولك : أحد وعشرون وتكون على قولك ( أحد ) التي تقع في النفي فتجريه في هذا الموضع على الحكاية لتقديم ذكره إياه ونظير ذلك أن يقول القائل : أما في الدار أحد فتقول مجيباً بلى وأحد إنما هو حكاية للفظ ورد عليه وتقول : ما كان رجل صالح فمشبه زيداً في الدار إذا جعلت في الدار خبراً ومعنى هذا الكلام أن زيداً صالح فمشبهه مثله
فإن نصبت ( مشبهاً ) فقد ذممت زيداً أو أخبرت أن ما كان صالحاً غير تشبيه
فإذا قلت : ما كان أحد مثلك وما كان مثلك أحد فكلها نكرات لأن ( مثل وشبه ) يكن نكرات وإن أَضفن إلى المعارف لأنهن لا يخصصن شيئاً بعينه لأن الأشياء تتشابه من وجوه وتتنافى من وجوه فإن أردت ( بمثلك ) المعروف ( بشبهك ) خاصة كان معرفة كأخيك
وتقول : ما كان في الدار أحد مثل زيد إذا جعلت ( في الدار ) الخبر وإن جعلت ( في الدار ) لغواً نصبت المثل قال الله تعالى : ( ولم يكن له كفوا أحد )

والظروف يجوز أن يفصل بها بين ( كان ) وما عملت فيه لإشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها واعلم : أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير فهو جائز في ( كان ) إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه فإن فصلت بظرف ملغى جاز فأما ما يجوز فقولك : كان منطلقاً عبد الله وكان منطلقاً اليوم عبد الله وكان أخاك صاحبنا وزيد كان قائماً غلامه والزيدان كان قائماً غلامهما تريد كان غلامهما قائماً وكذلك : أخوات ( كان ) قال الله تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
وتقول : من كان أخاك إذا كانت ( من ) مرفوعة كأنك قلت : أزيد كان أخاك وتقول : من كان أخوك إذا كانت ( من ) منصوبة كأنك قلت : أزيداً كان أخوك وهذا كقولك : من ضرب أخاك ومن ضرب أخوك فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير فأجزه فيها ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه ولا تقل : كانت زيداً الحمى تأخذ ولا : كان غلامه زيد يضرب لا تجز هذا إذا كان ( زيد والحمى ) أسمين لكان
فإن أضمرت في ( كان ) الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له المجهول
كان ذلك المضمر اسم ( كان ) وكانت هذه الجملة خبرها فعلى ذلك يجوز كان زيداً الحمى تأخذ وعلى هذا أنشدوا :
( فَأَصْبَحُوا والنَّوى عَالي مُعَرّسِهم ... وَلَيَس كُلَّ الّنوى يَلقَى المَسَاكِين )
كأنه قال : وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر

لا يظهر وأصحابنا يجيزون : غلامه كان زيد يضرب فينصبون الغلام ( بيضرب ) ويقدمونه لأن كلَّ ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله فلو قلت : غلامه ضرب زيد كان جيداً فكان هذا بمنزلة : ضرب زيد غلامه
ولو رفعت الغلام كان غير جائز لأنه إضمار قبل الذكر فلا يجوز أن ينوى به غيره فإن قال قائل : فأنت إذا نصبت فقد ذكرته قبل الإسم قيل له : إذا قدم ومعناه التأخير فإنما تقديره والنية فيه أن يكون مؤخراً وإذا كان في موضعه لم يجز أن تعني به غير موضعه ألا ترى أنك تقول : ضرب غلامه زيد لأن الغلام في المعنى مؤخراً والفاعل على الحقيقة قبل المفعول ولكن لو قلت : ضرب غلامه زيداً لم يجز لأن الغلام فاعل وهو في موضعه فلا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع

وتقول : كان زيد قائماً أبوه وكان زيد منطلقة جارية يحبها والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها تقول : أبوه منطلق كان زيد تريد كان زيد أبوه منطلق وقائمة جارية يحبها كان زيد تريد : كان زيد قائمة جارية يحبها
وفي داره ضرب عمرو خالداً كان زيد
فإن قلت : كان في داره زيد أبوه وأنت تريد : كان زيد في داره أبوه لم يجز لأن الظرف للأب فليس من كان في شيء وقد فصلت به بينها وبين خبرها ولو قلت : كان في داره أبوه زيد صلح لأنك قدمت الخبر بهيئته وعلى جملته فصار مثل قولك : كان منطلقاً زيد ومثل ذلك : كان زيداً أخواك يضربان هذا لا يجوز فإن قدمت : ( يضربان زيداً ) جاز وتجوز هذه المسألة إذا أضمرت في ( كان ) مجهولاً وتقول : زيد كان منطلقا أبوه فزيد مبتدأ وما بعده خبر له وفي ( كان ) ضمير زيد وهو اسمها ومنطلقاً أبوه ( خبره ) وإن شئت رفعت ( أبا ) ب ( كان ) وجعلت ( منطلقاً ) خبره وتقول : زيد منطلقاً أبوه كان تريد : زيد كان منطلقاً أبوه
مثل المسألة التي قبلها
وقال قوم : أبوه قائم كان ( زيد ) خطأ لأن ما لا تعمل فيه ( كان ) لا يتقدم قبل ( كان ) والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك : أبوه قائم في موضع قولك : ( منطلقاً ) فهو بمنزلته فإذا لم يصح سماع الشيء عن العرب لُجىءَ فيه إلى القياس ولا يجيزون أيضاً : كان أبوه قائم زيد
وكان أبوه زيد أخوك وكان أبوه يقوم أخوك
هذا خطأ عندهم لتقديم المكنى على الظاهر
وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكنى على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكنى : أنه إذا كان في غير

موضعه وتقدم جاز تقدمه لأن النية فيه أن يكون متأخراً والذي لا يجوز عندنا أن يكون قد وقع في موقعه وفي مرتبته فحينئذ لا يجوز أن ينوى به غير موضعه ولأصول التقديم والتأخير موضع يذكر فيه إن شاء الله
ولا يحسن عندي أن تقول : ( آكلاً كان زيد طعامك ) من أجل أنك فرقت بين آكل وبين ما عمل فيه بعامل آخر ومع ذلك فيدخل لبس في بعض الكلام وإنما يحسن مثل هذا في الظروف نحو قولك : راغباً كان زيد فيك لإتساعهم في الظروف وأنهم جعلوا لها فضلاً على غيرها في هذا المعنى ولا أجيز أيضاً : آكلاً كان زيد أبوه طعامك أريد به : كان زيد آكلا أبوه طعامك للعلَّة التي ذكرت لك بل هو ها هنا أقبح لأنك فرقت بين ( آكل ) وبين ما أرتفع به وفي تلك المسألة إنما فرقت بينه وبين ما انتصب به والفاعل ملازم لا بد منه والمفعول فضلة وقوم لا يجيزون : كان خلفك أبوه زيد وهو جائز عندنا وقد مضى تفسيره ويقولون : لا يتقدم ( كان ) فعل ماضٍ ولا مستقبل
وما جاز أن يكون خبراً فالقياس لا يمنع من تقديمه إذا كانت الأخبار تقدم إلا أني لا أعلمه مسموعاً من العرب ولا

يتقدم خبر ( ليس ) قبلها لأنها لم تصرف تصرف ( كان ) لأنك لا تقول : منها يفعل ولا فاعل وقد شبهها بعض العرب ب ( ما ) فقال : ليس الطيب إلا المسك فرفع وهذا قليل فإذا أدخلت على ( ليس ) ألف الإستفهام كانت تقريراً ودخلها معنى الإيجاب فلم يجىء معها أحد لأن أحداً إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول : أليس أحد في الدار لأن المعنى يؤول إلى قولك : أحد في الدار وأحد لا يستعمل في الواجب ولذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير لا يجوز أن تقول فيها لأن المعنى يؤول إلى قولك : زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاماً وقد أدخلوا الباء في خبر ( ليس ) توكيداً للنفي تقول : ألست بزيد ولست بقائم : وقالوا : أليس إنما قمت
ولا يجيء ( إنما ) إلا مع إدخال الألف كذا حكى وتقول : ليس عبد الله بحسن ولا كريماً فتعطف ( كريماً ) على ( بحسن ) لأن موضعه نصب وإنما تدخل الباء هنا تأكيداً للنفي
وتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارج عمرو على أن تجعل عمراً ( مبتدأ ) وخارجاً خبره ولك أن تنصب فتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارجاً عمرو على أنه معطوف على خبر ( ليس ) قبل الباء ولا يحسن ليس عبد الله بذاهب ولا خارج زيد فتجر بالباء ويرتفع زيد ب ( ليس ) لا يجوز هذا لأنك قد عطفت بالواو على عاملين وإنما تعطف حروف العطف على عامل واحد ولكن تقول : ليس زيد بخارج ولا ذاهب أَخوه فتجري ( ذاهباً ) على ( خارج )

وترفع الأخ ب ( ذاهب ) لأنه ملبس ب ( زيد ) وهو من سببه فكأنك قلت : ليس زيد ذاهب ولا خارج ولو حملت ( الأخ ) على ( ليس ) لم يجز من أجل أنك تعطف على عاملين على ( ليس ) وهي عاملة وعلى ( الباء ) وهي عاملة وقالوا : ما كان عبد الله ليقوم ولم يكن ليقوم فأدخلوا اللام مع النفي ولا يجوز هذا في أخوات ( كان )
ولا تقول : ما كان ليقوم وهذا يتبع فيه السماع
واعلم : أن خبر ( كان ) إذا كنيت عنه جاز أن يكون منفصلاً ومتصلاً والأصل أن يكون منفصلاً إذ كان أصله أنه خبر مبتدأ تقول : كنت إياه وكان إياي هذا الوجه لأن خبرها خبر ابتداء وحقه الإنفصال ويجوز كأنني وكنته كقولك : ( ضربني وضربته ) لأنها متصرفة تصرف الفعل فالأول استحسن للمعنى والثاني لتقديم اللفظ قال أبو الأسود :
( فإنْ لا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فإنَّهُ ... أَخُوها غَذَتهُ أُمهُ بِلِبَانِهَا )
و ( لكان ) ثلاثة مواضع : الأول : التي يكون لها اسم وخبر
الثاني : أن يكون بمعنى وقع وخلق فتكتفي بالإسم وحده ولا

تحتاج إلى خبر وذلك قولك : أنا أعرفه مذ كان زيد أي : مذ خلق وقد كان الأمر أي : وقع وكذلك أمسى وأصبح تكون مرة بمنزلة ( كان ) التي لها خبر ومرة بمنزلة استيقظ ونام فتكون أفعالاً تامة تدل على معان وأزمنة
ولا ينكر أن يكون لفظ واحد لها معنيان وأكثر فإن ذلك في لغتهم كثير
من ذلك قولهم وجدت عليه من الموجدة ووجدت يريدون
وجدان الضالة وهذا أكثر من أن يذكر هنا
الثالث : أن تكون توكيداً زائدة نحو قولك : زيد كان منطلق إنما معناه : زيد منطلق وجاز الغاؤها لإعتراضها بين المبتدأ والخبر
ذكر الضرب الثاني : وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال
فمن ذلك ( ما ) وهي تجري مجرى ( ليس ) في لغة أهل الحجاز شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي كما أنها نفي يقولون : ما عمرو منطلقاً فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك : ما زيد إلا منطلق وإن قدموا الخبر على الإسم رفعوا أيضاً فقالوا : ( ما منطلق زيد ) فتجتمع

اللغة الحجازية والتميمية فيهما معاً لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي يعني الإبتداء فإذا قلت : ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن
فإن قلت : ما يقوم زيد غداً كان أقبح لأن هذا الموضع خصت به ( لا ) يعني نفي المستقبل
ولو قلت : ( ما قام زيد ) كان حسناً كأنه قال : ( قام ) فقلت أنت : ما قام فإن أخرت فقلت : ما زيد قام أو يقوم كان حسناً أيضاً وتقول : ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر ( ليس ) فيكون موضع ( بقائم ) نصباً فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول : ما بقائم زيد من أجل أن خبرها إذا كان منصوباً لم يتقدم والمجرور كالمنصوب ولو قلت : ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه : وأنت تريد أن تحمل ( الأخ ) على ما لم يكن كلاماً لأن ( ما ) لا تعمل في الإسم إذا قدم خبره وتقول : ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرة منطلقاً فيه خالد تجعل ( مقيماً ) صفةً ( ليوم ) وذاهب فيه صفة ( لكل ) و ( منطلقاً ) موضع الخبر هذا على لغة أهل الحجاز وتقول : ما كل ليلة مقيماً فيها زيد وإذا قلت : ما طعامك زيد آكل وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير من أجل تقديم مفعوله فقد قدمته في التقدير لأن مرتبة العامل قبل المعمول فيه ملفوظاً به أو مقدراً وقوم

يجيزون إدخال الباء في هذه المسألة فيقولون : ما طعامك زيد بآكل وما فيك زيد براغب
إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء ولا يجيزون نصب الخبر في هذه المسألة
وتقول : ما زيد قائماً بل قاعد لا غير لأن النفي نصبه ومن أجل النفي شبهت ( ما ) بليس فلا يكون بعد التحقيق إلا رفعاً وتقول زيد ما قام وزيد ما يقوم ولا يجوز : زيد ما قائماً ولا زيد ما قائم ولا زيد ما خلفك حتى تقول : ما هو قائماً وهو خلفك لأن ( ما ) حقها أن يستأنف بها ولا يجوز أن تضمر فيها إذ كانت حرفاً ليس بفعل وإنما يضمر في الأفعال ولا يجوز : طعامك ما زيد آكل أبوه على ما فسرت لك وقد حكي عن بعض من تقدم من الكوفيين إجازته ويجوز إدخال من على الإسم الذي بعدها إذا كان نكرةً تقول : ما من أحد في الدار وما من رجل فيها
ويجوز أن تقول : ما من رجل غيرك وغيرك بالرفع والجر ويكون موضع رجل رفعا قال الله تعالى : ( ما لكم من إله غيره ) وغيره على المعنى وعلى اللفظ
وإنما تدخل ( من ) في هذا الموضع لتدل على أنه قد نفى كل رجل وكل أحد
ولو قلت : ما رجل في الدار لجاز أن يكون فيها رجلان وأكثر وإذا قلت : ما من في الدار لم يجز أن يكون فيها أحد البتة
وقال الأخفش : إن شئت قلت وهو رديء : ما

ذاهبا إلا أخوك وما ذاهبا إلا جاريتك تريد : ما أحد ذاهباً وهذا رديء لا يحذف ( أحد ) وما أشبهه حتى يكون معه كلام نحو : ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وكذا و ( مات ) في موضع نصب على مفعول ( ما ) في لغة أهل الحجاز وفي كتاب الله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به )
والمعنى : ما من أهل الكتاب أحد ( وإن منكم إلا واردها )
أي : وإن أحد منكم ومعنى : ( إن ) معنى : ( ما ) فقد بان أن في ( ما ) ثلاث لغات : ما زيد قائماً وما زيد بقائم وما زيد قائم والقرآن جاء بالنصب وبالباء ومما شبه من الحروف ب ( ليس ) ( لات ) شبهها بها أهل الحجاز وذلك مع الحين خاصة قال الله تعالى : ( ولات حين مناص ) قال سيبويه : تضمر فيها مرفوعاً قال : نظير ( لات ) في أنه لا يكون إلا مضمراً فيها ( ليس ) و ( لا يكون ) في الإستثناء إذا قلت : أتوني ليس زيداً ولا يكون

بشراً قال : وليست لات ك ( ليس ) في المخاطبة والإِخبار عن غائب تقول : لست وليسوا
وعبد الله ليس منطلقاً ولا تقول : عبد الله لات منطلقاً ولا قومك لاتوا منطلقين
قال : وزعموا : أن بعضهم قرأ : ولات حين مناص وهو عيسى بن عمر وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعيد بن مالك :
( مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ )
فجعلها بمنزلة ( ليس ) قال : و ( لات ) بمنزلة ( لا ) في هذا الموضع في الرفع ولا يجاوز بها الحين يعني : إذا رفعت ما بعدها تشبيهاً ( بليس ) فلم يجاوز بها الحين أيضاً وأنها لا تعمل إلا في ( الحين ) رفعت أو

نصبت وقال الأخفش الصغير أبو الحسن سيعد بن مسعدة : إنها لا تعمل في القياس شيئاً
قال أبو بكر : والذي قال سيبويه : أنه يضمر في ( لات ) إن كان يريد أن يضمر فيها كما يضمر في الأفعال فلا يجوز لأنها حرف من الحروف والحروف لا يضمر فيها وإن كان يريد أنه حذف الإسم بعدها وأضمره المتكلم كما فعل في قوله في ( ما ) ما منهما مات أراد ( أحداً ) فحذف وهو يريده فجائز
وقوم يدخلون في باب ( كان ) عودة الفعل كقولك : لأن ضربته لتضربنه السيد الشريف وقولك : عهدي بزيد قائماً وهذا يذكر مع المحذوف والمحذوفات ومما شبه ايضاً بالفاعل في اللفظ أخبار الحروف التي تدخل على المبتدأ وخبره فتنصب الإسم وترفع الخبر وهي إن وأخواتها وسنذكرها مع ما ينصب وهذه الحروف أعني ( إن واخواتها ) خولف بين عملها وبين عمل الفعل بأن قدم فيها المنصوب على المرفوع
وإنما أعملوا ( ما ) على ( ليس ) لأن معناها معنى ليس لأنها نفي كما أنها نفى ومع ذلك فليس كل العرب يعملها عمل ( ليس ) إنما روي ذلك عن أهل الحجاز وكان حق ( ما ) أن لا تعمل شيئاً إذ كانت تدخل على الأسماء والأفعال ورأيناهم إنما أعملوا من الحروف في الأسماء ما لا يدخل على الأفعال وأعملوا منها في الأفعال ما لا يدخل على الأسماء
فأما ما يدخل على الأسماء والأفعال منها فألغوه من العمل وقد بين هذا فيما مضى وإذ قد ذكرنا ما يرتفع من الأسماء فكان

ما يرتفع منها بأنه مبتدأ وخبر ومبتدأ معنيان فقط لا يتشعب منهما فنون كما عرض في الفعل أن منه متصرفاً أو غير متصرف ومنه أسماء شبهت بالفعل وقد ذكرنا الفعل المتصرف فلنذكر الفعل الذي هو غير متصرف ثم نتبعه بالأسماء إن شاء الله

ذكر الفعل الذي لا يتصرف
اعلم : أن كل فعل لزم بناء واحداً فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه فعل يفعل ويدخله تصاريف الفعل وغير المتصرف ما لم يكن كذلك فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحداً فعل التعجب نحو : ما أحسن زيداً وأكرم بعمرو والفعلان المبنيان للحمد والذم وهما نعم وبئس
فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل
شرح التعجب
فعل التعجب على ضربين وهو منقول من بنات الثلاثة إما إلى أفعل ويبنى على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل به ويبنى على الوقف لأنه على لفظ الأمر
فأما الضرب الأول : وهو أفعل يا هذا فلا بد من أن تلزمه ( ما ) تقول : ما أحسن زيداً وما أجمل خالداً وإنما لزم فعل التعجب لفظاً واحداً

ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب فإذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل وزيد مفعول به و ( ما ) هنا اسم تام غير موصول فكأنك قلت : شيء حسن زيداً ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا : شيء جاءك أي : ما جاءك إلا شيء وكذلك : شر أهر ذا ناب أي : ما أهره إلا شر ونظير ذلك إني مما أن أفعل يريد : أني من الأمر أن أفعل فلما كان الأمر مجهولاً جعلت ( ما ) بغير صلة ولو وصلت لصار الإسم معلوماً وإنما لزمه الفعل الماضي وحده لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما جاء هذا الفعل على ( أفعل ) نحو : أحسن وأجمل لأن فعل التعجب إنما يكون معفولاً من بنات الثلاثة فقط نحو : ضرب وعلم ومكث : لا يجوز غير ذلك نحو : ضرب زيد ثم تقول : ما أضربه وعلم ثم تقول : ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى ( أفعل يا هذا ) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلاً فعل ذلك به قلت : حسن الله زيداً فصار الفاعل مفعولاً وقد بينت لك كيف ينقل ( فعَل ) إلى ( فعِل ) فيما مضى وإذا قلت : ما أحسن زيداً كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى ( فُعل ) فقلنا : شيء أحسن زيداً وجعلنا ( ما ) موضع شيء ولزم لفظاً واحداً ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال
فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من ( أعطى يعطي ) وما أولاه

بالخير قيل : هذا على حذف الزوائد لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) : في موضع الذي وأحسن : زيداً صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب ( كان وأخواتها ) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئاً غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب ( كان وأخواتها ) إذ كان ( باب كان ) الفاعل فيه هو المفعول
فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أُميلحه وأُحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعاً واحداً ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى ( يفعل ) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو : ابن واسم وامريءٍ وما أشبهه لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال والأفعال مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله

وقولك : ما أحسنني يعلمك أنه فعل ولو كان اسماً لكان ما أحسنني مثل ضاربي ألا ترى أنك لا تقول : ضاربني
والضرب الثاني : من التعجب : يا زيد أكرم بعمروٍ ويا هند أكرم بعمروٍ ويا رجلان أكرم بعمرو ويا هندان أكرم بعمرو وكذلك جماعة الرجال والنساء قال الله تعالى ( أسمع بهم وأبصر )
وإنما المعنى : ما أسمعهم وأبصرهم
وما أكرمه ولست تأمرهم أن يصنعوا به شيئاً فتثنيّ وتجمع وتؤنث وأفعل هو ( فَعَلَ ) لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره ومعناه إذا قلت : أكرم بزيد وأحسن بزيد كرم زيد جداً وحسن زيد جداً
فقوله : بعمرو في موضع رفع كما قالوا : كفى بالله والمعنى : كفى الله لأنه لا فعل إلا بفاعل وزيد فاعله إذا قلت : أكرم بزيد لأن زيداً هو الذي كرم وإنما لزمت الباء هنا الفاعل لمعنى التعجب وليخالف لفظه لفظ سائر الأخبار فإن قال قائل : كيف صار هنا فاعلاً وهو في قولك : ما

أكرم زيداً مفعول قلنا : قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئاً غير المفعول ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيداً فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره
قلت على ما قلناه : شيء حَسن زيداً وذلك الشيء الذي حسن زيداً ليس هو شيئاً غير زيد لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به فكأن ذلك الشيء مثلاً وجهه أو عينه وإنما مثلت لك بوجهه وعينه تمثيلاً ولا يجوز التخصيص في هذا الباب لأنك لو خصصت شيئاً لزال التعجب لأنه إنما يراد به أن شيئاً قد فعل فيه هذا وخالطه لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه
والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم وفي النفوس أعظم
واعلم : أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين
الضرب الأول : الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب
الضرب الآخر : ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلاً أو غير أصل
فأما الألوان والعيوب فنحو : الأحمر والأصفر والأعور والأحول وما أشبه ذلك لا تقول فيه : ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل رحمه الله : وذلك أنه ما كان من هذا لوناً أو عيباً فقد

ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس ونحو ذلك فلا تقل فيه : ما أفعله كما لم تقل ما أيداه وما أرجله إنما تقول : ما أشد يده وما أشد رجله وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا : إن الفعل منه على أفعل وإفعال نحو : أحمر وإحمار وأعور وإعوار وأحول وإحوال فإن قال قائل : فأنت تقول : قد عورت عينه وحولت : فقل على هذا : ما أعوره وما أحوله فإن ذلك غير جائز لأن هذا منقول من ( أفعل ) والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت : عورت عينه وحولت ولو كان غير منقول لكان : حالت وعارت وهذا يبين في بابه إن شاء الله
وأما الضرب الثاني : وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو : دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن اغدودن الشعر : إذا تم وطال وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة فهذا حكمه وإنما جاز : ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة
فإن قلت في افتقر : ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى ( فقر ) جاز وكذلك كل ما كان مثله

مما جاء اسم الفاعل منه على ( فعيل ) ألا ترى أنك تقول : رجل فقير وإنما جئت به على ( فقر ) كما تقول : كرم فهو كريم وظرف فهو ظريف ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك
واعلم : أن كل ما قلت فيه : ما أفعله قلت فيه : أفعل به وهذا أفعل من هذا وما لم تقل فيه : ما أفعله لم تقل فيه : هذا أفعل من هذا ولا : أفعل به تقول : زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد كما تقول : ما أفضله
وتقول : ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا : أشدد ببياض زيد وزيد أشد بياضاً من فلان وهذا كله مجراه واحد لأن معناه المبالغة والتفضيل وقد أنشد بعض الناس :
( يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ )

قال أبو العباس : هذا معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو ومن لا حجة معه وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفه أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه
فإن قال قائل فقد جاء في القرآن : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا )
قيل : له في هذا جوابان : أحدهما : أن يكون من عمى القلب وإليه ينسب أكثر الضلال
فعلى هذا تقول : ما أعماه كما تقول : ما أحمقه
الوجه الآخر : أن يكون من عمى العين
فيكون قوله : ( فهو في الآخرة أعمى ) لا يراد به : أنه أعمى من كذا وكذا ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا
وكل فعل مزيد لا يتعب منه نحو قولك : ما أموته لمن مات إلا أن تريد : ما أموت قلبه فذلك جائزٌ

مسائل من هذا الباب
تقول : ما أحسن وأجمل زيداً إن نصبت ( زيداً ) ب ( أجمل ) فإن نصبته

ب ( أحسن ) قلت : ما أحسن وأجمله زيداً تريد : ما أحسن زيدا وأجمله
وعلى هذا مذهب إعمال الفعل الأول وكذلك : ما أحسن وأجملهما أخويك وما أحسن وأجملهم أخوتك فهذا يبين لك أن أحسن وأجمل وما أشبه ذلك أفعال
وتقول : ما أحسن ما كان زيد فالرفع الوجه و ( ما ) الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك ما أحسن كون زيد
تكون ( ما ) مع الفعل مصدراً إذاوصلت به كما تقول : ما أحسن ما صنع زيد أي : ما أحسن صنيع زيد و ( صنع زيد ) من صلة ( ما ) وتقول : ما كان أحسن زيداص وما كان أظرف أباك فتدخل ( كان ) ليعلم : أن ذلك وقع فيما مضى كما تقول : من كان ضرب زيداً تريد : من ضرب زيداً ( ومن كان يكلمك ) تريد : من يكلمك
( فكان ) تدخل في هذه المواضع وإن أُلغيت في الإِعراب لمعناها في المستقبل والماضي من عبارة الأفعال
وقد أجاز قوم من النحويين : ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها واحتجوا بأن : ( أصبح وأمسى ) من باب ( كان ) فهذا عندي : غير جائز ويفسد تشبيههم ما ظنوه : أن أمسى وأصبح أزمنة مؤقتة و ( كان ) ليست مؤقتة ولو جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب ( كان ) لجاز ذلك في ( أضحى ) و ( صار ) و ( ما زال ) ولو قلت : ما أحسن عندك زيداً وما أجمل اليوم عبد الله لقبح لأن هذا الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار

حكمه حكم الأسماء فيصغر تصغير الأسماء ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء تقول : ما أقوم زيداً وما أبيعه شبهوه بالأسماء ألا ترى أنك تقول في الفعل : أقام عبد الله زيداً فإن كان اسماً قلت : هذا أقوم من هذا
وتقول : ما أحسن ما كان زيدٌ وأجمله وما أحسن ما كانت هند وأجمله لأن المعنى ما أحسن كون هندٍ وأجمله فالهاء للكون ولو قلت : وأجملها لجاز على أن تجعل ذلك لها
وإذا قلت : ما أحسن زيداً فرددت الفعل إلى ( نفسك ) قلت : ما أحسنني لأن ( أحسن ) فعل
وظهر المفعول بعده بالنون والياء ولا يجوز : ما أحسن رجلاً لأنه لا فائدة فيه ولو قلت : ما أحسن زيداً ورجلاً معه جاز ولولا قولك : ( معه ) لم يكن في الكلام فائدة وتقول : ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا
فالرجل شائع وليس التعجب منه
إنما التعجب من قولك : أن يفعل كذا وكذا
ولو قلت : ما أحسن رجلاً إذا طلب ما عنده أعطاه كان هذا الكلام جائزاً ولكن التعجب وقع على رجل وإنما تريد التعجب من فعله
وإنما جاز ذلك لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم وإذا قلت : ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين لكان حق هذا التعجب أن يكون قد وقع من الفعل والمفعول به لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم فإن أردت : أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة والمساكين الذين يطعمهم قليل جاز ووجه الكلام الأول . ولا يجوز أن تقول : ما

أحسن في الدار زيداً وما أقبح عندك زيداً لأن فعل للتعجب لا يتصرف وقد مضى هذا ولا يجوز : ما أحسن ما ليس زيداً
ولا ما أحسن ما زال زيد كما جاز لك ذلك في ( كان ) ولكن يجوز : ما أحسن ما ليس يذكرك زيدٌ وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد وهذا مذهب البغداديين
ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في الحقيقة تقول : ما أضرب زيدا فزيدٌ في الحقيقة هو الضارب ولا يجوز أن تقول : ما أضرب زيداً عمراً ولكن لك أن تُدخل اللام فتقول : ما أضرب زيداً لعمرو
وفعل التعجب نظير قولك : هو أفعل من كذا
فما جاز فيه جاز فيه . وقد ذكرت هذا قبل وإنما أعدته : لأنه به يسير هذا الباب ويعتبر
ولا يجوز عندي أن يشتق فعل التعجب من ( كان ) التي هي عبارة عن الزمان فإذا اشتققت من ( كان ) التي هي بمعنى ( خلق ووقع ) جاز
وقوم يجيزون : ما أكون زيداً قائماً لأنه يقع في موضعه المستقبل والصفات ويعنون بالصفات ( في الدار ) وما أشبه ذلك من الظروف ويجيزون ما أظنني لزيد قائماً ويقوم ولا يجيزون ( قام ) لأنه قد مضى فهذا يدلك على أنهم إنما أرادوا ( بقائم ) ويقوم الحال
وتقول : أشدد به ولا يجوز الإِدغام وكذلك : أجود به وأطيب به لأنه مضارع للأسماء
وقد أجاز بعضهم : ما أعلمني بأنك قائم وأنك

قائم أجاز إدخال الباء وإخراجها مع ( أن ) وقال قوم : لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنسٍ
لا تقول : ما أحسن الرجل فإن قلت : ما أهيب الأسد جاز والذي أقول أنا في هذا : إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز
ولا يعمل فعل التعجب في مصدره وكذلك : أفعل منك لا تقول : عبد الله أفضل منك فضلاً وتقول : ما أحسنك وجهاً وأنظفك ثوباً لأنك تقول : هو أحسن منك وجهاً وأنظف منك ثوباً
وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة مستعملة في حال التعجب فمن ذلك : ما أنت من رجل تعجب وسبحان الله ولا إله إلا الله وكاليوم رجلاً وسبحان الله رجلاً ومن رجل والعظمة لله من رب وكفاك بزيد رجلاً
وحسبك بزيد رجلاً ومن رجل تعجب والباء دخلت دليل التعجب ولك أن تسقطها وترفع وقال قوم : إن أكثر الكلام : أعجب لزيد رجلا ( ولإيلاف قريش )
وإذا قلت : لله درك من رجل ورجلا كان إدخالها وإخراجها واحداً
قالوا : إذا قلت : إنك من رجل لعالم لم تسقط ( من )

لأنها دليل التعجب
وإذا قلت : ويل أمه رجلا ومن رجل فهو تعجب
وربما تعبجوا بالنداء تقول : يا طيبك من ليلة ويا حسنه رجلا ومن رجل
ومن ذلك قولهم : يا لك فارساً ويا لكما ويا للمرء
ولهذا موضع يذكر فيه
ومن ذلك قولهم : كرماً وصلفاً : قال سيبويه كأنه يقول ألزمك الله كرماً وأدام الله لك كرماً وألزمت صلفاً
ولكنهم حذفوا الفعل ها هنا لأنه صار بدلاً من قولك : أكرم به وأصلف به

باب نعم وبئس
نِعْمَ وبِئسَ فعلان ماضيان كان أصلهما نِعَمَ وبِئسَ فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق وهما : العين في ( نِعَم ) والهمزة في ( بِئسَ ) فصار : نِعمَ وبِئسَ كما تقول : شهد فتكسر الشين من أجل إنكسار الهاء ثم أسكنوا لها العين من ( نَعْمَ ) والهمزة من ( بئس ) كما يسكنون الهاء من شهد فيقولون شهِد فقالوا : نِعْمَ وبِئسَ ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر ففي نعم أربع لغات : نَعِمَ ونِعِمَ ونِعْمَ ونَعْمَ فنعم وبئسَ وما كان في معناهما إنما يقع للجنس ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف وهما يجيئان على ضربين :
فضرب : يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الإسم المحمود أو المذموم

الضرب الثاني : أن تضمر فيها المرفوع وهو اسم الفاعل وتفسره بنكرة منصوبة
أما الظاهر فنحو قولك : نعم الرجل زيداً وبئس الرجل عبد الله ونعم الدار دارك فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما
أما زيد : فإن رفعه على ضربين :
أحدهما : أنك لما قلت : نِعم الرجل فكأن معناه محمود في الرجال وقلت : زيد ليعلم من الذي أثنى عليه فكأنه قيل لك : من هذا المحمود قلت : هو زيد
والوجه الآخر : أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعاً بالإبتداء ويكون ( نعم ) وما عملت فيه خبره وليس الرجل في هذا الباب واحداً بعينه إنما هو كما تقول : أنا أفرق الأسد والذئب لست تريد واحداً منهما بعينه إنما تريد : هذين الجنسين
قال الله تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر )
فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
وما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وذلك قولك : نعم أخو العشيرة أنت وبئس صاحب الدار عبد الله
ويجوز : نعم القائم أنت ونعم الضارب زيداً أنت ولا يجوز : نعم

الذي قام أنت ولا نعم الذي ضرب زيداً أنت من أجل أن الذي بصلتهِ مقصود إليه بعينه
قال أبو العباس رحمه الله : فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) ن فإن نعم وبئس تدخلان على ( الذي ) في هذا المعنى والمذهب
فهذا الذي قاله قياس إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و ( الذي ) ليست لها نكرة البتة تنصبها
ولا يجوز أن تقول : زيد نعم الرجل والرجل غير زيد لأنه خبر عنه وليس هذا بمنزلة قولك : زيد قام الرجل لأن معنى ( نعم الرجل ) : محمود في الرجال كما أنك إذا قلت : زيد فاره العبد لم تعن من العبيد إلا ما كان له ولولا ذلك لم يكن فاره خبراً له
فإن زعم زاعم : أن قولك : نعم الرجل زيد إنما زيد بدل من

الرجل يرتفع بما ارتفع به كقولك : مررت بأخيك زيد وجاءني الرجل عبد الله قيل له : إن قولك : جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره : إذا طرحت ( الرجل ) جاءني عبد الله فقل : نعم زيد لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم وهذا محال لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه
فإن كان الإسم الذي دخلت عليه ( نعم ) مؤنثاً أدخلت التاء في نعم وبئس فقلت : نعمت المرأة هند ونعمت المرأتان الهندان وبئست المرأة هند وبئست المرأتان الهندان وإن شئت ألقيت التاء فقلت : نعم المرأة وبئس المرأة وتقول : هذه الدار نعمت البلد لأنك عنيت بالبلد : داراً وكذلك : هذا البلد نعم الدار لأن قصدت إلى البلد
وقال قوم : كل ما لم تقع عليه ( أي ) لم توله نعم لا تقول : نعم أفضل الرجلين أخوك ولا نعم أفضل رجل أخوك لأنك لا تقول : أي أفضل الرجلين أخوك لأنه مدح والمدح لا يقع على مدح
فأما الضرب الثاني : فأن تضمر فيها مرفوعاً يفسره ما بعده وذلك قولهم : نعم رجلاً أنت ونعم دابة دابتك وبئس في الدار رجلاً أنت ففي ( نعم وبئس ) مضمر يفسره ما بعده والمضمر ( الرجل ) استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها إنما تفسره النكرة المنصوبة
واعلم : أنهم لا يضمرون شيئاً قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبواباً بعينها
وحق المضمر أن يكون بعد المذكور
ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول : نعم الرجل كما تقول : قام الرجل ونعمت المرأة كما تقول : قامت المرأة والنحويون يدخلون ( حبذا زيد ) في هذا

الباب من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء ثم جعلت ( حب وذا اسماً فصار مبتدأً أو لزم طريقة واحدة تقول : حبذا عبد الله وحبذا أمة الله )
ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح فانتقلا عما كانا عليه كما يكون ذلك في الأمثال نحو : ( أطري فإنك ناعلة )
فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلاً : أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك
وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت
وما كان مثل : كرم رجلاً زيد ! وشرف رجلاً زيد ! إذا تعجبت فهو مثل : نعم رجلاً زيد لأنك إنما تمدح وتذم وأنت متعجب
ومن ذلك قول الله سبحانه : ( ساء مثلاً القوم الذين كذبوا ) وقوله : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم )
وقال قوم : لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب ( نعم وبئس ) فتحولها إلى ( فعل ) فتقول : علم الرجل زيد وضربت اليد يده وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه وقضى الرجل زيد ودعا الرجل زيد وقد حكي عن الكسائي : أنه كان

يقول في هذا : قضو الرجل ودعو الرجل
وهو عندي قياس وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة أحرف سمعت وهي : سمع وعلم وجهل
وقالوا : المضاعف تتركه مفتوحاً وتنوي به فَعَلَ يَفْعَلُ نحو : خف يخف
وتقول : صم الرجل زيد وقالوا : كل ما كان بمعنى : نعم وبئس يجوز نقل وسطه إلى أوله
وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول ظُرْفَ الرجل زيد وظَرُفَ الرجل نقلت ضم العين إلى الفاء
وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول : ظَرْفَ الرجل زيد كما قال :
( وحُبَّ بها مَقْتُولَةً حين تُقْتَلُ ... )

وحُبَّ أيضاً فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله

مسائل من هذا الباب
أعلم : أنه لا يجوز أن تقول : قومك نعموا أصحاباً ولا قومك بئسوا أصحاباً ولا أخواك نعما رجلين ولا بئسا رجلين
وإذا قلت : نعم الرجل رجلاً زيد فقولك : ( رجلاً ) توكيد لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولاً وهو بمنزلة قولك : عندي من الدراهم عشرون درهماً وتقول : نعم الرجلان أخواك ونعم رجلين أخواك وبئس الرجلان أخواك وبئس رجلين أخواك وتقول : ما عبد الله نعم الرجل ولا قريباً من ذلك عطفت ( قريباً ) على ( نعم ) لأن موضعها نصب لأنها خبر ( ما )
وتقول : ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل ب ( نعم ) وعبد الله بالإبتداء ونعم الرجل : خبر الإبتداء وهو خبر مقدم فلم تعمل ( ما ) لأنك إذا فرقت بين ( ما ) وبين الإسم لم تعمل في شيء ورفعت ( قريباً ) لأنك عطفته على ( نعم ) ونعم في موضع رفع لأنه خبر مقدم ولا يجيز أحد من النحويين : نعم زيد الرجل وقوم يجيزون : نعم زيد رجلاً ويحتجون بقوله : ( وحسن أولئك رفيقا )
وحسن ليس كنعم

وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا : لأنه فعل يتصرف
وتقول : نعم القوم الزيدون ونعم رجالاً الزيدون والزيدون نعم القوم والزيدون نعم قوماً وقوم يجيزون : الزيدون نعموا قوماً
وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم نعم وصفة ما تعمل فيه
ويدخلون ال ( ظن ) و ( كان ) فيقولون : نعم الرجل كان زيد ترفع زيداً ب ( كان ) ونعم الرجل خبر ( كان ) وهذا كلام صحيح وكذلك : نعم الرجل ظننت زيداً تريد : كان زيد نعم الرجل وظننت زيدا نعم الرجل
وكان الكسائي يجيز : نعم الرجل يقوم وقام عندك فيضمر يريد : نعم الرجل رجل عندك ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب لا يقول : نعم رجلاً قام ويقوم
قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الإسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في غير موضعه يقوم مقام الصفة للنكرة وإقامتهم الصفة مقام الإسم اتساع في اللغة
وقد يستقبح ذلك في مواضع

فكيف تقيم الفعل مقام الإسم وإنما يقوم مقام الصفة وإن جاء من هذه شيء شذ عن القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه
بل نقوله فيما قالوه فقط
وتقول : نعم بك كفيلاً زيد كما قال تعالى : ( بئس للظالمين بدلا ) ويجيز الكسائي : نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعاً من كلام العرب
فمن قدر أن ( فيك ) من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة ولا تأويل له لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول
فإن قال : أجعل ( فيك ) تبيناً وأقدمه كما قال : ( بئس للظالمين بدلا ) قيل له : هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت : نعم فيك الراغب زيد فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان
وإذا قلت : بئس في الدار رجلاً زيد
الفاعل مضمر في ( بئس ) وإنما جئت برجل مفسراً فبين المسألتين فرق
وهذا الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي : نعم طعامك آكلاً زيد من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون بمنزلة الفعل الذي تتقدم عليه ما عمل فيه وكما لا يجوز أن تقول : نعم طعامك رجلاً آكلاً زيد
فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت ( آكلاً ) مقام رجل كان حكمه حكمَهُ
وتقول : نعم غلام الرجل زيد ونعم غلام رجل زيد فما أضفته

إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة
وتقول : نعم العمر عمر بن الخطاب وبئس الحجاج حجاج بن يوسف تجعل العمر جنساً لكل من له هذا الإسم وكذلك الحجاج
ولا تقول : نعم الرجل وصاحباً أخوك ولا نعم صاحباً والرجل أخوك من أجل أن نعم إذا نصبت تضمنت مرفوعاً مضمراً فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر فيستحيل هذا ولا يجوز توكيد المرفوع ب ( نعم )
قالوا : وقد جاء في الشعر منعوتاً لزهير :
( نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ ... حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوقِدِ )
وهذا يجوز أن يكون بدلاً غير نعت فكأنه قال : نعم المري أنت وقد حكى قوم على جهة الشذوذ : نعم هم قوماً هم
وليس هذا مما يعرج عليه وقال الأخفش : حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر إذا كان نكرة خاصة تقول : حبذا عبد الله رجلاً وحبذا أخوك قائماً
قال : وإنما تنصب الخبر إذا كان نكرة لأنه حال قال : وتقول : حبذا عبد الله

أخونا فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة وإذا وصلت ب ( ما ) قلت : نعماً زيد ونعماً أخوك ونعماً أخوتك وصار بمنزلة حبذاء أخوتك
وتقول : نعم ما صنعت ونعم ما أعجبك
قال ناس إذا قلت : مررت برجل كفاك رجلاً
وجدت ( كفاك ) في كل وجه وكانت بمنزلة ( نعم ) تقول : مررت بقوم كفاك قوماً وكفاك من قوم وكفوك قوماً وكفوك من قوم فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما
وكذلك : مررت بقوم نعم بهم قوماً وإن أسقطت الباء والهاء قلت : نعموا قوما ونعم قوماً ولا ينبغي أن ترد ( كفاك ) إلى الإستقبال ولا إلى اسم الفاعل
قال أبو بكر : قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل
وهي تنقسم أربعة أقسام :
فالأول : منها اسم الفاعل والمفعول به
والثاني : الصفة المشبهة باسم الفاعل
والثالث : المصدر الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه
والرابع : أسماء سمّوا الأفعال بها
شرح الأول : وهو اسم الفاعل والمفعول به :
اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه ويجوز أن تنعت به إسماً قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الإسم
ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام ويجمع بالواو والنون كالفعل إذا قلت : يفعلون نحو : ضارب وآكل وقاتل يجري على : يضرب فهو ضارب
ويقتل فهو قاتل ويأكل فهو آكل

وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثياً كان أو رباعياً مزيداً كان فيه أو غير مزيد فمكرم جار على أكرم ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج
وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الإسم إذ كان أصل الإِعراب للأسماء وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإِعراب للأسماء
وتقول : مررت برجل ضارب أبوه زيداً كما تقول : مررت برجل يضرب أبوه زيداً ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول : يدحرج أبوه وتقول : زيد مكرم الناس أخوه كما تقول : زيد يكرم الناس أخوه وزيد مستخرج أبوه عمراً كما تقول : يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان ( يفعل ) يجري مجرى ( يفعل ) فتقول : زيد مضروب أبوه سوطاً وملبس ثوباً
وقد بينت لك هذا فيما مضى
ومما يجري مجرى ( فاعل ) مفعل نحو : قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر
يراد به المبالغة والتكثير
فمعناه معنى : ( فاعل ) إلا أنه مرة بعد مرة
وفعال يجري مجراه وإن لم يكن موازياً له لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول ( اسم ) الفاعل ميماً فالأصل في هذا ( مقطع ) والحق به قطّاع لأنه في معناه
ألا ترى أنك إذا قلت : زيدٌ قتال أو : جراح لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل : قَتلت إلا وأنت تريد جماعة فمن ذلك قوله تعالى ( وغلقت الأبواب ) ولو كان باباً واحداً لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرةٍ
ومن كلام العرب : أما

العسل فأنت شرّاب ومثل ذلك ( فعول ) لأنك تريد به ما تريد ( بفَعَّال ) من المبالغة قال الشاعر :
( ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سُوقَ سمانها ... إذا عَدِموا زاداً فإنك عاقر )
( وفِعالٌ ) نحو ( مِطْعان ومِطْعام ) لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا
ومن كلام العرب : أنه لمنحاز بوائكها
وقد أجرى سيبويه : ( فعيلاً ) ( كرحيم ) و ( عليم ) هذا المجرى وقال : معنى ذلك المبالغة وأباه النحويون من أجل أن ( فعيلاً ) بابِه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على ( فَعُلَ ) نحو : ظَرُفَ فهو ظريف وَكرُمَ فهو كريم وشَرُفَ فهو شريف والقول عندي كما قالوا
وأجاز أيضاً مثل ذلك في ( فَعِلَ )

وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي فإنه يجيزه على بعد فيقول : أنا فَرِقٌ زيداً وحَذِرٌ عمراً والمعنى : أنا فرق من زيد وحذر من عمرو
قال أبو العباس رحمه الله : لأن ( فَعِلَ ) الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو : بَطِرَ زيد فهو بَطِرٌ وخَرِقَ فهو خَرقٌ

مسائل من هذا الباب
تقول : هذا ضاربٌ زيداً إذا أردت ( بضاربٍ ) ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له
فإذا قلت هذا ضارب زيدٍ تريد به معنى المضي فهن بمعنى : غلام زيد وتقول : هذا ضارب زيدٍ أمس وهما ضاربا زيدٍ وهن ضاربو زيد وهو ضاربات أخيك
كل ذلك إذا أردت به معنى المضي لم يجز فيه إلا هذا يعني الإِضافة ( و ) الخفض لأنه بمنزلة قولك : غلام عبد الله وأخو زيد
ألا ترى أنك لو قلت : ( غلامٌ زيداً ) كان محالاً فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضياً لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل لتحقيق الإِضافة وإن الأول يتعرَّف بالثاني
ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في ( الغلام ) وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع ( يَفعَل ) كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضرِ والمستقبل
فأما اسم الفاعل الذي يكون لِمَا مضى

فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف وتقول : هؤلاءِ حواجُ بيت الله أمسِ ومررت برجل ضارباه الزيدانِ ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم
فيثنى ويجمع لأنه اسم كما لو تقول : مررت برجل أخواه الزيدانِ وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره فقلت : مررت برجل ضاربه الزيدان كما تقول : مررت برجل يضربه الزيدان ومررت بقوم : ملازمهم أخوتهم كما تقول : مررت بقوم يلازمهم أخوتهم وتقول : أخوآك آكلان طعامك وقومك ضاربون زيداً وجواريك ضاربات عمراً
إذا أردت معنى المضارع
وتقول مررت برجل ضاربٌ زيداً الآن أو غداً إذا أردت الحال أو الإستقبال فتصفه به لأنه نكرة مثله أضفت أو لم تضف كما تقول : مررت برجل يضرب زيداً ولا تقول مررت برجل ضارب زيد أمس لأنه معرفة بالإِضافة دالاً على البدل
وتقول : مررت بزيد ضارباً عمراً إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل
فإن أردت الأخرى أضفت فقلت : مررت بزيدٍ ضاربِ عمروٍ
على النعت والبدل لأنه معرفة كما تقول : مررت بزيدْ غلامِ عمروٍ
واعلم : أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل
وتضيف استخفافاً ولكن لا يكون الإسم الذي تضيفه إلا نكرة وإن كان مضافاً إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافاً فلما ذهبت النون عاقبها الإِضافة والمعنى معنى ثبات النون
فمن ذلك قول الله سبحانه : ( هديا بالغ الكعبة ) فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة

( لهدي ) وهو نكرة ( ومثله عارض ممطرنا ) ( وإنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ) وأنشدوا :
( هلّ أنتَ باعِثُ دِينَارٍ لِحاجَتِنَا ... أو عبدَ رَبٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ )
أراد : بباعثٍ التنوين
ونصب الثاني لأنه أعمل فيه الأول مقدراً تنوينه كأنه قال : أو باعثٌ عبدَ ربٍ ولو جره على ما قبله كان عربياً جيداً إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير
تقول : هذا معطي زيد الدراهم وعمراً الدنانير ولو قلت : هذا معطي زيد اليوم الدراهم وغدا عمراً الدنانير لم يصلح فيه إلا النصب لأنك لم تعطف الإسم على ما قبله وإنما أوقعت الواو على ( غد ) ففصل الظرف بين الواو وعمرو
فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز لأن الناصب

ينصب ما تباعد منه والجار ليس كذلك وتقول : هذا ضاربك وزيداً غداً لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل كقوله تعالى : ( إنا منجوك وأهلك ) كأنه قال : منجون أهلك ولم تعطف على الكاف والمجرورة
واعلم : أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى فقلت : هذا ضاربُ زيدْ وعمروْ ومعطى زيدٍ الدراهمَ أمسِ وعمروٍ
جاز لك أن تنصب ( عمراً ) على المعنى لبعده من الجار فكأنك قلت : وأعطى عمراً فمن ذلك قوله سبحانه : ( وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ) وتقول : مررت برجل قائم أبوه فترفع الأب وتجري ( قائماً ) على رجل لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك مررت برجل يقوم أبوه
فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصتْ لرجل
وتقول : زيداً عمروٌ ضاربٌ كما تقول : زيداً عمرو يضرب
فإذا قلت : عبد الله جاريتك أبوها ضارب فبين النحويين فيه خلاف فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام وبعض يجيزه
وأبو العباس يجيز ذلك ويقول : إنَّ ( ضارباً ) يجري مجرى الفعل في جميعِ أحواله في العلم في التقديم والتأخير
وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه نحو قولك : كانت

زيداً الحمى تأخذ
وتقول : هذا زيد ضارب أخيك إذا أردت المضي لأنك وصفت معرفة بمعرفة وتقول هذا زيد ضارباً أخاك غداً فتنصب ( ضارباً ) لأنه نكرة وصفت بها معرفة
وإذا كان الإسم الذي توقع عليه ( ضارباً ) وما أشبهه مضمراً أسقطت النون والتنوين منه فعل أو لم يفعل لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد فكرهوا زيادة التنوين مع هذا الزيادة نحو قولك : هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غداً ولو كان اسماً ظاهراً لقلت : ضاربان زيداً غداً ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته وتقول : هذا الضارب زيداً أمس
وهذا الشاتم عمراً أمس لا يكون فيه غير ذلك لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإِضافة وأنت إذا نونت شيئاً من هذا نصبت ما بعده
وتقول : هؤلاء الضاربون زيداً وهذان الضاربان زيداً وإن شئت : ألقيت هذه النون وأضفت لأن النون لا تعاقب الألف واللام كما تعاقب الإِضافة ألا ترى أنك تقول : هذان الضاربان وهؤلاء الضاربون فلا تسقط النون والتنوين ليس كذلك لا تقول : هذا الضاربٌ بالتنوين فاعلم ولذلك جازت الإِضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام نحو قولك : هما الضاربا زيد لأن النون تعاقب الإِضافة فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإِضافة مع الألف واللام ولا يجوز : هذا الضاربُ زيدٍ أمسِ فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك : هو الضارب الرجل أمس تشبيهاً بالحسن الوجه فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فَعَلَ بعدُ فهو نكرة نونت أو لم تنون
وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة

شرح الثاني : وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل :
الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين : هي أسماء ينعب بها كما ينعت بأسماء الفاعلين وتذكر وتؤنث ويدخلها الالف واللام وتجمع بالواو والنون كاسم الفاعل وأفعل التفضيل كما يجمع الضمير في الفعل فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين وذلك نحو : حَسنٍ وشديد وما أشبه تقول : مررت برجل حسنٍ أبوه وشديد أبوه لأنك تقول : حسن وجهه وشديدٌ وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول : الحسن والشديد فتدخل الألف واللام وتقول حسنون كما تقول : ضارب مضاربة وضاربون والضارب والضاربة فحسن يشبه بضارب وضارب يشبه بيضرب وضاربان مثل : يضربان وضاربون مثل يضربون ولا يجوز : مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الإبتداء والخبر وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن ( خير منه ) لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل ( أفعل منك ) بمنزلة : ( خير منك ) ( وشر منك ) وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به إسماً ظاهراً البتة وأما الصفات كلها فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل أفضل منك ففي ( أفضل ) ضمير الرجل ولولا ذلك لم يكن صفة له
ولكن لا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل منك أبوه لبعده من شبه اسم الفاعل

والفعل ولكن لو قلت : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه وبرجل قاعد عمرو إليه لكان جائزاً وكذلك : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه
واعلم : أن سائر الصفات مما ليس بإسم فاعل ولا يشبهه فهي ترفع الفاعل إذا كان مضمراً فيها وكان ضمير الأول الموصوف وترفع الظاهر أيضاً إذا كان في المعنى هو الأول
أما المضمر فقد بينته لك وهو نحو : مررت برجل خير منك وشر منك ففي ( خير منك ) ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل
وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك : ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد لأن المعنى في الحسن لزيد فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له ومثل ذلك : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة
واعلم : أن قولك : زيد حسن وكريم منْ حَسُنَ يحسنَ وكَرُمَ يكرم كما أنك إذا قلت : زيد ضارب وقاتل وقائم فهو من : ضرب وقتل وقام إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة
أما إذا قلت : زيد حسن الوجه وكريم الحسب فأنت ليس تخبر أن زيداً فعل بالوجه ولا بالحسب

شيئاً والحسب والوجه فاعلان كما ينصب الفعل وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه ألا ترى أنك إذا قلت : زيد ضارب عمراً فالمعنى : أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو وإذا قلت : زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيداً لم يفعل بالوجه شيئاً ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة وأصل الكلام زيدٌ حَسَنٌ وجههُ وكريم أبوه حسبه لأن الوجه هو الذي حسن والأب هو الذي كرم
مسائل من هذا الباب
تقول : زيد كريم الحسب لأنك أضمرت اسم الفاعل في ( كريم ) فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك : هند كريمة الحسب ولو كان على الآخر لقلت : كريم حسبها كما تقول : قائم أبوها وإنما جاز هذا التشبيه وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة بل هو في المعنى فاعل لأن المعنى مفهوم غير ملبس ومن قال : زيدٌ ضاربٌ الرجلَ وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال : زيدٌ حسنُ الوجهِ إلا أن الإِضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار لأن الأسماء على حدها من الإِضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة وإذا قلت : زيد حسن وجهه وكريم أبوه وفاره عبده فهذا هو الأصل وبعده في الحسن : زيد حسن الوجه وكريم الحسب ويجوز : زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز : زيد حسن وجهاً وكريم حسباً ويجوز : زيد كريم حسب وحسن وجه والأصل ما بدأنا به
واعلم : أنك إذا قلت : حسن الوجه فأضفت ( حسناً ) إلى الألف واللام فهو غير معرفة وإن كان مضافاً إلى ما فيه الألف واللام من أجل أن

المعنى حَسَن وجهه فهو نكرة فكما أن الذي هو في معناه نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه فقلت : الحسن الوجه ولا يجوز الغلام الرجل وجاز الحسن الوجه وقولك : مررت برجل حسن الوجه يدلك على أن حسن الوجه نكرة لأنك وصفت به نكرة واعلم : أن ( حسناً ) وما ( أشبهه ) إذا أعلمته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي فلا تريد به إلا الحال لأنه صفة وحق الصفة صحبة الموصوف ومن قال : هذا حسنُ وجهٍ وكريمُ حسبٍ حجته أن الأول لا يكون معرفةً بالثاني أبداً فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين للأول كان طرحهما أخف
ومن كلام العرب : هو حديث عهد بالوجه قال الراجز :
( لا حقُ بطنٍ بقراً سَمينِ ... )
ومن قال هذا القول قال : الحسنُ وجهاً لأن الألف واللام يمنعان

الإِضافة فلا يجوز أن تقول : هذا الحسن وجهٍ من أجل أن هذه إِضافة حقيقة على بابها لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة فيصير معرفة نكرة في حال وذلك محال
وإنما جاز : الحسن الوجه ( وما أشبهه ) وإدخال الألف واللام على حسن الوجه لأن ( حسناً ) في المعنى منفصل فإضافته غير حقيقية والتأويل فيه التنوين فكأنك قلت : حسن وجهه فلذلك جاز فإذا قلت : حسن وجهٍ ثم أدخلت الألف واللام قلت : الحسن وجهاً فتنصب الوجه الى التمييز أو الشبه بالمفعول به لمّا امتنعت الإِضافة كما تقول : ضاربُ رجلٍ ثم تقول : الضارب رجلاً وتقول هو الكريم حسباً والفاره عبداً ويجوز : الحسن الوجه لأنه مشبه بالضارب الرجل لأن الضارب بمعنى الذي ضَربَ والفعل واصلٌ منه إلى الرجل على الحقيقة وقد قالوا : الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه كما شبهوا الحَسنِ الوجه به في النصب وعلى هذا أنشد :
( الوَاهِبُ المائة الهجانِ وَعْبدِهَا ... عُوذاً تُزجّي خلفَها أطفالُها )

والوجه : النصب في هذا وتقول هو الحسن وجهِ العبد كما تقول هو الحسن العبد لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وتقول : على التشبيه بهذا ( الضارب أخي الرجل ) كما تقول : الضارب الرجل وتقول : مررت بالحسنِ الوجه الجميلة ومررت بالحسن العبد النبيلةِ فأما قولهم : الواهب المائة الهجان وعبدِها فإنما أردوا : عبدِ المائة كما تقول : كُل شاة وسخلها بدرهم ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه
وقال أبو العباس رحمه الله في إنشادهم :
( أَنَا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْر ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ عُكُوفَا )
أنه لا يجوز عنده في ( بشر ) إلا النصب لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول وأنت إذا وضعت ( بشراً ) في موضع

الأول لم يكن إلا نصباً فأما نظير هذا قولك : يا زيد أخانا على البدل
وقال النحويون : ( بشر )
واعلم : أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو : حسن وحسان فإن الأجود فيه أن تقول : مررت برجل حسان قومه من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد لا كإعراب التثنية والجمع السالم الذي على حد التثنية فأما ما كان يجمع مسلماً بالواو والنون نحو : ( منطلقين ) فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول : مررت برجل منطلق قومه وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية
بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستتراً تقول : الزيدان قائمان فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية وتقول : الزيدون قائمون فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في ( يفعلان ويفعلون ) لأن الألف في ( يفعلان ) والواو في ( يفعلون ) ضمير الفاعلين
فإن قلت : الزيدان قائم أبواهما لم يجز أن تثني ( قائماً ) لأنه في موضع ( يقوم أبواهما ) إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه . فاعلم

شرح الثالث : وهو المصدر :
أعلم : أن المصدر يعمل عمل الفعل لأن الفعل اشتق منه وبُنيَ مثله للأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل نقول من ذلك : عجبت من ضرب زيد عمراً إذا كان زيد فاعلاً وعجبت من ضرب زيد عمروٌ
إذا كان زيدٌ مفعولاً وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإِضافة فاعلاً كان أو مفعولاً فقلت : عجبت من ضرب زيد بكراً ومن ضرب زيداً بكر وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيداً بكرا ولا يجوز أن تخفض ( زيداً ) من أجل الألف واللام لأنهما لا يجتمعان والإِضافة كالنون والتنوين
وقال قوم : إذا قلت : أردت الضرب زيداً إنما نصبته بإضمار فعل لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن
واعلم : أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر لأنه في صلته وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف لو قلت : دارك أعجب زيداً دخول عمرو فتنصب الدار بالدخول كان خطأ
وقال قوم إذا قلت : أعجبني ضرب زيداً فليس من كلام العرب أن ينونوا وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين قالوا : فإن أشرت إلى الفاعل نصبت فقلت : أَعجبني ضربٌ زيداً وإن شئت رفعت وأردت : أعجبني أن ضُرِبَ زيد

مسائل من هذا الباب
تقول : أعجب ركوبك الدابة زيداً فالكاف في قولك : ( ركوبك ) مخفوضة بالإِضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيداً أن ركبت الدابة فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلاً كان أو مفعولاً ويجري ما بعده على الأصل وإضافته إلى الفاعل أحسن لأنه له : كقول الله تعالى ( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) وإضافته إلى المفعول حسنة لأنه به اتصل وفيه حل وتقول : أعجبني بناء هذه الدار وترى المجلود فتقول : ما أشد جلده وما أحسن خياطة هذا الثوب فعلى هذا تقول أعجب ركوب الدابة عمرو زيداً إن أردت : أعجب أن ركب الدابة عمرو زيداً فالدابة وعمرو وركب في صلة ( أن ) وزيد منتصب ( بأعجب ) وبين خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب وإن شئت جعلته بين ( أعجب ) , بين الركوب وكذلك : عجبت من دق الثوب القصار ومن أكل الخبز زيدٌ ومن أشباع الخبز زيداً فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفاً ولاماً امتنعت الإِضافة فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوب زيد الدابة عمراً فإن شئت قلت : أعجب ركوب الدابة زيد عمراً ولا يجوز أن تقدم الدابة ولا زيداً قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من ( زيد ) وتقول : ما أعجب شيء شيئاً إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو ونصبت ( إعجاباً ) لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئاً إعجاباً مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك : ( أعجب ) لأن معناه : كما أعجب زيداً أن ركب الفرس عمرو وتقول : أعجب الأكل الخبز زيد عمراً كما وصفت لك وعلى هذا قوله تعالى : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) فالتقدير : أو أن يطعم لقوله : وما أدراك فعلى هذا يجري ما

ذكرت لك ولو قلت : عمراً أعجبني أن ضرب خالداً كان خطأ لأن عمراً من الصلة
ومن قال : هذا الضارب الرجل لم يقل : عجبت من الضرب الرجل لأن الضرب ليس بنعت والضارب نعت كالحسن وهو اسم الفاعل من ( ضرب ) كما أن حسناً اسم الفاعل من ( حسن ) ويحسن وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل وتقول : أعجبني اليوم ضرب زيد عمراً ( إن جعلت اليوم ) نصباً بأعجبني فهو جيد وإن نصبته بالضرب كان خطأ وذلك لأن الضرب في معنى ( أن ضرب ) وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى ( إن فعل ) أو ( أن يفعل ) فلا يجوز أن ينصب ما قبله ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الإسم ولا يقدم بعض الإسم على أوله فإن لم يكن في معنى ( إن فعل ) وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله فقدمت فيه وأخرت وذلك قولك ضرباً زيداً وإن شئت : زيداً ضرباً لأنه ليس فيه معنى ( أن ) إنما هو أمر وقولك ضرباً زيداً ينتصب بالأمر كأنك قلت : اضرب زيداً إلا أنه صار بدلاً من الفعل لما حذفته وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا : عجبت من طعامك طعاماً يريدون : من إطعامك وعجبت من دهنك لحيتك يريدون : من دهنك قال الشاعر :
( أظليمَ إنَّ مُصابَكُم رَجُلاً ... أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَةً ظُلْمُ )
أراد إن أبابتكم

ومنه قوله :
( وبَعْدَ عطائِكَ المئة الرِّتَاعا ... )
أراد : بعد إعطائك وقال هؤلاء القوم : إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت : عجبت من جنون بالعلم فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول
هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم

شرح الرابع :
وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها : موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعدٍ وما كان منها في معنى فعل متعدٍ تعدى وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب : فمنها اسم مفرد واسم مضاف واسم استعمل مع حرف الجر
فالضرب الأول : قولك : هلم زيداً وعندك زيدا . ورويد زيداً وحَيَّ هل الثريد وزعم أبو الخطاب : أن بعض العرب يقول : حي هل الصلاة
ومن ذلك : تراكها ومناعها وهذه متعدية والمعنى : اتركها وامنعها وأما ما لا يتعدى فنحو : مه وصه وأيه
والضرب الثاني : وهي الأسماء المضافة ومنها أيضاً ما يتعدى وما لا يتعدى فأما المتعدي فنحو : دونك زيداً وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه بذلك وحذرك زيداً وحذارك زيداً وأما ما لا يتعدى فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر وحذرته شيئاً خلفه وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئاً وأمرته أن يتقدم وأمامك ووراءك
والضرب الثالث : ما جاء مع أحرف الجر نحو : عليك زيداً وإليك إذا قلت : تنح
وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه : أنه سمع من يُقال له إليك

فيقول : ( إليَّ ) في هذا الحرف وحده كأنه قال له : تنح فقال : أتنحى ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليَّ لأن هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب وما أُضيف فيه فإنما يُضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم ولا يجوز أن تقول : رويده زيداً ودونه عمراً تريد غير المخاطب
وحكي أن بعضهم قال : عليه رجلاً ليسي أي : غيري
وهذا قليل شاذ
وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل
وحكي أن ناساً من العرب يقولون : هلمي وهلما وهلموا فهؤلاء جعلوه فعلاً والهاء للتنبيه ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى : ( كتاب الله عليكم ) فليس هو على قوله : عليكم كتاب الله ولكنه مصدر محمول على ما قبله لأنه لما قال : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) فأعلمهم : أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلاً من قول : كتاب الله ذلك فنصب ( كتاب الله ) وجعل عليكم تبينياً

مسائل من هذا الباب
تقول : رويدكم أنتم وعبد الله لأن المضمر في النية مرفوع ورويدكم وعبد الله وهو قبيح إذا لم تؤكده ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن وكذلك رويد إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى وكذلك الأسماء التي للفعل جمعاً إلا أن هلم إذا لحقتها ( لك ) فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فقلت هلم لكم أجمعين وأنفسكم ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الإسم ألا ترى أنه يجوز : هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز : لك وأخيك وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت : هلم لكم أجمعون كأنك قلت : تعالوا أجمعون وهلم لك أنت وأخوك كأنك قلت : تعالى أنت وأخوك فإن لم تلحق ( لك ) جرى مجرى رويد ورويد يتصرف على أربع جهات يكون أمراً بمعنى : أرود أي أمهل ويكون صفة نحو : ساروا سيراً رويداً أي سهلاً وتكون حالاً تقول : ساروا رويداً أي متمهلين وتكون مصدراً نحو : رويد نفسه وذكر سيبويه : أنه حدثه به من لا يتهم : أنه سمع العرب تقول : ضعه رويداً أي وضعاً رويداً
وتلحق ( رويد ) الكاف وهي في موضع ( أفعل ) تبينياً لا ضميراً فتقول : رويدك وريدكم وإنما تلحقها

لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد
ولك أن لا تذكرها ومثلها في ذا : حيهل وحيهلك فالكاف للخطاب وليست بإسم ومثل هذا في كلامهم كثير
قال سيبويه : وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين وقال : إذا قلت : عليكم زيداً فقد أضمرت فاعلاً في النية فإذا قلت : عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعاً
ولو قلت في : عليَّ زيداً أنا نفسي لم يكن إلا جراً وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة وكذلك : حذرك بمنزلة عليك والمصدر وغيره في هذا الباب سواء ومن جعل : رويد مصدراً قال : رويدك نفسك إن حمله على الكاف وإن حمله على المضمر في النية رفع
قال : وأما قول العرب رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته به وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب ولا موضع لها من الإِعراب لأنهن لم يجعلن مصادر
أما قولك : دونك زيداً ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال جئت يا فتى يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير وجائز أن تعديها فتقول : جئت زيداً وكذلك تقول : عليّ زيداً وعليّ به فإذا قلت : عليّ زيداً فمعناه أعطني زيداً وإذا قلت : عليك زيداً فمعناه : خذ زيداً ومعنى ( حيهل ) أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب فأما قولك : أقرب فكقولك : حيهل الثريد أي : أقرب منه وآته وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان جملاً شيئاً واحداً

فأما قول الشاعر :
( يَوم كَثيرٌ تُناديهِ وحيَّ هلُهْ ... )
فإنه جعله إسماً فصار كحضر موت ولم يأمر أحداً بشيء
وقد توصل ب ( علي ) كما وصلت ب ( هل ) هذه فمن ذلك : حيَّ على الصلاة
إنما معناه : أقربوا من الصلاة وإيتوا الصلاة
وفي ( حيهل ) ثلاث لغات : فأجودهن أن تقول : جيُّهلْ بعمر فإذا وقفت قلت : حيهلا الألف ها هنا لبيان الحركة كالهاء في قوله : كتابيه وحسابيه لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك : أنا قلت ذاك فإذا وقفت قلت : أناه
ويجوز : حيهلاً بالتنوين تجعل نكرة ويجوز : حيهلا بعمر وهي أردأ اللغات
قال أبو العباس : وأما ( حي هلا ) فليست بشيء

( وهلم ) إنما هي لُمَّ أي أقرب وها للتنبيه إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الإستعمال وأنهما جعلا شيئاً واحداً فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والإثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء : هلم على لفظ واحد كما يفعلون ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل قال الله عز و جل : ( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ) واستجازوا ذلك لإِخراجهم إياها عن مجرى الأفعال حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإِعراب
فأما بنو تميم : فيصرفونها فيقولون للإثنين : هلما وللأنثى هلمي كما تقول : رد وردا وردوا وارددن وردي
قال أبو بكر : وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعاً لإسم من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنياً مشبهاً بالمعرب
فأما التوابع فنحو : النعت والتأكيد والبدل والعطف ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات وأما ما كان من الأسماء مبنياً مشبهاً للمعرب فنداء المفرد نحو قولك : يا زيد ويا حكم العاقلُ والعاقلَ ويا حكمان ويا حكمون فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضاً أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن

شاء الله
وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للإنتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضاً إن شاء الله

باب المعرفة والنكرة
كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحداً بعينه إذا ذكر
والنكرة تنقسم قسمين : فأحد القسمين : أن يكون الإسم في أول أحواله نكرة مثل : رجل وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك
والقسم الثاني : أن يكون الإسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يُسمى إنسان بعمرو فيكون معروفاً بذلك في حيه فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل : رأيت عمراً أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثنى وجمع
وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها ( رُبَّ ) فيصلح ذلك فيها أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها فجميع هذا وما أشبهه نكرة والنكرة قبل المعرفة ألا ترى أن الإِنسان اسمه إنسان يجب له هذا الإسم بصورته قبل أن يعرف باسم وأكثر الأسماء نكرات وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض فكلما كان أكثر عموماً فهو أنكر مما هو أخص منه فشيء أنك من قولك : حي وحي أنكر من قولك : إنسان فكلما قل ما يقع عليه الإسم فهو أقرب إلى التعريف وكلما كثر كان أنكر فاعلم

ذكر المعرفة
والمعرفة خمسة أشياء : الإسم المكنى والمبهم والعلم وما فيه الألف واللام وما أُضيف إليهن
فأما المكني : فنحو قولك : هو وأنت وإياك والهاء في ( غلامه وضربته ) والكاف في غلامك وضربك والتاء في ( قمتُ ) وقمتِ وقمتَ يا هذا
فأما المبهم : فنحو : هذا وتلك وأولئك المكنيات والمبهمات موضع يستقصي ذكرها فيه إن شاء الله
وأما العلم : فنحو : زيد وعمر وعثمان
واعلم : أن اسم العلم على ثلاثة أضرب إما أن يكون منقولاً من نكرة أو مشتقاً منها أو أعجمياً أعرب
فأما المنقول : فعلى ضربين : أحدهما من الإسم والآخر من صفةٍ
أما المنقول من الإسم النكرة فنحو : حجر وأسد فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة وأما المنقول من صفة فنحو : هاشم وقاسم وعباس وأحمر لأن هذه أصولها صفات تقول : مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس
وأما الأسماء المشتقة : فنحو : عمر وعثمان فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين لأنه ليس في أصول النكرات عثمان ولا عمر إلا أن تريد جمع عمرة

فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك فإن جاء اسم عربي لا تدري مِمَّ نقل أو اشتق فاعلم : إن أصله ذلك وإن لم يصل إلينا علمه قياساً على كثرة ما وجدناه من ذلك
ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسماً غير منقول من نكرة ولا مشتق منها
ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك
وأما الأعجمية فنحو : إسماعيل وإبراهيم ويعقوب فهذه أعربت من كلام العجم
وأما ما فيه الألف واللام فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين : إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس فأما الواحد المعهود : فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول : الرجل وكذلك الدار والحمار وما أشبهه كأن قائلاً قال : كان عندي رجل من أمره ومن قصته فإن أردت أَنْ يعود إلى ذكره
قلت : ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره وأما دخولها للجنس فأن تقول : أهلك الناس الدينار والدرهم لا تريد ديناراً بعينه ولا درهماً بعينه ولكن كقوله عز و جل : ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا )
يدلك الإستثناء على أن الإِنسان في معنى الناس وأما ما أُضيف إليهن فنحو قولك : غلامك
وصاحبك وغلام ذاك وصاحب هذه وغلام زيد وصاحب عمرو وغلام الرجل
وصاحب الإِمام ونحو ذلك

مسائل في المعرفة والنكرة
تقول : هذا عبد الله فهذا اسم معرفة
وعبد الله اسم معرةف وهذا مبتدأ وعبد الله خبره فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال فقلت : هذا عبد الله واقفاً وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول : هذا أخوك فهذا معرفة وأخوك فهذا معرفة بالإِضافة إلى الكاف

فإن جئت بنكرة قلت : هذا أخوك قائماً قال الله تعالى ( وهذا بعلي شيخا )
وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة على أربعة أوجه : أحدهما : أن تجعل ( أخاك ) بدلاً من ( هذا ) وتجعل قائماً خبر ( هذا ) والآخر : أن تجعل ( أخاك ) خبراً ل ( هذا ) وتضمر ( هذا ) من الأخ كأنك قلت : هذا أخوك هذا قائم وإن شئت أضمرت ( هو ) كأنك قلت : هذا أخوك هو قائم وإن شئت كان ( أخوك ) وقائم خبراً واحداً كما تقول : هذا حلو حامض أي : قد جمع الطعمين ومثل هذا لا يجوز أن يكون ( حلو ) الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده حتى تجمعهما وإذا قلت : هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئاً وأردت بالألف واللام العهد فالرجل خبر عن ( هذا ) فإن جئت بعد ( الرجل ) بشيء يكون خبراً جعلت ( الرجل ) تابعاً ل ( هذا ) كالنعت لأن المبهمة توصف بالأجناس وكان ما بعده خبراً عن ( هذا ) فقلت : هذا الرجل عالم وهذه المرأة عاقلة هذا الباب جديد فترفع ( هذا ) بالإبتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد
ومنه قول النابغة الذبياني :
( تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفتها ... لِسِتَّةِ أعوامٍ وذَا العامُ سَابعُ )

فإن أردت بالألف واللام المعهود جاز نصب ما بعده فقلت : هذه المرأة عاقلة وهذا الرجل عالماً فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة نصبت ما بعد الإسم على الحال وذلك قولك : هذا العباس مقبلاً وإن كان الإسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثانٍ كان أيضاً الخبر منصوباً كقولك : هذا القمر منيراً وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالإسم أن تجعله يعم الجنس كله ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوباً كقولك : هذا الأسد مهيباً وهذه العقرب مخوفة إذالم ترد عقرباً تراها ولا أسداً تشير إليه من سائر الأسد ولا يجوز : هذا أنا وهذا أنت لأنك لا تشير للإِنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك فإن أردت التمثيل أي : هذا يقوم مقامك ويغني غناءك جاز أن تقول : هذا أنت وهذا أنا والمعنى : هذا مثلك وهذا مثلي وأما قولك : هذا هو فبمنزلة قولك : هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو فتقول : هذا هو وقال قوم : إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين ( ها وذا ) وينصبون أخبارها على الحال فيقولون : ها هو ذا قائماً وها أنذا جالساً وها أنت ذا ظالماً وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب وهو إذا كان الإسم ظاهراً جاء بعد ( هذا ) مرفوعاً ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة فأما البصريون فلا

ينصبون إلا الحال
وتقول : هذا هذا على التشبيه وهذا ذاك وهذا هذه
واعلم : أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها لأنها لا تخص شيئاً بعينه فمن ذلك : مثلك وشبهك وغيرك تقول : مررت برجل مثلك وبرجل شبهك وبرجل غيرك فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن ألا ترى أنك إذا قلت : مثلُكَ
جاز أن يكون ( مثلك ) في طولك أو لونك أو في علمك ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك وأما غيرك فصار نكرة لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة وأما شبيهك فمعرفة ولم يستعمل كما استعمل ( شبهك ) المعروف بأنه يشبهك وتقول هذا واقفاً زيد وهذا واقفاً رجل فتنصب ( واقفاً ) على الحال وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل ( واقفٌ ) خبر ( هذا ) ورجل بدل منه وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين :
( أترضى بأَنَّا لَمْ تَجفَّ دِماؤُنَا ... وهذا عَرُوس باليَمَامَةِ خَالِدُ )

فينصب ( عروس ) ويرفع
وتقول : هذا مثلك واقف وهذا غيرك منطلق لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات
لأنها في لفظ المعارف
وإن كانت نكرات فيقول : هذا مثلك منطلقاً وهذا حسن الوجه قائماً وقد عرفتك أن ( حسن الوجه ) نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه وأفضل منك وخير منك نكرة أيضاً إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن وفاضل فتقول : هذا أفضل منك قائماً فإن قلت : ( زيد هذا ) فزيد مبتدأ وهذه خبره والأحسن أن تبدأ ( بهذا ) لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ فإن قلت زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب فالرفع على أن تجعل ( هذا ) معطوفاً على ( زيد ) عطف البيان وترفع ( عالماً ) بأنه خبر الابتداء وإن جعلت ( هذا ) خبراً لزيد نصبت ( عالمٌ ) على الحال
واعلم : أن ( ذلك ) مثل ( هذا ) تقول : إن ذلك الرجل عالم كما تقول : إن هذا الرجل عالم
وإن ذلك الرجل أخوك كما تقول : إن هذا الرجل أخوك
والكوفيون يقولون : هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم ورفعه عندهم على الإستئناف وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر :
( مَنْ يكُ ذا بَثٍّ فهذا بَتِّي ... مُقَيِّظ ( مُصَيَّف ) مُشَتِّي )

وهذه عند البصريين : من باب حلو حامض أي : قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذا الخلال
واعلم : أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع المعارف وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف وذلك نحو قولهم للأسد : أبو الحارث وأسامة وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين وسَمْسَم وللذئب : دألان وأبو جعدة وللضبع : أم عامر وحضاجر وجعَار وجَيْأل وأم عَنْتَل وقَئام ويقال للضبعان قُثَم وهو الذكر منها وللغراب : ابن بَريح
قال سيبويه : فإذا قلت : هذا أبو الحارث فأنت تريد : هذا الأسد أي هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيداً وعمراً ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الإسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإِبل والغنم والكلاب وما يثبت معهم بأسماء : كزيد وعمرو ومن ذلك : أبو جُخادب وهو شيء يشبه الجُنْدبُ غير أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة وابن قِتْرَة ضرب من الحيات وابن آوى

معرفة
ويدلك علىأنه معرفة أن آوى غير مصروف وابن عرس وسامُّ أبرص
وبعض العرب يقول : أبو بريص وحمار قبان : دويَبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش الأرض بصورة كذا فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسماً على معنى يعرفها بها فعلى هذا تقول : هذا ابن آوى مقبلاً ولا تصرف آوى لأنه معرفة ولأنه على وزن ( افعلَ ) وتنصب مقبلاً كما نصبته في قولك : هذا زيد مقبلاً وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف وما لا ينصرف كما تكون الأسماء المعارف وغيرها
وقد زعموا : أن بعض العرب يقول : هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل : هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل عرساً نكرة فصار المضاف إليه نكرة وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماءٍ فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام
واعلم : أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإِضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل : زيد وعمرو نحو : النجم

تعني الثريا وابن الصِّعَق ابن رألان وابن كُراع فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر
وزعم الخليل : أن الذين قالوا : الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه كأنه وصف غلب عليه ومن قال : حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيداً
وأما السِّماك والدَّبِران والعَيُّوق وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أُزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل : سِمَاك ودَبَران وعَيُوق للفرق كما فصل بين العِدلْ والعديل وبناء حصين وامرأة حصان
قال سيبويه : فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة فإن كان عربياً تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى

قال : وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء يعني : أنه أُريد به الثالث والرابع فأُزيل لفظه كما فعل بالسماك
وتقول : هذان زيدان منطلقان فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة قال وتقول : هؤلاء عرفات حسنة وهذان أبانان بينين والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسماً لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان وعرفات كالشيء الواحد
والذي والتي : معرفة ولا يتمان إلا بصلة ومن وما يكونان معرفة ونكرة لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة وأيهم وكلهم وبعضهم معارف بالإِضافة وقد تترك الإِضافة وفيهن معناها قائم وأجمعون وما أشبهها معارف لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها الألف واللام
وقال الكسائي : سمعت : هو أحسن الناس هاتين يريد عينين فجعله نكرة
وهذا شاذ غير معروف
ويكون ( ذا ) في موضع الذي فتقول : ضربت هذا يقوم وليس بحاضر تريد : الذي يقوم قالوا : وقد جاء هذا في الشعر

ذكر الأسماء المنصوبات
الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين :

فالضرب الأول هو العام الكثير : كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع وفي الكلام دليل عليه فهو نصب
والضرب الآخر : كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإِضافة والنون وحالت النون والإِضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب
والضرب الأول : ينقسم على قسمين : مفعول ومشبه بمفعول
والمفعول ينقسم على خمسة أقسام : مفعول مطلق ومفعول به ومفعول فيه ومفعول له ومفعول معه
شرح الأول :
وهو المفعول المطلق ويعني به المصدر
المصدر اسم كسائر الأسماء إلا أنه معنى غير شخص
والأفعال مشتقة منه وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها
والمصدر : هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين فمعنى قولك : قام زيد وفعل زيد
قياماً سواء وإذا قلت : ضربت فإنما معناه أحدثت ضرباً وفعلت ضرباً فهو المفعول الصحيح
ألا ترى أن القائل يقول : من فعل هذا القيام فتقول : أنا فعلته ومن ضرب هذا الضرب الشديد فتقول : أنا فعلته . تريد : أنا ضربت هذا الضرب
وقولك ضربت هذا الضرب وقولك

ضربت زيداً لا يصلح أن تغيره بأن تقول : فعلت زيداً لأنه ليس بمفعول لك فإنما هو مفعول لله تعالى فإذا قلت : ضربت زيداً فالفعل لك دون زيد وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر فعلى هذا تقول : قمت قياماً وجلست جلوساً وضربت ضرباً وأعطيت إعطاءً وظننت ظناً واستخرجت استخراجاً وانقطعت انقطاعاً واحمررت احمراراً فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة
ومصدر الفعل الذي يعمل فعله فيه يجيء على ضروب : فربما ذكر توكيداً نحو قولك : قمت قياماً وجلست جلوساً فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره وضرب ثانٍ تذكره للفائدة نحو قولك : ضربت زيداً ضرباً شديداً والضرب الذي تعرف
وقمت قياماً طويلاً فقد أفدت في الضرب أنه شديد وفي القيام أنه طويل وكذلك إذا قلت : ضربت ضربتين وضربات فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت
وقال سيبويه : تقول : قعد قِعْدةَ سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث يعني المصدر عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضرباً منه وإن خالف اللفظ
فمن ذلك : قعد القرفُصاء واشتمل الصَمَّاء ورجع القهقري لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه
قال أبو العباس قولهم : القرفصاء واشتمل الصمّاء ورجع القهقري هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها : اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الإسم

وكذلك أخواتها
قال : وجملة القول : إن الفعل لا ينصب شيئاً إلا وفي الفعل دليل عليه فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت : قام ففي ( قام ) دليل على أنه : فعل قياماً فلذلك قلت : قام زيد قياماً فعديته إلى المصدر وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان لأن الفعل لا يكون إلا في زمان وتعديه إلى المكان لأنه فيه يقع وتعديه إلى الحال لأنه لأفعل إلا في حال واحق ذلك به المصدر لأنه مشتق من لفظه ودال عليه
واعلم : أنَّ ( أنْ ) تكون مع صلتها في معنى المصدر وكذلك ( ما ) تكون مع صلتها في معناه وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة ( ما ) لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى ( ما ) لأنها اسم وما في صلة ( أن ) لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع لأن ( أن ) حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر فيكون في الكلام ما يرجع إليها والذي يوجب أن ( ما ) اسم وأنها ليست حرفاً ( كأنْ ) : أنها لو كانت ( كأن ) لعملت في الفعل كما عملت ( أن ) لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين فتقول يعجبني أن يقوم زيد تريد : قيام زيد ويعجبني ما صنعت تريد : صنيعك إلا أن هذين وإن كانا

قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في قولك : ضربت زيداً ضرباً لا يجوز أن تقول : ضربت زيداً أن ضربت تريد : ضرباً ولا ضربت زيداً ما ضربت تريد : معنى ( ضرباً ) وأنت مؤكد لفعلك ويجوز : ضربت ما ضربت أي : الضرب الذي ضربت كما تقول : فعلت ما فعلت أي : مثل الفعل الذي فعلت وتقول : فعلت ما فعل زيد أي : كالفعل الذي فعل زيد فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال لأن فعلك لا يكون فعل غيرك
قال الله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) والتأويل عندهم والله أعلم كالخوض الذي خاضوا

مسائل من هذا الباب
تقول : ضربته عبد الله تضمر الضرب تعني : ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضرباً وضربته زيداً ما كان به بأس على أن تضمر المصدر
واعلم : أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر لا تقول : سرني ضربك عمراً وهو زيداً وأنت تريد : وضربك زيداً لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه ألا ترى أن ( ضرب ) مشتق من الضرب فإنما

يعمل الضرب وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهراً غير مضمر وإنما يعمل لشبهه بالفعل فكما أن الفعل لا يضمر فكذلك المصدر لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر وإنما جاز إضمار المصدر لأنه معنى واحد ولم يجز إضمار الفعل لأنه معنى وزمان ولو أَضمر لصار اسماً
وتقول : مررت بهم جميعاً إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحداً أو : مررت بهم كلا قال الأخفش كل وجميع ها هنا بمنزلة المصادر كأنك قلت مررت بهم عماً ومررت بهم كلاً أي : مروراً عماً وكلاً فكل وجميع ها هنا بمنزلة المصادر كأنك قلت : مررت بهم عماً ومررت بهم عماً لهم وكأنك قلت : طررتهم طراً وليس الجميع والكل بالقوم كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم يعني إذا قلت : مررت بهم قاطبة وطراً فكأنك قلت : جمعتهم جمعاً وكذلك في طر كأنك قلت : طررتم أي أتيت عليهم طراً
وذكر سيبويه : هذا في باب ما ينتصب لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم
وقال : من ذلك : مررت بهم جميعاً وعامة وجماعة وقال : هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها ألألف واللام
وزعم الخليل : أن قاطبة وطراً لا يتصرفان في موضع المصدر
واعلم : أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك : أتاني زيد مشياً فقولك : مشياً قد أغنى عن ماشٍ ويمشي إلا أن التقدير : أتاني يمشي مشياً فمن ذلك : قتلته صبراً

ولقيته فجأة ومفاجأة وكفاحاً ومكافحة ولقيته عياناً وكلمته مشافهة وأتيته ركضاً وعدواً وأخذت عنه سماعاً وسمعاً
قال سيبويه : وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا رجلة قال أبو العباس : ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة وخالف سيبويه وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو : أرسلها العراك والعراك لا يجوز أن يكون حالاً ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل : أرسلها تعترك العراك ف ( تعترك ) حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك ودل على ( تعترك ) فأغنى

عنه وكذلك : طلبته جهدك وطاقتك كأنك قلت : طلبته تجتهد جهدك وتطيق طاقتك أي : تستفرغهما في ذلك
ومذهب سيبويه أن قولهم : مررت به وحده وبهم وحدهم ومررت برجل وحده أي مفرد أقيم مقام مصدر ( يقوم ) مقام الحال وقال : ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز : مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة
وزعم الخليل : أنه إذا نصب فكأنه قال : مررت بهؤلاء فقط مثل وحده في معناه أي : أفرقهم
وأما بنو تميم فيجرونه على الإسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيداً له
قال سيبويه ومثل خمستهم قول الشماخ :
( آتتني سُلَيمٌ قَضّها بقضيضِها ... )

كأنه قال : انقض آخرهم على أولهم وبعض العرب يجعل ( قضهم ) بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإِنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل
وزعم يونس : أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعاً وكذلك طُراً وقاطبة
وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت على فأما : ( كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون ) فلا يكون أبداً إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول : هو نسيج وحدِهِ لأنه اسم مضاف إليه
قال الأخفش : كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل وذلك إذا قلت : سقياً لزيد وإنما تريد : سقى الله زيداً ولو قلت : سقيا الله زيداً كان جيداً لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل ولو قلت : أكلاً زيد

الخبز وأنت تأمره كأن جائزاً كقوله : ( فَنَدْلاً زُريقٌ المالَ ندل الثَّعالِبِ ... )
وتقول : ضربتك ضرباً عمرو خالداً ومعناه : ضربتك ضرب عمرو خالداً فإذا قلت : ضربتك زيد خالداً فلا تقدم خالداً قبل الضرب لأنه في صلته
قال أبو بكر : وليس هذا مثل قولك : ضرباً زيداً وأنت تأمره لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول : زيداً ضرباً وقد مضى تفسير هذا
وتقول : ضربتك ضرب زيد عمراً وكذلك : ضربتك ضربك زيداً وضرباً أنت زيداً إذا جعلته فاعلاً وضربتك ضرباً إياك زيداً إذا جعلته مفعولاً تريد : ضرباً زيد إياك
وقال الأخفش : من رد عليك ضرباً زيد عمراً إذا كنت تأمره أدخلت عليه سقياً له فقلت له : ألست إنما تريد سقى الله زيداً فإنه قائل : نعم فتقول
فكما جاز سقاهً له حين أقمت السقي مقام ( سقا ) فكذلك تقيم

الضرب مقام ( ليضرب ) وتقول : ضرب زيد ضرباً وقتل عمرو قتلاً فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر ن كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل لا فرق بينهما في ذلك فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو : سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبلٌ وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت : سير بعبد الله سيراً شديداً أقمت ( بعبد الله ) مقام الفاعل ونصبت ( سيراً ) كما تنصبه إذا قلت : سار عبد الله سيراً شديداً وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف معه مقام الفاعل فترفعها إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإِخبار عنها فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جداً تقول : سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالاسماء المفيدة فأما النصب : فعلى أنك أقمت ( بزيد ) مقام الفاعل فصار كقولك : ضرب عبد الله الضربَ الذي يعلمُ وشتم عبد الله الشتمَ الشديد وكذلك لو قلت : مر بعبد الله مروان وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيداً . وقال الله تعالى : ( فإذا نفح في الصور نفحة واحدة ) فإن قلت : سيرَ بعبد الله سيرٌ وسيراً وذهب إلى عبد الله ذهاباً فالنصب الوجه لأن المصادر موكدة أما جواز الرفع على بعد إذا قلت : سير بعبد الله لأنه ليس في قولك : سير

من الفائدة إلا ما في ( سير ) وجوازه على أنك إذا قلتَ : سير بعبد الله سيرٌ فمعناه : سيرَ بعبد الله ضرب من السير لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول : سير بعبد الله سيران أي : سيرٌ سريعٌ وبطيء أو : قديمٌ وحديثٌ وهذا قولُ أبي العباس رحمه الله
واعلم : أن قولهم ضرب زيد سوطاً أن معناه : ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قامَ مقامَ المصدر ولذلك لم يجز أن تقيمَ السوطَ مقامَ الفاعلِ لا يجوز أن تقول : ضُرِبَ سوطٌ زيداً كما تقول : أعطى درهم عمراً
شرح الثاني وهو المفعول به :
قد تقدّم قولنا في المفعول على الحقيقة أنه المصدر ولما كانت هذه تكون على ضربين : ضرب فيها يلاقي شيئاً ويؤثر فيه
وضرب منه لا يلاقي شيئاً ولا يؤثر فيه فسمي الفعل الملاقي متعدياً وما لا يلاقي غير متعدٍ
فأما الفعل الذي هو غير متعد فهو الذي لم يلاق مصدره مفعولاً نحو : قام وأحمرَ وطالَ
إذا أردت به ضد قصر خاصةً وإن أردتَ بِه معنى علا كان متعدياً والأفعال التي لا تتعدى هي ما كان منها خلقةً أو حركة للجسم في ذاته وهيئةً له أو فعلاً من أفعال النفس غير متشبث بشيء خارج عنها
أما الذي

هو خلقة فنحو : أسوَدَ وأحمرَ وأعورَ وأشهابَ وطالَ وما أشبه ذلك
وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو : قامَ وقعدَ وسارَ وغارَ ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته فإن قال قائل : فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه قيل : هذا لا بدَّ منه لكل فعلٍ والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان
وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو : كرُمَ وظَرُفَ وفَكَر وغَضِبَ وخَبرَ وبَطُرَ ومَلُحَ وحَسُنَ وسمحَ وما أشبه ذلك
وأما الفعل الذي يتعدى فكل حركة للجسم كانت ملاقيةً لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو : نظرت وشممت وسمعت وذقت ولمست وجميع ما كان في معاينهن فهو متعد وكذلك حركة الجسم إذا لاقت شيئاً كان الفعلُ من ذلك متعدياً نحو : أتيتُ زيداً ووطئتُ بلدكَ وداركَ وأما قولك : فارقته وقاطعتهُ وباريتهُ وتاركتهُ فإنما معناه : فعلت كما يفعل وساويت بين الفعلين والمساواة إنما تعلم بالتلاقي وتركتكَ في معنى تاركتكَ لأن كل شيء تركتهُ فقد ترككَ فافهم هذا فإن فيه غموضاً قليلاً
وقد اختلف النحويون في : ( دخلت البيت ) هل هو متعد أو غير متعد وإنما التبس عليهم ذلك لإستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع وهو عندي غير متعد كما قدمناه وإنك لما قلت : دخلت إنما عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط منكشف فالإنتقال ضربٌ واحدٌ وإن اختلفت المواضع و ( دخلت ) مثل غرتُ إذا أتيت الغور فإن وجب أن يكون ( دخلت ) متعدياً وجبَ أن يتعدى ( غرتُ ) ودليلٌ آخر : أنك لا ترى فعلاً من الأفعال يكون متعدياً إلا كان مضاده متعدياً وإن كان غير متعد كان مضادُهُ غير متعد فَمن ذلك : تحركَ

وسكنَ فتحرك غير متعد وسكنَ غير متعد وأبيضَ وأسود كلاهما غير متعد وخرج ضد دخل وخرج غير متعد فواجب أن يكون دخل غير متعد وهذا مذهب سيبويه
قال سيبويه : ومثل : ذهبت الشام دخلت البيت يعني : أنه قد حذف حرف الجر من الكلام وكان الأصل عنده : ذهبت إلى الشام ودخلت في البيت
هما مستعملان بحروف الجر فحذف حرف الجر من حذفه اتساعاً واستخفافاً فإذا قلت : ضربتُ وقتلتُ وأكلتُ وشربت وذكرتُ ونسيتُ وأحيا وأماتَ فهذه الأفعال ونحوها هي المتعدية إلى المفعولين نحو : ضربتُ زيداً وأكلتُ الطعامَ وشربتُ الشراب وذكرتُ الله واشتهيتُ لقاءك وهويتُ زيداً وما أشبه هذا من أفعال النفس المتعدية فهذا حكمه ولا تتمُ هذه الأفعال المتعدية ولا توجد إلا بوجود المفعول لأنك إن قلت : ذكرت ولم يكن مذكور فهو محال وكذلك . اشتهيت وما أشبههُ
واعلم : أن هذا إنما قيل له مفعول به لأنه لما قال القائل : ضَرَبَ وقتل قيل له : هذا الفعل بمنْ وقع فقال : بزيدٍ أو بعمروٍ فهذا إنما يكون في المتعدي نحو ما ذكرنا ولا يقال فيما لا يتعدى نحو : قام وقعد لا يقال هذا القيام بمن وقع ولا هذا القعود بمن حل إنما يقال : متى كان هذا القيام وفي أي وقت وأين كان وفي أي موضع والمكان والزمان لا يخلو فعلٌ منهما متعدياً كان أو غير متعد فمتى وجدتَ فعلاً حقه أن يكون غير متعد بالصفة التي ذكرتُ لك ووجدتَ العرب قد عدتهُ فاعلمْ أن ذلك اتساعٌ في اللغة واستخفاف وأن الأصلَ فيه أن يكون متعدياً بحرف جر وإنما حذفوه استخفافاً نحو ما ذكرت لك من : ذهبت الشام ودخلت البيت وسترى هذا في مواضع من هذا الكتاب

وهذه الأفعال المتعدية تنقسم ثلاثة أقسام : منها ما يتعدى إلى مفعول واحد ومنها ما يتعدى إلى مفعولين ومنها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل فأما ما يتعدى إلى مفعول واحد فقد ذكرنا منه ما فيه كفاية ونحن نتبعه بما يتعدى إلى مفعولين وإلى ثلاثة بعد ذكرنا مسائل هذا الباب إن شاء الله
مسائل من هذا الباب
اعلم : أن الأفعال لا تثنى ولا تجمع وذلك لأنها أجناس كمصادرها ألا ترى أنك تقول : بلغني ضربكم زيداً كثيراً وجلوسكم إلى زيد قليلاً كان الضربُ والجلوس قليلاً أو كثيراً وإنما يثنى الفاعل في الفعل فإن قلت فإنك تقول : ضربتكَ ضربتين وعلمتُ علمتين فإنما ذلك لإختلاف النوعين من ضرب يخالف ضرباً في شدته وقلتِه أو علم يخالف علماً كعلمِ الفقهِ وعلمِ النحوِ كما تقولُ : عندي تمور إذا اختلفت الأجناس ومع ذلك فإن الفعل يدل على زمان فلا يجوز أن تثنيه كما ثنيت المصدر وإن اختلفت أنواعه فالفعل لا بد له من الفاعل يليه بعده إما ظاهراً وإما مضمراً ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع لما بينت لك فإذا قلت : الزيدان يقومان فهذه الألف ضمير الفاعلين والنون علامة الرفع وإذا قلت : الزيدون يقومون فهذه الواو ضمير الجمع والنون علامة الرفع ويجوز : قاموا الزيدون ويقومون الزيدون على لغة من قال : أكلوني البراغيث فهؤلاء إنما يجيئون بالألف والنون وبالواو والنون في : يضربان ويضربون وبالألف والواو في : ضربا وضربوا فيقولون : ضربا الزيدان وضربوا الزيدون ليعلموا أن هذا الفعل لإثنين لا لواحد ولا لجميع ولا لإثنين ولا لواحد كما أدخلت التاء في فِعلِ المؤنثِ لتفصل بين فعل المذكر والمؤنث فكذلك هؤلاء زادوا بياناً

ليفرقوا بين فِعْلِ الإِثنين وبين الواحد والجميع وهذا لعمري هو القياس على ما أجمعوا عليه في التاء من قولهم : قامت هند وقعدت سلمى ولكن هذا أدى إلى إلباس إذ كان من كلامهم التقديم والتأخير فكأن السامع إذا سمع قاموا الزيدون لا يدري هل هو خبر مقدم والواو فيه ضمير أم الواو عمل الجمع فقط غير ضمير وكذلك الألف في ( قاما الزيدان ) فلهذا وغيره من العلل ما جمع على التاء ولم يجمع على الألف والواو فجاز في كل فعل لمؤنث تقول : فعلت ولا يحسنُ سقوطها
إلا أن تفرق بين الإسم والفعل فإذا بعُد منه حسن نحو قولهم : حضر اليوم القاضي امرأة
وقال أبو العباس رحمه الله : إن التأنيث معنى لازم غير مفارق إذا لزم المعنى لزمت علامته وليس كذا التثنية والجمع لأنه يجوز أن يفترق الإِثنان والجمع فتخبر عن كل واحد منهما على حياله والتأنيث الحقيقي الذي لا يجوز فعله إلا بعلامة التأنيث هو كل مؤنث له ذكر كالحيوان نحو قولك : قامت أمة الله ونتجت فرسك والناقة إلا أن يضطر شاعر فيجوز له حذف العلامة على قبح فإن كان التأنيث في الإسم ولا معنى تحته فأنت مخير إن شئت جئت بالتاء لتأنيث اللفظ وإن شئت حذفتها
قال الله عز و جل : ( فمن جاءه موعظة من ربه ) ( قالوا ) لأن الموعظة والوعظ سواء

وقال تعالى : ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة ) لأن الصيحة والصوت واحد أما قوله تعالى : ( وقال نسوة في المدينة ) فإنما جاء على تقدير جماعة فهو تأنيث الجمع ولا واحد لزمه التأنيث فجمع عليه فلو كان تأنيث الواحد للزمه التاء كما تقول : قامت المسلمات لأنه على ( مسلمة ) وتقول : قامت الرجال لأنه تأنيث الجمع
واعلم : أن الفاعل لا يجوز أن يُقدم على الفعل إلا على شرط الإبتداء خاصة وكذلك ما قام مقامه من المفعولين الذين لم يسم من فَعَلَ بهم فأما المفعول إذا كان الفعل متصرفاً فيجوز تقديمُه وتأخيره تقول : ضربت زيداً وزيداً ضربتُ وأكلت خبزاً وخبزاً أكلت وضَرَبَتْ هند عمراً وعمراً ضَرَبَتْ هند وغلامُك أخرج بكراً وبكراً أخرج غلامك وتقول : أشبع الرجلين الرغيفان ويكفي الرجلين الدرهمان وتقول : حرق فاه الخل لأن الخل هو الفاعل وتقول : أعجب ركوبك الدابة زيداً فالكاف في قولك : ( ركوبك ) مخفوضة بالإِضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيداً أن رَكِبت الدابة فالمصدر يجر ما أُضيف إليه فاعلاً كان أو مفعولاً ويجري ما بعده على الأصل فإضافته إلى الفاعل أحسن لأنه له كقول الله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض )
وإضافته إلى المفعول حسنة لأنه

به اتصل وفيه حل
تقول : أعجبني بناءُ هذه الدار وما أحسن خياطةَ هذا الثوب فعلى هذا يقول : أعجب ركوبُ الفرس عمرو زيداً أردت : أعجب أن رَكِبَ الفرس عمرو زيداً
فالفرس وعمرو وركب في صلة أن وزيد منتصب ب ( أعجب ) خارج عن لالصلة تقدمه إن شئت قبل ( أعجب ) وإن شئت جعلته بين أعجب والركوب وكذلك : عجبت من دق الثوبِ القصارُ فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفاً ولاماً امتنعت إضافته فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوبٌ زيدٌ الفرس عمراً وإن شئت قلت : أعجب ركوبٌ الفرسَ زيدٌ عمراً ولا يجوز أن تقدم الفرس ولا زيداً قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من زيد
وتقول : ما أعجب شيء شيئاً إعجاب زيدٍ ركوبُ الفرسِ عمرو نصبت ( إعجاب ) لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئاً إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك : أعجب لأن معناه : كما أعجب زيداً أن ركب الفرس عمروٌ
وتقول : أعجب الأكلُ الخبزَ زيدٌ عمراً على ما وصفت لك وعلى ذلك قال الله تعالى : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) التقدير : أو أن أُطعم . لقوله وما أدراك
وتقول : أعجب بيعُ طعامِك رخصُه المشتريه فالتقدير : أعجب أن باع طعامك رخصه الرجل المشتريه
فالرخص هو الذي باع الطعام وتقول : أعجبني ضربُ الضارب زيداً عبدَ الله رفعت الضرب لأنه فاعل ب ( أعجبني ) وأضفته إلى الضارب ونصبت زيداً لأنه مفعول في صلة الضارب ونصبت عبد الله بالضرب الأول وفاعله ( الضارب ) المجرور وتقديره : أعجبني أن ضرب الضارب زيداً عبد الله
وتقول : أعجب إعطاءٌ الدراهم أخاك غلامك أباك نصبت أباك ب ( أعجب ) وجعلت غلامك هو الذي أعطى الدراهم أخاك
وتقول : ضَرْبَ الضاربِ عمراً المكرم زيداً أحبَّ أخواك نصبت ضرب الأول ب ( أحب ) وجررت

( الضارب ) بالإِضافة وعديته إلى ( عمرو ) ونصبت المكرم زيداً بضرب الأول فإن أردت أن لا تعديه إلى عمرو قلت : ضرْبَ الضاربِ المكرمَ زيداً أحبَّ أخواك وهذا كله في صلة الضرب لأنك أضفته إلى الضارب وسائر الكلام إلى قولك ( أحب ) متصل به
وتقول : سر دفعك إلى المعطي زيداً ديناراً درهماً القائم في داره عمرو نصبت القائم ( بسر ) ورفعت عمراً بقيامه ولو قلت : سرّ دفعكَ إلى زيدٍ درهماً ضربكَ عمراً كان محالاً لأن الضرب ليس مما يسرُّ ولو قلت : وافق قيامُك قعود زيد صلح ومعناه أنهما اتفقا في وقت واحد ولو أردت ( بوافق ) معنى الموافقة التي هي الإِعجاب لم يصلح إلا في الآدميين

باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين
الفعل الذي يتعدى على مفعولين ينقسم إلى قسمين : فأحدهما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر
والآخر يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فأما الذي يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فقولك : أعطى عبد الله زيداً درهماً وكسا عبد الله بكراً ثوباً فهذا الباب الذي يجوز فيه الإقتصار على المفعول الأول ولا بد أن يكون المفعول الأول فاعلاً فيه في المعنى بالمفعول الثاني ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت زيداً درهماً فزيد المفعول الأول
والمعنى : أنك أعطيته فأخذ الدرهم والدرهم مفعول في المعنى لزيد وكذلك : كسوت زيداً ثوباً المعنى : أنّ زيداً اكتسى الثوب ولبسه
والأفعال التي تتعدى إلى مفعول واحد كلها إذا نقلتها من ( فَعلَ ) إلى ( أفْعَلَ ) كتاب كان من هذا الباب تقول : ضرب زيداً عمراً ثم تقول : أضربت زيداً عمراً أي : جعلت زيداً يضرب عمراً فعمرو في المعنى مفعول لزيد فهذه هي الأفعال التي يجوز لك فيها الإقتصار على المفعول الأول لأن الفائدة واقعة به وحده تقول : أعطيت زيداً ولا تذكر ما أعطيته فيكون كلاماً تاماً مفيداً
وتقول : أضربت زيداً ولا تقول لمن أضربته
واعلم : أن من الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين في اللفظ وحقه أن يتعدى إلى الثاني بحرف جر إلا أنهم استعملوا حذف حرف الجر فيه

فيجوز فيه الوجهان في الكلام
فمن ذلك قوله تعالى : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا ) وسميته زيداً وكنيت زيداً أبا عبد الله ألا ترى أنك تقول : اخترت من الرجال وسميته بزيد وكنيته بأبي عبد الله ومن ذلك قول الشاعر :
( أستغفرُ اللَه ذَنْباً لَسْتُ مُحصيهُ ... رَبَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعَملُ )
وقال عمرو بن معد يكرب :
( أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافعَلْ ما أُمِرْتَ بهِ ... فقدْ تركتُكَ ذَا مالٍ وذَا نَشَبِ )

أراد : استغفر الله من ذنب وأمرتك بالخير ومن ذلك : دعوته زيداً إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولاً واحداً فأصل هذا دخول الباء فإذا حذف حرف الجر عمل الفعل ومنه : نبئت زيداً تريد : عن زيد وأنشد سيبويه في حذف حرف الجر قول المتلمس :
( آليتُ حَبَّ العراقِ الدَّهرَ أطعمُهُ ... والحَبُّ يأكلُهُ في القريةِ السُّوسُ )
وقال : تريد على حب العراق . وقد خولف في ذلك
قال أبو العباس : إنما هو : آليت أطعم حب العراق أي : لا أطعم

كما تقول : والله أبرح ها هنا أي : لا أبرح
وخالفه أيضاً في نبَّأْتُ زيداً فقالَ : زيداً معناهُ : أعلمتَ زيداً ونبَّأْتُ زيداً معناه : أعملتُ زيداً
وأعلم : أنه ليس كل فعل يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل إنما هذا يجوز فيما استعملوه وأُخذ سماعاً عنهم ومن ذلك قول الفرزدق :
( مِنَا الَّذي أخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً ... وُجوداً إذا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازعُ )
والقسم الثاني : وهو الذي يتعدى إلى معفولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر هذا الصنف من الأفعال التي تنفذ منك إلى غيرك ولا يكون من الأفعال المؤثرة وإنما هي أفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتجعل الخبر يقيناً أو شكاً وذلك قولك : حسب عبد الله زيداً بكراً وظن عمروٌ خالداً أخاك وخال عبد الله زيداً أباك وعلمت زيداً أخاك ومثل ذلك : رأى عبد الله زيداً صاحبنا إذا لم ترد رؤية العين
ووجد عبد الله زيداً ذا الحفاظ إذا لم ترد التي في معنى وجدان الضالة
ألا ترى أنك إذا قلت : ظننت عمراً منطلقاً فإنما شكك في إنطلاق عمرو لا في عمروٍ وكذلك إذا

قلت : علمت زيداً قائماً فالمخاطب إنما استفاد قيام زيدٍ لا زيداً لأنه يعرف زيداً كما تعرفه أنت والمخاطبُ والمُخاطِبُ في المفعول الأول سواء وإنما الفائدة في المفعول الثاني كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر لا في المبتدأ فلما كانت هذه الأفعال إنما تدخل على المبتدأ والخبر والفائدة في الخبر والمفعول الأول هو الذي كان مبتدأ والمفعول الثاني هو الذي كان الخبرَ بقيَ موضعُ الفائدةِ على حالهِ
واعلم : أن كل فعل متعد لك ألاّ تعديه وسواء عليك أكان يتعدى إلى مفعول واحد أو إلى مفعولين أو إلا ثلاثة لك أن تقول : ضربت ولا تذكر المضروب لتفيد السامع أنه قد كان منك ضرب
وكذلك ظننت يجوز أن تقول : ظننت وعلمت إلى أن تفيد غيرك ذلك
واعلم : أن ظننت وحسبت وعلمت وما كان نحوهن لا يجوز أن يتعدى واحد منها إلى أحد المفعولين دون الآخر لا يجوز : ظننت زيداً وتسكت حتى تقول : ( قائماً ) وما أشبه
من أجل أنه إنما يدخل على المبتدأ والخبر فكما لا يكون المبتدأ بغير خبر كذلك : ( ظننت ) لا تعمل في المفعول الأول بغير مفعول ثانٍ
فأما قولهم : ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه لأنه كناية عن الظن يعني المصدر فكانه قال : ظننت ذاك الظن ف ( ذاك ) : إشارة إلى المصدر تعمل الظن فيه كما تعمل الأفعال التي لا تتعدى في المصدر إذا قلت : قمت قياماً ويجوز إذا لم تعد : ظننت أن تقول : ظننت به تجعله موضع ظنك كما تقول : نزلت به ويجوز لك أن تلغي الظن إذا توسط الكلام أو تأخر وإن شئت أعملته تقول : زيدٌ ظننت منطلق
وزيدٌ منطلقٌ ظننت فتلغي الظن إذا تأخر ولا يحسن الإِلغاء إلا مؤخراً فإذا ألغيت فكأنك قلت : زيدٌ منطلق في ظني ولا يحسن أن تلغيَهُ إذا تقدم

مسائل من هذا الباب
تقول : ظننته أخاك قائماً تريد : ظننت الظن فتكون الهاء كناية عن الظن كأنك قلت : ظننت أخاك قائماً الظن ثم كنيتَ عن الظن وأجاز بعضهم : ظننتها أخاك قائماً يريد : الظنة وكذلك إن جعلت الهاء وقتاص أو مكاناً على السعة تقول : ظننت زيداً منطلقاً اليوم ثم تكني عن اليوم فتقول : ظننت زيداً منطلقاً فيه ثم تحذف حرف الجر على السعة فتقول : ظننته زيداً منطلقاً تريد : ظننت فيه والمكان كذلك وإذاولي الظن حروف الإستفهام وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول : علمت أزيدٌ في الدار أم عمرو وعلمت إن زيداً لقائم وأخال لعمرو أخوك وأحسب ليقومن زيد ومن النحويين من يجعل ما ولا ك ( أَنْ ) واللام في هذا المعنى فيقول : أظن ما زيد منطلقاً وأحسب لا يقوم زيد لأنه يقول : والله ما زيد محسناً ووالله لا يقوم وزيد
وتقول : ظننته زيدٌ قائمٌ تريد ظننت الأمر والخبر وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول
وتقول ظننته هند قائمة فتذكر لأنك تريد الأمر والخبر وظننته

تقوم هند ويجوز في القياس : ظننتها زيد قائم تريد : القصة
ولا أعلمه مسموعاً من العرب
فأما الكوفيون فيجيزون تأنيث المجهول وتذكيره إذا وقع بعده المؤنث يقولون : ظننته هند قائمة وظننتها هند قائمة وتقول : ظننته قائم زيد والهاء كناية عن المجهول
والكوفيون يجيزون إذا ولي هذه الهاء فعل دائم النصب فيقولون : ظننته قائماً زيدٌ ولا أعرف لذلك وجهاً في القياس ولا السماع من العرب وتقول : زيدٌ أظنُّ منطلقٌ فتلغي ( أظنُّ ) كما عرفتك
وتقول : خلفكَ أحسبُ عمروٌ قامَ وقائمٌ أظن زيد فتلغي وإن شئت أَعملت والكوفيون لا يجيزون إذا تقدمه ماضٍ أو مستقبل أن يعملوا
ويحيزون أن يعمل إذا تقدمه اسم أو صفة والإِلغاء عندهم أحسن
قال أبو بكر وذلك عندنا سواء
قال الشاعر :
( أَباالأراجيزِ يا ابْنَ اللُّؤمِ تُوعِدُني ... وفي الأَراجِيزِ خلتُ اللومُ والخورُ )

فألغى : ( خلتُ ) ويلغي المصدر كما يلغي الفعل وتقول : عبد الله ظني قائم وفي ظني وفيما أظن وظناً مني فهذا يلغي وهو نصب تريد : أظن ظناً وإذا قلت : في ظني ( ففي ) من صلة كلامك جعلت ذلك فيما تظن
وحكي عن بعضهم : أنه جعله من صلة خبر عبد الله لأن قيامه فيما يظن وتقول : ظننت زيداً طعامَكَ آكلاً وطعامكَ ظننت زيداً آكلاً
ولا يجوز : ظننت طعامك زيداً آكلاً من حيث قبح : كانت زيداً الحمّى تاخذ وهذه المسألة توافق : كانتْ زيداً الحمى تأخذُ من جهة وتخالفها من جهة أما الجهة التي تخالفها فإن ( كانت ) خالية من الفاعل وظننت معها الفاعل والفعل لا يخلو من الفاعل
والتفريق بينه وبين الفاعل أقبح منه بينه وبين المفعول
والذي يتفقان فيه أن ( كان ) تدخل على مبتدأ وخبر وظننت ما عملا فيه بما لم يعملا فيه
فإن أعملت : ( ظننت ) في مجهول جاز كما جاز في ( كان ) ورفعت زيداً وخبره فقلت : ظننته طعامك زيدٌ آكلٌ ويجوز : ظننته آكل زيد طعام ويجوز في قول الكوفيين نصب آكل
وقد أجاز قوم من النحويين : ظننت عبد الله يقوم وقاعداً وظننت عبد الله قاعداً ويقوم
ترفع ( يقوم ) وأحدهما نسق على الآخر
ولكن إعرابهما مختلف وهو عندي قبيح من أجل عطف الإسم على الفعل والفعل على الإسم لأن العطف أخو التثنية فكما لا يجوز أن ينضم فعل إلى اسم في تثنية كذلك لا يجوز في العطف ألا ترى أنك إذا قلت : زيدان فإنما معناه : زيد وزيد فلو كانت الأسماء على لفظ واحد لاستغني عن العطف

وإنما احتيج إلى العطف لإختلاف الأسماء تقول : جاءني زيد وعمرو لما اختلف الإسمان ولو كان اسم كل واحد منهما عمرو لقلت : جاءني العمران فالتثنية نظير العطف ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول : جاءني زيد وزيد فحق الكلم التي يعطف بعضها على بعض أن يكون متى اتفقت ألفاظها جاز تثنيتها وما ذكروا جائز في التأويل لمضارعة ( يَفْعَلُ ) لفاعل وهو عندي قبيح لما ذكرت لك
وتقول : ظن ظاناً زيداً أخاك عمرو تريد : ظن عمرو ظاناً زيداً أخاك رفعت عمراً وهو المفعول الأول إذ قام مقام الفاعل ونصبت ( ظاناً ) لأنه المفعول الثاني فبقي على نصبه
ويجوز أن ترفع ظاناً وتنصب عمراً فتقول : ظن ظان زيداً أخاك عمراً كأنك قلت : ظن رجل ظان زيداً أخاك عمراً فترفع ( ظاناً ) بأنه قد قام مقام الفاعل وتنصب زيداً أخاك به وتنصب عمراً لأنه مفعول ( ظن )
وهو خبر ما لم يسم فاعله وتقول : ظن مظنون عمراً زيداً
كأنك قلت : ظن رجل مظنون عمراً زيداً فترفع ( مظنون ) بأنه قام مقام الفاعل وفيه ضمير رجل والضمير مرتفع ب ( مظنون ) وهو الذي قام مقام الفاعل في مظنون وعمراً منصوب ب ( مظنون ) وزيداً منصوب ب ( ظن )
وتقول : ظن مظنون عمرو أخاه زيداً كأنك قلت : ظن رجل مظنون عمرو أخاه زيداً و ( مظنون ) في هذا وما أشبهه من النعوت يسميه الكوفيون خلفاً يعنون أنه خلف من اسم
ولا بد من أن يكون فيه راجع إلى الإسم المحذوف
والبصريون يقولون : صفة قامت مقام

الموصوف والمعنى واحد فيرفع ( مظنون ) بأنه قام مقام الفاعل وهو ما لم يسم فاعله وترفع عمراً ب ( مظنون ) لأنه قام مقام الفاعل في مظنون
ونصبت أخاه ب ( مظنون ) ورجعت الهاء إلى الإسم الموصوف الذي ( مظنون ) خلف منه ونصبت زيداً ب ( ظن ) فكأنك قلت : ظن رجل زيداً ولو قتل : ظن مظنون عمرو أخاك زيداً لم يجز لأن التأويل : ظن رجل مظنون عمرو أخاك زيداً ف ( مظنون ) صفة لرجل ولا بد من أن يكون في الصفة أو فيما تشبثت به الصفة ما يرجع إلى رجل
وليس في هذه المسألة ما يرجع إلى رجل فمن أجل ذلك لم يجز ويجوز في قول الكوفيين : ظن زيد قائماً أبوه على معنى أن يقوم أبوه
ولا يجيز هذا البصريون لأنه نقض لباب ( ظن ) وما عليه أصول الكلام وإنما يجيز هذا الكوفيون فيما عاد عليه ذكره
وينشدون :
( أظنُّ ابنَ طُرثُوثٍ عُتيبةُ ذَاهِباً ... بعَاديتي تكذابُهُ وجَعائلُه )

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين
اعلم : أن المفعول الأول في هذا الباب هو الذي كان فاعلاً في الباب الذي قبله فنقلته من فَعَلَ إلى ( أفعلَ ) فصار الفاعل مفعولاً وقد بينت هذا فيما تقدم تقول رأى زيد بشراً أخاك فإذا نقلتها إلى ( أفعل ) قلت : أرى الله زيداً بشراً أخاك وأعلم الله زيداً بكراً خير الناس
وقد جاء ( فَعَلْتُ ) في هذا النحو تقول : نبأت زيداً عمراً أبا فلان ولا يجوز الإِلغاء في هذا الباب كما جاز في الباب الذي قبله لأنك إذا قلت : علمت وظننت وما أشبه ذلك فهي أفعال غير واصلة فإذا قلت : ( أعلمت ) كانت واصلة فمن هنا حسن الإِلغاء في ( ظننت وعلمت ) ولم يجز إلغاء : ( علمت ) لأنك إذا ( ظننت ) فإنما هو شيء وقع في نفسك لا شيء فعلتَه
وإذا قلت : ( أعلمت ) فقد أثرت أثراً أوقعته في نفس غيرك
ومع ذلك فإن : ( ظننت وعلمت ) تدخلان على المبتدأ والخبر فإذا ألغينا بقي الكلام تاماً مستغنياً بنفسه تقول : زيداً ظننت منطلقاً فإذا ألغيت : ( ظننت ) بقي زيد ومنطلق فقلت : زيد منطلق ثم تقول ( ظننت ) والكلام مستغن والملغى نظير المحذوف فلا يجوز أن يلغى من الكلام ما إذا حذفته بقي الكلام غير تام ولو ألغيت : ( أعلمت ورأيت ) من قولك : أريت زيداً بكراً خير الناس وأعلمت بشراً خالداً شر الناس والملغى كالمحذوف لبقي زيد بكر خير الناس فزيد بغير خبر والكلام غير مؤتلف ولا تام

واعلم : أن هذه الأفعال المتعدية كلها ما تعدى منها إلى مفعول وما تعدى منها إلى اثنين وما تعدى منها إلى ثلاثة إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى مفعول من المصدر والظرفين والحال وذلك قولك : أعطى عبد الله زيداً المال إعطاء جميلاً وأعلمت هذا زيداً قائماً العلم اليقين إعلاماً لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى

مسائل من هذا الباب
تقول : سرقت عبد الله الثوب الليلة فتعدى ( سَرَقْتُ ) إلى ثلاثة مفعولين على أن لا تجعل ( الليلة ) ظرفاً ولكنك تجعلها مفعولاً على السعة في اللغة كما تقول : يا سارق الليلة زيداً الثوب
فتضيف ( سارقاً ) إلى الليلة وإنما تكون الإِضافة إلى الأسماء لا إلى الظروف وكذلك حروف الجر إنما تدخل على الأسماء لا على الظروف فكل منجر بجار عامل فيه فهو اسم وتقول : أعلمت زيداً عمراً هندٌ معجبها هو
كان أصل الكلام : علم زيداً عمراً هند معجبها هو
فزيد مرفوع ب ( عَلَم ) وعمرو منصوب بأنه المفعول الأول وهند مرتفعة بالإبتداء ( ومعجبها ) هو الخبر و ( هو ) هذه كناية عن عمرو وراجعة إليه فلم يجز أن تقول : معجبها ولا تذكر ( هو ) لأن أسماء الفاعلين إذا جرت على غير من هي له لم يكن بد من إظهار الفاعل
وقد بينا هذا فيما تقدم ( وهند ) وخبرها الجملة بأسرها قامت مقام المفعول الثاني وموضعها نصب فإذا نقلت ( علم ) إلى ( أعلمت ) صار زيد مفعولاً فقلت : أعلمت زيداً عمراً هند معجبها هو فإن قيل لك أكن عن ( هند معجبها هو )

قلت : أعلمت زيداً عمراً إياه لأن موضع الخبر نصب
وهذا إذا كنيت عن معنى الجملة لا عن الجملة وتقول : أعلمته زيداً أخاك قائماً تريد : أعلمت العلم فتكون الهاء كناية عن المصدر كما كانت في ( ظننته زيداً أخاك ) فإن جعلت الهاء وقتاً أو مكاناً على السعة جاز كما كان في ( ظننته ) وقد فسرته في باب مسائل ( ظننت )
ومن قال ظننته زيد قائم : فجعل الهاء كناية عن الخبر والأمر وهو الذي يسميه الكوفيون المجهول لم يجز له أن يقول في ( أعلمت زيداً عمراً خير الناس ) أعلمته زيداً عمرو خير الناس لما خبرتك به من أنه يبقى زيد بلا خبر وإنما يجوز ذلك في الفعل الداخل على المبتدأ والخبر فلا يجوز هذا في ( أعلمت ) كما لا يجوز الإِلغاء لأنك تحتاج إلى أن تذكر بعد الهاء خبراً تاما يكون هو بجملته تلك الهاء والأفعال المؤثرة لا يجوز أن يضمر فيها المجهول إنما تذكر المجهول مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر ونحو : كان وظننت وأن وما أشبه ذلك ألا ترى أن تأويل ظننته زيد قائم ظننت الأمر والخبر زيد قائم وكذلك إذا قلت : إنَّه زيد قائم فالتأويل : أن الأمر زيد قائم وكذلك : كان زيد قائم إذا كان فيها مجهول التأويل كان الأمر زيد قائم ولا يجوز أن تقول : أعلمت الأمر ولا أريت الأمر هو ممتنع من جهتين : من جهة أن زيداً يكون بغير خبر يعود إليه ولو زدت في المسألة أيضاً ما يرجع إليه ما جاز من الجهة الثانية
وهي أنه لا يجوز : أعلمت الخبر خبراً إنما يعلم المستخبر وتقول : أعلمت عمراً زيداً ظاناً بكراً أخاك كأنك قلت : أعلمت عمراً زيداً رجلاً ظاناً بكراً أخاك
فإن رددت إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعلم عمرو زيداً ظاناً بكراً أخاك ولك أن تقيم ( زيداً ) مقام الفاعل وتنصب عمراً فتقول : أعلم زيد عمراً ظاناً بكراً أخاك ولا يجوز : أعلم ظان بكراً أخاك

عمراً زيداً
من أجل أن حق المفعول الثالث أن يكون هو الثاني في المعنى إذ كان أصله المبتدأ والخبر وقد تقدم تفسير ذلك فإن كان عمرو هو زيد له إسمان جاز وجعلته هو على أن يغني غناه ويقوم مقامه كما تقول : زيد عمرو أي : أن أمره وهو يقوم مقامه جازَ وإلا فالكلام محالٌ لأن عمراً لا يكون زيداً
شرح الثالث : وهو المفعول فيه :
المفعول فيه ينقسم على قسمين : زمان ومكان أما الزمان فإن جميع الأفعال تتعدى إلى كل ضرب منه معرفة كان أو نكرة وذلك أن الأفعال صيغت من المصادر بأقسام الأزمنة كما بينا فيما تقدم فما نصب من أسماء الزمان فانتصابه على أنه ظرف وتعتبره بحرف الظرف أعني
( في ) فيحسن معه فتقول : قمت اليوم وقمت في اليوم فأنت تريد معنى ( في ) وإن لم تذكرها ولذلك سميت إذا نصبت ظروفاً لأنها قامت مقام ( في ) ألا ترى أنك إذا قلت : قمت اليوم ثم قيل لك : أكن عن اليوم قلت : قمت فيه وكذلك : يوم الجمعة ويوم الأحد والليلة وليلة السبت وما أشبه ذلك وكذلك : نكراتها نحو قولك : قمت يوماً وساعة وليلة وعشياً وعشيةً وصباحاً ومساءً
فأما سحر إذا أردت به سحر يومك وغدوة وبكرة هذه الثلاثة الأحرف فإنها لا تتصرف تقول : جئتك اليوم سحر وغدوة وبكرة يا هذا وسنذكرها في موضعها فيما يتصرف وما لا يتصرف إن شاء الله
وكل ما جاز أن يكون جواب ( متى ) فهو زمان ويصلح أن يكون ظرفاً

للفعل يقول القائل : متى قمت فتقول : يوم الجمعة ومتى صمت فتقول : يوم الخميس ومتى قدم فلان فتقول : عام كذا وكذا وكل ما كان جواب متى فالعمل يجوز أن يكون في بعضه وفي كله يقول القائل : متى سرت فتقول : يوم الجمعة فيجوز أن يكون سرت بعض ذلك اليوم ويجوز أن يكون قد سرت اليوم كله ( وكم )
من أجل أنها سؤال عن عدد تقع على كل معدود والأزمنة مما يعد فهي يسأل بها عن عدد الأزمنة فيقول القائل : كم سرت فتقول : ساعة أو يوماً أو يومين ولا يسأل ( بكم ) إلا عن نكرة ( ومتى ) لا يسأل بها إلا عن معرفة أو ما قارب المعرفة يقول القائل : كم سرت فتقول : شهرين أو شهراً أو يوما ولا يجوز أن تقول : الشهر الذي تعلم ولا اليوم الذي تعلم لأن هذا من جواب ( متى )
وأما قولهم : سار الليل والنهار والدهر والأبد فهو وإن كان لفظه لفظ المعارف فهو في جواب ( كم ) ولا يجوز أن يكون جواب ( متى ) لأنه إنما يراد به التكثير وليست بأوقات معلومة محدودة فإذا قالوا : سِيرَ عليه الليل والنهار فكأنهم قالوا : سِيرَ عليه دهراً طويلاً وكذلك الأبد فإنما يراد به التكثير والعدد وإلا فالكلام محال
وذكر سيبويه : أن المحرم وسائر أسماء الشهور أجريت مجرى الدهر والليل والنهار وقال لو قلت : شهر رمضان أو شهر ذي الحجة كان بمنزلة يوم الجمعة أو البارحة ولصار جواب ( متى ) فالمحرم عنده بلا ذكر ( شهر ) يكون في جواب ( كم ) فإن أضفت شهراً إليه صار في جواب ( متى ) وحجته في ذلك استعمال العرب له لذلك قال : وجميع ما ذكرت لك مما يكون مجرى على ( متى ) يكون مجرى على ( كم ) ظرفاً وغير ظرف
وبعض ما يكون في ( كم ) لا يكون في ( متى ) نحو : الدهر والليل والنهار

واعلم : أن أسماء الأزمنة تكون على ضربين : فمنها ما يكون اسماً ويكون ظرفاً ومنها ما لا يكون إلا ظرفاً
فكل اسم من أسماء الزمان فلك أن تجعله اسماً وظرفاً إلا ما خصته العرب بأن جعلته ظرفاً وذلك ما لم تستعمله العرب مجروراً ولا مرفوعاً
وهذا إنما يؤخذ سماعاً عنهم فمن ذلك : ( سحر ) إذا كان معرفة غير مصروف تعني به : سحر يومك لا يكون إلا ظرفاً وإنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر و بالألف واللام أو نكرة وكذلك تحقير سحر إذا عنيت : سحر يومك لم يكن إلا ظرفاً
تقول : سير عليه سحيراً وتصرفه لأن ( فعيلاً ) منصرف حيث كان
ومثله ضحى إذا عنيت : ضحى يومك وصباحاً وعشية وعشاء إذا أردت : عشاء يومك فإنه لم يستعمل إلا ظرفاً وكذلك : ذات مرة وبعيدات بينَ وبكراً وضحوة إذا عنيت ضحوة يومك وعتمة إذا أردت : عتمة ليلتك وذات يوم وذات مرة وليل ونهار إذا أردت : ليل ليلتك ونهار نهارك وذو صباح ظرف
قال سيبيويه : أخبرنا بذلك يونس إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم : ذات ليلة وذات مرة أي جاءتا مرفوعتين فيجوز على هذا أن تنصب نصب المفعول على السعة

واعلم : أن العرب قد أقامت أسماء ليست بأزمنة مقام الأزمنة إتساعاً واختصاراً وهذه الأسماء تجيء على ضربين :
أحدهما : أن يكون أصل الكلام إضافة أسماء الزمان إلى مصدر مضاف فحذف اسم الزمان اتساعاً نحو : جئتك مقدم الحاج وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر فالمراد في جميع هذا : جئتك وقت مقدم الحاج ووقت خفوق النجم ووقت خلافة فلان ووقت صلاة العصر
والآخر : أن يكون اسم الزمان موصوفاً فحذفا اتساعاً وأُقيم الوصف مقام الموصوف نحو : طويل وحديث وكثير وقليل وقديم وجميع هذه الصفات إذا أقمتها مقام الأحيان لم يجز فيها الرفع ولم تكن إلا ظروفاً وجرت مجرى ما لا يكون إلا ظرفاً من الأزمنة فأما قريب فإن سبيويه أجاز فيه الرفع وقال : لأنهم يقولون : لقيته مذ قريب وكذلك ملى قال : والنصب عندي عربي كثير
فإن قلت : سير عليه طويل من الدهر وشديد من السير فأطلقت الكلام ووصفته كان أحسن وأقوى وجاز
قال أبو بكر : وإنما صار أحسن إذا وصف لأنمه يصير كالأسماء لأن الأسماء هي التي توصف وكل ما كان من أسماء الزمان يجوز أن يكون إسماً وأن يكون ظرفاً فلك أن تنصبه نصب المفعول على السعة تقول : قمت اليوم وقعدت الليلة فتنصبه نصب ( زيد ) إذا قلت : ضربت زيداً ويتبين لك هذا في الكناية أنك إذا قلت : قمت اليوم فتنصبه نصب المفعول على

السعة فكنيت عنه قلت : قمته وإذا نصبته نصب الظروف قلت : قمت فيه
وإذا وقع موقع المفعول جاز أن يقوم مقام الفاعل فيما لم يُسَم فاعلُهُ
ألا تراهم قالوا : صِيد عليه يومان وولد له ستون عاماً
مسائل من هذا الباب
تقول : يوم الجمعة القتال فيه فيوم الجمعة مرفوع بالإبتداء والقتال فيه الخبر والهاء راجعة إلى يوم الجمعة وإذا أضمرته وشغلت الفعل عنه خرج من أن يكون ظرفاً والظروف متى كني وتحدث عنها زال معنى الظرف ويجوز : يوم الجمعة القتال فيه على أن تضمر فعلاً قبل يوم الجمعة يفسره القتال فيه كأنك قلت : القتال يوم الجمعة القتال فيه هذا مذهب سيبويه والبصريين فلك أن تنصبه نصب الظروف ونصب المفعول
وتقول : اليوم الصيام واليوم القتال فترفع الصيام والقتال بالإبتداء واليوم خبر الصيام والقتال واليوم منصوب بفعل محذوف كأنك قلت : الصيام يستقر اليوم أو يكون اليوم وما أشبه ذلك ولا يجوز أن تقول : زيدٌ اليوم ويجوز أن تقول : الليلة الهلال
وقد بينا هذا فيما تقدم عند ذكرنا خبر المبتدأ
وتقول : اليوم الجمعة واليوم السبت لأنه عمل في اليوم فإن جعلته اسم اليوم رفعت
فأما : اليوم الأحد واليوم الإثنان إلى الخميس فحق هذا الرفع لأن هذه كلها أسماء لليوم ولا يكون عملاً فيها وإنما كان ذلك في الجمعة والسبت لأن الجمعة بمعنى الإجتماع والسبت بمعنى الإنقطاع

وتقول : اليومُ رأس الشهر واليومَ رأس الشهر أما النصب فكأنك قلت : اليوم ابتداء الشهر وأما الرفع فكأنك قلت : اليوم أول الشهر فتجعل اليوم هو الأول
وإذا نصبت فالثاني غير الأول
واعلم : أن أسماء الزمان تضاف إلى الجمل وإلى الفعل والفاعل وإلى الإبتداء والخبر تقول : هذا يوم يقوم زيد وأجيئك يوم يخرج الأمير وأخرج يوم عبد الله أمير وتقول : إن يوم عبد الله أمير زيداً جالس تريد : إن زيداً جالس يوم عبد الله أمير فإن جعلت في أول كلامك ( فيه ) قلت : إن يوماً فيه عبد الله خارج زيداً مقيم فتنصب ( زيداً ) ب ( أن ) و ( مقيم ) خبره و ( يوماً ) منتصب بأنه ظرف ل ( مقيم ) و ( فيه عبد الله خارج ) صفة ليوم فإن قلت : إن يوماً فيه عبد الله خارج زيد فيه مقيم خرج اليوم من أن يكون ظرفاً وصار اسماً ل ( أَنَّ ) وإنما أخرجه من أن يكون ظرفاً : أنك جئت ( بفيه ) فأخبرت عنه : بأن إقامة زيد فيه ف ( فيه ) الثانية أخرجته عن أن يكون ظرفاً لأنها شغلت مقيماً عنه ولم تخرجه ( فيه ) الأولى من أن يكون ظرفاً لأنها من صلة الكلام الذي هو صفة ( لليوم ) فالصفة لا تعمل في الموصوف فيكون متى شغلتها خرج الظرف عما هو عليه وإنما دخلت لتفصل بين يوم خرج فيه عبد الله وبين يوم لم يخرج فيه فقولك : يوم الجمعة قمت فيه بمنزلة قولك : زيد مررت به لا فرق فيه الإِخبار عنهما وتقول : ما اليوم خارجاً فيه عبد الله وما يوم خارج فيه عبد الله منطلقاً فيه زيد
وتقول : ما يوماً خارجاً فيه زيد منطلق عمرو فتنصب يوماً بأنك جعلته ظرفاً للإنطلاق ونصبت ( خارجاً ) لأنه صفة لليوم وأما ( منطلق ) فإنما رفعته لأنك قدمت خبر ( ما )
ومن قال :
( يا سَارِقَ اللَّيلةِ أَهْلَ الدَّارِ ... )

فجر ( الليلة ) وجعلها مفعولاً بها على السعة فإنه يقول : أما الليلة فأنت سارقها زيدا وأما اليوم فأنتَ آكله خبزاً وهذان اليومان أنا ظانهما زيداً عاقلاً لأنه قد جعله مفعولاً به على السعة ولا تقول : اليوم أنا معلمه زيداً بشراً منطلقاً لأنه لا يكون فعل يتعدى إلى أربعة مفاعيل فيشبه هذا به وقد أجازه بعض الناس
وتقول على هذا القياس : أما الليلة فكأنها زيدٌ منطلقاً وأما اليوم فليسه زيد منطلقاً وأما الليلة فليس زيد إياها منطلقاً وأما اليوم فكأنه زيد منطلقاً وأما اليوم فكان زيد إياه منطلقاً تريد في جميع هذا : ( في ) فتحذف على السعة ولا تقول : أما اليوم فليته زيداً منطلق تريد : ليت فيه لأن ( ليت ) ليست بفعل ولا هذا موضعَ مفعولٍ فيتسع فيهِ
وجميع هذا مذهب الأخفش
وذكر الأخفش أنه يجوز : أما الليلة فما زيد إياها منطلقاً لأن ( ما ) مشبه بالفعل قال : لم يجوزه في ( ما ) فهو أقيس لأن ( ما ) وإن كانت شبهت بالفعل فليست كالفعل
قال أبو بكر : وهو عندي لا يجوز البتة
وتقول : الليلة أنا أنطلقها

تريد : أنا أن أنطلق فيها
وتقول : الليلة أنا منطلقها تريد : أنا منطلق فيها ولا يجوز : الليلة أنا إياها منطلق ولا : اليوم نحن إياه منطلقون تريد : نحن منطلقون فيه ولا يجوز : أما اليوم فالقتال إياه تريد فيه وأما الليلة فالرحيل إياها تريد : فيها لأن السعة والحذف لا يكونان فيه كما لا سعة فيه ولا حذف في جميع أحواله قال الأخفش : ولو تكلمت به العرب لأجزيناه

ذكر المكان
اعلم : أن الأماكن ليست كالأزمنة التي يعمل فيها كل فعل فينصبها نصب الظروف لأن الأمكنة : أشخاص له خلق وصور تعرف بها كالجبل والوادي وما أشبه ذلك وهن بالناس أشبه من الأزمنة لذلك وإنما الظروف منها التي يتعدى إليها الفعل الذي لا يتعدى ما كان منها مبهماً خاصة ومعنى المبهم أنه هو الذي ليست له حدود معلومة تحصره
وهو يلي الإسم من أقطاره نحو : خلف وقدام وأمام ووراء وما أشبه ذلك ألا ترى أنك إذا قلت : قمت خلف المسجد لم يكن لذلك الخلف نهاية تقف عندها وكذلك إذا قلت : قدام زيد
لم يكن لذلك حد ينتهي إليه فهذا وما أشبهه هو المبهم الذي لا اختلاف فيه أنه ظرف
وأما مكة والمدينة والمسجد والدار والبيت فلا يجوز أن يكن ظروفاً لأن لها أقطاراً محدودة معلومة تقول : قمت أمامك وصليت وراءك ولا يجوز أن تقول : قمت المسجد ولا قعدت المدينة ولا ما أشبه ذلك والأمكنة تنقسم قسمين منها ما استعمل اسماً يتصرف في جميع الإِعراب وظرفاً ومنها ما لا يرفع ولا يكون إلا ظرفاً
فأما الظروف التي تكون اسماً فذكر سيبويه : أنها خلفك وقدامك وأمامك وتحتك وقبالتك ثم قال :

وما أشبه ذلك وقال : ومن ذلك : هو ناحيةً من الدار
ومكاناً صالحاً وداره ذات اليمين وشرقي كذا وكذا
قال : وقالوا : منازلهم يميناً وشمالاً وهو قصدك وهو حلَةَ الغور أي قصده وهما خطان جنابتي أنفهما يعني الخطين اللذين اكتنفا أنف الظبية وهو موضعه ومكانه صددك ومعناه القصد وسقبك وهو قربك وقرابتك ثم قال : واعلم : أن هذه الأشياء كلها قد تكون اسماً غير ظرف بمنزلة زيد وعمرو
وحكى : هم قريب منك وقريباً منك وهو وزن الجبل أي : ناحية منه وهو زنة الجبل أي : حذاءه وقُرابَتك وقُربكَ وحواليه بنو فلان وقومك أقطار البلاد قال ومن ذلك قول أبي حية :
( إذَا ما نَعَشْنَاهُ علَى الرَّحْلِ يَنثني ... مُسالَيْهِ عنهُ مِنْ وراءٍ ومُقدَمِ )
مسالاة : عطفاه
ومما يجري مجرى ما ذكره سيبويه من الأسماء التي تكون ظروفاً فرسخ

وميل تقول : سرت فرسخاً وفرسخين وميلاً وميلين فإن قال قائل : ففرسخ وميل موقت معلوم فلم جعلته مبهماً قيل له : إنما يراد بالمبهم ما لا يعرف له من البلاد موضع ثابت ولا حدود من الأمكنة فهذا إنا يعرف مقداره
فالإِبهام في الفرسخ والميل بعد موجود لأن كل موضع يصلح أن يكون من الفرسخ والميل فافهم الفرق بين المعروف الموضع والمعروف القدر وكذلك ما كان من الأمكنة مشتقاً من الفعل نحو : ذهبت المذهب البعيد وجلست المجلس الكريم
وأما الظروف التي لا ترفع : فعند وسوى وسواء إذا أردت بهما معنى ( غير ) لم تستعمل إلا ظروفاً
قال سيبويه : إن سواءك بمنزلة مكانك ولا يكون اسماً إلا في الشعر
ودل على أن سواءك ظرف أنك تقول : مررت بمن سواءك والفرق بين قولك : عندك وخلفك أن خلفك تعرف بها الجهة وعندك لما حضرك من جميع أقطارك وكذلك سواءك لا تخص مكاناً من مكان فبعداً من الأسماء لإستيلاء الإِبهام عليهما
واعلم : أن الظروف أصلها الأزمنة والأمكنة ثم تتسع العرب فيها للتقريب والتشبيه فمن ذلك قولك : زيد دون الدار وفوق الدار إنما تريد : مكاناً دون الدار ومكاناً فوق الدار ثم يتسع ذلك فتقول : زيد دون عمرو وأنت تريد في الشرف أو العلم أو المال أو نحو ذلك وإنما الأصل المكان
ومما اتسعوا فيه قولهم : هو مني بمنزلة الولد إنما أخبرت أنه في أقرب المواضع وإن لم ترد البقعة من الأرض وهو مني منزلة الشغاف ومزجر الكلب ومقعد القابلة ومناط الثريا ومعقد الإِزار

قال سيبويه : أجرى مجرى : هو مني مكان كذا ولكنه حذف
ودرج السيول ورجع أدراجه وقال : إنما يستعمل من هذا الباب ما استعلمت العرب وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك : هو مني فرسخان وأنت مني يومان وميلان وأنت مني عدوة الفرس وغلوة السهم هذا كله مرفوع لا يجوز فيه إلا ذاك وإنما فصله من الباب الذي قبله أنك تريد : ها هنا بيني وبينك فرسخان ولم ترد أنت من هذا المكان لأن ذلك لا معنى له فما كان في هذا المعنى فهذا مجراه نحو : أنت مني فوت اليد ودعوة الرجل
قال سيبويه : وأما أنت مرأى ومسمع فرفع لأنهم جعلوه الأول وبعض الناس ينصب مرأى ومسمعاً فأما قولهم : داري من خلف دارك فرسخاً فانتصب فرسخ لأن ما خلف دارك الخبر وفرسخاً على جهة التمييز فإن شئت قلت : داري خلف دارك فرسخان تلغي ( خلف )
قال سيبويه : وزعم يونس : أن أبا عمرو كان يقول : داري من خلف دارك

فرسخان شبهه : بدارك مني فرسخان
قال : وتقول في البعد زيد مني مناط الثريا كما قال :
( وإنَّ بني حَرْبٍ كمَا قَد عَلِمْتُمُ ... مَناطَ الثُّريَّا قَد تَعَلَّت نُجُومُها )
واعلم : أنه لا يجوز : أنت مني مربط الفرس وموضع الحمار لأن ذلك شيء غير معروف في تقريب ولا تبعيد وجميع الظروف من الأمكنة خاصة تتضمن الجثث دون ظرف الأزمنة تقول : زيد خلفَكَ والركب أمامَكَ والناس عندَكَ وقد مضى تفسير هذا ذلك أن تجعل الظروف من المكان مفعولات على السعة كما فعلت ذلك في الأزمنة

مسائل من هذا الباب
تقول : وَسْطَ رأسه دهن لأنك تخبر عن شيء فيه وليس به هذا إذا أسكنت السين كان ظرفاً فإِنْ حركت السين فقلت : وسَطَ لم يكن ظرفاً تقول : وسط رأسه صلب فترفع لأنك إنما تخبر عن بعض الرأس فوسط إذا أردت به الشيء الذي هو اسمه وجعلته بمنزلة البعض فهو اسم وحركت السين وكان كسائر الأسماء وإذا أردت به الظرف وأسكنت

السين : تقول : ضربت وَسْطَهُ وَوَسْطَ الدار واسع وهذا في وَسَط الكتاب لأن ما كان معه حرف الجر فهو اسم بمنزلة زيد وعمرو
وأما قول الشاعر :
( هَبَّتْ شَمالاً فذِكرى ما ذكرتُكُم ... عِنْدَ الصَّفَاةِ التي شرقيَّ حَوَرانَا )
فإنه جعل الصفاة في ذلك الموضع ولو رفع الشرقي لكان جيداً بجعل الصفاة هي الشرق بعينه ونقول : زيد خلفك وهو الأجود
فإن جعلت زيداً هو الخلف قلت : زيد خلفك فرفعت
وتقول : سير بزيد فرسخان يومين وإن شئت : فرسخين يومان أي : ذلك أقمته مقام الفاعل على سعة الكلام وصلح
وتقول : ضربت زيداً يوم الجمعة عندك ضرباً شديداً فالضرب مصدر ويوم الجمعة ظرف من الزمان وعندك ظرف من المكان وقولك : شديداً نعت للمصدر ليقع فيه فائدة
فإذا بنيت الفعل لما لم يسم فاعله رفعت زيداً وأقررت الكلام على ما هو عليه لأنه لا سبيل إلى أن تجعل شيئاً من هذه التي ذكرنا من ظرف أو مصدر في مكان الفاعل والإسم الصحيح معها فإن أدخلت ( شاغلاً ) من حروف الإِضافة كنت مخيراً بين هذه الأشياء وبينه
فإن شئت نصبت الظرف والمصدر وأقمت الإسم الذي

معه حرف الإِضافة مقام الفاعل وإن شئت أقمت أحدها ذلك المقام إذا كان متصرفاً في بابه فإن كان بمنزلة عند وذات مرة وما أشبه ذلك لم يقم شيء منها مقام الفاعل ولم يقع له ضمير كضمير المصادر والظروف المتمكنة وأجود ذلك أن يقوم المتصرف من الظروف والمصادر مقام الفاعل إذا كان معرفة أو نكرة موصوفة لأنك بقرب ذلك من الأسماء وتقول : سير على بعيرك فرسخان يوم الجمعة فإن شئت نصبت ( يوم الجمعة ) على الظرف وهو الوجه وإن شئت نصبته على أنه مفعول على السعة كما رفعت الفرسخين على ذلك وتقول : الفرسخان سير بزيد يوم الجمعة فإن قدمت يوم الجمعة وهو ظرف قلت : يوم الجمعة سير بزيد فيه فرسخان وإن قدمت : يوم الجمعة على أنه مفعول قلت : يوم الجمعة سيرهُ بزيد فرسخان وإن قدمت يوم الجمعة والفرسخين ويوم الجمعة ظرف قلت : الفرسخان يوم الجمعة سيرا فيه بزيد وإن جعلت يوم الجمعة مفعولاً قلت : سيراه
فإن أقمت يوم الجمعة مقام الفاعل قلت : الفرسخان يوم الجمعة سير بزيد فيهما فإن جعلت الفرسخين مفعولين على السعة قلت : الفرسخان يوم الجمعة سيرهما بزيد فإن زدت في المسألة خلفك قلت : سير بزيد فرسخان يوم الجمعة خلفك فإذا قدمت الخلف مع تقديمك الفرسخين واليوم وأقمت الفرسخين مقام الفاعل وجعلت الخلف واليوم ظرفين قلت : الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيرا بزيد فيه فيه وإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيراه بزيد إياه ترد أحد الضميرين المنصوبين إلى اليوم والآخر إلى خلف وأن لا تجعل مفعولاً ولا مرفوعاً أحسن وذلك لأنه من الظروف المقاربة للإِبهام وكذلك أمام ويمين وشمال فإذا

قلت : عندك قام زيد فقيل لك أكن عن ( عندك ) لم يجز لأنك لا تقول : قمت في عندك فلذلك لم توقعه على ضمير وإنما دخلت ( من ) على ( عند ) من بين سائر حروف الجر كما دخلت على ( لدن )
وقال أبو العباس وإنما خصت ( من ) بذلك لأنها لإبتداء الغاية فهي أصل حروف الإِضافة
واعلم : أنَّ الأشياءَ التي يسميها البصريونَ ظروفاً يسميها الكسائي صفة والفراء يسميها محال ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون : حروف الخفض : أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء ممدودات
ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسَطَ ووسْطَ ومِثل ومَثَلَ وسوى وسواء ممدودة ومتى في معنى وَسْطَ والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجْلٌ وإجلٌ وإجلىَ مقصورٌ وجَلَل وجِلالٌ في معناها وحذاء ممدود ومقصور وبَدْل وَبَدلٌ ورئِد

وهو القرنُ ومكانُ وقُرابُ وَلدة وشبهَ وخدن وقرن وقرْن وميتاء وميداء والمعنى واحد ممدود ومنا مقصورٌ بمنزلة حذاء ولدى فيخلطون الحروف بالأسماء والشاذ بالشائع وقد تقدم تبيين الفرق بين الإسم والحرف وبين الشاذ والمستعمل فإذا كان الظرف غير محل للأسماء سماه الكوفيون الصفة الناقصة وجعله البصريون لغواً ولم يجز في الخبر إلا الرفع وذلك قولك : فيك عبد الله راغب ومنك أخواك هاربان وإليك قومك قاصدون لأن ( منك وفيك وإليك ) في هذه المسائل لا تكون محلاً ولا يتم بها الكلام وقد أجاز الكوفيون : فيك راغباً عبد الله شبهها الفراء بالصفة التامة لتقدم ( راغب ) على عبد الله
وذهب الكسائي إلى أن المعنى : فيك رغبةً عبد الله
واستضعفوا أن يقولوا : فيكَ عبدُ الله راغباً وقد أنشدوا بيتاً جاءَ فيهِ مثلُ هذا منصوباً في التأخير :
( فَلاَ تَلْحَنيِ فِيهَا فإنَّ بِحُبِّها ... أَخَاكَ مُصَابَ القَلبِ جَماً بلابِلهُ )

فنصب ( مصاب القلب ) على التشبيه بقولك : إن بالباب أخاك واقفاً وتقول : في الدار عبد الله قائماً فتعيد ( فيها ) توكيداً ويجوز أن ترفع ( قائماً ) فتقول : في الدار عبد الله قائم فيها ولا يجيز الكوفيون الرفع قالوا : لأن الفعل لا يوصف بصفتين متفقتين لأنك لو قلت : عبد الله قائم في الدار فيها لم يكنْ يحسنُ أنْ تكرَر ( في ) مرتين بمعنى
وهذا الذي اعتلوا به لازم في النصب لأنه قد أعاد ( في ) والتأكيد إنما هو إعادة للكلمة أو ما كان في معناها فإن استقبح التكرير سقط التأكيد ويجيزون في قولك : عبد الله في الدار قائم في البيت الرفع والنصب لإختلاف الصفتين وتقول : له عليَّ عشرون درهماً فلك أن تجعل ( له ) الخبر ولك أن تجعل ( عليَّ ) الخبر
وتلغي أيما شئتَ
شرح الرابع من المنصوبات وهو المفعول له :
اعلم : أن المفعول له لا يكون إلا مصدراً ولكن العامل فيه فعل غير مشتق منه وإنما يذكر لأنه عذر لوقوع الأمر نحو قولك : فعلت ذاك حذار الشر وجئتك مخافة فلان ( فجئتك ) غير مشتق من ( مخافة ) فليس انتصابه هنا انتصاب المصدر بفعله الذي هو مشتق منه نحو ( خفتك ) مأخوذة من مخافة وجئتك ليست مأخوذة من مخافة فلما كان ليس منه أشبه المفعول به الذي ليس بينه وبين الفعل نسب
قال سيبويه : إن هذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل له : لِمَ فعلتَ

كذا وكذا فقال : لِكَذا وكذا ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله ومن ذلك : فعلت ذاك أجل كذا وكذا وصنعت ذلك ادخار فلان قال حاتم :
( وأَغْفِرُ عُوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُ ... وأَصْفَحُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكَرُّمَا )
وقال الحرث بن هُشام :
( فَصفُحْتُ عَنْهُم والأَحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعَاً لهَم بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفسدٍ )
وقال النابغة :
( وحَلَّتْ بُيوتي في يَفَاعٍ مُمنَّعٍ ... يُخَالُ بِه راعي الحمولةِ طَائرا )
( حِذاراً عَلَى أنْ لا تُصَابَ مقَادتي ... ولا نِسوتي حَتَّى يَمُتْنَ حَرائَرا )

وقال العجاج :
( يَركَبُ كُلُّ عَاقِرٍ جُمهْورِ ... مَخافَةً وزَعَلَ المَحبْورِ )
يصف ثور الوحش والعاقر هنا : الرملة التي لا تنبت أي : يركب هذا الثور كل عاقر مخافة الرماة والزعل : النشاط أي يركب خوفاً ونشاطاً والمحبور : المسرور
واعلم : أن هذا المصدر الذي ينتصب لأنه مفعول له يكون معرفة ويكون نكرة كشعر حاتم ولا يصلح أن يكون حالاً كما تقول : جئتك مشياً لا يجوز أن تقول : جئتك خوفاً تريد : خائفاً وأنت تريد معنى للخوف ومن أجل الخوف وإنما يجوز : جئتك خوفاً إذا أردت الحال فقط أي : جئتك في حال خوفي أي : خائفاً ولا يجوز أيضاً في هذا المصدر الذي تنصبه نصب المفعول له أن تقيمه مقام ما لم يسم فاعله
قال أبو العباس رحمه الله : أبو عمر يذهب إلى أنه ما جاء في معنى ل ( كذا ) لا يقوم مقام الفاعل ولو قام مقام الفاعل لجاز : سير عليه مخافة الشر فلو جاز : سير فيه المخافة لم يكن إلا رفعاً فكان مخافة وما أشبهه لم يجيء إلا نكرة

فأشبه مع خرج مخرج مع لا يقوم مقام الفاعل نحو : الحال والتمييز ولو جاز لما أشبه ( مخافة الشر ) أن يقوم مقام الفاعل لجاز سير ( بزيد راكب ) فأقمت ( راكباً ) مقام الفاعل ومخافة الشر وإن أضفته إلى معرفةٍ فهو بمنزلةِ ( مثلِكَ ) وغيركَ وضارب زيد غداً نكرة
قال أبو بكر : وقرأت بخط أبي العباس في كتابه : أخطأ الرياشي في قوله : مخافة الشر ونحوه ( حال ) أقبح الخطأ لأن باب ل ( كذا ) يكون معرفة ونكرة وهذا خلاف قول سيبويه لأن سيبويه بجعله معرفة ونكرة إذا لم تضفه أو تدخله الألف واللام كمجراه في سائر الكلام لأنه لا يكون حالاً قال سيبويه : حسن فيه الألف واللام لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالاً وأنه لا يبتدأ به ولا يبنى على مبتدأ لأنه عنده تفسير لما قبله وليس منه
وأنه انتصب كما انتصب الدرهم في قولك عشرون درهماً
شرح الخامس وهو المفعول معه :
اعلم : أن الفعل إنما يعمل في هذا الباب في المفعول بتوسط الواو والواو هي التي دلت على معنى ( مع ) لأنها لا تكون في العطف بمعنى ( مع ) وهي ها هنا لا تكون إذا عمل الفعل فيما بعدها إلا بمعنى ( مع ) ألزمت ذلك ولو كانت عاملة كان حقها أن تخفض
فلما لم تكن من الحروف التي تعمل في الأسماء ولا في الأفعال وكانت تدخل على الأسماء والأفعال وصل الفعل إلى ما بعدها فعمل فيه
وكان مع ذلك أنها في العطف لا تمنع الفعل الذي قبلها أن يعمل فيما بعدها فاستجازوا في هذا الباب إعمال الفعل ما بعدها في الأسماء وإن لم يكن قبلها ما

يعطف عليه وذلك قوهم : ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلَها لرضعها
قال سيبويه : إنما أردت : ما صنعت مع أبيك ولو تركت الناقة مع فصيلها والفصيل مفعول معه
والأب كذلك والواو لم تغير المعنى
ولكنها تعمل في الإسم ما قبلها
ومثل ذلك ك ما زلت وزيداً أي : ما زلت بزيد حتى فَعَلَ فهو مفعول به فقد عمل ما قبل الواو فيما بعدها والمعنى معنى الباء ومعنى ( مع ) أيضا يصلح في هذه المسألة لأن الباء يقرب معناها من معنى مع إذ كانت الباء معناها الملاصقة للشيء ومعنى ( مع ) المصاحبة ومن ذلك : ما زلت أسير والنيل واستوى الماء والخشبة أي مع الخشبة وبالخشبة وجاء البرد والطيالسة أي مع الطيالسة وأنشد سيبويه :
( وكُوُنُوا أَنْتُمُ وَبَنى أَبِيكُمْ ... مَكَانَ الكُلْيَتيْن مِنَ الطَّحَالِ )

وقال كعيب بنُ جعيل :
( فَكانَ وإيَّاهَا كَحَرَّانَ لَمْ يُفِقْ ... عَنِ الماءِ إذ لاقاهُ حَتَّى تقدَّدا )
قال : وإن قلت : ما صنعت أنت وأبوك جاز لكل الرفع والنصب لأنك أكدت التاء التي هي اسمك بأنت
وقبيح أن تقول : ما صنعت وأبوك فتعطف على التاء وإنما قبح لأنك قد بنيتها مع الفعل وأسكنت لها ما كان في الفعل متحركاً وهو لام الفعل فإذا عطفت عليها فكأنك عطفت على الفعل وهو على قبحه يجوز وكذلك لو قلت : اذهب وأخوك كان قبيحاً حتى تقول : أنت لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر
فقد دلك استقباحهم العطف على المضمرات الإسم ليس بمعطوف على ما قبله في قولهم : ما صنعت وأباك
ومما يدلك على أن هذاه الباب كان حقه خفض المفعول بحرف جر أنك تجد الأفعال التي لا تتعدى والأفعال التي قد تعدت إلى مفعولاتها جميعاً فاستوفت ما لها تتعدى إليه فتقول : استوى الماء والخشبة وجاء البرد والطيالسة فلولا توسط الواو وإنها في معنى حرف الجر لم يجز ولكن الحرف لما كان غير عامل عمل الفعل فيما بعدها ولا يجوز التقديم للمفعول في هذا الباب لا تقول : والخشبة استوى الماء لأن الواو أصلها أن تكون للعطف وحق المعطوف أن يكون بعد العطف عليه كما أن حق الصفة أن تكون بعد الموصوف وقد أخرجت الواو في هذا الباب عن حدها ومن شأنهم إذا أخرجوا

الشيء عن حده الذي كان له الزموه حالاً واحدة وسنفرد فصلاً في هذا الكتاب لذكر التقديم والتأخير وما يحسن منه ويجوز وما يقبح ولا يجوز إن شاء الله
وهذا الباب والباب الذي قبله أعني : بابي المفعول له والمفعول مهه كان حقهما أن لا يفارقهما حرف الجر ولكنه حذف فيهما ولم يجريا مجرى الظروف في التصرف في الإِعراب وفي إقامتها مقام الفاعل فيدلك ترك العرب لذلك أنهما بابان وضعا في غير موضعهما وأن ذلك اتساع منهم لأن فيهما لأن المفعولات التي تقدم ذكرها وجدناها كلها تقدم وتؤخر وتقام مقام الفاعل وتبتدأ ويخبر عنها إلا أشياء منها مخصوصة
وقد تقدم تبييننا إياها في مواضعها
ويفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن باب المفعول له إذا قلت : جئتك طلب الخير إن في ( جئتك ) دليلاً على أن ذلك لشيء
وإذا قلت : ما صنعت وأباك فليس في ( صنعت ) دليل على أن ذلك مع شيء لأن لكل فاعل غرضاً له فعل ذلك الفعل وليس لكل فاعل مصاحب لا بد منه ولا يجوز حذف الواو في ما صنعت وأباك كما جاز حذف اللام في قولك : فعلت ذاك حذار الشر تريد : لحذار الشر لأن حذف اللام لا يلبس وحذف الواو يلبس
ألا ترى أنك لو قلت : ما صنعت أباك صار الأب مفعولاً به

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات
وهو المشبه بالمفعول : المشبه بالمفعول ينقسم على قسمين
فالقسم الأول قد يكون فيه المنصوب في اللفظ هو المرفوع في المعنى
والقسم الثاني : ما يكون المنصوب في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع

ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى
هذا النوع ينقسم على ثلاثة أضرب : فمنه ما العامل فيه فعل حقيقي ومنه ما العامل فيه شيء على وزن الفعل ويتصرف تصرفه وليس بفعل في الحقيقة ومنه ما العامل فيه حرف جامد غير متصرف
ذكر ما شبه بالمفعول والعالم فيه فعل حقيقي
وهو صنفان يسميها النحويون الحال والتمييز : فأما الذي يسمونه الحال فنحو قولك : جاء عبد الله راكباً وقام أخوك منتصباً وجلس بكر متكئاً
فعبد الله مرتفع ( بجاء ) والمعنى : جاء عبد الله في هذه الحال وراكب منتصب لشبهه بالمفعول لأنه جيء به بعد تمام الكلام واستغناء الفاعل بفعله وإن في الفعل دليلاً عليه كما كان فيه دليل على المفعول ألا ترى أنك إذا قلت : قمت فلا بد من أن يكون قد قمت على حال من أحوال الفعل فأشبه : جاء عبد الله راكباً
ضرب عبد الله رجلاً وراكب هو عبد الله ليس هو غيره وجاء وقام فعل حقيقي تقول : جاء يجيء وهو جاء وقام يقوم وهو قائم والحال تعرفها وتعتبرها بإدخال ( كيف ) على الفعل والفاعل تقول : كيف جاء عبد الله فيكون الجواب : راكباً وإنما سميت الحال لأنه لا يجوز أن يكون اسم الفاعل فيها إلا لما أنت فيه تطاول الوقت أو قصر
ولا يجوز أن يكون لما مضى وانقطع ولا لما لم يأت من الأفعال ويبتدأ بها
والحال إنما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفةً متصفة غير ملازمة
ولا يجوز أن تكون خلقة لا يجوز أن تقول : جاءني زيد أحمر ولا

أخوك ولا جاءني عمرو طويلاً فإن قلت : متطاولاً أو متحاولاً جاز لأن ذلك شيء يفعله وليس بخلقة
ولا تكون الحال إلا نكرة لأنها زيادة في الخبر والفائدة وإنما تفيد السائل والمحدث غير ما يعرف فإن أدخلت الألف واللام صارت صفة للإسم المعرفة وفرقاً بينه وبين غيره والفرق بين الحال وبين الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ والحال زيادة في الفائدة والخبر وإن لم يكن للإسم مشارك في لفظه
ألا ترى أنك إذا قلت : مررت بزيد القائم فأنت لا تقول ذلك إلا وفي الناس رجل آخر اسمه زيد وهو غير قائم ففصلت بالقائم بينه وبين من له هذا الإسم وليس بقائم
وتقول : مررت بالفرزدق قائماً وإن لم يكن أحد اسمه الفرزدق غيره فقولك : قائماً إنما ضممت به إلى الأخبار بالمرور خبراً آخر متصلاً به مفيداً
فهذا فرق ما بين الصفة والحال وهو أن الصفة لا تكون إلا لإسم مشترك فيه لمعنيين أو لمعان والحال قد تكون للإسم المشترك والإسم المفرد وكذلك الأمر في النكرة إذا قلت : جاءني رجل من أصحابك راكباً إذا أردت الزيادة في الفائدة والخبر وإن أردت الصفة خفضت فقلت : مررت برجل من أصحابك راكب وقبيح أن تكون الحال من نكرة لأنه كالخبر عن النكرة والإِخبار عن النكرات لا فائدة فيها إلا بما قدمنا ذكره في هذا الكتاب فمتى كان في الكلام فائدة فهو جائز في الحال كما جاز في الخبر وإذا وصفت النكرة بشيء قربتها من المعرفة وحسن الكلام
تقول : جاءني رجل من بني تميم راكباً . وما أشبه ذلك
واعلم : أن الحال يجوز أن تكون من المفعول كما تكون من الفاعل تقول : ضربت زيداً قائماً فتجعل قائماً لزيد
ويجوز أن تكون الحال من التاء في ( ضربتُ ) إلا أنك إذا أزلت الحال عن صاحبها فلم تلاصقه لم يجز ذلك إلا أن يكون السامع يعلمه كما تعلمه أنت فإن كان غير معلوم لم يجز وتكون الحال من المجرور كما تكون من المنصوب إن كان العامل في الموضع فعلاً فتقول : مررت بزيد راكباً فإن كان الفعل لا يصل إلا بحرف جر لم يجز أن تقدم الحال على

المجرور إذا كانت له فتقول : مررت راكباً بزيد إذا كان ( راكباً ) حالاً لك وإن كان لزيدٍ لَمْ يجز لأن العامل في ( زيد ) الباءُ فلمَّا كانَ الفِعْل لا يصلُ إلى زيدٍ إلا بحرفِ جر لم يجز أن يعمل في حالِه قبل ذكر الحرف
والبصريون يجيزون تقديم الحال على الفاعل والمفعول والمكنى والظاهر إذا كان العامل فعلاً يقولون : جاءني راكباً أخوك وراكباً جاءني أخوك وضربت زيداً راكباً وراكباً ضربت زيداً فإن كان العامل معنى
لم يجز تقديم الحال تقول : زيد فيها قائماً فالعالم في ( قائم ) معنى الفعل لأن الفعل غير موجود
ولا يجوز أن تقول : قائماً زيد فيها ولا زيدٌ قائماً فيهما
والكوفيون لا يقدمون الحال في أول الكلام لأن فيها ذكراً من الأسماء فإن كانت لمكنى جاز تقديمها فيشبهها البصريون بنصب التمييز ويُشَبّهها الكسائي بالوقت
وقال الفراء : هي بتأويل جزاء وكان الكسائي يقول : رأيت زيداً ظريفاً

فينصب ( ظريفاً ) على القطع ومعنى القطع أن يكون أراد النعت فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة انقطع منه وخالفه
واعلم : أنه يجوز لك أن تقيم الفعل مقام اسم الفاعل في هذا الباب إذا كان في معناه وكنت إنما تريد به الحال المصاحبة للفعل تقول : جاءني زيد يضحك أي : ضاحكاً
وضربت زيداً يقوم وإنما يقع من الأفعال في هذا الموضع ما كان للحاضر من الزمان
فأما المستقبل والماضي فلا يجوز إلا أن تدخل ( قد ) على الماضي فيصلح حينئذ أن يكون حالاً تقول : رأيت زيداً قد ركب أي : راكباً إلا أنك إنما تأتي ( بقد ) في هذا الموضع إذا كان ركوبه متوقعاً فتأتي ( بقد ) ليعلم أنه قد ابتدأ بالفعل ومر منه جزء والحال معلوم منها أنها تتطاول فإنما صلح الماضي هنا لإتصاله بالحاضر فأغنى عنه ولولا ذلك لم يجز فمتى رأيت فعلاً ماضياً قد وقع موقع الحال فهذا تأويله ولا بد من أن يكون معه ( قَدْ ) إما ظاهرةً وإما مضمرةً لتؤذَن بإبتداء الفعلِ الذي كان متوقعاً

مسائل من هذا الباب
تقول : زيد في الدار قائماً
فتنصب ( قائماً ) بمعنى الفعل الذي وقع في الدار لأن المعنى : استقر زيد في الدار فإن جعلت في الدار للقيام ولم تجعله لزيد قلت : زيد في الدار قائم لأنك إنما أردت : زيد قائم في الدار فجعلت : ( قائماً ) خبراً عن زيد وجعلت : ( في الدار ) ظرفاً لقائم فمن قال هذا قال : إن زيداً في الدار قائم ومن قال : الأول قال : إن زيداً في الدار قائماً فيكون : ( في الدار ) الخبر ثم خَبَّرَ على أي حال وقع استقراره في الدار ونظير ذلك قوله

تعالى : ( إن المتقين في جنات وعيون آخذين ) فالخبر قوله : ( في جنات وعيون ) و ( آخذين ) : حال وقال عز و جل : ( وفي النار هو خالدون ) لأن المعنى : وهم خالدون في النار فخالدون : الخبر و ( في النار ) : ظرف للخلود
وتقول : جاء راكباً زيد كما تقول : ضرب عمراً زيد وراكباً جاء زيد كما تقول : عمراً ضرب زيد وقائماً زيداً رأيتُ كما تقولُ : الدرهمُ زيداً أعطيت وضربتُ قائماً زيداً
قال أبو العباس : وقول الله تعالى عندنا : على تقدير الحال والله أعلم وذلك قوله : ( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث ) وكذلك هذا البيت :
( مُزِبْداً يَخْطُر ما لَمْ يَرَني ... وإذَا يَخلوُ لَهُ لحمي رَتَعْ )

قال : ومن كلام العرب : رأيت زيداً مصعداً منحدراً ورأيتُ زيداً ماشياً راكباً إذا كان أحدُهما ماشياً والآخر راكباً وأحدكما مصعداً والآخر منحدراً
تعني أنك إذا قلت : رأيت زيداً مصعداً منحدراً أن تكون أنت المصعد وزيد المنحدر فيكون ( مصعداً ) حالاً للتاء و ( منحدراً ) حالاً لزيد وكيف قدرت بعد أن يعلم السامع من المصعد ومن المنحدر جاز وتقول : هذا زيد قائماً وذاك عبد الله راكباً فالعاملُ معنى الفعل وهو التنبيه كأنك قلت : أنتبه له راكباً وإذا قلت : ذاك زيد قائماً فإنما ذاك للإِشارة كأنك قلت : أشير لك إليه راكباً ولا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل لأنها كالمفعول فيها وفي كتاب الله : ( وهذا بعلي شيخاً )
ولو قلت : زيد أخوك قائماً وعبد الله أبوك ضاحكاً كان غير جائز
وذلك أنه ليس ها هنا فعل ولا معنى فعل ولا يستقيم أن يكون أباه أو أخاه من النسب في حال ولا يكون أباه أو أخاه في أخرى ولكنك إن قلت : زيدٌ أخوك قائماً فأردت : أخاه من الصداقة جاز لأن فيه معنى فعل كأنك قلت : زيد يؤاخيك قائماً فإذا كان العامل غير فعل ولكن شيء في معناه لم تقدم الحال على العامل لأن هذا لا يعمل مثله في المفعول وذلك

قولك : زيدٌ في الدار قائماً لا تقول : زيدٌ قائماً في الدار وتقول : هذا قائماً حسن ولا تقول : قائماً هذا حسن وتقول : رأيت زيداً ضارباً عمراً وأنت تريد رؤية العين ثم تقدم الحال فتقول : ضارباً عمراً رأيت زيداً وتقول : أقبل عبد الله شاتماً أخاه ثم تقدم الحال فتقول : شاتماً أخاه أقبل عبد الله وقوم يجيزون : ضربت يقوم زيداً ولا يجيزون : ضربت قائماً زيداً إلا وقائم حال من التاء
لأن ( قائماً ) يلبس ولا يعلم أهو حال من التاء أم من زيد والفعل يبين فيه لمن الحال
والإِلباس متى وقع لم يجز لأن الكلام وضع للإِبانة إلا أن هذه المسألة إن علم السامع من القائم جاز التقديم كما ذكرنا فيما تقدم تقول : جاءني زيد فرسك راكباً وجاءني زيدٌ فيك راغباً وتقول : فيها قائمين أخواك تنصب ( قائمين ) على الحال ولا يجوز التقديم لما أخبرتك ولا يجوز : جالساً مررت بزيد لأن العامل الباء وقد بنيته فيما مضى ومحال أن يكون : ( جالس ) حالاً من التاء لأن المرور يناقض الجلوس إلا أن يكون محمولاً في قبة أو سفينة وما أشبه ذلك تقول : لقي عبد الله زيداً راكبين ولا يجوز أن تقول : الراكبان ولا الراكبين وأنت تريد النعت وذلك لإختلاف إعراب المنعوتين فاعلم

والأخفش يذكر في باب الحال : هذا بسراً أطيب منه تمراً وهذا عبد الله مقبلاً أفضل منه جالساً قال : وتقول : هذا بسرا أطيب منه عنب فهذا : اسم مبتدأ والبسر : خبره وأطيب : مبتدا ثانٍ وعنب : خبر له قال : وكذلك ما كان من هذا النحو لا يتحول فهو رفع ن وما كان يتحول فهو نصب وإنما قلنا : لا يتحول لأن البسر لا يصير عنباً والذي يتحول قولك : هذا بسراً أطيب منه تمراً وهذا عنباً أطيب منه زبيباً وأما الذي لا يتحول فنحو قولك : هذا بسر أطيب منه عنب وهذا زبيب أطيب منه تمر ( فأطيب منه ) : مبتدأ وتمر : خبره وإن شئت قلت : ( تمر ) هو المبتدأ و ( أطيب منه ) : خبر مقدم وتقول : مررت بزيد واقفاً فتنصب ( واقفاً ) على الحال والكوفيون يجيزون نصبه على الخبر يجعلونه كنصب خبر ( كان ) وخبر الظن ويجيزون فيه إدخال الألف واللام ويكون : مررت عندهم على ضربين : مررت بزيد فتكون تامة ومررت بزيد أخاك فتكون ناقصة إن أسقطت الأخ كنقصان ( كان ) إذا قلت : كان زيد أخاك ثم أسقطت الأخ كان ناقصاً حتى تجيء به
وهذا الذي أجازوه غير معروف عندي من كلام العرب ولا موجود في ما يوجبه القياس
وأجاز الأخفش : إن في الدار قائمين أخويك وقال : هذه الحال ليست متقدمة لأنها حال لقولك ( في الدار ) ألا ترى أنك لو قلت : قائمين في الدار أخواك لم يجز لأن : ( في الدار ) ليس بفعل
وتقول : جلسَ

عبد الله آكلاً طعامك فالكسائي يجيز تقديم ( طعامك ) على ( آكلٍ ) فيقول : جلسَ عبد الله طعامك آكلاً ولم يجزه الفراء وحكي عن أبي العباس محمد بن يزيد : أنه أجاز هذه المسألة

باب التمييز
الأسماء التي تنتصب بالتمييز والعامل فيها فعل أو معنى فعل والمفعول هو فاعل في المعنى وذلك قولك : قد تفقأ زيد شحماً وتصبب عرقاً وطبت بذلك نفساً وامتلأ الإِناء ماءً وضقت به ذرعاً فالماء هو الذي ملأ الإِناء والنفس هي التي طابت والعَرَق هو الذي تصبب فلفظهُ لفظ المفعول وهو في المعنى فاعل
وكذلك : ما جاء في معنى الفعل وقام مقامه نحو قولك : زيد أفرهم عبداً وهو أحسنهم وجهاً فالفاره في الحقيقة هو العبد والحسن هو الوجه إلا أن قولك : أفره وأحسن في اللفظ لزيد وفيه ضميره والعبد غير زيد والوجه إنما هو بعضه إلا أن الحسن في الحقيقة للوجه والفراهة للعبد فإذا قلت : أنت أفره العبيد فأضفت فقد قدمته على العبيد ولا بدّ من أن يكون إذا أضفته واحدا منهم
فإذا قلت : أنت أفره عبد في الناس فمعناه : أنت أفره من كل عبد إذا أفردوا عبداً عبداً كما تقول : هذا خير إثنين في الناس أي : إذا كان الناس اثنين اثنين

واعلم : أن الأسماء التي تنصب على التمييز لا تكون إلا نكرات تدل على الأجناس وأن العوامل فيها إذا كن أفعالاً أو في معاني الأفعال كنت بالخيار في الإسم المميز إن شئت جمعته وإن شئت وحَّدته تقول : طبتم بذلك نفساً وإن شئت أنفساً قال الله تعالى : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) وقال تعالى : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) فتقول على هذا : هو أفره الناس عبيداً وأجود الناس دوراً
قال أبو العباس : ولا يجوز عندي : عشرون دراهم يا فتى والفصل بينهما أنك إذا قلت : عشرون فقد أتيت على العدد فلم يحتج إلا إلى ذكر ما يدل على الجنس
فإذا قلت : هو أفره الناس عبداً جاز أن تعني عبداً واحداً فمن ثم اختير وحسن إذا أردت الجماعة أن تقول : عبيداً وإذا كان العامل في الإسم المميز فعلاً جاز تقديمه عند المازني وأبي العباس وكان سيبويه لا يجيزه والكوفيون في ذلك على مذهب سيبويه فيه لأنه يراه

كقولك : عشرون درهماً وهذا أفرههم عبداً فكما لا يجوز : درهماً عشرون ولا : عبداً هذا أفرههم لا يجوز هذا ومن أجاز التقديم قال : ليس هذا بمنزلة ذلك لأن قولك : عشرون درهماً إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من فعل
وقال الشاعر فقدم التمييز لما كان العامل فعلاً :
( أتَهْجُرُ سَلْمَى لِلفِرَاقِ حبيبها ... ومَا كانَ نَفْساً بالفِرَاقِ تَطِيبُ )
فعلى هذا تقول : شحماً تفقأت وعرقاً تصببت وما أشبه ذلك وأما قولك : الحسن وجهاً والكريم أبا فإن أصحابنا يشبهونه : بالضارب رجلاً وقد قدمت تفسيره في هذا الكتاب وغير ممتنع عندي أن ينتصب على التمييز أيضاً بل الأصل ينبغي أن يكون هذا
وذلك الفرع لأنك قد بينت بالوجه

الحسن منه كما بينت في قولك : هو أحسنهم وجهاً وكذلك يجري عندي قولهم : هو العقور كلباً وما أشبه فإذا نصبت هذا على تقدير التمييز لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام فإذا نصبته على تقدير المفعول والتشبيه بقولك : الضارب رجلاً جاز أن تدخل عليه الألف واللام وكان الفراء لا يجيز إدخال الالف واللام في وجه وهو منصوب إلا وفيما قبله الألف واللام نحو قولك : مررت بالرجل الحسن الوجه وهو كله جائز لك أن تنصبه تشبيهاً بالمفعول

مسائل من هذا الباب
تقول : زيد أفضل منك أباً فالفضل في الأصل للأب كأنك قلت : زيد يفضل أبوه أباك ثم نقلت الفضل إلى زيد وجئت بالأب مفسراً ولك أن تؤخر ( منك ) فتقول : زيد أفضل أباً منك وإن حذفت ( منك ) وجئت بعد أفضل بشيء يصلح أن يكون مفسراً فإن كان هو الأول فأضف أفضل إليه واخفضه وإن كان غيره فانصبه واضمره نحو قولك : علمك أحسن علم تخفض ( علماً ) لأنك تريد : أحسن العلوم وهو بعضها وتقول : زيد أحسن علماً تريد : أحسن منك علماً فالعلم غير زيد فلم تجز إضافته وإذا قلت : أنت أفره عبد في الناس فإنما معناه : أنت أحد هؤلاء العبيد الذين فضلتهم
ولا يضاف ( أفعل ) إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك : عمرو أقوى الناس ولو قلت : عمرو أقوى الأسد لم يجز وكان محالاً لأنه ليس منها

ولذلك لا يجوز أن تقول : زيد أفضل إخوته لأن هذا كلام محال يلزم منه أن يكون هو أخا نفسه فإن أدخلت ( من ) فيه جاز فقلت : عمرو أقوى من الأسد أفضل من إخوته ولكن يجوز أن تقول : زيد أفضل الإِخوة إذا كان واحداً من الإِخوة وتقول : هذا الثوب خير ثوب في اللباس إذا كان هذا هو الثوب فإن كان هذا رجلاً قلت : هذا الرجل خير منك ثوباً لأن الرجل غير الثوب وتقول : ما أنت بأحسن وجهاً مني ولا أفره عبداً فإن قصدت قصد الوجه بعينه قلت : ما هذا أحسن وجه رأيته إنما تعني الوجوه إذا ميزت وجهاً
وقال أبو العباس رحمه الله : فأما قلوهم : حسبك بزيد رجلاً وأكرم به فارساً وما أشبه ذلك ثم تقول : حسبك به من رجل وأكرم به من فارس ولله دره من شاعر وأنت لا تقول : عشرون من درهم ولا هو أفره منك من عبد فالفصل بينهما أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت ( من ) لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت : أكرِم به فارساً وحسبك به خطيباً لجاز أن تعني في هذه الحال وكذلك إذا قلت : كم ضربت رجلاً وكم ضربت من رجل جاز ذلك لأن ( كم ) قد يتراخى عنها مميزها فإن قلت : كم ضربتَ رجلاً لم يدر السامع أردت : كم مرة

ضربتَ رجلاً واحداً أم : كم ضربت من رجل فدخول ( من ) قد أزال الشك وقال في قول الله تعالى : ( ثم يخرجكم طفلا ) وقوله : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) : أن التمييز إذا لم يسم عدداً معلوماً : كالعشرين والثلاثين جاز تبيينه بالواحد للدلالة على الجنس وبالجميع إذا وقع الإِلباس ولا إلباس في هذا الموضع لقوله : ( فإن طبن لكم ) ولقوله : ( ثم يخرجكم ) وقال : وقد قال قوم ( طفلاً ) حال وهذا أحسن إلا أن الحال إذا وقعت موقع التمييز لزمها ما لزمه كما أن المصدر إذا وقع موقع الحال لم يكن إلا نكرة تقول : جاء زيد مشياً فهو مصدر ومعناه ماشياً وهذا كقوله تعالى : ( يأتيك سعيا ) لأنه في هذه الحال
واعلم : أن ( أفعل منك ) لا يثنى ولا يجمع وقد مضى ذكر هذا تقول : مررت برجل أفضل منك وبرجلين أفضل منك وبقوم أفضل منك وكذلك المؤنث
وأفضل موضعه خفض على النعت إلا أنه لا ينصرف فإن أضفته جرى على وجهين إذا أردت : أنه يزيد على غيره في الفضل فهو مثل الذي معه ( من ) فتوحده تقول : مررت برجل أفضل الناس وأفضل رجل في معنى أفضل الرجال وكذلك التثنية والجمع تقول : مررت برجلين أفضل رجلين وبنساء أفضل نساء
والوجه الآخر أن تجعل أفضل اسماً ويثنى ويجمع في الإِضافة ولا يكون فيه معنى ( من كذا ) فإذا كان بهذه الصفة جاز أن تدخله الألف واللام إذا لم تضفه ويثنى ويجمع ويؤنث

ويعرف بالإِضافة فتقول : جاءني الأفضل والأفضلان والأفضلون وهذان أفضلا أصحابك وهؤلاء أفاضل أصحابك فإذا كان على هذا لم تقع معه ( من ) وكانت أنثاه على ( فعلى ) وتثنيتها الفضليان والفضلين وتجمع الفضل والفضليات قال سيبويه : لا تقول : نسوة صغر ولا قوم أصاغر إلا بالألف واللام وأفعل التي معها ( منك ) لا تنصرف وإن أضفتها إلى معرفة ألا ترى أنك تقول : مررت برجل أفضل الناس فلو كانت معرفة ما جاز أن تصف بها النكرة ولا يجوز أن تسقط من أفعل ( من ) إذا جعلته إسماً أو نعتاً تقول : جاءني رجل أفضل منك ومررت برجل أفضل منك فلا تسقطها فإن كان خبراً جاز حذفها وأنت تريد : أفضل منك وزيد أفضل وهند أفضل
قال أبو بكر : جاز حذف ( من ) لأن حذف الخبر كله جائز والصفة تبيين ولا يجوز فيه حذف ( من ) كما لا يجوز حذف الصفة لأن الصفة تبيين وليس لك أن تبهم إذا أردت أن تبين
الضرب الثاني : المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى : هذا الضرب العامل فيه ما كان على لفظ الفعل وتصرف تصرفه وجرى مجراه وليس به فهو خبر ( كان وأخواتها ) ألا ترى أنك إذا قلت : كان عبد الله

منطلقاً فالمنطلق هو عبد الله وقد مضى شرح ذلك في الأسماء المرفوعات إذ لم يمكن أن تخلى الأسماء من الأخبار فيها
فقد غنينا عن إعادة لك في هذا الموضوع
الضرب الثالث : الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف الحروف التي تعمل مثل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف وهي : إنَّ ولكن وليت ولعلَّ وكأنَّ
فإنَّ : توكيد الحديث وهي موصلة للقسم لأنك لا تقول : والله زيد منطلق فإنْ أدخلت ( إنَّ ) اتصلت بالقسم فقلت : والله إنَّ زيداً منطلق وإذا خففت فهي كذلك إلا أنَّ لام التوكيد تلزمها عوضاً لما ذهب منها فتقول : إنَّ زيداً لقائم ولا بدّ من ا للام إذا خففت كأنهم جعلوها عوضاً ولئلا تلتبس بالنفي
ولكنَّ : ثقيلة وخفيفة توجب بها عبد نفي ويستدرك بها فهي تحقيق وعطف حال على حال تخالفها
وليت : تمن
ولعل : معناها التوقيع لمرجو أو مخوف

وقال سيبويه : لعل وعسى : طمع وإشفاق
وكأنَّ : معناها التشبيه إنما هي الكاف التي تكون للتشبيه دخلت على ( أن )
وجميع هذه الحروف مبنية على الفتح مشبهة للفعل الواجب ألا ترى أن الفعل الماضي كله مبني على الفتح فهذه الأحرف الخمسة تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب ما كان مبتدأ وترفع الخبر فتقول : إن زيداً أخوك ولعل بكراً منطلق ولأنَّ زيداً الأسد فإنّ : تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله نحو : ضرب زيداً رجل وأعلمت هذه الأحرف في المبتدأ والخبر كما أعلمت ( كان ) وفرق بين عمليهما : بأن قدم المنصوب بالحروف على المرفوع كأنهم جعلوا ذلك فرقاً بين الحرف والفعل فإن قال قائل : إن ( أنَّ ) إنما عملت في الإسم فقط فنصبته وتركت الخبر على حاله كما كان مع الإبتداء وهو قول الكوفيين
قيل له : الدليل على أنها هي الرافعة للخبر أن الإبتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولاً فيه ومع ذلك أنا وجدنا كلما عمل في المبتدأ رفعاً أو نصباً علم في خبره ألا ترى إلى ظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في

خبره وكذلك : كان وأخواتها فكما جاز لك في المبتدأ والخبر جاز مع ( أن ) لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الذي كان مبتدأ ينتصب بأن وأخواتها
ولا يجوز أن يقدم خبرها ولا أسمها عليها ولا يجوز أيضاً أن تفصل بينهما وبين اسمها بخبرها إلا أن يكون ظرفاً لا يجوز أن تقول : إن منطلق زيداً تريد : إن زيداً منطلق ويجوز أن تقول : إن في الدار زيداً وإن خلفك عمراً لأنهم اتسعوا في الظروف وخصوها بذلك وإنما حسن تقديم الظرف إذا كان خبراً لأنَّ الظرفَ ليسَ مما تعملُ فيه ( إنَّ ) ولكثرتهِ في الإستعمال
وإذا اجتمع في هذه الحروف المعروفة والنكرة فالإختيار أن يكون الإسم المعرفة والخبر النكرة كما كان ذلك في المبتدأ لا فرق بينها في ذلك واللام تدخل على خبر ( إن ) خاصة مؤكدة له ولا تدخل في خبر أخواتها وإذا دخلت لم تغير الكلام عما كان عليه تقول : إنَّ زيداً لقائم وإنَّ زيداً لفيك راغب وإنَّ عمراً لطعامك آكل وإن شئت قلت : إنَّ زيداً فيك لراغب وإنَّ عمراً طعامك لآكل ولكنه لا بدّ من أن يكون خبر ( إنَّ ) بعد اللام لأنه كان موضعها أن تقع موقع ( إن ) لأنها للتأكيد ووصلة للقسم مثل إن فلما أزالتهما ( إن ) عن موضعها وهو المبتدأ أُدخلت على الخبر فما كان بعدها فهي داخلة عليه فإن قدمت الخبر لم يجز أن تدخل اللام فيما بعده لا يصلح أن تقول : إنَّ زيداً لفيك راغب ولا : إنَّ زيداً أكل لطعامك وتدخل هذه اللام على الإسم إذا وقع موقع الخبر
تقول : إنَّ في الدار لزيداً وإنَّ خلفك لعمراً قال الله تعالى : ( وإن لنا للآخرة والأولى )

واعلم : أنهم يقولون : إنه زيد منطلق يريدون أن الأمر زيد منطلق وإنما أظهروا المضمر المجهول في ( إن ظننت ) خاصة ولم يظهروا في ( كان ) لأن المرفوع ينستر في الفعل والمنصوب يظهر ضميره فمن قال : كان زيد منطلق قال : إنه زيد منطلق وإنه أمة الله ذاهبة وإنه قام عمرو والكوفيون يقولون : إنه قام عمرو هذه الهاء عماد ويسمونها المجهول
ويجوز أن تحذف الهاء وأنت تريدها فتقول : إنَّ زيداً منطلق تريد : إنه وإن حذفت الهاء فقبيح أن يلي إن فعل يقبح أن تقول : إن قام زيد وإن يقوم عمرو تريد : إنه فإن فصلت بينها وبين الفعل بظرف جاز ذلك فقلت : إن خلفك قام زيد ويقوم عمرو وإن اليوم خرج أخوك ويخرج عمرو وقال الفراء : اسم إن في المعنى وقال الكسائي : هي معلقة وأصحابنا يجيزون : إن قائماً زيد وإن قائماً الزيدان وإن قائماً الزيدون ينصبون ( قائماً ) بإنَّ ويرفعون ( زيداً ) بقائم على أنه فاعل
ويقولون : الفاعل سد مسد الخبر كما أن ( قائماً ) قام مقام الإسم
وتدخل ( ما ) زائدة على ( إن ) على ضربين : فمرة تكون ملغاة دخولها كخروجها لا تغير إعراباً تقول : إنما زيداً منطلق وتدخل على ( إن ) كافة للعمل فتبنى معها بناء فيبطل شبهها بالفعل فتقول : إنما زيد منطلق ( فإنما ) : ها هنا بمنزلة ( فعل ) ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك

قال سيبويه : وأما ليتما زيداً منطلق فإن الإِلغاء فيه حسن وقد كان رؤبة ينشد هذا البيت رفعاً :
( قَالَتْ ألا لَيْتَمَا هَذا الحَمَامَ لَنَا ... إلى حَمَامَتِينَا وَنِصفه فَقَدِ )
قال وأما لعلَّما فهو بمنزلة كأنما قال ابن كراع :
( تَحَلَّلْ وعَالِجْ ذَاتَ نَفْسِكَ وانظُرَنْ ... أبا جُعَلٍ لعلَّما أنْتَ حَالِمُ )
قال الخليل : إنما لا تعمل في ما بعدها كما أن ( أرى ) إذا كانت لغواً لم تعمل ونظير ( إنما ) قول المرار :

( أَعَلاقَةً أمَّ الوَلِيدِ بَعْدَمَا ... أفْنَانُ رأسِكِ كالثَّغَامِ المُخْلِسِ )
جعل ( بعد ) مع ( ما ) بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده والفرق بين إن وإنما في المعنى أن إنما تجيء لتحقير الخبر قال سيبويه تقول : إنما سرت حتى أدخلها إذا كنت محتقرًا لسيرك إلى الدخول
و ( أن ) المفتوحة الألف عملها كعمل ( إن ) المكسورة الألف إلا أن الموضع الذي تقع فيه المكسورة خلاف الموضع الذي تقع فيه المفتوحة ونحن نفرد باباً لذكر الفتح والكسر يلي هذا الباب إن شاء الله ( وأن ) المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر تقول : قد علمت أن زيداً منطلق فهو بمنزلة قولك : علمت انطلاق زيد وعرفت أن زيداً قائم كقولك : عرفت قيام زيد

واعلم : أنَّ ( إن وأن ) تخففان فإذا خففتا فلك أن تعملهما ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما فالحجة له : أنه إنما أعمل لما اشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة
فلما خففت زال الوزن والشبه
والحجة لمن أعمل أن يقول : هما بمنزلة الفعل
فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف
فالفعل يعمل محذوفاً عمله تاماً وذلك قولك : لم يك زيد منطلقاً فعمل عمله والنون فيه والأقيس في ( أن ) : أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ : ( إن هذا لساحران ) فيؤدي خط المصحف ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول : إنِ الزيدان لمنطلقان وإنْ هذا لمنطلقان كيلا يلتبس ( بإن ) التي تكون نفياً في قولك : إن زيد قائم تريد : ما زيد بقائم وإذا نصب الإسم بعدها لم يحتج إلى اللام لأن النصب دليل فكان سبيويه لا يرى في ( إن ) إذا كانت بمعنى ( ما ) إلا رفع الخبر لأنها حرف نفي دخل على إبتداء وخبر كما تدخل ألف

الإستفهام ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم
قال أبو العباس وغيره : نجيز نصب الخبر على التشبيه ب ( ليس ) كما فعل ذلك في ما
قال أبو بكر : وهذا هو القول لأنه لا فصل بينهما وبين ( ما ) في المعنى
قال أبو علي الفارسي : القول غير هذا ول ( إنْ ) المخففة أربعة مواضع : ( إن ) التي تكون في الجزاء نحو : إن تأتني آتك
والثاني : أن تكون في معنى ( ما ) نفياً تقول : إن زيد منطلق تريد : ما زيد منطلق
والثالث : أن تدخل زائدة مع ( ما ) فتردها إلى الإبتداء كما تدخل ( ما ) على إن الثقيلة فتمنعها عملها وذلك قولك : ما إن يقوم زيد وما إن زيد منطلق ولا يكون الخبر إلا مرفوعاً قال الشاعر فروة بن مسيك :
( ومَا إنْ طِبُّنا جُبْنٌ وَلكِنْ ... مَنَايَانَا ودَوْلهٌ آخِرينَا )

الرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به وعلى هذا قوله تعالى : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) وقوله : ( وإن كانوا يقولون ) وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيداً كما تدخلها في ( إن ) الثقيلة لأن اللبس قد زال
وأما ( أن المخففة ) من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالإختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الإبتداء والمكسورة إنما دخلت على الإبتداء وخبره
وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه : فوجه : أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدراً نحو قولك : أريد أن تقوم : أي : أريد قيامك
والثاني : أن تكون في معنى ( أي ) التي تقع للعبارة والتفسير وذلك قوله تعالى : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا )
ومثله : ( أن اعبدوا الله ربي وربكم )
والثالث : أن تكون فيه زائدة مؤكدة وذلك قولك : لما أن جاز زيد

قمت : والله أن لو فعلت لأكرمتك قال الله تعالى : ( ولما أن جاءت رسلنا )
والرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة وذلك قوله تعالى : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) . ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز
قال سيبويه : لا تخففها أبداً في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأَنتَ تريد الثقيلة تضمر فيها الإسم يعني الهاء قال : ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر يريدون معنى ( كأن ) ولم يريدوا الإِضمار وذلك قوله :
( كأنَّ وَرِيْدَيهِ رِشَاءُ خُلْبِ ... )
قال : وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى ( إن ) فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل

فلا يتغير عن عمله نحو : لم يكن صالحاً ولم يك صالحاً ومثل ذلك يعني الأول قول الأعشى :
( في فتيةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هالكٌ كلُّ منْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ )
كأنه قال : إنه هالك وإن شئت رفعت في قول الشاعر : كأن وريداه رشاء خلب
واعلم : أنه قبيح أن يلي ( إن ) المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل قبيح أن تقول : قد عرفت أن يقوم زيد : حتى تفصل بين أن والفعل بشيء يكون عوضاً من الإسم نحو : لا وقد والسين

تقول : قد عرفت أن لا يقوم زيد وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال : عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى : ( علم أن سيكون منكم مرضى ) وقوله : ( أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا )
وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيراً فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون إلى ( قد ) هنا ولا إلى ( السين ) لو قلت : أما أن يغفر الله لك
لجاز لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه : أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع
وسمعناهم يقولون : أما أن جزاك الله خيراً شبهوه ( بأنه ) أضمروا فيها كما أضمروا في ( أن ) فلما جازت ( أن ) كانت هذه أجوز
واعلم : أنك إذا عطفت اسماً على أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإِشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع تحمله على الإبتداء يعنى موضع أن فتقول : إن زيداً منطلق وعمراً وعمرو لأن معنى : إن زيداً منطلق زيد منطلق قال الله تعالى : ( أن الله بريء من المشركين ورسوله )
ولك أن تحمله على الإسم المضمر في ( منطلق ) وذلك ضعيف إلا أن تأتي ( بهو ) توكيداً للمضمر فتقول : إن زيداً منطلق هو وعمرو وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت : إن زيداً منطلق وعمراً ظريف
ولعل وكأن وليت : ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا

يرفع بعدهن شيء على الإبتداء وقال سيبويه : ومن ثم اختار الناس : ليت زيداً منطلق وعمراً وضعف عندهم أن يحملوا عمراً على المضمر حتى يقولوا ( هو ) ولم تكن ليت واجبة ولا لعل ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه يعني أنك لو قلت : ليت زيداً منطلق وعمرو فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى ا لإبتداء وإن : إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الإبتداء والخبر ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه
وإذا كان خبر إن فعلاً ماضياً لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسماً تقول : إنّ عمراً لقائم وإنّ بكراً لأخوك ولا يجوز أن تقيم ( قام ) مقام ( قائم ) فتقول : إن زيداً لقامَ وأنت تريد هذه اللام لأن هذه اللام لام الإبتداء
تقول : والله لزيد في الدار ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم : قد علمت إنّ زيداً لمنطلق فلولا اللام لانفتحت أن وإنما انكسرت لأن اللام مقدرة بين علمت وإن ألا ترى أنك تقول : قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والإبتداء لأنها لام الإبتداء فلما أدخلت ( أن ) وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيداً كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين وأزالوها إلى الخبر فإن كان الخبر اسماً كالمبتدأ أو مضارعاً للإسم دخلت عليه وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه قال الله تعالى : ( وإن ربك ليحكم بينهم ) أي لحاكم فإن قال

قائل : أراني أقول : لأقومن ولتنطلقن فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل قيل له : ليست هذه اللام تلك اللام هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت : والله لقامَ زيد فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس :
( حَلَفْتُ لَهَا بالله حلفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إن مِنْ حَديثٍ ولا صَالي )
قال : ويقال : إنه أراد : لقد ناموا فلما جاء ( بقد ) قربت الفعل من الحاضر فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الإبتداء
تقول : قد علمت أن زيداً ليقومن وأن زيداً لقائم فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك : أشهد إن محمداً لرسول الله
واعلم إن بكراً ليعلم ذلك قال سيبويه : إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ
قال سيبويه : وقد يستقيم في الكلام : إن زيداً ليضرب وليذهب ولم يقع ( ضرب ) والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين ولا يجوز أن تدخل ( إنَّ ) على ( أنَّ ) كما لا يدخل تأنيث على تأنيث ولا استفهام على

استفهام فحرف التأكيد كذلك لا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله لا يجوز أن تقول : إن إنكَ منطلق يسرني تريد : إن انطلاقَك يسرني
فإن فصلتَ بينها فقلت : إن عندي أنك منطلق جاز
قال الله عز و جل : ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) فإنَّ هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله : ( وأنك لا تظمأ فيها ) وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول : إن في الدار لزيداً فحسن إذا فرقت بين التأكيدين
ومن قرأ : ( وأنك لا تظمأ ) وجعلهُ مستأنفاً كقولكَ : إن في الدارِ زيداً وعمرو منطلق لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده فإن قال قائل : من أين قلت في قوله تعالى : ( وإن ربك ليحكم ) أن الفعل المضارع وقع موقع ( حاكم ) ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الإسم موقعه بمضارعته له قيل له : لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي أولى لأنه فعل كما أن المضارع فعل
ومع ذلك إنها قد تدخل على الإسم

الذي لا يضارع الفعل نحو قولك : إن الله لربنا وإن زيداً لأخوك فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل
ولا يجوز أن تُدخل هذه اللام على حرف الجزاء لا تقول : إن زيداً لأن أتاني أكرمته ولا ما أشبه ذلك
ولا تدخل على النفي ولا على الحال ولا على الصفة ولا على التوكيد ولا على الفعل الماضي كما قلنا إلا أن يكون معه ( قد )
ولكنَّ الثقيلة التي تعمل عمل ( إن ) يستدرك بها بعد النفي وبعد الإِيجاب يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك : ما جاءني زيدٌ لكن عمراً قد جاء وتكلم عمر لكن بكراً لم يتكلم
ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضاً بعد الإِيجاب والنفي للإستدراك
فأما إذا كانت ( لكن ) عاطفة اسماً مفرداً على اسم لم يجز أن تقع إلا بعد نفي لا يجوز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو وأنت تريد عطف عمرو على زيد
مسائل من هذا الباب
تقول : إن عبد الله الظريف منطلق فإن لم تذكر ( منطلق ) وجعلت الظريف خبراً رفعته فقلت : إن عبد الله الظريف كما كنت تقول : كان زيدٌ الظريف ذاهباً وإذا لم تجيْ بالذاهب قلت : كان زيدٌ الظريف وتقول : إن فيها زيداً قائماً إذا جعلت ( فيها ) الخبر ونصبت ( قائماً ) على الحال
فإن جعلت ( قائماً ) الخبر والظرف ( فيها ) رفعت فقلت : إن فيها زيداً قائم وكذلك إن زيداً فيها قائمٌ وقائماً تقول : إن بك زيداً مأخوذ وإن لك زيداً واقف لا يجوز إلا الرفع لأن ( بك ولكل ) لا يكونان خبراً لزيد فلو قلت : إن زيداً بكَ وإن زيداً لك لم يكن كلاماً تاماً وأنت

تريد هذه المعاني فإن أردت بأن زيداً لك أي ملك لك وما اشبه ذلك جاز ومثل ذلك : إن فيك زيداً لراغب ولو قلت : إن فيك زيداً راغباً لم يصلح وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام وتقول : إن اليوم زيداً منطلق لا يجوز إلا الرفع لأن ( اليوم ) لا يكون خبراً لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب ( اليوم ) لا يكون خبراً لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب ( اليوم ) بإن لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه
وتقو ل : إن زيداً لفيها قائماً
وإن شئت ألغيت ( لفيها ) فقلت : إن زيداً لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبراً كان أو ملغى مقدماً على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد :
( إن أمراً خصني عمداً مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور )
وإذا قلت : إن زيداً فيها لقائم فليس ( فيها ) إلا الرفع لأن اللام لا بُدَّ من أن يكون خبر إن بعدها على كل حال وكذلك : إن فيها زيداً لقائم وروى الخليل : أن ناساً يقولون : إن بك زيد مأخوذ فقال : هذا علي : إنه بك زيد مأخوذ وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري :
( وَيْوَماً تُوافِينَا بِوَجْهٍ مقسَّم ... كَأَنْ طَبْيةٌ تَعْطُو إلى وَارِقِ السلمِ )

وقال آخر :
( وَوَجْه مُشْرِقِ النَّحْرِ ... كأنْ ثَدْياهُ حُقَّانِ )
لأنه لا يحسن ها هنا إلا الإِضمار

وزعم الخليل : أن هذا يشبه قول الفرزدق :
( فَلَوْ كُنْتٌ ضَبِّياً عَرَفْت قَرَابتي ... وَلَكِنَّ زِنجيٌ عَظِيمُ المشافِرِ )
قال سيبويه : والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال : ولكن زنجياً عظيم المشافر لا يعرف قرابتي
ولكنه أضمر هذا
قال : والنصب أجود لأنه لو أراد الإِضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك : ما أنت صالحاً ولكن طالح : وتقول : إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً أي : إن لهم مالاً والذي أضمرت ( لهم ) وقال الأعشى :
( إنَّ محلاً وإنَّ مرتحلاً ... وإنَّ في السفر إذ مَضَوْا مَهَلاً )

وتقول : إن غيرها إبلا وشاء كأنه قال : إن لنا غيرها إبلا وشاء وإن عندنا غيرها إبلا وشاء فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه ونصبت إبلا وشاء على التمييز والتبيين كإنتصاب الفارس إذا قلت : ما مثله من الناس فارساً ومثل ذلك قول الشاعر :
( يا لَيْتَ أياَّمَ الصِّبَا رواجِعَا ... )
كأنه قال : يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعاً
وقال الكسائي : أضمر ( كانت ) وتقول : إن قريباً منك زيداً إذا جعلت ( قريباً ) ظرفاً وإن جعلته اسماً قلت : إن قريباً منك زيد فيكون الأول هو

الآخر وإذا كان ظرفاً كان غيره
وتقول : إن بعيداً منك زيد والوجه : أن تجعل المعرفة اسم إن فتقول : إن زيداً بعيد منك
قال سيبويه : وإن شئت قلت : إن بعيداً منك زيداً وقلما يكون بعيد منك ظرفاً
وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيداً وتقول إن قربك زيداً فالدنوا أشد تمكنا من الظروف من البعد لأن حق الظرف أن يكون محيطاً بالجسم من أقطاره
وزعم يونس : أن العرب تقول : إن بدلك زيداً أي : إن مكانك زيداً وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت : إن بدلك زيد أي إن بديلك زيد وتقو ل : إن ألفاً في دراهمك بيض إذا جعلت : ( بيضاً ) خبراً فإن وصفت بها ( ألفاً ) قلت : إن ألفاً في دراهمك بيضاً يجوز لك أن تفصل بين الصفة والموصوف وتقول : إن زيداً منطلق وعمراً ظريف فتعطف عمراً على ( إن ) ومثل ذلك قوله تعالى : ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر )
وقد رفعه قوم ولم يجعلوا الواو عاطفة على تأويل ( إذ ) كقولك : لو ضربت عبد الله وزيد قائم

ما ضرك أي : لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال فكأنه قال : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نَفَدِتْ كلمات الله وتقول : إن زيداً منطلق وعمراً فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول إذ كان الثاني في محل مثل حاله قال رؤبة :
( إنَّ الرَّبيعَ الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا )
أراد : وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول
ولك أن ترفع على الموضع لأن موضع إن الإبتداء فتقول : إن زيدا منطلق وعمرو لأن الموضع للإبتداء وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام
وتقول : إن قومك فيها أجمعون
وإن قومك فيها كلهم ففي ( فيها ) اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت : إن قومك ينطلقون أجمعون فإذا قلت : إن زيداً فيها وإن زيداً يقول ذلك ثم قلت : نفسه . فالنصب أحسن
فإذا أردت حمله على المضمر قلت : إن زيداً يقول ذاك هو نفسه فإذا قلت : إن زيداص منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع وذلك قولك : إن زيداً منطلق لا عمراً وإن زيداً منطلق لا عمرو ولكن بمنزلة إن وتقول : إن زيدا فيها لا بل عمرو وإن شئت نصبت و ( لا بل ) تجري مجرى الواو ولا تقول : إن زيداً منطلق العاقل اللبيب إذا جعلته صفة لزيد ويجوز أن تقول : إن زيداً منطلق العاقل اللبيب فترفع

قال سيبويه : والرفع على وجهين : على الإسم المضمر في ( منطلق ) كأنه بدل منه كقولك : مررت به زيد يعني أنه يجعله بدلاً من المضمر في منطلق
قال : وإن شاء رفعه على معنى : مررت به زيد إذا كان جواب من هو فتقول : زيد كأنه قيل له من هو فقال : العاقل اللبيب وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين : ( قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ) وعلامَ الغيوب
وتقول : إن هذا أخاك منطلق فتنصب أخاك على ضربين من التقدير : على عطف البيان وهو كالصفة وعلى البدل فمن قال هذا قال : إن الذي رأيت أخاك ذاهب ولا يكون الأخ صفة ( الذي ) لأن أخاك أخص من الذي
فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف
قال الخليل : إن من أفضلهم كان زيداً على إلغاء ( كان )
قال سيبويه : وسألت الخليل عن قوله : ( ويكأنه لا يفلح الكافرون ) و ( ويكأن الله ) فزعم : أنها وي مفصولة من ( كأن ) والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم : أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم
قال : وأما المفسرون فقالوا : ( ألم تر أن الله ) وقال زيد بن عمرو بن نفيل

( سألتاني الطَّلاق إذْ رأتَاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِتْتُماني بنكر )
( ويَ كأنْ مَنْ يَكُنْ لَه نَشَبٌ يُحبَبْ ... ومَنْ يفتقرْ يَعشْ عيَشَ ضُرِّ )
قال وناس من العرب يغلطون فيقولون : إنهم أجمعون ذاهبون وإنكَ وزيد ذاهبان وذلك : أن معناه معنى الإبتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير :
( بَدَا لي أنِّي لَسْتُ مُدْرِكٌ ما مَضَى ... ولا سَابِقٍ شيئاً إذَا كَانَ جَائِيا )

فأضمر الباء وأعلمها وأما قولهم : ( والصابئون ) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال : والصابئون بعد ما مضى الخبر قال الشاعر :
( وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَا وأَنْتُم ... بُغَاة ما بَقيْنَا في شِقَاقِ )
كأنه قال : فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك
وتقول : إن القائم أبوه منطلقة جاريته نصبت القائم بإن ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت ( منطلقةً ) لأنه خبر إن ورفعت الجارية بالإنطلاق لأنه فعلها
ويجوز أن تكون الجارية مرفوعة بالإبتداء وخبرها : ( منطلقة ) والجملة خبر ( إن ) فيكون التقدير : إن القائم أبوه جاريته منطقة إلا أنك قدمت وأخرت ويقول : إن القائم وأخوه قاعد فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في ( قائم ) والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر فتقول : إن القائم هو وأخوه قاعدٌ
وإنما قلت : ( قاعد ) لأن الأخ لم يدخل في ( إن ) وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك : إن الذي قام مع أخيه قاعدٌ ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين

صحيح ولو أردت أن تدخل الأخ في ( إن ) لقلت : إن المتروك مريضاً وأخاه صحيحان وتقول : إن زيدا كان منطلقاً نصبت زيداً ( بإن ) وجعلت ضميره في ( كان )
وكان وما عملت فيه في موضع خبر ( إن ) وإن شئت رفعت ( منطلقاً ) على وجهين : أحدهما : أن تلغي ( كان ) وقد مضى ذكر ذلك
والوجه الثاني : أن تضمر المفعول به في ( كان ) وهو قبيح وتجعل منطلقاً اسم ( كان ) فكأنك قلت : إن زيداً كأنه منطلق
وقبحه من وجهين : أحدهما : حذف الهاء وهو كقولك : إن زيداً ضرب عمرو تريد : ضربه والوجه الآخر : أنك جعلت منطلقاً هو الإسم ( لكان ) وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان : إن زيداً كان أخوك تريد : كأنه أخوك كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول : إن أفضلهم الضارب أخاً له كان صالحاً فقولك : كان ( صالحاً ) صفة لقولك : ( أخا له ) لأن النكرات توصف بالجمل ولا يجوز أن تقول : إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحاً فتجعل : ( كان صالحاً ) صفة لأخيه وهو معرةف فإن قال قائل : فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالاً فذاك قبيحٌ والأخفش يجيزه على قبحه وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم ) وتأويل ذلك عند

أبي العباس : على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم
وقال : القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي : ( أو جاؤكم حصرة صدروكم )
وقال الأخفش : أقول : إن في الدار جالساً أخواك فانصب ( جالساً ) ( بإن ) وارفع ( الأخوين ) بفعلهما واستغنى بهما عن خبر ( إن ) كما أقول : أذاهب لئأخواكَ فارفع ( أذاهب ) بالإبتداء وأخواك بفعلهما واستغنى عن خبر الإبتداء لأن . خبر الإبتداء إنما جيء به ليتم به الكلام
قال : وكذلك تقول : إن بك واثقاً أخواك وإن شئت ( واثقين أخواك ) فجعلت ( واثقين ) اسم ( إن ) ولا يجوز : أن بك واثقين أخويك فتنصب ( واثقين ) على الحال لأن الحال لا يجوز في هذا لأنك لا تقول : إن بك أخويك وتسكت
وتقول : إن فيها قائماً أخواك وإن شئت قائمين أخويك فتنصب أخويك ( بأن ) وقائمين على الحال وفيها خبر ( إن ) وهو خبر مقدم وإذا ولي ( قائم ) إن ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين وصار اسماً لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن وذلك قولك : إن قائمين الزيدان وإن قائمين الزيدون

وأجاز الفراء : إن قائماً الزيدان وإن قائماً الزيدون على معنى إن من قام الزيدان . وإن من قام الزيدون
وأجاز البصريون إن قائماً الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره ولا يجيز الكوفيون
إن آكلاً زيد طعامك إذا كان المنصوب بعد زيد وهذا جائز عند البصريين فإن قلت : إن آكلاً طعامك زيدٌ كانت المسألة جائزة في كل قول وكذلك كل منصوب من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف فإن قلت : خلفك آكلاً زيد استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت : إن خلفك آكلاً زيد طعامك ولك أن تؤخر ( آكلاً ) والظروف من الزمان في ذا كالظروف في المكان
والفراء يجيز : إن هذا وزيد قائمان وإن الذي عندك وزيد قائمان وإنك وزيد قائمان إذا كان اسم ( إن ) لا يتبين فيه الإِعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل وعلى ذلك ينشدون هذا البيت :

( ومَنْ يَكُ أَمْسَى بالمَدينة رَحلُه ... فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ )
فيرفع ( قياراً ) وينصب وكذلك لو قال : الغريبان فإفراد الفعل وتثتيته في هذا عندهم سواء
والكسائي يجيز الرفع في الإسم الثاني مع الظاهر والمكنى فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه فالنصب عندنا لا يجوز غيره وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط
وقد قال الفراء : يجوز أن تقول : إنهم أجمعون قومك على الغلط لما كان معناه : هم أجمعون قومك وإنه نفسه يقوم يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإِعراب وهو وأصحابه كثيراً ما يقيسون على الأشياء الشاذة
وقال قوم : إن الإختيار مع الواو التثنية في قولك : إن زيداً وعمراً قائمان ويجوز : قائم مع ثم والفاء التوحيد ويجوز التثنية يجوز : لإن زيداً ثم عمراً قائم وقائمان
وإن زيداً فعمراً قائم وقائمان
ومع ( أو ) ( ولا ) التوحيد لا غير أن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر
واعلم : أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك : إنه قام بكر وفي كل موضع تستعمل فيه فهي موحدة لا ينسق عليها ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد ولا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع ولا تذكر وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل
وقوم يقولون : إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت

وذكرت نحو قولك : إنه قائمة جاريتك وإنها قائمة جاريتك
وقالوا إذا قلت : إنه قائم جواريك ذكرت لا غير فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك : إنه في الدار جاريتك وإنها في الدار جاريتك
وحُكي عن الفراء أنه قال : لا أُجيز : إنه قام لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين لإسم وخبر وكان يجيز فيما لم يسم فاعله : إنه ضُرِب وقال : لأن الضمة تدل على آخر
والكسائي يجيز : إنه قام قال : والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر الهاء إلا صفة متقدمة وإن جاؤوا بعدها بأفعال يعنون بالأفعال أسم الفاعل أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم : إن رجلاً قائماً وإن رجلاً أخوك وإذا أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون : إن رجلاً وزيداً لأن خبر المعرفة لا يُضمر عندهم ويقولون : كل أداة ناصبة أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع ( إن ) فإن كانت الأداة لا تعمل شيئاً دخلت اللام عليها
وقد أجاز الفراء حذف الخبر في : ( إن الرجل ) وإن المرأة وإن الفأرة وإن الذبابة ولا يجيزه إلا بتكرير ( إن )
ويقولون : ( ليت ) تنصب الأسماء والأفعال أي : الأخبار نحو : ليت زيداً قائماً وقال الكسائي : أضمرت : ( كان )

وقالوا : ( لعل ) تكون بمعنى : ( كي ) وبمعنى : خليق وبمعنى : ظننت وقالوا : والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين والدليل على ( عسى ) أن تجيء بأن وقالوا : ( ليت ) قد ذهب بها إلى ( لو ) وأولوها الفعل الماضي وليتني أكثر من ليتي ولعلي أكثر من لعلني وإنني وإني سواءٌ
وذكر سيبويه : لهنك لرجل صدق قال : وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في ( إن ) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك : هرقت
ولحقت هذه اللام ( إن ) كما لحقت ( ما ) حين قلت : ( إن زيداً لما لينطلقن فلحقت ) اللام في اليمين والثانية لام ( إن ) وفي : لما لينطلقن اللام الأولى : لام ( لئن ) والثانية : لام اليمين
والدليل على ذلك النون التي معها
وقال : قول العرب في الجواب إنه فهو بمنزلة أجل وإذا وصلت قلت : إنَّ يا فتى

واعلم : أن ( إنَّ واخواتها ) قد يجوز أن تفصل بينها وبين أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده وذلك قولك : إن زيداً فافهم ما أقول رجل صالح وإن عمراً والله ظالم وإن زيدا هو المسكين مرجوم لأن هذا في الرفع يجري مجرى المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن ) فأولئك هو الخبر
ومذهب الكوفيين والبغداديين في ( إن ) التي تجاب باللام يقولون : هي بمنزلة ( ما ) وإلا وقد قال الفراء : إنها بمنزلة ( قد ) وتدخل أبداً على آخر الكلام نحو قولك : إن زيداً لقائم تريد : ما زيد إلا قائم وقد قيل : إنه يريد : قد قام زيد وكذلك : إن ضرب زيد لعمراً وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول : هي مع الأسماء والصفات يعني بالصفات والظروف إن المثقلة خففت ومع الأفعال بمعنى ما وإلا وقال الفراء : كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا : وقد حكى : إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه وقد حُكي مع الأسماء وأنشدوا :
فقلت :
( إن القوم الذي أَنَا مِنهم ... لأَهل مَقَامَات وشَاء وجامِلِ )

وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك : إن ظننت زيداً لفي الدار قائماً فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها وإن كان من صلة ( قائم ) دخلت اللام على ( قائم ) يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ ألا ترى أنه لو خلا الكلام من ( ظننت ) : كان زيد في الدار قائماً فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال والعامل فيه ( في الدار ) فهو من صلة ( في الدار ) فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على ( قائم ) لأنه من صلة الثاني وهو الخبر وقالوا كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب وكذلك صلة الثاني في قولك : إن ضربت رجلاً لقائماً لا يدخلون عليها اللام و ( قائماً ) صلة رجل هذا خطأ عندهم وعند غيرهم ولا يجوز : إن زال زيد قائماً لأنه لا يجوز زال زيدٌ لقائماً وتقول : إن كان زيدٌ لقائماً

باب كسر ألف إن وفتحها
ألف إن تكسر في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والإبتداء جميعاً وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلاً داخلاً على جملة وتلك الجملة مبتدأ وخبر والجملة التي بعد ( إنَّ ) لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف ألا ترى أنك تقول : إن عمراً منطلق فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول : عمرو منطلق ويصلح أن يقع الفعل موقع المتبدأ فتقول : انطلق عمرو وهذه الجملة لا موضع لها من الإِعراب لأنها غير مبنية على شيء
و ( إنَّ ) المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها ولا تدخل اللام في خبر ( إن ) إذا كانت

( إن ) محمولة على ما قبلها
واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك : قد علمت إن زيداً لمنطلق وأظن إن زيداً لقائم فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه
ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال لا تقول : وعدتك إنك لخارج إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل ألا ترى أنك تقول : قد علمت أيهم في الدار وكل موضع تقع فيه ( إن ) بمعنى اليمين وصلة القسم فهي مكسورة فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى اليمين : أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم قال الله تعالى : ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة ) ( فإن ) تدخل صلة ( للذي ) لأن صلة الذي لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر
فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضاً مكسورة لأنك تحكي الكلام مبتدأ والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول : قال عمرو : إن زيداً خير منك
قال سيبويه : كان عيسى يقرأ هذا الحرف ( فدعا ربَّه أًنَّي مغلوبٌ )

أراد أن يحكي كما قال ( والذين اتخذوا من دونه من أَولياء ما نَعْبُدهُمْ ) كأنه قال والله أعلم : قالوا : ما نعبدهم فعلى هذا عندي قراءة : ( فدعا ربه أني مغلوب ) أي : دعا ربه فقال : إني مغلوب
وتكسر أيضاً بعد إلا في قولك : ما قدم علينا أمير إلا إنَّهُ مكرم لي لأنه ليس هنا شيءٌ يعمل في ( إن ) ولا يجوز أن تكون عليه . قال : قال سيبويه : ودخول اللام ها هنا يدلك على أنه موضع ابتداء
قال الله تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ) فإن زال ما بعد إلا عن الإبتداء وبنيته على شيء فتحت تقول : ما غضبت عليك إلا أنك فاسق كأنك قلت : إلا لأنك فاسق وأما قوله تعالى : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله )
فإنما حمله على ( منعهم ) أي : ما منعهم إلا أنهم كفروا فموضع : أنهم كفروا رفع أي : ما منعهم لا كفرُهم فلما صار لها موضع فتحت
و ( حتى ) : تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في ( إن ) وذلك قولك : قد قاله القوم حتى إن زيداً يقوله : وانطلق الناس حتى إن عمراً لمنطلق
وأحال سيبويه أن تقع المفتوحة ها هنا وكذلك إذا قلت : مررت فإذا إنَّهُ

يقول ذاك قال : وسمعت رجلاً من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرتك به :
( وكُنْتُ أُرى زيداً كَما قِيلَ سِيداً ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللُّهَازمِ )
وإذا ذكرت ( إن ) بعد واو الوقت كسرت لأنه موضع ابتداء نحو قولك : رأيته شاباً وإنه يومئذ يفخر

ذكر أن المفتوحة
أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام : شأناً وقصة وحديثاً ألا ترى أنك إذا قلت : علمت أنك منطلق فإنما هو : علمت انطلاقك فكأنك قلت : علمت الحديث ويقول القائل : ما الخبر فيقول المجيب : الخبر أن الأمير قادم
فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها لا تريد بها الإبتداء تقول : بلغني أنك منطلق ( فأن ) في موضع اسم مرفوع كأنك قلت : بلغني انطلاقك وتقول : قد عرفت أنك قادم ( فأن ) في موضع اسم منصوب كأنك قلت : عرفت قدومك وتقول : جئتك لأن كريم ( فأن ) في موضع اسم مخفوض كأنك قلت :

جئت لكرمك و ( أن ) إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل
وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الإسم والفعل لا يعمل في الفعل فلذلك لا يعمل الفعل في ( إن ) المكسورة ويعمل في ( أن ) المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر والمصدر اسم
قال سيبويه : يقبح أن تقول : أنك منطلق بلغني أو عرفت
وإنما استقبح ذلك وإن أردت تقديم الفعل لإمتناعهم من الإبتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة ( أَنْ ) الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر
وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه فلا يجوز أن يتصرف تصرف ( أن ) الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها
فأما ( أَنْ ) الخفيفة التي تنصب الفعل فإنها يبتدأ بها لأن الفعل صلة لها وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و ( أَنَّ ) الشديدة ليست كذلك لأنه لا يليها إلا الإسم وهي بعد للتأكيد كما إن ( إن ) المكسور للتأكيد تقول : إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز : أنْ زيد قائم خير لك قال الله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم ) وتقول : ليت أن زيداً منطلق فأصل هذا الإبتداء والخبر فينوب عن خبر ( ليت ) ولا يجوز : أن يقوم زيد حتى يأتي بخبر وأنت مع ( أن ) تلفظ بالفعل ومع ( أن ) المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل نحو قولك : قد علمت أن زيداً أخوك والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة لا تقع فيها ( إن ) المكسورة فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد فاعلم : أن المعنى والتأويل مختلف
وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها نحو : جئتك أنك تريد

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6