كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي

اختلفا فقلتَ : ( قٌمْتُ ) فإِنْ قلتَ : أَفْعَلتُ قلتَ : أَقمتُ فتركتَ القافَ مفتوحةً نقلتَ إِليها الفتحةَ مِنْ ( أَقومتُ ) ولم تحولْ مِنْ بناءٍ إِلى بناءٍ لأَنَّهُ قَد زَالَ هُنَا أَنْ يشبهَ المضارعَ مضارعَ ( يَغْزُو ويَرمِي ) لأَنَّ مضارعَ أَجادَ : يُجيدُ وأَقامَ : يُقيمُ فَقَد زالتْ تلكَ العلَّةُ التي كانتْ ( بقُمتُ وبِعتُ ) قبلَ دخولِ الزيادة ولو فعلوا هَذا بهِ أَيضاً لكانوا قد حوَّلوهُ إلى ما ليسَ مِنْ كلامِهم وهوَ ( أَفْعُلَ ) فلمَّا كانَ من كلامِهم ( فَعُلَ ) حوَّلوا إِليهِ ولمَّا امتنعَ منهُ ( أَفعل ) أَلقوهُ وقَد جاءتْ حروفٌ علَى الأَصلِ ولا يقاسُ علَيها وذلكَ نحو قولِهم : أَجودتُ وأطولتُ واستحوذَ واستروحَ وأَطيبَ وأَخْيَلَتْ وأَغُيَلَتْ وأَغيمتْ وجميعُ هَذا فيهِ اللغةُ المطردةُ
قالَ سيبويه : إِلاّ أَنّا لم نسمعهم قَالوا إِلاّ ( استروحَ إِليهِ وأغْيَلَتْ واسْتَحْوَذَ ) ومِنْ هَذا البابِ : اختارَ واعتادَ وانقاسَ فتارَ مِن ( اختارَ ) وتادَ مِن اعتادَ وقَاسَ من انْقَاسَ نظيرُ ( قَام ) لا فرقَ بينَهما في سواكنهِ ومتحركاتهِ وإِذَا قلتَ فَعَلْتُ قلتَ أخْتَرْتُ وانْقَدْتُ
وإِذَا قلتَ ( أُفْتُعِلَ ) ( وأُنْفُعِلَ ) قلت : أُخْتِيرَ وأُنْقِيدَ لمَّا كانَ ( تَارُ ) من ( اختارَ ) بمنزلةِ : قالَ صارَ تِيرَ مِنْ ( أُخْتِيرَ ) بمنزلةِ قِيلَ والأَسماءُ الجاريةُ على أَفعالِها تعتلُّ كاعتلالِ الأفعالِ فأَمَّا ( فَاعِلُ ) مِنْ قامَ وبَاعَ فتقولُ : قَائِمٌ وبائِعٌ
قالَ سيبويه : إِنَّ هذهِ الياءَ والواوَ جعلتا هُنا همزتينِ كَما فُعِلَ بهما

في : سِقَاء وقَضاءٍ ويعتلُّ مَفْعولٌ مِنها كما اعتلَ ( فَعِلَ ) فَتقولُ في : بِيعَ مَبيعٌ وفي هِيبَ : مَهِيبٌ وكانَ الأَصلُ : مبيوعٌ فنقلتِ الحركةُ مِنَ التاءِ إِلى الياءِ فسكنتِ الياءُ والتقى ساكنانِ الياءُ والواوُ
وقالَ الخليلُ : فحذفتْ ( واوُ مفعولٍ ) وكانتْ أَولى بالحذفِ لأنَّها زائدةٌ وكذلكَ : مقولٌ
وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يَزعمُ : أَنَّ المحذوفةَ عينُ الفعلِ والباقيةَ واوُ مفعولٍ
قالَ المازني : فسألتهُ عَنْ ( مبيعٍ ) فقلتُ : أَلاَ تَرَى أَنَّ الياءَ في ( مَبيعٍ ) ياءٌ ولو كانتْ واوُ مفعولٍ كانتْ مَبوعٌ فقالَ : إِنهم لما أسكنوا ( ياءَ ) مبيوعٍ وأَلقوا حركتَها علَى الباءِ انضمتِ الباءُ وصارتْ بعدَها ياءٌ ساكنةٌ فأبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ للياءِ التي بعدَها ثُمَّ حذفتِ الياءُ بعدَ أَن لزمتِ الباءُ الكسرةَ للياءِ التي حذفتَها فوافقتْ واوُ مفعولٍ الباءَ مكسورةً فانقلبتْ ياءً للكسرةِ التي قبلَها كما انقلبتْ واوُ ( ميزانٍ ) ياءً للكسرةِ
قالَ المازني : وكِلا القولينِ حَسَنٌ جَميلٌ قالَ وقولُ : أَبي الحسن أَقيسُ
وتقولُ في ( مَفْعُولٍ ) مِنَ القولِ ( مَقولٌ ) وكانَ الأَصلُ : مَقوولٌ فنقلتِ الحركةُ فاجتمعَ ساكنانِ فحُذِفَ أَحدهُما وبعضُ العربِ يخرجهُ

إِلى الأَصلِ فيقولُ : مَخيُوطٌ ومَبيوعٌ ولا يحذفُ ولا نعلمُ أَنَّهم أَتموا في الواواتِ لم يَقولوا في ( مَقُولٍ ) مَقوولٌ لثقلِ الواوِ ويجري ( مَفْعَلٌ ) مجرى ( يَفْعَلُ ) فيهما فيعتلُّ قالوا : مَخَافةٌ مثلُ : يَخافُ ومَقَامٌ ومقَالُ ومَثَابةٌ ومَنَارةٌ فَمَفعلٌ علَى وَزنِ ( يَفْعَلُ ) ليسَ بينهما إِلاّ أَنَّ الميم موضعُ الياءِ فمذهبُ سيبويه : أَنَّ كُلَّ ما كانَ من الأسماءِ التي في أَوائلها زوائدُ تفصلُ بينَها وبينَ الأَفعالِ وهيَ علَى وزنِ الأفعالِ فإِنّهُ يعلُّها كَما يعلُّ الفعلَ
ومَفْعِلٌ مثلُ : ( يَفْعِلُ ) وذلكَ قولُكَ المَبِيضُ والمَسِيرُ ومَفْعُلةٌ مثلُ يَفْعُلُ وذلكَ قولُكَ : المَشُورةُ والمَعُونةُ والمَثُوبةُ ويدلّكَ علَى أَنَّها ليستْ بمفعُولةٍ وأَنَّها مَفْعُلَةٌ أَنَّ المصدرَ لا يكونُ على ( مَفْعُولة ) وكانَ الأخفشُ يجيزُ أن يأتيَ بمَفْعُولةٍ مصدراً ويحتج بِخُذْ ميسُورةً ودَعْ مَعسُورةً
و ( مُفْعُلةٌ ) مِنْ بَناتِ الياءِ تجيءُ علَى مثالِ ( مَفْعِلةٍ ) لأَنكَ إِذَا سكنتَ الياءَ وهيَ العينُ جعلتَ الفاءَ تابعةً كما فعلتَ ذلكَ في ( مَفعولٍ ) فتقولُ ( مَعِيشةٌ ) إِذَا أَردتَ ( مَفعُلةً ) مِنَ العيشِ ولو أَردتَ أَيضاً ( مَفْعِلةً ) لكانَ على هَذا اللفظِ فَمِعيشةٌ علَى وزنِ : يَعِيشُ وَيَعِيشُ لو جازَ أَن تريدَ بهِ ( يَفْعُلُ ) ما كانَ بُدٌّ مِنْ إبدالِ الضمةِ كسرةً لِتَصحَّ الياءُ لقربِها

من الطرفِ وإِنَّما تبدلُ الضمةَ كسرةً إِذَا كانتْ بعدَها الياءُ ساكنةً وذلكَ نحو : أَبْيضَ وبِيضُ وكانًَ القياسُ بُوْضٌ لأَنَّها فُعْلٌ
ويدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم : أَحمرُ وحُمرٌ ولكنَّهم أبدلوا الضمةَ كسرةً لتصِحَّ الياءُ التي كانتْ في الأصلِ لئلا يخرجوا مِنَ الأَخف إِلى الأثقلِ في الجمعِ وهوَ أَثقلُ من الواحدِ عندَهم فيجتمعُ ثقلانِ ولذلكَ قالوا : عِتِيٌّ فكسروا ليؤكدوا البدلَ قالوا : صِيَّمٌ وقِيَّمٌ لقربِهما مِنَ الطرفِ ولأَنَها جَمعٌ ولَمْ يقولوا في دُوَّار وصُوَّام لبعدِها مِنَ الطرفِ
قالَ سيبويه : ولا تجعلْها بمنزلةِ ( فَعُلْتُ ) في الفعلِ يعني إِذَا قلتَ : قَضُوَ فأتبعتَ الياءَ الضمةَ لأَنَّ ذلكَ لا يفعلُ في ( فَعُلَ ) لو كانَ اسماً تقولُ في مثالِ مُسْعُطٍ مِنَ البيعِ : مُبِيعٌ كانَ الأَصلُ : مُبُيعٌ فنقلتَ الحركَة إِلى الباءِ ثم أَبدلتَها كسرةً لتصِحَّ الياءُ
وقالَ الأَخفش : فيما أَحسبهُ أَقولُ : مُبُوعٌ وهوَ خَلافُ قولِ سيبويهِ وإِنَّما أَعلَّ مثالَ مُسْعُطٍ لأَنَّهُ وزنُ ( أَقْتُلُ ) ومُفْعَل مِنَ الياءِ والواوِ على مثالِ : يُفْعَلُ وَقَدْ جاءتْ ( مَفْعَلةٌ ) على الأَصلِ قالوا : إِنَّ الفكاهةَ مَقْوَدَةٌ إِلى الأَذى قالَ سيبويه : مَكْوَزةٌ ومُزَيدٌ جاءَ علَى الأصلِ وإِنْ كانَ اسماً وليسَ بمطردٍ
قالَ أَبو العباس : مُزْيَدُ إِنْ كانَ اسماً لرجلٍ ولم تردْ بهِ الإجراءَ على الفعلِ كما يكونُ المصدرُ وما يشتقُّ منه اسماً للمكانِ أَو الزمانِ فحقهُ أَنْ لا

يُعل وأَنْ يصححَ لأَنَّهُ إِنَّما تعلهُ ما دَامَ يناسبُ الفعلَ بأَنَّهُ مصدرٌ للفعلِ أَو مكانٌ للفعلِ أَو زمانٌ لَهُ فإِذَا بَعُدَ مِنْ هذهِ الأمورِ لم يجزْ أَن يُعلَّ إِلا كما تعلُّ سائرُ الأسماءِ
قالَ سيبويه : وقالوا : مَحْبَبٌ حيثُ كانَ اسماً
أَلزموهُ الأَصلَ كَمورَقٍ ومتَى جاءَ اسمٌ علَى وزنِ الفعلِ وليسَ فيهِ ما يفرقُ بينَهُ وبينَ الفعلِ صُحِّح وذلكَ قولُهم : هَوَ أَقولَ الناسِ وأَبيعُ الناسِ وأَقولُ مِنْكَ وأَبيعُ مِنْكَ وإنّما أَتموا ليفصلوا بينَهُ وبينَ الفعلِ نحو : أَقالَ وأَقامَ ويتمُّ في قولِكَ : ما أَقولهُ وأَبيعهُ لأَنَّ معناهُ معنى ( أَفعلُ منكَ ) وأَنَّهُ لا يتصرفُ تصرفَ الأفعالِ فأَشبهَ الأَسماءَ وكذلكَ : أَفعلْ بهِ لأَنَّ معناهُ معنى : ما ما أفعله ويتمُّ في كُلِّ ما جاءَ على لفظِ الفعلِ بغيرِ فَرقٍ بينَهما ونحنُ نُتبعُ هَذا ما يتمُّ مِنَ الأسماءِ ولا يُعَلُّ إِنْ شَاء الله
ذِكْرُ ما يتم ويُصححُ ولا يُعَلُّ
مِنْ ذلكَ ما صُححَ لسكونِ ما قبلِهِ وما بعده وذلكَ نحو : حُوَّلٍ وعُوَّارٍ وَقَوَّالٍ ومِشوارٍ والتَّقوال والتقَوالِ وقَوول وبُيوعٍ وشُيُوخٍ وحُوُولٍ وَنَوارً

وهُيامٍ وطويلٍ وطُوالٍ وخِوَانٍ وخِيَارٍ وَعِيانٍ ومَقَاول ومَعَايش وبَناتُ الياءِ كبناتِ الواو في جميعِ هذَا في تركِ الهمزِ في : طَاوُوسٍ وسَايُور نحو ما ذكرنا ومِنْ ذلكَ : أَهوناءُ وأَبيناءُ وأَعيياءُ وقالوا : أَعيّاءُ وقالَ بعضُهم : أَبِينَاءُ كَسرِه الكسرةَ في الياءِ كما كرهوا الضمةَ في ( فُعُلٍ ) مِنَ الواوِ فأَسكنوا نحو : نُوْرٍ وقٌوْلٍ ولَيْسَ بالمطردِ فأَمَّا الإِقامةُ والإستقامةُ فاعتلتْ علَى أَفعالِهما وطَويلٌ لم يجيء على ( يَطُولُ ) ولاَ علَى الفِعْلِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ لو أَردتَ الإسمَ لقلتَ : طَائلٌ وإِنَّما هُوَ ( كفعيلٍ ) يعني به ( مَفعولَ ) مِفْعَلٌ يتمُّ ولم يَجرِ مَجرى ( أَفعلُ ) لأَنَّ مَفعلاً إِنَّما هُوَ ( مِفْعَالٍ ) أَلاَ تَرى أَنَّهما في الصفةِ سَواءٌ تقولُ : مِطْعَنٌ ومِفْسَادٌ فتريدُ في ( المِفْسَادِ ) مِنَ المعنى ما تريدُ في ( المِطْعَنِ ) وتقولُ : المِخْصَفُ والمِفْتَاحُ فتريدُ في المِخْصُفِ مِنَ المعنى ما أَردتَ في ( المِفْتَاحِ ) وقَد يعتورانِ الشيءَ الواحدَ نحو : مِفْتاحٍ ومِفْتَحٍ ومِنْسَجٍ ومِنْسَاجٍ فمن ثُمَّ قالوا : مِقْولٌ ومِكْيلٌ فأَمَّا قولُهم : مَصائبُ وهَمزها فَغَلطٌ هيَ ( مُفْعِلَةٌ )

وتوهموها ( فَعِيلَةً ) وقَد قالوا : مَصاوب ويهمزونَ نحو : صَحَائف وَرَسائل وعَجَائز
( فَاعِلٌ ) مِنْ ( عَورتُ ) إذَا قالوا : ( فَاعِلٌ ) غَدَاً قالوا : عَاورٌ غَداً وكذلكَ : صَائدٌ غَدَاً مِنْ صَيِدَ لمّا صحتْ في الفعلِ ولو كانَ ( تَقُولُ ) اسماً لكسرتَهُ تُقَاول وتَبيعُ تُبَايع ولا يهمزُ ويتمُّ ( فَاعلٌ ) نحو : قَاولَ وبايعَ
وفَوَاعلُ مِنْ ( عَوِرْتُ ) وصَيِدتُ يُهمزُ لأَنَّك تقولُ في ( شَويتُ شَوَايا ) كما تُهمزُ نظيرُ مَطَايا مِنْ غَيرِ بناتِ الياءِ والواوِ نحو : صحائف لأَنَّ ( عورتُ ) نظيرُ ( شَويتُ ) وصَيِدتُ نظيرُ ( حَيِيتُ ) فهمزت لإلتقاءِ الواوينِ
وليسَ بينَهما حَاجزٌ حَصينٌ فَصار بمنزلةِ الواوينِ يلتقيانِ

هذا بَابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مِما ذَكرنَا
وطَويلٌ وطُوَالٌ صَحَّ في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ وأَمَّا فَعَلانٌ وفَعْلَى نحو : جَوَلاَنٍ وحَيَدانٍ وحَيَدى فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادةِ مِنْ مثالِ الفعلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندهم ما صُححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ الفَعْلِ المعتلِّ نَحو : الحَوِلِ والغَيِرِ وكذلكَ ( فَعَلاءُ ) نحو ( السِّيَراء ) وفُعَلاَءُ نحو : القُوَياءِ والخُيَلاءِ أَخرجتهُ الزيادةُ مِنْ مثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندَهم مَا صَحَّ لأَنَّهُ جاءَ علَى غيرِ مثالِ الفِعْلِ وقَد أَعلَّ بعضُهم : فَعَلانَ وفَعَلَى كما أَعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلوا الزيادةَ بمنزلةِ الهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارَانٌ وهَامَانُ وليسَ بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعلَى فَلا تدخلُهُ العلةُ كَما لا تدخلُ ( فُعَلٌ وفِعَلٌ )

هَذَا بابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مما ذكرنا
إِذَا جمعتَ ( فَوْعَلَ ) همزتَ كما همزتَ ( فَواَعلَ ) مِنْ عَورتُ وصَيدتُ وسَيّدٌ يهمزُ وفَيْعَلٌ نحوَ عَيَّنٌ يهمزُ جميعُ هَذا لأنَّهُ اعتلَّ بعدَ ياءٍ زائدة في موضعِ أَلفِ ( فَاعلٍ ) ولو لم يعتلَّ لَمْ يهمز كما قالوا : ضَيونٌ وضَيَاونٌ ( فُعَّلٌ ) مِنْ قلتُ ( قَوَائلُ ) تهمزُ وكذلكَ ( فَعْوَلٌ ) لإلتقاءِ الواوينِ وأَنَّهُ لَيْسَ بينَهما حاجزٌ حصينٌ وقربُها مِنْ آخر الحرفِ وإِذَا التقتِ الواوانِ على هَذا المثالِ فلا تلتفتن إِلى الزائدِ وغيرِ الزائدِ أَلا تَرَاهم قالوا : أَوَائلُ في أَولَ وأَمَّا قَولُ الشاعرِ : عَوَاورُ فإِنَّما اضطر

إِليه فحذَف الياء من ( عَواوير ) ولم يكنْ تَركُ الياءِ في الكلامِ لازماً فيهمزُ :
فَوَاعل مِنْ قُلتُ . يُهمزُ لأنَّها أَمثلُ مِنْ فَوَاعلٍ مِنْ ( عَورتُ ) وأوائلُ
وبناتُ الياءِ كبناتِ الواوِ يهمزن كما همزت ( فَوَاعلُ ) مِنْ ( صَيِدتُ ) لأَنَّ الياءَ قَدْ تستثقلُ معَ الواوِ كاستثقالِ الواوينِ ويهمزُ ( فَعِيلٌ ) مِنْ قُلتُ وبِعْتُ قَوَائِلُ وبَيَائعُ

بَابُ ما يجري فيه بعضُ مَا ذكرناَ إِذا كُسرَ للجمعِ علَى الأصلِ
فمِنْ ذلكَ ( فَيْعَالٌ ) نحو : دَيَّارٍ وقَيَّامٍ وَدَيُّورٍ وَقَيُّومً تقولُ : دَياويرُ وقَيَاويمُ وعُوَّارٌ وعَواويرُ وكلَّما فصلتَ بينَهُ وبينَ آخر الحروفِ بحرفٍ جَرى علَى الأصلِ كما جَاء : طَاووسٌ ونَاووسٌ

بَابُ ( فُعِلَ ) مِنْ ( فَوعَلتُ ) مِنْ ( قَلْتُ ) وفَيعَلتُ مِنْ ( بِعْتُ )
وذلكَ قولُكَ قُوولَ وبُويعَ تمدُّ كما مددتُ في ( فَاعلتُ ) ألا ترى أنَّك تقولُ : بَيطرتُ فتقولُ : بُوطِرَ فتمدَّ وصَوْمعتُ فتقولُ : صُومِعَ فتجري مَجرى : باطرتُ وصَامعتُ وكذلكَ ( تفَيعلتُ ) إِذا قلتَ : قَدْ تَفَوعَل تقولُ : تُفُوهقَ مِنْ تَفَيهقْتُ وكذلكَ إِذا كانَ الحرفُ ( فَعْوَلتُ ) وفَعْيَلتُ : تقولُ : قَد بُووعَ وافْعَوْعَلتُ مِنْ سرتُ اسييرّتُ تقلبُ الواو ياءً لأَنَّها ساكنةٌ بعدَها ياءٌ فإِذَا قلتَ : فُعِلْت قلتَ : أُسْيُوِيرْتُ
قالَ سيبويه : وسألتهُ يعني الخليلَ عَنِ اليوم فقالَ : كأَنَّهُ مِنْ ( يُمْتُ ) وإِن لم يستعمل كراهيةَ أن يجمعوا بينَ هَذا المعتل ويَاءٍ تدخلها الضمةُ في ( يَفْعُلُ ) كراهيةَ أنْ يجتمعَ ياءانِ في إِحداهما ضمةٌ مع المعتل ومما جاءَ على ( فِعْلٍ ) لا يتكلمُ بهِ كراهيةٍ نحو ما ذكرها أولُ وَآأَةٌ وَوَيْسٌ وَوَيْجٌ كَأنَّهُ مِنْ وِلتُ وَوِحْتُ وَأُؤْتُ

أَفعلتُ في القياسِ مِنَ اليومِ عَلى مَنْ قَالَ : أَطوَلتُ وأَجودَتُ
قالَ الخليلُ : أَيَّمتُ تقلبُ . هنا كما قلبتْ في ( أيامٍ ) أُفعِلٌ ومُفْعَلٌ ويُفْعَلُ أُووِمْ بغيرِ هَمْزٍ ويُوْوَمٌ لأَنَّ الياءَ لا يلزمُها أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ كفَعَّلتُ وفَوعلتُ مِنْ بِعْتُ وقَدْ تقعُ وحدَها فكَما أُجريتْ ( فَيْعَلتُ وفَوعَلتُ ) مجرى ( بَيْطرتُ ) وصَوْمعتُ أَجريتْ هذهِ مجرَى ( أيقنتُ )
وأَبو العباس يقولُ : أَيّمٌ عَلَى ( أَفعِلٍ ) لأَنَّ الواوَ هُنَا فَاء فهيَ تَلزمُ العينَ وهيَ مدغمةٌ وإِذَا كانَ الحرفُ مدغماً لم يقلبْهُ ما قبلَهُ
أفعلُ : مِنَ اليَومِ أيَّمٌ والجمعُ أيائمُ تهمزُ لأَنَّها اعتلتْ كما اعتلتْ في ( سيدٍ ) فكما أَجريتَ سَيداً مَجرى ( فَوْعلَ ) مِنْ ( قَلْتُ ) كذلكَ تجري هَذا مجرى أَوَّلَ
افْعَوعَلتُ مِنْ ( قُلْتُ ) : ( اقْوَوَّلْتُ وافْعَالَلتُ ) مِنَ الياءِ والواوِ : اسوادَدْتُ وابَياضَضْتُ أَتموا لأَنَّهم لو أسكنوا لكانَ فيهِ حذفُ الألفِ

والواوِ لئلا يلتقي ساكنانِ
افْعَلَلَتُ ( ازْوَرَرْتُ ) وابْيَضَضْتُ فإِنْ أردتَ ( فُعِلَ ) قلتُ أُبْيُوضٌ في هَذا المكانِ واقْوُول جمعتَ بينَ ثلاثِ واواتٍ لأَنَّ الثانية كالمدةِ كما فعلتُ ذلكَ في ( قَوْوِلَ )
قال أبو الحسن : أَقُولُ : واقْوُيِلْتُ لئلا أَجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ فُعْلَلٌ من كِلتُ : كُوْلَلٌ وفُعْلِلٌ إِذا أَردتَ الفِعلَ : كُوَلِلٌ ولم يجمعْ بمنزلةِ بِيضٍ
وبِيْعٍ لبعدِها مِنَ الطرفِ وصارتْ علَى أَربعةِ أَحرفٍ وكانَ الفعلُ ليسَ أَصله يائهِ التحريكُ
سمعنا مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : تَعَيّطتِ الناقةُ ثُمَ قالوا : عُوطَطٌ فُعْلَلٌ

بَابُ مَا الهمزُ فيهِ في موضعِ اللامِ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ
نحو : سَاءَ يَسُوءُ وجَاءَ يَجيءُ وَشاءَ يَشَاءُ
اعلَم : أَنَّ الواوَ والياءَ لا تُعَلاَّنِ واللام ياءٌ أَو واوٌ لأَنَّهم إِذَا فعلوا ذلك يصيرونَ إلى ما يستثقلونَ وإِلى الإِلباس والإِجحافِ فهذهِ الحروفُ تجري مَجرى : قَالَ وبَاعَ إِلاّ أَنكَ تحولُ اللامَ يَاءً إِذا همزتَ العينَ وذلكَ نحو قولكَ : جَاءٍ همزتَ العينَ التي هُمِزَتْ في ( بَائعٍ ) واللام مهموزة فالتقت همزتانِ ولم تكنْ لتجعلَ اللامَ بينَ بينَ لأَنَّهما في كلمةٍ واحدةٍ وجميعُ ما ذكرتُ في ( فَاعلٍ ) بمنزلةِ جَاءٍ
واعلَم : أَنَّ ياءَ ( فَعَائل ) أَبداً مهموزةً لا تكونُ إِلا كذلكَ ولم تَردْ إِلاّ كذلكَ وشبهت ( بفَعَاعِل فَوَاعل ) مِنْ جِئتُ جَوَاءٍ وشَوَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في جَمعٍ وأَمَّا ( فَعَائل ) مِنْ ( جِئتُ ) وَسُؤتَ فكخَطَايا تقولُ :

جَيَايا وسَوَايا وكانَ الخليلُ : يزعمُ : أَنَّ جاءٍ وشَاءٍ
اللامُ فيهما مقلوبةٌ واطردَ في هذَا القلب إِذ كانوا يقلبونَ كراهيةَ الهمزةِ الواحدةِ نحو ( لاثٍ وشَاكٍ ) فُعَائلُ من جئتُ جُيَاءٌ ومِنْ سَؤتُ سُوَاءٍ لأَنَّها لم تُعرضْ في جَمَعٍ :
( فَعْلَلٌ ) مِنْ جئتُ وقَرَأتُ : جَيْأى وقَرْأًى فُعْلُلٌ : وقُرْئىٍ وَجُوْئىٍ فِعْلِلٌ قِرْئِي وجِيْئِيٌ لإلتقاء الهمزتين ولزومهما وليسَ يكونُ هَا هُنا قَلْبُ كما في : جَاءٍ لأَنَّهُ لَيس هُنَا شيءٌ أَصلُه الواوُ ولاَ الياءُ فَإِذَا جعلَتهُ طرفاً جعلتَهُ كياءِ ( قَاضٍ ) وإِنَّما الأصلُ هُنَا الهمزُ فِإِذا جمعتَ قلتَ : قَرَاءٍ وجَيَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ
فَعَاعلُ : مِنْ جِئتُ وسؤتُ سَوَايا وجَيَايَا لأَنَّ ( فَعَاعِلَ ) مِنْ قلتُ : وبِعْتُ مهموزتانِ فصارتْ همزةً عرضتْ في جَمعٍ ومَنْ جعلَها مقلوبةً فينبغي أن يقولَ : جياء وسَوَاءٍ لأَنَّهما همزتا الأصلِ التي تكونُ في الواحدِ
افْعَلَلتُ مِنْ : صَدِئتُ اصْدَأَيتُ تقلبُها ياءً كما تقلبُها في ( مُفْعَللٍ ) وذلك قولكَ مُصْدِىءٍ وَيَفْعَلِلُ يَصْدِئي فَيَاعلُ مِنْ جِئْتُ وَسُوْتُ بمنزلةِ فَعَاعل جَيَايا وسَيَايا لأَنَّها عرَضتْ في جَمعٍ

قالَ سيبويه : وسألتُ الخَليلَ عْن ( سُؤْتهُ سَوَائيةً فقالَ : هيَ : فَعَاليةٌ بمنزلةِ عَلاَنيةٍ والذينَ قالوا : سَوَايةٌ حذفُوا الهمزةَ وأَصلهُ الهمزةُ كما اجتمعَ أَكثرهُم علَى تركِ الهمزِ في ( مَلَكٍ ) قالَ : وسألتهُ : عَنْ مَسَائيةٍ فقالَ : هيَ مقلوبةٌ وكذلكَ : أَشياءُ وأَشاوي ونظيرهُ قِسِيٌّ وأَصلُ مسائيةٍ : مَسَاوِئةٌ فكرهوا الواوَ معَ الهمزةِ وأَصلُ أَشياءٍ : شَيئَاءٌ وأشاوي كأَنَّكَ ( جمعتَ ) إشاوةً وأَصلُ ( إِشَاوةٍ : شَيئَاءُ ) ولكنَّهم قَلبوا وأَبدلوا مكانَ الياءِ الواو كما قالوا : أَتَيْتَهُ أَتْوَةً وأَمَّا ( جَذَبْتُ ) وجَبَذْتُ ونحوهُ فليسَ بمقلوبٍ كُلُّ واحدٍ على حدتهِ لأَنَّ الفِعلَ يتصرفُ فيهما وأَمَّا كُلُّ وكِلا فَمِنْ لفظتينِ لأَنَّهُ ليسَ ها هُنا قُلبٌ ولا حرفٌ من حروفِ الزوائدِ

بَابُ ما يخرجُ على الأصلِ إِذَا لَمْ يكنْ حَرفَ إعرابٍ
وذلكَ : الشَّقَاوةُ والإِداةُ والنِّهاوَةُ ومِنْ ذلكَ : الأُبوةُ والأُخوةُ والأُخوةُ لا يغيرانِ ولا تحولهما فيمن قالَ : مَسْنِيٌّ وعُتِيٌّ للزوم الإِعرابِ غيرَهما وصلاءةٌ وعَظاءةٌ جاؤوا بهِ علَى قولِهم : صَلاَءٌ كَما قالوا : مَسْنيَّةٌ ومَرْضِيَّةٌ حيثُ جاءتا علَى مَرْضيٍّ ومَسْنيٍّ فلحقتِ الهاءُ حرفاً يُعَرَّى مِنْها ومَنْ قالَ : صَلاَيةٌ وَعَبَايةٌ فلم يجىء بالواحدِ على الصَّلاَءِ والعَباءِ كما أنّه إذا قال : خُصْيانِ لم يُثنهِ على الواحدِ ولو أرادَ ذلكَ لقال خُصْيتانِ قال وسألته عن الثَنايَينِ فقالَ : هُوَ بمنزلةِ : النِّهايةِ ومن ثُم قالوا : مِذْرَوانِ لأَنَّ ما بعدَهما مِنَ الزيادةِ لا يفارقانِهما وإِذَا كانَ

قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ مفتوحٌ كانتِ الهاءُ لازمةً ولم تكن إِلاَّ بمنزلتِها لو لم تكنْ هاءً نحو : العَلاَةِ وهَنَاةٍ وَمَناةٍ فَتقلبها ألفاً
وقَمَحدوةٌ مثلُ : ( سَرُوَ ) وإنْ كانَ ما قبلَ الياءِ والواوِ فتحةً في الفعلِ قلبتْ ألفاً وإنَّما قالوا : الغَثَيانُ لأَنَّ ما بعدَهُ ساكنٌ كَما قالوا رَمَيا وإِذا كانتِ الكسرةُ قبلَ الواوِ ثم كانَ بعدَها ما يقعُ عليهِ الإِعرابُ لازماً أو غيرَ لازمٍ فهيَ مبدلةٌ مكانَها الياءُ ( مَحْنِيةٌ ) وهيَ مِنْ ( حَنَوْتُ ) وهيَ الشيءُ المَحْنِيُّ مِنَ الأرضِ وَغَازِيةٌ وقالوا : قِنْيَةٌ للكسرةِ وبينهما حرفٌ والأصلُ ( قِنْوَةٌ )

بَابُ ما إِذَا التقتْ فيهِ الهمزةُ والياءُ قلبتِ الهمزةُ ياءً والياءُ ألفاً
وذلكَ : مَطَيّةٌ ومَطَايا ورَكيةٌ ورَكَايا وهَديَّةٌ وهَدَايا وإِنَّما هذهِ ( فَعَائِل ) كصحيفةٍ وصَحَائِفَ لأَنَّها همزةٌ بينَ أَلفينِ يدلُكَ على ذلكَ أنَّ الذينَ يقولونَ : سَلاءٌ كما تَرى فيحققونَ يقولونَ : رأيتُ سًلاً فَلا يحققونَ فأَبدلوا مِنْ مَطَايا مكانَ الهمزةِ ياءً لأَنَّها هيَ كانَتْ ثَابتةً في الواحدِ
وقالَ : قال : بعضهم : هَدَاوَى فأَبدلوا الواوَ لأَنَّ الواوَ قد تبدل مِنَ الهمزةِ وما كانت الواوُ فيه ثابتةً نحو ( هَراوةٍ ) وإِدَاوَةٍ فيقولونَ : هَرَاوى وأَداوى وأَلزموا الواوَ هُنا كَما أَلزموا الياءَ في ( مَطَايا ) وكما قالوا : حَبَالى ليكونَ آخرهُ كآخرِ واحدهِ وليستْ بأَلفِ التأنيثِ كَما أَنَّ الواوَ في ( أَدَاوَى ) غيرُ الواوِ في ( إِدَاوةٍ ) ولم يفعلوا هذا في ( جَاءٍ ) لئلا يلتبسَ بفَاعل وَفُعِلَ ذلكَ بما كانَ على مثالِ مَفَاعِلَ لأَنَّهُ ليسَ يلتبسُ لعلمِهم أَنَّهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ ( مَفَاعِل ) . و ( فَوَاعِل ) من ( شَوَيْتُ )

شَوَايا لأَنَّها همزةٌ تعرضُ في الجمع وبعدَها الياءُ همزتَها كما همزت ( فَوَاعِل ) من ( عَوِرْتُ ) وكذلك ( فَوَاعلُ ) مِنْ ( حَيِيْتُ ) وفَوَاعلُ منهما بمنزلةِ ( فَوَاعل ) في أَنَّكَ تهمزُ ولا تبدلُ مِنَ الهمزةِ ياءً تقولُ : شَوَاءٌ فُعَائِلُ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ مُطَاءٍ ورُمَاءٍ لأَنَّها همزةٌ لم تعرضْ في الجمعِ فهمزتُها بمنزلةِ همزةِ فَعَالٍ ( مِنْ ) حَيِيْتُ والجمعُ مَطَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ فَيْاعِلُ مِنْ ( شَويتُ ) وَحَيِيْتُ حَيَايا وشَيَايا لأَنَّها همزةٌ تَعرضُ في الجمعِ بعدَها الياءُ ولا يخافونَ التباساً وقالوا : فَلُوَّةٌ وفَلاوى لأَنَّ الواحدَ فيهِ واوٌ فأَبدلوا في الجمعِ واواً
وأَمَّا فُعَائلُ وفُعَاعِلُ تقولُ : شَوَاءٍ وَحُيَاءٍ و ولا تقولُ : حَيَايا وشَوَايا لئلا يلتبسَ ( بحُبَارى )
ما بنيَ على : أَفعلاء وأَصلهُ ( فُعَلاءُ )
وذلكَ ( أَسرَياءُ وأَغنِياءُ وأَشقِياءُ صرفُوها عِنْ سُرَواءَ وغُنياءَ لأَنَّهم يكرهون تحريكَ الواوِ والياءِ وقبلهما الفتحةُ إلاّ أَنْ يخافوا التباساً في رَمَيا وَغَزَوَا
جملُ الأُصولِ التي لا بُدَّ مِنْ حفظِها لإستخراج المسائلِ بجميعِ أَقسامِها :
الياءُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَو حرفٍ مكسورٍ أَو حرفٍ مضمومٍ فإنْ

كانتِ الياءُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ وهيَ ساكنةٌ لم تعل إلاّ في لغةِ مَنْ قالَ : في يَيْأَسُ يَيْئِسُ وفي ( يَوْجَلُ يَاجَلُ ) وإنْ كانتْ بعدَ حرفٍ مكسورٍ فهيَ علَى حالِها وإنْ كانتِ الياءُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مضمومٍ قلبتْ واواً وإنْ بعدت مِنَ الطرفِ وإنْ قربتْ أُبدلتِ الضمةُ كَسْرَةً وأُقرتِ الياءُ على حالِها نحو بِيضٍ وما أَشبههُ إلاّ في الإسمِ الذي علَى ( فُعْلَى ) نحو : طُوبى ) وَكُوسَى وهذهِ الياءُ لا تغيرُ لِمَا بعدَها إلاّ أنْ يليهَا تاءُ ( افْتَعلَ ) . وتقولُ : اتَّأسَ مِنَ التَأسِي

بَابُ الياءِ المتحركةِ
الياءُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَو بعدَ حرفٍ وإذَا كانتْ أَولاً فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فهيَ علَى حالِها لا تقلبُ ولا تغيرُ حركتها إلاّ في قولِ مَنْ قالُ في ( يَوجَلُ يِيجلُ ) فيكسُر الياءَ ليثبتَ قلبَ الواوِ بعدَها وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فلا تخلو مِنْ أَن تكون طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا تخلو من أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَو متحركٌ فإنْ كانَ قبلها ساكنٌ وهيَ طرفٌ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ألفاً فإنَّها تبدلُ همزةً وذلكَ نحو : قَضَاءٍ وسِقَاءٍ أَو يكونَ لاماً في ( فَعْلَى ) نحو ( تَقْوَى ) فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المتحركةِ التي هيَ طرفٌ حرفْ متحركٌ أبدلتِ الياءُ لحركةِ ما قبلَها إنْ كانتْ في ( فِعْلٍ ) وإنْ كانَ المتحركُ قبلَها مفتوحاً أبدلتْ أَلفاً نحو : قَضَى وَرَمى وإنْ كانَ مضموماً قلبتْ واواً نحو قَضُوَ الرجلُ ورَمُوَ وإنْ كانَ قبلَها مكسورٌ بقيتْ علَى حالِها فإِنْ كانتْ بهذهِ الصفةِ في اسمٍ وكانَ قبلَها مفتوحٌ قلبتْ أَلِفَاً نحو : رَحَى الألفُ منقلبةٌ مِنْ ( ياءٍ ) يدلُّكَ علَى هذَا قولُهم : رَحَيانِ وإنْ كانَ ما قبلَها

مكسوراً تُرِكَتْ على حالِها وإنْ كانَ ما قبلها مضموماً أُبدلتْ مِنَ الضمةِ كسرةً واتبعتِ الحركة ما بعدَها خلافُ ما عملتْ في الفعلِ وذلكَ نحو قولهم في جمعِ ( ظَبيٍ ) عَلَى ( أَفعُلٍ ) أَظَّبٍ كانَ الأَصلُ الضم في الباءِ فأبدلتْ منها كسرةٌ فإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ غير طرفٍ فليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنين فهيَ على حالِها إلا في قولِ مَنْ قالَ في ( ظَبيْ ظَبَويٌّ ) وقد ذكرتهُ في النَّسَبِ وإنْ كانتِ الياءُ المتحرَكةُ بينَ متحركينِ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها حرفٌ مفتوحٌ فإنَّها تقلبُ أَلفاً نحو : باعَ ونَاب وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ أَو مكسورٌ وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها وذلكَ نحو : عُيبةٍ وصِيَرٍ وليسَ يجوزُ أَنْ يقعَ في الكلامِ مضمومٌ بعدَ مكسورٍ في حَشوِ كلمةٍ وبنائِها ليَسَ في الكلامِ مِثلُ ( فِعُلٍ ) ولا ( فُعِلٍ ) إلاّ في الفِعْلِ فإنْ أَردتَ ( فُعِلَ ) مِنَ البيعِ قلتَ : بِيَعَ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ ( بُوعَ ) فيبدلُ فهذَا مذكورٌ في موضعِه مبينُ وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانَ ما قبلَها متحركاً وما بعدَها ساكناً لم يجزْ أَن تعلها لسكونِ ما بعدَها لئلا يجتمع ساكنانِ نحو ( دَيَامِيسَ ) وإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وما بعدَها متحركاً فهيَ على حالِها نحو : عِثْيَرٍ
الواو : والواوُ لا تخلو مِنَ أَن تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَوْ مضمومٍ أَوْ مكسورٍ فإنْ كانتِ الواوُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ في لغةِ مَنْ قَالَ في

يَوْجَلُ : ( يَاجَلُ ) وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ في نحو : ( صُوَّمٍ ) فإنَّ مِنهم مَنْ قالَ : ( صُيَّمٌ ) لقربها مِنَ الطرفِ شبهوها بُعتيٍ وقالوا أَيضاً : ( صِيَّمٌ ) إنَّما جَاءَ هذَا فيما قَرُبَ مِنَ الطرفِ وهو جَمعٌ فإنْ قالوا : صُوَّامٌ وزُوَّارٌ لم يقلبوا وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مكسورٌ قلبتْ ياءً نحو ( مِيزانٍ ) وأَصلُه : ( مِوزَانٌ ) لأَنَّهُ مِنَ الوزن إلا أَنْ تكونَ الواوُ علامةً لجمعٍ نحو : ( قاضونَ ويَقضُونَ فإنَّكَ تبدلُ من الكسرةِ ضمةً كي لا تزولَ العلامةُ وإنْ كانتِ الواوُ ساكنةً ولم يغيرها ما قبلَها فَلَن يغيرَها ما بعدَها إلاَ أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ ) فإنَّها تبدلُ ياءً وتدغمُ فيما بعدَها تقولُ في ( فَوْعَلٍ ) مِنْ ( بِعْتُ ) بَيَّعٌ فإنْ كانتِ الواوُ مدةً قبلَها ضمةٌ وهيَ منقلبةٌ مِنْ أَلفٍ زائدةٍ لم يجزْ إدغامُها نحو واوِ : ( سُوَيرٍ ) والواوُ منقلبةٌ مِنْ أَلفِ ( سَاير ) وكذلكَ ( تبُويعَ ) ومثلهُ رُويةٌ وَرُويَا وَنُويٌّ لم يقلبوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقَالَ بعضُهم : رَيَّا وَرُيَّةٌ ولا يكونُ مثلُ هذَا في ( سُوَيرَ وتُبَويعَ ) لأَنَّ الواوَ بَدَلٌ مِنْ أَلفٍ فأَرادوا أَن يمدوا وأَنْ لا يكونَ بمنزلةِ ( فُعِّلَ ) و ( تُفُعِّلَ ) أَلا تَرَاهم قالوا : ( تُقُووِلَ ) وَقُووِلَ فهذهِ قصةُ الواوِ الساكنةِ إلاّ أَنْ يقعَ في ( يَفعَلُ ) وهَيَ في موضعِ الفاءِ بينَ ياءٍ وكسرةٍ

نحو : وعَدَ يَعِدُ وكَانَ الأصل ( يَوْعِدُ ) فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أُختهن الياء لئلا يختلفَ الفعلُ
وقالَوا : عِدةٌ فأجروا المصدَر علَى الفعل في الحذفِ وإنْ كانَ بعدَ هذهِ الواوِ تَاءُ ( افْتَعلَ ) أبدلتْ تاءً نحو قولِهم : اتَّعدَ
الواوُ المتحركةُ : والواوُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَوْ بعدَ حرفٍ فإنْ كانتْ أولاً فلا تخلُو مِنْ أَن تكونَ مضمومةً أَو مكسورةً أو مفتوحةً فإنْ كانتْ مضمومةً فمِنَ العربِ مَنْ يبدلُها همزةً ومنهم مَنْ يدعُها على حالِها قالوا : في ( وجوهٍ ) أُجُوةٌ وإنْ كانتْ مكسورةً فكذلكَ إلاّ أَنَّ الهمزَ أَكثرُ ما يجيءُ في المضمومةِ وهوَ مطردٌ فيها وقالوا في ( وسادةٍ إسَادةٌ ) وفي ( وِشاحٍ أِشَاحٌ ) وهذَا أيضاً كثيرٌ فأمَّا المفتوحةُ فليسَ فيها إبدالٌ وقَد شَذَّ منهُ شَيءٌ قالوا : امرأة أَنَاةٌ وهيَ ونَاةٌ مِنَ الوَنَى وقالوا : أَحدٌ في ( وَحَدٍ ) وهَذا شَاذٌ وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ أَولاً وبعدَها حرفٌ ساكنٌ أَو متحركٌ فهي عَلَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ فإنّه يلزمُها البدلُ وأَنْ تُجعلَ همزةً كقولِهم في ( فَوعل ) مِنَ الوعدِ : أَوعدَ فإنْ كانتِ الواوُ الثانيةُ مدةً كنتَ في همزةِ الأُولى بالخيارِ نحو : ( فَوعل ) مِنْ ( وعَدَ ) تقولُ : وَوعدَ ( وَوُورِيَ عنهما مِنْ سَوْآتِهمَا ) الواوُ الثانيةُ مدةٌ وليسَ الهمزُ لإجتماعِ الواوينِ ولكنْ لضمة الأُولى وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فَلِنْ تخلو مِنْ أَن تكونَ طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَوْ متحركٌ فإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وهيَ طرفٌ

فهيَ على حالِها في الإسمِ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها واوُ ( فُعُولٍ ) في الجَمعِ نحو : ( عُتيٍّ ) وعُصِيٍّ كانَ الأَصلُ ( عُتُوٌّ ) وعُصُوٌّ فقلبتْ في الجمعِ وتثبتُ في الوَاحدِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ تقولُ في المصدرِ قَدْ بلغَ عُتُوّاً
وقَد حُكيَ عن بعضِ العَربِ : إنكم لتنظرونَ في نَحُوٍّ كثيرةٍ فصححَ الواو في الجمعِ وأَتى بهِ علَى الأَصلِ أَو يكونُ قبلَها أَلفٌ فإنَّها تقلبُ همزةً نحو : ( كِسَاءٍ ) وإنْ كانتْ قبلَها ياءٌ ساكنةٌ فَقَد قالوا : حَيْوَةٌ فكانَ حَقُّ هذَا ( حَيَّةٌ ) أَو تكون لاماً في الفعلِ نحو ( الدُّنيا ) كانَ الأصلُ ( الدُنْوَى ) أَو تكونُ مضمومةً فيجوزُ هَمزهُ نحو : أُدْؤرٍ ( وإنْ كانَ قبلَ الواوِ المتحركةِ وهيَ طَرفٌ حرفٌ متحركٌ فلا يخلو ما قبلَها أَنْ يكونَ مفتوحاً أَوْ مضموماً أَو مكسوراً فإنْ كانَ مفتوحاً قلبتْ أَلفاً نحو : غَزَا وقَضَى وإنْ كانَ مكسوراً قلبتْ ياءً نحو ( غُزِي ) وإنّ كانَ مضموماً في ( فِعْلٍ ) تُرِكَ على حالِه نحو : يَغزُو فإنْ كانَ في اسمٍ أبدلتْ ياءً وكسرَ ما قبلَها كما قالوا في جَمعِ دَلْوٍ : أَدْلٍ وكانَ الأصلُ أَدْلُواً فإنْ كانتْ بهذِه الصفةِ وبعدهَا هاءُ التأنيثِ صحتْ وذلكَ نحو : ( قَمَحدوةٍ ) فإنْ كانتَِ الواوُ غيرَ طرفٍ فَليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنينِ فهيَ على حالِها إلاَ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ياءً فإنَّها تقلبُ ياءً ويدغمُ فيها ما قبلَها وذلكَ نحو : ( فَيْعُولٍ ) مِنْ يَقُومُ قَيومٍ وإنْ كانتْ متحركةً بينَ متحركينِ وكانَ الذي قبلَها مفتوحاً قلبتْ ألفاً وذلكَ نحو : ( قَالَ ) وبَابٍ ودَارٍ وخَافَ ولا تُبالِ ( إلى ) أَيّ حركةٍ كانتْ

مفتوحةً أَو مكسورةً أَو مضمومةً فإنَّها تقلبُ أَلفاً إلاّ مَا جَاء على ( فَعَلانٍ وفَعَلَى ) نحو ( جَوَلاَنٍ وحَيَدى ) جَعلوهُ بمنزلةِ ما لا زائدَ فيهِ فأَخرجوهُ بذلكَ مِنْ شبهِ الفِعْل فصارَ بمنزلةِ الحوِلِ والغِيَرِ الذي ليسَ على مثالِ الفِعلِ وقَد أَعلَ بعضُهم ( فَعَلاَنَ وفَعَلى ) جَعلوا الزيادةَ كالهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارَانٌ وهَامَانٌ
قالَ سيبويه : وهذَا ليسَ بالمطردِ وإنْ كانَ ما قبلَها مضموماً وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها نحو : رَجلٍ نُوَمٍ ولا تعتلُّ هذِه لأَنَّ هذَا الوزنَ لا يكونُ فِعْلاً وإنْ كانت مكسورةً وقبلها مضمومٌ فَهذا لا يكونُ إلا في ( فُعِلَ ) مثلُ قِيلَ كانَ الأصلُ قُوِلَ وهذَا مُبينٌ في موضعهِ ومنهم مَنْ يقولُ : قُوَلَ وإنْ كانَ ما قبلَها مسكوراً وهيَ مفتوحةٌ صحتْ لأَنَّها ليستْ علَى مثالِ الفعلِ نحو : حَوِلَ إلاّ أَنْ يكونَ جمعاً لواحدٍ قَدْ قُلبَ فإنهُ لا يثبتُ في الجمعِ إذا كانَ قبلهُ كسرةٌ وذلكَ نحو : ديمةٍ ودِيَمٌ وحِيلَةٍ وحِيَلٌ وقَامَةٍ وقِيَمٌ وإنْ كانتْ مضمومةً وقبلَها مضموم فإنْ كانَ الإسم علَى ( فُعُلٍ ) أسكنوا الواوَ لإجتماعِ الضمتينِ وذلكَ قولُهم : عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ ويجوزُ تثقيلُ فَعِلَ في الشعر ولا يجوزُ أَن تقعَ مضمومةً وقبلَها كسرةٌ لأَنها ليسَ في الكلامِ مثلُ ( فُعِلٍ ) وفِعِلٌ أَيضاً لَيسَ في الكلامِ إلاّ في ( إبِلٍ و إطِلٍ ) فإنْ وقعتْ بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فحكمُها حكمُ التي تقعُ بينَ ساكنين لأَنَّها لا يغيرُها ما بعدَها فهيَ علَى

حالَها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذيَ قبلَها ياء فإنَّها تقلبُ ياءً وتدغمُ فيها نحو : ( سَيّدٍ ومَيَّتٍ كانَ الأصلُ : سَيودٌ ومَيوِتٌ ) وإنْ وقعتْ بينَ متحركِ وسَاكنٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ تكونَ في مصدرٍ قَد اعتلَّ فعلُه وقبلَها كسرةٌ وبعدَها أَلفٌ نحو : قُمْتُ قِياماً وحَالتْ حِيَالاً أَو تكونُ كذلكَ في جمعٍ قد أُعلَّ واحدهُ نحو : دَارٍ ودِيَار وإذَا كانَ بعدَها الألفُ فهي أَجدرُ أَنْ تقلبَ أَو تكونَ كذلكَ أَيضاً في جمعِ الواوِ ساكنةً في واحدِه نحو : ثَوبٍ وثِيَابٍ وسَوطٍ وسِيَاطٍ لأَنَّ الكسرةَ قَدْ دخلتْ علَى ما أَصلهُ السكونُ فإنْ جئتَ بِفِعَالٍ غيرِ مُجرٍ لَهُ عَلى ( فِعْلٍ ) ولا جَمع لشيءٍ مِما ذكرَنا صححت فقلتَ : هَذا قِوامُ الأَمرِ فإنْ جاءَ الجمعُ في هذَا بغيرِ أَلفٍ نحو : عُودٍ وَعِوَدَةٍ وزَوجٍ وَزِوَجَةٍ لَم يُعَلَّ وقَد قالوا : ثَورٌ وَثِوَرَةٌ وَثِيَرَةٌ
قالَ سيبويه : قلبوها حيثُ كانتْ بعدَ كسرة قالَ : وليسَ هُوَ بمطردٍ
قالَ أَبو العباس : بنوهُ على ( فِعْلَةٍ ) ثُمَ حركوهُ فَصَار ثِيَرةً
قالَ أبو بكر : والأقيس عندي في ذَا أَنْ يكونوا أَرادوا ( فِعَالة )

وقَصروا لأَنَّ ( فِعَالةً ) مِنْ أَبينةِ الجمعِ ( وَفِعَلَةً ) لَيْسَ من أَبنيةِ الجمعِ التي تكثرُ فيهِ ولا يُقاسُ عَليهِ فإنْ لم يَقَعْ في هذَا البابِ قبلَ الواوِ كسرةٌ صحتِ الواوُ أَلاَ تَراهم جَمعوا : ( قَيْلٌ ) : إقْوال وأَجرى مجرى حِيَالٍ اخترتُ اختياراً : ( تِيارٌ ) مِنْ اختيار مثلُ ( حِيَالٍ ) وانقدتُ انْقياداً ( قِيَاداً ) ( مثلُ ) حِيَالٍ فأَمَّا جِوَارٌ فصح لصحتهِ في الفعلِ وذلكَ قولُهم : جاورتُ وإنْ وقعَ بعدَ الواوِ المتحركةِ واوٌ ساكنةٌ نحو : ( فُعُولٍ ) تركتْ علَى الأَصلِ ويهمزونَ إنْ شاءوا وكذلكَ ( فَعُولٌ ) نحو : قَوُول إنْ شاَءَ على الأَصلِ وإنْ شَاءَ همزَ المضمومةَ وأَمَّا طَويلٌ وَطِوالٌ فصحتْ في الجمعِ لصحتِها في الواحدِ وقَد تقدمَ مِنْ قولِنا : إنَّ حروفَ العلةِ أَربعةٌ : الواوُ والياءُ والهمزةُ والأَلفُ وقد ذكرتُ أُصولَ الياءِ والواوِ وهُما الحرفانِ المعتلانِ كثيراً
والهمزةُ قد مضى ذكرُها في بابِ الهمزِ والألفِ فلا تكونُ أَبداً إلا زائدةً أو منقلبةً مِنْ شيءٍ إلاّ أَنْ تبنى من صوتٍ أَو حرف معنى فِعْلٍ علَى مذهبِ الحكايةِ أو لمعنىً سِوى ذلكَ نحو : عَاعيتُ وحَاحيتُ إنَّما هُوَ صوتٌ بنيَ منهُ ( فِعْلٌ ) وكذلكَ لو اكثرتَ مِنْ قولِكَ ( لا ) لجازَ أَن تقولُ : لا ليتُ تُريدُ : قُلتُ لاَ
ذِكرُ تكررِ هذهِ الحروفِ المعتلةِ واجتماعِ بعضِها معَ بعضٍ
الياءُ مكررة : إذَا اجتمعتِ الياءانِ فلا تخلوانِ مِنْ أَن تكونا متحركتينِ

أَو إحداهما متحركةٌ والأُخرى ساكنةٌ فإن كانتا متحركتينِ وهُما عينٌ ولامٌ أُعلتِ اللامُ دونَ العينِ ولَم يجزْ أَن تُعلا جميعاً وهذَا مذكورٌ في بابِ ( حَيِيْتُ ) وما أَشبههُ يَلزمُ اللام ما يلزمُ ياءَ ( رَمَيْتُ ) وخَشِيْتُ ولا يجوزُ إعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ إلاّ فيما جاءَ شَاذاً مِمَا لم يُستعملْ منهُ ( فِعلٌ ) وإنْ كانتا متحركتينِ كيفَ وقعَتا فليسَ يجوزُ أَنْ تعلا جميعاً فحكمُ الواحدةِ المعتلةِ منهما حكمُ المنفردةِ فإنْ اجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ في الفعلِ أُعلتْ الآخرةُ نحو : حَيَا يَحْيَى وَهْوَ مُحَييٌّ ولا تكونُ هذِه الياءاتُ الثلاثُ إلاّ في اسمٍ مبنيٍّ علَى ( فِعْلٍ ) فإنْ جَاءَ في غيرِ ذلكَ حذفتِ الآخرةُ وذلكَ قولُهم في تصغيرِ عَطَاءٍ : عَطَيٌّ وتصغير أَحْوى : أُحِييٌّ وكان الأصلُ : أَحَيْييٌ وعُطَييٌ فإنْ كانتِ المتحركةُ قبلَ الياءِ المشددةِ في مثلِ النسبِ إلى ( عَمٍّ ) قلتَ : عَمَويٌّ نقلتْهُ مِنْ ( فَعِلَ ) إلى ( فَعَلَ ) كما قلتَ في ( النَّمِرِ : نَمريٌّ ) فلما انفتحَ ما قبلَ الياءِ قلبتْ أَلفاً فلمَّا جئتَ بياءِ النَّسَبِ بعدَها صارَ حكمُها حكمُ ( رَحَى ) فقلتَ : عَمَويٌ كما قلتَ : ( رَحَويٌّ ) ولا توجدُ هذهِ الياءاتُ مجتمعةً في أُصولِ كلامِهم إلاّ في هذَا النوعِ فإنْ اجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ فإنّما تجدُ ذلكَ في مثلِ النَّسَبِ إلى : أُمَيَّةَ في قَولِ مَنْ قالَ : أُمَيِّيٌّ هؤلاءِ جَعلوا المشددَ كالصحيحِ لأَنَّهُ قَدْ قَوِيَ ومنهم مَنْ يقولُ : أُمَوِيٌّ وَهم الأَكثرُ والأَفصحُ فتحذفُ الياءُ الساكنةُ ويصيرُ مثلَ عَمَويٌّ
الواوُ المكررةُ : فإنّ اجتمعتْ واوٌ مع واوٍ أولاً هُمِزَتْ الأولى إِلاَّ أَنْ

تكونَ الثانيةُ مدةً وإن كانتا آخرَ كلمةٍ والأولى ساكنةٌ مدغمةٌ في الثانيةِ صحتا إلا ما قد استثنياهُ فِيمَا تقدمَ وإِنْ كانتا في فِعْل بنيَ على ( فَعِلٍ ) حتى تنقلبَ اللامُ الآخرةُ ياءً نحو : قَوِيتُ مِنَ القوةِ وإِنْ كانتا متحركتينِ أُعلتْ إِحداهُما الإِعلالَ الذي قَدْ تَقَدَّمَ ذكرهُ
وسيأتي بعدُ أَيضاً ولا تجتمعُ واوانِ في إحداهما ضمةٌ
قالَ سيبويه : تقولُ في ( فَعُلاَنٍ ) من ( قَويتُ ) : فَوَّانٌ وغَلطَ في ذلكَ : وقالوا : ينبغي لَهُ إنْ لم يُدغم أَنْ يقولَ : قَوِيَانٌ : فيدغمُ الأُولى ويقلبُ الثانيةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في إِحداهما ضمةٌ والأُخرى متحركةٌ وهذاَ قولُ أَبي عُمَر
وأَمَّا اجتماعُ ثلاثِ واواتٍ فقالوا في مِثَالِ : اغْدَوْدَنَ مِنْ قلت : إِقْوِوَّلَ تكررُ عينَ الفعلِ وبينهما واوٌ زائدةٌ فتدغم الواوَ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فإِذا بنيتَهُ بناءَ ما لم يسمَّ فاعلهُ قلتَ : افْوووِلَ ولا تدغمُ لأَنَّها قد صارتْ مدةً كما تقولُ : اغدودَنَ ( فتوافقُ هذهِ الواوُ الواوَ التي تكونُ بدلاً مِنَ الألفِ في ( سُوَيرٍ ) وهذَا قولُ الخليلِ
وكانَ أَبو الحسنِ الأَخفشِ يقولُ في ( اغْدَوْدَنَ ) مِنَ قلتُ اقْوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يقلبُ التي يليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ ولا يجوزُ أَن تجتمعَ هذهِ الواواتُ وفي إِحداها ضمةٌ لأَنَّهُ إِذا لم يكنْ في الواوينِ فهوَ مِنَ الثلاثةِ أَبعدُ
وإِذا بنيتَ

مثالَ ( فَعْلُوةٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) قلتَ : غَزْوُيَةٌ وكانَ الأصلُ : ( غَزْوُوَةً ) فأَبدلتَ الثانيةَ لأَنَّها لامٌ وهيَ أَولى بالعلةِ وإِنَّما جَاءَ : اقْوُووِلَ لأنَّ الواوَ الساكنةَ مدةٌ فهيَ نَظيرةُ الياءِ والألفِ وكان أَبو الحسن الأخفش يقولُ في ( افْعَوعَلَ ) اقْوَيَّلَ فيبدلُ الواوَ الآخرة ياءً ثم يقلبُ لَها التي تَليها لأنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ وإِذَا قالَ : ( فُعِلَ ) قالَ : اقْوُووِلَ فلا يقلبُ وصارتِ الوُسطى مدةً بمنزلةِ الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ فَهذا يدلُّكَ علَى أَن ثلاثَ واواتٍ لَيْست مِنْ أُصولِ كلامِهمِ ولَو سُمِعَ منهم شيءٌ لاتبعوهُ أَو ذكروهُ
وأَمَّا الألِفُ فلا تكونُ أَصلاً إِلاّ زائدةً أو منقلبةً في حرفٍ جَاءَ لمعنىً ليسَ باسمٍ ولاَ فعلٍ أَو صوتٍ كالحرفِ فحكم هذا مَتَى احتيجَ إِلى تكريرهِ أن تُبدلَ همزةً لتشبهَ ما انقلبَ من ياءٍ أو واوٍ وأَمَّا الهمزةُ فقدَ ذكرنا حكمها إِذَا تكررتْ في كتابِ الهَمزِ وأَنَّهما لا يجتمعانِ محققتينِ في كلمةٍ إِلا أَن يكونَا عيناً مشددةً نحو : رأسٍ فإِذا اجتمعتا متحركتينِ أَولَ كلمةٍ وكانتِ الأُولى والثانيةُ مفتوحتينِ أبدلتِ الثانيةُ أَلفاً فإن احتجتَ إِلى تحريكِ الأَلفِ والألفُ لا تحركُ أَبدلتَها واواً وذلكَ قولُكَ في آدَمَ : أَوَادِمَ وفي آخرَ : أَواخرُ وكذلكَ في التصغير تقولُ : أُويدِمٌ فأَشبهتْ أَلفَ ( فاعِلٍ ) وفَاعَلٍ لأَنها وإنْ كانتْ مبدلةً مِنْ همزةٍ فَليست بأَصلٍ في الكلمةِ كأَلفِ فَاعِلٍ ليست بأَصلٍ وإنْ كانتِ الهمزتانِ متأخرتين لامينِ قلتُ في مثلِ ( قِمْطْرٍ ) مِنْ ( قَرأتُ ) : قِرَأَيٌ ومثلُ مَعَدٍّ ( قَرَايُ ) فتغيرُ الهمزةَ
قالَ المازني : وسألتُ الأخفش وهو الذي بدأ بهذهِ المقالةِ فقلتُ

مَا بالُ الهمزةِ الأُولى إذا كانَ أصلهُ السكونُ لا تكونُ مثلَ همزةِ ( سَأْلٍ ورَأسً ) فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ العينَ لا تجيء أبداً إلاّ وبعدَها مثلُها واللامُ قد تجيءُ بعدَها لامٌ لَيْسَتْ من لفظِها أَلا تَرى أَنَّ قِمَطراً وَهِدَمْلَةً قد جاءتِ اللامانِ مختلفتينِ
قَالَ المازني : والقولُ عندي كَما قالَ
قالَ : وسألته عن : هَذا أَفعلُ مِن هَذا ( مِن ) أَمَمْتُ : أَي : قصدتُ فَقالَ : أقولُ هذَا أَوَّمُ منهُ فجعلَها واواً حينَ تحركتْ بالفتحةِ كَما فعلوا ذلكَ في ( أَويدم ) فقلتُ لهُ : كيفَ تصنعُ بقولِهم : ( أَيِمَّةٌ ) ألا تَراها أَفْعَلَةً والفاءُ فيها هَمزةٌ فقال : لمّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياءً
وقالَ الأخفشُ : لو بنيت مثلَ : أُبْلُمٍ مَنْ ( أَممْتُ ) لقلتَ : أُوَّمٌ أَجعلُها واواً
قالَ المازني : فسألتنهُ : كيفَ تصغرُ ( أَيِمَّةً ) فقال : أُوَيِمّةً لأنَّها قد تحركتْ بالفتحةِ
والمازني يرد هَذا ويقولُ : أُيَيْمَّةٌ والقياسُ عندَهُ أن يقولَ في هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا مِنْ ( أَمَمْتُ ) وأَخواتِها هَذا أَيَمٌّ مِنْ هذَا ولا يُبدلُ الياءَ واواً لأنَّها قد ثبتت ياءً بدلاً منَ الهَمزةِ إلاّ هذهِ الهمزةَ إذا لم يلزمْها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ ( الأُبْلُمِ ) مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ : أُوْدُمٌ ومثلُ : إصْبَعٍ إيْدَمٌ ومثلُ ( أَفكلٍ ) أَأْدَمٌ وهذَا أصلُ تخفيفِ الهمزِ فإذَا احتجت إلى تحريكها في تكسيرٍ أو تصغيرٍ جعلتَ كُلَّ واحدةٍ منهن على لفظها الذي

بنيتْ عليهِ والأَخفش يَرى أَنَّها تحركتْ بفتحةٍ أَبدلها واواً كما ذكرت لكَ . هذا آخرُ التصريفِ
مسَائلُ التصريفِ
هذهِ المسائلُ التي تُسألُ عنها مِنْ هذَا الحدِّ على ضَربينِ : أَحدهما : ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلاً فأحوجَ إِلى أَن يبحثَ عن أُصولهِ وتَقديراتِه
والضربُ الثاني : ما قِيسَ علَى كلامِهم
ذِكرُ النوعِ الأَولِ مِنْ ذلكَ
قالتِ العربُ : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ
وأَجمعَ أَصحابُنا علَى أَنَّ الأَلفَ بَدلٌ مِنْ ياءٍ وللسائلِ أَن يسألَ فيقول : ما الدليلُ على أَنَّها بَدلٌ مِنْ ياءٍ دونَ أَن يكونَ بدلاً مِنْ واوٍ وإِذا ثبتَ أَنَها بَدَلٌ مِنْ ياءٍ فَلهُ أنْ يسألَ فيقول : لِمَ قُلبتْ وهيَ ساكنةٌ ألفاً فالجوابُ في ذلكَ يقالُ لَهُ : وجدنَا كُلَّ ما جاءَ مِنَ الواوِ في هَذا البابِ قد ظهرتْ فيهِ الواوُ نحو : ( قوقيتُ وضوضيتُ وزَوزيتُ ) ولَمْ نَر منهُ شيئاً جَاءَ بالياءِ ظاهرةً واجتمعَ معَ

هذَا أنا وجدنَا الألِفَ قد أُبدلتْ في بَعض المواضعِ مِنُ الياءِ الساكنةِ ولم نجدها مبدلةً مِنَ الواوِ الساكنةِ وذلكَ قولُهم في ( طَيىءٍ طائي وإِنَّما هُوَ : طيِّئي ) فقلبوا الياءَ ألفاً
وقالَ الأخفش : إِنَّهم يقولونَ في ( الحِيرةِ ) حَارِي قالَ أَبو بكر : فلو قالوا : حَيْحَيتُ لاجتمعتِ الياءات ولا يكونُ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ تقول : ( قَوْقوتُ ) لأنَّ الواوَ إِذا صارتْ رابعةً انقلبتْ ياءً وإِذَا كانتِ الياءُ رابعةً لم تُقلبْ إِلى غيرِها في مثلِ هذا فقولُكَ : ( قَوْقَيْتُ ) لمْ يجتمعْ في الحرفِ واوانِ ولو قلتَ : حيحيت ( لاجتمعت ) ياءانِ
قال أبو بكرُ : وكانَ القياسُ عندي أَنْ تظهرَ الياءُ ولكنَّهم تنكبوا ذلكَ استثقالاً للياءينِ أن يتكررا معَ الحاءِ في ( حَاْحَيْتُ ) والعينُ في ( عَاعَيْتُ ) وخَفَّ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لإختلافِ اللفظِ بما أَوجبتهُ العلةُ وَمَعَ ذلكَ فإِنَّ هذَا الفعلَ بنيَ مِنْ صوتٍ الألفُ فيهِ أَصلٌ ليستْ منقلبةً مِنْ شيءٍ أَلا تَرَى أَنَّ الحروفَ والأصواتَ كلها مبنيةٌ على أَصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعضِ الحروفِ إِلى الياءِ نحو : عَليهِ وإِليهِ فلمَّا قلبتِ الألفُ إِلى الياءِ وجبَ أَنْ تقلبَ الياءُ إِلى الألفِ والدليلُ أيضاً على أَنَّ الأَلفات في

الحروفِ غيرُ منقلباتِ أنَّهُ لا تجوزُ أَمالُتها ولو كانتْ منقلبةً لوجبَ إِمالةُ ( حَتى ) لأنَّ الأَلفَ إِذَا كانتْ رابعةً في اسمٍ أَو فعلٍ فهيَ منقلبةٌ فلَيس لَكَ أَنْ تقولَ في أَلِف ( لاَ ) إِنَّها منقلبةٌ مِنْ شيءٍ ولاَ ألفِ ( ما ) ولاَ ( يا ) لأنَّ الحروفَ حكمُها حكمُ الأَصواتِ المحكيةِ ولذلكَ بُنَيْتْ
وقالَ الأخفش : لم يجيء مِنْ هذَا البابِ مما علَمنا إِلا هذهِ الثلاثةُ يعني : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ
وقالَ محمد بن يزيد : مِما يُسألُ عنهُ فيما جاءَ على أَصلهِ من بناتِ الواوِ التي علَى ( فَعَلَ ) نحو : الخَوَنةِ والحَوكَةِ والقَوَدِ هَلْ في الياءِ مثلُ هذا وقد استويا في : عَوِرَ وصَيِدَ البعيرُ قال : والجوابُ في ذلكَ : أَنَّ عَوِرَ وصَيِدَ فِعْلانِ جَاءا في معنى ما لا يعتل مِنَ الأفعالِ فَصحا ليدلا عليه نحو : اعْوَرَّ واصْيدَّ كما صحَّ : اجْتَوَرُوا واعتَونُوا إِذا أردتَ معنى : تَجاوروا وتُعاونوا فأمَّا : الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ونحوهُما فإِنَّما كانَ ذلكَ في الواوِ لأنَّها تباعدتْ مِنَ الألفِ فَثبتَ كما ثَبُتَ ما رُدَّ إلى الأَصلِ ولَمْ تجيء الياءُ في : نَابٍ وغَارٍ وَبَاعَهُ ولا في شيء منه على الأَصل لشبهِ الياءِ بالألفِ لأنَّها إليها أَقربُ وبها أَحقُّ أَلا تَرى أنَّ ( بَابَ ) : قَوْقَيْتُ وَضَوْضَيْتُ يظهرُ فيهِ الواوُ لا يأتي ما كانَ من بنَاتِ الياءِ في هذَا البابِ إلاّ مقلوباً نحو : حَاحَيْتُ وَعَاْعَيْتُ وإنَّما هُوَ ( فَعْلَلْتُ )
قالَ أَبو بكر : ولمعترضٍ أَن يعترضَ بقولِهم : غَيَبٌ وصَيَدٌ فجوابهُ

أَنْ يقالَ لهُ : ( صَيَدٌ ) صَحَّ كَما صَحَّ فعلهُ وصَحَّ ( عَوَرَ ) أَيضاً مثلهُ ويجوزُ أَنْ يكونَ : ( غَيَبٌ ) شُبهَ بِصَيَدَ وإِنْ كانَ جمعُ ( غائب ) لأَنهُ يجوزُ أَنْ يكونَ ينوي بهِ المصدرَ
قالَ : قولُ سيبويه في بَابِ : علَى وإِلى ولدى لِمَ انقلبتِ الألفُ فيهنَّ مَعَ المضمرِ في قولِكَ : عليكَ وإِليكَ ولديكَ وكذلكَ : جَاءني كلام الرجلينِ ورأيتُ كِلا الرجلينِ ومررتُ بكلام الغلامينِ فإِذَا اتصلَ بذلكَ مضمرٌ في موضع جَرِّ أَو نَصْبٍ قلبتِ الألفُ ياء فقلت : رأيتُ كليهما ومررتُ بكليهما وفي الرفعِ تبقى على حالِها فتقولُ : جاءني أخواكَ كلاهما فزعمَ سيبويه : أنَّ ذلكَ لأَنَّ ( على وإلى وَلَدى ) ظروفٌ لا يَكُنَّ إلا نَصباً أو جراً كقولِكَ : غَدَتْ مِنْ عليهِ فشبهت ( كِلا ) معَ المضمرِ بهنَّ في الموضعِ الذي يقعنَ فيه منقلباتٍ ولَمْ تكنْ مما ترتفعُ فبقيتْ ( كِلاَ ) في الرفعِ على حالِها وشبهَ ( كِلا ) بهن لأَنَّها لا تفردُ كما لا يُفْردنَ
قالَ أَبو العباس : قِيلَ لسيبويه : أَنتَ تزعمُ أَنَّ الألفاتَ في ( على ) ونحوِها منقلباتُ مِنْ واوٍ ويستدلُ علَى ذلكَ بأنَّ الأَلفاتَ لا تكونُ فيها إمَالةٌ ولو سُميَ رجلٌ بشيءٍ منهنّ قالَ في تثنيتِه : عَلَوانِ وأَلَوانِ فَلمَ قلبتَها مع

المضمرِ ياءً هلاَّ تركتَها على حالِها فقلتَ : عَلاكَ وإِلاكَ كما يقولُ بعضُ العربِ . قال : فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ هاتينِ يعني : علَى وَلَدى اسمانِ غيرُ متمكنينِ و ( إلى ) حرفٌ جاءَ لمعنىً
ففصلَ بينَ ذلكَ وبينَ الأَسماءِ المتمكنةِ فقيلَ لهُ : فهلاّ فصلتَ بينَها معَ الظاهرِ أيضاً فقالَ : لأَنَّ المضمرَ يتصلُ بهَا
قِيلَ : فَبَينَ وعِنْدَ ونحو ذلكَ غيرُ متمكنةٍ فِلَم لا فصلتَ أَيضاً بينَها وبينَ المتمكنةِ قَالَ : لأَنَّ الواوَ والياءَ والألفَ مِنَ الحَظِّ في إبدالِ بعضهن مِنْ بعضٍ ما ليسَ لِسَائرِ الحروفِ قِيلَ لَهُ : فَما بالُ قولِكَ : فيكم وفينا وفيَّ بمنزلةِ : مسلميكَ ونحوها وما علمتُ بينَ هذينِ فصلاً مقنعاً قال : والقولُ عندي في هذا أَنَّ هذهِ الحروفِ لمَّا كانتْ لا تخلو مِنَ الإِضافةِ كما لا يخلو مِنَ الفاعلِ بَنَوْها علَى المُضمرِ علَى إسكانِ موضعِ اللامِ مِنْها كَما فُعِلَ ذلكَ الفِعْلُ بالفعلِ مَعَ الفاعلِ والحجةُ واحدةٌ وأَمَّا ( كِلا ) فإنَّما أُشبهتهنَّ في الجرِّ والنصبِ علَى ما قالَ سيبويه . قالَ : وهذَا القولُ مذهبُ الفراءِ وأَصحابهِ
قالَ أبو العباس : في هذَا البابِ نظرٌ أكثرُ مِن هذَا وقَد صَدَقَ
وقالَ : زعمَ أَصحابُ الفراءِ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ في بناتِ الحرفين من الأَسماءِ نحو : أُختٍ وبنتٍ وقُلةٍ وثَبَةٍ وجميعُ هذَا المحذوفِ أَنَّ كُلُّ شيءٍ حذفتْ منهُ الياءُ فأولهُ مكسورٌ ليدلَّ عليها وكُلُّ ما حذفتْ منهُ الواوُ فأولهُ مضمومٌ يدلُّ عليها فأُختٌ مِنْ قولِكَ : أَخواتٌ وبنتٌ كُسِرَ أَولُها لأَنَّ المحذوفَ ( ياءٌ ) وقُلِةٌ المحذوفُ ( واو ) فيقالُ لَهُ أَمَّا ( قُلَةٌ ) فَمَا تنكرُ أن تكونَ مِنْ ( قَلَوْتُ ) إذا

طَردت وقولُكَ في ( بنتٍ ) دَعوى ويُبطلُ ما تقولهُ ( عِضَة ) لأَنَّ أَولَها مكسورٌ وهيَ مِنَ الواوِ يقالُ في جمعِها ( عِضَوَاتٌ ) . قالَ الشاعرُ :
( هَذَا طَرِيقٌ يآزِمُ المآزِمَا ... وَعِضَوَاتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِمَا )
وكانَ يلزمهُ أَنْ يضمَّ أَولَ ( سَنَةٍ ) فيمَنْ قَالَ ( سَنَواتٌ ) لأَنَّها مِنَ الواوِ وكذلكَ : هَنَةٌ هَنَواتٌ ينشدون فيها :
( أَرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفَاني وَمَلنَّى ... عَلَى هَنَواتٍ شَأنُها مُتَتَابِعُ )
قالَ أَبو العباس : الذاهبُ مِنْ ( ابن ) واوٌ كمَا ذهبَ مِنْ ( أَبٍ وأَخٍ )

فإنْ قيلَ : فَما الدليلُ عليهِ وليسَ براجعٍ في تثنيةٍ ولاَ جمعٍ ما يدلُّ علَى أَحدهما دونَ الآخِر قُلنا : نَستدلُّ بالنظائرِ أَمَّا ( ابن ) فإنَّكَ تقولُ في مؤنثهِ : ( ابنةٌ ) وتقولُ : ( بنتٍ ) مِنْ حيثُ قلتَ : ( أُختٌ ) ومِنْ حيثُ قلتَ : ( هَنْتٌ ) ولمَ نَر هذهِ التاءَ تلحقُ مؤنثاً إلاّ ومذكرهُ محذوفُ الواوِ يدلك علَى ذلكَ ( أَخوانِ ) ومَنْ رَدَّ في هَنٍ قَالَ : هَنَوانِ
قالَ : وأَمَّا ( اسمٌ ) فَقَد اختُلفَ فيهِ
فَقال بعضُهم هَوَ ( فِعْلٌ ) وقالُ بعضُهم : ( فُعْلٌ ) وأَسماءٌ تكونُ جمعاً لهذَا الوزنِ وهذَا الوزنُ تقولُ في جِذْعٍ : أَجْذَاعٌ كمَا تقولُ في ( قُفْلٍ ) : أَقفَالٌ وهَذا لا تُدركَ صيغتُه إلا بالسمعِ وأكثرهم أنشد :
( في كُلِّ سُورَةٍ سُمُه ... )
فَضمهُ وجاءَ به عَلَى ( فُعُلٍ ) وأَنشدَ بعضُهم : ( سِمُهْ ) فكسرَ السينَ وَهُو أقل وأَنشدَ أَبو زيد فذكرَ الوجهينِ :

( فَدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللهوِ واعمدْ لِمدحَةٍ ... لغيرِ مَعَدٍّ كُلُّها حيثُما انتُمى )
( لأَعْظَمِهَا قَدْرَاً وأكرمِهَا أَباً ... وأَحْسَنِهَا وَجْهَاً وَأَعْلَنِهَا سُمَا )
فأَمَّا ( ابنٌ ) فتقديرهُ ( فَعَلٌ ) متحركٌ وذلكَ أَنَّكَ تقولُ في جمعهِ ( أَبَناءُ ) كَمَا تقولُ : جَمَلٌ وأَجْمَالٌ وجَبَلٌ وأَجبَالٌ فإنْ قالَ قائلٌ : فلعلهُ ( فِعْلٌ ) أَو ( فُعْلٌ ) فإنَّ جمعَها علَى ( أَفَعالٍ ) قيلَ لَهُ : الدليلُ عَلى ذلكَ أَنَّكَ تقولُ : بَنُونَ في الجمعِ فتحركُ بالفتحِ فإنْ قَالَ : ما أَنكرتَ مِنْ أَنْ يكونَ علَى ( فَعْلٍ ) ساكن العين قِيلَ لأَن البابَ في جَمعِ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) نحو : كَلْبٍ وأَكْلُبٍ وكَعْبٍ وأَكْعُبٍ فأَما دَمٌ فهوَ فَعْلٌ لأَنَّكَ تقولُ : دَمِيَ يَدمى فهوَ دَمٍ فَهذَا مثلُ : فَرِقَ يُفْرَقُ فَرَقاً فهو فَرِقٌ ( فَدَمٌ ) مَصدرٌ مثلُ بَطَرَ وحَذِرَ هَذا قولُ أَبي العباس
قالَ أَبو بكر : وليسَ عندي في قولهم : دَمِيَ يَدْمَة دَماً حجةٌ لِمَنْ ادَّعى أَنَّ ( دَمَاً ) فَعَلٌ لأَنَّ قولُهم : دَميَ يَدْمى دَمَاً إنَّما هُوَ ( فِعْلٌ ) ومَصدرٌ اشتقا مِنَ الدمِ كمَا : اشتقَّ تَرِبَ مِنَ ( التُّرابِ ) وشَعرُ الجبينِ مِنَ الشَعَرِ فقولُهم ( دَمَاً ) اسمٌ للحدثِ والدمُ اسمٌ للشيءِ الذي هُوَ جسمٌ وقد بينتُ هذَا الضربَ في كتابِ الإشتقاقِ ولكنَّ قولَهم : دَميانِ دَلَّ علَى أَنَّهُ ( فَعَلٌ ) قالَ الشاعرُ لمَّا اضطر :

( فَلَو أَنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبرِ اليَقِينِ )
وأَمَّا يَدٌ فتقديرُها ( فَعلٌ ) ساكنةُ العينِ لأَنكَ تقولُ : أَيدٍ في الجَمْعِ فَهَذَا جَمْعُ ( فَعْلٍ ) ولو جَاءَ شَيءٌ لا يعلمُ ما أَصلُه مِنْ هذهِ المتقوصاتِ لكانَ الحكمُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلاً ساكنَ العينِ لأَنَّ الحركةَ زيادةٌ والزيادةُ لا تثبتُ إلاّ بدليلٍ وأَمَّا أستٌ ( فَفَعَلٌ ) متحركةُ العينِ يدلُّك على ذلكَ ( أَسْتَاهٌ ) فإنْ قيلَ فلعلها فَفَعَلٌ أَو فُعْلٌ فإنَّ الدليلَ على ما قُلنا قولكَ : سَهٌ فتردَّ الهاءَ التي هيَ لامٌ وتحذفُ العينَ وتفتحُ السينَ فأَمَّا حِرُ المرأةِ فتقديرهُ ( فِعْلٌ ) لقولِهم : أَفعالٌ في جمعهِ بمنزلةِ : جِذْعٍ وأَجَذاعٌ ودليلهُ بَينٌ لأَنَّ أَولَهُ مكسورٌ
قالَ محمد بن يزيد : ما كانَ على حرفينِ ولا يُدرى

ما أَصلهُ الذي حُذِفَ مِنهُ فإِنَّ حكمَهُ في التصغيرِ والجمعِ أَنْ تثبتَ فيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثرَ ما يحذفُ مِنْ هَذا : الواوُ والياءُ فالياءُ أَغلبُ علَى الواوِ مِنْ الواوِ علَيها فإنَّما القياسُ علَى الأكثرِ فلو سَمينا رجلاً بإنْ التي للجزاءِ ثُمَ صغرنَا فقلنا . أُنَيٌّ وكذلكَ : أن التي تنصبُ الأفعالَ فإنْ سميناَ ( بِإِنْ ) الخفيفةِ مِنَ الثقيلةِ قُلنا : أُنيَنٌ
فاعلم . لأَنا قد علَمنا أَنَّ أَصلَها ( نونٌ ) أُخرى حذفتْ منها وكذلكَ لو سميناهُ ( بِرُبَ ) الخفيفةِ ( مِنَ ) رُبَّ الثقيلةِ لقلنَا : رُبَيبٌ لأَنا قد علمنا ما حذفَ منهُ وكذلكَ ( بَخٍ ) المخففةِ تردُّ فيهما الخَاءُ المحذوفَةُ لأَنَّ الأَصلَ التثقيلُ كما قالَ :
( في حَسَبٍ بَخٍّ وعَزٍّ أقْعَسَا ... )

ولو سميت رَجُلاً : ذُوَ لقَلنا : ذَوَاً قَد جاءَ لأَنَّهُ لا يكوونُ اسمٌ علَى حرفينِ أَحدهما : حرفُ لينٍ لأَنَّ التنوينَ يذهبُ بهِ فيبقى علَى حرفٍ فإِنَّما رددتُ ما ذَهَبَ وأَصلُه فَعَلٌ يدلُّكَ علَى ذلكَ : ( ذَواتا أفنانٍ ) و ( ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ )
وإنَّما قلتَ : هذَا ذُو مالٍ فجئتَ بهِ على حرفينِ لأَنَّ الإِضافةَ لازمةٌ لَهُ ومانعةٌ مِنَ التنوينِ كمَا تقولُ : هذَا فو زيدٍ ورأيتُ فا زيدٍ فإذَا أَفردتَ قلتَ : هذا فَمٌ فاعلم لأن الإسم قد يكونُ علَى حرفين إذَا لم يكنْ أَحدُهما حرفَ لينٍ كما تقدمَ مِنْ نحو : يَدٍ ودمٍ وما أَشبههُ
قال : فإذَا سميتَ رَجُلاً ( بُهوَ ) فإنَّ الصوابَ أن تقولَ : هذَا هُوٌّ كَما تَرَى فتثقلُ وإن سميتَهُ ( بِفي ) مِنْ قولِكَ : في الدارِ زيدٌ زدتَ علَى الياءِ ياءً فقلت : هذا فيٌّ فاعلم
وإن سميته ( بلا ) زدتَ علَى الأَلفِ أَلفاً ثُمَ همزتَ لأَنكَ تحركُ الثانيةَ والأَلفُ إذا حُرِّكتْ كانتْ همزةً فتقول : هذا لاَءٌ فاعلم
وإنَّما كَانَ القياسُ أَنْ تزيدَ علَى كُلِّ حرفٍ مِنْ حروفِ اللينِ ما هَوَ مثلهُ لأَنَّ هذهِ حروف لا دليلَ علَى توالِيها لأَنَّها لم

تكنْ أَسماءً فيعلمُ ما سقطَ مِنْها وَهوَ وهيَ اسمانِ مضمرانِ مجراهما مجرى الحروفِ في جميعِ محالِهما وكذلكَ قالتِ العربُ : في ( لَوِّ ) حَيثُ جعلْتُه اسماً . قالَ الشاعرُ :
( ليتَ شِعْري وَأَينَ مِني لَيْتٌ ... إنَّ لَيتاً وإنَّ لَوَّاً عَنَاءُ )
فزادَ علَى الواوِ واواً ليلحقَ الأسماءَ وإنْ سميتَ رجلاً ( كَيْ ) قلت : هَذا كَيٌّ فاعلَم
وكذلكَ كُلٌّ ما كانَ علَى حرفينِ ثانيةِ ياءٌ أَوْ وَاوٌ أَو أَلفٌ
وقالَ أَبو الحسن الأخفش : ما كانَ علَى حرفينِ فَلم تدرِ مِنَ الواوِ هَوَ أَمْ مِنَ الياءِ فالذي تحملهُ عليهِ الواو لأَنَّ الواوَ أكثرُ فيما عرفنا أَصلَهُ مِنَ الحرفينِ فيما يُعلم أَنَّهُ مِنَ الواو ( أَبٌ ) لأَنكَ تقولُ : أَبوانِ وأَخٌ لأَنَكَ تقولُ : أَخوانِ وهَنٌ لأَنكَ تقولُ : هنوانِ وَغدٌ لأَنَّهم قَد قالَوا : وغَدْوَاً بَلاقعُ
قالَ : وأما ( ذو ) ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأنْ يكونَ

ياءً لأَنَّ ما عينهُ واوٌ ولامُه ياءٌ أَكثرُ مما عينهُ ولامهُ واوانِ
وأَمَّا ( دَمٌ ) فَقَد استبانَ أَنهُ مِنَ الياءِ لقولِ بعضِ العربِ إذا ثنّاهُ : دَمَيانِ وقال بعضُهم : دَموانِ فَما علمتَ أَنَهُ مِنَ الواوِ أَكثرُ لأَنَّهم قد قالوا : هَنَوانِ وأَخوانِ وأَبوانِ فقد عرفتَ أَنَّ أَصلَ دمِ : فَعَلٌ وَغَدٌ قَدْ استبانَ لكَ أَنَّهُ ( فَعْلٌ ) بقولِهم : وَغَدْوَاً بلاقع
وإنما يحملُ البابُ علَى الأَكثرِ
وذكَر الأخفش ( سنينَ وَمِئينَ ) فَقَالَ : فِيهَا قولين : أَختارُ أَحدَهما وهو الصحيحُ عندنا فَقالَ : وأَمَّا سنينُ وَمِئينُ في قولِ مَنْ رفعَ النونَ فهوَ فَعيلٌ ولكنْ كسرَ الفاءَ لكسرةِ ما بعدها وأَجمعوا كلُّهم على كسرِها وصارتِ النون في آخرِ ( سنين ) بدلاً مِنَ الواوِ لأَنَّ أَصلَها مِنَ الواوِ وفي ( مِئينَ ) النونُ بدلٌ مِنَ الياءِ لأَنَّ أَصلَها من الياءِ كأَنَّها كانتْ ( مئي ) مثلُ مَعي وقَدْ قالوها في بعضِ الشعرِ ساكنةً ولا أَراهم أَرادوا إلاّ التثقيلَ ثُمَّ اضطروا فخففوا لأَنَّهم لو أَرادوا غيرَ التخفيفَ لصارَ الإسمُ علَى ( فَعِلٍ ) وهذَا بِنَاءٌ قليلٌ
قالَ الشاعرُ :

( حَيْدَةُ خالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئيِ )
مثلُ ( المِعِي ) وأَمَّا قولُهم : ثلاثُ مِئي فاعلم . فإنَهُ أَرادَ ( بِمئي ) جَماعةَ المائةِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ وتقولُ فيهِ : رأيتُ مِئياً مثلُ : مِعيَاً وقولهم : رَأيتُ مِئِاً مثلُ : مِعَىً خطأٌ لأَنَّ المِئي إنَّما جاءتْ في الشعرِ فتقولُ : ليسَ لكَ أَنْ تدعي أَنَّ هذهِ الياءَ للإِطلاقِ وأنتَ لا تجدُ ما هُوَ علَى حرفينِ يكونُ جماعةً ويكونُ واحدهُ بالهاءِ نحو : تَمْرَةٍ وتَمْرٍ
قالَ أبو الحسن : وَهوَ مذهبُ وَهوَ قولُ يونس يعني ( الياءَ ) قاَلَ والقياسُ الجيدُ عندنا أَنْ يكونَ سنينَ فِعلينَ مثلُ غِسْلينَ محذوفةٌ ويكونُ قولُ الشاعرِ : سني والمئي مرخماً
فإن قلتَ : فإنَّ ( فِعْلينَ ) لم يجيء في الجمعِ وقدَ جاءَ ( فَعيلٌ ) نحو : كَليبٍ وعَبيدٍ وقَدْ جَاءَ فيهِ ما لزمهُ ( فَعيلٌ ) مكسور الفَاءِ نحو : ( مِئينٍ ) فإنَّ مِنَ الجمعِ أَشياءً لم يجىءُ مثلُها إلاّ بغير اطرادٍ نحو ( سَفْرٍ ) وقد جَاءَ منهُ ما ليسَ لَهُ نظيرٌ نحو : ( عِدى ) وأَنتَ إذا جعلتَ ( سنينَ ) فَعِيلاً جَعلتَ النونَ بدلاً والبدلُ لا يقاس ولا يطردُ

ومخالفةُ الجمعِ للواحدِ قد كثَر فإنْ تحملهُ علَى ما لا بدلَ فيهِ أَولى وليسَ يجوزُ أَنْ تقولَ : إِنَّ الياءَ في سنينَ : أَصليةٌ وقَد وجدتها زائدةً في هَذا البناءِ بعينهِ لمّا قلتَ : ( فِعْلينَ ) وفِعلونَ : يعني أَنكَ تقولُ : سِنينَ يَا هَذا وسنونَ وقالَ : اعلم : أَنَّ قولَ العرب : ( آوَّه ) لا يجوزُ أن تكونَ فاعلةً والدليلُ عَلَى أنَّ الهاءَ للتأنيث قولُ العرب : ( أَوتاهُ ) وإنَّما هَذا شاذٌّ لأَنَّهُ حرفٌ بنيَ هكذَا لم يسمعْ فيهِ ( فِعْلٌ ) قَط العينُ واللامُ مِنَ الواوِ فلمَّا بنوهُ كأَنَّهُ لم يكن لَهُ ( فَعْلٌ ) بنوهُ علَى الأصلِ كمَا قالوا : مِذْرَوَانِ فبنوهُ علَى الأصلِ إذ لم يكنْ لَهُ واحدٌ يقلبُ فيهِ الواوُ إلى الياءِ وكَما قالوا : ثِنايانِ فلم يهمزوا إذَا لم يكنْ لهذَا واحدٌ تكونُ الياءُ آخرَهُ قَالَ : وأما قولُ الشاعرِ :
( فَأَوِّ لِذكْرَاها إذَا مَا ذَكَرْتُها ... ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ دونَها وسَمَاءٌ )
فإنهُ مِنْ قولِهم : أَوتاهُ ولكنْ جعلَهُ مثلَ : سَبحَ وهَلَّلَ وقولُه : أَو يريدُ : افعَلْ ورأيتُ بخط بعضِ أَصحابنا مِما قُرِيءَ علَى بعضِ مَشَايخِنا مِنْ كلامِ الأَخفش
اعلَمْ : أَنَّ قولَ العربِ ( أَوَّه ) لا يجوزُ أَنْ يكونَ إلاّ ( فَاعلةً ) ورأَيتُ إلا ملحقةً في الكتابِ

قالَ أبو بكر : جميعُ الأصواتِ التي تُحكى محالفةٌ للأسماءِ والأَفعالِ في تقديرِها فليسَ لَنَا أَن نقولَ في ( قَد ) أن أَصلَها ( فَعْلُ ) كما تقولُ في ( يَدٍ ) ولا ندَعي أَنهُ حذفَ مِنْ ( قَدْ ) شيءٌ كَما حذفَ في ( يَدٍ ) ولاَ لنَا أنْ نقولَ : إنَّ الأَلفَ في ( مَا ولاَ ) منقلبةٌ مِنْ شيءٍ وكذلك صَهْ ومَهْ وأَلفُ ( غَاقٍ ) لا تَقولُ : إنَّها منقلبةٌ وإنَّما تقدرُ الأسماءَ والأفعالَ بالفاءِ والعينِ واللامِ لتبينَ الزوائدُ مِنْ غيرِها والحروفُ والأصواتُ أُصولٌ لا تكادُ تجدُ فيها زَائداً ولا تحتاجُ إلى تقديرِها بالفاءِ والعينِ واللامِ لأَنَّها لا تتصرفُ تصرفَ الأَسماءِ ولا تصرفَ الأَفعالِ لأَنَّها لا تصغرُ ولا تُثَنى ولا تجمعُ ولا يُبنى منها فِعل ماضٍ ولاَ مستقبلٍ وأنَّما جعلتِ الفاءُ والعينُ واللامُ في التمثيل ليعتبرَ بهنَّ الزائدُ مِنَ الأصلِ والأَبينةُ المختلفةُ
فَما لا تدخلهُ الزيادةُ ولا تختلفُ أَبنيتهُ فلا حاجَةَ إلى تمثيلهِ وتقديرهِ فأَمَّا قولهُم ( تَأَوّهَ ) فإنَّما هو مشتقٌّ مِنْ قولهم : آوَّهَ يرادُ بهِ أَنهُ قَالَ : أَواهُ كمَا قالوا : سَبَّح إذَا قالَ سبحانَ اللهِ وهلّلَ إذَا قَالَ : لا إلهَ إلاّ الله فهَللَ فَعَّلَ أخذتِ الهاءُ واللامُ مِنْ بعضِ الكلامِ الذي تكلم بهِ وجازَ تقديمُ الهاءِ لأَنَّهُ غيرُ مشتقٍ مِنْ مصدرٍ وإنَّما يصيرُ للكلمةِ تقديرٌ إذَا كانتْ اسماً أَو فعلاً فمَا عَدا ذلكَ فَلا تقديرَ لَهُ وقولُ الشاعِر :
( مِنْ أَعقابِ السُّمِي ... )

فالسُّمِي مخففٌ مِنْ السّمِيٌّ ويدلكَ علَى ذلكَ أَنَّ ( فُعِلَ ) ليسَ مِنْ بناءِ الأسماءِ : وإنَّما أَرادَ : السُّمِيَ فخففَ وهيَ ( فُعُولٌ ) مُثل عُصِيَ فلمَّا خَفَف صارَ : سُميٌ
قال الأخفشُ : ولو سُمَى بهِ لأنصرفَ لأَنهُ ( فُعُولٌ ) محذوسف وهوَ ينصرفُ إذا كانَ اسمَ رجلٍ أَلا تَرى أَنَّ ( عُنُوقَ جَماعةُ العَنَاقِ ) لو كانْت اسمَ رَجلٍ فرخمتهُ فيمنْ قالَ : يَاحَارِ لقلتَ : بَاعُني تحذفُ القافَ وتقلبُ الوا ظو
قَالَ : ولَو سميتَ بهِ لصرفتَهُ لأَنَّهُ ليسَ ( بَفُعِلُ ) ونظيرُ التخفيفِ في سُمِى قولُ الشَاعرِ :
( حَيدةُ خَالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئِي )
فخففَ الياءَ مِنْ ( عَليّ ) وقالَ في بيتٍ آخرَ :
( يأكلُ أَزمانَ الهُزَّالِ والسِني ... )
فهذَا إمَّا أَنْ يكونَ رخمَ ( سنينَ ) ومِئينَ وإما أن يكون بَنى : سنةً ومائةً على : سِني ومِئي وكانَ أَصلهما : سُنْوٌ ومِئْوٌ فلمَّا حذفَ النونَ ورخم بقيَ الإسمُ آخرهُ واوٌ قبلها ضمةٌ فلما أَراد أَن يجعلَهُ اسماً كالأَسماءِ التي لم يحذفْ منها شيءٌ قلبَ الواوَ ياءً وكسرَ ما قبلها لأَنَّهُ

ليسَ في الأَسماءِ اسمٌ آخرهُ واوُ قبلَها ضمةٌ فمَتى وقعَ شيءٌ مِنْ هذا قلبتِ الواوُ فيهِ ياءً وقَدْ بُيّنَ هذا فيما تقدمَ
قاَلَ أبو بكر : ويجوزُ عندي أَنْ يكونَ تقديرُ قولِ الشاعر : ( سُمِي ) أَنَّهُ ( فُعُلٌ ) قصرهُ مِنْ ( فَعُولٍ ) فلمَّا وقعتِ الواوُ بعدَ ضمةٍ وهيَ طرفٌ قَلبها يَاءً وهذا التأويلُ عِندي أَحسنُ مِنْ حذفِ اللامِ لأَنَّ حذفَ الزائدِ في الضرورةِ أَوجبُ مِنْ حَذفِ الأَصلِ وسَماءٌ مثلُ ( عَناقٍ ) في البناءِ والتأنيثِ وكذلكَ جمعهما سَواءٌ تَقُولُ ( سُمِيٌّ ) وعُنُوقٌ فَسُمِيٌّ ( فُعُولٌ ) وعُنُوقٌ ( فُعُولٌ ) وقَد حكوا : ثَلاثَ أَسميةٍ بنوها علَى ( أَفْعِلَةٍ ) وهيَ مؤنثةٌ وإنَّما هذَا البناءُ للمذكرِ وإنَّما فعلوا ذلكَ لأَنَّهُ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ وليسَ كعَناقٍ لأَنَّ ( عناقاً ) تأنيثُها حقيقيٌّ
واعلم : أَنّ قولَهم ( يُهَرِيقُ ) الهاءُ مفتوحةٌ في مكانِ الهمزةِ وكانَ الأَصلُ : يُؤَرِيقُ لأَنَّ أَصلَهُ ( أَفْعَلَ ) مثلُ ( أَكْرَمَ ) فأَكرَم مثلُ ( دحرجَ ) ملحقٌ بهِ وكانَ القياسُ أَن يقولَ في مضارعِ أَكرمَ يُؤكرمُ مثلُ ( يُدحرجُ ) فاستثقلوا ذلكَ لأَنَّهُ كانَ يلزَمُ منهُ أَنْ يقولَ : أَنا أُكْرِمُ مثلُ أُدَحْرِجُ أُأَكرِمْ فحذفوا الهمزةَ استثقالاً لإجتماعِ الهمزتينِ ثُمَّ أتبعوا باقي حروفِ

المضارعةِ الهمزةَ وكذلك يفعلونَ أَلاَ تَراهم حَذفوا الواوَ من ( يَعدُ ) استثقالاً لوقوعها بين يَاءٍ وكسرةٍ ثُمَّ أَسقطوها مَع التاءِ والألفِ والنونِ فقالوا : أَعِد ونَعِد وتَعِد فتبعتِ الياءُ أَخواتِها التي تَأتي للمضارعةِ فالذي أبدلَ الهاءَ مِنَ الهمزةِ فَعَلَ ذلكَ استثقالاً لئلا يلزمَهُ أَن يجمعَ بينَ همزتينِ في أَنا أَفعلُ وأَبدلَ فَلَم يحذف شيئاً فإنْ قَالَ قَائلٌ : فمَا تقديرهُ مِنَ الفعلِ قلتَ : يُهَفْعِلُ لأَنَّ الهاءَ زائدةٌ وحَقُّ كُلِّ زائدٍ أَنْ ننطقَ بهِ بعينهِ وكذلكَ لَو قالَ الشاعرُ : ( يؤكرم ) كمَا قالوا : يُؤَثْفِيَنْ لكانَ تقديرهُ ووزنهُ مِنَ الفعلِ ( يُؤفعلُ ) وتقولُ في قَولِ مَنْ قالَ ( يُهْرِيقُ ) فأسكنَ الهاءَ وجعلَها عوضاً مِنْ ذَهابِ الحركةِ إنْ قيلَ : ما تقديرهُ مِنَ الفعلِ لم يجزْ أَنْ تنطقَ بهِ عَلى الأَصلِ لأَنَّكَ إذَا قيلَ لكَ : ما وَزنُ : يُريقُ قلتَ : يُفْعِلُ وكذا عادةُ النحويينَ والفاءُ ساكنةٌ والهاءُ ساكنةٌ فلا يجوزُ أَن تنطقَ بهما إذَا كانَ تقديرُ ( يُريقُ ) يُفْعِلُ
وأَنا أَبينُ لكَ ذلكَ بياناً أكشفهُ بهِ فإنَّ الحاجةَ إلى ذلكَ في هذهِ الصناعةِ شديدةً فأَقولُ إني قَد بينتُ ما دَعا النحويينَ إلى أَن يزنوا بالفاءِ والعينِ واللامِ
وأنهم قَصدوا أَنْ يفصلوا بينَ الزائدِ والأصلِ فالقياسُ في كُلِّ لفظٍ مقدرٍ إذا كانَ فيهِ زائدٌ أَن تحكيَ الزائدَ بعينهِ فتقولُ في ( أَكرَم ) إنَهُ ( أَفعلُ ) وفي ( كَرامةٍ ) أَنها ( فَعَالَةٌ ) وفي كَريمٍ أَنَّهُ ( فَعيلٌ )
ومُكرَمٌ مُفْعَلٌ لأن ذلكَ كُلَّهُ مِنَ الكَرمِ فالأَصلُ الذي هُوَ الكافُ والراءُ والميمُ موجودٌ في جميعِها فالكافُ فاءٌ والراءُ عَيْنٌ والجيمُ لامٌ فَعَلى هَذا يجري جميعُ الكلامِ في كُلِّ أَصلي وزَائدٍ فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلُّ وتحذفُ فإنَّ النحويينَ يقولونَ إذا سئلوا : ما وزنُ ( قَامَ ) قَالوا : ( فَعَلَ )

فيذكرونَ الأَصلَ لأنه عندَهم مثلُ ( ضَرَبَ ) وإنَّما كانَ الأَصلُ ( قَوِمَ ) ثُمَّ قلبتِ الواوُ ألفاً ساكنةً وإذَا قيلَ لَهم : ما وزنُ يَقولُ : قالوا : ( يَفْعُلُ ) لأَنَّ الأَصلَ ( كانَ يَقْوُلُ ) فحولتِ الحركةُ التي كانت في الواوِ إلى القافِ وإذَا قيلَ لَهم : ما وزنُ مَقولٍ قالوا : مفولٍ لإِنَّ الأَصلَ : مقوولٌ فحولتِ الضمةُ إلى القافِ فاجتمعَ ساكنانِ فَحذفَ أَحدهُما فهذَا الذي قالوهُ صحيحٌ وإنِّما يريدونَ بذلكَ المحافظةَ على الأُصولِ لتُعلمَ وأَنَّ ما يغيرُ مِنَ اللفظِ فَلعلةٍ إلاّ أَنهُ يجبُ أَنْ تمثلَ الكلمةُ المعتلةُ بما هيَ عليهِ مِنَ اللفظِ كمَا يمثلُ الأصل فيقولُ : مِثَالها المسموعُ كَذا : والأَصلُ كَذا كمَا قالوا في ( رُسْلٍ ) فيمَن خففَ إنَّ الأَصلَ ( فُعُلٌ ) وإنَّ الذينَ خَففوا قَالوا : ( فُعْلٌ ) فيجبُ علَى مَنْ أَرادَ أَن يمثلَ الكلمةَ مِنَ الفعلِ بمَا هيَ عليِه ولم يقصد الأَصلَ إِذا قيلَ لَهُ : ما وزنُ ( قَالَ ) بَعدَ العلةِ قالَ ( فَعْلَ ) وإنْ قيلَ لَهُ : ما وزنُ قُلْتُ قالَ : فلتُ : فإنْ قيلَ : ما الأَصلُ قَالَ : فَعُلْتُ قيلَ لَهُ : ما وَزنُ قِيلَ قالَ : فِعْلَ فإنْ أَريدَ الأَصلَ قالَ : فُعِلَ فإنْ قيلَ لَهُ : ما وَزنُ مَقولٍ فإنْ كانَ ممن يقدرُ حذفَ واوِ مفعولٍ وذاكَ مذهبهُ قَالَ ( مَفُعْلٌ )
وإنْ كانَ ممن يذهبُ إلى أَنَّ العينَ الذاهبةَ قالَ : مَفولٌ فإنْ سُئلَ عَنِ الأصلِ قالَ : مَفعولٌ وكذلكَ إذا سُئلَ عَنْ ( يَدٍ ) قَالَ ( فَعٍ ) فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ ( فَعْلٌ ) كمَا بينا فيمَا تقدم وإنْ سُئلَ عَنْ ( مُذْ ) قالَ : ( فَلْ ) فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ : فُعْلٌ لأَنَّ أصلَ ( مُذْ ) : مُنْذُ فالعينُ هيَ الساقطةُ وكذلكَ : ( سَهْ ) إنْ قالَ : ما وزنُها في النطقِ ( قلت ) ( فَلْ ) فإنْ

قالَ : ما الأَصلُ قلتَ ( فَعْلُ ) كمَا ذكرنَا ويلزمُ عندي مِنْ مثلِ قَالَ : يَفْعَلُ ومقولٌ : بِمَفْعُولٌ أَن يمثلَ يُكْرِمَ بيؤفعلُ فيذكرُ الأَصلَ فأمَّا ( أُمهاتٌ ) فوزنُها ( فُعْلَهاتٌ ) يدلُّكَ عَلَى ذلكَ أَنَّهم يقولونَ : أُمٌّ وأُمهاتُ فيجيئون في الجمعِ بمَا لم يكنْ في الواحدِ
وقد حكى الأخفشُ علَى جهةِ الشذوذِ أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : ( أُمَّهَةٌ ) فإنْ كانَ هذَا صحيحاً فإنَّهُ جعلَها فُعَّلَةً وأَلحقَها بِجُخْدَبٍ ومَنْ لم يعترف بِجُخْدَبٍ ولَم يثبتْ عندَهُ أَنَّ في كلامِ العربِ ( فُعْلَلاً ) وَجَبَ عليهِ أَنْ يقولَ ( أُمَّهَةٌ ) فُعْلَهَةٌ كمَا قالَ : إنَّ جُنْدَباً فُنْعَلٌ ولَم يَقلْ : فُعْلُلٌ وإذَا قيلَ لكَ ما وَزنُ ( يَغْفُر ) فإن قالَ السائلُ ما أَصلهُ فقلْ : يَفْعَلُ ولكنْ أتبعُوا الضمَّ الضمَّ وإنْ كانَ سُئِلَ عَنِ اللفظِ فَقُلْ ( يُفْعُلُ ) وكذَلكَ ( مِنْتِنٌ ) إنْ قَالَ ما وزنهُ قَلتَ : الأَصلُ ( مُفْعِلٌ ) ولكنْ أتبعوا الكسرَ الكسرَ واللفظُ ( مِفُعِلٌ ) وتقولُ في ( عِصِي ) إنَّها ( فُعولٌ ) في الأَصلِ وفَعيلٌ في اللفظِ والتمثيلُ باللفظِ غيرُ مَأْلوفٍ فَلا تلتفتْ إلى مَنْ يستوحشُ منهُ ممن يطلبُ العربيةَ فإنَّ مَنْ عرفَ أَلفَ ومَنْ جَهلَ استوحشَ وهذَا مذهبُ أَبي الحسن الأخفش وتقولُ في ( قِسِيٍّ ) أَصلهُ : فُعُولٌ وكانَ حقهُ ( قُووُسٌ ) ولكنْ قدَموا اللامَ علَى العينِ وصيروهُ ( فُلُوعٌ ) وكانَ حقهُ أَنْ يكونَ ( قِسُوٌ ) فصنَعوا بهِ ما صنَعوا بعِصِيٍّ قلبوا الواوَ ياءً وكسروا القافَ كما كسروا عينَ ( عِصيٍّ ) فالمسموعُ مِنْ ( قِسيٍّ ) ( فِليعٌ )

وأَصلُ ( فِليعٌ ) فُلُوعٌ وفُلُوعٌ مقلوبٌ مِنْ فُعُولٍ
وقَالوا في ( أَيْنُقٍ ) إنَّ أَصلَها ( أَنْوَقٌ ) فاستثقلوا الضمةَ في الواوِ فحذفتِ الواوُ وعوضتِ الياء فيقولونَ إذا سئلوا عَنْ وزنِها أَنَّها ( أَفْعُلٌ ) واللفظ على هذا التأويلِ هو ( أَيْفُلٌ ) ولقائلٍ أَنْ يقولَ : إنَّهم قلَبوا فَصارَ ( أَونقاً ) ثُمَّ أَبدلوا مِنَ الواوِ ياءً والياءُ قَدْ تبدلُ مِنَ الواوِ لغيرِ علةٍ استخفافاً فَعَلى هَذا القول يكونُ وزنُ ( أَينُقٍ ) ( أَعفُل ) كما قالَ الخليلُ في أَشياءٍ : إنَّها ( لَفْعَاء ) لأَنَّ الواحدَ شَيءٌ فاللامُ همزةٌ فلمَّا وجدَها مقدمةً قالَ هيَ : لَفْعاء وقَد قالَ غيرهُ : إنَّها ( فَعْلاَءُ ) كانَ الأصلُ عندَهُ شَيئَاءُ فحذفتِ الهمزةُ
قَالَ المازني : قالَ الخليلُ : أَشياءُ ( فَعْلاَءُ ) مقلوبةٌ وكانَ أصلُها شَيئاءَ مثل : حمراءَ فقلبَ فجعلتِ الهمزةُ التي هي لامٌ أَولاً فَقَالَ : أَشياءُ كأَنَّها لَفْعَاءُ ثُمَّ جَمعَ فَقالَ : أَشاوى مثلَ : صَحَارى وأَبدلَ الياءَ واواً كمَا قالَ : جَبَيْتُ الخراجَ جِبَاوَةً وهَذا شَاذٌّ وإنَّما احتلنا لأَشاوى حيثُ جاءتْ هكذَا لتعلمَ أَنَّها مقلوبةٌ عن وجهِها
قالَ : وأخبرني الأصمعي : قَالَ : سمعتُ رَجلاً مِنْ أَفصحِ العربِ يقولُ لخلفٍ الأحمر : إنَّ عندكَ لأَشَاوِي قالَ : ولو جاءتِ الهمزةُ في ( أَشياءَ ) في موضِعها مؤخرَةً بعدَ الياءِ كنتَ تقولُ : شَيئاءُ

قالَ : وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يقولُ : أَشْيئَاءُ أَفْعِلاَءُ وجُمعَ شيَءٌ عليهِ كما جَمعوا شَاعراً على شعراءَ ولكنَّهم حذفوا الهمزةَ التي هيَ لام استخفافاً وكانَ الأصلُ : أُشْيئاءُ أُشْيِعَاعٌ فثقل ذلك فحذفوا فسألتهُ عَن تصغيرِها فقالَ : العربُ تقول أَشَيَّاءٌ فاعلَم فيدعونَها على لفظِها فقلتُ : لِمَ لاَ رُدتْ إلى واحدِها كما رُدتْ ( شعراءُ ) إلى واحِدها فَلَم يأتِ بمقنعٍ
وقالَ : قَالَ الخليلُ : أَشَياءُ مقلوبةٌ كما قلبَوا ( قِسيٌّ ) وكانَ أَصلُها ( قُوُوسٌ ) لأَنَّ ثانيَ ( قَوْسٍ ) واوٌ فَقُدّمَ السينُ في الجمعِ وهم مما يغيرونَ الأَكثرَ في كلامِهم قَالَ الشَاعرُ :
( مَروانُ مَروانُ أَخوُ اليومِ اليَمِي . ... . )

يريدُ ( اليومَ ) فأخَّر الواوَ وقدمَ الميمَ ثمَ قَلَب الواوَ حيثُ صارتْ طرفاً كما قالَ : ( أَدلٍ ) في جَمعِ ( دَلْوٍ ) ومما أُلزمَ حذفُ الهمزةِ لكثرةِ استعمالِهم ( مَلكٌ ) إنَّما هُوَ ( مَلأَكٌ ) فلمَّا جَمعوهُ وردوهُ إلى أَصلهِ قالوا : ملائكةٌ وملائكُ وقَد قالَ الشاعرُ فَ ظَردَّ الواحدَ إلى أصله حين احتاج :
( فلَسْتُ لإِنْسِيٍّ ولكنْ لَمَلأَكِ ... تَنَزَّلُ مِنَ جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ )
قالَ : ومِنَ القلبِ : طأَمنَ واطمأنَ قال : وأَمَّا : جَذَبَ وجَبَذَ فلَيسَ واحدٌ منهما مقلوباً عَنْ صاحبهِ لأَنُّهما يتصرفانِ وأما ( طَأَمَن ) فليسَ أَحدٌ يقولُ فيهِ ( طمأَنَ ) ومما يُسأْلُ عنهُ ( أَوَّلُ ) إنْ قالَ قائلٌ : هذهِ همزةٌ أُبدلَ منها واوٌ واحتجَّ بأَنَّهُ لم يرَ الفاءَ والعينَ مِنَ جنسٍ واحدٍ قيلَ لَهُ : قَد قالوا :

الدَّدَنُ وكَوْكَبٌ ويقالُ لِمَن اعترضَ بهذَا أَي : الواوين مِنْ أَوَّلِ تجعلَها بدلاً مِنَ الهمزةِ فإن قالَ : الأوَلى قيلَ لَهُ : لو كانتْ همزة لوجبَ أَنْ تبدلَ الفاءَ كمَا قالوا : آمِنٌ وإنْ قالَ : الثانيةُ قيلَ لَهُ : لو كانتِ الثانيةُ همزةً لوجبَ حذفُها في التخفيفِ وكنتَ تقولُ : أَوَّلُ فَعَّلُ كمَا تقولُ في تخفيفِ ( مَؤَلةٍ ) مَوَلَةٌّ فإنْ قالَ : وَلَم قالوا : أَوائلُ ولم يقولوا : أَواولُ قيلَ : هذَا كانَ الأصلُ ولكنَّهم تجنبوا اجتماع الواوينِ وبينَهما ألف الجمعِ ومِما يغيّرُ في الجمعِ الهمزتانِ إذَا اكتنفتا الأَلفَ نحو : ذُؤابة إذا جمعتها قلتَ : ذَوَائِبٌ وكان الأصل : ( ذأآئبٌ ) لأن الألف التي في ( ذُؤَابةٍ ) كالألفِ التي في ( رِسَالةٍ ) حقُّها أَنْ تبدلَ منها همزةً في الجمعِ ولكنَّهم استثقلوا أَنْ تقعَ ألَفُ الجمعِ بينَ همزتينِ كَما استثقلوا أَنْ تقعَ بينَ واوينِ فأَبدلوا الأُولى التي هيَ أَصلٌ وتنكبوا إِبدالَ الثانيةَ التي هيَ بَدلٌ مِنْ حرفٍ زائِدٍ الزوائدُ أصلُها السكونُ وإنَّما أبدلتْ لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرارُ مِنَ الجمع بين ساكنينِ وكان ملازمةُ الهمزةِ تدلُّ علَى أنَّ المبدلَ زائدٌ فأمَّا خَطَايا وأَدَاوَى فإنَّهم جعلوا موضعَ الهمزةِ ياءً وواواً وأزالوا البناءَ عَنْ وزنِ ( فَعَائلٍ ) إلى ( فَعَالٍ ) ثم نقلوها إلى ( فَعَائِلَ ) وعَاولَ فجاءوا ببناءٍ أخرَ وَلمْ ينطقوا بالهمزةِ معَ هذا البناءِ وإنَّما هو شيءٌ يقدرهُ النحويون أَلا تَرَى أَنَّ الشاعرَ إذَا اضطَرَّ فقالَ :

( سَماءُ الإِلهِ فوقَ سَبعِ سَمَائِيَا ... )
لمَّا رَدَّ البناءَ إلى ( فَعَائلَ ) وكسرَ رَدَّ الهمزةَ فحروفُ المَدِّ إذَا أبدلتْ للضرورةِ قَبُحَ أَنْ تبدلَ بدلاً بعدَ بدَلٍ فتشبهُ الأُصولَ أَلاَ ترى أَنَّ أَلفَ ( سَائرٍ ) لما أُبدلتْ في ( سُوَيرٍ ) واواً لم تُدغم فتقديرُ خَطيئةٍ : فَعَيلةٌ وتقديرُ إدَاوةٍ : فِعَالةٌ وخَطيئةٌ مثلُ : صَحيفةٍ كانَ القِياسُ عَلَى ذلك أَنْ يقالَ فيها : خَطائيٌ خَطَاعيٌ مثل صَحَائف فكانَ يجتمعُ همزتانِ فتنكبوا ( فَعَائِلَ ) إلى ( فَعَائَلَ ) كما قَالوا في مَدَارِي : مَدَارَى وكانَ مَدَارِي : مَفَاعِلُ فجعلوه ( مَفَاعَلَ )
والنحويونَ يقولونَ : إنَّهُ لما نقلَ وقعتِ الهمزةُ بينَ أَلفينِ فأُبدلتْ يَاءً : قالوا : وإنَّما ( فُعِلَ ) ذلكَ بها لأَنَّكَ جمعتَ بينَ ثلاثةِ أَلفاتٍ وهذَا المعنى إنَّما يقعُ إذَا كانتِ الهمزةُ عارضةً في الجمعِ وهَذا تقديرٌ قدروهُ لا أَنَّ هَذا الأَصلَ سُمعَ مِنَ العربِ كما قد تأتي بعضُ الأشياءِ على الأصولِ مثل : حَوكةٍ واستحوذَ فَخَطايا وبابُها لم يُسمع فيه إلاّ الياءُ وأَما ( إداوةٌ ) فهي ( فِعَالةٌ ) مثلُ ( رِسَالةٍ ) وكانَ القياسُ فيها ( أَدَائيء ) مثلُ ( رَسَائل ) تثبتُ الهمزةُ التي هيَ

بَدلٌ مِنْ أَلفِ ( إداوةٍ ) كما تثبتُ الهمزةُ التي هيَ بَدلٌ مِنْ أَلفِ ( رِسَالةٍ ) فتنكبوا ( أَدَاي ) كما تنكبوا ( خَطاي ) فجعلوا فَعَائِلَ : فَعَائَلَ وأَبدلوا منها الواوَ ليدلوا علَى أَنَّهُ قد كانتْ في الواحدِ واوٌ ظاهرةٌ فقَالوا : أَدَاويٌ فهذهِ الواوُ بَدلٌ مِنَ الألفِ الزائدةِ في ( إدَاوةٍ ) والأَلفُ التي هي لامٌ بَدلٌ مِنَ الواوِ التي هيَ لامٌ في ( إدَاوةٍ )
ومِمَا يُسأَلُ عَنهُ ( سُرِيَّةٌ ) ما تقديرُها مِنَ الفعلِ وهَلْ هيَ ( فُعَليَّةٌ ) أَو ( فُعِيلَةٌ ) وممَّ هيَ مشتقةٌ والذي عندي فيها أَنَّها فُعْليَّةٌ مشتقةٌ مِنَ ( السرِّ ) لأَنَّ الإِنسان كثيراَ ما يُسِرُّها ويسترُ أَمْرَها عن حُرَّتِهِ
وكانَ الأخفشُ يقولُ : إنَّها ( فُعِيلَةٌ ) مشتقةُ مِنَ ( السرورِ ) لأَنَّها يُسَرُّ بها وإنَّما حكمنا بأَنَّها ( فَعْلِيَّةٌ ) ولم نَقلْ : إنَّها ( فُعِيلةٌ ) لضربينِ : لأَنَّ مثالَ ( فَعْليَّةٌ ) كثيّر نحو : قُمْريةٍ وفُعِيلةٌ قليلٌ نحو : مُرِيقَةٍ
والضربُ الآخرُ : الإشتقاقُ ومَا يدلُّ عليهِ المعنى لأَنَّ الذي يقولُ إنَّها ( فُعِيلةٌ ) يُقالُ لَهُ : مِمَّ اشتققتَ ذلكَ فإِنْ قالَ : أَردتُ : ركبتُ سراتَها وسراةُ كُلِّ شيءٍ أَعلاهُ فقدَ ردَّ هذَا أبو الحسن الأخفش فقالَ : ذَا لا يشبهُ لأَنَّ الموضعَ الذي تؤتى المرأةُ منهُ ليسَ هُوَ سراتُها وإنَّما سَرَاةُ الشيء ظهرهُ أَوْ مقدمهُ لأَنَّ أَولَ النهارِ سَرَاتُه وظهرُ الدابةِ : سَرَاتها فهذَا عندي بعيدٌ كمَا قالَ أبو الحسن فإنْ قيلَ : إنَّهُ من ( سَرَيْتُ ) فهوَ أَقربُ مِنْ أَن يكونَ من ( السَّرَاةِ ) والصوابُ عندي ما بدأتُ بهِ وأَمَّا ( عُلِيّةٌ ) فهيَ ( فُعِيّلةٌ ) ولو كانتْ ( فُعْليّةً ) لقلتَ ( عُلْويّةٌ ) وهيَ من ( عَلَوتُ ) لأنَّ هذِه الواوَ إذا سكنَ ما قبلَها صحتْ كما تنسبُ إلى ( دَلوٍ ) دَلَوِيٌّ ولكنَّها قلبتْ في ( عُلِيّةٍ ) لمَّا كانتْ

( فُعِيَّلَةٌ ) مثلُ ( مُرِيَّقةٍ ) وكانَ الأصلُ ( عُلْيُوَة ) فأبدلتِ الواوُ ياءً وأُدغمتِ الياءُ فِيَها وكذلكَ كُلٌّ ياءٍ ساكنةٍ بعدَها واوٌ تقلبُ لَها ياءٌ وتدغمُ فيها وقَد مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ
ومِنَ ذلكَ قولهُم : لا أَدرِ ولَم يكُ ولَم أبلِ وجميعُ هذهِ إنّما حذفتْ لكثرةِ استعمالِهم إيّاها في كلامِهم وإنّما كثر استعمالُهم لهذهِ الأَحرفِ للحاجةِ إلى معانِيها كثيراً لأَنَّ : لا أَدري أَصلٌ في الجهالاتِ ويكونُ عبارةٌ عن الزمانِ ولَم أَبلِ مستعملةٌ فيما لا يكترثُ بهِ وهذهِ أَحوالٌ تكثُر فيجبُ أن تكثَر الألفاظ التي يعبرُ بهنَّ عنْها وليسَ كُلُّ ما كثر استعمالهُ حُذِفُ فأَصلُ لا أَدرِ : لا أَدري وكانَ حَقُّ هذهِ الياءِ أَنْ لا تُحذفَ إلاّ لجزمٍ فحذفتْ لكثرةِ الإستعمالِ وحَقُّ لم يكُ : لم يكنْ وكانَ أَصلُ الكلمةِ قبلَ الجزمِ ( يكونُ ) فلمَّا دخلتْ عليها ( لَم ) فجزمتَها سكنتِ النونُ فالتقى ساكنانِ لأَنَّ الواوَ ساكنةٌ فحذفتِ الواوِ لإلتقاءِ الساكنينِ فوجبَ أَنْ تقولُ : لم يكنْ فلمَّا كثرَ استعمالُها وكانتِ النونُ قد تكونُ زائدةً وإعراباً في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأَمَّا : لَم أَبل فحقهُ أَنْ تقولَ : لم أُبالِ كَما تقولُ لَم أِرامِ يَا هذَا فحُذفتِ الأَلفُ لغيرِ شيءٍ أَوجبَ ذلكَ إلاَّ ما يؤثرونَهُ مِنَ الحذفِ في بعضِ ما يكثُر استعمالُه وليسَ هذَا مما يُقاسُ عليهِ
وزَعَم الخليلُ : أَنَّ نَاساً مِنَ العربَ يقولونَ : لَم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الألفِ كما حذفوا : عُلَّبِطٍ وكذلكَ يفعلونَ في المصدرِ فيقولونَ :

بَالَةٌ : ( بَالِيةٌ ) كمَا قيلَ في عَافَى : عِافيةٌ
ولم يقولوا : لا أُبَلْ لأَنَّ هَذا موضعُ رفعِ كمَا لم يحذفوا حينَ قالوا : لم يكنِ الرجلُ لأَنَّ هذَا موضعٌ تُحَركُ فيهِ النونُ ومما يشكلُ قولُهم : مِتَّ تَموتُ وكانَ القياسُ أَن يقولَ مَنْ قَالَ : مِتَّ : تَماتُ مثلُ : خَفْتُ تَخافُ ومَنْ قالَ : تَمُوتُ وجبَ أَنْ يقولَ : مُتَّ كَما قلتَ : قُمتَ تَقُومُ فهذَا إنّما جاءَ شاذّاً كَمَا قالوا في الصحيح : فَضِلَ يَفْضُل
قالَ المازني : وأَخبرني الأَصمعي قالَ سمعتُ عيسى بن عمر يُنشدُ لأبي الأسود :
( ذكرتُ ابنَ عباسٍ ببابِ ابن عَامرٍ ... وما مَرَّ مِنْ عيشي ذكرتُ وَما فَضِلْ )
قالَ : ومثلُ ( مِتَّ تَموتَ ) : دِمْتَ تَدومُ وهَذا مِنَ الشاذِّ ومثلُه في الشذوذِ : كُدتُ أَكادُ

وزَعِم الأصمعي : أَنَّهُ سمعَ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : لا أَفعلُ ذاكَ ولاَ كَوْداً فجعلَها مِنَ الواوِ
وقالَ أصحابنا : إنَّ ( لَيْسَ ) أَصلُها لَيِسَ نحو : صَيِدَ البعيرُ ولَم يقلبوا الياءَ ألفاً لأَنَّهم لم يريدوا أَنْ يصرفوها فيستعملوا مِنْها ( يَفْعَلُ ) ولا فَاعِلُ ولا شيئاً مِنْ أَمثلةِ الفِعْل فأسكنوا الياءَ وتركوها على حالِها بمنزلةِ ( لَيْتَ ) ومِنْ ذلكَ ( هَمّرِشٌ )
قالَ الأخفش : الميمُ الأُولى عندَنا نونٌ لتكونَ من بناتِ الخمسةِ حتَّى تصيرَ في مثالِ ( جَحْمَرِشٍ ) لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ من بناتِ الأربعةِ علَى هذا النباءِ وأَمَّا ( هُمَّقِعٌ ) فَهما ميمانِ لأنَّا لم نجدْ هذَا البناءَ في بناتِ الخمسةِ وكذلكَ ( شُمّخرٌ ) ندعهُ على حالِه ونجعلهُ من بناتِ الأَربعةِ لأَنَّ الأربعةَ قد جاءتْ علَى هذَا البناءِ نحو ( دُبَّخْسٍ ) وكذلك ( غُطَمّشٌ ) مثلُ : عَدَبّسٍ وهوَ مِنْ بناتِ الأَربعةِ

قالَ : ولو كانتْ منْ بناتِ الخمسةِ وكانتِ الأُولى نوناً لأظهرتَ النونَ لئلا تلتبسَ بمثلَ ( عَدَبَّسٍ )
وقال : إنْ صَغَّرْتَ ( هَمَّرِشٌ ) فالقياسُ أنْ تقولَ : هُنَيمِرٌ لأنّ الأولى كانت نوناً وإن شئت قلتَ : هُمَّيرِشٌ وقلتَ مثلَ هذَا يجوزُ أَنْ يكونَ جمعهُ ( هَمَارشَ ) لأَنَّ النونَ والميمَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وإنْ لم تكنْ في هذا المكانِ زائدةً فإنّها تشبهُ ما هُوَ زائدٌ فَتُلقَى هَا هَنَا
قَالَ : فإنْ قلتَ : ما لكَ لم تبينْ النونَ في ( هَمَّرِشٍ ) فلأَنَّهُ لَيسَ لَها مثالٌ تلتبسُ بهِ فتَفصلُ بينَهما
وقالَ الأخفشُ : كلَمونُ مثلُ : زَرَجُونَ وَهوَ العنبُ تقولُ : هذهِ كلمونُكَ لأَنَّ هذهِ النونَ مِنَ الأصلِ وهذَا مِنْ بناتِ الأربعةِ مثلُ : ( قَرَبُوسٍ ) ولَمْ تزدْ فيهِ هذهِ الواوَ والنونُ كزيادةِ نونِ الجميعِ
وحكي عن الفَراءِ في قولِهم : ضَرَبَ علَيهم سَايةً أَنَّ معناهُ طريقٌ قالَ : وهيَ فَعْلَةٌ مِنْ ( سَوُّيتُ ) قلبوا الياءَ أَلفاً استثقالاً لسِيَّةٍ فقلبوا الياءَ لأَنَّ قبلَها فتحةً كمَا قالوا : دَويَّةٌ ودَاويةٌ وهذاَ الذي قالهُ الفراءُ يجوزُ أَنْ يكونَ كما قالَ والقياسُ أَنْ يكونَ وزنُ ( سايةٍ ) فَعْلَةً لأَنَّ الأَلفَ لا تُبدلُ إبدالاً مطرداً إلاّ مِنْ حرفٍ متحركٍ وقدَ مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ

وقالَ محمد بن يزيد : قولُ سيبويه في ( ضَيْوَنٍ ) إذَا جمعهُ قالَ : ضَياونُ فيصححهُ في الجمعِ كما جاءَ في الواحدِ علَى أصلِه
وزعمَ أَنَّهُ لو جَمع ( أَلبَبَ ) في قولِه : قَدْ عَلِمتْ ذاكَ بناتُ أَلَببه لقالَ ( الأَلبَّب ) فَاعِلّةٌ قالَ : فيقالُ لَهُ : هَلا صححتُه في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ أَو أعللتَ ( ضَيْوَنَ ) في الجمع كما أعللتهُ وقلت : صححتهُ في الواحدِ شذوذاً فأَردهُ في الجمع إلى القياسِ كما فَعَلْتَ ( بألببٍ ) ولِمَ فرقتَ بينَهما وقد استويَا في مجيءِ الواحدِ علَى الأَصلِ
وزعمَ أَنَّهُ إِذَا صغَرَّ أَلْبِب وحَيْوَةً وضَيْوَنَ أَعلَّهُنَ وسَوًى بينهَن في التصغيرِ فقالَ ( أُلَيّبٌ وضُييَنٌ وحُييَّةٌ )
فيقالُ لَهُ : لِمَ استوينَ في التصغيرِ وخالفتَ بينَ ( أَلبَب ) وبينَهما في الجمعِ ولِمَ خالفَ بينَ جمعِ ( حَيوةٍ ) وبينَ تصغيرِها فصححتَ ( ضَيْوَنَ ) في الجمعِ وأَعللتَها في التصغيرِ وزعَم أَنَّ الواوَ لا تصحُّ بعدَ ياءٍ ساكنةٍ وقد صحَتا في الواحِد في ( حَيوُةٍ وضَيْوَن ) على الأَصلِ شَاذتينِ فهَلاّ أتبعتهما التصغيرَ أَو رددتَ إلى القياسِ في الجمعِ كما فعلتَ في التصغيرِ كما سويتَ بينَ جمعَ ( أَلبَبٍ ) وتصغيرهِ في الردِ إلى القياسِ

قالَ : والجوابُ عندي في ذلكَ أَنَّ البابَ مختلفٌ فأَمَّا ( ضَيْوَنٌ ) فَقَد جُعلَ في الواحدِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ فالوجهُ أَن يجريَ علَى ذلكَ في الجمعِ فيصيرُ : ( ضَيَاونُ ) بمنزلةِ جَدَاولٍ وأَسَاودٍ وتقولُ في التصغيرِ : ضُيَيِّنٌ علَى ما قالَهُ سيبويه لأَنَّ ياءَ التصغيرِ قبلَ الواوِ فيصيرُ بمنزلةِ ( أُسَيّدٍ ) ولا يكونُ أَمثل منهُ حالاً مَع ما فيهِ قبلَ التصغيرِ ويكونُ جمعهُ بمنزلةِ ( أَسَاوِدٍ ) ومَنْ قالَ في التحقيرِ : ( أُسَيودٌ ) فلاَ أَرى بأساً بأَنْ يقولَ : ( ضُيَيْونٌ ) لأَنَها عينٌ مثلُها ولا يكونُ إِلاّ ذلكَ لصحتِها
وأَمَّا ( أَلبَبُ ) فيجبُ أَنْ يكونَ في الجمعِ والتحقيرِ مُبيّناً جارياً على الأَصلِ فتقولُ : ( أَلاَبِبُ وأُلَيَبَبٌ ) فتُجري جمعَهُ علَى واحدِه كما فعلتَ ( بضَيْوَنٍ ) لا فرقَ بينَهما وكذلكَ تصغيرهُ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ ليسَ لها فيه عَملٌ كَما كانَ لَها في تصغيرِ ( ضَيْوَنٍ ) فكذلكَ خالفهُ وكانَ تصغيرهُ كجمعِه وأَمَّا ( حَيْوَةٌ ) فَمِنْ بنات الثلاثةِ والواوُ في موضعِ اللامِ فلا سبيلَ إلى تصحيحِها لأَنَّ أَقصى حالاتِها أَنْ تجعلَ ( كَغَزْوةٍ ) في التصغيرِ فتقولُ : ( حُيَيّةٌ ) وجمعُها كجمعِ ( فَرْوَةٍ ) حَياءٌ تقولُ : ( فِرَاءٌ )
وأَمَّا ( مَعِيشَةٌ ) فكانَ الخليلُ يقولُ : يصلحُ أَنْ تكونَ ( مَفْعَلةً ) ويصلحُ أَن يكونَ ( مَفْعِلةً )
وكانَ أبو الحسن الأَخفش يخالفهُ ويقولُ في ( مَفْعُلَةٍ ) مِنَ العيشِ ( مَعُوشةٌ ) وفي ( فُعْلٍ ) مِنَ البيعِ والعيشِ ( بُوعٌ وعُوشٌ ) ويقولُ في ( أَبيضَ وبِيضٍ ) : هُوَ ( فِعْلٌ ) ولكنَّهُ جَمعٌ والواحدُ ليسَ علَى مذهبِ الجمعِ

قالَ أبو عثمان المازني : قولُ الأخفش في ( مَعيشةٍ ) ( مَعُوشةٌ ) تَركٌ لقولِه في ( مَبيعٍ ومَكيلٍ ) وقياسهُ علَى ( مَكيلٍ ومَبيعٍ ) ( مَعِيشةٌ ) لأَنَّهُ زعمَ أَنَّهُ حينَ أَلقى حركةَ عِينِ ( مَفْعولٍ ) علَى الفاءِ انضمتِ الفاءُ ثُمَّ أُبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ لأَنَّ بعدَها ياءً ساكنةً وكذلكَ يلزمهُ في ( مَعْيشةٍ ) وإِلاّ رجعَ إِلى قولِ الخليلِ في ( مَبيعٍ ) وذكرَ لي عَن الفراءِ أَنَّهُ كانَ يقولُ : ( مَؤونةٌ مِنَ الأَينِ ) وَهوَ التعبُ والشدة فكانَ المعنى : أَنَّهُ عظيمُ التعبِ في الإِنفاقِ علَى مَنْ يَعُولُ
قَال أَبو بكر : وهَذا على مذهبِ الخليلِ لا يجوزُ أَن يكونَ : ( مَوْؤنةً مِنَ الأينِ ) لأَنَّها ( مَفْعُلَةٌ ) ولو بنى ( مَفْعُلَة ) مِنِ الأينِ لقالَ : ( مَئِينُةٌ ) كَما قالَ : ( مَعِيشةٌ ) وعلَى مذهبِ الأخفشِ يجوزُ أَنْ تكونَ ( مؤونةٌ ) مِنَ الأينِ إِلاّ أَنَّ أبا عثمان قَد أَلزمهُ المناقضةَ في هَذا المذهبِ وَمَوْؤُنَةٌ عندي وَهْوَ القياسُ ( مَفْعُلَةٌ ) مأْخوذٌ مِنَ ( الأَونِ ) يقالُ ( للأتانِ ) إِذا أقربتْ وعظمَ بَطنُها : قد ( أَوَّنَتْ ) وإِذَا أَكلَ الإِنسانُ وشَربَ وامتلأَ بطنهُ وانتفختْ خاصرتاهُ يقالُ : قَد ( أَوَّنَ ) تأْويناً . قالَ رؤبةُ :
( سِرْاً وَقدْ أَوَّنْ تَأْوينَ العُقُقْ ... )

وقالَ أَيضاً : ( الأَوْنَانِ ) جَانبا الخرجِ فينبغي أَنْ يكونَ ( مَوؤُنَةٌ ) مأخوذةً مِنَ ( الأونِ ) لأَنّها ثقلٌ علَى الإِنسانِ فتككونُ ( مَوؤُنةً ) مَفْعُلَةً فإنْ قَالَ قائلٌ : إنَّ مَوؤُنةً مَفْعُولةٌ قيلَ لَهُ : فَقُلْ في مَعِيَشةٍ إنَّها مَفْعُولةُ مثلُ : ( مَبِيَعةٍ ) ومَفعولٌ ومَفعولةٌ لا يكادُ يجيءُ إِلاّ علَى ما كانَ مبنياً علَى ( فَعْلٍ ) تقولُ : ( بِيعَ ) فهوَ مَبِيعٌ وبِعتُ فهِيَ مَبِيعَةٌ وقِيلَتْ فهيَ مَقُولةٌ وليسَ حَقُّ المصادر أَنْ تجيء على ( مَفْعُولةٍ ) وقَد اختلفَ أَصحابُنا في ( مَعقولٍ ) فقالَ بعضُهم : هَوَ مصدرٌ وقالَ بعضُهم : صفةٌ ولَو كانَ ( معقولٌ ) مصدراً لا خلافَ فيهِ ما وجَبَ أَن يردَّ إليهِ شيءٌ ولا يقاسُ عليهِ إِذَا وجدَ عنهُ مذهبٌ لقلتِه . ومِنْ هَذا البابِ ( أُسطُوانةٌ )
قالَ الأخفش : تَقولُ في ( أُسطُوانةٍ ) إِنَّهُ فُعْلُوانةٌ لأَنكَ تقولُ : أَسَاطينُ فأَساطينُ فَعَالين كانتْ ( أُفْعُلاَنةً ) لم يجزْ : أَسَاطينُ لأَنَّهُ لا يكونُ في الكلامِ ( أَفاعينُ )
وقَد قالَ بعضُ العربِ في ترخيمِ ( أُسطُوانةٍ ) : سُطَينةٌ فَهَذا قولُ مَنْ لغتهُ حَذْفُ بعضِ الهمزِ كَما قالوا : ويلمهِ يريدونَ : وَيْلٌ لأمُهِ

وقَد قالَ قومٌ علَى قولِ مَنْ قاَلَ : سُطَينةٌ أَنها ( أُفْعُلاَنةٌ ) وَغُيِّرَ الجَمعُ فَجُعِلَ النونُ كأَنَّها مِنَ الأصلِ كما قالوا : مَسيلٌ وَمُسْلان وهَذا مذهبٌ وَهوَ قليلٌ والقياسُ في نحو هذا أَنْ تكونَ الهمزةُ هيَ الزيادةَ
وقَد قَالَ بعضُ العربِ ( مُتَسَطٍّ ) فهذَا يدل على أَنَّ ( أُسطُوانَة ) أُفْعُوالةٌ وأَشباهها نحو : ( أُرجُواَنةٍ وأُقحُوانةٍ ) الهمزةُ فيها زائدةٌ لأَنَّ الألفَ والنونَ كأَنَّهما زيدا علَى ( أَفْعَلٍ ) ولا يجيء في الكلامِ ( فُعْلُوٌ ) ومَع ذَا إِنَّ الواوَ لو جعلَها زائدةً لكانتْ إِلى جنبِ زائدتينِ وهَذا لا يكادُ يكونُ
قالَ : وأَمّا مُوسَى فالميمُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ ( مُفْعَل ) أَكثر مِنْ ( فُعْلَى ) مُفْعَلٌ يُبنى مِنْ كُلٍّ ( أَفْعَلتُ ) ويدلُّكَ علَى أَنَّهُ ( مُفْعَلٌ ) أَنَّهُ يصرفُ في النكرةِ . و ( فُعْلَى ) لا تنصرفُ علَى حالٍ
الضربُ الثاني ما قِيسَ على كلامِ العربِ وليسَ من كلامِهم :
هَذا النوعُ ينقسم قسمينِ : أَحدهما : ما بُنيَ مِنْ حروفِ الصحةِ وأُلحقَ بما هُوَ غيرُ مضاعفٍ والقسمُ الآخرُ : ما بُنيَ من المعتلَ بناءَ الصحيحِ ولَم يجىء في كلامِهم مثالُهُ إِلاّ مِنَ الصحيحِ
النوعُ الأولُ : وهوَ الملحقُ إِذَا سُئلتَ كيفَ تبني مثلَ ( جَعْفرٍ ) مِنْ ضَرَبَ قلتَ : ضَرْبَبٌ ومِنْ ( عَلِمَ ) قلتُ : عَلْمَمٌ . ومِنْ ظَرُفَ قلتُ : ( ظَرْفَفٌ ) وإِنْ كانَ فعلاً فكذلكَ تُجريهِ مَجرى : دَحْرَج في جميعِ أَحوالهِ
وقالَ أبو عثمان المازني : المطردُ الذي لا ينكسرُ أَنْ يكونَ موضعُ

اللام مِنَ الثلاثةِ مكرراً للإِلحاقِ مثلُ : ( مَهْددٍ وقَرْدَدٍ ) قالَ : وأَمَّا مثالُ : حَوْقَلَ الرجلُ حَوْقَلةً وَبَيْطَرَ الدابةَ بيطرةً وَسَلْقَيْتُهُ وَجَعْبَيتُهُ فليسَ بمطردٍ إِلاّ أَنْ يُسْمَعَ
قالَ : ولكنَّكَ إِنْ سئلتَ عن مثالِه جعلتَ في جوابِكَ زائداً بإزاءِ الزائدِ وجعلتَ البناءَ كالبناءِ الذي سُئلتَ عنهُ فإِذَا قيلَ لكَ : ابنِ مِنْ ضَرَبَ مثلُ ( جَدْوَلٍ ) قلتَ : ضَرْوَبٌ ومثلُ ( كَوْثَرٍ ) قلتَ : ضَوْرَبُ ومثلُ جَيْأَلٍ قلتَ : ضَيْرَبٌ وإِنْ كانَ فعلاً فكذلكَ
وقَد يبلغُ ببناتِ الأربعةِ الخمسةَ مِنَ الأَسماءِ كما بلغَ بالثلاثةِ الأَربعةَ فما أُلحقَ مِنَ الأَربعةِ بالخمسةِ قَفَعْدَدٌ ملحقٌ ( بسَفَرْجَلٍ ) وهَمَرْجَلٍ وقَد يلحق الثلاثةَ بالخمسةِ نحو ( عَفَنْجَجٍ ) هُوَ مِنَ الثلاثةِ فالنونُ وإِحدى الجيمينِ زائدتانِ ومثلُ ذلكَ : حَبَنْطَى

ودَلَنْطَى وسَرندَى النونُ والألفُ زائدتانِ لأنكَ تقولُ : حَبِطَ ودَلَظَهُ بيدهِ وسَرَدهُ فهذا مِنَ الثلاثةِ وقالَ جميعُ أَصحابنا إِذَا بنيتَ مِنْ ( ضَرَبَ ) نَحو : دَحْرَجَ قلت : ضَرْبَبَ حتى يَصِيرَ الحرف أربعة ولا يدغم الباءَ في الباءِ لأنكَ إنما أردت أن تلحقه بوزن دَحْرَجَ ولو أدغمتَ لحركتَ ما كان ساكناً وسكنت ما كان متحركاً وزَال دليلُ الإِلحاقِ وإِنْ بنيت مِنْ ( دَحْرَجَ ) مثلُ : سَفَرجلٍ اسماً زدتَ حرفاً حتى يكونَ خمسةً تقولُ : دَحَرْجَجٌ ولا تكونُ الألفُ ملحقةً أَبداً إِلاّ أَنْ تكونَ آخراً نحو : ( عَلقَى ) وتعرفُ أَنَّها ملحقةٌ إِذا رأَيتها منونةً في كلامِ العَربِ لأَنَّها إِنّما تكونُ للتأنيثِ في نحو : عَطْشَى وَبُشرى فإِذَا لم تكنْ للتأنيثِ كانتْ ملحقةً وكانتْ منونةً نحو ( عَلْقًى وَمِعْزَىً ) لأَنَّها منونةٌ ومِنَ العربِ مَنْ ينونُ دِفْلَى وذِفْرى فيجعلهما ملحقتينِ
واعلَمْ : أَنَّ الواوَ إِذَا انضمَّ ما قبلَها والياءُ إِذا انكسَر ما قبلَها لا يكونانِ ملحقينِ نحو : عَجُوزٍ وعَمُودٍ وسَعيدٍ وقَضِيبٍ وإِذَا كانَ ما قبلَها مفتوحاً نحو : حَوْقَلَ وبَيْطَرَ فهما ملحقتانِ وكذلكَ إِذا سُكِّنَ ما قبلَهما فحكمُها حكمُ الصحيحِ نحو ( جَهْوَرٍ ) وحِذْيَمٍ وأَمَّا المِيمُ والهمزةُ فلا تكادانِ تكونانِ ملحقتينِ إلاَّ قليلاً في نحو : زُرْقُمٍ وسُتْهُمٍ وشَأملٍ

وشَمْأَلٍ وَدُلاَمِص وأَمَّا التاءُ فتكونُ ملحقةً في نحو : ( سَنْبَتَةٍ ) وعَنْكبوتٍ وجَبَروتٍ وبِنْتٍ وأًختٍ إِلاَّ أَنَّها في ( بنتٍ ) وأُختٍ قامتْ مَقامَ حَرفٍ مِنَ الأَصلِ ولا تكونُ السينُ ملحقةً وكذلكَ الهاءُ ولا تكونُ اللامُ ملحقةً إِلاّ في ( عَبْدلٍ ) وحدَهُ والنونُ تكونُ ملحقةً في ( رَعْشَنٍ ) و ( سِرحانٍ ) وأَمَّا حروفُ الأَصلِ فتكونُ كلها ملحقةً نحو : مَهْددٍ وقَعْدَدٍ وَجِلبابٍ وكَوَأْلَلٍ واسْحَنْكَك فإِذَا وجدتَ شيئاً ملحقاً قد ضعفَ واجتمعَ فيه حرفانِ مثلانِ فلا تدغمهُ فإنَّهُ إِنّما ضعفَ ليبلغَ زِنَةَ ما أُلحقَ بهِ فمثلُ : اسْحَنْكَكَ واقْعَنْسَسَ لا يدغمُ لأَنَّهُ أُلحقَ باحْرنجَمَ وأَمَّا ( احمرَّ واصفرَّ ) فهوَ مدغمُ لَيْسَ لَهُ شيءٌ مثلُه لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ وكذلكَ اطمأنَّ مدغمٌ لأَنَّهُ لَيسَ لَهُ شيءٌ مثلهُ لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ وأَمَّا : مَعَدُّ وصُمَلٌّ وطِمِرٌّ فإِنَّ هذهِ إِنّما أُدغمتْ لأَنَّ

الأولَ منها ساكنٌ وبعدَهُ حرفٌ مثلهُ فإِذَا التقى حرفانِ مثلانِ والأَولُ منهما ساكنٌ لم يكنْ فيهما إِلاّ الإِدغامَ
واعلَمْ : أَنَّ النونَ الساكنةَ إِذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ معَ الميمِ والواوِ والياءِ والراءِ واللامِ فإنَّهم يبنونَها في نحوِ : أُنْمُلةٍ ومُنْيَةٍ وأَنْوَكَ لأَنَّهم لو أَدغموها لالتبستْ فَتُوهم السامعَ أَنَّها مِنَ المضَاعفِ وإِنّما قالوا : امّحَى فأَدغموا النونَ لأَنَّ هَذا بناءٌ لا يكونُ إِلا ( انْفَعَلَ ) ولا يكونُ في الكلامِ ( افَّعلَ ) فيخافُ أَن يلتبسَ بهذَا وكذلكَ ( انفعل ) مِنْ وَجِلْتُ اوَّجَلَ ومِنْ رأيتُ ارَّأَى ومِنْ لَحَنَ الحَّنَ لا تبينُ النون لأَنَّ هَذا موضعٌ لا يخافُ أَنْ يلتبسَ بغيرهِ وتقولُ في مثل : قُنْفَخْرٍ مِنْ : عَمِلَ عُنْمَلٌّ ومثلُ : عَنْسَلٍ مِنْ : بِعْتُ وقُلْتُ : بَنْيَعٌ وقَنْوَلٌ ومثالُ : قِنْفَخْرٍ بِنْيَّعٌ وَقِنوَّلٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ ما كانَ مِنْ قِنْفَخْرٍ بِعِلِكِدٍ وتقولُ في مِثْلِ : جَحْنْفَلٍ مِنْ عَلِمتُ عَلَنْمَمٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ بِغَطمّشٍ

قالَ الأخفش : ولا تقولهُ مِنْ كَسَرتُ ولا جَعَلْتُ لأَنَّ النونَ تقعُ قبلَ لامٍ أَوْرَاءٍ فإِنْ بنيتَها ثَقُلَ الكلامُ لقربِ اللامِ والراءِ منها وإِنْ أدغمتَ خشيتَ الإلتباسَ ولا تقولُ أَيضاً مثلُ ( عَنْسَلٍ ) مِنْ شَرَيتُ ولاَ مِنْ عَلِمتُ لأَنَّ النونَ مِنْ مخرجِ الراءِ واللامِ فإِنْ أدغمتَ التبسَ وإِنْ بنيتَ ثَقُلَ وتقولُ في مِثْلِ ( عَنْسَلٍ ) مِنْ قلتُ وعَمِلتُ : عَنْمَلٌ وقَنْوَلٌ ومِنْ ( بِعْتُ ) بَنْيَعٌ ولَم يجزِ الإِدغامُ فيلتبسُ قَالَ : وتقولُ في مِثْلِ ( كُنْتَأْلٍ مِنْ قَويِتُ ) قُنْوَيٌّ تبين النونَ لأَنَّكَ لو أدغمتَها التبستْ ( بِفُعّلٍ ) مِنْ قَوِيْتُ إِذَا ثقلتَ العينَ واللامَ وكذلكَ مثلُ ( كُنْتَألٍ ) مِنْ نَمَيْتُ نُنْمَيٌّ ومَنْ قالَ : نَمَوْتُ قالَ : نَنْمَوُّ ومِنْ حَيِيتُ حُيْيَيٌّ وتقولُ فيماَ كانَ مِنَ المضاعفِ على مثالِ ( فَعَلٍ ) بغير الإِدغامِ وذلكَ نحو قَصَصٍ مِنْ قَصَّ يَقُصُّ ومثلُه : مَشَشٌ وعَسَسٌ وتقولُ عَلَى مثالِ ذلكَ مِنْ ( رَدَدْتُ رَدَد ) فإِنْ كانَ المضاعفُ علَى مثالِ : فَعُلٍ وفَعِلٍ لَمْ يقعْ إِلاّ مدغماً وذلكَ رجلُ صَنفُّ الحالِ هُوَ ( فَعِلٌ ) والدليلُ على ذلكَ قولُهم : الضَّفَفُ في المصدرِ فهذَا نظيرهُ من غيرِ المضاعفِ الحَذَرُ والرجلُ حَذِرٌ وقَدْ جَاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ قالوا : قَومٌ ضَفِفُو الحالِ فَشذّ هذَا كَما شَذَّ ( الحَوكةَ ) وإِنْ كانَ المضاعفُ ( فُعَلٌ ) أَو ( فِعَلٌ ) أَو ( فُعُلٌ ) مِما لا

يكونُ مثالُه فعلاً فهوَ علَى الأَصلِ نحو : خُزَرٍ وَمِرَرٍ وحُضَضٍ وحُضُضٍ وأَمَّا قولهُم قَصَصٌ وقَصٌّ وهم يعنون المصدرَ فهما اسمانِ : أَحدهما محركُ العينِ
والآخرُ ساكنُ العينِ في لغتينِ
وأَمَّا قولُ الشِاعرِ :
( هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كُمُنْهَاض الفَكَك . . ... . )
فإِنَّهُ احتاجَ فحركَ فجعلَ الفَكَّ الفكَكَ
قاَل المازني : فإِذَا أَلحقتَ هذهِ الأشياءُ الأَلفَ والنونَ في آخرِها

تركتَ الصدرَ على ما كانَ عليهِ قبلَ أَن تُلحقَ وذلكَ نحو : رَدَدَانَ وإِنْ أَردتَ ( فَعُلاَنَ ) أَو ( فَعِلانَ ) أدغمتَ فقلتَ : رَدَّانَ فيهما وهوَ أَوثقُ مِنْ أَن تُظهرَ
قالَ : وكانَ أَبو الحسن الأخفش يُظهر فيقولُ : رَدُدَانُ وَرَدِدَانُ ويقولُ : هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ ولذلكَ يظهرُ ليسلَم البناء
قَالَ المازني : والقولُ عندي علَى خلافِ ذلكَ لأَنَّ الألفَ والنونَ يجيئانِ كالشيءِ المنفصلِ أَلاَ تَرَى أَنَّ التصغيرَ لا يُحتسبُ بهما فيهِ كَما لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولاَ بأَلفي التأنيثِ فيحقرونَ ( زَعْفَرَانَ ) : زُعَيفِرَانٌ وَخُنْفَساءَ : خُيَنفَساءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ . قَالَ : وهذَا قولُ الخليلِ وسيبويه وَهوُ الصوابُ
الضربُ الثاني مِما قيسَ مِنَ المعتلِّ علَى الصحيحِ :
هذَا الضربُ يَنْقسمُ بعددِ الحروفِ المعتلةِ ثلاثةِ أَقسامِ وهيَ : الياءُ والواوُ والهمزةُ ثُمَّ يمتزجُ بعضُها معَ بعض فتحدثُ أَربعةُ أَقسامٍ : ياءٌ وواوٌ ويَاءٌ معَ همزةٍ وَواوٌ معَ همزةٍ واجتماعُ ياءٍ وَواوٍ وهمزةٍ فذلكَ سبعةُ أَقسامٍ

القِسمُ الأولُ : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الياءِ :
تقولُ : في مثالِ حَمَصِيصَةٍ مِنْ رَمَيْتُ رَمَوِيَّةٌ وكانتْ قبلَ أَن تغيرَها رَمَييَّةٌ فاجتمعَ فيها مِنَ الياءاتِ ما كانَ يجتمعُ في رَحَيِيَّةٍ إذا نسبتَ إلى رَحَى فغيرتَ كما غَيرتَ ( رَحَى ) في النسبِ فقَلبتَ اللامَ الأولى أَلفاً ثم أَبدلتَها واواً لأَنَّ بعدَها ياءً ثقيلةً كياءِ النسبِ فإنْ قلتَ : إنَّ ياءَ النسبِ منفصلةٌ فَلِمَ شَبَّهْتَ هَذَا بهَا فإِنَّهم إذا كرهوا اجتماعَ الياءاتِ في المنفصلِ فهم لغيرِ المنفصلِ أَكرهُ أَلا تَرى أَنَّ الهمزتينِ إذا التقتَا منفصلتينِ خلافهما إذا اجتمعتا في كلمةٍ واحدةٍ لأَنَّ الجميعَ مِنْ أَهلِ التحقيقِ والتخفيفِ يجمعونَ على إبْدَالِها إذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ ومَنْ قاَلَ في ( حَيَّةٍ ) في النسَبِ ( حُيَّيٌّ ) وفي أُمَيّةٍ : أُمَيِّيٌّ فجمعَ بينَ أَربعِ ياءاتٍ لم يَقلْ ذلكَ في ( مثلِ ) ( حَمَصِيصَةٍ ) مِنْ ( رَمَيتُ ) ولَمْ يكنْ فيها إلاّ التغيرُ وهَذا أَقيسُ
وكانَ الخليلُ وسيبويه وأَبو الحسن الأخفش يَرَوْنَهُ وَهوَ قولُ المازني وتقولُ في ( فَيْعِلٍ ) مِنْ حَيِيْتُ حَيٌّ وكانَ الأَصلُ : حَيِيٌّ فاجتمعتْ ثَلاثُ ياءاتٍ الأُولى الياءُ الزائدةُ في ( فَيْعِلٍ ) والثانيةُ عينٌ والثالثةُ لامٌ فحذفتِ الأخيرةُ كمَا فعلَوا في تصغيرِ أَحوى حينَ

قالوا : أُحَيٌّ فحذفوا استثقالاً للجمعِ بينَ هذهِ الياءاتِ الثلاثِ التي آخرُها لامٌ قبلَها كسرةٌ وتقولُ في فَعُلانٍ من حَيِيتُ : حَيُوانٌ فتقلبُ الياءَ التي هيَ لامٌ واواً لإنضمامِ ما قبلَها ومَنْ أسكنَ قالَ : حَيْوَان ( كما يقولُ إذَا أسكنَ ) ( لَقَضْو الرجلُ ) لا يغيرُ لأَنَّ الإِسكانَ لَيْسَ بأَصلٍ فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ تُقلبِ الياءُ مِنْ حَيوانٍ أَلفاً وهيَ عينٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ قيلَ : إذا أُعْلتِ اللامُ لَمْ تُعل العينُ والواجب إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لأَنَّ اللامات متى لم تدخلْ عليها الزوائدُ كانتْ أَطرافاً يقعُ علَيها الإِعرابُ ويلحقُها التغيرُ أَيضاً إذا دخلتْ علَيها الزوائدُ
وقالَ الخليلُ : أَقولُ في مثلَ ( فَعَلانَ ) مِنْ حَيِيتُ : حَيَّانُ وتسكنُ وتدغمُ إنْ شئتَ ويقولُ في مِثَالِ ( مَفْعُلةٍ ) مِنْ ( رَمَيتُ ) : مَرْمُوةٌ إذا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذَا بنيتَها علَى التذكيرِ ومعنى قولي : بنيتَها علَى التأنيثِ أَي : لا يقدرُ فيها التذكيرُ قبلَ الهاءِ ثُمَ تدخلُ الهاءُ إنّما تجعلها في أَولِ أَحوالِها وَقَعتْ وصَيغِتْ مَع الهاءِ فإنْ قَدرتَ أنَّ التذكيرَ سبقَ ثُمَ أدخلتَ الهاءَ للتأنيثِ فلا بُدُّ مِنَ الإِعلالِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ يكونَ اسمٌ آخرهُ واوٌ قبلَها ضمةٌ والدليلُ عَلى أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا

يقلبُ فيها الواوُ قراءةُ الناسِ : خُطُواتِ لأَنَّهُ إنما عَرَض التثقيلُ في الجمعِ ولم تكنِ الواحدةُ مثقلةً ومَنْ ثقلَ ( خُطُواتٍ ) لزمهُ أَنْ يقولَ : في كُلْيةٍ كُلُواتٌ لأَنَّ الياءَ انضمَّ ما قبلَها وَهوَ موضعٌ تثبتُ فيهِ الواوُ لأَنَّها غيرُ طَرفٍ ولكنَّ العربَ لا تقولهُ لأَنَّ لَهُ نظيراً مِن غيرِ المعتلِّ لا يحولُ في أَكثرِ كلامِ العربِ نحو ( ظُلْماتٍ ) والرُّسْلِ فألزمَ هذَا الإِسكانَ إذْ كانَ غيرُ المعتلِّ يسكنُ ولكنْ مَنْ قالَ ( مِدْيةٌ ) في ( مُديةٍ ) فَلا بأَسَ بأَنْ يقولَ : مِدِيَاتٌ لأَنَّهُ لا يلزمهُ قَلْبُ شيءٍ إلى شَيءٍ والإِسكانُ أَكثرُ في الياءِ والواوِ لإستثقالِهمِ الحركةَ فِيهما ومَنْ قَالَ : رِشْوَةٌ ثُمَ جَمعَ بالتاءِ فحركَ فقياسهُ رِشِيَاتٌ كما يلزمهُ أَنْ يقلبَ الياءَ في كُلْيةٍ واواً إذَا انضمَّ ما قبلَها كذا يلزمهُ أَنْ يقلبَ الواوَ ياءً إذا انكسرَ ما قبلَها للجمعِ في ( رِشْوَةٍ ) كمَا كانَ قَائلاً في ( كُليةٍ ) كُلُواتٌ ولكنَّ هذَا متنكبٌ كمَا كانُ تثقيلُ كُليةٍ متنكباً
وقالَ الأخفشُ : تقولُ في ( مَفْعُلةٍ ) مِنْ ( رَميتُ ) مَرموةٌ إذَا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذا بنيتَها علَى التذكيرِ كمَا تقدمَ مِنْ قولِنا مثلُ ( عَرْقُوةٍ ) وفُعْلُلَةٌ مِنْ ( رَميتُ ) رُمْيُوَةٌ وَفُعْلَةٌ مِنْ ( قَضَيْتُ وَرَمَيْتُ ) إذَا لم تبنهِ علَى تذكير ( قُضُوَةٌ وَرُمُوَةٌ إنْ بنيتَهُ على تذكيرٍ قَلتَ : رُمْيَةٌ . وفَعَلانٌ مِنْ ( رَمَيْتُ ) رَمَيَانُ كمَا قلتَ : رَمَياَ . وتقولُ في فِعْلاَلةٍ مِنْ رَميتُ : رِمْيَايةٌ ومِنْ ( حَيِيْتُ ) حِيايَّةٌ وإذَا كانتْ علَى تذكيرٍ همزتَ وتقولُ في ( فِعْلِلَةٍ ) مِنْ

( رَميتُ ) رِميِيةٌ قالَ : وتقولُ في ( فَعَلانٍ ) مِنْ حَيِيتُ حَيَيانٌ لا تدغمُ وإنَّما قالتِ العربُ : الحَيَوانُ فصيروا الآخرةَ واواً لأَنَّهم استثقلوا الياءين وكانَ هذَا البابُ مِما لا يدغمُ فَحولوا الآخرةَ واواً لئلا يختلفَ الحرفانِ
قالَ : وتقولُ في ( فَعُلانٍ ) مِنْ حَيِيتْ : حَيُوانٌ فتبدلُ الآخرةَ واواً لمَا انضمَّ ما قبلَها
قالَ : وتقولُ في ( فُعُلانِ وَفُعَلانَ ) : حُيُيَانٌ وحُيَيَانٌ ولا تقلبُ الأُولى واواً وإنْ كانَ ما قبلَها مضموماً لأَنَّها في موضعِ العينِ
قالَ أبو بكر : إنْ كانَ ما حُكيَ عن الأخفشِ مِنْ قولِه في ( فُعُلانٍ ) مِنْ ( حَيِيتُ ) : حُيُيانٌ صحيحاً عَنْهُ فهو غَلَطٌ لأَنُّهُ قَد تركَ قولَهُ في ( فَعُلانٍ ) حَيُوَانٌ فإنْ احتجَّ عنهُ محتج أَنَهُ كانَ يلزمُ أَنْ يقولَ ( حُوُوَانٌ ) فتقلبُ الياءين للضمتينِ ثم تقلبُ الواو الأَخيرةَ ياءً وتكسرُ ما قبلَها فلمَّا فَعَلَ ذلكَ وأَعلَّ اللاَّم لَمْ يجزْ أَنْ يعلَّ العينَ رَدَّ الياءَ قيلَ لَهُ : إذَا وجبَ إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لَمْ يتسعْ لنَا هذَا التقديرُ لأَنَّ العينَ كالحرفِ الصحيحِ إذَا كانتِ اللامُ معتلةً وكانَ بعضُ أَصحابِنا مِنَ الحذاقِ بالتصريفِ لا يجيزُ في شيءٍ مِنَ الأبنيةِ أَنْ يجتمعَ واوانِ بينَهما ضمةٌ
وقالَ : أجري هذهِ الأَشياءَ على ما تلفظُ بهِ العربُ فأَنقلُ ( فَعُلَ ) إلى ( فَعَلَ ) في ( حَيُوانٍ وقَوُوَانٍ ) فأَقولُ : قَوِيَانٌ وحَيِيَانٌ فأَمَّا ( فُعُلانُ ) فأستقبح أَن أبنيَ مثلَهُ لأَنَهُ يخرجُ إلى ما ليسَ في الأسماءِ نحو : فُعِلَ وفُعِلاَنَ فإنْ قالَ قائلٌ : فَلِمَ لا تُدغم قيلَ : لا يجوزُ الإِدغامُ في ( فُعُلٍ ) و ( فُعُلانٍ ) لخروجهِ

عَنْ مثالِ الفعلِ فالوجهُ أَنْ لا أَبني مثلَ هَذَا كما أَنهُ لو قيلَ لي : كيفَ تبني علَى مثالِ ( كَابُلٍ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) لم يجزْ أَن أَبني
وقالَ الأخفشُ : ( أَفْعُلَّةٌ ) مِنْ رَمَيْتُ ( أَرْمُوَّةٌ ) وتقولُ في مثالَ ( دُرَجَةٍ ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) : رُمَيةٌ وجميعُ ما ذكرتُ لكَ من هذَا المثقلِ بُنيَ مثقلاً علَى أَنَّ الحرفَ الأولَ منهُ سَاكنٌ وتقولُ في مثلِ ( عُرَضْنَةٍ مِنْ ) رَمَيْتُ : رُمَيْنَةٌ وتقولُ في مثلِ ( صَمَحْمَحٍ ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) : رَمَيْمَاً وتقولُ في مثلِ ( حِلِبْلاَب ) من ( رَميتُ ) : رِمِيْمَاءٌ ولو قالَ قَائلٌ : ابن لي مثلَ بكرٍ مِنْ يَدٍ قلتَ لَهُ : إنَّ العربَ لما أَرادتْ هذَا البناءَ جاءتْ بهِ منقوصاً وإذَا أَتمَمتَهُ فلَيس مِنْ كلامِهم فإنْ أَحبَّ أَنْ تتكلفَ لَهُ ذلكَ لتريهِ كيفَ يكونُ لو تكلموا بهِ قلتَ : يَدْيٌ أثبت الياءَ وأَعربتَ لأَنَّهُ مثلُ ( ظَبيٍ ) فإنْ قالَ لكَ قَائلٌ : ابنِ لي مِنْ ياءٍ مثلُ ( بكرٍ ) قلتَ : ليسَ في أَسماءِ العربِ اسمٌ فاؤهُ وعنيهُ ولامهُ من موضعٍ واحدٍ فإن تكلفتَ ذلكَ علَى قياسِ كلامِهم قلتَ : يَيْيٌ يَا هَذا جمعتَ بينَ ثلاثِ ياءاتٍ كمَا فعلتَ ذلكَ في تصغيرِ ( حَيَّةٍ ) حينَ قلتَ : حُيَيَّةٌ وهيَ في هذَا أَقوى منها في ( حُيَييّةٍ ) لأَنَّ الياءَ الأُولى في موضعِ الفاءِ وهيَ في تصغير ( حَيَّةٍ ) في موضعِ العينِ وموضعُ العينِ أَضعفُ مِنْ موضعِ الفاءِ فإنْ قَالَ قائلٌ ابنِ من ياءٍ مثال ( جَعْفرٍ ) قلتَ : ( يَيْئَاً ) ولَو بنيتَ مثالَ : قُعْدُدٍ لقلتِ : يُيْئُيٌ تحذفُ

الرابعةَ وتدعُ ثلاثَ ياءاتٍ ولَو أَردتُ مثلَ ( سَفَرجلٍ ) أَو مثلَ ( صَمَحْمَحٍ ) لقلتَ فيهما جَميعاً ( يَوَيَّاً ) تبدلُ الواوَ
قالَ الأخفش : لأَنكَ إذَا أبدلتَ الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى مَا قالَ مِمَّا احتجَّ بهِ أَنّهُ لا أَصلَ يرجعُ إليهِ في اجتماعِ الياءاتِ إلاّ ما جاءَ في النَّسبِ ونحو هذَا إذا وقَعَ في النَّسَبِ قلبوا الياءَ ألفاً ثُمَ قلبوها واواً فإنْ بنيتَ نحو ( جحمرِشٍ ) مِنَ الياءِ
قالَ الأخفش : تقولُ : يَيَّوِيٌ ثلاثُ ياءاتٍ ثُمَّ واوٌ ثُمَّ ياءٌ بعدَها واجتمعتِ الياءاتُ الأُول لأَنَّهنَّ لسنَ بأَثقلَ مِنْ بابِ تصغيرِ ( حَيَّةٍ ) إذا قلتَ ( حُيَيَّةٌ )
قالَ : ومثالُ ( جَحمرِشٍ ) مِنْ حَيِيتُ : ( حَيَوَيٌ ) تقلبُ إحدى الياءاتِ واواً لئلا تجتمعَ أَربعُ ياءاتٍ ولم تقلبِ الأُولى والثانيةَ من ( حَيِيتُ ) لأَنكَ لو قلبتَها كنتَ قد قلبتَ حرفينِ فكانَ قلبُ الحرفِ الرابعِ أَولى لأَنَّكَ إنَّما تَقلبُ حرفاً واحداً
قالَ : وتقولُ في مثالِ ( قُذَعْمِيلةٍ من ( قَضيتُ ) قُضَوِيَّةٌ لأَنَّها تصيرُ في مثلِ النَّسَبِ إلى ( أُمَيّةٍ ) فيجتمعُ فيها أَربعُ ياءاتٍ فتحذفُ منهنَّ واحدةً ثُمَ تبدل الأُولى واواً كمَا قلتَ في أُميَّةٍ : أُمَويٌّ وتقولُ في مثلِ ( قُذَعْمِلَةٍ ) وهيَ القصيرةُ مِنْ ( قَضيتُ قُضَيَّةٌ فتحذفُ ياءً وكانَ الأَصلُ ( قُضَيِّيةٌ ) فتكونُ ثلاثُ ياءاتٍ أَولُها ساكنٌ فحذفوا الآخرةَ كما أَنَّ أَصلَ ( مُعَيَّةٍ ) إذا صغرتَ : مُعَوِية مُعَيِّيةٌ فحذفوا الآخرةَ وإذَا بنيتَ ( فَعُلاً ) مِنْ

قَضَيْتُ اسماً قلتَ : قَضٍ وإنْ بنيْتُه ( فَعْلاً ) قلتَ : قَضْوَاً وإنَّما قلبتْ الواوَ ياءً في الإسم لأَنَّ الأسمَ لا يكونُ آخرهُ كذا وكذلكَ إنْ بنيتَ اسماً علَى ( فَعِلٍ ) مِنْ ( قَضَيْتَ ) يستوي لفظُ ( فَعِلٍ وفَعُلٍ ) فإنْ قالَ قَائلٌ : فكيفَ لا تخافُ في هذَا اللبسَ وكيفَ لا تتركُ بناءَ هذَا أصلاً إذا كانَ يلتبسُ كما تركتُ بناءَ ( فَنْعَلٍ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) إذ كانَ يلتبسُ بِفَعَّلَ قيلَ : إنَّ بينَ هذينِ فرقاً لأَنَّ ( فَنْعَلَ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) لا يظهرُ بناؤهُ واضحاً أَبداً وأَمَّا ( فَعُلَ ) مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ فَقَدْ يصحُّ إذَا قلتَ ( فَعُلَةٌ ) ولم تبنهِ على تذكيرهِ نحو : رَمُوَةٍ وغَزُوَةٍ وتقولُ هو أَيضاً في الفعلِ فيصحُّ تقولُ : لرَمُوَ الرجلُ ولغَزُوَ الرجلُ وأَنتَ لا تصححُ فَنْعَلَ مِنْ ضَرَبْتُ في وجهٍ مِنَ الوجوه
واعلَم : أَنَّ أَربعَ ياءاتٍ لا يجتمعنَ إلاّ في لغةٍ رَديئةٍ هذَا عَدِيييُّ وأُمَيَّيٌّ في النَسَبِ إلى ( عِدَيِّ ) وأُمَيَّةَ وهذَا لا يقاسُ علَيةِ ولا يقولُه إلاّ قليلٌ مِنَ العربِ
واجتماعٌ ثلاثِ ياءاتٍ مرفوضٌ أَيضاً إذا سكنتِ الأُولى
فأَمَّا إذا سكنَ ما قبلَ الياءِ الأُولى وهنَّ ثلاثُ ياءاتٍ فإنَّ ذلكَ في الكلامِ كثيرٌ
نحو : ( ظَبِييُّ ) ومكان مَحْييٌّ فيهِ وإذَا كانتْ ثلاثُ ياءاتٍ فكانتِ الأُولى منهنَّ مكسورة وما قبلَ الأُولى متحركٌ . فإنَّ ذلكَ أَيضاً مرفوضٌ تقلبُ الأُولى منهنَ واواً نحو : ( شَجَوىٍّ ورَحَويٍّ ) فإنْ كانتِ الوسطى متحركةٍ والأُولى متحركةٍ وما قبلَها سَاكنٌ فإنَّ ذلكَ متروكٌ في

كلامِهم فإنْ بنيتَ مثلَ ( جَحمرِشٍ ) مِن ( رَمَيْتُ ) فالأَصلُ فيهِ أَن تقولَ : رَمْيَيٌّ فتجتمعُ ثَلاثُ ياءاتٍ والميمُ قبلَ الياءِ الأولى ساكنةٌ وهذَا لا مِثْلَ لَهُ
قَالَ الأخفش : مَنْ جمعَ هذِه الياءات فإنْ أَرادَ أَنْ يدغمَ في قولِ مَنْ قالَ : قَتَّلوا فإنَّهُ يقولُ : رَمَيٌّ ياءانِ ويحذفُ الآخرةَ لأَنَّ الأُولى قد سكنتْ قالَ : وما أَرى إذا كانتِ الياء الأُولى والثانيةُ متحركتينِ إلاّ أَنْ تُلقَى ياء إذا كُنَّ فيهِ ثلاثُ ياءات متحركاتٍ لأَنَّ ياءً متحركةً أثقلُ مِنْ ياءٍ ساكنةٍ
القسمُ الثاني : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الواوِ :
تقولُ في مثلِ : أَغْدَوْدَنَ مِنْ قلتُ : أقْوَوَّلَ تكررُ العينَ وهيَ واوٌ وتجعلُ واوَ افعَوعلَ الزائدةَ بينهما وهيَ ساكنةٌ فتدغمُها في الواوِ التي بعدَها وكانَ أَبو الحسن الأخفش يقولُ : أقوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يَقلبُ لهَا الواوَ التي تَليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واوات وإذَا قلتَ ( فُعِلَ ) منْ هذَا قلتَ : ( أُبْيُويعٌ وأُقْووُلَ ) فلم تدغم لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن : اقْوُوِولَ فلا يقلبُ ويقول : صارتِ الوسطى مدةً بمنزلةِ

الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ ويشبهُ ذلكَ ( بفُوعِلٍ ) مِنْ وَعَدَ إذَا قالَ فيها ( وَوُعِدَ ) فلاَ يلزمهُ الهمزُ كمَا يلزمهُ الهمزُ إذَا اجتمعت واوانِ في أولِ كلمةٍ لأَنَّ الثانيةَ مدةٌ ومثلُه قولُ الله جَلَّ ثناؤهُ : ( مَا وَرِي عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ) وجميعُ ذا عن المازني وتقولُ في مثل ( هِدْمْلَةٍ ) مِنْ قُلْتُ : قِوَلَّةٌ وتقولُ في مثلِ عَنْكَبُوتٍ مِنْ ( بِعْتُ ) وقُلْتُ : قَوْلَلُوتٌ وَبَيْعَعُوتٌ فإذا جمعتَ قلتَ : بياعِعٌ وقَوَاللٌ وإن عوضتَ قلتَ : بَيَاعيعُ وقَوَاليلُ ولَمْ تدغم قبلَ العوضِ لأَنَهُ ملحق ببناتِ الأربعةِ ولَم يعرضْ فيهِ ما يهمز مِنْ أَجلهِ فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ وتقولُ في مثالِ : اطمَأَنَنْتُ مِنْ ( غَزَوْتُ ) : اعزَوّا ومِنْ ( رَمَيْتُ ) ارْمِيَّا فتبدلُ الطَّرف ويقولُ النحويونَ فيها مِنَ القولِ والبيعِ : اقْوَلَّلٌ وابْيَعَّعٌ وإنّما فعلتَ هَذَا بالواوِ والياءِ لأَنَّ هذَا موضعٌ لا تعتلانِ فيهِ ويجريانِ مَجرى غيرهِما ويقولونَ فيها مِنَ الضربِ ( اضْرَبَّبٌ ) يحولونَ الحركةَ علَى اللاّم الأُولى كمَا فَعلوا في ( اطمأَنَّ ) والذي يذهبُ إليهِ أبو عثمان وهوَ الصوابُ عندي أَن يقولُ : اضْرَبَّبَ فيدعُ الكلامَ علَى أَصلِه إذْ كنتَ تَخرجُ مِنْ إدغامٍ إلى

إدغامٍ وإنّما تفعلُ هذَا إذا اختلفتِ اللاماتُ أَلاَ تَرى أَنَّ ( اطمأنَّ ) لامهُ الأُولى همزةٌ والأُخريانِ مِنْ جنسٍ واحدٍ فلَم يوصلْ إلى الإِدغامِ حتَى أَلقى حركةَ الأُولى علَى الهمزةِ وليسَ ذلكَ في بابِ ( ضَرَبَ ) لأَنَّ اللامات من جنسٍ واحدٍ فإذَا أَنْتَ غيرتَ لم يخرجك ذلكَ مِنْ أَن يكونَ الإستثقالُ على حالِه كما قالَ سيبويه في ( فَعَّلَ ) مِنْ ( رَدَدْتُ ) لا أَغيرهُ لأَني لو فعلتُ ذلكَ لصرتُ مِنْ كثرة الدالاتِ إلى مثلِ ما فررتُ منهُ فأقررتُ البناءَ على أصلهِ فكذلكَ هذَا إذا بنيتَهُ علَى مثالِ ( اطمأنَّ ) تركتَهُ علَى أَصلهِ وحَقُّ هذَا في التقديرِ أَن لا تجعلَ اللامَ الأُولى أَصلاً فتكون قَد جمعتَ بينَ لامينِ زائدتينِ فتجمعُ ما لا يجمعُ مثلهُ وكذلكَ أَيضاً إنْ جعلتَ الآخرةَ أصلاً ولكنْ تجعلُ الأُولى زائدةً ملحقةً والثانيَة أًصلاً والآخرةَ زائدةً وإذَا قلتَ ( يَفْعَلُ ) مِنْ ارْمياَّ واغْزوَّا قلتَ : يَرْمييُّ ولَمْ يَرْمييُّ فاعلَمْ ولَنْ يَرْمِييَّ يا فتى وكذلكَ : يَغْزَوِّي ولَن يَغْزَوِّيَ فاعلَمْ ولَمْ يَغْزَوِّ يا هَذَا فَأَمَّا مثالُ : ( اغْدَوْدَنَ ) مِن ( رَدَدتُ ) فإنَّكَ تقولُ : ارْدَوَدَّ تدغمُ لأَنَّ اغدودنَ قد تكررتْ فيهِ الدالُ وهوَ ثلاثي وليسَ بملحقٍ بالأربعةِ لأَنهُ ليسَ في الأربعةِ مثلُ : احْرَوْجَمَ فيكونُ : اغْدَوْدَنَ ملحقاً بهِ وتقولُ فيهِ مِنْ وَدِدْتُ ايْدَوَدَّ تقلبُ الواوَ ياءً لانكسارِ ما قبلَها وهيَ ساكنةٌ وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( غَزوتُ ) غُزْوِيٌّ تبدلُ الواوَ الآخرةَ ياءً فيصيرُ غُزْوِوْيٌ فتبدلُ الواوَ

الساكنةَ ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي تليها ثُمَ تدغُمها فيها فتصيرُ بمنزلةِ ياءِ النَّسَبِ إلى عَدْوٍ وغَزْوٍ وتقولُ في مَفعُولٍ مِنَ القُوَّةٍ مَقْوِيٌّ وكانَ الأَصلُ : مَقْووٌّ فغيرتَ لإجتماعِ الواواتِ
قالَ سيبويه : تقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ غَزَوتُ : غُزْوِيٌّ وأَصلُها : ( غُزْوُوٌّ ) فلمَّا كانوا يستثقلون الواوينِ في ( عُيِيٍّ ) ومَعْدِيٍّ أُلزمَ هذَا بدل الياءِ حيثُ اجتمعت ثلاثُ واواتٍ مَع الضمتينِ في ( فُعْلُولٍ ) فأُلْزِمَ هذَا التغييرُ كَما أُلزم ( مَحْنِيةِ ) البدَلُ إِذْ غيرتْ في ثِيَرةٍ وسِيَاطٍ ونحوهما وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) من ( قَوِيْتُ ) : قُوِيٌّ تغيرُ منهما ما غيرتَ مِنْ ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) وتقولُ في ( أُفْعُولةٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) : أُغْزُوَّةٌ وقَد جاءَ في الكلامِ ( أُدْعُوَّةٌ ) وقَد تكونُ أُدْعِيَّةٌ علَى أَرضٍ مَسِنيةٍ هَذا قولُ سيبويه
وتقولُ في ( أُفعُولٍ ) في ( قَوِيْتُ ) أُقْوِيٌّ لأَنَّ فيها ما في مَفعُولٍ مِنَ الواواتِ
وقالَ سيبويه تقولُ في فَعلاَنٍ مِنْ ( قَوِيْتُ ) : قَوَوانٌ وكذلكَ ( حَيِيْتُ ) فالواوُ الأولى كواوِ ( عَوِرَ ) وقَوَيتْ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في ( نَزَوَانٍ )

وصارتْ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لَوَوِيٌّ وَأَحْوَوِيٌّ ولا تدغمُ لأَنَّ هَذا الضربَ لا يدغمُ في ( رَدَدْتُ )
وقالَ المازني : تصحُّ اللامُ في ( فَعَلانٍ ) فتقولُ : ( قَوَوانٌ ) كَما صحتْ في ( نَزَوانٍ ) وتصحُّ العينُ كما صحتْ في ( جَوَلانٍ )
وقال سيبويه : تقولُ في ( فَعَلانٍ ) مِنْ ( قَوِيْتُ ) قَوَّانٌ وكذلكَ ( فَعُلانٌ ) مِنْ حَيِيْتُ حَيَّانٌ تدغمُ لأَنَّكَ تُدغمُ ( فَعُلاَنَ ) مِنْ ( رَدَدتُ ) وقَد قويتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في ( نَزَوانٍ ) فصارت بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ
قالَ : ومَنْ قَالَ : حَييَّ عَن بَينّةٍ قالَ : ( قَوُوانٌ )
قال أبو العباس : قَوُوانٌ غَلط يَنبغي إِن لم تُدغمْ أَن تقولَ : ( قَوِيَانٌ ) فتكسرُ الأولى وتقلبُ الثانيةُ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في أَحدِهما ضمةٌ والأُخرى متحركة
قالَ : وهَذا قولُ أَبي عُمَرَ وجميعِ أهلِ العلمِ قالَ سيبويه : تقولُ في ( فَيْعِلاَنٍ ) مِنْ حَيِيْتُ وقَوِيْتُ وَشَوَيْتُ : قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّك تحذفُ ياءً هَا هُنا كَما حذفتها في ( فَيْعِلٍ ) يَعني أَنَّكَ لو قلتَ : ( فَيْعِلٌ ) مِنَ القوةِ لقلت ( قَيٌّ ) كي لا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَ الأخيرةِ التي هيَ لامٌ ياءٌ

مشددةٌ مكسورةٌ قالَ : فهم يكرهونَ هَا هُنا مَا يكرهونَ في تصغيرِ ( شَاويةٍ ) في قولهم : رأَيتُ شُوَيّةً
قالَ أبو بكر : فجعلَ الألفَ والنونَ نظيرتي الهاءِ لأَنَّهما زائدتانِ كزيادتِها وأَنَّ ما قبلَ الألفِ مفتوحٌ كَما أنَّ ما قبلَ الهاءِ مفتوحٌ وتقولُ في ( فُعُلَةٍ ) مِنْ : غَزَوْتُ ورَمَيْتُ : غُزُوَةٌ ورُمُوَةٌ فإنْ بنيتَها على ( فُعُلٍ ) علَى التذكيرِ قلتَ : غُزَيةٌ وَرُمِيَةٌ لأَنَّ مذكرهما : رُمٍ وغُزٍ
قاَل أَبو بكر : وهوَ عندي قبيحٌ لأَنَّهُ يخرجُ إلى مثالٍ لا يكونُ إلا للفعلِ فأَمَّا ( خُطُواتٌ ) فلَم يقلبوا الواوَ لأَنَّهم لم يجمعوا ( فُعُلَ ) ولاَ فُعُلةً جاءت علَى ( فُعُلٍ ) وإِنّما عَرَضَتْ هذه الحركةُ في الجمع أَلاَ تَرى أَنَّ الواحدة خُطْوَةٌ فَخُطوةٌ نظيرُ فُعْلَةٍ التي لا مذكَّر لَها ومَنْ قَالَ : خُطُواتٌ بالتثقيلِ فإِنَّ قياسَ ذلكَ أَن تقولَ في ( كُلْيةٍ ) : كُلُواتٍ ولكنَّهم لم يتكلموا إلاّ بكُلَياتٍ مخففةً فراراً مِنْ أَنْ يصيروا إلى ما يستثقلونَ ولكنَّهُ لا بأسَ بأَنْ تقولَ في مِدْيَةٍ : مدِياتٌ كَما قلتَ في خُطْوةٍ : خُطُواتٌ لأَنَّ الياءَ مَع الكسرةِ والواوَ مع الضمةِ ومَنْ ثقلَ في ( مِدِيَاتٍ ) فإِنَّ قياسَهُ أَنْ يقولَ : جِرْوَةٌ جِرِيَاتٌ لأَنَّ قبلَها كسرةً وهيَ لامٌ ولكنَهم لا يتكلمونَ بذلكَ إلاّ مخففاً فِراراً مِنَ الإستثقال والتغييرِ

فإِذَا كانتِ الياءُ مَع الكسرةِ والواوُ مَع الضمةِ فكأَنَّكَ رفعتَ لسانَكَ بحرفين مِنْ موضعٍ واحدٍ رفعتَهُ لأَنَّ العملَ مِنْ موضعٍ واحدٍ فإِنْ خالفتَ الحركةَ فكأَنَّهما حرفانِ مِنْ موضعينِ متقاربين الأولُ ساكنٌ نحو : ( وَتْدٍ ) هَذا قولُ سيبويه : يريدُ أَنَّ الضمة في ( خُطْوةٍ ) مَع الواوِ مِنْ مخرجٍ واحدٍ وكذلكَ الكسرةُ مِنْ ( مِدْيَةٍ ) مَع الياء مِنْ موضعٍ واحدٍ مِنَ الفمِ ولَيْسَت كذلكَ في ( جِرْوَةٍ ) ومِدْيَةٍ فشبَّه الضمةَ معَ الواوِ والكسرةَ معَ الياءِ بِدَالٍ سَاكنةٍ لقيتْ دَالاً متحركةً فأُدغِمتْ فيها ضرورةً لا بُدَ مِنْ ذلكَ وشبَّه الكسرةَ معَ الواوِ والضمةَ معَ الياءِ بحرفينِ متقاربينِ من مخرجٍ واحدٍ التقيا والأولُ ساكنُ فالنطقُ بهِ ممكنٌ لا ضرورة أحوجتْ إلى إدغامهِ لأَنَّ الإِدغامَ إِنّما هَوَ حرفٌ ساكنٌ لقيَهُ حرفٌ مثلُهُ فمتى لَمْ يقفِ المتكلمُ وقَعَ الإِدغام ضرورة
وقالَ سيبويه : تقولُ في ( فَوْعَلَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَوْزَوَّةٌ وأُفْعُلَّةٍ : أُغْزَوَّةٌ وفي ( فُعُلٍّ ) : غُزُوٌّ وفَوْعُلٍّ : غَوَزَوٌّ
وأُفْعُلَّةٌ مِنْ رَميتٌ : أُرميَّةٌ تكسرُ العينَ كما تكسرُها في ( فُعُولٍ ) إِذَا قلتَ : ثُدِيٌّ ومَنْ قَالَ في عُتُوٍّ عُتيٌِّ قَالَ في ( أُفْعُلَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ . أُغُزِيَّةٌ
وتقولُ في ( فِعْلاَلةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْواوَةٌ إِذا لَم تكنْ علَى ( فِعْلاَلٍ ) وتقولُ في مِثْلِ : كوَأْلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَوَزْوَاً ومِنْ قَوِيْتُ : قَوَوَّاً ومِنْ حَيِيتُ : حَوَيّاً وتقولُ في ( فِعْوَلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْووٌّ لا تجعلَها ياءً والتي قبلَها مفتوحةٌ أَلا تَرى أَنَّهم لم يقولوا

في ( فَعَلٍّ ) : غَزَيٌّ للفتحةِ كما قَالوا : عُتِيٌّ
وتقولُ في مِثال ( عِثْوَلٍّ ) مِنَ القوةِ : قِيَّوٌّ وكانَ الأصلُ : قِيْوَوٌّ ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ ياءً كما قلبتَها في ( سَيّدٍ )
وتقول . في مثلِ : حِلِبْلابٍ مِنْ ( غَزَوْتُ ) ورَمَيْتُ : غِزِيزاءُ وَرِميَماءُ كسرتَ الزايَ والواوَ ساكنةٌ وقلبتَها ياءً
وتقولُ في ( فَوْعَلَّةٍ ) من أَعْطَيْتُ : عَوْطَوَّةٌ علَى الأصلِ لأَنَّها مِنْ ( عَطَوْتُ ) وتقولُ في ( فَعِلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَزٍ تلزمُها البدلَ إِذَا كانْتُ تُبدلُ وقبلَها الضمَّة فَهي هَا هُنَا بمنزلةِ مَحِنيَةٍ
وتقولُ في ( فَعْلُوَةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَزْوِيَةٌ وكانَ الأصلُ : ( غَزْوُوَةٌ ) فقَلبتَ الأخيرةَ وكسرتَ ما قبلَها لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ الأُولى مَضمومةٌ ولكن إِذَا كانتْ واوٌ واحدةٌ قبلَها ضمةٌ قَد ثبتتْ إِذَا لم تَكنْ طَرفَ اسمٍ نحو : عَرْقُوةٍ جعلت الواو في ( سَرُوَ وَلَغْزُوُ ) أَلا تَرى أَنَّ ( فَعَلْتُ ) في المضاعفِ مِنَ الواوِ لم يستعملْ لَم يقولوا : قَوَوْتُ مِنَ القوةِ وأَلزموهُ ( فَعِلْتُ ) لتنقلبَ الواوُ ياءً وأَمَّا ( غِزَوٌّ ) فلمَّا انفتحتِ الزايُ صارتِ الواوُ الأولى بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ وصارت بمنزلةِ واوِ ( قَوٍّ ) هَذا لَفظُ سيبويه
وتقولُ في ( فَيْعَلى ) من غَزَوْتُ غَيْزَوَى لأَنَّكَ لَمْ تلحقِ الألفَ ( فَيْعَلاً ) ولكنَّكَ بنيتَ الاسمَ عَلَى هَذا أَلا تَراهم قَالوا : مِذْروانِ إِذْ كانوا لا يفردونَ الواحد فهوَ في ( فَيْعَلَى ) : أَجدرُ لأَنَّ هذهِ الألفَ لا تلحقُ اسماً بُنيَ على التذكيرِ

وقالَ الأخفش : إِذا اشتققتَ مِنْ ( وعَدتُ ) اسماً علَى ( أَفْعَلَ ) مثلَ ( يزيدٍ ) في العلةِ قلتَ : هَذا عِدٌ وإِن أَردتَ اسماً علَى حَدِّ ( أَبْيَنَ ) قلتَ : أَيْعَدٌ وكذلكَ ( يَفْعِلُ ) : يَوْعِدُ
قالَ أبو بكر : قولهُ : اشتققتَ اسماً على ( أَفْعَلَ ) إِنْ لم يردْ بهِ أَنَّه سَمى بالفعلِ بعدَ أَنْ أَعلَّ كما سَمى ( بيزيدَ ) وإِلاّ فالكلامُ خَطأٌ لأَنَّ هَذا البناءَ لا يكونُ إِلاّ للفعلِ أَعني : عِدْ ولَو سميتَ ( بقُمْ ) لقلتَ : هَذا قُوْمٌ لأَنَّ الواوَ إِنَّما كانت تسقطُ لإلتقاءِ الساكنينِ فلمَّا وجبَ الإِعرابُ وتحركتِ الميمُ ردتِ الواوُ فإِنْ سميتَ بالمصدرِ مِنْ وَعَدْتُ قلتَ : عِدَةٌ ومن ( وَزَنْتُ ) زِنّةٌ فإِنْ أَردتَ أَنْ تبنيَ ( فِعْلَةً ) ولا تَنوي مصدراً قلتَ : وِعدَةٌ وَوزنَةٌ وأَما ( وجْهَةٌ ) فإِنَّهُ جاءَ علَى الأصلِ ولم يَبنِ علَى ( فِعْلٍ )
قالَ الأخفشُ : وأَمَّا قولُهم : الدَّعَةُ والضَّعَةُ وفي الوَقَاحِ : هَذا بَيِّنُ القَحةِ فكل شَاذ فالذينَ قَالوا : الضِّعَةُ والقِحَةُ أخرجوهُ علَى فِعْلَةٍ ونقصوهُ لعلةِ الواوِ وإِنَما يقولونُ في الوضيعِ : قَدْ وَضَعَ يَوضُعُ ولكنَّ المصدرَ لا يجيءُ على القياسِ وتقولُ في ( فَوْعَلٍ ) مِنْ وَدَدْتُ : أَوْدَدَ وكانَ الأصلُ : وَوْدَدَ فأُبدلتِ الأُولى همزةً لإجتماعِ الواوينِ في أول

الكلمةِ وتقولُ في المَفعُولِ : مُوَودَدٌ ولا تدغمُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولا تهمزُ كَما تهمزُ ( فَوْعَلَ ) لأَنَّ الواوَ ليستْ أَولَ الكلمةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ يقولُ : أَعِدُ يَقولُ : مَوْعودٌ ولا يبنيهِ عَلَى ( أُعِد ) لأن تلكَ العلةَ قد زَالتْ وهيَ أَنَّ الواوَ مضمومةٌ
قالَ : الأخفشُ : وليسَ كُلُّ مَا غُيِّرَ ( فُعِلٌ ) منهُ غُيّرَ المفعُولُ منهُ ألا تَرَى أنَّهم يقولونَ : غُزِيٌ ودُعِيٌ ثُم يَقولونَ : مَغْزوٌّ ومَدعُوٌّ وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَيْزُوٌّ مِثْلُ : مَفْعُولٍ منهُ إِذا قلتَ : مَغْزُوّ وفَيْعُولٌ مِنْ قَوْيتُ : قَيُّوٌّ تقلبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في ( مَفْعُلَةٍ ) مِنْ قَوِيْتُ : مَقْوِيَةٌ تقلبُ الأخيرةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ وَاوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في مِثَالِ : عَرْقُوةٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَزْوِيَةٌ لئلا يجتمعَ واوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في ( فُعْلَةٍ ) مِن غَزَوْتُ : غُزْيَةٌ إِنْ بنيتَها على تذكير فإِنْ لم تبنِها على تذكيرٍ قلتَ : غُزُوَةٌ لأَنَّهُ غيرُ منكرٍ أَنْ يكونَ في حَشوِ الكلمةِ واوٌ قبلَها ضَمةٌ وإِنَّما يتنكبُ ذلكَ إِذَا كانتْ طَرفَ اسمٍ وتقولُ في مثلِ : مَلَكوتٍ مِنْ غَزَوْتُ وَقَضَيْتُ : غَزَوتٌ وقَضَوْتٌ وكانَ الأصلُ : غَزَوُوتٌ فقلبتَ الواوَ التي هيَ لامٌ أَلفاً لأَنَّها ( فَعَلُوتٌ ) فالتقى ساكنانِ فحذفتِ الألفُ لإلتقاءِ الساكنينِ وكذلكَ عَمِلْتُ في ( قَضَوُتٍ ) وتقولُ في ( فَعْلاَلةٍ ) مِن غَزَوْتُ وقَوِيْتُ : غِزْوَاوَةٌ وَقِوَّاوَةٌ إِذَا لَم يكنْ علَى تذكيرٍ فإِنْ كانتْ على تذكيرٍ همزَتها فقلتَ : قَوَّاءةٌ

وغِزَوّاءةٌ وتقولُ في مثالِ : كَوَأَلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَوَزْوَاً ومن ( قَوِيْتُ ) علَى مذهبِ الأخفشِ : قويَّاً وعلَى مذهبِ غيرِه : قَوَوّاً تجمعُ بينَ ثلاثَ واواتٍ كما فعلَ ذلكَ في ( افْعَوعَلَ ) مِنْ : قُلْتُ فقالَ اقْوَوَّلَ والأخفشُ يقولُ : اقْوَيَّلَ
قَال أبو بكر : والذي أَذهبُ إِليهِ : القلبُ والإِبدالُ كَما فَعلَ الأخفشُ لأَنّي وجدتُهم يقلبونَ إِذا اجتمعتْ واوانِ وضَمةٌ فإِذَا اجتمعت ثَلاثُ واواتٍ فهيَ أثقلُ لأَنَّ الضمةَ بعضُ واوٍ والكلُّ أُثقلُ مِنَ البعضِ وتقولُ في ( فِعْليَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْوِيّةٌ ومِنْ قَوِيْتُ : قَوِيَّةٌ
وقالَ الأخفش : تقولُ في ( فِعْلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْيٌ لا تكونُ فيه إلاّ الياءُ لإنكسارِ ما قبلَها
وقال بعضُ أصحابِنا : لا أَقولَ إلاَّ غِزْوٌ فأَمَّا مذهبُ الأخفشِ فإِنَّهُ أَبدلَ الواوَ الأُولى الساكنةَ لكسرهِ ما قبلَها ثُمَ أَدغَمها في الأُخرى فقلبَها ياءً أَو يكونُ أَبدلَها لأَنَّها طَرفٌ قبلَها كسرةٌ وحجةُ مَنْ لم يبدلْ أَنْ يقولَ : المدغمُ كالصحيح ولا يكونُ قَلبُ الأُولى ياءً لأَنَّها غيرُ

منفصلةٍ مِمّا بعدَها وإِنَما وقعتاَ معاً مشددةً وإِذَا كانتْ مشددةً فهيَ كالحرفِ الصحيحِ
القسمُ الثالث : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الهمزةِ :
تقولُ فيما فاؤُهُ همزةٌ إِذا ألحقتها همزةً قبلَها نحو : أَخَذَ وأَكَلَ وأَبقَ لَو قلتَ : هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا قَلتَ : هَذا آكلُ مِن ذَا تبدلُ الهمزةَ التي هيَ فَاءٌ أَلفاً ساكنةً كأَلفِ ( خَالدٍ ) فإِذَا أَردتَ تكسيرَهُ أَو تصغيرَهُ جعلتَها واواً فتقولُ في تصغيرِ آدمٍ : أُويدِمٍ وفي تصغيرِ آخرَ : أُوَيخرٍ
وزعَم الخليلُ : أَنَّهم حينَ جَعلوا الهمزةَ أَلِفاً جعلوها كالألفِ الزائدةِ التي في ( خالدٍ وحَاتِمٍ ) فحينَ احتاجوا إلى تحريكِها فعلَوا بها ما فَعلوا بأَلفِ ( خَالدٍ وحَاتِمٍ ) حينَ قالوا : خَوَالدُ وحَوَاتمُ قالَ الشاعِرُ :
( أَخالد قَدْ هَويتُكَ بعدَ هِنْدٍ ... فَشيبني الخَوَالدُ والهنودُ )
فكذلكَ فعلَوا بألفِ ( آدمٍ ) حينَ قالوا : أَوادمُ
قَال المازني : سألتُ أَبا الحسن الأخفش عن : هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا

مِنْ ( أَمِّمْتُ ) أَي : قصدتُ فقالَ : أَقولُ : هَذا أَوَّمُ مِنْ هَذا فجعلَها واواً حينَ تحركتْ بالفتحةِ كما فعلَوا ذلكَ في أُويدمٍ
قالَ : فقلتُ لَهُ : فكيفَ تصنعُ بقولِهم : أيَّمَةٌ أَلاَ تَراها : أَفْعِلَةٌ والفاءُ منها همزةٌ فقالَ : لمَّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياء وقالَ : لو بنيتَ مثلَ ( أُبْلُمٍ ) مِنْ ( أَممتُ ) لقلتَ : أُوَّمٌ أَجعلُها واواً فسألتهُ : كيفَ تصغرُ أَيِّمةً فقالَ : أُوَيِّمَةٌ لأَنَّها قَدْ تحركتْ بالفتحةِ
قالَ المازني : وليسَ القولُ عندي علَى ما قَالَ : لأَنَّها حينَ أُبدلتْ في آدمٍ وأَخواتِه ألفاً ثبتتْ في اللفظِ أَلفاً كالألفِ التي لا أصلَ لَها في الفاءِ ولاَ في الواوِ فحينَ احتاجوا إلى حركتِها فعلوا بهَا ما فعلوا بالألفِ وأَمَّا ما كانً مضاعفاً فإِنَّهُ تُلْقَى حركتُهُ علَى الفاءِ ولا تُبدلُ همزتُهُ أَلفاً ولو أُبدلتْ أَلفاً لمّا حركوا الأَلفِ لأَنَّ الألف قد يقعُ بعدَها المدغمُ ولا تغيرُ فتغييرهم أيِّمةً يدلُ على أَنَّها لا تجري مَجرى أَيَّمُ ما تُبدلُ منهُ الألفُ
قَالَ : والقياسُ عندي أَنْ أَقولَ في : هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا مِنْ ( أَمَمْتُ وأَخواتِها ) : هَذا أَيَّمُ مِنْ ذَا وأُصَغِر أَيمةً : أُيَيِمةٌ ولا أُبدلُ الياءَ واواً لأَنَّها قد ثبتتْ ياءً بدلاً مِنَ الهمزةِ إِلاّ أَنَّ هذهِ الهمزةَ إِذا لم يلزمها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ ( الأُبلُمِ ) مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ : أُوْدُمٌ ومثل ( إِصْبَعٍ ) :

إيدَمٌ ومثلُ أَفْكَلٍ فاجعلُها أَلفاً إذا انفتحَ ما قبلَها وياءً ساكنةً إِذا انكسرَ ما قبلَها وواواً ساكنةً إِذا انضمَّ ما قبلَها فإِذَا احتَجْتَ إِلى تحريكها في تصغيرٍ أَو تكسيرٍ جَعَلْتَ كُلَّ واحدةٍ منهنَ على لفظها الذي قَدْ بُنيتْ عليهِ فاترك الياءَ ياءً والواوَ واواً واقلب الألفَ واواً كما فعلتْ ذلكَ العربُ في تصغيرِ آدمٍ وتكسيرِهِ
قالَ أبو بكر : هَذا مذهبُ المازني والقياسُ عندَهُ وأَبو الحسن الأخفش يَرى : أَنَّها إِذا تحركتْ بالفتحةِ أَبدلَها واواً
قالَ أبو بكر : والذي أَذهبُ إِليهِ قولُ الأخفش فأَمَّا الذي قالَهُ المازني في : ( هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا ) ( مِنْ ) أَقَمْتُ انَّهُ يقولُ : أَيّمٌ مِنْ ذَا وأَنَّهُ يصغرُ أَيَّمةً : أُيَيِمةٌ ففيهِ نظرٌ وقولُ الأخفش عندي أقيسُ لأَنَّها أُبدلتْ ياءً في ( أَيّمةٍ ) مِنْ أَجل الكسرةِ فإذَا زالتِ العلةُ بَطلَ المعمولُ وقولُه : إني أُصغرُ فأَقولُ : أُييِّمةٌ لأَنَّها قَدْ ثبتت في ( أَيمةٍ ) غير واجبٍ ولَو وجَبَ هذَا لوجب أَن يقولَ في مِيزانٍ : مَيَازين في الجَمعِ ويصغرُ فيقولُ : مُيَيزِينٌ لأَنَّ الياءَ قد ثبتتْ في الواحدِ وليسَ الأمرُ كَذا أَلا تَرى أَنَّهم يقولونَ :

مِيزَانٌ ومَوَازينُ ومُوَيزينٌ لأَنَّهم إِنَّما أَبدلوا الواوَ ياءً في الواحدِ مِنْ أَجلِ الكسرةِ فَقالوا : مِيزَانٌ والأَصلُ مُوَازنٌ لأَنَّهُ مِنْ الوزنِ فلمَّا انفتحتِ الميمُ رجعتِ الواوُ فقالوا : مَوَازينُ لأَنَّ ذلكَ السببَ قَد زالَ والهمزتانِ إِذَا اجتَمعا في كلمةٍ فحقُّ الثانية أَنْ تُبدَل فتقولُ في : أَنا أَفعلُ مِنْ ( أَمَمْتُ ) : أَنا أؤمُّ الناسَ وتقولُ فيها مِنْ أطَ : أَيِطٌّ وكانَ الأصلُ : أُأْمُمٌ وآطِطٌ فأُدغمتْ وأُلقيتِ الحركةُ علَى الهمزةِ وأُبدلت منها الحرفُ الذي فيهِ حركتُها وكذلكَ ( أَيَّمةٌ ) كانَ أَصلهُ : أَأَمِمَةٌ
فإِنْ قَالَ قائلٌ : فَلِمَ لَمْ تبدلْ مِنَ الهمزةِ أَلفاً كما فعلتَ في ( آدم ) وهيَ ساكنةٌ مثلُها قبلَها فَتحةٌ كمَا أَنَّ قبلَها فتحةٌ فهلا قَلتَ : أَنا أُأُمٌّ إِذا أَردتَ : أَوَمُّ وآمُّهُ في أيِمّةٍ وهذَا موضعٌ يقعُ فيهِ المدغمُ كَما قالوا : آمَّةُ وهم يريدونَ ( فَاعِلةً ) قِيلَ لَهُ : الفرقُ بينَ : آمَةٍ وأَيمةٍ أَنَّ الأَلفَ في ( فَاعِلةٍ ) لا يجوزُ أَنْ تتحركَ لأَنَّها زائدةٌ غير منقلبةٍ مِنْ شيءٍ وإِذا قدرتَ في ( أَيِمَّةٍ ) القلبَ فصارتْ آمِمَةً فأردتَ الإِدغامَ ساغَ لكَ أَن تُلقِي الحركةَ على ما قبلَ الميمِ لأَنَّ الأَلفِ بدَلٌ مِنْ همزةٍ والهمزةُ يجوزُ أَنْ تتحركْ وأَنْ تثبتَ إِذَا لم يكنْ قبلَها همزةٌ وليستْ أَلفُ ( فاعِلةٍ ) كذلكَ ولاَ أَعلمُ للمازني في ذلكَ حجةً إلاّ أن يقولَ : إِنَّهُ أبدلتِ الهمزةُ لغير الكسرةِ ويحتجّ بأَنَّها قد تبدلُ ياءً في بعضَ المواضعِ لغير كسرٍ يقولُ في مثلِ ( اطْمَأْنَتَتُ ) مِنْ قَرَأْتُ : اقْرَأْيَأَتُ

فيبدلُ مِنَ الهمزةِ الوسطى ياءً لئلا تجتمعَ همزتانِ ويدعُ باقي الهمزِ علَى حالهِ فإِذَا قلتَ : هُوَ يَفعلُ قلتَ : هُوَ يَقْرَئْيِ يا فتى مثلُ : يَقْرَعِيْنَ فَلم يغيرْهُ ولَمْ يُلقِ حركة الياءِ علَى الهمزةِ لأَنَّ هذَا ليس موضعَ تغييرٍ وقَد فَارقَ حُكم ( اطمأنَ ) لأَنَّ الحروفَ قد اختلفتْ ووجبَ ذلكَ فيها والهمزة أختُ الحروفِ المعتلاتِ فإِذَا كانتْ لاماً مكررةً أُبدلتِ الثانيةُ ياءً وجَرى عليهَا ما يجري علَى ياء ( رَميْتُ ) ولَو بنيتَ مثلَ ( دحْرَجتُ ) مِنْ ( قَرأتُ ) قلتَ : قَرْأَيْتُ ومثلُه مِنْ كلامِ العرَبِ جِاءٍ وتقولُ في مِثَالِ ( قِمَطْرٍ ) مِنْ ( قَرأتُ ) : قِرَأْيٌ ومثلُ ( مَعَدٍّ ) : قَرَأْيُ فتغيرُ الهمزةَ
قالَ المازني : سأَلتُ أبا الحسن الأخفش وهوَ الذي بدأَ بهذهِ المَقالةِ فقلتُ : ما بالُ الهمزةِ الأُولى إِذَا كان أصلُها السكونَ لا تكونُ كهمزةِ : سأآلٍ وَرَأآسٍ فقالَ : مِنْ قبلِ أَن العينَ لا تجيءُ أبداً إِلاّ وبعدَها مثلُها واللامُ قد يجيءُ بعدَها لامٌ لَيْستْ مِنْ لفظِها أَلا تَرَى أَنَّ قِمَطراً و ( هِدَمْلَةً ) و ( سِبْطْرْاً ) قَد جاءتِ اللامانِ مختلفتين وكذلكَ

جميعُ الأربعةِ والخمسةِ والعينانِ لا تنونانِ كذلك فلذلكَ فرقتُ بينهما
قال المازني : والقولُ عندي كَما قَال
قالَ الأخفش : وقَد ذكروا في ( جائي وشائي ) أنَّهما يهمزانِ جميعاً فيرفعونه ويجرونه وينصبونَ ويهمزونَ همزتينِ
قالَ : وقَد سمعناَ مِنَ العرب مِنَ يجمعُ بينَ همزتين فيقولُ : غَفر الله لَهُ خَطَائئه وخَطَائيٌ
قالَ : وهوَ قليلٌ لا يكادُ يعرفُ قال : وإِنَّما أبدلوا في ( جَاءٍ وشَاءٍ ) ولم يفتحوا كما فتحوا في ( خَطَائي ) لأَنَّ خَطَائي قَد وجدوا لَها نظيراً من الجمعِ يقولونَ في مَدارٍ : مَدَارَى وفي إبلٍ مَعَاي مَعَايا ولم يجدوا في ( فَاعلٍ ) بناءً قد ذهبَ بهِ إليهِ غيرُ فاعل فيذهبوا بهِ إليهِ
وقالَ بعضُهم : إِنَّ همزةَ جِائي هيَ اللامُ وقلبَ العينَ وجعلَها بعدَ اللام كمَا قالوا : لاثٍ وشَاكٍ يريدونَ : شَائِكَاً ولائِثَاً وأَمَّا الذينَ قالوا : شَاكُ السلاحِ فإنَّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبُوها

باَبُ اجتماعِ الحروفِ المعتلةِ في كلمةٍ
هَذا البابُ ينقسمُ أَربعةَ أَقسامٍ : اجتماعُ ياءٍ وواوء وَيَاءٍ معَ همزةٍ وواوٍ مَع همزةٍ واجتماعُ الثلاثةِ
الأولُ : اجتماعُ الياءِ والواوِ في كلمةٍ . تقولُ في مثلِ ( كَوَأللٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَوَمْيَاً ومِنْ حِيِيتُ : حَوَيَّاً ومِنْ شَوَيْتُ : شَوَيَّاً وحدَها شَوَوْياً ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ إِذ كانت ساكنةً
وتقولُ في مثالِ ( عَثْوَلٍ ) مِنْ شَوَيْتُ : شِيَيٌّ والأَصلُ ( شِيْوَيٌّ ) ولكن قَلَبتَ الواوَ ياءً وأَدغمتَ
وتقولُ في مُثلِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ رَمَيْتُ : ارْمَومَا فكررتَ العينَ ثُمَّ قلبتَ الياءَ أَلفاً لأَنَّها لامُ الفعلِ قبلَها فتحةٌ
وقالَ المازني : تقولُ في مِثَالِ ( قَوْصَرَّةٍ ) مِنْ ( بِعتُ : بَيَّعَّةٌ ) وكانَ أَصلُها ( بَوْيَعَّةً ) فالواوُ ساكنةُ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ فلذلكَ قلبتَ كما قلتَ : لويتُ يدُه ليَّةً ولو جمعتَها كما تجمعُ ( قَوَاصرَ ) لقلتَ ( بَوَائعَ ) فهمزتَ

كما تهمزُ ( أَوَائلَ ) لإجتماعِ الواوِ والياءِ
ليسَ بينَهما إِلاّ الألفُ كما همزتَ ( فَوَاعلَ ) مِنْ ( سِرْتُ ) وتقولُ في مِثَالِ ( عَنْكَبوتٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمْيَوُتٌ فتكررُ اللامَ فتنقلبُ الثانيةُ أَلفاً لإنفتاحِ ما قبلَها ولأَنَّ أَصلَها الحركةُ
وتقولُ مِنْ ( بِعْتُ ) : بَيْعَعُوتٌ فإِذَا جمعتَ قلتَ : بَيَاععُ وإِنْ عوضتَ قلتَ : بَيَاعيعُ ولَمْ تدغمْ قبلَ العوضِ لأَنَّهُ ملحقٌ ببناتِ الأربعةِ فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ
وتقولُ في مثالِ ( حَمَصِيْصَةٍ ) مِن غزوتُ : غَزَوِيَّةٌ وكانَ الأَصلُ ( غَزَوِيْوَةً ) فأَدغمتَ الياءَ في الواوِ فصارتْ ياءً مشددةَ وقُلبت الواوُ الأُولى أَلفاً لأَنَّها لامٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ ثُمَّ أَبدلتَها واواً كما فعلتَ في النَّسَبِ إِلى ( رَحَى ) حينَ قلتَ : رَحَويٌّ وتقولُ في ( فُعْلُول ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) رُمِييٌّ لا تغيرُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الياءِ الأُولى ساكنٌ فصارَ بمنزلةِ النَّسبِ إلى ( ظَبْيٍ )
وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( شَوَيْتُ ) وَ ( طَوَيْتُ ) شُوَوِيٌّ وَطُوَوِيٌّ وكانَ الأَصلُ : شُوَيْوُيٌ وطَوَيوُيٌ فقلبتِ الواوُ الأُولى ياءً لأَنَّ بعدَها ياءً متحركةً وقلبتِ الواوُ الأُخرى ياءً للياءِ التي بعدَها أَيضاً فاجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ وصارتْ بمنزلةِ ( أُمَيِّيٍّ ) فكأَنَّها ( طُيَيْيٌّ ) ( وَشُيَيْيٌّ ) ففعلتَ بها ما فعلتَ بأُمَيَّةَ حينَ نَسبتَ إِليها فقلتَ : أُمَوِيٌّ وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) من غَزَوْتُ : غَيْزُوٌّ فتصيرُ بمنزلةِ ( مَغْزُوٍّ ) وتقولُ فيها مِنْ قَوَيْتُ : قَيُّوٌّ فتقلبُ العينَ التي هيَ واوٌ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتدغمُ الياءَ الأُولى فيها وتدعُ واوي الطرفِ

علَى حالِهما لأَنَّ هَذا ليسَ موضعَ تغيرٍ وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( حَوَيتُ ) وَ ( قَوِيْتُ ) : حَيَّاً وقَيَّاً فتقلبُ العينَ ياءً لأَنَّ قبلَها ياء ساكنة وتقلبُ اللامَ أَلفاً لأَنَّ أَصلها التحريكُ وقبلَها فتحةٌ وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( حَوَيْتُ ) و ( قَوِيْتُ ) : حَيٌّ وقَيٌّ وكانَ الأَصلُ ( حَيْوِوٌ وَقَيْوِوٌ ) لأَنَّهُ مِن الحُوَّةِ والقُوَّةِ فقلبت الواو الأُولى ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي قبلَها وسكونِها وأَدغمتَها فيها ثُمَّ قلبت الواوُ التي هيَ لام ياءٍ لإنكسارِ ما قبلَها لأَنَّها لامٌ فصارَ ( حَيِيٌّ ) فاجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ فحذفتْ كما تحذفُ مِنْ تصغيرِ ( أَحْوَى ) حينَ قلتَ : أُحَيٌّ كما تَرى
قالَ أبو عثمان : تقولُ في ( فَيْعَلانٍ ) مِنْ قَوِيْتُ وحَوَيْتُ وشَوَيْتُ : قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ الياءَ التي هيَ آخرُ الياءاتِ ولَمْ تعدْ هذهِ الألفُ أَنْ تكونَ كهاءِ التأنيثِ وأَلفِ النصبِ فهكَذا أجرِ هَذا
قالَ : وأَمَّا قولُهم : حَيَوانٌ فجاءَ علَى ما لا يستعملُ ليسَ في الكلامِ فِعْلٌ يستعملُ موضعَ عينهِ يَاءٌ ولامهُ واوٌ فلذلكَ لم يشتقوا منهُ فِعْلاً وعلَى ذلكَ جاءَ ( حَيْوةٌ ) فافهمهُ
وكانَ الخليلُ يقولُ : ( حَيَوانٌ ) قلبوا فيهِ الياءَ واواً لئلا تجتمعَ ياءانِ استثقالاً للحرفينِ مِنْ جنسٍ واحدٍ يلتِقيانِ

قالَ أَبو عثمان : ولا أَرى هَذا شيئاً ولكنَّ هَذا كقولِهم : فاظَ الميتُ يَفيظُ فَيظاً وفَوْظاً ولا يشتقونَ مِنْ فَوِظَ ( فَعلاً ) وكذلكَ : وَيلٌ وَوَيسٌ ووَيحٌ هذهِ مصادر وليسَ لهن فِعلٌ كراهةَ أَنْ يكثرَ في كلامِهم ما يستثقلونَ ولإستغنائِهم بالشيءِ عَنِ الشيءِ حتَى يكونَ المُستغنى عَنهُ مسقطاً وتقولُ في مثلِ ( قَمَحْدُوَةٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمَيْوَّةٌ وتقولُ في مثالِ ( تَرْقُوَةٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمْيُوةٌ وعَلَى التذكيرِ : رَمِيْيةٌ لأَنَّكَ تقلبُ الطرفَ ياءً كما فعلتَ ( بأدَلٍ وَعَرقٍ ) لأَنَّكَ جئتَ بالهاءِ بعدَ ما لزم الواو القلبُ والدليلُ على أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا تقلبُ فيهِ الواوُ قراءةُ الناسِ ( خُطُواتٍ ) لأَنَّهُ إِنّما عَرضَ التثقيلُ في الجمعِ
وتقولُ في مثلِ ( أُحْدُوثةٍ ) مِنْ قَضَيْتُ : أُقْضِيَّةٌ وفي مثلِ ( فَعْلَولٍ ) مِنْ ( طَوَيْتُ وشَوَيْتُ ) : طَوَوِيٌّ وَشَوَوِيٌّ كمَا قالوا في حَيَّةٍ : حَيَوِيٌّ
وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ غَزوتُ : غَيْزُوٌّ مثلُ ( مَفْعولٍ ) مِنْ ( غزوتُ )
وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ قَويتُ : قَيُّوٌّ تقلِبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) من ( حَيِيتُ وعَيِيتُ ) : حَيَوِيٌّ وعَيَوِيٌّ لأَنَّهُ اجتمعَ أربعُ

ياءاتِ
وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( قَويتُ وطَويتُ ) : طَيَّاً وقَيَّاً هَذا قولُ الأخفش
قالَ : وإن شِئْتَ بنيتَها علَى ( فَيْعِلٍ ) فهوَ وجهُ الكلامِ لأَنَّ ( فَيْعِلاً ) فيما عينهُ واوٌ أَكثرُ فإِنْ بنيْتُه علَى ( فَيْعِلٍ ) قلتَ : طَيٌّ وقَيٌّ لأَنك أَنقصتَ ياءً لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ ياءاتٍ
قالَ : وتقولُ في ( فَيْعِلانٍ ) مِنْ ( شَوَيْتُ وطَوَيْتُ ) : طَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ إِحدى الياءاتِ لأَنَّهنَ اجتمعنَ وكذلكَ إِنْ أَردتَ ( فَيْعَلانَ ) قلتَ : طَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّهُ قد اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ لا يجتمعُ مثلهنُ
قالَ : وهَذا في قولِ مَنْ قالَ في شَاوي : شُوَيٌّ وفي مَعاويةَ : مُعَيَّة ومَنْ قاَلَ في شَاوٍ : شُوَييٌ وفي أَحوى : أُحَيٌّ قالَ فيهِ : شَيَّيَانٌ وطَيَّيَانٌ وتقولُ في ( فَعْلَيةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْوِيَةٌ ومِنْ قَوِيْتُ : قَويَّةٌ ومِنَ شَوَيْتُ : شِيْيَّةٌ وتقولُ في ( فَوْعَلَةٍ ) مِنْ رَوَيْتُ : رَويَّةٌ وتقولُ في ( فَوْعَلَةٍ ) مِنْ حَيِيتُ في لغةِ مَنْ قالَ : ( أُمَييٌّ ) : حُيَيَّةٌ ومَنْ قَالَ : أُمَويٌّ قال : حَيَوِيةٌ
الثاني : اجتماعُ الياءِ والهَمزةِ :
تقولُ في مِثالِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ رأَيتُ : ارْأَوأَيتُ وَأَرْأَوَأَ زَيدٌ تكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في ( اغْدَوْدَنَ ) فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ : أرْأَويتُ وارْأَوَى زيدٌ حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ فإنْ خفَّفتَ الأُولى قلتَ : رَوْأَا وارْوآيتُ مثلُ رَوْعيتُ

حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها علَى الراءِ فلمْا تحركتِ الفاءُ سقطتْ أَلفُ الوصلِ فإِنْ خفَّفتَ الهمزتينِ جميعاً صارَ : ( رَوَيتُ ) حذفتَ الهمزةَ الأُولى وأَلقيتَ حركتَها علَى الواوِ وسقطتْ أَلفُ الوصلِ ثُمَّ حذَفتَ الثانيةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ وتقولُ في مثالِ ( عِرَضْنَةٍ ) مِنْ رأَيتُ : رَأَينةٌ وتقولُ في مثلِ ( صَمَحمحٍ ) مِنْ رأَيتُ : رَأَيْاأٌ وتقولُ في مثلِ ( جَعْفرٍ ) مِنْ جئتُ : جَيَّأٌ فإِنَّ خفَّفتَ قلتَ : جَياً
الثالثُ : اجتماعُ الواوِ والهمزةِ :
تقولُ في مثالِ ( قَوصَرّةٍ ) مِنْ آبَ يَؤوبُ : أَوَّبةً أَدغَمتَ واوَ فَوْعَلَّةٍ الزائدةَ في العينِ فإِنْ جمعتَهُ قلتَ : أَوَائبٌ فأَبدَلتَ مِنَ الواوِ همزةً لإجتماعِ الواوينِ مَعَ الألفِ كما فعلتَ في ( أَوائلَ ) وحذفتَ إِحدى الياءينِ كما حذفتَ إِحدى الراءينِ مِنْ قَوَاصرَ ومَسَائلَ : هَذا البابُ والبابُ الذي قبلهُ يدلُّ عليها ما يأتي في البابِ الذي تجتمعُ فيها الهمزةُ والواوُ والياءُ ويُغني عنهما لأَنَّهُ يعمُّهما ويزيدُ علَيهما
الرابعُ : اجتماعُ الثلاثةِ :
تقولُ في مثالِ ( اطمأنَّ ) مِن وأَيتُ : ايايا وكانَ الأَصلُ : أَوْايا لأَنَّ ( اطْمَأَنَّ ) أَصلُه ( اطمأنَنَ ) فاللامُ الأُولى ساكنةٌ والثانيةُ مفتوحةٌ والآخرةُ

حرفُ الإِعرابِ ولكنَّهُ لمّا أَدغمَ النونَ في النونِ أَلقى الحركةَ علَى الهمزةِ فلذلكَ قلتَ في هذهِ ( أَيُّ ) أُيايا فأَبدَلتَ الواوَ التي هيَ أَلفٌ يَاءً لإنكسارِ ما قبلَها فصارتْ الياءُ الأُولى نظيرةَ الطاءِ والهمزةُ نظيرةَ الميمِ والياءُ الأولى نظيرةَ الهمزة مِنْ ( اطمَأنَّ ) إِلاّ أَنَّ هذهِ الياءَ ساكنةٌ على أَصلِها لم تُلقَ علَيها حركةُ ما بَعْدَها لأَنَّ ما بعدَها مثلُها ولامُ الإِعرابِ قَد انقلبتْ أَلِفاً
وتقولُ في مثالِ ( إِصْبَعٍ ) مِنْ وَأَيتُ : إِيأَيٌ
كانَ الأصلُ ( أِوْأَيٌ ) فقلبتِ الواوُ ياءً لسكونِها وإنكسارِ ما قبلَها وقُلِبتِ الياءُ التي هيَ اللامُ أَلفاً وتقولُها من أَويتُ : أيَّاً وكانَ الأصلُ : إِوْأَيٌ فقلبتِ الياءُ التي هيَ اللامُ أَلفاً لإنْفِتاحِ ما قبلَها ولكنَّكَ لو قلتَ في مثلِ ( إِصْبَعٍ ) من وَدَدْتُ لكانَ : إِوَدٌّ وكانَ الأًصلُ : إِوْدَدٌ فلزمكَ أَن تُبدلَ الواوَ ياءً لكسرهِ ما قبلَها ووَجبَ أَنْ تدغمَ الدالَ في الدالِ فلمَّا أَدغَمتَ احتجتَ إِلى أَن تُلقِيَ حركةَ الدالِ علَى ما قبلَها فلمّا تحركتْ رددتَها إِلى الأَصلِ وهوَ الواوُ فقلتَ : إِوَدٌّ والَذي كانَ أَوجبَ قَلبَ الواوِ ياءً أَنَّها ساكنةٌ وقبلَها كسرةٌ فلمَّا تحركتْ زالتِ العلةُ
قَالَ المازني : ومِثْلُ ذلكَ : إِوَزَّةٌ

وتقولُ في مِثْلِ ( أُبْلَمٍ ) مِنْ وَأَيتُ : أَوْءٍ وكانَ ينبغي أَنْ يكون : أَوْأُيٌ ولكنْ لا يجوزُ أَنْ تكونَ الواوُ لاماً وقبلَها ضمةٌ ومتَى وقعتْ كذاكَ قُلِبْتْ ياءً كما قالوا : أَدْلٍ وعَرْقٍ وأَصلهُ : أَدْلُوٌ وعَرْقُوٌ وتقولُ فيها من أَويتُ : أَوٍّ وكانَ الأَصلُ : أَوْوُيٌّ فأُبدِلَتِ الهمزةُ الثانيةُ واواً لأَّنَّها ساكنةٌ وقبلَها همزةٌ مضمومةٌ ثُمَ تدغمُها في الواوِ التي بعدَها وهيَ عينُ ( أَويتُ ) وتبدلُ مِنَ الضمةِ كسرةً لتَثبُتَ الياءُ وهوَ موضعٌ لا تكونُ فيهِ واوٌ قبلَها ضمةٌ إِلاّ قُلبَتْ كَما قد بُيِّنَ في مواضعَ
وتقولُ في مثالِ ( أَجردٍ ) مِنْ وَأَيْتُ : إِياءٍ وكانَ الأصلُ : إِوْإيٌ فقلبتِ الواوُ ياءً لإنكسارِ ما قبلَها وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ : إيٌّ وكانَ الأصلُ إئويٌ فأَدغمتُ الواوَ في الياءِ فصارتْ ( إِيَّيٌ ) فاجتمعَ ثَلاثُ ياءاتٍ كمَا اجتمعَ في تصغيرِ ( أَحْوَى ) فحُذِفَتْ منها الياءُ التي هيَ طَرفٌ فإِن خفَّفتَ مثالَ ( أَجردٍ ) مِنْ وأَيْتُ قلتَ : إِوٍ فُتُرَدُّ الواوَ إِلى الأصلِ وتُلقي عليهَا حركةَ الهمزةِ وتَحذِفُ الهمزةَ كما تفعلُ ذلكَ إِذا خفَّفت الهمزةَ وقبلَها ساكنٌ مِمَّا تُلقى عليهِ الحركةُ
وتقول في مثلِ ( أِوَزَّةٍ ) مِنْ وَأَيْتُ : إيأأةٌ ومثلها مِنْ أَوَيْتُ : إيَّاةٌ لأَنَّ

( إِوَزَّةً ) : إِفَعْلَةٌ والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم : وَزّةٌ ولو بنيتَ مِثالَ ( هِرَمْلَةٍ ) . مِنْ وأَيتُ قلتَ : وَأيَّةٌ ومِنْ أَويتُ : إوَيَّةٌ
وتقولُ في مثالِ ( قَوْصَرَّةٍ ) مِنْ أويتُ : أَوَيَّةٌ لأَنَّ العينَ واوٌ فلو جمعتَها كما تجمعُ ( قَواصرَ ) لقلتَ : أَوَايا وكانَ الأَصلُ : أَوَاوٍ فصارتْ كأَوَائلٍ ثُمَّ غُيِرَّتْ لأَنَّها عرضتْ في جَمعٍ ولأنها معتلةٌ وقَد مضَى تفسيرُ هذا ولو عوضتَ قلتَ ( أَوَاويٌّ ) فَلَم تهمز ولم تُغيرْ كمَا لم تهمز طَوَاويسَ ومَا أَشبهَها ولو بنيتَها مِنْ وأَيتُ لقلتَ : أَوْأَيَّةٌ لأنَّهُ اجتمعَ في أولِه واوانِ وكانَ الأصلُ ( وَوْأَيَّةٌ ) فهمزتَ الأُولى فإنْ جمعتهُ قلتَ : أوَاوٍ لأَنَّ الهمزةَ لم تعرضْ في جمعٍ ولوَ عوضتَ قلتَ أَوَائي
وتقولُ في مِثَالِ ( عنكَبوتٍ ) من أَوَيْتُ : أَيَّوْتٌ وكانَ الأصلُ أَوْيَيُوتٌ فأَبدلتَ الواوَ الأُولى للياءِ التي بعدَها وحذفتَ الياءَ التي أبدلتَها أَلفاً لإلتقاءِ الساكنينِ يعني : الياءَ الأَخيرةَ لأَنَّها متحركةٌ قبلَها فتحةٌ فقُلِبتْ أَلفاً والواوُ التي بعدَها ساكنةٌ فسقطتْ لإلتقاء الساكنينِ وتقولُ فيها مِنْ وَأَيتُ : وَأَيُوْتٌ والعلةُ في الحذفِ واحدةٌ
ولو جَمعتَهُ من وأَيتُ لقلتَ : وَأَايٌ ولا تهمزُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولم يَعرضْ لَهُ ما يهمزُ مِنْ أَجلِهِ
ولو جمعَتُه من أَويتُ لقلتَ : أَوَايا وكانَ الأَصلُ ( أَواوِيٌ ) فوجبَ الهمزُ من حيثُ وجبَ في ( أَوَائلَ )

فصارتْ ( أَوايٌّ ) فعرضتِ الهمزةُ في جَمعٍ فقلتَ : أَوَاياَ ولو عوضتَ لقلتَ أَوَاييُّ كَما قلتَ : طَوَاويسُ وَعَواويرُ فلم تَهمزْ
وتقولُ في مثالِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ وَأَيتُ : أيْأَوْأَي كمَا تقولُ فيها من وَعَيْتُ : ايُعوعي فتكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في ( اغدودنَ ) فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ : إيأَوَيٌ أَلقيتَ حركتَها على الواوِ فحركتَ الواوَ وحذفتَ الهمزة وإِنْ خفَّفت الأُولى وتركتَ الثانيةَ قلتَ : أَوأَيٌ وكانَ الأَصلُ ( وَوْأَيٌ ) لأَنَّكَ أَلقيتَ حركةَ الهمزةِ التي هيَ عينُ الفعلِ الأُولى علَى الفاءِ وكانتْ واواً في الأَصلِ فانقلبتْ ياءً لكسرةِ أَلفِ الوصلِ فحَذفتَ أَلفَ الوصلِ لتحريكِ ما بعدَها فرجعت واواً وبعدَها الواوُ الزائدةٌ فهمزتَ موضعَ الفَاءِ لئِلا تجتمعَ واوانِ في أَولِ كلمةٍ فإِنْ خففتَهما جميعاً قلتَ : أَوَيٌ والعلةُ واحدةٌ وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ : إِيْوَوّي لأَنَّ ( أَويتُ ) عينَها واوٌ فتكررُ الواوَ وتكونُ الواوُ الزائدةُ بينَ الواوينِ اللتينِ هُما عينانِ فتُدغِمُ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فتصيرُ فيها ثَلاثُ واواتٍ كَما كانَ ذَلكَ في ( اقْوَوَّلَ ) وَمنْ رأَى التغيرَ في ( اقْوَّولِ ) رآهُ هَا هُنا . وتقولُ في مِثَالِ ( صَمَحْمَح ) مِنْ وأَيتُ : وَأَيْأَا ومِنْ أَويتُ : أُويَّا

بَابُ ما ذكَرهُ الأخفشُ مِنَ المسائلِ علَى مِثالِ مَرمَريسَ
قالَ أَبو بكر : وإنَّما أَفردتُ هذَا البابَ لأَنَّهُ مخالف لِمَا مضَى مِنَ المسائلِ لا شكلَ لهُ وجميعُ ما مضَى مِمَّا فيهِ تكريرٌ فإنَّما هوَ تكريرُ عين نحو : ( افْعَوعَلَ ) أَو تكريرُ لامٍ نحو : ( فَعْلَلَ ) أو تكريرُ عينٍ ولامٍ نحو : ( فَعَلْعَلَ )
ومَرْمَرِيسُ وَزنُها ( فَعْفَعِيْلٌ ) فقد كرَّرتَ الفاءَ والعينَ وإنما استدلوا على ذلكَ بأنَّها مشتقةٌ مِنَ المَراسةِ
قالَ : إذا بنيتَ مثالَ مَرْمَرِيْسٍ مِنْ واوٍ قلتَ : أَوَّيِيٌّ واوانِ وثلاثُ ياءاتٍ وكانَ الأَصلُ أَنْ يكونَ الأَولُ ثلاثَ واواتٍ فهمزتَ الأُولى لأَنَّهُ إِذَا اجتمعَ في أولِ الكلمةِ واوانِ هُمزَتِ الأُولى
وقالَ : تقولُ في مثالَ ( مَرْمَرِيسٍ ) مِنَ ( الويلِ والوَيحِ ) . وَيْيَّيْلٌ وَوَيْيَّيْحٌ أَربعُ ياءاتٍ بينَ الواوِ واللامِ وبينَ الواوِ والحاءِ فَمَنْ كانَ مِنْ قولِه جمعٌ بينَ ثلاثِ يَاءاتِ في هذهِ الصفةِ جمعَ بينَ هذهِ الأربع ياءاتٍ لأَنَّ الياءَ الرابعةَ لا يحتسبُ بها لأنَّها مثلُ ياء ( مُهَيْيمٍّ ) وإذَا كانتْ

مدةً هكذا لم يحتسبْ بها أَلا تَرى أَنَّكَ لو قلتَ في قَوَّامٍ ( قُوييمٌ ) لَمْ يكنْ تثقيلٌ كما تثقلُ في ( أُحيٍّ ) ومَنْ حذف حذف واحدةً لئلا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ يكنَّ مثلَ ياءاتِ ( شُوَييٍّ ) تصغيرُ ( الشَّاوي ) فإذَا قلتَ : مَرْمريسٌ مِنْ يَومٍ قلتَ : يَيَوّيمٌ وكانَ الأَصلُ : يَوْيَوِيمٌ فقلبتُ الواوُ للياءِ التي بعدَها واجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ لأنَّهنَ مثلُ النَّسبِ إلى ( طَيءٍ ) إذا قلتَ : طَيِيٌّ ولَو أَردتَ مِثلَ ( مَرْمَريسٍ ) مِنْ أَتيتُ قلتَ : أَتْأَتيٌّ فإنْ خفَّفتَ الهمزةَ قلتَ : أَتَتِيٌّ ومِنْ أُبتُ : أَوْاوِيبٌ فإنْ خفَّفتَ قلتَ : أَوَويِبٌ وتقولُ مثالُ مَرْمَرِيسٍ ( منْ ) إنْ أَوْأَويِيٌ ومِنْ أَاْأَةٍ ) أَوْأَوِيٌ
وحُكيَ عَنِ الخليلِ أَنّهُ كانَ يصغر ( أَأْأةً ) . أُوئَةٌ قالَ : وتأسيسُ بنائِها مِنْ تألفِ واوٍ بينَ همزتينِ فلو قلتَ : أَلا أوٍ كما تقولُ مِنَ النومِ مَنَاْمَةٌ علَى تقديرِ ( مَفْعَلَةٍ ) لقلتَ : أَرضُ مَأآةٌ ولو اشتق منهُ ( مَفْعُولٌ ) لقلتَ : مَوُوءٌ مثلُ ( مَعُوعٍ )
وتقولُ في مِثَالِ : ( مَرْمَريسٍ ) مِنْ أَولٍ : أَوَييلٌ فتقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً أقربهنَّ إلى العلةِ وتهمزُ الأُولى لإجتماعِ واوينِ في أَولِ كلمةٍ وكانَ أَصلُها ( وَوَّوِيلٌ ) أَربعُ واواتٍ الثانيةُ منهنَّ مدغمةٌ في الثالثةِ وَمَن أَجازَ جمعَ ثلاثِ واواتٍ فقالَ في ( افْعَوعَلٍ ) مِنْ قلتُ : اقْوَوَّلَ قالَ في هذَا : أَوَّويِلٌ
قالَ الأخفشُ : وهذَا عندي ضَعيف

وقالَ : وتقول في مثلِ ( قَصْعَةٍ ) مِنَ الواوِ وَيَّةٌ لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ واواتٍ وكانَ أَصلُها ( وَوَّةٌ ) وإنْ شئتَ قلتَ : أَوَّةٌ فجعلتَ الأُولى همزةً وكُلٌّ مذهبٌ
قالَ : إلاّ أَنَّ الأُولى أقواهما لأنَّ موضعَ العينِ إنْ كانَ ياءً فَلاَ بُدَّ مِنْ ( وَيَّةٍ ) إلا أَنَّ النحويين لا يجعلونَ الأَلفَ التي في ( واوٍ ) إلاَّ واواً
قالَ : وما أَعلمهُ إلاّ أَبعدَ الوجهينِ وهُم يصغرونَ ( واواً ) أَويَّةً
قالَ : وإِنَّما جازَ أَنْ أَبنيَ مِنْ واوٍ اسماً لأنَّ الواوَ اسمٌ ولا يجوزُ أن أبني مِنها فِعْلاً وذكرَ بعدَ هذَا كيفَ يُبنى مِنَ التامِّ مثلُ المنقوصِ المحذوفِ
قالَ أَبو بكر : وهذَا لا يجوزُ عندي ولا دُربةَ فيهِ لأَنَّ الحذفَ ليسَ بعملٍ ولكني أَذكرُ ما قالَ
قالَ : ويُبنى من رَأَيتُ مثلُ ( شَاةٍ ) رَاةٌ قالَ : ومثلُها مِنَ القولِ : قَاةٌ ومِنَ البيعَ : بَاةٌ وضعَّفهُ مع ذلكَ

بَابٌ : مِنْ مسائلِ الجَمعِ
تقولُ في ( فَيْعُول ) مِنْ بِعتُ : بَيُّوعٌ فإذا جمعتهُ قلتَ : بَيَاييعُ فلا تهمزُ لأَنَّها لمَّا بعدتْ مِنَ الطرفِ قويتْ فَلَم تهمزْ وإذَا جمعت ( فَوْعَلاً ) مِنْ ( قُلْتُ ) هَمزَتَ فقلتَ : قَوَائِلٌ وتهمزُ فَوَاعلَ مِنْ ( عَوْرتُ وَصَيْدتُ ) وكذلكَ إذا جمعت ( سَيْدَاً وَعيَّلاً ) وذلكَ قولَكَ : سَيَائدُ وعَيَائلُ وميائتُ جِمعُ ( مَيِّتٍ ) علَى التكسيرِ شبهوهُ ( بأوائِلَ )
قالَ المازني : وسألتُ الأَصمعي عن عَيّلٍ : كيفَ تكسرهُ العربُ فَقَالَ : عَيَائلُ يهمزونَ كما يهمزونَ في الواوينِ يَعني في أَوَّلٍ
وأَمَّا ( ضَيْوَنٌ

وضَيَاون ) فلم يهمزوا لأنَّها صحتْ في الواحدِ فجاءتْ على الأَصلِ وقولُ الشَّاعرِ :
( وكَحَلِ العَيْنَينِ بَالعَوَاوِرِ ... )
إِنَّما تركَ الهمزَ لأنَّهُ أَرادَ : العَوَايرَ ولكنَّهُ احتاجَ فحذفَ الياءَ وتركَ الواوَ على حالِها
قالَ الأخفشُ : فإذَا جمعت ( فَعَلٌّ ) نحو : هَبَيٍّ وَرَمَيٍّ وأَنْتَ تريدُ مثلَ : مَعَدٍّ قلتَ : هَبَايٌّ وَرَمايٌّ تجريهِ مجرى ما ليسَ من بناتِ الياءِ نحو : طِمِرٍ ومَعَدٍّ تقولُ : طِمارٌّ ومَعَاد تدعهُ على إدغامِه ولا تظهرُ التضعيفَ وقَد كانَ الأصلُ التضعيفُ لأنَّهُ ملحقٌ ولكنَّ العربَ لما وجدتِ الواحدَ مدغماً أَجرتْ الجمعَ على ذلكَ
قالَ : وليسَ هُوَ بالقياسِ وكذلكَ ( فَعَلُّ ) نحو : غَزَوٍّ تقولُ : غَزَاوٌ إذا جمعتَها
قالَ : وإذا جمعت ( فَعْلَلُ ) من غَزَوْتُ وَرَمْيتُ وهو غَزْوَاً وَرَمْيَاً قلت : غَزَاوٍ وَرَمَايٍ ولم تَهمزْ لأَنَّها مِنَ الأصلِ
قالَ : فإن أردت فعاليلَ قلتَ : رَمَائِيُّ فهمزتَ لمَّا اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَهُنَّ أَلفٌ والألفُ شبهُ الياءاتِ فشبّهوا ذلكَ بالنَسبِ إلى ( رايةٍ )

تقولُ : رَائِيٌّ وقالَ بعضُهم : رَاويٌّ فأبدلَها واواً فلهذَا يقولُ في ( فَعَاليلَ ) مِنْ رمَيتُ : رَمَاوِيُّ ومَنْ قَالَ : أُمَييٌّ قالَ : رَمَاييٌّ فلم يُغيرْ وتركهنَ ياءاتٍ وكذلكَ ( فَعَاليلُ ) مِنْ ( حَيِيتُ ) ومَفَاعيلُ تحذفُ أَو تبدلُ واواً لأَنَّهم قَدْ كرهوا جمعَ ياءينِ في نحوِ ( أَثافٍ ) حتى خففوهَا وخفَفَ بعضُهم : أَغاني وأَضاحِي ومِعْطَاء وَمَعَاطِي
قالَ : ولو قالَ قائلٌ : أَحذفُ هذَا في الجمعِ إذا رأَيتُهم قَد حذفوَا إِحدى الياءين في ( مَعَاطٍ ) و ( أَثافٍ ) ذهَب مذهباُ وما غُيِّرَ مِنَ الجَمعِ كثيرٌ نحو : مَعَاياَ وَمَكُّوكٍ وَمَكَاكيُ
قالَ : ( وفَعَاليلُ ) مِنْ غزوتُ : غَزَاوِي لا تغيِّرهُ لأنَّهُ لم يجتمعْ فيهنَ ثلاثُ ياءاتٍ

بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ الإِدغامِ
قالَ أَبو بكر : أَصلُ حروفِ العربيةِ تسعةٌ وعشرونَ حرفاً الهمزةُ الألفُ الهاءُ العينُ الحاءُ الغينُ الخاءُ القافُ الكافُ الضادُ الجيمُ الشينُ الياءُ اللامُ الراءُ النونُ الطاءُ الدالُ التاءُ الصادُ الزايُ السينُ الظاءُ الذالُ الثاءُ الفاءُ الباءُ الميمُ الواوُ
وتكونُ خمسةً وثلاثينَ . حرفاً مستحسنةً النونُ الخفيفةُ وهمزةٌ بينَ بينَ والأَلفُ الممالةُ والشينُ كالجيمِ والصادُ كالزاي وأَلفُ التفخيمِ ويكونُ اثنين وأربعينَ حرفاً بحروفٍ غير مستحسنةٍ

مخارجُ الحروفِ ستةَ عَشَرَ
فللحقِ ثلاثةٌ فأَقصاها مخرجاً : الهمزةُ والهاءُ والألفُ
والأوسطُ : العينُ والحاءُ . والأَدنى مِنَ الفم : الغينُ والخاءُ
الرابع : أَقصى اللسانِ وما فوقَهُ مِنَ الحَنَكِ : القافُ
الخامس : أسفل مِنْ موضعِ القافِ مِنَ اللسانِ قليلاً ومما يليهِ من الحَنَكِ : الكافُ
السادس : وسطُ اللسانِ بينَهُ وبينَ وسطِ الحَنَكِ : الجيمُ والشينُ والياءُ
السابع : مِنْ بين أَولِ حافةِ اللسان وما يليها مِنَ الأضراسِ : الضادُ
الثامن : مِنْ بينِ أَولِ حافةِ اللسانِ مِنْ أَدناها إلى منتهى طرفِ اللسانِ ما بينهما وبينَ ما يليها من الحنكِ الأعلى مما فُويق الضاحكِ والنابِ والرباعيةِ والثنيةِ : مخرجُ اللامِ
التاسعُ : النونُ وهيَ من طرفِ اللسانِ بينهُ وبينَ ما فُويقِ الثنايا
العاشر : وَمِنْ مخرج النونِ غير أنَّهُ أَدخلَ في ظهر اللسانِ قليلاً لإنحرافه إلى اللامِ : مخرجُ الراءِ
الحادي عشَرَ : ومما بينَ طرفِ اللسانِ وأصول الثنايا : مخرجُ الطاءِ والدالِ والتاءِ
الثاني عَشَر : مِمَّا بينَ اللسانِ وفُويق الثنايا السُّفلى : مخرج الزاي

والسينِ والصادِ
الثالث عشَرَ : مِمَّا بينَ طرفِ اللسانِ وأَطرافِ الثنايا : مخرجُ الظاءِ والثاءِ والذالِ
الرابع عشَرَ : ومِنْ باطنِ الشَّفةِ السفلى وأَطرافِ الثنايا العليا : مخرجُ الفاءِ
الخامس عَشَر : ومما بينَ الشفتينِ : الباءُ والميمُ والواوُ
السادس عشَر : ومِنَ الخَياشيم مخرجُ النونِ الخفيفةِ
أَصنافُ هذهِ الحروفِ أَحدَ عَشَر صنفاً
المجهورةُ والمهموسةُ والشديدةُ والرخوةُ والمنحرفُ والشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ والمكررةُ واللينةُ والهاوي والمطبقةُ والمنفتحةُ
الأول : المجهورةُ :
وهيَ تسعةَ عَشَرَ حرفاً : الهمزةُ والألفُ والعينُ والغينُ والقافُ والجيمُ والياءُ والضادُ واللامُ والزايُ والراءُ والطاءُ والدالُ والنونُ والظاءُ والذالُ والباءُ والميمُ والواوُ
فالمجهورةُ كُلُّ حرفٍ أَشبِعَ الإعتمادُ في موضعهِ ومُنِعَ النفسُ أَنْ يجريَ معهُ حتّى ينقضي الإعتمادُ يجري الصوتُ إِلاّ أَنَّ النونَ والميمَ قد يعتمدُ لهما في الفمِ والخَياشيمِ فتصيرُ فيهما غُنَّةٌ والدليلُ على ذلكَ أَنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ ثُمَّ تكلمتَ بهما رَأَيْتَ ذلكَ قد أَخلَّ بهما

الثاني : المهموسةُ :
وهيَ عشَرةُ أحرفٍ : الهاءُ والحاءُ والخاءُ والكافُ والسينُ والشينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ
وهوَ حرفٌ أَضعفُ الإعتمادِ في موضعهِ حتَى جَرى معهُ النفسُ وأَنتَ تعرفُ ذلكَ إِذا اعتبرتَ فرردتَ الحرفَ مع جَري النفسِ وَلَو أَردتَ ذلكَ في المجهورةِ لم تقدرْ عليهِ
الثالثُ : الشديدُ مِنَ الحروفِ :
هُوَ الذي يمنعُ الصوتَ أَنْ يجريَ فيهِ وهيَ ثمانيةُ أَحرفٍ : الهمزةُ والقافُ والكافُ والجيمُ والطاءُ والتاءُ والباءُ والدالُ فلو أَردتَ مَدَّ صوتِكَ بالحرفِ الشديدِ لَمْ يَجْرِ لكَ وذلكَ أَنَّكَ لو قلتَ : أُلحَجَ لَمْ يَجْرِ لكَ مَد الصوتِ بالجيمِ
الرابعُ : الحروفُ الرَّخوةُ :
الهاءُ والحاءُ والغينُ والخاءُ والشينُ والصادُ والضادُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ والفاءُ وذلكَ أَنَّكَ إذا قلتَ : الطَّسْ وانْقَض وأَشباهُ ذلكَ أَجريتَ فيهِ الصوتَ إِنْ شئتَ أَما ( العينُ ) فبينَ الرَّخْوةِ والشديدةِ تصلُ إِلى الترديدِ فيها لشبهِها بالحاءِ

الخامسُ : الحرفُ المنحرفُ :
وَهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لإنحرافِ اللسانِ مع الصوتِ ولَمْ يعترضْ على الصوتِ كإعتراضِ الشديدةِ وهوَ اللامُ وإنْ شئتَ مددتَ فيهِ الصوتَ وليسَ كالرَّخوةِ لأنَّ طرفَ اللسانِ لا يتجافى عَنْ موضعهِ وليسَ يخرجُ الصوتُ مِن موضعِ اللامِ ولكنْ مِنَ ناحيتي مُستدقِّ اللِّسانِ فُويقَ ذلكَ
السادسُ : الشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ :
لأنَّ ذلكَ الصوتَ غنَّةٌ مِنَ الأَنفِ فإنَّما تخرجهُ مِنْ أَنفِكَ واللسانُ لازمٌ لموضعِ الحرفِ لأنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ لم يجرِ معهُ صوتٌ وهوَ النونُ والميمُ
السابعُ : المكررُ :
وهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لتكريرهِ وإنحرافهِ إِلى اللامِ فَتَجافى للصوتِ كالرِّخوةِ ولَوْ لَمْ يكررْ لَمْ يجرِ الصوتُ فيهِ وهو الراءُ
الثامنُ : اللينةُ :
الواوُ والياءُ لأَنَّ مخرجَهما يتسعُ لهواءِ الصوتِ أَشدُّ مِنَ اتساعِ غيرهِما

التاسعُ : الهاوي :
حرفٌ اتسعَ لهواءِ الصوتِ مخرجُهُ أشدُّ مِن اتساعِ مخرجِ الياءِ والواوِ لأَنّكَ قَدْ تضمُّ شفَتيكَ في الواوِ وترفعُ لِسَانَكَ في الياءِ قِبَلَ الحَنَكِ وهيَ الألفُ وهذِه الثلاثةُ أَخفى الحروفِ لإتساعِ مخرجِها وأَخفاهُنَّ وأَوسعهنَّ مخرجاً الألفُ ثُمَّ الياءُ ثُمَّ الواوُ
العاشرُ : المطبقةُ :
هيَ أَربعةٌ : الصادُ والضادُ والطاءُ والظاءُ
الحادي عَشَر : المُنفتحةُ :
وهَوَ كُلُّ ما سِوى المطبقةِ مِنَ الحروفِ لأَنَّكَ لا تُطبقُ لشيءْ منهنَّ لسانَكَ ترفعهُ إلى الحَنَكِ وهذهِ الأَربعةُ الأحرفُ إذَا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهن انطبق لسانُكَ من مواضعهِنَّ إلى ما حَاذى الحَنَكَ الأَعلى مِنَ اللسانِ ترفعهُ إلى الحَنَكِ فإذَا وضعتَ لِسَانَكَ فالصوتُ محصورٌ فيما بينَ اللسانِ والحَنَكِ إلى موضعِ الحروفِ
وأَمَّا الدالُ والزايُ ونحوهما فإنَّما ينحصرُ الصوتُ إذا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهِن ولولا الإِطباقُ لصارتِ الطاءُ دالاً والصادُ سيناً والظاءُ ذالاً ولخرجتِ الضادُ مِنَ الكلامِ لأَنهُ ليس شيءٌ من موضعِها وغيرُها

ذِكرُ الإِدغامِ
وَهَو وصلُكَ حرفاً ساكناً بحرفٍ مثلهِ مِنْ موضعهِ مِنْ غيرِ حركةٍ تفصلُ بينَهما ولا وقف فيصيرانِ بتداخلِهما كحرفٍ واحدٍ ترفعُ اللسانَ عَنهما رفعةً واحدةً ويشتدُّ الحرفُ أَلاَ ترى أَنَّ كُلَّ حرفٍ شديدٍ يقومُ في العَروضِ والوزنِ مُقامَ حرفينِ الأَولُ مِنْهُما ساكنٌ
والإِدغامُ في الكلامِ يجيءُ علَى نوعينِ : أَحدهما : إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يتكررُ والآخرُ : إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يقاربُه
النوع الأولُ :
إدغامُ الحرفينِ اللذينِ تضعُ لسانَكَ لهَما موضعاً واحداً لا يزولُ عنهُ وذلكَ يجيءُ على ضربينِ : أَحدهما : أَنْ يجتمعَ الحرفانِ في كلمةٍ واحدةٍ والآخرُ : أَنْ يكونا من كلمتينِ
فأَمَّا ما كانَ من ذلكَ في الفعلِ الثلاثي الذي لا زيادةَ فيهِ فجميعهُ مدغمٌ متَى التقى حرفانِ مِنْ موضعٍ واحدٍ متحركينِ حذفتِ الحركةُ وأُدغمَ أحدُهما في الآخرِ وذلكَ نحو : فَرَّ وسُرَّ والأَصلُ : فَررَ وَسُرِرَ
فَفَرٌّ . نظيرُ ( قَامَ ) أُعلَّتِ العينُ في ذَا كما أُعلَّتْ في ذا وَسُرَّ : نظيرُ ( قِيلَ ) في أَصلِها أَلاَ ترى أَنَّ بعضَهم يقولُ : قُوْلَ

وبُوعَ كمَا أنَّ منهم مَنْ يقولُ : رِدَّ مثلُ ( قِيلَ ) وأَمَّا مُدُّ وفِرَّ في الأمرِ فَقَد ذكرناهُ في حَدِّ الوقف والإبتداءِ وكذلكَ ما جاءَ من الأسماءِ علَى وزنِ الأَفعال المدغمةِ أُعِلَّ وأُدغِمَ لأَنَّ الإِدغامَ اعلالٌ إلاَّ ( فَعَلٌ ) مثلُ ( طَلَلٍ وشَرَرٍ ) فإنْ كانَ المضاعفُ علَى مِثَالِ ( فَعُلٍ ) و ( فَعِلٍ ) لَمْ يقعْ إلاّ مدغماً وذلكَ رَجلُ ضَفُّ الحَالِ هُوَ ( فَعِلٌ ) والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم الضفَفُ في المصدرِ فهذا نظيرُهُ من غيرِ المُضَاعفِ
الحَذَرُ وَرَجلُ حَذِرٌ وقَد جاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ كما قَالوا ( الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ) علَى أُصولِهما قالوا : قَوْمٌ ضَفَفُو الحاَلِ فَشَذَّ هَذا كما شَذَّ غيرهُ
( وفَعُلٌ ) لَمْ يسمعْ منهُ شيءٌ جاءَ على أَصلِه وإنْ كانَ المضاعفُ ( فُعْلاً ) أو ( فِعَلاً ) أو فُعُلاً مِمّا لا يكونُ مثالُه فِعْلاً فهوَ على الأَصلِ نحو : ( خُزَوٌ ومَرِرٌ ) وحُضُضٍ وضُضً فَأَمَّا قولهُم : قَصَصٌ وقَصٌّ وَهُم يعنونَ المصدَرَ فإنّما هُما اسمانِ : أَحدهما مُحَرَّكُ العينِ والآخرُ ساكنُ العينِ
فجاءا علَى أُصولِهما ومثلُه مِنْ غيرِ المضاعفِ : مَعَزٌ ومَعْزٌ وشَمَعٌ وشَمْعٌ وشَعَرٌ وشَعْرٌ وهَذا كثيرٌ ولَيْسَ أَنَّ ( قَصّاً ) مسكّنٌ مِنْ ( قَصَصٍ ) ولكن كُل واحدْ منهما أَصلٌ وأَما قَولُ الشاعرِ :
( هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كمنَهاضِ الفَلَكْ . . ... . )

فإنّما احتاجَ إلى تحريكهِ فبناهُ على ( فَعَلٍ ) كَما قالَ :
( ولَمْ يُضِعْها بينَ فِرْكٍ وعَشَق ... )
وإنَّما هُوَ عِشْقُ فاحتاجَ فبناهُ على ( فَعَلٍ )
قالَ المازني : وزعمَ الأصمعي قَالَ : سألتُ أَعرابياً ونحن بالموضعِ الذي ذكرَهُ وزهيرُ حيثُ يقولُ :
( ثم استَمرّوا وقَالوا : إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَكُ )
هل تعرفُ ( رَكَكاً ) فقالَ : قَدْ كانَ هَا هُنَا ماءٌ يُسَمَّى ركّاً
فهذَا مثلُ فَكَكٍ فإذا أَلحقتَ هذه الأشياءَ التي ذكرتَ الأَلِفَ والنونَ في آخرها فإنّ الخَليلَ وسيبويهِ والمازنيَّ يدعونَ الصدرَ علَى ما كانَ عليهِ قبلَ أَنْ يلحقَ وذلكَ نحو : ردَدَانِ وإنْ أَردتَ ( فَعُلانٌ ) أَو ( فَعِلانٌ ) أَدغمتَ فقلتَ : ( رَدَّانٌ ) فيهما وكانَ أَبو الحسن الأخفش يظهرُ فيقولُ : رَدُدَانٌ وَرَدِدَانٌ ويقولُ : هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ فلذلكَ يظهرُ لِيَسْلَمًَ البناء

قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك لأَن الألفَ والنونَ يجبُ أَنْ يكونا كالشيءِ الواحدِ المنفصلِ أَلاَ تَرى أَنَّ التصغيرَ لا يحتسبُ بهما فيهِ كمَا لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولا بألِفَي التأنيثِ ويحقرونَ ( زَعْفَراناً ) فيقولونَ : زُعَيفَرانٌ وخُنْفُساءُ . خُنَيفِسَاءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كمَا يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ فيقولونَ في ( سَفَرْجَلٍ ) . سُفَيرِجٌ فأَمَّا ما جاءَ مِنَ التضعيفِ فيما جاوزَ عدتهُ ثلاثةَ أَحرفٍ فإنّهُ يكونُ علَى ضربينِ . ملحقٍ وغيرِ ملحقٍ فالمُلحقُ يظهرُ فيهِ التضعيفُ نحو : مَهْدَدٍ وجَلْبَبَةٍ . فَمَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ وجَلْبَبَةٌ ملحقٌ بدَحْرَجَةٍ
وإنْ كانَ غيرَ ملحقٍ أُدغمَ وذلكَ نحو : احمّارَ واحمر ولو كانَ لَهُ في الرباعي مِثالٌ لَمَا جازَ تضعيفهُ كَما لم يجزْ إدغامُ ( اقْعَنْسَسَ ) لمَّا كانَ ملحقاً ( باحْرَنْجَمَ ) وقَد مَضَى ذِكرُ ذَا وأَشباهه وأَمَّا ( اقْتَتَلوُا ) فَليسَ بمحلقٍ والعربُ تختلفُ في الإِدغامِ وتركهِ فمنهم مَنْ يجريهِ مَجرى المنفصلينِ فلاَ يدغمُ كَما لا يُدغمُ اسمُ ( مُوسَى ) وإنَّما فُعِلَ بهِ ذلكَ لأَنَّ التاءَ الأُولى دخلتْ لمعنى فَمَنْ أَبَى الإِدغامَ كرِهَ أَنْ يُزيلَ البناءَ الذي دخلتْ لَهُ التاءُ فيزولُ المعنى وذَهب إلى أَنَّ التاءَ غيرُ لازمةٍ وأَنَّها لَيْست

مثلَ راءِ ( احْمَرَرْتُ ) اللازمةِ لأَنَّهُ يجوزُ أَنْ يقعَ بعدَ تاءِ ( افتَعلُوا ) كُلُّ حرفٍ مِنْ حروفِ المعجمِ
ومنهم مَنْ أَدغمَ لمَّا كانَ الحرفانِ في كلمةٍ ومضَى علَى القياسِ فقالَ : يَقتِّلُونَ وَقَدْ قِتِّلوا كسروا القافَ لإلتقاءِ الساكنينِ وشبهتْ بقولهم : ( رُدٌّ )
وقالَ آخرونَ : قَتَّلوا أَلقوا حركةَ المتحركِ علَى الساكنِ وتصديقُ ذلكَ قراءةُ الحَسَنِ . ( إِلاَّ مَنْ خَطَّفَ الخَطْفَةَ ) ومَنْ قَالَ : يَقَتِّلُ قَالَ : مُقَتِّلٌ ومَنْ قالَ : يَقتِّلُ قَالَ : مُقَتِّلٌ
قالَ سيبويه : حدثني الخليلُ وهارون : أَنَّ ناساً يقولونَ : مُرُدِّفِينَ يريدونَ : مُرْتَدِفِينَ أَتْبعوا الضمةَ الضمة ومَنْ قالَ هَذا قالَ : مُقُتِّلِينَ وهَذا أَقلُّ اللغاتِ
وكُلُّ مَا يجوزُ أَن تدغمَهُ ولا تدغمهُ فلكَ فيهِ الإِخفاءُ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَهُ ساكنٌ وبعدَهُ ساَكنٌ كنحوِ ( أُرْدُدْ )

الضربُ الثاني :
أَنْ يكونَ الحرفانِ من كلمتينِ منفصلتينِ وهوَ ينقسمُ قسمينِ
أَحدهما : ما يجوزُ إدغامُهُ
والآخرُ : لا يجوزُ إدغامُهُ
وأَحسنُ ما يكونُ الإِدغامُ في الحرفينِ المتحركينِ اللذينِ هُمَا سواءٌ إذَا كانا منفصلينِ أَن تتوالى خمسةُ أَحرفٍ متحركةٍ بهما فَصَاعداً لأَنَهُ ليسَ في أَصلِ بناءِ كلامهم بناءٌ لكلمةٍ علَى خمسةِ أَحرفٍ متحركةٍ
وقَد تتوالى الأربعةُ متحركةً في مثلِ ( عُلَبِطٍ ) وهو محذوفٌ مِنْ عَلاَبط ولا يكونُ ذلكَ في غيرِ المحذوفِ وليسَ في الشعرِ خَمسةُ أَحرفٍ متحركةً متواليةً وذلكَ نحو : جَعَلَ لَكَ وفَعَلَ لَبِيدُ لَكَ . أَن تُدغَم ولكَ أَنْ تُبينَ والبيانُ عربي حجازي لأَنَّ المنفصلَ ليسَ بمنزلةِ ما هُوَ في كلمةٍ واحدةٍ لا ينفصلُ نحو : مَدَّ واحْمَرَّ ولكَ الإِدغامُ في كُلِّ حرفينِ منفصلينِ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَ الأولِ حرفٌ ساكنٌ فحينئذٍ لا يجوزُ الإِدغامُ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَ الأَوّلِ حرفُ مَدٍّ فإنَّ الإِدغام يجوزُ في ذلكَ كما كانَ في غيرِ الإنفصالِ كما قالوا : رَادَّ وتُمُودَّ الثوبُ
فأَمَّا المنفصلَ فنحو قولِكَ : المالُ لَكَ وهم يُظْلِمُونيِّ والبيانُ هَا هُنَا

يزدادُ حسناً لسكونِ ما قبلَهُ فإنْ كانَ قبلَهُ ساكنٌ لَيْسَ بحرفِ مَدٍّ لَم يجزِ الإِدغامُ وذلكَ قولُكَ : ابنُ نُوحٍ واسمُ مُوسى لا تُدغِم ولكنَّكَ إنْ شئتَ أَخفيتَ وتكونُ بزنةِ المتحركِ ولا يجوزُ إذَا كانَ قبلَ الحرفِ الأَولِ حرفٌ ساكنٌ أَنْ يُدغمَ
ويُحركُ ما قبلَهُ لإلتقاءِ الساكنينِ فأَمَّا قولُ بعضِهم : ( نِعِمَّا ) مُحَرَّكَ العينِ فَلَيْسَ علَى لُغةِ مَنْ قالَ ( نِعْمَ ) فأَسكنَ ولكنْ علَى لُغةِ مَنْ قالَ : ( نِعِمَ ) فحرّكَ العينَ هَذَا قولُ سيبويه
قال : وحدّثَنا أَبو الخطابِ : أَنَّها لغةُ هُذيَلٍ وكسروا كمَا كسروا ( لِعِبٌ ) وأَمَّا قولهُ ( فلا تتناجوا ) فإنْ شَئْتَ أَسكنتَ وأَدغمتَ لأَنَّ قبلَهُ حرفُ مَدٍّ وهوَ الألفُ وأَمَّا ( ثَوبُ بَكْرٍ ) فالبيانُ هَا هُنَا أَحسنُ منهُ في الأَلفِ لأَنَّ الواوَ في ( ثَوْبٍ ) لا تشبهُ الأَلفَ لأَنَّ حركةَ ما قبلَها لَيْسَ مِنها وكذلكَ ( جَيْبُ بَكْرٍ ) والإِدغامُ في هَذا جَائزٌ وإنْ لِم يكونا بمنزلةِ الأَلِفِ وإنَّما يكونانِ بمنزلةِ الأَلفِ إذَا كانَ قبلَ الواوِ ضَمَّةٌ قبلَ الياءِ كسَرةٌ فالإِدغامُ في ( ثَوْبِ بَكْرٍ ) في المنفصلِ مثلُ ( أُصَيْمٌ ) في المتصل وإنَّما فُعِلَ ذَلكَ بياءِ التصغيرِ لأَنَّها لا تحركُ وأَنَّها نظيرُ الألفِ في ( مَفَاعِلَ ومَفَاعيلَ )

القسمُ الثاني : الذي لا يجوزُ إدغامُهُ :
وإذا قلتَ : مررتُ بوليِّ يزيدَ وعَدوِّ وليدٍ فإن شِئْتَ أخفيتَ وإنْ شِئتَ بنيتَ ولا يجوزُ الإِدغامُ لأَنكَ حيثُ أَدغمتَ الواوَ في ( عَدوٍّ ) والياءَ في ( وَليٍّ ) فرفعتَ لِسَانَكَ رفعةً واحدةً ذهبَ المدُّ وصارتا بمنزلةِ ما يدغمُ مِنْ غيرِ المعتل فالواوُ الأُولى في ( عَدوٍّ ) بمنزلةِ اللامِ في ( دَلْوٍ ) والياءُ الأُولى في ( وَليٍّ ) بمنزلةِ الباءِ في ( ظَبيٍ ) والدليلُ علَى ذلكَ أَنَهُ يجوزُ في القوافي ( ليَّا ) معَ قولِكَ : ظَبْياً و ( دوّا ) معَ قولِكَ : غَزْواً وإذَا كانتْ الواوُ قبلَها ضَمّةٌ والياءُ قبلهَا كسرةٌ فإنَّ واحدةً منهما لا تدغمُ إذَا كانَ مثلُها بعدَها وذلكَ قولُكَ : ظَلَمُوا واقِداً واظْلِمِي يَاسراً ويغزوُ واقِدٌ وهَذَا قاضي يَاسرٍ لا تدغمُ وإنّما تركوا المَدَّ علَى حالهِ في الإنفصالِ كمَا قالوا : قَد قُوْوِلَ حيثُ لم تَلزمِ الواوُ وأرادوا أَنْ تكونَ علَى زنةِ ( قَاوَلَ ) فكذلك هذهِ إذا لم تكُنْ الواوُ لازمةً فأَمَّا الواوُ إذَا كانتْ لازمةً بعدَها واوٌ في كلمةٍ واحدةٍ فهيَ مدغمةٌ وذلكَ نحو : مَعْزِوٍّ وَزَنهُ مَفْعُولٌ فالواوُ لازمةٌ لهذَا البناءِ ولَيْسَتْ بمنزلةِ قُوْوِلَ الذي إذا بنيتَه للفاعلِ صَارَ : قَاولَ وإذَا قلتَ وأَنتَ تأمرُ : اخْشَي يَّاسِراً واخْشَوا وَاقِداً أدغمتَ لأَنَّهما لَيسا بحرفَي مَدٍّ كالألفِ لأَنَّهُ انفتحَ ما قبلَ الهاءِ والواوِ

والهمزتانِ لَيْسَ فيهما إدغامٌ في مثلِ قولِكَ : قَرَأَ أَبُوكَ وأَقْرِىءْ أَبَاكَ وقَدْ ذُكرَ في بابِ الهمزِ ما يجوزُ في ذَاْ وما لا يجوزُ
النوعُ الثاني مِنَ الإِدغامِ وهُوَ مَا أُدغَم للتقاربِ :
اعلَمْ : أَنَّ المتقاربةَ تنقسمُ قسمينِ : أَحدهما : أَنْ يُدغمَ الحرف في الحرفِ المقاربِ لَهُ والقسمُ الآخرُ لا يدغمُ الحرفُ في مقاربِه
فأَمَّا الذي يُدغمُ في مقاربهِ فهوَ علَى ضربينِ
أَحدهما : يدغم كُلُّ واحدٍ مِنَ الحرفينِ في صاحبه والآخرُ : لَيْسَ كذلكَ بَلْ لا يدغمُ أَحد الحرفينِ فِي الآخرِ ولا يدغمُ الآخرُ فيهِ
ذِكرُ ما يدغمُ في مقاربهِ
اعلَمْ : أَنَّ أَحسنَ الإِدغامِ أَنْ يكونَ في حروفِ الفَمِ وأَبعدُ ما يكونُ في حروفِ الحَلقِ فكلَّما قَرُبَ مِنَ الفمِ فالإِدغامُ فيهِ أَحسنُ مِنَ الإِدغامٍ فِيمَا لا يقربُ والبيانُ في حروفِ الحلقِ
وما قَرُبَ مِنها أَحسنُ وما قَرُبَ مِنَ الفمِ لا يُدغمُ في الذي قبلَهُ
واعلَمْ : أَنَّ هذهِ المُدغمةَ تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ مِنْها ما يبدلُ الأولُ بلفظِ الثاني ثُمَّ يُدغمُ فيهِ وهذَا أَحقُّ الإِدغامِ ومِنْها ما يبدلُ الثاني بلفظِ

الأولِ ثُمَ يدغمُ الأَولُ في الثَاني ومِنْها ما يبدلُ الحرفانِ جميعاً بما يقاربهما ثُمَّ يُدغمُ أَحدُهما في الآخرِ وقَد كتبنَا جميعَ ذلكَ في مواضعهِ وقَد قلنا : إنَّ المخارجَ ستةَ عَشَرَ مَخرجاً ونحنُ نذكرُ جميعَ ذلكَ وما يجوزُ ومَا لا يجوزُ وما يحسنُ وما لاَ يحسنُ
الأولُ : ما يدغمُ مِن حروفِ الحَلقِ :
ولهَا ثلاثةُ مَخَارج كمَا ذكرنا الهاءُ معَ الحاءِ تَدغمُ كقولِكَ : اجْبَهْ حَمَلاً البيانُ أَحسنُ ولا يدغمُ الحاءُ في الهاءِ العينُ معَ الهاءِ : أَقْطَعْ هِلاَلاً البيانُ أَحسنُ فإن أَدغمتَ لقربِ المخرجينِ حَوّلتَ الهاءَ حَاءً والعينَ حاءً ثُمَّ أَدغمت الحاءَ في الحاءِ لأَنَّ الأَقربَ إلى الفمِ لا يدغمُ في الذي قبلَهُ وكانَ التقاءُ الحاءينِ أَخفَّ في الكلامِ مِنَ التقاءِ العينينِ وبنو تميمٍ يقولونَ : مَحّمْ يريدونَ : مَعَهم وَمحّاؤُلاءِ يريدونَ : مَعَ هَؤلاءِ
العينُ مَعَ الهاءِ :
اقْطَع حّمَلاً الإِدغامُ حَسَنٌ والبيانُ حَسَنٌ لأَنَّهما مِنْ مَخْرَجٍ واحدٍ ولا تُدغمُ الحاءُ في العينِ لأَنَّ الحاءَ يفرُونَ إليها إذا وقعتِ الهاءُ مَعَ العينِ

الحاءُ معَ العينِ :
قالَ سيبويه : ولكنَّكَ لو قلبتَ العينَ حاءً فقلتَ في ( امْدَحْ عَرَفَةَ ) : امْدَحَّرَفَةَ جازَ
الغينُ معَ الخاءِ :
البيانُ أَحسنُ والإِدغامُ حَسَنٌ وذلكَ قولُكَ : أَدْمَغْ خَلَفاً
الخاءُ معَ الغيَنِ :
البيانُ أَحسنُ ويحوزُ الإِدغام لأَنَّهُ المخرجُ الثالثُ وَهوَ أَدنى مخَارج الحلقِ إلى اللسانِ أَلا تَرَى أَنَّ بَعْضَ العربِ يقولُ : مُنْخُلٌ ومُنْغُلٌ فيُخفي النونَ كما يخفيها معَ حروفِ اللسانِ وذلكَ قولُكَ في اسْلَخْ غَنَمَكَ : اسْلَغَّنَمكَ ويدلُّكَ علَى حُسنِ البيانِ عِزتُها في بَاب ( رَددتُ ) لأَنَّهم لا يكادونَ يُضعِفُونَ ما يستثقلونَ
القَافُ مع الكَافِ :
الْحَقْ كَلَدَةَ الإِدغام حَسَنٌ والبَيانُ حَسَنٌ

الكافُ معَ القاَفِ :
انْهَكْ قَطَنَاً البيانُ أَحسنُ والإِدغام حَسَنٌ وإنّما كانَ البيانُ أَحسنُ لأَنَّ القافَ أَقربُ إلى حروفِ الحلقِ مِنَ الكافِ فإدغامُ الكافِ فيها أَحسنُ مِنْ إدغامِها هيَ في الكافِ
السادسُ الجيمُ معَ الشينِ :
ابْعَجْ شَبَثَاً الإِدغامُ والبيانُ حَسنانِ
السابعُ اللامُ معَ الراءِ :
اشْغَل رَّجَبَةَ يُدغم وَهو أَحسنُ
النونُ معَ الراءِ واللامِ والميمِ :
مِنْ رَّاشدٍ يُدغمُ بِغُنَّةٍ وبِلاَ غُنَّةٍ وتُدغمُ في اللامِ ( مَن لَّكَ ) إنْ شِئْتَ كانَ إدْغاماً بِلا غُنَّةٍ وإنْ شِئْتَ بغُنّةٍ وتُدْغَمُ النونُ معَ الميمِ
النونُ معَ الباءِ :
تُقلبُ النونُ معَ الباءِ ميماً ولَمْ يجعلوا النونَ باءً لبعدِها في المخرجِ

وأَنّها ليستْ فيها غُنَّةٌ وذلكَ قولُهم : مَمْبِكَ يريدون : مَنْ بِكَ وشَمبَاءُ وعَمبرٌ يُريدونَ : شَنبَاءَ وعَنَبراً
النونُ معَ الواوِ :
وتُدغمُ النونُ معَ الواوِ بُغنّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّها من مخرجِ ما أُدغمتْ فيهِ النونُ وإنَّما منعَها أَنْ تُقلبَ معَ الواوِ ميماً أَنَّ الواوَ حرفُ لِينٍ تَتَجافى عنهُ الشَّفتانِ والميمُ كالباءِ في الشدةِ وإلزامِ الشَّفَتينِ
النونُ معَ الياءِ :
تُدغمُ بغُنَّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّ الياءَ أُختُ الواوِ وقد تُدغمُ فيها الواوُ فكأَنَّهما من مخرجٍ واحدٍ لأَنَّهُ ليسَ مَخرجٌ مِنْ طرفِ اللسانِ أَقربُ إلى مخرجِ الراءِ منهُ الياءُ أَلاَ تَرى أَنَّ الألثغَ بالراءِ يجعلُها يَاءً وكذلكَ الأَلثغُ باللامِ وتكونُ النونُ مَعَ سَائرٍ حروفِ الفَمِ حَرفاً خفياً مخرجهُ مِنَ الخَياشيمِ وذلكَ أَنَّها مِنْ حروفِ الفمِ وأَصلُ الإِدغامِ لحروفِ الفمِ لأَنَّها أكثرُ الحروفِ فلمَّا وصلوا إلى أَنْ يكونَ لها مخرجٌ مِنْ غيرِ الفمِ كانَ أَخفَّ عليهم أَنْ لا يستعملوا أَلسنتَهم إلا مرةً واحدةً وذلكَ قولُكَ : مَنْ كانَ ومَنْ قالَ ومَنْ جَاءَ وهيَ مَعَ الراءِ واللامِ والياءِ والواوِ إذا أُدغمتَ بغُنَّةٍ ليسَ مخرجُها مِنَ الخياشيمِ ولكنَّ صوتَ الفمِ أُشربَ غُنَّةً ولَو

كانَ مخرجُها مِنَ الخِياشمِ لَما جازَ أَنْ تدغمها في الواوِ والياءِ والراءِ واللامِ حتَى تصيرَ مثلهن في كُلِّ شيءٍ وهيَ معَ حروفِ الحلقِ بنيةٌ موضعُها مِنَ الفم
قالَ سيبويه : وذلكَ أَنَّ هذهِ الستّةَ تباعدتْ عَنْ مخرجِ النونِ فَلَمْ تُخْفَ هَا هُنَا كمَا لا تُدغمُ في هذَا الموضعِ وكمَا أَنَّ حروفَ اللسانِ لا تُدغمُ في حروفِ الحلقِ وإنَّما أخفيتَ النونَ في حروفِ الفمِ كما أدغمتَ في اللام وأخواتِها تقولُ : مِنْ أَجلِ ذَنْبٍ وَمِنْ خَلْفِ زيدٍ ومِنْ حَاتِم ومَنْ عَلَيكَ ومَنْ غَلبَكَ ومُنْخُلٌ فَتبينُ وَهوَ الأجودُ والأَكثرُ وبعضُ العربِ يُجري الغينَ والخاءَ مَجرى القافِ وإذَا كانتِ النونُ متحركةً لم تكنْ إلا مِنَ الفمِ ولَمْ يجز إلاّ إبانتَها وتكونُ النونُ ساكنةً مَعَ الميمِ إذا كانتْ مِنْ نَفسِ الحرفِ بَينَةٌ وكذَلكَ هيَ معَ الواوِ والياءِ بمنزلتِها معَ حروفِ الحلقِ وذلكَ قولُه : شَاةٌ زَنَماءُ وغَنَمٌ

زُنْمٌ وَقنْواءُ وقِنِيةٌ وكُنْيةٌ
وإنَّما حَمَلهم علَى البيانِ كراهيةُ الإِلباسِ فيصيرُ كأَنَّهُ مِنَ المضاعفِ لأنَّ هذَا المثالَ قد يكونُ في كلامِهم مضعَّفاً أَلاَ تَراهم قَالوا : امّحَى حيثُ لم يخافوا الإِلباسَ لأَنَّ هذَا المثالَ لا تضاعفُ فيهِ الميمُ
قَالَ سيبويه : وسمعتُ الخليلَ يقولُ في انْفَعَلَ مِنْ ( وَجِلْتُ ) : اوَّجَلَ كمَا قالوا : امَّحَى لأَنَّها نونٌ زِيدتْ في مثالٍ لا تضاعفُ فيهِ الواوُ فصارَ هَذا بمنزلةِ المنفصلِ في قولِكَ : مَنْ مِثْلكَ وكذلكَ إنْ بنيتَ ( انْفَعَلَ ) مِن ( يَئِسَ ) قلتَ : إيَّاسَ وإذا كانتْ مَع الباءِ لم تَتَبينْ وذلكَ قولُكَ : شَمْباءُ لأَنَّكَ لا تُدغِمُ النونَ وإنما تُحوِّلُها ميماً والميمُ لا تقعُ ساكنةً قبلَ الباءِ في كلمةٍ فَلَيْسَ في هذَا لَبْسٌ ولا تعلمُ النونُ وقعتْ في الكلامِ ساكنةً قبلَ راءٍ ولاَ لامٍ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ : قِنْرٍ وَلا . عِنْلٍ وإنَّما احتملَ ذلكَ في الواوِ والياءِ لبعدِ المخارجِ ولَيْسَ حرفٌ مِنَ الحروفِ التي تكونُ النونُ معَها مِنَ الخَياشيمِ تُدغمُ في النونِ لم تُدغمْ فيهنَّ فأَمَّا اللامُ فَقَدْ تُدغمُ في النونِ وذلكَ قولُكَ : هَنَّرَى

فتدغمُ في النونِ والبيانُ أَحسنُ لأَنَّهُ قَد امتنع أَنْ يُدغمَ في النونِ ما أَدْغَمْتَ فيهِ سِوَى اللامِ فكأَنَّهم يستوحشونَ مِنَ الإِدغامِ فيها ولَم يُدغموا الميمَ في النونِ لأَنَّها لا تُدغمُ في الياءِ التي هيَ مِنْ مخرجِها فلمَّا لم تُدغَمْ فيما هُوَ مِنْ مخرجِها كانتْ مِنْ غيرِه أَبعدُ ولامُ المعرفةِ تُدغمُ في ثلاثةَ عَشَرَ حَرفاً ولا يجوزُ فيها معهن إلاّ الإِدغامُ لكثرةِ لامِ المعرفةِ في الكلامِ وكثرةِ موافقتِها لهذهِ الحروفِ واللامُ مِنْ طرفِ اللسانِ وهذهِ الحروفُ أَحدَ عَشَر حرفاً منها مِنْ طرفِ اللسانِ وحرفانِ بخالطانِ طرفَ اللسان فلمَّا اجتمَع فيها هذَا وكثرتُها في الكلامِ لم يجز إلا الإِدغامُ والأَحدَ عَشَر حَرفاً : النونُ والواوُ والدالُ والتاءُ والصادُ والطاءُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ
وَقَدْ خالطتها الضادُ والشينُ لأَنَّ الضادَ استطالتْ لرخاوتِها حتَى اتصلتْ بمخرجِ الطاءِ وذلكَ قولُكَ : النعمانُ والرجلُ فكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ فإذَا كانتْ غيرَ لامِ المعرفةِ نحو لامِ ( هَلْ وبَلْ ) فإنَّ الإدغامَ في بعضِها أَحسنُ وذلكَ قولُكَ : هَرَّأيتَ لأَنَّ الراءَ أَقربُ الحروفِ إلى اللامِ وإنْ لَمْ تدغمْ فهيَ لغةٌ لأهلِ الحجاز وهيَ عربيةٌ جائزةٌ وهيَ معَ الطاءِ والدالِ والتاءِ والصادِ والزاي والسينِ جائزةٌ وليسَ ككثرتِها معَ الراءِ وإنَّما جازَ

الإِدغامُ لأنَّ آخرَ مخرجِ اللامِ قريبٌ مِنْ مخرجِها وهيَ حروف طرفِ اللسانِ وهيَ معَ الظاءِ والثاءِ والذالِ جائزةٌ وليسَ كحُسنِهِ معَ هؤلاءِ وإنَّما جازَ الإِدغامُ لأَنَّهنَّ مع الثنايا وهُنَّ مِنْ حروف طرف اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف لأنَّ الضاد مخرجُها من أَولِ حافةِ اللسانِ والشين مِنْ وسطهِ
قال طريف بن تَميم العنبري :
( تَقولُ إذَا اسْتَهْلَكْتُ مَالاً للذَّةٍ ... فُكَيهَةُ هَشَّيءٌ بِكَفيكَ لاَئْقِ )
يُريدُ : ( هَلْ شَيءٌ ) فأَدغمَ اللامَ في الشين
وقرأَ أَبو عمرو : هَثُّوِبَ الكُفَّارُ فأَدغمَ اللامَ في الثاءِ وقُرِىءَ : ( بَتؤَّثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ) فأَدغمَ اللامَ في التاءِ
قَالَ سيبويه : وإدغامُ اللامِ في النونِ أَقبحُ مِنْ جميعِ هذهِ

الحروفِ لأَنَّها تُدغمُ في اللاّمِ كما تدغمُ في الياءِ والواوِ والراَّءِ والميمِ فَلَم يجسروا أَنْ يخرجوها مِنْ هذِه الحروفِ التي شَاركتَها في إدغامِ النّونِ وصارتْ كأَحدِها في ذلك
الإِدغامُ في حروف طرف اللسانِ والثنايا
الدالُ معَ الطاءِ :
اضْبِطُّلامَه يريدُ : اضْبِطْ دُلامَه تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ علَى حالِه فلا تُذهبْهُ لأَنَّ الدَّالَ ليسَ فيها إطباقٌ وبعضُ العرب يُذهبُ الإِطباقَ حتَى يجعلَها كالدَّالِ سواءً والدالُ في الظاءِ وذلكَ قولكَ : أفْقُدْ ظَالِماً
الطاءُ مع التاءِ :
تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ بحالِه وذهابُ الإِطباقُ معَ الدالِ أَمثلُ لأَنَّ الدالَ

مجهورةٌ والتاء مهموسةٌ وكُلٌّ عربيٌّ وذلكَ : أُنْقُتَّوْأَماً تُدغمُ وكذلكَ التاءُ في الطاءِ وذلكَ قولُكَ : انْعَطَّالِبَاً وهذَا لا يُجحفُ فيهِ بالإِطباقِ
التاءُ معَ الدَّالِ :
كُلُّ واحِدةٍ منهما تُدغمُ في صاحبتِها إلاَّ أَنَّ إدغامَ التاءِ في الدالِ أَحسنُ لأَنَّ الدّالَ مجهورةٌ والأَحسنُ إدغامُ الناقِص في الزائِد وذلكَ قولُكَ : انْعَدُّلاماً وانقُتِّلْكَ فتُدغِمُ ولو بينتَ فقلتَ : اضْبِطْ دُلاَماً واضْبِطْ تِلْكَ وانْعَتْ دُلاَماً لجازَ وهوَ يثقلُ الكلامُ بهِ

بَابُ الصادِ والزاي والسينِ
الصادُ مَعَ السينِ :
( افْحَسَّالِماً ) تدغمُ فتصيرُ سيناً وتدعُ الإِطباقَ لأَنَّها مهموسَةٌ مثلُها وإنْ شِئتَ أَذهبتَهُ وإذهابُ الإِطباقِ معَ السينِ أَمثلُ مِنْ إذهابِ الإِطباقِ إذَا أدغمتَ الطاءَ وتُدغمُ السينَ في الصادِ وذلكَ احْبِصَّابِراً
الزاي معَ الصادِ :
وتدغمُ الزاي في الصادِ وذلكَ : أَوْجِصَّابراً
الزاي والسينُ :
احْبِزَّرَدَةَ تدغمُ وكذلكَ الزاي في السينِ وَرُسَّلَمةَ تدغمُ

بَابُ الظاءِ والذالِ والثاءِ
الظاءُ مَع الذالِ :
احْفَذّلِكَ تُدغمُ وتدعُ الإِطباقَ وإن شِئْتَ أَذهبته لأَنَّها مجهورةٌ مثلُها وتُدْغمُ الذّالَ في الظاءِ نحو : خُظَّالِماً
الثاءُ معَ الظاءِ :
ابْعَظَّالماً تُدْغِمُ
الذّالُ معَ الثاءِ :
تُدْغَمُ كُلُّ واحدةٍ منهما في صاحبتِها وذلكَ : خُثَّابِتاً وابْعَذّلِكَ والبيانُ فيهنَّ أَمثلُ منهُ في الصادِ والسينِ والزاي
إدغامُ مخرجٍ في مخرجٍ يقاربهُ
الطاءُ والدالُ والتاءُ يُدغمنَ كلهنَّ في الصادِ والزاي والسِّينٍ لقربِ المخرجينِ وذلكَ : ذَهَبسَّلْمَى وَقَسَّمِعَتْ فتُدغِمُ واضْبِزَّرَدَةَ فَتُدغم

وَانْعَصَّابِراً وقرأَ بعضهمُ : ( لاَ يَسَّمَّعُونَ ) . يريدُ : لا يَتَسمَّعونَ والبيانُ عربيٌّ حَسنٌ
وكذلكَ : الظاءُ والذالُ والثاءُ تُدغمُ في الصادِ وأختيها وذَلكَ قولُكَ : ابْعَسَّلَمةَ واحفسَّلَمَةَ وخُصَّابِراً واحفَزَّرَدَةَ سمعناهم يقولونَ : مُزَّمان فيدغمونَ الذّال في الزاي ومُسَّاعة فيُدغمونها في السينِ والبيانُ فيها أَمثلُ منهُ في الظاءِ وأُختيها
والظاءُ والثاءُ والذالُ أخواتُ
الطاءُ والتاءُ والدالُ لا يمتنعُ بعضهُنَّ مِن بعضٍ في الإِدغام وذلكَ أهْبِظَّالِماً وابْعِذَّلِكَ وانْعَثَّابِتاً واحْفَطَّالِباً وَخُدَّاوُدَ وابْعَتَّلِكَ وحجتهُ قولهم : ثلاثُ دراهم تُدغمُ الثاءُ في التاءِ التي هيِ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ التي في الدارهمِ وقالوا : حَدَّتّهُم فجعلوهَا تاءً والبيانُ فيهِ جيدٌ فأَمَّا الصادُ والسينُ والزايُ فلا تدغمهنَ في هذه الحروفِ لأنَّهنَ حروفُ الصفير وهُنَّ أَندى في السمعِ فامتنعتْ كما امتنعتِ الراءُ أَنْ تدغَم في اللامِ وتدغمُ الطاءُ والدالُ والتاءُ في الضادِ وذلكَ اضْبِضَّرَمَةَ وانقضَّرَمَةَ وانْعِضَّرَمَةَ
قالَ سيبويه : وسَمعنا مَنْ يوثقُ بعربيتهِ قالَ : ثَارَ فَضَجَّضَّجَّةً رَكائِبهْ فأَدغَم التاءَ في الضادِ
والظاءُ والثاءُ والذالُ يدغمنَ في الضادِ وذلكَ : احْفَضّرَمَةَ

وخُضَّرَمَةَ وابْعَضَّرَمَةَ ولا تُدغمُ الضادُ في الصادِ والسينِ والزايِ لإستطالةِ الضّادِ كما امتنعتِ الشينُ وهيَ قريبةٌ مِنها ولا تُدغمُ الصادُ وأُختاها في الضادِ فالضادُ لا تُدغمُ فيما تدغمُ فيها والبيانُ عربيٌّ جَيّدٌ وتدغُم الطاءُ والتاءُ والدالُ في الشينِ لإستطالتِها حينَ اتصلتْ بمخرجِها وذلكَ : اضْبشَّبَثاً وَانْقُشَّبَتاً والإِدغامُ في الضادِ أَقوى وتُدغمُ الظاءُ والذالُ والثاءُ في الشينِ لأَنَّهم أنزلوها منزلَة الضادِ وذلكَ قولُكَ : احْفَشَّنباءً وابْعَشَّنْباءَ وخُشَّنباءَ والبيانُ عربيٌّ جيّدٌ وهو أَجودُ منهُ في الضادِ
واعلَم : أَنَّ جَميعَ ما أَدغمتَهُ وهُوَ ساكنٌ يجوزُ لكَ فيهِ الإِدغامُ إذَا كانَ متحركاً كما تفعلُ ذلكَ في المثلينِ وحالهُ فيمَا يحسنُ فيهِ ويقبحُ الإِدغامُ ومَا يكونُ فيهِ حَسَنٌ وما كانَ خَفياً وهو بزنتهِ متحركاً قَبلَ أَنْ يخفى كحالِ المثلينِ وإذَا كانتْ هذهِ الحروفُ المتقاربةُ في حرفٍ واحدٍ ولَم يكنِ الحرفانِ منفصلين ازدَاد ثُقلاً واعتلالاً كمَا كانَ المثلان إذَا لم يكونا منفصلين أَثقل لأَنَّ الحرفَ لا يفارقهُ ما يستثقلونَ فَمِنْ ذلكَ قولُهم في ( مُثْتَرِدٍ ) : مُثَّرِدٍ وقَدْ ذُكِرَ بابُ ( افْتَعَلَّ ) في التصريفِ وما يُدغمُ منهُ وما يُبدلُ ولا يُدغمُ
ذِكرُ ما امتنَع مِنَ الحروفِ المتقاربةِ :
وهيَ تجيءُ علَى ضربينِ : منها ما يُدغمُ في مقاربهِ ولا يُدغمُ مقاربهُ فيهِ ومنها ما لا يدغمُ في مقاربهِ ويدغمُ مقاربهُ فيهِ

فالحروفُ التي تُدغمُ فيما قاربَها ولا يُدغمُ فيها مقاربُها : الهمزةُ والألفُ والواوُ لا تدغمُ وإنْ كانَ قبلَها فتحةٌ في شيءٍ من المقاربةِ وكذلكَ الواوُ لو كانتْ معَ هذهِ الياءِ التي ما قبلهَا مفتوحٌ مَا هُوَ مثلُها سواءٌ لأدغمتَها ولم تستطعْ إلاّ ذلكَ وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضمةٌ والياءُ قبلَها كسرةٌ فهوَ أَبعدُ للإِدغامِ
الحروفُ التي لا تُدغمُ في المقاربة فيها : الميمُ والراءُ والفاءُ والشينُ
فالميمُ لا تُدغمُ في الباءِ لأَنَّهم يقلبونَ النونَ ميماً في قولهِم : العنبَرُ ومَنْ بِكَ وأَمَّا إدغامُ الباءِ في الميمِ فنحو : اصحَمَّطَراً تريدُ : اصْحَبْ مَطراً
والفاءُ لا تُدغمُ في الباءِ والباءُ تدغمُ فيها وذلكَ : اذْهَفَّي ذَلكَ
والرّاءُ لا تُدغمُ في اللامِ ولا في النونِ لأَنَّها مكررةٌ وتُدغمُ اللامُ والنونُ في الراءِ
والشِّينُ لا تُدغمُ في الجيمِ وتُدغمُ الجيمُ فيها
وجملةُ هَذا أنَّ حَقَّ الناقصِ أَنْ يُدغمَ في الزَّائدِ وحَقُّ الزائدِ أَنْ لا يُدغم َ في الناقصِ وأَصلُ الإِدغامِ في حروفِ الفمِ واللسانِ وحروفِ الحلقِ وحروفُ الشَّفةِ أَبعدُ مِنَ الإِدغامِ فَما أُدغمَ من الجميعِ فلمقاربةِ حروفِ الفَمِ واللسانِ

هَذا بابُ
الحرفِ الذي يُضارعُ بهِ حرفٌ من موضعهِ والحرف الذي يُضارعُ بهِ ذلكَ الحرفُ وليس مِنْ موضعهِ فأَمَّا الذي يُضارعُ بهِ الحرفُ الذي مِنْ مخرجهِ فالصادُ الساكنةُ إذا كانَ بعدَها الدالُ نحو : مَصْدَرٍ وأَصدَر والتقديرُ فما لم يمكن أَنْ يُعَلَّ ضارعوا بها أَشبهَ الحروفِ بالدالِ مِنْ مَوضعهِ وهيَ الزايُ
قالَ سيبويه : وسمعْنا الفصحاءَ يجعلونَها زاياً خالصةً وذلكَ قولُكَ في التَّصدير : التَّزديرُ وفي الفَصدِ : الفَزْدُ وفي أَصدرتُ : أَزدرتُ ولم يجسروا علَى إبدالِ الدالِ لأَنَّها ليستْ بزائدةٍ كالتاءِ في ( افتعلَ ) فإنْ تحركتِ الصادُ لم تُبْدل لأَنَّهُ قَدْ وقعَ بينَهما شيءٌ ولكنَّهم قَدْ يضارعونَ بهَا نحو صَادِ ( صدَقتُ ) والبَيانُ أَحْسَنُ فرُبّما ضارعوا بها وهيَ بعيدةٌ نحو : مَصادر والصِّرَاط لأَنَّ الطَاء كالدال والمضارعةُ هُنَا وإنْ بعدتْ كما قالوا : صَوِيقٌ ومَصَاليق فأَبدلوا السينَ صَاداً
والبيانُ هُنا أَحسنُ

فإنْ كَانَ موضعُ الصادِ سيناً ساكنةً أُبدلَت فقلتَ في التَّسدير : : التَّزديرُ وفي يُسدلُ ثَوبَهُ : يُزدلُ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ليسَ فِيها إطباقٌ يذهبُ والبيانُ فيها أَحسنُ وأَمّا الحرفُ الذي ليسَ من موضعهِ فالشينُ وذلكَ أَشْدَقُ فتضارعُ بهَا الزايَ والبيانُ أكثرُ وهذا عربيٌّ كثيرٌ والجيمُ أَيضاً يقولونَ في ( الأَجدر ) أَشدرُ ولا يجوزُ أَن يجعلَها زاياً خالصةً ولا الشينُ لأَنَّهما ليستا من مخرجِهما وقد قَالوا : اجدمعوا في اجتمعوا واجدَرَؤوا يريدونَ : اجتَرؤوا

هذاَ بَابُ ما يقلبُ فيهِ السينُ صاداً في بعضِ اللغَاتِ
تقلبُها القافُ إذا كانتْ بعدهَا في كلمةٍ واحدةٍ نحو صُقْتُ وَصَبَقْتُ والصَّمْلَقُ ولم يبالوا ما بينَ السينِ والقافِ مِنَ الحواجزِ وكذلكَ الغينُ والخاءُ يقولونَ ( صَالغُ ) في ( سَالغٍ ) وصَلَخ في ( سَلَخ ) فإنْ قلتَ : زَقَا وَزَلَقَ لم تغيرها لأَنَّها حرفُ مجهورٌ وإنَّما يقول : هذَا مِنَ العربِ بنو العنبرِ وقَالوا : صَاطعٌ في ( سَاطعٍ ) ولا يجوزُ في ذُقْتُها أن تجعلَ الذالَ ظاءً وأَمَّا الثاءُ والتاءُ فليسَ يكونُ في موضعهما هذا

هَذا بَابُ ما كانَ شَاذاً : مِمّا خَفَّفُوا على أَلسنِتِهم ولَيس بمطردٍ
فَمِنْ ذلكَ ( ستٌّ ) وأَصلُها ( سِدْسٌ ) أُبدلَ مِنَ السينِ تَاءً ثُمَّ أُدغمَ ومِنْ ذلكَ قولُهم : وَدٌّ إنما أَصلُهُ : وَتِدٌ وهيَ الحجازيةُ الجيدةُ ولكنَّ بني تميمٍ أسكَنُوا التاءَ فأَدغموا ولم يكنْ مطرداً لِمَا ذكرتُ مِنَ الإلتباسِ حتَّى تَجشموا : وَطْداً وَوَتْداً وكانَ الأَجودُ عندَهم : تِدَةٌ وطِدَةٌ وممّا بينُوا فيهِ ( عِتْدَانٌ ) وقَد قالوا : ( عِدّانٌ ) شبهوهُ ( بَوَدٍّ ) وقلما تقعُ التاءُ في كلامِهم ساكنةً في كلمةٍ قبلَ الدالِ
ومِنَ الشاذِّ : أَحَسْتُ وَمَسْتُ وَظَلْتُ فحذفُوا كمَا حذفوا التاءَ مِنْ قولِهم : يستطيعُ استثقلوا التاءَ مع الطاءِ وكرهوا أَنْ يدغموا التاءَ في الطاءِ فتُحركُ السينُ وهيَ لا تحركُ أَبداً ومَنْ قالَ : يسطيعُ فإنَّما زَادَ السينَ عَلَى ( أَطاعَ يُطِيعُ )
ومِنَ الشاذِّ : قولُهم : تَقَيْتُ يَتَقى ويَتسَعُ حذفُوا الفاءَ

لأَنَّ التاءَ تبقى متحركةً ومَنْ قالَ تَتقى يقدرُ أنَّهُ مخففٌ من اتّقَى ومَنْ قَالَ : تقى مثلُ تَرى يبدلُ التاءَ مِنَ الواوِ وقَالَ بعضُ العربِ : اسْتَخَذَ فلانُ أرضاً يريدُ : اتَّخذَ أَبدلوا السينَ مكانَ التاءِ كما أُبدلتِ التاءُ مكانَها في ( سِتٍّ ) ومثلُ ذلك قولُ بعض العربِ : اطَّجَعَ في اضْطَجَعَ كراهيةَ التقاءِ المُطبقينِ فأَبدلَ مكانَها أقربَ الحروفِ مِنها وفي ( اسْتَتْخَذَ ) قولٌ آخرُ أَنْ يكونَ ( استفعلَ ) فحذفَ التاءَ للتضعيفِ مِن ( اسْتَتْخَذَ ) كما حَذَفُوا ( لاَم ) ظَلْتُ
وقَالَ بعضهم : ( يَستيعُ ) في يستطيعُ فإنْ شِئْتَ قلتَ : حَذَفَ الطاءَ كمَا حذفَ لامَ ( ظَلْتُ ) وتركوا الزيادةَ كما تركوا في ( تُقَيتُ ) وإنْ شِئْتَ قلتَ : أبدلوا التاءَ مكانَ الطاءِ ليكونَ ما بعدَ السين مهموساً مِثْلَها كمَا قالوا : ازْدانَ ليكونَ ما بعدَهُ مجهوراً فأَبدلوا مِنْ موضِعها أشبهَ الحروفِ بالسينِ فأبدلوها مكانَها كما تبدلُ هيَ مكانَها في الإِطباق
ومِنَ الشاذِّ قولُهم في بني العنبر وبني الحارث : بلحرثُ وبِلعنبرُ فحذفتِ النونُ وكذلكَ يفعلونَ بكُلِّ قبيلةٍ تظهرُ فيها لاَم المعرفةِ فإذَا لم تظهرِ اللامُ فَلا يكونُ ذلكَ لأَنَّها لمّا كانتْ مِمّا كَثُرَ في كلامِهم وكانتِ اللامُ والنونُ قريبتي المَخارجِ حذفوها وشبهوها ( بِمَسْتُ ) لأنَّهما حرفانِ متقاربانِ ولم يَصِلُوا إلى الإِدغامِ كَما لم يصلوا في ( مَسِسْتُ ) لسكونِ اللامِ وهذَا أَبعدُ لأَنَّهُ اجتمعَ فيهِ أَنَّهُ منفصلٌ

وأَنَّهُ ساكنٌ لا يتصرفُ تَصرفَ الفعلِ حينَ تدركهُ الحركةُ ومثلُ هَذا قولُ بعضِهم : عَلْمَاءِ بنو فلانٍ فحذفوا اللامَ وَهُوَ يريدُ : عَلَى الماءِ بنو فلانٍ وهيَ عربيةٌ

بَابُ ضرورةِ الشَّاعرِ
ضرورةُ الشاعرِ أَن يُضطرَّ الوزنُ إلى حذفٍ أَو زيادةٍ أَو تقديمٍ أَوْ تَأْخيرٍ في غير موضعهِ وأبدالِ حرفٍ أَو تغييرِ إعرابٍ عَنْ وجههِ علَى التأويلِ أَو تأنيثِ مُذكرٍ علَى التأويلِ وليسَ للشاعِر أَنْ يحذفَ ما اتفقَ لَهُ ولا أَنْ يزيدَ ما شَاءَ بَلْ لذلكَ أُصولٌ يعملُ عليها فمنها ما يحسنُ أَنْ يستعملَ ويُقاس عَليهِ ومنها ما جاءَ كالشاذِّ ولكنَّ الشاعرَ إذَا فَعَلَ ذلكَ فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ قَدْ ضارعَ شيئاً بِشيءٍ ولكنَّ التشبيهَ يخلتفُ فمنهُ قَريبٌ ومنهُ بَعيدٌ
ذِكرُ الذي يحسنُ مِنْ ذلكَ ويقاسُ عَليهِ
اعلَمْ : أَنَّ أَحسنَ ذلكَ ما رُدَّ فيهِ الكلامُ إلى أَصلِه وهوَ في جميعِ ذلك لا يخلُو مِنْ زيادةٍ أَو حذفٍ فالزيادةُ صَرفُ ما لا ينصرفُ وإظهارُ التضعيفِ وتصحيحُ المعتلِّ ويتبعهُ في الحُسنِ تحريكُ الساكنِ في القافيةِ بحركةِ ما قَبلهُ فإنْ كانَ في حشوِ البيتِ فهو عندي أَبعدُ وقطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البُيوتِ
وأَمَّا الحذفُ : فَقَصْرُ الممدودِ وتخفيفِ المشدد

في القوافي فَأَمَّا ما لا يجوزُ للشاعرِ في ضرورتِهِ فَلا يجوزُ لَهُ أَنْ يلحنَ لتسويةِ قافيةٍ ولاَ لإِقامةِ وزنٍ بأَنْ يُحركَ مجزوماً أَوْ يسكنَ معرباً وليسَ لَهُ أَنْ يُخرجَ شيئاً عَنْ لفظِه إلاَّ أَنْ يكونَ يخرجهُ إلى أَصلٍ قَد كانَ لَهُ فيردهُ إليهِ لأَنَّهُ كانَ حقيقُتُه وإنَّما أَخرجَهُ عن قياسٍ لزمَهُ أَو اطرادٍ استمرَّ بهِ أَو استخفافٍ لِعلّةٍ واقعةٍ
الأَولُ مِنَ الضربِ : الأول
وهوَ صرفُ ما لا ينصرفُ للشاعرِ أَنْ يصرفَ في الشِّعرِ جميعَ ما لا ينصرفُ وذلكَ أَنَّ أَصلَ الأسماءِ كلِّها الصرفُ وذلكَ قولُهم في الشعرِ : مَررتُ بأَحمرٍ ورأيتُ أَحمراً ومررتُ بمساجدٍ يا فَتى كما قَالَ النابغة :
( فَلْتَاْتِيَنْكَ قَصائدٌ وَلْيَرْكَبنْ ... جَيْشٌ إليكَ قوادمَ الأَكوَارِ )

فقالَ قومٌ : كُلُّ شَيءٍ مما لا ينصرفُ مصروفٌ في الشعرِ إلاَّ أَفعلَ ( الذي معهُ مِنْ كذَا نحو : هَذا أَفعلُ مِنكَ ورأيتُ أَكرمَ مِنْكَ وذهبوا إلى أَنَّ ( مِنْكَ ) يقومُ مقامَ المضافِ إليهِ وهذَا مِنْهم خَطأٌ وإنَّما مُنعَ الصرفُ لأَنَّهُ ( أَفعلُ ) وتَمَّ ( بِمنْكَ ) نعتاً فَصارَ كأَحمَر أَلاَ ترىَ أَنَّكَ تقولُ : مررتُ بخير منكَ وشرٍّ مِنْكَ فمنكَ على حالِها وصرفتَ خيراً وشراً ) لأَنَّه قد نَقصَ عَنْ وزنِ ( أَفعلَ ) وقال قومٌ : يجوزُ في الشعرِ تركُ صرفِ ما ينصرفُ
قالَ محمد بن يزيد : وهذَا خَطأٌ عظيمٌ لأَنَّهُ ليسَ بأَصلٍ للأسماءِ أن لا تنصرفَ فتردٌّ ذلكَ إلى أَصلهِ قالَ : ومِمّا يحتجونَ بهِ قولُ العباسِ بن مرداس :
( أَتجْعَلُ نهبي ونَهبَ العُبيدِ بَيْنَ عُيَينَةَ والأَقرعِ ... )
( وما كانَ حِصْنٌ ولاَ حَابسٌ ... يًفُوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ )

وإنَّما الروايةُ الصحيحةُ ( يفوقانِ شيخيَ في مَجْمَعِ ) ومِنْ ذلكَ روايتهُم في هذَا البيت لذي الأصبعِ العدواني :
( ومَمِنْ وَلَدوا عَامرُ ذو الطُّولِ وذو العَرْضِ ... )
وإنَّمَا عامرُ اسمُ قبيلةٍ فيحتجونَ بقولِهِ ( وذو الطولِ ) ولم يقلْ ( ذَاتِ ) فإنَّما ردَّهُ للضرورةِ إلى ( الحَيِّ ) كَما قَالَ :
( قَامتْ تُبَكيّهِ عَلَى قَبْرِهِ ... مَنْ لِي مِنْ بَعدِكَ يَا عَامرُ )
( تَرَكْتَنِي في الدَّارِ ذَا غُربَةٍ ... قَدْ ذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصرُ )

فإنَّما أرادَ للضرورة إنساناً ذا غربةٍ فهذَا نظيرُ ذلكَ وهذَا الذي ذكرَ أبو العباس كمَا قالَ : إنَّهُ القياسُ أَنْ يُردَّ للضرورةِ الشيءُ إلى أَصلِه ولكنْ لو صحتِ الرواية في تَركِ صرفِ ما ينصرفُ في الشعر لما كانَ حذفُ التنوينِ بأَبعدَ من حذفِ الواوِ في قوله : فَبنَياهُ يَشْرِي رَحلَهُ . . لأَنَّ التنوينَ زَائدٌ ولأَنَّه قد يحذفُ في الوقفِ والواوُ في ( هُوَ ) غيرُ زائدةٍ فلا يجوزُ حذفُها في الوقفِ كلاهُما رَديءٌ حذفُهما في القياسِ
قالَ أَبو العباس : فأَمَّا قَولُ ابن الرقياتِ :
( ومَصْعَبُ حينَ جَدَّ الأمرُ أَكثرُها وأَطَيبُها ... )
فزعَم الأصمعي : أَنَّ ابنَ الرقياتِ ليس بحجةٍ وأنَّ الحضريةَ أَفسدتْ عَلَيْه لغتَهُ قالَ : ومَنْ روى هذَا الشعرَ مِمَّنْ يفهمُ الإِعرابَ ويتبعُ الصوابَ ينشدُ :

( وأَنتمُ حينَ جَدَّ الأمرُ أكثرُها وأطيبُها ... )
قالَ : ومِنَ الشعراءِ الموثوقِ بهم في لغاتِهم كثيرٌ مِمَّنْ قد أَخطأَ لأَنَّهُ وإنْ كانَ فصيحاً فَقَدْ يجوزْ عليهِ الوهلُ والزللُ مِنْ ذلكَ قولُ ذي الرّمةِ :
( وقَفْنَا فقلنا إيهِ عَنْ أُم سَالمٍ ... ومَا بالُ تكليمِ الدّيارِ البلاقعِ )
وهذَا لا يعرفُ إلاّ منوناً في شيءٍ من اللُغاتِ وقَولُه :
( حَتَى إذَا دَوَمتْ في الأرضِ رَاجَعهُ ... كِبْرٌ وَلَو شَاءَ نَجّى نَفْسَهُ الهَرَبُ )
إنَّما يقالُ : دَوّى في الأرضِ ودَوّمَ في السَّماءِ كمَا قالَ :
( والشَّمْسُ حَيْرَى لَها في الجَوِّ تدويمُ ... )

فأمَّا ما يضطرُ إليه الشاعرُ ممنْ ينونُ الإسمَ المفردَ في النداءِ فَقد ذكرناهُ في النداءِ
الثاني مِنَ الضربِ الأَولِ :
وَهوَ إظهارُ التضعيفِ وَهوَ زيادةُ حركةٍ إلاَّ أَنَّها حركةٌ مقدرةٌ في الأصلِ يجوزُ في الشعرِ ولا يجوزُ في غيرِه تضعيفُ المدغمِ فيقولُ في ( رَدَّ ) : رَدَدَ لأَنَّهُ الأَصلُ ويقولُ في ( رَادٍّ ) : هذَا رَادِدٌ وفي ( أَصمّ ) أَصمم فاعلم
قالَ مَعْنَبُ بن أُم صَاحبٍ :
( مَهْلاً أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِن خُلُقي ... أَني أَجُودُ لأَقْوَامٍ وإنْ ضَنِنُوا )
يريدُ : ضنّوا وقال : آخرُ :

( الحَمْدُ للهِ العَليِّ الأَجْلَلِ ... )
يريدُ : الأَجَلِّ
وقالَ أبو العباس في قولِهم :
( قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ أَلْبُبِهْ ... )
يريدُ : بناتِ أَعقلِ هذَا الحي
وقال : ولا أُجيزُ هَذَا إلاَّ في الشعر كقولِكَ : ( ضَنِنُوا )
فأَمَّا في الكلامِ فلاَ يجوزُ إلاّ بَناتُ أَلبَّهْ
الثالثُ مِنَ الضربِ الأول :
وهوَ تصحيحُ المعتلِّ يجوزُ في الشعرِ وَلا يصلحُ في الكلامِ تحريكُ الياءاتِ المعتلةِ في الرفعِ والجرِّ للضرورة نحو قولِكَ في الشِّعر : هَذا قاضيٌ ومررتُ بقَاضيٍ لأَنَّهُ الأصلُ مِنْ ذلكَ قولُ ابن الرقياتِ :
( لاَ بَاركَ اللَّهُ في الغَوَانيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إِلاّ لَهُنَّ مُطَّلَبُ )

وقال جرير :
( فَيِوماً يُجَازينَ الهَوى غَيْرَ مَاضِيٍ ... ويَوماً ترَى مِنْهنَّ غُوْلاً تَغَوَّلُ )
فهذِه الياءُ حكمُها على هَذا الشَرطِ أَن تفتحَ في موضعِ الجَرِّ إِذَا وقعتْ في اسم لا يَنصرفُ كما ترفعُ في موضِع الرفعِ فإِنْ اضطرَّ شَاعِرٌ إلى صَرفِ ما لا ينصرفُ حرّكها في موضعِ الجَر بالكسرِ ونَوَّنَها كما يَفعلُ في غيرِ المعتلِّ فأَجراها في جميعِ الأشياءِ مَجرى غير المعتلِّ وكذلكَ حكمُها في الأَفعالِ أَنْ ترفعَ في الياءِ والواوِ فتقولُ : زيدٌ يرميُكَ ويغزُوكَ كَما قالَ :
( أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ )

هَذا جَزَمهُ مِنْ قولِه : ( هُوَ يَأَتيُكَ ) وأَمَّا الأَسماءُ فقولُه :
( قَدْ عَجِبَتْ مِني ومِنْ يُعَيْلِيَا ... لمَّا رأَتنْي خَلَقَاً مُقْلَوْلِياَ )
ففتحَ ( يُعيلى ) لأَنَّهُ لا ينصرفُ ولم يلحقهُ التنوينَ لأَنَّهُ جعلَهُ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ومثلُ ذلكَ قولُه :
( أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ فَاخِرَاتٍ ... بِهنَّ ملُوَّبٌ كَدَمِ العِبَاطِ )
فَهذَا لو أسكنَ فَقالَ : مَعَارٍ فَاخراتٍ لَمْ ينكسرِ الشعرُ ولكنْ فَرَّ مِنَ الزحافِ ومثلُ ذلكَ :

( فَلَو كانَ عبدُ اللهِ مَوْلىً هَجَوتُهُ ... ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوَاليا )
وأمَّا قولُ القائلِ :
( سَمَاءُ الإِلهِ فَوقَ سَبعٍ سَمَائِيَاَ . . ... . )
ففيهِ ثلاثةُ أشياءٍ
مِنْها أَنَّهُ جمَع ( سَماءً ) علَى ( فَعَائل ) كَما تجمعُ سحابةٌ علَى سَحائب وكانَ حَقُّ ذلكَ أَنْ يقولَ : سَمَايا فَبَلَغَ بِهِ الأَصل فقالَ : سَمَاءٌ ثم فَتَحَ فَجَعَلَهُ بمنزلةِ الصحيحِ
فقالَ سَمَايَ يا فَتى في موضعِ الجرِّ كما تقولُ سمعتُ برسَائلَ يا فَتى فردَّ ( سَمَايَا ) إلى الأصلِ مِنْ جهات رَدِّ الألفِ التي هيِ طرفٌ ( سَمَايَا ) إلى الياءِ فصارتْ ( سَمَايَ ) ثُمَّ رَدَّ الياءَ الأولى التي تلي الألفَ إلى الهمزةِ فصارتْ ( سَمَايَ ) ثُمَّ أَعربَ الياءَ إعرابَ الصحيحِ فلَمْ يصرفْ والياءُ في مثلِ هَذا الجمع يلحقُها التنوينُ فيقولُ : هؤلاءِ جَوارٍ فاعلَمْ ومررتُ بجوارٍ فاعلَم
ورأيتُ جَواريَ يا هَذا
الرابعُ : مِنَ الضربِ الأَولِ :
مِنَ الزيادةِ وهوَ قطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البيوتِ يجوزُ ابتداءُ

الأَنصافِ بأَلفِ الوصلِ لأّنَّ التقديرَ الوقفُ علَى الأنصافِ التي هيَ الصدور ثُمَّ تستأنفُ ما بعدَها فَمِنْ ذلكَ قولُ لَبيدٍ :
( ولاَ يبادرُ في الشِّتَاءِ ولِيدُنا ... أَلقْدَرَ يُنزلُها بِغَيْرِ جِعَالِ )
وقالَ :
( أَو مُذْهَبٌ جُدَدٌ علَى أَلْوَاحِهِ ... أَلنَّاطِقُ المَزْبُورُ والمَخْتُومُ )
وقالَ :
( لا نَسَبَ اليومَ وَلاَ خُلَّةً ... إتَّسَعَ الخَرْقُ علَى الراقِعِ )

ويقبحُ أَنْ يُقَطعَ أَلفُ الوصلِ في حشوِ البيتِ ورُبّما جَاء في الشعرِ وهوَ رَديءٌ
الضربُ الثاني : مِمّا يستحسنُ للشاعرِ إِذَا اضطر أَنْ يحذفَهُ :
الحذفُ نوعان :
الأولُ : قَصْرُ الممدودِ لأَنَّ المدَّ زيادةٌ فإذا اضطر الشاعرُ فقصرَ فَقَدْ رُدَّ الكلامَ إلى أصله وليسَ له أَن يمدَّ المقصورَ كما لم يكنْ لَهُ أَن لا يصرفَ ما ينصرفُ لأَنَّهُ لو فعلَ ذلكَ لأَخرجَ الأَصلَ إلى الفرعِ والأُصولُ ينبغي أَن تكونَ أَغلبَ مِنَ الفروعِ وهوَ في الشعرِ كثيرٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يمُدَّ المقصور

الثاني : تخفيفُ المشددِ في القوافي :
يجوزُ تخفيفُ كُل مشددٍ في قافيةٍ لأَنَّ الذي بقيَ يدلُّ علَى أَنَّهُ قد حُذِفَ منهُ مثلُه لأَنَّ المشدد حرفانِ وإِنّما اقتطعتْهُ القافيةُ لأَنَّ الوزنَ قد تَمَّ فَمنْ ذلكَ قولُه :
( أَصَحَوْتُ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ ... )
ومثله :
( حتَّى إذَا ما لم أَجدْ غَيرَ الشَّرِي ... كُنْتُ امرأً مِنْ مَالِك بِن جَعْفَرِ )
لا بُدَّ مِنْ تخفيفِ ياءِ الشرى ومثلُ هَذا :
( قَتَلْتُ عِلباءً وهندَ الجَمَلي ... وابناً لصُوحانَ علَى دِيْنِ عَلَي )

وقَدْ ذكَرنا في القوافي ما يجوزُ تحريكُ الساكنِ فيه للقافيةِ فَما يجوزُ في الشعرِ ولا يكونُ في غيرهِ فمنه أَنْ يكونَ الإسمُ على ثلاثةِ أَحرفٍ مسكنِ الأَوسطِ فتحركهُ بالحركةِ التي للحرفِ الأَولِ وذلكَ أَنْ يكونَ علَى ( فِعْلٍ ) أَو ( فَعْلٍ ) أو ( فُعْلٍ ) فتحركُ للضرورة
قالَ زهير :
( ثُمَّ اسْتَمرُّوا وقالوا : إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشَرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أو رَكَكُ )
وإنّما اسمُ الموضعِ ( رَكَّ ) ومثلُ ذلك قول رؤبة :
( هاجَكَ مِنْ أرْوَى كمنهاضِ الفَكَكْ ... )
وإنّما هوَ ( الفَكُّ ) يقالُ : فَكَّهُ يفكهُ فكّاً وقالَ آخَرُ :
( يَلْعَجُ الجِلَدَا . . ... . )
يريد الجِلْدَ فحركَ اللامَ لإِتباعِ ما قبلَها وقَد فَعَل رؤبةُ ما هو أَشدٌّ مِنْ هَذا قالَ :

( وَلَمْ يضِعْهَا بينَ فِرْكٍ وعَشَقْ ... )
يريدُ : عِشْقٌ فكانَ حكمُ هَذا في الضرورةِ أَنْ يقولَ : عِشْقٌ ولكنَّهُ كَره الجمعَ بينَ كسرتينِ لأَنَّ هذَا عَزيزٌ في الأَسماءِ
فلو قالَ : ( الجلَدُ ) كما قالَ رؤبة لكانَ حسناً كما يفعلونَ بالجمعِ بالتاءِ في غيرِ الضرورةِ فيقولون في المضموم والمكسورِ : ظُلْمةٌ وظُلُماتٌ كِسْرَةٌ وكِسِراتٌ وإنْ شَاءوا فَتحوا لتوالي الكَسراتِ والضَّماتِ
ذِكرُ ما جاءَ كالشاذِّ الذي لا يقاسُ عليهِ :
وهوَ سبعةُ أنواعٍ : زيادةٍ وحذفٍ ووضعِ الكلامِ غيرِ موضعهِ وإبدالِ حرفٍ مكان حرفٍ وتغييرِ وجهِ الإعراب للقافية تشبيهاً بمَا يجوزُ وتأنيثِ المذكرِ على التأويلِ وهوَ زيادةٌ إِلاّ أنّا أفردناها لِمَعناها
الأولُ : الزيادةُ : فَمِنْ ذلكَ أَنْ ينقصَ الوزنُ فيحتاجُ الشاعرُ إِلى تَمامهِ فيشبعُ الحركةَ حتى يصيرَ حرفاً وذلكَ نحو قولِه :
( نَفْيَ الدَراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريْفُ ... )

وقالَ محمد بن يزيد : إِنّما نظر إلى هذه الياءاتِ التي تقعُ في هَذا المكانِ في الجمعِ فإِذَا هيَ تقعُ لعللٍ
إمّا أَنْ تكونَ كانتْ في الواحدِ فرجعتْ في الجمع نحو : مِصْباحٍ ومَصَابيحٍ وقِنديلٍ وقَنَاديلٍ وجُرموقٍ وجَرَاميق وإِمَّا وقعتْ لشيءٍ حذفتهُ مِنُ الإسمِ فجعلتَها عوضاً وذلكَ قولُكَ في ( مُنطلقٍ ) : مَطَالقُ حُذفتِ النونُ لزيادتِها شئتَ قلتَ ( مَطَاليقُ ) فجئتَ بالياءِ عوضاً وذلكَ أنَّ الكسرةَ تلزمُ هذَا الموضعَ فوضعتَ العوضَ مِنْ جنسِ الحركةِ اللازمةِ فلمَّا اضطرَّ أَدخلَ هذِه الياءَ تابعةً للحركةِ وإِنْ لم تكنْ للواحدِ وجعلَ الصورةَ بمنزلةِ ما عُوضَ للكسرةِ منهُ وقَد كانَ يستعملُ هَذا في الكلامِ تشبيعاً للكسرةِ في غيرِ موضعِ العوضِ ولا الضرورةِ وذلكَ قولُكَ : دَانقٌ ثُمَّ تقولُ : دَوانيقُ وتقولُ في جمعِ ( خَاتمٍ ) : خَواتيمُ
الثاني : إجراؤهم الوصلَ كالوقفِ :
مِنْ ذلكَ قولُهم في الشعرِ للضرورةِ في نَصبِ ( سَبْسَبٍ وكَلْكَلٍ ) : رأَيتُ سبسبّاً وكَلْكلاً ولا يجوزُ مثلُ هَذا في الكلامِ إِلاّ أن يقولَ : رأيتُ سَبْسَبَّاً وكَلْكَلاً وإِنَّما جازَ هَذا في الضرورةِ لأَنَّك كنتَ تقولُ في الوقفِ في الرفعِ والجرِّ : هَذا سَبْسَبٌّ ومررتُ بسَبْسَبٍّ فتثقلُ لتدلَّ علَى أَنَّهُ متحركُ الآخرِ في الوصلِ لأَنَّكَ إِذا ثقّلتَ لم يحزْ أَنْ يكونَ الحرفُ الآخرُ

إلاّ متحركاً لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ قلَّما اضطرَ إِليه في الوصلِ أَجراهُ على حالهِ في الوقفِ وكذلكَ فُعلَ بهِ في القوافي المجرورةِ والمرفوعةِ في الوصلِ فَمِنْ ذلكَ قولُه :
( إنْ تَنْجَلِي يَا جُمْلُ أَو تَعْتَلِّي ... أَو تُصْبِحي في الظّاعِنِ المُولَى )
ثُمَّ قالَ :
( ببَازلٍ وِجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ ... )
فثَّقل وقَالَ :
( كأنَّ مَهواهَا على الكَلْكَلِّ ... مَوضعُ كَفَّيِّ رَاهبٍ يُصَلّي )
وقالَ في النصبِ :

( ضَخْمٌ يُحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا . . ... . )
فهذَا أَجراهُ في الوصلِ علَى حدهِ في الوقفِ
الثالث منها : ومِنْ ذلكَ إدخالُ النونِ الخفيفةِ والثقيلةِ في الواجبِ نحو قولهِ :
( رُبَّمَا أَوفيتُ في عَلَمِ ... تَرْفَعَنْ ثَوبي شَمَالاَتُ )

وهذا قديمٌ يقولهُ جذيمةُ الأبرش
الرابعُ منها : ومِنْ ذلكَ إثباتُ الأَلفِ في ( أَنا ) في الوصلِ وإنَّما يثبتُ في الوقفِ روَى الأعشى :
( فكيفَ أَنا وانْتِحَالي القَوافي ... بَعْدَ المشيبِ كَفَى ذَاكَ عَارا )
فأثبتَ الألفَ ووصلَ واحتجَّ النحويونَ بأَنَّ الألفَ منقلبةٌ مِنْ ياءٍ أَوْ وَاوٍ فَردوا ما ذهبَ مِنَ الإسمِ
قالَ أبو العباس : هذَا لا يصلحُ لأَنَّهُ لَو كانَ كما يقولونَ لم تقلبِ الياءُ والواوُ أَلفاً لأَنَّهما لا يكونانِ إلاّ ساكنينِ لأَنَّ هذَا اسمٌ مضمرٌ مبنيُّ فلاَ سبيلَ إلى القلبِ فمنْ هَا هُنا فَسدَ ولِهَذا كانتِ الألفُ في جميعِ الحروفِ التي جاءتْ لمعنىً أَصلاً لأَنَّها غيرُ منقلبةٍ لأَنَّ الحروفَ لا حَقَّ لهَا في الحركةِ وإنَّما هيَ مسكَنةٌ فلا تكونُ أَلِفاتُها منقلبةً وذلكَ : حَتى وأَمّا وإلاَ ومَا أَشبهها هذهِ أَلفاتُها مِنَ الأصلِ غيرُ منقلبةٍ والإسمُ والفعلُ الألفُ فيهما لا تكونُ أصلاً

قالَ أبو العباس : وروايةُ البيتِ :
( فكيفَ يكون انتحالي القوافي بعد المشيب . . ... . )
الثاني : الحذفُ :
الأول : منهُ حذفُ التنوينِ لإلتقاءِ الساكنينِ نحو قولِه :
( فأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ولاَ ذَاكر الله إلاّ قَلِيلاً ... )
وأَقبحُ منهُ حذفُ النونِ . قالَ الشاعرُ :
( فَسْتُ بآتيهِ ولا أَسْتَطيعُهُ ... وَلاَكِ اسقِني إنْ كانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ )

الثاني منه :
أَنْ تحذفَ للإِضافةِ والألفِ واللامِ ما كنتَ تحذفهُ للتنوينِ لأَنَّ هذه الأَشياءَ تتعاقبُ . قالَ الشاعر :
( كَنَواحِ رِيْشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ ... وَمَسَحْتِ باللَّثَتَينِ عَصْفَ الإِثمِدِ )
فحذفَ الياءَ من ( نواحِي ) لمَّا أَضافها إلى ( ريشٍ ) كمَا كانَ يحذفُها معَ التنوينِ وأَما حذفُها مَع الأَلفِ فنحو قولِهِ :

( وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويَصِرنَ أَعداءً بُعَيدَ وِدِادِ )
الثالثُ منه : ما رُخّمَ في غَيرِ نداءٍ :
قالَ زهير :
( خُذوا حظَّكُم يَا آلَ عِكْرِمَ واذْكُرُوا ... أَوَاصرَكمْ والرَّحْمُ بالغَيْبِ تُذْكَرُ )

يريدُ : عِكْرمةَ وقَالَ :
( إنَّ ابنَ حَارثَ إنْ أشتَقْ لرُؤيتهِ ... أَو أَمتَدِحْهُ فإنَّ الناسَ قَد عَلِمُوا )
يريدُ : ابنَ حَارثةَ وهذَا كثيرٌ . وقالَ في قولِه :
( قَواطِنَاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي . . ... . )

إنهُ حذفَ الميمَ التي هيَ لامُ الفعلِ وقلبَ ألفَ الحمامِ ياءً وأَحَسنُ مَا قِيلَ فيهَ إنَّ الشاعرَ لمَّا اضطرَّ حذفَ الأَلفَ مِنَ الحمامِ لأَنَّها مَدةٌ كمَا تحذفُها مِنْ سَائرِ المدودِ فصارَ الحَمِمُ فلزمهُ التضعيفُ فأَبدلَ مِنْ إحدى الميمينِ ياءً كمَا فَعلوُا في ( تَظَنيْتُ )
الرابعُ منهُ أَن تحذفَ مِنَ المكني في الوَصلِ :
كَمَا كنتَ تحذفُه في الوقفِ إلاّ أَنهُ تبقى الحركةُ دَالةً على المحذوفِ فَمِنْ ذلكَ قولُه :
( فإِنْ يَكُ غَثَّاً أَوْ سَميناً فإنني ... سأَجْعَلُ عِينيهِ لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا )
وقالَ :

( ومَا لَهُ مِنْ مَجدٍ تَليدٍ وَلاَ لَهُ ... مِنَ الريحِ فَضْلٌ لاَ الجُنوبِ ولا الصّبَا )
فالواوُ والياءُ في هذا زوائدُ في الوصلِ فحذفها لمّا احتاجَ وأَبعدُ من هذَا قولهُ :
( فبيناهُ يَشْري رَحلَهُ قالَ قَائلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رَخو الملاطِ نَجيبُ )
فإنَّ هذَا حذفَ الواوَ مِنْ هُوَ والمنفصلُ كالظاهرِ تقفُ علَى الواوِ ولا يجوزُ حذفُها فيبقى الإسمُ علَى حرفٍ وَهوَ اسمٌ يجوزُ الإبتداءُ بهِ ولا كلامَ قَبلَهُ ومثلهُ :

( دَارٌ لِسُعْدَى اذهِ مِنْ هَوَاكا . . ... . )
وقَد جَاءَ في الشعرِ حذفُ الياءِ والواوِ الزائدةِ في الوصلِ معَ الحركةِ كمَا هيَ في الوقفِ سَواءٌ قالَ رجَلٌ مِنْ أَزد السراةِ :
( فَظِلتُ لدى البيتِ العَتيقِ أُخليهُ ... ومَطْوايَ مَشتاقانِ لَهُ أَرِقَانِ )
الخامسُ : منهُ حذفُ الفاءِ مِنْ جَوابِ الجزاءِ
وذلكَ قولُ ذي الرمة :
( وإنيّ مَتَى أُشْرِفْ عَلَى الجَانبِ الذي ... بهِ أَنْتِ مِنْ بَينْ الجَوانبِ ناظِرُ )

هُوَ عندَ سيبويه على تقديم الخبرِ نَاظرٌ متى أَشرفُ
وأَجاز أَيضاً أَنْ يكونَ على إضمارِ الفاءِ والذي عندَ أَبي العباس وعندي فيه وفي مثالِه أَنَّهُ على إضمارِ الفاءِ لا غير لأَنَّ الجوابَ في مَوْضِعِهِ فَلا يجوزُ أَنْ تنوي بهِ غيرَ موضعِه إذَ وُجدَ لَهُ تأَويلٌ ومثلُه :
( يا أَقْرَعُ بن حَابسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخوكَ تُصْرَعُ )
فهذاَ على ما ذكرتُ لكَ وكذلكَ قولهُ :
( فَقلتُ تَحَمَّلْ فوقَ طَوقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعةٌ مَنْ يأتِها لا يَضيرُها )
أَرادَ : لا يضيرها مَنْ يأتِها وإنَّك تصرعُ إنْ يصرعْ أَخوكَ عندَ سيبويه وَهْوَ عندنا على إضمارِ الفاءِ
فأَمَّا قولهُ :
( مَنْ يَفعلِ الحَسَناتِ اللُه يشكُرُها ... والشرُّ بالشَّرِّ عند اللِه مِثْلانِ )
فإنّهُ عَلَى إضمارِ الفاءِ في كُلِّ قَولٍ
السادسُ : منهُ ما حُذفَ مِنهُ المنعوتُ وذُكرَ النعتُ :
اعلَم : أَنَّ إقامةَ النعتِ مقامَ المنعوتِ في الكلامِ قبيحُ إلاّ أَنْ يكونَ

نعتاً خاصاً يخصُّ نوعاً مِنَ الأَنواعِ كالعاقِل الذي لا يكونُ إلا في الناسِ والكاتبِ ومَا أَشبهَ ذلكَ مِمّا تقعُ بهِ الفائدةُ ويزولُ اللبسُ فإذَا اضطرَ الشاعرُ فلَهُ أَن يقيمَ الصفةَ مقامَ الموصوفِ و ( الذي ) وضعتْ ليوصفَ بِها معَ صلتِها فَمِن قبيحِ ما جاءَ في ضرورةِ الشّاعر قولُه :
( مِنْ أَجلكِ يالتي تَيُّمْتِ قَلبي ... وأنْتِ بَخيلةٌ بالوُدِّ عَني )
فأَدخلَ ( يا ) علَى ( التي ) وحرفُ النداءِ لا يدخلُ علَى ما فيهِ الأَلفُ واللامُ إلا في اسمِ اللهِ عز و جلَّ وقَدْ مضى ذِكرُ ذَا فشبهَ الشاعرُ الألفَ واللامَ في ( التي ) باللامِ التي في قولِكَ ( الله عز وجَلَّ ) إذ كانتا غيرَ مفارقتينِ للإسمينِ
الثالثُ : مما جاءَ كالشاذِّ وهوَ وضعُ الكلام فِي غيرِ مَوضعهِ وتغيير نضده :
أَحسنُ ذلكَ قلبُ الكلامِ إذَا لَمْ يُشكلْ فِمِنْ ذلكَ قولُه :

( تَرى الثَوْرَ فيها مُدخلَ الظِّلَّ رأَسَهُ ... وسَائرهُ بَادٍ إلى الشَمْسِ أَجْمَعُ )
فالمعنى : مُدْخِلُ رأسهِ الظلّ ولكنْ جعلَ الظلَّ مفعولاً على السعةِ وأَضافَ إليهِ والنحويونَ يجيزونَ مثلَ هذَا في غيرِ ضرورةٍ فيقولونَ :
( يَا سارِقَ الليلةِ أَهلَ الدارِ ... )
فَأمَّا الذي يبعدُ فنحو قولِهِ :
( مِثلُ القَنَافذِ هَدّاجونَ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرانَ أَو بَلَغتْ سَوآتِهم هَجَرُ )

فجعلَ ( هَجَر ) في اللفظِ هِيَ التي تبلغُ السوآتِ لأَنَّ هذَا لا يشكلُ ولا يحيلُ والفرقُ بينَ هَذا وبينَ البيتَ الذي قَبْلَه أَنَّ ذاكَ قُدِّمَ فيهِ المفعولُ الثاني على المفعولِ الأولِ وَهْوَ غيرُ مُلْبسِ فَحَسُنَ لأَنَّهُ يجوزُ أنْ تضيفَ ( مدخلَ ) إلى ( رأسِه ) ولا تذكرُ ( الظلّ ) وتضيفهُ إلى ( الظلّ ) ولا تذكرُ ( رأَسَهُ ) وهذَا خِلافُ ذلكَ لأَنكَ جعلتَ الفاعلَ فيهِ مفعولاً والمفعولَ فاعلاً وينشدونَ في مثلهِ :
( وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرةِ الحُمْرِ . . ... . )
وإنّما يشقى الرجالُ وقَدْ يحتملُ المعنى غيرَ ما قالوا ( قد شقى الخزُّ بفلانٍ ) إذْ لم تجعلْهُ أَهلاً لَهُ فهذَا على السعةِ والتمثيلِ يكونُ المعنى : قَدْ شَقيَ الرمحُ بأبدانِ هؤلاءِ وكقولِهم : أتعبتُ سيفي في رقابِ القومِ إني فعلتُ بهِ ما إذا فَعَل بِمَنْ يجوزُ عليهِ التَّعَبُ تَعِبَ
فأَمَّا قَولُ الله عزَ وجَلّ :

( مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ ) فَقَدْ احتملَهُ قومٌ علَى مثلِ هَذا وقالوا : إنَّما العصبةُ تنوءُ بالمفاتيحِ وتحملُها في ثِقْلٍ
قالَ أبو العباس : وليسَ هكذا التقديرُ إنَّما التقديرُ : لتنوء بالعصبةِ : أَي : تجعلُ العصبةَ مثقلةَ كقولِكَ : انْزلْ بِنَا أَي : اجعلنَا ننزل معكَ وكقولِكَ : ارْحَلْ بِنَا يا فلانُ أَي : اجعلْنَا نرحلُ مَعك ومثلهُ قولُ ابن الخطيمِ :
( دِيارُ التي كَادتْ ونَحنُ علَى مِنَىً ... تَحلُّ بِنَا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَّكَائِبِ )
أي : تجعلنا نحلُّ لا أَنَّها هيَ تنتقل إلينا ومِنْ هَذا البابِ قَولُ الشَاعرِ :
( صَدَدْتِ فأطْوَلْتِ الصُّدودَ وقَلّما ... وصالٌ علَى طُولٍ الصُّدودِ يَدُومُ )
والكلامُ : قَلَّ ما يدومُ وِصالٌ ولَيْسَ يجوزُ أَن يرفع ( وصالٌ ) بيدومُ وقَد أَخَّرهُ ولكنْ يجوزُ هَذا عندي على إضمارِ ( يكونُ ) كأنهُ قالَ : قُلَّ ما يكونُ وصالٌ يدومُ على طولِ الصدودِ وحَقّ ( مَا ) إذا دخلتْ كافةً في مثلِ هذا الموضعِ فإنَّما تدخلُ ليقعَ الفعلُ بعدَها وكذلكَ يكونُ معَ الحرفِ نحو : (
رُبَّمَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا ) وإنّما يقومُ زيدٌ وما أَشبهَ ذلكَ مِما لا

يجوزُ أَن يليَهُ الفعلُ فإذَا كُفَّ ( بِمَا ) وبُنيَ معهَا وَلِيَهُ الفِعْلُ ومِنْ هَذا البابِ قولُ الفرزدق :
( وَمَا مِثْلُه في النَّاسِ إلا مُمَلكاً ... أَبو أُمهِ حَيٌّ أَبوهُ يُقَاربُه )
يريدُ : مَا مثلُه في الناسِ حَيٌّ يقاربهُ إلاّ مُملكٌ أَبو أُمِ ذلكَ المملكِ أَبوهُ ولكنْ نصبَ مملكاً حيثُ قَدَّمَ الإستثناءَ ومِنْ هذَا فصلُهم بالظرفِ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ نَحو قولِه :
( كَمَا خَطَّ الكتابُ بكفِّ يَوماً ... يهوديٍّ يقارِبُ أَو يُزِيلُ )
وكقول الآخر : للهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لامها
الرابعُ : هو إبدالُ حرفِ اللينِ مِنْ حرفٍ صحيحٍ :
اعلَمْ : أَنَّ الشاعرَ يضطر فيبدلُ حروفَ اللينِ مِنْ غيرِها كَما قَالَ :
( لهَا أَشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتمِّرُهُ ... مِنَ الثَّعِالي وَوَخْزٌ مِنْ أرانِيها )

يريدُ ( الثعالبَ وأرانبَها ) فكانَ الشعرُ ينكسر لو ذكرَ ( الباءَ ) في الثعالبِ وتفسدُ القافيةُ لأَنَّ رويَهُ الياءُ فابدلَ الباءَ لأَنَّ الحركةَ لا تدخلُها فينكسرُ الوزنُ فكذلكَ أَبدلَ ياءً في ( الحَمِي ) وهو يُريدُ ( الحَمامَ ) ومِنْ قبيحِ ما جَاءَ في الضرورةِ عندَ النحويينَ
قالَ أبو بكر : وهو عندي لا يجوز ألبتَة بوجه من الوجوه شعر ينشدونه يجعلون فيه الألف التي هي بدل من التنوين بمنزلة هاء التأنيث فيظهرون الياء قبلها كما يقولون : شقاية وشقاوة وذلك قوله :

( إذَا ما المرءُ صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ... وأَعيَا سَمْعُهُ إلا نَدَايا )
( ولاعَبَ بالعَشي بني بنيهِ ... كفعلِ الهرِّ يَلْتَمِسُ العظَايَا )
( يلاعبُهم ووَدوا لو سَقوهُ ... مِنَ الذِّيفانِ مُترَعةً إنَايَا )
( فأَبعدهُ الإِلهُ ولا يُؤتَى ... ولا يُعَطّى مِنَ المَرضِ الشِّفَايَا )
قالَ أبو العباس : فَمَنْ أَجازَ هذا فلا ضرورةَ لَهُ في إجازتهِ إلاّ الروايةُ وَهوَ أَحقُّ كلاَمٍ بِالرفعِ وأَولى قَولٍ بالردِّ وإنَّما حقٌّ هَذا الشعرِ أَنْ يكونَ مهموزاً فيقولُ : ولا يُعَطّى مِنَ المرض الشِّفَاءَ وكذلكَ العَظَاءَ وَأَعْيَا سمعهُ إلا النداءَ ومِنْ ذلكَ إبدالُ الهمزةِ في الموضعِ الذي لا يقومُ فيهِ الشعرُ بتحقيقهِ ولا تخفيفهِ فإنْ كانَ مفتوحاَ جُعِلَ ألفاً وإنْ كانَ مكسوراً جُعِلَ ياءً وإنْ كانَ مضموماً جُعِلَ واواً نحو قول الفرزدقِ :
( رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ البغالُ عَشِيَّةً ... فأرْعَى فَزَارةُ لاَ هَنَاك المَرْتَعُ )

وقالَ حسانُ بن ثابت :
( سَاْلَتْ هُذَينٌ رسولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذيلُ بمَا قَالتْ ولَم تُصِبِ )
وقالَ زيدٌ بن عمرو بن نُفيلٍ :
( سَاْلَتاني الطَّلاقَ إنْ رأتاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِئْتُمَاني بِنُكْرٍ )
فهذانِ لَيْسَ من لغتِهما ( سِلْتُ أسأْلُ وسِلْتُ أسْالُ ) لغة مِنْ

غيرِ هَذا الأَصلِ ( كخِفْتُ أَخاف ) في التقديرِ والوزنُ ليسَ مِنْ أَصلِ الهمزةِ ويقولُ : هُمْ يتساولانِ كقولِكَ : يَتقاولانِ ومِنَ الهمزةِ المبدلةِ للضرورةِ :
( لاَ يرهبُ ابنُ العمِّ مَتَى صَوْلَتي ... ولا أَخْتَتِي مِن صَوْلةِ المُتَهَدّدِ )
وإنَّما يقالُ ( اخْتَتأتُ إذا استترتُ مِنْ خضوعٍ وفَرَقٍ )
الخامسُ : تغيرُ وجهُ الإِعرابِ للقافيةِ :
مِنْ ذلكَ إدخالُ الفاءِ في جوابِ الواجبِ ونصبُ ما بعدَها وهذَا لا يجوزُ في الكلامِ وإنَّما ينصبُ ما بعدَها إذا كانَ مخالفاً لما قبلهَا وذلكَ إذا كانتْ جواباً لأمرٍ أَو نهيٍ أَو تَمنٍّ أَو استفهام أَو نفيٍ قالَ الشاعرُ :
( سأَتركُ مَنْزِلي لبَني تَمْيمٍ ... فألحقُ بالحِجَازِ فاسترِيحَا )
وقالَ طرفةُ :
( لَنا هضْبَةٌ لاَ يَدْخلُ الذَّلُّ وسطَها ... ويأوي إليها المُستِجيزُ فَيُعصَما )

وإنّما كانَ النصبُ فيما خالفَ الأَولَ على إضمار ( أَنْ ) إذا قالَ : ما تأتني فتُكرِمَنِي كأَنَّه قالَ : ما يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرِمَني فإذَا قالَ : أَنتْ تأتيني فتكرُمني فهوَ كقولِكَ : أَنتَ تأتيني وأَنْتَ تكرِمُني فإذَا نَصَبَ للضرورةِ كانَ التقديرُ : أَنْتَ يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرمَني ومِنَ الضروراتِ وهوَ مِنْ أَحسنِها في هَذا البابِ
وقاَلَ أبو العباس : لو تَكلمَ بها في غيرِ شعرٍ لجازَ ذلكَ قولهَ :

( قَد سَالمَ الحياتِ منهُ القَدَمَا ... الأُفعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَمَا )
( وذاتَ قَرنينِ ضَمُوزاً ضِرْزَمَا ... )
لأَنهُ حينَ قالَ : ساَلمَ الحياتِ منهُ القَدَما عُلِمَ أَنَّ القدمَ مُسَالِمةٌ كَما أَنَّها مُسَالَمَةٌ فنصبَ الأُفعوانَ بأَنَّ القدمَ سَالمتْها لأَنكَ إذا قُلتَ : سَالمتُ زيداً وضَاربتُ عمراً فَقَدْ كانَ مِنكَ مِثلُ ما كانَ إليكَ فإنَّما صَلُحَ هَذَا لإستغناءِ الكلامِ الأولِ فحملت ما بعدَهُ بعدَ اكتفاءِ الكلامِ علَى ما لا ينقضُ معناهُ وقَدْ قرأَ بعُضُ القراءِ : ( وَكَذلِكَ زُيِّنَ لكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهم ) لمّا استغنى الكلامُ بقولِه : قَتْلُ أولادِهم حملَ الثاني على المعنى أَي : ( زَينهُ شركاؤُهم ) فَعَلى هذا تقولُ : ضُرِبَ زيدٌ عبدُ الله لأَنكَ لمّا قلتَ : ضُرِبَ زيدٌ عُلِمَ أَنَّ لَهُ ضارباً فكأَنكَ قلتَ : ضَربهُ عبدُ الله . وعلَى هذَا ينشد :

( لِيُبكَ يَزيدٌ ضَارعٌ لِخُصومَةٍ ... )
ومِنْ هَذا البابِ قولُ القطامي :
( فكرتْ تَبتغيهِ فَوَافَقَتْهُ ... علَى دَمِه وَمَصْرَعِهِ السِّبَاعَا )
لأَنهُ لمَّا قَالَ : وافقتهُ عُلم أَنَّها قَد صَادفتِ السباعَ معهُ فكأَنَّهُ قالَ : صادفتِ السباعَ علَى دمهِ ومصرعِه ومثلُ ذلكَ :
وَجَدْنَا الصالحينَ لَهُم جَزاءٌ ... وَجَنَّاتٍ وعَيْناً سَلْسَبيلاَ )

أَي : وجدنا لَهم عيناً فلهذَا بابٌ في الضروراتِ غيرِ ضَيقٍ ومِمّا يَقْربُ مِنْ هذا الباب قوله :
( أَقامتْ علَى رَبْعَيهما جَارَتا صَفاً ... كُميتَا الأَعالِي جَوْنَتا مُصطَلاهُما )
وإنَّما الكلامُ : ( جُوْنَا المُصطَليَينِ ) فردهُ إلى الأَصلِ في المعنى لأَنَّكَ إذَا قلتَ مررتُ برجلٍ حَسنِ الوجهِ فمعناهُ : حَسُنَ وجهُهُ فإذَا ثنيتَ قلتَ : برجلينِ حَسَن الوجوهِ فإنْ رددتهُ إلى أصلِه قلتَ : برجلينِ حَسَن وجوههُما فإذا قلتَ : وجوُههُما لم يكن في ( حَسَنٍ ) ذكرُ ما قبلَهُ وإذا أَتيتَ بالألفِ واللامِ وأضفتَ الصفةَ إليها كانَ في الصفةِ ذكر

الموصوفِ فكانَ حَقٌّ هذا الشاعر لما قالَ : مُصْطَلاهُما أَنْ يُوَحدَ الصفةَ فيقولُ : جَونٌ مُصْطَلاهُما
السابع : تأَنيثُ المذكرِ علَى التأويلِ :
مِنْ ذلكَ قولُ الشاعر :
( فكانَ مِجَنّى دونَ مَنْ كنتُ أتقَّي ... ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ )
فإنَّما أَنَّثَ الشخوصَ لقصدهِ النساءَ فحملهُ على المعنى ثُمَّ أبانَ عَنْ إرادتِهِ وكشفَ عَنْ معناهُ بقولِه : كاعبانِ ومُعصرُ ونظيرُ ذلكَ قوله :

( وإنَّ كِلاباً هذهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأَنتَ بَرِيءٌ مِنْ قبائِلها العَشْرِ )
فقالَ : عَشْرُ أَبطنٍ يريدُ : قَبَائلُ وأَبانَ في عجزِ البيتِ ما أرادَ فأَمَّا في النعوتِ فإنَّ ذلك جَيدٌ بَالغٌ تقولُ : عندي ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وعَلاّماتٍ لأنَّكَ إِنَّما أَردتَ عندي ثلاثةُ رجالٍ ثُمَ جئتَ بنَسَّاباتٍ نعتاً لهم فهذَا الكلامُ الصحيحُ وقد قرأتِ القراءُ : ( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) لأَنَّ العددَ وَقعَ على حَسَناتٍ أَمثالَها
قالَ محمد بن يزيد : ومن الشيءِ الذي في الشعرِ فيكونُ جميلاً ومجازهُ مجازُ الضروراتِ عندَ النحويينَ وليس عندَه كذلكَ قولُهم في الكلامِ : ذهبتْ بعضُ أَصابعهِ لأَنَّ بعضَ الأصابعِ إصْبعٌ فحملهُ على المعنى قالَ جريرُ :
( لَمَّا أَتىَ خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سَورُ المَدِينةِ والجبالُ الخَشَّعَ )

لأَنَّ السورَ من المدينة وقَالَ أَيضاً :
( رأتْ مَرَّ السِّنينَ أَخّذْنَ مِنّي ... كما أَخذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ )
فَقالَ : أَخذنَ فردهُ إلى السنينِ ولم يردهُ إلى مرِّ لأَنَّهُ لا معنَى للسنين إلاَ مَرها ومثلُه قولُ الأعشى :
( وتَشرقُ بالقولِ الذي قَدْ أَذْعْتَهُ ... كَما شَرَقتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ )
لأَنَّ صدَر القناةِ من القناةِ
قالَ محمد بن يزيد : يردُّ عَلَى مَن ادّعى أَنَّ هذَا مجراهُ مجرى الضرورةِ القرآن أفصحُ اللغاتِ وسيدُها وما لا تعلقُ بهِ ضَرورةٌ ولا

يلحقهُ تجوزٌ
قالَ الله عز و جلَ : ( إنْ نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ آيةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لهَا خَاضِعِينَ )
فَخبَّرَ عَنْهم وتركَ الأَعناق . وقَالَ : قال أَبو زيدٍ : وقَد قالَ غيرهُ :
الأعناقُ : الجماعاتُ مِنْ ذلكَ قولُكَ : جَاءني عُنُقٌ مِنَ الناسِ أي : جماعةٌ كمَا قالَ القائلُ لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ :
( أَبلغْ أَميرَ المؤمنينَ أَخَا العراقِ إذا أَتيْتَا ... )
( أنَّ العِرَاقَ وأهلَه عُنُقٌ إليكَ فَهَيْتَ هَيْتَا ... )
قالَ : فهذاَ قولٌ والأولُ هو الذي يعملُ عليهِ
قالَ أَبو بكر : والذي عندي في ذلكَ أَنَّ الآية ليستْ نظيرةَ الأَبياتِ التي ذكرتْ لأَنَّ تلك بُنيَ فيها اسمٌ مؤنثٌ على فِعْلٍ مؤنثٍ والآية قد جَاءتْ باسمٍ مذكرٍ بعدَ

مؤنثٍ في اللفظِ فردَ ( خاضعينَ ) إلى أَصحابِ الأَعناقِ ومِنْ ذلكَ قَولُ ذي الرمةِ :
( مَشَينَ كَمَا اهْتزَّت رِماحٌ تَسَفَّهتْ ... أَعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ )
ومِنْ ذَلك قَولُ الراجز :
( مُرُّ الليالي أَسَرَعتْ في نَقْضِي ... أَخَذْنَ بَعْضِي وَتَرْكنَ بَعْضِي )
فَقَد ذكرتُ في كُل حَدٍّ مِنَ الحدودِ ما أَجازتهُ الضرورُ
هذَا آخرُ الأصول بحمدِ الله ومنتِه
والحمدُ لله الواحد العدلِ ذي الجلالِ والمنةِ والفضلِ والصلواتُ على رسولِه محمدٍ وآلهِ

فُرغَ من انتساخِه ثالثَ عَشَر شَهْر رمضانَ سنة إحدى وخمسينَ وستِّ مئةٍ شاكراً على نعمهِ وأَفضالهِ ومصلِّياً علَى النبي وآلهِ
قوبلَ بنسخةٍ مقروءةٍ علَى الشيخِ أبي الحسنِ علي بن عيسى النحوي رحمهُ الله كتبهُ محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبهُ والحمدُ لله رَبِّ العالمينَ وصلَّى الله علَى سيدِنا محمدٍ وآلهِ الطاهرينَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6