كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي

( أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلٌ )
وأما إجراؤهم إياه مع ( مَا ) بمنزلة اسم واحد فهو قولك : ماذا رأيتَ فتقولُ : خيراً كأنك قلت : مَا رأيتَ ومثل ذلكَ قولهم : ماذا تَرى : فتقول : خيراً وقال الله : ( ماذا أنزلَ ربكمُ قالوا : خيراً ) كأنه قال : ما أنزلَ ربكم قالوا : خيراً أي أَنزل خيراً فلو كان ( ذَا ) لغواً لَمَا قالت العربُ : عما ذا تسألُ ولَقالوا : عَمَّ ذَا تسألُ ولكنهم جعلوا ( مَا وذَا ) اسماً واحداَ كما جَعلوا ( مَا وإنَّ ) حرفاً واحداً حين قالوا : ( إنَّما ) ومثل ذلكَ كأنَّما و ( حيثُما ) في الجزاء ولو كان ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) في هذا الموضع البتة لكان الوجه في ( ماذا رأيتُ ) إذا أراد الجواب أن تقول : خيرٌ فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) فأما أنْ تكون ( الذي ) هي ( ذَا ) فبعيدٌ جداً ألا ترى أنَّهم حين استعملوا ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) استعملوها بلفظها ولم يغيروها والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم ولا يعرف له نظير في كلامهم ومَنْ

ومَا وأي يستعملن بمعنى ( الذي ) فيوصلن كما توصل ولكن لا يجوز أن ( يوصفَ بهن ) كما وصف ( بالذي ) لأنها أسماءٌ لمعانٍ تلزمها ولهن تصرفٌ غير تصرفٍ ( الذي ) لأنهن يكنَّ استفهاماً وجزاءَ وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع ( الذي ) في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل والفعلَ يريدون فيقولون في موضع ( الذي قامَ ) القائم فالألفُ واللام قد صار اسماً وزال المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ها هنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ أَلاَ تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول : ( هذا ضَاربٌ زيداً أَمسِ ) حتى تضيف ويجوز أن تقولِ : ( هَذا الضاربُ زيداً أمسِ ) لأنك تنوي ( بالضاربِ ) الذي ضربَ ومتى لم تنو بالألف واللام ( الذي ) لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب ( الذي ) بغير صلةٍ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ وكان الأخفش يقول : ( إنَّ زيداً ) في قولك : ( الضارب زيداً أَمسِ ) منصوبٌ انتصابَ : الحسَنِ وجهاً وأنه إنما نصب لأنه جاء بعد تمام الإسم
وقال أبو بكر : ليس عندي كَما قَالَ لأن الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الإسم إنما يكنَّ نكراتٍ والحَسَنُ وما أشبههُ قد قال سيبويه : إنه مشبهُ باسم الفاعلِ وقد ذكرنا ذَا فيما تقدَم

ذكر ما يوصل به الذي :
اعلمْ : أنَّ ( الذي ) لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تامٍ وهي توصل بأربعة أشياءٍ : بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي يوصل به ( الذي ) ينقسم انقسامه أربعة أقسام قبل أن يكون صلةً : فِعْلٌ غيُر متعدٍ وفِعٌل متعدٍ لى مفعولٍ واحدٍ وفِعلٌ متعدٍ إلى مفعولين وفِعْلٌ متعدٍ إلى ثلاثة مفاعيل وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو ( كانَ ) و ( ليسَ ) فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها ( الذي ) مع جميع ما عملت فيه وذلك قولك : الذي قامَ والذي ضَربَ زيداً والذي ظَنَّ زيداً منطلقاً والذي أعطى زيداً درهماً والذي أعلمَ زيداً عمراً أبَا فلانٍ ( والذي كانَ قائماً والذي ليسَ منطلقاً ) ففي هذه كلها ضمير ( الذي ) وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ فاستتر في الفعل ضمير الفاعل لأنه قد جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر الضمير وقلت : ( الذي قامَ أبوهُ أَخوك ) والذي ضربَ أخوهُ زيداً صاحبكَ وأما وصله بالمبتدأ فنحو ( الذي هُوَ زيدٌ أخوك ) والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في الدار عبد الله
وأما صلته بالظرف فنحو قولك : ( الذي خلفَكَ زيدٌ ) كأنَّك

قلت : ( الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ ) والذي عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك : ( الذي إنْ تأتِه يأتِك عمروٌ ) و ( الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ ) ولا يجوز أن تصلَ ( الذي ) إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الإستخبار فلا يجوز أنْ يوصل به ( الذي ) وأَخواتُها لا يجوز أن تقول : ( الذي أَزيدٌ أَبوهُ قائمٌ ) وكذلك النداءُ والأمر والنهي وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه صدقٌ وكذبٌ وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به ( الذي ) ويجوز أن تصل بالنفي فتقول : ( الذي ما قامَ عمروٌ ) لأنه خبرٌ يجوز في الصدقُ والكذبُ ولأنك قد تصفُ به النكرة فتقول : ( مررتُ برجلٍ ما صَلى )
وكل فعلٍ تصلُ به ( الذي ) أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف فغير جائزٍ أن تصل به ( الذي ) لو قلت : ( مررتُ برجلٍ نِعَم الرجلُ ) لَما جاز إلا أن تريد : ( هُوَ نِعْمَ الرجلُ ) فتضمر المبتدأ على جهةِ الحكاية
ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ لا يجوز أن تصل به ولا تصف لا تقول : ( مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ ) لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين بعضها من بعض وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودةً متحصلة فأما إذا كانت مبهمة غير متحصلةٍ فلا يجوز ألا ترى أنك

إذا قلت : ( أكرم بزيد وما أكرمه ) فقد فضلتهُ في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضربٍ من الكرم فإذا قلت : أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل به فنعم وبئس من هذا الباب فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ لأن الكلام يصير خبراً فتقول : مررتُ برجلٍ يقالُ لَهُ : ما أحسنه ويقالُ : أَحسنْ به وبرجلٍ تقولُ لَهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقالُ لهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقول اضربْ زيداً
ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل هُوَ أي : تقولُ نِعْمَ الرجلُ هُوَ وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي : بالذي يقول : نِعْمَ الرجلُ هُوَ
واعلم أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ فالأولى به أن يكون حاضراً كالإسم ألا ترى أنكَ إذا قلت : مررتُ برجلٍ ( قائمٍ ) فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ وإذا قلت : ( هذا رجلٌ قامَ أمسِ ) فكأنكَ قلتَ : ( هذا رجلٌ معلومٌ ) أي : ( أعلمه ) الساعة أنهُ قامَ أمسِ ولأنكَ محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقتَ حديثكَ وكذلكَ إذا قلت : ( هذا رجل يقومُ غداً ) فإنما المعنى : ( هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ يقومُ غداً ) وعلى هذا أجازوا : مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائداً به غداً فنصبوا ( صائداً ) على الحال لأنَّ التأويل ( مقدراً الصيد بهِ غداً ) فإن لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ لزمته في وقته وكذلك الصلة إذا قلت : ( الذي قامَ أمسِ والذي يقومُ غداً ) فإن وصلت ( الذي ) بالفعل المقسم عليه نحو قولك : ( ليقومنَّ ) لم تحتج إليه

لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان وبابها : أن يكون خبراً خالصاً لا يخلطه معنى قسم ولا غيره فإن وصل به فهو عندي جائز لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبراً وأما إنَّ وأخواتها فحكم ( إنَّ ) من بين أخواتها حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة فالكلام غير محتاج إليها وإن ذكرتها جاز فقلت : ( الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ ) وفي ( إنَّ ) ما ليس في الفعل المقسم عليه لأن خبر ( إنَّ ) قد يكون حاضراً وهو بابها وفعلُ القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضياً أو مستقبلاً فحكمه حكم الفعلِ الماضي والمستقبل إذا وصف به و ( ليت ولعلَّ ) لا يجوز أن يوصلَ بهما لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ و ( لكنَّ ) لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنهما لا تكون إلا بعد كلام
وأما ( كأَنَّ ) فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من ( إنَّ ) من أجل كافِ التشبيه تقول : ( الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ ومررت بالذي كأنَّهُ الأسدُ ) لأنه في معنى قولك : مثلُ الأسَدِ واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن تقدَم الصلة على الموصولِ ولا تفرقَ بين الصلة والموصول بالخبر ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ وما أشبه ذلك
ذكر الإِخبار عن الذي :
اعلم : أنَّ ( الذي ) إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبراً لمبتدأ فتقول : ( قامَ الذي في الدارِ ورأيت الذي في الدار ومررتُ بالذي في الدار وزيدٌ الذي في الدار ) فيكون خبراً والذي في الدار زيدٌ فتكون

( الذي ) مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ وإذا جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون وجعلوه كحدٍّ من الحدودِ فيقولون إذا قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) كيف تخبر عن زيدٍ بالذي وبالألفَ واللام فيكون الجواب : ( الذي قامَ زيدٌ والقائمُ زيدٌ ( فتكون ) الذي مبتدأٌ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ
وهو في المعنى : ( زيدٌ ) لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ فهو في المعنى : الفاعلُ كما كان حين قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) وكذلك إذا دخلت الألف واللامُ بدلاً من الذي قلت : ( القائمُ زيدْ ) فالألف واللامُ قد قامتا مقامَ الذي و ( قائم ) قَدْ حَلَّ مقامَ ( قامَ ) وفي ( قائمٍ ) ضمير يرجع إلى الألف واللام والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت ( القائمَ ) بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ ( للذي ) وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع موضعه ضميراً يقومُ مقامهُ ويكون ذلك الضمير راجعاً إلى الذي أو الألف واللام وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسماً مفرداً في المعنى هُوَ هُوَ فإذا ابتدأتَ ( بالذي ) وجعلت اسماً من الأسماء خبره فالخبر هو ( الذي ) والذي هو الخبر وهذا شرط المبتدأ والخبر وإنما الأخبار عن ( الذي والألف واللامِ ) ضربٌ من المبتدأ والخبر وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة صفة ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت : ( ضربتُ زيداً ) كيف تخبر عن زيد قلت : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) فجعلت موضع ( زيدٍ ) الهاء وهي مفعولةٌ كما كان ( زيدٌ وهو ) ( الذي والذي هو زيد ) فإن جعلته صفةً قلت : ( رجلٌ ضربتهُ زيدٌ ) إلا أنَّ حذف الهاء في

صلة ( الذي ) حَسَنٌ لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة ( فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ ) فصرن مع ( الذي ) أربعة أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الإسم ولك أن تثبتها على الأصلِ فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت : ( الضاربُهُ أنا زيدٌ ) وكان حذفُها قبيحاً وقد أجازوهُ على قبحه
وقال المازني : لا يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في الشعر
والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ : أخبرْ عن ( زيدٍ ) من قولك : ( زيدٌ أَخوكَ ) قلت : ( الذي هو أَخوك زيدٌ ) أخذت زيداً من الجملة وجعلت بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان وقولك : هو وأخوك جميعاً صلة ( الذي ) وهي راجعة إلى ( الذي ) والذي هو ( زيدٌ ) وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت : ( رجلٌ هُو أخوكَ زيدٌ ) فقولك : هو أخوكَ جملةٌ وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ فإن أردت أن تخبر عن ( أخوكَ ) قلت : ( الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ ) فجعلت الضميرَ موضعَ ( الذي ) انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبراً وإنما قال النحويونَ أخبر عنهُ وهو في اللفظ خبر لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ ولأنه قد يكون خبراً ولا يجوز أن يحدث عنه نحو الفعل والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً إن شاء الله فإن كان خبر المبتدأ فعلاً أو ظرفاً غير متمكنٍ لم يجز الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ : ( زيدٌ قامَ ) كيفَ تخبرُ عن ( قامَ ) لم يجز لأن الفعل لا يضمر وكذا لو قال : ( زيدٌ في الدار ) أخبرْ عن ( في الدار )
لم يجز لأن هذا مما لا يضمر وقد بينا أن معنى قولهم : أخبر

عنهُ أي انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ ضميراً ثم اجعله خبراً فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف
واعلم أنهُ إذا كان صلةُ ( الذي ) فعلاً جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو ( قامَ فلَهُ درهمٌ ) والذي جاءني فأنا أكرمهُ شبهَ هذا بالجزاء لأن قولك : فلَهُ درهمٌ تبع المجيء وكذلك هو في الصفة تقول : ( كُلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ وكلُّ رجلٍ قام فإني أكرمهُ ) والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في كل حالٍ وبأن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ ) لم يجزْ لأن معنى لجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قامَ فلَهُ درهمٌ إنْ أعطاني أعطيتهُ ) جاز لأنه بمنزلة قولك : ( زيدق إن أعطاني أعطيتهُ ) وكذلك إذا قلت : ( الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ دينارٌ ) لا يجوز أن تدخل الفاء على ( لَهُ دينارٌ ) فالفاء إذا دخلت في خبر ( الذي ) أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول ألا ترى أنكَ إذا قلت : الذي يأتيني لهُ درهمٌ قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل إتيانهِ ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه فإذا قلت : الذي يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ الإِتيان إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي في صلة ( الذي ) يجوز أن يكون ماضياً وحاضراً ومستقبلاً والجزاء لا يكون إلا مستقبلاً وإذا جاءت الفاء فحق الصلة أن تكون على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ

وإنْ اختلفَ المعنى
فمن أجل هذا يقبحُ أن تقول : ( الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ ) لأنه لا يجوز أن تقول : ( إنْ ما أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و ( لاَ ) كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ ) إذا أردتَ هذا المعنى قلت : ( الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ وكُلُّ رجلٍ لم يأتني فلَهُ درهمٌ ) والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين ( الذي وبين الجزاء ) لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي ( إنْ ) وكان المعنى مفهوماً غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته وإنما أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ وإنما لم يجز ( ما ) مع ( إنْ ) في الجزاء لأن ( ما ) لا تكون إلا صدراً والجزاء لا يكون إلا صدراً فلم يجز لأن ( إن ) تعمل فيما بعد ( ما ) فلما أرادوا النفي أتوا ( بلَمْ ) وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو ( بلا ) فقالوا ( إنْ لَمْ تَقمْ قمتُ وإنْ لم تقمْ لا أقَمْ )
واعلم أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه فلا يجوز أن يكون خبراً في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد من أن تضمر في موضعه كما خبرتُكَ
ولك اسم مبنيٌ إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن في أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبراً ( للذي ) وكذلك كلُّ ظرفٍ غير متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبراً للذي لأن جميع الأسماء إذا صارت أخباراً ( للذي ) والذي مبتدأٌ

لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا يرتفع لا يجوز أن يكون خبراً لو قلت : الموضع الذي فيه زيدٌ عندك لم يجز لأنه كان يلزم أن يرفع ( عنه ) وهو لا يرتفع وكذلك ما أشبهه ولو قلتَ
الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ
جاز لأن ( خلفَ ) قد يرفعُ ويتسعُ فيه فيقالُ : ( خلفكَ واسعُ ) وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك : ( الذي في الدار هَذا والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك والذي في الدار هُوَ ) وكذلك : ما كان في معنى ( الذي ) تقول : ( الذي في الدار مَنْ تُحبُّ والذي في الدار ما تحبُّ ) فيكون الخبر ( مَا ومنَ ) بصلتهما وتمامهما فإن كانتا مفردتين لم يجز أن يكونا خبراً ( للذي ) وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبراً وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله
( بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي ... )

فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره فإذا أضمرته زال أن يكون نعتاً ولو قيل لك أخبر عن العاقل في قولك : ( زيدٌ العاقلُ أخوكَ ) فأخبرت لزمكَ أنْ تقول : ( الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ ) فتضع موضع ( العاقل ) هو فيصيرُ نعتاً لزيدٍ وهو لا يكون نعتاً ولا يجوز أن تخبر عن ( زيدٍ ) وحده في هذه المسألة
لأنه يلزمك أن تقول : ( الذي هو العاقلٌ أخوك زيدٌ فتصف ( هُوَ ) بالعاقل وهذا لا يجوز ولكن إذا قيل لك أخبر عن مثل هذا فانتزع زيداً وصفتهُ جميعاً من الكلام وقل : ( الذي هو أخوكَ زيدٌ العاقلُ ) ومما لا يجوز أن يكون خبراً المضافُ دون المضاف إليه لو قيل : ( هذا غلامُ زيدٍ ) أخبر عن ( غلامٍ ) ما جاز لأنه كان يلزم أن تضمرَ موضع غلامٍ وتضيفه إلى ( زيدٍ ) والمضمر لا يضاف فأما المضاف إليه فيجوز أن يكون خبراً لأنه يجوز أن يضمر وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحاً إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون

باب ما جاز أن يكون خبرا
ً
اعلم : أن أصول الكلام جملتان : فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبراً وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبراً مخبراً عنه في هذا الباب وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه مما تقدمَ فهو جائز أن تخبر عنه إلا أن يكون اسماً نكرةً لا يجوز أن يضمر فيعرف فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها مميزٌ أربعة عشر باباً :
الأول : الفعل الذي لا يتعدى
والثاني : الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ
والثالث : ما يتعدى إلى مفعولين ولكَ أن تقتصر على أحدهما

والرابع : ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما
والخامس : ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
والسادس : الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ
والسابع : الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ
والثامن : الظروف من الزمان والمكان
والتاسع : المصدرُ
والعاشر : المبتدأُ والخبرُ
والحادي عشر : المضافُ إليهِ
والثاني عشر : البدلُ
والثالث عشر : العطفُ
والرابع عشر : المضمرُ
وقد كان يجب أن يقدم باب ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز أن يخبر عنه بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب
فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن إدخال ( الذي ) على ( الذي ) و ( التي ) وركبوه من ذلك فنحو نفرده بعد إن شاء الله
الأول : باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول :
وهو ( ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ ) وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي

لا تتعدى إذا قيل لك أخبرْ عن ( زيدٍ ) بالذي قلت : ( الذي ذَهَبَ زيدٌ ) فالذي مبتدأٌ و ( ذهبَ ) صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى ( الذي ) فقد تم ( الذي ) بصلته وخبرهُ زيدٌ فإن قيل لك أخبر عنه بالألف واللام قلت : ( الذاهبُ أَخوكَ ) فرفعت الذاهب لأنهُ اسمٌ ومعناه : ( الذي ذهبَ ) ولم يكن بدٌ من رفعه لأن اللام لا تنفصل من الصلة كإنفصال ( الذي ) وهي جزءٌ من الإسم ولكن المعنى معنى ( الذي ) فإن ثنيتَ ( الذي ) قلت : ( اللذان قاما أَخواكَ ) فإن جعلتَ ( موضعَ ) الذي الألف واللام قلت : ( القائمانِ أخواك ) ثنيتَ ( القائمَ ) إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام والتأويل : ( اللذان قاما ) ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في ( القائمينِ ) وليست الألفُ بضميرٍ في ( قائمانِ ) وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال كما تقول : الزيدان أخواكَ فإن جمعتَ قلتُ : ( الذينَ قاموا إخوتُكَ ) وبالألف واللام : ( القائمونَ إخوتُكَ ) وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية ومن استفهم قال القائمونَ إخوتُكَ و ( القائمانِ أخواكَ ) ولا يجوز أن تقول القائُم اخوتكَ على قول من قالَ أَقائمٌ أُخوتُكَ لأن قولهم : ( أقائمٌ أُخوتكَ ) تجري مجرى : أَيقومُ أُخوتُكَ وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى لأنه قد تكملُّ اسماً معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ لأن الأفعالَ نكراتٌ ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو ( قائمٌ ) فتقول : ( القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ والقائمُ أَبوهما أَخواكض ) ولا يجوز أن تقول : ( القائمانِ أَبواهما أَخواكَ ) من أجل

أنَّ ( قائمٌ ) قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى فإذا أَعملت ( ما ) في صلة الألف واللام في ( فاعل ) امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول : ( القائمانِ أَخواكَ ) لأن الإسم قد تم والضمير الذي في ( القائمِ ) لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه وإنما احتمل الضمير الإسم إذا كان في صلة ما هو له وجارياً عليه استغناءً بعلم السامع وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلاً في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبراً لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة وقد بينتُ ذا فيما تقدم
وتقول : ( القائمُ أخواهُ زيدٌ والقائمُ أخوتهُ عمروٌ ) لأن الفعلَ للأَخوينَ وللأخوة وهو مقدمٌ فالضمير أبداً عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحداً كان واحداً وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى وإن عنيتَ جميعاً كان جمعاً وكذلك الألف واللام والذي إنما هي بحسب من تضمر في العدة وإذا قلت : ( اللذانِ ذهبا أخواك ) قلت ( الذاهبان أخواك ) وإذا قلت ( الذين يذهبونَ قومَكَ ) قلت : ( الذاهبونَ قومُكَ ) تثنى اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثنى فيه الفِعْلَ ألا ترى أنكَ تقولُ : ( الزيدانِ ذاهبانِ ) لما كنت تقول ( الزيدانِ يذهبانِ ) ولا يجوز أن تقول ( الزيدانِ ذاهبٌ ) وتضمرهما وتقول : ( الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما ) كما كنت تقول : ( الزيدانِ يذهبُ أَبوهما ) إلا أنَّ تقدير الالف في ( ذاهبانِ ) غير تقديرها في ( يذهبان ) لأنَّ ألفَ ( يذهبانِ ) للتثنية والضمير وهي في ( ذاهبانِ ) تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية

الثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد :
وذلك قولك : ( ضَربَ زيدٌ عمراً ) اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع مسائله اسمانِ في كل مسألة فاعلٌ ومفعولٌ فإن قيل لك : ( أخبرْ عن الفاعلِ بالذي ) قلت : ( الذي ضَربَ عمراً زيدٌ ) فالذي رفع بالإبتداء ( وضَربَ عمراً ) صلتهُ وفي ( ضَرَبَ ) ضميرُ ( الذي ) هو راجع إليه وضَربَ وعمروٌ في صلة ( الذي ) وبهما تم اسماً والخبرُ زيدٌ وزيدٌ هو ( الذي )
فإن قيلَ لكَ : ثَنِّ واجمعْ قلتَ : ( اللذانِ ضربا عمراً الزيدانِ ) والذين ضربوا عمراً الزيدونَ لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساوياً لهُ وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ الذي والضميرُ والخبرُ فإن قيل لك : أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت ( الضاربُ عمراً زيدٌ ) والتفسير كالتفسير في ( الذي ) فإن قيل لك : ثَنِّ واجمعْ
قلتَ : ( الضاربانِ عمراً الزيدانِ ) والضاربون عمراً الزيدون ولا يجوز أن تقول : ( الضاربُ عمراً الزيدانِ لأن المبتدأَ قد نقص عدده عن عدة الخَبِر والضاربُ عمراً واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ فإذا ثنيتَ وجمعتَ
قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع ( اللذين ) في الألف واللام أن يكون الإسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظيرُ ( الذي ) وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه فإن رفعتَ ( الذي ) رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ وكذلك يكونان إذا قامَ

أحدهما مقامَ الآخر
ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو : ( الضاربُ ) كإعرابِ ( الذي ) كذلك ثُني وجُمع تثنيته وجمعَهُ ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لأنفصلت كإنفصال ( الذي ) من الصلة فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الإسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول فإن قيل لكَ أخبرْ عن المفعول في قولك : ضَربَ زيدٌ عمراً قلت : ( الذي ضربَهُ زيدٌ عمروٌ ) وحذف الهاء حسنٌ كما خبرتك به وإنْ شئت قلتَ : الذي ضربه زيدٌ عمروٌ فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ والهاء ترجع إلى ( الذي ) وعمروٌ خبرَ المبتدأ والذي هو عمروٌ
فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ : الضاربهُ زيدٌ عمروٌ جعلتَ : الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيداً بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : الضاربهما زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ فإذا قلتَ : ( ضربتُ زيداً ) فقيلَ لك : أَخبر عن ( التاءِ ) فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي بالمكنى المنفصل فتقول : ( الذي ضَربَ زيداً أنا ) فإن قيل لك : أَخبرْ عن زيدٍ قلتَ : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) لأنَ الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل فإن ثنيتَ أو جمعتَ

الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله وقال المازني مثلُ ذلك قال أبو بكر والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما ( كانَ ) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ
وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى ( أَفعلَ ) تعدى فلما كانَ يجوز أن أقول : ( عَلمَ زيدٌ ) فاقتصر على الفاعل جاز أنْ أقول : ( أَعلمَ اللّهُ زيداً ) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى لأنَّكَ إذا قلت : ( ظننتُ زيداً منطلقاً ) فالشكُّ إنما وقعَ في الإنطلاق لا في زيدٍ فلذلك لا يجوز أن تقول : ( ظننتُ زيداً ) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : : ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ وهذا لا خلاف فيه وإذا جازَ أن تقول : ( ظننتُ وتسكت فيساوي ( قمت ) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : ( أظننت زيداً ) إذا جعلته يظن بهِ كما تقول أَقمتُ زيداً لأنه لا فرق بين ( ظَنَّ زيدٌ ) إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ كما تقولُ : أَقمتُ زيداً وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى ( أفعلَ ) تعدّى إلى واحدٍ فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ فإن نقلتَ ( فَعَلَ ) إلى ( فُعِلَ ) كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى ( فُعِلَ ) وإنْ كان يتعدى إلى

مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعدَ بعدهُ إلى مفعولٍ وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين ( فَفُعِلَ ) ينقصُ مِنْ المفعولاتِ و ( أَفَعلُ ) يزيدُ فيها إذا كان منقولاً من ( فَعَلَ ) فإذا أخبرتَ عن الفاعل ( بالذي ) من قولكَ : أعلمَ اللّهُ زيداً عمراً خيرَ الناسِ قلت : ( الذي أَعلمَ زيداً عمراً خيرَ الناسِ اللّهُ ) وتفسيرهُ كتفسير ما قبله فإن قيلَ لكَ ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ كُفرٌ لأنَّ الله عز و جل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : ( أعلمَ بكرٌ عمراً زيداً خيرَ الناسِ ) لجاز تثنية بكرٍ وجمعهُ عى ما تقدمَ من البيان وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله وذلك قولك : ( المعلمُ زيداً عمراً خيرُ الناسِ اللّهُ ) والمنبىء زيداً عمراً أَخاكَ اللّهُ وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : ( المعلمهُ الله عمراً خيرَ الناسِ زيدٌ ) وإثباتُ الهاءِ ها هنا هو الوجه وحذفها جائز وهو ها هنا أسهل عندَ المازني وعندي لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ وإن أخبرت عن المفعول الثاني قلت : ( المعلمهُ الله زيداً خيرَ الناسِ عمروٌ ) وإن شئتَ قلت : ( المعلم الله زيداً إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمروٌ ) وهو الوجهُ والقياسُ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لِبْساً فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ : أَعن الأول أم الثاني وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث قدمتَ الضمير إنْ

شئتَ قلت : ( المعلمهُ الله زيداً عمراً خيرُ الناسِ ) وإنْ أخرت قلت : المعلمُ اللّهُ زيداً عمراً إيَّاهُ خيرُ الناسِ وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقعض الإسم الذي انتزع ليخبر عنه في موضعه
السادس : الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به :
اعلم : أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل حكمهُ حكم الفاعل تقول : ضُرِبَ زيدٌ كما تقول : ( ضَربَ زيدٌ ) فإذا أردت أن تخبر عن ( زيدٍ ) من قولك : ضُربَ زيدٌ بالذي قلت : ( الذي ضُرِبَ زيدٌ ) ففي ( ضَرِبَ ) ضميرُ ( الذي ) والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل فإن ثنيتَ قلت : ( اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ ) وإن جمعت قلت : ( الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ ) فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت : ( المضروب زيدٌ ) لأن مفعولاً في هذا الباب كفاعل في غيره أَلا ترى أنَّكَ إذا جعلتهُ صفة قلتَ : ( رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ ) ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ فإن ثنيتَ قلت : ( المضروبانِ الزيدانِ ) و ( المضروبونَ الزيدون ) وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل فإن قلتَ : ( أُعطِي زيدٌ درهماً ) فأخبرتَ عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( أُعطي درهماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ : ( الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ ) ولكَ أن تقولَ : ( أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ ) وهو القياسُ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس ولكن لو كان أصل المسألة : أُعطي زيدٌ عمراً
ما جاز هذا عندي فيه لأنه ملبس لا يعرف المأخوذ من الآخذ وليس الدرهم

كذلك لأنه لا يجوز أن يكون آخذاً وعلى هذا المثال : ( بابُ ظننتُ وأخواتُها ) تقول : ظُنَّ زيدٌ قائماً فإن أخبرتَ عن ( زيدٍ ) بالذي قلتَ : الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ
وإن أخبرت عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ ولكَ أن تقول : ( الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) وهو القياسُ وإن قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( المظنونُ قائماً ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهُ زيدق قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) فإن ثنيتَ قلتَ : ( المظنونانِ قائمين الزيدانِ ) وإن جمعتَ قلتَ : ( المظنونون قائمينَ الزيدونَ ) فإذا أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهما الزيدانِ قائمانِ ) وإن شئت قلت : ( المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ ) وعلى هذا القياسُ في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
السابع : الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد :
وذلك كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ تقول : ( كانَ عبدُ الله أَخاكَ وأَصبحَ زيدٌ أَباك )

فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت : ( الذي كانَ أخاكَ عبد اللِه ) ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة ( الذي ) و ( الذي ) مبتدأٌ وعبد اللِه خبرهُ والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت : ( الكائنُ أَخاكَ زيدٌ ) وتقديرهُ تقديرُ : ( الضاربِ أخاكَ زيدٌ ) ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم ( كانَ ) فأما خبرها ففيه اختلاف فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول : الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ والمصبحهُ عمروٌ أخوكَ وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلاً فقلت : ( الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ وقال قوم : إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ لأن معناهُ : ( كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا ) فكما لا يجوز أن تخبر عن ( كانَ من أمرهِ كذا وكذا ) كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا كان في معناه كذا حكى المازني جميع هذا
قال أبو بكر : والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس إضمارهُ متصلاً إنما هو مجازٌ وعلامات الإِضمارِ ها هنا غيرُ محكمةٍ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع ( إياَّه ) ذلك الموقع فأجازتهم إيّاهُ ( في ) كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ها هنا قال الشاعر :
( ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْراً ... لا تَرىا فيه عَريبا )
( لَيْسَ إيَّايَ وإيَّاكَ ... ولا نَخْشَى رَقِيبَا )
فقال : ( ليسَ ) إيَّاي ولم يقل : ليسني فقد فارقَ باب ( ضربني ) وقد

روى ( عليهِ رجلاً ليسني ) وإنما هذا كالمثل لأنهم لا يأمرون ( بعليكَ ) إلا المخاط بَ فقد شذ هذا من جهتين من قولهم : ( عليهِ ) فأمروا غائباً ومن قولهم : ( ليسني ) فأجروهُ مجرى ( ضربني ) فإذا قلت : ( ليسَ زيدٌ أخاكَ ) وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول فإنَّهُ لا يجوز إلا ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام لأن ( ليسَ ) لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول : ( يفعلُ ) منها ولا شيئاً من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ وأصلها ( لَيِسَ ) مثل ( صَيِدَ ) البعيرُ
وألزمتِ الإِسكانَ إذ كانت غير متصرفةٍ فتقول : إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ : ( ليسَ زيدٌ أَخاكَ ) الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ وإن أخبرتَ عن المفعول قلت : الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ ) على قياسِ الذين أجازوهُ في ( كانَ ) والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ ( كانَ ) وأخواتِها يحتجون بقول أبي الأَسود الدؤلي :
( فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها )
فجعله كقولك : اضربها ويضربها ولو قلت : ( كانَ زيدٌ حسناً

وجههُ فأخبرت عن الوجه لم يجز لأنَّك كَنتَ تضع موضعهُ ( هُوَ ) فتقول : الذي كانَ زيدٌ حسناً هُو وجههُ إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الإسم الذي تخبر عنه ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) كما بينتَ فيما تقدمَ فإذا كان ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ : ( حسناً وجههُ بأَسرهِ ) جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب فتقول : الكائنهُ زيدٌ حَسُنٌ وجههُ ولو أخبرتَ ( بالذي ) لقلت : ( الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ ) وحذفت ضميرَ المفعولِ من ( كانَ ) كما حذفتهُ من ( ضَرَبَتُ ) حينَ قلتَ : الذي ضَربَ زيدٌ ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ وإنْ أخبرت بالذي على قول من جعل المفعول ( إيَّاهُ ) لم يجز حذفهُ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول : الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه
الثامن : الظروف من الزمان والمكان :
اعلم : أنَّ الظرف إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسماً وصار كسائر المفعولات إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلا ضميره إلا بحرف الجر إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبُه كنصبِ سائر المفعولاتِ وهذه الظروف منها ما يكن اسماً وظرفاً ومنها ما يكونُ ظرفاً

ولا يكون اسماً وقد تقدم ذكرها في هذا الكتاب إلا أنَّا نعيدُ منه شيئاً ها هنا ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه فالذي يكون منه ظرفاً واسماً ضمَّ اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك
وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو ( ذاتَ مرةٍ وبُعيداتَ بَينٍ وبكراً وسَحَراً ) إذا أردتَ ( سَحراً ) بعينه ولم تصرف ولَم تُردْ سحراً من الأسحارِ وكذلك ضَحيّاً إذا أردت ضُحَى يومِكَ وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفاً وأما الأماكن وما يكون منها اسماً فنحو المكان والخَلْفِ والقدام والأمامِ والناحية وتكون هذه أيضاً ظروفاً والظروفُ كثيرةٌ وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو : عندَ وسوى وسواءٌ إذا أردتَ بهنَّ معنى ( غير ) لم تستعملُ إلا ظروفاً ورُبَّما كان الظرفُ ظرفاً والعمل في بعضه لاَ في كلِه نحو : آتيكَ يومَ الجمعةِ وإنما تأتيهِ في بعضه لا كلهِ وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب ( مَتى ) فعلى هذا يجيء وأما ما كان جواباً ( لكم ) فلا يكون العمل إلا فيه

كله نحو : سرتُ فرسخينِ وفرسخاً وميلاً لا يجوز العمل في بعضه دون بعضٍ
وإذا قلت : صمتُ يوماً لم يجزْ أن يكون الصومَ في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُلِه
فما كان من الظروف قد يستعمل اسماً فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفاً لم يجز الإِخبارُ عنه تقول : ( ذهبتُ اليومَ ) فإذا قيلَ لكَ : أَخبرْ عنِ اليومِ ( بالذي ) قلتَ : الذي ذهبتُ فيهِ اليوم ولَمْ يجز حذفُ ( فيهِ ) كما كان يجوز حذف الهاءِ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجرِ وكذلك إذا قلتَ : ( قمتُ اليومَ يا هذا ) فجعلتَ اليومَ مبتدأ قلت : ( اليومُ قمتُ فيهِ ) لأنه قد صار اسماً والمضمر لا يكون ظرفاً وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه وذلك المعنى يُراد به فإن ثنيتَ قلتَ : اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ
فإن قلت ذلك بالالف واللامِ قلتَ : ( الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ ) والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ فالألفُ واللامُ قد قامَ مقامَ ( الذي ) وأفردت ( ذاهباً ) ولم تثنيهِ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده وإنْ جمعتَ قلتَ الذاهبُ فيهنَ أَنا الأيامُ وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت : ( جلستُ مكانكَ ) فإذا أردتَ الإِخبارَ عن ( مكانُك ) قلت : ( الذي جلستُ فيه مكانكَ ) واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ وبالألف واللامِ : ( الجالسُ فيهِ أنا مكانُكَ ) والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره فقلت : في ( ذهبتُ اليوم ) إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي قلت : ( الذي ذهبتُ اليوم ) كما تخبرُ عن زيدٍ في

قولك : ( ضربتُ زيداً ) تريد : الذي ذهبتهُ اليوم وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ وهو الأصل وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ : لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام وتقولهُ بالألف واللام : الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول : ( سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين ) فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان فإن أخبرت عن اليومين ( بالذي ) قلت : اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ وبالألف واللام السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين ( فيهما يومان ) وإن أخبرت عنهما على السعة قلت : السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ وبالذي : اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ وإن شئتَ قلت : سرتهما وهو أحبها إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت : ( سيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) فأنتَ بالخيار إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولاً على السعة لأنه قد صار اسماً وخرج عن حد الظرف وتجعلُ الثاني ظرفاً إن شئت وإن شئتَ جعلتهُ مفعولاً على السعة أيضاً فإذا أخبرتَ عن الفرسخين فيمن رفعهما بالذي قلت : ( اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ وإن قلتهُ بالألف واللام قلت ( المسيرانِ بزيدٍ يومينٍ ) فرسخانٍ ) وإن أخبرت عن ( اليومينِ ) في هذه المسألة وقد رفعت الفرسخينِ قلت ( المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ ) هذا إذا كان ( اليومانِ ) ظرفاً فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : ( المسيرُ هما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ ) وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك : ( سير بزيدٍ فرسخانِ

يومينِ قلت : ( الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ ) فجعلت ضمير الفرسخينِ في ( سِيرَ ) فقلت : سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما فإن قدمت اليومين قلت : ( اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ ) فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار ( اليومينِ ) فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) فالفرسخان : مبتدأٌ واليومانِ مبتداٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة فإن لم تجعلهما كذلك قلت : سيرا فيهما وكل ما قدمته فقد مقامَ مقامهُ ضميره فإن أدخلت ( اللذينِ ) في ( سيرَ ) وجعلتَ ( اللذينِ ) هما الفرسخانِ قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما ) فالفرسخان : مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ فيهما والخبرُ ( هُما ) والألف في ( سيرا ) ترجع إلى اللذين و ( فيهما ) ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة واليومان وما بعدهما خَبرَ الفرسخينِ وإن شئتَ قلت : ( اللذانِ سيراهما ) فإن أخبرت بالألف واللام قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيران بزيدٍ فيهما هما ) واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ ألا ترى أن قولك : ( هما ) ضمير الفرسخين و ( هُما ) التي في قولكَ : المسيراهُما ضمير اليومين فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام : ( المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ ) فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل هذه المسائل فإن جعلتَ ( اللذين ) في هذه المسألة لليومين قلت :

الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما بزيدٍ فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و ( اللذانِ ) خبرُ ( اليومينِ ) وهُما اليومانِ والألفُ في ( سيرا ) ضمير الفرسخين وفيهما ضميرُ ( اللذينِ ) فلو جعلتَ ( الفرسخين ) موضعَ ضميرهما لقلت : اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ هما فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما ( لليومين ) أيضاً قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما ) فهما الأولى : مفعولةٌ على السعةِ والثانيةُ فاعلةٌ وإنما ظهر الفاعل ها هنا لأن كُلَّ اسمْ كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه وإنما جاز في ( اللذينِ سيرا ) لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جارياً على غير مَنْ هُو لهُ ومعنى قولي : جَارٍ على غير مَنْ هو له أن اللذينِ لليومين والألف في ( سيرا ) للفرسخين فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول : المسيراهما كما قلت : ( اللذانِ سيراهما ) لأن مسيراً اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه ضمير الألف واللام ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم يجوز أن تقول القائمان وضمير الفاعل للألف واللام وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف ( الذي ) وحدُه لأنها تتحد مع الإسم الذي بعدها فيثني تثنية ( الذي ) وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهراً وإما مكنياً فلذلك قلت الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما

لقلت : اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول : الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ ( هما ) فتجعل الأولى مفعولةً والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ لأن قولك : مسيرهما هُما الفرسخانِ فإذا جعلت : ( مسيرهما ) خبراً عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الإسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوعُ ولو قلت : ( الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول : ( زيدٌ ضاربُه أَنا ) ولو قلت : ( زيدٌ اضربْهُ ) لم تحتجْ إلى ( أنا ) لأن الفعل مما يضمر فيه وإن جرى على غير صاحبه
التاسع : الإِخبار عن المصدر :
اعلَم : أن المصدر إذا كان منصوباً وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفاً فالإِخبار فنه قبيحٌ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( ضربتُ ضرباً ) فليس في ( ضرباً ) فائدةٌ لم تكن في ( ضربتُ ) وإنما تجيء تأكيداً فإذا قلت : ضربتُ ضرباً شديداً أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمراً لم يكن في ( ضربتُ ) فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت : ( الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ ) وإن قلت سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ قلت الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى ( فإذا نُفخَ في الصورِ نفخةٌ واحدة )
وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب وإن الأحسن أن يكون معرفةً أو

موصوفاً وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعاً من الفعل فتقول على ذلك : ( ضُرِبَ ضَرْبٌ ) أي : نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ وتقول : ( ضربتُكَ ضرباً شديداَ ) فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت : ( الضاربكَ أنا ضَرْبٌ شديدٌ ) أي : ( الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ ) فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار لأنك تقول : ضُرِبَ ضربتانِ فتكونُ فيه فائدة لأن قولك : ( ضُرِبَ ) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : ( ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ ) أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً فإذا قلت : ( ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ ) قلت : ( المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ ) و ( المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ ) وإذا قلت : ( شربتُ شربَ الإبلِ ) قلت : ( الشاربهُ أَنا شربُ الإِبلِ ) وإذا قلت : ( تبسمتُ وميضَ البرقِ ) قلت : المتبسمة أنا وميضُ البرقِ وقد قال قومٌ : إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على ( فعلٍ ) غير ( تبسمتُ ) كأنهم قالوا : ( ومضتُ وميضَ البرقِ ) فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الحال وإذا كانت المصادر وغيرها أيضاً حالاً فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أَرسلها العِراكَ والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ ورجعَ عودَهُ على بدئهِ وما أشبه هذا مما جاء حالاً وهو معرفة وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فقصة : رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ وكُلُّ شاةٍ وسخلتَها وما أشبه هذا مما جاء معطوفاً نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر ( رُبُّ ) فتقول : ( الذي رُبّهُ )

ولا حجةَ في قول العربِ : رُبّهُ رجلاً ورُبّها امرأةً لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسمٍ تقدم
قال المازني : وأما قول العرب : ( ويحَهُ رجلاً ) فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول : ( الذي ويحهُ رجلاً هو ) وفيه قبحٌ لأنَّ ( ويح ) بمعنى الدعاءِ مثل الأمر والنهي والذي لا يوصل بالأمر والتي لأنَّهما لا يوضحانه والدعاءُ بتلكَ المنزلة قال : إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخير قال أبو بكر أنا أقولُ : ( وهو عندي غير جائزٍ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك وأما ما جاء من المصادر مضمراً فعله مثل : إنما أنتَ ضرباً وأنتَ سيراً وضرباً ضرباً ) فلا يجوز عندي الإِخبار عنه لأنها مصادر استغنى بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه فلا يجوز الإِخبار غعنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل
والمازني : يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن ( سير ) من قولك : إنَّما أَنتَ سيراً قلتَ : ( الذي انتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ ) كأنَّكَ قلتَ : الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ
العاشر : الإبتداء والخبر :
اعلمْ : أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإٍخبار فيه إلا بالذي لأنه لا يكونُ منه فاعلُ
وذلك قولكَ : ( زيدٌ أخوكَ ) إن أخبرتَ عن ( زيد ) قلت : ( الذي

هو أخوكَ زيدٌ ) انتزعت زيداً من الصلة وجعلتَ موضعهُ ( هو ) فرجع إلى ( الذي ) والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم وإن أخبرت عن الأخ
قلت : ( الذي زيد هو أخوكَ ) جعلتَ ( هو ) مكان الخبر كما كان في أصل المسألة ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ
وتقولُ : ( أنتَ منطلقٌ ) للذي تخاطبُ وإن أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت : ( الذي هو منطلق أنت ) وإن أخبرتَ عن منطلق قلت الذي أنت هو منطلقٌ وإنْ أخبرتَ عن المضمر في ( منطلقٍ ) لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأً ليس في خبره ما يرجع إليه وإذا قلت : ( زيدٌ ضربته ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) أقمت مقامه ( هو ) فقلت : ( الذي هو ضربتهُ زيدٌ ) فهو يرجع إلى ( الذي ) والهاءُ في ( ضربتهُ ) لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول : ( الذي زيدٌ ضربتهُ هو ) فإن جعلت الهاء التي في ( ضربتهُ ) ترجع إلى ( زيدٍ ) لم يرجع إلى ( الذي ) شيءٌ وإن رددته إلى ( الذي ) لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ
قال المازني : هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى لأنَّ زيداً هو الذي في المعنى فإن ذلك أيضاً غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى ولا يجوز الإِخبار عن ( ضربتهُ ) في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت زيدٌ ذهب عمروٌ إليهِ جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول : ( الذي هو ذهبَ عمروٌ إليه زيدٌ ) لأنك تجعل الهاء التي في ( إليه ) يرجع إلى ( هو ) وتجعلُ ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) فجائزٌ
فتقول : ( الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمروٌ ) وتجعل للفاعل في ( ذهب ) ضميراً

يرجع إلى ( الذي ) وتجعل عمراً خبراً للمبتدأ وإن جعلت في موضع ( عمروٍ ) في هذه المسألة ( هنداً ) كان أبينُ إذا قلت : ( زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ ) فأخبرتَ عن ( هندٍ ) قلتُ : التي زيد ذهبتْ إليهِ هندٌ فإن ثنيتَ هنداً قلت : ( اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ ) فصار الكلام أوضحُ لما ظهر ضمير الفاعل وهو الراجع إلى ( اللتين ) فإن أخبرتَ عن ( الهاءِ ) في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في ( زيدٍ ضربتهُ ) فإن قلت : ( زيدٌ ذاهبٌ إليه عمروٌ ) فأخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو ( عمروٌ ) جعلتَ ( هو ) فاعلاً وجعلتَ ( هو ) منفصلاً لأن ( ذاهباً ) اسمٌ إذا صار خبراً لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالاً صار فاعلهُ منفصلاً والفعلُ ليس كذلك وقد مضى تفسير هذا وتقول : ( زيدٌ يضربهُ أبوهُ ) فإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ ) جعلتَ ( هو ) موضعَ ( زيدٍ ) وهو الراجعُ إلى ( الذي ) والهاء في يضربهُ ترجع إلى ( هو ) وكذلك الهاء في ( أبيهِ ) كما كان في أصل المسألة وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ : ( الذي زيدٌ يضربه أبوهُ ) فتجعل في ( يضربهُ ) فاعلاً وهو صلة ( الذي ) وجعلت الأب خبراً وهو ( الذي ) وهذه المسألة تلبس بقولك : ( زيدٌ يضربُ أبَاهُ ) لو قيلَ لك أخبر عن ( الأبِ ) لقلت : الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ لو قيلَ لك كيفَ تخبرُ عن الأمِ من قولك : ( زيدٌ تضربهُ أمهُ ) لقلت : ( التي زيدٌ تضربهُ أمُهُ ) ولو قلت ( زيدٌ يضرب أمه ) فأخبرت عن الأمِ لقلتَ : ( التي زيدٌ يضربُها أمُهُ ) وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين

المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ فلم يعلم الفاعلُ من المفعول فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفرداً والآخر مثنىً أو مجموعاً أو تجعلَ أحدهما مذكراً والآخر مؤنثاً زال اللبسُ ألا ترى أن أصل المسألة إذا قلت : ( زيدٌ يضربهُ عمروٌ ) وعمروٌ فاعلٌ لو قيلَ لك : قدم عمراً لقلت : عمروٌ زيدٌ يضربهُ ففي ( يضربُه ) ضمير ( عمروٍ ) مرفوعٌ ولو قيلَ لك : قدم عمراً من قولك : ( زيدٌ يضربُ عمراً ) لقلت : ( عمروٌ زيدٌ يضربهُ ) ففي ( يضربهُ ) ضمير ( زيدٍ ) واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمراً فاعلاً أو مفعولاً إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الإسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بأن المرادُ وذلك أن تجعلَ موضع عمروٍ العمرانِ فإذا قلتَ : زيدٌ يضربهُ العمرانِ فقدمتَ العمرينَ مبتدأينِ قلت : ( العمرانِ زيدٌ يضربانهِ ) وإن قلت : ( زيدٌ يضربُ العمرين ) فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت : العمرانِ زيدٌ يضربهما فإن جعلت موضعَ ( يضربُ ) ضارباً من قولك : زيدٌ يضربهُ أبوهُ قلتَ : زيدٌ ضاربهُ أبوهُ فإن أخبرتَ عن الأب قلت : الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ فأظهرتَ ( هو ) منفصلةً لما تقدم ذكره فإن أخبرتَ عن الأب من قولك : ( زيدٌ ضاربٌ أباهُ ) قلتَ : ( الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ ) ولم تحتجْ إلى ( هو ) لأن ( ضاربَ ) إلى جانب زيدٍ وهو لهُ فأما قولهم : ( السمَنُ منوانِ بدرهمٍ ) فهذا مستعملٌ بالحذف يريدونَ : السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ فإن أخبرتَ عن السمن قلت : ( والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ ) تريد : ( الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ ) نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله والهاءُ التي في ( منهُ ) ترجِعُ إلى

( هو ) كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة
وإن أخبرت عن ( المنوينِ ) قلت : ( اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ ) وإن أتممت الكلامَ قلت : ( اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوانٍ ) والإِتمامُ هو أحبُّ إليَّ
لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه أن يترك على لفظه ليدلَ على ما حذف منه وهذه المسألة نظير قولك : ( زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليه ) فزيدٌ : مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان : مبتدأٌ ثانٍ كعمروٍ وقولكَ : ( بدرهمٍ منهُ ) خبر ( منوينِ ) والهاءُ في ( منهُ ) ترجعُ إلى ( السمنِ ) كرجوع الهاء في ( إليهِ ) فإن قيلَ لك : أخبر عن خبر السمنِ بأسره وهو قولك : ( منوانِ منهُ بدرهمٍ ) لم يجز لأن الجمل لا تضمر وكذلكَ لو قيلَ لك : أخبر في قولك : زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليهِ عن خبر ( زيدٍ ) بأسرهِ لَمْ يَجزْ
الحادي عشر : المضاف إليه :
اعلم : أن المضاف إليه على ضربين : فضربٌ منه يكون الإسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمروٍ يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو عبد الملك فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه لأنه كبعض حروف الإسم وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو : ( دارُ عبد الله ) وغلامُ زيدٍ فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلكَ ومتى

زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه البتةَ أعني ( غلاماً وداراً ) إذا قلت : غلامُ زيدٍ ودارُ عمروٍ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف فإذا قلت : ( هذا غلامُ زيدٍ ) فأردت الإِخبار عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هذا غلامهُ زيدٌ ) جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت قمتُ في دار زيدٍ قلت الذي قمتُ في داره زيدٌ فإن قلت : هذا ابن عرس وسامُ أبرصَ وحَمارُ قَبانَ وأبو الحرثِ وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيءٌ يقصدُ إليه وإنما حُمارَ قيانَ اسم للدابةِ ليس أن قبانَ شيءٌ يقصدُ إليهِ كما كان زيد شيئاً يقصد إليه
وقال أبو العباس عن أبي عثمان : أنه قد جاء الإِخبار في مثل : حُمارَ قبانَ وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌ
الثاني عشر : البدل :
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب
قال أبو بكر : وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ فإذا قلت : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) فأخبرت عن ( رجلٍ ) قلت : الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ والمار به أنا رجلٌ أخوكَ تجعلُ الرجل خبراً ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة وقومٌ يقولون : المارُ به أنا أخيك رجلٌ فيجعلون ( الأخ ) بدلاً من الإسم المضمر كما كان بدلاً من مظهرٍ
قال المازني : فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) قلت :

المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ قال : وهذا قبيحٌ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به فجعلته بعد ما قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً قال : ومن أجاز هذا أجازَ : ( زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ ) قال : وهو جائز على قبحه قال أبو بكر : ومعنى قول المازني : قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً يعني : أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل لأن حقَّ البدلِ أي يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ فلو قلت : ( المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ فكان الكلام فاسداً وكذلك لو قلت : ( زيدٌ ضربتَ أخاكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ وقولكَ ( أباهُ ) بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام قال المازني : وكِلا القولينِ مذهبٌ وليسا بقويين
الثالث عشر : العطف :
اعلم : أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول والنعتُ والبدلُ هما الأول
ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( زيدٌ العاقلٌ ) فالعاقل هو زيدٌ وإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ أخيكَ ) فأخوكَ هو زيدٌ وإذا قلت ( قامَ زيدٌ وأخوكَ ) فأخوك غيرُ زيدٍ فلذلك يجوز أن تخبر عن الإسم المعطوفِ عليهِ الأولِ ويجوز أن تخبر عن الإسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ ولك أن تخبر عنهما جميعاً تقول : زيدٌ وعمروٌ في الدارِ فإن أخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمروٌ )

وإن أخبرتَ عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرت عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي زيدٌ وهو في الدار عمروٌ ) وإن شئت قلتَ : ( الذي هو زيدٌ في الدار عمروٌ ) لأن المعنى واحدٌ فإن قلت : ( قامَ زيدٌ وعمروٌ ) فأخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ قاما زيدٌ وعمروٌ ) وإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : الذي قامَ هو وعمروٌ ( زيدٌ ) فأكدت الضمير في ( قامَ ) بهو لتعطف عليه الظاهر ويجوز أن لا تذكر ( هو ) فتقول : ( الذي قامَ وعمروٌ زيدٌ ) وفيه قبحٌ وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي قامَ زيدٌ وهو عمروٌ زيدٌ ) فإن قلت في هذه المسائل بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم وإن أخبرت عن المفعول من قولك : ضربتُ زيداً وعمراً فإن أردتَ أن تخبر عن ( زيدٍ ) قلت : الذي ضربتهُ وعمراً زيدٌ وإن أخبرتَ عن عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً وإياهُ عمروٌ ) فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت : الذي ضربتهُ وزيداً عمروٌ وجاز ذلك لأنَّ قولك : ( ضربتُ زيداً وعمراً وضربتُ عمراً وزيداً ) في الفائدة سواءٌ فإن قلت : ضربتُ زيداً وقامَ عمروٌ لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان فلو أخبرت عن ( زيدٍ ) لكنت قائلاً : ( الذي ضربتهُ وقامَ عمروٌ زيدٌ ) فليس لقولكَ قامَ عمروٌ اتصالٌ بالصلة فإن زدتَ في الكلام فقلتَ وقامَ عمروٌ إليه أو من أجله جاز فإن قلت : ضربتُ زيداً أو عمراً فأخبرت عن ( زيدٍ ) فإن الأخفش يقولُ ( الضاربهُ أنا أو عمراً زيدٌ ) قال لأنَّ

عمراً قد صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ كما تقول : مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو عمروٌ ولو قلت : أو ذاهبٌ عمروٌ لم يجز لأنهما لم يجتمعا في فِعْلِ واحدٍ فيصير عمروٌ إذا جعلت لهُ فعلاً على حدته كأنك قلت : مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمروٌ وكذلك لا يجوز الضاربه أنا والضاربُ زيداً عمروٌ قال أبو بكر لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ وإذا قلت : ضربتُ أو شتمتُ عمراً فأخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمروٌ ) فالفعلانِ داخلانِ في الصلة فإن قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول : الضاربه أنا والشاتمه أنا عمروٌ فأخرجتَ ما كان في صلة ( الذي ) عنها لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل وهذا لا يجوز ومعنى الكلام أيضاً يتغير لأنك إذا قلت : الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ فالشك واقع في الفعلين وإذا قلت ( الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمروٌ ) فالشك في الإسمين فإن قلت : ضربتُ زيداً أو شتمتُ عمراً لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى ( زيدٍ ) فتقول : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمراً من أجله أو لهُ زيدٌ )
واعلم : أنه قد جاء في العطف أشياءٌ مخالفةٌ للقياس فمن ذلك قولك : ( مررت برجلٍ قائمٍ أبواه لا قاعدين ) فقولك : ( لا قاعدينِ ) معطوفٌ على ( قائمٍ ) وليس في قولك : ( قاعدينِ ) شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ كما كان في قولك : قائمٌ أبواهُ ضميرٌ يرجع إلى ( رجل ) فجاز هذا في المعطوف على

غير قياسٍ وهذا لفظُ المازني وقول كلُّ من يرضى قوله وكان ينبغي أن تقول : مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكى عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياساً مستقيماً ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب : ( كُلُّ شاةٍ وسخلتَها بدرهمٍ ) ولو جعلتَ السخلةَ تلي ( كُلَّ ) لم يستقمْ ومثلهُ : ( ربَّ رجلٍ وأخيهِ ) فلو كان الأخ يلي : ( رُبَّ ) لم يجز ومن كلام العرب : ( هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ ) ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جراً وينشدونَ هذا البيتَ جراً :
( الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها ... عوذاً تُزجَّى خلفَها أطفالها )
وكان أبو العباس رحمهُ الله يفرقُ بين عبدها وزيدٍ : ويقول : إن الضمير في ( عبدِها ) هو المائة فكأنه قال : وعبدُ المائة ولا يستحسنُ ذلك في ( زيدٍ ) ولا يجيزه وأجاز ذلك سيبويه والمازني ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت
وقال المازني : إنه من كلام العرب والذي قال أبو العباس أولى وأحسن فإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه لا القاعدينِ ) أجريتَ ( القاعدينِ ) على القائم أبواه عطفاً فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في القاعدينِ ما يرجع إلى الموصول في اللفظ ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة وتقول على هذا القياس : مررتُ بهندِ القائمِ أبواها لا القاعدين فتجري ( القاعدينِ ) عليها

قال المازني : وقد قال قوم من أهل العلم : نجيزُ هذا في الألف واللام ولا نجيزهُ في ( الذي ) لأن الألف واللام ليستا على القياس و ( الذي ) لا بد في صلته من ضميره وقال هؤلاء ألا ترى أنك تقول : ( نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ ونِعْمَ الضارب زيداً عمروٌ ) ولا تقول : ( نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ ) ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلاً لا يدخلهُ ( الذي ) وكذلك جاز مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ ولم يجز : ( مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا اللذينِ قَعَدا ) وقال الآخرون : نجيزهُ ( بالذي ) معطوفاً ونجعل صلتهُ على المعنى كما قلنا : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ
وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفاً لأنّا قد رأينا أشياءً تكون في العطف فلا تكون في غيره فإذا كانت صلةُ ( الذي ) جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالاً فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك
قال المازني : وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول : ( اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك ) فتجعل الضمير الذي في ( قام وقعد ) يرجع إلى ( اللذينِ ) على معناهما لا على لفظِهما
ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولاً على معناه لا على لفظه :
( وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْراً بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تِغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ )
ولو حمله على لفظه لقال : ( قَتَل ) قال : وليس كل كلام يحتمل أن

يحمل على المعنى لو قلت : أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ : قامَ أحدهُما لم يكن كلاماً لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجيء في خبرهما بما يرجعُ إليهما فلذلك لم يجز هذا ولو قلت : أخواكَ قام وقعد فحملت ( قامَ وقعدَ ) على معنى الأخوين كان هذا أقوى لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل ولو قلت : ( اللذانِ قامَ أخواكَ ) تريد : ( اللذان قامَ أحدهما أخواك ) لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشي على المعنى فيكون ذلك جائز كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه ولا يجوز ذلك في غير الشعر فكلُّ ما شنَع في السمع أجازتُه ولم يستعمل لا تجزه
وقال الأخفش : لو أنَّ رجلاً أجاز : مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس يعني في هذا الباب وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياساً على قبحه وعلى أنه ليس من كلام العرب ومن لم يجز هذا لم يجز : ( مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ ) إذا أرادَ معنى ( الذي ) ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى ( الذي ) ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة وإذا قلت : ( ضربتُ زيداً فعمراً ) فأردتَ الإِخبارَ عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي ضربتُه فعمراً زيدٌ ) فإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً فإياهُ عمروٌ ) ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلاً وتقدمهُ كما فعلت في الواو لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء وكذلك ( لا ) إذا كانت عاطفة فإذا قلت : ( ضربتُ زيداً ثمَّ شتمتُ عمراً ) لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام لأنهُ يلزمكَ أن تقول : ( الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمراً زيدٌ ) فلا يكون لقولك : ( الشاتمُ أنا عمراً ) اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت لو قلت : الذي ضربتهُ

وضربتُ عمراً زيدٌ أو ثمَّ ضربتُ عمراً أو فضربتُ عمراً لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد : ( ضربتهُ وزيداً ) فتقول : ضربتهُ وضربتُ زيداً ترد الفعل الثاني توكيداً فيجوز على هذا وهو أيضاً قبيحٌ وكذلك لو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ ألا ترى أنَّكَ لو قلت : ( مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا ) جاز ولو قلت : ( مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا ) لم يجز إلا على ما ذكرت لك من الضمير فتقول : وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت : ( الذي ضربتُه فبكى زيدٌ أخَوكَ ) جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ ولو قلت : ( الضاربهُ أنا والباكي زيدٌ أَخوكَ ) لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل ولو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيداً لأنَّ الفعلين جميعاً من صلة ( الذي )
وقال الأخفش : لو قلت : الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزاً على المعنى لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ وفي ( كتاب الله عز و جل ) : ( إنَ المصدقينَ والمصدقات وأقَرضوا الله قرضا حَسَناً يضاعفُ لهم ) ولو قلت : الضاربة أنا والقائم أنا زيدٌ لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ ولو قلت ( الضاربُ زيداً فمبكيه أنتَ ) كان جائزاً على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ لأنك لو قلت : الضاربُ زيداً

فبكى أنا كان جيداً ولو قلت : ( الضاربُ زيداً فالباكي هو أنا ) لم يحسن
وقال الأخفش : إلا على وجهٍ بعيدٍ كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ كما قالت العرب : هم فيها الجماءَ الغفير يريدون : هُم فيها جماً غفيراً وأرسلها العراك يريد : أرَسلها عِراكاً وقال : قالت العربُ : ( همُ الخمسة العشَر ) يريدون : ( هُم الخمسةَ عَشَرَ )
الرابع عشر : الإِخبار عن المضمر :
إذا قلت : ( قمتُ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنَا ) فإن قلت ( قمتَ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنتَ ) فإنْ كان الضمير غائباً قلتُ : ( القائمُ هوَ ) وإن أخبرتَ ( بالذي ) قلت : ( الذي قامَ هُوَ والذي قامَ أنتَ والذي قامَ أنَا ) لأنك لو قلت : ( الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ ) لم يكن في صلة ( الذي ) شيءٌ يرجع إليه وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ إذا بدأت بالمخاطب قبل ( الذي ) أو بدأ المتكلم ( بأنا ) قبل ( الذي ) فحملت ( الذي ) في هذا الباب على المعنى والجيد : أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ فإذا قلتَ : ( ضربتني ) فأخبرت عن المفعول قلت : ( الذي ضربته أنا ) فإن قلت : ( ضربتك ) فأخبرت عن الفاعل قلت : الذي ضربكَ أنا ) ولا يجوز : ( الذي ضربتُكَ أنتَ ) ولا ( الذي ضربتني أنا ) إذا أخبرت عن ( التاء ) فإن قدمت ( نفسَكَ ) قبلَ ( الذي ) قلتَ : ( أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني ) قال المازني ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه لفساده وإذا قلتَ :

ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي قلت : ( الذي ضربتُ أنتَ ) إن شئتَ حذفتَ الهاء من ( ضربتُ ) وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت : مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن ( الكاف ) بالذي قلت : ( الذي مررتُ بهِ أنتَ ) فإن قلتَ : ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ : ( الذي مررتُ بهِ أنا والذي ضربتهُ أنا ) فالمجرور والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا فإذا قلت : هذا غلامُك فأخبرت عن ( الكاف ) قلت : الذي هذا غلامهُ أنتَ وإذا قلت : هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت : ( الذي هذا غلامهُ أنَا ) وإذا قلت : ( هذا غلامُه ) قلت : ( الذي هذا غلامُه هُوَ ) لأن ( أنَا ) للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب
وقال المازني في هذا الباب : إنه جائزٌ عند جميع النحويين
ثم قال : وهو عندي رديءٌ في القياس ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ قال أبو بكر : والذي جعلهُ عندهُ رديئاً في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر لأن ( الذي ) وإن كان مبهماً فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام وما يجوز
بالألف واللام ولا يجوز بالذي وذلك المبتدأ والخبر
أما ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر وقد بيناه فيما تقدم وكذلك ما جرى مجراهما والمضاف إليه والإسم المعطوف وكل اسمٍ لا يتصلُ به فعلٌ فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جرٍ لا يجوز أن تخبر عنهُ إلا ( بالذي ) وكل فعلٍ لا يتصرف فلا يجوز عنه الإِخبار إلا ( بالذي ) وقد تقدم ذكر هذا
وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز ( بالذي ) مكانَهُ فقال الأخفش تقول : ( مررتُ بالقائم أخواهُ إلا القاعدين ) ولو قلت : ( مررتُ بالذي قعدت جاريتاهُ لا الذي قامَتا ) لم يجز لأن ( الذي ) لا بد من أن يكون في صلتهما ذكرها وكذلك لو قلت : ( مررتُ بالقاعد أبواها لا القائمين ) كان جيداً
ولو قلت : مررت بالتي قعدَ أبواها لا التي قاما لم يجز لأنه ليس في صلة ( التي ) ذكر لها ألا ترى أنكَ

تقول : ( المضرُوبُ الوجه عبد الله ) ولا تقول : ( الذي ضُرِبَ الوجهُ عبد الله ) وتقول : المضروبةُ الوجهِ ضربتين أمةُ الله
ولا تقول : ( التي ضُرِبتِ الوجهُ ضربتين أمةُ الله لأنهُ ليسَ في صلة ( التي ) لها ذِكْرٌ

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون
وذلك قولك : ( ضربتُ وضربَني زيدٌ ) وضربني وضربتُ زيداً قال الأخفش : إذا قلتَ : ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) فأدخلتَ عليه الألفَ واللام وجعلتَ ( زيداً ) خبراً قلت : ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) لا يحسن غير ذلك لأنك حين طرحتَ المفعول في ( ضربتُ وضربني ) لم تزد على ذلك وأنت لو طرحتَ ( الهاءَ ) من قولكَ ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) كنتَ قد طرحتَ المفعول به كما طرحتَهُ في ( ضربتُ ) وطرحت الشيءَ الذي تصحُّ به الصلة لأن كلَّ شيءٍ من صلة ( الذي ) لا يرجع فيه ذكر ( الذي ) فليس هو بكلام قال : إلا أنَّ بعض النحويين قد أجازَ هذا وهو عندي غير جائز لطول الإسم لأنه صيرَ ( الضارب أنا والضاربي ) كالشيء الواحد وإذا جعلتَ ( أنا ) هُو الخبر يعني إذا أخبرت عن ( التاء ) كان حذفُ ( الهاء ) أمثلُ من هذا وذلك أنك إذا قلت : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنَا ) إنما أوقعت من ( الضاربِ ) المفعول به ولم توقع ذكر ( الذي ) فلم تزد على مثل ما صنعت في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنك إنما ألغيتَ ثم المفعول وألغيتهُ ها هُنا أيضاً وإن كان في قولك : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنا ) أقبحُ منهُ في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنَّ هذا مما يخل بصلة الإسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الإسم كأنهُ لم يتعد
قال المازني : إذا أردتَ الإِخبار عن زيد فإن ناساً من النحويين يقولون : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) قال : وما أرى ما قالوا إلا محالاً إن

كنت لم تنوِ أن يكون في ( الضارب ) مفعولٌ محذوفٌ فإن كنت أردت أن يكون محذوفاً فإثباته أجودُ قال : وإن قلت : إني إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل فإن ذلك غير جائز لأنكَ حين حذفته في الفعل لم تضمر وأنت ها هنا تحذفه مضمراً فحذفهما مختلف فلذلك لم يكن مثله في الفعل قال : والقياس عندي أن أقول : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) فأجعل ( الضارب ) مبتدأ وأجعل ( أنا ) خبره فأجعل ( الضاربي ) مبتدأ وأجعل زيداً خبره وأجعله تفسيراً لما وقع عليه ( ضربتُ ) كما كان تفسيراً له مع الفعل وأجعل الضارب الأول غير متعدٍّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدٍّ وأجعل ( أنا ) خبراً له لأن الفعل والفاعلَ نظيرهما من الأسماء المبتدأُ والخبر لأنك إذا قلت : ( ضرب زيدٌ ) فلا بد لضرب من ( زيدٍ ) كما أنك إذا قلت : ( زيدٌ منطلقٌ ) فلا بد له من ( منطلقٍ ) أو ما أشبههُ فجعلت الأول مبتدأً و ( أنا ) خبره وعطفت عليه مبتدأً وخبره لتكون جملةً عطفتَها على جملةٍ كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلاً وفاعلاً جملةً قال : فهذا أشبه وأقيسُ مما قال النحويون
قال أبو بكر : وهذا الباب عندي لا يجوز الإِخبار فيه من أجل أن هاتين الجملتين كجملة واحدة لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية وإذا أدخلت الألف واللام فصلت فإن أحوجت الضرورة إلى الإِخبار فهما بالألف واللام فأَقيسُ المذهبين مذهب المازني ليكون الإسم محذوفاً ظاهراً غير مضمرٍ كما كان في الفعل
وقال الأخفش : من جوز الحذف في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) إذا أَدخلَ عليه الألف واللام قال في

( ظننتُ وظنني زيدٌ عاقلاً ) إذا أعمل الآخر ( الظانُّ ) أنَا ( والظاني عاقلاً زيدٌ ) فإن قال : قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت : أما الأول منهما فأضمرتهُ ليكونَ له في الصلة ذكرٌ والثاني أضمرتهُ لأنهُ لا بد إذا أعملتَ الفعلَ في واحد من أن تعمله في الآخر قال : فإن جعلتَ ( أنَا ) هو الخبر يعني : إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثلُ شيئاً لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام فتقول : ( الظانُّ والظانهُ زيدٌ عاقلاً أنا ) وإن ألحقت ( الهاء ) قلت : ( الظانهُ إياهُ والظانهُ عاقلاً زيدٌ أنا )
قال المازني : فإن قلت : ( ضربني وضربتُ زيداً ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الضاربي هُوَ والضاربهُ أنَا ) فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلاً في ( ضربني ) ليكون الضاربُ يستغني ويكون ( هُو ) يحتاج إلى أن يفسر كما كان محتاجاً وهو في موضع ( ضربني ) وليكون جملةً معطوفة على جملةٍ وكذلك إن كان فعلاً تعدى إلى مفعولين نحو : أعطيتُ وأعطاني زيدٌ درهماً إذا أخبرت عن نفسك قلت : المعطي أنا والمعطى درهماً زيدٌ فجعلت ( أنا ) الأول خبراً ( للمعطى ) كما كان فاعلاً ( لأعطيتُ ) وجعلت الثاني مبتدا وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة قال أبو بكر : فعلى هذا يجيء هذا الباب وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب

باب ما ألف النحويون من ( الذي ) و ( التي ) وإدخال الذي على ( الذي ) وما ركب من ذلك
وقياسه قد تقدم من قولنا : إن ( الذي ) لا يتم إلا بصلة وإنه وصلتهُ بمنزلة اسم مفرد فمتى وصلت ( الذي ) بالذي فانظر إلى الأخير منهما فوقه صلته فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسماً مضافاً إلى ضمير ما قبله لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح فإذا كان الأول مبتدأً فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير ( الذي ) ويكون ( الذي ) الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه إلا أن ( الذي ) التالي للأول يحتاج إلى أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني والآخر يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن كان ( الذي ) بعد ( الذي ) الأول مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ما بلغ فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبراً له تقول : ( الذي التي قامت في داره هندٌ عمروٌ ) فيكون ( الذي )

الأول مبتدأً ويكون ( التي ) الثانية مبتدأةً أيضاً ويكون ( قامت في داره ) فيه ضميران : أحدهما مرفوع وهو المضمر في ( قامتْ ) وهو راجع إلى ( التي ) والهاءُ راجعة إلى ( الذي ) الأول وتكون ( هندٌ ) خبر ( التي ) الثانية وتكون ( التي ) الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي ( الأول ) ويكون ( عمروٌ ) خبر ( الذي ) الأول فإن ثنيت قلت : ( اللذانِ اللتانِ قامَتا في دارهِما الهندانِ العمرانِ ) فظهر الضمير الذي كان في ( قامت ) في الواحدة والتفسير ذلك التفسير وكذلك لو قلت : الذي التي في داره هندٌ عمروٌ ففي ( داره ) ضميران أحدهما مرفوعٌ والآخر مجرور فالمرفوع مضمر في الإستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه ( فالتي ) مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضميرٍ ( الذي ) ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك ( أُختهُ ) لجاز أن تقول : ( الذي أُختهُ هندٌ عمروٌ ) وتقول : ( الذي الذي ضرب عمروٌ زيدٌ ) تجعل الفاعل الذي في ( ضَربَ ) يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في ( ضرب ) يرجع إلى الآخر وتجعل عمراً خبراً للثاني وزيداً خبراً للأول وتقول : ( الذي التي أخُتهُ أُمها هندٌ زيدٌ ) فتجعلُ ( الذي ) مبتدأً والتي مبتدأً ثانياً وأختهُ أمها ( صلةٌ التي ) وفيها ما يرجع إلى ( الذي ) وإلى ( التي ) وهند خبر ( التي ) فصارت ( التي ) مع صلتها مبتدأً خبره ( هندٌ ) وهذا المبتدأُ والخبر صلةُ ( الذي ) وقد تم به لأن فيه ذكره و ( زيدٌ ) خبر ( الذي ) فكأنكَ قلت : ( الذي أُختهُ هندٌ زيدٌ ) فلو قلت الذي التي أُختهُ هندٌ أُختها زيدٌ لم يجز لأنك لم تجعل في صلة التي شيئاً يرجع إليهما ولو قلت الذي التي أُختها هندٌ أُخته زيدٌ جازَ لأنكَ جعلتَ ( أُختَها ) مبتدأةً و ( هنداً ) خبرها وهما في صلة ( التي ) وجعلت قولك : أُختهُ خبر التي وجعلت ( الهاء ) التي أضفت الأخت إليها راجعةً إلى ( الذي ) وجعلت التي وصلتها وخبرها صلةً ( للذي ) فصار خبرها مضافاً إلى ضمير الذي يرجع إلى ( الذي )

في صلته وصار زيدٌ خبراً عن ( الذي ) فكأنك قلت ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فصلح أن تضع هذا موضع ( التي ) لأنه ليس في ( التي ) وصلتها ما يرجع إلى ( الذي ) ولولا الهاء في ( أخته ) ما كان كلاماً فإن أدخلت كان على هذا قلت : ( كان الذي التي أُختها هندٌ أختهُ زيداً ) وإن أدخلت ( ظننتُ ) قلت : ( ظننتُ الذي التي أُختها هندٌ زيداً ) فنصبت ( الذي وزيداً ) وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعاً فإن أدخلت في هذه المسائل ( الذي ) ثالثة فالقياس واحد تقول : ( اللذان الذي التي أُخته أُختها أخُتهما هندٌ زيدٌ أخواكَ ) لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات
فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأٌ فتجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً والتي ابتداءً ثالثاً وتجعل أُخته أُختها صلة ( للتي ) والهاء في ( أُختهِ ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها صلة للتي ) والهاء في ( أُختِه ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها ) ترجع إلى ( التي ) وأُختهما خبر للتي وهي مضافةٌ إلى ضمير ( اللذين ) وهي وصلتها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر الذي والذي وصلته وخبره صلة للذين وأخواك خبر ( اللذين ) وتعتبر هذا بأن تجعل موضع ( التي ) مع صلتها اسماً مؤنثاً مضافاً إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك : ( أُختهُ ) فتقول : ( اللذانِ الذي أمُهُ أختهما زيدٌ أخواكَ ) فتجعل موضع ( الذي ) بتمامه صاحبهما فتقول : ( اللذان صاحبهُما زيدٌ أخواكَ ) فالكلام وإن طال فإلى هذا يرجع فنعتبره إذا طال بهذا الإمتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب
وتقول : ( اللذان الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوه أخواكَ ) تجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً و ( أخوهُ زيدٌ ) صلة الذي وأخوهما ابتداءً وأبوهُ خبرهُ وهما جميعاً خبر ( الذي ) والضمير الذي في ( أخيهما ) راجع

إلى ( اللذينِ ) والضمير الذي في قولك : ( أبوه ) راجع إلى الذي والكلام الذي بعد ( اللذين ) إلى قولك : ( أبوهُ ) صلة للذينِ وأخواكَ خبرٌ عنهما ولو أدخلت على هذا ( كانَ ) أو ظننتُ وما أشبههما من العوامل كان الكلام على حاله كله ما خلا ( اللذين وأخويكَ ) فإنهما يتغيرانِ وذلك قولك : ( ظننت اللذينِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ أخَويك ) فلو أخبرت عن اللذينِ لقلت : ( الظانَّهما أنا أخويكَ اللذانِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ )
قال المازني : فإن أخبرت عن زيد جازَ فقلت : ( الظانُّ أنَا اللذين الذي أخوهُ هو أَخوهما أَبوهُ أخويك زيدٌ ) جعلت ( الظانَّ ) ابتداءً وأوقعته على ( اللذين والأخوينِ ) وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك : هو راجعاً إلى ( الظانِّ ) فلذلك صح الكلام قال : ولو أخبرت عن ( غير زيدٍ ) مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير ( زيدٍ ) كلها مضافات إلى مضمراتٍ فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميراً فلا يقومُ مقامَ الراجع الذي كان شيءٌ ولو أخبرت عن ( الذي ) لقلتُ : الظانُّ أنا اللذينِ هو أَخوهما أبوه أَخويكَ الذي أخوهُ زيدٌ
وقال أبو بكر وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته قال : لو قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوهما أخواكَ أُختها أُختهُ زيدٌ ) جاز أن تجعل ( الذي ) مبتدأً ( والتي ) مبتدأةً أيضاً ( واللذين ) مبتدأين والتي مبتدأةً

وتجعل ( أبوها ) مبتدأً وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الثانية وأبوهما خبر ( أبيها ) وهو مضاف إلى ضمير ( اللذينِ ) وأُختها خبر ( التي ) الثانية وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الأولى وهذا كله صلة للذينِ وأخواك خبر اللذينِ وهذا كله صلة للتي الأولى يعني اللذينِ وصلتهما وخبرهما ( وأُختهُ ) خبر عن ( التي ) وهي وصلتُها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر عن ( الذي )
قال أبو بكر : ويعتبر هذاه بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسماً حتى تردَّ الجميع إلى واحد فإذا قلت : ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُختهُ زيدٌ ) عمدت إلى ( التي ) الثانية وصلتها أبوها أبَوهما فأَقمتَ مقامهما ( أمهما ) فصار الكلام الذي التي اللذان أُمهما أختها أخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( اللذين ) وصلتهما اسماً فتقول : الذي التي صاحباها أَخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( التي ) مع صلتها ( هندٌ ) فيصير الكلام : ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فإلى هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل وإن طالت
وإذا قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُخته زيدٌ ) فأردت الإِخبار عن ( الذي ) قلت : ( الذي هو زيدٌ الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُخته ) لأن هذا كله صلة ( للذي ) الذي أخبرت عنه وإن أخبرت عن شيءٍ في الصلة وكان مضافًا إلى ضمير لم يجز وإن كان غير مضاف فالإِخبار عنه جائزٌ نحو الأخوين وزيدٍ فالإِخبار عن هذا كله جائز وتقول : ( الذي إنَّهُ زيدٌ الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ ) تجعل ( الذي ) مبتدأ وتعمل ( إنَّ ) في ضميره وتجعل ( زيداً ) خبراً ( لأن ) وتجعل ( إن ) وما عملت فيه صلة ( للذي ) وتجعل ( الذي ) الثاني خبراً للذين الأول وتجعل ( إنَّ أباهُ منطلقٌ ) صلة للذي الثاني
قال المازني : وإنما جاز أن تجعل في صلة ( الذي ) إنَّ لأنهُ قد جاء في القرآن : ( ما إنَّ مفاتَحهُ ) كأنهُ قال والله أعلم الذي إنَّ ( مفاتحهُ ) لأن ( ما ) إذا كانت بمنزلة ( الذي ) كانت صلتها كصلة الذي

باب أخوات الذي
وهي ( ما ومن وأي ) مضاف ومفرد يكُنَّ استفهاماً وجزاءً وخبراً بمنزلة ( الذي ) فإذا كن استفهاماً أو جزاءً لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو : ( من أبوك ) وما مالك وأي أبوك والجزاء نحو : ( من يأتنا نأته ) وأي يذهب تذهب معه وأياً تأكل آكل وقد يكن بمنزلة ( الذي ) فإذا كن كذلك وصلن بما وصل به ( الذي ) بالإبتداء والخبر وبالظروف وبالفعل وما يعمل فيه نحو : ( اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق ) وكل ما أكل زيد تريد : ( ما أكله زيد ) وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة ( الذي ) لطول الإسم وقد توصل ( أي ) بالإبتداء والخبر وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتي بالخبر فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها كقولك : اضرب أيهم أفضل واضرب أيهم قائم ومثل ذلك قراءة الناس : ( ثمَّ لننَزَعنَّ منْ كل شيعةٍ أيُّهم أشَدُّ ) لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان قبيحاً إنما تقول : ( الذي هو قائم ) فإن قلت : ( الذي قائم ) كان قبيحاً فإن قلت : اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك نصبت لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان حسناً وزعموا أن من العرب من يقول : ( اضرب أيهم أفضل ) على

القياس وقد قرأ بعض أهل الكوفة : ( ثم لنَنزعنَّ من كُل شيعةٍ أيَّهم أشَّد ) وإنما حذف المبتدأ من صلة ( أي ) مضافة لكثرة استعمالهم إياها فإذا كانت مفردة لزمها الإِعراب فقلت : ( اضرب أياً أفضل ) ولا تثني ها هنا وإن كانت ( الذي ) تقبح ها هنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس
قال أبو بكر : هذا مذهب أصحابنا وأنا أستبعد بناء ( أي ) مضافة وكانت مفردة أحق بالبناء ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية كأنه إذا قال : ( اضرب أيهم أفضل ) فكأنه قال : اضرب رجلاً إذا قيل : ( أيهم أفضل ) قيل : هو
والمحذوفات في كلامهم كثيرة والإختصار في كلام الفصحاء كثير موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون وهذا الذي اختاره مذهب الخليل
قال سيبويه : زعم الخليل : أن ( أيهم ) إنما وقع في قولهم اضرب أيهم على أنه حكاية كأنه قال : ( اضرب الذي يقال له أيُّهم أفضل )
وشبهه بقول الأخطل :
( ولَقَدْ أَبِيْتُ مِنَ الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ ... فَأَبِيْتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ )

وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : ( أشهد أنه لعبد الله ) واضرب ( معلقة ) يعني ( بمعلقةٍ ) أنها لا تعمل شيئاً والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل ( منْ ) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحاً أو امرر بمن صالح قال الشاعر :
( يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضائِه واغْتَدَيْن )
وقال الآخر :
( رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ ... لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَال )
فجعلها نكرة وأدخل عليها ( رُبَّ )

واعلم : أنه يجوز أن تقول : لأضربن أيهم في الدار وسأضرب أيهم في الدار ولا يجوز : ( ضربت أيهم في الدار ) وهذه المسألة سئل عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي فطولب بالفرق فقال : ( أيٌ ) كذا خلقت
قال أبو بكر : والجواب عندي في ذلك أن ( أياً ) بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول فإذا كان الفعل ماضياً فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له ( أيّ ) والمستقبل ليس كذلك

باب الإستفهام إذا أردت الإِخبار عنه
إذا قلت : ( أيهم كان أخاك ) فأردت الإِخبار عن الأخ قلت : أيهم الذي هو كأنه أخوك وإن شئت ( كان إيّاه ) كما ذكر في مفعول ( كان ) المضمر فيما مضى وذلك أن اسم ( أي ) كان مضمراً في ( كان ) ولم يستقم أن تجعل ( الذي ) قبل ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) ابتداء في ( كان ) وأخوك خبر ( الذي ) والذي وخبره خبر أي وتقديره تقدير : زيد الذي أبوه ضربه عمرو تجعل ( الذي ) لعمرو والأب هو الفاعل فإن أخبرت عن ( أي ) في هذه المسألة قلت : ( أيهم الذي هو ضرب أخاك ) تجعل ( أيهم ) خبراً مقدماً وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل : ( الذي هو ضرب أخاك أيُّهم ) ثم قدمته لأنه بمنزلة : زيد ضرب أخاك فالإِخبار عن ( زيد ) الذي هو ضرب أخاك زيد فإذا قدمت زيداً وأدخلت عليه ألف الإستفهام قلت : ( أزيد الذي هو ضرب أخاك ) فهذا نظير ( أيهم ) فإن قلت : ( أيهم ضرب أخوك ) فجعلت ( أي ) مفعولة فأردت الإِخبار عن ( أي ) قلت : أيهم الذي إياهُ ضربت أخوك والتقدير : ( الذي إياه ضرب أخوك أيهم ) إلا أنك قدمت ( أي ) وهي خبر الإبتداء لأنها استفهام

( الذي بعضهم هو زيد ) ولكنك قدمت للإستفهام ( فبعض ) يجوز فيها التقديم والتأخير وأن يقع صلةً وغير صلةٍ وخبراً وأيهم إذا كانت استفهاماً لا يجوز أن يكون إلا صدراً كسائر حروف الإستفهام

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز
تقول في قولك : ( ضربنا الذي ضربني ) إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلاً ضربك فأردت أن تجعل اسميكما الخبر قلت : ( الضاربان الذي ضربني نحن ) وتصحيح المسألة
( الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن ) وإنما جاز أن تقول : ( الذي ضربني ) على المجاز وإنه في المعنى واحد ألا ترى أنك لا تقول : ( الضارب الذي ضربني أنا ) إلا على المجاز وتصحيح المسألة : ( الضارب الذي ضربه أنا ) لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا على قصد الإِبهام كأنه قال : ( من ضرب الذي ضربك )
فأجبته بحسب سؤاله فقلت : ( الضارب الذي ضربني أنا ) كما تقول : ( الضارب غلامي أنا ) والأحسن : ( الضارب غلامه أنا ) لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره والأحسن أن تضيفه إلى ضميره فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك
( ضربنا الذي ضربني ) قلت : ( الضاربة نحن الذي ضربني ) هذا المجاز وتصحيح المسألة الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا

باب مسائل من الألف واللام
تقول : هذا ثالث ثلاثة قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة فإن قيل لك : في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر
لم يجز أن تقول : الذين هذا حاديهم أحد عشر ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر كما قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة لأن أصل ( حادي ) أحد عشر وثالث ثلاثة عشر حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين فلما ذهب لفظ ( أحد عشر ) وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك حادي أحد عشر وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول : حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم وأنت تريد ثلث ثلاثة ولو أردت إدخال الألف واللام فقلت : الحادي عشر هم أنا أو

الثاني الثاني عشرهم أنا لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل لأنه اشتق من شيئين وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس ولولا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة
قال الأخفش : ألا ترى أن العرب لا تقول : هذا خامس خمسة عدداً ولا ثاني اثنين عدداً وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام لأن ذلك بناء يكون في الأفعال وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى قال : ولكنه في القياس جائز أن تقول : الثاني اثنين أنا والثانيهما أنا اثنان ليس بكلام حسن وإذا قلت : هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه لأنك تريد : هذا الذي جعل اثنين ثلاثة والذي جعل ثلاثةً أربعةً ومع ذلك فهو ضعيفٌ لأنه ليس له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق ( ضارب ) من الضرب ومن ضرب فإذا قلت : هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة
فأخبرت عن ثلاثة قلت : الذين هذا رابعهم ثلاثةٌ وبالألف واللام : الرابعهم هذا ثلاثة وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به فثالث ورابع مشبه بفاعل وليس به وتقول : مررت بالضاربين أجمعون زيداً فتؤكد المضمرين في ( الضاربين ) لأن المعنى : ( الذين ضربوا أجمعون زيداً ) ولو قلت : مررت بالضاربينَ أجمعين زيداً لم يجز لأن الصلة ما تمت ولا يجوز أن تؤكد ( الذين ) قبل أن يتم بالصلة ألا ترى أنك لو قلت : ( مررت بالذين أجمعين في الدار ) لم يجز أنك

وصفت الإسم قبل أن يتم
وتقول : ( زيد الذي كان أبوه راغبين فيه ) فزيد : مبتدأٌ و ( الذي ) خبره ولا بد من أن يرجع إليه ضمير أما الهاء في ( أبويه ) وأما الهاء في ( فيه ) لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى ( الذي ) والآخر إلى ( زيد ) فكأنك قلت : ( زيد الرجل الذي من قصته كذا وكذا ) فإن جعلت ( الذي ) صفة لزيد احتجت إلى خبر فقلت : زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق
فكأنك قلت : ( زيد الظريف منطلق ) فإن جعلت موضع زيد ( الذي ) فلا بد من صلة ولا يجوز أن تكون ( الذي ) الثانية صفة لأن ( الذي ) لا يوصف حتى يتم بصلته فإذا قلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم فإذا جئت بخبر تمت صلة الأولى ( بالذي الثانية ) وخبرها فصار جميعه يقوم مقام قولك : زيد فقط واحتجت إلى خبر فإن قلت : أخوك تم الكلام فقلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك كأنك قلت : ( الذي أبوه منطلق أخوكَ ) فإن جعلت موضع ( منطلق ) مبتدأ وخبراً لأن كل مبتدأ يجوز أن تجعل خبره مبتدأ وخبراً قلت : ( الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ أخوك )
فكأنك قلت ( الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك ) فإن جعلت موضع ( أخوك ) مبتدأ وخبراً قلت الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ عمرو أخوه فالذي الثانية صلتها ( كان أبواه راغبين فيه ) وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته وجاريته ومنطلقة جميعاً خبر الذي الثانية والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة

للذي الأولى فقد تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ وعمرو مبتدا ثانٍ
وأخوه خبر عمرو وعمرو وأخوه جميعاً خبر الذي الأولى فإن جعلت ( من ) موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما تقول : مَنْ مَنْ كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه فإن أدخلت ( كان ) على ( من ) الثانية قلت : ( من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه ) لا فرق بينهما في اللفظ إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب ألا ترى أنك لو جعلت خبر ( من ) الثانية اسماً مفرداً كمنطلق لقلت : ( من من كان أبواه راغبين فيه منطلقاً عمرو أخوه ) فإن أدخلت على ( من ) الأولى ( ليس ) فاللفظ كما كان في هذه المسألة إلا أن موضع قولك : ( عمرو أخوه ) نصب لأن ( من ) بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر فكأنك قلت : ( ليس زيد عمرو أخوه )
وقال الأخفش : ( إذا قلت الضاربهما أنا رجلان ) جاز ولا يجوز : الثانيهما أنا اثنانِ لأنك إذا قلت : ( الضاربهما ) لم يعلم أرجلانِ أم امرأتان فقلت : رجلان أو أمرأتان وإذا قلت : الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين فكان هذا الكلام فضلاً أن تقول : الثانيهما أنا اثنانِ قال : ولو قالت المرأة الثانيتهما أنا اثنان كان كاملاً لأنها قد تقول : الثانيتهما أنا اثنتان
إذا كانت هي وامرأة قال : فإن قلت : الضاربتهن أنا إماء اللّهِ والضاربهن أنا إماء الله وقد علم إذا قلت : الضاربهن أنهن من المؤنث قلت : أجل : ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا ولو قالت المرأة : ( الثالثتهن أنا ثلاث ) كان رديئاً لأنه قد علم إذا قالت : الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث وكذلك إذا قالت : الرابعتهن أنا أربع يكون رديئاً لأنه قد علم
فإذا قلت : رأيت الذي قاما إليه فهو غير جائز لأن قولك :

الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له وتصحيح المسألة رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك فترجع الألف في ( قاما ) إلى ( اللذين ) والهاء في ( إليه ) إلى ( الذي ) وأخوك خبر ( الذي ) فتمت صلة اللذين وصح الكلام ولو قلت : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها ) لم يجز وإن تمت الصلة لأن ( التي ) ابتداء ثانٍ وتكرمه صلة لها وتضربها خبر ( التي ) وجميع ذلك صلة ( الذي ) فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول ( لظننت ) وتحتاج ( ظننت ) إلى مفعولين فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولاً ثانياً فتقول : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك ) وما أشبه ذلك وتقول : ( ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمهُ عبد الله ) فاللذان ارتفعا ( بضرب ) والقائمان إلى ( زيد ) مبتدأ وأخواهما خبرهما وجميع ذلك صلة اللذين فقد تمت صلة ( اللذينِ ) والذي مفعول والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره وجميع ذلك صلة ( الذي ) وقد تم بصلته وإن جعلت ( الذي ) الفاعل نصبت ( اللذينِ ) وتقول : رأيت الراكبَ الشاتمهُ فرسَكَ والتقدير رأيت الرجل الذي ركب الرجلُ الذي شتَمهُ فرسَكَ وتقول : ( مررت بالدار الهادمها المصلحُ داره عبد الله ) فقولك : ( الهادمها ) في معنى ( التي هدمها الرجل الذي أصلح دارَهُ عبدُ الله ) وتقول : ( رأيت الحاملَ المطعمَةُ طعامَك غلامُكَ ) أردت : رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام ( الذي ) مع صلته اسماً مفرداً وموضع ( الذي ) صفة مفردة لتتبين صحة المسألة وتقدير هذه المسألة : رأيت الحاملَ الرجلَ الظريفَ وتقول : ( جاءني القائم إليه الشارب ماءهُ الساكن داره الضارب أخاه زيد ) فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته والشارب ارتفع

بقائم والساكن ارتفع ( بشارب ) والضارب ارتفع ( بساكن ) وزيد ( بضارب ) وتقول : ( الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكلَ طعامَهُ غلامُهُ ) تريد : ( أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامَهُ الضاربُ الشاتمَ المكرمَ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً ) كأنك قلت : أكرم زيد الضارب الرجل سوطاً
واعلم : أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا فمن قولك ( الضارب ) إلى أن تفرغ من قولك سوطاً اسم واحد فيجوز أن تبدل من القائم بشراً ومن المعطي بكراً ومن المكرم عمراً ومن الشاتم خالداً ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول : ( عبد الله ) فتصير المسألة حينئذ : الضاربُ الشاتمُ المكرمُ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً بشر بكراً عمراً خالداً عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من ( المعطيه ) قبل البدل من ( القائم ) لأنك إذا فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من القائم في صلة المعطي والبدل من المعطي في صلة المكرم فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإِبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات لأنها كلها في صلة الضارب ولو فعلت ذلك كنت قد

أبدلت منه قبل أن يتم
فإن أبدلت من الفاعل وهو ( الآكل ) فلك ذاك فتقول : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكل طعامَهُ غلامهُ جعفر
وتقول : الذي ضربني إياه ضربت فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت والهاء في ( إياه ) ترجع إلى الذي وإنما جاء الضمير منفصلاً لأنك قدمته وتقول بالذي مررت بأخيه مررت تريد : مررت بأخيه إذا قلت : ( الذي كان أخاه زيد ) إن أردت النسب لم يجز لأن النسب لازم في كل الأوقات وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز تكون الهاء ضمير رجل مذكور وتقول : الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته وداره مبتدأ ثان ودارك خبرها وهما جميعاً خبر ( الذي ) وتقول : ( الذي ضربت زيد أخوك ) فالذي مبتدأ و ( ضربت ) صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد وتقول : الذي ضربت زيداً شتمت تريد : ( شتمت الذي ضربته زيداً ) فتجعل زيداً بدلاً من الهاء المحذوفة وتقول : ( الذي إياه ظننت زيد ) ( الذي ظننته زيداً ) وتجعل إياه لشيء مذكور ولا يجوز أن تقول : ( الذي إياه ظننت زيد )
وإن جعلت ( إياه ) للذي لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد فإن قلت : المفعول الثاني الهاء محذوفة من ( ظننت ) فلا يجوز في هذا في الموضع أن تحذف الهاء لأنها ليست براجعة إلى الذي وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي وإنما تحذف الهاء من صلة ( الذي ) متى كانت ترجع إلى ( الذي ) وكذاك : ( الذي أخاه ظننت زيد ) وإن أضمرت هاء في ( ظننت ) ترجع إلى الذي جاز وإن جعلت الهاء في ( أخيه ) ترجع إلى ( الذي ) لم يجز أن تحذف الهاء من ( ظننت ) لأنها حينئذ لمذكور غير الذي وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير ( الذي ) لأنها حينئذ لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الإسم كما

حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا : اشهباب لطول الإسم
فأما إذا كانت الهاء ضميراً لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك ألبتة فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه وتقول : ( الذي ضارب أخوك ) تريد الذي هو ضارب أخوك فتحذف هو وإثباتها أحسن ( فهو ) مبتدأ وضارب خبره وهما جميعاً صلة ( الذي ) وهو يرجع إلى ( الذي )
وتقول : الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك
نسقت بعبد الله على ( هو ) فتقول في هذه المسألة على قول من حذف : ( هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك ) عطفت ( عبد الله ) على ( هو ) المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه وإنما استقبحته لأن المحذوف ليس كالموجود وإن كنا ننويه ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسماً واحداً لا ثاني له ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك وذلك قولك : ( قمت وزيد ) يستقبحونه حتى يقولوا : قم أنت وزيد فاذهب أنت وربُّك لأنه لو قال ( اذهب وربكَ ) كأن في السمع العطف على الفعل وإن كان المعنى غير ذلك وهو يجوز على قبحه وتقول : ( الذي هو وعبد الله ضَرباني أخوكَ ) فإن حذفت ( هو ) من هذه المسألة لم يجز لا تقول : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) فتضمر ( هو ) لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسماً ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( الذي هو ضربني زيد ) لم يجز أن تحذف ( هو ) وأنت تريده فتقول : ( الذي ضربني زيد ) لأنَّ الذي قد وصلت بفعل وفاعل والفاعلُ ضمير ( الذي ) ولا دليل في ( ضربني ) على أن هنا محذوفاً كما يكون في الأسماء ألا ترى أنك إذا قلت : ( الذي منطلقٌ زيد ) فقد دلك ارتفاع

( منطلقٍ ) على أن ثم محذوفاً قد ارتفع به ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) وجاز في قولك : ( الذي وعبد الله ضاربانِ لي أخوكَ ) فهذا فرق ما بين المسألتين ولا يجوز أيضاً : ( الذي وعبد اللّهِ خلفكَ زيد ) تريد : ( الذي هو ) فإن أظهرت ( هو ) جاز والفراء يجيز : الذي نفسه محسن أخوكَ تريد : الذي هو نفسهُ محسن أخوكَ يؤكد المضمر وكذاك : ( الذين أجمعون محسنون أخوتك ) تريد : ( الذين هم أجمعونَ ) فيؤكد المضمر قال : ومحال : ( الذي نفسهُ يقومُ زيد ) وقام أيضاً وكذلك في الصفة يعني الظرف محال الذي نفسه عندنا عبد اللّهِ فإن أبرزته فجيد في هذا كله ومن قال : ( الذي ضربتُ عبد اللّهِ ) لم يقل : ( الذي كان ضربتُ عبد الله ) وفي ( كان ) ذكر الذي لأن الضمير الراجع إلى الذي في ( كان ) فليس لك أن تحذفه من ( ضربت ) لأن الهاء إذا جاءت بعد ضميرٍ يرجع إلى ( الذي ) لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي فإن جلعت في ( كان ) مجهولاً جاز أن تضمر الهاء لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة ( ككان ) تقول : ( الذي ليس أضربُ عبد اللّهِ ) وفي ( ليس ) مجهول فإن كان فيه ذكر ( الذي ) لم يجز فإن ذهبت ( بليس ) مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى ( الذي ) فإذا قلت : ( الذي ما ضربتُ عبد اللّهِ ) الهاء المضمرة ترجع على ( الذي ) فإن قلت : ( الذي ما هو أكرمتُ زيد ) في قول من جعل ( هو ) مجهولاً جاز لأن الإِضمار يرجع على ( الذي ) وتقول : ( الذي كنت أكرمتُ عبد الله ) تريد أكرمتهُ
وتقول : ( الذي أكرمتُ ورجلاً صالحاً عبد الله )

تريد : أكرمته وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها وتقول : ( الذي محسناً ظننتُ أخوكَ ) تريد : ظننتهُ ومحسناً مفعول ثان فإذا قلت : ( الذي محسناً ظننتُ وعبد الله أخوك ) قلت : محسنينِ لأنك تريد : الذي ظننتهُ وعبد الله محسنينِ
وأجاز الفراء : ( ما خلا أخاهُ سارَ الناسُ عبد اللّهِ ) تريد : الذي سارَ الناسُ ما خلا أخاهُ عبد اللّه
ويقول : الذي قياماً ليقومن عبد الله تريد : ( الذي ليقومنَ قياماً عبد الله ) وكذلك : ( الذي عبد الله ليضربنَ محمدٌ ) ورد بعض أهل النحو ( الذي ليقومنَ زيدٌ ) فيما حكى الفراء وقال فاحتججنا عليه بقوله ( وإنَّ منكم لَمَنْ ليبطئنَ ) وإذا قلت : ( الذي ظنَّكَ زيداً منطلقاً عبد الله ) فهو خطأ لأنه لم يعد على الذي ذكره وإذا قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ عبد الله ) فهو خطأ أيضاً لأنه لا خبر للظن وهو مبتدأ فإن قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ صواب عبد الله ) جاز لأن الذكر قد عاد على ( الذي ) وقد جاء الظن بخبر ولا يجوز أن تقول : ( الذي مررتُ زيدٌ ) تريد : ( مررت به زيدٌ ) كما بينت فيما تقدم
ويجوز : ( الذي مررت مَمرٌ حسنٌ ) لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و ( الذي ) هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول : ( الذي مررتهُ ممرٌ حسنٌ ) وقال الفراء : لا إضمار هنا لأنه مصدر كأنك قلت : ( ممرُكَ مَمرٌ حَسنٌ ) واحتج بقول الله عز و جل : ( فاصدع بما تؤمر ) وقال : لا إضمار هنا لأنه في مذهب المصدر وكذاك ( ما خلق الذكر والأنثى ) لم يعد على ( ما ) ذكر لأنه في مذهب المصدر قال أبو بكر : أما قوله في ( ما ) ففيها خلاف من النحويين من يقول : أنها وما بعدها قد يكون بمعنى المصدر

ومنهم من يقول : إنها إذا وقعت بمعنى المصدر فهي أيضاً التي تقومُ مقامَ ( الذي ) ولا أعلم أحداً من البصريين يجيز أن تكون ( الذي ) بغير صلة ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهراً وإما محذوفاً ولا أعرف لمن ادعى ذلك في ( الذي ) حجة قاطعة وقوله عز و جل : ( فاصدعْ بما تؤمرُ ) قد بينت ذلك : أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه يتعدى إلى المصدر بغير حرف جرٍ وتقول : ( ما تضربُ أخويك عاقلين ) تجعل ( ما ) وتضرب في تأويل المصدر كأنك قلت : ( ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقليِن وإذْ كانا عاقلينِ ) ولا يجوز أن تقدم ( عاقلين ) فتقول : ( ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ ) ولا يجوز أيضاً : ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ وإنما استحال ذلك من قبل أن صلة ( ما ) لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض ولا بين ( ما ) وبينها بشيءٍ ليس من الصلة
وتقول : ( الذي تضربُ أَخوينا ) ( قبيحينِ ) تريد : ( إذا كانا قبيحينِ ) فإن قلت : قبيحٌ رفعت فقلت : ( الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ )
واعلم : أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا ( الذي ) وحدها لأن ( الذي ) لها تصرف ليس هو لمنْ وما ألا ترى أنك تقول : ( رأيتُ الرجلَ الذي في الدار ) ولا تقول : رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار وأنت تريد الصفة وتقول : ( رأيتُ الشيءَ الذي في الدار ) ولا تقول : ( رأيتُ الشيءَ ما في الدار ) وأنت تريد : الصفة فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف و ( مَنْ وما ) لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا ويفرق بين الذي وبين ( مَنْ ) وما أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ وللواحد العلمِ وللجنس وهي تقوم في كل موضع مقام الصفة و ( مَنْ )

مخصوصة بما يعقل ولا تقع موقع الصفة و ( ما ) مخصوصة بغير ما يعقل و لا يوصف بها
وقال الفراء : مَنْ نعت ( مَنْ وما ) على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب
قال : وإنما جاز في القياس لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته قال : وأما ( ما ومن ) فتؤكدان يقال : نظرتُ إلى ما عندكَ نفسه ومررت بمَن عندكَ نفسِه قال أبو بكر : والتأكيد عندي جائزٌ كَما قال وأما وصفهما فلا يجوز لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين ( الذي ) وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات وأما ( أنْ ) إذا وصلتها فلا يجوز وصفها لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الإسم وإنما تذكر ( أن ) إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمانٍ بعينه فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى ( أنْ ) وتقول : ( مَنْ أحمرُ أخوكَ ) تريد : منْ هو أحمرُ أخوكَ مَنْ حمراءُ جاريتُكَ تريد : مَنْ هي حمراءُ جاريتُكَ وليس لك أن تقول منْ أَحمُر جاريتُكَ فتذكر أحمر للفظ مَنْ لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضاً باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول : ( مَنْ أحمرَ جاريتُكَ ) ويجوز أن تقول : منْ محسنٌ جاريتُكَ لأنك تقول : محسنٌ ومحسنةٌ كما تقول : ضَربَ وضربتُ

فليس بين محسنٍ ومحسنةٍ في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حَسنٌ تقول : منْ أحسَن جاريتُكَ ومن أحسنتَ جاريتكَ كلٌّ عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر ( هو ) ولا ( هي ) فإذا قلت : ( محسنٌ جاريتُكَ ) فكأنَّكَ قلت : ( مَنْ هو محسنٌ جاريتُكَ فأكدت تذكير ( مَنْ ) بهو ثم يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت ( هو ) وهو مع الحذف أحسن وتقول : ( ضربتُ الذي ضربني زيداً ) إذا جعلته بدلاً من ( الذي ) فإن جعلته بدلاً من اسم الفاعل وهو المضمر في ( ضربني ) رفعته فقلت : ضربتُ الذي ضربني زيدٌ لأن في ( ضربني ) اسماً مرفوعاً تبدل زيداً منه وتقول : ( ضربتُ وجه الذي ضَربَ وجهي أخيكَ ) لأن الأخ بدل من ( الذي ) فإن أبدلتهُ من اسم الفاعل المضمر في ( ضربَ ) رفعته ولا يجوز أن تنصب ( الأخ ) على البدل من الوجه لأن الأخَ غير الوجه
وتقول : ضربتُ وجوهَ اللذينِ ضربا وجهي أخويكَ إذا جعلت أخويكَ بدلاً من ( اللذينِ ) فإن جعلتهما بدلاً من الألف التي في ( ضربا ) رفعت وإنما قلت : ضربتُ وجوهَ ( اللذينِ ) لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة
قال الله جل ثناؤه : ( فاقطعوا أيديهما ) وقال : ( فقد صغت قلوبكما ) وتقول : ( ضربَ وجهي الذين ضربتُ وجوههم أُخوتُكَ ) ترفع الأخوة إذا جعلتهم بدلاً من ( الذينِ ) فإن جعلتهم بدلاً من الهاء والميم اللتين في جوههم جررت
وتقول : ( مررت باللذينِ مَرا بي أخويكَ ) إذا كانا بدلاً من ( اللذينِ ) فإن

كانا بدلاً من الألف في ( مَرا ) رفعت فقلت : ( أخواكَ ) لأن في ( مَرا ) اسمين مضمرين ولو قلت : ( ضربني اللذان ضربتُ الصالحانِ ) وأكرمتُ وأنت تريد أن تجعل : ( وأكرمت ) من الصلة لم يجز لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها وتقول : المدخولُ به السجنَ زيدٌ لأن السجن قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء فالمدخولُ به السجنَ ابتداء وزيد خبر الإبتداء وتقول : المدخل السجن زيد : على خبر الإبتداء وأضمرت الإسم الذي يقوم مقامَ الفاعل في ( المدخل ) ويدلك على أن في ( المدخل ) إضماراً أنك لو ثنيته لظهر فقلت المدخلان وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد وإن شئت قلت : ( المدخلهُ السجنَ زيدٌ ) كأنك قلت : ( الذي أَدخلهُ السجن زيد ) ولك أن تقول : ( الذي أُدخلَ السجن إياهُ زيد ) لأن ( أدخل ) في الأصل يتعدى إلى مفعولين فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولاً آخر ولا بدّ من إظهار الهاء في ( المدخله ) وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم
وتقول : ( أُدخلَ المدخلُ السجنَ الدارَ ) لأن في ( المدخل ) ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة والمدخلُ وصلته مرفوع بأدخل : والدار منصوبة بأدخل لأنه مفعول له كأنك قلت : أدخلَ زيد الدارَ وتقول : ( أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدارَ ) قام المدخول به مقام الفاعل ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء ومن قال : ( دخلَ بزيدٍ السجنُ ) قال : أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدار
وتقول : ( دُخلَ بالمدخلِ السجنَ الدار ) والتأويل : ( دخلَ بالذي أدخلَ السجنَ الدارُ ) فإن ثنيت قلت : ( باللذينِ أُدخلا السجنُ الدارَ ) وتقول :

( جاريةُ منْ تضربْ نضربْ ) تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت ( مَنْ ) بمعنى ( الذي ) كأنك قلت : ( جارية الذي تضربه تضربُ ) فإن جعلت ( من ) للجزاء قلت : ( جاريةُ مَنْ تضربْ نضربْ ) تجزم الفعلين وتنصب الجارية بالفعل الأول لأن الثاني جواب فإن جعلت ( من ) استفهاماً قلت : ( جاريةُ من تضربْ ) جزمت ( أضرب ) لأنه جواب كما تقول : ( أتضربُ زيداً أضربْ ) أي : إنْ تفعل ذاك أفعل وتقول : جارية من تضربها نضربْ ترفع الجارية بالإبتداء وشغلت الفعل بالهاء و ( من ) وحدها اسم لأنه استفهام والكلام مستغن في الإستفهام والجزاء لا يحتاج ( من ) فيهما إلى صلة فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت وتقول : على منْ أنتَ نازلُ إذا كنت مستفهماً توصل نازلاً ( بعلى ) إلى ( من ) فإن جعلت ( من ) بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلاماً لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها فإن كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها فلو قلت : على من أنت نازلٌ عليه لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى ( من ) شيئاً فإن قلت : ( نزلتُ على من أنتَ عليه نازلٌ ) جاز وتقول : أبا مَنْ تكنى وأبا من أنتَ مكنى ( فمنْ ) في هذا استفهام ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى ( الذي ) أضمرت الإسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى وتكنى ونصبت أبا منْ لأنه مفعول به متقدم وإنما نصبته ( بتكنى ) وهو لا يجوز أن يستقدم عليه لأنه استفهام فالإستفهام صدر أبداً مبتدأ كان أو مبنياً على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولاً ولا يجوز تقديم الفعل على الإستفهام وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الإستفهام لا تكون إلإ صدراً ولا يجوز أن يقدم على حرف الإستفهام

شيء مما يستفهم عنه من الكلام وتقول : أبو مَنْ أنتَ مكنى به رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك ( به ) كأنك قلت : أأبو زيد أنتَ مكنىً به ولو قلت : بأبي من تكنى به كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة ألا ترى أنك تقول : ( بعبد الله مررتُ ) ولا يجوز : ( بعبد الله مررتُ به ) ولو جعلت ( من ) في هذه المسألة بمعنى ( الذي ) لم يجز حتى تزيد فيها فتقول : ( أبو منْ أنت مكنى به زيد ) ألا ترى أنك تقول : من قام فيكون كلاماً تاماً في الإستفهام فإن جعلت ( من ) بمعنى ( الذي ) صار ( قام ) صلة واحتاجت إلى الخبر فلا بدّ أن تقول : ( من قام زيد ) وما أشبههه وتقول : ( إنَّ بالذي به جراحات أخيكَ زيد عيبين ) فقولك : عيبين اسم ( إنَّ ) وجعلت الهاء بدلاً من الذي ثم جعلت زيداً بدلاً من الأخ وتقول : إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان تجعل الأخ بدلاً من ( الذي ) وزيداً بدلاً من الأخ وبه عيبين خبر إنّ
وتقول : ( إنّ الذي في الدار جالساً زيدٌ ) تريد : إنّ الذي هو في الدار جالساً زيد وإن شئت لم تضمر وأعملت الإستقرار في الحال ألا ترى أن ( الذي ) يتم بالظرف كما يتم بالجمل وإن شئت قلت : ( إنّ الذي في الدار جالس زيد ) تريد : ( الذي هو في الدار جالس ) فتجعل جالساً خبر هو وتقول : ( إنّ الذي فيكَ راغب زيد ) لا يكون في ( راغب ) إلا الرفع لأنه لا يجوز أن تقول : ( إن الذي فيك زيدٌ ) وتقول : ( إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو ) تريد : ( إنّ ) أخويك اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو فزيد وعمرو خبر ( إنّ ) ولا يجوز أن تنصب كفيلين لأن بك لا تتم بها صلة ( الذي ) في هذا المعنى وقال الأخفش : تقول : ( إنّ الذي به كفيل أخواك زيد ) لأنها صفة مقدمة قال : وإن شئت قلت : ( كفيلاً ) في قول من قال : أكلوني البراغيثُ
قال أبو بكر : معنى قوله : صفة مقدمة

يعني : أن كفيلا صفة وحقها التأخير فإذا قدمت أعملت عمل الفعل ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيءٍ قبلها وقد بينا هذا في مواضع ومعنى قوله في قول من قال : ( أكلوني البراغيث ) أي تثنية على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو : قامَ وقامتْ وقد مضى تفسير هذا أيضاً
وتقول : ( إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا ) تريد : أن اللذين أخواكَ في دارهما جالسين تنصب ( جالسين ) على الحال من الظرف
وإن رفعت ( جالسين ) فقلت : إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا تريد أن اللذينْ أخواكض في دارهما جالسينِ رفعت وجعلتهما خبر الأخوينِ وتقول : منهنَ منْ كان أختُكَ وكانت أُختُكَ : فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل وكذلك : منهن من كانتا أُختيكَ ومنهن من كان أخواتك وكنَّ أخواتكَ ومن يختصمان أخواك وإن شئت : من يختصمُ أخواكَ توحد اللفظ وكذاك : من يختصمُ إخوتُكَ ويختصمون وتقول : منْ ذاهب وعبد الله محمد نسقت بعبد الله على ما في ( ذاهب ) والأجود أن تقول : ( من هو وعبد الله ذاهبان محمد ) فإذا قلت : ( من ذاهب وعبد الله محمد ) فالتقدير من هو ذاهب هو وعبد الله محمد ( فهو الأول ) مبتدأ محذوف
وتقول : ( من يحسن أخوتك ) ولك أن تقول : ( من يحسنون إخوتُكَ ) مرة على اللفظ ومرة على المعنى
وتقول : ( من يحسنُ ويسيءُ إخوتُكَ ومن يحسنون ويسيئونَ أخوتك وقبيح أن تقول : ( من يحسنُ ويسيئونَ إخوتُكَ لخلطك المعنى باللفظ في حالٍ واحدة وتقول ( الذي ضربتُ عبد الله فيها ) تجعل عبد الله بدلاً من ( الذي ) بتمامها فإن أدخلت ( إن ) قلت : ( إن الذي ضربتُ عبد الله فيها ) نصبت عبد الله على البدل فإن قلت : ( الذي فيك

عبد الله راغب ) لم يجز لأن ( راغباً ) مع ( فيك ) تمام الذي فلا يجوز أن يفرق بينهما وتقول : ( الذي هو هو مثلُكَ ) الأول كناية عن الذي والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم ضمير الأجنبي ومن قال : ( الذي منطلق أخوك ) وهو يريد : ( الذي هو منطلق أخوك ) جاز أن تقول : ( الذي هو مثلك ) يريد : ( الذي هو هو مثلُكَ ) فتحذف ( هو ) التي هي ضمير الذي وتتركُ ( هو ) التي هي ضمير مذكور وقد تقدم لأنها موضع ( منطلق ) من قولك الذي منطلق مثلك
وتقول : ( مررتُ بالذي هو مسرع ومسرعاً ) فمن رفع ( مسرعاً ) جعل هو مكنياً من ( الذي ) ومن نصب فعلَى إضمار ( هو ) أخرى كأنه قال : الذي هو هو مسرعاً لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام
وتقول : ( مررت بالذي أنت محسناً ) تريد : الذي هو أنت محسناً ولا يجوز رفع ( محسن ) في هذه المسألة وتقول : من عندك اضرب نفسهُ تنصب ( نفسه ) لأنه تأكيد ( لمنْ ) فموضع ( من ) نصب ( بأضربُ ) فإن جعلت نفسه تأكيداً للمضمر في ( عند ) رفعت وقدمته قبل ( أضربُ ) ولم يجز تأخيره لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة فتقول : إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب وتقول : ( من من أضربُ أنفسهم عبد الله ) تؤكد ( من ) فتجر وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر كأنك قلت من من أضربُهم أنفسَهم وأجاز الفراء : ( من من أضربُ أنفسهُ ) يجعل الهاء ( لمْن ) ويوحد للفظ ( من ) وقال : حكى الكسائي عن العرب : ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسهِ الهاء للفظ الجراد وقال : تقول : ( من من داره تبنى زيد ) تريد : ( مِنَ الذينَ دورهم تبنى زيد ) قال : ولا يجوز أن تقول : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) حتى تقول :

( مِنْ مَنْ أَرأسهُ مخضوباتٌ ) فرق بين رأس ودار لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة قال : ويجوز : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) فيمن أجاز ضربت رأسكم وتقول : ( مِنَ المضروبين أحدُهم محسنٌ زيدٌ ) تريد : ( مِنَ المضروبين وأحدهم محسن زيد ) والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول فإن لم يكن لم يجز حذف الواو فإن قلت : ( من المظنونين أحدُهم محسن زيد ) جاز بغير إضمار واو لأن قولك : ( أحدُهم محسنٌ ) مفعول للظن كما تقول : ( ظننت القوم أحدهم محسن ) فأحدهم محسن مبتدأ وخبر في موضع مفعول ثانٍ للظن فإذا رددته إلى ما لم يُسمَ فاعله قلت : ( ظُنَّ القومُ أحدُهم محسنٌ ) وتقول : ( مررت بالتي بنى عبد الله ) تريد : ( الدار التي بناها عبد الله ) وتقول : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ أبوها ) ولا يجوز : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ ) ولو جازَ هذا لجاز : زيد أبوهُ وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد لأنه لا يجب منه أن يكون زيد أبا نفسِه وهذا محال إلا أن تريد التشبيه أي : زيدُ كأبيهِ وتقول : ( مررت بالذي كَفلَ بالغلامين أبيهما ) تجعل ( الأبَ ) بدلاً من الذي ( وهما في أبيهما ضمير الغلامين ) وكذاك : ( إنَّ الذي كفلَ بالغلامين أبوهما ) فأبوهما خبر إن ( وهما ) من أبيهما يرجع إلى الغلامين وتقول : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) نسقت ( ألطفني ) على ( أكرمني ) وهما جميعاً في صلة الذي وعبد الله بدل من الذي فإن عطفت ( ألطفني ) على مررت رفعت عبد الله فقلت : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) فأخرجت ( ألطفني عبد الله ) من الصلة كأنك قلت : ( مررت بزيد وألطفني عبد الله ) وتقول : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) رجع إلى الذي ما في ( أكرمني ) فصح الكلام ولا تبال أن لا تعدى ( مررت ) إلى شيءٍ هو نظير قولك : الذي قعدتُ وقمتُ إليه زيدٌ
فإن قلت : ( الذي أكرمني ومررتُ عبد الله ) جاز

أيضاً لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول : ( أكرمني زيد ومررتُ ) لا تريد أنك : مررت بشيءٍ وإنما تريد : مضيتَ
وقال قوم : ( الذي أكرمني ومررت عبد الله ) محال
لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك : ( الذي أكرمني ومررت به عبد الله ) وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدى ( مررت ) إلى ضمير الذي فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) على معنى الإِضمار وإذا قلت : ( الذي أكرمتُ وظننتُ محسناً زيد ) جاز تريد : ( ظننتهُ ) لا بدّ من إضمار الهاء في ( ظننتُ ) لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد وأما أكرمتُ فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر كما فعلت في ( مررت )
وتقول : ( مررت بالذي ضربتُ ظننتُ عبد الله ) تلغي الظن فإن قدمت ( ظننت ) على ( ضربتُ ) قبح لأن الإِلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول : ( الذي ضربتُ ضربتُ عبد الله ) والتأويل : ( الذي ضربتهُ أمس ضربُ اليوم ) ( فالذي ) منصوب ( بضربتُ ) الثاني وعبد الله بدل من ( الذي )
وتقول : ( للذي ظننتهُ عبد الله درهمان ) تريد : للذي ظننته عبد الله درهمان فإذا قلت : للذي ظننت ثم عبد الله درهمان صار ( ثم ) المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من ( ظننت ) وجررت عبد الله مبدلاً له من الذي وتقول : تكلم الذي يكلم أخاكَ مرتين إن نصبت أخاك ( يتكلم ) الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة وإن شئت كان منصوباً بتكلم بالفعل الناصب ( للذي ) فإن جعلت أخاك بدلاً من ( الذي ) لم يجز أن يكون ( مرتين ) منصوباً بالفعل الذي في الصلة لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها
وتقول : الذين كلمت عامةً أخوتك تريد : ( الذين كلمتهم عامة أخوتُكَ ) والذين كلمتُ جميعاً أخوتكَ مثله تنصب ( عامة ) وجميعاً نصب الحال فإن قلت : الذين ( عامةً ) كلمتُ إخوتُكَ قبحَ عندي لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد والمؤكدُ لا يكون قبل المؤكَّدِ كما

أن الصفة لا تكون قبل الموصوف وتقول : ( الذي عَن الذي عنكَ معرضٌ زيدٌ ) تريد : الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد كأنك قلت : ( الذي معرض عن الرجل زيدٌ ) وهذا شيءٌ يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد وتقول : ( أعجبني ما تصنع حسناً ) تريد : ( ما تصنعهُ حَسناً ) وكذلك : ( أعجبني ما تضربُ أخاكَ ) تريد : ( ما تضربهُ أخاكَ ) فما وصلتُها في معنى مصدر وكذلك : ( أعجبني الذي تضربُ أخاكَ ) تريد : الذي تضربهُ أخاكَ و ( ما ) أكثر في هذا من ( الذي ) إذا جاءت بمعنى المصدر
واعلم أنك إذا قلت : ( الذي قائم زيد ) فرفعت ( قائماً ) وأضمرت ( هو ) لم يجز أن تنسق على هو ولا تؤكده لا تقول : ( الذي نفسه قائمٌ زيدٌ ) الذي وعمرو قائمان زيد وقوم يقولون إذا قلت : ( الذي قمتُ فضربتهُ زيد ) إذا كان القيام لغواً فالصلة ( الضربُ ) وإن كان غير لغوٍ فهو الصلة ولا يجيزون أن يكون لغواً إلا مع الفاء ولا يجيزونَهُ مع جميع حروف النسق فإن زدت في الفعل جحداً أو شيئاً فسد نحو قولك : ( الذي لَم يقمْ فضربته زيد ) والغاء القيام لا يعرفه البصريون وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو ( كانَ وظننتُ ) لأن الكلام بتم دونها و ( قامَ ) ليس من هذه الأفعال وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء ( القيام ) إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه ما جاءت حاجتك أي : صارت على جهة الشذوذ فالشاذ محكيٌ ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغوٍ لشبهة دخلت

عليهم وقال من يجيز اللغو إذا قلت : ( الذي قامَ قياماً فضربتهُ زيد ) خطأٌ إذا أردت اللغو وكذاك : الذي قمتُ قياماً فضربتهُ وهؤلاء يجيزون : ( الذي ضاربٌ أنتَ زيد ) يريدون : ( الذي ضاربهُ أنتَ زيدٌ ) فإذا حذفوا نونوا ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضاربٍ وتقيمه مقامَ الفعل كما تقول : ( زيد ضاربهُ أنتَ ) تريدُ : ( ضارب أنت إيَّاهُ ) إذا أقمنا ( ضاربٌ ) مقام الفعل حذفنا معه كما تحذف مع الفعل ضرورة ولا يحسن عندي فلا غير ضرورة لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته وإنما هذا شيءٌ قاسوهُ ولا أعرف له أصلاً في كلام العرب وهؤلاء لا يجيزون : ( الذي يقوم كان زيدٌ ) على أن تجعل ( يقومُ ) خبر كان تريد : ( الذي كانَ يقومُ زيدٌ ) والقياس يوجبه لأنه في موضع ( قائم ) وهو يقبح عندي من أجل أن ( كان ) إنما تدخل على مبتدأ وخبر فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت ( كانَ ) وأنت إذا قلت : ( زيدٌ يقوم ) فليس لك أن تقدم ( يقومُ ) على أنه خبر زيدٍ وإذا قلت : ( الذي كانَ أضربُ زيد ) كان خطأ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في كان ولا تعود على الذي وإنما يحذف الضمير إذا عاد على الذي فإن قلت الذي كنتُ أضرب زيد جاز لأن الهاء ( للذي ) وتقول : ( الذي ضربتُ فأوجعتُ زيد ) تريد : ( الذي ضربته فأوجعتهُ ) إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به جاز أن تضمر في الثاني
وكذلك : ( الذي أحسنتُ إليه وأسأتُ زيدٌ ) أحسنت تعدت ( بإليهِ ) وأسأتُ مثلها وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت : ( الذي ذهبتُ إليه وكفلتُ زيد ) تريد : بهِ لم يجز لأن ( به ) خلاف ( إليه ) وحكوا : مررتُ بالذي مررتُ وكلفتُ بالذي كفلتُ فاجتزوا بالأول فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا : ( كفلتُ بالذي ذهبتُ ) لم يجز حتى تقول : إليه
وقالوا : ( أمرُّ بِمَنْ تمرُّ وأرغب فيمن ترغبُ ) قالوا : وهو في ( مَنْ ) أجود لأَن تأويل الكلام عندهم

جزاءٌ ومن قولهم : ( إنْ هذا والرجلُ ) وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرةٍ وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل ( الذي ) فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة وإذا كان في الصلة معرفة جئت ( بهو ) لا غير فتقول في هذا والرجل قام : ( هذا ظريفاً ) فظريف حال من ( هذا ) وهو في صلة ( هذا ) وضربت هذا قائماً وقام الرجل ظريفاً وظريف في صلة الرجل وضربتُ الرجلَ يقومُ وقامَ وعندك يجري على ما جرى عليه ( الذي ) لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة فتقول في النكرة : ضربتُ رجلاً قامَ ويقومُ وقائماً وضربتُ رجلاً ضربتُ وضربت في صلة ( رجلٍ ) وثم هاء تعود على ( رجل ) ويقولون إذا قلت : ( أنتَ الذي تقومُ وأنت رجلٌ تقومُ وأنتَ الرجلُ تقوم ) فإن هذا كله يلغى لأن الإعتماد على الفعل فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا : ( أنت الرجلُ يقوم ) وقالوا إذا قلت : ( أنت من يقومُ ) لم يجز إلا بالياء لأن ( مَنْ ) لا تلغى وقالوا قلت ( أنت رجلٌ تأكلُ طعامَنا ) وقدمت الطعام حيث شئت فقلت : ( أنت طعامنا رجلٌ تأكلُ ) أجازوه في ( رجل ) وفي كل نكرة وهذا لا يجوز عندنا لأن الغاء ( رجلٍ ) والرجل والذي غير معروف عندهم وهؤلاء يقولون إذا قلت : ( أنت الرجل تأكلُ طعامَنا ) أو آكلاً طعامَنا لم يجز أن تقول : ( أنت طعامَنا الرجل آكلاً ) لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما وقالوا : إذا قلت : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) كان خطأن لأن ( الذي ) لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة قالوا : فإن جعلت ( الذي ) مصدراً جاز فقلت : ( أنت

فينا الذي ترغب ) ووحدت ( الذي ) في التثنية والجمع قال الله عز و جل : ( وخضتم كالذي خَاضُوا ) يريد : كخوضهم ويقولون على هذا القياس : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) وأنتما فينا الذي ترغبان وأنتم فينا الذي ترغبونَ وكذاك المؤنث ( أنتِ فينا الذي ترغبينَ ) تريد : ( أنتِ فينا رغبتُكَ ) ولا تثنى ( الذي ) ولا تجمع ولا تؤنث وكذاك : ( الذي تضربُ زيداً قائماً وما تضربُ زيداً قائماً ) تريد : ( ضربكَ زيداً قائماً ) قالوا : ولا يجوز هذا في ( إنْ ) لأن ( إنْ ) أصله الجزاء عندهم وإذا قدمت رجلاً والرجل والذي وهو ملغى كان خطأً في قول الفراء قال : إنه لا يلغى متقدماً وقال الكسائي : تقديمه وتأخيره واحد
وإذا قلت : ( أين الرجلُ الذي قلتَ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ ) فإن العرب تكتفي ( بقلتُ وزعمتُ ) من جملة الكلام الذي بعده لأنه حكاية تريد : الذي قلتَ إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي والذي ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون : إنه ليس من كلام العرب ويذكرون أنه إن اختلف جاز وينشدون :
( مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا )

قالوا : فهذا جاء على إلغاء أحدهما وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين ( اللائي والذينَ ) ويقولون : ( على هذا مررتُ بالذي ذو قال ذاك ) على الإِلغاء فقال أبو بكر : وهذا عندي أقبحُ لأن الذي يجعل ( ذو ) في معنى ( الذي ) من العرب طيءٌ فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون : ( الذي منْ قامَ زيدٌ ) على اللغو ويحتجون بأنَّ ( منْ ) تكون معرفة ونكرة مررتُ بالذي القائم ( أبوهُ ) على أن تجعل الألف واللام للذي وما عاد من الأب على الألف واللام ويخفض القائم يتبع ( الذي ) وهذا لا يجوز عندنا لأن ( الذي ) لا بدّ لها من صلة توضحها ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة ويقولون : إن العرب إذا جعلت ( الذي والتي ) لمجهول مذكر أو مؤنث تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر :

( فإن أَدْعُ اللَّوَاتِي مِنْ أُنَاسٍ ... أَضَاعُوهُنَّ لا أَدْعُ الَّذِينا )
ويقولون : الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه لأنه مجهول لا تقول : ( الذي يقومُ الظريفُ فأخواكَ ولا الذي يقوم وعمرو فأَخواكَ ) لأنهُ مجهول ( وعمرو ) عندهم معروف
قال أبو بكر : إن كانَ ( أخاهُ ) من النسب فلا معنى لدخول الفاء لأنه أخوه على كل حال وإن كان من المؤاخاة فجائز وأما النعت والتوكيد فهو عندي كما قالوا إذا جعلت ( الذي ) في معنى الجزاء لأنه لم يثبت شيئاً منفصلاً من أمة فيصفه وإذا قلت : ( الذي يأتيني فلَهُ درهم ) على معنى الجزاء فقد أردت : ( كل من يأتيني ) فلا معنى للصفة هنا والعطف يجوز عندي كما تقول الذي يجيءُ مع زيد فلهُ درهم فعلى هذا المعنى تقول : ( الذي يجيء هو وزيد فلهُ درهم ) أردت الجائي مع زيد فقط ولك أيضاً أن تقول في هذا الباب : ( الذي يجيئني راكباً فلهُ درهم ) ويجيزون أيضاً الدار تدخلُ فدارنا يجعلونها مثل ( الذي ) كأنك قلت : ( الدارٌ التي تدخلُ فدارُنا ) وهذا لايجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في كلام العرب وأجازوا ( الذي يقوم مع زيد أخواكَ ) يريدون : ( الذي يقومُ وزيد أخواكَ ) يعطفون ( زيداً ) على ( الذي ) وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاماً وإذا كان ناقصاً لم يجز هذا
قال الفراء : إذا قلت : ( الذي يقومُ مع زيدٍ أخواكَ ) لم أقل :

( أخواكَ الذي يقومُ مع زيدٍ ) قال : ولا أقولُ : ( الذي يختصمُ مع زيدٍ أخواكَ ) لإن الإختصام لا يتم والطوال وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير ويجعلونه ( مع ) بمنزلة الواو والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء وإذا قلت : ( الذي يختصمُ زيدٌ أخواكَ ) فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الإختصام لأنه لا يستغني عن اسمين ويقول : ( اللذانِ اختصما كلاهما أخواكَ ) فاللذان ابتداء واختصما صلة لهما و ( كلاهما ) ابتداء ثانٍ وأخواك خبره وهذه الجملة خبر اللذين فإن جعلت ( كلاهما ) تأكيداً لما في اختصما لم يجز لأن الإختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد هنا فإن قلت : اللذان اختصما كلاهما أخوان لم يجز على تأويل وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك : ( أخوان ) أن كل واحد منهما أخ لصاحبه لم يجز لأن ( كلاهما ) لا معنى لها ها هنا وصار مثل ( اختصما ) الذي لا يكون إلا من اثنين لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه مثل المتخاصمين والمتجالسين فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخاً لزيد ولا يكون الآخر أخاً لزيد فإذا كان أحدهما أخاً لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخاً له فلا معنى ( لكلا ) ها هنا وتقول : ( الذي يطيرُ الذبابُ فيغضبُ زيدٌ ) فالراجع إلى ( الذي ) ضميره في ( يغضبُ ) والمعنى الذي إذا طار الذباب غضب زيد ولا يجوز الذي يطير الذبابُ فالذي يغضبُ زيدٌ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها وقوم يجيزون الطائر الذباب ( فالغاضبُ زيدٌ ) لأن الألف والام الثانية ملغاة عندهم فكأنهم قالوا : ( الطائرُ الذبابُ ) فغاضبٌ زيدٌ وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني إلغاء الألف واللام

واعلم : أن من قال : ( من يقومُ ويقعدونَ قومُكَ ومن يقعدونَ ويقومونَ أخوتكَ ) فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى فإنه لا يجيز أن تقول : ( من قاعدونَ وقائمُ إخوتكَ ) فيرد ( قائماً ) إلى لفظ ( مَنْ ) لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ وتقول : ( منْ كان قائماً إخوتُكَ ومن كان يقومُ إخوتُكَ ) ترد ما في كان على لفظ ( مَنْ ) وتوحد فإذا وحدت اسمٍ كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحداً فإذا قلت مَنْ كانوا قلت قياماً ويقومون ولا يجوز ( منْ كانَ يقومونَ إخوتُكَ وقوم يقولون إذا قلت : ( أعجبني ما تفعلُ ) فجعلتها مصدراً فإنه لا عائد لها مثل ( أَنْ ) فكما أنَّ ( أَنْ ) لا عائد لها فكذلك ما وقالوا : إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكون قائماً ) فجاءوا ( بما ) مع ( يكونُ ) لأن ( ما ) مجهول و ( يكون ) مجهول فاختاروا ( ما ) مع يكون : أردت : ( عبد الله أحسن شيء يكونُ ) فما في ( يكون ) ( لِمَا ) فإذا قلت : ( عبد اللِه أحسنُ مَنْ يكونُ ) فأردت أحسن من خلق جاز ولافعل ( ليكون ) يعنون لا خبر لها وقالوا إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكونُ قائماً ) إذا أردت أن تنصب ( قائماً ) على الحال أي : أحسن الأشياء في حال قيامه قالوا : ولك أن ترفع عبد الله بما في ( يكون ) وترفع أحسن بالحال وتثنى وتجمع فتقول : ( الزيدانِ أحسنُ ما يكونانِ قائمينِ والزيدونَ أحسنُ ما يكونون قائمينَ ) يرفعون ( أحسنَ ) بالحال ولا يستغنى عن الحال ها هنا عندهم فإن قلت : ( عبد اللِه أحسنُ ما يكونُ ) وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير لم يجز لأَن عبد الله إذا ارتفع بما في ( يكون ) لم يكن لأحسنَ خبر ومعنى

قولهم : ارتفع بما في ( يكون ) يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر وهذا خلاف مذهب البصريين لأن البصريين يرفعون بالإبتداء قالوا : فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللِه بجملته فإن أردت : ( عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه ) فهو جائز وهو صفة فإذا قلت : ( أحسنُ ما يكونَ عبد الله قائماً ) جرى مجرى : ( ضربي زيداً قائماً ) وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه : أخطبُ ما يكون الأمير قائماً تقديره : على ما وضع عليه الباب : أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائماً كما قال ( هذا بُسْراً أطيبُ منه تمراً فإن قال قائل : أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام أي : ( أخطبُ أحوالهِ القيامُ ) فالجواب في ذلك : أن ( القيامَ ) مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره وإنما المصدر لذات الفعل فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية ولأنه مبني له وذلك نحو : ( جائني زيدٌ راكباً ) لأن في ( راكب ) ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل فإن احتج
القائل في إجازتنا : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة فالتقدير : ( أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة ) فجعلت الخطبة للأيام على السعة وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبيناً كما قال الله عز و جل : ( بَلْ مكرُ الليلِ والنهارِ ) أي مكركم فيهما قال محمد : وجملة هذا أنَ الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه وقد يخلو من فعل إلى آخر وقال في موضع آخر : كان سيبويه يقول في قولهم : أكثرُ ضربي

زيداً قائماً إن قائماً سَد مسدّ الخبر وهو حال قال : وأصله إنما هو على ( إذ كان ) وإذا كان ومثله : ( أخطبُ ما يكونُ الأمير قائماً وأكثر شربي السويقَ ملتوتاً وضربي زيداً قائماً ) وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدراً وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف نحو قولك : أخطبُ ما يكونُ الأمير يوم الجمعة وأحسنُ ما يكونُ زيدٌ عندكَ وقال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمٌ ) ويقول : أضفت أخطبَ إلى أحوال قائم أحدُها ويزعم سيبويه أنك إذا قلت : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائماً ) فإنما أردت : ( أخطبُ ما يكون الأمير إذا كان قائماً ) فحذفت لأنه دل عليهما ما قبلها و ( قائماً ) حال وقد بقي منها بقية وكذلك قوله : ضربي زيداً راكباً أي : إذا كان راكباً وهي ( كان ) التي معناها ( وقع ) فأما أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيءٍ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه ظننتُ ضربي زيداً قائماً وظننتُ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً أنه أتى ( لظننتُ ) بمفعول ثانٍ على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر فإن قيل : إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل : إن الشك واقع في ( إذ كان ) و ( إذا كان ) والحال دليل لأن فيها الشك وأن يعمل فيها ( ظننت ) ولكن في موضعها كما كنت قائلاً : القتالُ يوم الجمعةِ فتنصب يوم الجمعة بقولك القتالُ فإن جئت بظننت قلت : ( ظننتُ القتالَ يوم الجمعةِ ) فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال وليس ( بظننتُ ) والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم وتقول : إنَّ القتالَ اليومَ ظننتُ فتنصب لأنَّ ( إنَّ ) لا تعمل فيه شيئاً إنما تعمل في موضعه كما وصفت

لك وقياس ( ظننتُ ) وإن وكان والإبتداء والخبر واحد وكذلك لو قلت : ( كانَ زيدٌ خلفكم ) لم تكن كانَ الناصبة ( لخلف ) فكذلك إذا قلت : ( كانَ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً ) نصب ( ملتُوتاً ) بما كان انتصب به قبل دخول ( كانَ ) سد مسد خبرها كما سد مسد خبر الإبتداء ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الإبتداء فإذا قلت : ( كان زيدٌ خلفكم ) فتقديره : ( كان زيد مستقراً خلفكم ) وكان ضربي زيداً إذا كان قائماً وما كان مثلهن فهذا مجراه
تم الكتابُ بمَنِّ الله وعونِه من باب الألف واللام

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم وما يسكن من المتحركات وما تغير
حركته لغير إعراب وما يحذف لغير جزم
أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين : إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه
الأول على ضربين : أحدهما : إما أن يكون آخر الحرف ساكناً فيلقاه ساكن نحو قولك : ( قُم الليلَ ) حركت الميم بالكسر لإلتقاء الساكنين وأصل التحريكات لإلتقاء الساكنين الكسر ولم تردِ الواو لأن الكسر غير لازمة في الوقف وكذلك قولك : ( كَمِ المالُ ومَنِ

الرجلُ ) فإن قلت : ( مِنَ الرجل ) فالفتح أحسن من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الإستعمال أيضاً والكسرة الأصل فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك من ذلك قولك : ( هذا زيدٌ العاقلُ ) حركت التنوين بالكسر
والآخر : ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها وليس التحريك تحرك البناء كأين وأولاءِ وحيث فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد فأهل الحجاز يقولون : ( ارددْ وإنْ تضاررْ أضارر وغيرهم يقول : ( ردَّد ) وفرّ وإنْ تردَّ أرَدُّ ويقولون : لا تضار لأن الألف يقع بعدها المدغم والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي حركة كانت وذلك رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئنَ واستعدَّ واجترَّ لأن قبلها فتحة فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحواً أبداً فقالوا : رُدَّها وعُضَّها وفُرَّها لأن الهاء خفية فكأنه قال : فِرّا ورِدّا ولم يذكرها فإذا كانت الهاء مضمومة في مثل قولهم : ردهو ضموا كأنهم قالوا : رُدوا
فإن جئت بالألف واللام وأردت الوصل كسرت الأول كله فقلت : رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم وذلك لأن الأصل : أرْدُدْ فهو ساكن فلو قلت : أردُدِ

القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز ألا ترى أن الذال في ( مُذْ واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين رُدَّ إلى الأصل وأصلها الضم فقلت : مُذُ اليوم وذهبتمُ اليوم لأن أصل ( مُذْ ) منذُ يا هذا وأصل ذهبتم : ذهبتُمُ يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة ومنهم من يفتح على كل حال إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد قال الخليل : شبهوه ( بأين وكيف ) ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحاً يجعله في جميع الأشياء ( كأينَ ) ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة ( اضرب الرجلَ ) وإن لم تجىء بالألف واللام لأنه فعل حرك لإلتقاء الساكنين والذي يكسرون كعب وغني
ولا يكسر هلم ألبتة من قال : هلما وهلمي ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء أرددنَ لأن سكون الدال هنا لا

يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء وزعم الخليل وغيره إن ناساً من بكر بن وائل يقولون ( رَدَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ ) كأنهم قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن وسنذكر باب الهمزة إن شاء الله
والثاني : ما يسكن لغير جزم وإعراب وهو على ثلاثة أضرب إسكان لوقف وإسكان لإِدغام وإسكان لإستثقال أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والإبتداء
وأما الإِدغام فنحو قولك : ( جَعَلَ لَكَ ) فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام
وأما إسكان الإستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرىء القيس في قوله :
( فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ ... إثماً مِنَ الله ولا وَاغِلِ )

كان الأصل : أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكنها في ( عَضُدِ ) فتقول : ( عَضْدٌ ) للإستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من نفس الكلمة وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب ولكن الذين قالوا ( وهو ) فأسكنوا الهاء تشبيهاً ( بِعَضْدٍ ) والذين يقولون في ( عَضُدٍ ) ( عَضْدٌ ) وفي ( فَخَذٍ ) إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا
الثالث : ما غيرت حركته لغير إعراب تقول : هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك قلت : غُلامي فزالت حركت الإِعراب وحدث موضعها كسرة وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركاً فإن كان قبلها ياءٌ نحو : ( يا قاضي ) قلت : قاضِيَّ وجواريَّ فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو ( مسلميَّ ) فإن كان ما قبلها ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول : ( رأيتُ غُلامي ) تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون والياء للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضموماً تقول في ( قاضٍ ) إذا جمعت ( قاضونَ ) وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لإلتقاء الساكنين فإن أضفت ( قاضُون ) إلى نفسك قلت : ( قاضي ) كما قلت : مُسلِميَّ وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب من يقول : بُشرايَ بفتح الياء ومنهم من يقول : بشريَّ وأما قولهم : في عَلَيّ عليكَ ولَدَيّ لديكَ فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه : وحدثنا الخليل إن ناساً من العرب يقولون : علاكَ ولداكَ وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف وهؤلاء على القياس قال : وسألته عَنْ مَنْ قال : رأيتُ كلا أَخويكَ ومررت بكلا أخويكَ ومررت

بكليهما فقال : جعلوه بمنزلة : عليكَ ولديكَ وكِلا لا تفرد أبداً إنما تكون للمثنى
الرابع : ما حذف لغير جزم وذلك على ضربين : أحدهما ما يحذف من الحروف المعتلة لإلتقاء الساكنين والآخر ما يحذف في الوقف ويثبت في الإِدراج
فأما الذي يحذف لإلتقاء الساكنين فالألف والياءُ التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة وذلك نحو : هو يغزو الرجل ويرمي القومَ ويلقي الفارسَ وكذلك إن كانت واو جمع أو ياءٌ نحو : مسلمو القوم ومسلمي الرجل فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لإلتقاء الساكنين وهي مع ذلك لو حذفت لإلتبست بالواحد وذلك قولك : هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ والفتح مع ذلك أخف من الضم وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والإبتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن شاء الله

باب ذكر الإبتداء
كل كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله
ألف الوصل :
ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والإسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت علىحرف من الحروف التي جاءت لمعنى ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله
أما كونها في الأفعال غير المضارعة فنحو قولك مبتدئاً : اضربْ اقتلْ اسمعْ اذهب كان الأصل : تذهبُ تضربُ

وتقتلُ وتسمعُ فلما أزلت حرف المضارعة وهو ( التاءُ ) بقي ما بعد الحرف ساكناً فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون فكان أصل هذه الهمزة أيضاً السكون فحركتها لإلتقاء الساكنين بالكسر فإن كان الثالث في الفعل مضموماً ضممتها وتكون هذه الألف في ( انفعلت ) نحو : انطلقت وافعللت نحو : احمررَتُ وافتعلتُ نحو : احتبسَتُ ويكون في : استفعلتُ نحو : استخرجتُ وافعللتُ نحو : اقعنسستُ وافعاللتُ نحو : اشهاببتُ وافعولتُ نحو : اجلوذتُ وافعوعلتُ نحو : اغدودنتُ وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ نحو احرنجمت واقشعررتُ فألف الوصل في الفعل في الإبتداء مكسورة أبداً إلا أن يكون الثالث مضموماً فتضمها نحو قولك : اقتل استضعف احتقرَ احرنجم والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها في الفعل ولا يكون إلا مكسورة تقول : انطلقتُ انطلاقاً واحمررتُ احمراراً واحتبستُ احتباساً واستخرجت استخراجاً واقعنسستُ اقعنساساً واشتهابيتُ اشهيباباً واجلوذتُ اجلواذاً واغدودنتُ اغديداناً وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة : فهي : ابنْ وابنةْ واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَةِ وابنمْ واسمْ واستٌ فجميع هذه الألفات مكسورة في الإبتداء ولا يلتفت إلى ضم الثالث تقول : مبتدئاً ابنمْ وامرءٌ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل وأما الحرف الذي تدخل عليه ألف الوصل فاللام التي يعرف بها الأسماء نحو : القومِ والخليل والرجل والناس وما

أشبه ذلك إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الإستفهام فإنهم يقولون : أَ الرجل عندك فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالإستفهام وقد شبهوا بهذه الألف التي في ( أيمِ وأيمن ) في القسم ففتحوها لما كان اسماً مضارعاً للحروف وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من ( هو ) إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم : فهو قالَ ذاكَ وهي أُمُكَ وكذلك لامُ الأمر في قولك : لتضربْ زيداً إذا كان قبلها واو وصلت فقلت : ولتضربْ والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يدع الهاء في ( هو ) على حالها ولا يسكن وكذلك هي ومن ترك الهاء على حالها في ( هي ) و ( هو ) ترك الكسرة في اللام على حالها فقال في قوله : فلينظرْ ( فلينظر ) فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لإلتقاء الساكنين وإن كان مما يحذف لإلتقاء الساكنين حذفته فأما الذي يحرك لإلتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب يحرك بالكسر والضم والفتح فالمكسور نحو قولك : ( اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ ) و ( قل هو الله أحد الله ) وإن الله وعنِ الرجلِ وقَطِ الرجلُ وأما الضم فنحو قوله : ( قُلْ اُنظروا وقالت أخرج ) وعذابٌ أُركض ومِنهُ أو انقض إنما فعل هذا

من أجل الضم الذي بعد الساكن ومنهم من يقول : قلِ انظرزا ويكسر جميع ما ضم غيره ومن ذلك الواو التي هي علامة الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحاً نحو : ( لا تنسوا الفضلَ بينكم ) قال الخليل لفصلَ بينها وبين واو ( لَو ) وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم وقال قوم : لو استطعنا والياء التي هي علامة الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير نحو أخشى الرجل يا هذهِ وواو الجميع وياؤه مثل الضمير نقول : مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في النصب والجر وأما الفتح فجاء في حرفين ( ألم الله ) فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء والآخر : مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت وناس من العرب يقولون : ( مِنِ الله ) واختلفت العرب في ( مِنْ ) إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف

اللام فكسره قوم ولم يكسره قوم ولم يكسروا في ألف اللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام وذلك : ( مِن ابنِك ) ( ومِنِ امرىءٍ ) وقد فتح قوم فصحاء فقالوا : ( مِنَ ابنكَ وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف الألف والياء التي قبلها حرف مكسور والواو التي قبلها حرف مضموم فالألف نحو : رمى الرجل وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ دخلت التاء وهي ساكنة على ألف ( رَمَى ) فسقطت وقالوا : رَمَيا وغَزَوا لئلا يلتبس بالواحد وقالوا : حبليان وذفريانِ لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث والياء مثل : يقضي القوم ويرمي الناس والواو نحو : يغزو القوم ومن ذلك : لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ فإذا قلت : لم يخفِ الرجلُ ولم يبعِ الرجلُ ورمت المرأة لم تردِ الساكنَ الساقط وكان الأصل في ( يبعُ ) ( يبيعُ ) وفي ( يخفُ ) يخاف وفي ( يَقَلْ ) يقول : فلم نرد لأنها حركة جاءت لإلتقاء الساكنين غير لازمة وقولهم : ( رَمَتا ) إنما حركوا للساكن الذي بعده ولا يلزم هذا في ( لم يخافاَ ) ( ولم يبيعَا ) لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم ولم تلحق الألف شيئاً حقه السكون

ذكر الوقف على الإسم والفعل والحرف
أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ :
الأول : الأسماء الظاهرة السالمة نحو : ( هذا خالدٌ وهذا حَجر

ومررت بخالد وحجرٍ ) فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه : اسكانٌ مجردٌ وإشمامٌ ورومُ التحريك والتضعيف وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط فالإِشمام نقطة علامة
وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ وإشمامُك للرفع إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع فإذا قلت : ( هذا مَعْنٌ ) فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت ورومُ الحركة صوت ضعيف ناقص فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ وأما التضعيف فقولك : هذا خالدٌ وهو يجعل وهذا فَرِحٌ ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي ( سبسباً تريد : السبسبَ وعَيهَلُّ تريد : العَيهلُ ) وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكناً لم يضعفوا نحو ( عمروٍ ) فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول : ( رأيتُ زيداً وخالداً ) فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب وأزد السراة يقولون :

هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ ومررت بزيدي يجعلون الخفض والرفع مثل النصب والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر والنصب والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضاً في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون فيقولون : مررت بخالدّ ورأيت أحمرَّ
وقال سيبويه : وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابياً يقول : أَبيضَّه يريد : أبيضَّ وألحق الهاء مبنياً للحركة فأما المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف وبعضُ العرب يقول في ( بكرٍ ) : هذا بكرو من بكرٍ فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا : رأيتُ البكرَ لأنه في موضع التنوين وقالوا : هذا عِدِلْ وفِعِلْ فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس من كلامهم فِعَلٌ وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس في الأسماء فُعِلْ وهم الذين يقولون في الصلة اليُسْرُ فيخففون وقالوا : ( رأيتُ العِكِمَ ) ولا يكون هذا في ( زيدٍ وعَوْنٍ ) ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ فإن كان اسمٌ آخره هاء التأنيث نحو : ( طلحةَ وتمرةٍ وسفرجلةٍ ) وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاءٌ في الوصل فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت : زيدانِ ومسلمانِ وزيدونَ ومسلمونَ تقف على النون في جميع ذلك ومن العرب

من يقول : ضَاربانِهْ ومسلمونَهْ فيزيد هاء يبين بها الحركة ويقف عليها والأجود ما بدأتُ به وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو : تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء وكذلك الوصل لا فرق بينهما فإذا استفهمت منكراً فمن العرب من يقول إذا قلت رأيت زيداً قال : أزيدنيه وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه في إلحاق الزيادة فيه فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من الإِعراب فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لإلتقاء الساكنين وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أَزيداً وعمرنَيْهِ وإذا قال : ( ضربتُ عُمَر ) قلت : أَعمراهُ وإن قال : ( ضربتُ زيداً الطويلَ ) قلت : الطويلاه فإن قال : ( أَزيداً يا فتى ) تركت العلامة لما وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الإسم ( إنْ ) فتقول : أعَمُرَانِيه
القسم الثاني : وهو الظاهر المعتل :
المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب : ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو همزة أو ألف مقصورة فأما ما لامه ياءٌ فنحو : ( هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا العَمِ ) يريد : القاضي والغازيَ والعَمِىَ أسقطوها في الوقف لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين
قال سيبويه : وحدثنا أبو

الخطاب : أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول : ( هذا رامي وغازي وعَمِي ) يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك : هذا القاضِي والعاصِي وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون : ( هذا القاضْ والعاصْ ) هذا في الرفع والخفضِ فأما النصب فليس فيه إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل تقول : رأيتُ قاضياً ورأيتُ القاضي وقال الله عز و جل : ( كلاّ إذا بلغتِ التراقَي ) وتقول : رأيت جواريَ وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في الوصل ومررتُ بجوارٍ فالياء كياء قاضي والياء الزائدة ها هنا كالأصلية نحو : ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل قال سيبويه : وسألت الخليلَ عن ( القاضي ) في النداء فقال : ( اختار يا قاضي ) لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي فأما يونس فقال : ( يا قاضْ ) بغير ياء وقالا في ( مُرٍ ) وهو اسم من أرى هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه لو قالوا :

مُر ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله مُرئِي مثل : مُرْعِي فإن كان الإسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو : ( ظَبيٍ وكرسيٍّ ) وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفيفة فيقولون : هذا تميمج يريدون تميمي وهذا عَلِجّ يريدون : عَلي وعربَانج يريدون : عرباني والبرنج يريدون : البِرَني وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا يختار فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي فالفواصل قول الله عز و جل : ( والليل إذا يسري ) و ( ذلك نبغ ) ( ويوم التناد ) ( والكبير المتعال )
الضرب الثاني : وهو ما كان آخره همزة :
ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح وإعرابُه كإعرابِه تقول : هذا كساءٌ ومررتُ بكساءَ وهو مثل حُمارٍ في الوصل والوقف فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلُها ساكن فحكمها حكم الصحيح وحكمها أن تكون كغيرها من الحروف كالعين وذلك

قولك : الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في الإِسكان ورومِ الحركة والإِشمام فتقول : هو الخَبْء ساكن والخَبءَ بروم الحركة والخَبَءْ تشمُ وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة ومنهم تميم وأسدْ يقولون : ( هو الوثُوءْ ) فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ وهو البطؤ ومن البطيء ورأيت البطأ وهو الردؤ وتقديرها : الردعُ ومن الرِدّىءْ ورأيتُ الردأْ وناس من بني تميم يقولون : هو الردِيءْ كرهوا الضمة بعد الكسرة وقالوا رأيتُ الرِدِيءْ سووا بين الرفع والنصب وقالوا : من البُطؤْ لأنه ليس في الكلام ( فُعِلٌ ) ومن العرب من يقول : هو الوَثُوْ فيجعلها واواً من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب وإذا كان ما قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النَّطعْ من الإِشمام والسكون وروم الحركة وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها وذلك قولك : هو الخَطأْ والخَطأْ تُشم والخَطأَ ترومُ قال سيبويه : ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة ومن العرب من يقول : هو الكَلَوْ حرصاً على البيان ويقول : من الكَلَى ورأيت الكلاء وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون : الكَلاَ وأكِمُو وأهنى يبدل من الهمزة حرفاً من

جنس الحركة التي قبلها وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف
الضرب الثالث : منه وهو ما كان في آخره ألف مقصورة :
حقُّ هذا الإسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين وإن كان منصرفاً فتقول : : هذا قَفَا ورأيت قَفَا ومررت بقفاَ إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضاً من التنوين في النصب وسقطت الألف التي هي لام لإلتقاء الساكنين كما تسقط مع التنوين في الوصل هذا إذا كان الإسم مما ينون مثلهُ وبعض العرب يقول في الوقف : هذا أَفْعَىْ وحُبْلَى وفي مُثَّنَّى مُثَنَّىً فإذا وصل صيرها ألفاً وكذلك كل ألف في آخر اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول : ( أَفْعَو ) لأنها ابين من الياء وحكى الخليل عن بعضهم : هذه حُبْلاْ مهموز مثل حُبْلَعْ ورأيت رَجُلاً مثل رَجُلَعْ فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك
القسم الثالث : وهي الأسماء المكنية :
من ذلك ( أَنا ) الوقف بألف فإذا وصلت قلت : أَنَ فعلت ذاك بغير ألف ومن العرب من يقول في الوقف : هذا غُلامْ يريد : هذا غُلامي

شبهها بياء قاض وقد أسقَانْ وأَسْقِنْ يريد : أسقاني وأسقني لأن ( في ) اسم
وقد قرأن أبو عمرو فيقول : ( ربي أكرمِنْ ) ( وربي أهانِنْ ) على الوقف وترك الحذف أقيس فأما : هذا قاضِيَّ وهذا غلامَيَّ ورأيتُ غلامَيَّ فليس أحد يحذف هذا ومن قال : غلاميَّ فاعلم وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضيْ في النصب ومن ذلك قولهم : ( ضربَهُو زيد وعليَهُو مالٌ ولديهو رجلٌ وضربَها زيد ) وعليّها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصف أحسن وأكثر وذلك قولك : عليه يا فتى ولديه فلان ورأيتُ أباهُ قَبلُ وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين : ( ونَزلناهُ تنزيلاً ) ( وأنْ تحملُ عليهِ يلهثُ ) ( وشَروه بثَمنٍ بَخسٍ ) ( وخذوهُ فغلوهُ )
والإِتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في ( هَا ) وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم : منهُ يا فتى وأصابتهُ جائَحةٌ والإِتمام أجودُ فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركاً فالإِثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث وهاتان والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية يسقطان في

الوقف هذا في المكنى
المتصل فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو : هُو وهي وهما وهنَّ فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيءٌ ومن العرب من يقول : هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتَّهْ وغُلامِيَهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربِنهْ فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء وَهِيَهْ يريدون ( هي ) وهوَهْ يريدون ( هُوَ ) يا هذا وخُذهْ بحكمكَهْ وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت : عليكمو مال وأنتُمو ذاهبونَ ولديهمي مال فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل ويسكن الميم والجميع إذا وقفوا وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في ( عليه مال ) لاجتمع أربع متحركات نحو : ( رُسُلكمو ) وهم يكرهون الجمع بين أربع متحركات وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها لأنها في الوصل متحركة بعدها واو كما أنها في الإثنين متحركة بعدها ألف نحو : غُلامكُما وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافاً وذلك قولك : كنتُمُ اليومَ وفعلُتُم الخير وتقول : مررتُ بهي قَبلُ ولديهي مال ومررت بدارهي وأهل الحجاز يقولون : مررتُ بِهُو قَبلُ ولديهو مال ويقرأون
فخسفَنا بهو وبدار هُو الأرض وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال : ( بدارِ هُو الأرض ) قال : عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم

الرابع : المبهم المبني :
تقول في الوصل : علامَ تقولُ كَذا وكَذا وفيمَ صنعتَ ولِمَ فعلتَ وحتامَ وكان الأصل : على ( مَا ) وفي ما ولِما صنعت فالأصل ( مَا ) إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان ( ما ) استفهاماً فإذا وقفت فلك أن تقول : فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ ولك أن تأتي بالهاء فتقول : لِمَه وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ وثبات الهاء أجود في هذه الحروف لأنك حذفت الألف من ( ما ) فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة وأما قولهم : مجيءُ مَ جِئتَ ومثلُ م أنتَ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء لأن ( مجيء ومثل ) تستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان ويقولون : مثلَ ما أنتَ ومجيءُ ما جئتَ وأما حَيهَّلَ إذا وصلت فقلت : حَيهَّلَ بِعُمَر وإذا وقفت فإن شئت قلت : حَيهَّلْ وإن شئت قلت : حَيهَّلا تقف على الألف كما وقفت في ( أنَا ) وتقول : هذي أمةُ الله فإذا وقفت قلت : ( هَذِهْ ) فتكون الهاء عوضاً عن الياء وقد مضى ذكر ذا وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية وذلك قولهم : هؤلاءِ وها هُناهُ والأجود أن تقف بغير هاءٍ ومن قال : هؤلاء وها هُناه لم يقل في ( أَفعى وأَعمى ) ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة لأنه لو قال : أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير
واعلم : أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الذي يمتد به الصوت لأنه خفي وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء

الوقف على الفعل :
الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين : سالم ومعتل فأما السالم فما لم تكن لامه ألفاً ولا ياء ولا واواً والمعتل ما كان لا مهُ ألفاً أو ياءً أو واواً
الأول : الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الإسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الإسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه تقول لن نضرب أما المجزوم فقد استغنى فيه عن الإِشمام والروم وغيره لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر تقول : لم يضربْ ولَم يقتلْ واضربْ واقتلْ وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الإسم المنصوب فتقول : اضربا ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف : اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ وافعَلنَّه ومنهم من لا يلحق الهاء . وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة
الثاني : الفعل المعتل :
نحو : يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف ولا يحذف منه في الوقف شيء لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان : من العرب من يقول : إرْمِهْ ولَم يَغْزهُ وأخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ ومنهم من يقول : ارمِ واغزُ واخشَ فيقف بغير هاء
قال سيبويه : حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس وهذا اللغة أقل اللغتين فأما : لا تقهِ من وقيتُ وإن تَعِ أَعِهْ من ( وعَيتُ ) فإنه

يلزمها الهاء في الوقف من تركها في ( اخشَ ) وقد قالوا : لا أَدرِ في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا : ( لم يَكُ ) شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون : لَم يكُ الرجلُ لأنها في موضع تحريك فيه فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في أَدرِ وما أَدرِ
الوقف على الحرف :
الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها فالصحيح فيها والمعتل سواء وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال : إنَّهْ يريدون ( أنَّ ) ومعناها أَجَلْ قال الشاعر :
( ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاكَ ... وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ )
ولَيتَهْ ولعَلَهْ كذاك

باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة
الإِضمار
وذلكَ قولك في : ( ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُهْ وقَدهُ ومِنُهْ وعَنُهْ ) قال سيبويه : سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء وقال أبو النجم :
( فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه ... )
وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون : قد ضَرَبتِهْ وأَخَذَتِهْ حرك لسكون الهاء وخفائها فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبينُ
الوقف على القوافي
العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه : أما

أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نونَ منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم ليفرقوا بينهُ وبين الكلام فيقولون :
( قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي ... )
وفي النصب :
( فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنَمَّا ... قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا )
وفي الرفع :
( هُرَيْرَةَ وَدِعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو ... )

هذا فيما ينون فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون فقول جرير في الرفع :
( مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيَامُو )
وقال في الجر :
( أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيَقَةٍ ... كَانَتْ مُبَاَكةً مِنَ الأَيامِي )
وفي النصب :
( أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا ... وقُولِي إنْ أَصَبْت لَقَد أَصَابَا )
فهذا وجهٌ :
الثاني : ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم يقولون :

( يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَنْ ... )
( ويا صاحِ ما هاجَ الدموعَ الذُّرَفنَّ ... )
قال العجاجُ :
( مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنَهَجَن ... )
وكذلك الجر والرفع والمكسور والمبني والمفتوحُ المبني والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب
الثالث : إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعرِ يقولون :

( أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب ... )
وقال الأخطلُ :
( واسأَلْ بمصقَلةَ البَكْرِيُ ما فَعَلْ ... )
ويقولون :
( قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا ... )
يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب كما يفعلون في الكلام والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا من أثبت الزائد أثبت الأصل ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل فمن ذلك إنشادهم لزهير :
( وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْرِ ... )

وكذلك : يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفاً الواو إن شئت وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل فتقرأ ( والليل إذا يسر ) إذا وقفت وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلاً من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول : لم يعلمْ لنا الناسُ مصرعْ فتحذف الألف قال رؤبة :
( دايَنتُ أروي والدُّيونُ تُقضَى ... فَمَطَلتْ بعضاً وأَدَّتْ بَعْضَا )
فكما لا تحذف ألف ( بعضا ) لا تحذف ( لف تقضي )
وزعم الخليل : أن واو يغزو وياء ( يقضي ) إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في ( وقاتم الأعماق خاوي المخترق ) حروق رويٍّ فكما لا تحذف القاف لا تحذف

واحدة منهما وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم
وقال سيبويه : وقد دعاهم حذف ياء ( يقضي ) إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء ( يقضي ) لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنينا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله :
( يا عَجباً لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ ... )
وقال : سمعت من العرب من يروي هذا الشعر :
( لا يُبْعِدٌ الله أصحاَباً تَركْتُهُمُ ... لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاةٍ الأمْسِ ما صَنَعْ )
يريدُ : ما صنعوا
وقال عنترةُ :

( يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ ... )
يريد : تكلمي
فأما ( الهاءُ ) فلا تحذف من قولك : شتَّى طرائقهُ وما أشبهه لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين قال : وأنشدنا الخليل :
( خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أوَقَعَا ... )
فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من ( يقضي ) فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط ولم يجيء في الألف ولم يجز لما نقدم ذكره
واعلم : أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها ولا يقع ذلك في غير المجرور كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين كسروا قال امرؤ القيس :

( أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي ... وأنَّكَ مَهْمَا تَأمِري القَلْبَ يَفْعَلِ )
وقال طرفة :
( مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسَاً رَوِيَّةً ... فإنْ كُنْتَ عَنْها غَانِياً فَاغْنَ وَازْدَدِ )
ولو كانت في قواف مرفوعة أو منصوبة كان اقواء وقال أبو النجم :
( إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلى ... )
وحلْ مسكنة في الكلام
قال سيبويه : ويقول : الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامهُ ( قالا ) فيمد ( قال ويقولوا ) فيمد ( يقولُ ) ومن

العامي فيمدُّ ( العامَ ) سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكرونه ولم يقطعوا كلامهم فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون : إنه ( قدي ) في ( قَدْ ) ويقولون : إلى في الألف واللام يتذكرون الحارث ونحوه
قال : وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : ( هذا سيفني يريد : سيفٌ ولكنَّهُ تذكر بعدُ كلاماً ولم يرد أن يقطع اللفظ ولو أراد القطعَ ما نونَ فالتنوين حرفُ ساكن فكسر كما كسر دال ( قَدْ )

باب ( من ) وأي إذا كنت مستفهماً عن نكرة
إذا قال القائل : رأيتُ رجلاً قلتَ : مَنَا وإذا قال هذا رجلٌ قلت : مُنو وإن قال : رأيتُ رجلين قلت : مَنَيْنْ وإن قال : ( هذانِ رجلانِ ) قلت : مَنَانْ وفي الجميع مَنونْ ومَنَينْ وللمؤنث : مَنَهْ ومَنَتْ مثل : بنتٍ وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ
وزعَمَ الخليل : أنَّ هذا الباب في ( مَأْ ) إذا وصلت قلت : مَنْ يَا فتى وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط
قال سيبويه : وحدثنا يونس : أن ناساً يقولون : مَنَا ومِنَى ومَنَو واحداً كان أو اثنين أو جماعة وإذا قال : رأيتُ امرأة ورجلاً قلت : مَنْ ومَنَا لأنكَ تقول : مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت : مَنْ ومنَهْ قال : فإذا قال : ( رأيتُ عبد اللهِ ) فلا تقل : مَنَا لا يصلح ذلك في شيءٍ من المعرفة قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقال لهُ : ذهب مَعَهم فيقول : مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ : مَنَا وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم والعرب تختلف في الإسم المعروف فأهل الحجاز إذا

قال الرجلُ : ( رأيتُ زيداً ) قال : ( مَنْ زيداً ) يحكون نصب أو رفع أو جر وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الإسم الغالب فإذا قال : ( رأيتُ أَخا زيدٍ ) لم يجز : ( مُنْ أخا زيدٍ ) إلا قول من قال : ( دَعنا مِن تمرتانِ ) وليس بقَرشياً والواجبُ الرفعُ وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيداً وعمراً أو زيداً وأخاهُ أو زيداً أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد : ما زيد إلا منطلق إلى الأصل فأما ناس فإنهم قالوا : منْ أخو زيدٍ وعمروٍ ومَنْ عمراً وأخا زيدٍ يتبع الكلام بعضُه بعضاً وإذا قالوا : ( منْ عمراً ومنْ أخو زيدٍ ) رفعوا ( أخا زيدٍ ) قال : وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمروٍ فقال : أقول : مَنْ زيدَ بنَ عمرو لأنه كالواحد فَمنْ نونَ زيداً رفع في قول يونس فإن أدخلت الواو والفاء في ( مَنْ ) فقلت : فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع ويقول القائل : رأيت زيداً فتقول : المَنيَّ فإن قال : رأيت زيداً وعمراً قلت : المَنينْ وإن ذكر ثلاثة قلت : المنيِينّ تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت : القرشيَّ أم الثَقفيَّ نصب وإن شاء رفع على ( هو ) كما قال صالح في جواب كيف أنتَ وما أي فهي مخالفة ( لِمَنْ ) لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت : إذا قال : رأيتُ رجلاً أياً فإن قال : رجلين قلت : أييَّن وللجميع : أيَينَ فإن ألحقت ( يا فتى ) فهي على

حالها وإذا قلت : رأيتُ امراةً قلت : أيةً يا فتى وللإِثنتين : أَيتُّين يا فتى والجماعة أيَّاتٍ يا فتى وإن تكلم بجميع ما ذكرنا ومجروراً جررت وإن رفع رفعت فإن قال : رأيت عبد الله فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع ( أيٍّ ) في المعرفة إلا الرفع فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان
فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى ( الذي ) تقول : اضرب أيهم هو أفضل واعط أيهم كان أفضل واضربْ أيهم أبوهُ زيد كما تقول : اضربْ منْ أبوهُ زيد ومن هو أفضل فإن قلت : ( اضربْ أيهم عاقلٌ ) رفعت هذا مذهب سيبويه وهو عندي مبني ( لأنَّ ) الذي عاقل قبيح فإن دخلت ( هو ) نصبت وزعم الخليل أنه سمع عربياً يقول : ما أنا بالذي قال لك شيئاً فعلى هذا تقول : اضربْ أيهم قائل لك خيراً إذا طال الكلام حَسُنَ حذف ( هو ) ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت : اضربْ منْ أفضلُ ورفع أضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى ( الذي ) عندي ناقص لأصول العربية إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَربُ من الضروب يمنع الفعل من الإتصال ( بأي ) وما يفارق ( أي ) فيه ( من ) أن أي تضاف و ( من ) لا تضاف ومن تصلح للواحد والإِثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فمن ذلك : ( ومنهم من يستمعون إليك ) ومَنْ كانت أُمُّكَ وتقول أيضاً : أَيهم كانت أمُّكَ وزعمَ الخليل أن بعضهم قرأ : ( ومَنْ يقنتُ منكنَّ لله ) وقال الفرزدق :

( نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَان ... )
فأي : إنما هي بعض لما أضيفت إليه ومن قد حكى فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك : مررت بمن صالح وقالوا : من تكون استفهاماً وتعجباً وجزاءً قال بعض الكوفيين : إذا وقعت على نكرة كانت تعجباً ولم تكن استفهاماً ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والإستفهام فإذا قلت : أيُّ الرجلين أخواكَ وأي رجالٍ إخوتُكَ فهو على العدد وإذا قلت : أي الزيدينِ أخوكَ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ فلا يجوز أصحابُكَ لأنها تزيد بعد المعرفة
واعلم : أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض لأنك إذا قلت : أي الرجلينِ أخواكَ إنما تريد : أي الرجالِ إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ أخواك وقد حكى أن ( ذا ) قد جاءت بمعنى ( الذي )

باب ما تلحقه الزيادة في الإستفهام
يقول الرجل : ضربتُ زيداً فتقول إذا أنكرت : أزيدَنِيهْ وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه
إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ لإلتقاء الساكنين مثل التنوين
وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أزيداً وعَمرنيهْ وإذا قال : ضربتُ عمر قلت : أعُمراهُ فإن قال : ضربتُ زيداً الطويلَ قلت : الطويلاه وإن قلت : أزيداً يا فتى تركت الزيادة إذا وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الإسم أن فيقول : أَعُمرانِيهْ قال سيبويه : سمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له : أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ فقال : أَنَا إِنِيهْ منكراً
ومما زادوا الهاء فيه بياناً قولهم : أضْرِبْهُ يريد : اضرِبْ وتقول إني قد ذهبتُ فيقول : أذَهبتوُه ويقول : أنا خارج فتقول : أنا إنِيهْ تلحق الزيادة ما لفظتهُ وتحكيه
ذكر الهمزة وتخفيفه
الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة فالساكنة لها ثلاث جهات إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة فإن كان قبلها فتحة

أبدلت ألفاً وذلك في راس راس وفي يأس ياس وفي قرأتُ قراتُ وإن كان قبلها كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم : في الذئب الذيبُ وفي المئرةِ الميرةُ وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وذلك قولك في البؤسِ البوسُ والمؤمنِ المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها لأنه ليس شيءٌ أقرب منه فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكناً أو متحركاً فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين : همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمدَ
والضرب الآخر : همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول : الهمزة المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واوا أو ياء وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم وأبدلت الهمزة واواً وإنما فعلت ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء تقول في : خطيئةٍ خَطيّةٌ
في النَسيء النَسيُّ يا هذا
وفي أُفَيئسٍ تصغير أفْأَسٍ أُفَيَّسُ وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل سُويَلٍ فياء التصغير بمنزلة ياء خطيةٍ
وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحاً قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبداً وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير ونحو ألف دراهم ألا ترى أنك تقول : دُرَيهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف ولا تحرك كما لا تحرك الألف وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفاً جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين : ( بَينَ بينَ ) أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة
وقال سيبويه :

ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في التخفيف إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن ولولا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في المسائِل المسايلُ يجعلها بين الياء والهمزة وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ فيجعلونها بين الهمزة والألف يلينُ الصوتُ بها وتقول في : جزاءُ أُمهِ جَزاؤامُهِ جزاؤامُهِ
الضرب الثاني :
الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ فَمنْ يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها وذلك قولك في المرأة المَرةُ وفي الكماة الكَمَةُ وقال الذين يخففون : ( ألاَّ يسجدوا لله الذي يُخرجُ الخَبَ في السموات والأرض ) ومن ذلك : مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك : الحمر تريد الأحمر وقد قالوا : الكماةُ والمُراة ومثله قليل ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قولهم : أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى
وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت : رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره أرَأوهُ مثل : أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل فإن أمرت واحداً قلت : ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل ارْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في : اخشَ يا هذا وكان الأصل اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها قال سيبويه : وحدثني أبو الخطاب : أنه سُمعَ من يقول : قد أَراهُم فجاء به على الأصل

باب ذكر الهمزة المتحركة
لا تخلو الهمزة المتحركة من إحدى ثلاث جهات من الضم أو الكسر أوالفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً وذلك محال فأما ما تجعل من ذلك ( بينَ بينَ ) فنحو : سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ بينَ بين الألف والهمزة وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودةُ فيجعلونها واواً خالصة ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك وفي المئرِ الميرُ ياء خالصة وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ وإن كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحو صارت بين الهمزة والياء وذلك في يَئَسَ يُيسَ وفي سَئِمَ سَيِمَ ( وإذْ قال إبراهيم )
وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك : ضربتُ أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ

بينَ وذلك : هذا دِرهمُ أُختِكَ وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ وذلك من عند أُختكَ وقال سيبويه : وهو قول العرب والخليل

باب الهمزتين إذا التقتا
وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة وضرب في كلمتين منفصلتين اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من إبدال الآخرةِ ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفاً نحو : آدمَ لإنفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فَعْلَلٍ من جئتُ فقال : جَيأَي مِثالِ جَيعَاً وإذا جمعت آدم قلت : أَوادمُ كما أنك إذا حقرت قلت : أُويَدمٌ صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف ( خالدٍ ) لإنفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل ياء فتصير : خطائي فقلبوا الياء ألفاً رفَعوا ما قبلها كما قالوا مُداري أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا ( مَطايا ) وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا وذلك قولهم : كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف الآخرة تسقط ويجري الإسم في الكلام

الضرب الثاني : من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين :
اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عيناً مضاعفة في الأصل نحو : سمائين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قول الله عز و جل : ( فَقد جاء أشراطُها ) ( ويا زكريا إنا ) ومنهم من يحقق الأول ويخفف الآخرة وكان الخليل يستجب هذا ويقول : لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم وأخذ به أبو عمرو في قوله : ( يا ويلتا أَلِدُ وأنا عجوزٌ )
فحقق الأولى وقال سيبويه : وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة ويدلك على ذلك قول الأعشى :

( أَانْ رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ... )
فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت فتقول : اقرأ آية في قول من خفف الأولى لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها ومن حقق الأولى قال : اقْرُ آية ويقولون : اقْرِيَ مثل : اقر آية لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن وأما أهل الحجاز فيقولون : اقرأ آيةً ويقولون : أَقرِي باكَ السلام يبدلون الأولى ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الإستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا : اخشينانِ فهؤلاء أهل التحقيق وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول : آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار أبو عمرو ويدخلون بين الهمزتين ألفاً ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعاً ويدخلون بينها ألفاً وإن جاءت ألف الإستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية واعلم : أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً ياء مكسورة وليس هذا بقياس مطرد وإنما يحفظ عن العرب حفظاً فمن ذلك قولهم

في ( منسأةٍ ) مِنْسأةٌ ومن العرب من يقول في أوْ أَنْتَ أوَّنْتَ وأبو يوب في أبو أيوب وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء : سَوَّةٌ وضَو شبهوه بأوَّنْتَ فإن خففت في قولهم : أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية لإجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها وبعضهم يقول : يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يِجيكَ ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو وعلى هذا تقول : هُوَ يَرمْ خْوانَهُ يريد : يَرمِ أخْوانُه حذف الهمزة وأذهب الياء لإلتقاء الساكنين
قال أبو بكر : ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتثنية والجمع الذي على حدها والعدد وجمع التكسير والتصغير والنسب
والمصادر وما اشتق منها والأمالة والأبنية والتصريف والإِدغام وضرورة الشاعر

باب المذكر والمؤنث
التأنيث يكون على ضربين : بعلامة وغير علامة فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين : فأحد اللفظين التاء تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة والآخر الألف أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب
الأول : دخولها على نعت يجري على فعله وذلك قولك : في قائمٍ ومفطرٍ وكريم ومنطلقٍ إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يُسمَ فهذا بابه وجميع هذا نعت لا محالة وهو مأخوذ من الفعل
الثاني : دخولها فرقاً بين الإسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأُنثاهُ ذكر وذلك قولهم : امرؤٌ وامرأةٌ ومرءٌ ومرأةٌ ويقولون رجَلٌ وللأُنثى رَجُلةٌ قال الشاعر :
( وَلَمْ يُبالوا حُرْمةَ الرَّجُلَةَ ... )
والثالث : دخولها فرقاً بين الجنس والواحد منه نحو قولك : تَمْرٌ وتَمرةٌ

وبُسرٌ وبُسرةٌ وشعير وشعيرةٌ وبقَر وبقَرةٌ فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والذكير فتقول هو التَّمرُ وهو البُسرُ وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه ولك أن تقول : هي التَمرُ وهي الشعيرُ وكذلك ما كان مثلها قال الله عز و جل : ( كأنَّهم أعجازُ نَحُلٍ خاوية ) فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة ومن هذا الباب جَرادٌ وجرادةٌ وإنما هو واحد من الجنس ليس جرادٌ بذكرِ جَرادةٍ
واعلم : أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة فأما حَيّةٌ فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس ( حَيٌّ ) لأنه في الأصل نعتٌ حَيٌ يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب
الرابع : ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذَكرٌ وذلك : بلدةٍ ومدينة وقرية غُرفة
الخامس : ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك : عَلاّمةٌ ونَسابةٌ وراويةٌ فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره لمذكر أو مؤنث قَلتْ أو كثرتْ
السادس : الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفَاعِلَ وبابه ينقسم على ثلاث أنحاء فمن ذلك ما يراد به النَّسبُ نحو : الأَشاعثةِ والمهالبةِ والمَناذرةِ والثاني : أن يكون من الأعجمية المعربة نحو
الجَواربةِ والمَوازجةِ والسيَّابجةِ والبرابرةِ
وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار
الثالث : أن تقع الهاء في الجمع عوضاً من ( ياء ) محذوفة فلا بد منها أو

من الياء وذلك في جمع جحجاجٍ جَحاجيجٌ وفي جمع زنديق زَناديقٌ وفيفرزان فرازين فإن حذفت الياء قلت فَرازنةٌ وزَنادقةٌ وجحاجحَةٌ وليس هذا كعَساقلةٍ وصيَاقلةٍ لأنك حذفت من هذا شيئاً لا يجتمع هو والهاء ولو اجتمعا لم يكن مُعاقباً ولا عوضاً
وإنما قلت : إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء ألا ترى أن الإسم تمنعه الهاء من الإنصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة وإن الهاء كياء النسب تقول : بطةٌ وبَطٌ وتَمرةٌ وتَمرٌ فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء وكذلك تقول : ( زنجيٌ وزنجٌ وسنديٌ وسندٌ وروميٌّ ورومٌ ويهوديٌّ ويهودٌ ) فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة تأتي بها في أي وزن كان وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تَميميٌ تُميميٌّ وفي تصغير جمزي جُمَيزيٌّ وتقول : في عنترةَ عُنَتيريٌّ فالإسم على ما كان عليه
السابع : ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى وذلك نحو : حمامةٍ ودجاجةٍ وبطةٍ وبقرةٍ واقع على الذكر والأنثى ألا ترى قول جرير :
( لمَّا تَذَكَّرتُ بِالدَّيْرَيْنِ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ )
إنما يريد : زُقاءِ الديوكِ

باب التأنيث بالألف
هذه الألف تجيء على ضربين : ألف مقصورة وألف ممدودة والألف المقصورة تجيء على ضربين : فضرب لا يشك في ألفهِ أنها ألف تأنيث وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل
الأول : ما جاء على فُعْلَى فهو أبداً للتأنيث لا يكون هذا البناء لغيره وذلك نحو : حُبْلى وأُنثى وخُنْثى ودُنْيا لأنه ليس في الكلام اسم على مثال ( جَعْفَر ) فهذا ممتنع من الإلحاق
الثاني منه : ما جاء على وزن الأصول وبابه أن ينظر هل يجوز إدخال الهاء عليه
فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث وإن امتنعت فهي للتأنيث فما الذي لا تدخل عليه الهاء فَسكرى وغْضبى ونحوه مما بني الذكر منه على فَعْلانَ نحو : سَكْرانَ وغَضبانَ وكذلك جمعه نحو : سَكارى في أن الألف للتأنيث ومن ذلك : مَرْضَى وهَلْكَى ومُوتى فأما ما تدخله الهاء فنحو : عَلْقَاةٍ وأرطأَةٍ وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف
الضرب الثاني : من ألف التأنيث هو الألف الممدودة :
وهي تجيء على ضربين : منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه ومنه ما يجيء اسماً وليس له مذكر اشتق له من لفظه
فالضرب

الأول يجيء على فَعْلاء نحو : حَمْراءَ وخَضْراءَ وسوداءَ وبيضاءَ وعوراءَ : والمذكر من جميع ذا على ( أَفعلَ ) نحو : أَحمرَ وأخضرَ وأَعورَ وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث
وأما ما جاء اسماً لواحد ولجميع فالواحد نحو : صَحْراءَ وطَرْفاءَ وقَعْساءَ وحلفاء وخنفساء وقرفصاء وأما ما جاء لجمع فنحو : الحكماء والأصدقاء والأخمساء وأما بطحاء وأبطحُ : فأصله صفة وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسماً مثل : أَبرق وبَرقاءَ وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال : جبَلٌ أَبرق وأما قوباء وخُششَاء فهو ملحق بقسطاطَ وقرطاطَ وكذلك : علباء وحرباءُ وقِيقاء وزيزاءُ مذكرات ملحقات بسرادحٍ ومداتُهن منقلبات وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحاً ليست ألفه للتأنيث
الضرب الثاني : من القسمة الأولى من المؤنث :
وهو ما أُنث بغير علامة من هذه العلامات وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضاً فغير عن حرف التأنيث واسم يلزم التأنيث وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه واسم يذكر ويؤنث
الأول : قولك : أَتانٌ وحمارٌ وعَناقٌ ورخلٌ وجملٌ وناقةٌ صار

هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفاً معروفاً ( بذي ) عن العلامة ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك وكذلك حَجَرٌ
الثاني : ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازماً أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره وذلك أنه ليس شيءٌ من ذوات الثلاثة كان مؤنثاً إلا وتصغيره يرد الهاء فيه لأنه أصل للمؤنث وذلك قولك : في بَغْلِ بُغَيلَةٌ وفي ساقٍ سُويقةٌ وفي عَين عيينةٌ وأما قولهم في : حَرْبٍ حُرَيْبٌ وفي فَرَسٍ فُرَيسٌ فإن حراباً إنما هو في الأصل مصدر سمي به وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فُرَيسةٌ فإن كان الإسم رباعياً لم تدخله الهاء في التصغير وذلك نحو : مَقْربٍ وأرنب وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث وذلك نحو : إبلٍ وغنمٍ تقول في تصغير غنمٍ غُنَيمةٌ وفي إبلٍ أُبَيلَةٌ ولا واحد في لفظه وكذلك خَيلٌ هو بمنزلة هندٍ ودعدٍ وشمسٍ فتصغر ذلك فتقول : غُنَيمةٌ وخُيَيلَةٌ فإن كان شَيءٌ من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث
الثالث : وهو ما يذكر ويؤنث :
فمن ذلك الجموع لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة فأما قومٌ فيقولون في تصغيره قوَيمٌ وفي بَقَرٍ بُقَيرٌ وفي رَهْطٍ رُهَيطٌ لأنك تقول في ذلك ( هم ) ولا يكون ذلك لغير الناس فإن قلت فقد أقول : جاءتِ الرجالُ و ( كذبت قبلهم قوم نوح ) وما أشبه ذلك فإنما تريد جاءتْ جماعةُ الرجالِ وكذبت جماعة قوم نوح كقول الله تعالى : ( واسألِ

القريةِ ) إنما هو أهل القرية وأهل العيرِ فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) فهذا على لفظ الجنس
وقال ( كَأَّنهم أعجازُ نَخلٍ خاوية ) على معنى الجماعة وتقول : هذه حصىً كبيرةٌ وحصىً كثيرةٌ وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء قال الأعشى :
( فإنْ تَبْصِرِني وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا )
لأن الحوادث جمع حَدثٍ والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد وكذلك قول عامر بن حريم الطائي :
( فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالَها )
لأن أرضاً ومكاناً سواءٌ ولو قال على هذا : ( إنَّ زينبَ قامَ ) لم يجز لأن

تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الإسم فخبرت عنه بذلك فإنّ الخبر عنه لا عن الإسم
واعلم : أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فِهْرٌ فهي مؤنثةٌ وتصغيرها فُهَيرَةٌ وتقول : قَتَّبٌ لحشوةِ البَطنِ وهو المعي وتصغيره قُتَيبَةٌ وبذلك سمي الرجل قُتَيبَةً وكذلك : طريقٌ وطرقٌ وطريقين جُرنِ وجُرناتِ وأوطبُ وأواطبُ والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك : اللسان يقال هو وهي والطريقُ مثله والسبيلُ مثلهُ وأما قولهم : أرضٌ فكان حقه أن يكون الواحدُ أرضةٌ والجمع أرضٌ لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرةٍ من تَمرٍ ولكن لما كانت نَمطَاً واحداً وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز و جل : ( فاطر السمواتِ والأرضِ ) وقال : ( ومَنْ في الأرض مثلهنَّ ) فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزنٍ وبَحرٍ وجَبلٍ قيلَ : أرضون كما تقول في التَمرِ تمرانِ تريد ضربين فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لولا ما ذكرنا وإنما قالوا : أرضونَ والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصاً كمشيةٍ وثُبةٍ وقُلَةٍ وكليةٌ لا بد أنها كانت هاءً في الأصل فلذلك جاءت الواو والنون عوضاً
وطاغوت فيها اختلاف فقوم يقولون : هو أحد مؤنث وقال قوم : بلْ هو اسم للجماعة قال الله تعالى : ( الذين اجَتنبُوا الطاغوتُ أنّ يعبدوها ) فهذا قول قال محمد بن يزيد : والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة وهو كل ما عُبد من دون الله من إنسٍ وجِنٍ وغيره ومن حَجرٍ وخَشبٍ و ما سوى ذلك قال الله عز و جل :

( أولياؤهم الطاغوت يخرجونَهم من النور إلى الظلمات ) فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له وقولهم : إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت والعنكبوت مؤنثة قال الله جل اسمه ( كَمثلِ العنكبوتِ اتخذتْ بيتاً ) والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية على وزن عناقٍ وأتانٍ وكل ما أُنث وتأنيثه غير حقيقي والحقيقي : المؤنثُ الذي له ذكر فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل قال الله تعالى : ( فَمنْ جاءهُ موعظةٌ مِنْ ربهِ فانتهى ) لأن الوعظ والموعظة واحد وأما حائضُ وطامثٌ ومُفْصلٌ فهو مذكر وصف به مؤنث
ذكر المقصور والممدود :
وهما بناتُ الياء والواو اللتين هما لامات فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنَّ بعد حرف مفتوح وذلك نظائرها من غير المعتل وذلك نحو : مُعْطي وأشباهه لأنه معتل مثل مُخْرَجٍ ومثل ذلك المفعول وذلك أن المفعول من سَلقيتَهُ فهو مُسَلْقىً والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في ( سلقيتُ ) حرفاً غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح فكذلك هذا وأشباهه وكل شيءٍ كان مصدراً لفَعلَ يفعَلُ وكان الإسم أَفعلُ فهو منقوص لأنه على مثال : حوِل يحول فهو حول واسمه أحول فمن ذلك قولهم : للأعشى به عَشيٌ وللأعمى به عَمَىً

وللأقنى به قُنَىً وما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعلَ فُعَلَ يَفْعَلُ والإسم منهُ فَعَلٌ وذلك فَرقَ يَفْرَقُ فَرقَاً فمصدر هذا من بنات الياء والواو على ( فَعَلٍ ) هَوْيَ يَهْوى ورديت تَردَى وهو رَدٍ وهو الردَّى وصديت صَدىً وهو صَدٍّ ولويتَ لوىً وكذلك : كَري يكْرى كرَىً وإذا كان ( فَعِلَ ) يَفعَلُ فَعلاء والإسمُ منه فَعْلانُ فهو أيضاً منقوص نظيره من الصحيح : عَطشَ يعطَشُ عَطَشَاً وهو عطشانُ وله فَعْلَى نحو : عَطْشى والمعتل : نحو طَوِيَ يَطوي طَوىً وصَديَ يَصْدى صَدىً وهو صديانُ وقالوا : رَضيَ يَرضى رَضاً وهو رَاضٍ وهو الرضا ونظيره : سَخِطَ يسخطُ سخطاً وهو ساخطٌ وكسروا الراء من رضاً كما قالوا : الشِيعُ فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يُجسر عليه إلا سماعاً ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو : قَفَاً ورحىَّ وقد يستبدل بالجمع إذا سمعتَ أرحاءَ وأقفاءَ علمت أنه جمع لمنقوص وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فِعْلة أو فُعْلَة فهي مقصورة نحو : عُروة وعُرىً وفريةِ وفِرىً أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو : الإستسقاء لأن استسقيتُ مثل استخرجتُ فكذلك الإشتراء لأن اشتريتُ مثل احتقرت ومن ذلك الأحبنطاء والإسلنقاء فإنه يجيء على مثال الإستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول ويكون للصوت وذلك نحو : العُواء والزقاء والرُّغاء ونظيره من غير المعتل الصُّراخُ والنُّباحُ ومن ذلك البُكاءُ قال الخليل : والذينَ

قصروهُ جعلوهُ كالحزنِ ويكون العلاج كذلك نحو النُّزاء ونظيره من غير المعتل القُماصُ وقلما يكون ما ضُم أوله من المصدر منقوصاً لأن فُعَلاً لا تكاد تراه مصدراً من غير بنات الياء والواو ومنه ما لا يعلم إلا سماعاً نحو : السماءِ والرشاءِ والألاء والمقلاء ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أَفْعِلَةٍ فواحدها ممدود نحو : أَفْنِيةٍ واحدُها فِنَاء وأرشِيَةٍ واحدها رشاءُ

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية
الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين : صحاحٌ ومعتلة فأما الصحاحُ فقد تقدمت معرفتها وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة والمعتل على ثلاثة أضرب مقصورٍ وممدودٍ وما آخرهُ ياءٌ
الأول المقصور : ما كان على ثلاثة أحرف فصاعداً فالألف بدل غير زائدة فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو وإن كان ياء أظهرت الياء فبنات الواو مثل : قَفاً وعَصاً ورَحاً والدليل عليه قولهم رضَاً فلا يميلون وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه الإِمالةُ فتقول على هذا فيه : قَفوانِ وعصوانِ ورحوانِ ومن ذلك رِضَاً والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم : مرضُوّ ورُضوان وأما مرضيٌ فبمنزلة مَسنيةٍ وهي من سنوتُ استثقلوا الواوين فأبدلوا وبنات الياء مثل : رَحَى وعَمى وهُدىً

وفَتىً لأنهم يقولون : فتيانِ ورَحيانِ فأما الواو في الفتوةِ فمن أجل الضمة التي قبلها وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية قالوا : قنواتٌ وأدواتٌ وتقول في رباً ربوانِ لقولهم : ربوتُ فإذا جاء من المنقوص شيءٌ ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الإنتصاب فهو من بنات الواو نحو : لَدىَّ وإلىَّ وإنما يثنيان إذا صار اسمين وإن جاء من المنقوص شيء ليس فِعلٌ تثبت فيه الياء وإلا اسم وجازت إمالته فالياء أولى به وذلك نحو : مَتى وبَلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية فإن كان الإسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفهُ بدلاً من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية وذلك نحو قولك : في مصطفى مصطفيانِ ومصطفياتُ وأعمى وأعميانِ فإن جمعتَ المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها تقول في مصطفى مصطفون وفي رجل سميتهُ : قَفاً قَفونَ
الثاني : من الممدود : اعلم : أن الممدود بمنزلة غير المعتل تقول في كساءٍ : كساءانِ وهو الأجودُ فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واواً وكذلك إذا جمعته بالتاء وذلك قولك جمراوان وحمراواتٌ وناس كثيرون يقولون : علباوانِ وحرباوانِ شبهوه بحمراء إذ كان زائداً مثله وإنما تثنيته علباءانِ وحرباءانِ لأَن علباءُ ملحق بسرواحَ والملحق كالأصل وهذا يبين في التصريف وقال ناس : كساوانِ وغطاوانِ ورداوانِ وإن جعلوه بمنزلة عِلْبَاءَ وعلباوان أكثر من كساوان قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن عقلتُهُ بثنايينِ لِمَ لَمْ يهمز فقال : لأنه لم يفرد لهُ واحدٌ

الثالث : الإسم المعتل : الذي لامهُ ياء قبلها كسرة نحو : قاضٍ وغَازٍ تثنيه : قاضيان وغازيانِ وتجمعهُ : قاضونَ وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع
كما كانت في مصطفى إذا ثنيت فقلت : مصطفيان وإذا جمعت قلت : مصطفونَ والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها

باب جمع الإسم
الذي آخره هاء التأنيث إذا سميتَ رجلاً : طلحة أو امرأة فجمعهُ بالتاء لا تغيره عما كان عليه فأما حُبلَى وحمراءُ وخُنفساءُ إن سميتَ بها رجلاً قلت : حُبلون وحمراوونَ تجمع جميع هذا بالواو والنون لأنها ليست تَزولُ إذا قلت : حَمراوانٍ فمن حيثُ قلت حمراوانِ قلت : حمراوونَ ولما لم يجزْ تمرتانِ لم يجز تَمرتونَ وتجمعُ عيسى وموسى عيسونَ وموسونَ

باب جمع الرجال والنساء
قال سيبويه : إذا جمعت اسمَ رجلٍ فأنت فيه بالخيار إن شئت جمعته بالواو والنون وإن شئت كسرته وإذا جمعت اسم امرأةٍ فأنت بالخيار جمعت بالتاء وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع فإذا سميت بأحمر قلت : الأحامرُ جعلته مثل أرنبٍ وأرانب وأخرجته من جمع الصفة وإن سميت بورقاء جعلتها كَصلْفاء تقول : صلاف وصحراء صَحارٍ وإن جمعت خالداً وحاتماً قلت : خَوالدٌ وحواتمُ ولو سميت رجلاً أو امرأةً بسنَةٍ لكنت بالخيار وإن شئت قلت : سنونَ وإن شئت قلت : سنواتٌ وكذلك ثُبةٌ تقول : ثُباتٌ وثُبونَ لا تجاوز جمعهم الذي كان عليه وشِيةٌ وظُبَةٌ شِياتٌ وظُباتٌ لأنهم لم يجاوزوا هذا وكان اسماً قبل أن يسمى به
وابنٌ بنونُ وأبناءُ وأُم أُمهاتٌ وأُماتُ واسمٌ وأسمون وأسماء
وامرؤ امرؤنَ مستعمل بألف الوصل وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه
وشاةٌ إذا سميت بها لمْ تقلْ إلا شِيَاةٌ لأنهم قد جمعوه ولم يجمعوه بالتاء
ولو سميت رجلاً بُربةَ فيمن خفف قلت : رُباتٌ وربونَ وعِدةٌ

عِدات وعدونَ كَلدونَ وشَفَةٌ في التكسير شفاهٌ ولا يجوز في أُمة آماتٌ ولا شفاتٌ كذا قال سيبويه والقياسُ يجيزهُ وقالوا : آمٌ وإماءٌ في أمةٍ وقال بعضهم : أَمَّةٌ وإموانٌ ولو سميت رجلا بِبُرة لقلت : بُرىً مبرةٌ كما فعلوا به قبل : وإذا جاء شيء مثل ( برةَ ) لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفاً ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسماً على القياس فإن كان اسماً قد كسرته العرب لم تجاوز ذلك وأما والدٌ وصاحبٌ فجعلوهما كضاربٍ وإن تكلم بهما كما يتكلم بالاسماء فإن أصلهما الصفة وإذا كسرت الصفة على شيءٍ قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسماً على ذلك كما قالوا في أحمرَ أحامُر والذين قالوا : في حارثٍ حَوارثُ إنما جعلوه اسماً ولو كان صفة لكان حارثونَ ولو سميت رجلاً بِفَعيلةٍ قلت : فَعَائِلُ وإن سميته بشيء قد جمعوهُ فُعُلاً جمعته كما جمعوه مثل صَحيفة وصُحُفٍ وسفينةٍ وسُفُنٌ وإن سميته بفَعيلةِ صفة لم يجز إلا فَعَائلُ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت : العُجُزُ نحو : عَمودٍ وعُمُدٌ وقالوا في أَبٍ أبونَ وفي أخٍ أخونَ لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئاً كما قال :
( وفَديننَا بالأَبيِنا ... )

وعثمان : لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره عُثَيمينَ وإنما تحقيره عُثَيمانُ وهذا يبين في التصغير وما يجمع الإسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجلٌ تسميه : ببنتٍ وأُختٍ وهَنتٍ وذَيتٍ تقول في جمعه : بناتُ وذَيَّاتُ وهَناتُ وفي أختٍ أخواتٌ وإن سميته : بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون والمؤنث بالالف والتاء لأنه جمع لا يكسر وكذلك قالوا : سَراويلاتٌ حين جاء على هذا المثال وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته وإن سمعت اسماً مضافاً فهو مثل جمعه مفرد تقول في عبد الله كما تقول : عبدونَ وأسقطت النون للإِضافة وإن جمعت أبا زيدٍ قلت : أباءُ زيدٍ لأنك عرفتهم بالثاني وإن جمعت بالواو والنون قلت : أبو زيدٍ تريد : أبونَ قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم الأشعرونَ فقال : كما قالوا : الأشاعرةُ والمسامعةُ حين أراد بني مِسْمَعٍ وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم : النميرونَ وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه يعني بقوله : هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة
قال سيبويه : وسألت الخليل عن ( مقتوىً ومقتوينَ ) فقال : هو بمنزلة النسب للأشعرين وقال سيبويه : لم يقولوا :

( مَقتَونَ ) جاءوا به على الأصل وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة وقوله : جاءوا به على الأصل لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفاً فإن صارت ألفاً طرحت لإلتقاء الساكنين كما قال : مصطفونَ وقال في تثنية المبهمة ذانِ وتانِ واللذانِ ويجمع اللذونَ وإنما حذفت الياء ( في ) من الذي والألف في ذا في هذا الباب ليفرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة وهذه الأسماء لا تضاف

ذكر العدد
الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الإثنين والثنتين إلى أن يبلغ تسعَ عشرة وتسعةَ عشَر فإذا جاوز الإثنين فيما واحدة مذكر فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء وذلك ثلاثة بنين وأربعةُ أجمالٍ فإن كان واحده مؤنثاً أخرجت الهاء وذلك قولك : ثلاث بناتٍ وأربعُ نسوةٍ فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحداً قلت : أحدَ عشَر وإن جاوز المؤنث العشرةَ فزاد عليها واحداً قلت : إحدى عشِرَةَ في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز : إحدى عَشْرَةَ وإن زاد المذكر واحداً على أحدَ عَشَر قلت : اثنا عشرَ وإن له اثني عَشر حذفت النون لأن عشرَ بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب وإذا زاد المؤنث واحداً على إحدى عَشرة قلت ثِنتا عَشِرَةَ وإن له ثنتي عشِرة واثنتي عشِرة وبلغة أهل

الحجاز عَشْرة فإذا جاوزت ذلك قلت : ثلاثة عشَر وأذا زاد على ثنتي عشَرة واحداً قلت : ثلاثَ عشَرة وحكم أربعةَ عشَر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثةَ عشَر

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه
وذلك قولهم : خامسُ خَمْسَةٍ وثاني اثنينِ وثالثُ ثلاثةٍ إلى قولك : عاشرُ عَشرةٍ فقولك : ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة وقد أضفته إلى العدد وهو ( ثلاثة ) فمعناه : أحد ثلاثةٍ وأحدُ أربعة وتقول للمؤنث : خامسةُ فتدخلها الهاء كما تدخل في ( ضاربةٍ ) لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل فإذا أضفت قلت : ثالثةَ ثلاث ورابعةُ أربع وتقول : هذا خامسُ أربعةٍ تريد : هذا الذي خمسُ الأربعة وتقوله في المؤنث : هذا خامسةُ أربعٍ وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة فإذا أردت أن تقول في أحدَ عَشر كما قلت : في ( خامس ) قلت : حادي عَشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر
وفي المؤنث : حاديةَ عشَرة كذلك إلى أن تبلغ تسعةَ عشَر
ومن قال خامسُ خمسةٍ قال : خامسُ خمسةَ عَشَر وحادي أحد عَشر . ( فحادي وخامس ) ها هنا يجرُّ ويرفع ولا يبنى وبعضهم يقول : ثالثَ عشر ثلاثةَ عشَر ونحوه وهو القياس وليس قولهم :

ثالثُ ثلاثةَ عشَر في الكثرة كثالث ثلاثةٍ لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول : هذا حادي أحد عشَر إذا كُنَّ عشَر نسوة فيهن رجل ومثل ذلك : خامسُ خمسةَ إذا كن أربع نسوة فيهن رجلٌ كأنك قلت : هو تمامُ خمسةٍ والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول : هو خامسُ أربعةٍ إذا أردت به أن صير أربع نسوةٍ خمسةً ولا تكاد العرب تكلم به وعلى هذا تقول : رابعُ ثلاثةَ عشَر كما قلت : خامسُ أربعةٍ فأما بضعةَ عشر فبمنزلة تسعةَ عشَر في كل شيء وبضعَ عشرة كتسعَ عشَرة في كل شيءٍ

باب العدد المؤنث المواقع على معدود مؤنث
تقول : ثلاث شياهٍ ذكورٌ ولهُ ثلاثٌ من الشَّاءِ والإِبل والغنم فأجريت ذلك على الأصل لأن أصله التأنيث وقال الخليل قولك : هذا شَاةٌ بمنزلة قولك : هذا رحمةٌ
أي هذا شيء رحمةٌ وتقول : له ثلاث من البطِ لأنك تصيره إلى بطةٍ وتقول له ثلاثةٌ ذكور من الغنم لأنك لم تجيء بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير فقلت : من الإِبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك : ذكورٌ بعد قولك : من الإِبل لا تثبت الهاء وتقول : ثلاثةُ أشخصٍ وإن عنيتَ نساءً لأن الشخص اسم مذكر وكذلك : ثلاثُ أعينٍ وإن كانوا رجالاً لأن العين مؤنثةُ تريد الرجل الذي هو عين القوم وثلاثة أنفسٍ لأن النفس عندهم : إنسان وثلاثة نساباتٍ وهو قبيح لأن النسابةَ صفةٌ فأقمت الصفة مقام الموصوف فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الإسم
وتقول : ثلاثةُ دوابٍ إذا أردت المذكر لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل وإن كان لا يتكلم بها كأسماءٍ
وتقول : ثلاثُ أَفراسٍ إذا أردت المذكر لأنه قد ألزم التأنيث وتقول : سار خمسُ عشرة من بين يوم وليلةٍ لأنك ألقيتَ الإسم على الليالي فكأنك قلت : خمسَ عشَرة

ليلةٍ وقولك : من بين يومٍ وليلةٍ توكد بعد ما وقع على الليالي لأنه قد علم : أن الأيام داخلة مع الليالي وتقول : أعطاهُ خمسَةَ عشَرَ من بينِ عبدٍ وجاريةٍ لا غيرَ لإختلاطها قال سيبويه : وقد يجوز في القياس : خمسةَ عشَر من بين يومٍ وليلةٍ وليس بحدٍّ في كلام العرب وتقول : ثلاثُ ذَودٍ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه فأما ثلاثة أشياء فقالوها لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه ( فَعْلٌ ) ومثل ذلك : ثلاثَةُ رَجْلةٍ لأنه صار بدلاً من أرجالٍ وزعم الخليل : أن أشياء مقلوبةٌ كقسى وزعم يونس عن رؤبة : أنه قال : ثلاث أنفسٍ على تأنيث النفس كما قلت : ثلاثُ أعينٍ
واعلم : أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الإسم ولا يحسنَ أن تضيف إليها الأسماء التي تعدد تقول : هؤلاء ثلاثةٌ قَرشيونَ وثلاثة مسلمونَ كراهية أن يجعل الإسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر

ذكر جمع التكسير
هذا الجمع يسمى : مكسراً لأن بناء الواحد فيه قد غُير عما كان عليه فكأنه قد كسر لأن كسر كل شيءٍ تغييره عما كان عليه والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسماً خماسياً لا زائد فيه فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه

والذي يحذف على ضربين : ضرب يحذف ويعرض من الحذف الياء تعويضاً لازماً وضرب التعويض فيه وتركه جائزان وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله وأبنية هذه الجموع تجيء أيضاً على ثلاثة أضربٍ : ضرب يكون اسماً للجمع ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها ومنها ما هي للأكثر والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها فمنها ما يستعمل في غير بابه ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيراً والإستغناء بالكثير عن القليل نحو : ثلاثةٍ شسوعٍ وثلاثةِ قُروءٍ وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسماً للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين : أحدهما عدته ثلاثةُ أحرفٍ والآخر عدتهُ أربعةُ أحرف والثلاثة على ضربين أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرفٍ ونبدأ بالإسم الثلاثي الذي لا زائد فيه وهو يجيء على عشرة أبنيةٍ : فُعْلٌ فِعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فِعُلٌ فِعِلٌ فُعَلٌ فَعُلٌ
وأبنية الجموع على ثلاثة عشَر بناءً : فَعْلٌ فُعُلٌ فُعْلَةٌ فِعُلَةٌ أَفعُلٌ فَعيلٌ فَعَالٌ فُعُولٌ فِعَالةٌ فُعُولةٌ فُعْلانٌ فِعْلانٌ أَفعالٌ فأَفعلُ وإفعالُ بناءانِ للقليل وفِعَالُ وفُعولٌ أخوان وهما للكثير وفِعالةٌ وفعُولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة وفُعولٌ وفِعالٌ أخوان وليست أَفعلُ وإفعالُ أخوينِ لأن ما يجيء على فِعالٌ يجيء فيه بعينه كثيراً فَعولٌ وفُعلانٌ وفِعلانٌ ايضاً للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع وأسماء الجمع منها : فُعلٌ وفَعْلٌ إلا أن يكون مقصوراً من فُعُولٍ وفِعْلةٍ وفِعَلَةٍ إن لم تكن مقصورة من فَعلةٍ وفَعيلٍ

الأول : من أبنية الجموع فُعْلٌ :
فُعْلٌ كسروا ( فَعَلٌ ) على ( فُعْلٍ ) وهو قليل قالوا : أسدٌ وأُسْدٌ وقد جاء في ( فَعَلٍ فُعْلٌ ) وهو قولهم : الفُلْكُ للواحَدِ وللجمع الفُلْكُ وهو اسم للجميع لا يقاس عليه وقالوا : أَركنُ ورَكْنٌ وبعض العرب يقول : نَصَفٌ ونُصْفٌ وقد جاء في ( فَعْلٍ ) رَهْنٌ وَرَهَنٌ فَفُعْلُ : اسم للجميع ولمتأولٍ أن يتأولَ أنَّ ( فُعْلَ ) مخفف ( فُعَلٍ وإن ( فَعَلُ ) مقصور من ( فُعولٍ ) وكيف كان الأمر فهو بمنزلة اسم للجمع لا يقاس عليه وقالوا فيما أعلت عينهُ : دارٌ ودورٌ وساقٌ وسوقٌ ونابٌ ونِيبٌ فهذا في الكثير
الثاني : فَعَلٌ :
قالو : أَسَدٌ وأُسْدٌ فهذا مما يدل على أن ( فُعُلَ ) في ذلك الباب مخفف من ( فُعْلٍ ) وكسروا ( فَعِلُ ) عليه قالوا : نِمَرٌ ونُمُرٌ قال الراجز :
( فيها عَياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ ... )
وهو عندي مقصور عن فُعولٍ حذفت الواو وبقيت الضمة والذين قالوا : أُسْدٌ وفُلْكٌ ينبغي أن يكون خففوا ( فُعُلٌ ) والقياس يوجب أن يكون لفظ الجمع أثقل من لفظ الواحد
الثالث : فَعْلَةٌ :
جَمعوا ( فَعُلٌ ) عليه قالوا : رَجُلٌ وثلاثةُ رَجْلَةٍ استغنوا بها عن أَرجال

الرابع : فِعْلَةٌ :
كسروا عليه ثلاثة أبنية : فَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ وذلك قولهم : فَقَعٌ وفِقْعَةٌ وجَبٌ وجِبْأَةٌ وهو اسم جمع وقالوا في المعتل : عُودٌ وعِودَةٌ وزَوجٌ وزِوَجَةٌ وثَورٌ وثِوَرَةٌ وبعض يقول : ثِيرَةٌ فأما فِعْلٌ فنحو : حِسْلٍ وحِسْلَةٌ وقِرْدٌ وقِرْدَةٌ للقليل والكثير وقالوا : فيما اعتلت عينه : دِيْكٌ ودِيْكَةٌ وكِيسٌ وكِيْسَةٌ وفيل وفِيلَةٌ
وأما فُعْلٌ فنحو : حُجْرٍ وحِجْرَةٌ وخُرجٍ وخِرْجَةٌ وكُرْزٌ وكِرْزَةٌ وهو كثير ومضاعفهُ حُبَ وحِبْبَةٌ
الخامس : فَعيلٌ :
جاء فَعْلٌ على فَعيلٍ قالوا : كَلْبٌ كَليبٌ وهو اسم للجمع لا يقاس عليه وعَبْدُ وعَبيدٌ وجاء فيه فِعْلٌ قالوا : ضِرْسُ وضَريسٌ
السادس : أَفعُلُ :
وهو يجيء جمعاً لخمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : كَلْبٍ وأَكلُبٌ وفَلْسُ وأَفلُسٌ وأَفْعَلٌ في الثلاثي إنما يكون لأقل العدد وأقلُ العدد العشرةٌ فما دونها والمضاعف يجري هذا المجرى وذلك ضَبٌّ وأَضّبٌ وبنات الياء والواو بهذه المنزلة تقول : ظَبْيٌ وأَظْبٍّ ودَلْوٌ وأَدْلٍ كان الأصل : أَظبوٌ وأدلوٌ ولكن الواو لا تكون لاماً في الأسماء

وقبلها متحرك فقلبوها ياء وكسروا ما قبلها
وجاء في المعتل العين : ثَوْبٌ وأَثوُبٌ وقَوْسْ وأَقْوُسٌ وذلك قليل
وقالوا : أَيْرٌ وآيَرٌ وقد جاء أَفعُلٌ في الكثير أيضاً جمع فَعْلٍ قالوا : أكْفُّ
الثاني : فَعَلٌ نحو : زَمَنٍ وأَزْمُنْ وقالوا في المعتل : عَصَاً وأَعصٍّ بدل من أَعصاءٍ
الثالث : فِعَلٌ نحو : ضِلَعٍ وأَضْلُعٌ
الرابع : فِعْلٌ نحو : ذِئْبٍ وأَذْؤُبٌ وقِطْعٍ وأقْطُعٌ وجِرْوٍ وأَجْرٌّ ورِجْلٌ وأَرْجُلٌ إلا أنهم لا يجاوزون أَفْعُلَ في القليل والكثير
الخامس : فُعْلٌ : رَكْنٌ وأَركُنٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) مما اعتلتْ عينه : دَارٌ وأَدْوُرٌ وسَاقٌ وأَسوُقٌ ونارَ وأَنوُرٌ وقال يونس : وما جاء مؤنثاً ومن ( فُعْلٍ ) من هذا الباب فإنه يكسر على أَفْعُلٍ وقال سيبويه : لو كان هذا صُحَّ للتأنيث لما قالوا : رَحَاً وأَرحاءُ وقَفَاً وأَقفاءُ في قول من أنثَ القَفَا وقال : في جمع قَدَم أَقدامٍ وأَفْعُلٌ إنما هو مستعار في فُعْلٍ وإنما حقه أَفعالَ في القليل ولكنهم قد يدخلون بعض هذه الجموع على بعض لأن جمعها إنما هو جمع اسمٍ ثلاثي
السابع : من أبنية الجموع فِعَالٌ :
وهو جمعُ خمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فُعْلٌ : فأما فَعْلٌ فهو كُلْبٌ وكِلابٌ وربما كان في الحرف الواحد لغتان قالوا : فَرخٌ وفُروخٌ وفِراخٌ لأن فُعولاً أختُ فِعَالٍ والمضاعف يجري هذا المجرى قالوا : ضَبٌّ وضِبَابٌ وصَكٌّ وصِكَاكٌ والمعتل مثله وقالوا : ظَبْيٌ وظِبَاءٌ ودَلْوٌ ودِلاءٌ وقالوا فيما اعتلت عينهُ سَوْطٌ وسِيَاطٌ ولم يستعملوا ( فُعولاً ) حينما

اعتلت عينه من ذوات الواو وقد يجيء خَمسةُ كِلابٍ يراد به خمسة من الكلاب أي من هذا الجنس وكان القياس خَمسةُ أَكْلُبٍ لأن ( أَفْعُلَ ) للقليل وفِعَالاً للكثير وأما فَعَلٌ فيجمع في الكثير على فِعالٍ أيضاً نحو : جَمَلٍ وجِمَالٍ وهو أكثر من فُعُولٍ وأما فَعُلٌ فنحو رَجُلٍ ورِجَالٍ وسَبُعٍ وسِبَاعٍ وأما فِعْلٌ فنحو : بِئْرٍ وبِئَارٍ وذِئْبٍ وذِئَابٍ ومضاعفهُ : زِقٌّ وزِقاقٌ والمعتل نحو : رِيحٍ ورِياحٍ وأما فُعْلٌ فنحو : جُمْدَ وجِمَادٍ وقُرْطٍ وقِراطٍ ومضاعفه خُصٌّ وخِصَاصٌ وعُشٌّ وعِشَاشٌ والمضاعف فيه كثير
الثامن : من الجموع فُعُولٌ :
وقد جاء جمعاً لستة أبنية : فَعُلٌ وفَعَلٌ وفَعِلٌ وفِعَلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فإذا جاوز العشرة فإنه قد يجيء على ( فُعُولٍ ) قال : نَسْرٌ ونُسُورٌ وبَطْنٌ وبُطُونٌ والمضاعف مثله : صَكٌّ وصُكُوكٌ وبَتٌّ وبُتُوبٌ وبنات الياء والواو مثله قالوا : ثَدْيٌ وثُدُيٌ ودَلْوٌ ودُلُيٌ فهو فُعُولٌ وذلك يبين في التصريف وفَوْجٌ وفُؤُوجٌ وبَحْرٌ وبُحُورٌ وبَيْتٌ وبُيُوتٌ ابتزتْ فُعُولٌ الياء كما ابتزت فِعَالٌ الواو فأما ( فَعَلٌ ) فيجمع في الكثير على فُعُولٍ نحو أَسَدٍ وأُسُودٍ وذكَرٍ وذُكُورٍ وهو أقل من فِعَالٍ والمضاعف فيه قياسه فُعُولٌ فالذي جاء على أفعالٍ نحو : لَبَبٌ وأَلبابٍ والمعتل : نحو قَفَاً وقُفُيٌّ وقِفيٌّ وعَصَاً وعُصُيٌّ وعِصِيٌّ وإنما كسرت الفاء من أجل الياء والكسرة والمعتل العين نحو : نَابٍ ونُيُوبٍ وقال بعضُهم في سَاقٍ سُؤُوقٌ فهمزوا وأما فَعِلٌ فنحو : نَمرٍ ونُمُورٍ ووَعِلٍ ووُعُولٍ وأما فِعَلٌ فنحو : ضِلَعٍ وضُلُوعٍ وإرَمٍ وأُرُوُمٍ وأما فِعْلٌ : فنحو : حِمْلٍ وحُمُولٍ وعِرْقٍ وعُرُوقٍ

وشِسْعٍ وشُسُوعٍ استغنوا فيها عن بناء أدنى العدد والمضاعف : لِصُّ ولُصُوصٌ والمعتل فِيلٌ وفُيُولٌ ودِيكٌ ودُيُوكٌ وأما فُعْلٌ فنحو : بُرْجٍ وبُرُوجٍ وخُرْجٍ وخُرُوجٍ
التاسع : من أبنية الجموع فِعَالةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ وفِعَالةٌ وزعم الخليل : إنما أرادوا أن يحققوا التأنيث نحو الفِحَالةِ يعني تأنيث الجمع وجاء في فَعَلٍ جَمَلٌ وجِمَالةٌ وحَجَرٌ وحِجَارةٌ وقالوا أَحجارٌ
العاشر : من أبنبية الجموع فَعُولةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ نحو : بَعْلٍ وبُعُولةٍ وعَمٍّ وعُمُومةٍ وجاء فيما اعتلت عينه : عَيْرٌ وعُيُورٌ وخَيْطٌ وخُيُوطٌ
الحادي عشَر : فِعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : خُرْبٌ وخِرْبانٍ وبَرْقٌ وبَرقَانُ في الكثير وفي المعتل جَارٌ وجِيرانُ وقاعٌ وقِيعانٌ وقل فيه فِعَالٌ وألزموهُ فِعْلانَ وقد يستغنى فيه بأَفعالٍ نحو : مَالٌ وأَموالٍ
وأما فَعَلٌ : نحو : جَحَلٍ وجِحْلانٍ ورَألٍ ورِئْلانٍ وفيما اعتلت عينهُ نحو : ثَورٍ وثِيرانٍ وقَوزٍ وقِيْزانٍ وهو قطعة من الرمل
وأما فِعْلٌ : نحو : رِئْدٍ ورِئْدانٍ وهو فَرْخُ الشجرة وصِنْوٍ وصنوانِ وقِنْوٍ وقنوانٍ وأما فُعْلٌ : فنحو : خُشٍّ وخُشِّانِ وقالوا : خُشّانٌ لأن

فِعْلانَ وفُعْلانَ : أُختان وجاء في المعتل من بنات الواو التي هي عين فِعْلان انفردت به فِعْلانُ نحو : عُودٍ وعِيْدانٍ وغُولٍ وغِيْلانٍ وكُوْزٍ وكِيزانٍ وحُوْتٍ وحِيتَانٍ ونُوْنٍ ونينَانٍ
الثاني عشر : فُعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ : جاء في الكثير جمعاً لِفَعَلٍ نحو : جَمَلٍ وجُمْلانٍ وسَلَقٍ وسُلْقانٍ وجاء فَعْلٌ على فُعْلانٍ نحو : ثَغْبٍ وثُغْبانٍ وبَطْنٍ وبُطنانٍ وظَهْرٍ وظُهرانٍ وجاء في فِعْلٍ نحو : ذِئْبٍ وذُئبانٍ وفي مضاعفة زقٌّ وزُقانٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) في المضاعف نحو : خُشٍّ وخَشَّانٍ جميعاً
الثالث عشر : أَفعالٌ جاءت جمعاً لعشرة أبنية :
فَعَلٌ . فَعِلٌ . فُعُلٌ . فُعَلٌ . فِعَلٌ . فِعِلٌ . فَعْلٌ . فُعْلٌ . فُعِلٌ
فأما فَعَلٌ : فنحو : جَمَلٍ وأَجمالٍ وجَبَلٍ وأَجبالٍ وأَسَدٍ وآسادٍ وهذا لأدنى العدد وفي المعتل : قاعٌ وأَقواعٌ وجارٌ وأَجوارٌ ويستغني به عن الكثير في : مَالٍ وأَموالٍ وبَاعٍ وأبواع وأما فَعْلٌ فقد جاء جمعه : أفعالُ وليس ببابه فقالوا : زَنْدٌ وأزنادٌ وقال الأعشى :
( وزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزنَادِها ... )

وقالوا في المضاعف : جدٌّ وأجدادٌ وفيما اعتلت عينه لأدنى العدد : سَوْطٌ وأسواطٌ وقد يقتصرون عليها للقليل والكثير نحو : لَوْحٍ وألواحٍ ونَوْعٍ وأنواعٍ وبَيْتٍ وأبياتٍ للقليل
ومما جاء أَفعالٌ لأكثر العدد وذلك نحو : قَتَبٍ وأقتابٍ وارسانٍ وقد جاء في فَعِلٍ للكثير قالوا : أرآدٌ ومضاعف ( فَعَلٍ ) أفعالٌ لم يجاوزوه في القليل والكثير نحو : لَبَبٍ وألبابٍ ومَدَدٍ وأمدادٍ وفَنَنٌ وأفنانٍ كما لم يجاوزوا الأَقدامَ والأرسانَ والمعتل اللام من فَعَلٍ نحو : صَفاً وأصفاءُ وصُفِيٍّ وقَفَاً وأقفاءُ وقالوا : أَرْحاء في القليل والكثير قال أبو بكر : ومن ذكرى قَتَبٍ إلى هذا الموضع فهو في الصنف الأول في باب فَعَلٍ وأما فَعِلٌ فنحو : كَبِدٍ وأكباد وفَخذٍ وأفخاذٍ ونَمرٍ وأنمارٍ وقلما يجاوزُ بِفَعِلٍ هذا الجمع
فأما فِعَلُ فنحو : ضِلَعٍ وأضلاعٍ وإرَمٍ وأَرماءٍ وأما فَعُلٌ : فنحو : عَضُدٍ وأَعضادٍ وعَجُزٍ وأعجازٍ اقتصروا على أفعالٍ في ( عَضُدٍ ) وأما فُعُلٌ فنحو : عُنُقٍ وأعناقٍ وطُنُبٍ وأَطنابٍ مقتصر عليه في جمع ( طُنُبٍ ) وأما فُعَلٌ فنحو : رُبَعٍ وأرباعٍ ورُطَبٍ وأرطابٍ وأما فِعِلٌ فنحو : إبِلٍ وآبالٍ وأما فِعْلٌ فنحو : حِمْلٍ وأحمالٍ وجِذْعٍ وأجذاعٍ ومما استعمل فيه للقليل والكثير : خِمْسٌ وأخماسٌ وشِبْرٌ وأشبارٌ وطِمْرٌ وأطمارٌ والمعتل نحو : نِحيٍ وأنحاءٍ وفيما أعتلت عينه : فِيلٌ وأفيالٌ وجِيْدٌ وأجيادٌ ومِيْلٌ وأميالٌ في القليل وقد يقتصر فيه على أَفعالٍ
قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون أصل ( فِيلٍ ) وما أشبهه ( فُعْلاً ) كسر

من أجل الياء كما قالوا : أبيضُ وبِيضٌ قال أبو الحسن الأخفش : هذا لا يكون في الواحد إنما للجميع
وإنما اقتصارهم على أفعالٍ كقولهم : أَميالٌ وأَنيابٌ وقالوا : ريحٌ وأرواحٌ فأما فُعْلٌ : فَجُنْدٌ وأَجنادٌ وبُرْدٌ وأَبرادٌ في القليل وربما استغنوا به في الكثير نحو : رُكْنٍ وأركانٍ وجُزْءٍ وأَجزاءٍ وشُفْرٍ وأشفارٍ ومضاعفه حُبٌّ وأَحبابٌ والمعتل : مُدْيٌ وأمدادٌ لا يجاوز به وفيما اعتلت عينه عُودٌ وأعوادُ وغُولُ وأغوالٌ
وحُوتٌ وأحواتٌ وكُوزٌ وأكوازٌ في القليل

باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع
فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فُعُولٌ فَعُولٌ فِعَالٌ فَعْلانٌ فِعْلانٌ فَعْلاتٌ فَعُلاتٌ فَعْلاءٌ أَفْعَلٌ وإنما يقع فَعْلٌ في الباب الثاني وهو ما الفرق بين جمعه وواحده الهاء فقط
هذه أبنية الجمع فيه
فأما أبنية الأسماء المجموعة فستة : فَعْلَةٌ وفَعَلةٌ وفٌعَلَةٌ وفُعْلَةٌ وفِعْلَةٌ وفَعِلَةٌ
الأول : فَعْلَةٌ : جمعها بالتاء في أدنى العدد وتفتح العين فتقول : فَعَلاتٌ نحو : جَفْنَةٍ وجَفَناتٍ فإذا جاوزت أدنى العدد صار على فَعَالٍ مثل : قِصَاعٍ وقد جاء على فُعُولٍ وهو قليل مثل : مأنةُ ومُؤونٌ والمأنةُ أسفل البطن وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير وبنات الياء والواو بهذه المنزلة وكذلك المضاعف فالمعتل نحو : ركوةٍ ورِكاءٍ وقَشوةٍ وقِشَاءٍ وركواتِ وقَشَواتٍ وظَبيةٍ وظَبَياتٍ والمضاعف نحو : سَلَّةٍ وسَلاتٍ فأما ما اعتلت عينه فإذا أردت أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحرك العين وذلك نحو : عَيَبةٍ وعَيَباتٍ وعِياتٍ وضَيْعَةٍ وضَيْعَاتٍ وضِياعٍ ورَوْضَةٍ ورَوْضاتِ ورياضٍ وقد قالوا : نَوْبةٌ ونُوبٌ ودَولةٌ ودُولٌ وجَوبةً وجُوبٌ ومثلها قَرْيةٌ وقُرىً ونَزوَةٌ ونُزىً وفَعْلَةٌ من بنات الياء على ( فِعَلٍ ) نحو : خَيْمَةٍ وخِيَمٍ

الثاني : فَعَلةٌ : وهو بمنزلة فَعْلَةٍ وإن جاء شيء من بنات الواو والياء والمضاعف أجري مجرى الضرب وهو عزيز وذلك قولك : رَحَبةٌ ورَحبَاتٌ ورَقَبَةٌ ورَقباتٌ ورِقابٌ ولم يذكر سيبويه مثالاً لما اعتلت لامه فأما ما اعتلت عينه فيكسر على ( فِعَالٍ ) قالوا : نَاقةٌ ونِياقٌ وقد كسر على ( فِعَلٍ ) قالوا : قَامةٌ وقِيَمٍ وتَارَةٌ وتِيَرٌ
قال الراجز :
( يَقومُ تاراتٍ ويمشي تِيَرا ... )
فكأنَّ ( فِعَلَ ) في هذا الباب مقصورة من فِعَالٍ
الثالث : فُعْلَةٌ : تجمع على فُعُلاتٍ نحو : رُكْبةٍ ورُكُباتٍ وغُرفَةٍ وغُرُفاتٍ فإذا أردت الكثير كسرته على ( فُعَلٍ ) قلت : رُكَبٌ وغُرَفٌ وقد جاء نُقرةٌ ونِقارٌ وبُرْمَةٌ وبِرامٌ ومن العرب من يفتح العين فيقول : رُكباتٌ وغُرفاتٌ وبنات الواو بهذه المنزلة نحو : خُطْوةٌ وخُطُواتٍ وخُطىً ومن العرب من يسكن فيقول : خُطْواتٌ وبناء الياء نحو : كُليةٍ وكُلىً ومُديةٍ ومُدىً اجتزأوا ببناء الأكثر ومَن خفف قال : كُلْياتٌ ومُدْياتٌ والمضاعف يكسر على ( فُعَلٍ ) مثل ركبة ورُكَب وقالوا : سُرّات وسُرَرٌ ولا يحركون العين لأنها كانت مدغمةً والفِعالُ في المضاعفة كثير نحو : جِلالٍ وقِبابٍ والمعتلُ العين نحو : دَولةٍ ودُولاتٍ ودُولٍ
الرابع : فِعْلَةٌ : نحو ما في القليل بالألف والتاء وتكسر العين نحو :

سِدرةٍ وسِدراتٍ وكِسْرةٍ وكِسراتٍ
ومن العرب من يفتح العين فيقول : سدراتٌ وكَسِراتٌ فإن أردت الكثير قلت : سِدرٌ
ومن قال : غُرْفاتٌ فخفف قال : سِدْراتٌ وقد يريدون الأقل فيقولون : كِسَرٌ وفِقَرٌ في القليل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب
والمعتل اللام فيه نحو : لِحيةٍ ولِحىً وفِريةٍ وفِرىً ورِشوةٍ ورِشَاً
اجتزأوا بهذا عن التاء ومن قال : كِسْراتٌ
قال : لِحْيَاتٌ والمضاعف : قِدّةٌ وقِدّاتٌ وقِدَةٌ ورِبَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ وقد جاء ( فِعْلَةٌ ) على ( أَفْعُلِ ) قالوا : نِعْمَةٌ وأنْعُمٌ وشِدّةٌ وأشَدٌ ولم تجمع : رِشوةٌ بالتاء ولكن من أسكن قال : رِشْواتٌ لأنَّ الواو لا تعتل في الإِسكان هنا : والمعتل العين : قِيمةٌ وقِيماتٌ ورِيبةٌ وقِيَمٌ ورَيبٌ
الخامس : فَعِلَةٌ : نحو : نَعِّمةٌ ونَعِّمٍ ومَعِدةٍ ومَعِدٌ وذلك أن تجمع بالتاء ولا تغير
السادس : فُعَلةٌ : نحو : تُخَمةٍ وتُخَمٍ وتُهَمةٍ وتُهَمٍ وليس هذا كرُطَبةٍ ورُطَبٍ ألا ترى أن الرطب مذكرٌ كالبُرِّ وهذا مؤنث كالظَّلَمِ والغُرَفِ

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحداً يقع على الجميع
ويكون واحد على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه الهاء للفصل وهذا الباب حقه أن يكون لأجناس المخلوقات وهي تجيء على تسعة أبنية
الأول : فَعْلَةٌ : نحو : طَلْحَةَ وطَلْحٍ وتَمْرةٍ وتَمرٍ ونَخْلَةٍ ونَخْلٍ وصَخْرَةٍ وصخرٍ وإذا أردت القليل جمعت بالتاء وربما جاءت الفَعْلَةُ على فِعَالٍ نحو : سَخْلَةٍ وسِخَالٍ وبهمةٍ وبِهَاماً وهم شبهوها بالقِصَاعِ
وقال بعضهم : صَخْرةٌ وصُخورٌ وبنات الياء والواو نحو : مَرْوةٍ ومَروٍ وسَروةٍ وسَرْو
وقالوا : صَعْوةٌ وصِعَاءٌ وشَريةٌ وشَرْيٌ
والمضاعف نحو : حَبَّةٍ وحَبٍّ
والمعتل العين نحو : جَوْزةٍ وجُوزٍ وبَيْضَةٍ وبَيْضٍ وبَيضاتٍ وقد قالوا : روضَةٌ ورِياضٌ
الثاني : فَعَلةٌ : وهي مثل فَعْلَةٍ قالوا : بَقَرةٌ وبَقَرٌ وبَقراتٌ وقالوا :

أكمَةٌ وإكَامٌ وبنات الياء والواو نحو : حَصىً وحَصاةٍ وقَطاةٍ وقَطاً وقَطواتٍ وقال : أَضاةٌ وأَضىً وإضاءٌ مثل إكَامٍ وأَكمٍ وقالوا : حَلَقٌ وفَلَكٌ ثم قالوا : حَلْقَةٌ وفَلْكَةٌ فخففوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيروا المعنى هذا لفظ سيبويه قال : وزعم يونس عن أبي عمرو أنهم يقولون : حَلقَةُ
والمعتلُ العين هامٌ وهَامَةٌ وهَاماتٌ وراحٌ وراحَةٌ وراحاتٌ وسَاعةٌ وساعٌ وسَاعاتٌ
الثالث : فَعِلَةٌ : نحو : نَبِقَةٍ ونَبِقَاتٍ ونَبِقٌ فلم يجاوزوا هذا
الرابع : فِعَلَةٌ : نحو : عِنَبَةٍ وعِنَبٍ وإبَرةٍ وإبَراتٍ وهو فسيلُ المُقلِ
الخامس : فَعُلَةٌ : نحو : سَمُرَةٍ وسَمُرٍ وسَمُراتٍ
السادس : فُعُلَةٌ : نحو بُسُرةٍ وبُسُرٍ
السابع : فُعَلَةٌ : نحو عُشَرٍ وعُشَرةٍ ورُطَبٍ ورُطَبَة ورُطَباتٍ ويقول ناس للرطب أرطابُ مثل : عِنَبٍ وأعنابٍ وهذا عندي إنما يجوز إذا اختلفت أنواعه ونظيره من الياء مُهاة ومُهي وهو ماء الفحل في رَحِم الناقة
الثامن : فِعْلَةٌ : نحو : سِلْقَةٍ وسِلْقٍ وسِلْقاتٍ
وقد قالوا : سِدْرةٌ وسِدْرٌ وقالوا : لِقْحَةٌ ولِقَاحٌ وفي المضاعف حِقَّةُ وحِقَاق وقالوا : حِقَقٌ قال المسيب بن علس :
( قَد نالني منهم على عَدَمٍ ... مِثْلُ الفسيلِ صغارُها الحِقَقُ )

والمعتل العين نحو : تِينةٍ وتينٍ وتِيَناتٍ وطِينٌ وطِينَةٍ وطِينَاتٍ قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون هذا ( فُعْلاً )
التاسع : فُعْلَةٌ : نحو : دُخْنَةٍ ودُخْنٍ ودُخْنَانٍ ومن المضاعف : دُرَّةٌ ودُرٌّ ودُرّاتٌ وقالوا : دُرَرٌ كما قالوا : ظُلَمٌ ومن المعتل العين : تُومةٌ وتُومٌ وتُوماتٌ وصُوفَةٌ وصُوفَاتٌ وصُوفٌ

باب ما جاء لفظ واحدة وجمعه سواء
وقالوا : حَلْفاءُ للجميع وحَلْفاءُ واحدةٌ وطَرْفاءُ مثله وهذا عندي : إنما يستعملُ فيهما ليحقر الواحدُ منهُ قال أبو العباس : حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال : واحدُ الطَرْفاء طِرفَةُ وواحدُ القُصْباءِ قَصِبةٌ وواحدُ الحَلْفاءِ حَلِفَةُ تكسر اللام مخالفة لأختيها

باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث
اعلم : أن ما كان أصلهُ ( فَعْلاً ) كسر على ( أَفْعِلٍ ) نحو : يِدٍ وأَيدٍ وفي الكثير على ( فِعَالٍ ) و ( فُعولٍ ) وذلك : دِمَاءٌ مدُميُ فإن كان ( فَعَلٌ ) كسر في القليل على ( أفعالٍ ) وذلك أبٌ وآباء
وزعم يونس أنه يقول : أخُ وآخاءٌ
وقال إخوانٌ
وبنات الحرفين تكسر على قياس نظائرها التي لم تحذف
وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنهم يجمعونها بالتاء وبالواو والنون
كأنه عوضٌ فإذا جمعت بالتاء لم تغير وذلك : هَنَةٌ وهَناتٌ وشِيَةٌ وشِياتٌ وفِئَةٌ وفِئاتٌ وثُبَةٌ وثُبِاتٌ وقُلَةٌ وقُلاّتٌ وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء فقالوا : سَنَواتٌ وعِضَواتٌ فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول وذلك نحو : سِنُونَ وقِلُونَ وثِبُونَ ومِئُونِ فرقوا بين هذا وبين ما الواو له في الأصل نحو قوله : هَنُونَ ومَنُونَ وبَنُونَ وبعضهم يقول : قُلونَ فلا يغير وأما هَنَةٌ ومَنَةٌ فلا يجمعان إلا بالتاء لأنهما قد ذكرا
وقد يجمعون الشيء بالتاء فقط استغناءً وذلك نحو قولهم : ظُبَةٌ وظُباتٌ وشِيَّةٌ وشِياتٌ والتاء تدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأن الاصل لها فقد يكسرون هذا النحو على بناء يرد ما ذهب من الحرف

وذلك قولهم : شَفَةٌ وشِفَاةٌ وشَاةٌ وشِيَاهٌ واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وتركوا الواو حيث ردوا ما يحذف منه وقالوا : أمَةٌ وآمٍ وإماءٌ وهي ( فَعَلةٌ ) لأنهم كسروا ( فَعَلة ) على ( أَفعُلٍ ) ولم نرهم كسروا ( فَعْلَةً ) على ( أَفعُلٍ ) وقالوا : بُرَةٌ وبَراتٌ وبُرونَ وبُرى ولُغَةٌ ولُغىً وقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جمع ما يكون في بابه وقالت العرب : أَرْضٌ وأرضاتٌ وأرضونَ فجمعوا بالواو والنون عوضاً من حذفهم الألف والتاء وتركوا الفتحة على حالها وزعم يونس أنهم يقولون : حَرَّةٌ وحَرُّون وقالوا : إوَزّةٌ وإوَزْون وزعم يونس أيضا أنهم يقولون : حَرّةٌ وإحرون يعنونَ الحِرارَ كأنه جمع إحَرَّة ولكن لا يتكلم بها
وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاءُ التأنيث بالتاء وذلك قولهم : عُرُساتٌ وأَرضاتٌ وقالوا : سَماواتٌ استغنوا بالتاء عن التكسير وقالوا : أهلاتٌ فشبهوها بصَعْباتٍ وقالوا : أهَلاتٌ وقالوا : إمْوانُ جماعةُ أمةٍ

باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع
الأسماءُ المكسرةُ في هذا الباب ستةٌ : فِعَالٌ فَعَالٌ فُعَالٌ وفَعِيلٌ فُعُولٌ فَاعلٌ
فالأول : فِعَالٌ : جاء في القليل على ( أَفْعَلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمَرةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : حُمُرٍ ولك أن تخفف في لغة بني تميمٍ فتقول : حُمْرٌ ورُبما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه وذلك قولهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُبٍ
والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد وإن عنوا الكثير وذلك : جِلالٌ وأَجلَةٌ وعِنَانٌ وأَعنّةٌ وكِنَانٌ وأَكنَةٌ وكذلك المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاء وأَسقيةٍ
وما أعتلت عينهُ فيكسر على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوانٍ وأَخونةٍ ورِواقٍ وأروقَةٍ فإن أردت الكثير جاء على ( فُعْلٍ ) وذلك نحو : خُوْنٍ وروقٍ بونٍ
وذوات الياء عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكون في مَتاعِ الفَدَان فثقلوا لأن الياء أخفُّ من الواو كما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعم يونس : أن من العرب من يقول : صَيُودٌ وصِيدٌ
والثاني : فَعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل نحو : زَمانٍ وأزْمنَةٍ وقَذالٍ

وأقذَلةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أدنى العدد فيه
وبنات الواو والياء على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسمِيةٍ . وكرهوا بناء الأكثر
الثالث : فُعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل : غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثير ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبانٍ وغِلْمَانٍ ولم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعف ذُبابٌ وأذْبةٌ في القليل وذِبَّانٌ في الكثير وقالوا في المعتل في أدنى العدد أحْوِرةٌ والذين يقولون : حِوارٌ يقولون : حِيرانٌ
وأما سُوارٌ وسُورٌ فوافق الذين يقولون : سُوارٌ للذين يقولون : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقال قوم : حُورانٌ وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئدةٌ وقالوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌ
الرابع : فَعيلٌ : يجمع في القليل على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثل : رَغيفٍ وأرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ وربما كسروه على ( أفْعِلاءِ ) نحو : أَنْصَباءٍ
وقد قال بعضهم فيه ( فِعْلانٌ ) قال : فَصِيلٌ وفِصلانٌ والمعتل نحو : قَرْيٍّ وأقرْيةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا في صَبِيٍّ وأَصْبِيةٍ استغنوا بِصبيَةٍ وقالوا : في المضاعف : حزيز وأحزَةٌ وحُزَّانٌ وقال بعضهم : حِزَّانٌ وقالوا : سريرٌ وأسِرَةٌ وسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفصالٌ حيث قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموه الصفة فشبهوه بظَريفةٍ وظِرافٍ حيث أنثوا وكان هو المنفصلُ من أبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وهو حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيث قالوا : في الواحد أفْيَلةُ فأشبه الصفة
الخامس : فَعولٌ : ويذكر في باب المؤنث

السادس : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسران على فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْزانٍ وعلى فِعْلانٍ في المعتل نحو : حائِطٍ وحِيطاَنٍ وكان أصله : صفةً فأجري مجرى الأسماء فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : راكبٍ ورُكْبَانٍ وفارسٍ وفُرْسانٍ
وقد جاء على فِعَالٍ نحو : صِحَابٍ ولا يكون فيه فواعلُ لأن أصله صفةٌ وله مؤنث فيفصلونَ بينهما إلا في فَوارس

باب تكسير ما عدةُ حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع
الأسماء المكسرة في هذا الباب ستة : فِعَال وفَعَال فُعَال فَعيل وفعول وفاعِل
فالأول : فِعَالٌ : جاءَ في القليلِ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمِرةٍ والكثيرُ فَعُلٌ نحو : حُمُرٍ ولكَ أَن تخففَ في لغةِ بني تميمٍ فتقولُ : حُمْرٌ ورُبَّما عنَوا ببناءِ أَكثرِ العددِ أَدناهُ وذلكَ قولُهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُب
والمضاعف لا يجاوزُ بهِ أَدنى العددِ وإِنْ عَنوا الكثيرَ وذلكَ : جِلاَلٌ وأَجِلَّةٌ وعِنَانٌ وأَعِنَّةٌ وكِنَانٌ وأكِنَّةٌ وكذلكَ المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاءٍ وأَسقيةٍ
وما اعتلتْ عينهُ فيكسرُ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوَانٍ وأَخوتَةٍ ورِوَاقٍ وأَروقَةٍ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ جاءَ على ( فُعْلٍ ) وذلكَ نحو : خُوْنٍ وَرُوْقٍ وبُونٍ . وذواتُ الياءِ عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكونُ في مَتاعِ الفَدَانِ فثقلوا لأَنَّ الياءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ كَما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعَم يونس : أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : صَيُودٌ وصِيدٌ
الثاني : فَعَالٌ : يجيء علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليلِ نحو : زَمَانٍ وأَزْمِنَةٍ وقَذَالٍ وأَقذِلةٍ والكثيرُ ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أَدنى العددِ

فيه
وَبَناتُ الواوِ والياءِ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسميةٍ
وكرهوا بناءَ الأكثرِ
الثالثُ : فُعَالٌ : يجيءُ علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثيرٌ ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبَانٍ وغِلْمَانٍ ولَم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعفُ : ذُبابٌ وأَذِبَّةٌ في القليلِ وذِبَّانٌ في الكثيرِ وقالوا في المعتلِّ في أدنى العددِ : أَحوِرةٌ والذينَ يقولونَ : حَوَارٌ يقولونَ : حِيرانٌ
وأَما سُوارٌ وسُورٌ فوافقَ الذينَ يقولونَ : سُوارٌ للذينِ يقولونَ : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقالَ قومٌ : حُورانٌ ورُبَّما اقتصروا على بناءِ أَدنى العددِ فيهِ كما فعلوا ذلك في غيرِه وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئِدةٌ وقَالُوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌّ
الرابعُ : فِعيلٌ : يجمعُ في القليلِ على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ : فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثلُ : رَغيفٍ وأَرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ ورُبَّما كسروهُ على ( أَفْعِلاَء ) نحو : أَنْصِبَاء
وقَد قالَ بعضُهم فيهِ ( فِعْلانٌ ) قالَ : فَصِيلٌ وفِصْلاَنٌ والمعتلُّ : نحو : قَرِيٍّ وأَقْريةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا : في صَبِيٍّ أَصْبِيةٍ استغنوا بصِبيَةٍ وقالوا في المُضاعفِ : حَزيرٌ و أَحزّة وحُزّانٌ وقالَ بعضُهم : حِزّانٌ وقالوا : سَريرٌ وأَسِرةٌ وَسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفِصَالٌ حيثُ قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموهُ الصفةَ فشبهوهُ بظَريفةٍ وظِرافٍ حيثُ أنثَّوا وكانَ هُوَ

المنفصلَ من أَبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وَهوَ حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيثُ قالوا : في الواحدِ أَفيلَةُ فأَشبهَ الصفةَ
الخامسُ : فَعولٌ : ويذكرُ في بابِ المؤنثِ
السادسُ : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسرانِ عَلى فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أَيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْرانٍ وعلَى فِعْلانٍ في المعتلِّ نحو : حَائِطٍ وحِيطَانٍ وكانَ أَصلهُ صفةً فأُجري مجرى الأسماءِ فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : رَاكبٍ ورُكْبَانٍ وفَارسٍ وفُرْسَانٍ
وقد جاءَ علَى فَعَالٍ نحو : صِحَابٍ و لا يكونُ فيهِ فواعلُ لأَنَّ أَصلَهُ صفةٌ ولَهُ مؤنثٌ فيفصلونَ بينَهما إلاّ في فَوَارِسَ

بَابُ المؤنثِ
والأبنيةُ المجموعةُ فيهِ أَحدَ عشَرَ بناءً : فَعَالٌ وفِعَالٌ وفُعَالٌ وفَعيلٌ وفَعُولٌ وفُعَلٌ وفِعْلٌ وفَعيلةٌ وفِعَالةٌ وفَعَالةٌ وفُعَالةٌ
اعلَم : أَنَّ ما كانَ مِنْ هذهِ الأسماءِ التي تجيءُ بالزيادةِ على أَربعةِ أَحرفٍ وهي مؤنثةٌ فجمعها في القليلِ علَى ( أَفْعُلٍ )
فأَمَّا فَعالٌ : فمثلُ : عَناقٍ وأَعنُقٍ وفي الكثيرِ على ( فُعُولٍ ) مثلُ عُنُوقٍ
وأَمَّا فِعَالٌ : فنحو : ذِراعٍ وأَذرعٍ ولا يجاوزونها هَذا ومَنْ أَنثَ اللسانَ قالَ : أَلْسنٌ ومَنْ ذَكرَ قالَ : أَلسنةٌ
وقَد جاءَ في شَمالٍ : شَمائلٌ كسرتْ علَى الزيادةِ
وقالوا : أَشْمُلٌ
وأما فُعَالٌ : فنحو : عُقَابٍ وأَعْقُبٍ . وقالوا : عِقْبانٌ
وأَما فَعِيلٌ : فَيَمِينٌ وأَيمُنٌ لأَنَّها مؤنثةٌ وقالوا : أَيمانٌ
وأَما فَعُولٌ : فنحو : قَدُوم وقُدُمٌ وهو بمنزلةِ فِعِيلٍ في القليلِ في المذكرِ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ كسرتَهُ على فِعْلانٍ نحو : خِرْفَانٍ وقالوا : عَمُودٌ

وعُمُدٌ وَزبُورٌ وزُبُرٌ وقد كسروا أَشياءَ منها مِنْ بَنَاتِ الواوِ على ( أَفعالٍ ) قالوا : فَلُوٌّ وأَفْلاء وعَدُوٌ وَعدُوٌّ وصفٌ ولكنّهُ ضَارَع الأَسماءَ
وأَما فُعْلَى فإِنْ كانت : فُعْلَى أَفعل ( فتكسيرُها ) على ( فُعَلٍ ) نحو : الصُّغرى والصُّغَرِ ومثلهُ مِنْ ذَواتِ الياءِ والواوِ : الدُّنيا والدُّنَى والقُصوَى والقُصَى وإِنْ شئتَ جمعتَهنَّ بالتاءِ فقلتَ : الصُّغْرَياتُ والكُبْرَياتُ كما يجمعُ المذكرُ بالواوِ والنونِ نحو : الأَصغرونَ :
فُعْلَى وفِعْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادَة التي هي للتأنيثِ ثَمَ تبنى على ( فَعَالى ) وتبدلُ الياءُ مِنَ الأَلفِ نحو : حَبَالى وذَفارى ولم ينونوا ذِفرى
و ( فُعْلَى وفِعْلَى ) في هَذا البابِ سواءٌ وقالوا في ذِفْرَى : ذَفارٌ قَال : فقولُهم : ذَفارٌ يدلُّك أَنَّهُم جمعُوا هَذا البابَ على ( فَعَالٍ ) ثُمَّ قَلَبوا الياءَ أَلفاً وجاءَ على الأصلِ والفرقُ بينَ حُبْلَى والصُّغرى أَنَّ الصُّغْرَى فُعْلَى أَفعل مثلُ الأَصفرِ ولا تفارقها الألفُ واللامُ وحُبْلَى ليستْ كذلكَ فأشبهتْ ذِفْرَى وأَما فِعْلَى فهو مثلُ حُبْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادةَ التي هي للتأنيثِ ثُمَّ بنيتَهُ على ( فَعَالى ) وأَبدلتَ مِنَ الياءِ الألفِ وفُعْلَى وفِعْلَى في هَذا البابِ سواءٌ
وقالوا في ذِفْرى : ذَفاَرٌ ولم ينونوا ذِفرى وما كانتِ الألفُ في آخرهِ للتأنيثِ فحكمهُ حكمُ ذِفْرَى تحذفُ الألفُ التي قبلَ الطرفِ نحو : صَحراءَ وصَحارَى وقالوا : صحارٍ فإنْ أردتَ أَدنى العددِ جمعتَ بالتاءِ

فقلتَ : صَحْراواتٌ وذِفْرَياتٌ وحُبْلَياتٌ وقالوا : أُنثى وإناثٌ ورُبَى ورُبابٌ
وأَما فَعِيلَةٌ : فما عدةُ حروفهِ أَربعةٌ وفيهِ هاءُ التأنيثِ حَذَفوا وكسروهُ على ( فَعائلَ )
ورُبَّما كسروهُ عَلَى ( فُعُلٍ ) ليسَ يمتنعُ شيءٌ مِنْ هَذا أَنْ يجمعَ بالتاءِ إِذَا أَردتَ ما يكونُ لأَقلِّ العددِ نحو : صَحيفةٍ وصَحائفَ وصُحُفٍ وقد يقولونَ : ثلاثُ صَحائفَ
فأَما فِعَالةٌ : فمثلُ فَعِيلةٍ نحو : عِمَامةٌ وعَمَائمُ
وأَمَّا فَعَالةٌ فنحو : حَمَامةٍ وحَمَائمَ
ودَجَاجةٍ ودَجَائجَ وفي التاءِ مثلُ ( فَعِيلةٍ ) ز
وأَمَّا فُعَالَةٌ : فمثلُ ما قبلَها نحو : ذُوابة وذَوَائبَ وليسَ ممتنعٌ شيءٌ من ذَا مِنَ الألفِ والتاءِ إِذَا أَردتَ أَدنى العددِ
واعلَم : أَنَ فَعِيلاً وفَعَالاً وفِعَالاً وفُعَالاً إذا كانَ شيءٌ منها يقعُ على الجميعِ ( فواحده ) يَكونُ على بنائِه وتلحقهُ هاءُ التأنيثِ مثلُ : دَجَاجةٍ ودَجَاجٍ وسَفِينةٌ وسَفَينٌ ومُرَارةٌ ( ومُرَارٌ ) ودَجَاجاتٌ وسَفِينَاتٌ ومُرَاراتٌ فأَمرها كأمرِ ما كانَ عليهِ ثلاثةُ أَحرفٍ من الجمعِ بالتاءِ وغيرِه وكذلكَ بناتُ الياءِ والواوِ فيهِ
وقالوا : دَجَائجُ وسَحَائبُ
وكُلُّ ما كانَ واحداً مذكراً على الجميعِ فإِنهُ بمنزلةِ ما كانَ على ثَلاثةِ أَحرفٍ مِنَ الجميعِ وغيرِه مما ذكَرنا كثرتْ حروفهُ أَو قلَّتْ : نحو : سَفَرجلةٍ وسَفَرجلٍ كما يقولونَ تَمْرةٌ وتَمْرٌ

باب ما كان من الأَسماء على أربعة أحرف من غير زيادة
اعلِم : أَنَّ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لا زيادةَ فيهِ فإِنهُ يكسرُ علَى مِثالِ ( مَفَاعلٍ ) نحو : ضَفَادعٍ وإِنء عنيتَ الأَقلَّ أَيضاً لا تجاوزهُ لأَنكَ لا تصلُ إلى التاءِ لأَنهُ مذكرٌ فإِنْ كانَ فيه حرفٌ رابعٌ زَائدٌ وهوَ حرفُ لينٍ كسرتُه علَى مثالِ ( مَفَاعيلٍ ) نحو : قِنديلٍ وقَنَاديل وكُلُّ شيءٍ من بناتِ الثلاثةِ أُلحقَ بزيادةٍ ببناتِ الأربعةِ وأُلحق ببنائِها فتكسرهُ أَيضاً على مَثَالِ مَفَاعِل والملحقُ بمنزلةِ الأَصلي وذلكَ نحو : جَدْولٍ وجَدَاول وأَجدلٍ وأَجادل ومما لم يُلحقْ بالأربعةِ وفيه زِيادةٌ وليستِ الزيادةُ بمدةٍ فتكسيرهُ على مِثالِ ( مَفَاعل ) أَيضاً نحو : تَنْضُبٍ وتَنَاضِب وكُلُّ شيءٍ مِنْ بناتِ الثلاثةِ قد أُلحقَ ببنات الأربعةِ فصارَ رابعهُ حرفَ مَدٍّ فهوَ بمنزلةِ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لَهُ رابعٌ حرفُ مَدٍّ كقُرطاطٍ وقَراطيطٍ وكذلكَ ما كانت فيهِ زائدةٌ ليستْ بمدةٍ ولا رابعه حرفُ مدٍّ ولم يبنَ بناءَ بناتِ الأَربعةِ التي رابعُها حَرْفُ مَدٍّ نحو : ( كَلوبٍ وكَلاليبَ ) ويَربوعٍ ويَرابيعَ وكُلُّ شيءٍ مما ذكرْنا كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ فتكسيرهُ على ما ذكرْنا مِنَ الأربعةِ إِلاّ أَنَّكَ تجمعُ بالتاءِ إِذَا أردتَ أَدنى العددِ

واعلَم : أَنَّ الخماسي مِنَ الأسماءِ التي هيَ أُصولٌ لا يجوزُ تكسيرهُ فمتى استكرهوا حذَفوا منها وردوهُ إِلى الأربعةِ تقولُ في سَفَرجلٍ : سَفَارجُ فتحذفُ اللامَ وقالوا في فَرَزدقٍ : فَرَازِقُ حذفوا الدالَ لأَنَّها مِنْ مخرجِ التاءِ والتاءُ مِنْ حروفِ الزوائدِ والقياسُ أَنْ يقولوا : فرازدٌ وما جاءَ مِنَ الأسماءِ ملحقاً فاحذفْ بالخمسةِ مِنهَا الزوائدَ وردَّهُ إِلى الأربعةِ فإِنْ كَان فيه زائد ثانٍ أو أَكثرُ فأَنتَ بالخيارِ في حذفِ الزوائدِ حتى تردَّهُ إِلى مِثَالِ : ( مَفَاعِل ) ومَفَاعيل فإِنْ كانَ إِحدى الزوائدِ دخلتْ لمعنىً أًثبتَّ ما دخلَ لمعنىً وحذفتَ ما سواهُ وذلكَ نحو : مُقْعَنسس وهوَ ملحقٌ بمحرنجمٍ فالميمُ زائدةٌ والنونُ زائدةٌ والسينُ الأخيرةُ زائدةٌ فتقول : مَقَاعسُ وإنْ شئتَ : مَقَاعيسُ فتحذف النونَ والسينَ ولا تَحذفُ الميمَ لأنَّها أُدخلت لمعنَى اسمِ الفاعلِ وأنتَ بالتعويضِ بالخيارِ والتعويضُ أَنْ تلحقَ ياءً ساكنةَ بينَ الحرفينِ اللذينِ بعدَ الألفِ فإنْ كانتِ الزيادةُ رابعةَ فالتعويضُ لازمٌ كما ذَكرنا في قنديلٍ وقَنَاديل لا يجوز إلاّ التعويضُ
ورُبّما اضطر فزادَ الياءَ من غير تعويضٍ مِنْ شيءٍ كما قالوا
( نَفْيَ الدَّراهِمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفُ ... )

ذكر تكسير الصفة
ِ
بابُ الثلاثي منها
الأول : فَعْلٌ جاءَ فيهِ تسعةُ أَبنيةٍ : فِعَالٌ فَعُولٌ فَعْلٌ أَفْعَلٌ فَعِيلٌ أَفْعَالٌ فَعْلانُ فِعَلَةٌ فُعْلانٌ
فِعَالٌ : نحو صَعْبٍ وصِعَابْ ولا يكسرُ للقليلِ
وفُعُولٌ نحو : كَهْلٍ وكُهُولٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا إِذَا كانَ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أَلحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ على ( فِعَالٍ ) نحو : عَبلةٍ وعِبَالٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هذا يمتنعُ مِنَ التاءِ إِلا أَنك لا تحركُ الأوسطَ لأنهُ صفةٌ
وقالوا : شِياهٌ لَجَبات فحركوا ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : شَاةٌ لَجَبةٌ وقالوا : رِجالٌ رَبَعاتٌ لأَنَّ أَصلَ ( رَبَعةٍ ) اسمٌ مؤنثٌ وقعَ على المذكرِ والمؤنثِ وَقَد كسروا ( فَعْلاً ) على ( فُعْلٍ ) مثلُ كُثٍّ وكُثٍّ وكسروا ما استعملوا منهُ استعمالَ الأَسماءِ على ( أَفْعُلٍ ) نحو : عَبْدٍ وأَعْبُدٍ وقَالوا : عَبيدٌ كما قالوا : كَليبٌ وقالوا : شَيخٌ وأَشياخٌ وشِيخانٌ وشِيخَةٌ وقالوا : وَغْدٌ وَوِغدانٌ وَوُغَدانٌ ورُبَّما كسروا الصفةَ تكسيرَ الأسماءِ
الثاني : فَعَلٌ على ثلاثةِ أَبينةٍ : فِعَالٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وذلكَ : حَسَنٌ

وحِسَانٌ عندَ البابِ وقالوا : خَلَقٌ وخِلْقانٌ وبَطَلٌ وأَبطَالٌ استغنوا بهِ عن ( فَعَالٍ ) فألحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ أَيضاً على ( فِعَالٍ ) وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وما كانَ على ( أَفعالٍ ) نحو : أَبْطَالٍ فإِنَّ مؤنَّثهُ إِذا لحقتهُ الهاءُ جُمِعَ بالتاءِ نحو : بَطَلةٍ وبَطَلاتٍ مِنْ قِبلٍ أَن مذكرَهُ لَمْ يجمَع ( على فِعَالٍ ) فيكسرُ هُوَ عليهِ . ( فَعَلَةٌ ) كَما لا يجمعُ مؤنثُ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) كما قالوا : رَجُلٌ صَنَعٌ وقَومٌ صَنَعُونَ ورَجُلٌ رَجَلٌ وقَومٌ رَجَلونَ والرَّجَلُ : هُوَ الرَّجِلٌ الشَّعَرٌ ولم يكسروهما
الثالثُ : فُعُلٌ : جاءَ على ( أَفعالٍ ) وهو في الصفاتِ قليلٌ وذلكَ قولُكَ : جَنُبٌ فَمَنْ جمعَ مِنَ العربِ قالَ : أَجْنَابٌ وإِنْ شئتَ قلتَ : جُنبُونَ وقالوا : رَجُلٌ شُلُلٌ ولا يجاوزونَ ( شُلُلوُنَ ) وَهوَ الخفيفُ في الحاجةِ
الرابعُ : فِعْلٌ : علَى ( أَفعالٍ ) و ( أَفْعُلٍ ) وذلكَ جِلْفٌ وأَجْلاَفٌ
وقالَ بعضَ العَربِ : أَجْلُفٌ
وقالوا : رَجُلٌ صِنْعٌ وقَومٌ صِنْعونَ وليسَ شيءٌ مما ذكرنا يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ ومؤنثهُ إِذَا لحقتهُ الهاءُ بمنزلةِ مؤنث ما كسر على ( أَفعالٍ ) مِنْ بابِ ( فَعْلٍ ) يجمعُ بالألفِ والتاءِ وقالوا : عِلْجةٌ وعِلْجٌ
الخامس : فُعْلٌ : وأَفعالٌ يقولونَ : رَجُلٌ مُرٌّ وأَمرارٌ وَهوَ مثلُ ( فِعْلٍ ) في القلةِ ويقالُ : رَجُلُ حُلْوٌ وقَومٌ حُلْونَ وهوَ العظيمُ البطنِ
السادسُ : فَعُلٌ على أَفعالٍ : وذلكَ : يَقظٌ وأيقَاظٌ ونَجُدٌ وأَنجادٌ وبابهُ أَن يجمعَ بالواوِ والنونِ

السابعُ : فَعِل : جاءَ علَى ( أَفعالٍ ) وقالوا : نَكِدٌ وأَنكادٌ
فجميعُ الأَبنيةِ التي جاءَت مِنَ الثلاثي في الصفاتِ سبعةُ أَبنيةٍ
الأول : فَعْلٌ . وجاءَ فيهِ تسعةُ أبنيةٍ : فَعالٌ وفُعُولٌ وفُعْلٌ وأَفْعُلٌ وفَعِيلٌ وأَفعَالٌ وفِعْلانٌ وفِعَلةٌ وفُعْلانٌ
الثاني : فَعْلٌ وجاء فيه ثلاثة أبنية : فِعَالٌ وفُعَالٌ وأَفْعَالٌ
الثالث : فَعَلٌ : جاء على أفعال
الرابع : فَعْلٌ : جاء على أفعال وأَفْعُلٍ
الخامس : فَعُلٌ : جاء على أفعال
السادس : فَعَلٌ : جاء على أفعال
السابع : فِعْلٌ : جاء على أفعال
واعلَمْ : أَنَّ جميعَ هذهِ النعوتِ لا تمتنعُ من الواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ لأَنَّها على الفعلِ تجري والأَسماءُ أَشدُّ تمكناً في التكسيرِ فمتى احتجتَ إلى تكسيرِ صفةٍ ولم تعلمْ أَنَّ العربَ كسرتَها فكسرها تكسيرَ الإسمِ الذي هُوَ علَى بنائِه لأَنَّها أَسماءٌ وإنْ كانت صفاتٍ
والضرورةُ تقعُ في الشعرِ فأَمَّا إِذَا احتجتَ إلى ذلكَ في الكلامِ فاجمعْ بالواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ إِلاّ أَنْ تعلَم أَنَّ العربَ قد كسروا مِنْ ذلكَ شيئاً فتكسرْ عليهِ

باَبُ تكسيرِ ما كانَ في الصفاتِ عددُ حروفهِ أربعةُ أحرفٍ بالزيادةِ
تجيء الصفةُ في هَذا البابِ على تسعةِ أبنيةٍ : الأولُ : فَاعِلٌ : جاءَ علَى سبعةِ أَبنيةٍ : فَعَّلٌ وفُعَّالٌ وفُعْلَةٌ وفَعَلةٌ فيما اعتلت لامهُ
وفُعُلٌ وفُعَلاءُ وفَواعلُ
فأَما ( فُعَّلٌ ) فنحوه شَاهدٍ وشُهَّدٍ ومثلُهُ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هنَّ عيناتُ : صَائِمٌ وصُوَّمٌ وغَائِبٌ وغُيَّبٌ وفي اللاماتِ : غَازٍ وغُزَّى
وأما ( فُعَّالٌ ) فنحو : جَاهِلٍ وجُهَّالٍ وشَاهِدٍ وشُهَّادٍ وهو كثيرٌ
وأَما فَعَلَةٌ فنحو : فَاسقٍ وفَسَقَةٍ وبَارٍّ وبَرَرَةٍ وهو كثيرٌ ومثلُه فيما اعتلتْ عينُهُ : كخائن وخَوَنةٍ وبائعٍ وَبَاعةٍ ويجيءُ نَظيرُهُ مِنْ بَناتِ الياءِ والواوِ والتي هيَ لامٌ على ( فُعَلَةٍ ) نحو : قاضٍ وقَضَاةٍ ورامِ ورُماَةٍ
وأَمَّا فُعُّلٌ : فَبازِلٌ وبُزُّلٌ وعَائطٌ وعُيُّطٌ وحَائلٌ وحُوّلٌ
وأَما ( فُعْلاءُ ) : فَعالمٌ وعُلَماءُ وصَالِحٌ وصُلَحاءُ وفُعُّلٌ وَفَعلاءُ في هَذا البابِ ليسَ بالقياسِ المتمكنِ وليسَ شيءٌ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أُلْحِقَتِ الهاءَ للتأنيثِ كسر على فَوَاعلَ : كضَاربةٍ وضَوَاربَ وكذلكَ إِنْ كانَ صفةً للمؤنثِ ولمْ يكنْ فيهِ هاءُ التأنيثِ : كحَائضٍ وَحَوَائض ويكسرونَهُ على ( فُعّلٍ ) نحو : حُيّضٍ وزَائرٍ وزُوّرٍ لا يمتنعُ

شيءُ فيهِ الهاءُ مِنْ هذهِ الصفاتِ مِنَ التاءِ وإنْ كانَ فَاعلٌ لغيرِ الآدميينَ كسرَ عَلَى ( فَوَاعلَ ) وإِنْ كانَ لمذكرٍ أَيضاً مثلَ : جِمَالٍ بَوَازلَ وقَد اضطرَّ الفرزدقُ فَقَال :
( وإِذَا الرجالُ رأَوا يزيدَ رأَيتَهم ... خُضُعَ الرقابِ نَوَاكسَ الأبصارِ )
فجعلَ الآدميينَ كغيرِهم
الثاني : فَعِيلٌ : يجيءُ تكسيرهُ على عَشَرةِ أَبنيةٍ : فُعَلاءُ . وفِعَالٌ
وأَفْعِلَةٌ في المضاعفِ وأَفْعِلاءُ في المُعتلِ . وفُعُلٌ
وفُعْلانٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وفَعَائِلُ في المؤنثِ وفَعولُ وذلكَ نحو : فقيهٍ وفقهاء وقَالوا : لَئيمٌ ولِئَامٌ وما كانَ منهُ مضاعفاً كسرَ على ( فَعَالٍ ) : كشديدٍ وشِدَادٍ ونظيرُ فَعَلاءَ فيهِ أَفْعِلاء : كشديدٍ وأَشُدَّاءَ وقد يُكسّرونَ المضاعفَ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : شحيحٍ وأَشحَّةٍ ومتى كانَ من بناتِ الياء والواوِ فإنَّ نظيرَ فُعَلاءَ فيه : أَفْعِلاء : كغني وأَغْنياءَ وغَويٍّ وأِّغْوياءَ
استغنوا بهذَا عن ( فِعَالٍ ) وبالواوِ

والنونِ
وما كانَ مِن بناتِ الياءِ والواوِ وهي عيناتٌ كُسَر علَى ( فِعَالٍ ) نحو : طَويلٍ وطِوَالٍ وهو قليلٌ في الكلامِ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وأَما فُعُلٌ فمثلُ نَذيرٍ ونُذُرٍ ومثلُه مِنْ بناتِ الياءِ : ثَنِيٌّ وثُنٍ وكانَ الأصلُ : ثنوّاً فوقعتْ الواوُ طرفاً قبلَها ضمةٌ فقلبتْ ياءً وكُسر ما قبلَها وهذَا يبينُ في موضِعه إِنْ شَاء اللُه
وقَد جاءَ ( فُعْلانٌ ) قالَ : ثَنِيٌّ وثُنْيَانٌ وجَاء فِعلانٌ قالوا : خَصِيٌّ وخِصْيَانُ و ( أَفْعَالٌ ) مثلُ : ( يتيمٍ وأَيتامٍ ) وقالوا : صَديقٌ وأصدقاءُ حيثُ استعملَ كما تستعملُ الأسماءُ نحو : نَصيبٍ وأَنصباءَ وإِذَا ألحقتَ الهاءَ ( فَعيلاً ) للتأنيثِ فالمؤنثُ يرافقُ المذكرَ مثلَ : صَبيحةٍ وصِبَاحٍ ويكسرُ علَى ( فَعَائِلَ ) وقد يستغنونَ على ( فَعَائِلَ ) بغيرِها نحو : صغيرٍ وصِغَارٍ وقالوا : خَليفةٌ وخَلائِفُ جاءوا بهِ على الأَصلِ وقالوا : خُلَفاءُ مِنْ أَجلِ أَنه لا يقعُ إِلاّ على مذكرٍ فصارَ مثلَ : ظريفٍ وظُرَفاءَ وأَما فُعُولٌ فَجاءَ في جمعِ ظَريفٍ : ظُرُوفٌ
وقالَ أَبو بكر : هو جمعهُ عندي علَى حَذفِ الزوائدِ كأَنهُ جمعُ ظُرَفاءَ
وقال الخليلُ : هو بمنزلةِ : مَذَاكيرَ إِذَا لم يكسر علَى ذَكَرٍ

فَقَد أُجريَ شيءٌ مِنْ فَعيلٍ مستوياً في المذكرِ والمؤنثِ شُبِّه بفُعُولٍ نحو : جَديدٍ وسَديسٍ وفَعيلٌ إِذَا كانَ بمعنى فَعُولٍ فهوَ في المذكرِ والمؤنثِ سواءٌ لا يجمعُ بالواوِ والنونِ ويكسرُ علَى فَعْلَى نحو : قَتيلٍ وقَتْلَى
وقالَ سيبويه : سمعنَا مَنْ يقولُ : قَتلاءٌ
الهاءُ تدخلُ في بابِ فَعيلٍ على ما كانَ مقدراً فيهِ قبلَ أَن يُفعلَ بهِ ذاكَ فإِذاَ فُعِلَ كانَ بغيرِ هاءٍ تقولُ : هذِه ذَبيحةُ فِلانٍ قَبلَ أَن تذبحَ فإِذَا ذَبحتْ قيلَ : شاةٌ ذبيحُ
الثالثُ : فُعُولٌ : ويجيءُ على : فُعُلٍ وفَعَائِلَ للمؤنثِ وفَعْلاءَ قالوا : صَبُورٌ وصُبُرٌ وفي المؤنثِ : عَجُوزٌ وعَجَائِزُ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا يجمعُ بالواوِ والنونِ كَما أَنَّ مؤنثَهُ لا يجمعُ بالتاءِ
وقالُوا للمذكرِ : جَزُورٌ وجَزَائرُ لمَّا لَم يكنْ مِنَ الآدميينَ شبهوهُ بالمؤنثِ وقالوا : رَجُلٌ وَدُودٌ وودودة شبهوهُ : بصديقٍ وصَديقةٍ وقالوا : امرأةٌ فَرُوقةٌ ومَلُولةٌ
الرابعُ : فَعالٌ : يجيءُ علَى ثَلاثةِ أَبنيةٍ : عَلَى فُعُلٍ وفُعْلٍ فيما اعتلتْ عينهُ وفَعْلاءَ وذلكَ نحو : صَناعٍ وصُنُعٍ وقالوا فيما اعتلت عينهُ : نَوارٌ ونُوُرٌ وجَوادٌ وَجُودٌ والهاءُ لا تدخلُ في مؤنثهِ وجاءَ : جَبَانٌ وجُبنَاءُ
الخامسُ : فِعَالٌ : جاءَ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ : فُعُلٌ فَعَائِلُ وفِعَالٌ
اعلَمْ : أَنَّ فِعَالاً بمنزلةِ : فَعَالٍ لا تدخلُ الهاءُ في مؤنثهِ وجمعَ علَى : فُعُلٍ نحو : نَاقةٍ دلاث وَدُلُثٍ وزعمَ الخليل : أَنَّ هِجَانَ للجماعةِ بمنزلةِ : ظِرافٍ وزعَم أبو الخطابِ : أَنَّ الشِّمالَ تجعلُ

جمعاً وقالوا : دِرْعٌ دِلاصٌ وأَدرعٌ دِلاصٌ لفظُ الجميعِ لفظُ الواحدِ وإنّما وقَع هَذا لأن ( فِعالَ وفَعولَ وفَعيلَ ) أَخواتٌ فالزيادةٌ مِنْ جميعهنَّ في موضعٍ واحدٍ
السادسُ : فَيْعِلٌ : وهذَا البناءُ لا يكونُ إلاّ في المعتلِّ فيجيءُ جمعهُ علَى : ( أَفعالٍ ) وأَفْعلاءَ وذلكَ نحو : مَيّتٍ وأَمواتٍ وحقهُ الواوُ والنونُ نحو : قيّمٍ وقَيمونَ ومثلُ أَمواتٍ : قَيْلٌ وأَقيالٌ والأصلُ : قيّلٌ فَخُفِّفَ وَلوْ لَم يكنْ ( فَيْعِلاً ) لِمَا جمعوا بالواوِ والنونِ فقالوا : قَيلونَ لأَنَّ ( فَعِيلَ ) التكسيرُ فيهِ أَكثرُ وفَيعِلَ الواوُ والنونُ فيهِ أَكثْرُ ويقولونَ للمؤنث أيضاً : أَمواتٌ وقالوا : هَيّنٌ وأهْونَاءُ
السابعُ : مَفْعَلٌ : يكسرْ عَلَى مَفَاعِلَ مَدْعَسٌ ومَدَاعِسُ
الثامنُ : مُفْعَلٌ ومُفْعَلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ والمؤنثُ بالتاءِ إلاّ أَنَّهم قَد قالوا : مُنكَرٌ ومَناكيرُ ومُوْسَرٌ ومَياسيرُ
وأَما مَفْعِلٌ الذي يكونُ للمؤنثِ ولا تدخلهُ الهاءُ فإنهُ يكسرُ نحو : مُطْفِلٍ ومَطَافِلَ وقَد قالوا علَى غيرِ القياسِ : مَطافِيلُ
التاسعُ : فُعَّلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ وذلكَ نحو : زُمَّلٍ وجُبَّاً يقالُ : رَجُلٌ جُبّاً إذَا كانَ ضعيفاً

بَابُ ما ألحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببنَاتِ الأربعةِ مِنَ الصفاتِ
وهو يجيءُ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ علَى : فَعْوَلٍ وفَيْعَلٍ وأَفْعَلَ
والأولُ : فَعْوَلٌ : نحو : قَسْوَرٍ وقَسَاورَ وتَوْأَمٍ وتَوَائمَ أَجروهُ مجَرى : قَشْعَمٍ وقَشَاعِمَ
الثاني : فَيْعَلٌ : نحوَ : غيْلَمٍ وغَيَالمَ شبهوها : بِسَمْلَقٍ وسَمَالقَ ولا يمتنعانِ من الواوِ والنونِ أَعني : فعلول وفيعل إذا عنيتَ الآدميين والتاءِ إذا عنيتَ غيرَ الآدميينَ
الثالثُ : أَفعلٌ : إذَا كانَ صفةً كسرَ على : ( فُعْلٍ ) وفُعْلانٍ وذلكَ نحو : أَحمرَ وحُمْرٍ ولا يحركونَ العينَ إلاّ أَنْ يضطَر شاعرٌ وهو مما يكسرُ على ( فُعلانٍ ) نحو : حُمْرانٍ وسُوْدانٍ ويمْضانٍ
فالمؤنثُ من هذا يجمعُ على ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ وفي ( أَفعلَ ) إذا كانَ صفةً هَلْ

هو ملحقٌ أَم غيرُ ملحقٍ نظرٌ وسؤالٌ
قال : والحقيقةُ أَنهُ غيرُ ملحقٍ ولو كانَ ملحقاً لِما أُدغَم في مثلِ الأَصمِّ
وأَما الأَصغرُ والأَكبرُ فإنّهُ لا يوصفُ بهِ كَما يوصفُ بأحمَر ولا تفارقُه الألفُ واللامُ لا تقولُ : رَجُلٌ أَصغرُ
قالَ سيبويه : سمعَنا العربَ تقول : الأَصَاغرةُ كما تقول : القَشَاعمة وإنْ شئت قلتَ : الأَصغرونَ وقالوا الآخرونَ ولم يقولوا غيرهُ

بَابُ تكسيرِ مَا جاءَ مِنَ الصفةِ عَلَى أَكثرَ مِنْ أَربعةِ أَحْرفٍ
وهيَ تجيء علَى عشَرةِ أَبنيةٍ :
الأول : مِفْعَالٌ : ويجيءُ علَى : مَفَاعيلَ ولا تدخلُه الهاءُ ولا يجمعُ بالواوِ والنونِ نحو : مِهْذَارٍ ومَهَاذير ومِفْعَلٌ بمنزلتِه للمذكر والمؤنثِ كأَنه مقصور منه
الثاني : مِفْعيلٌ : تقولُ في مِحْضيرٍ : مَحَاضيرُ وقالوا : مِسْكينةٌ شبهتْ بفَقيرةٍ فأَدخلوا الهاءَ فيجوزُ على ذَا : مسكينونَ وقالوا أَيضاً : امرأة مِسكينٌ فَمَنْ قالَ هَذا لم يجزْ أن يجمَع بالواوِ والنونِ ومؤنثهُ بالألفِ والتاءِ لأَنَّ الهاءَ تدخلهُ
الرابعُ : فُعّالٌ : مثلُ ( فُعَّالٍ ) نحو : الحُسَّانِ وقالوا : عُوَّارٌ وعَوَاويرُ
الخامسُ : مَفْعُولٌ : مثلُه بالواوِ والنونِ وقالوا : مكسورٌ ومَكاسيرُ وَمَلْعُونٌ ومَلاَعينُ شبهوها بالأسماءِ

السادس : فُعُّيلٌ : نحو : زُمَّيلٍ وجمعهُ كَجمعِ : فُعَّلٍ بالواوِ والنونِ
السابعُ : فَعْلانُ إذا كانَ صفةً وكانَ لَهُ فَعْلَى كسرَ علَى ( فُعالٍ ) نحو : عَطْشَانَ وعُطاشٍ وقد يكسرُ علَى : فَعَالى وفِعَال نحو : سَكارى وكذلكَ المؤنثُ أيضاً
وجاءَ بعضهُ على ( فُعَالى ) نحو : سُكَارى ( ولا يُجمعُ فَعْلانُ بالواوِ والنونِ ولا مؤنثهُ بالتاءِ إلاَّ أَن يضطرَ شاعرٌ وقَد قَالوا فيما يلحقُ مؤنثَهُ الهاءُ كَما قالوا في هَذا لأنَّ آخَرَهُ ألف ونون زائدتان وذلكَ : نَدْمانةٌ ونَدمانٌ ونَدَامى وقالوا : خَمْصانةٌ وخَمصانٌ وخُمَاصٌ ومنهم مَنْ يقولُ : خَمَصانُ
وقد يكسرون ( فَعِلاً ) علَى : ( فَعالى ) لأنه يدخل ( فَعْلاَن ) فيعني به ما يعني ( بفَعْلانَ ) وذلكَ : رَجُلٌ عَجلٌ وسَكِرٌ وحَذِرٌ قالوا : حَذارَى وقالوا : رَجُلٌ رَجِلٌ ورَجالى وقالَ بعضهُم : رَجْلانُ ورَجْلَى وقالوا : رجالٌ كما قالوا : عِجَالٌ ويقالُ : شَاةٌ حَرْمى وشياهُ حِرامٌ وحَرَامى لأَنَّ ( فَعْلَى ) صفةٌ بمنزلةِ التي لَها فَعْلانُ
الثامن : فُعْلانٌ نحو : خُمْصانٍ وعُرْيانٍ يجمعُ بالواوِ والنونِ ولَمْ يقولوا في عُريْانٍ : عِرَاء ولا : عَرَايا استغنوا بُعَراةٍ
وعُراةٌ إنّما هُوَ جمعُ عَارٍ إلاَ أن المعنى واحدٌ في عُرْيان وعَارٍ

التاسعُ : فُعَلاءُ فهي بمنزلةِ فُعَلةٍ مِنَ الصفاتِ لأَنَّ الألفينِ للتأنيثِ نظيرُ الهاءِ وذلكَ : نُفَساءُ ونُفساواتٌ ونُفَاسٌ وليسَ شيءٌ مِنَ الصفاتِ آخرهُ علامة التأنيثِ يمتنعُ مِنَ الجمعِ بالتاءِ غيرُ : فَعْلاءَ أَفْعَل وفَعْلَى فَعْلاَن
العاشر : فَعْلاءُ : قَد ذكرنَا في بابِ ( أَفعلَ ) أَنَّها تجيءُ علَى ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ فالمذكرُ والمؤنثُ فيهِ سواءٌ كما كانَ في جمعِ فَعْلَى فَعْلانَ وقَالَ : بَطْحاواتٌ في جمعِ بَطْحَاءَ حيثُ استعملتْ كالأسماءِ وقالوا : بطحاءُ وبِطَاحٌ وبَرْقَاءُ وبِرَاقٌ

بَابُ ما كانَ مِنَ الأسماءِ عدةُ حروفهِ خمسةٌ وخامسهُ أَلفُ التأنيثِ أَو أَلفا التأنيثِ
فمَا كانَ على ( فُعَالى ) يجمعُ بالتاّءِ نحو : حُبَارَى وحُبَارياتٍ وما كانَ آخره ألفانِ على فَاعِلاءَ نحو : القَاصِعَاءِ فهو على : ( فَوَاعلَ ) تقولُ فيهِ : قَواصعُ شبهوا ( فَاعِلاَءَ ) بِفَاعلة وجعلوا أَلفي التأنيثِ بمنزلةِ الهاءِ وقالوا : خُنْفَساءُ وخَنَافسُ

بَابُ ما جُمعَ علَى المعنى لا علَى اللفظِ
قالَ الخليلُ : إنّما قالوا : مَرْضى وهَلْكى ومَوْتَى وجَرْبى لأَنَّ المعنى معنى : مفعولٍ وقَد قالوا : هُلاّكٌ وهالكون فجاءوا بهِ علَى الأصلِ وقالوا : مِراضٌ وسِقَامُ ولم يقولوا : سَقْمَى وقالوا : وجعٌ وقَوْم وَجْعَى ووجَاعتى وقالوا : قومٌ وجاعٌ كما قالوا : بعيرٌ جَرِبٌ وإبلٌ جِرَابٌ وقالوا : مَائِقٌ ومَوْقَى وأحْمقُ وحَمْقَى وأَنْوَكُ ونَوْكَى لأنهُ شيءٌ أصيبوا بهِ
وقالوا : أَهْوجُ وهُوجٌ على القياسِ وأَنوكُ ونُوْكٌ وقالوا : سَكْرَى كَمَرضَى وَرَوبَى : للذين اسثقلوا نَوماَ والواحدُ : رَائبٌ وقالوا : زَمِنٌ وزَمْنَى وضَمِنٌ وضَمْنى ورَهِيصٌ ورَهْصى
وحَسيرٌ وحَسْرَى وإنْ شئتَ قلتَ : زَمِنونَ وهَرِمونَ
وقالوا : أُسَارى مثل : كُسَالى وقالوا : وَجٍ

ووجْيَا بلا همزٍ وقالوا : سَاقطٌ وسَقْطَى مثلُه : وفَاسِدٌ وفَسْدَى وليسَ يجيءُ في كُلِّ هذَا على المعنى لم يقولوا : بَخْلَى ولا سَقْمَى
قالَ أبو العباس : لو قالوهُ جازَ . وقالوا : يَتَامى
قالَ سيبويه : وقالوا : عقيمٌ وعُقٌمٌ
وقال : لو قيلَ إنَها لم تجىءْ علَى ( فُعلَ ) لكانَ مذهباً يعني : أَنَّ بابَها أَن يقالَ عَقْمَى مثلُ : قَتيلٍ وقَتْلَى فصرفتْ عن بَابِها لأَنُّها بَلَيةٌ فأَكثر ما تجيءُ عَلَى فَعْلَى

باَبُ ما جاءَ بناءُ جمعهِ علَى غيرِ ما يكونُ في مثلهِ
فَمِنْ ذلكَ : رَهْطُ وأَرَاهطُ وبَاطلٌ وأَباطيلُ كأَنَّهم كسروا : أَرْهُطٌ وأَبْطالٌ ومِنْ ذلكَ : كُراعٌ وأَكارعُ وحديثٌ وأَحاديثُ وعَروضٌ وأَعاريضُ وقَطيعٌ وأَقاطيعُ لأَنَّ هذَا لو كسرتَهُ وعدةُ حروفِه أَربعةٌ بالزيادةِ التي فيها لكانت ( فَعَائلَ ) ولَم يكنْ في الأَول زيادة
ومِثل أَراهطَ أهلٌ وأَهَالٍ . ولَيلة ولَيالٍ كأَنهُ جمَع : أَهلاً وليلاً
وقالَ أبو العباس : ليلةٌ أصلها ( ليلاً ) فحذفت وزعمَ أَبو الخطاب : أَنَّهمْ يقولونَ : أَرضٌ وآراضٌ كما قالوا : أَهْلٌ وآهالٌ فهذَا على قياسهِ وقالَ بعضُهم : أَمْكُنٌ كأَنهُ جَمْعُ مُكْنٍ
وقالَ سيبويه : ومثلُ ذلكَ : تَوأَمٌ وتوائمُ كأنهم كسروهُ على ( تِئمٍ ) كما قالوا : ظِئْرٌ وظُؤارٌ وقالَ أبو العباس : توأَمٌ اسمٌ مِنْ أَسماءِ الجمعِ وفِعَالٌ لا يكونُ مِنْ أَبوابِ الجمعِ وكذلَك : رَجْلٌ ورِجَالٌ وقالَوا : كرَوانٌ

وللجمعِ : كِرْوَانٌ
وقالَ أبو العباس : كَرَوانٌ جمعْ : كِرْوَانٍ تحذفُ الزوائدَ وكذلكَ قالَ في أَمْكنٍ جَمعُ : مَكَانٍ
وقال سيبويه : إنما جُمِعَ ( كَرَوانُ ) على ( كَرىً ) وقالوا في مِثْلِ : ( أَطرِقْ كَرا إنَّ النعامَ في القرُى ومِثْلُ هذَا : حمارٌ وحَميرٌ وصَاحبٌ وأَصحابٌ وطَائِرٌ وأَطيارٌ

بَابُ ما هُوَ اسمٌ يقعُ علَى الجميعِ ولم يكسر عليهِ واحدهُ وهوَ مِنْ لفظهِ
وذلكَ نحو : رَكْبٍ وسَفْرٍ وطَائرٍ وطَيْرٍ وصَاحبٍ وصَحْبٍ أَلا تَرى أَنكَ تقولُ في التصغير : رُكَيبٌ وسُفَيرٌ ولو كانَ تكسيراً لردَّ إلى الواحدِ ومثلُ ذلكَ : أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُودٌ وعَمَدٌ وحَلْقَةٌ وحَلَقٌ وفَلْكَةٌ وفَلَكٌ ومِنْ ذلكَ : الجامَلُ والباقِرُ وأَخٌ وإخوةٌ وسَرِيٌّ وسَرَاةٌ مِنْ ذلكَ لو قالَ قائلٌ : شُبِّهَ ( فَعِيلٌ بفَاعِلٍ ) نحو : فَاسقٍ وفَسَقةٍ قيلَ لَهُ : مثالُ هذا في المعتلِّ إنَّما يجيءُ على ( فَعَلةٍ ) نحو : قَاضٍ وقَضَاةٍ و ( فَعَلةٌ ) ليسَ من جُموعِ المعتلِّ فلذلكَ لم يجعلْ جمعاً وصارَ في رَكْبٍ وسَفْرٍ وقالوا : فَارهُ وفُرْهَةٌ مثْل : صَاحبٍ وصُحْبَةٍ وغَائِبٍ وغَيَبٍ وخَادمٍ وَخَدَمٍ وإهَابٍ وأَهَبٍ ومَاعِزٍ وَمَعَزٍ وضَائنٍ وضَأَنٍ وعَازبٍ وعِزيبٍ وغاَزٍ وغَزِيٍّ

بَابُ جَمْعِ الجَمْعِ
أَما أبنيةُ أَدنى العددِ فيجمعُ على ( أَفَاعِل ) وأَفاعيلَ نحو : أَيدٍ وأَيادٍ وأَوطبٍ وأَواطبَ وأَفعالٌ بمنزلةِ إفعالٍ نحو : أَنعامٍ وأَناعيمٍ وقد جمعوا ( أَفْعلةً بالتاءِ )
قالوا : أَغطيةٌ وأَغطياتٌ وأَسقيةٌ وأَسقياتٌ وقالوا : أَسورةٌ وأَسَاورَةٌ وقالوا : جِمَالٌ وجَمَائلُ
وقالوا : جَمَالاتٌ وبُيوتاتٌ عملوا بفُعُولٍ ما عملوا بَفَعالٍ وكذلكَ ( فُعُلٌ ) قالوا : الحُمُراتُ بضم الميم
قالَ سيبويه : وليسَ كُلُّ جَمْعٍ يجمعُ
لم يقولوا : في جَمْعِ بَرٍّ أَبرارٌ وقالوا : في تَمْرٍ تُمْرَانٌ
وأَبوا العباس يُجيزُ : أَبرار في جمع بَرٍّ ويركنُ إلى القياسِ وقالوا في مُصْرانٍ : مَصَارينُ
وأَبياتٌ وأَباييت وبيوتٌ وبيُوتاتٌ وقالوا : عُوذٌ وعُوذاتٌ ودُورٌ ودُوراتٌ وحُشَّانٌ وحَشَاشينَ وكُلُّ بناءٍ مِنْ أَبنيةِ الجموعِ ليسَ علَى مثالِ ( مَفَاعِلَ ) ومَفَاعيلُ ( إذا اختلفتْ ضروبهُ فجمعُه

عندي جَائزٌ وقياسُه أَن ينظرَ إلى ما كانَ على بنائِه مِنَ الواحدِ أو على عدتِه فتكسرهُ علَى مِثَالِ تكسيرهِ
وقالَ سيبويه : مَنْ قالَ : أَقاويلُ وأَباييتُ في أَبياتٍ لا يقولُ : أَقوالانِ لا يثُني ( أَقوالاً ) وكذلكَ : البُسْرُ والتَّمْرُ إلاّ أَن تريدَ ضربينِ مُختلفينِ فهذَا يدلُّكَ علَى أَنَّ جمعَ الجَمْعِ يجيءُ علَى نوعينِ : فنوعٌ يرادُ بهِ التكثيرُ فَقَط ولا يرادُ بهِ ضروبٌ مختلفةٌ ونوعٌ يرادُ بهِ الضروبُ المختلفةٌ وهو الذي لا يمتنع منهُ جَمْعٌ قالوا : إبلانِ لأنَّهُ اسمٌ لم يكسر
وقالَ : لِقَاحانِ سَوداوانِ لأَنَّهم لم يقولوا : لِقَاحٌ واحدةٌ وهو في إبْلٍ أَقوى لأَنهُ لم يكسرْ
قالَ سيبويه : سأَلتُ الخليلَ عن : ثلاثةِ كلابٍ فَقالَ : يجوزُ في الشعر علَى ( من ) وإنْ نونتَ قلتَ : ثلاثةٌ كلابٌ

بَابُ ما لُفِظَ بهِ مثنىً كما لُفِظَ بالجمعِ
وهو أَن يكونَ كُلُّ واحدٍ بعضَ شيءٍ مفردٍ مِنْ صاحبهِ كقولِكَ : ما أَحسنَ رؤوسهمَا وزعمَ يونس أَنَّهم يقولونَ : غِلمانهما وإنّما هُما اثنانِ
وزَعم أَيضاً أَنَّهم يقولونَ : ضربتُ رأْسيهما وأَنهُ سَمع ذلكَ مِن رؤبةَ والبابُ ما جاءَ في القرآنِ قالَ الله عزَّ وجلَّ : ( إنْ تُتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُمَا ) . ( والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْديَهُما )

بابُ مَا كاَن من الأعجميةِ على أَربعةِ أحرفٍ وقد أعربَ
جمعُ هَذا الضربِ على مثالِ مَفَاعل وزعَم الخليلُ : أنهم يلحقون جمعَهُ الهاءَ إلاّ قليلاً : كَمَوْزَجٍ ومَوازِجَةٍ وطَيْلسانٍ وَطَيالسةٍ وقَد قالوا : جَوارِبُ وكَيالجُ وقَد أَدخلوا الهاءَ أيضاً
وكذلكَ إذا كسرتَ الإسمَ وأَنت تريدُ : آلَ فلانٍ أَو جماعةَ الحي كالمَسامعةِ والمناذرة والمَهالبةِ وقَد قالوا : دَياسِمُ وهُنُّ ولدُ الذئبِ مِنَ الضبع
وقالوا : ولَدُ الكلبِ مِنَ الذئبةِ وقالوا البَرابرةُ
والسَيابجةُ فاجتمعَ فيهما الأَعجميةٌ والإِضافةُ

بَابُ التحقيرِ
التصغيرُ شيءٌ اجتزىءَ بهِ عن وصفِ الإسمِ بالصغرِ وبُني أَولهُ علَى الضمِّ وجُعلَ ثالثهُ ياءً ساكنةً قبلَها فتحةٌ ولا يجوزُ أن يصغرَ اسمٌ يكون على أقل من ثلاثة أَحرفٍ فإذا كانَ الإسمُ ثلاثياً فالإِعرابُ يقعُ على الحرفِ الذي بعدَ الياءِ نحو قولِكَ في حَجرٍ : حُجَيْرٌ فإنْ كان آخرهُ هاء التأنيثِ فلا بُدَّ مِنْ أَن ينفتحَ لها ما قبلها فإنْ جاوزَ الإسم الثلاثةَ بزائدٍ أَو غير زائدٍ فهوَ نظيرُ الجمعِ الذي يجيءُ على ( مَفَاعلَ ) ومَفَاعيلَ فالأَلفُ في الجمعِ نظيرهُ الياءُ في التصغيرِ وما بعدَها مكسورٌ كَما أَنَّ ما بعدَ الألفِ مكسورٌ إلاَّ أَنَّ أَولَ الجمعِ مفتوحٌ وأَولَ هَذا مضمومٌ وجميعُ التصغير يجيءُ على ثلاثةِ أَمثلةٍ عَلى مثالِ تصَغيرِ : فَلْسٍ ودِرهمٍ ودِينارٍ وتصغيرُها : فُليسُ ودُرَيهمٌ ودُنَيْنيرٌ وهذا الياءُ التي تجيءُ في مِثَالِ : دُنينيرْ وَمَا أَشبه تكونُ عوضاً لازماَ متى كانَ في الإسمِ زائدةٌ تابعةٌ كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الإسم زيادةٌ تابعةٌ كما وقعتْ في دينار وتكونُ غيرُ ملازمةٍ مَتى كان في الاسمِ زيادةٌ غيرُ تابعةٍ فحينئذٍ لَكَ فيهِ الخيارُ فياءُ التصغير زائدةٌ وياءُ التعويضِ زائدةٌ فالتصغيرُ إنّما يكونُ في الثلاثي وفيما كان عددهُ أَربعةَ أَحرفٍ بزيادةٍ أَو غيرِ زيادةٍ فإنْ تجاوزَ العددُ ذلكَ حُذفَ حتَى يُردَّ إلى هذا العددِ
والأسماء تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ : اسم لا زيادةَ فيهِ ولا نَقْصَ واسم فيهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6