كتاب : زهر الأكم في الأمثال و الحكم
المؤلف : اليوسي

دلفت له بصدر العنز لمّا ... تحامته الفوارس والجالُ
و العنز أيضاً اسم قبيلة من هوازن وهي التي في قول الآخر:
وقاتلت العنز نصف النهار ... ثم تولت مع الصادر
و العنز أيضاً الأكمة السوداء وهي في قول رؤبة: وارم أخرس فوق عنزٍ وأراد بالإرم العلم المبني من حجارة وبكونه أخرس أنه بناء أصم. وقوله: فوق عنز أي أكمة.
وعنز أيضاً امرأة من طسم سبيت فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت: هذا شر يومي! أي: حين صرت أكرم للسباء. وقال الشاعر:
شر يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدجٍ جملا
و سيأتي. والمراد هنا العنز من المعز وقائله هبنقة القيسي الأحمق ذو الوداعات. وكان أخوه اشترى له بقرة بأربع أعنز فركبها وركضها. فلما أعجبه عدوها التفت إلى أخيه فقال: زدهم عنزاً! فصار مثلا يضرب في الإعطاء بعد إمضاء البيع.
ويحكى إنّه سار بها فرأى أرنبا تحت شجرة ففزع منها وركض البقرة وقال:
الله نجاني ونجى البقرة ... من جاحظ العينين تحت الشجرة!
و أخباره في الحمق كثيرة تقدم بعضها في الحاء.

زين في عين واله ولده.
يضرب في عجب الرجل برهطه وعترته ونحو ذلك. وهو في قول الشاعر:
نعمَ ضجيع الفتى إذا برد ... الليل سحيراً قرقف الصرد
زينها الله في الفؤاد كما ... زين في عين والدٍ ولد!
و مثله في أمثلة العامة قولهم:
كل خنفس عند أمه غزال
ٌ
ومن قمل العرب:
كل فتاةٍ بأبيها معجبةٌ.
وسيأتي.
ولنذكر بعض الشعر في هذا الباب. قال أبن الرومي:
خير ما استعصمت به الكف عضبٌ ... ذكرٌ حده أنبث المهزِّ
ما تأملته بعينيك إلا ... أرعت صفحاته من غير هزِّ
مثله أفزع الشجاع إلى الدرع ... فغالى بها على كل بزِّ
ما يبالي أ صممت شفرتاه ... في محزٍّ أم حارتاً عن محزِّ
وقال أبو الطيب يمدح علي بن صالح الروذباري:
ليس كل السراة بالروذ باري ... و لا كل من يطير ببازِ
وقال الآخر:
إذا ما اعتز ذو علم بعلمٍ ... فعلم الفقه أشرف في اعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسكٍ ... و كم طير يطير ولا كباز
وقال بعض السادة:
رجال الله قد سعدوا وفازو ... و نالوا رحمة المولى وحازوا
رجالٌ طلقوا لادنيا بتاتا ... ولو جاز الرجوع لمّا استجازوا
بدا علم النجاة فميزوه ... يحركهم بدار وانحفازُ
فبعضٌ تشرق الأمطار منه ... و بعضٌ تستنير به النفازُ
تميز كل ذي دنيا بدنيا ... و هم لهم بدينهم امتيازُ
وما عزوا بمخلوق ولكن ... لهم بالخالق الأحد اعتزازُ
أردت لحاقهم فعجزت عنهم ... و حدت عن الإجازة إذ أجازوا
أتطمع في اللحاق ولا نهوضٌ ... و تفرح بالرحيل ولا حفازُ؟
وأنت أخوهم نسباً ولكن ... طرازٌ فوقه ذاك الطرازُ
دع الدنيا فلست لهم بندٍّ ... و هل تخفى الحقيقة والمجازُ؟
وقال الآخر:
لي صديق هو عندي عوزٌ ... من سداد لا سداد من عوز
وجهه يذكرني دار البلا ... كلما أقبل نحوي وغمز
وإذا جالسني جر عني ... عصص الموت بكربٍ وعلز
يصف الود إذا شاهدني ... فإذا غاب وشى بي وهمز
كحمار السوء يبدي مرحاً ... و إذا سيق إلى الحمل غمز
ليتني أعطيت منه بدلاً ... بنصيبي شر أولاد المعز
قد رضينا بيضةً فاسدةً ... عوضاً منه إذا البيع نجز
العوز بفتحتين: الحاجة. تقول: عوز الشيء بالكسر أي لم يوجد. وسداد الشيء: ما يسد به. تقول: هو سداد من عوز ووجدت سدادا من عيش أي ما تسد به الخلة وهو بكسر السين والفتح ضعيف أو لحن. والسداد بالفتح: الصواب. والعلز بفتحتين: القلق والضيق. تقول: علز بالكسر علزا في مرضه.
وقال الآخر:
أرضنا اللت آوت ذوي الفقر والذل ... فاضوا ذوي غنى واعتزاز
قوله: اللت بسكون التاء لغة في التي الموصول.
وقال أبن الرومي:
وحديثهما السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ود المحدث إنما لم توجز
شرك العقول ونزهةٌ ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز

و نحوه في ذكر الحديث قول الآخر:
وحديثها كالقطر يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... و يقول من فرحٍ هيا ربَّا!
و قول الآخر:
فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديثٌ كمثل المسك شيبت به الخمرُ
حديثٌ لو أنَّ الميت نودي ببعصه ... لأصبح حياً بعدما ضمه القبرُ
و قول الآخر:
منعمةٌ يحار الطرف فيها ... كأنَّ حديثها سكر الشرابِ
من المتصديات لغير سوءٍ ... تسيل إذا مشت سيل الحبابِ
و قول الآخر:
وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثةٌ لو تعيدها
و تقدمت قصة هذا الشعر. وقول بشار:
وكأنَّ رفض حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا
وكأنَّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وتخال ما جمعت عليه ... ثيابها ذهباً وعطرا
وكأنها برد الشراب ... صفا ووافق منك فطرا
و في استكراه الحديث قول أبي علي البصير:
غنائك عندي يميت الطرب ... و ضربك بالعود يحيي الكرب
ولم أر قبلك من قينةٍ ... تغني فأحسبها تنتحب
ولا شاهد الناس أنسية ... سواك لها بدن من خشب
ووجهٌ رقيبٌ على نفسه ... ينفر عنه عيون الريب
ولو مازج النار في حرها ... حديثك أخمد منه اللهب
فكيف تصدين عن عاشقٍ ... يودك لو كان كلباً كلب
وقال الآخر:
أويت في الدهليز مذ أربعٍ ... و لم أكن آوي الدهاليزا
خبزي من السوق وشعري لكم ... تلك لعمري قسمةٌ ضيزا
وقالت أنا:
إذا كنت مرتاداً أخاً ذا صداقةٍ ... فلا تصحبن إلا البقال أنت رائزُ
فعيب الفتى غيبٌ إذا تركته ... و عند احتكاك الجدل تبدو الغرائزُ
وإنَّ إخلاء الرفاهة جمةٌ ... و لكن إخوان الكروب معاوزُ
و قلت على وجه التلميح والمطايبة لبعضهم:
أتهمز يا أبن الأسود اسمي آفكاً ... فهل حسن لولا الضلالةُ يهمزُ؟
نعم تهمز الأنذال مثلك كلما ... تعاورها نظم القريض وتلمزُ
فهل أنت عن تلك السفاهة مقصرٌ ... فتنجو من سيل له أنت مركزُ؟
وإلا فبحري لا تدركه الدلا ... و متن قناتي لا يرى فيه مغمزُ
توافيك مني بكرة وعشية ... قوافي بها طمر الهجاء يطرزُ
على أنَّ هجو النذل مثلك شائنٌ ... و ما الهجو إلاّ الهجو للكفء يبرزُ
وإذ لست بالكفء الكريم فلا يكن ... بقلبك مني أو لحائي معلزُ
و لعل هذا القدر يكفينا من هذا الباب. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

باب السين المهملة
المسألة أخر كسب المرء.
السؤال: الطلب والسؤل بالضم مهموزا ومخففا: ما تسأله؛ وسألته الشيء وعنه وبه سؤالا ومسأله وتسآلا. وقد يقال سال مخفف الهمز قال الشاعر:
ومرهقٍ سال إمتناعاً بأصدته ... لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
الأصدة: قميص صغير يلبس تحت الثوب والكسب معروف.
وهذا من أمثال أكثم بن صيفي في استقباح مسألة الناس. قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقال البكري: بل هو من كلام قيس بن عاصم قال لبنيه: إياكم ومسألة الناس فإنها أخر كسب الرجل! قال: وأخر على وزن فعل ومعناه أبعد من الخير وأرذله.
ومن حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد أنَّ رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الأخر زنى أي الأبعد. قال: ولا يحسن أن يقال هنا آخر بالمد الذي هو نقيض أول لأنَّ ذلك إباحة للمسألة وإن يكون من آخر ما يكسب به المرء والمسألة مكروهة منهي عنها في الجاهلية والإسلام وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحتطب المرء على ظهره ولا يسأل الناس. انتهى.
والذي في الصحاح: يقال في الشتم أبعد الله الأخر بقصر الهمزة وكسر الخاء وهو قريب مما مر ودليل على صحته.
أ سائر اليوم وقد زال الظهر
؟
السائر: الباقي وقد يستعمل بمعنى الجميع وتقدم ما فيه. والظهر معروف والهمزة للاستفهام الإنكاري.

وسبب هذا قوما أغير عليهم فاستصرخوا ببني عمهم فأبطؤوا عنهم حتى أسروا وذهب بهم. فجاؤوا يسألون عنهم فقال لهم المسؤول: أ سائر القوم وقد زال الظهر؟ أي كيف تطمعون فيما بعد وقد تبين لكم اليأس والفوات؟ وذلك أنَّ من كانت حاجته اليوم جميعه ثم زال الظهر وجب أن ييأس من الحاجة كما ييأس منها بغروب الشمس.

تسألني برامتين سلجما
ً
السؤال تقدم ورامة اسم موضع. قال زهير:
لمن طلل برامتة لا يريم؟ ... عفا وخلا له حقبٌ قديمُ!
و ثنوه في هذا المثل اتساعاً.
ومثله قول الآخر:
لمن الديار برامتين فعاقل؟ ... دست وغير أيّها القطرُ!
و هذه الثنية هكذا شائعة في أسماء المواضع عند العرب.
ومثله قول ورقة:
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
و إنّما يريد مكة.
وقول الفرزدق: عشية سال المربدان كلاهما وإنّما يريد مربد البصرة.
وجعل السهيل من هذا قول زهير:
ودارٌ لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم
و قول عنترة:
شربت بماء الدحر ضين فأصبحت ... زوراء تنقر عن حياض اليلمِ
في اصح القولين.
وقال أيضاً:
كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغليم؟
و قولهم: صدنا بقنوين. ويقال: عنيزة اسم موضع وقنا اسم جبل وقال غيره: عنيزتان اسم موضع وأما الدحرضان فهو على التغليب لمائين: أحدهما يقال له دحرض والآخر: وسيع فثناهما الشاعر وغلب لفظ أحدهما على الآخر كالقمرين.
وحكى الجوهري أول كلامه أنَّ الدحرض اسم موضع وهو يوافق ما قال السهلي وأما الرقمان في قول زهير ففي شرح ديوان الشعراء هما موضعان: أحدهما قرب المدينة والآخر قرب البصرة. فأراد أنَّ الدارين بين الرقمتين كما تقول: فلان بمكة أي بين بيوت مكة.
وفي القاموس: الرقمتان روضتان بناحية الصمان. والرقمة أيضاً الوادي والروضة ومنه قول زهير عند الجوهري. ويحتمل أن يوافق ما قال السهلي أو يخالفه إذ لا مانع من أن يريد روضتين. فتجيء التثنية على بابها. ووجه تثنية الموضع الواحد في كل ما مر الإشارة إلى جانبيه.
قال السهلي وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة أو بستان فتسميتها جنتين في فصيح الكلام إشعاراً بأن لها وجهين وأنك كلما دخلتها ونظرت يمينا وشمالا رأيت من كلا الطرفين ما يملأ العين قرة والصدر مسرة.
وفي التنزيل: جنتان عن يمينٍ وشمالٍ إلى قوله: وبدلناهم بجنتهم جنتين. وفيه: جعلنا لأحدهما جنتينِ من أعناب وفي آخرها: ودخل جنته فأفر بعد ما ثنى وهي هي. قال: وقد حمل بعض الفقهاء على قوله سبحانه: ولمن خاف مقام ربه جنتان. انتهى.
ومن هذا والله أعلم أيضاً عمايتان في قول الآخر:
لو أنَّ عصم عمايتين ويذبلٍ ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا!
و إن وقع في كلام أبن مالك في شرح " التسهيل " وأتباعه أنهما جبلان فإنَّ الذي في متون اللغة المتداولة أنَّ عماية جبل من جبال هذيل وليس فيهما ذكر الجبلين. وكما ثنت العرب البقاع للمعنى السابق كذلك جمعتهما أيضاً إشارة إلى جواب الذي إلا أنَّ الجمع أقل.
ومنه قول مطرود بن كعب الخزاعي:
وهاشمٍ في ضريح عند بلقعةٍ ... تسفي الرياح عليه وسط غزاتِ
يعني غزة وهو بلد بفلسطين مات به هاشم بن عبد الله مناف.
ومثله: بغاذين من بغذان كما وقع في شعر بعض المولدين. ولأبي الطيب معه قصة ذكرها صاحب العمدة. ويرد هنا سؤال هو أنَّ العلم إذا ثني سلب التعيين فجازت تحليته بال. وهذه التثنيات المذكورات في أعلام البقاع ليست على وجهها: فإنها في اللفظ تثنية وفي المعنى إفراد إلا على حال واعتبار. والظاهر أنَّ الوجه الذي به تسوغ التثنية وقد مر شرحه يسوغ به إدخال الألف واللام وبذلك الوجه كان اللفظ مثنى لفظا ومعنى. ويدل لهذا قول السابق المكتين. على أنا لو سلمنا أنه تثنية في اللفظ خاصة دون المعنى منعنا دخول الألف واللام إذ التثنية الملزومة كما تزاد في المفرد العلم نحو:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً ... شديداً بأعباء الخلافة كاهله
و السلجم نبت بوزن جعفر. والسلجم أيضاً: الطويل من الخيل أو الرجال.
والسلجم أيضاً: البئر العادية الكثيرة الماء.

وهذا المثل لم اقف له بعد على تفسير وكأنه شطر رجز. والظاهر أنَّ المراد بالسلجم فيه النبت أو البئر وإنّه استباقاً لسؤال ذلك وطلبه في هذا المكان الذي هو رامة لعدمه فيه. فيكون على معنى المثل الآتي: تسألني أبا الوليد جملا يمشي رويدا ويكون أولا في طلب ما لا يكون. ومثله قول العامة:

في دار البقر تصيب التبن.
أسأل من قرثع.
السؤال تقدم؛ وقرثع بثاء مثلثة على مثل جعفر رجل من تغلب ثم من أوس كان من أشد الناس سؤالا فضرب به المثل.
سبني واصدق.
السب: الشتم. والسب أيضاً: الطعن في السبة أي الاست. قال:
وما كان ذنب بني مالكٍ ... بأن سب منهم غلامٌ فسبَّ
أي شتم فعقر. وتساب الرجلان: تشاتما أو تقاطعا. والسبة بالضم: العار ومن يسبه الناس كثيرا؛ والسببة كهمزة من يسبهم؛ والسب بالكسر الكثرة وسبك من يسابك. قال حسان:
لا تسبنني فلست بسبي ... أنَّ سبي من الرجال الكريم
و الصدق ضد الكذب. والمعنى أنك إذا ساببتني وجانبت الكذب فلا أبالي.
سبَّ من سبكَ يا هبَّارُ!
يتمثل به كثيرا وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكان هبار بن الأسود تبع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجت من مكة مهاجرة فروعها وأسقطت ذا بطنها في قصة مشهورة في السير. ثم أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم فكان المسلمون يسبونه بما فعل حتى شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: سبَّ من سبك يا هبار! فكف الناس عن سبه بعد.
سبق السيف العذل!
السبق معروف والسيف كذلك والعذل بالذال المعجمة: الملامة؛ والعذل بالتحريك الاسم منه. وهذا المثل يضرب في الأمر يفوت ولا يطمع في تداركه وتلافيه.
وأصله أنَّ الحارث بن ظالم ضرب رجلا بسيفه فقتله فأخبر بعذره فقال: سبق السيف العذل! وقيل إنَّ أصله إنَّ سعداً وسعيداً، أبني ضبة بن أد خرجا في طلب لهما، فرجع سعد وفقد سعيد. وكان ضبة إذا رأى شخصا مقبلا قال: أسعد أم سعيد؟ ثم إنّه في بعض مسائره أتى مكانا ومعه الحارث بن كعب في شهر الحرام، فقال: قتلت هنا فتى صفته كيت وكيت، وأخذت منه هذا السيف. فتناوله ضبة فعرفه فقال: إنَّ الحديث ذو شجون، ثم ضربه فقتله، فعذل فقال: سبق السيف العذل! وقال جرير:
يكلفني رد الغراب بعد ما ... سبقن كسبق السيف ما قال عاذله
و ذكر البكري أبو عبيد إنَّ أوّل من قال: سبق السبق العذل، خريم بن نوفل الهمداني، وذلك أنَّ النعمان بن ثواب العبدي كان له بنون: سعد وسعيد وساعدة. فأما سعد فكان رجلا شجاعا بطلا؛ وأما سعيد فكان جوادا سمحا ذا إخوان وصنائع؛ وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندمان. وكان أبوهم النعمان ذا شرف. وكان يوصيهم ويحملهم على أدبه. فقال لسعد، وكان صاحب حرب: إنَّ الصارم ينبو، والجواد يكبو، والأثر يعفو، والحليم يهفو. فإذا شهدت حربا فرأيت نارها تستعر، وبحرها يزخر، وبطلها يخط، وضعيفها يبصر فإياك أنَّ تكون صدي رماحها ونطيح نطاحها! وأعلم عند ذلك انهم ينصرون! ثم قال لسعيد، وكان جواداً: يا بني إنّه يبخل الجواد، ويصلد الزناد، ويحمد الثماد، وتحمل البلاد. فلا تدع إنَّ تجرب إخوانك وتبلوا أخدانك! ثم قال لساعدة: يا بني، إنَّ كثرة الشراب يفسد القلب ويقل الكسب، ويحدث اللغب. فأنظر نديمك واحم حريمك، وأعن غريمك. واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح. وعليك بالقصد، فإنَّ فيه بلاغا!

ثم إنَّ النعمان توفي، فقال سعيد: آخذن بأدب أبي ولابلون أوثق أخوتي في نفسي! وعمد إلى كبش فذبحه، ثم أضجعه في قبته وغشاه ثوبا. ثم دعا رجلا كان أوثق إخوانه في نفسه فقال: يا أبا فلان، إنّما أخوك من صديقك بعهده أحاطك برفده، وأقام معك بجهده، وسواك بولده. قال: صدقت! قال: فأني قتلت فلانا فما عندك؟ قال: فالسوأة السوأى وقعت فيها وانغمست. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني عليه حتى أغيبه. قال: لست لك في ذلك بصاحب! فتركه وانطلق. ثم دعا سعيد رجلا آخر من إخوانه يقال له خريم بن نوفل فقال: يا خريم، ما عندك؟قال: ما يسرك. قال: فإني قتلت قلانا. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني حتى أغيبه. قال: لهان ما فزعت فيه إلى أخيك! ثم قال، وعبد لسعيد معهما: هل أطلع على هذا عبدك هذا؟ فقال: لا. فأهوى خريم بالسيف إلى العبد فقتله وقال: ليس عبد بأخ لك! ففزع لذلك سعيد وقال: ما صنعت إنما أردت تجربتك. فقال خريم: سبق السيف العذل! انتهى.
وقال الطغرائي:
إنَّ كان ينجع شيء في ثباتهم ... على العهود فسبق السيف للعذل

سبقك بها عكاشة.
يتمثل بها كثيرا، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. لمّا ذكر الدين يدخلون الجنة بغير حساب، قام إليه عكاشة بن محصن، رضي الله عنه، فقال: أمنهم أنا، يا رسول الله، أو أدع الله أنَّ يجعلني منهم؟ فقال: نعم! فقام رجل آخر فقال مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك عكاشة. والحديث مشهور معروف ما فيه من المعنى.
سحابة صيفٍ عن قليلٍ تقشع.
سد أبن بيضٍ الطريق.
السد ضد الفتح معروف، وإنَّ أبن بيض بكسر الباء، وقيل بالفتح رجل من عاد تاجر عقر ناقته على ثنية فسد بها الطريق ومنع الناس من سلوكها. ويقال إنَّ أبن بيض لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: لا تقارب لقمان في أرضه! فإذا مت فسر بأهلك ومالك حتى إذا كنت في ثنية كذا فاقطعها بأهلك واترك فيها للقمان حقه، فإنَّ له عندنا في كل عام حلة وجارية وراحلة. فإنَّ هو قبلة فهو حقه عرفناه له لا جارته وخفارته؛ وإنَّ هو لم يقبل وبغى، أخذه الله تعالى ببغيه. فلما مات، فعل الفتى ما أمره به. فأتى لقمان الثنية وأخذ ذلك وقال: سد أبن بيض الطريق! وقال عمر بن الابرد في ذلك:
سددنا كما سد أبن بيض سبيلها ... فلم يجدوا عند الثنية مطلعا
سداد في كفافٍ، أفضل من غنى مع إسرافٍ.
هذا مصنوع فيما أظن، وهو ظاهر المعنى. وتقدم ضبط السداد.
يسدي ويلحم.
السداد من الثوب معروف. واسديت الثوب وسديته. واللحمة بضم اللام من الثوب: ما سوى السدا. وألحمت الثوب: نسجته. ثم جعل مثلا في الاشتغال بالشيء وإتمامه، كما قالوا في المثل الآخر: ألحم ما أسديت! أي تمم ما ابتدأت وقال أبو تمام في الأول: وقلت أنا من قصيدة تقدم إنشادها:
يسدي ويلحم في مزاولهٍ ... ما ليس يدركه مدى العمر
السراح، من النجاح.
السراح بالفتح اسم من التسريح وهو التطليق سرحت المرأة تسريحا والنجاح معروف. والمعنى انك إذا لم تقدر على قضاء حاجة إنسان فأيسته بمرة، كان ذلك بمنزلة ما لو قضيت مطلوبه.
سرك أسيرك، فإنَّ نطقت به كنت أسيره،
هذا من الأمثال الحكيمة في حفظ السر.
ومثله ما روي أنَّ معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عقبة حديثا فقال الوليد لأبيه: يا أبت إنَّ أمير المؤمنين أسر إلى حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسط إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به فإنَّ من كتم سره كان الخيار له ومن أفشاه كان الخيار عليه! قال: قلت: يا أبت وإن هذا لديك بين الجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني! ولكن أحب أن لا تلل لسانك بأحاديث. قال: فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد أعتقك أخي من رق الخطأ!.
وحكى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال: اجتمع أربعة ملوك: ملك الهند والصين وكسرى وقيصر فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل. وقال الآخر: إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم ملكتها ولم تملكني. وقال الثالث: عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر على رد ما قلت.
وسيأتي إتمام هذا المعنى في الحكم بأشبع من هذا إن شاء الله تعالى.
أسرع من نكاح أم خارجة.

السرعة بالضم والسرع بفتحتين والسرع بوزن عنب ضد البطء. سرع الرجل بالضم فهو سريع؛ وأسرع أيضاً فهو مسرع. قيل: وأصل الرباعي التعدي بنفسه أي أسرع نفسه أو مشيه كما في الحديث: فليسرع المشي! لكنه يحذف لظهوره.
والنكاح بالكسر: الوطء والعقد أيضاً. يقال: نكحها ينكح بالفتح والكسر؛ ونكحت هي أيضاً فهي ناكح أي ذات زوج قال تعالى: حتى تنكح زوجا غيره. وقال الشاعر:
لصلصلة اللجام برأس طرفٍ ... أحب إلي من أن تنكحيني
و استنكحها بمعنى نكحها؛ وأنكحها: زوجها والاسم منه النكح بالكسر والضم وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها. يقول الخاطب: خطبٌ بكسر الخاء وضمها ويقول المخطوب: نكح بكسر النون أيضاً وضمها؛ وأم خارجة امرأة من بجيلة ولدت قبائل كثيرة من العرب واسمها عمرة بنت سعد وخارجة ابنها.
قال في الصحاح: ولا يعلم ممن هو ويقال هو خارجو بن بكر بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان. وكانت أم خارجة من الشهوة والشبق إلى الرجال في غاية. فكان يقال لها: خطبٌ فتقول: نكحٌ فقالوا: أسرع من نكاح إم خارجة.
ويحكى أنَّ السيد الحميري خرج يوما سكران، فلقي بنت فجاءة بن عمرو بن قطري الخارجية، وكانت حسناء. فأوقفها وانشد من شعره، فأعجب كل واحد منهما صاحبه ثم خطبها، فقالت: كيف يكون هذا ونحن على ظهر الطريق؟ قال: يكون كنكاح أم خارجة، قيل لها: خطب، قالت: نكح. فاستضحكت وقالت: ننظر في هذا، وعلى ذلك فمن أنت؟ فقال:
إنَّ تسأليني بقومي تسألي رجلاً ... في ذروة العز من أجواد ذي يمن
ثم الولاء الذي أرجو النجاة به ... من كبة النار للهادي أبي حسن
فقالت: لا شيء أعجب من هذا: يماني وتميمية، ورافضي وإباضية، فكيف يجتمعان؟ فقال: بحسن رأيك في تسخو نفسك، ولا يذكر أحدنا سلفا ولا مذهبا. قالت: أفليس التزويج إذا علم انكشف معه المستور؟ قال: إنّما أعرض عليك. قالت وما هي؟ قال: المتعة التي لا يعلم بها أحد. قالت: تلك أخت الزنى. قال: تلك أخت الزنى. قال: أعيذك بالله إنَّ تكفري بعد الإيمان! قالت: وكيف؟ قال لها: )فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة(. فقالت: استخير الله وأقلدك إذ كنت صاحب قياس وتفتيش. فانصرفت معه وبات معرسا بها. وبلغ أهلها من الخوارج أمرها، فتوعدوها بالقتل وقالوا: تزوجت بكافر. فجحدت وكانت تخلف إليه مرة وتواصله.
قلت: وأين هاتان المرأتان من أم حكيم الخارجية؟ وكانت اجمل نساء زمانها ومن أشجع الناس وأحسنهم بديهة. خطبها جماعة من أشراف الخوارج، فردتهم. وهي القائلة
ألا إنَّ وجها حسن الله خلقه ... لأجدر أنَّ تلقى به الحسن جامعا
وأكرم هذا الحرم عن أنَّ يناله ... تورك فحل همه أنَّ يجامعا
و كانت مع قطري بن الفجاءة في عسكر الأباضية. فكانت ترتجز في تلك الحروب وتقول:
أحمل رأساً قد سئمت حمله ... و قد مللت دهنه وغسله
ألا فتى يحمل عني ثقله؟
والخوارج يفدونها بالآباء والأمهات. وكان قطري يشبب بها وفي ذلك يقول في وقعة دولاب:
لعمرك إني في الحياة لزاهدٌ ... و في العيش ما لم ألق أم حكيمِ
من الخفرات البيض لم ير مثلها ... شفاء لذي بث ولا لسقيمِ
لعمرك إني يوم ألطم وجهها ... على نائبات الدهر جد لئيمِ
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير ذميمِ
غداة طفت علماء بكر بن وائل ... و عجنا صدور الخيل نحو تميمِ
فلم أر يوما كان أكثر مقطعاً ... يمج دماً من فائضٍ وكليمِ
وضاربةٍ خداً كربواً على فتى ... أغر نجيب الأمهات كريمِ
أصيب بدولاب ولم يك موطناً ... له أرض دولاب ودير حميمِ
فلو شهدتني يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفار كل حريمِ
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنات عدنٍ عنده ونعيمِ

سرعان ذا إهالة!
السرعة تقدمت. ويقال: سرعان ذا خروجا مثلثة السين أي سرع هذا خروجا. ويقال: لسرعان ما صنعت كذا! أي ما أسرع! والإهالة: الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به وهمزتها أصلية ورجل مستأهل: آخذ الإهالة أو آكل لها. قال:
لا بل كلبي يا أم واستأهلي ... إنَّ الذي أنفقت من ماله!

و أصل المثل أنَّ رجلا كانت له نعجة عجفاء يسيل رغامها من أنفها فقيل له: ما هذا؟ قال: ودكها يظن الرغام شحما. فقال السائل: سرعان ذا إهالة! ونصب إهالة أما على التمييز المحول من الفاعل أي: سرع إهالة هذه أو على الحال أي: سرع هذا الرغام حال كونه إهالة فيضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
وسمعت قديما من بعض الأشياخ أنَّ أصل هذا أنَّ أعرابية كان لها أبن أحمق فذهب فوجد نعجة عجفاء فاشتراها فقال لأمه: إني اشتريت نعجة سمينة. فلما أخرجها إلى أمه ورغامها يسيل من أنفها قال لها: انظري إلى إهالة ما علفتها! فقالت أمه: سرعان ذا إهالة.
أسرع من تلمض ورلٍ.
يقال: لمظ بالظاء المشالة وتلمظ إذا تتبع بقية الطعام في فيه بطرف لسانه أو أخرج لسانه فمسح به شفته؛ واللماظة بالضم: البقية التي يتلمظها. قال الشاعر يصف الدنيا: لماظة أيامٍ كأحلام نائمٍ والورل بفتحتين والراء المهملة حيوان كالضب جمعه أورال وورلان. وهو سريع التلمظ أي الأكل بطرف اللسان.

أسرع السحب في المسير الجهام.
هذا شطر بيت لأبي الطيب وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
أسرق من زبابة
ٍ
السرقة معروفة سرق الشيء بالفتح يسرقه سرقا بفتحتين وسرقة كنبقة.
والزباب بالزاي وباءين موجودتين والواحدة زبابة: فارة صماء عظيمة تسرق ويضرب بها المثل في السرقة وشبه بها الجاهل. قال الشاعر:
وقد رأيت معاشراً ... جمعوا لهم مالا وولدا
وهم زباب حائرٌ ... لا تسمع الآذان رعدا
أي لا تسم آذانهم رعدا لصممهم. وحذف الضمير من اللفظ أو استغنى عنه بالألف واللام على ما عرف في المذهبين. ويعني أنَّ من الناس من رزق أموالا وأولادا وهو ما هو في الجهل والحيرة والدناءة. وذلك من الدليل على أنَّ الله تعالى هو مستند الأرزاق لا العقول والحيل وإنّه تعالى لم يجعل الدنيا الدنية مقصورة على العقل الشريف ولا كفأاً له.
أسرى من جندبٍ.
السرى بوزن الهدى: سير الليل. يقال: سرى يسري سرى ومسرى وأسرى إذا مشى فيه؛ والجندب بضمتين ويجوز فتح الدال ضرب من الجراد الجمع جنادب. قال كعب رضي الله عنه:
وفال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركض الحصا قيلوا
أسرى من قنفذ
ٍ
السرى تقدم؛ والقنفذ بالذال المعجمة بوزن جندب معروف والأنثى قنفذة ويقال له الأنقذ وتقدم في حرف الباء وأنه يسري الليل ولا يكاد يظهر إلاّ فيه.
أسعدٌ أم سعيدٌ؟
هذا يقولنه مثلا في السؤال أي هذا الشيء مما يحب أم مما يكره؟ وأصل ذلك أنَّ سعداً وسعيداً أبني ضبة بن أد خرجا في طلب إبل لهما. فرجع سعد وفقد سعيد وتقدمت الحكاية في هذا الباب فصار سعيد يتشاءم به.
وقد روي عن عبد الله بن الحارث قال: بعثني أبي وبعث العباس ابنه الفضل رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يجعل لنا السقاية. فلما أتيناهما منصرفين قالا: ما وراءكما؟ أسع أم سعيد؟ قالا ووقع مثل ذلك لبيهس المعروف بنعامة إذ قتل أخوته. ذكر ذلك كله أبو عبيد القاسم بن أمثاله.
السعيد من وعظ بغيره.
هذا مثل في الأمر بحسن التدبير. وتمامه: والشقي من وعظ بنفسه. ويروى الأول حديثا والله اعلم. وفي معناه ما أنشد الجاحظ:
لا أعرفنك إنَّ أرسلت قافية ... تلقى المعاذير إنَّ لم تنفع العذر
إنَّ السعيد له في غيره عظة ... و في التجارب تحكيم ومعتبر
أسفد من ديكٍ.
يقال: سفد الذكر على الأنثى يسفد كضرب يضرب وسفد يسفد كعلم يعلم، سفاداً، إذا نزل عليها؛ والديك معروف، وهو كثير السفاد.
أسفد من هجرسٍ.
الهجرس بالكسر ولد الثعلب، وقيل هو الثعلب والقرد والدب، وقيل كل ما يعس بالليل مما دون الثعلب وفوق اليربوع.
وفي المثل أيضا: أغلم من هجرس، والغلمة: شهوة النكاح وسيأتي، وأزنى من هجرس وتقدم.
والهجرس أيضاً: أبن كليب بن ربيعة التغلبي، ذكر في حرب البسوس.
سفيه لم يجد مسافها.

السفه والسفاه والسفاهة بالفتح ضد الحلم أو الخفة أو الجهل، وسفهه تسفيها: نسبه إليه، وسافهه مسافهة: شاتمه وسابه، وسافه الشراب: أسرف فيه. والمثل عند الجوهري من المعنى الأول. وكذا أبو عبيد، ذكره في أمثال الملاحة والتشاتم قال البكري: وهذا المثل يروى عن الحسن بن علي إنّه قاله لفلان. وأنشد في نحو ذلك لحاجب بن زرارة:
أغركم إني بأحسن شيمة ... و فيق وإني بالفواحش أخرق
وانك قد فاحشتني فغلبتني ... هنيئا مريئا أنت بالفاحش أرفق
ومثلي إذا لم يجز أفضل سعيه ... تكلم نعماه بفيها فتنطق
سقط العشاء به على سرحانٍ.
السقوط معروف؛ والعشاء بفتح العين المهملة والمد طعام العشي كالعشى بالكسر جمعه أعشية؛ وعشوت الرجل وأغشيته وعشيته تعشية: أطعمته ذلك، وتعشى هوقال: الفرزدق:
تعش فأن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من، يا ذئب، يصطحبان
و هو عيشان؛ والعشى بالقصر سوء البصر بالليل والنهار، كالعشاوة أو العمى، عيشي بالكسر يعشى، وعشا يعشو، فهو عش، وأعشى، هي عشواء؛ والسرحان بالكسر: الذئب. قال امرؤ القيس:
له إبطا ظبي وساقا نعامة ... و إرخاء سرحان وتقريب تنفل
و هو بلغة هذيل الأسد، قال الشاعر يرثي ميتا:
هباط أودية حمال ألوية ... شهاد أندية سرحان فتيان
و هذا المثل يضرب للرجل يطلب حاجة فيقع في الهلكة.
واختلفوا في أصله فقيل دابة خرجت تلتمس العشاء، فوقعت على الأسد أو على الذئب فأكلها.
وقيل رجل خرج كذلك، فوقع عليه.
وقيل إنَّ سرحانا اسم رجل، وهو سرحان بن متعب اليربوعي. وكان فاتكاً، فحمى واديا فجاء عوف الأسدي فقال: لأرعين إبلي بهذا الوادي! فرعاها فأتاه سرحان فقتله، وقال هداة بن متعب، أخوه، لامرأة الأسدي يقال لها نصيحة:
أبلغ نصيحة أنَّ راعي إبلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على مقتمرٍ ... طلق اليدين معاود لطان
و على هذا كله، فالعشاء بالمد.
وقيل أنَّ أصله أنَّ رجلا أعشى البصر وقع ذئب فأكله. وعليه، فيكون العشى مقصورا.

اسق أخاك النمري يصطبح!
السقي معروف، يقال: سقيته وأسقيته، وسقيته تسقيه.
وقيل أسقيته: دللته على الماء، وأسقيت ماشيته أو أرضه: جعلت لها ماء.و سقاها الله غيثا: أنزله عليه، واستسقيته أنا: قلت له: سقاك الله أو سقيا! قال امرؤ القيس:
فأسقي به أختي ضعيفة إذ نأت ... و إذ بعد المزار غير القريض
أي أدعو لها بالسقيا.
أي ادعوا لها بالسقيا.
وقال ذو الرمة: فما زلت أسقي ربعها وأخاطبه وقلت أنا في هذا المادة:
سقى الله أطلالا بأكثبة الحمى ... من العارض الهتان صوب عهاد
بلاد بها حلت سليمى وأهلها ... فحل فؤادي عندها وودادي
وإني متى أسقيتها أو بكيتها ... هيما فما أسقيت غير فؤادي!
و يجوز أنَّ يقع أحدهما موقع الآخر كما قال لبيد:
سقى قومي بين مجد وأسقى ... نمير والقبائل من هلال
و النمري بفتح الميم نسبة إلى النمر بن قاسط بكسر الميم، وهو أبو قبيلة من جذيلة. وإنّما فتحت الميم في النسبة، كنظائوه، كراهية توالي ما هو في حكم الكسرات. وأصطبح الرجل: شرب الصبوح بالفتح، وهو ما يشرب صباحا؛ وأصبح أيضا: أوقد المصباح.
ولم أقف بعد على تفسير هذا المثل، وأظن أنَّ معناه إنّه لثقله إذا سقيته انتظر للصبوح فيكون كالمثل السابق: أجلسته عندي فاتكاً، والمثل الآتي: أطعم العبد الكراع، فيطمع في الذراع!
اسق رقاش إنّها سقاية!
السقي مر؛ ورقاش اسم أمرأة، ويقال ساقية وسقاءة بالتشديد فيهما وجاز في الياء القلب وعدمه، نظر إلى اعتبار زيادة هاء التأنيث وإلى لزومها في هذا البناء. ويضرب للمحسن أي: احسنوا إليه لكونه محسنا. قال الحماسي:
سكت ألفا، والنطق خلفا.
السكوت معروف؛ والألف عدد معروف؛ والنطق خلاف السكوت؛ والخلف نقيض القدام. والخلف أيضاً الرديء من الكلام ومنه المثل. ومعناه: سكت عن ألف كلمة صواب ثم نطق بخطأ. وهكذا فسروه.

وحكوا أنَّ أعرابيا جلس مع قوم، فحبق حبقة فتشور، فأشار بإبهامه إلى أسته وقال: إنّها خلف نطقت خلفا! وهذا صحيح في لفظ الخلف في المثل. وأما في لفظ الألف،فالذي يظهر منه لا. وادبيهة أنَّ المراد به ألف سنة أو نحو ذلك من الأزمان، ويكون المراد الأخبار عن إطالة السكوت، لا حقيقة الألف. وكأنه قيل: إنّه أطال السكوت ثم لمّا تكلم لم ينطق إلاّ بالرديء من الكلام. ومن هذا يحكى إنَّ شابا كان يجالس الأحنف وكان صموتا، فأعجب الأحنف ذلك منه. ثم خلت الحلقة يوما فقال له: يا أبن أخي، مالك لا تتكلم؟ فقال: يا عم، أ رأيت لو أنَّ رجلا سقط من شرفة هذا المسجد، أيضره شيء؟ فقال الأحنف: ليتنا تركناك، يا أبن أخي! ثم انشد متمثلا:
وكائن ترى من صامت معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... و لم يبق إلاّ صورة اللحم والدم!
و يحكى أيضاً إنَّ رجلا كان يكثر مجالسه أبي يوسف ويطيل الصمت. فقال له أبو يوسف يوما: إلاّ تسأل؟ فقال: بلى! متى يفطر الصائم؟ فقال: إذا غربت الشمس. قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وتمثل بقول أبي الخطفا:
عجبت لإزراء الغبي بنفسه ... و صمت الذي قد كان بالعلم اعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنّما ... صحيفة لب المرء إنَّ يتكلما
و من معنى هذا الشعر قول الآخر:
المرء يعجبني وما كلمته ... و يقال لي: هذا اللبيب اللهذم
فإذا قدحت زناده وسبرته ... في كف زاف كما يزف الدرهم
و قول الآخر:
ترى الناس أشباها إذا جلسوا معا ... وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم
وقال عدي بن الرقاع:
الناس أشباه وبين حلومهم ... بون كذلك تشابه الأشياء
و من معنى الحكايتين المذكورتين، من سؤال المغافلين، ما يحكى عن الإمام الماوردي، رحمه الله، قال: كنت بمجلس درسي بالبصرة، فدخل علي شيخ مسن قد ناهز الثمانين أو جاوزها، قال: قصدتك بمسألة اخترتك لها. فقلت: ما هي؟ وظننت إنّه يسأل عن حادثة نزلت به. فقال عن طالع إبليس وطالع آدم من النجوم ما هو؟ فإنَّ هذين لعظيم شأنهما، لا يسأل عنهما إلاّ علماء الدين. قال، فعجبت وعجب من في المجلس من سؤاله. وبادر إليه قوم منهم بالإنكار والاستخفاف، فكففتهم وقلت: هذا لا يقنع مع ما ظهر من حاله، إلاّ بجواب مثله! فأقبلت عليه وقلت: يا هذا، إنَّ النجمين يزعمون إنَّ نجوم الناس لا تعرف إلاّ بمعرفة مواليدهم. فإنَّ ظفرنا بمن يعرف وقت ميلادهما أخبرك بالطالع. فقال: جزاك الله خيرا! وانصرف مسرورا. فلما كان بعد أيام عاد وقال: ما وجدت إلى وقتي هذا من يعرف مولدهما.
أسكت من سمكةٍ.
السمكة بفتحتين: واحدة السمك وهو الحوت.

أسلح من حبارى.
السلاح بالضم كغراب: النجو يقال: سلح الرجل وغيره يستلح كمنع يمنع. والحبارى: الطائر المعروف.
وذكروا إنَّ للحباري خزانة في دبرها فيها أبدا سلح رقيق فمتى ألحت عليها الجوارح سلحت عليها فينتف ريشها، وفي ذلك هلاكها. قالوا: فجعل سلحها سلاحا لها.
وقال الشاعر:
وهم تركوك أسلح من حباري ... رأت صقرا وأشرد من نعام
أسلح من دجاجٍ.
الدجاج مثلث الدال المهملة معروف، واحدة دجاجة. ويقال: أسلح من الحباري حال الخوف، وأسلح من دجاج حال الأمن.
السلطان كالنار.
هذا من الأمثال الحكيمة، وتمامه: إنَّ باعدتها بطل نفعها، وإنَّ قاربتها عظم ضررها، وسيأتي في الحكم، إن شاء الله تعالى، استيفاء هذا المعنى.
أسمع من حيةٍ.
السمع حس الأذن، يقال: سمعه بالكسر يسمعه سمعا وسماعا وسماعة وسماعية، وتسمع وأستمع، ورجل سميع: سامع أو مسمع. قال عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع؟
حية. وهي موصوفة بالسماع القوي.
اسمع من دلدلٍ.
الدلدل بالدالين مهملتين، على مثال جندب: القنفذ، أو أعظم القنافذ. والدلدل أيضاً: الاضطراب. أنشد في الصحاح، لأبي معدان الباهلي:
جاء الحزائم والزبائن دلدلاٍ ... لا سابقين ولا مع القطان
أي: لا إلى هؤلاء ولا الذي هؤلاء.
أسمع من سمعٍ.

ويقال: اسمع من السمع الأزل، والسمع بكسر فسكون: ولد الذئب من الضبع وهو سبع مركب من هذين، فاستفاد قوة الضبع وجرأة الذئب. ويوصف بقوة السمع. قال الأعراب:
تراه حديد الطرف أبلج واضحا ... أغر طويل البياع أسمع من سمع
و يوصف أيضاً بالسرعة. يقال إنّه في عدوه أسرع من الطير، ووثبته تزيد على ثلاثين ذراعا.
وفي بعض المجامع إنَّ ربيعة بن أبي مراد قال: أخبرني خالي قال: لمّا أظهر الله علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشعبنا في كل شعب، لا يلوي حميم على حميم. فبينما أنا في بعض الشعاب قد رأيت ثعلبا قد تحوى عليه أرقم، والثعلب يعدو عدواً شديدا فانحنيت عليه بحجر فما أخطأه. فانتهيت إليه فإذا الثعلب سبقني بنفسه، وإذا الأرقم تقطع وهو يضرب. فقمت أنظر اليه، فهتف بي هاتف ما سمعت أفصح من صوته يقول: تعسا لك وبؤسا! قد قتلت رمسا ووترت تيسا! ثم قال: يا دامر، يا دامر! فأجابه مجيب من العدوة الأخرى: لبيك لبيك بادر إلى بني الغدافر، فاخبرهم بما صنع الكافر! فناديت: إني لم أشعر، وأنا عائد بك فأجرني! فقال: كلا، والحرم الأمين، لا أجير من قاتل المسلمين، وعبد عبر رب عالمين! قال.فناديت: إني مسلم! فقال: إنَّ أسلمت سقط عنك القصاص، وفزت بالخلاص، وإلاّ فلات حين مناص! قال. فقلت إنَّ لا اله إلاّ الله، وأشهد إنَّ محمّد رسول الله. قال. فقال: نجوت وهديت، ولولا ذلك لرديت. فأرجع من حيث جئت! قال: فرجعت أقفو أدراجي، فإذا هو يقول: امتط السمع الأزل، فقد بدا إليك هنالك أبو عامر يتبع بك ألفان. قال. فالتفت فإذا سمع كالأسد، فركبه فمر ينسل حتى أتى إلى تل عظيم فاسندني إلى تل فأشرفت منه خيل المسلمين، فنزلت عنه وصوب من الحدور نحوهم. فلما دنوت منهم خرج إلي فارس فقال: ألق سلاحك، لا أم لك! فألقيت سلاحي فقال: ما أنت؟ قلت مسلم: فقال سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته! فقلت: وعليك السلام والرحمة والبركة، من أبو عامر؟ قال: أنا هو. قلت: الحمد لله! قال: لا بأس عليك! هؤلاء إخوانك من المسلمين. ثم قال: إني رأيت بأعلى التل فارسا، فأين فرسك؟ قال: فقصصت عليه القصة، فأعجبه ما سمع مني، وسرت مع القوم أقفو آثار هوزان حتى بلغوا من الله ما أرادوا.
أسمع من فرخ عقابٍ.
الفرخ ولد الطائر والأنثى فرخة والجمع أفرخ وأفراخ. قال الحطيئة:
ماذا أقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حرم الحواصل لا ماء ولا شجر؟
يعني أولاده، والعقاب: الطائر المعروف، وتقدم الكلام عليها في حرف الباء.
أسمع من قرادٍ.
القراد كالغراب معروف جمعه قردان، وقردت البعير تقريداً: أزلت عنه القراد والتقريد أيضاً: الجذاع وأصله في البعير إذا أراد أنَّ يأخذه وهو صعب قردة أوّلاً ليرتاح إليه فيأخذه.
قال الشاعر: وهم يمنعون جارهم أنَّ يقردا وقال الحطيئة:
لعمرك ما قراد بني كليب ... إذا نزع القراد بمستطاع
و يزعمون إنَّ القراد يسمع وطء أخفاف الإبل، من مسيرة يوم، فيتحرك لها ويزعمون أيضاً انهم ربما رحلوا عن ديارهم بالبادية وتركوها خالية، والقردان منتشرة في أعطان الإبل، ثم لا يخلفهم فيها ولا يعودون إلى تلك الديار إلاّ بعد عشر سنين وعشرين سنة فيجدون القردان حية وقد أحست بروائح الإبل قبل إنَّ توافيها فتتحرك لها. ومن ثم قالوا: اعمر من قراد، أيضاً.

اسمع جعجعة ولا أرى طحنا.
الجعجعة صوت الرحى، وتطلق أيضاً بمعنى الحبس والتضييق، كما في كتاب أبن زياد: جعجع بالحسين رضي الله عنه! والطحن معروف، وتقول طحنت البر بالفتح إذا صيرته دقيقا والطحن بالكسر الدقيق نفسه، ومنه المثل. والمعنى: اسمع صوت الرحى ولا أرى دقيقا. يضرب في سماع جلبة لا يعقبها نفع، وفي الجبان يوعد ولا يوقع، والبخيل يعد ولا يفي.
تسمع بالمعيدي خير من إنَّ تراه.
المعيدي تصغير المعدي مشدد بالدال، ثم خففت عند التصغير كراهية اجتماع السكانين. قال النابغة:
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب

و هذا على ما وقع في الصحاح وغيره من المعيدي في هذا المثل إلى معد بالتشديد وقيل: المعيدي نسبة إلى معدٍ بسكون العين وتخفيف الدال، وهي قبيلة. وتصغيرها معيد. والمعيدي المذكور رجل من هذه القبيلة كان فاتكا يغير على مال النعمان بن المنذر، فيأخذه ولا يقدرون. فأعجب به النعمان لشجاعته وإقدامه فأمنه. فلما حضر بين يديه ورآه، استزرى مرآته، لأنه كان دميم الخلقة، فقال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه! فقال: أبيت اللعن، إنَّ الرجال بجزر، وإنّما يعيش المرء بأصغريه: قلبه ولسانه! فأعجب النعمان كلامه وعفا عنه، وجعل من خواصه إلى أنَّ مات.
وقوله: تسمع، مضارع ينسبك مع أنَّ مقدرة بالمصدر. وربما أظهرت فقيل: أنَّ تسمع بالمعيدي. وهذا المصدر مبتدأ مخبر عنه بما بعده.
والمعنى :إنَّ سماعك بالمعيدي خير من رؤيتك إياه. ويضرب للرجل يكون له صيت وذكر حسن، فإذا رأيته اقتحمته عينك، وكان عند خبره دون خبره. وقيل: معناه أسمع به ولا تره، على الأمر.
وذكر أبو عبيد أنَّ هذا المثل أول ما قيل لجشم بن عمرو بن النهدي المعروف بالصقعب النهدي، قال فيه النعمان بن المنذر. قال: وهذا على من قال إنَّ قضاعة من معد، لأن نهداً من قضاعة. والقصعب المذكور هو الذي ضرب به المثل فقيل: أقتل من صيحة الصقعب. زعموا إنّه صاح في بطن أمه، وإنّه صاح بقوم فهلكوا عن أخرهم.
وقيل:المثل للنعمان بن ماء السماء، قاله لشقة بن جمرة التميمي، وذلك إنّه سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه، فقال أن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه! فقال شقة، أيّها الملك، إنَّ الرجل لا تكال بالقفزان ولا توزن بالميزان، ولست بمسوك يسقى فيها الماء، وإنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إنَّ قال قال، ببيان وإنَّ صال صال، بجنان! فاعجب المنذر لمّا سمع منه وقال: أنت ضمرة بن ضمرة! وذكر شمس الدين بن خلكان أنَّ أبا محمّد القاسم بن علي الحريري، رحمه الله، جاءه إنسان يزوره ويأخذ عنه شيئاً، وكان الحريري دميم الخلقة جدا. فلما رآه الرجل استزرى خلقته ففهم الحريري ذلك. فلما طلب الرجل إنَّ يملي عليه قال له: اكتب:
ما أنت أوّل سار غرة قمر ... و رائد أعجبته خضرة الدمن
فأختر لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيدي فأسمع بي ولا تراني!
انتهى.
ويزاد في هذه القصة أنَّ الرجل قال:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن قاسم بن علي أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري!
و ربما جعل في هذا الشعر، مكان القاسم بن علي، أحمد بن علي، وإنّه قيل في أحمد بن علي، أحد الفقهاء، وإنَّ قائله لقي الزمخشري فأنشده إياه. فذكر له الزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال: ما بلغني عن رجل ثم لقيته إلاّ وجدته دون ما بلغني عنه، إلاّ ما كان من زيد الخيل، فأني وجدته فوق ما قيل عنه، أو كلاما هذا معناه كال عهدي به.
وحدثني الرئيس الأجل أبو عبد الله محمّد الحاج بن محمّد بن أبي بكر أنَّ رجلا كان يحضر مجلس والده ويطيل الصمت لا يتكلم ولا يعرفه أحد. ومكث ذلك مدة، ثم كتب رقعة بخط رفيع فائق وذهب. فأخذوا الرقعة فإذا فيها مكتوب:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن مجدكم وثناكم أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري

أستسمن ذا ورم.
تقول: استسمنت الشيء إذا عددته سمينا؛ والورم نتوء وانتفاخ في الجسد يقال، ورم الجسد بالكسر ورما، تورم واستسمن ذي ورم هو إنَّ يرى الحجم الناتئ من علة فيحسب ذلك سمنا وشحما.
والمثل مشهور عند المتأخرين يضربونه عند خطأ الرأي في أستجادة القبيح واستحسان الخبيث واستصواب الخطأ لأمارة وهمية كاذبة: قال أبو الطيب:
أعيذها نظرات منك صادقة ... أنَّ تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
و في المقامات الحريرية: قد استسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم.
سمن كلبك يجوع أهله.
الكمن ضد الهزل يمن كفرح سمنا وسمانة فهو سامن وسمين وسمنته تسمينا؛ والكلب كل سبع عقور إلا إنّه غلب على النابح المعروف؛ والجوع معروف.

يضرب هذا المثل في الرجل يأكل مال غيره فيسمن وينعم. وأصله أنَّ الكلب إذا وقع الموتان والهلاك سمن هو بالك الجيف وأهله جياع.
وقيل إنَّ رجلا سئل رهنا فرهن أهله ثم تمكن من أموال من رهنهم فاستاقها وترك أهله. وحكى أبو علي البغدادي أنَّ رجلا من أهل الشام كان مع الحجاج يحضر طعامه فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك. فكتبت إليه:
أتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي ... و أنت على باب الأمير بطينُ!
إذا غبت لم تذكر صديقاً وإن تقدم ... فأنت على ما في يديك ضنينُ
فأنت ككلب السوء جوع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمينُ

سمنكم في أديمكم.
السمن بفتح فسكون معروف؛و الأديم هنا فسره بعضهم بالزق وأنكر ذلك آخرون وقالوا: الأديم هنا الطعام المأدوم فعيل بمعنى مفعول فيقال أديم ومأدوم كما يقال قتيل ومقتول. وعلى كل حال فمعناه أنَّ خيرهم موقوف عليهم وفضلهم راجع إليهم فيضرب للبخيل ومن لا يتعداه خيره ومن ينفق على نفسه دون غيره. وقد يقال: سمنكم هريق في أيديكم وهو معناه.
سمن كلبك يأكلك!
التسمين معروف تقدم؛ والكلب مر أيضاً.
وهذا مثل قديم مشهور. وقد تمثل به غب بن أبي ركن المنافقين في غزوة بني المصطلق حيث اختصم المهاجرين والأنصار فقال أبن أبي: ما نحن وهؤلاء يعني المهاجرين إلاّ كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك! وفيها قال: لا تنفقوا على أصحاب محمد! وقال: لئن رجعنا إلى المدينة لتخرجن الأعز منها الأذل كما ذكر الله جل اسمه في سورة المنافقين.
ولفظ المثل إما أن يكون على معنى الإخبار كأنه قيل: إن سمنت كلبك أكلك كما في الآخر: اسق أخاك النمري يصطبح! أي إن سقيته اصطبح وقد تقدم وأما أن يكون إنشاء على ظاهره كأنه قيل: سمن كلبك ليأكلك! كما يقال: اضرب عبدك يستقم! أي ليستقيم على معنى قولهم: لدوا للموت وابنوا للخراب! وهو أيضاً راجع إلى الخبر بهذا الاعتبار وفي معنى المثل قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل حينٍ ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافيةً هجاني!
ثم رأيت في عماد البلاغة أنَّ الكلب المضروب به المثل لرجل من طسم وذلك إنّه ارتبط كلبا وجعل يشبعه اللبن رجاء أن يصطاد به ثم أبطأ عليه طعامه فوثب على مولاه فافترسه فصار مثلا في كفران النعمة ومجازاة المحين بالإساءة وفيه قيل: سمن كلبك يأكلك! وقال مالك بن أسماء:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... و لو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلبُ!
استنت الفصال حتى القرعى!
يقال: استن الفرس وغيره إذا قمص وهو أن يرفع يديه ويضعها معا ويعجن برجليه؛ والفصل جمع فصيل من الإبل معروف؛ والقرعى جمع أقرع والقرع داء يصيب الفصلان في أعناقها وتقدم تفسيره في حرف الحاء تقول: منه قرع الفصيل بالكسر قرعا فهو أقرع والأنثى قرعاء ودواؤه أن ينضح الفصيل بالماء ويجر في أرض سبخة أو مرشوشة بملح فتقول: قرعت الفصيل تقريعا إذا فعلت به ذلك فهو مقروع قال أوس بن حجر:
لدى كل أخدود يغادرن دارعا ... يجركما جر الفصيل المقروعُ
و القرعى لا يمكنها الاستنان فيضرب هذا المثل في الضعيف يباري القوي وعند تمدح الرجل بالشيء ليس من أهله. وقد قيل إنَّ استنت هنا معناه سمنت من قولهم: سن الراعي إبله إذا أحسن رعيها وأسمنها وكأنه صقلها بذلك وزينها. قال النابغة:
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب
و هو على مضربه أيضاً بأن يراعى في الكلام نوع تهكم وسخرية.
سواءٌ عليك هو والقفرُ.
يضرب للبخيل الذي لا خير عنده إذا نعت بمعنى إنّه بمنزلة القفار الممحلة. قال ذو الروه:
تخط إلى القفر امرأ القيس إنّه ... سواءٌ على الضيف امرؤ القيس والقفر!
يحب امرؤ القيس القرى أن يناله ... و يأبى مقاريها إذا طلع النسرُ
النسر: أول الليل يطلع عند شدة البرد وكلب الزمان.
سوء الاستمساك خيرٌ من حسن الصرعة.
يقال: ساءه يسوءه إذا فعل به ما يكدره ولاسم منه السوء بالضم ويقال: استمسك يه ومسك وامسك وتمسك احتبس وأتصم به والصرع: الطرح في الأرض؛ صرعه صرعا وصرعة. والصرعة بالكسر: النوع من ذلك ومنه المثل. ويروى فيه بالفتح على معنى المرة.

وهذا المثل يضرب على في المداراة والتودد. قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وقال: معناه لأن يزل الإنسان وهو عامل بوجه العمل وطريق الإحسان والصواب خير من أن تأتيه الإصابة وهو عامل بالإساءة والخرق. وهذا التفسير لا يعطيه المثل ولا يدل عليه ولا يتم وضربه المذكور به وإنّما معناه كما قال غيره: لأن يستمسك ولا يصرع وإن كان سيء الاستمساك خير من أن يصرع ولو صرعة حسنة لا تضره. وهو واضح ومضربه أيضاً على هذا النحو ظاهر.

سوء الاكتساب يمنع الانتساب.
هذا ظاهر.
أساء سمعاً فأساء جابةً.
الإساءة ضد الإحسان؛ والسمع تقدم؛ والجابة اسم من الإجابة يقال: أجابه إجابة والاسم الجابة كالطاعة والطاقة بمعنى الإطاعة والإطاقة. قال الشاعر:
وما من تهتفين به لنصرٍ ... بأقرب جابة لك من هديلِ
يضرب في سوء المسألة والإجابة في المنطق والإجابة على غير فهم. ونظمه أبو العتاهية فقال:
إذا ما لم يكن لك حسن فهمٍ ... أسأت إجابة فأسأت سمعا
ولست الدهر متسعاً لحل ... إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا
أساف حتى ما يشتكي السواف.
يقال: ساف المال يسوف إذا هلك؛ والسواف كسحاب موتانٌ في الإبل وقيل بالضم أو هو بالفتح في الناس والمال وبالضم مرض في الإبل ويجوز فتحه؛ وأساف الرجل: هلك ماله. قال:
فأبل واسترخى به الخطب بعدما ... أساف ولولا سعينا لم يؤبل
غيره: أساف من المال التلاد وأعدما ويضرب فيمن تعود الحوادث.
سال قضيبٌ حديداً.
قضيب اسم واد باليمن وقد تقدم هذا وقصته هذا وقصته في حرف الهمزة.
ومما يلحق بهذا الباب قولهم في الدعاء:
سلط الله عليه الورى وحمى خيبرا!
والورى بالتحريك اسم من قولك: ورى القيح جوفه يريه إذا أكله؛ وقولهم:
سله من كذا سل الشعرة من العجين.
يحكى أنه لمّا هم حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يهجو أهل مكة قال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف وأنا منهم؟ أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال حسان: لأسلنك سل الشعرة من العجين! وأتي بعض الملوك في الصدر الأول برجل وضاع يضع الحديث كذبا فقال اضربوا عنقه! فذهبوا به ليقتلوه. فلما خرجوا قال لهم: أنظروني حتى أجرد كلامي وأسقطه من دواوين الحديث لئلا يلبس على الناس! فرجعوا إلى الملك وشاوروه فقال لهم: اقتلوه! فإنَّ هنا رجالا يسلون كلامه سل الشعرة من العجين. وقولك مثلا:
أسلط من ذئبٍ متنمرٍ.
وقولهم:
السؤدد مع السواد.
أي إنّما يحصل زمان الفتوة وسواد الشعر. ونحوه قول الحماسي:
إذا المرء أعيته السيادة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه عسيرُ
و قولك مثلا:
أسير من المثلِ.
ونحو ذلك.
ومن أمثال العمامة قولهم:
اسأل السائل عن طيب اللبن!
يضربون في مخالط الشيء المعنى له إنّه اعرف به. وقولهم:
سخر البخيل يدبر عليك!
وأما الشعر فقالوا: تحسبها حمقاء وهي باخس وتقدم في الحاء. وقال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
و تقدم تفسير أبن اللبون والبازل والقرن بفتحتين: الحبل يجمع فيه البعيران. ومنه قول جرير:
وأبلغ خليفتنا إنَّ كنت لاقيه إني لدى الباب كالمشدود في قرن!
و لززت البعير وغيره لزا ولزازاً، وألأززته: شددته وألصقته؛ والقناعيس جمع قنعاس بالكسر وهو العظيم من الإبل.
وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
و قبله:
لمّا بدا لي منكم عيب أنفسكم ... و لم يكن لجراحي منكم آس
أزمعت يأسا مريحا من نوالكم ... و لن ترى طاردا للحر كالياس
جارا لقوم أطالوا هون منزله ... و غادروه مقيما بين أرماس
ملوا قراه وهرته كلابهم ... و جرحوه بأنياب وأضراس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... و أقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير . . " البيت "
وخاطب بهذا الشعر الزبرقان، وعليه سجنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. وقال زيد الخيل:
أقاتل حتى لا أرى مقاتلا ... و أنجو إذا لم ينج إلاّ المكيس
يروى مقاتلا بكسر التاء، وبفتحها على معنى موضع القتال.
وقال أوس بن حجر:

وليس فرار اليوم عاراً على الفتى ... إذا عرفت منه شجاعة بالأمس
و مثلهما قول عمرو بن معدي كرب:
ولقد اجمع رجلي بها ... حذر الموت وإني لفرور
ولقد أعطفها كارهة ... حين للقوم من الموت هرير
آخر:
رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
المأتم بالتاء المثناة من فوق، على وزن مقعد كل مجتمع في حزن أو فرح، وقيل خاس بالنساء، وقيل بالشواب. وأطلق هنا على مجتمع الحزن. وأما المأثم بالثاء المثلثة فهو مفعل ما لا يحل كالاثم؛ والعرس بضمتين: طعام الوليمة. قال الراجز:
أنا وجدنا عرس الحناط ... لئيمة مذمومة الحواط
و يخفف. والعرس بالفتح: الإقامة في الفرح، والعمود في وسط الفسطاط؛ والعرس بفتحتين الدهش؛ والعرس بالكسر: زوج الرجل؛ ولبؤة الأسد، وزوج المرأة أيضاً. وأما العروس فوصف يقع على الذكر والأنثى، ما داما في أعراسهما. والمعنى أنَّ حزن الدهر قريب من فرحه، كما أنَّ فرحه قريب من حزنه، وكذا الصحة والعافية والضيق والسعة ونحو ذلك.
وقال الآخر:
إنَّ كنت لا ترجى ولا تتقى ... فأنت كالميت في رمسه
و نظمها أبن شرف فقال:
إنَّ لم تضر ولم تنفع فكن حجرا ... أو ميتا عن أمور العيش مشغولا
وقال صالح بن عبد القدوس:
وإنَّ من أدنته في الصبا ... كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه ناضرا مونقا ... بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في الثرى رمسه
و نظم هذا الأخير أبن شرف فقال:
ومن يعش وهو مطبوع على خلقٍ ... لاقى به التراب مضموما ومنقولا
وقال الآخر:
من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... و زارع الشر منكوس على الرأس
وقال الآخر:
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه ... و أحسن الصدق عند الله والناس
وقال العباس بن الأحنف:
وما مر يوم أرتجي فيه راحه ... فأخبره إلاّ بكيت على أمس
و لمحمود:
أخو البشر محمود على كل حالةٍ ... و لن يعدم البغضاء من كان عابسا
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ... و لم أر مثل الجود للعرض حارسا
غيره:
يا حبذا الوحدة من أنيس ... إذا خشيت من أذى الجليس!
غيره:
لا تترك الحزم في أمر تحاذره ... فإنَّ أصبت فما الحزم من باس!
العجز ضعف وما بالحزم من ضرر ... و أزم الحزم سوء الظن بالناس
غيره:
وما نكد الدنيا على طيب ظلها ... و قرب حماها العذب شيء سوى الإنس؟
غيره:
يا راكب الفرس السامي يحكى لونه القبس
لا أنت تبقى على سيف ولا فرس ... و ليس يبقى عليك السيف والفرس!
غيره:
أقول له حين ودعته ... و كل بعبرته ملبس:
لئن رجعت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس!
و للخنساء:
ترى الأمور سواء وهي مقبلة ... و في عواقبها تبيان ما التبسا
ترى الجليس يقول القول تحبسه ... نصحا وهيهات ما نصحا به التمسا
و يحكى أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه استنشدها فأنشدته هذا الشعر، فقال لها: أنت أشعر كل ذات هنٍ! فقالت: وكل ذي خصيين! قيل: وكان بشار يقول: ما قالت امرأة شعرا إلاّ ظهر عليه الضعف. فقيل له: حتى الخنساء؟ فقال: لا! تلك لها أربع خصى! غيره:
تعب يدوم لذي الرجاء مع الهوى ... خير له من راحة في اليأس
و هذا خلاف ما طلب امرؤ القيس في قوله:
أ ماوي هل لي عندكم من معرس ... أم الصرم تختارين بالوصل نيأس؟
أبيني لنا، إنَّ الصريمة راحة ... من الشك ذي المخلوجة المتلبس
لكن طلب البيان من طول الضجر، ولا يقضي أن يكون التأييس خيرا من لا ترجيه.
غيره:
ثنيت عزمي عن الدنيا وساكنها ... فأسعد الناس من لا يعرف الناسا
غيره:
جفوت أناسا كنت آمل قربهم ... و ما بالجفا عند الضرورة من باس
غيره:
حفظ اللسان سلامة للرأس ... و الصمت عز في جميع الناس
غيره:
رأيتك لا تهوين لا دراهمي ... عليك سلام الله قد ينفذ الكيس!
غيره:
صدر المجالس حيث حل لبيبها ... فكن اللبيب وأنت صدر المجالس!

غيره:
ضحوك السن إنَّ نطقوا بخير ... و عند الشر مطراق عبوس
غيره:
قالوا: نفوس الدار سكناها ... و انتم عندي نفوس النفوس!
غيره:
لو لا محبتكم لمّا عاتبتكم ... و لكنتم عندي كبعض الناس
غيره:
لو نظر الناس لأحوالهم ... لاشتغل الناس عن الناس
غيره:
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت ولم أبصرك في الناس
غيره:
ما بال دينك ترضى أنَّ تدنسه ... و ثوب جسمك مغسول من الدنس؟
غيره:
ما هذه أوّل ما مر بي ... كم مثلها مر على رأسي!
غيره:
من لا رأى مصرا ولا أهلها ... فلا رأى الدنيا ولا الناسا
غيره:
نسيت مودتي أنَّ طال عهدي ... نعم! قد قيل: طول العمر ينسي!
غيره:
وما من هالك في الناس إلاّ ... و رأس هلاكه طلب الرياسه
وقال أبو تمام:
ما في النجوم سوى تعلة باطل ... قدمت وأسس إفكها تأسيسا
إنَّ الملوك هم كواكبنا التي ... تخفى وتطلع أسعدا ونحوسا
و منها:
لو أنَّ أسباب العفاف بلا تقى ... نفعت لقد نفعت إذا إبليسا!
وقال أيضاً:
و الدمع فيه خاذل ومواسي
ومنها:
لا تنسين تلك العهود فإنما ... سميت إنسانا لأنك ناس
وقال أيضاً:
أرى الآفاتٍ قد كتبن على رأسي ... بأقلام شيب في مهارق انقاسي
فإنَّ تسأليني من يخط حروفها ... فكف الليالي تستمد بأنفاسي
جرت في قلوب الغانيات لشيبتي ... قشعريرة من بعد لين وإيناس
وقد كنت أجرى في حشاهن مرة ... مجاري صافي الماء في قضب الآس
فإنَّ أمس من حظ الكواعب آيسا ... فآخر آمال العباد إلى الياس!
وقال الآخر:
الكلب أعلى قيمة ... و هو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسة
غيره:
استودع العلم قرطاس فضيعه ... و بئس مستودع العلم القراطيس!
قال أبو علي العبادي في نوادره: وسمع يونس رجلا ينشد هذا البيت فقال: قاتله الله! ما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظ! إنَّ علمك من روحك ومالك من بدنك، فصن علمك صيانة روحك، ومالك صيانة بدنك.
وقال محمد بن إبراهيم يخاطب بعض أهله:
أظنك أطغاك الغنى فنيستني ... و نفسك والدنيا الدنية قد تنسي
فإنَّ كنت تعلو عند نفسك بالغنى ... فإني سيعليني عليك غنى نفسي
وقال أعرابي سأل آخر حاجة، فتشاغل عنه:
كدحت بأظفاري وأعلمت معولي ... فصادفت جلمود من الصخر أملسا
وأقبلت أنَّ أنعاه حتى رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفسا
تشاغل لمّا جئت في وجه حاجتي ... و أطرف حتى قلت: قد مات أو عسا
فقلت له: لا بأس لست براجع ... فأفرخ تعلوه السمادير مبلسا
السمادير: أم يتراءى للإنسان عند السكر.
غيره:
لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الود ما شوقي إليك بدارس
وما أنا من أنَّ يجمع الله بيننا ... على خير ما كنا عليه بآيس
وقال أحد بني شيبان:
وما أنا من ريب المنون بجبا ... و ما أنا من سيب الإله بآيس
يقال: جبأ عن كذا يجبأ عنه، إذا هابه، ورجل جبأ.
وقال مهلهل:
نبئت إنَّ النار بعد أوقدت ... و استب معدك يا كليب المجلس
وتكلموا في أمر كل عظيمة ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينسبوا!
قوله المجلس أي الجالسون، والنبس: النطق، يقال نبس فلان.
غيره:
والشيب إنَّ يحلل فإنَّ وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفس
لم ينتقص مني المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألب وأكيس
و مثله، في مدح الشيب، قول الآخر:
لا يرعك المشيب يا بنت عبد ... الله، فالشيب حلة ووقار
إنّما يحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلاها الأنوار!
و سنذكر بعد ما قيل في الشيب، إن شاء الله.
وقالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي!
وقالت أيضاً:
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي

و هذان البيتان من قطعة لها تعارض فيها دريد بن الصمة، وكان دريد خطب الخنساء في حياة أخويها. فأراد أخوها معاوية إنَّ يزوجها، وكان أخوها صخر غائبا في غزاة له، فأبت وقالت: لا حجة لي به! فأراد أنَّ يكرهها، فقالت:
تباكرني حميدة كل يومٍ ... بما يولي معاوية بن عمرو
فلا أعط من نفسي نصيبا ... لقد أودى الزمان إذا بصخر
أتكرهني هبلت على دريدٍ ... و قد أحرمت سيد آل بدر
معاذ الله يرصعني حبركى ... قصير الشبر من جشم بن بكر
يرى مجدا ومكرمة أتاها ... إذا عشى الصديق جريم تمر
الحبركي: القصير الجرلين، الطويل الظهر؛ والقصير الشبر: القليل الخير والعطاء. فقال دريد:
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن طرس؟
أشبهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس؟
فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جن وانس
وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
وقالت إنّه شيخ كبير ... و هل خبرتها أني أبن أمس؟
تريد أفيحج الرجلين شثناً ... يقلع بالجديرة كل كرس
إذا عقب القدور عددن مالا ... أحب حلائل الإبرام عرس
وقد علم المراضع في جمادي ... إذا استعجلن عن حز بنهس
بأني لا أبيت بغير لحم ... و أبدأ بالأرامل حين أمسي
وإني لا يهر الضيف كلبي ... و لا جاري يبيت خبيث نفس
واصفر من قداح النبع فرع ... به علمان من عقب وضرس
دفعت إلى المفيض إذا تستقلوا ... على الركبات مطلع كل شمس
فلما مات صخر قالت الخنساء تعارض دريدا في كلمته:
يؤرقني التذكر حين أمسي ... و يردعني مع الأحزان نكسي
على صخر، وأي فتى كصخر ... ليوم كريه وطعان خلس
وعان طارق أو مستضيف ... يروع قلبه من كل جرس
ولم أر مثله رزءاً لجن ... و لم أر مثله رزءاً لإنس
أشد على صروف الدهر منه ... و أفضل في الخطوب لكل لبس
ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي!
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا ... تساعدن نائحا في يوم نحس
تفجع والها تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أو غب أمس
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... و أبكيه لكل غروب شمس
وقال أبو علي، عن أبن دريد: طلوع الشمس للغارات وغروبها للضيفان.
وقال الآخر:
تقوس بعد مر العمر ظهري ... و داستني الليالي أي دوس
فأمشي والعصا تهوي أمامي ... كأنَّ مواءها وتر لقوسي
و نحوه الآخر:
قوس ظهري المشيب والكبر ... و الدهر يا عمرو كله غير
كأنني والعصا تدب معي ... قوس لها وهي يدي وتر
غيره:
إذا تمنيت بت الليل مغتبطا ... إنَّ المنى رأس أموال المفاليس
غيره:
الله يعدل والآمال كاذبة ... و كل هذا المنى في القلب وسواس
و مثله لحبيب:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا
و لغيره:
منى إنَّ تكن حقا تكن أحسن المنى ... و إلاّ فقد عشنا بها زمنا رغداً
و لمسلم:
لولا منى العاشقين ماتوا ... غما وبغض المنى غرور
وقال الصابئ:
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلاّ من النقس
إذا رشقت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس!
أبن المعتز:
إني إذا لم أجد يوما مراسلة ... و ضاقت بي منتهى أمري وملتمسي
لمرسل عبرة في إثرها نفس ... يا ليت شعري هل يأتيكم نفسي؟
وقال أبو محمّد الحريري، رحمه الله تعالى:
جزيت من أعلق بي وده ... جزاء من يبني على اسه
وكلت للخل كما كال لي ... على وفاء الكيل أو بخسه
ولم أخسره وشر الورى ... من يومه أخسر من أمسه
وكل من يطلب عندي جنى ... فماله إلاّ جنى غرسه
لا ابتغي الغبن ولا أنثني ... بصفقة المغبون في حسه
ولست بالموجب حقا لمن ... لا يوجب الحق على نفسه

ورب مذاق الهوى خالني ... أصدقه الود على لبسه
وما درى من جهله إنني ... أقضي غريمين الدين من جنسه
فأهجر من أستبغاك هجر القلى ... و هبه كالملحود في رمسه
والبس لمن في وصله لبسة ... لباس من يرغب في انسه
ولا ترج الود ممن يرى ... انك محتاج إلى فلسه!
و له أيضاً:
حيارى يميد بهم شجونهم ... كأنهم آرتضعوا الخندريسا
أسالوا الغروب وعطوا الجيوب ... و صكوا الخدود وشجوا الرؤوسا
و له أيضاً:
لعمرك ما الإنسان إلاّ أبن يومه ... على ما تجلى يومه لا أبن أمسه
وما الفخر بالعظام الرميم وإنّما ... فخار الذي يبغي الفخار بنفسه!
وقال أيضاً:
لبست لكل زمان لبوسا ... و لابست صرفيه نعمى وبوسا
وعاشرت الرواة أدير الكلام ... و بين السقاة أدير الكؤوسا
وطورا بوعظي أسيل الدموع ... و طورا بلهوي أسر النفوسا
وأقري المسامع أما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا
وإنَّ شئت أرعف كفي اليراع ... فساقط دراً يحلي الطروسا
وكم مشكلات حكين إليها ... خفاء فبصرن بكشفي شموسا
وكم ملح لي خلبن العقول ... و أسأرن في كل قلب رسيسا!
وعذراء فهمت بها فانثنى ... عليها الثناء طليقا حبيسا
على إنني من زماني خصصت ... بكيد ولا كيد فرعون موسى
يسعر لي كل يوم وغى ... أطأ من لظاها وطيسا وطيسا،
ويطرقني بالخطوب التي ... يذبن القوى ويشبن الرؤوسا
ويدني إلى البعيد البغيض ... و يبعد عني القريب الأنيسا
ولولا خساسة أخلاقه ... لمّا كان حظي منه خسيسا
وقال أيضاً:
و ليس كفء البدر غير الشمس
و منها:
والفقريلجي الحر حين يمسي ... إلى التجلي في لباس اللباس
و له:
ما لي مقر بأرض ... و لا قرار لعنسي
يوما بنجد ويوما ... بالشام أضحي وأمسي
أزجي الزمان بقوت ... منغص مسخس
فلا أبيت وعندي ... فلس ومن لي بفلس؟
ومن يعش مثل عيشي ... باع الحياة ببخس!
غيره:
لا يصعبن عليك في طلب العلا ... طول التنقل أو فراق المكنس
فالبدر لو لم ينتقل عن برجه ... ما كان يعرف نوره في الحندس
والخمر يحجب نورها في دنها ... و تروق مهما نقلت للأكؤس
وقال أبن المرزبان:
كم ليلةٍ أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس
شبهت بدر سمائها لمّا دنت ... منه الثريا في ملاءة سندس
ملكا مهيبا قاعدا في روضةٍ ... حياه بعض الزائرين بنرجس
غيره:
ولم أدخل الحمام يوم فراقهم ... لأجل نعيم قد رضيت ببوسي
ولكم لتجري عبرة مطمئنة ... فأبكي ولا يدري بذلك جليسي
غيره:
تذكر أخي إنَّ فرق الدهر بيننا ... أخا في هواك الآن أصبح أو أمسى
ولا تنس بعد البعد حق مودتي ... فمثلي لا يَنسى ومثلك لا يُنسى!
غيره:
أدرها على أمن ولا تخش من باس ... و إنَّ خددت آذانها ورق الآسي
وما هي إلاّ ضاحكات غمائم ... لواعب من ومض البروق بمقباس
ووفد رياح زعزع النهر مرة ... كما وطئت درعا سنابك أفراس
غيره:
بلد أغارته الحمامة طوقها ... و كساه ريش جناحه الطاووس
فكأنما الأنهار فيه مدامة ... و كأنَّ ساحات الديار كؤوس
غيره:
أكره إنَّ أدنو من داركم ... لأنني أخشى على نفسي
ضرسي طحون وعلى خبزكم ... من أكل مثلي آية الكرسي
هو الذي أقعدني عنكم ... فكيف أمشي ومعي ضرسي؟
غيره:
أفرط نسياني إلى غاية ... لم يدع النسيان لي حسا
فصؤت مهما عرضت حاجة ... مهمة ضمنتها الطرسا
وصرت أنسى الطرس في راحتي ... و صرت أنسى إنني أنسى!
غيره:
علي ثياب دون قيمتها الفلس ... و فيهن نفس دون فيمتها الأنس
فثوبك مثل الشمس من دونها الدجا ... و ثوبي مثل من تحته الشمس!
وقال أبو الطيب:
ألذ من المذام الخندريس ... و أحلى من معطاة الكؤوس
معاطاة الصفائح والعوالي ... و أقحامي خميسا في خميس

فموت في الوغى عيشي لأني ... رأيت العيش في أرب النفوس!
وقال أيضاً يخاطب محمّد بن زريق الطروسي:
إني نثرت عليك درا فانتقد ... كثر المدلس فأحذر التدليسا!
و منها:
خير الطيور على القصور وشرها ... يأوي الخراب ويسكن الناووسا
لو جادت الدنيا فدتك بنفيسها ... أو جاهدت كتبت عليك حبيسا
وقال أيضاً:
أنوك من عبد ومن عرسه ... من حكم العبد على نفسه
وإنّما يظهر تحكيمه ... تحكم الإفساد في حسه
ما من يرى انك في وعده ... كمن يرى انك في حبسه
العبد لا تفضل أخلاقه ... عن فرجه المنتن أو ضرسه
لا ينجز الميعاد في يومه ... و لا يعي ما قال في أمسه
وإنّما تحتال في جذبه ... كأنك الملاح في قلسه
فلا ترج الخير عند امرئٍ ... جالت يد النخاس في رأسه
وإنَّ عراك الشك في نفسه ... بحال فأنظر إلى جنسه!
وقال أبو العلاء المعري:
لا يوهمك أنَّ الشعر لي خلق ... و إنني بالقوافي دائم الأنس
فإنما كان إلمامي بساحتها ... في الدهر إلمام طير الماء بالعلس
العلس: حب معروف وطير الماء لا تأكل الحبوب، وإنّما تصطاد السمك الصغار. وأراد بذلك التبرئة من قول الشعر.
وقال أسقف نجران:
منع البقاء تقلب الشمس ... و طلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء صافيه ... و غروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس
لطيفة: حدث بعض الأدباء عن الأصمعي قال: حضرت مجلس الرشيد، وعند مسلم بن الوليد إذ دخل أبو نواس فقال له: ما أحدثت بعدنا؟ يا أبا نواس! فقال: يا أمير المؤمنين، ولو في الخمر؟ فقال: قاتلك الله، ولو في الخمر! فأنشده:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلى ولم أنم!
و فيها قوله:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
حتى أتى على أخرها. فقال: أحسنت يا غلام، أعطه عشرة آلاف وعشر خلع! فأخذها وخرج. فلما خرجنا من عنده قال مسلم بن الوليد: ألم تريا أبا سعيد إلى الحسن بن هانئ كيف سرق من شعري وأخذ به مالا وخلعا؟ فقالت: وأي معنى سرق؟ قال: قوله: فتمشت في مفاصلهم . . " البيت " . فقلت: وأي شيء قلت؟ قال: قلت:
غراء في فرعها ليل على قمرٍ ... على قضيب على غصن النقا الدهس
أذكى من المسك أنفاساً وبهجتها ... أرق ديباجة ًمن رقة النفسِ
كأنَّ قلبي وشاحها إذا خطرت ... و قلبها قلبها في الصمت والخرسِ
تجري محبتها في قلبِ وامقها ... جري السلافة في أعضاء منتكسِ
فقلت: ممن سرقت أنت هذا المعنى؟ فقال: لا أعلم أنني أخذته من أحد. فقالت: بلى! من عمر بن أبي ربيعة حيث يقول:
أما والراقصات بذات عرقٍ ... و ربَّ البيت والركن العتيقِ
وزمزم والطواف ومشعريها ... و مشتاقٍ يحن إلى مشوقِ
لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى العروقِ
قال: ممن سرق عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: من بعض العذريين حيث يقول:
واشرب قلبي حبها ومشى به ... كمشي حميم الكأس في عقل شاربِ
ودب هواها في عظامي وحبها ... كما دب في الملسوع سم العقاربِ
فقال لي: من أخذ هذا العذاري؟ قلت: من أسقف نجران يعني السابق.
وقال أبو الفتح البستي:
يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس ... و أكرم الناس إغضاء عن الناس
نسيت عهدك والنسيان مغتفر ... فاغفر فأول ناس أوّل الناس!
وقال مسلم بن الوليد في تفضيل الورد:
كم من يد للورد مشهورة ... عندي وليس كيد النرجس
الورد يأتي ووجوه الربى ... تضحك عن ذي برد أملس
وقد تحلق بعقود الندى ... ثابتة في الأرض لم تغرس
ولن ترى النرجس حتى ترى ... روض الخزامى رثة الملبس
وتخلف النكباء ما جددت ... أيدي الغوادي في سنا السندس
وهناك يأتيك غريبا على ... شوقٍ من الأعين والأنفس
غيره:
من أحسن الظن بأعدائه ... تجرع الهم بلا كاس
قال الصفدي: ولو كنت ناظم هذا البيت لقلت: من احسن الظن بأحبابه، ولم اقل: بأعدائه.
ولله در القائل:

جزى الله خيرا كل من ليس بيننا ... و لا بينه ود ولا متعرف
فلا نالني ضيم ولا مسني أذى ... من الناس إلاّ من فتى كنت أعرف!
وقال: يقال إنَّ رجلا كان على عهد كسرى يقول: من يشري ثلاث كلمات بألف؟ ولا يجد، إلى أن اتصل بكسرى، فأحضره وسأله عنها فقال: ليس في الناس كلهم خير. قال: صدقت! ثم ماذا؟ فقال: ولا بد منهم! قال: صدقت! ثم ماذا؟ قال: فألبسهم على حذر! فقال قد استوجبت المال، فخذه! قال: لا حاجة لي به، وإنّما أردت أن أرى من يشتري الحكمة! وقال أبو فراس:
مالي أعاتب دهري أين يذهب بي؟ ... قد صرح الدهر لي بالمنع والياس
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء به ... كأنني جاهل بالدهر والناس
و نحوه في المعنى قوله أيضاً:
أين الخليل الذي يرضيك باطنه ... مع الخطوب كما يرضيك ظاهره؟
و قول أبن الساعاتي:
لا يغرنك لتودد من قوم ... فإنَّ الوداد منهم نفاق
والقلوب الغلاظ لا ينزع الأحقاد ... منها إلاّ السيوف الرقاق
و قول آخر:
لا تثق من آدمي ... في وداد بصفاء!
كيف ترجو منه صفواً ... و هو من طين وماء؟
و قول الآخر:
ومن يك اصله ماء وطينا ... بعيد من جلبته الصفاء
وقال أبن قلاقس:
غاض الوفاء وفاض ماء ... الغدر أنهارا وغدرا
وتطابق الأقوام في ... أقوالهم سراً وجهرا
فأنظر بعينيك هل ترى ... عرفا وليس تراه نكرا!
و هو من قول الطغرائي:
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفجرت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
و ما أعدل قول محي الدين بن تميم في هذا:
لك الخير كم صاحبت في الناس صحبا ... فما نالني منهم سوى الهم والعنا
وجربت أبناء الزمان فلم أجد ... فتى منهم عند المضيق ولا أنا!
و مثله لبعضهم:
طفت زمانا على من ينصفني فلما أنصفت خنته أنا
وتتميم هذا الغرض في موضع آخر، إن شاء الله تعالى.
غيره:
لم يكفني في الرأي خيبة منظري ... حتى حرمت لذاذة الإيناس
كالأعور المسكين أعدم عينه ... و أعتاض منها بغضة في الناس
و وقال الآخر: محي الدين محمّد بن تميم في مليح ينسى كثيرا:
بروحي الذي نسيانه صار عادة ... و أفرط حتى كاد يعدمه الحشا
فلو إنّه بالهجر أضحى مهددي ... لمّا ساءني علما به إنّه ينسى
وقال الآخر:
والله ما طلعت شمس ولا غربت ... إلاّ وأنت مني وقلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلاّ وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من ظمأ ... إلاّ رأيتن خيالاً منك في الكأس!
وقال الآخر:
إنَّ صحبنا الملوك تاهوا علينا ... و استخفوا جهلا بحق الجليس
أو صحبنا التجار عدنا إلى البؤس ... و صرنا إلى عديد الفلوس
فلزمنا البيوت نستعمل الحبر ... و نملا به وجوه الطروس
وقعنا بما رزقنا فصرنا ... أمراء على الملوك الرؤوس!
فقال آخر، مذيلاً لهذا الشعر:
لو تركنا وذاك كنا ظفرنا ... من أمانينا بعلق نفيس
غير أنَّ الزمان أعني بنيه ... حسودا على حياة النفوس
و قلت أنا:
إني امرؤ لا أنثني غبنا ... يوم المصاع بصفقة الوكس
وإذا استطان البون من فرق ... لا ينزوي خلدي على رجس
وإذا الزمان أحال نائبه ... حالي عففته فلم يحل نفسي
وإذا تطاول لم
وإذا استطاب الهون محتسبا ... نذل فلست تراه في كأسي
أرعى الهبيد على القنان ولا ... أرعى بوهد أطيب الخلس
وألذ آنية المياه إذا ... كان الفرات يشاب بالكرس
وإذا استينت الخسف في بلدٍ ... يوما ومت لغيره عنسي
إنَّ البلاد لذي الحجى وطن ... و الناس كلهم بنو جنس
ويحكى إنَّ أبن سكرة في آخر أمره، لمّا مات الوزير المهلبي، سأل: ما أعددت للشتوة؟ فقال:
قيل: ما أعددت للبرد ... فقد جاء بشده؟
قلت: دراعة عري ... تحتها جبة رعده!
و قلت أنا فيها، وجعلتها ثمانيا:
إذا أومض البرق اليماني وأظنبت ... على الأرض من جنون الولي قباب

فلد بثمان هن في الدهر للفتى ... و قاء إذا ما نالها وحجاب:
كباب وكانون وكن وكاعب ... و كأس وكيس وكسوة وكتاب!
و جمع بعضهم للصيق راآت ثمانية قابل بها كافات الشتاء، فقال:
عندي فديتك راآت ثمانية ... ألقى بها الحر إنَّ وافى وردا:
رب وروح وريحان وريق رشا ... و رفرف ورياض ناعم وردا
و قد فتن الأدباء في هذا الغرض، فجمعوا هذا النمط أعداد، كقول بعضهم:
رمتنا يد الأيام عن قوس خطبها ... بسبع وهل ناج من السبع سالم:
غلاء وغارات وغزوة وغربة ... و غم وغدر ثم غبن ملازم!
و كقول أبن التعاويذي:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنه صواب:
شواء وشمام وشهد وشادن ... و شمع وشاد مطرب وشراب!
و قول الآخر:
عجل إلي فعندي سبعة كملت ... و ليس فيها اللذات أعوان:
طار وطبل وطنبور وطاس طلا ... و طفلة وطباهيج وطنان
و قوله:
جاء الخريف وعندي من حوائجه ... سبع بهن قوام السمع والبصر:
موز ومن ومحبوب ومائدة ... ة مسمع ومدام طيب ومري
و قول الصفدي:
إذا تبين لي في مصر واجتمعت ... سبع فإني في اللذات سلطان:
خدر وخمر وخاتون وخادمها ... و خلسة وخلاعات وخلان
و قوله:
ثمانية إنَّ يسمح الدهر لي بها ... فليس عليها بعد ذلك مطلوب:
مقام ومشروب ومزح ومأكل ... و مله ومشموم ومال ومحبوب
وقوله:
إلى متى أنا لا انفك في بلدٍ ... و رهن جيمات جورٍ كلها عطب:
الجوع والجري والجريان والجدري ... و الجهل والجبن والجرذان والجرب؟
و قول الآخر:
إذا كان في اسم المرء شين هوت به ... إلى الشر فليحذر أذاه المحاذر:
شريف وشيعي وشيخ وشاهد ... و شمر وشريب وشرح وشاعر
سوى الشافعي أو شاهد راق حسنه ... كذا الشهداء المتقون وشاكر
و هذه الأشعار، كما ترى، الكثير من أصحابها يقصد إلى إحراز غرض يفوته أغراض، فتجده إذا وفى بذلك الغرض تعلل به ولم يتحرز عن اللفظ الخسيس، ولا عن المقصد السقيم، ولا عن التركيب المختل، والسبك الركيك والحشو، وغير ذلك مما ينبئ إنَّ قائله متكلف رازم العارضة لين الجلدة، غير مطبوع.
وقال أعرابي يهجو قوما من طيء:
ولمّا أن رأيت بني خريقٍ ... جلوسا ليس بينهم جليس
يئست من التي أقبلت أبغي ... لديهم إنني رجل يؤوس
إذا ما قلت: أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس!
قوله: ليس بينهم جليس، أي لا ينتجع الناس معروفهم فليس فيهم غيرهم وهذا من أقبح الهجو.
وقال أبو بكر الخوارزمي:
يا من يحاول صرف الراح يشربها ... و لا يفك لمّا يلقاه قرطاس
الكأس والكيس لم يقض امتلاؤهما ... ففرغ الكيس حتى تملأ الكاسا!
وقال عمرو بن معدي كرب:
أ توعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس؟
فلا تفخر بملكك، كل ملك ... يصير لذلةٍ بعد الشماس!
و لنكتف بهذا القدر من هذا الباب! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

باب الشين المعجمة
أشأم من البسوس.
الشؤم ضد اليمن، الشؤم الرجل بالضم على قومه وشئم عليهم بالبناء للمجهول: صار شؤما عليهم، وهو مشؤوم ومشوم والجمع مشائيم. قال الشاعر:
مشائيم ليسوا مصالحين عشيرة ... و لا ناعب إلاّ ببين غرابها
و شأمهم وشأم عليهم بالفتحح فيهما فهو شائم؛ والبسوس بالفتح الناقة لا تدر إلاّ بالابساس أي التلطف بها بأن يقال لها: بس، بس! كما مر. والبسوس أيضاً امرأة مشومة، وهي المضروب بها المثل.
وكانت هذه المرأة أعطي زوجها ثلاث دعوات مستجابات، فقالت له: اجعل لي واحدة منهم! قال:: نعم فما تريدين؟ قالت: أدع الله أن يجعلني اجمل امرأة في بني إسرائيل! ففعل فرغبت عنه وهت بسيئ فدعا الله إنَّ يجعلها كلبة نباحة. فجاءه بنوها وقالوا: ما لنا على هذا من قرار يعيرنا بها الناس، فادع الله إنَّ يعدها إلى حالها! فدعا لها فهبت الدعوات كلها بشؤمها.
أشأم من بني بسوس.

ويقال أشام من البسوس. والبسوس أيضاً اسم امرأة من العرب، وهي خالة جساس بن مرة. وكان لمرة هذا عشرة من الولد، منهم جساس، ونضلة والحارث وهمام بنو مرة وهم من بني بكر بن وائل. وكان كليب بن ربيعة التغلبي من العزة والشرف في وائل بالمحل الذي لم يدرك وكان تحت كليب جليلة بنت مرة أخت جساس وكان لكليب حمى حماه لا يقربه أحد. ثم إنَّ جساس جاءته خالته البسوس فنزلت عليه، وكان لها أبن، وناقة يقال لها سراب بفصيلها. فدخلت سراب حمى كليب، فوجدها فيه وقد كسرت بيض حمر قد أجارها. فرماها بسهم فأصاب ضرعها. ويقال إنّه سأل عن الناقة فقيل له إنّها لخالة جساس، فقال: أو يبلغ من قدره إنَّ يجير دون إذني؟ وكان لا يجير أحد إلاّ بإذن كليب. فقال: يا غلام، ارم ضرعها! فرماه بسهم وقتل فصيلها، ونفى ابل جساس عن المياه وطردها على شبيث والاحص، وهما ماءان، حتى بلغ غدير الذئاب، فجاء جساس فقال: نفيت عن المياه مالي حتى تهلكه! فقال كليب: أنا للمياه شاغلون فقال استحللت تلك الإبل! فعطف عليه جساس فرسه فطعنه. فلما أحس بالموت قال: يا جساس، اسقني ماء! فقال: تجاوزت شبيبا والأحص! وآحتز رأسه وجاء مسرعا. فقالت أخته لأبيه: إنَّ جساس جاء خارجة ركبتها. فقال: والله وا خرجتا إلاّ لأمر! فلما بلغه قال: ما وراءك؟ قال: طعنت طعنت لتشغلن شيوخ وائل رقصا! قال: فتلت كليباً؟ قال: نعم! قال: وددت انك وأخوتك متم قبل هذا! ما بنا إلاّ أنَّ تتشاءمنا وائل! ثم لقيه أخوه نضلة فقال:
وإني قد جنيت عليك حربا ... تغيض الشيخ بالماء القراح
فأجابه نضلة:
فإنَّ تك قد جنيت علي حربا ... فلا وانٍ ولا رث السلاح
و كان أخوه همام قد آخى مهلهلا، أخا كليب، وعاهده إلاّ يكتمه شيئاً. فجاءته أمه له وعنده مهلهل، فأسرت إليه الخبر. فقال الملهل: ما قالت؟ فلم يخبره، فذكر العهد فقال أخبرت أنَّ جساسا قتل أخاك كليبا. فقال: أست أخيك أضيق من ذلك! فقال مهلهل في ثأر أخيه، واجتمعت أشراف تغلي وأتوا مرة فتكلموا في القصاص من جساس وإخوانه. فذهب مرة إلى الدية فغضبت تغلب ووقعت الحرب بينهم أربعين سنه حتى ضربت بها العرب المثل الشؤم والشدة. وهي التي يقال لها حرب البسوس. ومن جملة ما وقع بينهم خمس وقائع عظام، أولاها يوم عنيزة، وهو المذكور في قصيدة مهلهل الرائية المشهورة، حيث قال:
كأنا غدوة وبني أبينا ... ببطن عنيزة رحيا مدير
و آخرها قتل جساس بن مرة. وكان سبب قتله أنَّ نساء تغلب لمّا اجتمعن للمأتم على كليب، قلن لأخت كليب: رحلي جليلة عن مأتمك، فإنَّ قيامها عار علينا وشماتة بنا! فقالت لها: اخرجي يا هذه عن مأتمنا، فإنك شقيقة قاتلنا! فرحلت وهي حامل. فولدت غلاما وسمته هرجسا، ورباه جساس، فكان لا يعرف أبا غيره، فزوجه ابنته. فوقع يوما بينه وبين بكري كلام، فقال البكري: ما أنت بمنته حتى الحقك بأبيك فأمسك عنه ودخل إلى أمه فسألها الخبر. فلما أوى إلى فراشه وضع أنفه بين ثديي زوجته وتنفس تنفسة نفط ما بين ثدييها من حرارتها. فقامت الجارية فزعة ودخلت إلى أبيها فأخبرته فقال: ثائر ورب الكعبة! فلما أصبح أرسل إلى الهجرس فأتاه فقال: إنما لأنت ولدي ومعي وقد كانت الحرب في أبيك زمنا طويلا حتى تفانيا وقد اصطلحنا الآن. فانطلق معي حتى نأخذ عليك ما أخذ علينا! فقال: نعم ولكن مثلي لا يأتي قومه إلاّ بسلاح! فأتيا جماعة من قومهما فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية ثم قال: هذا أبن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه. فلما قربوا الدم أخذ بوسط رمحه وقال: وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه ودرعي وزريه! لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه. ثم طعن جساسا فقتله ولحق بقومه.فكان آخر قتيل نتهم.
وفي هذه القصة اضطراب كغيرها من الحكايات الجاهلية.

أشأم من خوتعة.
خوتعة بالتاء المثناة على مثل جوهرة هو رجل من بني عقيلة ذل كنيف بن عمر التغلبي وأصحابه على بني الزبان الذهلي لترةً كانت لهم في عمرو بن الزبان فقتلهم. وتقدم شرح القصة وما يعرف به وجه الشؤم في حرف الهمزة.
أشأم من الأخيل.
الأخيل هو الشقراق وقيل طائر آخر وهو مشؤوم وجمعه خيلٌ بكسر الخاء.
أشأم من داحس.

داحس بوزن فاعل فرس لقيس بن زهير وعليه وقعت المسابقة بينه وبين أبني حذيفة حتى هاجت الحرب بذلك بين عبس وذبيان أربعين سنة. ويقال لهذه الحرب حرب داحس. وتقدم تفسير القصة في حرف التاء.

أشأم من الدهيم.
الدهيم بوزن الزبير الداهية؛ والدهيم أيضاً: الأحمق؛ والدهيم أيضاً: ناقة عمرو بن الزبان الذهلي قتل هو واخوته وحملت رؤوسهم عليها وقالوا: أشأم من الدهيم. وتقدم أنَّ خوتعة هو الذي ذل عليهم. والقصة في حرف الهمزة.
وذكر أبو عبيد أنَّ هذا هو الأصل في إطلاق الدهيم على الداهية.
وذكر البكري أيضاً هذه القصة فقال: كان من خبر الدهيم أنَّ مالك بن كرمة الشيباني لقي كنيف بن عمرو وكان مالك نحيفا وكان كنيف ضخما. فلما أراد مالك أسر كنيف اقتحم كنيف عن فرسه لينزل إليه مالك فيبطش به. فأوجره مالك السنان وقال: والله لتستاسرن أو لأقتلنك. فأدركهما عمرو بن الزبان فاختصما فيه هو ومالك فقالا: قد حكمنا كنيفا. فقال: من اسرك يا كنيف؟ فقال: والله لولا مالك لكنت في أهلي! فلطمه عمرو بن الزبان فغضب مالك وقال: أتلطم أسيري؟ ثم قال: إنَّ فاءك يا كنيف مائة ناقة وقد وهبتها لك بلطمة عمرو وجهك! فجز ناصيته وأطلقه. ولم يزل كنيف يطلب عمرو بن الزبان باللطمة حتى دله عليه رجل من عقيلة وقد ند لهم إبل. فخرج عمرو واخوته في طلبها وأدركها وذبحوا حوارا واشتووه وجعلوا يأكلون. فغشيهم كنيف في ضعف عددهم. فلما كشف كنيف عن وجهه قال له عمرو: يا كنيف إنَّ في خدي وفاء من خدك وما في بكر بن وائل أكرم من خدي. فلا تشب الحرب بيننا وبينك! فقال: كلا! أو أقتلك وأقتل اخوتك. فقتلهم وجعل رؤوسهم في مخال وعلقها على ناقة لهم يقال لها الدهيم فجاءت الناقة إلى الحي على نحو ما ذكرنا في الهمزة. فضرب حمل الدهيم مثلا في البلايا العظام.
أشأم من سراب.
سراب بوزن قطام هي ناقة البسوس خالة جساس بن مرة قاتل كليب وبسببها وقعت حرب البسوس. فتشاءمت العرب بها وتقدم آنفا شرح القصة. وهذا المثل هو المحفوظ في هذه القصة.
وأما قولنا أوّلاً: أشأم من بني بسوس فهو على ما وقع في كلام بعض الأدباء وليس بجيد لأن المتشاءم به هو إما البسوس نفسها لا بنوها وأما ناقتها سراب كما هنا. ولو قيل: أشأم من بني مرة وهم جساس وإخوته لكن أيضاً صحيحا كما قال مرة لجساس حين قتل كليبا: ما بنا إلاّ أن تتشاءم منا أشياخ وائل! وقدم هذا كله.
أشأم من الشقراء.
الشقراء مؤنث أشقر وهي هنا علم فرس شيطان بن لاطم قتلت وقتل صاحبها فقالوا: أشأم من الشقراء. وفيها كلام تقدم في الهمزة.
أشأم من طويس.
طويس على مثل زبير مخنث كان بالمدينة وكان اسمه طاووسا. فلما تخنث سمي طويسا وهو مصغره بحذف الزوائد ويكنى أبا عبد المنعم. ويقال إنه أول من غنى في الإسلام. وكان يقول: إنَّ أمي كانت تمشي بالنمائم بين النساء الأنصار فولدتني في الليلة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطمتني يوم مات أبو بكر وبلغت الحلم يوم مات عمر وتزوجت يوم قتل عثمان وولد لي يوم قتل علي. فمن مثلي؟ ويقال إنه قال: يا أهل المدينة توقوا الدجال ما دمت بين أظهركم فإذا مت فقد أمنتم لأني ولدت في الليلة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ ما مر. وكان يقول في نفسه: أنا أبو عبد المنعم أنا طاووس الجحيم أنا أشأم من يمشي على ظهر الحطيم إلى غير ذلك مما لا نطول به من أخباره.
أشأم من عطر منشمٍ.
العطر بالكسر معروف وتقدم في حرف الباء؛ ومنشم على مثل مجلس امرأة كانت بمكة عطارة وهي بنت المجية. وكانت خزاعة وجرهم إذا اقتتلوا تطيبوا من عطرها. فكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فقالوا:
أشأم من عطر منشم.
وقال زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ
والمنشم أيضاً بكسر الشين وفتحها عطر صعب القرآن وقيل هو قرون السنبل سم ساعة وحمل عليه بيت زهير المذكور.
أشأم من غراب البين.
غراب البين قيل هو الحمر النقار والرجلين وقيل الأبقع منها وهو الذي في صدره بياض. قال عنترة:
ضعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى بينهم الغراب الأبقعُ

و إنّما قال ذلك لأنه سمع نعيبه قبل رحيلهم فتشاءم به والعرب تتشاءم به. وسموه غراب بين لأنه بان عن نوح عليه السلام لمّا وجهه لتنظر إلى الماء فذهب ولم يرجع ولذلك تشاءموا به. وقيل لأنّه ينعب في منازلهم إذا بانو عنها وينزل في مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا منها. فلما كان يوجد عند بينونتهم اشتقوا له اسما من البينونه وتشاءموا به لإنذاره بالبين وإعلامه بالفراق من كلام عنترة. وعلى هذا كل غراب فهو غراب البين. وقد قيل إنّما اشتقت الغربة والاغتراب والغريب من الغراب وأهل الزجر يلمحون ذلك ويتطيرون به كما قال قائلهم:
وصاح غرابٌ فوق أعواد بانةٍ ... بأخبار أحبابي فقسمني الفكر
فقلت: غراب لاغترابٍ وبانةٌ ... ببين النوى تلك العيافة والزجرُ
وهبت جنوبٌ باجتنابي منهم ... و هاجت صباً قلت: الصبابةُ والهجر!
وقال الإمام المقدسي في وصف غراب البين: هو غراب أسود ينوح نوح الحزين المصاب وينعق بين الخلان والأحباب إن رأى شملا مجتمعا أنذر بشتاته ربعاً عامرا أنذر بخرابه ودروس عرصاته يعرف النازل والساكن بخراب الدور والمساكن ويحذر الآكل غصة المأكل ويبشر الراحل بقرب المراحل ينعق بصوت فيه تحزين كما يصيح بالتأذين. وأنشد على لسان حاله:
أنوح على ذهاب العم مني ... و حق أن أنوح وأن أنادي
وأندب كلما عاينت ربعاً ... حدا بهم أوشك البين حادي
و تقدم تمام هذه القصيدة في الدال.
أشأم من قدارٍ.
قدار بالقاف والدال المهملة على مثل غراب هو قدار بن سالف عاقر الناقة والقدار: الجزار. وقد قيل إنَّ قدارا هذا كان جزارا.
وقد يقال في المثل: أشأم من أحمر ثمود وهو قدار المذكور. قال زهير:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطمِ
قيل: أراد " أحمر ثمود " فغلط. وقيل ثمود من عاد وكان من خبره في عقر الناقة على اختصار أنَّ ثمودا كانت تبني على طول أعمارها. فاتخذوا من الجبال بيوتا يسكنوها في الشتاء كما قال الله تعالى وبنو قصرا يسكنونها في الصيف. فلما بعث الله إليهم صالحا على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال له زعيمهم: إن كنت صادقا فأظفر لنا من هذه الصخرة ناقة على صفة كيت وكيت! فأتى الصخرة فتمخضت كالحامل وانشقت عن الناقة ثم تلاها سقبها. فآمن به كثير منهم. فكان شربها يوما وشربهم يوما. فإذا كان يوم شربها حلبوها فملؤوا من لبنها كل إناء ووعاء. فلما امتنعت إياهم من الماء في يوم شربها استثقلوها. وكان فيهم امرأتان: عنزة وصدوق بذلنا أنفسهما لقدار على أن يعقر الناقة. وكان قدار أشقر أزرق قصيرا. وكان له صديق يعينه على الفساد في الأرض وكانا في تسعة من أهل الفساد. فضرب قدار عرقوبها بسيفه وضرب صاحبه العرقوب الآخر والتهموا لحمها. فخرجت ثمود إلى صالح وتزعم أنها لا ذنب لها.
فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فعسى أنَّ يرفع العذاب! فالتمسوه، فصعد إلى جبل يقال له الغارة، وطال الجبل به السماء حتى ما تناله الطير وبكى، ثم أستقبلهم ورغا ثلاثا صالح: دعوة أجهلها ذاك تمتعوا في داركم ثلاثة أيام. ذلك وعد غير مكذوب! وآية ذلك أنَّ تصبح وجوههم في اليوم الأول مصفرة، وفي الثاني محمرة، وفي الثالث مسودة. فلما رأوا صدقه في أوّل يوم أرادوا قتله، فمنع منهم. فلما رأوا صدقه في الثالث تجملوا وتكفنوا وبكوا وضجوا، وجعلوا ينظرون من أين يأتيهم في ديارهم جاثمين. فعقروها يوم الأربعاء وأصيبوا يوم الأحد.
قيل :و إنّما أصيبوا والمذنب بعضهم، لأنهم رضوا فعله، أي فصاروا كلهم مذنبين بذلك. وبلدهم بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الجبشي. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقريتهم ونهى الناس عن دخولها، ولمّا رأى صالح إنّها دار سخط ارتحل بمن معه إلى مكة. فلم يزالوا بها حتى توفاهم الله تعالى. قيل: قبورهم في غربي البيت بين دار الندوة والحجر. وقال الشاعر:
كانت ثمود ذوي عز ومكرمةٍ ... ما إنَّ يضام لهم في الناس من جار
فأهلكوا ناقة كانت لربهم ... قد أنذروها فكانوا غير أبرار
وقال الآخر في المثل المذكور:
وكان أضر فيهم من سهيل ... إذا أوفى وأشأم من قدار
و مراد هذا الشاعر،، بصدر البيت، ما يزعمون من إنَّ أكثر موت البهائم يكون عند طلوع سهيل. قال أبو الطيب:

وتنكر موتهم وأنا سهيل ... طلعت بموت أولاد الزناء
وقال أبو العلاء:
لا تحسبي إبلي سهلا طالعا ... بالشام فالمرئي شعلة قابس
بل وغير البهائم أيضا، كما قال الأول: بال سهيل في الفضيخ ففسد
أشأم من قاشرٍ.
قاشر بالقاف والشين على وزن صاحب قال الجوهري: وهو فحل كان لبني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكانت لقومه ابل تذكر. فاسطرقوه رجاء أنَّ تؤنث، فماتت الإبل والنسل. وقال الحريري: هو فحل كان في بعض قبائل سعد بن زيد أبن مناة، ما طرق إبلا إلاّ ماتت.
وقيل: المراد به العام المجدب. وسمي قاشر لقشرة وجه الأرض من النبات. انتهى. قلت: والمعروف في اللغة إنَّ العام المجدب يقال له القاشور. قال الراجز:
وابعث عليهم سنة قاشوره ... تحتلق المال أحتلاق النورة!
و القاشور أيضاً: المشؤوم. ويقال: قشرتم إذا شأمهم.

شب عمرو عن الطوق.
الشباب: الفتاء يقال شب الغلام يشيب شباباً؛ وعمرو هو أبن عدي بن نصر اللخمي، أبن أخت جذيمة، أوّل ملوك لخم بالحيرة، بعد خاله جذيمة، كما تقدم ذلك في قتله للزباء؛ والطوق بالفتح حلي يجعل للعنق، وكل ما أستدار بالشيء. وكان من خبر عمرو في الطوق إنَّ جذيمة بلغه أنَّ غلاما من لخم يقال له عدي بن نصر عند أخواله من أيادٍ غاية في الظرف والأدب. وكان جذيمة قد أغار على أياد، فسرقت أياد صنمين كانا لجذيمة مشهورين. ثم عاهدوا على أنَّ يردوا إليه صنمية وأنَّ لا يغزوهم أبدا في قصة مشهورة. فشرط عليهم أنَّ يبعثوا مع الصنمين بالغلام الموصوف. فلما انتهى إليه ولاه مجلسه وكأسه والقيام على رأسه. فتعشقته رقاش بنت مالك، أخت جذيمة فقالت له: يا عدي، إذا سقيتهم فأمزج لهم وعرق الملك! أي امزج له قليلا كالمعروق فإذا أخذت منه الخمر فأخطبني له وأشهد الجماعة؟ ففعل الغلام، وزوجه جذيمة وأشهد عليه. فانطلق إليها وعرفها. فعلمت إنّه سينكر إذا أفاق، فقالت له: أدخل لأهلك! فبات عدي معرسا بها، وأصبح في ثياب جدد. ودخل على جذيمة فقال: ما هذه الآثار، يا عدي؟ قال: آثار العرس. قال: أي عرس؟ قال: عرس رقاش. فنخر جذيمة وأكب لوجهه غضبا. فهرب عدي ولحق بقومه، وبقي هناك حتى مات وقيل: بل أدركه جذيمة فقتله وبعث إلى أخته رقاش يقول:
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين؟
أم بعبد فأنت أله لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون؟
فقالت له: زوجتني كفئاً كريما من أبناء الملوك! وقالت تجيبه:
أنت زوجتني وما كنت أدري ... و أتاني النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... و تماديك في الصبا والمجون!
ثم إنّه جعلها في قصره، فاشتملت على حمل، فولدت وسمته عمرا ورشحته، فلما ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة وأزارته خاله. فأعجب به وألقيت عليه منه محبة وقيل تبناه، وكان لا يولد له. وخرج جذيمة في عام مخصب وبسط له في روضة، وخرج عمرو بن عدي في غلمة يجنتون الكمأ، فكان منهم من وجد طيبة أكلها، وعمرو إذا أصابها خبأها. ثم أقبلوا يسرعون، وعمرو يقدمهم وهو يقول:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه!
فالتزمه جذيمة وحباه.
ثم إنَّ الجن استهوت عمراً ففقد فطلبه جذيمة في آفاق الأرض، فلم يسمع له خبرا حتى أقبل رجلان من بلقين وهما مالك وعقيل، ابنا فالح من الشام يريدان الملك بهدية ومعهما قينة يقال لها أم عمرو. فبينما هما على ماء، وقد هيأت لهما القينة طعاما وجعلا يأكلان، إذ أقبل رجل أشعت الرأس قد طالت أظفاره وساءت حاله. فناولته القينة طعاما وسقت صاحبيها. فقال عمرو: اسقني! فقال: لا تطعم العبد الكراع، فيطمع في الذراع! وأوكت سقاءها. فقال عمرو:
صددت الكأس عنا أم عمرو ... و كان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصحابك الذي لا تصحبينا!

فقالا له: من أنت يا فتى؟ قال أنا عمرو بن عدي. فأخذاه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وأخذا من شعره وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هدية هي عنده أنفس ولا هو عليها أكثر صفدا من أبن أخته! وحملاه معهما حتى بلغاه جذيمة. فسر به سروراً شديداً وصرفه إلى أمه وقال: تمنيا علي! فقلا: منادمتك، ما بقيت وما بقينا. فنادمهما. ويقال انهما أقاما في منادمه أربعين سنة يحدثانه، فما أعادا عليه حديثا. وهما ندما جذيمة المشهوران المضروب بهما المثل في شدة الألفة والمصاحبة، في قول أبي خراش:
تقول: أراه بعد عروة لا هيا ... و ذلك زرء لو علمت جليل
فلا تحسبني أنَّ قد تناسيت عهده ولكن صبري يا أميم جميل
ألم تعلمي أنَّ قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء: مالك وعقيل؟
و في قول متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا:
وكنا كندماني جذيمة حقبه ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
فلما تفرقا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا!
و في قول بعض المحدثين:
نحن كنا في التصافي ... مثل ندماني جذيمه
فأتى الصرم بيوم ... دونه يوم حليمه
تقدح الأيام حتى ... في المودات القديمه
وكان قبل ذلك جذيمة لا ينادم أحدا، زهوا وكبرا، ويقول: هو أعظم من أن ينادم إلاّ الفرقدين! فكان يشرب كأسا ويريق للفرقدين كأسا. ثم إنَّ رقاش أخذت ابنها عمرا وأدخلته الحمام. فلما خرج ألبسته من فاخر الثياب وجعلت في عنقه طوقا من ذهب كان له، وأمرته بزيارة خاله. فلما رأى جذيمة لحيته، والطوق في عنقه، قال: شب عمرو عن الطوق! وقيل إنّها لمّا أرادت أنَّ تعيد الطوق عن عنقه قال لها جذيمة: كبر عمرو عن الطوق! فذهبت مثلا يضرب للابس ما دون قدره.

أشبه من الغراب بالغراب.
أشبه بالكسر والشبه بفتحتين، والشبيه: المثل، وجمعه اشباه؛ وشابهه، وأشبهه: ماثله؛ واشتبها وتشابها: تماثلا؛ وشبهته إياه وبه تشبيها مثله؛ والغراب تقدم. ولمّا كانت الغرابان غالبا على صفة واحدة ولون واحد، وحصل بينها تشابه مطرد وتساو متفق، فضربوا بتساويها المثل فقالوا: فلان أشبه بفلان من الغراب بالغراب: ومنه قول الغرابة، من المبتدعة، إنَّ عليا أشبه النبي صلى الله عليه وسلم من الغراب بالغراب. وبدعتهم معروفة تحاشينا عن تلويث الكتاب بها، لعنهم الله وأخلى منهم الأرض!
أشبه شرج شرجا لو إنَّ أسميراً.
الشبه مر، والشرج بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بعدها جيم واد باليمن والشرج مسيل الماء من الحرة إلى السهل مطلقا، وله معان أخر. وأما الشرج بفتحتين فهو مسيل الوادي، وأسمير تصغير اسمر بضم الميم والأسمر جمع سمرة وهو الشجر المعروف يقال سمرة والجمع سمر وسمرات وأسمر، وتصغيره أسيمر.
وهذا المثل يضرب في الشيئين يتشابهان ويفترقان. وكان أصله أنَّ لقمان بن عدا قال للقيم بن لقمان: أقم هاهنا حتى أنطلق إلى الإبل! فنحر لقيم جور فأكلها ولم يخبئ شيئاً للقمان، فخاف لومه فحرق ما حوله من السمر الذي بهذا الوادي، وهو شرج ليخفي ذلك المكان. فلما جاء لقمان: جعلت الإبل تثيل الجمر بأخفافها، فعرف لقمان ذلك المكان وأنكر ذهاب السمر منه، فال حينئذ: أشبه شرج شرجا لو إنّه أسيمرا!
شتى تؤوب الحلبة.
الشتى جمع شتيت، وهو المفترق. وقال رؤبه يصف إبلا:
جاءت معا وأطرقت شتيتا ... و هي تثير الساطع السختيتا
و الأوب: الرجوع يقال: آب يؤوب أوبا وإيابا والحلبة جمع حالب وحلب الناقة والشاة معروف.
والمعنى انهم إذا ذهبوا اجتمعوا، وإذا قضوا مآربهم رجعوا متفرقين. ومضربه ظاهر.
أشجع من الديك.
الشجاعة معروفة، شجع الرجل بالضم فهو شجاع كغراب والديك معروف
يشج مرة ويأسو أخرى
الشج معروف، والأسو: المداواة، أساه، يأسوه أسوا: داواه، وآسى بين القوم أصلح، فمعنى المثل إنّه يفسد أحيانا ويصلح أحيانا، ويضرب لمن يصيب مرة ويخطئ أخرى، أو يضر مرة وينفع أخرى، ونحو ذلك ونظمه صالح بن عبد القدوس فقال:
قل للذي لست أدري من تلومه: ... أ ناصح أم على عيش يداجيني؟
إني لأكثر مما سمتني عجبا ... يد تشج وأخرى منك تأسوني
لو كنت أعلم منك الودهان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني

لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ... ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني
أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... و ليس شيء من البغضاء يرضيني
لا أبتغي ود يبغي مقاطعتي ... و لا ألين لمن لا يبتغي ليني

الشجاع موقى والجبان ملقى.
معناه إنَّ الشجاع مع إقدامه وتعطيه المهالك بنفسه، محفوظ غالبا والجبان مع مثرة حذره هالك قال البكري: وهذا كما روي عن أبي بكر وعن علي، رضي الله عنهما: أحرص على الموت توهب لك الحياة! وقال الشاعر:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... انفسي حياة مثل أنَّ أتقدما
انتهى.
قلت: ومثله شاع اليوم في ألسنه العامة، يقولون: متى طلب الرجل إنَّ يموت لم يجد قاتلا؛ غير أنَّ ما ذكره البكري في البيت الحصين بن الحمام المذكور محتمل وأظهر منه إنَّ يريد بالحياة عند التقدم ما يكتسبه من شرف الذكر الباقي بعده. فإنَّ بقاء الاسم والذكر والمآثر والمفاخر حياة انفع عند ذوي الهمم من حياة الجسم مع سبة الفرار واللوم. فكأنه يقول: تأخرت أستبقي حياة جسمي فبدالي الله تعالى الحياة الأخرى افضل لي. ولو كان على ما قاله البكري لم يكن لافتخاره محل لأنّه إنّما يطلب الحياة بإقدامه ولم يقدم شجاعة ولقاء بأس فإقدامه كالفرار ولا فضيلة له وهذا باطل.و قد قال بعد هذا البيت:
وليس على الإدبار تدمى كلومنا ... و كان على أقدامنا تقطر الدما
و قول أبي الطيب:
يرى الجبناء أنَّ الجبن حزمٌ ... و تلك خديعة الطبع اللئيمِ
وحتما.
شحمتي في قلعي.
الشحمة: القطعة من الشحم وهو معروف؛ والقلع بفتح القاف وسكون اللام وتحرك أيضاً شيء يجعل فيه الراعي زاده وأداته يشبه الكنف بكسر الكاف وهو وعاء أدوات الراعي. قال الراجز:
يا ليت أني وقشاماً نلتقي ... و هو على ظهر البعير الأورقِ
وأنا فوق ذات غربٍ خيفق ... ثم اتقي وأي عصر اتقي
بعلبةٍ وقلعه المعلقِِ
يضرب هذا المثل في الشيء يكون في ملكك وحوزك تتصرف فيه كيف شئت كما أنَّ الشحمة إذا كانت في قلعك كذلك.
شحيمةٌ في حلقي.
الشحيمة تصغير الشحمة وتقدم؛ والحلق بفتح الحاء المهملة الحلقوم. وهذا المثل مما وضع على لسان الذئب. يقولون: قيل للذئب: ما رأيك في غنيمة ترعاها جويرية؟ قال: شحيمةٌ في حلقي يعني إنّها حاصلة بلا تعب وصغرها تقللا واستسهالا. قيل: فغنيمة يرعاها غليم. قال شعراء في إبطي أخشى حظواته. الشعراء ذباب أزرق له لدغ يقع على الإبل والدواب والحظوات سهام صغار من قصب لينة يتعلم بها الغلمان؛ وكذلك الجماح ولا نصل له.
قال الشاعر:
أصابت حبة القلب ... بسهم غير جماحِ
شحمة الرُكى.
شحمة الرُكى على وزن ربى وهو الذي يذوب سريعا. يضرب لمن يعينك في الحاجات.
اشد من الفرس.
الشدة بالكسر اسم من الاشتداد. واشتد الأمر فهو مشتد؛ والفرس معروف وتقدم.
أشد من الفيل.
الفيل بالكسر معروف.
أشد من الدَّلم.
الدَّلم بفتحتين والدال المهملة شيء يشبه الحية يكون بالحجاز. وقيل نوع من القرد.
اشتدي زيم!
الاشتداد هنا العدو؛ وزيم بكسر الزاي ز فتح الياء المثناة من تحت بوزن عنب اسم فرس. وهذا في شعر للحطم القيسي يقول: هذا أوان الشد فاشتري زيم وتمثل به الحجاج في خطبته الكوفية.
قال أبو العباس المبرد في الكامل: حدثني الثوري في إسناد ذكره آخره عبد الملك أبن عمر الليثي قال: بينما نحن بالمسجد الجامع بالكوفة وأهل الكوفة إذ ذاك في حال حسنة يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه إذ أتانا آت فقال: هذا الحجاج قد قدم أميرا على العراق! فإذا به قد دخل المسجد معتماً بعمامة قد غطى بها أكثر وجهه متقلدا سيفاً متنكباً قوساً يؤم المنبر فمكث ساعة لا يتكلم. فقال الناس بعضهم لبعض: قبح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراق! حتى قال عمير بن ضابئ البرجمي: ألا أصبه لكم؟ فقالوا: أمهل حتى تنظر! فلما رأى عيون الناس أليه حسر اللثام عن فيه ونهض فقال:
أنا أبن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني!
ثم قال: يا أهل الكوفة أني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى! ثم تمثل فقال:

هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبلٍ ولا غنم ... و لا بجزارٍ على ظهر وضم
ثم قال:
قد لفا الليل بعصلبي ... أوزع خراجٍ من الدوي
مهاجرٍ ليس بأعرابي
وقال:
قد شمرت عن ساقها فشدوا ... وجدت الحرب بكم فجدوا
والقوس فيها وترعد ... مثل ذراع البكر أو اشد!
أي: والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغماز التين. ولق فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة. وإنَّ أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا واصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال. والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل! فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف. وإني والله ما أقول إلاّ وفيت ولا أهم إلاّ أمضيت ولا أخلق إلاّ فريت! وإنَّ أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم إلى محاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني اقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذه عطاءه بثلاثة أيام إلاّ ضربت عنقه! يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين1 فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين . . فلم يقل أحدٌ منهم شيئا. فقال الحجاج: اكفف يا غلام! ثم أقبل على الناس فقال: أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا؟ هذا أدب أبن لهيعة! أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمن! اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين! فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم! لم يبق أحد في المسجد إلاّ وقال: على أمير المؤمنين السلام! ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم. فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى ولي أبن هو أقوى مني على الأسفار أتقبله بدلا مني؟ فقال له الحجاج: نفعل أيّها الشيخ! فلما ولى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي يقول:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
و دخل هذا الشيخ على عثمان مقتولا فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردوه! فقال له الحجاج: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين بدلا يوم الدار إنَّ في قتلك أيّها الشيخ لصلاحاً للمسلمين! يا حرس اضربا عنقه! فجعل الرجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
تجهز فإما أن تزور أبن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
فأضحى ولو كانت خرسان دونه ... رآها مكان السوق أو هي اقربا!
و في هذه القصة ألفاظ تخفى. فقوله: أنا أبن جلا، أي المنكشف الأمر، وهو لسحيم بن واثلة وفيه كلام يأتي من حرف النون، إن شاء الله تعالى.
وقوله، أرى رؤوسا قد أينعت، أي أدركت، يقال: أينعت الثمرة إيناعا وينعت أيضاً ينعا. قال تعالى: )انظروا إلى ثمرة إذا أثمر وينعه(. وقال الشاعر في الفعل:
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
خرفه حتى إذا أرتبعت ... ذكرت من جلت بيعا
في قباب حول دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا
و قوله: هذا أوان الشد فاشتدي زيم! وهي فرس كما مر. وقال المبرد: يعني فرسا أو ناقة.
وقوله: بسواق حطم، الحطم: الذي لا يبقي من السير شيئاً، ويهلك المال بذلك. ومنه قيل النار التي لا تبقي حطمة.
وقوله: على ظهر وضم، والوضم بفتحتين كل ما يقطع عليه اللحم. وتقدم في التاء. قال الشاعر:
وفتيان صدق حسان الوجوه لا يجدون لشي ألم
من آل المغيرة لا يشهدون عند المجازر لحم الوضم
و قوله: بعصلبي، العصلب بالعين والصاد المهملتين، على مثال جحدب، والعصلبي بياء النسبة، والعصلوب: القوي الشديد الخلق، العظيم؛ وأروع أي ذكي.
وقوله: خراج من الدوي الدو بتشديد الواو؛ والدوى والداوية: الفلاة لا علم فيها ولا أمارة. قال الحطيئة:
وأنى اهتدت والدو بيني وبينها ... و ما خلت ساري الليل بالدو يهتدي

يريد: بخروجه من الدو أنَّ يخرج من كل غماء وشدة على طريق التمثيل. وقوله: وتر عرد، أي شديد. ويقال أيضاً عرند بالنون.
وقوله:ما يقعقع لي بالشان، واحدتها شن بالفتح، ويقال أيضاً شنة وهي قربة البالية اليابسة، فيقعقع بها فتنفر الإبل من صوتها. وضرب ذلك مثلا لنفسه في الثبات. قال النابغة:
كأنك من جمال بني أقيشٍ ... يقعقع بين رجليها بشن
و قوله: فررت عن ذكاء هنا تمام السن. ومنه قول أبن زهير: جري المذكيات غلاب.
ويطلق الذكاء أيضاً على حدة القلب. ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
يفضله إذا اجتهدا عليها ... تمام السن منه والذكاء
و قوله: عجم عيدانها، أي مضغها ليعرف الأصلب. قال النابغة:
فظل يعجم أعلى الروق منقبضا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود
وقال علقمة:
سلاءه كعصل النهدي غل بها ... ذو فيئة من نوى قرآن معجوم
و قوله: طالما أوضعتم الأضياع: ضرب من السير.
وقول الأسدي: فأضحى ولو كانت خرسان دونه أي دون سفره فإنه يراها قريبة لخوفه وطاعته. وأما قول ضابئ بن الحارث: هممت ولم أفعل . . " البيت " ، فكان من قصته إنّه وجب عليه حبس وأدب عند عثمان رضي الله عنه، فعثر عليه، فأحسن أدبه، فقال في ذلك:
وقائلة: إنَّ مات في السجن ضابئ ... لنعم الفتى تخلو به وتواصله!
وقائلة: لا يبعدن ذلك الفتى ... و لا تبعدن أخلاقه وشمائله
وقائلة: لا يبعدن الله ضابئا ... إذا الخصم لم يوجد له من يقاوله!
فلا تتبعي إنَّ هلكت ملامة ... فليس بعار قتل من لا أقاتله!
هممت ولم أفعل . . " البيت "
وما الفتك ما أمرت فيه الذي ... تخبر من لاقيت انك فاعله
و يشبه ما وقع لابن ضابئ ما وقع لأبي شجرة السلمي، وكان من فتاك العرب. فأذى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ليحمله، فقال له عمر: ومن أنت؟ قال: أنا أبو شجرة السلمي. فقال له عمر: ألست القائل، حيث ارتددت:
ورويت رمحي من كتيبة خالدٍ ... و إني لأرجو بعدها أعمرا
وعارضتها شهبا تخطر بالقنا ... ترى البيض في حافاتها والسنورا؟
ثم أنحى عليه بالدرة. فسعى إلى ناقة وحل عقالها وأقبل بها حرة بني سليم باحث سير هربا من الدرة وهو يقول:
قد ضن عنها أبو حفص بنائله ... و كل مختبط يوما له ورق
فمال يضربني حتى خذيت له ... و جال من دوني بعض الرغبة الشفق
ثم التفت إليها وهي حانية ... مثل الرتاج أنا ما لزه الغلق
في أبيات.
وقوله: وكل متخبط يوما له ورق، أي كل مسؤول فله فضل يسيده، ونوال يوليه وأصل في الشجرة انك تختبطها ببعضها ونحوها، فيسقط ورقها. قال زهير:
وليس مانع ذي قربى ولا رحمٍ ... يوما و معدم من خابط ورقا
قوله: حتى خذيت له، يقال: خذاله، وخذئ له بالفتح والكسر مهموزا واستخذى له، إذا خضع له وانقاد؛ وخذا يخذوا وخذوا إذا استرخى وخذيت أذنه بالكسر تخذى، إذا استرخت من أصلها وانكسرت، مقبلة على الوجه. فيحتمل أنَّ يكون قوله: خذيت له، من المهموز أو غيره.

اشتدي أزمة تنفرجي!
الاشتداد تقدم، والأزمة: الشدة والقحط، يقال: أصابتهم سنة أزمتهم أزما، أي استأصلتهم، وأزم الدهر إي اشتد وقل خيره؛ وأزم الرجل بصاحبه: لزمه، وألزمه: عضه؛ والانفراج: الانفتاح والاتساع. وهذا اللفظ حديث يروى. ولمّا كانت الحكمة الإلهية جرت بتنقلات الحوادث وتحولات الأحوال، وعدم استقرارها على حال، صارت الشدة إذا تناهت لم يعقبها إلاّ الفرج، كما أنَّ الفرج إذا تناهى لم يعقبه إلاّ شدة فصارت الشدة مفتاح الفرج وسببا فيه بهذا الاعتبار. فإذا طلبت الشدة فذاك طلب الفرج، وإقامة للسبب مقام المسبب. قال تعالى: ) فإن مع العسر يسرا(. وفي الحديث الآخر: احفظ الله يحفظك! احفظ الله تجده أمامك! تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة! وأعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطئك لم يكن ليصيبك! وأعلم أنَّ النصر مع الصبر، وإنَّ الفرج مع الكرب، وإنَّ مع العسر يسراً! وقال الشاعر:
ضاقت ولو لم تضق لمّا انفرجت ... فالعسر مفتاح كل ميسور
غيره:
خفض الجأش واصبرن رويداً ... فالرزايا إذا توالت تولت!

و قيل: وكان الإمام سحنون يقول إذا ضاقت عليه أمر ضيقي تفرجي يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين!
شراب بأمقعٍ.
الشراب معروف، وتثلث شينه، شرب بالكسر شربا وتشرابا، فهو شارب وشراب للمبالغة وأشربته أنا. وقيل: الشرب بالفتح مصدر وبالكسر والضم اسمان والشرب بالكسر أيضاً الحظ من الماء؛ والمقع بفتح الميم وسكون القاف: أشد الشرب. وفلان شراب بأمقع، أي معاود للأمور، يأتيها حتى يبلغ أقصى مراده

شراب بأنقع.
الانقع جمع نقع بفتح والنون وسكون القاف، وهو الماء المستنقع. وهذا أيضاً يضرب لمن جرب الأمور وعودها، كالذي قبله، أو للداهي المنكر، لأن الدليل إذا عرف الفلوت حذف بسلوك الطرق إلى الماء، وعرف أين يهتدي إلى الأنقع حتى يشرب منها
أشرد من نعامةٍ.
الشرود: الفرار؛ والنعام معروف، ولا أسرع منه عند شروده. قال:
وهم تركوك أسلح من حبارى ... رأت صقراً وأشرد من نعام
غيره:
وولو سراعا كشد النعام ... و لم يكشفوا عن ملك حصيرا
غيره: وكانوا نعاما عند ذلك منفرا والعرب تضرب به المثل في الجبن أيضاً مع ذلك، كما قال عمران بن حطان:
أسد علي في الحروب نعامةٌ ... فتخاء تنفر من صفير الصافر
و كما قال محكم اليمامة: إنَّ خالد لقي أسداً وغطفان، فأشار عليهم بذباب السيف، فكانوا كالنعام الجافل، أو كما قال:
أشرد من ورلٍ.
الشرود مر، والورل بفتحتين حيوان على خلقة الضب وهو أعظم منه وتقدم في حرف السين.
فائدة: ذكر بعضهم، إنّه لا يجتمع الراء واللام في لغة العرب إلاّ في أربعة ألفاظ: الورل المذكور وأرل اسم جبل والغرلة وهي القلفة، وجرل وهو ضرب من الحجارة. انتهى.
قلت: أما الورل فقد ذكرنا ضبطه، وأما أرل فبضمتين، وهو اسم جبل واسم موضع ببلد فزارة أيضا، وأما الغرلة فبضم الغين وسكون الراء. ورجل أرغل والجمع غرل، كما في الحديث: يحشر الناس حفاة عراة غرلا؛ وأما الجرل فبالجيم والراء المفتوحتين وهو الحجارة أو مع الشجر أو مع المكان الصلب الغليظ، جرل المكان بالكسر فر جرل ككتف والجمع أجرال.
شر الرأي الدبري.
شر أسم تفضيل. يقال: هذا أشر من هذا وشر منه بغير همز تخفيفا، كما يقال: هذا خير من هذا، وهو الأكثر استعمالا؛ والرأي: الاعتقاد، جمعه آراء ورئي، والدبري بفتحتين: الرأي الذي يسنح للإنسان أخرا، بعد فوات الحاجة. والدبري أيضاً: الصلاة آخر وقتها. قيل: والضم فيها من لحن المحدثين.
شر الرعاء الحطمة.
الحطمة على مثال همزة من الرعاة: الذي يهلك الماشية ويهشم بعضها ببعض، من الحطم، وهو الكسر ويضرب في سوء السياسة.
قال في الصحاح إنّه مثل، ومثله قول الراجز:
لقد لفها الليل بسواق حطم ... ليس يراعي إبل ولا غنم
و وهمه صاحب القاموس وقال أنه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وليس فيه كبير وهم، إذا لا منافاة. وكذلك وقع لأبي عبيد في كتابه إنّه مثل من أمثالهم.
وقال البكري في شرحه إنّه كلام يروى في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحسن: دخل العائد بن عمرو المزني وكان من صالحي أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، على عبيد الله بن زياد فقال له: إي بني، إني سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شر الرعاء الحطمة. فإياك أنَّ تكون منهم! قال عبيد الله: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم! قال: وهل كانت فيهم نخالة؟ وإنّما النخالة بعدهم في غيرهم. فائدة: إذا كان راعي الإبل أو الماشية كلها اخرق يظلمها قيل له حطمة، كما مر؛ وإذا كان رفيقا بها يحسن رعايتها قيل له ترعية وترعاية. وقيل أنَّ هذا لمن كانت صناعته وصناعة آبائه رعاية الإبل.
شر السير القحقحة.
السير معروف، والقحقحة: السير المتعب. ويقال قهقهة بقلب الحاء هاء ومنه قول رؤبة:
يصبحن بعد القرب القهقهة ... بالهيف من ذاك البعيد الأمقه
قال أبو علي البغدادي في نوادره: قال مطرف بن الشخير لأبنه: عليك بالقصد وإياك وسير القحقحة! يريد الأتعاب.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: قيما يضرب من الأمثال في التوسط في الأمور: منه قول مطرف بن عبد الله بن الشخير: الحسنة بين السيئين وخير الأمور أوساطها، وشر الأمور سير القحقحة. انتهى.

قال البكري: قال مطرف يوصي ابنه: يا عبد اله، إنَّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تنغص إلى نفسك عبادة ربك! فإنَّ الحسنة بين سيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير القحقحة، وإنَّ المنبت لا أرض قطع ولا ظهر أبقى انتهى.
قال: ومن قوله: إنَّ هذا الدين متين . . إلى آخر الحديث، مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسير بيت في هذا قول الشاعر:
عليك بأوساط الأمور فأنها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا!

الشر ألجأه إلى مخ العراقيب.
ويقال أيضاً:
شر ما أجاءك إلى مخة عرقوبٍ.
الشر نقيض الخير؛ ولجأ الرجل إلى كذا بالفتح والكسر لا ذبه وألجأته إليه: أضطررته وأجأته إليه أيضا بمناه؛ والمخ نقى العظم وعظم ممخ: ذو نقي؛ والعراقيب جمع عرقوب، وهو العصب فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يديها، وكل ذات أربع فعرقوباها في رجليها، وركبتاها في يديها. والمعنى أنَّ الشر هو الذي ألجأك إلى سؤال اللئام. فيضرب عند الاضطرار إلى المسألة البخيل. وإنّما خص العرقوب لأنه شر المخاخ، كما إنّه شر العظام، كما قال الاخطل لكعب بن جعيل:
وسميت كعبا بشر العظام ... و كان أبوك يسمى الجعل
شر المال مالا يزكى ولا يذكى.
المال: معروف، والتزكية إخراج الزكاة والتذكية الذبح للأكل. والموصوف بما ذكر الحمار ونحوه، لأنّه لا زكاة فيه وزكاة له.
شر أهر ذانابٍ.
الشر تقدم؛ وهر الكلب يهر هريرا: صوت ولم ينبح. قال حسان، رضي الله عنه:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
غيره:
ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النباحا
و ذو الناب: الكلاب؛ وأهررته أنا: حملته على الهرير.
وهذا المثل يضرب عند ظهور أمارات الشر وتبين مخائله.
وأصله أنَّ قائله سمع هريرا الكلب في الليل، فأشفق من طارق بشر، فقال ذلك تعظيما للحال وتهويلا للأمر عند نفسه ومستمعه، أي: ما أهر ذا ناب إلاّ شر عظيم.
ولأحل هذا الوصف المنوي، حسن الابتداء بلفظة " شر " حتى حصل من ذلك الحصر.
شر يوميها وأغواه لها.
هذا يضرب عند إظهار البر باللسان لمن يراد به الغوائل. وهو شطر بيت تمامه:
ركبت غز بحدج جملا
و سيأتي في حرف اللام استيفاء الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
الشرط أملك، عليك أم لك.
الشرط بفتح فسكون إلزام الشيء والتزامه. ويكون أيضاً بمعنى سق الجلود، كفعل الحجام، وأما الشرط بالتحريك فهو العلامة، ومنه أشراط الساعة، أي علامتها؛ والملك مثلث الميم: لاحتواء على الشيء والقدرة عليه.
والمعنى إنَّ ما أشترط فهو لازم وأولى أنَّ يتفع سواء كان ذلك الشرك عليك أم كان لك.
وهذا المثل نطق به القاضي شريح، ولا أدري أهو المخترع له أم قيل قبله.
ذكر السكاكي في المفتح إنّه حكى أنَّ عدي بن أرطة أتى ومعه امرأة له مثال أهل الكوفة يخاصمها. فلما جلس بين يدي شريح قال له عدي: أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط. قال: إني امرؤ من أهل الشام. قال: بعيد وسحيق. قال: وإني قدمت العراق. قال: خير مقدم. قال: وتزوجت هذه. قال: بالرفاء والبنين! قال: إنّها ولدت لي غلاما. قال: ليهنك الفارس! قال: وأردت أنَّ أنقلها إلى داري. قال: المرء أحق بأهله. قال: كنت شرطت لها وكرها. قال: الشرط أملك منك! قال: أقض بيننا! قال: فعلت! قال: فعلى من قضيت؟ قال: على أبن أمك! قوله: أين أنت؟ يريد: في أي شغل أنت هذا الوقت؟ هل أنت متفرغ للنظر فيما بيننا؟ ولا يريد السؤال عن المكان حقيقة، ولكن لمّا كان فضولا مع ما فيه من سوء الأدب حمله القاضي على حقيقته وأجاب بنفس المكان، تجهيلا له وتعريضاً إنّه بين جمادين وهما عدي والحائط.
وقوله الرفاء والبنين: متعلق بمحذوف، أي تزوجت وأعرست مصحوبا بالرفاء، أي بالموافقة والألفة وبالبنين، أي الذكور دون البنات.
وقوله: ليهنك الفارس! دعاء له وتفاؤل، أي: ليكن ولدك هنيئا لك لائقابه، ويبلغ مبلغ الفروسة!

وقوله: الشرط أملك منك؟ أي ملكه وتصرفه أقوى من تصرفك، فلا ينبغي أنَّ يخالف. وقوله: على أبن أمك، أي عليك. وإنّما عدل عن التصريح إلى ما ذكر، كراهية موجهته بالحكم عليه، لمّا جلبت عليه النفوس من كراهية ذلك. ومثل هذا ما يحكى عن شريح أيضاً من إنَّ رجلا أقر عنده بشيء ثم أنكر، فلما قال له: أعط الحق! قال: من يشهد علي؟ قال: شهد عليك أبن أختك خالتك. فعدل عن التصريح ستر عليه وكراهية أنَّ ينسبه إلى الحمق بالإنكار بعد الإقرار.

شرعك ما بلغك المحل.
يقال: هذا الشيء شرعك، أي حسبك، ومررت برجل شرعك من رجلٍ! أي حسبك. ومعنى إنّه من النحو الذي يشرع فيه؛ والتبليغ معروف؛ والمحل: الموضع الذي تريده.
والمعنى أنَّ ما بلغك المحل المراد فهو حسبك. فيضرب في التبليغ باليسير.
وقال أبو عبيد: من أمثالهم في جود الرجل بما فضل عن حاجته بماله قولهم:
يكفيك ما بلغك المحل.
قال البكري: المشهور في هذا: شرعك ما بلغك المحل، أي حسبك. وقال: آخر في هذا المعنى:
حسب الفتى من دهره ... زاد يبلغه المحلا
خبر وماء بارد ... و الظل حين يريد ظلا
قال: والمحل هو الدار الباقية.
شرق ما بين القوم بشر.
يقال: شرق بالماء بالكسر إذا غص به. قال عدي بن زيد:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
و يقال في هذا المثل إذا نشب الشر بين الناس.
والمعنى إنّه امتلأ ما بينهم بالشر، فكأنه غص. وهكذا كما تقول: غص المجلس بأهله، أي امتلأ، على طريق التمثيل.
اشتر لنفسك وللسوق!
هذا مثل يضرب في الاحتياط. ومثله قولهم: إذا اشتريت فأذكر السوق! وقد تقدم في الباب الأول. ومثله ما حكى البكري أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول: إذا اشتريت بعيرا فاجعله ضخما، فإنَّ أخطئك خيراً لم يخطئك سوقا.
شغلت شعابي جدواي.
الشغل بالضم وبضمتين، وبالفتح وبفتحتين ضد الفراغ شغله شغلا بالفتح، وأشغله أيضا؛ والشعاب جمع شعب بالكسر من الأرض؛ والجدوى: المطر العام والعطية أيضاً.
ويضرب هذا المثل فيما إذا لم يكن لمالك أو عطائك أو علمك أو نحو ذلك فضل عن نفسك أو عن من يتعلق بك، كالمطر تشغله شعابك، فلا يصل إلى موضع آخر.
ومعنى ذلك إنّه إذا قل المطر الواقع في الشعاب أو النازل إليها من التلاع، شربته وشغلته بذلك عن إنَّ يخلص إلى ما بعدها من الأودية والبقاع.
أشغل من ذات النحيين.
الشغل مر؛ والنحي بكسر النون وسكون الحاء المهملة: الزل. وقيل مخصوص بما كان للسمن؛ وذات النحيين امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت خرجت في الجاهلية تبيع السمن فأتاها خوات بن جبير الأنصاري رضي الله عنه فسألوها فحلت نحيا مملوءاً فنظر إليه ثم قال: امسكيه حتى أنظر إلى الآخر! ثم حل نحيا آخر فقال: امسكيه حتى انظر إلى خيره! فلما شغل يدها معا وقع عليها حتى قضى أربه منها فهرب. فضربت العرب بشغلها المثل وقالوا: اشغل من ذات النحيين، وبنو أشغل من شغل بالبناء لمّا لم يسم فاعله، على وجه الشذوذ. وتقدم نظيره وتوجيهه.
وقال خوات في ذلك
وذات عيال واثقين بعقلها ... خلجت لها جار أستها خلجات
وشدت يداها إذ أردت خلاطها ... بنحيين من سمن ذوي عرجات
فكان لها الويلات من ترك سمنها ... و رجعت صفراً بغير بتات
فشدت على النحيين كفا شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتي
قال في الصحاح: ثم اسلم خوات وشهد بدرا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا خوات، كيف شراؤك؟ وتبسم صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، قد رزق الله خيراً، واعوذ بالله من الحور وهجا رجل تيم الله فقال:
أناس ربه النحيين منهم ... فعدوها إذا عد الصميم
شغلهم الصفق بالأسواق.
يتمثل له وهو كلام عمرو بن أبي هريرة رضي الله عنهما لمّا ذكر لعمر حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروه. قال: اخفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلني الصفق بالأسواق، أي بالبيع والشراء، لأن المشتري والبائع يضرب أحدهما بيده على يد صاحبه وهو الصفق.
وقال أبو هريرة: إنَّ إخواني من المهاجرين والأنصار شغلهم الصفق بالأسواق، وكانت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطني، كما في الصحيح.

شق العصا.
الشق: الصدع والعصا بالقصر العود يضرب به. والعصا أيضاً: اللسان وعظم الساق وجماعة الإسلام. وقولهم: شق فلان العصا أي فارق الجماعة ويقال في الخوارج: شقوا عصا المسلمين، أي فارقوا جماعتهم.
وقال الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحبسك والضحاك سيف المهند!
أشكر من بروقةٍ.
الشكر بالضم أنَّ تعرف الإحسان وتشكره: والشكر من الله تعالى: المجازاة والثناء الجميل؛ والبروقة بكون الراء واحدة البروق، وهو شجر ضعيف، إذا غامت السماء أخضر، فوصف لذلك الشكر.
أشكر من كلبٍ.
الشكر مر، والكلب معروف، وشكره رضاه بالموجود وحياطته لصاحبه وقيامة عليه واتباعه له مع ذلك. ومما يحكى في هذا عن بعضهم قال: دخلت على العتابي، فوجدته جالسا على حصير وبين يديه شراب في إناء، وكلب رابض حوله يشرب كأسا ويولغه أخرى. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: إنّه يكف عني أذاه ويكفيني أذى من سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مبيني ومقيلي، فهو من الحيوان خليلي.
قال الراوي: فتمنين والله أنَّ أكون كلابا لأحوز هذا النعت منه! ويقال إنَّ الحارث بن صعصعة كان له ندماء لا يفارقهم، وكان شديد المحبة لهم فخرج في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه. فتخلف منهم واحد، فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما. فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما ميتين وعرف الأمر. فأنشأ يقول:
فيا عجبا للخل يهتك حرمتي ... و يا عجبا للكلب كيف يصون
ما زال يرعى ذمتي ويحوطني ... و يحفظ عرسي والخليل يخون!
و يوثر في الحديث إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مقتولا فقال: ما شأنه؟ قالوا: إنّه وثب على غنم بني زهرة فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله. فقال صلى الله عليه وسلم؛ قتل نفسه وأضاع دينه وعصى ربه وخان أخاه وكان الكلب خير منه.
ويحكى عن أبن عباس رضي الله عنه: كلب أمين خير من صاحب خؤونٍ وقد ألف بعض العلماء تأليفا في فضل الكلاب على كثير من لبس الثياب.
شاكه أبا فلانٍ.
المشاكهة: المشابهة.
وأصله أنَّ رجلا عرض فرسا له في السوق، فقال له رجل: أهذه فرسك التي كنت تصيد عليها الوحش؟ فقال: رُبَّ الفرس: شاكه، أي قارب في المدح ولا تفرط. فيضرب في الأمر بالقصد في المدح.
ويحكى أيضاً في هذا القصة إنَّ الأعرابي أقام فرسه للبيع فقال صاحبه: إنّها لتصاد عليها الوحش وهي رابضة. فقال له: رُبَّ الفرس، لا أبالك، كذب كذبا مؤاما به الدهر! أي موفقا به الدهر في تقلباته وأحواله الجائزة الوقوع.
وقيل إنَّ رجلا أدخل حمارا له في السوق، فجعل يقال له أبو اليسار يمدحه ويقول: إنَّ حافره جلمود، وإنَّ ظهره حديد. فقال صاحب الحمار: شاكه أبا يسار، دون ذا وينفق الحمار! وتقدم هذا في الدال.
شكا إلى غير مصمتٍ.
الشكوى أنَّ تذكر الغير بسوء فعله بك، تقول: شكوت فلانا أشكوه شكوى وشاكية وشكية، فهو مشكو ومشكي؛ واشتكيه: فعلت به ما يشكوه، أو أعتبته وأزلت شكواه. فهو من الأضداد. قال الراجز:
تمد بالأعناق أو تلويها ... و تشتكي لو أننا نشكيها
و صمت يصمت صموتا وصمتا، وأصمت إصماتا وصمت تصميتا: سكت؛ وأصمته أنا وصمته تصميتا: أسكته، لا زمان متعديان. فيقال: شكا فلان إلى غير مصمت، أي إلى من لا يبالي به، فلا يصمته لأن من شكا إلى من يعنى بحاجته ويهتبل بأمره ويقوم بحقه ويقضي أربه ويزيل شكواه ويشفي ما في صدره فيصمت عن الشكوى حينئذ.
قال الراجز:
انك لا تشكوا إلى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت!
و نحوه المثل الآتي: هان على الأملس ما لقي الدبر.
الشماتة لؤم.
الشماتة: الفرح بمصيبة العدو، ويقال: شمت به بالكسر يشمت شماتا وشماتة، فهو شامت. قال أبو صخر الهذلي:
وتجلدي للشامتين أريهم ... إني لريب الدهر لا أتضعضع
و اللؤم بضم اللام وسكون الهمزة ضد الكرم، ولؤم بالضم لؤما فهو لئيم وهو لؤماء. وهذا الكلام يعزي لأكثم بن صيفي، حكيم العرب.
والمعنى إنّه لا يتشمت بالغير ولا يفرح ببليته إلاّ من لوم أصله. وقال أبن أبي عيينة
كل المصائب قد تمر على الفتى ... تهون غير شماتة الحساد
وقال الآخر:

إذا ما الدهر جر على أناسٍ ... كلاكله أنام بآخرينا
فقل للشامتين بنا: أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا!
أشم من نعامةٍ.
الشم حاسة الأنف، تقول: شممت بالكسر والفتح، أشم مفتوحا ومضموما شما وشميما وشميمي؛ وتشممته؛ والنعام تقدم. يقال إنّه لا سمع له، ومن ثم يقال إنّه أصم. فأعطي قوة الشم بأنفه ما ينوب عن السماع، حتى إنّه يشم رائحة القناص عن بعيد.

شنشنه أعرفها من أخزم
الشنشنة بالكسر: الطبيعة والخلق: وأخزم بالزاي رجل من طيء، وهو أبن أبي أخزم جد حاتم، أو جد جده. مات أخزم هذا وترك بنين، فوثبوا يوما على جدهم فأدموه فقال:
إنَّ نبي زملوني بالدم ... من يلق أساد الرجال يكلم
ومن يكن ذا أود يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم
لأنه كان عاقا كذلك.
ويحكى إنَّ عقيل بن علفة بضم العين المهملة وفتح اللام المشددة بعدها فاء على وزن قبرة بن الحارث المري، خرج هو وأبناه، جثامة وعملس، وأختهما الحوراء حتى أتوه ابنة أخ ناكحا في بني مروان بالشام. ثم قفلوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال عقيل:
قضت وطرا من دير سعد وكالما ... على عرض نطحنه بالجماجم
ثم قال: أجز، يا جثامة! فقال:
وأصبحن بالهومات يحملن فتية ... نشاوي من الإدلاج هيل العمائم
ثم قال: أجز يا علمس! فقال:
إذا علم غادرنه بنتوفة ... تذارعن بالأيدي لآخر طاسم
ثم قال: يا حوراء، أجيزي! فقالت:
كأنَّ الكرى ساقهم صرخ يده ... تدب دبيبا في المطا والقوائم
فقال عقيل: شربتها، وربَّ الكعبة! ثم شد عليها بالسيف، فقال أخوها: ما ذنبنا؟ إنّما اجازت شعرا! فشد عليه أحدهم فخدشه بسهم يتمعك في دمه ويقول :
إنَّ بني ضرجوني بالدم ... من يلق أبطال الرجال يكلم
شنشنة أعرفها من أخزم
ثم توجه ولده للطريق. فلما مروا ببني القين قالوا لهم: هل لكم في الجزور انكسرت! قالوا: نعم! قالوا: الزموا هذه ارواحل! فذهب القوم حتى انتهوا إلى عقيل، فحملوه وعالجوه حتى برئ ولحق بهم. فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: من أمثالهم في التشبيه الرجل بأبيه: شنشنة اعرفها من أخزم. قال: وهذا المثل يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قاله في أبن عباس، رضي الله عنهما، شبهه في رأيه بابيه. قال البكري: أخزم هذا هو جد حاتم بن عبد الله الطائي، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن أبي أخزم بن أبي أخزم. وقيل هو جد عقيل بن علفة. الشنشنة: النطفة، من شنشنت إذا أرقت. ويراد ما أراق من النطفة في الرحم.
قال أبو بكر: وقال قوم: شنشنة: الغريزة والطبيعة. فمن جعل أصل المثل لأخزم الطائي قال: كان أخزم جوادا. فلما نشأ حاتم وعرف جوده قال: الناس: شنشنة من أخزم، أي قطرة من نطفة أخزم. قال: وذكر علي بن الحسن إنَّ عقيل بن علفة أبن الحارث المري أتى منزله فإذا بنوه مع بناته وأزواجه مجتمعون. فشد على عملس منهم، فحاد عنه وتغنى ابنه علفة:
قفي يا ابنه المري أسألك ما الذي ... تريدين فيما كنت منيتا قبل
فإنَّ شئت كان الصرم ما هبت الصبا ... و إنَّ شئت لا يفنى التكارم والبذل!
فقال عقيل: يا أبن اللخناء متى منتك نفسك هذا؟ وشد عليه بالسيف. فحال علمس بينه وبينه، وكان أخاه لأمه وأبيه. فشد على علمس بالسيف وترك علفة ولم يلتفت إليه فرماه علمس بسهم وأصاب ركبته. فسقط عقيل يتمكع بالدم وهو يقول:
إنَّ بني سربلوني بالدم ... من يلق أبطال الرجال يكلم
ومن يكن ذا أود يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم
قال المدائني: شنشنة أعفها من أخزم مثل ضربه، وأخزم فحل كان لرجل من العرب وكان منجبا، فضرب في ابل رجل آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جملا فقال شنشنة أعرفها من أخزم. انتهى كلام البكري.
وقال أبن ظفر في شرح المقامات: هذا المثل ضربه جد حاتم حين نشأ حاتم وتقيل أخلاقه جده أخزم في الجود، فقال: شنشنة . . الخ. وتمثل عقيل بن علفة به حين قال: إنَّ بني . . الخ. ومن أدعى إنَّ المثل فقد سها فيه. انتهى.
شاهد البعض اللحظ.
مثله قولهم أيضاً: رب لحظ انم من لفظ كما مر من قول زهير:
فإنَّ تك في عدو أو صديقٍ ... تخبرك العيون عن القلوب
و قول أبن أبي حاتم:

خذ من العيش ما كفى ... و من الدهر ما صفا
عين من لا يحب وص ... لك تبدي لك الجفا
و قول الآخر:
تخفي العداوة وهي غير خفية: ... نظر العدو بما أسر يبوح
وقالوا: يعبر عن الإنسان اللسان، وعن المودة والبغض العيان.

يشوب ويروب.
الشوب: الخلط تقول: شبت اللبن وغيره بالماء، وأشوبه شوبا والروب الرائب وهو اللبن الخاثر قبل أن يحمض. ولا يزال يمسك بذلك حتى يمخض وينزع زبده. ثم يبق ذلك الاسم على بعد. قال الشاعر:
سقاك أبو ماعز رائبا ... و من لك بالرائب الخاثر؟
يقول: سقاك الممخوض، ومن لك بالذي لم يمخض. وهذا قول أبي عبيد.
ورابت اللبن وروبته وراب هو يروب روبا.و المروب: السقاء الذي يروب فيه.
ويقال: ما له شوبٌ ولا روبٌ أي مرق ولا لبن.
وقيل الشوب العسل والروب اللبن وفلان يشوب ويروب: يخلط ويصفي ويمزج الهزل بالجد.
يضرب من إصابته مرة وأخطائه أخرى. ويقال : يشوب ولا يروب أي يخلط ولا يخلص.
وأصل يروب في المثالين يريب وإنّما قيل يروب للازدواج.
شب شوباً لك روبته!
الشوب تقدم؛ والروبة بضم الراء روبة اللبن وهي خميرة تلقى فيه من الحامض يروب.
وهذا كما يقال : أحلب حلبا لك تنظره! كذا في الصباح. وهو يناسب أن تكون الأم في لك للملك والاستحقاق فيما يستقبل؛ ويحتمل أن يكون الملحوظ فيها المضي فيقال لمن شب نار فتنة أو تسبب في أمر من الأمور كأنه قيل له: اجر في فتنة أنت مثيرها أو منك كان أقوى أسبابها والإعانة فيها.
شاورهن وخالفوهن!
أي النساء. يتمثل به وهو حديث.
شالت نعامته.
يقال: شالت الناقة بذنبها تشول شولاً وشولانا وأشالته: رفعته وشال الذنب نفسه: ارتفع لازمٌ متعد: وشال بالحجر أيضاً وأشاله: رفعه؛ والنعامة الحيوان المعروف.و النعامة اسضا: جماعة القوم وباطن القدم يقال للقوم: شالت نعامتهم إذا خفت منازلهم أو تفرقت كلمتهم أو ذهب عزهم. وشالت نعامة فلان إذا خف وغضب ثم سكن. هكذا قال بعض العلماء. وقال آخرون: يقال شالت نعامة فلان إذا هلك. ومن هذا قول الشاعر:
يا ليتنا أمنا شالت نعامتها ... أيما أبى جنةٍ أيما إلى نارِ!
قيل وذلك لأنَّ النعامة باطن القدم وشالت: ارتفعت ومن شأن من هلك أن ترتفع رجلاه وينكسر رأسه فتظهر نعامة قدمه. ومن ثم يقال : تنعم فلان إذا مشى حافياً على نعامته كقوله:
تنعمن لمّا جاءني سوء فعلهم ... إلاّ إنّما البأساء للمتنعم!
و اختلف في قول عنترة:
فيكون مركبك القعود ورحله ... و أبن النعامة عند ذلك مركبي
فقيل: أبن النعامة: الطريق وقيل:باطن القدم. وسمي الطريق بذلك لأنّه مركب لها.
شوى حتى إذا نضج رمد.
شيُّ اللحم معروف؛ والنضج كما الطبخ؛ والترميد: جعله في الرماد وتعفينه به. فيقال لكل من أفسد الشيء بعدما صلح.
شيئاً ما يطلب السوط إلى الشقراء!
السوط معروف؛ والشقراء فرس لبعض العرب ركبها فجعل كلما ضربها زادته جرياً.
يضرب لمن طلب حاجة وجعل يدنو من قضائها والفراغ منها. كذا في القاموس. ومما يلتحق بهذا الباب قولهم:
أشربتني ما لم أشرب.
أي ادعيت علي ما لم افعل. وقولهم:
الشعر أحد الوجهين.
أي النظر إليه كالنظر إلى الوجه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم.
شاهت الوجوهُ.
فانه كثيرا ما يتمثل به. وقول الحريري:
شوى في الحريق سمكته.
والحريق اسم من الاحتراق؛ والسمكة: الحوتة وهي إنّما تشوى في النار القوية وفي اللهب ما دام؛ فإذا سكن تعب في شيها.
فيضرب ذلك مثلا لقضاء الحاجة من القاضي ما دام غضبه للكرام بتحريكه للنوال بالشعر وانتهاز الفرصة منه قبل سكون غضبه فقد لا يوجد إذ ذاك.
وإذ فرغنا من الأمثال المنثورة فلنذكر ما تسمى من الشعرية.
قال الشاعر:
لقد كثر الظباء على خداشٍ
وهذا المثل مشهور ويمام البيت:
فما يدري خداشٌ ما يصيدُ
غير أنه إذا تمم خروج عن هذا الباب.
وقال بعض الوعاظ مضمنا لهذا المثل في ذم الدنيا:
يا راكضاً في طلاب دنيا ... ليس لمن تصرعُ انتعاشُ
تنح يا عرضة لرامٍ ... أسهمه بالردي تراشُ
لا تغش ناراً " " لظاها ... بمن له نحوها انحياشُ!

أعذر منك الفراش حالاً ... علمت ما يجهل الفراشُ
تطلبها لا تنام عينٌ ... عنها ولا يستقر جاشُ
من كل بالري من شرابٍ ... يشتد من شربه العطاشُ؟
دعها فطلابها رعاعٌ ... طاشت بألبابهم فطاشوا
وأظمأ لتروى وكن كقومٍ ... ماتوا بها عفةً فعاشوا!
لم يردوها فهم رواءٌ ... و واردوها هم العطاشُ
كأنَّ المنايا ظباءٌ ... و أنت من حيرةٍ خداشُ
إنَّ لأيامنا انبساطاً ... به لأعمارنا انكماشُ
كأنَّ آجالنا صقورٌ ... و نحن من تحتها خشاشُ
وقال الآخر:
ما لقوي عن ضعيفٍ غنى ... لا بد للسهم من الريش!
وقال أبو الطيب:
ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش
وقال الآخر:
وقد كنت مركبكم في الصدور ... فصرت بها ملحقاً في الحواش
وقال سابق البربري:
فلا تخبر بسرك كل سرٍّ ... إذا ما جاوز الاثنين جاشا!
و الاثنتين هنا الشفتين.
ومثله عند عضهم قول الآخر:
إذا جاوز الاثنين سرٌ فانه ... ببثٍّ وإفشاء الحديث قمينُ
وقال القائم بأمر الله أحد ملوك بني العباس:
القلب من خمر التصابي منتشٍ ... هل لي غديرٌ من شرابٍ معطشِ؟
والنفس من برح الهوى مقتلةٌ ... و لكم قتيلٍ في الهوى لم ينعشِ!
جمعت عليَّ من الغرام عجائبٌ ... خلفن قلبي في إسارٍ موحشِ
خلٌ يصد وعاذلٌ متنصحٌ ... و منازعٌ يغري ونمامٌ يشي
غيره:
إذا الواشي بغى يوماً صديقاً ... فلا تدع الصديق لقول واشِ!
و قلت أنا:
ولائمةٍ هبت بليلٍ تلومني ... وثوب الدجى ما للصبح به نقشُ
وليس لديباجِ السماء الذي سما ... علينا سوى ترقيش أنعمه رقشُ
وقد جبت آفاقها فكأنها ... من السندس الخضر السرادق والعرشُ
كأنَّ النجوم الزهر في جنباتها ... وجوهٌ زهتهن الملاحة والبشُ
تلوم على أن لم تر الدهر مسعداً ... مناي وصرف الدهر ليس له حفشُ
وأشجى حشاها أن تبدى بعاتقي ... لأنيابه عضٌ وفي عضدي نهشُ
وأن تفضي من رزاياه طارفي ... و أن قد جرى منه على أعضمي محشُ
فباتت يناجيها الأسى ويجيشها ... إليَّ تناجيني ويغلبها الجهشُ
وتمحضني منها تخالُ نصيحةً ... ولم تدر أنَّ النصح آونةً غشُ
تقول: التجئ للمترفين فإنه ... إلى نارهم من نابه دهره يعشو
فقالت لها إذ كان زوراً مقالها ... مقالة شهمٍ ليس في قيله رفشُ
هو الدهر ما يبقى على متخشعٍ ... جزوعٍ ولا يرثي لشاكٍ إذا يشطو
وأحداثه تجري فمن ذي هوادةٍ ... أليفٍ وذي شحناء أخذته بطشُ
وما الدهر إلاّ واديان فمعشٌ ... أنيس لمرادٍ وذو جردٍ وحشُ
وداران دارٌ ذات نعمى هنيئةٍ ... و فرشٍ وأخرى لا نعيمٌ ولا فرشُ
ويومان يومٌ أنت فيه متوجٌ ... على العرش أو يومٌ به حسبك الفرشُ
وما المال إلاّ مزن صيفٍ وقلما ... يدوم ويجدي للصدى ذلك الطشُ
وليلة سارٍ بينما هو مقمرٌ ... بصحراء غاب البدر فاستوسق الغبشُ
وليس الفتى من ليس يبرح ضارعاً ... هلوعاً إذا يرمه من دهره خدشُ
كئيبٌ بئيسٌ إن عرته ملمةٌ ... و تغشاه إن أثرى الشراسة والفحشُ
سؤولٌ لما وافى منوعٌ لمّا حوى ... ودودٌ لمن أثرى بغيضٌ لمن يغشو
عزيزٌ على المولى ذليلٌ على العدا ... عبوسٌ إذا يسمو طليقٌ إذا يلشو
ولكن من إن ناله لا شباته ... تفل ولا في حزمه يدرك النفشُ
ضنينٌ بماء الوجه لا يستثيره ... إلى مطمعٍ في غير خالقه حرشُ
صبورٌ على علاته متجرعٌ ... دوين الهوان ما تهرعه الرقشُ
عليمٌ بأن النائبات إذا عرت ... فملجؤها السامي بسلطانه العرشُ
هو المرتجى في فتح ما كان مرتجا ... و تنوير ما أمسى به أظلم الغطشُ
وثيقٌ بهذا لا تلين صفاته ... إذا قرعت أحشاءه النوب المحشُ
قريبٌ من المولى صفيٌ إذا اعتنى ... و مبتعدٌ عنه إذا مسه خيشُ
فلا عرضه يبلى ولا حزمه يهي ... و لا وهنه يبدو ولا سره يفشو

فذلك ما عاش السميُّ مكانه ... و أخلق بأن يسمو إذا حفه النعشُ
قوله: السرادق والعرش، السرادق: البيت من الكرسف والذي يمد فوق صحن الدار؛ والعرش: الخيمة وسقف البيت وما يستظل به.
والبش والبشاشة: طلاقة الوجه.
والنقربات: الخيل تقرب مرابطها.
والبرش في شعر الفرس نكت صغار تخالف سائر لونه.
والخفش: الطرد والمحش: قشر الجلد من اللحم وشدة الأكل.
والجهش: الفزع يقال: جهش إليه جهشاً إذا فزع. وهو يريد البكاء كالصبي.
والرفش: الضعف والوهن أو الخلط من قوله: رفشت الشيء إذا دققته وهرسته مجازاً.
والكشو: العض.
والغبش: ظلمة آخر الليل وأثرى الرجل: كثر ماله وغشاه يغشوه وغشيه يغشاه: أتاه.
ولشا الرجل: خس بعد رفعة.
والحرش: التحرك والاصطياد.
ولنكتف بهذا القدر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

باب الصاد
أصبر من حمارٍ.
الصبر خلاف الجزع صبر بالفتح صبرا فهو صابر وصبور وتصبر واصطبر. والصبر أيضاً: الحبس واللزوم؛ والحمار معروف وطبعه الصبر على الأثقال والأحمال.
أصبر من ذي الضاغط.
الصبر مر وذو الضاغط: البعير والضاغط انفتاق في إبطه.
وفي عبارة بعضهم هو البعير الذي حز مرفقه جنبه.
أصبر من عودٍ بدفيه الجلب.
العود: المسن من الإبل كما مر؛ والدفان: الجنبان؛ والجلب جمع جلبةٍ على مثال غرفةٍ، وهو أثر الدبر.
والمثل الأول من هذين. قال البكري: هو لسعيد بن أبان بن عيينة بن حصن؛ والثاني لحلحلة بن قيس بن أشيم وكلاهما فزاريان.
قال: وخبر ذلك أنَّ كلبا أوقعت ببني فزارة وقتلوا منهم نيفا وخمسين رجلا. فتلافى عبد الملك أمرهم وتحمل لبني فزارة نصف الحمالات وأداها إليهم وضمن النصف الآخر إلى العام المقبل. ثم إنَّ فزارة أخفرت ذلك وغزت كلبا. فلقوهم ببنات قين فتعدوا عليهم في القتل فغضب عبد الملك لإخفارهم ذمته فكتب إلى الحجاج يأمره إذا فرغ من أبن الزبير أن يوقع ببني فزارة. فلما فرغ الحجاج من شأن أبن الزبير نزل ببني فزارة. فأتاه سعيد وحلحلة المذكوران، فأوثقهما وبعث بهما إلى عبد الملك. فلما مثلا بين يديه قال عبد الملك: من كان عنده دين وتر فليقم إليها! فقام أبن سويد الكلبي وكان أبوه ممن قتل ببنات قين فقال: يا حلحلة هل أحسمت سويدا؟ فقال: عهدي به يوم بنات قين وقد انقطع خروه في بطنه. فقال: أما والله لأقتلنك! قال: كذبت ما أنت تقتلني وإنّما أبن الزرقاء! والزرقاء إحدى امهات مروان بن الحكم يعابون بها. فنادى بشر بن مروان وأمه فزارية فقال: صبرا حلحل! فقال حلحلة:
أصبر من عودٍ بدفيه الجلب ... قد أثر الباطن فيه والحقب
ثم التفت إلى أبن سويد فقال: يا أبن أستها أجد الضربة! فقد وقعت بأبيك مني ضربة أسلحته. فضرب أبن سويد عنقه.
ثم قدم سعيد بن أبان ليضرب عنقه فناداه بشر: صبرا يا سعيد! فقال:
أصبر من ذي ضاغطٍ عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
فضرب عنقه وألحقه بصاحبه.
والعركرك: البعير الغليظ؛ والزور: الصدر.
أصبر من قضيبٍ.
قضيب بالقاف والضاد المعجمة على مثال أمير رجل من ضبة.
صاحب الدابة أولى بمقدمها.
يتمثل به وهو يروى أثرا أو حديثا. ومعناه ظاهر.
صادف بطنه بطن تربة.
يقال: صادفه إذا لقيه ووجده؛ والبطن خلاف الظهر، من الحيوان ومن الأرض أيضاً؛ وتربة على مثال همزة وادٍ معروف يصب في بستان أبن عامر. فيقال هذا عند مصادفة الخصب وسعة العيش كأنه صادف هذا الوادي.
صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس وهو لمركوبه أهيب
هذا المثل من الأمثال الحكيمة، وهو قول الشاعر:
لا تصاحبن السلطان في حالةٍ ... صاحبه ليث الشرى يركب
يهابه الناس لمركوبه ... و هو لمّا يركبه أهيب
و سيأتي استيفاء هذا المعنى في الحكمة، إن شاء الله تعالى.
اصح من عير أبي سيارة.
الصحة ضد السقم، والعير بالفتح الحمار الوحشي. قال امرؤ القيس:
كأني ورفد والقراب ونمرقي ... على ظهر عير وارد الخيرات
و قد يطلق على الأهلي، كما قال الآخر:
ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلاّ الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... و ذا يشج فلا يرثي له أحد!

و أبو سيارة بفتح السين وتشديد الياء عميلة بن خالد العداوني. وكان له حمار اسود جاز عليه من مزدلفة إلى منى أربعين سنة. وقيل: ولا يعرف حمار أهلي عاش أكثر من هذا الحمار. وضرب به المثل في الصحة وقال السهلي: هي أتان عوراء سوداء خطامها ليف. وكان أبو سيارة يقول:
لا يهم لي في الحمار الأسود ... أصبحت بين العالمين أحسد
بت أبا سيارة المحسد ... من شر كل حاسد يحسد!
و هو الذي يقول: أشرق ثبير كي ما نغير! وكان يقول في دعائه: اللهم بغض بين رعائنا، وحبب بين نسائنا، واجعل المال في سمحائنا! وفيه يقول الشاعر:
خل الطريق عن أبي سياره ... و عن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل القبلة يدعو جاره!
وقد أجار الله من أجاره

صرح حجير!
التصريح خلاف التعريض؛ وحجير رجل من اليمامة كان مؤذنا لمسيلمة الكذاب لعنه الله! وكان أوّل ما أمر أنَّ يذكر مسيلمة في الأذان توقف. فقال له محكم بن الطفيل: صرح حجير! فذهبت مثلا.
صرح الحق عن محضه.
التصريح خلاف التعريض، وصرح فلان بما في نفسه: كشفه؛ والمحض الخالص، وصرح الحق عن محضه انكشف واتضح.
وأورده أبو عبيد القاسم بن سلام، لإعلان السر وإبدائه بعد كتمانه باللفظ السابق. فقال البكري: جميع العلماء إنّما أوردوه: صرح الحقين. قال. وتقدم ذكر الحقين وتفسيره؛ ومحضه: خالصه. انتهى.
قلت: وهذا اللفظ أحسن وأبين تمثيلا، وأنسب لذكر المحض. وقد تقدم لنا نحن أيضاً تفسير الحقين من اللبن والمحض: الخالص منه؛ قال طرفة:
ويشرب حتى يغمر المحض قلبه ... و إنَّ أعطه اترك لقلبي مجثما
فإذا انكشف الأمر عن ستره وظهر بعد التباسه، كان كاللبن المنكشف رغوته عن محضه.
صدقني سن بكره.
الصدق خلاف الكذب، وصدقت الرجل: أخبرته بصدق، فهو مصدوق؛ والسن بالكسر واحدة أسنان الفم، ومقدار لعمر أيضا؛ والبكر بالفتح: الفتي من الإبل، جمعه بكار وبكارة بكسرهما.
وهذا المثل يضرب لمن يخبرك بسره، وما انطوت عليه ضاوعه.
وأصله أنَّ رجلا ساوم آخر في بكر فقال: ما سنه؟ قال: بازل. ثم نفر البكر. فدنا إليه صاحبه يسكنه وجعل يقول: هدع! هدع! وهي كلمة يسكن بها الصغار من الإبل. فلما سمعه المشتري قال: صدقني سن بكره. وهو أما أنَّ يكون برفع سن على إسناد الصدق إليه مجاز، وأما بنصبه على حذف المضاف أو الجار، أي: صدقني خبر سن بكره، أو في سن بكره، وهما وجهان في المثل، وفاعل الفعل على هذا البائع، وهو أما أنَّ يكون صدقه إياه بأخباره الأول إنّه بازل، ويكون خرج مخرج الهزء والسخرية أو بكلامه الثاني الذي يسكن به البعير وهو الأظهر.
أصدق من القطا.
الصدق مر؛ والقطا طائر معروف، وتقدم أيضاً، قيل: وسميت قطا لأنها تقول في صوتها: قطا! قطا! فسميت بحكاية صوتها. ومن ثم قالوا: أصدق من القطا وأنسب من القطا قال الكميت:
لا تكذب القول إنَّ قالت قطا صدقت ... إذ كل ذي نسبة لابد ينتحل
صدقك يبني عنك لا الوعيد.
الصدق مر؛ ويبني، من النبوة وهو الارتفاع. تقول: نبأ الشيء غير مهموز، ينبو، نبوة، أي أرتفع؛ ونبا الشيء عن الشيء: تجافى عنه ولم يعمل فيه أو لم يطمئن عليه. قال الشاعر:
إنَّ جنبي عن الفراش لنائب ... كتجافي الأسر فوق الظراب
و الأسر: البعير يصيبه السرر داء في صدره يمنعه البروك والطمأنينة، وانبيته عني: جافيته ودافعته؛ والوعيد: الوعد بشر.
والمعنى أنَّ صدقك في لقائك عدوك ودفاعهم هو الذي يدفعهم عنك، لا وعيدك إياهم من غير فعل. وكذا كل أمر تزاوله إنّما يظفرك منه بما ترغب، وينجيك مما ترهب، صدقك وجدك وسعيك جلباً ودفعاً، لا مجرد اللسان.
أصرد من عنزٍ جرباء.
الصرد: البرد بفتح فسكون، وصرد الرجل بالكسر صرداً فهو صرد: وجد البرد سريعا. قال الشاعر:
أصيح قلبي صردا ... لا يشتهي أنَّ يردا
و العنز معروف والجرب بفتحتين معروف جرب بالكسر فهو أجرب، وجربت فهي جرباء. والعنز الجرباء لا تستطيع ألم البرد، ولا تمسك نفسها عنده. فضرب بها المثل لمن يجد البرد سريعا.
أصرد من عين الجرباء.

الصرد مر؛ والحرباء: الحيوان المعروف، وتقدم ما فيه، وناه يستقبل عين الشمس أبداً ويدور معها حيثما دارت. ومن ثم أبن الرومي الرقيب بالحرباء حيث قال:
ما بالها قد حسنت ورقيبها ... أبداً قبيح قبح الرقباء!
ما ذاك إلاّ إنّها شمس الضحى ... أبداً يكون رقيبها الحرباء
فصارت الحرباء لذلك عن بعضهم أنَّ المثل الأول تصحف هذا.

صرفانية ربعية، تصرم بالصيف وتوكل بالشتية.
الصرفان بالفتح والتحريك: تمر رزين صلب يعده العبيد والأجراء وذوو العيال لعيشهم لكفايتهم ومنها قول الزباء:
ما للجمال مشيتها وئيداً ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثما قعودا؟
و في الصحاح: قال أبو عبيدة: ولم يكن يهدي إليها شيء كان أحب إليها من التمر الصرفان. وانشد:
ولمّا أتاها العير قالت: أباردٌ ... من التمر أم هذا حديد وجندل؟
و ثرم التمر قطعه؛ والشتية تصغير الشتاء.
والمثل ظاهر المعنى، ولم أقف بعد على أصله وسببه.
الصارم ينبو.
الصارم: السيق القاطع؛ ونبوه: تجافيه عن الضريبة، كما مر آنفا في تفسير النبوة.
وهذا من أمثال أوس بن حارثة. ومثله الجواد يكبو. والمراد من ذلك أنَّ الكريم تكون له الزلة والشريف تكون له السقطة، واللبيب تكون له هفوة والجواد تكون له الوقفة، ونحو ذلك.
أصغر القوم شفرتهم.
الصغر ضد الكبر، والشفرة بفتح فسكون السكين العظيم جمعه أشفار. والمعنى أصغر القوم خادمهم.
صفرت وطابه.
يقال: صفر الشيء بالكسر فهو أصفر، والصفرة لون معروف. وصفر البلد أيضاً والبيت ونحوه إذا خلا من سكانه. ومنه قولهم: نعوذ بالله من صفر الناء! أي خلوه بهلاك المواشي؛ والوطب بالفتح سقاء اللبن والجمع أوطب وأوطاب ووطاب.
ويقال صفرت وطابه أي مات فخلا وطبه من روحه. قال امرؤ القيس:
ألا يا لهف هند أثر قومٍ ... هذا كانوا الشفاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... و بالاشقين ما كان العقاب
وأفلتهن علباء جريضا ... و لو أدركنه صفر الوطب
أي: لو أدركنه لمات.
أصفى من عين الديك.
الصفاء ضد الكدر، صفاء الشيء بالفتح يصفو صفاء، فهو صافٍ؛ والديك معروف؛ والعين تطلق على الباصرة وعلى ذات الشيء. والمراد هنا الأول. ضربوا المثل بعين الديك في صفائها. قال الأخطل:
وكأس مثل عين الديك صرف ... تنسي الشاربين لها العقولا
و سمعت أعرابية رجلا ينشد:
وكأس سلاف يحلف الديك إنّها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأحسن
فقالت: بلغني أنَّ الديك من صالحي طيركم وما كان ليحالف كاذبا! ويحكى عن دعبل قال: كنا يوما عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى أضر به الجوع. فدعا بغذائه، فإذا بصفحة فيها مرق ولحم ديك لا يؤثر فيه ضرس. فأخذ قطعة من خبزة فقلع بها جميع المرق ثم بقي مطرقا ساعة، فرفع رأسه إلى الغلام فقال له أين الرأس؟ قال: رميت به. قال: ولم؟ قال: ظننتك لا تأكله. قال: ولم ظننت ذلك؟ فو الله إني لأمقت من يرمي برجله، فضلا عن رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس ومنه يصيح الديك، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب مثل عين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلب. فإنَّ كان يبلغ من جهلك أني لا آكله فإنَّ عندنا من يأكله: انظر أين هو! قال: والله ما أدري أين رميت به! قال: أنا والله أدري: رميت به في بطنك! وسهل هذا ممن يضرب به المثل في البخل، وسنلم بشيء من أخباره بعد، إن شاء الله تعالى. وقال عدي بن زيد:
قدمته على عقار كعين الديك ... صفا سلافها على الراووق
و لهذا الشعر حكاية حسنة لحماد الراوية، وهي مشهورة، وعسى أنَّ نذكرها في موضع آخر.
صلاح رأي النساء فساد، ونفاقه كساد.
مثل مصنوع فيما أظن، وهو ظاهر المعنى.
أصلح الغيث ما أفسد برده.
الصلاح ضد الفساد كالصلوح، صلح الشيء بالفتح والضم صلاحا فهو صلح بالكسر وصالح وصليح؛ والغيث: المطر وقد غاث المطر الأرض أي أصابها وغاثها الله يغيثها فهي أرض مغيثة ومغيوثه. والغيث أيضاً: النبات سمي بما نشأ عنه. قال امرؤ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... لغيث من الوسمي رائده خال
وقال:

وغيث من الوسم حول تلاعه ... تبطنه بشظيم صلتان
و يحتمل الآخر.
وهذا المثل يضرب للرجل يكون فاسدا ثم يصلح. والأنسب لمعناه إنّه للشيء يصلح من وجه بعد ما فسد من وجه آخر، كالجواد يجبه السائل بالشتم ثم يحسن إليه ويعتبه أو يماطل زمانا ثم يوسع برا ومعروفا فيكون إكثاره الخير جبرا لمّا في المطل من الإساءة، ونحو هذا من الاعتبار.

أصنع من دود القز.
الصناعة بالكسر حرفة الصانع؛ والصنعة بالفتح علمه صنع الشيء بالفتح يصنعه صنعا، ورجل اليدين بالكسر وبفتحتين، وصنيع اليدين وصناعهما: حاذق في الصنعة، وصنع اللسان، ولسان صنع أي بليغ؛ وامرأة صناع اليدين: حاذقة وتقدم هذا، ودود القز هي دود الحرير، وصناعتها فيه أمر عجيب. ولو قيل أيضاً أضيع من دود القز بالضاد والياء المثناة من تحت، كان حسناً لأنها تلف على نفسها حتى تموت. وبها يضرب الحكماء المثل لجامع المال الحريص عليه ثم يخزنه وبمنعه الحقوق حتى يهلك في جمعه، فيأخذه الوارث كما يؤخذ الحرير بعد موت الدودة.
أصنع من سرفة.
الصنع مر؛ والسرفة بضم السين ويكون الراء المهملتين وبالفاء دويبة، ويقال هي الأرضة، وهي تتخذ بيتا من دقاق العيدان، ثم تلزقه بعود بمثل نسيج العنكبوت إلاّ إنّه أصلب. ثم تلزقه بعودان من أعواد الشجر وقد غطت رأسها وجميعها فتكون فهي ويقال تدخل فيه فتموت.
أصنع من تنوطٍ.
التنوط بفتح التاء وضم الواو المشددة، وبضمها وكسر الواو: الطائر، والواحدة تنوطية، وهذا الطائر يدلي خيوطا من شجرة وينسج عشه كقارورة الدهن منوطاً بتلك الخيوط فيفرخ فيه. ولذلك سمي التنوط.
صابت بقر.
الصوب مجيء السماء بالمطر وصاب نزل قال:
فلست لأنسى ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب
و صابه المطر أي مطر والصوب أيضاً: القصد، تقول: صاب السهم أي قصد ولم يجر؛ والصوب أيضاً واصواب صد الخطأ والقر بضم القاف البرد وقر الرجل بالضم أصابه القر فهو مقرور ويوم قر بالفتح بارد قال: امرؤ القيس:
لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم إني افر
تميم بن مر وأشياعها ... و كندة حولي جميعا صبر
إذا ركبوا الخيل وأستلاموا ... تحقت الأرض واليوم قر
و القر أيضاً بالضم القرار ومنه قولهم: صابت بقر أي صارت الشدة في قرارها. قال: طرفة:
كنت فيكم كالمغطي رأسه ... فانجلى اليوم قناعي وخمر
سادراً أحسب غيي رشداً ... فتناهيت وقد صابت بقر
هذا تمام ما وجد من هذا التأليف العجيب، والأسلوب الغريب، بخط الشيخ المؤلف، رحمه الله تعالى ونفعنا به على يد كتابه وناسخه عبد السلام بن عبد الرحمن العدلوني، كان الله له وليا ونصيراً، وفي ثاني عشر من رجب الفرد الحرام، عام أربعة وثلاثين ومائة وألف.
الحمد لله! قوبلت هذه النسخة بأصلها، أصل المؤلف رحمه الله تعالى عليه بجد وجد في طرق تصحيحها بذلك منه بفقدها ما وجدته في حيز الضد. والحمد لله الذي هو سنى ذلك حق الحمد حمداً واري الزند سامي البند، ذاكي الرند وصلاة الله العديمة الند الفائحة الند، على من ليس لمن يرتجي شفاعة من الصلاة عليه من بد، وعلى آله ويلم تسليما.
قال هذا وكتبه بيده مصححها محمّد بن قاسم بن محمّد أبن زاكور الفاسي عامله الله!

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6