كتاب : التذكرة
      المؤلف : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي

باب ـ في الخليفة الكائن في آخر الزمان المسمى بالمهدي و علامة خروجه
مسلم عن أبي نضيرة قال : كنا جلوسا عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجيء قفيز و لا درهم قلنا : من أين ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذلك ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجيء دينار و لا مدى قلنا من أين لك ذلك ؟ قال من قبل الروم ثم سكت هنيهة ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يكون في آخر الزمان خليفة يحثى المال حثيا و لا يعده عدا ] قيل لأبي نضرة و أبي العلاء تريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا : لا
أبو داود [ عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و المقام و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام و عصائب العراق فيبايعونه ثم ينشر رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيغتم المال و يعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه و سلم و يلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى و يصلي عليه المسلمون ]
و ذكر ابن شبة فقال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن مسلمة قال : حدثنا أبو المهزم عن أبي هريرة قال : يجيء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة فيقتل المقاتلة و يبقر بطون النساء و يقولون للحبلى في البطن اقتلوا صبابة السوء فإذا علوا البيداء من ذي الخليفة خسف بهم فلا يدرك أسفلهم أعلاهم ولا أعلاهم أسفلهم قال أبو المهزم : فلما جاء جيش ابن دلجة قلناهم فلم يكونوا هم
قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو ضمرة الليثي عن عبد الرحمن بن الحرب بن عبيد عن هلال بن طلحة الفهري قال : قال كعب الأحبار : تجهز يا هلال قال فخرجنا حتى إذا كنا بالعقيق ببطن المسيل دون الشجرة و الشجرة يومئذ قائمة قال يا هلال إني أجد صفة الشجرة في كتاب الله قلت هذه الشجرة قال : فنزلنا فصلينا تحتها ثم ركبنا حتى إذا استوينا على ظهر البيداء قال يا هلال : إني أجد صفة البيداء قلت أنت عليها قال : و الذي نفسي بيده إن في كتاب الله جيشا يؤمون البيت الحرام فإذا استووا عليها نادى آخرهم أولهم ارفقوا فخسف بهم و بأمتعتهم و أموالهم و ذرياتهم إلى يوم القيامة ثم خرجنا حتى إذا انهبطت رواحلنا أدنى الروحاء قال يا هلال : إني أجد سفة الروحاء قال قلت الآن حين دخلنا الروحاء قال : و حدثنا أحمد بن عيسى قال : و حدثنا ابن عيسى قال : و حدثنا عبيد الله بن وهب قال : و حدثني ابن لهيعة عن بشر بن محمد المعفري قال : سمعت أبا نواس يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إذا أخسف الجيش بالبيداء فهو ظهور المهدي
قلت : و لخروجه علامتان يأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى
فصل :
قوله : ثم سكت هنية بضم الهاء و تشديد الياء أي مدة يسيرة بتصغيرهن و يروى بهاءين و رواه الطبري هنيئة مهموز و هو خطأ لا وجه له فيه دلالة على صدق النبي صلى الله عليه و سلم حيث أخبر عما سيكون بعد فكان و مثله الحديث الآخر : منعت العراق درهمها و قفيزها الحديث أي ستمنع و أتى بلفظ الماضي في الأخبار لأنه ماض في علم الله أنه سيكون كقوله عز من قائل { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } و المعنى أنه لا يجيء إليها كما جاء مفسرا في هذا الحديث و معناه و الله أعلم سيرجعون عن الطاعة و يأبون من إذا ما وظف عليهم في أحد الأمر و ذلك أنهم يرتدون عن الإسلام و عن أداء الجزية و لم يكن ذلك في زمانه و لكن أخبر أنهم سيفعلون ذلك و قوله [ يحثي المال حثيا ] قال ابن الأنباري أعلى اللغتين حثا يحثي و هو أصح و أفصح و يقال حثا يحثو و يحثي و احث بكسر الثاء و ضمها كلها لمعنى اغرف بيديك
باب ـ منه في المهدي و خروج السفياني عليه و بعثه الجيش لقتاله و أنه
الجيش الذي يخسف به
روي من حديث [ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق و المغرب فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق و جيشا إلى المدينة فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزل بأرض بابل في المدينة الملعونة و البقعة الخبيثة يعني مدينة بغداد قال فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف و يفتضون أكثر من مائة امرأة و يقتلون بها أكثر من ثلاثمائة كبش من ولد العباس ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش على ليلتين فيقتلونهم حتى لا يفلت منهم مخبر و يستنقذون ما في أيديهم من السبي و الغنائم و يحل جيشه الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام و لياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل إذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم و ذلك قوله تعالى عز و جل { و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب } فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير و الآخر نذير و هما من جهينة ] و لذلك جاء القول : و عند جهينة الخبر اليقين
قلت : حديث حذيفة هذا فيه طول و كذلك حديث ابن مسعود فيه ثم إن عروة بن محمد السفياني يبعث جيشا إلى الكوفة خمسة عشر ألف فارس و يبعث جيشا آخر فيه خمسة عشر ألف راكب إلى مكة و المدينة لمحاربة المهدي و من تبعه فأما الجيش الأول فإنه يصل إلى الكوفة فيتغلب عليها و يسبي من كان فيها من النساء و الأطفال و يقتل الرجال و يأخذ ما يجد فيها من الأموال ثم يرجع فتقوم صيحة بالمشرق فيتبعهم أمير من أمراء بني تميم يقال له شعيب بن صالح فيستنفذ ما في أيديهم من السبي و يرد إلى الكوفة و أما الجيش الثاني فإنه يصل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم فيقاتلونها ثلاثة أيام ثم يدخلونها عنوة و يسبون ما فيها من الأهل و الولد ثم يسيرون نحو مكة أعزها الله لمحاربة المهدي و من معه فإذا وصلوا إلى البيداء مسحهم الله أجمعين فذلك قول الله تعالى { و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و أخذوا من مكان قريب }
و قد ذكر خبر السفياني مطولا بتمامة أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادى في كتاب الملاحم له و أنه الذي يخسف بجيشه قال : و اسمه عتبة بن هند و هو الذي يقوم في أهل دمشق فيقول يا أهل دمشق : أنا رجل منكم و أنت خاصتنا جدي معاوية بن أبي سفيان و ليكم من قبل فأحسن و أحسنتم و ذكر كلاما طويلا إلى أن ذكر كتابه إلى الجرهمي و هو على ما يليه من أرض الشام و أتىالبرقي و هو على ما يليه من حد برقة و ما وراء برقة من المغرب إلى أن قال : فيأتي الجرهمي فيبايعه و اسم الجرهمي عقيل بن عقال ثم يأتيه البرقي و اسم البرقي همام بن الورد ثم ذكر مسيره إلى أرض مصر و قتاله لملكها فيقتلون على قنطرة الفرما أو دونها بسبعة أيام ثم ينصر أهل مصر و قد قتل منهم زهاء سبعين ألفا ونيفا ثم يصالحه أهل مصر و يبايعونه فينصرف عنهم إلىالشام ثم ذكر تقدميه الأمراء من العرب رجل من حضرموت و لرجل من خزاعة و لرجل من عبس و لرجل من ثعلبة و ذكر عجائب و أن جيشه الذي يخسف بهم تبتلعهم الأرض إلى أعناقهم و تبقى رؤوسهم خارجة ويبقى جميع خيلهم و أموالهم و أثقالهم و خزائنهم و جميع مضاربهم و السبي على حاله إلى أن يبلغ الخبر الخارج بمكة و اسمه محمد بن علي من ولد السيط الأكبر الحسن بن علي فيطوي الله تعالى له الأرض فيبلغ البيداء من يومه فيجد القوم أبدانهم داخلة في الأرض و رؤوسهم خارجة و هم أحياء فيحمد الله عز و جل هو و أصحابه و ينتحبون بالبكاء و يدعون الله عز و جل و يسبحونه و يحمدونه على حسن صنيعه إليهم و يسألونه تمام النعمة و العافية فتبلغهم الأرض من ساعتهم يعني أصحاب السفياني و يجد الحسنى العسكر على حاله و السبي على حاله و ذكر أشياء كثيرة الله أعلم بصحتها أخذها من كتاب دانيال فيما زعم
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : و دانيال نبي من أنبياء إسرائيل كلامه عبراني و هو على شريعة موسى بن عمران و كان قيل عيسى بن مريم بزمان و من أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه و سلم فقد سقطت عدالته إلا أن يبين وضعه لتصح أمانته و قد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم و ما كان من الحوادث و سيكون و جمع فيه التنافي و التناقض بين الضب و النون و أغرب فيما أغرب في روايته عن ضرب من الهوس و الجنون و فيه من الموضوعات ما يكذب آخرها أولها و يتعذر على المتأول لها تأويلها و ما يتعلق به جماعة الزنادفة من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه و سلم أن في سنة ثلاثمائة يظهر الدجال من يهودية أصبهان و قد طعنا في أوائل سبعمائة في هذا الزمان و ذلك شيء ما وقع و لا كان و من الموضوع فيه المصنوع و التهافت الموضوع الحديث الطويل الذي استفتح به كتابه فهلا اتقى الله و خاف عقابة و أن من أفضح فضيحة في الدين نقل مثل هذه الاسرائيليات عن المتهودين فإنه لا طريق فيما ذكر عن دانيال إلا عنهم و لا رواية تؤخذ في ذلك إلا منهم
و قد روى البخاري في تفسير سورة البقرة [ عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا ]
و قد ذكر في كتاب الاعتصام أن ابن عباس قال : كيف تسألونه أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزله الله على رسوله أحدث شيء تقرؤونه محضا لم يشب و قد حدثكم أهل الكتاب بدلوا كلام الله و غيروه و قد كتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا و الله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم
قال ابن دحية رضي الله عنه : و كيف يؤمن من خان الله و كذب عليه و كفر و استكبر و فجر و أما حديث الدابة فقد نطق بخروجها القرآن و وجب التصديق بها و الإيمان قال الله تعالى { و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } و كنت بالأندلس قد قرأت أكثر من كتب المقرئ الفاضل أبي عمر عثمان بن سعيد بن عثمان توفي سنة أربع و أربعين و أربعمائة فمن تأليفه : كتاب السنن الواردة بالفتن و غوائلها و الأزمنة و فسادها و الساعة و أشراطها و هو مجلد مزج فيه الصحيح بالسقيم و لم يفرق فيه بين نسر و ظلم و أتى بالموضوع و أعرض عما ثبت من الصحيح المسموع فذكر الدابة في الباب الذي نصه باب ما روي أن الوقعة التي تكون بالزوراء و ما يتصل بها من الوقائع و الآيات و الملاحم و الطوام و أسند ذلك [ عن عبد الرحمن عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن ربعي بن خداش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تكون وقيعة بالزوراء قالوا يا رسول الله و ما الزوراء ؟ قال : مدينة بالمشرق بين أنهارها يسكنها شرار خلق الله و جبابرة من أمتي تعذب بأربعة أصناف من العذاب ثم ذكر حديث خروج السفياني في ستين و ثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق ثم ذكر خروج المهدي قال و اسمه أحمد بن عبد الله و ذكر خروج الدابة قال : قلت يا رسول الله : و ما الدابة ؟ قال : ذات وبر و ريش عظمها ستون ميلا ليس يدركها طالب و لا يفوتها هارب و ذكر يأجوج و مأجوج و أنهم ثلاثة أصناف : صنف مثل الأرز الطوال و صنف آخر منهم عرضه و طوله سواء عشرين و مائة ذراع في عشرين و مائة ذراع في عشرين و مائة ذراع هم الذين لا يقوم لهم الحديد و صنف يفترش إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى ] و هذه الأسانيد عن حذيفة في عدة أوراق ظاهرة الوضع و الاختلاف و فيها ذكر مدينة يقال لها [ المقاطع ] و هي على البحر الذي لا يحمل جارية قال لأنه ليس له قعر إلى أن قال حذيفة قال عبد الله بن سلام : و الذي بعثك بالحق إن صفة هذه في التوراة طولها ألف ميل و عرضها خمسمائة ميل قال : [ لارسول الله صلى الله عليه و سلم لها ستون و ثلاثمائة باب يخرج من كل باب منها مائة ألف مقاتل ] قال الحطافظ أبو الخطاب رضي الله عنه : و نحن نرغب عن تسويد الورق بالموضوعات فيه و نثبت الصحيح الذي يقربنا من إله الأرضين و السموات فعبد الرحمن الذي يرويه عن الثوري هو ابن هانئ أبو نعيم النخعي الكوفي قال يحيى بن معين : كذاب و قال أحمد : ليس بشيء و قال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه و قد رواه عن الثوري عمر بن يحيى بالسند المذكور آنفا و قال : [ تعذب بأربعة أصناف بخسف و مسح و قذف ] قال البرقاني و لم يذكر الرباع و عم ابن يحيى متروك الحديث
و قد روى حديث الزوراء محمد بن زكريا الغلابي و أسند [ عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : أما أن هلاكها على يد السفياني كأني و الله بها قد صارت خاوية على عروشها ] و محمد بن ذكريا الغلابي قال أبو الحسن الدارقطني : كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم و عظم هذه الدابة المذكورة و طول يأجوج و مأجوج على تلك الصورة يدل على وضع هذا الحديث بالتصريح و يقطع العاقل بأنه ليس بصحيح لأنه مثل هذا القدر في العظم و الطول يشهد على كذب واضعه في المنقول و أي مدينة تسع طرقاتها دابة عرضها ستون ميلا ارتفاعا و أي سبيل يضم يأجوج و مأجوج و أحدهم طولا و عرضا مائتان و أربعون ذراعا لقد اجترأ هذا الفاسق على الله العزيز الجبار بما اختلقه على نبيه المختار فقد صح عنه بإجماع من أئمة الآثار أنه قال : [ من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم يطرق إلينا تكذيب اليهود لنا فيما نقلناه عن توراتهم و يكذبوننا بسبب ذلك في كل حال ]
مسلم [ عن أم سلمة و سئلت عن الجيش الذي يخسف به و كان ذلك في أيام ابن الزبير فقالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوذ بالبيت عائذ فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم فقلت يا رسول الله : و كيف بما كان كارها ؟ قال : يخسف به معهم و لكنه يبعث يوم القيامة على نيته ] و قال أبو جعفر : هي بيداء المدينة و قال عبد العزيز بن رفيع : إنما قال ببيداء من الأرض قال كلا إنها و الله لبيداء المدينة [ و عن عبد الله بن صفوان قال : أخبرتني حفصة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوسطهم و ينادي أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم ] أخرجه ابن ماجه و زاد فلما جاء جيش الحجاج ظننا أنهم هم فقال رجل : أشهد أنك لم تكذب على حفصة و إن حفصة لم تكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم [ و عنه عن أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليس لهم منعة و لا عدد و لاعدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ] قال يوسف بن ماهك : و أهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة قال عبد الله بن صفوان : أما و الله ما هو بهذا الجيش
فصل
قوله : ليس له منعة بفتح الميم و النون أي جماعة يمنعونه و هو مانع و هو أكثر الضبط فيه و يقال : بسكون النون أي عزة و امتناع يمتنع بها اسم الفعلة من منع أو الحال بتلك الصفة أو مكان بتلك الصفة و أنكر أبو حاتم السجستاني إسكان النون و ليس في هذه الأحاديث أنه يخسف بأمتعتهم و أنما فيها أنه يخسف بهم
باب منه آخر في المهدي و ذكر من يوطئ له ملكه
ابن ماجه [ عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلا واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ] إسناده صحيح
و خرج [ عن عبد الله بن الحارث بن جز الزبيدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه ]
و خرج أبو داود [ عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد صلى الله عليه و سلم و عليهم كما مكنت قريش للنبي صلى الله عليه و سلم وجبت على كل مؤمن نصرته أو قال إعانته ]
باب منه آخر في المهدي و صفته و اسمه و إعطائه و مكثه و أنه يخرج مع عيسى
عليه السلام فيساعده على قتال الدجال
أبو داود [ عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يكون في أمتي المهدي أن قصر فسبع و إلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتى أكلها و لا تترك منهم شيئا و المال يومئذ كرؤوس يقم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ ]
و خرج عنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف تملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما فيملك سبع و سنين ]
و ذكر عبد الرزاق [ أخبرنا معمر عن أبي هارون العبدي عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلايا تصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض لا تدع السماء شيئا من قطرها إلا صبته مدرارا و لا تدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء أن لا موات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمانين سنين أو تسع سنين ]
و يروى هذا من غير وجه عن أبي سعيد الخدري أبو داود
[ و عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم قال زائدة في حديثه لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أمتي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي ] خرجه الترمذي بمعناه و قال : حديث حسن صحيح
و في حديث حذيفة الطويل مرفوعا [ فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى تأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه و يظهر الإسلام ]
و خرج الترمذي [ عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا صلى الله عليه و سلم حدث فسألنا النبي قال : إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ـ زيد للشك قلنا و ما ذاك ؟ قال : يجيء إليه الرجل فيقول : يا مهدي أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ] قال : هذا حديث حسن
و ذكر أبو نعيم الحافظ [ من حديث محمد بن الحنفية عن أبيه علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله عز و جل في ليلة أو قال في يومين ]
فصل
وقع في كتاب الشهاب : لا يزداد الأمر إلا شدة و لا الدنيا إلا إدبارا و لا الناس إلا شحا و لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق و لا مهدي إلا عيسى بن مريم
قلت : خرجه ابن ماجه في سننه قال : [ حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال : حدثني محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يزداد الأمر إلا شدة فذكره ] قال ابن ماجه لم يروه إلا الشافعي
قال المؤلف رحمه الله : و خرجه أبو الحسين الأجري قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد البرذعي في المسجد الحرام حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري فذكره فقوله و لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب فقيل إن هذا الحافظ : الجندي هذا مجهول و اختلف عليه في إسناده قتادة يرويه عن أبان بن صالح عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا مع ضعف أبان و تارة يرويه عن أبان ابن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم بطوله فهو منفرد به مجهول عن أبان و هو متروك عن الحسن منقطع و الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه
قلت : و نور ضريحه و ذكر أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا محمد بن خالد الجندي روى عن أبان بن صالح عن الحسن البصري و روى فيه الإمام بن إدريس بن الشافعي رضي الله عنه و هو راوي حديث : [ لا مهدي إلا عيسى بن مريم ] و هو مجهول و قد وثقه يحيى بن معين روى له ابن ماجه قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الأبري السجزي : قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه و سلم يعني المهدي و أنه من أهل بيته و أنه سيملك سبع سنين و أنه يملأ الأرض عدلا يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين و أنه يؤم هذه الأمة و عيسى صلوات الله عليه يصلي خلفه في طول من قصته و أمره
قلت : و يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام : [ و لا مهدي إلا عيسى ] أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى و على هذا تجتمع الأحاديث و يرتفع التعارض
باب منه في المهدي و من أين يخرج و في علامة خروجه و أنه يبايع مرتين و
يقاتل السفياني و يقتله
تقدم من حديث أم سلمة و أبي هريرة أن المهدي يبايع بين الركن و المقام و ظاهر أنه لم يبايع و ليس كذلك فإنه روي من حديث ابن مسعود و غيره من الصحابة أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى يمشي النصر بين يديه أربعين ميلا راياته بيض و صفر فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مكتوب : فلا تهزم له راية و قيام هذه الرايات و انبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسنة من قبل المغرب فيعقد هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم ميثاق النصر و الظفر { أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } الحديث بطوله و فيه : [ فيأتي الناس من كل جانب و مكان فيبايعونه يومئذ بمكة و هو بين الركن و المقام و هو كاره لهذه المبايعة الثانية بعد البيعة الأولى التي بايعه الناس بالمغرب ثم إن المهدي يقول : أيها الناس اخرجوا إلى قتال عدو الله و عدوكم فيجيبونه و لا يعصون له أمرا فيخرج المهدي و من معه من المسلمين من مكة إلى الشام لمحاربة عروة بن محمد السفياني و كل من معه من كلب ثم يتبدد جيشه ثم يوجد عروة السفياني على أعلى شجرة و على بحيرة طبرية و الخائب من خاب يومئذ من قتال كلب و لو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة ]
فيروى [ عن حذيفة أنه قال : قلت يا رسول الله : كيف يحل قتلهم و هم مسلمون موحدون ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إنما إيمانهم على ردة لأنهم خوارج و يقولون برأيهم إن الخمر حلال و مع ذلك إنهم يحاربون الله قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم } ] و ذكر الحديث و سيأتي تمامه
و خبر السفياني خرجه عمرو بن عبيد في مسنده و الله أعلم
و روى من حديث [ معاوية بن أبي سفيان في حديث فيه طول عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ستفتح بعدي جزيرة تسمى بالأندلس فتغلب عليهم أهل الكفر فيأخذون من أموالهم و أكثر بلدهم و يسبون نساءهم و أولادهم و يهتكون الأستار و يخربون الديار و يرجع أكثر البلاد فيافي و قفارا و تنجلي أكثر الناس عن ديارهم و أموالهم فيأخذون أكثر الجزيرة و لا يبقى إلا أقلها و يكون في المغرب الهرج و الخوف و يستولي عليهم الجوع و الغلاء و تكثر الفتنة و يأكل الناس بعضهم بعضا فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو المهدي القائم في آخر الزمان و هو أول أشراط الساعة ]
قلت : كل ما وقع في حديث معاوية هذا فقد شاهدنا بتلك البلاد وعاينا معظمه إلا خروج المهدي
و يروي من حديث شريك أنه بلغه أن قبل خروج المهدي تكسف الشمس في رمضان مرتين و الله أعلم
و ذكر الدراقطني في سننه قال : حدثنا أبو سعيد الإصطخري قال : حدثني محمد بن عبد الله بن نوفل حدثنا عبيد بن يعيش حدثنا يونس بن بكير عن عمر بن شمر عن جابر عن محمد بن علي قال : إن لمهدينا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات و الأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان و تنكسف الشمس في النصف منه و لم يكونا منذ خلق الله السماوات و الأرض
باب ما جاء أن المهدي يملك جبل الديلم و القسطنطينية و يستفتح رومية و
أنطاكية و كنيسة الذهب و بيان قوله تعالى فإذا جاء وعد أولاهما الآية
ابن ماجه [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله عز و جل حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم و القسطنطينة ] إسناده صحيح
و روى [ من حديث حذيفة عن النبي و فيه بعد قوله { ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم } ثم إن المهدي و من معه من المسلمين يأتون إلى مدينة أنطاكية و هي مدينة عظيمة على البحر فيكبرون عليها ثلاثة تكبيرات فيقع سورها من البحر بقدرة الله عز و جل فيقتلون الرجال و يسبون النساء و الأطفال و يأخذون الأموال ثم يملك المهدي أنطاكية و يبني فيها المساجد و يعمر عمارة أهل الإسلام ثم يسيرون إلى الرومية و القسطنطينية و كنيسة الذهب فيقتحمون القسطنطينية و رومية و يقتلون بها أربعمائة ألف مقاتل و يفتضون بها سبعين ألف بكر و يستفتحون المدائن و الحصون و يأخذون الأموال و يقتلون الرجال و يسبون النساء و الأطفال و يأتون كنيسة الذهب فيجدون فيها الأموال التي كان المهدي أخذها أول مرة و هذه الأموال هي التي أودع فيها ملك الروم قيصر حين غزا بيت المقدس فوجد في بيت المقدس هذه الأموال فأخذها و احتملها على سبعين ألف عجلة إلى كنيسة الذهب بأسرها كاملة كما أخذها ما نقص منها شيئا فيأخذ المهدي تلك الأموال فيردها إلى بيت المقدس قال حذيفة قلت يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عند الله عظيما جسيم الخطر عظيم القدر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو من أجل البيوت ابنتاه الله لسيمان بن داود عليهما السلام من ذهب و فضة و در و ياقوت و زمرد و ذلك أن سليمان بن داود سخر الله له الجن فأتوه بالذهب و الفصة من المعادن و أتوه بالجواهر و الياقوت و الزمرد من البحار يغوصون كما قال الله تعالى { كل بناء و غواص } فلما أتوه بهذه الأصناف بناه منها فجعل فيه بلاطا من ذهب و بلاطا من فضة و أعمدة من ذهب و أعمدة من فضة و زينه بالدر و الياقوت و الزمرد و سخر الله تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الأصناف قال حذيفة : فقلت يا رسول الله و كيف أخذت هذه الأشياء من بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن بني إسرائيل لما عصوا و قتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بخت نصر و هو من المجوس فكان ملكه سبعمائة سنة و هو قوله تعالى { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا } فدخلوا بيت المقدس و قتلوا الرجال و سبوا النساء و الأطفال و أخذوا الأموال و جميع ما كان في بيت المقدس من هذه الأصناف و احتملوها على سبعين ألف عجلة حتى أودعوها
أرض بابل و أقاموا يستخدمون بني إسرائيل و يستملكونهم بالخزي و العقاب و النكال مائة عام ثم إن الله عز و جل رحمهم فأوحى الله إلى ملك من ملوك فارس أن يسير إلى المجوس في أرض بابل يستنقذ ما في أيديهم من بني إسرائيل فسار إليهم ذلك الملك حتى ذلك أرض بابل فاستنقذ من بقي من بني إسرائيل من أيدي المجوس و استنقذ ذلك الحلى الذي كان في بيت المقدس ورده إليه كما كان أول مرة و قال لهم يا بني إسرائيل : إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالسبي و القتل و هو قوله تعالى { عسى ربكم أن يرحمكم و إن عدتم عدنا } يعني إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة فلما رجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس عادوا إلى المعاصي فسلط الله عليهم ملك الروم قيصر و هو قوله تعالى : { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا } فغزاهم في البر و البحر فسبقهم و قتلهم و أخذ أموالهم و نساءهم و أخذ حلى جميع بيت المقدس و احتمله على سبعين ألف عجلة حتى أودعه كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذه المهدي و يرده إلى بيت المقدس و يكون المسلمون ظاهرين على أهل الشرك فعند ذلك يرسل الله عليهم ملك الروم و هو الخامس من آل هرقل ] على ما تقدم من تمام الحديث و الله أعلم
باب ما جاء في فتح القسطنطينية من أين تفتح و فتحها علامة خروج الدجال و
نزول عيسى عليه السلام و قتله إياه
مسلم [ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا و بين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون : لا و الله لا نخلي بينكم و بين الذين هم إخواننا فيقاتلهم فيهزم الثلث لا يتوب الله عليهم أبدا و يقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله و يفتح الثلث لا يفتتنون أبدا فيفتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم و قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهلكم فيخرجون و ذلك باطل فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال و يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فأمهم فإذ رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك و لكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ]
و خرج ابن ماجه قال : [ حدثنا علي بن ميمون الرقي قال : حدثنا يعقوب الحنيني عن كثير بن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ثم قال يا علي يا علي يا علي ثم قال يا بني قال : إنكم ستقاتلون بني الأصفر و يقاتلهم الذين من بعدكم حتى يخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ثم فيفتحون قسطنطينية بالتسبيح و التكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة فيأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج إلى بلادكم ألا و هي كذبة فالآخذ نادم و التارك نادم ]
و خرج مسلم [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سمعتم بمدينة جانب منها في البر و جانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها ألفا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح و لم يرموا بسهم قالوا لا إله إلا الله و الله أكبر فيسقط أحد جانبيها قال ثور لا أعلمه قال إلا الذي في البحر ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله و الله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم تقول الثالثة لا إله إلا الله و الله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء و يرجعون ]
الترمذي عن أنس قال : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة هكذا رواه موقوفا و قال حديث غريب و القسطيطينية مدينة الروم و تفتح عند خروج الدجال و القسطنطينية قد فتحت في زمن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
قلت : هو عثمان بن عفان ذكر الطبري في التاريخ له ثم دخلت سنة سبع و عشرين ففيها كان فتح أفريقية على يد عبد الله بن أبي سرح و ذلك أن عثمان رضي الله عنه لم ولي عمرو بن العاص على عمله بمصر كان لا يعزل أحدا إلا عن شكاية و كان عبد الله بن أبي سرح من جند عثمان فأمره عثمان رضي الله عنه على الجند و رماه بالرجال و سرحه إلى أفريقية و سرح معه عبد الله بن نافع بن قيس و عبد الله بن نافع بن الحصين الفهريني فلما فتح عبد الله أفريقية خرج عبد الله و عبد الله إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر و كتب إلى عثمان رضي الله عنه إلى من انتدب إلى الأندلس :
أما بعد : فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس و إنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في الآجر فيقال إنها فتحت في تلك الأزمان و ستفتح مرة أخرى كما في أحاديث هذا الباب و الذي قبله و قد قال بعض علماؤنا : أن حديث أبي هريرة أول الباب يدل على أنها تفتح بالقتال و حديث ابن ماجه يدل على خلاف ذكل مع حديث أبي هريرة و الله أعلم
قلت : لعل فتح المهدي يكون لها مرتين مرة بالقتال و مرة بالتكبير كما أنه يفتح كنيسة الذهب مرتين فإن المهدي إذا خرج بالمغرب على ما تقدم جاءت إليه أهل الأندلس فيقولون يا ولي الله : انصر جزيرة الأندلس فقد تلفت و تلفت أهلها و تغلب عليها أهل الكفر و الشرك من أبناء الروم فيبعث كتبه إلى جميع قبائل المغرب و هم قزولة و خذالة و قذالة و غيرهم من القبائل من أهل المغرب أن انصروا دين الله و شريعة محمد صلى الله عليه و سلم فيأتون إليه من كل مكان و يجيبونه و يقفون عند أمره و يكون على مقدمته صاحب الخرطوم و هو صاحب الناقة الغراء و هو صاحب المهدي و ناصر دين الإسلام و ولى الله حقا فعند ذلك يبايعونه ثمانون ألف مقاتل بين فارس و راجل قد رضي الله عنهم { أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } فباعو أنفسهم لله و الله ذو الفضل العظيم فيعبرون البحر حتى ينتهوا إلى حمص و هي إشبيلية فيصعد المهدي المنبر في المسجد الجامع و يخطب خطبة بليغة فيأتي إليه أهل الأندلس فيبايعه جميع من بها من أهل الإسلام ثم يخرج بجميع المسلمين متوجها على البلاد بلاد الروم فيفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم يخرجها من أيدي العدو عنوة الحديث
و فيه : ثم إن المهدي و من معه يصلون إلى كنيسة الذهب فيجدون فيها أموالا فيأخذها المهدي فيقسمها بين الناس بالسوية ثم يجد فيها تابوت السكينة و فيها غفارة عيسى و عصا موسى عليهما السلام و هي العصا التي هبط بها آدم من الجنة حين أخرج منها و كان قيصر ملك الروم قد أخذها من بيت المقدس في جملة السبي حين سبي بيت المقدس و احتمل جميع ذلك إلى كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذها المهدي فإذا أخذ المسلمون العصا تنازعوا عليها فكل منهم يريد أخذ العصا فإذا أراد الله تمام أهل الإسلام من الأندلس خذل الله رأيهم و سلب ذوي الألباب عقولهم فيقمسون العصا على أربعة أجزاء فيأخذ كل عسكر منهم جزءا و هم يومئذ أربعة عساكر و إذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم الظفر و النصر و وقع الخلاف في ذلك بينهم قال كعب الأحبار : و يظهر عليهم أهل الشرك حتى يأتوا البحر فيبعث إليهم ملكا في صورة إبل فيجوز بهم القنطرة التي بناها ذو القرنين لهذا المعنى خاصة فيأخذ الناس وراءه حتى يأتوا إلى مدينة فارس و الروم و وراءهم فلا يزالون كذلك كلما ارتحل المسملون مرحلة ارتحل المشركون كذلك حتى يأتوا إلى أرض مصر و الروم وراءهم و في حديث حذيفة و يتملكون مصر إلى الفيوم ثم يرجعون و الله تعالى أعلم
باب أشراط الساعة و علاماتها
فأما وقتها فلا يعمله إلا الله و في حديث جبريل : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل الحديث خرجه مسلم
و كذلك روى الشعبي قال : لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى : متى الساعة ؟ فانتفض جبريل عليه السلام في أجنحته و قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات و الأرض لا تأتكيم إلا بغتة
و ذكر أبو نعيم [ من حديث مكحول عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للساعة أشراط قيل : و ما أشراطها ؟ قال : علو أهل الفسق في المساجد و ظهور أهل المنكر على أهل المعروف قال أعرابي : فم تأمرني يا رسول الله ؟ قال : دع و كن حلسا من أحلاس بيتك ] غريب من حديث مكحول لم نكتبه إلا من حديث حمزة النصيبي عن مكحول
فصل
قال العلماء رحمهم الله تعالى : و الحكمة في تقديم الأشراط و دلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم و حثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة و الإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم و بين تدارك العوارض منهم فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم و انقطعوا عن الدنيا و استعدوا للساعة الموعود بها و الله أعلم و تلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا و انقضائها فمنها : خروج الدجال و نزول عيسى و قتله الدجال و منها خروج يأجوج و مأجوج و دابة الأرض و منها طلوع الشمس من مغربها هذه هي الآيات هذه هي الآيات العظام على ما يأتي بيانه و أما ما يتقدم من هذه قبض العلم و غلبة الجهل و استيلاء أهله و بيع الحكم و ظهور المعازف و استفاضة شرب الخمور و اكتفاء النساء و الرجال بالرجال و إطالة البنيان و زخرفة المساجد و إمارة الصبيان و لعن آخر هذه الأمة أولها و كثرة الهرج فإنها أسباب حادثة و رواية الأخبار المنذرة بها بعدما صار الخبر بها عيانا تكلف لكن لا بد من ذكرها حتى يوقف عليها و يتحقق بذلك معجزة النبي صلى الله عليه و سلم و صدقه في كل ما أخبر به صلى الله عليه و سلم

باب قول النبي صلى الله عليه و سلم : بعثت أنا و الساعة كهاتين
مسلم [ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثت أنا و الساعة كهاتين و ضم السبابة و الوسطى
و روي من طرق أخرجها البخاري و مسلم و الترمذي و ابن ماجه رضي الله عنهم و معناها كلها على اختلاف ألفاظها تقريب من الساعة التي هي القيامة و سرعة مجيئها و هذا كما حدثنا الله تعالى { فقد جاء أشراطها } و قوله { و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر } و قوله تعالى :
{ اقترب للناس حسابهم } و قوله تعالى : { اقتربت الساعة و انشق القمر } و قال : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } ]
[ و يروي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أنزل عليه قوله تعالى { أتى أمر الله } وثب فلما أنزل { تستعجلوه } جلس ] قال بعض العلماء إنما وثب عليه الصلاة و السلام خوفا منه أن تكون الساعة قد قامت و قام الضحاك و الحسن : أول أشرطها محمد صلى الله عليه و سلم و روى موسى ابن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال علي عليه السلام : من اقتراب الساعة ظهور البواسير و موت الفجاءة
فصل
إن قيل ثبت [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل جبريل عن الساعة فقال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ] الحديث فهذا يدل على أنه لم يكن عنده علم و رويتم عنه أنه قال [ بعثت أنا و الساعة كهاتين ] و هذا يدل على أنه كان عالما فكيف يتألف الخبران ؟ قيل له قد نطق القرآن بقوله الحق { قل إنما علمها عند ربي } الآية فلم يكن يعلمها هو و لا غيره و أما قوله [ بعثت أنا و الساعة كهاتين ] فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر و إنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى و ليس بينهما أصبع أخرى و هذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها و هي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة و قد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال { فقد جاء أشراطها } أي دنت و أولها النبي صلى الله عليه و سلم لأنه نبي آخر الزمان و قد بعث و ليس بيني و بين القيامة نبي ثم بين صلى الله عليه و سلم ما يليه من الأشراط فقال : [ أن تلد الأمة ربتها ] إلى غير ذلك مما سنذكره و نبينه بحول الله تعالى في أبواب إن شاء الله تعالى

باب أمور تكون بين يدي الساعة
البخاري [ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة و حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله و حتى يقبض العلم و يكثر الزلازل و يتقارب الزمان و يظهر الفتن و يكثر الهرج و هو القتل و حتى يكثر فيكم المال فيفيض و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته و حتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه و حتى يتطاول الناس في البنيان و حتى يمر الرجل يقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه و حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } و لتقومن الساعة و قد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه و لا يطويانه و لتقومن الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه و لتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ـ و لتقومن الساعة و قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها ]
فصل قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة في حديث واحد و لم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات و الأشراط في عموم إنذار النبي صلى الله عليه و سلم بفساد الزمان و تغيير الدين و ذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة و الأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة و من ذلك حديث ما رواه قتادة [ عن أنس بن مالك عن رسول الله : أن في سنة مائتين يكون كذا و كذا و في العشر و المائتين يكون كذا و كذا و في العشيرين كذا و في الثلاثين كذا و في الأربعين كذا و في الخمسين كذا و في الستين و المائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنة و الإنس ] فهل كان هكذا و قد مضت هذه المدة و هذا شيء يعم و سائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة و تخلو منه أخرى فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق و لا غرب فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت و إن كان من موت النبي صلى الله عليه و سلم فقد مضت و أيضا دلالة أخرى على أنه مفتعل أن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و إنما وضعوه على عهد عمر رضي الله عنه فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين و مائتين و لم يكن وضع شيء من التاريخ ؟
و كذلك ما روى [ عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم : إذا كانت سنة تسع و تسعين و خمس مائة يخرج المهدي في أمتي على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض و يفتح الله له كنوز الأرض و تنزل السماء قطرها و تخرج الأرض ثمرها و يزرع الزارع في الأرض صاعا فيصيب مائة صاع و يذهب الغلاء و القحط و الجوع عن الناس و يجوز إلى الأندلس و يقيم فيها و يملكها تسع سنين و يستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم و يغنم رومية و كنيسة الذهب فيجد فيها تابوت السكينة و فيها غفارة عيسى و عصا موسى عليهما السلام فيكسرون العصا على أربعة أجزاء فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم النصر و الظفر و يخرج عليهم ذو العرف في مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء فيدخلوها بإن الله تعالى و يكرم الله من فيها بالشهادة و لا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى و لا قرار بالأندلس و ينتهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحدا لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدن العدو فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير فينزل الله إليهم ملكا في صورة إبل فينجو من نجا و غرق من غرق ]
قلت : كل ما جاء في هذا الحديث المذكور في حديث حذيفة و غيره و إنما المنكر فيملك الروم و الأندلس إلى خروج الدجال
و منه تعيين التاريخ و قد كان سنة و تسعين و خمسمائة و لم يكن شيء من ذلك بل كان بالأندلس تلك السنة وقعة الأرك التي أهلك الله فيها الروم و لم يزل المسملون في نعمة و سرور إلى سنة تسع و ستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين و لم يزل المسلمون في تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو و غلبهم بالفتن الواقعة بينهم و التفصيل يطول ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير فنعوذ بالله من الفتن و الخذلان و المخالفة و العصيان و كثرة الظلم و الفساد و العدوان و الذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من الفتن و الكوائن أن ذلك يكون و تعيين الزمان في ذلك من سنة كذا و يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر و إنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي و لا أي شهر إما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه و هي الساعة التي خلق فيها آدم عليه السلام و لكن أي جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له و كذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم و الله أعلم
و قد سمعت من بعض أصحابنا : أنا ما وقع من التاريخ [ في حديث أبي سعيد الخدري إنما ذلك بعد المائة التي قال النبي صلى الله عليه و سلم إن يعيش هذا الغلام فعس هذا أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة ] و في رواية : قال أنس ذلك الغلام من أترابي يومئذ خرجه مسلم
و في حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ ما على الأرض نفس منفوسة يعني اليوم يأتي عليها مائة سنة ]
قال أبو عيسى : هذا الحديث حسن صحيح
و معلوم أن أنس توفي في عشر المائة بالبصرة فعلى هذا يكون سنة سبع و تسعين و ست مائة و هذا لم يجيء بعد فالله تعالى أعلم
قال المؤلف رحمه الله : و بحديث أبي سعيد الخدري و ابن عمر و جابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحي و قال الثعالبي في كتاب العرائس : و الخضر على جمع الأقوال نبي معمر محجوب عن الأبصار
و ذكر عمرو بن دينار قال : إن الخضر و إلياس لا يزالان يحييان في سورة فإذا رفع القرآن ماتا و هذا هو الصحيح في الباب على ما بيناه في سورة الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن و الحمد الله
فصل
و أما الثلاث عشرة خصلة : فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام [ لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة ] يريد فيه معاوية و عليا كرم الله وجهه بصفين و قد تقدم الإشارة إليهما قال القاضي أبو بكر بن العربي و هذا أول خطب طرق في الإسلام
قلت : بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلى الله عليه و سلم ثم بعده موت عمر
فبموت النبي صلى الله عليه و سلم انقطع الوحي و ماتت النبوءة و كان أول أظهر الشر بارتداد العرب و غير ذلك و كان أول انقطاع الخير و أول نقصانه قال أبو سعيد : ما نقصنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنكرنا قلوبنا
و قال أبو بكر الصديق في أبيات يرثي بها النبي صلى الله عليه و سلم :
( فلتحدثن حوادث من بعده ... تعنى بهن جوانح و صدور )
و قالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثى بها النبي صلى الله عليه و سلم :
( لعمرك ما أبكي النبي لفقده ... و لكن ما أخشى من الهرج آتيا )
و بموت عمر سل سيف الفتنة و قتل عثمان و كان من قضاء الله و قدره ما يكون و كان على ما تقدم و قوله : حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين
الدجال ينطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها أحدها الكذاب كما جاء في هذا الحديث
و صحيح مسلم : [ يكون في آخر الزمان دجالون كذابون ] الحديث و لا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه فلا يقال إلا دجالون كما قال عليه الصلاة و السلام [ و إن كان قد جاء مكسرا ] و هو شاذ أنشد سيبويه لابن مقبل :
( إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء و النقم )
و قال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة نحن أخرجناه من المدينة قال عبد الله بن إدريس الأودي : و ما عرفت أن دجالا يجمع على دجالة حتى سمعتها من مالك بن أنس
و قوله : قريب من ثلاثين قد جاء عددهم معينا في حديث حذيفة قال : قال رسول الله : [ تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة و عشرون منهم أربع نسوة و أنا خاتم النبيين و لا نبي بعدي ] خرجه أبو نعيم الحافظ و قال : هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام و وجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي بن المديني
و قال القاضي عياض : هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمني النبي إلى الآن ممن أشهر بذلك و عرف و اتبعه جماعة على ضلالته لوجد هذا العدد فيهم و من طالع كتاب الأخبار و التواريخ عرف صحة هذا
و قوله : حتى يقبض العلم فقد قبض العمل به و لم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه و قوله : و تكثر الزلازل فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير و قد شاهدنا بعضها بالأندلس و سيأتي
و قوله : و يتقارب الزمان قيل : المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر كما هو اليوم لغلبة الفسق و ظهور أهله و في الحديث : لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل و صلاح و خوف الله عز و جل يلجأ إليهم عند الشدائد و يستقسي بآرائهم و يتبرك بدعائهم و آثارهم و قيل : غير هذا حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا و الذي بعده شر منه
و قوله : حتى يكثر فيكم المال فيفيض و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته هذا مما لم يقع بل يكون على ما يأتي و رب مفعول يهم و من يقبل فاعل يهم يقال : أهمني ذلك الأمر أحزنني و أقلقني وهمه يهمه إذا بالغ في ذلك و قوله : حتى يتطاول الناس في البنيان هذا مشاهد في الوجوه مشاهدته تغني عن الكلام فيه
و قوله : حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه ذلك لما يرى من عظيم البلاء و ربح الأعداء و غبن الأولياء و رئاسة الجهلاء و خمول العلماء و استيلاء الباطل في الأحكام و عموم الظلم و الجهر بالمعاصي و استيلاء الحرام على أموال الخلق و التحكم في الأبدان و الأموال و الأعراض بغير حق كما في هذا الزمان و قد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي صلى الله عليه و سلم [ بادروا بالأعمال ستا ] الحديث
و روى الأعمش سليمان بن مهران عن عمرو بن مرة عن أبي نضرة عن عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر رضي الله عنه : يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة و يغبط الرجل باختفائه عن السلطان و جفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه و كرامته عليه و حتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه فيقول يا ليتني مكان هذا قال قلت يا أبا ذر : و إن ذلك من أمر عظيم ؟ قال : يا ابن أخي عظيم عظيم
قلت : هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق و تغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق فباعوا الأحكام و رضي بذلك منهم الحكام فصار الحكم مكسا و الحق عكسا لا يوصل إليه و لا يقدر عليه بدلوا دين الله و غيروا حكم الله سماعون للكذب أكالون للسحت { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } و { الظالمون } و { الفاسقون } في الكفار خاصة كلها و قيل عامة فيمن بدل حكم الله و غيره قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله : اليهود و النصاري ؟ قال : فمن ]
و لقد أحسن ابن المبارك حيث يقول في أبيات له :
( و هل أفسد الدين إلا الملوك ... و أخبار سوء و رهبانها )
و قوله : حتى تطلع الشمس من مغربها إلى آخره يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى و اللقحة : الناقة العزيزة اللبن و يليط يصلح يقال : لاط حوضه يليط و يلوط ليطا و لوطا إذا لطخه بالطين و أصلحه و الأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهي بالفتح لأنها مصدر و هي المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله و اقترب من ذلك رفع الأكلة و هي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه و كذلك القول في المتتابعين من نشر الثوب و طبه فاعلمه
باب منه
أبو نعيم الحافظ [ عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيكون في آخر الزمان عباد جهال و قراءة فسقة ] هذا حديث غريب من حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت و هو قاض بصري في حديثه نكارة
قلت : صحيح المعنى لما ظهر في الوجود من ذلك و قال مكحول : [ يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة الحمار ]
و قد خرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال : [ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا حوشب بن عبد الكريم : حدثنا حماد بن زين عن أبان عن أنس قال : قال رسول الله يكون في آخر زمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و هم الأنتنون ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا و المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمرة و المتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين قالوا : منا أو منهم ؟ قال : بل منكم ]
و أخرج الدارمي أبو محمد قال : [ أخبرنا محمد بن المبارك : حدثنا صدقة بن خالد عن ابن جابر عن شيخ يكنى أبا عمرو عن معاذ بن جبل قال : سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة و لا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخالطهم خوف إن قصدوا قالوا سنبلغ و إن أساءوا قالوا سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئا و قد تقدم في باب { وقودها الناس و الحجارة } حديث العباس بن عبد المطلب و فيه ثم يأتي أقوام يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا من قرأ منا من أعلم منا ثم التفت إلى أصحابه فقال : هل ترون في أولئك من خير ؟ قالوا : لا قال أولئك منكم و أولئك من هذه الأمة و أولئك هم وقود النار ]
باب منه
مسلم [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تضطرب اليات دوس حول ذي الخلصة و كانت صنما تعبدها دوس في الجاهلة ]
[ و عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تذهب الليالي حتى يملك رجل يقال له الجهجاه ] في غير مسلم رجل من الموالي يقال له جهجاه فسقط من رواية الجلودي من الموالي و هو خطأ [ و عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان بسوق الناس بعصاه ] و خرج البخاري و مسلم [ عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى ]
الترمذي [ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : عليكم بالشام ] قال حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر البخاري [ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ]
الترمذي [ عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم و تجتلدوا بأسيافكم و يرث دنياكم شراركم ] قال هذا حديث غريب خرجه ابن ماجه أيضا
و ذكر عبد الرزاق قال [ أخبرنا معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه قال فقعد الذئب على تل فأقعى و استقر و قال : عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته مني فقال الرجل بالله إن رأيت كاليوم ذئب يتكلم ! فقال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى و ما هو كائن بعدكم قال : فكان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره و أسلم فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : إنها أمارات بين يدي الساعة قد يوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه و سوطه بما أحدث أهله بعده ] و يروى هذا [ عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري و فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق الراعي إلا أن من أشراط الساعة كلام السباع للإنس و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس و حتى تكلم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله و تخبره فخذه بحديث أهله بعده ]
الترمذي [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس و حتى يكلم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله و تخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ] قال هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرف إلا من حديث القاسم بن الفضل و القاسم بن الفضل ثقة مأمون
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : حكم أبو عيسى بصحته و نظرنا سنده دون أن نقلده فوجدناه له علة قال أبو عيسى : حدثنا سفيان بن وكيع : حدثنا أبي عن القاسم بن الفضل قال : حدثنا أبو نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري فذكره قال ابن دحية : سفيان بن وكيع لم يخرج له البخاري و مسلم حرفا واحدا في صحيحهما و ذلك بسبب وراق كان له يدخل عليه الحديث الموضوع يقال له قرطمة قال البخاري : يتكلمون في سفيان لأشياء لقنوه إياه
و قال أبو محمد بن عدي : كان سفيام إذا لقن يتلقن فهذه علة الحديث التي جهلها أبو عيسى الترمذي
مسلم [ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يكثر المال و يفيض و حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه و حتى تعود أرض العرب مروجا و أنهارا ]
فصل حول ذي الخلصة و الخلصة
ثبت حديث ذي الخلصة في الصحيحين [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى هذا البيت قال جرير : فنفرت إليها مائة و خمسين من أخمس فكسرناه و قتلنا من وجدنا عنده ] قال أبو الخطاب بن دحية : و ذو الخلصة بضم الخاء و اللام في قول أهل اللغة و اليسير و بفتحها قيدناه في الصحيحين و كذا قال ابن هشام و قيده الإمام أبو الوليد الكنائي الوقشي بفتح الخاء و سكون اللام و كذا قال ابن زيد و اختلف فيه فقيل هو بيت أصنام كان لدوس و خثعم و بجيلة و من كان ببلادهم من العرب و قيل : هو صنم كان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام في مواضع شتى و كانوا يلبسونه القلائد و يعلقون عليه بيض النعام و يذبحون عنده و قيل : ذو الخلصة هي الكعبة اليمانية فكان معناهم في تسميتها بذلك أن عبادة خالصة و المعنى المراد بالحديث أنهم يرتدون و يرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان فترسل نساء دوس طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك في آخر الزمان و ذلك بعد موت جميع من قلبه مثقال حبة من إيمان و هو كم جاء في عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تذهب الليالي و الأيام حتى تعبد اللات و العزى ] الحديث و سيأتي بكماله
و قوله : يسوق الناس بعصاه كناية عن استقامة الناس و انقيادهم إليه و اتفاقهم عليه و لم يرد نفس العصا و إنما ضرب بها مثلا لطاعتهم له و استيلائه عليهم إلا أن في ذكرها دليلا على خشونته عليهم و عسفه بهم و قد قيل : إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل و الماشية و ذلك لشدة عنفه و عدواه و لعل هذا الرجل القحطاني هو الرجل الذي يقال له الجهجاه و أصل الجهجهة الصياح بالسبع يقال : جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح و يقال : جهجه عني أي انته و هذه الصفة توافق ذكر العصا و الله أعلم
و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من رواية عائذ بن عمرو و كان ممن بايع تحت الشجرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن شر الرعاة الحطمة ] و الرعاة في اللغة جمع راع و ضرب رسول الله بهذا مثلا لوالي السوء لأن الحطمة هو الذي يعنف بالإبل في السوق و الإيراد و الإصدار فيحطمها أي يكسرها و لا يكاد يسلم من فساده شيء و سواق حطم كذلك يعنف في سوقه
و قوله : حتى تخرج نار من أرض الحجاز فقد خرجت نار عظمة و كان بدؤها زلزلة عظيمة و ذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع و خمسين و ستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت و ظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها قرى في صورة البلد العظيم كأعظم ما يكون البلدان عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون و أبراج و مآذن و يرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته و أذابته و يخرج من مجموع ذلك نهر أحمر و نهر أزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور و الجبال بين يديه و ينتهي إلى البحرة محط الركب العراقي فأجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم و انتهت النار إلى قرب المدينة و كان يلي المدينة ببركة النبي صلى الله عليه و سلم نسيم بارد و يشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر و انتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها قال لي بعض أصحابنا : و لقد رأيتها صاعدة في الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة
قلت : و سمعت أنها رئيت من مكة و من جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم حتى إنها أذابت الرصاص التي عليها العمد فوقعت و لم يبق غير السور واقفا و نشأ بعد ذلك أخذ بغداد يتغلب التتر عليها فقتل من كان فيها و سباه و ذلك عمود الإسلام و ماؤه فانتشر الخوف و عظم الكرب و عم الرعب و كثر الحزن فانتشار التتر في البلاد و بقي الناس حيارى سكارى بغير خليفة و لا إمام و لا قضاء فزادت المحنة و عظمت الفتنة لم يتدارك الله سبحانه بالعفو و الفضل و المنة أما قوله : و ستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة فلعلها النار التي جاء ذكرها في حديث حذيفة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لتقصدنكم اليوم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برجوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس و الأموال تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طير الريح و السحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار و لها بين الأرض و السماء دوي كدوي الرعد القاصف هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش قلت : يا رسول الله هي يومئذ على المؤمنين و المؤمنات ؟ قال : و أين المؤمنون و المؤمنات يومئذ ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم و ليس فيهم رجل يقول : مه مه ] كذا رواه أبو نعيم الحافظ في باب مكحول أبي عبد الله إمام أهل الشام عن أبي سلمة عنه عن حذيفة
و قوله : عذبة سوطه يريد السير المعلق في طرف السوط و في هذين الحديث ما يرد على كفرة الأطياء و الزنادقة الملحدين و أن الكلام ليس مرتبطا بالهيبة و البله و إنما الباري جلت قدرته يخلقه متي شاء في أي شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن فقد كان الحجر و الشجر يسلمان عليه صلى الله عليه و سلم تسليم من نطق و تكلم ثبت ذلك في غير ما حديث و هو قول أهل أصول الدين في القديم و الحديث و ثبت باتفاق حديث البقرة و الذئب و أنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه و سلم في الصحيحين قاله ابن دحية
و قوله : حتى تعود أرض العرب مروجا و أنهارا إخبار عن خروج عادتهم من إنتاج الكلأ و مواضع العشب بحفر الأنهار وغرس الأشجار و بناء الديار
باب منه آخر
أبو عمر بن عبد البر [ عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة و فشو التجارة حتى تعيب المرأة زوجها على التجارة و قطع الأرحام و فشو القلم و ظهور شهادة الزوور و كتمان شهادة الحق ] قال أبو عمر ابن عبد البر : أما قوله : و فشو القلم فإنه أراد ظهور الكتاب و كثرة الكتاب خرجه أبو جعفر الطحاوي بلفظه و معناه إلا أنه قال : حتى تعين المرأة بدل تعيب و لم يذكر و قطع الأرحام ذكره أبو محمد عبد الحق
و خرج أبو داود الطيالسي يقال : [ حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال : قال عمرو بن ثعلبة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر و إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة و إن من أشراط الساعة أن تكثر التجارة و يظهر القلم ]
و ذكر ابن المبارك بن فضالة [ عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم و يفيض المال و يظهر القلم و تكثر التجارة ] قال الحسن : لقد أتى علينا زمان إنما يقال تاجر بني فلان و كاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد و الكاتب الواحد و ذكره أبو داود الطيالسي عن عبد الله بن مسعود قال : كان يقال إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقا و أن يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة و أن يتجر الرجل و امرأته جميعا و أن تغلو مهور النساء و الخيل ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة
باب منه
البخاري [ عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن من أشراط الساعة أن يقل العلم و يظهر الجهل و يظهر الزنا و تكثر النساء و يقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ] أخرجه مسلم من حديث أنس
مسلم [ عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحدا يأخذها منه قال : و يرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال و كثرة النساء ]
فصل
قوله : [ و يرى الرجل يتبعه أربعون امرأة ] يريد و الله أعلم أن الرجال يقتلون في الملاحم و تبقى نساؤهم أرامل فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن و مصالح أمورهن كما قال في الحديث الآخر قبله : حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد الذي يسوسهن و يقوم عليهن من بيع و شراء و أخذ و عطاء و قد كان هذا عندنا أو قريبا منه بالأندلس و قيل : إن لقلة الرجال و غلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول أنكحني أنكحني و الأول أشبه و يكون معنى يلذن يستترن و يتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة
و لقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أخو شيخنا أبو العباس أحمد ابن عمر رحمه الله : أنه ربط نحوا من خمسين امرأة واحدة بعد أخرى في حبل واحد مخافة سبي العدو حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله و أما ظهور الزنا فذلك مشهور في كثير من الديار المصرية من ذلك مأثور و من ذلك إظهار الخمر و المأخوذ نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن و أما قلة العلم و كثرة الجهل فذلك شائع في جميع البلاد ذائع أعني برفع العلم و قلة ترك العمل به كما قال عبد الله بن مسعود [ ليس حفظ القرآن بحفظ حروفه و لكن إقامة حدوده ] ذكره ابن المبارك و سيأتي هذا المعنى مبينا مرفوعا إن شاء الله تعالى
باب كيف يقبض العلم
البخاري و مسلم رحمهما الله عن عبد الله بن عمرو قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا و لكن ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم فيضلون و يضلون ]
و في رواية : [ حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا انتزاعا مصدر من غير اللفظ كما قال الله عز و جل { و الله أنبتكم من الأرض نباتا } ]
أبو داود [ عن سلامة بن الحر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد الإمامة فلا يجدو إماما يصلي بهم ]
باب ما جاء أن الأرض تخرج ما في جوفها من الكنوز و الأموال
روى الأئمة [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا ] و في رواية : [ عن جبل من ذهب ] لفظ البخاري و مسلم و قال مسلم في رواية : [ فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة و تسعون و يقول كل واحد منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو ] و قال ابن ماجه [ فيقتل الناس عليه فيقتل من كل عشرة تسعة ]
و خرج مسلم و الترمذي [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب و الفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت و يجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي و يجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه لا يأخذون منه شيئا ] لم يذكر الترمذي السارق و قطع يده و قال حديث حسن غريب
فصل
قال الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له و قال عليه الصلاة و السلام : [ يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا ] فيشبه أن يكون هذا في آخر الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن المال يفيض فيه فلا يقبله أحد و ذلك زمن عيسى عليه السلام فلعل بسب هذا الفيض العظيم ذلك الجبل مع ما يغنمه المسلمون من أموال المشركين و يحتمل أن يكون نهيه عن الأخذ من ذلك الجبل لتقارب الأمر و ظهور أشراطه فإن الركون إلى الدنيا و الاستكثار مع ذلك جهل و اغترار و يحتمل أن يكون إذا حرصوا على النيل منه تدافعوا و تقاتلوا و يحتمل أن يكون لا يجري به مجرى المعدن فإذا أخذه أحدهم ثم لم يجد من يخرج حق الله إليه لم يوفق بالبركة من الله تعالى فيه فكان الانقباض عنه أولى
قال المؤلف رحمه الله : التأويل الأوسط هو الذي يدل عليه الحديث و الله أعلم
باب في ولاة آخر الزمان و صفتهم و فيمن ينطق في أمر العامة
البخاري [ عن أبي هريرة قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديثه فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال و قال بعضهم : بل لم يسمع ما قال حتى إذا قضى حديثه قال : أين السائل عن الساعة ؟ قال : ها أنا ذا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال : و كيف إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ]
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله : الرواية الصحيحة عند جميع رواة البخاري [ إذا وسد ] و رواه الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن القابسي : [ أسد ] قال : و الذي أحفظ [ وسد ] و في نسخة من البخاري إشكال بين وسد أو أسد على ما قيد له لأنه كان أعمى و هما بمعنى قال أهل اللغة : يقال إساد و وساد و اشتقاقهما واحد يقال : إساد و وسادة و وساد فمعنى قوله صلى الله عليه و سلم : [ إذا وسد الأمر إلى غير أهله ] أي أسند و جعل إليهم و قلدوه بمعنى الإمارة كما في زماننا اليوم لأن الله تعالى ائتمن الأئمة و الولاة على عباده و فرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلى الله عليه و سلم [ كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ] فينبغي لهم تولية أهل الدين و الأمانة للنظر في أمور الأمة فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم
و خرج مسلم [ من حديث جبريل الطويل و فيه قال : أخبرني عن الساعة قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال : أن تلد الأمة ربتها و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان ]
و في رواية : [ إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها و إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها ]
الترمذي [ عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع ] قال حديث حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو
و خرج الغيلاني أبو طالب محمد : [ حدثنا أبو بكر و الشافعي : حدثنا موسى بن سهل بن كثير أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل يا رسول الله و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة ] و قال أبو عبيد : التافه الرجل الخسيس الخامل من الناس و كذلك كل شيء خسيس فهو تافه قال : و مما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال : [ من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس و أن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان و أن تلد الأمة ربتها ]
و ذكر أبو عبيد في الغريب له في حديث النبي صلى الله عليه و سلم [ لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و البخل و يخون الأمين و يؤتمن الخائن و يهلك الوعول و يظهر التحوت قالوا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما الوعول و ما التحوت ؟ قال : الوعول وجوه الناس و التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم ] و أسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعا : من أشراط الساعة علو أهل الفسق في المساجد و ظهور أهل المنكر على أهل المعروف فقال أعرابي فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال : [ دع و كن حلسا من أحلاس بيتك ] و في معناه أنشدوا :
( أيا دهر أعملت فينا أذاكا ... و وليتنا بعد وجه قفاكا )
( قلبت الشرار علينا رؤوسا ... و أجلست سفلتنا مستواكا )
( فيا دهر إن كنا عاديتنا ... فها قد صنعت بنا ما كفاكا )
و قال آخر :
( ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا ... و المنكرون لكل أمر منكر )
( و بقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع مغرور عن معور )
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب و غيره مما تقدم و يأتي قد ظهر أكثره و شاع في الناس معظمه فوسد الأمر إلى غير أهله و صار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم و جهالهم فيملكون البلاد و الحكم في العباد فيجمعون الأموال و يطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمان فلا يسمعون موعظة و لا ينزحرون عن معصية فهم صم بكم عمي قال قتادة : صم عن استماع الحق بكم عن التكلم به عمي عن الإبصار له و هذه صفة أهل البادية و الجهالة
و البهم : جمع بهيمة و أصلها صغار الضأن و المعز و قد فسره في الرواية الأخرى في قوله : رعاء الشاه و قوله و أن تلد الأمة ربها و في رواية ربتها تأنيث رب أي سيدها و قال وكيع و هو أن تلد العجم العرب ذكره ابن ماجه في السنن
قال علماؤنا : و ذلك بأن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه و منزلته بأبيه و على هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين و اتساع خطتهم و كثرة الفتوح و هذا قد كان و قيل : هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد و يكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدت فربما يشتريها ولدها و لا يشعر فيكون ربها و على هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد و هم الجمهور
و قيل : المراد أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة و السب و يشهد لهذا ما جاء في حديث أبي هريرة المرأة مكان الأمة و قوله عليه الصلاة و السلام : [ حتى يكون الولد غيظا ] و سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
قلت : و هذا ظاهر في الوجود من غير نكير مستفيض و شهير و قيل : إنما كان سيدها و ربها لأنه كان سبب عتقها كما قال عليه الصلاة و السلام في مارية : [ أعتقها ولدها ]
قلت : و قول خامس سمعت شيخنا الأستاذ المحدث النحوي المقرئ أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن حجة يقوله غير مرة و هو الإخبار عن استيلاء الكفار على بلاد المسلمين كما في هذه الأزمان التي قد استولى فيها العدو على بلاد الأندلس و خراسان و غيرهما من البلدان فتسبى المرأة و هي حبلى أو ولدها صغير فيفرق بينهما فيكبر الولد فربما يجتمعان و يتزوجها كما قد وقع من ذلك كثير فإنا لله و إنا إليه راجعون و يدل على هذا قوله : إذا ولدت المرأة بعلها و هذا هو المطابق للأشراط مع قوله عليه الصلاة و السلام [ لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض ] و الله أعلم
باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة حل بها البلاء
الترمذي [ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل و ما هي يا رسول الله قال :
إذا كان المغنم دولا و الأمانة مغنما و الزكاة مغرما و أطاع الرجل زوجته و عق أمه و بر صديقه و جفا أباه و ارتفعت الأصوات في المساجد و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره و شربت الخمور و لبس الحرير و اتخذت القينات و المعازف و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا ] قال : هذا حديث غريب و في إسناده فرج بن فضالة و ضعف من قبل حفظه
و خرج أيضا [ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اتخذ الفيء دولا و الأمانة مغنما و الزكاة مغرما و تعلم لغير الدين و أطاع الرجل امرأته و عق أمه و أدنى صديقه و أقصى أباه و ظهرت الأصوات في المساجد و ساد القبيلة فاسقهم و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره و ظهرت القينات و المعازف و شربت الخمور و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو زلزلة و خسفا و مسخا و قذفا و آيات متتباعات كنظام بال قطع سلكه فتتابع ] قال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
باب منه
أبو نعيم [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة و خنازير قيل : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و يشهدون أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و يصومون ؟ قال : نعم قيل : فما بالهم يا رسول الله ؟ قال : يتخذون المعازف و القينات و الدفوف و يشربون الأشربة فباتوا على شربهم و لهوهم فأصبحوا و قد مسخوا قردة و خنازير ]
ابن ماجه [ عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالدفوف و المغنيات يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير ]
و خرجه أبو داود [ عن مالك بن أبي مريم : قال دخلنا على عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء قال : حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ] زاد ابن أبي شيبة [ يضرب على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات يخسف الله بهم الأرض ]
قال أبو محمد عبد الحق : روياه جميعا من حديث معاوية بن صالح الحمصي و قد ضعفه قوم منهم يحيى بن معين و يحيى بن سعيد فيما ذكره ابن أبي حاتم و قال أبو حاتم فيه : حسن الحديث يكتب حديثه و لا يحتج به و وثقه أحمد بن حنبل و أبو زرعة
البخاري [ عن أبي مالك الأشعري أو عن عامر سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال : ليكونن ناس من أمتي يستحلون الحر و الحرير و المعازف و لينزلن أقوام إلى جنب عالم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهنم الله و يضع العلم و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة ]
قال المؤلف رحمه الله : هذا يصحح ما قبله من الأحاديث و الحر : هو الزنا قاله الباهلي و يروى الخز بالخاء و الزاي و الصواب ما تقدم
باب منه
ذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علي عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي قال : أنبأنا مالك بن أنس عن نافع بن عمر قال : كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص و هو بالقادسية أن وجه نضلة أبا معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق فليغيروا على ضواحيها قال : فوجه سعد نضلة في ثلاثمائة فارس فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق فأغاروا على ضواحيها فأصابوا غنيمة و سبيا فأقبلوا يسرقون الغنيمة و السبي حتى رهقهم العصر و كادت الشمس أن تؤوب قال : فألجأ نضلة الغنيمة و السبي إلى سفح الجبل ثم قال : فأذن فقال : الله أكبر فإذا مجيب من الجبل يجيب كبرت تكبيرا يا نضلة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال كلمة الإخلاص يا نضلة قال أشهد أن محمدا رسول الله قال : هذا النذير و هو الذي بشر به عيسى عليه السلام و على رأس أمته تقوم القيامة قال حي على الصلاة قال : طوبى لمن مشى إليها و واظب عليها قال حي على الفلاح قال : أفلح من أجاب محمدا صلى الله عليه و سلم و هو البقاء لأمة محمد صلى الله عليه و سلم قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال : أخلصت الإخلاص كله يا نضلة فحرم الله بها جسدك على النار فلما فرغ من أذانه قمنا فقلنا له : من أنت يرحمك الله أملك أنت أم ساكن من الجن أم طائف من عباد الله ؟ أسمعنا صوتك فأرنا شخصك فإنا وفد الله و وفد رسوله و وفد عمر بن الخطاب قال : فانفلق الجبل عن هامة كالرحاء أبيض الرأس و اللحية و عليه طمران من صوف فقال : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته قلنا : و عليك السلام و رحمته و بركاته من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا زرنب بن برثملا وصي العبد الصالح عيسى بن مريم أسكنني هذا الجبل و دعا لي بطول البقاء إلى نزوله من السماء فيقتل الخنزير و يكسر الصليب و يتبرأ مما نحلته النصارى فأما إذا فاتني لقاء محمد صلى الله عليه و سلم فأقرئوا عمر مني السلام و قولوا له يا عمر : سدد و قارب فقد دنا الأمر و أخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد صلى الله عليه و سلم الهرب فالهرب : إذا استغنى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و انتسبوا في غير مناسبهم و انتموا إلى غير مواليهم و لم يرحم كبيرهم صغيرهم و لم يوقر صغيرهم كبيرهم و ترك المعروف فلم يؤمر به و ترك المنكر فلم ينه عنه و تعلم عالمهم العلم ليجلب به الدراهم و الدنانير و كان المطر قيظا و الولد غيظا و طولوا المنارات و فضضوا المصاحف و شيدوا البناء و اتبعوا الشهوات و باعوا الدين بالدنيا و استخفوا بالدماء و قطعت الأرحام و بيع الحكم و أكل الربا و صار الغني عز و خرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه فسلم عليه و ركبت النساء السروج ثم غاب عنا قال : فكتب بذلك نضلة إلى سعد فكتب سعد إلى عمر و كتب عمر إلى سعد يا سعد : لله أبوك سر أنت و من معك من المهاجرين و الأنصار حتى تنزلوا هذا الجبل فإن لقيته فأقرئه مني السلام فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن بعض أوصياء عيسى بن مريم نزل ذلك الجبل ناحية العراق قال : فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين و الأنصار حتى نزل ذلك الجبل فأقام أربعين يوما ينادي بالأذان في كل وقت صلاة فلا جواب
قال الخطيب : تابع إبراهيم بن رجاء أبو موسى عبد الرحمن الراسبي على رواية عن مالك و ليس بثابت من حديثه
باب منه آخر
خرج أبو نعيم [ من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من اقتراب الساعة اثنتان و سبعون خصلة إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة و أضاعوا الأمانة و أكلوا الربا و استحلوا الكذب و استخفوا بالدماء و استعلوا البناء و باعوا الدين بالدنيا و تقطعت الأرحام و يكون الحكم ضعفا و الكذب صدقا و الحرير لباسا و ظهر الجور و كثر الطلاق و موت الفجأة و ائتمن الخائن و خون الأمين و صدق الكاذب و كذب الصادق و كثر القذف و كان المطر قيظا و الولد غيظا و فاض اللئام فيضا و غاص الكرام غيضا و كان الأمراء فجرة و الوزراء كذبة و الأمناء خونة و العرفاء ظلمة و القراء فسقة إذا لبسوا مسوح الضأن قلوبهم أنتن من الجيفة و أمر من الصبر يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة و تظهر الصفراء يعني الدنانير و تطلب البيضاء يعني الدراهم و تكثر الخطايا و تغل الأمراء و حليت المصاحف و صورت المساجد و طولت المنابر و خربت القلوب و شربت الخمور وعطلت الحدود و ولدت الأمة ربتها و ترى الحفاة العراة قد صاروا ملوكا و شاركت المرأة زوجها في التجارة و تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و حلف بالله و شهد المرء من غير أن يستشهد و سلم للعرفة و تفقه لغير الدين و طلبت الدنيا بعمل الآخرة و اتخذ المغنم دولا و الأمانة مغنما و الزكاة مغرما و كان زعيم القوم أرذلهم و عق الرجل أباه و جفا أمه و بر صديقه و أطاع زوجته و علت أصوات الفسقة في المساجد و اتخذت القينات و المعازف و شربت الخمور في الطرق و اتخذ الظلم فخرا و بيع الحكم و كثر الشرط و اتخذ القرآن مزامير و جلود السباع صفاقا و المساجد طرقا و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء و خسفا و مسخا و قذفا و آيات ] غريب من حديث عبد الله بن عمير عن حذيفة لم يروه عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة
قال المؤلف رحمه الله : و هذه الخصال قد تقدم ذكرها في أحاديث متفرقة و كلها بنية المعنى إلا قوله و جلود السباع صفاقا قال الجوهري : الصفاق الجلد الرقيق تحت الجلد الذي عليه الشعر
و خرج الدارقطني [ عن عامر الشعبي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال : لليلتين و أن تتخذ المساجد طرقا و أن يظهر موت الفجأة ] قاله الجوهري معنى قبلا أن يرى ساعة يطلع لعظمه و يوضحه حديث آخر من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة و يقال : رأيت الهلال قبلا و قبلا أي معاينة
باب منه
الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال : [ حدثنا عمر بن أبي عمر قال : حدثنا هشام بن خالد الدمشقي عن إسماعيل بن عياش عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يكون في أمتي فزعة فيصير الناس إلى علمائهم فإذا هم قردة و خنازير ] قال أبو عبد الله : فالمسخ تغير الخلقة عن جهتها فإنما حل بهم المسخ لأنهم غيروا الحق عن جهته و حرفوا الكلم عن مواضعه فمسخوا أعين الخلق و قلوبهم عن رؤية الحق فمسخ الله صورهم و بدل خلقهم كما بدلوا الحق باطلا
باب في رفع الأمانة و الإيمان عن القلوب
روى الأئمة البخاري و مسلم و ابن ماجه و غيرهم و اللفظ لمسلم [ عن حذيفة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثين قد رأيت أحدهما و أنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ] قال ابن ماجه : حدثنا الطنافسي يعني وسط قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن و علموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال : [ ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا و ليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فنفط فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله و ما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان و لقد أتى على زمان ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه و لئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه فأما فما كنت أبايع منكم إلا فلانا و فلانا ]
فصل
الجذر بالذال المعجمة و يقال بفتح الجيم و كسرها و هو الأصل من كل شيء من النسب و الحساب و الشجر و غيره و الوكت : بإسكان الكاف و هو الأثر اليسير يقال : أوكتت البسرة : إذا ظهرت فيها نكتة من الإرطاب و هو مصدر وكته يكته وكتا و هو أيضا مثل نكته في العين و غيرها و المجل : هو النفخ الذي يرتفع من جلد باطن اليد عند العمل بفأس أو محذاف أو نحوه يحتوي على ماء ثم يصلب و يبقى عقدا قال ابن دحية قيدناه في الحديث بسكون الجيم و أجاز أهل اللغة و النحو فتح الجيم مصدر مجلت يده تمجل مجلا بفتح الجيم في المصدر إذا غلظت من العمل و قوله : فنفط أي ارتفع جلدها و انتفخ فتراه منتبرا أي منتفطا و معناه مرتفعا جلده من لحمه و هو افتعال من النبر و هو الرفع و كل شيء رفع شيئا فقد نبره و منه اشتق المنبر و أراد بذلك خلو القلوب من الأمانة كما يخلو المجل المنتبر عن شيء يحويه كجمر دحرجته يعني أطلقته فينطلق ظهر اليدين من ذلك
و قول حذيفة : لقد أتى على زمان الحديث : يعني كانت الأمانة موجودة ثم قلت في ذلك الزمان و قوله ليردنه على ساعيه يعني من كان رئيسا مقدما فيهم واليا عليهم أن ينصفني منه و إن لم يكن له الإسلام و كل من ولوي على قوم ساع لهم و قوله فما كنت أبايع إلا فلانا و فلانا قال أبو عبيدة : هو من البيع و الشراء لقلة الأمانة
باب في ذهاب العلم ورفعه و ما جاء أن الخشوع و الفرائض أول علم يرفع من
الناس
ابن ماجه قال : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي صلى الله عليه و سلم شيئا قال : ذللك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله : كيف يذهب العلم و نحن نقرأ القرآن و نقرئه أبناءنا و يقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ قال : ثكلتك أمك يا زياد : إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود و النصارى يقرأون التوراة و الإنجيل لا يعملون بشيء منهما ]
و خرجه الترمذي [ عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا على شيء منه فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يختلس منا و نحن قد قرأنا القرآن فو الله لنقرؤه و لنقرئه نساءنا و أبناءنا فقال : ثكلتك أمك يا زياد : إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة هذه التوراة و الإنجيل عند اليهود و النصارى فماذا تغني عنهم ]
قال جبير : فلقيت عبادة بن صامت فقلت : ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء قال صدق أبو الدرداء إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس الخشوع يوشك أن يدخل الرجل مسجد جماعة فلا يرى فيه رجلا خاشعا قال أبو عيسى : هذا حديث غريب و معاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث و لا أعلم أحدا تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان
و روى بعضهم هذا الحديث عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك
قال المؤلف رحمه الله : خرجه لهذا الإسناد الحافظ أبو محمد عبد الغني فقال : [ حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال : حدثنا يحيى بن أيوب : حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث قال : حدثني إبراهيم بن أبي عبلة عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير قال : حدثني عوف بن مالك الأشجعي قال : نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السماء يوما و قال : هذا أوان رفع العلم فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد يا رسول الله : و كيف يرفع العلم و قد كتب في الكتب و وعته الصدور ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة و ذكر اليهود و النصارى و ضلالتهم على ما في أيديهم من كتاب الله ] فذكرت ذلك لشداد بن أوس فقال : صدق عون بن مالك ألا أخبرك بأول ذلك : يرفع الخشوع حتى لا ترى رجلا خاشعا ذكره في باب تقييد الحديث بالكتابة و هو حديث حسن
قلت : و قد ذكرناه في مسند زياد بن لبيد بإسناد صحيح على ما ذكره ابن ماجه و هو يبين لك ما ذكرناه من أن المقصود برفع العلم العمل به كما قال عبد الله بن مسعود : ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف و لكن إقامة حدوده ثم بعد رفع العمل بالعلم يرفع القلم و الكتاب و لايبقى في الأرض من القرآن آية تتلى على ما يأتي في الباب بعد هذا
و قد خرج الدراقطني و ابن ماجه [ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تعلموا الفرائص و علموها للناس فإنها تصف العلم و هو ينسى و هو أول شيء ينزع من أمتي ] لفظ الدراقطني و لا تعارض و الحمد لله فإن الخشوع من علم القلوب و الفرائض علم الظاهر فافترقا و الحمد لله
باب في دروس الإسلام و ذهاب القرآن
ابن ماجه قال : [ أخبرنا علي بن محمد قال : أنبأنا أبو معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربيعي بن خراش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدرس الإسلام كما يدرس و شى الثوب حتى لا يدري ما صيام و لا صلاة و لا نسك و لا صدقة و يسري بكتاب الله تعالى في ليلة فلا بيقى منه في الأرض آية و تبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير و العجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها قال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله و هم لايدرون ما صلاة و لا صيام و لا نسك و لا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه حذيفة فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ]
قلت : هذا إنما يكون بعد موت عيسى عليه السلام لا عند خروج يأجوج و مأجوج على ما تقدم من رواية مقاتل
و ذكر أبو حامد من رفعه فإن عيسى عليه السلام إنما ينزل مجددا لما درس من هذه الشريعة فإنه يحججه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى

باب العشر آيات التي تكون قبل الساعة و بيان قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر
[ روي عن حذيفة أنه قال : كنا جلوس بالمدينة في ظل حائط و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة فأشرف علينا و قال : ما يجلسكم ؟ فقلنا : نتحدث فقال : فيماذا ؟ فقلنا : عن الساعة فقال : إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات أولها طلوع الشمس من مغربها ثم الدخان ثم الدجال ثم الدابة ثم ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و خروج عيسى و خروج يأجوج و مأجوج و يكون آخر ذلك نارا تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحدا خلفها إلا تسوقه إلى المحشر ] ذكره القتبي في كتاب عيون الأخبار له
و خرجه مسلم بمعناه [ عن حذيفة قال : اطلع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غرفة و نحن نتذاكر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و الدخان و الدابة و يأجوج و مأجوج و خروج عيسى بن مريم و ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا و تقيل معهم إذا قالوا ] خرجه ابن ماجه و الترمذي و قال : حديث حسن و في رواية : [ الدخان و الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى بن مريم و ثلاث خسوفات : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من اليمن تطردهم إلى محشرهم ]
و في البخاري [ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول أشراط الساعة نار تخرج تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ]
مسلم [ عن عبد الله بن عمر قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أول الآيات خروجا عن طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة على الناس ضحى و أيهما ما كانت قبل صاحبتها فأخرى على أثرها قريبا منها ] و في حديث حذيفة مرفوعا ثم قال عليه الصلاة و السلام : [ كأني أنظر إلى حبشي أحمش الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن و قد صف قدميه على الكعبة هو و أصحاب له و هم ينقضونها حجرا حجرا و يتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر فعند ذلك تكون علامات منكرات طلوع الشمس من مغربها ثم الدجال ثم يأجوج و مأجوج ثم الدابة ] و ذكر الحديث
فصل
جاءت هذه الآيات في هذه الأحاديث مجموعة غير مرتبة ما عدا حديث حذيفة المذكور أولا فإن الترتيب فيه بثن و ليس الأمر كذلك على ما نبينه و قد جاء ترتيبها [ من حديث حذيفة أيضا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة و نحن أسفل منه فاطلع إلينا فقال : ما تذكرون ؟ قلنا : الساعة قال : إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و الدخان و الدجال و دابة الأرض و يأجوج و مأجوج و طلوع الشمس من مغربها و نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ]
و قال بعض الرواة في العاشرة : و نزول عيسى بن مريم و قال بعضهم : و ريح يلقى الناس في البحر أخرجه مسلم فأول الآيات على ما في هذه الرواية الخسوفات الثلاثة و قد وقع بعضها في زمن النبي صلى الله عليه و سلم ذكره ابن وهب و قد تقدم
و قد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل و خسوفات هائلة هلك بسببها خلق كثير
قلت : و قد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعنا من بعض مشايخنا بقرية يقال لها [ قطرطندة ] من قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها
و أخبرني أيضا بعض أصحابنا أن قرية من أعمال برقة يقال لها [ ترسة ] أصابها زلزلة شديدة هدت حيطانها و سقفها على أهلها فماتوا تحتها و لم ينج منهم إلا قليل و وقع في هذا الحديث دابة الأرض قبل يأجوج و مأجوج و ليس كذلك فإن أول الآيات ظهور الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج يأجوج و مأجوج فإذا قتلهم الله بالنغف في أعناقهم على ما يأتي و قبض الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام و خلت الأرض منا و تطاولت الأيام على الناس و ذهب معظم دين الإسلام أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم و أحدثوا الأحداث من الكفر و الفسوق كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه الله تعالى بينه و بينهم حجة عليهم ثم قبضه فيخرج الله تعالى لهم دابة من الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم و الفساق عن فسقهم و يستبصروا و ينزعوا عما هم فيه من الفسوق و العصيان ثم تغيب الدابة عنهم و يمهلون فإذا أصروا على طغيانهم طلعت الشمس من مغربها و لم يقبل ببعد ذلك لكافر و لا فاسق توبة و أزيل الخطاب و التكليف عنهم ثم كان قيام الساعة على أثر ذلك قريبا لأن الله تعالى يقول : { و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في الأرض زمانا طويلا هكذا ذكره بعض العلماء
و أما الدخان : فروي [ من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن من أشراط الساعة دخانا يملأ ما بين المشرق و المغرب يمكث في الأرض أربعين يوما ]
فأما المؤمن : فيصيبه منه شبه الزكام و أما الكافر : فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه و منخريه و عينيه و أذنيه و دبره و قيل : هذا الدخان من آثار جهنم يوم القيامة
و روي هذا عن علي و ابن عمر و أبي هريرة و ابن عباس و ابن أبي مليكة و الحسن و هو معنى قوله تعالى { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين }
و قال ابن مسعود في هذه الآية : إنه ما أصاب قريشا من القحط و الجهد حتى جعل الرجل يرى بينه و بين السماء كهيأة الدخان من الجهد حتى أكلوا العظام و قد مضت البطشة و الدخان و اللزام و الحديث عنه بهذا في كتابي مسلم و البخاري و غيرهما و قد فسر البطشة بأنها وقعة بدر
قال أبو الخطاب ابن دحية : و الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين : إحدهما وقعت و كانت الأخرى ستقع و ستكون فأما التي كانت فالتي كانوا يرون فيها كهيأة دخان و هي الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور آيات التي هي من الأشراط و العلامات و لا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة و قول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو من تفسيره و قد جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلافه
قال المؤلف رحمه الله : قد روي عن ابن مسعود أنهما دخانان قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول : هما دخانان قد مضى أحدهما و الذي بقي يملأ ما بين السماء و الأرض و لا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة و أما الكافر فتثقب مسامعه فتبعث مسامعه فتبعث عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن و مؤمنة و يبقى شرار الناس
و اختلف في البطشة و اللزام فقال أبي : هو القتل بالسيف يوم بدر و إليه نجا ابن مسعود و هو قول أكثر الناس و على هذا تكون البطشة و اللزام شيئا واحدا قال ابن مسعود : البطشة الكبرى وقعة بدر و قيل : هي يوم القيامة و أصل البطش الأخذ بشدة وقع الألم و اللزام في اللغة : الفصل في القضية و فسره ابن مسعود بأن ذلك كان يوم بدر و هو البطشة الكبرى في قوله أيضا
و قيل : إن اللزام هو المذكور في قوله تعالى { فسوف يكون لزاما } و هو العذاب الدائم و أما الدجال فيأتي ذكره في أبواب أخرى و أما الدابة فهي التي قال الله تعالى { و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم }
و ذكر أهل التفسير أنه خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فتنير وجهه و يكتب بين عينيه كافر و روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن هذه الدابة هي الجساسة على ما يأتي ذكره في خبر الدجال و روي عن ابن عباس أنها الثعبان الذي كان يبئر الكعبة فاختطفه العقاب و سيأتي بيانه
و أما قوله : و آخر ذلك نار تخرج من اليمن و في الرواية الأخرى من قعر عدن و في الرواية الأخرى من أرض الحجاز قال القاضي عياض فلعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس أو يكون ابتداء خروجهما من اليمن فظهورهما من الحجاز
قلت : أما النار التي تخرج من أرض الحجاز فقد خرجت على ما تقدم القول فيها و بقيت النار التي تسوق الناس إلى المحشر و هي التي تخرج من اليمن و قد مضى القول في الحشر و يأتي القول في طلوع الشمس من مغربها
فأما قوله الله تعالى : { اقتربت الساعة و انشق القمر } فقد روي أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم آية فأراهم القمر منشقا نصفين و الجبل بينهما فقال اشهدوا ثبت في الصحيحين و غيرهما
و من العلماء مكن قال : إنه ينشق كقوله تعالى { أتى أمر الله } أي يأتي قال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : فإن كان هذا فقد أتى و رأيت ببخاري الهلال و هو ابن ليلتين منشقا نصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس و ما زلت أنظر إليهما حتى اتصلا كما كانا و لكنهما في شكل واحد شكل أترجة و لم أمل طرفي عنهما إلى أن غابت و كان معي ليلتئذ كتيبة من شريف وفقيه و غيرهما من طبقات الناس و كلهم رأى ما رأيت و أخبرني من وثقت به أنه رأى الهلال و هو ابن ثلاث منشقا نصفين : قال الحليمي : فقد ظهر أن قول الله { و انشق القمر } إنما خرج على الانشقاق الذي هو من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله آية لرسوله صلى الله عليه و سلم

باب ما جاء أن الآيات بعد المائتين
ابن ماجه [ عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الآيات بعد المائتين ] [ و عن زيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر و تقوى ثم الذين يلونهم إلى عشرين و مائة سنة أهل تراحم و تواصل تم الذين يلونهم إلى ستين و مائة أهل تدابر و تقاطع ثم الهرج الهرج النجا النجا ] و في رواية [ عن أبي معن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما فأما طبقتي و طبقة أصحابي فأهل علم و إيمان و أما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر و تقوى ] ثم ذكر نحوه
باب ما جاء فيمن يخسف به أو يمسخ
أبو داود [ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا أنس إن الناس يمصرون أمصارا و إن مصرا منها يقال لها البصرة أو البصيرة فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك و سباخها و كلأها و سوقها و باب أمرائها و عليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف و رجف و قوم يبيتون فيصبحون قردة و خنازير ]
و خرج ابن ماجه [ عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال : إن فلانا يقرأ عليك السلام فقال له : بلغني أنه قد أحدث فإن كان أحدث فلان فلا تقرئه السلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يكون في أمتي أو في هذه الأمة خسف مسخ و قذف و نحوه ]
عن سهل بن سعد و قد تقدمت الأخبار و الأحاديث في خسف الجيش الذي يقصد مكة لقتال المهدي خرجهما مسلم و غيره
و كذلك تقدم حديث البخاري و غيره في باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة و ذكر الثعالبي في تفسيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ تبنى مدينة بين دجلة و دجيل و قطربل و السراة يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبي إليها الخزائن و يخسف بها و في رواية : يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة يقال إنها بغداد ] و قد تقدم و الله أعلم
باب ـ ذكر الدجال و صفته و نعته
ذكر الدجال و صفته و نعته و من أين يخرج و ما علامة خروجه و ما معه إذا خرج و ما ينجى منه و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى
قال ابن دحية قال العلماء : الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه :
الأول : أن الدجال الكذاب قاله الخليل و غيره و أنها دجلة بسكون الخيم و دجلة بفتحها كذبة لأنه يدجل الحق بالباطل و جمعه دجالون و دجاجلة في التكسير و قد تقدم
الوجه الثاني : أن الدجال مأخوذ من الدجل و هو طلاء البعير بالقطران سمي بذلك لأنه يغطي الحق و يستره بسحره و كذبه كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة و هي القطران يهنأ به البعير و اسمه إذا فعل به ذلك المدجل قاله الأصمعي
الوجه الثالث : إنما سمي بذلك لضربه في نواحيه الأرض و قطعه لها يقال : دجل الرجل إذا فعل ذلك
الوجه الرابع : أنه من التغطية لأنه يغطي الأرض بمجموعه و الدجل التغطية قال دريد : كل شيء غطيته فقد دجلته و منه سميت دجلة لانتشارها على الأرض و تغطية ما فاضت عليه
الوجه الخامس : سمي دجالا لقطعه الأرض إذ يطأ جميع البلاد إلا مكة و المدينة و الدجالة الدفقة العظيمة
و أنشد ابن فارس في المجمل :
دجالة من أعظم الرقاق
الوجه السادس : سمي دجالا لأنه يغر الناس بشره كما يقال لطخني فلان بشره
الوجه السابع : الدجال : المخرق
الوجه الثامن : الدجال : المموه قاله ثعلب و يقال سيف مدجل إذ كان قد طلى بالذهب
الوجه التاسع : الدجال : ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن باطله و داخله خزف أو عود سمي الدجال بذلك لأنه يحسن الباطل
الوجه العاشر : الدجال : فرند السيف و الفرند جوهر السيف و ماؤه و يقال بالفاء و الباء إذ أصله عين صافية على ما تنلطق به العجم فعربته العرب و لذلك قال سبيويه و هو عندهم خارج عن أمثله العرب و الفرند أيضا الحرير و أنشد ثعلب :
( بحلية الياقوت و الفرندا ... مع الملاب و عبير أصردا )
أي خالصا قال ابن الأعرابي يقال للزعفران الشعر و الملاب و العبير و المردقوش و الحشاد ذكر هذه الأقوال العشرة الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين و المغربين
مسلم [ عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ] و في رواية : [ من آخر سورة الكهف ]
أبو بكر بن أبي شيبة [ عن الفلتان بن عاصم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض المنخر فيه الدفاء ] قوله فيه : دفا أي انحناء
[ و عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة و نار فناره جنة و جنته نار ] و عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهرنان يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض و أحدهم الآخر رأي العين نار تأجج فأما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا و ليغمض و ليطأطئ رأسه فيشرب فإنه ماء بارد و أن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب ]
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كذا عند جماعة رواه مسلم فإما أدركن قال ابن دحية : و هو وهم فإن لفظه هو لفظ الماضي ولم أسمع دخول نون التوكيد على لفظ الماضي إلا ها هنا لأن هذه النون لا تدخل على الفعل و صوابه ما قيده العلماء في صحيح مسلم منهم التميمي أبو عبد الله : فإما أدركه أحد
[ و عن عبد الله بن عمر : قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : : إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ]
قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعا يده على منكبي رجلين و هو يطوف بالبيت فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هو المسيح بن مريم و رأيت وراءه رجلا جعدا قططا أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت من هذت قالوا هو المسيح الدجال ]
أبو بكر بن أبي شيبة [ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الدجال أعور مدهجان أقمر كأن رأسه غضنة شجرة أشبه الناس بعبد العزي بن قطن الخزاعي فإما أهلك هلك فإنه أعور و أن الله ليس بأعور
أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح فإنه أعور العين أجلي الجبهة عريض المنحر فيه اندفاء مثل قطن بن عبد العزي فقال له الرجل : أيضر بي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم شبهه ؟ فقال : لا أنت مسلم هو كافر ]
و خرج [ عن أبي بن كعب قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه و سلم أو قال ذكر النبي صلى الله عليه و سلم الدجال فقال : إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء و تعوذ بالله من عذاب القبر ]
الترمذي [ عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الدجال ليخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة ] إسناده صحيح
و ذكر عبد الرزاق قال : [ أخبرنا معمر بن عن أبي هانئ العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان و السيجان جمع الساج و هو طيلسان أخضر ] و قال الأزهري هو المطيليل المقور بنسج كذلك
الطبراني [ عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عنده الدجال فقال : إن قبل خروجه ثلاث أعوام تمسك السماء في العام الأول ثلث قطرها و الأرض ثلث نباتها و العام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها و العام الثالث تمسك السماء قطرها و الأرض نباتها حتى لا يبقى ذات ضرس و لا ذات ظلف إلا مات ] و ذكر الحديث
خرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا هشام عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء و عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء
و أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة و في بعض الروايات بعد قوله : و في السنة الثالثة يمسك الله المطر و جميع النبات فما ينزل من السماء قطرة و لا تنبت الأرض خضرة و لا نباتا حتى تكون الأرض كالنحاس و السماء كالزجاج فيبقى الناس يموتون جوعا و جهدا و تكثر الفتن و الهرج و يقتل الناس بعضهم بعضا و يخرج الناس بأنفسهم و يستولي البلاء على أهل الأرض فعند ذلك يخرج الملعون الدجال من ناحية أصبهان من قرية يقال لها اليهودية و هو راكب حمارا أبتر يشبه البغل ما بين أذني حماره أربعون ذراعا و من نعت الدجال : أنه عظيم الخلقة طويل القامة جسيم أجعد قطط أعور العين اليمنى كأنها لم تخلق و عينه الأخرى ممزوجة بالدم و بين عينيه مكتوب : كافر يقرؤه كل مؤمن بالله فإذا خرج يصيح ثلاث صيحات ليسمع أهل المشرق و المغرب
و يروى أنه إذا كان في آخر الزمان تخرج من البحر امرأة ذات حسن و جمال بارع فتدعو الناس إلى نفسها و تخترق البلاد فكل من أتاها كفر بالله فعند ذلك يخرج الله عليكم الدجال و من علامة خروجه فتح القسطنطينية لأن الخبر ورد أن بين خروجه و فتح القسطنطينية سبعة أشهر و قد تقدم هذا
و ذكر أبو داود الطيالسي قال : [ حدثنا الحشرج بن نباتة قال : حدثنا سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنه لم يكن نبي إلا و قد أنذر أمته الدجال ألا و إنه أعور العين بالشمال و باليمين ظفرة غليظة بين عينيه كافر يعني مكتوب كافر يخرج معه واديان أحدهما جنة و الآخر نار فناره جنة و جنته نار فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيي و أميت و معه ملكان يشبهان نبيين من الأنبياء إني لأعرف اسمهما و اسم آبائهما لو شئت أن أسميهما سميتهما أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول : ألست بربكم أحيي و أميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت فلا يسمعه من الناس أحد إلا صاحبه و يقول الآخر : صدقت و ذلك فتنة ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول هذه قرية ذاك الرجل فلا يؤذن له أن يدخلها ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق ]
و خرجه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي في الجزء العاشر من مختصر المعجم له بمعناه فقال : [ حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال : حدثنا حشرج عن سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه لم يكن نبي قبل إلا و قد حذر أمته من الدجال إنه أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن بالله معه واديان : أحدهما جنة و الآخر نار و معه ملكان يشبهان نبين من الأنبياء و لو شئت سميتهما بأسماء و أسماء آبائهما أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول الدجال : ألست بربكم أحيي و أميت فيقول أحد الملكين : كذبت فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه فيقول له صدقت فيسمعه الناس فيظنون أنه صدق الدجال فذلك فتنة ثم يسير الدجال حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيقول هذه قرية ذلك الرجل ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة افيق ]
قال ابن برجان في كتاب الإرشاد له : و الذي يغلب على ظني أن النبيين المشبه بها أحدهما المسيح ابن مريم و الآخر محمد صلى الله عليه و سلم و لذلك ما أنذرا بذلك و وصيا
و خرج أبو داود في سننه [ عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني كنت حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز و جل ليس بأعور ]
فصل
وصف النبي صلى الله عليه و سلم الدجال وصفا لم يبق معه لذي لب إشكال ولتك الأوصاف كلها ذميمة تبين لكل ذي حاسة سليمة لكن من قضى الله عليه بالشقاوة تبع الدجال فيما يدعيه من الكذب و الغباوة و حرم اتباع الحق و نور التلاوة فقوله عليه الصلاة و السلام [ إنه أعور و أن الله ليس بأعور ] تبيين للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصا في ذاته عاجزا عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلها لعجزه و ضعفه و من كان عاجزا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره و عن مضرته و جاء في حديث حذيفة : أعور العين اليسرى و في حديث ابن عمر : أعور العين اليمنى و قد أشكل الجمع بين الحديثين على كثير من العلماء قال : و حتى إن أبا عمر بن عبد البر ذكر ذلك في كتاب التمهيد له
و في حديث [ سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : إن الدجال خارج و هو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيىالموتى و يقول للناس : أنا ربكم فمن قال : أنت ربي فقد فتن و من قال : ربي الله عز و جل حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته و لا فتنة عليه و لا عذاب فيلبث في الأرض ما شاء ثم يجيء عيسى عليه السلام من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه و سلم و علىملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة ]
قال أبو عمر بن عبد البر ففي هذا الحديث أعور العين الشمال و في حديث مالك : أعور العين اليمنى فالله أعلم و حديث مالك أصح من جهةالإسناد لم يزد على هذا
قال أبو الخطاب بن دحية ليس كما قال بل الطرق كلها صحيحة في العينين و قال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب المفهم له : و هذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما و قد تكلف القاضي عياض الجمع بينهما فقال : الجمع بين الروايتين عندي صحيح و هو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما إذ العور حقيقة في كل شيء العيب و الكلمة العوراء هي المعيبة فالواحدة عوراء بالحقيقة و هي التي وصفت بالحديث بأنها ليست بحجراء و لا ناتئة و ممسوحة و مطموسة و طافية على رواية الهمز و الأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة أو كأنها كوكب دري أو كأنها عنبة طافية بغير همز و كل واحدة منهما يصح فيه الوصف بالعور بحقيقة العرف و الاستعمال أو بمعنى العور الأصلي قال شيخنا وحاصل كلامه : أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء أحدهما بما أصاب حتى ذهب إدراكها و الثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء و صفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله
قلت : ما قاله القاضي عياض و تأويله صحيح و أن العور في العينين مختلف كما بيناه في الروايات فإن قوله : كأنها لم تخلق هو معنى الرواية الأخرى مطموس العين ممسوخها ليست بناتئة و لا حجراء و وصف الأخرى بالمزج بالدم و ذلك عيب عظيم لا سيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي هي عليها و هي جلدة غليظة تغشى العين و على هذا فقد يكون العور في العينين سواء لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك فلا تبصر شيئا فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريبا منه إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة و في الشمال في حديث سمرة بن جندب و قد يحتمل أن يكون كل عين عليها ظفرة غليظة فإن في حديث حذيفة : و إن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة و إذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى فتتفق الأحاديث و الله أعلم
و قيل في الظفرة : إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة و قيده بعض الرواة بضم الظاء و سكون الفاء وليس بشيء قاله ابن دحية رحمه الله
فصل ـ الإيمان بالدجال و خروجه حق
الإيمان بالدجال و خروجه حق و هذا مذهب أهل السنة و عامة أهل الفقه و الحديث خلافا لمن أنكر أمره من الخوارج و بعض المعتزلة و وافقنا على إثباته بعض الجهنمية و غيرهم لكن زعموا أن ما عنده مخارق و حيل قالوا لأنها لو كانت أمورا صحيحة لكان ذلك إلباسا الكاذب بالصادق و حينئذ لا يكون الفرق بين النبي و المتنبي و هذا هذيان لا يلتفت إليه و لا يعرج عليه فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة و ليس كذلك فإنه إنما ادعى الإلهية و لهذا قال عليه الصلاة و السلام : [ إن الله ليس بأعور ] تنبيها للعقول على فقره و حدثه و نقصه و إن كان عظيما في خلقه ثم قال : [ مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن و مؤمنة كاتب أو غير كاتب ] و هذا الأمر مشاهد للحس يشهد بكذبه و كفره
و قد تأول بعض الناس : مكتوب بين عينيه كافر فقال : معنىذلك ما ثبت من سمات حدثه و شواهد عجزه و ظهور نقصه قال : و لو كان على ظاهره و حقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن و الكافر و هذا عدول و تحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك و ما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن و الكافر في قراءة ذلك لايلزم لأن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه ليغتر باعتقاده التجسيم حتى يوردهم بذلك نار الجحيم فالدجال فتنة و محنة من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فيقول لهم : أنا ربكم فيقول المؤمنون : نعوذ بالله منك حسب ما تقدم لا سيما و ذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد فليكن هذا منها و قد نص على هذا بقوله : يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب و قراءة غير الكاتب خارقة للعادة و أما الكافر فمصروف عن ذلك بغفلته و جهله و كما انصرف عن إدراك نقص عوره و شواهد عجزه كذلك يصرف عن قراءة سطور كفره و رمزه
و أما الفرق بين النبي و المتنبي فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي لأنه لزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب و هو محال
و قولهم : إن ما يأتي به الدجال حيل و مخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من تلك الأمور حقائق و العقل لا يحيل شيئا منها فوجب إبقاؤها على حقائقها و سيأتي تفصيلها بعون الله تعالى
باب ما يمنع الدجال أن يدخله من البلاد إذ خرج
البخاري و مسلم [ عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة و المدينة ] و ذكر الحديث
و في حديث فاطمة بنت قيس : [ فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة و طيبة هما محرمتان علي كلتهاهما ] الحديث و سيأتي
و ذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبد الله بن عمرو إلا الكعبة و بيت المقدس زاد أبو جعفر الطحاوي : و مسجد الطور رواه من حديث جنادة بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم
و في بعض الروايات : فلا يبقى له موضع إلا و يأخذه غير مكة و المدينة و بيت المقدس و جبل الطور فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع
باب منه و ما جاء أنه إذا خرج يزعم أنه الله و يحصر المؤمنين في بيت
المقدس
أبو بكر بن أبي شيبة [ عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم و ذكر الدجال قال : و إنه متى يخرج فإنه يزعم أنه الله فمن آمن به و اتبعه و صدقه فليس ينفعه صالح من عمل سلف و من كفر به و كذبه فليس يعاقب بشيء من عمل سلف و أنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحزم و بيت المقدس و أنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس ]
قال : فيهزمه الله و جنوده حتى إذا جدر الحائط و أصل الشجرة ينادي : يا مؤمن هذا كافر يستتر بي فقال : اقتله قال : و لن يكون قولك حتى تبدو أمور يتفاج شأنها في أنفسكم تتساءلون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا و حتى تزول جبال من مراتبها على أثر ذلك القبض
باب منه و في عظم خلق الدجال و عظم فتنته و سبب خروجه و صفة حماره و سعة
خطوه و في حصره المسلمين في جبال الدخان و كم ينكث في الأرض وفي نزول عيسى عليه السلام وقت السحر لقتل الدجال و من اتبعه
مسلم [ عن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ] و في رواية : [ امرؤ بدل خلق ]
و في حديث تميم الداري قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا و أشده وثاقا الحديث و سيأتي
وعن ابن عمر أنه لقى ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال قولا أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة فدخل ابن عمر على حفصة و قد بلغها فقالت : يرحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما يخرج من غضبة يغضبها ] و سيأتي من أخبار ابن صياد ما يدل عليه أنه هو الدجال إن شاء الله تعالى و ذكر قاسم بن أصبغ
وخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال : [ حدثنا محمد بن سابق حدثنا إبراهيم بن طهيمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال في خفقة من الدين و إدبار من العلم أي قلة من أهله و له أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة و اليوم منها كالشهر و اليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه و له حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس : أنا ربكم و هو أعور و إن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب يرد كل ماء و منهل إلا المدينة و مكة حرمهما الله تعالى عليه و قامت الملائكة بأوابهما و معه جبال من خبز و الناس في جهد إلامن اتبعه و معه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول له : الجنة و نهر يقول له : النار فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار و من أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال : و تيعث معه شياطين تكلم الناس و معه فتنة عظيمة بأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس و يقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس فيقول للناس : أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب فيفر الناس إلى جبل الدخان و هو بالشام فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم و يجهدهم جهدا شديدا ثم ينزل عيسى عليه السلام فيأتي في السحر فيقول : يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون : هذا رجل فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم عليهما السلام فيقام للصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله فيقول : ليتفضل إمامكم فليصل بكم فإذا صلوا صلاة الصبح خرجوا إليه فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيقتله حتى إن الشجر و الحجر ينادي : يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله ]
قوله : ينماث كما ينماث الملح في الماء أي يذهب و ينحل و يتلاشى
و في بعض الروايات : و ذكر أن حماره حين يخطو من خطوة إلى خطوة ميل و لا يبقى له سهل و لا وغز إلا يطؤه و لا يبقى موضع إلا يأخذه غير مكة و المدينة حسبما تقدم ويأتي الكلام أبو حنيفة في حكم أيامه
و ذكر عبد الرزاق قال : [ أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة و الجمعة كاليوم و اليوم كالساعة والساعة كاضطرام السعفة في النار ] و الصحيح أنه يمكث أربعين يوما كما في حديث جابر و كذلك في صحيح مسلم على ما يأتي في الكتاب بعد هذا
باب منه آخر في خروج الدجال و ما يجيء به من الفتن و الشبهات و سرعة سيره
في الأرض و كم يلبث فيها و في نزول عيسى عليه السلام و نعته كم يكون في الأرض يومئذ من الصلحاء و في قتله الدجال و اليهود و خروج يأجوج و مأجوج و موتهم و في حج عيسى و تزويجه و مكثه في الأرض و أين يدفن إذامات صلى الله عليه و سلم
و قد تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه أن له جنة و نارا فجنته نار و ناره جنة
أبو داود [ عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه و هو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات ]
مسلم [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال فيتوجه قبل رجال من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له : أين تعمد فيقول : أعمد إلى هذا الرجل الذي خرج فيقولون له : أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا حقا فيقولون : اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس ربكم قد نهاكم أن تقتلوا أحدا دونه ؟ قال : فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فيأمر به الدجال فيشج فيقول : خذوه و شجوه فيوجع ظهره و بطنه ضربا قال : فيقول : أما تؤمن بي ؟ فيقول : أنت المسيح الكذب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال : ثم يمشي بين القطعتين ثم يقول قم فيستوي قائما فيقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول : يا أيها الناس إنه يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا قال : فيأخذ بيديه و رجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه إنما قذف به في النار و إنما ألقي به في الجنة ]
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ]
قال أبو إسحاق السبيعي يقال : إن هذا الرجل هو الخضر و في رواية : قال [ يأتي و هو محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثه فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا قال : فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه : و الله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلطه الله عليه ] خرجه البخاري
[ و عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس من بلد إلاسيطؤه الدجال إلا مكة و المدينة و ليس نقب من أنقابها إلا عليها الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر و منافق ] و في رواية : كل منافق و منافقة خرجه البخاري
[ و عن النواس بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الدجال ذات غداة فخفض فيه و رفع حتى ظنناه في طائفة النخل فقال : ما غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج و أنا منكم فأنا حجيجه دونكم و إن يخرج و لست فيكم فامرؤ حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عيناه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فلقرأ عليه سورة الكهف إنه خارج حلة بين الشام و العراق فعاث يمينا و شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا : يا رسول الله و ما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوما يوم كسنة و يوم كشهر و يوم كجمعة و سائر أيامه كأيامكم فقلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدره قلنا : يا رسول الله و ما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به و يستجيبون له قال : فيأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت و تروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا و أسبغة ضروعا و أمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم و يمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ستهلل و جهه يضحك فبينا هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل بكافر يجد نفسه إلا مات و نفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى عليه السلام قوم قد عصمهم الله منه فيمسح على وجوههم و يحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور و يبعث الله يأجوج و مأجوج { و هم من كل حدب ينسلون } فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها و يمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء و يحضر نبي الله عيسى و أصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى و أصحابه فيرسل الله النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى و أصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم و نتنهم فيرغب عيسى و أصحابه فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكون منه بيت مدر و لا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة و يستظلون بقحفها و يبارك الله في الرسل أي اللبن حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس و اللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس و اللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبا فتأخذ بهم تحت آباطهم فيقبض روح كل مؤمن و كل مسلم و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها كتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة زاد في أخرى بعد قوله مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ] أخرجه الترمذي في جامعه و ذكر رمى يأجوج و مأجوج بنشابهم متصلة بالحديث فقال : ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من الأرض فهلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محمرا دما و يحاصر عيسى بن مريم الحديث و قال بدل قوله : فيطرحهم حيث شاء الله قال : فتحملهم فتطرحهم بالنهبل قال : و يستوقد المسلمون من قسيهم و نشابهم سبع سنين قال : ويرسل الله عليهم مطرا الحديث إلى آخره في غير الترمذي فيطرحهم في المهيل و المهيل البحر الذي عند مطلع الشمس
و خرجه ابن ماجه في سننه أيضا كما خرجه مسلم و لم يذكر الزيادة التي ذكرها مسلم متصلة و لا الترمذي متصلة من حديث النواس بن سمعان و إنما ذكرها من حديث أبي سعيد الخدري و سيأتي و ذكر ما ذكره الترمذي فقال [ حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا ابن جابر عن يحيى بن جابر الطائي قال : حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يستوقد المسلمون من قسي يأجوج و مأجوج و نشابهم و أترستهم سبع سنين ]
قال : [ و حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا عبد الرحمن المجاربي عن إسماعيل بن رافع أبي رافع عن ابي عمر الشيباني زرعة عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال و حذرناه و كان من قوله أن قال : إنه لم يكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله تعالى آدم صلى الله عليه و سلم أعظم من فتنة الدجال و إن الله عز و جل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال و أنا آخر الأنبياء و أنتم آخر الأمم و هو خارج فيكم لا محالة فإن يخرج و أنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج كل مسلم و إن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم و إنه يخرج من حلة بين الشام و العراق فيعبث يمينا و يعبث شمالا يا عباد الله أيها الناس فاثبتوا فإن سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي إنه يبدو فيقول : أنا نبي الله و لا نبي بعدي ثم يثني فيقول : أنا ربكم و لا ترون ربكم حتى تموتوا و إنه أعور و إن ربكم ليس بأعور و أنه مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن من كاتب و غير كاتب و إن من فتنته أن معه جنة و نارا فمن ابتلي بناره فليستعذ بالله و ليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا و سلاما كما كانت النار على إبراهيم و إن فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت إن أحييت لك أباك و أمك أتشهد أني ربك فيقول : نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه و أمه فيقولان : يا بني اتبعه فإنه ربك و أن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها فينشرها بالمنشار حتى يلقى نصفين ثم يقول : انظروا إلى عبدي فإني أبعثه الآن ثم يزعم أنه له ربا غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث : من ربك ؟ فيقول : رب الله و أنت عدو الله أنت الدجال و الله ما كنت بعد أسد بصيرة بك مني اليوم ]
قال أبو الحسن الطنافسي : [ فحدثنا المحاربي قال : حدثنا عبد الله بن الوليد الرصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة ] قال : قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله
قال المحاربي : ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : و إن من فتننته أن يأمر السماء أن تمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت و إن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقوه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من بيوتهم ذلك أسمن ما كانت و أعظمه و أمده خواصر و أدره ضروعا و أنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه و ظهر عليه إلا مكة و المدينة فإنه لا يأتي من نقب من أنقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف المصلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا بقى منافق و لا منافقة إلا خرج إليه فينفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد و يدعى ذلك اليوم يوم الخلاص
فقالت أم شريك بنت أبي العسكر : يا رسول الله فأين العرب ؟ قال : [ هم قليل و جلهم ببيت المقدس و إمامهم رجل صالح قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده على كتفه ثم يقول له : تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح و وراءه الدجال و معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى و سلاح فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء و انطلق هاربا و يقول عيسى عليه السلام : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند الباب اللد الشرقي فيضربه فيقتله فيهزم الله اليهود و لا يبقى شيء مما خلقه الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء و لا حجر و لا شجر و لا حائط و لا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله ] قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ و إن من أيامه أربعون سنة السنة كنصف سنة و السنة كالشهر و الشهر كالجمعة و آخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي ]
فقيل : يا رسول الله : كيف نصلي في تلك الأيام القصار ؟ قال : [ تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا ]
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكما و عدلا و غماما مقسطا يدف الصلب و يذبح الخنزير و يضع الجزية و يترك الصدقة فلا يسعى على شاة و لا بعير و ترفع الشحناء و التباغض و ترفع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره و تغز الوليدة الأسد فلا يضرها و يكون الذئب في الغنم كأنه كلبها و تملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء و تكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله و تضع الحرب أوزارها و تسلب قريش ملكها و تكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم عليه السلام حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم و يجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم و يكون الثور بكذا و كذا من المال و تكون الفرس بالدريهمات ]
قيل يا رسول الله و ما يرخص الفرس ؟ قال : [ لا يركب الحرب أبدا فقيل له : يا رسول الله و ما يغلي الثور ؟ قال : تحرث الأرض كلها و إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب بها الناس جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها و يأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ثم يأمر الله السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها و يأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تمطر قطرة و يأمر الأرض فتحبس نباتها فلا تنبت خضرا و لا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس إلا هلكت إلا ما شاء الله فقيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان ؟ قال : التهليل و التكبير و التسبيح و التحميد و يجزي ذلك عنهم مجزى الطعام ]
قال ابن ماجه : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول : ينبغي أن يرفع هذا الحديث للمؤدب حتى يعلمه للصبيان في المكتب
و في حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية قالوا : يا رسول الله ذكرت الدجال فو الله إن أحدنا ليعجن عجينة فما يخبز حتى يخشى أن يفتن و أنت تقول : الأطعمة تزوي إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يكفي المؤمن يومئذ ما يكفي الملائكة فقالوا فإن الملائكة لا تأكل و لا تشرب و لكنها تقدس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم طعام المؤمنين يومئذ بالتسبيح ]
و ذكر عبد الرزاق [ عن معمر عن قتادة عن شهر حديث حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي فذكر الدجال فقال : إن بين يديه ثلاث سنين : سنة تمسك السماء ثلث مطرها و الأرض ثلث نباتها و الثانية تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها و الثالثة تمسك السماء قطرها كله و الأرض نباتها كله فلا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت و إن من أشد فتنته أنه يأتي لأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيمثل الشيطان له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا و أعظمه سمنة قال : و يأتي الرجل مات أخوه و مات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أخاك و أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيتمثل الشيطان نحو أبيه و أخيه قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاجته ثم رجع و القوم في اهتمام و غم مما حدثهم به قالت فأخذت بجنبتي الباب فقال : مهيم يا أسماء قلت : يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال : إن يخرج و أنا حي فأنا حجيجه و إلا فإن ربي خليفة على كل مؤمن قالت أسماء : فقلت يا رسول الله و إنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح و التقديس ]
و خرج مسلم و ابن ماجه [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب و ليقتلن الخنزير و ليضعن الجزية و ليتركن القلاص فلا يسعى عليها و ليذهبن الشحناء و التباغض و التحاسد و ليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد ]
[ و عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم و إمامكم منكم ] و في رواية [ فأمكم منكم قال ابن أبي ذئب : تدري ما إمامكم منكم ؟ قلت تخبرني : قال : فأمكم بكتاب ربكم عز و جل و سنة نبيكم صلى الله عليه و سلم قال و الذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما ]
و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليدركن المسيح بن مريم رجالا من أمتي مثلكم أو خيرا منك ] يقول ذلك ثلاث مرات ذكره ابن برجان في كتاب الارشاد له
و روي [ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل و أربعمائة امرأة خيار من على الأرض يومئذ و كصلحاء من مضى ]
[ وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم فيتزوج و يولد له ولد و يمكث خمسا و أربعين سنة و يدفن معي في قبري فأقوم أنا و عيسى من قبر واحد بين أبي بكر وعمر ] ذكره الميانشي أبو حفص و يقال : [ إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال و تلد له بنتا فتموت ثم يموت هو بعد ما يعيش سنتين ] ذكره أبو الليث السمرقندي و خالفه كعب في هذا و أنه يولد له و لدان و سيأتي
و في حديث [ أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه ] ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة و بهذا السند [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى و دينهم واحد و أنا أولى بالناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني و بينه نبي فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة و البياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر و لم يصبه بلل و أنه يقتل الخنزير و يكسر الصليب و يفيض المال حتى يهلك في زمانه الملك كلها غير الإسلام و حتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الأعور الكذاب و تقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل و النمر مع البقر و الذئب مع الغنم و يلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضا يبقى في الأرض أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه ] و في بعض الروايات : [ أنه يمكث أربعا و عشرين سنة ]
و في حديث [ عبد الله بن عمر : ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عدواة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ] الحديث خرجه مسلم و قد تقدم بكماله و هذا يدل على أنه يمكث في الأرض سبع سنين و الله أعلم
و قال كعب الأحبار : إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة و يكثر الخير على يديه و تنزل البركات في الأرزاق حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته و يفضل و القطف من العنب يأكل منه الجمع الغفير و الخلق الكثير حتى إن الرمانة لتثقل الجمل و حتى إن الحي لعبر بالميت فيقول : قم فانظر ما أنزله الله من البركة و أن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان و يرزق منها و لدين فيسمى أحدهما محمد و الآخر موسى و يكون الناس معه على خير و في خير زمان و ذلك أربعين سنة ثم يقبض الله روح عيسى و يذوق الموت و يدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه و سلم في الحجرة و يموت خيار الأمة و يبقى شرارها في قلة من المؤمنين فذلك قوله عليه السلام : [ بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا كما بدأ ] و قيل : إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء
فصل :
ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى و ينهاهم و هذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناه من حديث أبي هريرة و بقوله تعالى : { و خاتم النبيين } و قوله عليه الصلاة و السلام : [ لانبي بعدي ] و قوله [ و أنا العاقب ] يريد آخر الأنبياء و خاتمهم و إذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه و سلم بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه و سلم كما أخبر صلى الله عليه و سلم حيث قال لعمر : [ لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ]
[ و قد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعالى صل بنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء لكرامة الله لهذه الأمة ] خرجه مسلم في صحيحه و غيره فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة و مجددا لها إذ هي آخر الشرائع و محمد صلى الله عليه و سلم آخر الرسل فينزل حكما مقسطا و إذا صار حكما فإنه سلطان يومئذ للمسلمين و لاإمام و لاقاضي و لامفتي قد قبض الله تعالى و خلا الناس منه فينزل و قد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس و العمل به في نفسه فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه و يحكمونه على أنفسهم إذ لا أحد يصلح لذلك غيره و لأن تعطيل الحكم غير جائز و أيضا فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض الله الله على ما يأتي و هذا واضح
فصل
فإن قيل : فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها : يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله و صلبه و جرى أمرهم معه على ما بينه الله تعالى في كتابه و هم أبدا يدعون أنهم قتلوه و ينسبونه في السحر و غيره إلى ما كان الله يراه و نزهه منه و لقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام و أظهره راية و لا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان و لا قوة و لا شوكة و لا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة فيظهر الدجال و هو أسحر السحرة و يبايعه اليهود فيكون يومئذ جندة مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه و أبرزه لهم و لغيرهم من المنافقين و المخالفين حيا و نصره على رئيسهم و كبيرهم المدعي الربوبية فقتله و هزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين فلا يجدون يومئذ مهربا و إن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه : يا روح الله ها هنا يهودي حتى يوقف عليه فإما أن يسلم و إما أن يقتل و كذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر
و الوجه الثاني : و هو أنه يحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى : { منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى } فينزله الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه و يسمع به من نأى عنه ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره و يصلون عليه و يدفن حيث دفن الأنبياء الذين أمه مريم من نسلهم و هي الأرض المقدسة فينشر إذا نشر معهم فهذا سبب إنزاله غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك و كان الدجال قد بلغ من فتنته أنه ادعى الربوبية و لم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقلتهم كان هو أحق بالتوجه إليه و يجري قتله على يديه إذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته و أنزل عليه كتابه و جعله و أمه آية فعلى هذا الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصدا
و الوجه الثالث : أنه وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه و سلم حسب ما قال و قوله الحق { ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل } فدعا الله عز و جل أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه و سلم فاستجاب الله تعالى دعاءه و رفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة و السلام فوافق خروج الدجال فقتله
و لا يبد على هذا أن يقال : إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث إنه إذا حصل بين ظهراني الناس و هم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم و هو أحدهم لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره فذلك يقوم به و ذلك داخل في اتباع نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و بالله التوفيق
و اختلف حيث يدفن فقيل : بالأرض المقدسة ذكره الحليمي و قيل : يدفن مع النبي صلى الله عليه و سلم على ما ذكرناه في الأخبار
فصل في الاختلاف في لفظة المسيح حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل
و اختلف في لفظة المسيح على ثلاثة و عشرين قولا ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين و قال : لم أر من جمعها قبلي ممن رحل و جال و لقى الرجال
القول الأول : و هو مسيح بسكون السين و كسر الياء على وزن مفعل فأسكنت الياء و نقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء
القول الثاني : قال ابن عباس : كان لا يمسح ذا عامة إلا برىء و لا ميتا إلا حيى فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح
القول الثالث : قال إبراهيم النخعي المسيح : الصديق و قاله الأصمعي و ابن الأعرابي
القول الرابع : قال أبو عبيد : أظن هذه الكلمة [ هاما شيحا ] بالشين المعجمة فعربت إلى [ مسيا ] و كذلك تنطق به اليهود
القول الخامس : قال ابن عباس أيضا في رواية عطاء عنه : سمي مسيحا لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص و الأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل فإذا لم يكن للقدم أخمص قيل فيه قدم رحاء و رجل رحاء و رجل أرح و امرأة رحاء
القول السادس : قيل مسيحا لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن
القول السابع : قيل سمي مسيحا لأنه مسح عند ولادته بالدهن
القول الثامن : قال الإمام أبو إسحاق الجواني في غريبه الكبير : هو اسم خصه الله تعالى به أو لمسح زكريا
القول التاسع : قيل : سمي بذلك لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه يقال على وجهه مسعة من جمال و حسن و منه ما يروى في الحديث الغريب الضعيف : يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك
القول العاشر : المسيح في اللغة : قطع الفضة و كذلك المسيحة : القطعة من الفضة و كذلك كان المسيح بن مريم أبيض مشرب حمرة من الرجال عريض الصدر جعدا و الجعد ها هنا اجتماع الخلق و شدة الأسر
القول الحادي عشر : المسيح في اللغة : عرق الخيل : و أنشد اللغويون :
إذا الجياد فضن بالمسيح
يعني العرق
ثبت في صحيح مسلم [ من حديث أبي كعب : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قد غشيتني ضرب في صدري ففصدت عرقا و كأني أنظر إلى الله عز و جل فرقا ] ذكره الخطابي في شرحه بالصاد و الضاد و أنشد العجاج :
إذا الجياد فضن بالمسيح
يعني العرق
القول الثاني عشر : المسيح : الجماع يقال مسحها إذا جامعها قاله المجمل لابن فارس
القول الثالث عشر : المسيح : السيف قاله أبو عمرو المطرز
القول الرابع عشر : المسيح : المكاري
القول الخامس عشر : المسيح : الذي يمسح الأرض أي يقطعها قاله الثقة اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب و لذلك سمي عيسى مسيحا كان تارة بالشام و تارة بمصر و تارة على سواحل البحر و في المهامة و القفار و المسيح الدجال كذلك سميا بذلك لجولانهما في الأرض
القول السادس عشر : ذكره بسنده إلى أبي الحسن القابسي و قد سأله الحافظ النقري أبو عمرو الداني : كيف يقرأ المسيح الدجال ؟ فقال : بفتح الميم و تخفيف السين مثل المسيح بن مريم لأن عيسى عليه السلام مسح بالبركة و هذا مسحت عينه
قال أبو الحسن : و من الناس من يقرؤه بكسر الميم و تثقيل السين فيعرف بذلك و هو وجه و أما أنا فلا أقرؤه إلا كما أخبرتك قال ابن دحية : و حكى الأزهري أنه يقال : مسيح بالتشديد على وزن فعيل قال : فرقا بينه و بين عيسى عليه السلام ثم أسند عن شيخه أبا القاسم بن بشكوال عن أبي عمران بن عبد الرحمن قال : سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البر يقول : و منهم من قال ذلك بالخاء عني المعجمة و ذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما و كذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نطق به و نقله الصحابة المبلغون عنه
و أنشد في ذلك أهل اللغة قول عبد الله بن قيس الرقيات :
( و قالوا : دع رقية و اجتنبها ... فقلت لهم : إذا خرج المسيح )
يريد إذا خرج الدجال هكذا فسره و لذلك ذكرناه
قال الراجز :
( إذا المسيح قتل المسيحا )
يعني عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بنبزك قرأته في المجلد الأول من شرح ألفاظ الغريب من الصحيح لمحمد بن إسماعيل تأليف القاضي الإمام المفتى أبي الأصبغ بن سهل
القول السابع عشر : قيل سمي الدجال مسيحا لأن المسيح الذي لا عين له و لا حاجب قال ابن فارس : و المسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له و لا حاجب و لذلك سمي الدجال مسيحا ثم أسند عن حذيفة مستدلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة خرجه مسلم
القول الثامن عشر : : المسيح الكذاب : و هذا يختص به الدجال لأنه يكذب فيقول : أنا الله فهذا كذب البشر و لذلك خصه الله بالشوه و العار
القول التاسع عشر : المسيح : المارد و الخبيث و هو التمسيح أيضا عن ابن فارس و يقال هو الكذاب و كذلك التمساح بألف
القول العشرون : قيل : الدجال : المسيح لسياحته وهو فعيل بمعنى فاعل و الفرق بين هذا و بين ما تقدم في الخامس عشر أن ذلك يختص بقطع الأرض و هذا بقطع جميع البلاد في أربعين ليلة أو مكة و المدينة
القول الحادي و العشرون : المسيح : الدرهم الأطلس بلا نقش قاله ابن فارس و ذلك مطابق لصفة الأعور الدجال إذ أحد شقي وجهه ممسوح و هو أشوه الرجال
القول الثاني و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من تأليفه : سمي ابن مريم مسيحا لأن الله مسح الذنوب عنه
القول الثالث و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في الكتاب المذكور : و قيل : سمي ابن مريم مسيحا لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة و هو قوله تعالى { وجعلني مباركا أين ما كنت }
فصل في بيان ما وقع في الحديث من الغريب
قوله : فيشج أي يمد و الميشار مفعال من أيشرت و وشرت أشرا و وشرا و يقال منشار بالنون أيضا و الوجهين في الحديث و هو مفعال أيضا من نشرت
و قوله : فخفض و رفع بتخفيف الفاء أي أكثر من الكلام فيه فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد و تارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان و هذه حالة الكثر في الكلام و روي بتشديد الفاء على التضعيف و التكثير
و قوله : إنه خارج محلة يروي بالخاء المعجمة و بالحاء المهملة المهملة قاله الهروي و الخلة موضع حزن و ضجور و الحلة ما بين البلدين
و قال الحافظ ابن دحية : و رواه هامان و الحميدي حله بفتح الحاء المهملة و ضم اللام و كأنه يريد حلوله قال : و قرأت في أصل القطيعي من مسند الإمام أحمد بن حنبل و أنه يخرج حيله و لا أعلم روى ذلك أحد غيره و قد سقطت هذه اللفظة لأكثر رواة مسلم و بقي الكلام أنه خارج بين الشام و العراق
و جاء في حديث الترمذي أنه يخرج بخراسان و في الرواية الآخرى : من ناحية أصبهان من قرية تسمى اليهودية و في حديث ابن ماجه و مسلم بين الشام و العراق و وجه أم مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق و الشام و الله أعلم
و عاث بالعين المهملة و الثاء المثلثة و التنوين على أنه اسم فاعل و روى بفتح الثاء على أنه فعل ماض و وقع في حديث أبي أمامة على الفعل المستقبل و الكل بمعنى الفساد عادت يعيث عيثا فهو عاث عثى يعثي عثلا يعثو لغتان و في التنزيل : { و لا تعثوا في الأرض مفسدين }
و قوله : يا عباد الله فاثبتوا يعني على الإسلام يحذرهم من فتنته لأنه يأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت
و قوله : فاقدروا له قدره قال القاضي عياض : هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع و لو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عن الأوقات المعروفة في غيره من الأيام
قلت : و كذلك الأيام القصار الحكم فيها أيضا ما حكمه صاحبه الشرع و قد حمل بعض العلماء أن هذه الأيام الطوال ليست على ظاهرها و إنما هي محمولة على المعنى أي يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء و أيام البلاء طوال ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني ثم يتناقص في اليوم الثالث ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل : اليوم عندي سنة و منه قولهم :
( و ليل المحب بلا آخر )
و قال آخر :
( و أيام لنا غير طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا )
و هذا القول يرده قولهم : أتكفنا فيه صلاة يوم و ليلة قال : لا اقدروا له قدره و المعنى قدروا الأوقات للصلوات و كذلك لا التفات لطعنه في صحة هذه الألفاظ أعني قوله : أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدره فقال : هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا و لو كان صحيحا لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال و لو كان لقوي اشتهاره و لكان أعظم و أفظع من طلوع الشمس من مغربها و الجواب : أن هذه الألفاظ صحيحة حسب ما ذكره مسلم و حسبك به إماما و قد ذكرها الترمذي من حديث النواس أيضا و قال : حديث حسن صحيح و خرجها أبو داود أيضا و ابن ماجه من حديث أبي أمامة و قاسم بن أصبغ من حديث جابر و هؤلاء أئمة أجلة من أئمة أهل الحديث و تطرق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم و التحرز و الثقة بعيد لا يلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد ثم إن ذلك في زمن خرق العادات و هذا منها
و قوله : ممحلين أي مجدبين و يروى : أزلين و المحل و الأزل و القحط و الجدب بمعنى واحد و يعاسيب النحل فحولهما و أحدهما يعسوب و قيل : امراؤها و وجه التشبيه أن يعاسب النحل يتبع كل واحد منهم طائفة من النحل فتراها جماعات في تفرقة فالكنوز تتبع الدجال كذلك
و قوله : بين مهروتين أي بين شقي ثوب و الشقة نصف الملاءة أو في حلتين مأخوذ من الهرد بفتح الهاء و سكون الراء و هو الشق و القطع
قال ابن دريد : إنما سمي الشق هردا للإفساد لا للإصلاح و قال يعقوب : هرد القصار الثوب و هردته بالتاء و المثناة باثنتين من فوق إذا أحرقه و خرقه
و قال أكثرهم : في ثوبين مصبوغين بالصفرة و كأنه الذي صبغ بالهرديء و وقع في بعض الروايات بدل مهرودتين ممصرتين كذلك ذكره أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة و الممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة و الجمان ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر و هو تشبيه واقع و ليست بالمشبعة
و قال ابن الأنباري : مهرودتان بدال مهملة و ذال معجمة معا أي ممصرتين كما جاء في الحديث الآخر و قال غيره : الهرود الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها الهرد بضم الهاء و قال الهروي : هرد ثوبه بالهرد و هو صبغ يقال له العروق و قال القتبي : إن كان المحفوظ بالدال فهو مأخوذ من الهرد و الهرد و الهرت : الشق و معناه بين شقين و الشقة نصف الملاءة و قال : و هذا عندي خطأ من النقلة و أراد مهرودتين أي صفراوين يقال : هرت العمامة ألبستها صفرا و كان الثلاثي منه هروت فخالف الجماعة من أهل اللغة فيما قالوه و قد خطأه ابن الأنباري و قال : إنما يقول العرب هريت الثوب لا هروت و لو كان من ذلك لقيل مهراة لا مهروة و اللغة نقل و رواية لا قياس و العرب إنما تجوز ذلك في العمامة خاصة لا في الشقة و لا يجوز قياس الشقة على العمامة و أما رواية الذال المعجمة فهو إبدال من الدال المهملة فإن الذال و الدال قد يتعاقبان فيقال رجل مدل بالدال المهملة و مذل بالذال المعجمة إذا كان قيل اللحم خفي الشخص
و الجمان : ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر و هو تشبيه حسن
و قوله : فحرز عبادي إلى الطور أي ارتحل بهم إلى جبل بحرزون فيه أنفسهم و الطور : الجبل بالسريانية
قال الحافظ بن دحية : قيدناه في صحيح مسلم جوز بالجيم و الواو و الزاي كذا قيدناه في جامع الترمذي و قيدناه أيضا حدر بدال مهملة فأما حرز فهو الذي رواه أكثرهم و صحح بعضهم رواية حدر و كلاهما صحيح لأن ما خير فقد أحرز و كذلك جوز بالجيم و أما حدر بدال مهملة فمعناه أنزلهم إلى جهة الطور من حدرت الشيء فانحدر إذا أرسلته في صبب و حدر
و النغف : جمع نغفة و هي الدود الذي يكون في أنوف الإبل و الغنم و فرسى أي هلكى و هو جمع فريس يعني مفروس مثل قتيل و قتلى و صريع و صرعى و أصله من فرس الذب الشاة و أفرسها أي قتلها كأن تلك النغف فرستهم
و يروى فيصحبون موتى و الزهم : النتن و البخت : إبل غلاظ الأعناق عظام الأجسام و الزلفة : المصففة الممتلئة و الجمع زلف
قال ابن دحية : قيدناه في صحيح مسلم بالفاء و القاف و هو المرآة كذا فسره ابن عباس و قاله اللغويان : أبو زيد الأنصاري و أبو العباس الشيباني
و اللقحة : الناقة الحلوب و الغيام : الجماعة من الناس و الفخذ : دون القبيلة و فوق البطن و الفاثور بالفاء : الخوان يتخذ من الرخام و نحوه قال الأغلب العجيلي
إذا نجلى فاثور عين الشمس يقال هم على فاتور واحد أي على مائدة واحدة منزلة واحدة و الفاثور أيضا : موضع قاله الجوهري و الله أعلم
باب ما جاء في أن حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل ـ هم أصحاب الكهف و
في حجهم معه
[ حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا ابن أبي أويس قال : حدثنا كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه و سلم الحديث و قد تقدم و فيه : و لا تقدم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم عبد الله و رسوله حاجا أو معتمرا أو ليجمعن الله ذلك له ] قال كثير : فحدثت بهذا الحديث محمد بن كعب القرظي قال : ألا أرشدك في حديثك هذا ؟ قلت : بلى فقال : كان رجل يقرأ التوراة و الإنجيل فأسلم و حسن إسلامه فسمع هذا الحديث من نص بعض القوم فقال : ألا أبشركم في هذا الحديث ؟ فقالوا : بلى فقال : إني أشهد أنه لمكتوب في التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام و أنه مكتوب في الانجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم عليه السلام عبد الله و رسوله و أنه يمر بالروحاء حاجا أو معمترا أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف و الرقيم فيمرون حجاجا فإنهم لم يحجوا و لم يموتوا
باب ما جاء أن عيسى إذا نزل يجد في أمة محمد صلى الله عليه و سلم خلقا من
حواريه
ذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول في الأصل الثالث و العشرين و المائة قال :
[ حدثنا الفضل بن محمد الواسطي قال : حدثنا إبراهيم بن الوليد الدمشقي قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الملك بن عقبة الإفريقي عن أبي يونس مولى أبي هريرة عن عبد الرحمن بن سمرة قال : بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مؤته فلما دخلت عليه قلت : يا رسول الله فقال : على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد حتى قتل رحم الله زيدا ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل جعفر حتى قتل رحم الله جعفرا ثم أخذ اللواء عبد الله ابن رواحة فقاتل حتى قتل رحم الله عبد الله بن رواحة ثم أخذ اللواء خالد ففتح الله لخالد فخالد سيف من سيوف الله فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم حوله فقال : ما يبكيكم ؟ قالوا : و ما لنا لا نبكي و قد قتل خيارنا و أشرافنا و أهل الفضل منا فقال : لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتنب رواكبها و هيأ مساكبها و حلق سعفها فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا فلعل آخرها عاما طعما يكون أجودها قنوانا و أطولها شمراخا و الذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلقا من حواريه ]
[ حدثنا علي بن سعيد بن مرزوق الكندي قال : حدثنا عيسى بن يونس عن صفوان بن عمرو السكسكي عن عبد الرحمن بن حسين عن جبير بن نفير الحضري قال : لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أصيب مع زيد ابن حارثة يوم مؤته قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواما إنهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات و لن يخزى الله أمة أنا أولها و المسيح آخرها ] و الله أعلم
باب ما جاء أن الدجال لا يضر مسلما
البزار [ عن حذيفة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الدجال فقال : لفتنة من بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ليس من فتنة صغيرة و لا كبيرة إلا تضع لفتنة الدجال فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها و الله لا يضر مسلما مكتوب بين عينيه : كافر ]
فصل
قلت : : إن قيل : كيف قال في هذا الحديث لا يضر مسلما و قد قتل الرجل الذي خرج إليه من المدينة و نشره بالمنشار و ذلك أعظم الضرر ؟ قلنا : ليس المراد ذلك و إنما المعنى أن المسلم المحقق لا يفتنه الدجال فيرده عن دينه لما يرى عليه من سيماء الحدث و من لم يكن بهذه الصفة فقد يفتنه و يتبعه لما يرى من الشبهات كما في الحديث المذكور في الباب قبل هذا و يحتمل أن يكون عموما يخصه ذلك الحديث و غيره و الله أعلم
باب ما ذكر من أن ابن صياد : الدجال و اسمه صاف و يكنى أبا يوسف و سبب
خروجه و صفة أبويه و أنه على دين اليهود
البزار [ عن محمد بن المنكدر قال : رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد : الدجال فقلت له : أتحلف على ذلك ! قال : إني سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم ] و أخرجه أبو داود في سننه
و عن نافع قال : كان ابن عمر يقول : و الله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد أخرجه أبو داود أيضا و إسناده صحيح
مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا حجاجا أو عمارا و معنا ابن صياد قال فنزلنا منزلا فتفرق الناس و بقيت أنا و هو فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه قال : و جاء بمتاعه فوضعه على متاعي فقلت : إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة قال ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق بعس فقال : اشرب أبا سعيد فقلت : إن الحر شديد و اللبن حار ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده أو قال : آخذه عن يده فقال : أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خفي عليكم مشعر الأنصار ألست من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ! أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هو كافر و أنا مسلم ] أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل المدينة و لا مكة فقد أقبلت من المدينة و أنا مكة ] ! و في رواية : و قد حججت قال أبو سعيد : حتى كدت أني أعذره ثم قال : أما و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن قال : قلت له : تبا لك سائر اليوم و في رواية : قال أبو سعيد و قيل له أيسرك أنك ذاك الرجل أي الدجال قال : فقال لو عرض علي ما كرهت
و عن ابن عمر قال : لقيت ابن صياد مرتين فقلت لبعضهم هل تحدثون أنه هو ؟ قال : لا و الله قال : قلت كذبتني و الله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا و ولدا فكذلك هو زعموا اليوم قال : فتحدثنا ثم فارقته قال فلقيته لقية أخرى و قد نفرت عينه قال : فقلت متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري قال : قلت : لا تدري و هي في رأسك قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال : فنخر كأشد نخير حمار سمعت قال : فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت و أما أنا فو الله ما شعرت قال : و جاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضبه يغضبه و عنه قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صيد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل و هو يحتل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يتقى بجذوع النخل فقالت لابن صياد : يا صاف و هم اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو تركته بين ]
و في رواية : [ ثم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني قد خبأت لك خبثا فقال ابن صياد : هو الدخ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر بن الخطاب : ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يكنه فلن تسلط عليه و إن لم يكنه فلا خير في قتله ] أبو داود عن جابر بن عبد الله قال : فقدنا ابن صياد يوم الحسرة
الترمذي [ عن أبي بكرة قال : قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمكث أبو الدجال و أمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد ثم يولد لهما ولد أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عينه و لا ينام قلبه ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه فقال : أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار و أمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين ] قال أبو بكر : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا و الزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهما فقلنا : هل لكما ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثم لنا غلام أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عيناه و لا ينام قلبه قال : فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة و له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : و هل سمعت ما قلنا ؟ قال : نعم تنام عيناي و لا ينام قلبي قال : حديث حسن غريب روى نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة
قلت : خرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه
و روي [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه و سلم الحديث بطوله و في آخره : فأخبرني عن الدجال أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس ؟ قال : هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس و أنه على دينكم معشر اليهود ] و ذكر الحديث
و قيل : إنه لم يولد بعد و سيولد في آخر الزمان و الأول أصح لما ذكرنا و بالله توفيقنا
و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد و الله أعلم
فصل في اختلاف الناس في ابن صياد
قال أبو سليمان الخطابي : و قد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا و أشكل أمره حتى قيل فيه كل قول و قد يسأل عن هذا فيقال : كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه و سلم من يدعى النبوة كاذبا و يتركه بالمدينة يساكنه في داره و يجاوره فيها و ما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان و قوله بعد ذلك : اخسأ فلن تعدو قدرك
قال أبو سليمان و الذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهود و حلفاءهم و ذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه و بينهم كتابا و صالحهم فيه على أن لا يهاجروا و أن يتركوا على أمرهم و كان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم و كان يبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبره و ما يدعيه من الكهانة و يتعاطاه من الغيب فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره فلما كلمه علم أنه معطل و أنه من جملة السحرة و الكهنة يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به فلما سمع منه قول الدخ زجره و قال : اخسأ و لن تعدو قدرك يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان و أجراه على لسانه و ليس ذلك من قبل الوحي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب و لا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم و يصيبون بنور قلوبهم الحق و إنما كانت له تارات يصيب في بعضها و يخطئ في بعض و ذلك معنى قوله : [ يأتي صادق و كاذب ] فقال له عند ذلك خلط عليك
و الحكمة في أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة و قد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم و هلكوا و نجا من هداه الله و عصمه منهم و قد اختلف الروايات في أمر ابن صياد في ما كان من شأنه بعد كبره فروي أنه تاب عن ذلك القول ثم إنه مات بالمدينة و أنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس و قيل لهم اشهدوا قال الشيخ : الصحيح خلاف هذا لحلف جابر و عمر أن ابن صياد الدجال و روي أن أبا ذر كان يقول هو الدجال و روي ذلك عن ابن عمر و قال ابن جابر فقدناه يوم الحرة هذا و ما كان مثله يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة و الله أعلم
و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد عند كلامنا على خبر الجساسة إن شاء الله تعالى
باب في ما جاء في نقب يأجوج و مأجوج السد و خروجهم و صفتهم و في لباسهم و
طعامهم و بيان قوله تعالى فإذا جاء وعد ربي جعله دكا
ابن ماجه [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يأجوج و مأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فتستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم و أراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فتستحفرونه غدا إن شاء فيرجعون إليه و هو كهيئته حين تركوه فيحفرونه و يخرجون على الناس فينشفون الماء و يتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون سهامهم إلى السماء فيرجع إليها الدم الذي أحفظ فيقولون : قهرنا أهل الأرض و علونا أهل السماء فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلون قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده إن دواب الأرض تسمن و تشكر شكرا من كثرة ما تأكل من لحومهم ]
قال الجوهري : شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة و اشتكر الضرع امتلأ
قال كعب الأحبار : إن يأجوج و مأجوج ينقرون بمناقرهم السد حتى إذا كادوا أن يخرجوا قالوا : نرجع إليه غدا و قد عاد كما كان فإذا بلغ الأمر الأمر ألقى على بعض أن يقولوا نرجع إن شاء الله غدا فنفرغ منه قال : فيرجعون إليه و هو كما تركوه فيخرقونه و يخرجون فيأتي أولهم البحيرة فيشربون ما فيها من ماء و يأتي أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من طين و يأتي آخرهم فيقولون : قد كان ها هنا ماء ثم يرمون بنبالهم نحو السماء فيقولون : قد قهرنا من في الأرض و ظهرنا على من في السماء قال : فيصب الله عليهم دواب يقال له النغف فيأخذ في أقفائهم فيقتلهم النغف حتى تنتن الأرض من ريحهم ثم يبعث الله عليهم طيرا فتنقل أبدانهم إلى البحر فيرسل الله السماء أربعين فتنبت الأرض حتى إن الرمانة لتشبع السكن قيل لكعب : و ما السكن ؟ قال : أهل البيت قال : ثم يسمعون الصيحة
و خرج ابن ماجه [ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يفتح يأجوج و مأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى : { و هم من كل حدب ينسلون } فيعمون الأرض و ينحاز منهم المسلمون حتى يصير بقية المسلمين في مدائنهم و حصونهم و يضمون إليهم مواشيهم حتى إنهم ليمرون بالنهر فيشربونه حتى ما يذروا فيه شيئا فيمر آخرهم على أثرهم فيقول قائلهم : لقد كان بهذا المكان مرة ماء و يظهرون على الأرض فيقول قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم لننازلن أهل السماء حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم فيقولون : قد قتلنا أهل السماء فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم دواب كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضا فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسا فيقولون : هل من رجل يشتري نفسه و ينظر ما فعلوا فينزل إليهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى فيناديهم ألا أبشروا فقد هلك عدوكم فيخرج الناس و يخلون سبيل مواشيهم فما يكون لهم مرعى إلا لحومهم فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط ]
و خرج ابن ماجه أيضا و أبو بكر بن أبي شيبة و اللفظ لابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال : لما كان ليلة أسري برسول الله لقي إبراهيم و موسى و عيسى عليهما السلام فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده علم منها ثم سألوا موسى فلم يكن عنده علم منها فردوا الحديث إلى عيسى قال : قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله فذكروا خروج الدجال قال فأنزلوا إليه فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج مأجوج { و هم من كل حدب ينسلون } فلا يمرون بماء إلا شربوه و لا شيء إلا أفسدوه فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء فتحملهم فتلقيهم في البحر ثم تنسف الجبال و تمد الأرض مد الأديم فعهد إلي إذا كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل التي لا يدري أهلها متى تعجلهم بولادتها قال ابن أبي شيبة : ليلا أو نهارا
قال العوام : و وجه تصديق ذلك في كتاب الله تعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون } فلا يمرون بماء إلا شربوه و لا شيء إلا أفسده زاد ابن أبي شيبة : { و اقترب الوعد الحق }
و روي عن عمر بن العاص قال : إن يأجوج و مأجوج ذرء ليس فيهم صديق و هم على ثلاثة أصناف : على طول الشبر و على طول الشبرين و ثلث منهم طوله و عرضه سواء و هم من ولد يافث بن نوح عليه السلام
و روي عن عطية بن حسان أنه قال : يأجوج و مأجوج أمتان في كل أمة أربعمائة ألف ليس منها أمة تشبه بعضها بعضا
و روي عن الأوزاعي أنه قال : الأرض سبعة أجزاء فستة أجزاء منها : يأجوج و مأجوج و جزء فيه سائر الخلق
و روي عن قتادة أنه قال : الأرض أربعة و عشرون ألف فرسخ يعني الجزء الذي فيه سائر الخلق غير يأجوج و مأجوج فإثنا عشر للهند والسند و ثمانية آلاف للصين و ثلاثة آلاف للروم و ألف فرسخ للعرب
و ذكر علي بن معبد عن أشعث عن شعبة عن أرطأة بن المنذر قال : إذا خرج يأجوج و مأجوج أوحى الله تبارك و تعالى إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت خلقا من خلقي لا يطيقهم أحد غيري فمر بمن معك إلى جبل الطور و معه من الذراري اثنا عشر ألفا قال : يأجوج و مأجوج ذرء في جهنم و هم على ثلاث أثلاث : ثلث على طول الأرز و ثلث مربع طوله و عرضه واحد و هم أشد و ثلث يفترش إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى و هم من ولد يافث بن نوح
و يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يأجوج أمة لها أربعمائة أمير و كذلك مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده صنف منهم كالأرز و صنف منهم طوله مائة و عشرون ذراعا و صنف منهم يفترش أذنه و يلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل و لا خنزير إلا أكلوه و يأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق و بحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة و المدينة و بيت المقدس ]
و يروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات و العقارب و كل ذي روح مما خلق الله في الأرض و ليس لله خلق ينمي كنمائهم في العام الواحد و لا يزداد كزيادتهم و لا يكثر ككثرتهم يتداعون تداعي الحمام و يعوون عواء الكلاب و يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا : صح أصله في كتاب القصد و الأمم في أنساب العرب و العجم قال : و منهم من له قرن و ذنب و أنياب بارزة يأكلون اللحوم نيئة
و قال كعب الأحبار : خلق الله يأجوج و مأجوج على ثلاثة أصناف : صنف أجسامهم كالأرز و صنف أربعة أذرع طولا و أربعة أذرع عرضا و صنف يفترشون آذانهم و يلتحفون بالأخرى فيأكلون مشائم نسائهم ذكره أبو نعيم الحافظ و ذكره عبد الملك بن حبيب أنه قال في قول الله عز و جل في قصة ذي القرنين : { فأتبع سببا } يعني منازل الأرض و معاليها و طرقها حتى إذا بلغ بين السدين يعني الجبلين اللذين خلفهم يأجوج و مأجوج وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا أي كلاما { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض }
قال عبد الملك : و هما أمتان من ولد يافث بن نوح مد الله لهما في العمر و أكثر لهما في النسل حتى ما يموت الرجل من يأجوج و مأجوج حتى يولد له ألف ولد فولد آدم كلهم عشرةأجزاء : يأجوج و مأجوج منهم تسعة أجزاء و سائر ولده كلهم جزء واحد
قال عبد الملك : كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرض القوم الذين هم قريب منهم فلا يدعون لهم شيئا إذا كان إذا أخضر إلا أكلوه و لا يابسا إلا حملوه فقال أهل تلك الأرض لذي القرنين : هل لك أن نجعل خرجا يعني جهلا { على أن تجعل بيننا و بينهم سدا } قال : ما مكني فيه ربي خير من جعلكم و لكن { أعينوني بقوة أجعل بينكم و بينهم ردما } قالوا له و ما تريد ؟ قال : { آتوني زبر الحديد } أي قطع الحديد فوضع بعضها على بعض كهيئة البناء فيما بين السدين و هما جبلان { حتى إذا ساوى بين الصدفين } يعني جانبي الجبلين { قال انفخوا } أي أوقدوا { حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا } أي من تحته و قال عبد الملك في قوله { أفرغ عليه قطرا } يعني نحاسا ليلتصق فأفرغه عليه فدخل بعضه في بعض قال { فإذا جاء وعد ربي جعله دكا }
و في تفسير الحوفي أبي الحسن : أن ذا القرنين لما عاين ذلك منهم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما و هو في منقطع الترك مما يلي مشرق الشمس فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ فلما أنشأ في عمله حفر له أساسا حتى إذا بلغ الماء جعل عرضه خمسين فرسخا و جعل حشوه الصخور و طينه النحاس يذاب ثم يصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثم علاه و شرفه بزبر الحديد و النحاس المذاب و جعل خلاله عرقا من نحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس و جمرته و سواد الحديد فلما فرغ منه و أحكمه انطلق عائدا إلى جماعة الإنس و الجن انتهى كلام الحوفي
و عن علي رضي الله عنه قال : و صنف منهم في طول شبر لهم مخالب و أنياب كالسباع و تداعي الحمام و تسافد البهائم و عواء الذئب و شعور تقيهم الحر و البرد و آذان عظام إحداهما و برة يشتون فيها و الأخرى جلدة يصيفون فيها
و عن ابن عباس رضي الله عنه قال : الأرض ستة أجزاء فخمسة أجزاء يأجوج و مأجوج و جزء فيه سائر الخلق
و قال كعب الأحبار : احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك قال علماؤنا : و هذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم و سلامه لا يحتلمون
و قال الضحاك : هم من الترك
و قال مقاتل : هم من ولد يافث بن نوح و هذا أشبه كما تقدم و الله أعلم
و قرأ عاصم يأجوج و مأجوج بالهمزة فيهما و كذلك في الأنبياء على أنهما مشتقان من أجة الحر و هي شدته و توقده و منه أجيج النار و من قولهم : ملح أجاج فيكونا عربيين من أج و مج و لم يصرفا لأنهما جعلا اسمين فهما مؤنثتان معرفتان و الباقون بغير همز جعلوهما لقبيلتين أعجميتين و لم يصرفا للعجمة و التعريف
باب ذكر الدابة و صفتها و متى تخرج و من أين تخرج و كم لها من خرجة و صفة
خروجها و ما معها إذا خرجت و حديث الجساسة و ما فيها من ذكر الدجال قال الله تعالى : و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم
و ذكر أبو بكر البزار قال : حدثنا عبد الله بن يوسف : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن موسى بن عبيدة عن صفوان بن سليم عن ابن لعبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال : أكثروا من زيادة هذا البيت من قبل أن برفع و ينسى الناس مكانه و أكثروا من تلاوة القرآن من قبل أن يرفع قالوا يا أبا عبد الرحمن : هذه
المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : يصبحون فيقولون : قد كنا نتكلم بكلام و نقول قولا فيرجعون إلى شعر الجاهلية و أحاديث الجاهلية و ذلك حين يقع القول عليهم
قال العلماء : معنى وقع القول عليهم : أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان و العقوق و الطغيان و إعراضهم من آيات الله و تركهم تدبرها و النزول على حكمها و انتهابهم في المعاصي إلى ما لا ينجع معه فيهم موعظة و لا يصرفهم عن غيهم تذكرة يقول عز من قائل ـ فإذا صاروا كذاك : { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلم } أي دابة تعقل و تنطلق ـ و ذلك و الله أعلم ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله تعالى ضرورة فإن الدواب في العادة لا كلام لها و لا عقل
ابن ماجه [ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال ذهب بي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى موضع البادية قريب من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فتر في شبر ] قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنتين فأرانا عصا له فإذا هو بعصاي هذا و كذا الفتر ما بين السبابة و الإبهام إذا فتحتها قاله الجوهري
و خرج ابن ماجه أيضا [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تخرج الدابة و معها خاتم سليمان بن داود و عصا موسى بن عمران فتجلو وجه المؤمن بالعصا و تختم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فتقول هذا يا مؤمن و تقول هذا يا كافر ] و أخرجه الترمذي و قال : حديث حسن
و ذكر أبو داود الطيالسي في مسنده [ عن حذيفة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر : فتخرج في أقصى البادية و لا يدخل ذكرها القرية مكة ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية و يدخل ذكرها القرية يعني مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها و أكرمها على المسجد الحرام لن تدعهم إلا و هي ترغو بين الركن و المقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى و معا و تثبت عصابة من المؤمنين و عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكواكب الدري و ولت في الأرض لا يدركها طالب و لا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول له يا فلان : الآن تصلي فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق و يشترك الناس في الأموال و يصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول : يا كافر اقض حقي و حتى إن الكافر يقول يا مؤمن اقض حقي و قد قيل : إنها تسم وجوه الفريقين بالنفخ فتنقش في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر ]
قال المؤلف رحمه الله : و لا يبعد أن تظهر السمة و تتبين بالنفخ فتجمع عليه الأمرين و على هذا لا تعارض و الله أعلم
و ذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا علي بن الجعد عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأعز : و سئل عنه يحيى بن معين فقال : ثقة
عن عطية العوفي عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها
و ذكر الميانشي [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : دابة الأرض تخرج من جياد فيبلغ صدرها الركن و لم يخرج ذنبها بعد و هي دابة ذات وبر و قوائم ]
فصل : هذه الأحاديث و ما تقدم من ذكر العلماء في الدابة و يأتي يرد قول من قال من المفسرين المتأخرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع و الكفر و يجادلهم ليتقطعوا فيهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة قال شيخنا أبو العباس : و على هذا لا يكون فيها آية خاصة خارقة للعادة و لا يكون من جملة العشر آيات المذكورة في الحديث لأن وجود المناظرين و المحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة ينبغي أن يذكر من العشر
قلت : فساد ما قاله هذا المتأخر واضح و أقوال المفسرين بخلافه
[ و روى من حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصنعاني عن رباح بن عبيد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بئس الشعب جياد قالوا : و فيم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين لم يتابع رباح على هذا ] أخرج الحديث أبو أحمد بن عدي الجرجاني رحمه الله
و عن عمرو بن العاص قال : تخرج الدابة من مكة من شجرة و ذلك في أيام الحج فيبلغ رأسها السحاب و ما خرجت رجلاها بعد من التراب ذكره القتبي في عيون الأخبار له
و أصح أقوال المفسرين بخلاف ما قال : و أنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه و تكتب بين عينيه : مؤمن و تسم الكافر فيسود وجهه و تكتب بين عينه كافر
و قال عبد الله بن عمر : تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه و قال عبد الله بن عمرو و نحوه و قال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت و روي عن قتادة أنها تخرج من تهامة و روي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث نار تنور نوح و قيل : من أرض الطائف و روي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين و هي في السحاب و قوائمها في الأرض
و روي عن ابن الزبير : أنها جمعت من خلق كل حيوان فرأسها رأس ثور و عينها عين خنزير و أذنها أذن فيل و قرنها قرن أيل و عنقها عنق نعامة و صدرها صدر أسد و لونها لون نمر و خاصرتها خاصرة هر و ذنبها ذنب كبش
و قوائهما قوائم بعير بين كل مفصل و مفصل اثنا عشر ذراعا ذكره الثعلبي و الماوردي و غيرهما
و حكى النقاش عن ابن عباس : أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعاها العقاب حتى أرادت قريش بناء الكعبة و يروى أنها دابة مزعبة شعرا ذات قوائم طولها ستون ذراعا و يقال إنها الجساسة في حديث فاطمة بنت قيس الحديث الطويل و خرجه مسلم و ذكره الترمذي و أبو داود مختصرا و السياق لمسلم و فيه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : [ إني و الله ما جمعتكم لرغبة و لا لرهبة و لكنني جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فبايع و أسلم و حدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم و جذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حيث مغرب الشمس قال : فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر ]
و قال الترمذي : إن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر فإذا هم بداية لباسة ناشرة شعرها فقالوا : من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة و ذكر الحديث راجع سياق مسلم فقالوا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا و ما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق قال لما سمعت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا هو أعظم إنسان رأيناه خلقا و أشد وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد و قال الترمذي : فإذا رجل موثق بسلسلة
قال أبو داود : فإذا الرجل يجر شعره مسلسلا في الأغلال ينزو فيها بين السماء و الأرض قلنا : ويلك ما أنت : قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم قالوا : نحن ناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر قد اغتلم فلعب الموج بنا شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة فقلنا و ما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا و فزعنا منها و ما نأمن أن تكون شيطانة فقال : أخبروني عن نخل بيسان
و قال الترمذي : الذي بين الأردن و فلسطين قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل تثمر ؟ قلنا له : نعم قال : أما أنها يوشك أن لا تثمر قال : أخبروني عن بحيرة طبرية قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء أما أن ماؤها يوشك أن يذهب قال : أخبروني عن عين زغر قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال هل في العين ماء و هل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا : نعم هي كثيرة الماء و أهلها يزرعون من مائها قال أخبرني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة و نزل يثرب قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم قال : كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب و أطاعوه قال لهم قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم قال أما إن ذلك هو خير لهم أن يطيعوه و إني مخبركم عني أنا المسيخ الدجال و إني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة و طيبة هما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها و أن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و طعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم قال : فإنه أعجبني حديث تميم الداري فإنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه و عن المدينة و مكة إلا أنه في بحر الشام و بحر اليمن لا بل من قبل المشرق و ما هو من قبل المشرق و أومأ بيده إلى المشرق ] قال : حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد خرج ابن ماجه [ حديث فاطمة بنت قيس : قالت قام رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و صعد المنبر و كان لا يصعد عليه مثل ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فاشتد ذلك على الناس فمن بين قائم و جالس فأشار إليهم بيده أن اقعدوا فو الله ما قمت مقامي إلا لأمر ينفعكم لا رغبة و لا رهبة و لكن تميم الداري أتاني فأخبرني خبرا منعني القيلولة من الفرح و قرة العين فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه و سلم إلا أن ابن عم لتميم الداري أخبرني أن الريح ألجأتهم إلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قوارب السفينة فخرجوا بها فإذا هم بشيء أهدب أسود كثير الشعر قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا : أخبرينا قالت : ما أنا مخبرتكم شيئا و لا سائلكتم و ليكن هذا الدير قد رهقتموه فائتوه فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تخبروه و يخبركم فأتوه فدخلوه عليه فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق مظهر الحزن شديد التشكي قال لهم : من أين ؟ فقالوا : من الشام فقال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب عم تسأل ؟ قال : ما فعل الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خيرا أتى قوما فأظهره الله عليهم فأمرهم اليوم جميع إلههم واحد و دينهم واحد و نبيهم واحد قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : خيرا يسقون منها لزروعهم و يستقون منها لشعبهم قال : ما فعل نخل بين عمان و بيسان ؟ قالوا : يطعم ثمره كل عام قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ قالوا تدفق بجنباتها من كثرة الماء قال : فزفر ثلاث زفرات ثم قال : لو انفلت من وثاقي هذا لم أدع أرضا إلا وطئتها برجلي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سبيل ]
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إلى هذا انتهى وحيى هذه طيبة و الذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق و لا واسع و لا سهل و لا جبل إلا و عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة ]
قال المؤلف رحمه الله : هذا حديث صحيح و قد خرجه مسلم و الترمذي و أبو داود و غيرهم رضي الله عنهم
و قد قيل : إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له حجر فدخل فيه ثم انطبق عليه فهو فيه إلى وقت خروجه حتى يخرج بإذن الله تعالى
قلت : و يدل على هذا القول حديث حذيفة المذكور في هذا الباب و فيه : و هي ترغو و الرغال إنما هو للإبل و الله أعلم
و لقد أحسن من قال :
( و اذكر خروج فعيل ناقة صالح ... يسم الورى بالكفر و الإيمان )
فصل : و قد استدل من قال من العلماء : إن الدجال ليس ابن صياد بحديث الجساسة و ما كان في معناه و الصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم و ما يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت و يكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرة و في كتاب أبي داود في خبر الجساسة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : شهد جابر أنه هو ابن صياد قلت فإنه قد مات قال : و إن مات قلت : فإنه قد أسلم قال و إن أسلم قلت : فإنه قد دخل المدينة قال : و إن دخل المدينة
و ذكر سيف بن عمر في كتاب الفتوح و الردة : و لما نزل أبو سبرة في الناس على السوس و أحاط المسلمون بها و عليهم الشهربان أخو الهرمزان ناوشوهم القتال كل ذلك يصيب أهل السوس من المسلمين فأشرف عليهم يوما الرهبان و القسيسيون فقالوا : يا معشر العرب إن مما عهد علماؤنا و أوائلنا أنه لا يفتح السوس إلا ال أو قوم فيهم الدجال فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فلا تعنوا أنفسكم بالحصار قال وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في جند فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله و قال : انفتح فطار فتقطعت السلاسل و تكسرت الأغلاق و تفتحت الأبواب و دخل المسلمون و قصته مع أبي سعيد و قوله : و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن و قال الترمذي : و أين هو الساعة من الأرض و أعرف والده كالنص في أنه هو و احتجاجه بأنه مسلم و ولد له و دخل المدينة و هو يريد مكة تلبس منه و أنه سيكفر إذا خرج و حينئذ لا يولد له و لا يدخل مكة و المدينة و الله أعلم
و قوله : ارفأوا : أي الجأوا إلى جزيرة لجأوا مرفأ السفينة حيث ترسي يقال : أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط و ذلك الموضع مرفأ و أرفأت إليه لجأت إليه و أقرب السفينة هي القوارب الصغار يتصرف بها ركاب السفينة و الواحد قارب على غير قياس
قال الخطابي و الماذري : و المهلب : الشعر الغليظ و قال : أهلب على معنى الحبوان أو الشخص و لو راعى اللفظ لقال هلبا كأحمر و حمر و الأهلب أيضا عند بعض أهل اللغة : الذي لا شعر عليه و هو من الأضداد و استفهامهم منها : ظنا منهم أنها ممن لا تعقل فلما كلمتهم فرقوا : أي فزعوا و اغتلام البحر : هيجانه و تلاطم أمواجه و بيسان و زغر : موضعان بالشام بين الأردن و فلسطين كما في حديث الترمذي
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كانت بيسان مدينة و فيها سوق كبيرة و عين تسمى عين فلوس يسقى منها و بحيرة طبرية هي بحيرة عظيمة طولها عشرة أميال و عرضها ستة أميال و موجها في سور قلعتها و هي عميقة تجري فيها السفن و يصاد منها السمك و ماؤها حلو فرات و بين بحيرة طبرية و بيت المقدس نحو من مائة ميل و هي من الأردن و لزمتها هي لصغيرة بحرة و لا بحر لأن البحر مذكر و تصغيره بحيرة و عين زغر بضم الزاي و فتح الغين و امتناع صرفه للعلمية و العدل لأنه معدول عن زاغر كعمر معدول عن عامر و زعم الكلبي أن زغر اسم امرأة نسبت هذه العين إليها فإن كان ما قاله حقا فلأن هذه المرأة استنبطتها و اتخذت أرضها دارا لها فنسبت إليها ذكره ابن دحية في كتاب البشارات و الإنذارات له من تأليفه
و قوله عليه الصلاة و السلام : [ إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن ] شك أو ظن منه عليه الصلاة و السلام أو قصد على الإبهام على السامع ثم نفى ذلك و أضرب عنه بالتحقيق فقال : [ لا بل من قبل المشرق ] ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي فما زائدة لا نافية فاعلم ذلك
باب طلوع الشمس من مغربها و إغلاق باب التوبة و كم يمكث الناس بعد ذلك ؟
مسلم [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و دابة الأرض ]
و خرج الترمذي و الدارقطني [ عن صفوان بن عسال المرادي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح
و قال سفيان : [ قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات و الأرض مفتوحا يعين التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح
و ذكر أبو إسحاق الثعلبي و غيره من المفسرين في حديث فيه طول [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ما معناه : أن الشمس تحبس على الناس حتى تكثر المعاصي في الأرض و يذهب المعروف فلا يأمر به أحد و يفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد مقدار ليلة تحت العرش كلما سجدت و استأذنت ربها عز و جل من أين تطلع لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها و يستأذن من أين يطلع فلا يجر إليه جواب حتى يجلسا مقدار ثلاث ليالي للشمس و ليلتين للقمر فلا يعرف ما طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض و هم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه و تعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه و أنه لا ضوء لكما عندنا و لا نور فيطلعان من مغاربهما أسودين لا ضوء للشمس و لا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك فذلك قوله تعالى { و جمع الشمس و القمر } و قوله { إذا الشمس كورت } فيرتفعان كذلك مثل البعيرين و الفرسين فإذا ما بلغ الشمس و القمر سرة السماء و هي نصفها جاءهما جبريل فأخذ بقرونها و ردهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما و لكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ثم يلتئم بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة و لم تنفعه حسنة يعملها من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم فذلك قوله تبارك و تعالى { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا }
ثم إن الشمس و القمر يكسبان بعد ذلك الضوء و النور ثم يطلعان على الناس و يغربان كما كان قبل ذلك يطلعان و يغربان ] و ذكر الميانشي و قال عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم [ و يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين و مائة سنة ]
فصل
قال العلماء : و إنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس و تفتر كل قوة من قوى البدن فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم و بطلانها من أبدانهم فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت
قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ] أي تبلغ روحه رأس حلقه و ذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة و مقعده من النار فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله و على هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش لأن علمه بالله تعالى و بنبيه صلى الله عليه و سلم و بوعده قد صار ضرورة فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان و لا يتحدثون عنه إلا قليلا فيصير الخبر عنه خاصا و ينقطع التواتر عنه فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه و الله أعلم
و قد قيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمرود : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } و إن الملحدين و المنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك و يقولون : هو غير كائن فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليرى المنكرين لذلك قدرته من أن الشمس في قدرته إن شاء أطلعها من المشرق و إن شاء أطلعها من المغرب و على هذا يحتمل أن يكون رد التوبة و الإيمان على من آمن و تاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه و سلم فأما المصدق فإنه تقبل توبته و ينفعه إيمانه قبل ذلك و الله أعلم
و روي عن ابن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل و لا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيرا يومئذ فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل منه و من كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه
و روي عن عمران بن حصين أنه قال : إنمالم تقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت ثم هلك لم تقبل توبته و من تاب بعد ذلك قبلت توبته ذكره الليث السمرقندي في تفسيره
فصل
و اختلفت الروايات في أول الآيات فروي أن طلوع الشمس من مغربها أولها على ما وقع حديث مسلم في هذا الباب و قيل : خروج الدجال و هذا القول أولى القولين و أصح لقوله عليه الصلاة و السلام : [ إن الدجال خارج فيكم لا محالة ] الحديث بطوله
فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه السلام و لو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منه
و قد تقدم القول مبينا في هذا و أن أول الآيات الخسوفات فإذا نزل عيسى عليه السلام و قتل الدجال خرج حاجا إلى مكة فإذا قضى حجة انصرف إلى زيارة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فإذا وصل إلى قبر الرسول صلى الله عليه و سلم أرسل الله عند ذلك ريحا عنبرية فتقبض روح عيسى عليه السلام و من معه من المؤمنين فيموت عيسى عليه السلام و يدفن مع النبي صلى الله عليه و سلم في روضته ثم تبقى الناس حيارى سكارى فيرجع أكثر أهل الإسلام إلى الكفر و الضلالة و تستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها و عند ذلك يرفع القرآن من صدور الناس و من المصاحف ثم تأتي الحبشة إلى بيت الله فينقضونه حجرا حجرا و يرمون بالحجارة في البحر ثم تخرج حينئذ دابة الأرض تكلمهم ثم يأتي دخان يملأ ما بين السماء و الأرض فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام و أما الكافر و الفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم و يضيق أنفاسهم ثم يبعث الله ريحا من الجنوب من قبل اليمن مسها مس الحرير و ريحها ريح المسك فتقبض روح المؤمن و المؤمنة و تبقى شرار الناس و يكون الرجال لا يشبعون من النساء و النساء لا يشبعن من الرجال ثم يبعث الله الرياح فتلقيهم في البحر هكذا ذكر بعض العلماء الترتيب في الأشراط و فيه بعض اختلاف و قد تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم و الله أعلم
و قيل : إذا أراد الله انقراض الدنيا و تمام لياليها و قربت النفخة خرجت نار من قعر عدن لتسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم و تقيل معهم حتى يجتمع الخلق بالمحشر الإنس و الجن و الدواب و الوحوش و السباع و الطير و الهوام و خشاش الأرض و كل من له روح فبينما الناس قيام في أسواقهم يتبايعون و هم مشتغلون بالبيع و الشراء إذا هم بهدة عظيمة من السماء يصعق منها نصف الخلق فلا يقومون من صعقتهم مدة ثلاثة أيام و النصف الآخر من الخلق تذهل عقولهم فيبقون مدهوشين قياما على أرجلهم و هو قوله تعالى { ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } فبينما هم كذلك إذا هدة أخرى أعظم من الأولى غليظة فظيعة كالرعد القاصف فلا يبقى على وجه الأرض أحد إلا مات كما قال ربنا جل و علا { و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله } فتبقى الدنيا بلا آدمي و لا جني و لا شيطان و يموت جميع من في الأرض من الهوام و الوحوش و الدواب و كل شيء له روح و هو الوقت المعلوم الذي كان بين الله تعالى و بين إبليس الملعون
باب خراب الأرض و البلاد قبل الشام
ما جاء في خراب الأرض و البلاد قبل الشام و مدة بقاء المدينة خرابا قبل يوم القيامة و في علامة ذهاب الدنيا و مثالها و في أول ما يخرب ما يخرب منها
[ روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و يبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر و مصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة و خراب البصرة من العراق و خراب مصر من جفاف النيل و خراب مكة من الحبشة و خراب المدينة من الجوع و خراب اليمن من الجراد و خراب الأيلة من الحصار و خراب فارس من الصعاليك و خراب الترك من الديلم و خراب الديلم من الأرمن و خراب الأرمن من الخزر و خراب الخزر من الترك و خراب الترك من الصواعق و خراب السند من الهند و خراب الهند من الصين و خراب الصين من الرمل و خراب الحبشة من الرجفة و خراب الزوراء من السفياني و خراب الروحاء من الخسف و خراب العراق من القحط ] ذكره أبو الفرج الجوزي رحمه الله في كتاب روضة المشتاق و الطريق إلى الملك الخلاق و سمعت أن خراب الأندلس من الريح العقيم و الله أعلم
و ذكر أبو نعيم الحافظ عن أبي عمران الجوني و أبي هارون العبدي أنهما سمعا نوفا البكالي يقول : إن الدنيا مثلت على طير فإذا انقطع جناحاه وقع و إن جناحي الأرض مصر و البصرة فإذا خربتا ذهبت الدنيا و ذكر أبو زيد عمر بن شبة [ حدثنا موسى ابن إسماعيل قال : حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير قال : ذكر لي عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما و الله يا أهل المدينة لتتركها قبل يوم القيامة أربعين ] و قال كعب : ستخرب الأرض قبل الساعة بأربعين سنة و ليهاجرن الرعد و البرق إلى الشام حتى لا تكون رعدة و لا برقة إلا ما بين العريش و الفرات
[ و يروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : قال الله تعالى : إني إذا أردت أن أخرب الدنيا بدت ببيتي فأخربه ثم أخرب الدنيا على أثره ] قد تقدم أن الذي يخربه ذو السويقتين على ما تقدم و الله أعلم
باب لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله
مسلم [ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله ]
و في رواية أخرى : [ لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله ]
فصل
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : قيد الله برفع الهاء و نصبها فمن رفعها فمعناه ذهاب التوحيد و من نصبها فمعناه انقطاع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أي لا تقوم الساعة على أحد يقول : اتق الله
قال المؤلف رحمه الله : و يدل على صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة و السلام في حديث حذيفة : [ لتقصدنكم نار هي خامدة ] الحديث و فيه هم شر من الحمر يتسافدون تسافد البهائم و ليس فيهم رجل يقول : مه مه و قد قيل : إن هذه الإسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام و لم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا و قد قال قوم نوح : { و لو شاء الله لأنزل ملائكة } الآية و قال قوم هود : { أجئتنا لنعبد الله وحده } و قالوا { إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا } إلى غير ذلك و قال : { و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله } فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين و انتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين و فجأهم عند ذلك الحق اليقين و هو قوله عليه الصلاة و السلام : [ لا تقوم الساعة و على الأرض من يقول : الله ]
و في الخبر : إن الله تعالى يقول لإسرافيل عليه السلام : إذ سمعت قائلا يقول : لا إله إلا الله فأخر النفخة أربعين سنة إكراما لقائلها و الله أعلم
باب على من تقوم الساعة ؟
مسلم [ عن عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال : كنت عند مسلمة بن مخلد و عنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق و هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم فبينما هم كذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له ابن شماسة يا عقبة : اسمع ما يقول عبد الله فقال عقبة : هو أعلم و أما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة و هم على ذلك فقال عبد الله : أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك مسها كمس الحرير لا تترك نفسا في قلبها مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها ثم تبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة ]
و في حديث عبد الله بن مسعود : لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس من لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا يتهارجون كما تتهارج الحمر
قال الأصمعي : قوله يتهارجون يقول : يتسافدون يقال : بات فلان يهرج و الهرج في غير هذا : الاختلاط و القتل
و خرج مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تذهب الليالي و الأيام حتى تعبد اللات و العزى فقلت : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } أن ذلك عام قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث ار ريحا طيبة فتتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم ] و الله أعلم
فصل
ذكر أبو الحسن بن بطال رحمه الله في هذا الحديث في شرح البخاري له مبينا لحديث البخاري [ عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة ] الحديث و قد تقدم و قال : هذه الأحاديث و ما جاء فيها معناها الخصوص و ليس المراد بها أن الدين كله ينقطع في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف و يعود غريبا كما بدأ ]
[ روى حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ] و كان مطرف يقول هم أهل الشام
قلت : ما ذكره من أن الدين لا ينقطع و أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة يرده حديث عائشة و عبد الله بن عمرو و ما ذكره من حديث عمران بن حصين و قد تقدم أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال و يخرج يأجوج و مأجوج و يموتون و يبقى عيسى عليه السلام و دين الإسلام لا يعبد في الأرض غير الله كما تقدم و أنه يحج و يحج معه أصحاب الكهف فيما ذكره المفسرون و قد تقدم أنهم حوارية إذا نزل فإذا توفي عيسى عليه السلام بعث الله تعالى عند ذلك ريحا باردة من قبل الشام فتأخذ تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن و كل مسلم و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة كذا في حديث النواس بن سمعان الطويل و قد تقدم
و في حديث عبد الله بن عمرو : ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو دخل أحدكم في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكر الحديث و قد تقدم بكماله و فيه ذكر النفخ و الصعق و البعث فهذا غاية في البيان في كيفية انقراض هذا الخلق و هذه الأزمان فلا تقوم الساعة و في الأرض من يعرف الله و لا من يقول : الله الله
و ذكر أبو نعيم عن أبي الزهراية عن كعب الأحبار قال : يمكث الناس بعد خروج و يأجوج و مأجوج في الرخاء و الخصب و الدعة عشر سنين حتى إن الرجلين ليحملان الرمانة الواحدة بينهما و يحملان العنقود الواحد من العنب فيمكثون على ذلك عشر سنين ثم يبعث الله ريحا طيبة فلا تدع مؤمنا إلا قبضت روحه ثم تبقى الناس بعد ذلك يتهارجون تهارج الحمر في المروج حتى تأتيهم أمر الله و الساعة و هم على ذلك
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوفانا مسلمين و أن يلحقنا بالشهداء و الصالحين و أن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين و يجعل ما كتبته خالصا لوجهه الكريم بمنه و كرمه و أن ينفعنا به و والدينا و غفر الله لصاحب هذا الكتاب و لوالديه و لسائر المسلمين أجمعين آمين يا رب العالمين
( تم الكتاب و ربنا محمود ... و له المكارم و العلا و الجود )
( و على النبي محمد صلواته ... ما ناح قمري و أورق عود )
و وافق الفراغ من نسخه في منتصف شهر رمضان المعظم قدره من شهور سنة اثنتين و سبعين و سبعمائة
على يد أقل عباد الله و أحوجهم إلى لطفة الخفي
الحسين بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي
غفر الله له و لوالديه و لمن قرأ فيه و دعا له بالتوبة النصوح و المغفرة و الرحمة يا رب العالمين و لسائر المسلمين أجمعين و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا حسبنا الله و نعم الوكيل
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6