كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

وَالْحَوَاصِلِ ) جَمْعُ حَوْصَلَةٍ وَيُقَالُ لَهُ حَوْصَلٌ ، وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ أَكْبَرُ مِنْ الْكُرْكِيِّ ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا فَرْوٌ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَقَالَ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْهُ إلَخْ ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَحْمَهُ كَانَ يُبَاعُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دُونَ نَكِيرٍ ( قَوْلُهُ وَالْيَرْبُوعُ ) لِحُكْمِ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِجَفْرَةٍ

( وَيَحْرُمُ الْهِرُّ الْوَحْشِيُّ ) وَالْأَهْلِيُّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ وَأَكْلِ ثَمَنِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَعْدُو بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَفَارَقَ الْهِرَّ الْوَحْشِيَّ وَالْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ حَيْثُ أُلْحِقَ بِالْهِرِّ الْأَهْلِيِّ لِشَبَهِهِ بِهِ لَوْنًا وَصُورَةً وَطَبْعًا فَإِنَّهُ يَتَلَوَّنُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَيَسْتَأْنِسُ بِالنَّاسِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مَعَ الْأَهْلِيِّ .
( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ الْهِرُّ الْوَحْشِيُّ ) وَالنِّمْسُ حَرَامٌ

( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( ابْنُ آوَى ) بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْدُو بِنَابِهِ وَيَأْكُلُ الْجِيَفَ ، وَهُوَ فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ وَالْأَظْفَارِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَشَبَهٌ مِنْ الثَّعْلَبِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عِوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ ، وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَبَقِيَ وَحْدَهُ وَصِيَاحُهُ يُشْبِهُ صِيَاحَ الصِّبْيَانِ .

( لَا ابْنُ مُقْرِضٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، وَهُوَ الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ أَكْحَلُ اللَّوْنِ طَوِيلُ الظَّهْرِ أَصْغَرُ مِنْ الْفَأْرِ يَقْتُلُ الْحَمَامَ وَيَقْرِضُ الثِّيَابَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ حِلِّهِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ تَحْرِيمُهُ ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ لَكِنْ غَلَّطَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَيَحْرُمُ مَا أَمَرَ ) بِقَتْلِهِ ( أَوْ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ وَسَيَأْتِي ) بَيَانُهُمَا .
قَوْلُهُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ) أَيْ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ

( فَرْعٌ يَحْرُمُ الْبُغَاثُ ) جَمْعُ بُغَاثَةٍ بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ طَائِرٌ أَبْيَضُ وَيُقَالُ : أَغْبَرُ دُوَيْنَ الرَّخَمَةِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ أَصْغَرُ مِنْ الْحِدَأَةِ ( وَالرَّخَمُ ) جَمْعُ رَخَمَةٍ ، وَهِيَ طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ ( وَالنَّهَّاسُ ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَنْهَسُ اللَّحْمَ بِطَرَفِ مِنْقَارِهِ ، وَأَصْلُ النَّهْسِ أَكْلُ اللَّحْمِ بِطَرَفِ الْأَسْنَانِ ، وَالنَّهْشُ بِالْمُعْجَمَةِ أَكْلُهُ بِجَمِيعِهَا فَتَحْرُمُ الطُّيُورُ الَّتِي تَنْهَشُ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ لِاسْتِخْبَاثِهَا ( وَالْأَغْرِبَةُ ) بِأَنْوَاعِهَا ( كَالْأَبْقَعِ ) ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ ( وَالْعَقْعَقُ ) وَيُقَالُ لَهُ الْقُعْقُعُ ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ طَوِيلُ الذَّنَبِ قَصِيرُ الْجَنَاحِ عَيْنَاهُ تُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ صَوْتُهُ الْقَعْقَعَةُ كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ ( وَالْغُدَافُ الْكَبِيرُ ) وَيُسَمَّى الْغُرَابُ الْجَبَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ ( وَكَذَا ) الْغُدَافُ ( الصَّغِيرُ ) ، وَهُوَ أَسْوَدُ أَوْ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلِاسْتِخْبَاثِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الصَّغِيرِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِلُّهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ ( لَا الزَّاغُ ) ، وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ لِأَكْلِهِ الزَّرْعَ .
( قَوْلُهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَلَّطَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَكَلَامُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِلُّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ فِي الْمَطْلَبِ إلَيْهِ وَنِسْبَةُ الْمَجْمُوعِ إلَيْهِ التَّحْرِيمُ اعْتِمَادًا عَلَى الرَّوْضَةِ .

( فَرْعٌ وَتَحِلُّ أَنْوَاعُ الْحَمَامِ ) مِنْ كُلِّ ذَاتِ طَوْقٍ كَالْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْيَمَامِ لِاسْتِطَابَتِهِ ( وَالْوَرَشَانِ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ : ذَكَرُ الْقُمْرِيِّ وَيُقَالُ لَهُ سَاقٌ حُرٌّ وَقِيلَ : طَائِرٌ يَتَوَلَّدُ بَيْنَ الْفَاخِتَةِ وَالْحَمَامَةِ ( وَالْقَطَا ) جَمْعُ قَطَاةٍ ، وَهِيَ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ ( وَالْحَجَلِ ) بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَجَلَةٍ ، وَهِيَ طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ وَيُسَمَّى دَجَاجُ الْبَرِّ ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهَا أُدْرِجَتْ فِي الْحَمَامِ ( وَطَيْرِ الْمَاءِ ) كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَالطَّيْرِ الْأَبْيَضِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ ( لَا اللَّقْلَقِ ) هُوَ طَيْرٌ طَوِيلُ الْعُنُق يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَيَصِفُّ فَلَا يَحِلُّ لِاسْتِخْبَاثِهِ وَرُوِيَ كُلْ مَا دَفَّ وَدَعْ مَا صَفَّ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ ) قَالَ أَبُو عَاصِمٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ نَوْعٍ ، وَلَا يُوجَدُ لِأَكْثَرِهَا اسْمٌ عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ شَيْءٍ مِنْهَا سِوَى الْعِلْقَ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ ، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الْبَيْضُ لِخُبْثِ لَحْمِهَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ( قَوْله وَرُوِيَ : كُلْ مَا دَفَّ ) الدَّفِيفُ السَّيْرُ السَّرِيعُ ( قَوْلُهُ وَدَعْ مَا صَفَّ ) أَيْ لَمْ يُحَرِّكْ فِي طَيَرَانِهِ كَالْجَوَارِحِ

( وَيَحِلُّ مَا عَلَى شَكْلِ الْعُصْفُورِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ( كَالصَّعْوَةِ ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ عُصْفُورٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ ( وَالزُّرْزُورِ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( وَالنُّغَرِ ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ ( وَالْبُلْبُلِ ) بِضَمِّ الْبَاءَيْنِ ( وَكَذَا الْحُمَّرَةُ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُقَالُ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْبُلْبُلَ النُّغَرَ وَالْحُمَّرَةَ ( وَالْعَنْدَلِيبِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ نَوْعَانِ مِنْ الْعُصْفُورِ ( وَالنَّعَامِ ) جَمْعُ نَعَامَةٍ ( وَالدَّجَاجِ ) جَمْعُ دَجَاجَةٍ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ ( وَالْكُرْكِيِّ ) هُوَ طَائِرٌ كَبِيرٌ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَيْزَارِ ( وَالْحُبَارَى ) طَائِرٌ مَعْرُوفٌ شَدِيدُ الطَّيَرَانِ ( وَكَذَا الشِّقِرَّاقُ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ الشِّرْقِرَاقُ ، وَهُوَ طَائِرٌ أَخْضَرُ مُلَوَّنٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ وَتَرْجِيحُ حِلِّهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالشَّقِرَّاقِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَلَالٌ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ حَرَامٌ انْتَهَى .
وَجَرَى عَلَى التَّحْرِيمِ الْعِجْلِيّ شَارِحُ الْوَسِيطِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ وَعَلَى الْحِلِّ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( لَا الْبَبَّغَا ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَإِعْجَامِ الْغَيْنِ بِالْقَصْرِ : الطَّائِرُ الْأَخْضَرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ( وَ ) لَا ( الطَّاوُوسُ ) هُوَ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ حَسَنُ اللَّوْنِ يُؤْخَذُ لِلتَّمَتُّعِ بِرُؤْيَتِهِ ( وَالْبُومُ ) هُوَ طَائِرٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَتَّى يَقُولَ فِي صِيَاحِهِ صَدَا أَوْ قِيَادَ فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ الْخَرَابِ أُمُّ الصِّبْيَانِ وَيُقَالُ لَهَا غُرَابُ اللَّيْلِ ( وَ ) لَا ( الضُّوَعُ ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ

وَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ ( وَ ) لَا ( مُلَاعِبُ ظِلِّهِ ) هُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهَا لِاسْتِخْبَاثِهَا ( أَوْ يَحِلُّ كُلُّ لَقَّاطٍ وَمَا تَقَوَّتَ بِطَاهِرٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّانِيَ يَشْمَلُ الْأَوَّلَ ( إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ ) مِمَّا مَرَّ كَذِي مِخْلَبٍ

( وَيَحْرُمُ مَا تَقَوَّتَ بِنَجَسٍ ) لِخُبْثِ غِذَائِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَتَقَوَّتَ بِنَجَسٍ لِئَلَّا تَرِدَ الْجَلَّالَةُ .
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا تَقَوَّتَ بِنَجَسٍ ) قَالَ شَيْخُنَا صُورَةُ ذَلِكَ إنَّا لَمْ نَعْلَمْ حِلَّ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ فَخُبْثُ غِذَائِهِ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ

( فَصْلٌ وَمَا لَا يَعِيشُ ) مِنْ الْحَيَوَانِ ( إلَّا فِي الْمَاءِ حَلَالٌ كَيْفَمَا ) زَائِدَةٌ ( مَاتَ ) أَيْ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِضَغْطِهِ أَوْ صَدْمَةِ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الصَّيَّادِ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ السَّمَكَ ) الْمَشْهُورُ كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ وَخِنْزِيرٍ لِمَا مَرَّ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الذَّبْحِ نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ الطَّافِي بِحَيْثُ يُخْشَى أَنَّهُ يُوَرِّثُ الْأَسْقَامَ حَرُمَ لِلضَّرَرِ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَالشَّاشِيُّ ( وَمَا يَعِيشُ فِيهِ وَفِي الْبَرِّ يَحْرُمُ مِنْهُ ذَوَاتُ السُّمُومِ ) كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ لِلضَّرَرِ ( وَالضِّفْدِعِ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَيَجُوزُ فَتْحُ ثَالِثِهِ مَعَ كَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِاسْتِخْبَاثِهِ ( وَالسَّرَطَانِ وَالتِّمْسَاحِ وَالنِّسْنَاسِ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَالتِّرْسَةِ ، وَهِيَ اللَّجَّةُ بِالْجِيمِ ( وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ لِاسْتِخْبَاثِهَا ؛ وَلِأَنَّ التِّمْسَاحَ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ الْقِرْشِ بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَيُقَالُ لَهُ : اللَّخَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَكِنْ أَجَابَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِحِلِّهِ ، وَتَرْجِيحُ تَحْرِيمِ النِّسْنَاسِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَجَرَى فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْ تَصْحِيحِ تَحْرِيمِ الضِّفْدِعِ وَالْبَقِيَّةُ بَعْدَهُ إلَّا النِّسْنَاسَ فَنَقَلَ فِيهِ وَجْهَيْنِ كَالْأَصْلِ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ : قُلْت : الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْبَحْرِ انْتَهَى .
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِهِ نُصُوصَ الْحِلِّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحِلُّ جَمِيعُ مَا فِيهِ إلَّا الضِّفْدَعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ عَلَى هَذَا

تُسْتَثْنَى ذَوَاتُ السُّمُومِ أَيْضًا ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلدنيلس وَعَنْ ابْنِ عَدْلَانَ وَعُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِحِلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ ، وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السَّرَطَانِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ لَكِنْ قَالَ الدَّمِيرِيِّ لَمْ يَأْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ الَّذِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ يُؤْكَلُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ .

( قَوْلُهُ أَوْ بِضَرْبٍ مِنْ الصَّيَّادِ أَوْ غَيْرِهِ ) كَأَنْ وَطِئَتْهُ بَهِيمَةٌ أَوْ ابْتَلَعَهُ حُوتٌ أَوْ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يُسْتَحَلَّ ( قَوْلُهُ وَمَا يَعِيشُ فِيهِ وَفِي الْبَرِّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا فَرْعٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يَجْمَعُ مِنْ الْحَيَوَانِ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ إنْ كَانَ اسْتِقْرَارُهُ بِأَحَدِهِمَا أَغْلَبَ وَمَرْعَاهُ بِهِ أَكْثَرَ غَلَبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْبَرِّ وَالثَّانِي يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ انْتَهَى .
أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ أَوْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ يَحِلُّ كَيْفَ كَانَ وَيَلْحَقُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ كَانَ اسْتِقْرَارُهُ بِهِمَا وَغَلَبَ الْبَحْرُ فَهُوَ سَمَكٌ فَيَحِلُّ مَيِّتًا ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا فَحَيَوَانُ بَرٍّ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِتَذْكِيَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُذَكَّى ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَا ( قَوْلِهِ وَالتِّرْسَةِ ) قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ فِي التِّرْسَةِ مِنْ تَحْرِيمِهَا صَحِيحٌ حَيْثُ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ كَانَ عَيْشُهَا عَيْشَ مَذْبُوحٍ فَتَحِلُّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَارِضُهُ إفْتَاءُ الْوَالِدِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ نَقَلَ تَحْرِيمَهَا عَنْ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ التِّمْسَاحَ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْحَاوِي ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ حَرَامًا فَالْقِرْشُ حَلَالٌ وَإِنَّمَا حُرِّمَ التِّمْسَاحُ لِلْخُبْثِ وَالضَّرَرِ ( قَوْلُهُ الْقِرْشِ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِهَا ( قَوْلُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ ) لَا شَكَّ أَنَّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ سُمٌّ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ بَحْرِيًّا ( قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ

عَدْلَانَ وَعُلَمَاءِ عَصْرِهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِثْلُهُ سَائِرُ الصَّدَفِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ ، وَإِذَا خَرَجَتْ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْذَرًا .

( فَصْلٌ مَا لَا نَصَّ فِيهِ ) بِتَحْرِيمٍ أَوْ تَحْلِيلٍ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ ( يَحْرُمُ مِنْهُ مَا اسْتَخْبَثَهُ غَيْرُ ذَوِي الْخَصَاصَةِ ) أَيْ الْفَقْرِ وَالْمَجَاعَةِ ( مِنْ الْعَرَبِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَوْلَى الْأُمَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا ؛ وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ وَالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبِيٌّ ، وَهُمْ جِيلٌ لَا تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الْعِيَافَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ التَّنَعُّمِ فَيُضَيِّقُوا الْمَطَاعِمَ عَلَى النَّاسِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } وَقَوْلُهُ { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَخَرَجَ بِغَيْرِ ذَوِي الْخَصَاصَةِ ذَوُوهَا ، وَبِأَهْلِ الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَتَنَاوَلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَادَةِ أَهْلِ الْيَسَارِ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ أَهْلِ الرَّفَاهِيَةِ دُونَ الشِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْجَمِيعِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الشَّرْعِ فِي حَمْلِ النَّاسِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارٍ جَمْعٍ وَيُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ ، وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ .
وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ كَلَامٌ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ ( فَإِنْ اخْتَلَفُوا ) فِي اسْتِطَابَتِهِ وَاسْتِخْبَاثِهِ ( فَالْأَكْثَرُ ) مِنْهُمْ يُتَّبَعُ ( فَإِنْ اسْتَوَوْا فَجَانِبُ قُرَيْشٍ ) يُتَّبَعُ ؛ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ وَفِيهِمْ النُّبُوَّةُ ( فَإِنْ اخْتَلَفَتْ ) قُرَيْشٌ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَا تَرْجِيحَ ( أَوْ لَمْ يَكُنْ ) مِنْهُمْ اخْتِلَافٌ بِأَنْ شَكُّوا

فَلَمْ يَحْكُمُوا بِشَيْءٍ أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ ، وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ( فَشَبَهُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ ( صُورَةً أَوْ طَبْعًا ) مِنْ صِيَانَةٍ وَعُدْوَانٍ ( أَوْ طَعْمًا فَإِنْ أَشْكَلَ الْحَالُ ) بِأَنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجِدْ مَا يُشْبِهُهُ ( فَحَلَالٌ ) الْآيَةَ { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } ( وَلَوْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا ) أَيْ الْعَرَبُ ( عَنْهُ ) وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ ، فَإِنْ سَمَّوْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ حَلَّ أَوْ حَرَامٍ حَرُمَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ ، وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ ( وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ ) يَعْنِي فِي تَحْرِيمِ مَا لَا نَصَّ فِيهِ بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ( شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا عَلَى الْأَصَحِّ فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ
( قَوْلُهُ كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ ) أَوْ النَّهْيِ عَنْهُ ( قَوْلُهُ مِنْ الْعَرَبِ أَهْلُ الْقُرَى إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبَاتِ وَالتَّحْرِيمَ بِالْخَبَائِثِ عُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ النَّاسِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ بَعْضِهِمْ وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِنُزُولِ الْقُرْآنِ بِلُغَتِهِمْ ، وَهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ( فَكُلُّ الْحَشَرَاتِ ) ، وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ ( مُسْتَخْبَثَةٌ ) سَوَاءٌ ( ذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْإِبَرِ ) كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَدَبُّورٍ ( وَغَيْرِهَا ) كَوَزَغٍ وَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ ( صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ) إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ فِي صِغَرِهِ ( إلَى الذَّرِّ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ أَصْغَرُ النَّمْلِ فَتَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ، وَلَوْ أَخَّرَ صَغِيرَهَا عَنْ كَبِيرِهَا كَانَ أَنْسَبَ بِقَوْلِهِ إلَى الذَّرِّ ، وَذَوَاتُ السُّمُومِ عُلِمَ حُكْمُهَا مِمَّا مَرَّ ( إلَّا الْيَرْبُوعَ وَالضَّبَّ ) وَابْنَ عُرْسٍ ، السَّابِقُ بَيَانُهَا ( وَأُمَّ حُبَيْنٍ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِنُونٍ فِي آخِرِهِ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ الْكَفِّ صِغَرًا كَبِيرَةُ الْجَوْفِ تُشْبِهُ الضَّبَّ بَلْ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : إنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْحَرَابِيِّ ، وَالذَّكَرُ حِرْبَاءُ ( وَالْقُنْفُذَ ) بِالْمُعْجَمَةِ فَتَحِلُّ الْمَذْكُورَاتُ لِاسْتِطَابَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا ( لَا الصَّرَّارَةَ ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الصِّرْصَارُ وَيُسَمَّى الْجُدْجُدُ فَتَحْرُمُ كَالْخُنْفُسَاءِ ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .
قَوْلُهُ وَالْقُنْفُذُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ كَالْأَرْنَبِ وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ فَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } الْآيَةَ

( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْمُؤْذِيَاتِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ ) الَّذِي لَا يُؤْكَلُ ( وَالْحَدَأَةِ ) بِوَزْنِ الْعِنَبَةِ ( وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالسِّبَاعِ وَالْبُرْغُوثِ ) بِضَمِّ الْبَاءِ ( وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ ) بِضَمِّ الزَّايِ لِأَذَاهَا وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ : { خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ السَّبْعِ الضَّارِي وَيُقَاسَ بِهِنَّ الْبَاقِي ( إلَّا الْفَهْدَ وَالصَّقْرَ وَالْبَازِيَ ) وَنَحْوَهَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا ( لِنَفْعِهَا ، وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهَا ) .
( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْمُؤْذِيَاتِ إلَخْ ) يَحْرُمُ مَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْكُولًا لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ لِإِبْقَائِهِ لِلتَّسْمِينِ وَالْأَكْلِ ، وَيَحْرُمُ مَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْكُولًا لَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ قَتْلٌ مَخْصُوصٌ وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ أَصْلًا فَقَالَ مَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ أَوْ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ فَهُوَ حَرَامٌ ( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ إنَّ الْجَرَادَ وَالْقَمْلَ إذَا تَضَرَّرَ بِهِمَا النَّاسُ كَصَائِلٍ يُدْفَعُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الدَّفْعُ إلَّا بِالتَّحْرِيقِ جَازَ

( وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَنْفَعُ ، وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ ) جَمْعُ خُنْفَسَاءَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا ( وَالْجِعْلَانِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُقَالُ أَبُو جِعْوَانَ ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ ، تَعَضُّ الْبَهَائِمَ فِي فُرُوجِهَا فَتَهْرُبُ ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْخُنْفَسَاءِ شَدِيدَةُ السَّوَادِ فِي بَطْنِهَا لَوْنُ حُمْرَةٍ لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ ( وَالرَّخَمِ وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ ) الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ .
( قَوْلُهُ وَالْكَلْبَ غَيْرَ الْعَقُورِ ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ

( وَيَحْرُمُ ) قَتْلُ ( مَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ كَالنَّحْلِ ) وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ ( وَالْخُطَّافِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَيُسَمَّى زَوَّارُ الْهِنْدِ وَيُعْرَفُ الْآنَ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ زَهِدَ فِيمَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْأَقْوَاتِ ( وَالْخُفَّاشِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ ، وَهُوَ الْوَطْوَاطُ ( وَالضِّفْدِعِ ) وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ ، وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ طَائِرٌ فَوْقَ الْعُصْفُورِ أَبْقَعُ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَالْمِنْقَارِ وَالْأَصَابِعِ .
( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ ) ، وَإِلَّا لَجَازَ ذَبْحُهُ لِيُؤْكَلَ ( قَوْلُهُ وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ) ، وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَاسْمُهُ الذَّرُّ وَقَتْلُهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ قَالَ شَيْخُنَا وَبِهِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا

( وَ ) يَحْرُمُ قَتْلُ ( كُلِّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ ) سَوَاءٌ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ ، وَهَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إلَّا حُكْمَ الْخُفَّاشِ فَهُنَا .

( فَصْلٌ وَيَحْرُمُ النَّجَسُ ) كَمَيْتَةٍ ، وَلَبَنِ أَتَانٍ وَبَوْلٍ ( وَالْمُتَنَجِّسُ ) كَدُبْسٍ وَخَلٍّ ، وَلَبَنٍ وَدُهْنٍ إذَا تَنَجَّسَتْ لِخَبَرِ { الْفَأْرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ } السَّابِقِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ( لَا دُودُ فَاكِهَةٍ وَخَلٍّ ) وَنَحْوِهِمَا أَيْ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ كُلٍّ مِنْهَا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ طَبْعًا وَطَعْمًا أَمَّا أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا فَحَرَامٌ ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لِاسْتِقْذَارِهِ كَالْبُصَاقِ ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ لِذِكْرِهِ لَهَا فِي بَابِ النَّجَاسَةِ .
( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ النَّجَسُ ) لَوْ وَجَدَ نَجَاسَةً فِي طَعَامٍ جَامِدٍ وَجُمُودُهُ طَارِئٌ لَمْ يَحْرُمْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِيهِ جَامِدًا ، وَإِنْ غَلَبَ ظَنُّ وُقُوعِهَا قَبْلَهُ ( قَوْلُهُ لَا دُودُ الْفَاكِهَةِ إلَخْ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَكْلِ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَالْجُبْنِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَعَهُ تَبَعًا فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ وَيَكُونُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ هُوَ الْأَكْلُ فَقَطْ لِلْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَجِبَ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إيجَابُ غَسْلٍ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَأَجَابَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَعَهُ ) قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ حِلَّ أَكْلِهِ مَعَهُ بِأَنْ لَا يَنْقُلَهُ ، أَوْ يُنَحِّيَهُ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الطَّعَامِ إلَى آخَرَ فَإِنْ نُقِلَ فَكَالْمُنْفَرِدِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ

( وَيَعْلِفُ ) جَوَازًا ( الْمُتَنَجِّسَ دَابَّتَهُ ) لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ ، أَمَّا نَجَسُ الْعَيْنِ فَيُكْرَهُ عَلَفُهَا بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ فِي الْمَأْكُولَةِ

( وَيُكْرَهُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ ) وَيُقَالُ الْجَالَّةُ ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهِ كَدَجَاجٍ ( وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا ) ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ أَلْبَانِهَا حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ زَادَ أَبُو دَاوُد { وَرُكُوبُهَا } قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا أَوْ ذُكِّيَ وَوُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ هَذَا ( إنْ ظَهَرَ نَتْنُ مَا تَأْكُلُهُ فِي رِيحِهَا وَعَرَقِهَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ إنْ وُجِدَ فِي عِرْقِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَلَا كَرَاهَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَأْكُلُ إلَّا النَّجَاسَةَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ الطَّعْمِ أَشَدُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَغَيُّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ ( وَلَا يَحْرُمُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْمُذَكَّى لَا يَحْرُمُ بِنَتْنِهِ ( فَإِنْ عُلِفَتْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ طَاهِرًا ( لَا إنْ غُسِلَتْ ) هِيَ أَوْ لَحْمُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا أَوْ طَبْخٍ ( فَطَابَ لَحْمُهَا لَمْ تُكْرَهْ ) ، وَإِنْ عُلِفَتْ دُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى الْمُعَمِّمِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ نَعَمْ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْلَفَ النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّاةُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالدَّجَاجَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اتِّبَاعًا لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ يَعْنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ الْبَقَرَةُ ، فَكَأَنَّهُ قَاسَهَا عَلَى النَّاقَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْغَالِبِ أَيْ أَيْ مِنْ أَنَّ التَّغْيِيرَ يَزُولُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ أَمَّا طِيبُهُ بِالْغُسْلِ أَوْ الطَّبْخِ فَلَا تَنْتَفِي بِهِ الْكَرَاهَةُ

وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ ، وَكَذَا لَا تَنْتَفِي بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ .
نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ مَعَ نَقْلِهِ خِلَافَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ الْبَغَوِيّ : لَا يَزُولُ الْمَنْعُ وَقَالَ غَيْرُهُ : يَزُولُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : بِالثَّانِي جَزَمَ الْمَرُّوذِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي قُلْت : وَهُوَ نَظِيرُ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا فِي مُرُورِ الزَّمَانِ عَلَى اللَّحْمِ فَلَوْ مَرَّ عَلَى الْجَلَّالَةِ أَيَّامٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَأْكُلَ طَاهِرًا فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ حَلَّتْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَلَفَ بِطَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَلَفٍ ، وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ : وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ عُلِفَتْ بِطَاهِرٍ أَنَّهَا لَوْ عُلِفَتْ بِمُتَنَجِّسٍ كَشَعِيرٍ أَصَابَهُ مَاءٌ نَجِسٌ فَطَابَ لَحْمُهَا لَمْ تَحِلَّ أَيْ حِلًّا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت : وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَوْ عُلِفَتْ بِنَجَسِ الْعَيْنِ فَطَابَ لَحْمُهَا لَمْ تُكْرَهْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا بِلَا حَائِلٍ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ ( وَالسَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا كَخِنْزِيرَةٍ وَحِمَارَةٍ ( كَالْجَلَّالَةِ ) فِيمَا ذُكِرَ .

أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى الْمُعَمَّمِ ) فَلَوْ عَادَتْ الرَّائِحَةُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ عَوْدُ الْحُكْمِ وَقَدْ يَطْرُقُهُ خِلَافُ الزَّائِلِ الْعَائِدِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يَزُولُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَأَشْعَرَ بِتَرْجِيحِ الزَّوَالِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهَذَا فِي مُرُورِ الزَّمَانِ عَلَى اللَّحْمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالسَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ إلَخْ ) وَحُكْمُ الرَّضِيعِ بِلَبَنِ الْجَلَّالَةِ حُكْمُهَا ، وَلَا يَحْرُمُ حَيَوَانٌ رُبِّيَ بِمَالٍ حَرَامٍ .

( وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ سُلِقَ بِمَاءٍ نَجَسٍ ) كَمَا لَا يُكْرَهُ الْمَاءُ إذَا سُخِّنَ بِالنَّجَاسَةِ ( وَ ) لَا ( حَبُّ زَرْعٍ نَبَتَ فِي زِبْلٍ ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ إذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُهَا وَرِيحُهَا وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ ، وَلَا يَحْرُمُ زَرْعٌ لَا يُفِيدُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْحَبِّ وَيَقْتَضِي أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي لَاقَى النَّجَاسَةَ لَيْسَ مُتَنَجِّسًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ ، وَأَنَّ الْحَبَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّنَابِلِ طَاهِرٌ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ حَسَنٌ ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ مَا يُسْقَى مِنْهُ وَمِنْ الثَّمَرِ بِمَاءٍ نَجَسٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ التَّغَيُّرُ فِيهَا كُرِهَتْ .

( فَصْلٌ وَذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ ) كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحَرُمَ ذَكَاتُهَا مَعَ ظُهُورِ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا هَذَا ( إنْ خَرَجَ مَيِّتًا ) سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا ( أَوْ ) خَرَجَ حَيًّا ( فِي الْحَالِ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ ) بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ التَّهْذِيبِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ لَا تُطَابِقُهُ فَإِنَّ لَفْظَهُ ، وَلَوْ خَرَجَ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ قَالَ ، وَلَعَلَّ تَقْيِيدَ الرَّافِعِيِّ الْخُرُوجَ بِالْحَالِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي فُرُوقِهِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

( قَوْلُهُ وَذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ ) بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِيهِمَا كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَتَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةً لَهُ وَيُؤَيِّدُ مَا رَوَى { مُسَدَّدٌ أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ أَوْ الشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ ؟ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ } ، وَهَذَا يُبْعِدُهُ رِوَايَةُ نَصْبِ ذَكَاةِ الثَّانِيَةِ أَيْ ذَكَاتُهُ مِثْلُ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيُذْبَحُ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا حَرُمَ قَالَ شَيْخُنَا وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ : لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَمْ تَحِلَّ ذَكَاةُ أُمِّهِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ فِي الْقِصَاصِ فَأَلْزَمَ ذَبْحَ رَمَكَةٍ فِي بَطْنِهَا بَغْلَةٌ فَمُنِعَ ذَبْحُهَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبْلَ الذَّبْحِ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حَتَّى ذُبِحَتْ فَوُجِدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ فَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّك قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ وَذَبَحْنَا الْأُمَّ فَوَجَدْنَا الْجَنِينَ مَيِّتًا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَمْ تَدْخُلْهُ الرُّوحُ أَوْ دَخَلَتْهُ وَخَرَجَتْ بِالضَّرْبِ فَيُرَجَّحُ التَّحْرِيمُ أَيْضًا قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

بِقَوْلِهِ ( وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ اضْطَرَبَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ الذَّبْحِ ) لَا بِهِ ( زَمَانًا طَوِيلًا ، ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ ) وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِهَا وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَرُّوذِيُّ فَقَالَا بِحِلِّهِ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُمَا الزَّرْكَشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّيْدِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَأَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَقَصَّرَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ انْتَهَى .
وَفِي قِيَاسِهِ نَظَرٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ اضْطَرَبَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّيْدِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ) لَا تَأْيِيدَ فِيهِ .

( وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ ) ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ، وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ، ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ حَلَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ ( وَلَوْ لَمْ تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ ) بِأَنْ لَمْ تَبِنْ فِيهَا الصُّورَةُ ، وَلَمْ تَتَشَكَّلْ الْأَعْضَاءُ ( لَمْ تَحِلَّ ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ) قَالَ شَيْخُنَا فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ حِلِّهِ أَنْ يُحَالَ مَوْتُهُ عَلَى التَّذْكِيَةِ لِأُمِّهِ ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ الْحِلُّ ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُحَالُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ) كَلَامُ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مَيْتَةٌ لَا مَحَالَةَ إذْ لَمْ يُذَكَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ، وَلَا أَحْدَثَتْ ذَكَاتُهَا فِيهِ شَيْئًا ، وَهَذَا كَالْمَقْطُوعِ بِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي بَابِ الْآنِيَةِ : الْمَيْتَةُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَشْيَاءَ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالْآدَمِيُّ وَالْجَنِينُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا مَاتَ بَعْدَ إرْسَالِ مُرْسِلِهِ ( قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ ) كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا .

( فَصْلٌ .
وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ كَسْبُ الْحَجَّامِ ) أَيْ تَنَاوُلُهُ ، وَلَوْ كَسَبَهُ رَقِيقٌ ( وَ ) كَسْبُ سَائِرِ ( مَنْ يُخَامِرُ النَّجَاسَةَ كَالْجَزَّارِ وَالزَّبَّالِ وَنَحْوِهِ ) أَيْ نَحْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْكَنَّاسِ وَالدَّبَّاغِ وَالْخَاتِنِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَنَاوُلُهُ سَوَاءٌ أَكَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ غَيْرُهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ وَاعْلِفْهُ نَاضِحَكَ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ قَالُوا : وَصَرَفَ النَّهْيَ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ } فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ غَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ مُخَامَرَةُ النَّجَاسَةِ ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَحْوُهُ ( وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةٌ بِلَا ) مُخَامَرَةِ ( نَجَاسَةٍ ) كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ ( لَمْ تُكْرَهْ ) إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ مَا مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ : الْعِلَّةُ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَعَلَيْهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ : وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ كَسْبَ الصَّوَّاغِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَخْلُفُونَ الْوَعْدَ وَيَقَعُونَ فِي الرِّبَا لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ : إنَّهُ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ إذْ الْأَصَحُّ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الصَّائِغَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ وَقَدْ صَحَّحُوا أَنَّ الْحَائِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ دُونَ الصَّائِغِ ، وَقَدْ صَحَّحُوا أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي الْحِيَاكَةِ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ

فِي الصِّيَاغَةِ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ كَرَاهَتِهَا لِوُجُودِ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ فِيهَا كَمَا تَقَرَّرَ دُونَ الْحِيَاكَةِ ، وَإِذَا كُرِهَ شَيْءٌ كُرِهَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَحْرُمُ أَخْذُهَا عَلَى الْحَرَامِ ( وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَرَامِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَأُجْرَةِ الزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ ، وَالْأَنْسَبُ بِعِبَارَتِهِ إعْطَاؤُهَا ( فَإِنْ أَعْطَى ) شَيْئًا ( خَوْفًا ) كَأَنْ أَعْطَى الشَّاعِرَ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ أَوْ الظَّالِمَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقَّهُ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ ( أَثِمَ الْآخِذُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْمُعْطِي لِضَرُورَتِهِ وَقَوْلُهُ ، وَكَمَا يَحْرُمُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ .
( قَوْلُهُ وَأَعْلِفْهُ نَاضِحَك ) الْمُرَادُ دَوَابَّك مَا كَانَتْ ، وَهَلْ الْكَرَاهَةُ لِلْحُرِّ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْأَكْلِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَلْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ آلَةً لِلْمَنْزِلِ لَمْ يُكْرَهْ ؟ الظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ وَذِكْرُ الْأَكْلِ فِي الْخَبَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَوْ شَبَهُهُ وَالْحَلَالُ لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ، ثُمَّ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَأَهْلَهُ سَوَاءٌ فِي الْقُوتِ وَاللُّبْسِ دُونَ سَائِرِ الْمُؤَنِ مِنْ أُجْرَةِ حَمَّامٍ وَصَبَّاغٍ وَقِصَارَةٍ وَعِمَارَةِ مَنْزِلٍ وَفَحْمِ تَنُّورٍ وَدُهْنِ سِرَاجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِرَفِ ، وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِمَا قَالُوهُ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةً بِلَا نَجَاسَةٍ لَمْ تُكْرَهْ ) ، وَلَا يُكْرَهُ الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي النَّجَاسَةِ ، وَإِنْ كَثُرَتْ

( فَرْعٌ أَفْضَلُ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ كَسْبُكَ مِنْ زِرَاعَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ ؛ وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا أَعَمُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ أَيْ يُنْقِصُهُ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا ، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ ، وَلَا دَابَّةٌ ، وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ( ثُمَّ ) مِنْ ( صِنَاعَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ( ، ثُمَّ ) مِنْ ( تِجَارَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا .
( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْأَقْوَاتِ ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَتَقُومُ الْحَيَاةُ بِدُونِهِ .

( فَصْلٌ يَحْرُمُ ) تَنَاوُلُ ( مَا يَضُرُّ ) الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ ( كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ( كَالْأَفْيُونِ ) ، وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ وَرُبَّمَا يَقْتُلُ ، وَقَالَ تَعَالَى { ، وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } ( إلَّا قَلِيلَهُ ) أَيْ السُّمِّ كَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْ مَا يَضُرُّ ، وَهُوَ أَعَمُّ فَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ ( لِلتَّدَاوِي ) بِهِ ( إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ) وَاحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ يَحْرُمُ مَا يَضُرُّ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالطِّينِ ) قَطَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِتَحْرِيمِهِ ، وَكَذَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ : يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَضَرَّةُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ شَرْحِهِ لِلْمِنْهَاجِ لَا يَحْرُمُ أَكْلُ الطِّينِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِكَثْرَتِهِ فَيَحْرُمَ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَمَشَايِخُ طَبَرِسْتَانَ ، وَلَوْ خُمِّرَ الْمَشْوِيُّ وَغُطِّيَ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ التَّنُّورِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : حَرُمَ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ سُمٌّ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ بِالْجِيمِ فِي كِتَابِهِ الذَّرَائِعِ إلَى عِلْمِ الشَّرَائِعِ : وَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ الْمُسْكِرِ بِحَالٍ ، وَلَا مَا فِيهِ ضَرَرٌ كَالسُّمِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى الْمَشْوِيُّ الَّذِي يُغَطَّى حَارًّا فَيُحْتَبَسُ بُخَارُهُ فِيهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ عَضَّ كَلْبٌ شَاةً فَكَلَبَتْ ، ثُمَّ ذُكِّيَتْ حَلَّ أَكْلُهَا قَالَ شَيْخُنَا حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهَا .

( وَيَحِلُّ أَكْلُ ) كُلِّ ( طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ ) كَفَاكِهَةٍ وَحَبٍّ وَسُمٍّ إنْ تُصُوِّرَ أَنَّ آكِلَهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ تَعَالَى { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ } ( إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ ) فَلَا يَحِلُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } وَخَبَرِ { إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا } ، وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَخَرَجَ بِالْمَيْتَةِ جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَإِنْ دُبِغَ ( وَ ) إلَّا ( مَا اُسْتُقْذِرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ ) لِاسْتِقْذَارِهِ ، وَإِلَّا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا .

( وَفِي ) حِلِّ أَكْلِ ( بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ تَرَدُّدٌ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ قِيلَ : مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ عَلَى مَنْعِ أَكْلِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ قَالَ ، وَلَيْسَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مَا يُخَالِفُهُ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَيَحْرُمُ مُسْكِرُ النَّبَاتِ ) أَيْ النَّبَاتُ الْمُسْكِرِ ( وَإِنْ لَمْ يُطْرِبْ ) لِإِضْرَارِهِ بِالْعَقْلِ ( وَلَا حَدَّ فِيهِ ) إنْ لَمْ يُطْرِبْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْرَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَيُتَدَاوَى بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ ) مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ ( وَإِنْ أَسْكَرَ ) لِلضَّرُورَةِ ( وَمَا لَا يُسْكِرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ ) لَا مَعَ غَيْرِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا لِلتَّدَاوِي وَالْأُولَى أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَوْفَقَ بِكَلَامِ الْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْرَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ) لَا حَدَّ فِيهِ ، وَإِنْ أَطْرَبَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرَابٍ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَطْعُومِ اضْطِرَارًا ) ( وَمَنْ ظَنَّ مِنْ الْجُوعِ الْهَلَاكَ ) أَيْ هَلَاكَ نَفْسِهِ أَوْ جَوَّزَ تَلَفَهَا وَسَلَامَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ ( أَوْ ) ظَنَّ مِنْهُ ( ضَعْفًا يَقْطَعُهُ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا ، وَكَذَا لَوْ خَافَ طُولَهُ ) ، وَلَمْ يَجِدْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَلَالًا ( لَزِمَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَات ( وَطَعَامِ الْغَيْرِ ) ؛ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { ، وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } يُخَالِفُ الْمُسْتَسْلِمَ لِلصَّائِلِ بِأَنَّهُ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ عَلَى مُهْجَتِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ ، وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ } أَيْ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ ، { وَلَا عَادٍ } أَيْ سَدًّا لِجَوْعَةِ فَأَكَلَ { فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُولِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَخَوْفِ طُولِ الْمَرَضِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَاكْتَفَى بِالظَّنِّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ ، وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَيَحْرُمُ ) ذَلِكَ ( عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ حَتَّى يَثُوبَ ) لِمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ ، وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قُتِلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (

وَيَحِلُّ ) أَكْلُ ذَلِكَ ( بِإِجْهَادِ الْجُوعِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَدْنَى الرَّمَقِ ) لِمَا يَنَالُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَلِيَنْفَعَهُ الطَّعَامُ ( وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ ) لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ } قِيلَ : أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ ( إلَّا إنْ خَشِيَ الْهَلَاكَ ) عَلَى نَفْسِهِ ( دُونَ قَطْعِ الْبَادِيَةِ ) بِأَنْ خَافَ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَهْلَكَ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَتُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ بِأَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ لَا بِأَنْ لَا يَبْقَى لِلطَّعَامِ مَسَاغٌ ، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَغَيْرُهُمَا وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْتِي فِي غَيْرِ خَوْفِ الْهَلَاكِ مِمَّا ذُكِرَ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ السَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ .
( وَلَهُ التَّزَوُّدُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ( وَلَوْ رَجَا الْحَلَالَ ) أَيْ الْوُصُولَ إلَيْهِ ( وَيَبْدَأُ ) وُجُوبًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ( بِلُقْمَةِ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا حَتَّى يَأْكُلَ اللُّقْمَةَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَطْعُومِ اضْطِرَارًا ) ( قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ تَصْرِيحِ كَلَامِهِمْ ) وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( قَوْلُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَرَامَ فَأَكَلَ الْمَيْتَةَ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) وَيُبَاحُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَفَّالُ : وَالْفَرْقُ أَنَّ أَكْلَهَا ، وَإِنْ أُبِيحَ حَضَرًا لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ سَبَبُهُ فِي السَّفَرِ سَفَرُهُ ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ جُرِحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ فَإِنْ قِيلَ : تَحْرِيمُ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِالتَّوْبَةِ ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَقَضِيَّةُ مَا فَرَّقَ بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْإِقَامَةَ ، وَهِيَ مَعْصِيَةٌ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ بِالسَّفَرِ لَا يُبَاحُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ إعْوَازَ الْحَلَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً وَقَوْلُهُ ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ بِالسَّفَرِ لَا تُبَاحُ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ ، وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ إلَخْ ) قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ( قَوْلُهُ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فَزَالَ الْحُكْمُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ ) هُوَ الْمَشْهُورُ

( فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ قَتْلُ حَرْبِيٍّ ) كَامِلٍ ( وَمُرْتَدٍّ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِيَأْكُلَهُ ، وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ نَادِبًا مَعَهُ وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهِ رِعَايَةُ أَدَبٍ ( وَ ) كَذَا ( نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ ) وَمَجَانِينُهُمْ وَأَرِقَّاؤُهُمْ وَخَنَاثَاهُمْ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ وَامْتِنَاعُ قَتْلِهِمْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِعِصْمَتِهِمْ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِمْ ، وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ ) إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي طَرَفِهِ فَيَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَأَكْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَلَوْ وَجَدَ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ أَكَلَ الْبَالِغُ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ ، وَقَضِيَّتُهُ إيجَابٌ ، فَلْتُسْتَثْنَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ ) أَيْ لِلَّهِ بِخِلَافِ مَنْ يُسْتَحَقُّ دَمُهُ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( لَا الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ ) فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ

( وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُسْلِمُ إلَّا الذِّمِّيَّ ، وَإِلَّا مَيِّتًا مُسْلِمًا غَيْرَ نَبِيٍّ حَلَّ ) أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَيِّتٌ وَخَافَ أَهْلُهَا الْغَرَقَ كَانَ لَهُمْ طَرْحُهُ فِي الْبَحْرِ دُونَ الْحَيِّ ، وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد { كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا } فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَمَّا الذِّمِّيُّ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ أَمَانٌ فَلَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ لِكَمَالِ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ نَبِيٍّ النَّبِيُّ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْأَكْلُ مِنْهُ لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَعُلِمَ مِنْ حَصْرِهِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ مَيْتَةً ، وَلَحْمَ آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الطَّعَامَ أَوْ الْمَيْتَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُسْلِمٍ رِعَايَةً لِمَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمَعْصُومٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَإِنْ فُهِمَ حُكْمُ الْمَعْصُومِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ بِالْأَوْلَى ( وَلَا يَطْبُخُهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ بَلْ الْمَيِّتُ الْمُحْتَرَمُ ، ( وَلَا يَشْوِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ انْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ ) بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ مَشْوِيًّا .

( وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ ) الْوَاجِدَ صَيْدًا وَ مَيِّتًا مُسْلِمًا ( الصَّيْدَ لَا الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ ) لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَصْفُهُ الْمَيِّتَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَوْ أَبَد لَهُ بِالْمُحْتَرَمِ كَانَ أَوْلَى ( وَلَهُ أَكْلُ فِلْذَةً ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي نُسْخَةٍ قُدْرَةً بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ قِطْعَةً ( مِنْ جِسْمِ نَفْسِهِ ) بِأَنْ يَقْطَعَهَا مِنْهُ لِيَأْكُلَهَا ( إنْ رَجَا ) أَيْ ظَنَّ ( السَّلَامَةَ ) بِأَنْ كَانَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهَا أَقَلَّ مِنْهُ فِي تَرْكِهَا ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ ، وَلَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَمِ وَالْمَشَقَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حُرْمَةِ قَطْعِهَا عِنْدَ التَّسَاوِي وَجَوَازِهِ حِينَئِذٍ فِي السِّلْعَةِ أَنَّ السِّلْعَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَدَنِ انْضَمَّ إلَيْهَا الشَّيْنُ وَدَوَامُ الْأَلَمِ بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِسْمِ نَفْسِهِ قَطْعُهَا لَهُ مِنْ جِسْمِ غَيْرِهِ الْمَعْصُومِ فَيَحْرُمُ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ ( وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا لِغَيْرِهِ ) إذْ لَيْسَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إعْدَامِهَا نَعَمْ إنْ كَانَ نَبِيًّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْقَطْعِ لَهُ بَلْ وُجُوبُهُ .

( قَوْلُهُ وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ) مَا ذَكَرَهُ فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ يَجْرِي أَيْضًا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ قَطَعَهَا لَهُ مِنْ جِسْمِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْصُومِ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ لِيَأْكُلَهُ الْمُضْطَرُّ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ مِنْ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ بِهِ وَفِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهُ مِنْ رِدَّةٍ أَوْ حِرَابَةٌ أَوْ زِنًا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُضْطَرُّ مِنْ لَحْمِهِ لَكِنْ بَعْدَ قَتْلِهِ ، وَلَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ فِي حَيَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ فَإِنْ أَكَلَ لَحْمَهُ حَيًّا كَانَ مُسِيئًا إنْ قَدَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَمَعْذُورًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ وُجُوبُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحُهُ

( وَشُرْبُ الْخَمْرِ ) أَيْ تَنَاوُلُهَا ( لِلْعَطَشِ وَلِلتَّدَاوِي حَرَامٌ ) ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِهَا ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يَدْعُو إلَى بَعْضٍ ؛ وَلِأَنَّ شُرْبَهَا لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ بَلْ يَزِيدُهُ ، وَإِنْ سَكَّنَهُ فِي الْحَالِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا { سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ : إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا عِنْدَمَا حَرَّمَهَا ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا ، وَإِنْ سَلِمَ بَقَاؤُهَا فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ ، ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ ، وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهَا كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَمَحَلُّ مَنْعِ التَّدَاوِي بِهَا إذَا كَانَتْ خَالِصَةً بِخِلَافِ الْمَعْجُونِ بِهَا كَالتِّرْيَاقِ لِاسْتِهْلَاكِهَا فِيهِ وَكَالْخَمْرَةِ فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ الْمَائِعَةِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ فَيُبَاحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ ( لَا ) تَنَاوُلُ ( غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ) لِذَلِكَ فَيَجُوزُ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا ) مِنْ الطَّاهِرَاتِ يَقُومُ مَقَامَهَا { لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بِالْأَبْوَالِ غَيْرُهَا مِمَّا لَا يُسْكِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهَا مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ ابْنِ حِبَّانَ السَّابِقُ ( وَلَوْ تَبَخَّرَ بَنْدٌ ) بِفَتْحِ النُّونِ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ ( عُجِنَ بِخَمْرٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ دُخَانَهُ لَيْسَ دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ بَلْ دُخَانٌ مُتَنَجِّسٌ ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الِاسْتِعْمَالِ ، وَإِنْ

كَانَ دُخَانُ الْمُتَنَجِّسِ كَدُخَانِ النَّجَسِ فِي النَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ مَثَلًا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ، وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دَبْغِهِ

( وَيُشْرَبُ الْبَوْلُ ) لِلْعَطَشِ ( عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ النَّجَسِ ) لَا عِنْدَ وُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ أَخَفُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ .

( فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يُؤْثِرَ ) بِطَعَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( مُسْلِمًا ) مُضْطَرًّا غَيْرَ مُرَاقِ الدَّمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَإِنْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ ، وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ نَبِيًّا لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَأَمَّا خَبَرُ { ابْدَأْ بِنَفْسِك } فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ( لَا ذِمِّيًّا ) أَوْ كَافِرًا غَيْرَ ذِمِّيٍّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( وَ ) لَا ( بَهِيمَةً ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ لِكَمَالِ شَرَفِ الْمُسْلِمِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْآدَمِيِّ عَلَى الْبَهِيمَةِ .

( وَإِنْ بَذَلَ الطَّعَامَ مَالِكُهُ ) ، وَلَوْ مُضْطَرًّا لِمُضْطَرٍّ آخَرَ ( هِبَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ ) لِدَفْعِهِ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ ( أَوْ ) بَذَلَهُ لَهُ ( بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ حَتَّى بِإِزَارِهِ ) الْمُسْتَتِرِ بِهِ

( وَيُصَلِّي عُرْيَانًا ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِخِلَافِ أَخْذِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ ( إلَّا إنْ خَشِيَ ) عَلَى نَفْسِهِ ( التَّلَفَ بِالْبَرْدِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِإِزَارِهِ ( وَ ) لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ ( فِي الذِّمَّةِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ فِي الذِّمَّةِ ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ جَوَازُ الْبَيْعِ بِحَالٍ لَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا عِنْدَ قُدْرَتِهِ لِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ أَوْ وَلِيُّ الصَّبِيِّ ) مِنْ بَذْلِهِ لَهُ بِعِوَضٍ لِمُضْطَرٍّ مُحْتَرَمٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَالِكُ أَوْ الصَّبِيُّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( غَنِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَالِ أَثِمَ ، وَإِنْ احْتَاجَهُ فِي الْمَآلِ ) ؛ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِهِ إعَانَةً عَلَى قَتْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى إنْقَاذِهِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَرَقٍ وَنَحْوِهِ لَوَجَبَ فَكَذَا بِمَالِهِ بِخِلَافِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَوْ مُضْطَرًّا كَمَا قَدَّمْتُهُ ( وَيَجُوزُ ) لِلْمُضْطَرِّ ( قِتَالُهُ ) أَيْ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا ذُكِرَ عَلَيْهِ ( وَلَا يَجِبُ ) قِتَالُهُ كَالصَّائِلِ بَلْ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ عَقْلَ الْمَالِكِ وَدِينَهُ يَبْعَثَانِهِ عَلَى الْإِطْعَامِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إلَيْهِ ( لَكِنْ ) إنَّمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ ( عَلَى مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ ) ، وَهُوَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ إلَّا أَنْ يُخْشَى الْهَلَاكُ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا .
( وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ ) لِلْمُمْتَنِعِ إنْ قَتَلَهُ ، وَلَا يُؤْخَذُ لَهُ دِيَةٌ ( وَيُقْتَصُّ لَهُ ) إنْ قَتَلَهُ الْمُمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ ( وَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى الْمُمْتَنِعِ إذْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلٌ مُهْلِكٌ لَكِنَّهُ

يَأْثَمُ ( وَ ) يَنْبَغِي ( لَهُ ) فِيمَا إذَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ( أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ ) مِنْهُ ( بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ) لِئَلَّا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ : اُبْذُلْهُ لِي بِعِوَضٍ فَيَبْذُلُهُ لَهُ بِعِوَضٍ ، وَلَمْ يُقَدِّرْهُ أَوْ يُقَدِّرُهُ ، وَلَمْ يُفْرِدْ لَهُ مَا يَأْكُلُهُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ مَا أَكَلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَلَهُ أَنْ يَشْبَعَ ( فَإِنْ اشْتَرَاهُ ) مِنْهُ ( بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ) ، وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ ( وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَهْرِهِ ) وَأَخْذِهِ مِنْهُ ( لَزِمَهُ ) ذَلِكَ ، وَإِنْ غُبِنَ فِي شِرَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الِالْتِزَامِ فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ( وَكَذَا لَوْ عَجَزَ ) عَنْ أَخْذِهِ وَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ لِذَلِكَ ، وَكَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ مِنْ جِهَةِ ظَالِمٍ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ إذْ لَا إكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ ( ، وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ مَالِكَهُ ( بَذْلُهُ إلَّا بِعِوَضٍ ) ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ ( وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ ) بِوُقُوعِهِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَيْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ ( لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ .
فَإِنْ اتَّسَعَ ) الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِهَا ( لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ ) كَمَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنْ فُرِضَ فِي تِلْكَ ضِيقُ الْوَقْتِ وَجَبَ الْبَذْلُ بِلَا عِوَضٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ الْوَجْهُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمَجْمُوعِ أَوَاخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ نَقَلَهُ كَالْأَصْلِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ قَطْعِ الْجُمْهُورِ : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ فِي تِلْكَ إلَّا بِعِوَضٍ بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ وَعَلَى هَذَا

اخْتَصَرَ الْأَصْفُونِيُّ وَشَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ

قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ إلَخْ ) لَوْ اُضْطُرَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى الطَّعَامِ فَامْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بِوَطْئِهَا زِنًا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ ، وَخَالَفَ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ فِي أَنَّ الِاضْطِرَارَ فِيهَا إلَى نَفْسِ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ ، وَهُنَا الِاضْطِرَارُ لَيْسَ إلَى الْمُحَرَّمِ وَإِنَّمَا جَعْلُ الْمُحَرَّمِ وَسِيلَةً إلَيْهِ ، وَقَدْ لَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ إذْ قَدْ يُصِرُّ عَلَى الْمَنْعِ بَعْدَ وَطْئِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَقَدْ يَمْنَعُهَا الْفَاجِرُ الطَّعَامَ بَعْدَ الْوَطْءِ وَعَجِيبٌ تَرَدُّدُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى .
قَالَ شَيْخُنَا لَكِنْ لَوْ مَكَّنَتْهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهَةِ وَقَوْلُهُ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ جَوَازُ الْبَيْعِ بِحَالٍ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا صَحِيحٌ إنْ رَضِيَ الْمُضْطَرُّ بِالشِّرَاءِ حَالًّا فَإِنْ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِالشِّرَاءِ مُؤَجَّلًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمَالِكِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ بِالْمُؤَجَّلِ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْمُؤَجَّلِ قَطْعًا ، وَهُوَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ إلَخْ ) يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ غَصْبُ طَعَامِ الْمُمْتَنِعِ وَقَهْرُهُ عَلَيْهِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ إلَخْ ) وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ( قَوْلُهُ ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْمُمْتَنِعِ ) مَحَلُّ جَوَازِ قِتَالِ الْمُضْطَرِّ لِلْمُمْتَنِعِ وَعَدَمُ ضَمَانِهِ إيَّاهُ إنْ قَتَلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ مَيْتَتِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ إلَّا بِعِوَضٍ ) ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْعِوَضِ بِذِكْرِهِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا فَإِنَّهُ مِنْ

أَهْلِ الِالْتِزَامِ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيضِ رَبِّ الطَّعَامِ عَلَى بَذْلِهِ لِلْمُضْطَرِّ ، وَلَوْ صَبِيًّا وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ أَطْعَمَهُ ) الْمَالِكُ ( بِلَا مُعَاوَضَةٍ ) أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ ( فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْتِزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ ) فَقَالَ : أَطْعَمْتُكَ بِعِوَضٍ فَقَالَ : بَلْ مَجَّانًا ( صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ .
قَوْلُهُ ، وَإِنْ أَطْعَمَهُ الْمَالِكُ ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الْمُتَصَرِّفُ فِي مَالِهِ ( قَوْلُهُ صَدَقَ الْمَالِكُ إلَخْ ) يُخَالِفُهُ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي أَوَائِلِ الْقَرْضِ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ رَدِّ الْبَدَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ وَفِي أَوَاخِرِ الصَّدَاقِ لَوْ بَعَثَ إلَى بَيْتِ مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ بَعَثْتُهُ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ اقْتَضَتْ الْقَرِينَةُ أَنْ لَا يَبْذُلُ مِلْكَهُ مَجَّانًا بِخِلَافِ الْبَعْثِ الْمُجَرَّدِ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ اقْتَضَتْ عَدَمَ وُجُوبِ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْهَدِيَّةِ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا كَاتَبَهُ

( وَلَوْ أَوْجَرَ ) الْمَالِكُ ( الْمُضْطَرَّ قَهْرًا أَوْ ) أَوْجَرَهُ ( وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بَلْ يَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَذَا عَلَّلَ بِهِمَا الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ فِي الضَّمَانِ وَالثَّانِيَ هُنَا جَازِمًا بِالْحُكْمِ ثَمَّ وَمُرَجِّحًا لَهُ هُنَا ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ آنِفًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْعَامِ لَا جَرَمَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَدَمُ اللُّزُومِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ ) بَلْ نَاوٍ الرُّجُوعَ

( فَرْعٌ يَجِبُ تَدَارُكُ حَيَاةِ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ ) بِبَذْلِ الْمَالِ لَهَا ( كَالْآدَمِيِّ ) الْمُحْتَرَمِ ( وَإِنْ كَانَتْ لِلْغَيْرِ ) مِلْكًا أَوْ اخْتِصَاصًا ، ثُمَّ إنْ ذَكَرَ عِوَضًا رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهَا ، وَإِلَّا فَلَا

( وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاتِهِ لِكَلْبِهِ ) الْمُحْتَرَمِ ( وَتَحِلُّ ) الشَّاةُ أَيْ أَكْلُهَا لِلْآدَمِيِّ ؛ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ

( وَيَأْكُلُ ) الْمُضْطَرُّ ( مِنْ طَعَامِ الْغَائِبِ كَالْمَيْتَةِ ) كَمَا مَرَّ ( وَيَغْرَمُ لَهُ الْقِيمَةَ ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ ؛ لِإِتْلَافِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْغَائِبِ إلَخْ ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا يَحْضُرُ عَنْ قُرْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ قَالَ : وَالْأَرْجَحُ أَنَّ حُضُورَ وَكِيلِ الْغَائِبِ كَحُضُورِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( وَجَدَ ) الْمُضْطَرُّ ( مَيْتَةً وَطَعَامَ غَائِبٍ أَوْ ) وَ ( صَيْدًا ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَجَبَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ) لِعَدَمِ ضَمَانِهَا أَوْ احْتِرَامِهَا فِيهِمَا وَتَخْتَصُّ الْأُولَى بِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَإِبَاحَةَ أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ثَابِتَةٌ بِالِاجْتِهَادِ ، وَالثَّانِيَةُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ مَعَ أَنَّ مَذْبُوحَهُ مِنْهُ مَيْتَةٌ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ بَيْضُهُ ، وَلَبَنُهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَكَصَيْدِ الْمُحْرِمِ صَيْدُ الْحَرَمِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ ) مَالِكُ الطَّعَامِ ( حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ ) أَصْلًا أَوْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ وَجَبَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَكْلُ طَعَامِ الْغَيْرِ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِعْهُ لَهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( وَلَوْ ذَبَحَ ) الْمُحْرِمُ ( الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً فَيَتَخَيَّرُ ) الْمُضْطَرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ ، وَلَا مُرَجِّحَ ( وَلَا قِيمَةَ لِلَحْمِهِ ) كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَفِي الصَّيْدِ وَطَعَامِ الْغَيْرِ وُجُوهٌ ) أَحَدُهَا - يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ ثَانِيهَا - يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ وَثَالِثُهَا - ( يَتَخَيَّرُ ) بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِبِنَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ .
( قَوْلُهُ بِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ يُسَامَحُ فِيهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّ يُضَايَقُ فِيهِ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إلَخْ ) الظَّاهِرُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُمَا ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَطَعَامُ الْغَيْرِ حَلَالٌ وَالصَّيْدُ يَصِيرُ مَيْتَةً بِذَبْحِ الْمُحْرِمِ

( وَمَيْتَةُ الشَّاةِ وَالْحِمَارِ ) وَالْمُرَادُ مَيْتَتَا الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ الطَّاهِرِ فِي حَيَاتِهِ ( سَوَاءٌ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ( وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَلْبِ ) وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ نَجَسٍ فِي حَيَاتِهِ .
( قَوْلُهُ وَمَيْتَةُ الشَّاةِ وَالْحِمَارِ سَوَاءٌ إلَخْ ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا مَعَ وُجُودِ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَةِ ( تَنْبِيهٌ ) ، وَلَوْ حَضَرَ مُضْطَرَّانِ وَمَعَ إنْسَانٍ مَا يَسُدُّ بِهِ ضَرُورَةَ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ تَسَاوَيَا فِي الضَّرُورَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْجِوَارِ وَالصَّلَاحِ اُحْتُمِلَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَقْسِمَهُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ حَاكِمًا عَادِلًا أَوْ زَوْجًا قَدَّمَهُ عَلَى الْمَفْضُولِ ، وَلَوْ تَسَاوَيَا وَكَانَ لَوْ أَطْعَمَهُ أَحَدَهُمَا عَاشَ يَوْمًا ، وَلَوْ أَطْعَمَهُ لَهُمَا عَاشَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ يَوْمٍ فَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مُحْتَاجَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ سَوَّى بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الرَّغِيفُ الَّذِي مَعَهُ سَادًّا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ وَنِصْفِ جُوعِ الْآخَرِ قَسَّمَهُ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ يَسُدُّ مِنْ جُوعِ أَحَدِهِمَا مَا يَسُدُّ مِنْ جُوعِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَسُدُّ جُوعَ الْآخَرِ فَيُقَسِّمُهُ عَلَيْهِمَا لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ : وَأَنْ يُقَسِّمَهُ عَلَيْهِمَا قَالَ شَيْخُنَا ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي آخِرَهُ

( وَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ طَعَامًا ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ( يَضُرُّهُ ) ، وَلَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ ( فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ) دُونَهُ .

( فَصْلٌ ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَطْعِمَةِ ( يُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ } وَخَرَجَ بِالطَّعَامِ صَانِعُهُ فَلَا يُكْرَهُ ذَمُّهُ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ فَلَا لَا سِيَّمَا مَا وَرَدَ خُبْثُهُ كَالْبَصَلِ .
( قَوْلُهُ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ

( وَ ) تُكْرَهُ ( الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ ) مِنْ الطَّعَامِ الْحَلَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَمَحَلُّهُ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ أَمَّا فِي طَعَامِ مُضِيفِهِ فَيَحْرُمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ

( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ ) لَا مِنْ أَعْلَاهَا وَوَسَطِهَا بَلْ يُكْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ ( وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِيبَهُ ) أَيْ الْأَكْلِ فَيَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ ، وَلَا مَكْفُورٍ ، وَلَا مُوَدَّعٍ ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ } رَبُّنَا بِرَفْعِهِ بِالِابْتِدَائِيَّةِ أَوْ بِالْخَبَرِيَّةِ وَبِنَصَبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ وَبِجَرِّهِ بِالْبَدَلِ مِنْ لِلَّهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا } ( وَ ) أَنْ ( يُكْرِمَ الضَّيْفَ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا : وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ يَوْمُهُ ، وَلَيْلَتُهُ ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ } .

( وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فِي التَّحْرِيمِ ) عَلَى غَيْرِ مَالِكِهَا وَالْحِلِّ لَهُ ( كَغَيْرِهَا ) فَلَا يُبَاحُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا عِنْدَ اضْطِرَارِهِ فَيَأْكُلُ وَيَضْمَنُ ( فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ مَا تَسَاقَطَ ) مِنْهَا ( جَازَ ) إجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْإِبَاحَةِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهَا كَمَا يَحْصُلُ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَعْتَبِرُ إذْنَهُ كَيَتِيمٍ وَأَوْقَافٍ عَامَّةٍ ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ إذْنِهِ لَا يُؤَثِّرُ فَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْلَى قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ ( إلَّا إنْ حُوِّطَ عَلَيْهِ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ ( أَوْ مَنَعَ ) مِنْهُ ( الْمَالِكُ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُحِّهِ وَعَدَمِ مُسَامَحَتِهِ .
قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( خَاتِمَةٌ ) لَوْ عَمَّ الْأَرْضَ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ ، وَلَا يَتَبَسَّطُ فِيهِ كَمَا يَتَبَسَّطُ فِي الْحَلَالِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا عِنْدَ الْيَأْسِ فَالْمَالُ حِينَئِذٍ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ، وَلَوْ وَقَعَتْ ذُبَابَةٌ أَوْ نَمْلَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا أَوْ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَاسْتُهْلِكَتْ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا ، وَلَوْ وَجَدَ الْعَطْشَانُ بَوْلًا وَمَاءً نَجِسًا شَرِبَ الْمَاءَ ، وَلَوْ وَجَدَ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلَ إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَالْأَوْجَهُ شُرْبُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَقَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامٍ يَعْلَمُ رِضَا مَالِكِهِ ) بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ، فَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى { ، وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أَوْ صَدِيقِكُمْ } وَثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِنَحْوِ الْآيَةِ ( فَإِنْ تَشَكَّكَ ) فِي رِضَاهُ بِذَلِكَ ( حَرُمَ ) فَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِ مَا يَشْمَلُ ظَنَّهُ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ

( وَتَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ ) الْمُبَاحِ ( مُسْتَحَبٌّ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ ( إلَّا فِي قِرَى الضَّيْفِ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ إكْرَامِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ ( وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ ) كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ أَيْ التَّبَسُّطِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَبِالصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ أَيْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الْعِيَالِ وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ .

( وَيُسْتَحَبُّ الْحُلْوُ ) مِنْ الْأَطْعِمَةِ ( وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ ، وَلَا نَشْبَعُ قَالَ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ } .

( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( الْحَدِيثُ الْحَسَنُ ) عَلَى الْأَكْلِ كَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إلَّا خَلٌّ فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ } وَمَعَ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيلُهُ فَقَدْ نَقَلَ الْعَبَّادِيُّ أَنَّ الرَّبِيعَ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَدَبِ فِي الطَّعَامِ قِلَّةُ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ .

( كِتَابُ النَّذْرِ ) بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ لُغَةً : الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً وَقَالَ غَيْرُهُمَا : الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ عَيْنًا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } وَقَوْله { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ } وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لَهُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مَنْ الْبَخِيلِ } وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ قُرْبَةٌ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ : وَالنَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ النَّذْرُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا ، فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةُ اللَّهِ تَعَالَى كَالدُّعَاءِ ، وَأُجِيبَ عَنْ النَّهْيِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ أَوْ أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كَمَا يُلَوِّحُ بِهِ الْخَبَرُ أَوْ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْمَكْرُوهُ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ لَا الْقُرْبَةُ إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ .

( كِتَابُ النَّذْرِ ) ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ قُرْبَةٌ ) وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ يُعَضِّدُهُ النَّصُّ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } وَالْقِيَاسُ ، وَهُوَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَةِ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ أَيْ يُجَازِي عَلَيْهِ فَوَضَعَ الْعِلْمَ مَوْضِعَ الْجَزَاءِ ، وَالْجَزَاءُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْقُرَبِ ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالْإِنْفَاقِ إقَامَةً لِسَبَبِ الشَّيْءِ مَقَامَهُ ( قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْ النَّهْيِ بِحَمْلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إلَخْ ) وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَفِيهِ فَصْلَانِ .
الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ النَّاذِرُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ ) وَالِاخْتِيَارُ وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ

( وَلَوْ سَكِرَ ) حَالَ النَّذْرِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ ( فَلَا يَصِحُّ ) النَّذْرُ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِالْتِزَامِ ، وَلَا ( مِنْ الْكَافِرِ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ لِالْتِزَامِهَا وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَصِيَّتَهُ وَصَدَقَتَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ ، وَلَا مِنْ الْمُكْرَهِ كَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَلِخَبَرِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } لَا مِمَّنْ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ .
قَوْلُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ) فَإِنْ أَسْلَمَ نُدِبَ قَضَاؤُهُ ( قَوْلُهُ أَوْ لِالْتِزَامِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى وُضِعَ لِإِيجَابِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ .

( وَيَصِحُّ ) أَيْ النَّذْرُ ( مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ) بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ ( فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ ) بِخِلَافِ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ ( ، وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي ذِمَّتِهِ ) فَيَصِحُّ نَذْرُهُ الْمَالِيُّ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ فِي الذِّمَّةِ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ بِصِحَّتِهِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامُ الذِّمَّةِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا إنَّمَا يُؤَدِّي بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ كَمَا فِي نَذْرِ الْمُفْلِسِ وَنَذْرِ الرَّقِيقِ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَضَمَانَةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِهِ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ مَرْهُونِ الْعَقْدِ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ ، وَإِلَّا فَكَمَنْ نَذَرَ إعْتَاقَ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ .

( قَوْلُهُ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ بِصِحَّتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ فَيُحْمَلُ الْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُ : فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ ) قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ هُنَا فَقَالَ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا لَزِمَهُ وَكَذَا الْحَجُّ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ حَجَّ فِي الرِّقّ فَأَوْجُه أَصَحّهَا يَبْرَأ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِث أَنْ حَجَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ بَرِئَ ، وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ مَرْهُونٍ انْعَقَدَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا ) فِي النَّذْرِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بِهَا مِنْ الْبَيْعِ
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَهُوَ ) أَيْ النَّذْرُ قِسْمَانِ ( نَذْرُ تَبَرُّرٍ ) سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ( وَ ) نَذْرُ لَجَاجٍ بِفَتْحِ اللَّامِ سُمِّيَ بِهِ لِوُقُوعِهِ حَالَةَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ( فَالْأَوَّلُ ) ، وَهُوَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ ( نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا نَذْرُ الْمُجَازَاةِ ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُدُوثُهُمَا نَادِرًا ( كَقَوْلِهِ إنْ أَغْنَانِي اللَّهُ أَوْ شَفَانِي ) أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي ( فَعَلَيَّ كَذَا ) وَكَقَوْلِ مَنْ شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ شِفَائِي مِنْ مَرَضِي وَخَرَجَ بِحُدُوثِ مَا ذُكِرَ اسْتِمْرَارُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ ( النَّوْعُ الثَّانِي - أَنْ يَلْتَزِمَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ ) بِشَيْءٍ ( فَيَصِحُّ إنْ الْتَزَمَ قُرْبَةً كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا ) أَيْ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَ غَيْرَ قُرْبَةٍ ، وَلَوْ مُبَاحًا فَلَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي

( قَوْلُهُ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ ) ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي ) لَوْ نَذَرَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ الْمَنْذُورُ صَدَقَةٌ أَوْ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي انْتَهَى .
وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ قَالَ فِي الْحَاوِي : إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِيُصَادِفَهَا فِي إحْدَى لَيَالِيِهِ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ ، وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ يَقْضِهَا إلَّا فِي مِثْلِهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَعَلَيَّ كَذَا ) أَوْ فَكَذَا لَازِمٌ لِي أَوْ يَلْزَمُنِي أَوْ فَقَدْ الْتَزَمَتْهُ نَفْسِي أَوْ أَوْجَبْته عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِحُدُوثِ مَا ذُكِرَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّهُ خَرَجَ بِالْمُجَازَاةِ لَا الْحُكْمِ

( وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ ) الْمَذْكُورِ بِنَوْعِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ .

( لَا إنْ عَلَّقَ ) النَّذْرَ ( بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ ) فَلَا يَصِحُّ ( وَإِنْ شَاءَ ) زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ ، نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَّعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى
( قَوْلُهُ لَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ بِأَنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ الِاسْتِعَانَةَ بِاَللَّهِ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ( قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ ) وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ لَهُ : يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ ( فَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ ) بِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ ( كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِنْ الْتَزَمَ ) فِيهِ ( قُرْبَةً ) كَصَوْمٍ ( أَوْ قُرَبًا ) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ ( تَخَيَّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ ، وَالْيَمِينُ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَعَيُّنِ الْكَفَّارَةِ ( وَإِنْ الْتَزَمَ غَيْرَهَا ) أَيْ غَيْرَ الْقُرْبَةِ ( فَعَلَيْهِ إنْ حَنِثَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ فَقَالَ ( فَإِذَا قَالَ : إنْ فَعَلْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ عِتْقِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ ) فَإِنْ اخْتَارَ عِتْقَهُ أَعْتَقَهُ كَيْفَ كَانَ أَوْ الْكَفَّارَةَ اُعْتُبِرَ فِي إعْتَاقِهِ صِفَةَ الْإِجْزَاءِ ( أَوْ إنْ فَعَلْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَكَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت ) كَذَا ( فَوَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) قَبْلَ التَّطْلِيقِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ وَفِي مَعْنَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا تَحْرِيمُهُ عَلَى الْآخَرِ بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ .
( وَكَذَا لَوْ قَالَ ) إنْ فَعَلْت كَذَا ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ ) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَكْلِ الْخُبْزِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إنَّمَا تُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ قُرْبَةٍ ( أَوْ قَالَ ) إنْ فَعَلْت كَذَا ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فَالنَّذْرُ قُرْبَةٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ مَا ) مِنْ الْقُرَبِ ( وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ ) فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَأَنْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي

فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ ، وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَإِنْ قَالَ ) إنْ فَعَلْت كَذَا ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَزِمَتْهُ ) أَيْ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي الْتَزَمَهَا ( وَكَذَا لَوْ قَالَ نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ) كَذَا وَ ( نَوَى الْيَمِينَ ) يَلْزَمُهُ إنْ حَنِثَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَوَجْهَانِ ) جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ مِنْهُمَا بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ نَذْرٌ أَيْ نَذْرُ تَبَرُّرٍ ( أَوْ ) إنْ فَعَلْت كَذَا ( فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِنَذْرٍ ، وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ ، وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ( وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ ) الْيَوْمَ ( فَيَمِينٌ ) حَتَّى إذَا لَمْ يَدْخُلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ قُرْبَةً

( قَوْلُهُ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ إلَخْ ) نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْحَلِفِ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَالْعِتْقِ أَمَّا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَفَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي الْتِزَامِ الْعِتْقِ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ : الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا ، وَلَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقٌ وَالْحَلِفُ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيَجِيءُ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ مَاذَا يَلْزَمُ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ وَالْعِتْقِ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ وَالطَّلَاقِ لَا أَفْعَلُ كَذَا بِالْجَرِّ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ ، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ ر ( قَوْلُهُ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَهُ إلَخْ ) مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ التَّخْيِيرَ أَنَّ لَهُ فِعْلَ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَرْت حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْت كَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَلَهُ الْعُدُولُ لِغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ نَذْرٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً مَالِي صَدَقَةٌ ) أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( فَلَغْوٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ ( فَإِنْ عَلَّقَهُ ) أَيْ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ ( بِدُخُولٍ مَثَلًا ) كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ( فَنَذْرُ لَجَاجٍ ) ؛ لِأَنَّهَا الْمَفْهُومُ مِنْهُ فَكَانَ كَقَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي ( فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ ( إلَّا إنْ أَوْجَبَهُ ) أَيْ التَّصَدُّقَ بِكُلِّ مَالِهِ عَيْنًا ( وَالتَّبَرُّرُ ) الْمُعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ بِهِ مَرْغُوبًا فِيهِ ( كَقَوْلِهِ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ دُخُولَ الدَّارِ ) أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَرَادَ ذَلِكَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ( فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ ) عَيْنًا ، بَيَّنَ بِذَلِكَ مُرَادَ أَصْلِهِ الْمُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ أَوْقَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ قَالَ ) بَدَلَ صَدَقَةٍ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ التَّبَرُّرِ ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَلَى الْغُزَاةِ ) يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ مَالِهِ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ ، وَفِي الثَّانِي مُطْلَقًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَشْبَهُ تَخْصِيصُ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَالِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ الْأَشْبَهُ تَخْصِيصُ لُزُومِ التَّصَدُّقِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ بِذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّرِ رُجِعَ ) فِيهَا ( إلَى قَصْدِهِ ) أَيْ النَّاذِرِ ( فَالْمَرْغُوبُ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ ) وَضَبَطُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً بِالنَّفْيِ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ ( فَالْإِثْبَاتُ فِي طَاعَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهُمَا ) أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي ، وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا ( وَالنَّفْيُ فِيهَا ) أَيْ فِي الطَّاعَةِ ( كَقَوْلِهِ ) وَقَدْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ ( إنْ لَمْ أُصَلِّ ) فَعَلَيَّ كَذَا ( لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا ) لَا تَبَرُّرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ( وَالْإِثْبَاتُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ ) وَقَدْ أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ( إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ ) فَعَلَيَّ كَذَا ( يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ وَالنَّفْيُ فِيهَا ) كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا ( يَحْتَمِلُهُمَا ) أَيْ نَذْرُ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشُّرْبِ فَيَقُولُ : إنْ لَمْ أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا ( وَيُتَصَوَّرُ أَنَّ ) أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَنَذْرَ اللَّجَاجِ ( فِي الْمُبَاحِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ) فَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ إنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْتُهُ فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي فَعَلَيَّ كَذَا وَاللَّجَاجُ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا .

( قَوْلُهُ وَيُتَصَوَّرُ أَنَّ فِي الْمُبَاحِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ) إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ فَإِنْ أَرَادَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ رُؤْيَتَهُ فَهُوَ نَذْرُ تَبَرُّرٍ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ لِكَرَاهَتِهِ رُؤْيَتَهُ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ تَكُونُ رُؤْيَةُ مَنْ نَذَرَ رُؤْيَتَهُ مَعْصِيَةً كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَتَعَشَّقُهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَبَرُّرًا

( فَرْعٌ ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ قَالَ إنْ سَلِمَ مَالِي ، وَهَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْت عَبْدِي وَطَلَّقْت امْرَأَتِي انْعَقَدَ نَذْرُهُ عَلَى سَلَامَةِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَا عَلَى هَلَاكِ مَالِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَيَلْزَمُهُ فِي الْجَزَاءِ عِتْقُ عَبْدِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ طَاعَةٌ وَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ وَمَا قَالَهُ قَرِيبٌ مِمَّا مَرَّ فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لِخُلُوِّهِ عَنْ عَلَيَّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصِّيغَةِ فَيُسْتَثْنَى .

( فَرْعٌ لَا فَرْقَ فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ ( بَيْنَ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَالْقُرْبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ فِي الْأَوَّلِ عَلَيْهِ .

( فَرْعٌ ، وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْتُهُ فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي ) وَمِثْلُهُ الْآنَ فِي الْعُرْفِ فَأَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ لَازِمَةٌ لِي ( فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ بَيْعَةِ الْحَجَّاجِ وَعَتَاقِهَا انْعَقَدَ ) يَمِينُهُ بِهِمَا كَمَا لَوْ نَطَقَ بِهِمَا ؛ وَلِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِتَابَةِ مَعَ النِّيَّةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَنَوَى الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا ( فَلَا ) تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ قَالُوا وَكَانَتْ الْبَيْعَةُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ بَعْدِهِ بِالْمُصَافَحَةِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ .

( الرُّكْنُ الثَّالِثُ - الْمَنْذُورُ فَلَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْتِزَامِ الْمَعْصِيَةِ ) كَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا وَصَلَاةٍ بِحَدَثٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ خَبَرِ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ .
قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَشَرْطٌ ) فِي انْعِقَادِ النَّذْرِ ( لَكِنْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْهَا ، وَكَذَا تَرْكُ ) أَيْ نَذْرُ تَرْكِ ( الْمُحَرَّمَاتِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَزِمَتْ ) بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا نَعَمْ لَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْ خِصَالِهِ فَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسُ انْعِقَادُهُ فِي أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ انْعِقَادِ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَمَنْ اسْتَحْضَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ الْمُخَيَّرِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَوْجُهَ مَا قُلْنَاهُ .
( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مِنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَخْ ) إنْ لَمْ تَكُنْ أَفْضَلَ ، وَإِلَّا انْعَقَدَتْ وَكَتَبَ أَيْضًا : وَالْقِيَاسُ صِحَّةُ نَذْرٍ عَلَى خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُتَخَيَّرِ .

( وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمُبَاحَاتِ ) ، وَهِيَ الَّتِي اسْتَوَى فِعْلُهَا وَتَرْكُهَا سَوَاءٌ أَنَذَرَ فِعْلَهَا أَمْ تَرْكَهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ } وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا : هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ ، وَلَا يَقْعُدَ ، وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ قَالَ مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ } وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ( فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَاتِ أَوْ أَنْ لَا يَسْرِقَ أَوْ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَأْكُلَ ) أَيْ أَوْ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ أَنْ يَنَامَ ( وَإِنْ قَصَدَ ) بِالْأَكْلِ ( التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ ) وَبِالتَّزَوُّجِ غَضَّ الْبَصَرِ وَتَحْصِينَ الْفَرْجِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عَلَى التَّهَجُّدِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَ قَصْدِهِ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّجِ وَالنَّوْمِ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ انْعِقَادَهُ عِنْدَ الْقَصْدِ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ التَّزَوُّجَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ مُطْلَقًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا لَهُ إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ عِنْدَ التَّوَقَانِ ، وَوُجُودِ الْأُهْبَةِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ كَغَيْرِهِ بِهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِقَرِينَةِ سَابِقِ كَلَامِهِ فِيهِ ، وَلَاحِقِهِ وَقَوْلِهِمْ : الْعُقُودُ وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ مَحَلُّهُ إذَا اُلْتُزِمَتْ بِغَيْرِ نَذْرٍ يَنْعَقِدُ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ النَّذْرِ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ وَتَصْرِيحِ الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ النِّكَاحُ إلَّا بِالنَّذْرِ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ

عَدَمُ لُزُومِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فِي الْمُبَاحِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ لُزُومَهَا ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ لُزُومِهَا فِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك وَفِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ وَفِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ .

( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِقَرِينَةِ سَابِقِ كَلَامِهِ فِيهِ ، وَلَاحِقِهِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ لُزُومُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ فَاسِدٌ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَى الْمَرْأَةِ أَوْ رِضَى وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً ، وَهُوَ فِي حَالَةِ النَّذْرِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إنْشَاءِ النِّكَاحِ الثَّانِي - أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَشُرُفَاتٍ وَمَنَائِرَ مُخْتَلِفَةِ الْأَعْلَى وَالسُّفْلِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَقْبَلُ إلَّا مَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ وَضَبْطُهُ وَالْأَصْحَابُ قَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ الثَّالِثُ - أَنَّ النِّكَاحَ لَوْ لَزِمَ بِالنَّذْرِ لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ إلْزَامِ الْغَيْرِ بِالتَّكَالِيفِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فِيهِ إلْزَامُ الْمَرْأَةِ بِتَكَالِيفَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا لِحُقُوقِ الزَّوْجِ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَدَدِ وَاسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ وَالْإِحْصَانِ الْمُفْضِي لِلرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ السَّعْيُ فِي إلْزَامِ غَيْرِهِ بِالتَّكَالِيفِ فَظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ سَوَاءٌ نَذَرَهُ فِي امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - .
فَإِنْ قِيلَ الْمَغْصُوبُ يَلْزَمُهُ السَّعْيُ فِي إلْزَامِ ذِمَّةِ الْغَيْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ؟ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ أَوَّلًا فَلَزِمَ السَّعْيُ فِي أَدَاءِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ

إلَّا بِهِ وَالنِّكَاحُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا فَهَلَّا لَزِمَ بِالنَّذْرِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُسْتَحَبٍّ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ مَسْحَ جَمِيعِ رَأْسِهِ أَوْ نَذَرَ الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَجِّحَ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ الصِّحَّةُ وَفِي إتْمَامِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ اللُّزُومُ وَحَيْثُ كَانَ أَفْضَلَ قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ لُزُومِ كَفَّارَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ إلَخْ ) مَا مَرَّ فِي نَذْرِهِ اللَّجَاجَ

( وَيَصِحُّ نَذْرُ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ ) بِأَنْ وُضِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا وَعُرِفَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ بِإِيقَاعِهَا عِبَادَةً ( كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، وَلَوْ رَاتِبَةً وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَالٍ ) كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ .

( وَ ) يَصِحُّ نَذْرُ ( الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا ) أَيْ فِي الْعِبَادَاتِ ( وَلَوْ فِي فَرْضٍ ) ، وَلَوْ مَنْذُورًا ( كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَ ) تَطْوِيلِ ( السُّجُودِ ) إذَا لَمْ يُنْدَبْ تَرْكُ التَّطْوِيلِ ( وَالْمَشْيِ فِي الْحَجِّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجَمَاعَةِ ) فَلَوْ خَالَفَ فِي الْوَصْفِ الْمُلْتَزَمِ كَأَنْ صَلَّى فِي الْأَخِيرَةِ مُنْفَرِدًا سَقَطَ عَنْهُ خِطَابُ الشَّرْعِ فِي الْأَصْلِ وَبَقِيَ الْوَصْفُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَانِيًا مَعَ وَصْفِهِ .
ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَسْقُطُ عَنْهُ نَذْرُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَصْفَ ، وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ نَقُلْ إنَّ الْفَرْضَ الْأَوْلَى ، وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ الثَّانِي انْتَهَى .
وَقَدْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ فِي نَذْرِهِ الظُّهْرَ مَثَلًا ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْفَرْضَ .
( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَانِيًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَيَنْعَقِدُ ) النَّذْرُ ( بِسَائِرِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ ) الَّتِي رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً مَقْصُودَةً ( كَالسَّلَامِ ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( وَالزِّيَارَةِ ) لِلْقَادِمِ وَالْقُبُورِ وَنَحْوِهِمَا وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَتَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ وَكِسْوَتِهَا ، كَمَا سَيَأْتِيَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهَا فَهِيَ كَالْعِبَادَةِ وَلِعُمُومِ خَبَرِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } .

( قَوْلُهُ كَالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا ) وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَطْوِيلِ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ أَوْ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ ، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْجَمَاعَةِ وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَطْوِيلِ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي فَرْضٍ وَنَقْلٍ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِحَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الْفَرْضِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِذَلِكَ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَيَّدَاهُ بِذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِيهِ ( قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ وَالسَّلَامُ عَلَى الْغَيْرِ الْأَجْوَدِ حَذَفَ الْغَيْرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَقَدْ يُوهِمُ الِاحْتِرَازَ مِنْ سَلَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ بَيْتًا خَالِيًا ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ( قَوْلُهُ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ) أَوْ الْمَرْضَى لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ نَذْرِهِ هَلْ هُوَ بِمَرْضَى بَلَدِهِ أَمْ يَعُمُّ ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَهَلْ يُكْتَفَى بِثَلَاثَةٍ أَمْ يَعُمُّ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَالْوَصِيَّةِ بِالشَّيْءِ لِأَوْلَى النَّاسِ ، وَالثَّانِيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُمُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِلْعُمُومِ وَفِي مَسْأَلَةٍ وَجْهٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْجِيرَانِ وَقَوْلُهُ هَلْ هُوَ بِمَرْضَى بَلَدِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ يُكْتَفَى بِثَلَاثَةٍ

( فَإِنْ نَذَرَ الْوُضُوءَ صَحَّ ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ( وَحُمِلَ عَلَى التَّجْدِيدِ ) الْمَشْرُوعِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا ( وَإِنْ نَذَرَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ ) الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ( وَيَكْفِيهِ ) فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ ( وُضُوءُ الْحَدَثِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ وُضُوءٌ ثَانٍ فَهُوَ كَافٍ لَهُ عَنْ وَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ .

( وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ التَّيَمُّمِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ( وَ ) لَا نَذْرُ ( الْغُسْلِ ) لِكُلِّ صَلَاةٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ .

( وَفِي ) صِحَّةِ ( نَذْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالسَّفَرِ وَالْقِيَامِ ) فِي الْفَرْضِ ( فِي الْمَرَضِ وَجْهَانِ ) إنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ فِي الْأُولَى أَحَدُهُمَا ، وَنُقِلَ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ لَا ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ وَالثَّانِي نَعَمْ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَهُ أَفْضَلُ أَمَّا مَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَنَقَلَ أَعْنِي الْأَصْلَ فِيهَا وَفِي نَذْرِ الصَّوْمِ بِشَرْطٍ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي الْمَرَضِ عَنْ الْإِمَامِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فِي مَسْأَلَةِ نَذْرِ الصَّوْمِ ( وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ إنْ قُلْنَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ ( وَ ) فِيمَنْ نَذَرَ ( اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ ) نَذَرَ ( التَّثْلِيثَ ) فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ ( أَوْ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ ) عِنْدَ مُقْتَضِيهِمَا وَبِصِحَّةِ النَّذْرِ فِيهِمَا ، وَفِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ .

( قَوْلُهُ وَفِي نَذْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالسَّفَرِ ) أَوْ الْإِتْمَامِ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا صِحَّتُهُ إذَا كَانَ أَفْضَلَ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ إلَخْ ) لَوْ نَذَرَ سُجُودَ السَّهْوِ عِنْدَ مُقْتَضِيهِ فَإِنْ نَذَرَ فِعْلَهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ أَوْ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ ( قَوْلُهُ وَبِصِحَّةِ النَّذْرِ فِيهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بَعْضُهَا قَبْلَ الِاسْتِوَاءِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَعْضُهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ابْتِدَاءُ مَا لَا سَبَبَ لَهُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُتَحَيِّرَةَ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا صَلَاةً ، وَلَا صَوْمًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِيهِ حَائِضًا ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ إبَاحَةُ تَنَفُّلِهَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُ الثَّوَابِ بِالتَّطَوُّعَاتِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ إلْزَامٌ مَعَ الشَّكِّ ، وَهَذَا فِقْهٌ ظَاهِرٌ

( وَإِنْ نَذَرَ الصَّوْمَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الْمَرَضِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا .

( وَإِنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ) فَأَكْثَرَ ( مِنْ الْكُفَّارِ وَقَدَرَ ) عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ ( انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فَلَا

( وَلَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ .

( فَرْعٌ لَوْ عَيَّنَ لِلْجِهَادِ ) الَّذِي نَذَرَهُ ( جِهَةً أَجْزَأَهُ ) عَنْهَا جِهَةً ( مِثْلَهَا فِي الْمَسَافَةِ وَ ) قَدْرِ ( الْمُؤْنَةِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ حِينَئِذٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ تَعَيُّنَ الَّتِي عَيَّنَهَا إذَا كَانَ الْجِهَادُ فِيهَا أَعْظَمَ أَجْرًا ، وَهِيَ أَكْثَرُ خَطَرًا ، وَإِنْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهَا .
قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي ) انْعِقَادِ ( نَذْرِ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ ) كَالصَّدَقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ ( الِالْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْإِضَافَةِ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ بِهَذَا الدِّينَارِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ( فَإِنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا وَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ ) أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا إنْ مَلَكْتُهُ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ ( انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ الْتَزَمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ ، وَفِي الْأَخِيرَةِ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ : الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَلَيَّ ( لَا إنْ قَالَ ) إنْ مَلَكْت عَبْدًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا ( فَهُوَ حُرٌّ ) فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ بَلْ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِشَرْطٍ ، وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا حَالَ التَّعْلِيقِ فَلَغَا ( وَكَذَا إذَا ) وَفِي نُسْخَةٍ إنْ ( قَالَ إنْ مَلَكْت ) أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت ( هَذَا ) الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهِمَا .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ ) لِلنَّاسِ ( لَزِمَهُ الْخُرُوجُ بِالنَّاسِ ) فِي زَمَنِ الْجَدْبِ ( وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ ) فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَيَخْطُبَ بِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنْ سَقَوْا قَبْلَ الْخُرُوجِ خَرَجَ وَاسْتَسْقَى وَكَانَ قَضَاءً كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا فَفَاتَهُ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَغَيْرُهُ إنْ نَذَرَ ) أَنْ يَسْتَسْقِيَ ( تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ ) لِلِاسْتِسْقَاءِ ، وَلَوْ ( مُنْفَرِدًا فَإِنْ نَذَرَ الْخُرُوجَ ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءَ ( بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ ) نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، وَعِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ النَّصِّ لَوْ نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مَعَ النَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَلْ مَا نَقَلَهُ مَعْلُومٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِسْقَائِهِ بِالنَّاسِ .
( قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ إنْ نَذَرَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ غَيْرُ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مَعَ النَّاسِ إلَخْ ) لَوْ نَذَرَ أَهْلُ الْخِصْبِ الِاسْتِسْقَاءَ لِأَهْلِ الْجَدْبِ لَزِمَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ ، وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ بِهَا ( قَوْلُهُ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا ) أَيْ الْخُطْبَةِ ( انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ ( وَلَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيهَا ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيّ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا فِي الْإِمَامِ الْخَاطِبِ بِالنَّاسِ ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ، وَلَا يَخْطُبَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُطْبَةُ بِالنَّذْرِ .

( فَرْعٌ فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي : إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَكَ أَلْفًا لَغْوٌ ) إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ ( لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ) كَمَا مَرَّ فَإِنْ قُلْت الْهِبَةُ قُرْبَةٌ ( قُلْت ) نَعَمْ ( الْهِبَةُ قُرْبَةٌ إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً ، وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ انْعِقَادُ النَّذْرِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَذْرِ تَبَرُّرٍ إذْ خُرُوجُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا لَيْسَ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ ، وَلَا لَجَاجَ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ ، وَلَا حَثُّهَا عَلَيْهِ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : إنْ جَامَعَتْنِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ نُظِرَ إنْ قَالَتْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ فَنَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الشُّكْرِ لِلَّهِ حَيْثُ يَرْزُقُهَا الِاسْتِمْتَاعَ بِزَوْجِهَا لَزِمَهَا الْوَفَاءُ ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ .

( فَرْعٌ لَوْ نَذَرَ كِسْوَةَ يَتِيمٍ لَمْ يَجْزِهِ يَتِيمٌ ذِمِّيٌّ ) أَيْ كِسْوَتُهُ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَتِيمِ فِي الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ فَكَذَا النَّذْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْفَقْرِ فِي الْيَتِيمِ .
( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْفَقْرِ فِي الْيَتِيمِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ ، وَالْمُلْتَزَمَاتِ ) بِالنَّذْرِ ( أَنْوَاعٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ - الصَّوْمُ فَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا ) كَأَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ أَنْ أَصُومَ ( أَوْ ) نَذَرَ ( صَوْمَ دَهْرٍ أَوْ حِينٍ كَفَاهُ يَوْمٌ ) أَيْ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَصَّدَّقُ بِهِ الصَّوْمُ ( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامِ فَثَلَاثَةٌ ) يَكْفِيه صَوْمُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ
( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ الصَّوْمُ إلَخْ ) بَدَأَ بِالصَّوْمِ لِكَثْرَةِ أَحْكَامِهِ فِيهِ ( قَوْلُهُ أَوْ حِينٍ أَوْ صَوْمًا كَثِيرًا أَوْ طَوِيلًا ) ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْأَيَّامِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى صَوْمِ الدَّهْرِ أَوْ يَكْفِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ صَوْمُ أُسْبُوعٍ أَوْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ سَنَةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَقَدْ سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ كَلَامٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَكْفِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَفَاهُ يَوْمٌ ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِيَوْمٍ وَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ إذَا حَمَلْنَا النَّذْرَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ دَفْعَ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَقَلُّ صَوْمٍ وَجَبَ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ فَقَطْ بِالشَّرْعِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَعِنْدَ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَالْمُجِيبِ فَإِنَّ أَقَلَّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً يَوْمٌ فَإِنَّ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ عِبَادَةً بِدَلِيلِ وُجُوبِ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَإِنْ بَعْضَهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ د

( فَرْعٌ وَيَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ) ابْتِدَاءً لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ ( لَا ) مَسْلَكَ ( جَائِزِهِ ) إلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْبَابِ مِمَّا قَوِيَ دَلِيلُهُ عَلَى دَلِيلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا ( فَعَلَى هَذَا ) ، وَهُوَ أَنَّا نَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ( يَجِبُ فِي صَوْمِهِ ) الْمَنْذُورِ ( تَبْيِيتُ النِّيَّةِ ) ، وَإِنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ الْجَائِزِ لَمْ يَجِبْ التَّبْيِيتُ وَخَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فَصَحَّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّبْيِيتُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
( قَوْلُهُ وَيَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ) أَيْ غَالِبًا قَوْلُهُ لَا جَائِزِهِ إلَخْ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَرْجِيحُ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَلْ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِظُهُورِ دَلِيلِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فِي بَعْضِهَا وَعَكَسَ بَعْضٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ ) لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ النَّذْرِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَقَدْ نَقَلَهَا الشَّارِحُ فِيهِ عَنْ الرَّوْضَةِ .

( نَعَمْ لَوْ نَذَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَوْمَ يَوْمِهِ لَزِمَهُ ) وَصَحَّ صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إذَا نُوِيَ نَهَارًا يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ

( وَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً ) وَأَطْلَقَ ( لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ بِالْقِيَامِ ) عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ ( فَإِنْ نَذَرَهُمَا مِنْ قُعُودٍ ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ ( انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ لَهُمَا لَا لِلْقُعُودِ ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ فَأُلْغِيَتْ وَبَقِيَ الْأَصْلُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَاعِدًا قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَ ) لَكِنَّ ( الْقِيَامَ أَفْضَلُ لَهُ ) وَحَذْفُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ بَعْدُ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي كَذَا قَاعِدًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمُنَافَاتِهِ لِمَا هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهَا الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِتَصْوِيرِ الْأَصْلِ مَا هُنَا بِأَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَمَا هُنَاكَ بِأَنْ يُصَلِّيَ كَذَا قَاعِدًا تَأْثِيرٌ ظَاهِرٌ فِي الْفَرْقِ صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ مَا هُنَا بِمَا صَوَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ثَمَّ

( وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ ) بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ ( فَفِي الْإِجْزَاءِ تَرَدُّدٌ ) أَيْ خِلَافٌ ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ ، وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ ، وَهَذَا التَّرْجِيحُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ قَاسَهُ بِمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةٍ فَتَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ : وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ إنْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ لَمْ يَجْزِهِ كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا ، وَإِلَّا أَجْزَأَهُ ( أَوْ ) نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ ( رَكْعَةً أَجْزَأَتْهُ ) أَيْ الرَّكْعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهَا أَصْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَجْزَأَتْهُ الْأَرْبَعُ بِتَسْلِيمَةٍ ، وَهُوَ صَحِيحٌ
( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ نَذَرَ ) أَنْ يُصَلِّيَ ( أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ جَازَ ) أَنْ يُصَلِّيَهَا ( بِتَسْلِيمَتَيْنِ ) وَإِنْ خَالَفَ الْأَصْلَ السَّابِقَ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الصَّلَاةِ مَثْنَى وَزِيَادَةِ فَضْلِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا ( فَإِنْ صَلَّاهُمَا ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ فِي نُسْخَةٍ صَلَّاهَا ( بِتَسْلِيمَةٍ ) عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ السَّابِقِ ( فَتَشَهُّدَيْنِ ) أَيْ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِتَشَهُّدَيْنِ ( فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ ) مِنْهُمَا ( سَجَدَ لِلسَّهْوِ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَذَرَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَصْلِ أَوَاخِرَ الْبَابِ
( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ نَذَرَهُمَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَا يُجْزِئُ ) فِعْلُ الصَّلَاةِ ( عَلَى الرَّاحِلَةِ ) إذَا لَمْ يَنْذُرْهُ عَلَيْهَا بِأَنْ نَذَرَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَطْلَقَ بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا ، وَهَذَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ( فَإِنْ نَذَرَهُ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ ) فِعْلُهَا عَلَيْهَا كَمَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا عَلَى الْأَرْضِ ( وَ ) لَكِنْ فِعْلُهَا ( عَلَى الْأَرْضِ أَوْلَى ) ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِأَفْعَالِهَا تَامَّةً ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ

( وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ أَجْزَأَهُ مَا يَتَمَوَّلُ ) ، وَإِنْ قَلَّ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزَهُ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ وَاجِبِ الصَّدَقَةِ فِي الْخُلْطَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ إلَخْ ) لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ شَمْلُ مَا لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ أَوْ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قُرْبَةٌ

( وَلَوْ نَذَرَ عِتْقًا أَجْزَأَهُ مَعِيبٌ وَكَافِرٌ ) ، وَإِنْ خَالَفَ الْأَصْلَ السَّابِقَ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ ( لَا إنْ قَالَ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً ( مُؤْمِنَةً ) أَوْ سَلِيمَةً فَلَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ وَالْمَعِيبُ ( فَإِنْ قَالَ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً ( كَافِرَةً ) أَوْ مَعِيبَةً ( أَجْزَأَتْ مُسْلِمَةٌ ) وَسَلِيمَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ وَذِكْرُ الْكُفْرِ وَالْمَعِيبِ لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ ، بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ ( لَا إنْ عَيَّنَ ) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْكَافِرَ أَوْ الْمَعِيبَ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ ، وَإِنْ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقًا أَجْزَأَهُ مَعِيبٌ وَكَافِرٌ ) تُسْتَثْنَى الْمُشْتَرَاةُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ بِنِيَّةِ الْعِتْقِ عَنْ النَّذْرِ وَمُنْقَطِعَ الْخَبَرِ ، وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ فِي النَّذْرِ ( قَوْلُهُ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ ) مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ الَّتِي يَشُقُّ إخْرَاجُهَا فَكَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِعْتَاقِ تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ ، وَلَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ الْمَعِيبُ وَالسَّلِيمُ ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ كَفَاهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا أَذَانُ ، وَلَا إقَامَةٌ ، وَلَوْ أَصْبَحَ مُمْسِكًا غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزِمَهُ ، وَصَحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ كَافِرَةً ) أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الصِّحَّةَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ .
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ أَوْ خَمِيسٍ ) مَثَلًا ، وَلَمْ يُعَيِّنْ ( لَمْ تَتَعَيَّنْ ) فَيَجُوزُ إيقَاعُهُ فِي أَيِّ يَوْمٍ أَوْ أَيِّ أَيَّامٍ أَوْ أَيِّ خَمِيسٍ شَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الصَّوْمَ غَيْرَ رَمَضَانَ ( وَاسْتَقَرَّ ) فِي ذِمَّتِهِ ( بِمُضِيِّهَا ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَدَى عَنْهُ أَوْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَذِكْرُ الِاسْتِقْرَارِ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي الثَّالِثَةِ ، وَلَوْ نَزَلَ نَذْرُهُ عَلَى أَوَّلِ خَمِيسٍ يَلْقَاهُ لَمْ يَبْعُدْ أَخْذًا مِمَّا إذَا أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ وَأَجَلُهُ بِرَبِيعٍ أَوْ جُمَادَى أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ مَعَ الْإِبْهَامِ ثَمَّ لَا تُمْكِنُ ، فَتَعَيُّنُ التَّنْزِيلِ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَى آخِرِهِ اسْتَقَرَّ بِأَوَّلِهَا ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ( وَاسْتُحِبَّ ) فِيمَا ذُكِرَ ( تَعْجِيلُهُ ) أَيْ الصَّوْمِ .
( قَوْلُهُ وَاسْتُحِبَّ تَعْجِيلُهُ إلَخْ ) هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ أَمْ لَوْ كَانَ مُجَاهِدًا وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ عَنْهُ أَوْ مُسَافِرًا وَتَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ أَجِيرًا ، وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ أَوْ يَضُرُّ بِالرَّضِيعِ إذَا كَانَتْ مُرْضِعَةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يُخْشَ الْفَوْتُ لِطُولِ زَمَنِ مَا هُوَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَوْ مَمْلُوكَةً وَالزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ يَمْنَعُ مِنْ تَعْجِيلِهِ وَقَدْ يَجِبُ التَّعْجِيلُ بِأَنْ يَخْشَى النَّاذِرُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الصَّوْمَ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا إمَّا لِزِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لِهَرَمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ سَبَقَتْ النَّذْرَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي نُدِبَ تَعْجِيلُهَا ، وَإِلَّا وَجَبَ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَإِنْ عَيَّنَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلصَّوْمِ لَا لِلصَّدَقَةِ وَقْتًا تَعَيَّنَ ) وَفَاءً بِالْمُلْتَزَمِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا قَبْلَهُ ( فَإِنْ فَاتَ ) الْوَقْتُ ، وَلَوْ بِعُذْرٍ ( قَضَى ) هُمَا ( وَأَثِمَ ) بِتَأْخِيرِهِ ( إنْ قَصَّرَ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ كَأَنْ أَخَّرَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَمَّا وَقْتُ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ اعْتِبَارًا بِمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ جِنْسِهَا ، وَهُوَ الزَّكَاةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ جَوَازُ تَأْخِيرِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ الْوَجْهُ عَدَمُ جَوَازِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالزَّكَاةِ .
( قَوْلُهُ بَلْ الْوَجْهُ عَدَمُ جَوَازِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ ) مُعَيَّنٍ ( مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِنْ أُسْبُوعٍ ( وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ الْجُمُعَةَ ) فَيَصُومُ يَوْمَهَا ( لِأَنَّهَا آخِرُهُ ) أَيْ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعَيَّنُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا كَانَ قَضَاءً قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرُ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ فِيهَا الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَاللَّيْلِ } وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِهِ وَفِي مَجْمُوعِهِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ سُمِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ وَالْخَمِيسِ ؛ لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَيَكُونُ آخِرَهُ السَّبْتُ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَلِخَبَرِ { مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا } أَيْ جُمُعَةً فَعَبَّرَ عَنْ الْأُسْبُوعِ بِأَوَّلِ أَيَّامِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ حَتَّى يَصُومَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ .

( قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ ) بِمَعْنَى جُمُعَةٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعَيَّنُ فَذَاكَ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِصَوْمِ النَّفْلِ لَا الْفَرْضِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَفْطَرَ وَقَضَاهُ انْتَهَى ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِصَوْمِ النَّذْرِ وَقَالَ شَيْخُنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالنَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُقَالُ لَيْسَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَرِيحًا فِي الْإِفْرَادِ إذْ هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ السَّبْتُ مَثَلًا فَيَنْتَفِي الْإِفْرَادُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمِّ وَنَظِيرُ أَنَّ الْوَاجِبَ يَدْفَعُ مَا كَانَ مَكْرُوهًا الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ لَوْ تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ ( قَوْلُهُ فِي تَهْذِيبِهِ ) وَتَحْرِيرِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ ) وَفِي الرَّوْضِ الْأَنِفِ أَنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً لَا ابْنُ جَرِيرٍ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ مَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِالنَّذْرِ فَأَفْطَرَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ إلَّا فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ .

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ عَنْ قَضَائِهِ ) الَّذِي عَلَيْهِ ( أَوْ إعْطَاءَ مِسْكِينٍ زَكَاتَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) كُلٌّ مِنْ الْيَوْمِ وَالْمِسْكِينِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنْ وَجَبَ فَوْرًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ ، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ إلَّا أَنْ يَنْذُرَ تَعْجِيلَهُ فَيَصِحُّ ، وَالْمِسْكِينُ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ غَالِبًا فَإِنْ اخْتَلَفَ بِهِ كَقَرِيبٍ وَجَارٍ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَخَالَفَ وَصَامَ فِيهِ غَيْرَهُ ) مِنْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ( انْعَقَدَ ) أَيْ صَحَّ ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ لِلصَّوْمِ عَرَضِيٌّ بِخِلَافِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ

( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَجْزَأَتْهُ مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ لَكِنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ ) كَمَا فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ ( وَلَوْ نَذَرَهَا مُتَفَرِّقَةً فَصَامَهَا مُتَتَابِعَةً حُسِبَتْ ) لَهُ مِنْهَا ( خَمْسَةٌ ) وَيُلْغَى بَعْدَ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ فَعُلِمَ أَنَّ تَفْرِيقَهُمَا لَازِمٌ ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَرْعِيٌّ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ شَرْعًا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ التَّتَابُعُ ، وَبِهَذَا فَارَقَ إجْزَاءَ الْمُتَتَابِعِ عَنْ الْمُتَفَرِّقِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الِاعْتِكَافِ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَجْزَأَتْهُ مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَطْلُوبًا مَعَهُ تَتَابُعُهَا كَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَعَشَرَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

( فَرْعٌ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ) كَشَهْرِ رَجَبٍ ( أَوْ شَهْرٍ مِنْ الْآنَ أُوقِعَ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَقَعَ أَيْ الصَّوْمُ ( مُتَتَابِعًا ) لِتَعَيُّنِ أَيَّامِ الشَّهْرِ ، وَلَيْسَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا فِي نَفْسِهِ ( لَكِنْ لَا يُسْتَأْنَفُ ) الصَّوْمُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُ ( إنْ أَفْطَرَ فِيهِ ، وَلَهُ تَفْرِيقُ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْهُ ) كَمَا فِي قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ ( فَلَوْ شَرَطَ فِيهِ التَّتَابُعَ فَأَفْطَرَ فِيهِ اسْتَأْنَفَ ) الصَّوْمَ وُجُوبًا ( وَيَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا ) ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَقْصُودًا ( وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الشَّهْرَ ) بِأَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا ( أَجْزَأَهُ هِلَالِيٌّ ) ، وَإِنْ خَرَجَ نَاقِصًا لِصِدْقِ اسْمِ الشَّهْرِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ انْكَسَرَ ) الشَّهْرُ بِأَنْ ابْتَدَأَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْهِلَالِ ( فَثَلَاثُونَ ) يَوْمًا يَصُومُهَا ( وَتُجْزِئُ ) مُتَفَرِّقَةً

فَرْعٌ ، ( وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) كَسَنَةِ ثَمَانِينَ أَوْ سَنَةٍ أَوَّلُهَا مِنْ غَدٍ ( لَمْ يَقْضِ رَمَضَانَ وَ ) لَا ( الْعِيدَيْنِ وَ ) لَا ( أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ، وَلَا أَيَّامَ الْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ ( وَالْمَرَضِ ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا ( وَيَقْضِي أَيَّامَ السَّفَرِ ) الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَرَضِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْلُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَقَدْ مَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا : بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ الِاثْنَيْنِ قُلْت وَذَكَرَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَفَرَّقَ ابْنُ كَجٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي السَّنَةِ التَّتَابُعَ ( فَإِذَا شَرَطَ فِيهَا التَّتَابُعَ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ ) أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( اسْتَأْنَفَ ) صَوْمَ السَّنَةِ ( كَفِطْرِهِ فِي ) صَوْمِ ( الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ ) فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ( أَوْ ) أَفْطَرَ ( لِحَيْضٍ ) أَوْ نِفَاسٍ ( فَلَا ) يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ كَمَا فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ ( وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِهِ ) أَيْ الْحَيْضِ ، وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ .

( قَوْلُهُ ، وَلَا أَيَّامِ الْحَيْضِ ، وَلَا أَيَّامِ الْجُنُونِ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي نَذْرِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صَوْمِ الْأَثَانِينَ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَثْرَةَ وُقُوعِهِ فِي السَّنَةِ اقْتَضَتْ عَدَمَ دُخُولِهِ فِي نَذْرِهَا بِخِلَافِ وُقُوعِهِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا التَّتَابُعَ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالنِّيَّةُ فِي ذَلِكَ كَاللَّفْظِ لَكِنْ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ ، وَاللَّيَالِي إلَّا أَنْ يَقُولَ أَيَّامَهُ أَوْ نَهَارَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ فَلَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّخْصِيصِ ، وَلَكِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ فَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ فِي الْأَصَحِّ بَلْ يَلْزَمُهُ الشَّهْرُ جَمِيعُهُ وَوَجْهُهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ فِي دَفْعِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَهَاهُنَا لَا مُخَالَفَةَ

( وَإِنْ قَالَ فِي رَمَضَانَ ) مَثَلًا ( لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذِهِ السَّنَةَ كَفَاهُ بَقِيَّتُهَا إلَى الْمُحَرَّمِ ) الَّذِي هُوَ آخِرُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا

( وَإِنْ نَذَرَ سَنَةً مُطْلَقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ ) لَا فِي الشَّهْرِ ، وَلَا فِي الْأَيَّامِ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ ( فَعَلَيْهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا ) عَدَدَ أَيَّامِ السَّنَةِ بِحُكْمِ كَمَالِ شُهُورِهَا ( أَوْ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ) بِالْأَهِلَّةِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ شَرْعًا ، وَكُلُّ شَهْرٍ اسْتَوْعَبَهُ بِالصَّوْمِ فَنَاقِصُهُ كَالْكَامِلِ ( وَيُتَمِّمُ الْمُنْكَسِرَ ) مِنْ الْأَشْهُرِ ( ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا ( فَشَوَّالٌ وَعَرَفَةُ ) أَيْ شَهْرُهَا ، وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ ( مُنْكَسِرَانِ أَبَدًا ) بِسَبَبِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ نَقَصَ شَوَّالٌ تَدَارَكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ذُو الْحِجَّةِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ( فَإِنْ صَامَهَا ) أَيْ السَّنَةَ صَوْمًا ( مُتَوَالِيًا قَضَى أَيَّامَ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ ، وَلَمْ يَصُمْهَا هَذَا إنْ لَمْ يَشْرِطْ تَتَابُعَ السَّنَةِ ( فَإِنْ شُرِطَ تَتَابُعُهَا قَضَى ) لِلنَّذْرِ ( رَمَضَانَ وَأَيَّامَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ ) لِمَا مَرَّ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ السَّنَةُ مُعَيَّنَةً ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُيِّنَ قَدْ يُبَدَّلُ كَمَا فِي الْمَبِيعِ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا لَا يُبَدَّلُ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ إذَا سُلِّمَ فَخَرَجَ مَعِيبًا يُبَدَّلُ ؛ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُعَيَّنَةِ قَاصِرٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى أَيَّامٍ غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْمُطْلَقَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالِاسْمِ حَيْثُ أَمْكَنَ ( لَا ) أَيَّامَ ( الْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ فَلَا يَقْضِيهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ ( وَيَجِبُ الْقَضَاءُ ) فِي ذَلِكَ ( مُتَّصِلًا بِآخِرِ السَّنَةِ ) الَّتِي صَامَهَا لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ ( وَيَسْتَأْنِفَ ) صَوْمَ السَّنَةِ ( بِالْفِطْرِ لِلسَّفَرِ وَالْمَرَضِ ) أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كَفِطْرِهِ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ

( وَإِذَا شَرَعَتْ ) امْرَأَةٌ ( فِي صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ ) بِالنَّذْرِ ( فَحَاضَتْ ) أَوْ نَفِسَتْ أَوْ مَرِضَتْ فِيهِ ( سَقَطَ ) بِمَعْنَى لَمْ يَجِبْ ( قَضَاؤُهُ لَا ) الْيَوْمِ ( الْمُطْلَقِ ) فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُطْلَقَةِ وَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( فَرْعٌ وَمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ تَطَوُّعٍ ) مِنْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) إتْمَامَ ( كُلِّ تَطَوُّعٍ شَرَعَ فِيهِ لَزِمَهُ ) ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ صَحِيحٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَكُلٌّ مِنْ التَّعْبِيرَيْنِ فِيمَا قَالَهُ يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّطَوُّعِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ تَطَوُّعٍ مِنْ صَوْمٍ ، وَإِنْ نَوَاهُ نَهَارًا ) ، وَلَيْسَ لَنَا صَوْمٌ وَاجِبٌ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَّا هَذَا وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ لَوْ نَذَرَ مَنْ نَوَى نَهَارًا صَوْمَ تَطَوُّعٍ أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِتْمَامُ مَا نَوَى نَهَارًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ يُوَافِقُ رَأْيَ مَنْ لَا يُوجِبُ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ النَّذْرِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهَذَا النَّذْرِ إذَا كَانَ إنَّمَا نَوَى نَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ لَيْلًا انْعَقَدَ صَوْمُهُ عَلَى صِفَةٍ لَا يَقَعُ مِثْلُهَا فِي الْوَاجِبِ فَتَعَذَّرَ الْوُجُوبُ فِيهَا ، وَهَذَا كَمَا صُوِّرَ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَهُوَ صَائِمٌ إنَّمَا يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ قَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ .
ا هـ .
تَعْلِيلُهُ مُنْتَقَضٌ بِمَا لَوْ نَوَى صَوْمَ النَّفْلِ لَيْلًا بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَقَعُ مِثْلُهَا فِي الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ بِلُزُومِ نَذْرِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ لِلنَّفْلِ نَهَارًا كَالنَّاذِرِ لَهُ لَيْلًا كَمَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا وَقَوْلُهُ ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَهُوَ صَائِمٌ إنَّمَا يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ قَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ بِتَقْدِيرِ تَمَامِهِ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ( قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ التَّعْبِيرَيْنِ فِيمَا قَالَهُ يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ

( وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَةً لَزِمَتْهُ ) فَقَطْ عَمَلًا بِلَفْظِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ رَكْعَتَيْنِ ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي فَرْعٍ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ

( وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ رَكْعَةٍ أَوْ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ) ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ بَعْضِ رَكْعَةٍ وَصَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَيْسَا بِقُرْبَةٍ ، وَلَا صِفَةٍ لَهَا ، وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ نُسُكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِبَعْضِ نُسُكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِنُسُكٍ كَالطَّلَاقِ ، وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ طَوَافٍ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِشَوْطٍ مِنْهُ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً ، وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى .
( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْله فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( أَوْ ) نَذَرَ ( سَجْدَةً لَمْ يَنْعَقِدْ ) نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ ( وَكَذَا مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ ) أَوْ الْعُمْرَةَ ( فِي عَامِهِ ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ ) كَأَنْ كَانَ عَلَى مِائَةِ فَرْسَخٍ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَا يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَهُ

( فَرْعٌ وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ قُدُومَهُ غَدًا فَيُبَيِّتُ النِّيَّةَ وَقَدْ يَجِبُ الصَّوْمُ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَيُؤَثِّرُ وُجُوبُهُ فِي الْقَضَاءِ كَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ صَائِمًا ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ، ثُمَّ يُفْطِرَانِ فِيهِ ( فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ ) يَوْمَ ( عِيدٍ أَوْ ) يَوْمَ ( تَشْرِيقٍ ) أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي نَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ( سَقَطَ ) الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الصَّوْمَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ التَّشْرِيقِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ ) بَلْ أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا ( اُسْتُحِبَّ ) لِلنَّاذِرِ ( أَنْ يَقْضِيَهُ ) شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَضَاءِ مِنْ تَصَرُّفِهِ ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ الْغَدَ أَوْ يَوْمًا آخَرَ ( وَإِنْ قَدِمَ ) نَهَارًا ( وَهُوَ صَائِمٌ ) صَوْمًا ( وَاجِبًا غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ ) ، وَهُوَ ( مُفْطِرٌ ) بِشَيْءٍ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ ( لَزِمَهُ الْقَضَاءُ ) عَنْ نَذْرِهِ يَوْمًا لِفَوَاتِ صَوْمِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لَمْ يَنْعَقِدَا لِتَعَيُّنِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ غَيْرَهُ ، وَهُنَا قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ الْقُدُومِ .
وَقَوْلُهُ : وَهُوَ مُفْطِرٌ أَيْ بِغَيْرِ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ ، وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا ) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ( لَوْ كَانَ مُمْسِكًا ) عَنْ الْمُفْطِرَاتِ ( أَوْ صَائِمًا تَطَوُّعًا ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ( وَيُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ ) أَيْ الْيَوْمَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( قَضَاءُ ) الصَّوْمِ ( الْوَاجِبِ ) الَّذِي هُوَ فِيهِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقَّ

الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ وَيَقْضِي نَذْر هَذَا الْيَوْمِ ( وَالْوُجُوبُ ) لِصَوْمِ نَذْرِ يَوْمِ الْقُدُومِ يَكُونُ ( مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْيَوْمَ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِهِ لَا عَنْ وَقْتِ الْقُدُومِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ يَوْمَ الْقُدُومِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِذَا قَدِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِيمَا قَالَهُ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ هَلْ نَتَبَيَّنُ وُجُوبَ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ ، وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِيَوْمٍ كَامِلٍ ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ مِنْهَا مَا أَخَذَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ ( فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَهُ ) أَيْ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ ( فَقَدِمَ ضَحْوَةً ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ فِي بَابِهِ فَقَدِمَ نَهَارًا ( فَقَدْ مَرَّ ) بَيَانُهُ ( فِي الِاعْتِكَافِ ) ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ فَقَطْ ، وَإِنْ اقْتَضَى مَا ذُكِرَ لُزُومَ يَوْمٍ .
( وَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( بِقُدُومِهِ مِنْ أَوَّلِهِ ) أَيْ الْيَوْمِ ( فَإِنْ سَبَقَ فِيهِ بَيْعُ الْعَبْدِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ مَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ) فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ ( فَلَا بَيْعَ ) صَحِيحٌ فِي الْأُولَى لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ ( وَكَذَا لَا إرْثَ ، وَلَا خُلْعَ ) صَحِيحٌ فِي الثَّانِيَةِ حَيْثُ خَالَعَ يَوْمَ الْقُدُومِ قَبْلَهُ ( إنْ كَانَ الطَّلَاقُ ) الْمُعَلَّقُ ( بَائِنًا ) فِيهِمَا فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ صَحَّ الْجَمِيعُ ( وَلَوْ بَيَّتَ النِّيَّةَ عَنْ خَبَرٍ ) بَلَغَهُ ( بِقُدُومِهِ غَدًا أَجْزَأَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَنَى النِّيَّةَ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ

فَأَشْبَهَ مَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ هَذَا النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرٍ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ فَلَوْ كَانَ قُدُومُ فُلَانٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَهْوَاهَا أَوْ أَمْرَدَ يَتَعَشَّقُهُ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَمَا قَالَهُ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِالْمُعَلَّقِ بِهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً الْمُلْتَزَمُ لَا الْمُعَلَّقُ بِهِ ، وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا .

قَوْلُهُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ ) كُلٌّ مِنْ وُجُوبِ صَوْمِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ بَلْ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَضَاءِ مِنْ تَصَرُّفِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَدِمَ ، وَهُوَ صَائِمٌ إلَخْ ) أَيْ قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا وَكَتَبَ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ إذَا قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا سَقَطَ فَرْضُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ أَيْ ، وَهُوَ قُدُومُهُ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَدِمَ بِهِ حَيًّا ، وَلَكِنْ مَحْمُولًا مُكْرَهًا أَنَّهُ يُسْقِطُ الصَّوْمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ فَلَوْ قَدِمَ مُكْرَهًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ بَلْ أُكْرِهَ حَتَّى قَدِمَ بِنَفْسِهِ فَهَلْ نَقُولُ يَلْزَمُ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ الْقُدُومُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْعَدَمِ ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ وَشَهِدَ لِلثَّانِي قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ : وَإِنْ قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا إلَخْ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ إلَخْ ) مِثْلُ رَمَضَانَ نَذْرٌ تَقَدَّمَ مِنْهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ أَيْ بِغَيْرِ جُنُونٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ هَلْ يَتَبَيَّنُ وُجُوبُ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يَعْنِي نَذْرَ تَبَرُّرٍ إذْ قُدُومُهُ سَبَبٌ لِمَعْصِيَةِ النَّاذِرِ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ .

( فَصْلٌ ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ ) يَوْمِ ( الِاثْنَيْنِ ) مَثَلًا ( أَبَدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِينَ رَمَضَانَ ) لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي النَّذْرِ وَفِي نُسْخَةٍ أَثَانِي رَمَضَانَ بِحَذْفِ النُّونِ ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا ، وَلَيْسَ حَذْفُهَا لِلتَّبَعِيَّةِ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ ، وَلَا لِلْإِضَافَةِ كَمَا قِيلَ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِذَلِكَ لَمْ تُعْهَدْ وَ أَثَانِينَ لَيْسَ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِمٍ ، وَلَا مُلْحَقًا بِهِ بَلْ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا لُغَتَانِ ، وَالْحَذْفُ أَكْثَرُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْكَارُ ابْنِ بَرِيٍّ وَالنَّوَوِيِّ الْإِثْبَاتَ مَرْدُودٌ وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ اثْنَيْنِ لَا يُثَنَّى ، وَلَا يُجْمَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُثَنَّى فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَجْمَعَهُ كَأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَاحِدِ قُلْت أَثَانِينَ ( وَكَذَا ) لَا نَقْضِي أَثَانِي ( الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ لِذَلِكَ ( وَيَقْضِيهِمَا لِلْمَرَضِ ) الْوَاقِعِ فِيهَا كَمَا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ ( فَإِنْ لَزِمَهُ ) مَعَ صَوْمِ الْأَثَانِينَ ( صَوْمُ شَهْرَيْنِ ) مُتَتَابِعَيْنِ ( لِلْكَفَّارَةِ ) أَوْ لِنَذْرٍ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ وَقْتًا ( قَدَّمَهُمَا ) عَلَى الْأَثَانِينَ ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُهُ صَوْمُهُمَا لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ بِتَخَلُّلِ الْأَثَانِينَ ( وَقَضَى ) لِلنَّذْرِ ( الْأَثَانِينَ ) الْوَاقِعَةَ فِيهِمَا ( إنْ وَجَبَتْ الْأَثَانِينَ قَبْلَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَهُمَا بَعْدَ النَّذْرِ ، وَلَا فَائِدَةَ لِإِعَادَةِ الْأَثَانِينَ غَيْرُ الْإِيضَاحِ ( لَا إنْ تَأَخَّرَتْ ) عَنْهُمَا فَلَا يَقْضِيهَا ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَالْأَثَانِينَ الْوَاقِعَةِ فِي رَمَضَانَ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وُجُوبَ الْقَضَاءِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلشَّهْرَيْنِ وَقْتٌ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ الصَّوَابُ لِنَقْلِ الرَّبِيعِ

لَهُ عَنْ النَّصِّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ نَذَرَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ صَوْمِ الدَّهْرِ فَإِنَّ زَمَنَهَا مُسْتَثْنًى ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْأَثَانِينَ أَنْ يَفْدِيَ عَنْ النَّذْرِ كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بَعْدَ أَنْ نَذَرَ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ إذْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ تَقَدُّمِ الْكَفَّارَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي الْأَثَانِينَ بِقَضَائِهَا ، وَأَمَّا فِي التَّأَخُّرِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي الْأَثَانِينَ بِقَضَائِهِمَا وَفِي صَوْمِ الدَّهْرِ بِالْفِدْيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ، ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرِهِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَثَانِيَهُمَا ؛ لِأَنَّ صَوْمَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ صَامَ أَيَّامَهُمَا إلَّا أَثَانِيَهُمَا عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي ، وَأَمَّا أَثَانِيهُمَا فَيَصُومُهَا عَنْ نَذْرِهِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا عَنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّانِي انْتَهَى .
.
( قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ

( وَلَوْ صَادَفَ نَذْرَانِ زَمَانًا مُعَيَّنًا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ ) يَوْمِ ( الِاثْنَيْنِ أَبَدًا وَ ) صَوْمَ يَوْمِ ( قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ ) زَيْدٌ يَوْمَ ( الِاثْنَيْنِ أَوْ ) نَذَرَ صَوْمَ ( يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وَ ) صَوْمَ ( ثَانِي ) يَوْمِ ( قُدُومِ عَمْرٍو فَاتَّفَقَا ) أَيْ يَوْمُ قُدُومِ زَيْدٍ وَثَانِي يَوْمِ قُدُومِ عَمْرٍو ( صَامَهُ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ ) لِتَقَدُّمِهِ ( وَقَضَى ) يَوْمًا ( لِلثَّانِي ) لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ فَلَوْ عَكَسَ فَصَامَهُ عَنْ ثَانِي النَّذْرَيْنِ صَحَّ وَقَضَى يَوْمًا عَنْ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَثِمَ بِذَلِكَ .

( فَصْلٌ وَيَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ الدَّهْرِ ) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ نَعَمْ إنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ ( فَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَلَوْ ( نَذَرَ صَوْمًا ) آخَرَ ( بَعْدَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ) ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ( وَيُسْتَثْنَى ) مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ ( رَمَضَانُ ) أَدَاءً وَقَضَاءً ( وَالْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ ) أَيْ أَيَّامُهُ وَأَيَّامُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ( وَكَفَّارَةٌ تَقَدَّمَتْ ) نَذْرَهُ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ ( فَلَوْ تَأَخَّرَتْ ) أَيْ الْكَفَّارَةُ عَنْ نَذْرِهِ ( صَامَ عَنْهَا وَفَدَى عَنْ النَّذْرِ ) ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْهُ لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ بِخِلَافِ وُجُوبِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ بِالْتِزَامِهِ ، وَلِهَذَا قُدِّمَ قَضَاءُ الْحَجِّ عَلَى الْحَجِّ الْمَنْذُورِ وَتَعْبِيرُهُ بِرَمَضَانَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ هُنَا بِقَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَيَقْضِي فَائِتَ رَمَضَانَ ) إنْ فَاتَهُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى النَّذْرِ كَمَا تَقَرَّرَ ( وَ ) لَكِنْ ( إنْ كَانَ ) فَوَاتُهُ ( بِلَا عُذْرٍ فَدَى ) عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ بِتَعَدِّيهِ ( وَلَا يُمْكِنُهُ قَضَاءُ مَا يُفْطِرُهُ ) مِنْ الدَّهْرِ لِاسْتِغْرَاقِ أَيَّامِ الْعُمْرِ بِالْأَدَاءِ ( بَلْ إنْ كَانَ ) فِطْرُهُ ( لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَلَا فِدْيَةَ ) عَلَيْهِ كَمَا فِي رَمَضَانَ بَلْ أَوْلَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَجْوِيزُ الْفِطْرِ لَهُ بِكُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ ، وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ فِي سَفَرِ الْحَاجَةِ دُونَ سَفَرِ النُّزْهَةِ وَيُخَالِفُ صَوْمَ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ هَذَا ؛ وَلِأَنَّ هَذَا أَوَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّوْمَ بِنَذْرِهِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ لَهُ بِالسَّفَرِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَفْطَرَ فِي

النُّزْهَةِ افْتَدَى ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ ( وَجَبَتْ ) أَيْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ كَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ لَوْ نَوَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ قَضَاءَ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ مُتَعَدِّيًا فَالْوَجْهُ أَنْ يَصِحَّ ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ مَا فَعَلَ ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمُدُّ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ .
قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ فَمَحَلُّ صِحَّةِ نَذْرِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَجْوِيزُ الْفِطْرِ لَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّهُ ) أَيْ الْمُفْطِرِ بِلَا عُذْرٍ ( الصَّوْمَ عَنْهُ حَيًّا ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَيِّتِ يَصُومُ عَنْهُ ( فَفِيهِ تَرَدُّدٌ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ مِنْهُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عُذْرٌ يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ لَهُ وَيُتَصَوَّرُ تَكَلُّفُ الْقَضَاءِ مِنْهُ قَالَ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَضَى مَا أَفْطَرَ فِيهِ مُتَعَدِّيًا وَيَنْسَاقُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَافِرَ لِيَقْضِيَ ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرَ الْمَذْكُورَ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ : أَمَّا الْقَضَاءُ عَنْ الْحَيِّ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ عَاجِزٍ أَوْ قَادِرٍ انْتَهَى .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْقَضَاءِ .
( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ إلَخْ ) الْأَصَحُّ عَدَمُ جَوَازِهِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ عَنْ عَاجِزٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ مَنَعَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( الزَّوْجُ ) مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ الَّذِي نَذَرَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( بِحَقٍّ سَقَطَ ) الصَّوْمُ عَنْهَا ( وَلَا فِدْيَةَ ) عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحَقٍّ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ مَنَعَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَأَنْ نَذَرَتْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا ، وَلَا تَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فَلَا يَسْقُطُ صَوْمُهَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ لَمْ تَصُمْ ( وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَلَمْ تَصُمْ ) تَعَدِّيًا ( فَدَتْ ) وَأَثِمَتْ لِتَعَدِّيهَا .

( وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ ) فِي الْأُولَى ( وَ ) فِي ( الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ ( وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا ) وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَفِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إلَخْ ) فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُتَحَيِّرَةَ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا صَلَاةً ، وَلَا صَوْمًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِيهِ حَائِضًا .

( النَّوْعُ الثَّانِي ) مِنْ الْمُلْتَزَمَاتِ ( الْحَجُّ ) وَالْعُمْرَةُ ( وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ ) مَثَلًا ( مَاشِيًا أَوْ الْمَشْيَ حَاجًّا لَزِمَهُ الْمَشْيُ ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ وَإِنَّمَا كَانَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِلِاتِّبَاعِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحَمُّلَ زِيَادَةِ مُؤْنَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ حَالَ النَّذْرِ ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَوْ أَمْكَنَهُ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( فَلَوْ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ ) الْمَشْيُ مِنْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ بِأَنْ أَطْلَقَ الْحَجَّ مَاشِيًا ( فَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ ) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ ، وَلَوْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ فِي الْحَجِّ وَابْتِدَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْإِحْرَامِ ( وَانْتِهَاؤُهُ ) أَيْ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ ( التَّحَلُّلُ الثَّانِي ) أَيْ الْفَرَاغُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ مَا بَقِيَتْ عَلَقَةُ الْإِحْرَامِ ( وَ ) انْتِهَاؤُهُ ( فِي الْعُمْرَةِ فَرَاغُهَا ) إذْ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا إلَّا بِفَرَاغِهَا ، وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي ( وَإِنْ بَقِيَ ) عَلَيْهِ ( رَمْيٌ وَمَبِيتٌ ) ؛ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَ السَّلَامِ الثَّانِي مِنْ الصَّلَاةِ وَذِكْرُ الْمَبِيتِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَهُ التَّرَدُّدُ ) فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ ( فِي حَوَائِجِهِ ) مِنْ تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا ( رَاكِبًا ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ ) أَيْ النُّسُكَ ( أَوْ فَاتَ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( الْمَشْيُ فِي الْقَضَاءِ ) تَدَارُكًا لِمَا الْتَزَمَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا فِي ) النُّسُكِ ( الْفَاسِدِ وَ ) لَا فِي ( عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ ) مِنْ الْحَجِّ فِي سَنَةِ فَوَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ عَنْ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ نَذْرِهِ ( فَإِنْ رَكِبَ ) فِي حَجِّهِ الْمَذْكُورِ ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ ( أَجْزَأَهُ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ

ابْنَيْهِ فَقَالَ : مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَرْكَانِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا هَيْئَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ الْمَبِيتَ بِمِنًى ( وَعَلَيْهِ دَمٌ ) ، وَإِنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { : إنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا } ؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ بِالنَّذْرِ نُسُكًا وَاجِبًا فَوَجَبَ بِتَرْكِهِ الدَّمُ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِهِ الدَّمُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ فِيهِ بِالْعُذْرِ كَالتَّطَيُّبِ وَاللِّبَاسِ وَالدَّمُ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ بِتَرْكِ الْمَشْيِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا تَرَفَّهَ بِاللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ ( وَأَثِمَ ) بِالرُّكُوبِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) لَهُ ( عُذْرٌ ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِأَنْ يَنَالَهُ بِالْمَشْيِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ .

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ) قَدْ يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ مَقْصُودًا مَعَ كَوْنِهِ مَفْضُولًا وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا فَالْقَصْدُ فِي الرُّكُوبِ أَكْثَرُ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْأَعْلَى فَقَدْ أَحْسَنَ قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الرُّكُوبُ وَالْمَشْيُ نَوْعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفِضَّةِ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالذَّهَبِ ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فس ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْأَذْرَعِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ) قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ مُسِيئًا فَإِنْ رَكِبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِنُسُكٍ يَقْتَضِي ارْتِكَابَ خَلَلٍ فِيهِ يُوجِبُ الدَّمَ .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي حِجَّةِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَنَالَهُ بِالْمَشْيِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْعَجْزِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْمَرَضِ

( فَرْعٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ نَذْرُ الْحِجَّةِ الْمَنْذُورَةِ بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْحَجِّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ ) لَوْ قَالَ بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ نَذْرُ لَا فَائِدَةَ لَهُ ( فَإِنْ عَيَّنَ ) فِي نَذْرِهِ الْحَجَّ ( سَنَةً تَعَيَّنَتْ ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ قَبْلَهَا ) كَمَا فِي الصَّوْمِ فِيهِمَا ( فَإِنْ انْقَضَتْ ) أَيْ السَّنَةُ ( وَلَمْ يَتَمَكَّنْ ) مِنْ الْحَجِّ فِيهَا لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَلَا قَضَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا وَمُنِعَ مِنْهُمَا ) فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ يَجِبَانِ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ ، وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَكَذَا حُكْمُ الْمَنْذُورِ مِنْهُ أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِي تَصْوِيرِ الْمَنْعِ مِنْ الصَّوْمِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ النِّيَّةِ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يُوجَرَ ذَلِكَ كَرْهًا أَوْ يُكْرَهَ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَذَلِكَ لَا يُفْطِرُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قُلْت هَذَا مُسْتَثْنًى كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَسِرُّهُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَزِمَتْ بِالنَّذْرِ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَصَوَّرَهُ الْمَجْمُوعُ بِالْأَسِيرِ يَأْكُلُ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ .

( قَوْلُهُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَأَنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ ، وَلَوْ اخْتَصَّ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً ، وَالطَّرِيقُ مَخُوفٌ لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ أَوْ كَانَ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ ( قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إلَخْ ) قَدْ سَبَقَ فِي الْحَجِّ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَعْضُوبِ وَمَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَيَجِيءُ هُنَا مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ ) عُلِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ الْمَرَضُ عَلَى عَقْلِهِ لِإِغْمَاء أَوْ جُنُونٍ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ خَلَا أَوَّلُ الْوَقْتِ عَنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقْدِيمُهَا أَوْ أَخَّرَهُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ وَخَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ زَمَنًا يَسَعُهُ وَجَبَ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّوْمِ وَجَبَ قَضَاءُ الْإِغْمَاءِ دُونَ الْجُنُونِ قَالَ ، وَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّوْمِ وَاسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ لِتَكَرُّرِهَا قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ .

( وَأَمَّا مَنْ مَرِضَ وَقَدْ أَحْرَمَ فَتَحَلَّلَ ) بِالْمَرَضِ بِأَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ ( لَزِمَهُ ) الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ ( الْقَضَاءُ ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَفْطَرَ فِيهَا بِعُذْرِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي نَذْرِهِ ، وَلَا يَنْزِلُ الْمَرَضُ مَنْزِلَةَ الصَّدِّ عَنْ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِهِ بِخِلَافِ الصَّدِّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَتَحَلَّلَ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْمَرَضِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ( وَكَذَا ) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ( لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِخَطَأٍ ) فِي الْوَقْتِ أَوْ الطَّرِيقِ ( أَوْ نِسْيَانٍ ) لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِلْحَجِّ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ كَالْمَرَضِ
( قَوْلُهُ ، وَأَمَّا مَنْ مَرِضَ وَقَدْ أَحْرَمَ إلَخْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَأَمَّا مَنْ مَرِضَ وَقَدْ أَحْرَمَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، وَلَا يَتَحَلَّلُ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَخْ ) هَذَا التَّنْظِيرُ عَلَى غَيْرِ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ صَرِيحًا وَالْمُخْتَصَرِ ظَاهِرًا وَجَرَى الْأَصْحَابُ عَلَى إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ ، وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ انْفَرَدَ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ

( فَرْعٌ مَنْ نَذَرَ عَشَرَ حَجَّاتٍ ) مَثَلًا ( وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ حِجَّةٍ فِيهَا قُضِيَتْ مِنْ مَالِهِ وَحْدَهَا ) أَوْ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَتَمَكَّنَ مِنْ خَمْسِ حَجَّاتٍ فِيهَا قُضِيَتْ فَقَطْ مِنْ مَالِهِ .

( وَالْمَعْضُوبُ ) إذَا نَذَرَ عَشْرًا وَكَانَ بَعِيدًا مِنْ مَكَّةَ ( يَسْتَنِيبُ فِي النَّذْرِ ) بِمَعْنَى الْمَنْذُورِ ، وَهُوَ الْعَشْرُ إنْ تَمَكَّنَ كَمَا فِي حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ ( فَقَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ) الِاسْتِنَابَةِ فِي ( الْعَشْرِ فِي سَنَةٍ فَتُقْضَى ) الْعَشْرُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ فَتُقْضَى بَعْدَ مَوْتِهِ .

( فَرْعٌ لَوْ نَذَرَ الرُّكُوبَ ) فِي نُسُكٍ ( فَمَشَى لَزِمَهُ دَمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ انْدَفَعَ عَنْهُ مُؤْنَةُ الرُّكُوبِ وَتَرَفَّهَ بِهِ .

( فَإِنْ نَذَرَ ) النُّسُكَ ( حَافِيًا ) لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُ الْحَفَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ ( فَلَهُ الِانْتِعَالُ ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْحَفَاءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ قَالَ فِيهِ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْأَوْلَى دُخُولُ مَكَّةَ حَافِيًا وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَافِيًا كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ الرُّكُوبَ وَكَإِطَالَةِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ لَوْ نَذَرَ حَجًّا وَعُمْرَةً مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَكَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ ) فِيهِمَا ( فَرَكِبَ ) فَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ نَذَرَ الْقِرَانَ أَوْ التَّمَتُّعَ ) وَذِكْرُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَأَفْرَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَأْتِي بِهِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْعُدُولِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مَعَ كَوْنِ الْأَفْضَلِ الْمَأْتِيَّ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ لُزُومَهُ بِالْعُدُولِ مِنْ الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ فِيمَا مَرَّ ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ فَتَمَتَّعَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَلَوْ نَذَرَ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ أَجْزَأَهُ ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ
( قَوْلُهُ وَكَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَيَنْعَقِدُ نَذْرُ الْحَجِّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ ) حَجَّ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُهُ لِلنَّذْرِ حَجٌّ آخَرُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَلْزَمُهُ صَلَاةٌ أُخْرَى ( وَيَأْتِي بِهِ ) أَيْ بِالْمَنْذُورِ ( بَعْدَ ) حَجِّ ( الْفَرْضِ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّ انْعِقَادِ نَذْرِهِ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْفَرْضِ فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَذَلِكَ إذَا لَا يَنْعَقِدُ نُسُكٌ مُحْتَمَلٌ كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ لَمْ يَنْعَقِدْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَذَلِكَ ) مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّشْبِيهِ السَّابِقِ انْعِقَادُهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ

( النَّوْعُ الثَّالِثُ : إتْيَانُ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ ) كَبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ بَيْتِ أَبِي جَهْلٍ ( أَوْ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ ) كَمَكَّةَ أَوْ الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَوْ مِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ ( لَزِمَهُ إتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ ( وَلَوْ قَالَ ) فِي نَذْرِهِ ( بِلَا حَجٍّ ، وَلَا عُمْرَةٍ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْغُو النَّفْيُ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِمَا لَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ شَدِيدُ التَّشَبُّثِ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ الرُّكُوبُ ، وَلَا الْمَشْيُ ) فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ لَا يَقْتَضِيهِمَا .

( قَوْلُهُ فَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرُوهُ مَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ بِحَجٍّ ، وَلَا عُمْرَةٍ وَيَكُونُ كَذَا إتْيَانُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى حَتَّى يَكُونَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ مُطْلَقًا فَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَنَذَرَ إتْيَانَهُ لَغَا نَذْرُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الصِّحَّةَ وَحَمْلَهُ عَلَى إتْيَانِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ، وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ قَالَ شَيْخُنَا هَذَا وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ لِدَاخِلِ الْحَرَمِ وَحِينَئِذٍ فَيُعْتَمَدُ مِنْ كَلَامِهِ الثَّانِي وَقَوْله وَيُحْتَمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الصِّحَّةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا فَكَأَنَّهُ نَوَاهُ ، ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مُمَكَّنٍ

( وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ أَوْ ) أَنْ يَأْتِيَ ( بَيْتَ اللَّهِ ، وَلَمْ يَنْوِ ) الْبَيْتَ ( الْحَرَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَبَيْتُ اللَّهِ يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ ، وَلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فِي الْأُولَى وَالْحَرَمِ فِي الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ وَكَلَفْظِ الْإِتْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ لَفْظُ الِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالسَّيْرِ وَنَحْوِهَا
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتَ ) شَمِلَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ ) أَوْ مَرَّ الظَّهْرَانِ أَوْ بُقْعَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ الْحَرَمِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فِي الْأُولَى ) كَأَنْ نَوَى إتْيَانَهَا مُحْرِمًا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْجُحْفَةَ أَوْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَرَادَ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ إتْيَانَهُ مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَالَ وَقِيَاسُهُ إذَا قَالَ الْمَكِّيُّ : لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى التَّنْعِيمِ أَوْ نَحْوِهِ ، وَنَوَى الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَزِمَهُ

( وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَمَسَّ بِثَوْبِهِ الْكَعْبَةِ فَكَمَا لَوْ نَذَرَ إتْيَانَهَا ) وَفِي نُسْخَةٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهَا أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسِّهَا بِثَوْبِهِ إلَّا بِإِتْيَانِهَا

( وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَشْيِ مِنْهُ ( وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى ) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْأَقْصَى ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) إتْيَانُهُ وَيَلْغُو النَّذْرُ ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فَلَمْ يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ ، وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ وَلِلْعِبَادَةِ فِيهِ مَزِيدُ ثَوَابٍ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانَ بِخِلَافِهِ .

( وَحُكْمُ نَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ حُكْمُ ) نَذْرِ ( الِاعْتِكَافِ ) فِيهَا ( وَقَدْ سَبَقَ ) فِي بَابِهِ فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى تَعَيَّنَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَ مَسْجِدَيْ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى لَا الْعَكْسِ وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى لَا الْعَكْسُ .

( وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِي ) أَطْرَافِ ( الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ

( ، وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ ) وَاحِدَةٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ( عَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا بِأَنْ ) بِمَعْنَى كَانَ ( نَذَرْت ) فَلَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَا تُجْزِئُهُ أَلْفُ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ عَدَلَتْ بِهَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لَا يُجْزِئُهُ ، وَإِنْ عَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ ) أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِفَاتِهَا تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ ) لَهَا ( مَسْجِدٌ ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهَا مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ جَازَ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهَا مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ جَازَ أَدَاؤُهَا إلَخْ ) وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ جَازَ ، وَإِلَّا ، فَلَا كَذَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ أَيْضًا إنْ اسْتَوَتْ جَمَاعَتَاهُمَا

( وَمَنْ نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَهُ ) الْوَفَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ الْمَطْلُوبَةِ ( وَفِي ) لُزُومِهِ بِنَذْرٍ ( زِيَارَةُ قَبْرِ غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ ) أَيْ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْبُورُ صَالِحًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لِخَبَرِ { زُورُوا الْقُبُورَ } ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زِيَارَةَ سَائِرِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَزِيَارَةِ قُبُورِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرَبِ الْمَطْلُوبَةِ ) أَلْحَقَ بِهِ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَذَا الْأَوْلِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ( قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ ) لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ( وَ ) إنْ ( نَوَى ) مَعَهُ ( حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ ) مَا نَوَاهُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ .

( النَّوْعُ الرَّابِعُ الْهَدَايَا ) وَالضَّحَايَا ( وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ ) مَثَلًا ( وَلَمْ يُعَيِّنْ ) لِلذَّبْحِ ( بَلَدًا أَوْ عَيَّنَ ) لَهُ ( غَيْرَ الْحَرَمِ ، وَلَمْ يَنْوِ ) فِيهِمَا التَّضْحِيَةَ ، وَلَا ( الصَّدَقَةَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ ) نَذْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِقُرْبَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى ذَلِكَ أَوْ عَيَّنَ الْحَرَمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ

( وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَ ) نَذْرُهُ فَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ فِي النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَعْهُودَةٌ ( وَلَزِمَهُ التَّفْرِقَةُ فِيهِ ) حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ .

( وَلَوْ نَذَرَ هَدْيَ بَدَنَةٍ ) مَثَلًا ( إلَى الْحَرَمِ ) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إلَى الْحَرَمِ أَوْ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا إلَيْهِ ( لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّفْرِقَةُ فِيهِ ) لِذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَكَّةَ ( فَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بِسِكِّينٍ ، وَلَوْ مَغْصُوبًا وَ ) نَذَرَ ( التَّفْرِقَةَ ) فِيهِمَا ( فِي الْحَرَمِ تَعَيَّنَ مَكَانُ التَّفْرِقَةِ ) لِلَّحْمِ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الذَّبْحِ ، وَلَوْ بِالسِّكِّينِ الْمُعَيَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِيهِ خَارِجَ الْحَرَمِ ، وَلَا فِي الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَوْ فِي الْحَرَمِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَبِأَيِّ سِكِّينٍ شَاءَ ، وَيُفَرِّقُ فِي الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِسِكِّينٍ ، وَلَوْ مَغْصُوبًا مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) نَذَرَ ( الذَّبْحَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَرَمِ ( وَالتَّفْرِقَةَ فِي غَيْرِهِ تَعَيَّنَ الْمَكَانَانِ ) أَيْ مَكَانَا الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةٌ .
( قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إلَى الْحَرَمِ ) أَوْ إلَى أَفْضَلِ بَلَدٍ أَوْ إلَى أَشْرَفِ بَلَدٍ قَوْلُهُ تَعَيَّنَ الْمَكَانَانِ ) ، وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُرَادَ فُقَرَاؤُهُ وَمَسَاكِينُهُ غ وَقَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ وَالتَّفْرِقَةَ ) أَوْ نَوَاهَا ( بِبَلَدٍ غَيْرِ الْحَرَمِ تَعَيَّنَا فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُمَا جَمِيعًا بِهِ فَأَشْبَهَ تَقْيِيدَهُمَا بِالْحَرَمِ ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ الْمَقْصُودَةِ فَلَمَّا جَعَلَ مَكَانَهُ مَكَانَهَا اقْتَضَى تَعَيُّنَهُ تَبَعًا ( أَوْ ) نَذَرَ ( الْأُضْحِيَّةَ فِي بَلَدٍ تَعَيَّنَتْ ) أَيْ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا مَعَ التَّفْرِقَةِ فِيهِ ( لِتَضَمُّنِهَا التَّفْرِقَةَ ) فِيهِ .

( وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ فَمَكَّةُ ) مُعَيَّنَةٌ لِلذَّبْحِ ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ ) أَوْ أَشْرَفِ بَلَدٍ

( وَمَنْ نَذَرَ لِمُعَيَّنٍ ) كَقَوْلِهِ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فُلَانٍ فَشُفِيَ ( فَأَعْطَاهُ ) الْعَشَرَةَ ( وَلَمْ يَقْبَلْ بَرِئَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ فُلَانٌ عَلَى قَبُولِهِ وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ بِأَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا إنَّمَا أُجْبِرُوا عَلَى قَبُولِهَا خَوْفَ تَعْطِيلِ أَحَدِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ .
ا هـ .
وَيُفَارِقُهُ أَيْضًا بِأَنَّ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ مَلَكُوهَا بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّ النَّذْرِ ( وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ مُطَالَبَتُهُ ) بِالْمَنْذُورِ بَعْدَ الشِّفَاءِ ( إنْ لَمْ يُعْطِهِ ) النَّاذِرُ ذَلِكَ ( كَالْمَحْصُورِينَ مِنْ الْفُقَرَاءِ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالزَّكَاةِ ) الَّتِي وَجَبَتْ ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إنْ شُفِيَ فَشُفِيَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِعْتَاقِ
( قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ فُلَانٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِعْتَاقِ ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَبَعْدَ الشِّفَاءِ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ عَلَى الْفَوْرِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَخَّرَ

( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّدَقَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحِبَّ الْفُقَرَاءَ وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ نَظَرٌ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الصَّدَقَةُ .
( قَوْلُهُ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الصَّدَقَةُ ) وَقَدْ صَرَّحُوا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِأَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ ( تَنْبِيهٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَكْرَارَ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا

( فَصْلٌ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ وَقَيَّدَهَا بِالْإِبِلِ ) كَأَنْ قَالَ بِبَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ( أَوْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ تَعَيَّنَتْ ) أَيْ الْبَدَنَةُ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا مَعَ وُجُودِهَا لِلتَّقْيِيدِ بِهَا فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِغَلَبَةِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهَا فِي الْأَخِيرَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ فِي الْإِبِلِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا ( فَإِنْ عُدِمَتْ وَقَدْ أَطْلَقَ ) نَذْرَهُ ( فَبَقَرَةٌ أَوْ سَبْعُ شِيَاهٍ ) ظَاهِرُهُ كَالرَّوْضَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَجِبُ بَقَرَةٌ فَإِنْ عُدِمَتْ فَسَبْعُ شِيَاهٍ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( أَوْ ) عُدِمَتْ ( وَقَدْ قَيَّدَ ) نَذْرَهُ بِهَا لَفْظًا أَوْ نِيَّةً ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَقَرَةً ) وَيُفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمَ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ وَمَعْهُودُ الشَّرْعِ لَا تَقْوِيمَ فِيهِ ( فَإِنْ فَضَلَ ) مِنْ قِيمَتِهَا شَيْءٌ ( فَأُخْرَى ) أَيْ فَيَشْتَرِي بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ ( وَإِلَّا فَشَاةً ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ بَقَرَةً فَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً ( أَوْ شِقْصًا ) مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ إنْ أَمْكَنَ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) وَاحِدًا مِنْهُمَا ( فَدَرَاهِمَ ) يَعْنِي فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَاضِلِ دَرَاهِمَ عَلَى الْمَسَاكِينِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ وَقَوْلُهُ ، وَإِلَّا فَشَاةً إلَى آخِرِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ حَسَنٌ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْفَاضِلِ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ : يَشْتَرِي بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ شِقْصًا وَجْهَانِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُشَارِكُ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً ( فَإِنْ عُدِمَتْ

الْبَقَرَةُ فَالشِّيَاهُ ) السَّبْعُ يَشْتَرِيهَا ( بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ ) وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ تَرْتِيبِ الشِّيَاهِ عَلَى الْبَقَرَةِ وَتَرْجِيحِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ لَا بِقِيمَةِ الْبَقَرَةِ ، وَلَا بِأَكْثَرِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ وَجَدَ بِقِيمَتِهَا ) أَيْ الْبَدَنَةِ ( ثَلَاثَ شِيَاهٍ أَتَمَّهَا ) أَيْ الثَّلَاثَ ( مِنْ مَالِهِ سَبْعًا ) ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنَةِ .
( قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ كَالرَّوْضَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ) لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَدَنَةَ فِي نَذْرِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ : صَحَّحُوا التَّرْتِيبَ نَظَرًا لِلْمَشْهُورِ فِي الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ فِي مَجْمُوعِهِ لَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ قَالَ : وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اخْتِصَاصُ الْبَدَنَةِ بِالْإِبِلِ ( قَوْلُهُ بَلْ تَجِبُ بَقَرَةٌ فَإِنْ عُدِمَتْ إلَخْ ) فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ .

( وَلَوْ نَذَرَ شَاةً فَذَبَحَ ) بَدَلَهَا ( بَدَنَةً جَازَ ) ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَمَحَلُّهُ إذَا نَذَرَهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ عَدَمَ الْجَوَازِ ( وَفِي كَوْنِهَا كُلِّهَا فَرْضًا وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا نَعَمْ عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهِ بَيَّنْتُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعَيَّنَتْ لِلْقُرْبَةِ كَمَا فِي الْعِتْقِ قُلْت ، وَهَذَا لَا مِرْيَةَ فِيهِ غ ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ) قَالَ شَيْخُنَا مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الدِّمَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً عَنْ شَاةٍ لَزِمَتْهُ فَسُبْعُهَا فَرْضٌ فَقَطْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَذَلِكَ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ

( فَرْعٌ ) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَنْذُورِ ( وَإِذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ أَوْ أُهْدِيَ ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَزِمَهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ) حَمْلًا عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ ( فَإِنْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرِهِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً ) أَوْ شَاةً ( تَعَيَّنَتْ بِشُرُوطِهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ فَصِيلٌ ، وَلَا عِجْلٌ ، وَلَا سَخْلَةٌ ( فَإِنْ تَعَيَّبَ الْهَدْيُ ) الْمَنْذُورُ أَوْ الْمُعَيَّنُ عَنْ نَذْرِهِ ( تَحْتَ السِّكِّينِ ) عِنْدَ ذَبْحِهِ ( أَجْزَأَهُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالذَّبْحِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْهَدْيِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْقَفَّالِ ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَصَحَّحَ فِيهِ الْمَنْعَ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ مَا لَمْ يَذْبَحْ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، ثُمَّ قَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ ) نَقْلِ ( الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ قَالَ تَعَالَى { حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَ ) لَزِمَهُ ( تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فِيهِ ) عَلَى مَسَاكِينِهِ لَكِنْ لَوْ نَوَى صَرْفَهُ إلَى تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ جَعَلَ الثَّوْبَ سِتْرًا لَهَا أَوْ قُرْبَةً أُخْرَى هُنَاكَ صَرَفَهُ إلَى مَا نَوَى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا ( وَلَوْ ذَبَحَهُ ) أَوْ فَرَّقَهُ ( فِي غَيْرِهِ ) أَوْ فِيهِ عَلَى غَيْرِ مَسَاكِينِهِ ( لَمْ يُجْزِهِ )

( قَوْلُهُ ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا ) أَيْ ، وَلَا نَوَاهُ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ) فَيُجْزِئُ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، ثُمَّ إلَخْ ) يُحْمَلُ مَا هُنَاكَ عَلَى غَيْرِ هَذَا ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ إلَخْ ) سَوَاءٌ أَقَالَ أُهْدِي هَذَا أَوْ جَعَلْتُهُ هَدْيًا وَكَتَبَ أَيْضًا وَعَلَيْهِ أَيْضًا عَلَفُ الْحَيَوَانِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا مُعَيَّنًا ) لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَأَنْ نَذَرَ ثَوْبًا ( أَوْ ظَبْيًا ) أَوْ طَائِرًا أَوْ جَمَادًا أَوْ نَحْوَهُمَا ( أَوْ شَاةً ) مَثَلًا ( غَيْرَ سَلِيمَةٍ وَجَبَ إيصَالُهُ الْحَرَمَ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ ( وَلَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ ) لَوْ قَالَ بِعَيْنِهِ كَانَ أَخْصَرَ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ ، وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ وَيَنْزِلُ تَعْيِينُهُ مَنْزِلَهُ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ ( وَ ) لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ ( بِالْحَيَوَانِ حَيًّا ، وَلَوْ ذَبَحَهُ لَمْ يَجُزْ ) إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ أُضْحِيَّةً ( وَغَرِمَ الْأَرْشَ ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالذَّبْحِ وَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا إلَخْ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَالًا الدُّهْنُ النَّجَسُ وَالْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ

( وَمَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ ) مِمَّا أَهْدَاهُ ( كَالدَّارِ أَوْ تَعَسَّرَ كَحَجَرِ الرَّحَى فَلَهُ بَيْعُهُ وَنَقْلُ ثَمَنِهِ ) الْمُوَافِقُ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ ، وَيَنْتَقِلُ ثَمَنُهُ إلَى الْحَرَمِ ( بِنَفْسِهِ ) مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ ، وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ لَا ، فَقَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ وَمِثْلُ حَجَرِ الرَّحَى فِي بَيْعِهِ مَا لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَعْمِيمُ بُقَعِ الْحَرَمِ إذَا فَرَّقَهُ عَلَى مَسَاكِينِهِ كَاللُّؤْلُؤِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَمُرَادُهُ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْمِيمُ لَكِنْ هَلْ يُبَاعُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَوْ فِي مَحَلِّ النَّذْرِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْمَحَلَّيْنِ سَوَاءً .
تَخَيَّرَ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ تَعَيَّنَ .
( قَوْلُهُ ، وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ) شَاةً مَثَلًا ( وَنَوَى ذَاتَ عَيْبٍ أَوْ سَخْلَةً ) أَوْ جَدْيًا أَوْ رَضِيعًا ( أَجْزَأَهُ ) إهْدَاءُ الْمَنْوِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزَمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ ، وَلَوْ ذَبَحَهُ لَمْ يَجُزْ ( فَإِنْ جَعَلَهُ ) أَيْ أَخْرَجَ بَدَلَهُ ( سَلِيمًا فَهُوَ أَفْضَلُ ) لَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ سَلِيمًا بِتَامًّا كَانَ أَوْلَى
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ قَالَ أَنَا أُهْدِي هَذِهِ ) الشَّاةَ مَثَلًا ( نَذْرًا لَزِمَهُ ) أَنْ يُهْدِيَهَا ( إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِقْبَالَ ) أَيْ نَوَى أَنَّهُ سَيُحْدِثُ نَذْرَهَا أَوْ سَيُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ إهْدَاؤُهَا وَكَذَكَرَ نَذْرًا نِيَّتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إهْدَاؤُهَا ؛ لِأَنَّ أَهْدَى لِلِاسْتِقْبَالِ أَوْ وَلِلْحَالِ بِلَا إنْشَاءٍ أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَقْرِنْهُ بِمَا يَقْتَضِي الِالْتِزَامَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أُطَلِّقُ ، وَلَمْ تُرِدْ بِهِ الْإِنْشَاءَ

( فَصْلٌ ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي بَلَدٍ ، وَلَوْ مَكَّةَ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ .

( وَإِنْ نَذَرَ سَتْرَ الْكَعْبَةِ ) ، وَلَوْ ( بِالْحَرِيرِ أَوْ تَطِيبَهَا أَوْ صَرْفَ مَالٍ فِيهِ ) أَيْ فِي سَتْرِهَا أَوْ تَطْيِيبِهَا ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرُبَاتِ فَإِنَّ النَّاسَ اعْتَادُوهَا عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ ( فَإِنْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ ) لِذَلِكَ ( بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ بَعْثُهُ ) إلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِلُزُومِ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ إذَا نَوَاهَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ نَذَرَ سَتْرَ الْكَعْبَةِ ) هَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِمُجَرَّدِ السَّتْرِ ، وَلَوْ بِالْمُتَّصِفِ وَالْجُلُودِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْعَتَّابِيِّ ؟ احْتِمَالَانِ وَقَوْلُهُ هَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِمُجَرَّدِ السَّتْرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَتَطْيِيبَهَا ) لَا بُدَّ مِنْ تَطْيِيبِ مَا يُعْتَادُ

( وَفِي ) جَوَازِ نَذْرِ ( تَطْيِيبِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرِهِمَا ) مِنْ الْمَسَاجِدِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْإِمَامِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَمَالَ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ؛ لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَخَرَجَ بِالْمَسَاجِدِ الْبُيُوتُ وَنَحْوُهَا كَمَشَاهِدِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ
( قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ عَنْ وَلَدِهِ ) كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ عَنْ وَلَدِي ( لَزِمَهُ ) الذَّبْحُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عَنْ الْأَوْلَادِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ ( أَوْ ) نَذَرَ ( تَعْجِيلَ زَكَاةَ مَالِهِ ) كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي ( أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ وَلَدِي فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةٌ مَكَانَهُ أَوْ نَذَرَ ) كَافِرٌ ( صَوْمًا ) مَثَلًا ( قَبْلَ إسْلَامِهِ فَلَا ) يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ أَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ فِي نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْفِ بِنَذْرِك } مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ ، وَأَمَّا فِي اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا ؛ فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ نَعَمْ حَيْثُ قُلْنَا يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ كَأَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا أَوْ الْتَمَسُوهَا مِنْ الْمُزَكِّي أَوْ قَدِمَ السَّاعِي قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ نَذْرِهِ .
( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ نَذْرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا لَزِمَهُ الْخُبْزُ ) أَيْ التَّصَدُّقُ بِخُبْزِ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ( لَا شِرَاؤُهُ ) فَلَا يَلْزَمُهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا هِيَ التَّصَدُّقُ لَا الشِّرَاءُ

( وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَى رِجْلِي الْحَجُّ مَاشِيًا لَزِمَهُ إلَّا إنْ أَرَادَ إلْزَامَ رِجْلَيْهِ ) خَاصَّةً ( وَإِنْ أَلْزَمَ رَقَبَتَهُ أَوْ نَفْسَهُ ) ذَلِكَ ( لَزِمَهُ ) مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَتَانِ عَنْ الذَّاتِ ، وَإِنْ قَصَدَ إلْزَامَهَا

( وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَ ) إنْ ( لَمْ يُعَيِّنْ أَجْزَأَهُ ) كَمَا لَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ .

( وَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ ) صَحَّ نَذْرُهُ وَ ( تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ ) مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لِصِدْقِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ بِشَيْءٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مُتَمَوَّلٌ كَمَا مَرَّ .

( أَوْ ) نَذَرَ التَّصَدُّقَ ( بِأَلْفٍ ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَغَا ) كَذَا جَزَمَ بِهِ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيُعَيِّنُ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ انْتَهَى .
وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ لَكِنَّ الْأَصْلَ لَمْ يُصَوِّرْهَا بِنَذْرِ التَّصَدُّقِ وَإِنَّمَا قَالَ ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَلْفٌ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ ، وَلَا بِالنِّيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ مَسَاكِينَ ، وَلَا دَرَاهِمَ ، وَلَا تَصَدُّقٍ ، وَلَا غَيْرِهَا .
قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَصْلَ لَمْ يُصَوِّرْهَا بِنَذْرِ التَّصَدُّقِ وَإِنَّمَا قَالَ إلَخْ ) وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّصْوِيرُ أَنْ يَتَّحِدَانِ فِي الْمَعْنَى قَالَ شَيْخُنَا : لَكِنْ إلَّا بَعْدَ عَدَمِ التَّقْدِيرِ وَيُوَجِّهُ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فِي مُسَاوَاةِ التَّصْوِيرِ إذْ أَصْلُهُ عَبَّرَ بِعَلَيَّ أَلْفٌ ، وَهُوَ يَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَيَّ أَنْ أُقَدِّمَ بِأَلْفٍ وَعَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ فَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ وَيَحْتَمِلَ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَغَا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلُّزُومِ الْأَلْفِ ، وَيَحْتَمِلُ الْوَعْدَ وَالصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ

( وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا لَمْ يَصِحَّ ) النَّذْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ وَدَلِيلُهُ خَبَرُ أَبِي إسْرَائِيلَ السَّابِقُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ

( وَلَوْ نَذَرَ مَنْ يَمُوتُ أَوْلَادُهُ عِتْقًا ) لِرَقِيقٍ ( إنْ عَاشَ لَهُ وَلَدٌ فَعَاشَ ) لَهُ وَلَدٌ ( أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ الْمَوْتَى ، وَلَوْ ( قَلِيلًا لَزِمَهُ ) الْعِتْقُ

( وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ مَثَلًا ( عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ ) إذْ لَيْسَ فِي الذَّبْحِ إلَّا تَلْوِيثُ الْمَكَانِ وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ

( وَإِنْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت بِدِينَارٍ ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ ( فَشُفِيَ ) مَرِيضُهُ ( وَالْمَرِيضُ فَقِيرٌ ) فَإِنْ كَانَ ( لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ إعْطَاؤُهُ ) مَا لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا كَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ .

( وَإِنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى وَلَدِهِ ) أَوْ عَلَى زَيْدٍ ( الْغَنِيِّ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ

( وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ لِشِفَاءِ مَرِيضٍ ، ثُمَّ ) نَذَرَ عِتْقَهُ ( لِقُدُومِ زَيْدٍ انْعَقَدَ ) النَّذْرَانِ ( فَإِنْ حَصَلَا ) أَيْ الشِّفَاءُ وَالْقُدُومُ ( مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ) كَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَاَلَّذِي فِيهَا عَنْهُ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ شُفِيَ الْمَرِيضُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنْ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ عَنْهُ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِيهَا عَنْهُ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ قَالَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَثَانِينَ هَذِهِ السَّنَةِ هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ الثَّانِي أَجَابَ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَصِيَامِ رَمَضَانَ ، وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ : يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَقَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ ، ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ هَلْ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ أَجَابَ يَنْعَقِدُ كِلَاهُمَا ، وَلَوْ وَقَعَا مَعًا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي قُلْت عِنْدِي أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ ، ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ إلَخْ فَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي .

( وَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا ) لِإِسْرَاجِ مَا يَأْتِي ( أَوْ وَقَفَ مَا يُشْتَرَيَانِ ) أَيْ الزَّيْتُ وَالشَّمْعُ ( بِهِ ) يَعْنِي بِشَيْءٍ ( مِنْ غَلَّتِهِ لِإِسْرَاجِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ ) كُلٌّ مِنْ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ ( إنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ ) أَيْ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ ( مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ) مِنْ نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ ( وَإِلَّا فَلَا ) يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مَا يُقَيِّدُ ذَلِكَ فَقَالَ : وَفِي إيقَادِ الشُّمُوعِ لَيْلًا عَلَى الدَّوَامِ وَالْمَصَابِيحِ الْكَثِيرَةِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ ، وَأَمَّا الْمَنْذُورُ الْمُشَاهَدُ الَّذِي يُثْبَتُ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ بِذَلِكَ التَّنْوِيرَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ الْبُقْعَةَ أَوْ يَرِدُ إلَيْهَا فَهُوَ نَوْعُ قُرْبَةٍ وَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ أَيْ الصِّحَّةُ ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ ، وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ ، وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَتْ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ قَالَ : وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ ( وَالنَّذْرُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ) فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَوْلُهُ إنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ إلَخْ ) ، وَلَوْ عَلَى نُذُورٍ نَجُزَ الْفَرَاغُ مِنْ تَجْرِيدِ حَوَاشِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ خَطِّ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا شَيْخِ الشُّيُوخِ وَخَاتِمَةِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الرُّسُوخِ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ وَشَيْخِنَا وَلَدِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمَا عَلَى يَدِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ وَغُفْرَانِهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّوْبَرِيِّ الْأَزْهَرِيِّ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عُيُوبَهُ وَغَفَرَ ذُنُوبَهُ وَخَتَمَ لَهُ بِالْحُسْنَى وَرَفَعَهُ فِي الْآخِرَةِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى وَفَعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَقَارِبِهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ بِتَارِيخِ يَوْمِ السَّبْتِ الْمُبَارَكِ سَادِسَ عَشَرَ شَعْبَانَ الْمُكَرِّمِ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَلْفٍ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ صَدْرُ الْمُدَرِّسِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ( كِتَابُ الْبُيُوعِ ) جَمْعُ بَيْعٍ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَجَمَعَهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَيُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا قَسِيمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَائِعِ وَحْدُهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت وَبِالْعَكْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } وَقَالَ { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيِّعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ الثَّانِي الْعَقْدِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهَذَا مُرَادُهُمْ بِالتَّرْجَمَةِ وَهُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَقَوْلُهُ { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فَقَالَ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرُ { إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا شُرُوطٌ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْت دَلِيلَهُ وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( كِتَابُ الْبُيُوعِ ) ( قَوْلُهُ لَفْظُ الْبَائِعِ ) بِالْهَمْزَةِ ( قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا شُرُوطٌ ) قَالَ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ بَيْعٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَا صِيغَةَ وَلِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِتَدْخُلَ صُورَةُ الْبَيْعِ فِي الْوُجُودِ فَلْيَعُدَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَرْكَانًا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِهَا لِيَتَصَوَّرَ الْبَيْعَ فَلْيَخْرُجْ الْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذْ الْبَيْعُ فِعْلٌ وَمَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ لَا يَدْخُلَانِ فِي حَقِيقَتِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّ الْمُصَلِّي وَالْحَاجَّ رُكْنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُسْتَثْنًى عَلَى أَنَّ إيرَادَهُ لَازِمٌ بِتَقْدِيرِ جَعْلِ الثَّلَاثَةِ شُرُوطًا أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَنَحْوَهُمَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِالْبَيْعِ وَبِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا يُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا تَرَكَّبَ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مَوْرِدُ الْفِعْلِ وَفَاعِلُهُ دَاخِلَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا لَا بُدَّ لِلشَّيْءِ مِنْهُ فِي وُجُودِ صُورَتِهِ عَقْلًا إمَّا لِدُخُولِهِ فِي حَقِيقَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِهِ فَخَرَجَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُودِ صُورَتِهِ شَرْعًا وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَنَحْوَهُمَا لِمَا مَرَّ وَأَمَّا الْمُصَلِّي وَالْحَاجُّ فَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُنْدَرِجٌ فِي الْكَلَامِ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِمَا فِي الْمَاهِيَّةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي مُطْلَقِ ذِكْرِهِمَا بَلْ فِي ذِكْرِهِمَا رُكْنَيْنِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَيُجَابُ بِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا رُكْنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَيْءٍ وَأَجَابَ الزَّنْجَانِيُّ

بِأَنَّ الْغَزَالِيَّ بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلٍ قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي الْبِيَاعَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَالثَّانِي مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَجَعَلَ الضَّابِطَ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبِ مَفْسَدَةٍ نَشَأَتْ مِنْ أَحَدِ أَرْكَانِ الْعَقْدِ فَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الدَّاعِيَةَ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْعَاقِدِ وَفِي الثَّانِي إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي الثَّالِثِ إلَى الصِّيغَةِ وَمَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّاتِ خَارِجٍ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ جَعَلَ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةَ مِنْ أَرْكَانِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَجْعَلْ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ مِنْ أَرْكَانِهِ بَلْ جَعَلَهُمَا أَمْرًا خَارِجًا مُجَاوِرًا لَهُ

( بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ ) عَبَّرَ عَمَّا ذَكَرْته مَا يَحْتَمِلُ الْأَرْكَانَ وَالشُّرُوطَ مُبْتَدِئًا بِالصِّيغَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا ثُمَّ بِالْعَاقِدِ ثُمَّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا فَقَالَ ( وَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ ) لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِمَا مَرَّ وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ مَيْلُ النَّفْسِ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَحْصُلُ ( بِالْإِيجَابِ ) مِنْ الْبَائِعِ ( كَ بِعْتُك ) بِكَذَا ( أَوْ مَلَّكْتُك بِكَذَا ) وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا وَنَحْوَهَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ ( وَالْقَبُولِ ) مِنْ الْمُشْتَرِي ( كَ اشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَكَذَا إنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي ) بِكَلَامِهِ ( وَ ) كَذَا إنْ ( اخْتَلَفَ اللَّفْظُ ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ) هَذَا ( بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُك أَوْ قَالَ ) لَهُ ( الْبَائِعُ مَلَّكْتُك فَقَالَ اشْتَرَيْت ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ ( فَإِنْ بَدَأَ بِ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ ) إذْ لَا يَنْتَظِمُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَهَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ فِي صِيَغِ الْإِيجَابِ إلَى اعْتِبَارِ الْخِطَابِ فِيهَا وَإِسْنَادِهَا لِجُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْت وَلَوْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَهُ بِعْت هَذَا بِكَذَا وَلَا قَوْلُهُ بِعْت يَدَك أَوْ نِصْفَك وَلَا بِعْت مُوَكِّلَك بَلْ يَقُولُ بِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي النِّكَاحِ بِأَنْكَحْت مُوَكِّلَك بَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ ا الْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ ( وَيُشْتَرَطَانِ ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ( فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ ) وَإِنْ عَلَا ( طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ ) لِمَالِهِ ( مِنْ طِفْلِهِ ) وَعَكْسَهُ

فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَهَذَا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ وَتَرْجِيحُ الِاشْتِرَاطِ فِيمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ
( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ ) قَالَ الْإِمَامُ لَا حَصْرَ لِصَرَائِحِهِ وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ( قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الرِّضَا بَاطِنًا بِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ مَعَ الْهَزْلِ ( قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُشْتَرِي ) هَلْ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ أَوْ الشَّرْطُ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ الِابْتِدَاءَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي ( قَوْلُهُ كَاشْتَرَيْتُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُوتِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاسِيِّ أَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ كَوْنُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ أَقْبَلُ أَوْ أَشْتَرِي أَوْ ابْتَاعَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُهُ كِنَايَةً فِي الْقَبُولِ .
ا هـ .
الرَّاجِحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْإِيجَابُ ( قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ ) أَخْرَجَ بِذَلِكَ الِابْتِدَاءَ بِنَعَمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ ) وَعَكْسِهِ فَيَقُولُ بِعْت هَذَا لِطِفْلِي وَقَبِلْت لَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بَطَلَ الْإِيجَابُ ( تَنْبِيهٌ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَأَتَى بِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِمَا اثْنَيْنِ لِيَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِالْإِيجَابِ وَالْآخَرُ بِالْقَبُولِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ بِلَفْظِ قَبِلْت

( فَرْعٌ وَلَا يَنْعَقِدُ ) الْبَيْعُ ( بِالْمُعَاطَاةِ ) إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ ( وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ ) مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ ( الِانْعِقَادَ ) لَهُ ( فِي كُلٍّ ) أَيْ بِكُلِّ ( مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ ( وَبَعْضُهُمْ ) كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ ( خَصَّصَ جَوَازَ ) بَيْعِ ( الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ ) وَهِيَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ كَرَطْلِ خُبْزٍ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ ( الْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ ( وَقَالَ الْغَزَالِيُّ ) فِي الْإِحْيَاءِ ( يَتَمَلَّكُهُ ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ ( إنْ سَاوَى ) قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا

( قَوْلُهُ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوع أَمَّا إذَا كَانَ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا وَمِنْ كَلَامِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ سَامَحَ فِي ذَلِكَ وَأَخْذُ الْحَاجَاتِ مِنْ الْبَيَّاعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقُولَ اعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خِنْزِيرًا مَثَلًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَطْلُوبَهُ بِهِ فَيَقْبِضَهُ وَيَرْضَى بِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبَهُ وَيُؤَدِّيَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَهَذَا مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا أَرَاهُ الثَّانِي أَنْ يَلْتَمِسَ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِثَمَنٍ كَأَعْطِنِي رَطْلَ لَحْمٍ أَوْ خُبْزٍ مَثَلًا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَهُوَ مَا رَأَى الْغَزَالِيُّ إبَاحَتَهُ وَمَنَعَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ وَهُوَ عُمْدَةُ الْغَزَالِيِّ فِي إبَاحَتِهِ

( فَرْعٌ لَوْ قَالَ ) شَخْصٌ ( بِصِيغَةِ الْأَمْرِ ) لِآخَرَ ( بِعْنِي أَوْ اشْتَرِ مِنِّي ) هَذَا بِكَذَا ( فَقَالَ الْآخَرُ بِعْتُك أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ قَدْ فَعَلْت ) أَوْ نَحْوَهَا صَحَّ لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا وَإِيجَابًا وَالثَّانِي اسْتِقْبَالًا وَقَبُولًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا إنْ جَاءَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ ) وَلَوْ مُقَدَّرًا ( فَقَالَ تَبِيعُنِي أَوْ بِعْتنِي ) هَذَا بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُك فَلَا يَصِحُّ ( فَإِنَّ جَوَابَهُ إيجَابٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ ) بِاشْتَرَيْت أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( تَشْتَرِي مِنِّي أَوْ اشْتَرَيْت مِنِّي ) هَذَا بِكَذَا ( فَقَالَ اشْتَرَيْت لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُك ) أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ جَوَابَهُ قَبُولٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ فَلَا يَكْفِي بِدُونِهِ
( قَوْلُهُ بِعْنِي أَوْ اشْتَرِ مِنِّي إلَخْ ) ظَاهِرُ تَمْثِيلِهِ يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاسْتِدْعَاءِ بِالصَّرِيحِ فَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْعَاءِ بِالْكِنَايَةِ أَوْ يُقَالُ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فِي الصَّرِيحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ جَرَيَانُهُ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا ) أَيْ الْأَوَّلُ مِنْ الشِّقَّيْنِ

( فَرْعٌ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ تَصِحُّ الْعُقُودُ وَلَوْ لَمْ تَقْبَلْ التَّعْلِيقَ ) أَوْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِهَا الشَّخْصُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا كَالصَّرِيحِ ( إلَّا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ شَرْطٍ عَلَى وَكِيلِهِ ) أَيْ الْوَكِيلِ بِهِ ( الْإِشْهَادُ فِيهِ ) فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وَعَلَى الْأَوَّلِ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ وَصُورَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ بِعْ عَلَى أَنْ تَشْهَدَ فَإِنْ قَالَ بِعْ وَأَشْهَدَ لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ( فَقَوْلُهُ خُذْهُ أَوْ تَسَلَّمْهُ ) بِكَذَا ( أَوْ جَعَلْته لَك بِكَذَا أَوْ بَاعَك ) هـ ( اللَّهِ ) بِكَذَا ( كَأَقَالَكَ اللَّهُ ) مِنْهُ أَوْ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْك ( فِي الْإِقَالَةِ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ بِكَذَا ) أَوْ نَحْوَهَا ( كِنَايَةٌ فِي الْبَيْعِ ) فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ عَنْ هَذَا قَوْلَهُ كَأَقَالَكَ اللَّهُ فِي الْإِقَالَةِ كَانَ أَوْضَحَ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ أَقَالَك اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُك ( لَا أَبَحْتك إيَّاهُ بِكَذَا ) فَلَيْسَ كِنَايَةً فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْبَيْعُ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِانْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عَلِمَ أَنَّ لِلْبَيْعِ صَرَائِحَ وَكِنَايَاتِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَصَرِيحُ كُلِّ بَابٍ مَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَكِنَايَتُهُ مَا احْتَمَلَهُ وَغَيْرُهُ ( تَنْبِيهٌ ) هَلْ الْكِنَايَةُ

الصِّيغَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ فِيهِ الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ مَا أَخَذَ صَرَاحَةَ لَفْظِ الْخُلْعِ فِي الطَّلَاقِ ذَكَرَ الْعِوَضَ أَوْ كَثْرَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ وَفِي غَيْرِهَا الثَّانِي فَتَكُونُ صُورَةُ الْكِنَايَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالصِّيغَةِ وَحْدِهَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَا مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ بَلْ قِيلَ أَوْ مَعَ نِيَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ تَصْوِيرُهَا بِالصِّيغَةِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ

( قَوْلُهُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ إلَخْ ) سَكَتَ الْأَصْحَابُ عَنْ مَحَلِّ النِّيَّةِ وَذَكَرُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ خِلَافًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِكُلِّ اللَّفْظِ أَوْ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ أَوْ بِآخِرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِهَا هُنَا وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ بَلْ الشَّرْطُ هُنَا وُجُودُهَا فِي جَمِيعِ اللَّفْظِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَقِلُّ بِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ( تَنْبِيهٌ ) مِنْ أَلْفَاظِ الْقَبُولِ رَضِيت كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ رَجُلٌ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَقَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ رَضِيت هَذَا الثَّوْبَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ رَضِيت فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا أَوْ يَقُولُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ رَضِيت هَذَا الثَّوْبَ بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ كَانَ بَيْعًا وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَرَضَ ثَوْبًا عَلَى آخَرَ فَقَالَ رَضِيت هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ رَضِيت لَمْ يَكُنْ بَيْعًا ( قَوْلُهُ وَبَيْعُ شَرْطٍ عَلَى وَكِيلِهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ ) قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَالْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ بِالسَّتْرِ وَقَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ ) أَيْ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ خَالَفَ فِيهِ الْوَكِيلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْمُوَكِّلُ بَطَلَ الْبَيْعُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ بِعْ وَاشْهَدْ فَبَاعَ وَلَمْ يَشْهَدْ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ .
ا هـ .
وَيُؤَيِّدُهُ مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ قُبَيْلَ بَابِ التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ لَا تُزَوِّجْهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ تُرْهَنَ بِالصَّدَاقِ أَوْ يَتَكَفَّلَهُ فَلَأَنْ صَحَّ وَعَلَى الْوَكِيلِ الِاشْتِرَاطُ فَإِنْ أَهْمَلَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ

وَلَوْ قَالَ زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا بِلَا اشْتِرَاطٍ صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرَيْنِ فَخَالَفَ أَحَدَهُمَا ( قَوْلُهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّدْرِيبِ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ أَوْ تَسَلَّمَهُ بِكَذَا ) أَوْ هُوَ لَك بِكَذَا أَوْ هَذَا لَك بِكَذَا ( قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا ) لِمُنَافَاتِهِ لِلْبَيْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ إذْ الْإِبَاحَةُ تُنَافِي التَّمْلِيكَ وَكَوْنُهَا مَجَّانًا يُنَافِي ذِكْرَ الْعِوَضِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ كُلِّهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْمَنْعِ تَهَافُتَ الصِّيغَةِ كَمَا فِي بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ الْمُعَاوَضَةِ وَذِكْرَ الْعِوَضِ يُنَافِيهَا ر ( قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِذِكْرِ الْعِوَضِ الَّذِي لَا تُنَافِيهِ الْهِبَةُ بَلْ غَايَتُهَا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيهِ ك ( قَوْلُهُ فَتَكُونُ صُورَةُ الْكِنَايَةِ عَلَى الْأَوَّلِ الصِّيغَةَ وَحْدَهَا ) فَائِدَةُ الْخِلَافِ وُجُوبُ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلصِّيغَةِ وَحْدَهَا أَوَّلهَا مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ

( فَرْعٌ الْكِتَابَةُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ) عَلَى لَوْحٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ نَحْوِهَا ( لَا عَلَى الْمَائِعِ وَالْهَوَاءِ إلَى الْغَائِبِ كِنَايَةٌ ) فِي ذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ لِحُصُولِ التَّرَاضِي بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَائِعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَائِعِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَاءِ ( فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ ) مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ إلَيْهِ ( حَالَ الِاطِّلَاعِ ) لِيَقْتَرِنَ بِالْإِيجَابِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخِيَارُ ) مَا دَامَ ( فِي مَجْلِسِ قَبُولِهِ ) وَيَثْبُتُ ( الْخِيَارُ لِلْكَاتِبِ ) مُمْتَدًّا ( إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ ) حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ ( وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ فَفِي الصِّحَّةِ تَرَدُّدٌ ) أَيْ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةَ ( وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَائِبٍ ) كَأَنْ قَالَ بِعْت دَارِي لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ ( فَقَبِلَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ) مِمَّنْ أَرْسَلَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( صَحَّ ) كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى مِنْ الْكَتْبِ
( قَوْلُهُ الْكِتَابُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوَهُ إلَخْ ) كَبِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا ( قَوْلُهُ لِحُصُولِ التَّرَاضِي ) بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَاتِ ( قَوْلُهُ صَحَّ رُجُوعُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَكَانَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ ) أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ انْعِقَادُهُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ لِأَنَّهَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ وَقَدْ رَجَّحَا فِيهَا الصِّحَّةَ وَهُمَا حَاضِرَانِ وَلَمْ يُفْقَدْ إلَّا التَّخَاطُبُ

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ فِي ) صِحَّةِ ( الْعَقْدِ ) أَنْ يَقَعَ ( الْقَبُولُ ) بَعْدَ الْإِيجَابِ ( عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى التَّرَاخِي ) لَكِنْ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ ( وَلَا ) يَصِحُّ الْعَقْدُ ( إنْ تَخَلَّلَ ) بَيْنَهُمَا ( كَلَامُ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ ) وَلَوْ يَسِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فِي الْخُلْعِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ شَائِبَةَ تَعْلِيقٍ وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ شَائِبَةَ جَعَالَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَسَّعٌ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْعَقْدَ أَمَّا مَنْ فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ وَتَكَلَّمَ بِيَسِيرٍ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُلْعِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يَضُرُّ قَالَ بَعْضُهُمْ كَقَوْلِهِ بَارَكَ اللَّهُ فِي الصَّفْقَةِ أَوْ غَالٍ أَوْ رَخِيصٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَقَوْلِهِ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا أَقَبِلْت مِنِّي الْبَيْعَ وَفَسَّرَ فِي الْأَنْوَارِ الْأَجْنَبِيَّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِهِ قَالَ فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَبِلْت صَحَّ ( وَلَوْ مَاتَ ) الْمُشْتَرِي ( بَعْدَ الْإِيجَابِ ) بِحَضْرَةِ وَارِثِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ وَارِثُهُ ) وَلَا يُقْبَلُ وَكِيلُهُ بَلْ وَلَا مُوَكِّلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُوَكِّلِ ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ( الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى إيجَابًا وَقَبُولًا فَإِنْ أَوْجَبَ بِأَلْفٍ قِرَاضَةً فَقَبِلَ بِصِحَاحٍ ) أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ قَالَ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَسَكَتَ لَمْ

يَصِحَّ ) لِلْمُخَالَفَةِ ( وَلَوْ قَالَ وَنِصْفَهُ ) الْآخَرَ ( بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ ) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي إذْ لَا مُخَالَفَةَ بِذِكْرِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَمَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ قَالَ وَالرَّافِعِيُّ إنَّمَا سَاقَ مَقَالَةَ الْمُتَوَلِّي مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ ( وَلَوْ قَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ ) لِلْمُخَالَفَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يُصِرَّ الْبَادِي عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ فَلَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ أَوْ الْخِيَارَ ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرَ وَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ وَحْدِهِ وَأَنْ يَتَكَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ

قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُلْعِ ) ثُمَّ حَكَى عَنْ الْبَغَوِيّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْبُلْقِينِيِّ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْخُلْعِ إذَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِعِوَضٍ ثُمَّ ارْتَدَّتْ بِالْقَوْلِ أَنَّهُ مِنْ تَخَلُّلِ الْكَلَامِ الْيَسِيرِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَوْلُهُ عَنْ الْبَغَوِيّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِاسْمِ اللَّهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي النِّكَاحِ ( قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَيَشْتَرِطُ الْمُوَافَقَةَ إيجَابًا وَقَبُولًا إلَخْ ) لَوْ بَاعَهُ سَالِمًا وَغَانِمًا هَذَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُشْتَرِي سَالِمًا مِنْ غَانِمٍ بِخِلَافِ بِعْتُك سَالِمًا بِأَلْفٍ وَغَانِمًا بِخَمْسِمِائَةٍ .
( قَوْلُهُ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ ) وَلِهَذَا جَزَمَ الطَّاوُسِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ بِالْبُطْلَانِ وَلِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنْ يَمْنَعَ إرَادَةَ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ تَعَدُّدُ الصَّفْقَةِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى ذِكْرِ بَيَانِ حُكْمِ التَّوْزِيعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَمْلًا لِجَوَابِهِ وَقَبُولِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَظِيرِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ إقَالَةً كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ لِاخْتِلَافِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَالْفَسْخُ وَالْبَيْعُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ لَمْ يُلَاقِ كَلَامَ التَّتِمَّةِ وَأَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَصْدِ التَّوْزِيعِ وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70