كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْجُورِيُّ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ ، وَالْأَصْلُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِيهَا بِالْمَالِ وَالْفَرْقُ ذَكَرَهُ الْجُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ السُّبْكِيُّ وَأَقَرَّهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ كَفَّارَتَيْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَكُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالصَّوْمِ وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ أَيْ مَعَ تَرَتُّبٍ ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفَّرُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَجَعَلَهُ كَالْيَمِينِ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ فِيهَا كَالْمُعْسِرِ جَعْلُهُ كَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ لَهُ وَسَأَحْكِيهِ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ ( فَإِذَا لَمْ يَصُمْ حَتَّى انْفَكَّ الْحَجْرُ ) عَنْهُ ( لَمْ يَجْزِهِ ) أَيْ الصَّوْمُ ( إنْ كَانَ مُوسِرًا ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ

( قَوْلُهُ وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ إنْ قُلْنَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِيمَا عَدَا الْقَتْلَ فَلَا إلْحَاقَ نَعَمْ يُحْمَلُ عَلَى كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ مُرَتَّبَةً وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَرَّرَ فِي جَوَازِ دَفْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الزَّكَاةَ إذَا عُيِّنَ آخِذُهُ ، وَدُفِعَ مَا مَرَّ فِي السَّاعِي أَنَّهُ إذَا عُيِّنَ لَهُ آخُذُهُ وَدَفَعَ ، اُشْتُرِطَ فِيهِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّكْلِيفُ ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَمَا هُنَا رِسَالَةٌ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْمَالِكِ ( قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ ) نَقَلَا هُنَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ بَعْدَ الْحَجْرِ كَالْمَنْذُورِ قَبْلَهُ إنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَإِلَّا فَكَحَجِّ التَّطَوُّعِ ، وَاخْتَارَ فِي الزَّوَائِدِ فِي الرَّجْعَةِ أَنْ لَا يُطْلَقَ فِي مَسْلَكِهِ تَرْجِيحٌ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي النَّذْرِ حَمْلَهُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى الْعِتْقَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ : الْأَرْجَحُ غَالِبًا حَمْلُهُ عَلَى الْوَاجِبِ ا هـ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ ، وَلَوْ نَذَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَوْمَ يَوْمِهِ جَازَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ ) أَيْ حَصَلَ بِهِ قَتْلُ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِدَلِيلِ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْجُورِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ

يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ غَيْرَ الْقَتْلِ كَالْمُعْسِرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ عَنْ الْقَتْلِ لِتَضَرُّرِهِ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ فِي كَفَّارَتِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا عِظَمُهَا لِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ حِفْظِ النُّفُوسِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَيُكَفِّرُ السَّفِيهُ فِي الظِّهَارِ وَفِي الْيَمِينِ بِالصَّوْمِ دُونَ الْمَالِ .

( فَصْلٌ يَلِي أَمْرَ الصَّبِيِّ وَمَنْ بِهِ جُنُونٌ وَلَوْ طَرَأَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ( ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ) أَيْ وَصِيُّ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا ( ثُمَّ الْقَاضِي ) لِخَبَرِ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْمُرَادُ قَاضِي بَلَدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ ، وَمَالُهُ بِآخَرَ فَوَلِيُّ مَالِهِ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ : وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي حَالِ مَحْجُورِهِمْ وَتَوَلِّي حِفْظِهِ لَهُ ( وَيَكْفِي فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ ) وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْكَافِرَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ لَكِنْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُقِرَّهُمْ وَنَلِي نَحْنُ أَمْرَهُمْ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الْأَمَانَةُ وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَقْوَى ، وَالْمَقْصُودُ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْمُوَالَاةُ ، وَهِيَ فِي الْكَافِرِ أَقْوَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ ) قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَةِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ نَعَمْ لَهُمْ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ لِتَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ( وَيَتَصَرَّفُ لَهُمَا ) الْوَلِيُّ ( بِالْمَصْلَحَةِ ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَقَوْلُهُ { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ

فَإِخْوَانُكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } ( وَلَوْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا وَبِهِ غِبْطَةٌ أَمْسَكَهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِبْطَةِ ( وَيَشْتَرِي ) الْوَلِيُّ ( لَهُ ) أَيْ لِمَحْجُورِهِ جَوَازًا بَلْ نَدْبًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( الْعَقَارَ ) بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ مِنْ رِيعِهِ الْكِفَايَةُ هَذَا ( إنْ لَمْ يَخَفْ جَوْرًا ) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ خَرَابًا ) لِلْعَقَارِ ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ بِهِ ( ثِقَلُ خَرَاجٍ وَيَبْنِي لَهُمَا ) عَقَارَهُمَا ( بِالْآجُرِّ ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ ( وَالطِّينِ لَا اللَّبِنِ ) أَيْ الطُّوبِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ بَدَلَ الْآجُرِّ ( وَالْجِصِّ ) أَيْ الْجِبْسِ بَدَلَ الطِّينِ ؛ لِأَنَّ اللَّبِنِ قَلِيلُ الْبَقَاءِ وَيَنْكَسِرُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى النَّقْضِ بِخِلَافِ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ كَثِيرُ الْمُؤْنَةِ ، وَلَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ عِنْدَ النَّقْضِ بَلْ يَلْتَصِقُ بِالطُّوبِ فَيُفْسِدُهَا بِخِلَافِ الطِّينِ ، وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَرَّرَ ( وَاخْتَارَ كَثِيرٌ ) مِنْ الْأَصْحَابِ ( الْبِنَاءَ ) أَيْ جَوَازَهُ ( عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ ) كَيْفَ كَانَ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ يَلِي أَمْرَ الصَّبِيِّ وَمَنْ بِهِ جُنُونٌ إلَخْ ) قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَالِ الْأَجِنَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاكِمِ ( قَوْلُهُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ) إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَهُمَا لِبَاقِي الْعَصَبَةِ كَالنِّكَاحِ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ فِي الْمَالِ وَكَمَالِهِ فِي النِّكَاحِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَاضِي ) أَيْ الْعَدْلُ الْأَمِينُ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا ) إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ إلَّا مُسْلِمًا نَعَمْ إنْ أَسْلَمَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ وَابْنُهُ بَالِغٌ مُسْتَمِرُّ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَانَ وَلِيَّهُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ ) وَلِهَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ عَلَيْهِ إلَى كَافِرٍ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَيْ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ السُّبْكِيُّ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ : إنَّ شَرْطَهُمَا عَدَمُ الْعَدَاوَةِ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ ، وَقَدْ نَقَلَا فِي بَابِ الْوَصَايَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ عَدَمُ الْعَدَاوَةِ ، وَقَوْلُ السُّبْكِيّ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إلَخْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ أَوْ خَرَابًا لِلْعَقَارِ ) أَيْ بِزِيَادَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ ( قَوْلُهُ وَيُبْنَى لَهُمَا بِالْآجُرِّ ) قَالَ فِي الْبَيَانِ هَذَا فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي يَعِزُّ فِيهَا وُجُودُ الْحِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تُوجَدُ فِيهَا الْحِجَارَةُ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْآجُرِّ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ بَقَاءً وَأَقَلُّ مُؤْنَةً وَفِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ : أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَجِدَ الْوَلِيُّ عَقَارًا يُبَاعُ بِأَرْخَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَوْنَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مُسَاوِيًا لِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَرْضُ الْبَلَدِ نَدِيَّةً

لَا يَثْبُتُ فِيهَا إلَّا الْحَجَرُ ( قَوْلُهُ وَالْجِصُّ ) الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ .

( وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ ) أَيْ عَقَارَ مَحْجُورِهِ ؛ إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ ( إلَّا لِثِقَلِ خَرَاجٍ أَوْ خَوْفِ خَرَابٍ ) وَالتَّصْرِيحُ بِخَوْفِ الْخَرَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا قَبْلَهُ جَعَلَهُ الْأَصْلُ مِنْ جُمْلَةِ الْغِبْطَةِ الْآتِيَةِ ( وَلَهُ بَيْعُهُ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ ) وَنَحْوُهُمَا ( إنْ لَمْ يَجِدْ قَرْضًا يَنْتَظِرُ مَعَهُ غَلَّةً ) مِنْ الْعَقَارِ وَنَحْوِهِ تَفِي بِالْقَرْضِ فَإِنْ وَجَدَ قَرْضًا كَذَلِكَ اقْتَرَضَ لَهُ وَامْتَنَعَ بَيْعُ الْعَقَارِ وَشَرْطُهُ الْمَذْكُورُ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الْقَرْضِ ( أَوْ لِغِبْطَةٍ كَزِيَادَةِ الثَّمَنِ ) الَّذِي أُرِيدَ بَيْعُهُ بِهِ عَلَى ثَمَنٍ مِثْلِهِ ( وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِهِ ) أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ وَكَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ آنِيَةُ الْقُنْيَةِ مِنْ صُفْرٍ وَغَيْرِهِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ قَالَ : وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ يَسِيرَةٍ وَرِبْحٍ قَلِيلٍ لَائِقٍ بِخِلَافِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَلَوْ تَرَكَ عِمَارَةَ عَقَارِهِ حَتَّى خَرِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَثِمَ ، وَهَلْ يَضْمَنُ كَمَا فِي تَرْكِ عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا كَمَا فِي تَرْكِ التَّلْقِيحِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ إيجَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَأَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِمَا وَيُفَارِقُ تَرْكَ الْعَلَفِ بِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ رُوحٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا .
قَالَ الْقَفَّالُ : وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى فَاتَ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ ( وَلَا يَبِيعُ ) لَهُ ( بِعَرَضٍ وَنَسِيئَةٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ) يَرَاهَا فِيهِمَا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى { إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فَمِنْ مَصَالِحِ الْعَرَضِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِبْحٌ وَمِنْ مَصَالِحِ النَّسِيئَةِ أَنْ تَكُونَ بِزِيَادَةٍ أَوْ لِخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ ( وَيَشْهَدُ ) وُجُوبًا ( عَلَى النَّسِيئَةِ وَزِيَادَتِهَا وَيَرْتَهِنُ ) كَذَلِكَ بِالثَّمَنِ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ :

يَرْتَهِنُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً كَمَا فِي إقْرَاضِ مَالِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ ثَمَّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَقَدْ يُسْرِعُ مَنْ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي ضَيَاعِ مَالِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِالرَّهْنِ أَيْ مُطْلَقًا ( رَهْنًا وَافِيًا ) بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ( ضَمِنَ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا انْتَهَى ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ ( وَلَا يُجْزِئُ الْكَفِيلُ ) عَنْ الِارْتِهَانِ ( وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ ) مِنْ نَفْسِهِمَا ( لَهُ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا ) كَأَنْ بَاعَا مَالَهُ لِنَفْسِهِمَا نَسِيئَةً ؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي حَقِّهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ ، وَإِذَا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ نَسِيئَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى رَهْنٍ مِنْ نَفْسِهِ ( وَيُسَجِّلُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِمَا ) مَالَ وَلَدِهِمَا أَيْ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ إذَا رَفَعَاهُ إلَيْهِ .
( وَإِنْ لَمْ يُثْبِتَا ) أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ ( بِالْمَصْلَحَةِ ) لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ وَلَدِهِمَا ( وَفِي وُجُوبِ إثْبَاتِهِمَا ) أَيْ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ ( بِالْعَدَالَةِ ) لِيُسَجَّلَ لَهُمَا ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا اكْتِفَاءَ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ كَشُهُودِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي نَعَمْ كَمَا يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصَحَّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْحَاكِمِ لَهُمَا عَلَى الْوِلَايَةِ وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا ( بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ ) فَإِنَّهُ يَجِبُ إقَامَتُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَبِعَدَالَتِهِمَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْحُكْمِ فِي عَدَالَتِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا بَاعَا

) مَالَهُ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ ( بِلَا مَصْلَحَةٍ ) فَتَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ ( لَا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ ) فَلَا تَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ بَلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا ، وَقَضِيَّتُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً ، وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهَا كَآبَائِهَا ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ أَمَّا فِيهَا فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا ( وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ ) فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا وَسَكَتَ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى الْقَاضِي وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِيصَاءِ .

( قَوْلُهُ إلَّا لِثِقَلِ خَرَاجٍ ) قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى إذَا كَانَ يَسْتَأْصِلُ بِالْخَرَاجِ جَازَ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ تَافِهٍ وَلَوْ دِرْهَمًا ( قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا ) كَأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ ، وَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي تَجْهِيزِ مَنْ يَجْمَعُ غَلَّتَهُ فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِبَلَدِهِ عَقَارًا ( قَوْلُهُ أَوْ لِغِبْطَةٍ كَزِيَادَةِ الثَّمَنِ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ ، وَفِي دُخُولِهِ فِي الْغِبْطَةِ نَظَرٌ ا هـ قَالَ وَالِدِي : وَالظَّاهِرُ دُخُولُهُ فِي الْغِبْطَةِ فَإِنَّهَا كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ حَسَنُ الْحَالِ قَالَ الْإِمَامُ : وَضَابِطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِهَا الْعُقَلَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَرَفِ الْعَقَارِ فس وَقَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَظْهَرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ إيجَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَخْ ) أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّلْقِيحِ بِأَنَّ التَّرْكَ فِيهِمَا يُفَوِّتُ الْمَنْفَعَةَ ، وَالتَّرْكُ فِيهَا يُفَوِّتُ الْأَحْوَرِيَّةَ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْخُلْعِ : إذَا خَالَعَ السَّفِيهُ وَقَبَضَ الْمَالَ وَتَرَاكَهُ الْوَلِيُّ فِي يَدِهِ حَتَّى تَلِفَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ ا هـ أَيْ وَأَصَحُّهُمَا الضَّمَانُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى لُقَطَةِ الصَّبِيِّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْقَفَّالُ : وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى فَاتَ ) جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْوَدِيعَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَبِيعُ بِعَرَضٍ وَنَسِيئَةٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ) يُشْتَرَطُ لِبَيْعِ مَالِهِ نَسِيئَةً كَوْنُهُ مِنْ مُوسِرٍ ثِقَةٍ وَقَصُرَ الْأَجَلُ عُرْفًا وَزِيَادَةً لَائِقَةً بِهِ ، وَكَوْنُ الرَّهْنِ وَفِيًّا ، وَالْإِشْهَادُ ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ ( قَوْلُهُ وَيَرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ يُفَرَّقُ

بَيْنَهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ مِنْ نَفْسِهِمَا لَهُ ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَعَلَّ هَذَا إذَا كَانَ مِلِّيًّا ، وَإِلَّا فَهُوَ مُضَيِّعٌ ، وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي تَفَرُّدَ الْبَغَوِيّ بِهِ ، وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ ، وَلِلْمَسْأَلَةِ شُرُوطٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثِقَةً مُوسِرًا ، وَالْأَجَلُ قَصِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ ، قَالَ : فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ إلَخْ ) وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا بَيْعَ الْوَلِيِّ لِلْمُضْطَرِّ نَسِيئَةً وَهُوَ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي نَعَمْ كَمَا يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ التَّسْجِيلَ يَسْتَدْعِي ثُبُوتَهُ عِنْدَهُ وَالثُّبُوتُ يَحْتَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْنَعُ الشُّرَكَاءَ مِنْ قِسْمَةِ دَارٍ بِأَيْدِيهِمْ وَلَا يُجِيبُهُمْ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمِلْكِهِمْ لَهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَسْتَدْعِي الْحُكْمَ وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ ( قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا بَاعَا بِلَا مَصْلَحَةٍ إلَخْ ) لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَاعُوا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَلِأَنَّهُمْ مُدَّعُونَ صِحَّةَ الْعَقْدِ .
( قَوْلُهُ لَا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ ) سَكَتَ عَنْ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ الْعَقَارَ أَيْ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ مِنْ غَيْرِ غِبْطَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا أَيْ

بِيَمِينِهِمَا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةِ التُّهْمَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ : لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ حُكْمِهِ وَتَوَقَّفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعْزُولًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَحَكَى عَنْهُ وَلَدُهُ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا هَذَا نَصُّهُ هَذَا مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْآنَ أَنَّهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْحَاكِمِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى وِلَايَتِهِ أَوْ لَا ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَصَرُّفِهِ كَانَ نَائِبَ الشَّرْعِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ مَعَهُ الْإِشْهَادُ أَمَّا مَالُ تِجَارَةٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَثِيرًا فَهُوَ كَغَيْرِهِ .

( فَرْعٌ لَا يُعَامِلُ الطِّفْلَ وَصِيٌّ ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ : لَيْسَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِهِ لِنَفْسِهِ ، وَلَا مَالِ نَفْسِهِ لَهُ وَالْقَاضِي وَأَمِينُهُ كَالْوَصِيِّ ، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهِ كَالطِّفْلِ ، أَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ فَلَهُمَا ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي فِي الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا مَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا قَبْلَ الْفَرْعِ ( وَلَا يَقْتَصُّ لَهُ وَلِيٌّ ) وَلَوْ أَبًا ( وَلَا يَعْفُو ) عَنْ الْقِصَاصِ ؛ إذْ قَدْ يَخْتَارُ مَحْجُورُهُ بَعْدَ زَوَالِ حَجْرِهِ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ هُوَ نَعَمْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ؛ إذْ لَا غَايَةَ لِلْجُنُونِ بِخِلَافِ الصِّبَا ( وَلَا يُعْتَقُ ) عَنْهُ رَقِيقُهُ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ ، وَلَوْ بِعَرَضٍ ( وَلَا يُكَاتِبُ ) هـ ( وَلَا يَهَبُ ) مَالَهُ ( بِثَوَابٍ وَلَا غَيْرِهِ ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْعِتْقَ لَا يَقْصِدُ بِهِمَا الْعِوَضَ نَعَمْ إنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَعْلُومًا فِي الْهِبَةِ بِغِبْطَةٍ جَازَتْ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهَا إذَا قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ كَانَتْ بَيْعًا ، وَلَا يُدَبِّرُ رَقِيقَهُ ، وَلَا يُعَلِّقُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ كِتَابَتِهِ ( وَلَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَا يُخَالِعُهَا ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ ، وَلَا بِصَرْفِ مَالِهِ لِلْمُسَابَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا .
وَلَا يُشْتَرَى لَهُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُرْبِحًا ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ ( وَلَا يَشْتَرِي لَهُ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ ) فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا يَظْهَرُ جَوَازُ شِرَاءِ الْحَيَوَانِ لَهُ لِلتِّجَارَةِ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ ( وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ) فِي الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا ، وَيَتْرُكُ الْأَخْذَ عِنْدَ عَدَمِهَا فِيهِ ، وَإِنْ عُدِمَتْ فِي التَّرْكِ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ :

وَالنَّصُّ يُفْهِمُهُ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَهُ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ( فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ ) وُجُودِ ( الْغِبْطَةِ ) فِي الْأَخْذِ ( لَا ) مَعَ ( عَدَمِهَا وَبَلَغَ ) أَيْ الطِّفْلُ ( أَخَذَهَا ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَلِيِّ حِينَئِذٍ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يَفُوتُ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْغِبْطَةِ وَلَوْ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ فَعِبَارَتُهُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ ، وَلَمْ يُعَبِّرْ أَصْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ بِالْغِبْطَةِ بَلْ بِالْمَصْلَحَةِ وَهِيَ أَعَمُّ وَلَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ مَعَ الْغِبْطَةِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَرَادَ الرَّدَّ لَمْ يُمْكِنْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ بَعْدَ زَوَالِ حَجْرِهِ فِي أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ الْبَيِّنَةُ ( إلَّا عَلَى أَبٍ أَوْ جَدٍّ قَالَ : إنَّهَا تُرِكَتْ لِغَيْرِ غِبْطَةٍ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ ( وَلَا أُجْرَةَ لِلْوَلِيِّ ) وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ ( فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ، وَشُغِلَ ) بِسَبَبِهِ ( عَنْ الِاكْتِسَابِ أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ ) قَالَ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَكَالْأَكْلِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَاكِمِ أَمَّا الْحَاكِمُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى أَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ - إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً - عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ يُتَمِّمُونَهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا إذَا

وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَ الْعَمَلِ أَوْلَى ( وَلَا يَضْمَنُهُ ) أَيْ مَا أَخَذَهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ عَمَلِهِ كَالْإِمَامِ إذَا أَخَذَ الرِّزْقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( وَعَلَيْهِ اسْتِمْنَاءُ مَالِهِ قَدْرَ الْمُؤَنِ إنْ أَمْكَنَ بِلَا مُبَالَغَةٍ ) فِي ذَلِكَ ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إلَّا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ ( وَإِنْ تَضَجَّرَ الْأَبُ ) وَإِنْ عَلَا ( فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ ) مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ ( وَلَهُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بِهَا ( بِنَفْسِهِ ) وَسَتَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ اسْتِمْنَاءُ مَالِهِ إلَى آخِرِهِ ثَمَّ

( قَوْلُهُ : لَا يُعَامِلُ الطِّفْلَ وَصِيٌّ ) شَمِلَ مُعَامَلَتَهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَحْجُورِهِ قَوْلُهُ وَلَا يَقْتَصُّ لَهُ وَلِيٌّ ، وَلَوْ أَبًا ) شَمِلَ مَا لَوْ وَرِثَهُ ، وَمَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ الْغَيْرِ إلَخْ ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَصِيُّ كَمَا نَقَلَاهُ ، وَأَقَرَّاهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِعِوَضٍ عَلَى الرَّقِيقِ ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَنْهُ فِي الْمَرْتَبَةِ أَيْضًا إلَّا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ( قَوْلُهُ بِغِبْطَةٍ ) أَيْ بِمَصْلَحَةٍ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا يَظْهَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ ) قَالَ شَيْخُنَا : يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حَيَوَانًا مَذْبُوحًا ، وَيُمْكِنُ بَيْعُهُ بِسُرْعَةٍ جَازَ شِرَاؤُهُ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ عُدِمَتْ فِي التَّرِكَةِ أَيْضًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا هُنَا بِوُجُوبِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ وَحَكَوْا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بِيعَ شَيْءٌ بِغِبْطَةٍ هَلْ يَجِبُ شِرَاؤُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ ، وَفِي الْإِهْمَالِ تَفْوِيتٌ ، وَالتَّفْوِيتُ مُمْتَنَعٌ بِخِلَافِ الِاكْتِسَابِ ( قَوْلُهُ : وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إلَخْ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَأَنَّ وَلِيَّهُ تَرَكَ الْأَحَظَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَظِّ ( تَنْبِيهٌ ) زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ الْمُعَجَّلَ مِنْ صَدَاقِهَا بِإِذْنِهَا لَهُ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَبْسٌ فَكَالْحَجْرِ عَنْهَا ، وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَحْتَ حَجْرِهِ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ فِيمَنْ لَهُ بِنْتٌ بَالِغَةٌ تَحْتَ حَجْرِهِ فَاسْتَدَانَ شَيْئًا وَضَمِنَتْهُ الْبِنْتُ بِإِذْنِ أَبِيهَا فَقَالَ

: لَا يَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهَا ، وَلَوْ سَعَى شَخْصٌ فِي فِكَاكِ أَسِيرٍ وَكَانَ يَجْمَعُ لَهُ الْمَالَ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ( قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } ) الْآيَةَ ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ مَنْ لَا تُمْكِنُ مُوَافَقَتُهُ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَعَامِلِ الصَّدَقَاتِ ( قَوْلُهُ فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصَّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ ) قَالَ شَيْخُنَا فَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً لَمْ يُجِبْهُ لَا يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِأَخْذِ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ بِشَرْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ لَهُ أُجْرَةً لَصَارَتْ لَازِمَةً لَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ أَخْذِهِ فَإِنَّ كُلَّ مُدَّةٍ مَضَتْ وَلَمْ يَأْخُذْ فِيهَا شَيْئًا سَقَطَ حُكْمُهَا .

( فَصْلٌ وَلِلْوَلِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَالُ الصَّبِيِّ ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِيصَاءِ أَيْضًا ( وَمُؤَاكَلَتُهُ ) لِلْإِرْفَاقِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } هَذَا إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ حَظٌّ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَإِلَّا امْتَنَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ( وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ ) لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ فِيهِ ( وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَيَكْسُوهُ ) وُجُوبًا ( بِالْمَعْرُوفِ وَيُخْرِجُ ) وُجُوبًا ( الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ ) ذَلِكَ مِنْهُ ( وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ إنْ طُلِبَتْ ) مِنْهُ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْقَرِيبُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْإِرْسَالِ كَزَمِنٍ أَخْرَجَهَا بِلَا طَلَبٍ لَكِنْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ ، وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْفَرْعِ وَالْفَصْلِ الْآتِيَيْنِ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ إخْرَاجِهَا عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا ، وَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَإِخْرَاجِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِلَا طَلَبٍ نَظَرٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِالطَّلَبِ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَى طَلَبِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا

( قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِبَارِ فَتَوَقَّفَ وَاجِبُهُ عَلَى الطَّلَبِ إلَخْ ) وَيُوَفِّي عَنْهُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمَحْجُورِ نَاضًّا أَلْزَمَهُ قَبْضَ دَيْنِهِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَرَكَهُ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُطَالَبَةِ إذَا شَاءَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَشِيدٍ فَإِنْ كَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَيْضًا حَرُمَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا .

( فَرْعٌ وَيَجُوزُ ) لَهُ ( السَّفَرُ وَالتَّسْفِيرُ بِمَالِهِ مَعَ ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ ) مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ نَهْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بِهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةُ هَذَا إنْ سَافَرَ أَوْ سَفَّرَ بِمَالِهِ ( فِي طَرِيقٍ آمِنٍ ) وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي حَالَتَيْ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلُهُ هُنَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حَالَةِ عَدَمِهَا فَقَطْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ الْبَلَدُ أَخْوَفَ جَازَ ذَلِكَ ، أَوْ الطَّرِيقُ فَلَا ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَتَرَدَّدَ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ ( لَا ) فِي ( بَحْرٍ ) وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا ( وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ ) وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ ( كَمَالِهِ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَهُوَ قِيَاسٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ : إنَّ وَلِيَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قَطْعِ سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ يَزِدْ خَطَرُ تَرْكِهَا ، وَقَدْ يُفَرَّقُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هُوَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَا يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَقَاسَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْضًا تَحْرِيمَ رُكُوبِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ بَلْ وَتَفْطِمُهُ إنْ تَعَيَّنَتْ لِلْإِرْضَاعِ ، وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ : وَقِيَاسُهُ أَيْضًا تَحْرِيمُ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَكَذَا الزَّوْجَةُ وَالْأَرِقَّاءُ الْبَالِغُونَ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُمْ إلَّا إنْ كَانَ الْإِرْكَابُ لِنَقْلِهِمْ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَجُوزُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالصَّوَابُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ ، وَكَذَا رُكُوبُ الْحَامِلِ

( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّهُ إلَخْ ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا إرْكَابَ الصَّبِيِّ وَإِحْضَارَهُ صَفَّ الْقِتَالِ لِيَعْتَادَ الْجِهَادَ ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّمْرِينِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِرْكَابُهُ الْبَحْرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ ؛ إذْ هُوَ الْغَرَضُ لِتَمْرِينِهِ وَاعْتِيَادِهِ فَيَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ حَجٍّ وَتِجَارَةٍ إذَا بَلَغَ سِيَّمَا إذَا كَانَتْ حِرْفَتُهُ بِرُكُوبِهِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي السَّفَرِ بِمَالِهِ ؛ إذْ لَا تَمْرِينَ فِيهِ مَعَ التَّغْرِيرِ ، وَالْمُرُورُ تَحْتَ الْحَائِطِ الْمَائِلِ جَائِزٌ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَإِذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِي رُكُوبِ الْحَوَامِلِ الْبَحْرَ كَيْفَ لَا يَجُوزُ رُكُوبُهُنَّ .

( فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَسَفَرٍ ) أَوْ نَهْبٍ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ لِلْأَبِ ذَلِكَ كَالْقَاضِي ، وَإِذَا أَقْرَضَهُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُهُ ( فَيُقْرِضُهُ ) وَفِي نُسْخَةٍ : وَيُقْرِضُهُ ( مَلِيًّا أَمِينًا وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى ) فِي أَخْذِهِ مَصْلَحَةً ، وَإِلَّا تَرَكَهُ ( وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا إنْ عُدِمَ ذَلِكَ ) أَيْ التَّمَكُّنُ مِنْ إقْرَاضِهِ
( قَوْلُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى إلَخْ ) هُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : وَيَأْخُذُ بِهِ رَهْنًا إنْ رَأَى فِي أَخْذِهِ مَصْلَحَةً ، وَإِلَّا تَرَكَهُ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَهَذَا مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي إقْرَاضِ مَالِهِ أَخْذُ الرَّهْنِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَقَدْ يُسْرِعُ مَنْ عَلَيْهِ فِي ضَيَاعِ مَالِهِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى الِاسْتِيثَاقِ بِالرَّهْنِ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ كَانَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بُسْتَانٌ فَأَجَّرَ وَلِيُّهُ بَيَاضَ أَرْضِهِ بِأُجْرَةٍ بَالِغَةٍ وَافِيَةٍ بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى الشَّجَرِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ ، وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ ، وَذَكَرَهَا الْإِسْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَلْغَازِ عَنْهُ وَقَالَ هِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَحُكْمُهَا مُتَّجَهٌ .

( فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ ) إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ( وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُجْتَنَبَ ) فِي الْمُعَامَلَةِ ( فِعْلٌ وَيُجْبِرُ الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ عَلَى الِاكْتِسَابِ ) إنْ كَانَ لَهُمَا كَسْبٌ لِيَرْتَفِقَا بِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا ( وَلِلسَّفِيهِ ) إذَا وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ ( أَنْ يَقْتَصَّ وَأَنْ يَعْفُوَ ) بِمَالٍ وَبِدُونِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا ( فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ قَبَضَهُ وَلِيُّهُ ) لَا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ كَمَا مَرَّ د .

( كِتَابُ الصُّلْحِ ) وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وَخَبَرُ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا ، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِ مِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِ عَلَى وَالْبَاءِ ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي أَحْكَامِهِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِنْكَارِ ) أَوْ السُّكُوتِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَلَوْ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مَعَ ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ ) بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا : صَالِحْنِي عَنْ دَارِك عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ خُصُومَةٍ ( إلَّا إنْ نَوَيَا بِهِ الْبَيْعَ ) فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ خُصُومَةٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ كِتَابَةٌ .

( كِتَابُ الصُّلْحِ ) ( قَوْلُهُ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا إلَخْ ) الصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ أَنْ يُصَالِحَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَمِنْهُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ بِهِ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَالُهُ الْحَلَالُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا يَدَّعِيهِ قَوْلُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ حَرَامٌ ، أَوْ صَادِقًا فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَالُهُ الْحَلَالُ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } ( قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ ) وَمَا زَعَمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ مُنَافٍ لِلْمَعْنَى مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ لَا يُنَافِي الْبَيْعَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ بِخِلَافِ ، وَهَبْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ ، فَإِنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يُنَافِي الْبَيْعَ فَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهَا فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَفِي قَوْلِهِ : صَالِحْنِي اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَاهُ لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهِ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّأْيِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْهِبَةِ ذَاتِ الثَّوَابِ .

( وَهُوَ ) أَيْ الصُّلْحُ ( نَوْعَانِ الْأَوَّلُ صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ بَيْعٌ ) مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا ( فَمَنْ خُوصِمَ فِي دَارٍ ، وَأَقَرَّ بِهَا ) لِلْمُدَّعِي ( ثُمَّ صَالَحَ عَنْهَا بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ اشْتَرَاهَا بِهِ فَتَلْزَمُ ) فِيهِ ( أَحْكَامُ الْبَيْعِ كُلُّهَا مِنْ الْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهْلِ ) وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : كَالْغَرَرِ بَلْ لَوْ قَالَ : كَالْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ كَانَ أَوْلَى ؛ إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ أَيْضًا ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَمَنْعِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( ، وَحُكْمُ الرِّبَا ) أَيْ وَيَلْزَمُ فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ ( وَ ) بَيْعِ ( الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ ) نَصَّ عَلَيْهِمَا مَعَ دُخُولِهِمَا فِيمَا قَبْلَهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِمَا فِيهِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ سَائِرِ الْبُيُوعِ ( فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً ) وَصَالَحَ عَلَيْهَا ( مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ إجَارَةٌ ) فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهَا ( وَإِنْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ ) غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ ( صَحَّ وَلَوْ بِدَيْنٍ ) كَذَلِكَ ( لَكِنْ بِشَرْطِ تَعْيِينِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( فِي الْمَجْلِسِ ) لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ ) فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ( إنْ اجْتَنَبَ الرِّبَا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فِيهِ أَيْضًا .

( قَوْلُهُ فَمَنْ خُوصِمَ فِي دَارٍ إلَخْ ) لَوْ صَالَحَ مِنْ عَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْعٌ ، أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا مَوْصُوفٍ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ سَلَمٌ وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَقَالَ : صَالَحَنِي مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَوَهَبَنِي خَمْسَمِائَةٍ وَلِي بَيِّنَةٌ ، وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ : فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ لَا يُحْكَمُ بِالْبَاقِي ا هـ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ : وَهَبَنِي كَذَا كَقَوْلِهِ : أَبْرَأَنِي ( قَوْلُهُ وَحُكْمِ الرَّبَّا ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْبُطْلَانِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى : أَحْكَامُ ( قَوْلُهُ فَهُوَ إجَارَةٌ ) فَيَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَلَفْظِ الصُّلْحِ لَا الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ غَيْرُ دَيْنِ السَّلَمِ ) أَيْ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ .

النَّوْعُ ( الثَّانِي صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَمَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ ) مَثَلًا ( فَهُوَ فِي الْعَيْنِ هِبَةٌ لِلْبَعْضِ ) الْبَاقِي ( فَيُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ بِالْإِذْنِ ) فِيهِ ( وَفِي الدَّيْنِ إبْرَاءٌ ) عَنْ الْبَاقِي فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ ( وَيَصِحُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ ) لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ ، وَهِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ قَدْ وُجِدَتْ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْهِبَةِ بِذَلِكَ ( فَلَوْ قَالَ : صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْك بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَاشْتَرَطَ الْقَبُولَ ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَقْتَضِيهِ ( بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِبْرَاءِ ) وَنَحْوِهِ كَالْإِسْقَاطِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ كَ أَبْرَأْتُكَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي عَلَيْكَ أَوْ حَطَطْتهَا عَنْك أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي ( ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْبَاقِي ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ قَبْضُ الْبَاقِي ( فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ ) الْمُصَالَحُ بِهَا ( مُعَيَّنَةً لَمْ يَصِحَّ ) لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا لِأَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ كَالْإِسْنَوِيِّ الْإِمَامَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ الصِّحَّةُ ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ ضَعِيفٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ عَقِبَهُ : وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَقُولَ : الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي ، وَعَلَى الصِّحَّةِ جَرَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ( وَأَمَّا ) الصُّلْحُ ( عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ ) أَيْ حَالَيْ تَعْيِينِ الْخَمْسِمِائَةِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهَا ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ، وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلُ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِنْكَارِ ، وَلَوْ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ كَأَصْلِهِ عَقْدٌ فِيمَا يَأْتِي لِلصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَصْلًا ( وَلَا يَصِحُّ )

الصُّلْحُ ( بِأَلْفِ حَالٍّ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُكَسَّرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ ، وَهُمَا لَا يَسْقُطَانِ ( وَلَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَصِحُّ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُكَسَّرٍ عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ أَوْ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يَلْحَقَانِ ( لَكِنْ مَنْ عَجَّلَ مُؤَجَّلًا ) أَوْ أَدَّى صَحِيحًا عَنْ مُكَسَّرٍ ( جَازَ ) لِلدَّائِنِ ( قَبُولُهُ ) فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ وَالتَّكْسِيرُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ أَهْلِهِمَا نَعَمْ إنْ ظَنَّ الْمُؤَدِّي صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعًا فِي بَيْعٍ وَأَتَى بِالثَّانِي عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ( وَمَنْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ بِخَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَلَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ ) بَلْ هُوَ مُسَامَحَةٌ بِحَطِّ خَمْسِمِائَةٍ وَبِإِلْحَاقِ أَجَلٍ بِالْبَاقِي وَالْأَوَّلُ سَائِغٌ دُونَ الثَّانِي ( فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ ) مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ ( لَا التَّأْجِيلُ ، وَفِي عَكْسِهِ ) بِأَنْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ بِخَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ ( يَبْطُلُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمِقْدَارِ لَيَحْصُلَ الْحُلُولُ فِي الْبَاقِي ، وَالصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ ، وَلِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِالْمُؤَجَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَا تَرَكَ مِنْ الْقَدْرِ لِأَجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّرْكُ .

( قَوْلُهُ : وَالْقَبْضُ بِالْإِذْنِ فِيهِ ) أَيْ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِهِ مِنْهُ وَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ لِمُدَّعِي الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَالْإِسْقَاطِ ) أَيْ وَالْهِبَةِ وَالْحَطِّ وَالتَّرْكِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ ( قَوْلُهُ : وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي ) قَالَ شَيْخُنَا : إنَّمَا قَالَ : وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاءِ كَفَى ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَأْتِي فِيهِ أَحْكَامُ الصُّلْحِ كَسَبْقِ الْخُصُومَةِ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الصُّلْحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ ( قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي ) فَقَالَ : وَأَصَحُّهُمَا يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْبَعْضِ ، وَإِسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ) وَقَدْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالسُّقُوطِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ هَذَا .

( فَرْعٌ لَا يَصِحُّ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ ، وَلَا الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ ) فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا ( وَلَا صُلْحُ الْكُفَّارِ ) عَنْ الْكَفِّ عَنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ( عَلَى مَالٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ) ؛ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ فِيهَا ، وَلِأَنَّ الْعَيْنَ فِي الْأُولَى مِلْكُ الْمُدَّعِي فَإِذَا بَاعَهَا بِبَعْضِهَا فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ أَوْ بَاعَ الشَّيْءَ بِبَعْضِهِ ، وَهُوَ مُحَالٌ ( بِخِلَافِ غَيْرِهَا ) مِنْ بَقِيَّةِ صُوَرِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَالٍ فِي صُلْحِ الْكُفَّارِ قَاصِرٌ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ كَفَكِّ أَسْرَى مِنَّا فِي أَيْدِيهِمْ ( وَلَوْ صَالَحَ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ لَمْ يَصِحَّ ) لِجَهْلِ صِفَتِهَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ لَمْ يَصِفْهُ .
قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ كَفَكِّ أَسْرَى مِنَّا إلَخْ ) هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأُولَى .

( فَرْعٌ وَإِنْ تَرَكَ الْوَارِثُ حَقَّهُ لِأَخِيهِ ) مَثَلًا كَأَنْ قَالَ : تَرَكْتُ حَقِّي ( مِنْ التَّرِكَةِ ) لَك ( فَقِيلَ لَمْ يَصِحَّ ) وَحَقُّهُ بِحَالِهِ لِتَعَيُّنِ التَّمْلِيكِ وَالْقَبُولِ فِي أَعْيَانِهَا وَالْإِبْرَاءِ فِي دُيُونِهَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً حَتَّى تَصِحَّ مَعَ النِّيَّةِ ( وَإِنْ صَالَحَ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا مُعَيَّنَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا ) لَهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَصَالَحَ عَنْهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ( جَازَ لِاسْتِيفَاءِ الْأَلْفِ وَالِاعْتِيَاضِ عَنْ الذَّهَبِ بِالْأَلْفِ الْآخَرِ ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ أَصْلِهِ : وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَبْلَغُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ الْأَلْفِ الْآخَرِ وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا كَانَ الصُّلْحُ عَنْهُ اعْتِيَاضًا ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ مِنْ صُوَرِ مُدِّ عَجْوَةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ السَّابِقَةِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا صُلْحُ حَطِيطَةٍ فَبَعُدَ فِيهَا الِاعْتِيَاضُ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( صَالَحَهُ عَنْ الدَّارِ الْمُدَّعَاةِ بِسُكْنَاهَا سَنَةً فَعَارِيَّةٌ لَهَا يَرْجِعُ فِيهَا ) مَتَى شَاءَ ( وَلَا أُجْرَةَ ) لَهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْعَارِيَّةِ ( أَوْ ) صَالَحَهُ عَنْهَا ( عَلَى ) أَيْ بِشَرْطِ ( سُكْنَاهَا سَنَةً بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِجَارَةٌ بِمَنْفَعَةٍ ) وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَنْ أَقْسَامِ الصُّلْحِ خَمْسَةً الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِبْرَاءَ وَالْعَارِيَّةَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ مِنْهَا السَّلَمُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّعَى بِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ ، وَالْجَعَالَةُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي وَالْخُلْعُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الْقِصَاصِ وَالْفِدَاءِ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ : صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ وَالْفَسْخِ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهَا كَغَيْرِهِ لِأَخْذِهَا مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ .
( قَوْلُهُ : وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ مِنْهَا السَّلَمُ إلَخْ ) وَفَاتَهُ أَرْبَعَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا : أَنْ تَقَعَ فَرْضًا لِلْمُفَوِّضَةِ ، وَأَنْ تَقَعَ مُتْعَةً ، وَأَنْ تَقَعَ رَهْنًا كَقَوْلِهِ : صَالِحْنِي مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَهْنًا عِنْدِي عَلَى مَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ ، وَأَنْ تَقَعَ قَرْضًا كَقَوْلِهِ : صَالِحْنِي مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى أَنْ أَصْرِفَهَا فِي حَوَائِجِي ، وَأَرُدَّ لَكَ بَدَلَهَا فَيَقُولَ : صَالَحْتُك أَوْ أَقْرَضْتُك إيَّاهَا ، وَتَقَعُ أَيْضًا قُرْبَةً فِي أَرْضٍ وُقِفَتْ مَسْجِدًا فَادَّعَاهَا شَخْصٌ ، وَأَنْكَرَ الْوَقْفَ فَصَالَحَهُ آخَرُ مِنْهَا عَلَى مَالِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا ( قَوْلُهُ كَصَالَحْتُكَ مِنْ هَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي ) لَوْ قَالَ الزَّوْجُ صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى طَلْقَةٍ فَيُتَّجَهُ أَيْضًا صِحَّتُهُ .

( فَصْلٌ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ بَاطِلٌ ) لِمَا مَرَّ ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَنْكَرَ الْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحَّ الصُّلْحُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِهَا كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ ، وَاسْتَشْكَلَهُ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ : رَدَدْتهَا إلَيْك ثُمَّ صَالَحَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ : إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَقَدْ أَقَرَّ بِالضَّمَانِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَكَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَأْخُذَ مَا بَذَلَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ ، وَفِيهِ فَرْضُ كَلَامِهِ ، فَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي فَفِيهِ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظُّفُرِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ : وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ، ثُمَّ أَقَرَّ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمَصَالِحِ حِينَ الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ انْتَهَى ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ شَرْطُ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ ( وَلَوْ قَالَ : صَالِحْنِي عَنْ الْعَيْنِ ) الَّتِي تَدَّعِيهَا أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي تَدَّعِيهِ ( لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فَالصُّلْحُ بَعْدَهُ صُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك الْكَاذِبَةِ ، أَوْ عَنْ دَعْوَاك بَلْ الصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى بَاطِلٌ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا ؛

لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا وَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا ( وَإِنْ قَالَ بِعْنِي ) أَوْ هَبْنِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ زَوِّجْنِي ) هَذِهِ ( أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا تَدَّعِيهِ ( فَإِقْرَارٌ ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْتِمَاسِ التَّمَلُّكِ ( أَوْ ) قَالَ ( : أَعِرْنِي أَوْ أَجِّرْنِي فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إقْرَارٌ كَقَوْلِهِ : بِعْنِي ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَعِيرُ مِلْكَهُ وَيَسْتَأْجِرُهُ مِنْ مُسْتَأْجَرِهِ ، وَمِنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ ( وَيَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُنْكِرِ ، وَلَوْ بَعْدَ التَّحْلِيفِ ) لِأَنَّ الْمُبْرِئَ يَسْتَقِلُّ بِالْإِبْرَاءِ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى الْقَبُولِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الْغَرِيمِ ( وَلَوْ تَصَالَحَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ لَمْ يَجُزْ ) بِمَعْنَى لَمْ يَحِلَّ ، وَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَصَالَحَا قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالصُّلْحِ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا هَلْ اصْطَلَحَا عَنْ إقْرَارٍ ) أَوْ إنْكَارٍ ( صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصِّحَّةِ .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ بَاطِلٌ ) سَوَاءٌ أُجْرِيَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَمْ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ ، أَوْ بَعْضِهِ لَا يُقَالُ : إنَّهُ يَصِحُّ عَلَى بَعْضِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُدَّعِي ، وَلَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَالْمُدَّعِي يَزْعُمُ اسْتِحْقَاقَ الْكُلِّ وَأَنَّهُ وَهَبَ النِّصْفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْكِسُ ذَلِكَ ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إذَا اخْتَلَفَ الدَّافِعُ وَالْقَابِضُ فِي الْجِهَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ وَهُوَ يَقُولُ : إنَّمَا بَذَلْت الْبَعْضَ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنِّي حَتَّى لَا يَرْفَعَنِي إلَى قَاضٍ ، وَيُقِيمُ عَلَيَّ بَيِّنَةَ زُورٍ ، وَالْبَذْلُ لِهَذِهِ الْجِهَةِ بَاطِلٌ ، وَكَتَبَ أَيْضًا يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ ، فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا ، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا ، وَمِنْ ذَلِكَ اصْطِلَاحُ الْوَرَثَةِ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدٌ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ ، وَوَقَفَ لَهُمَا نَصِيبَ زَوْجَةٍ فَاصْطَلَحَتَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِنْكَاحِ صَحَّ ) وَكَذَا إذَا حَلَفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ( قَوْلُهُ : وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ إلَخْ ) وَجَزَمَ صَاحِبُ الْكَافِي بِهَذَا ( قَوْلُهُ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ ) أَيْ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ إقْرَارِهِ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ شَرْطُ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي صَارَ مُشْتَرِيًا يَدَّعِي الْعَيْنَ

لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُعَاوِضُ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ عَلَى مُعْتَقِدِهِ ظَاهِرًا ، فَمِنْ أَجْلِ هَذَا إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لَهُ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقْرِمَ ثُمَّ يُصَالِحَ فَلَمَّا قَصَّرَ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَا يَدَّعِي الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ : صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك الْكَاذِبَةِ إلَخْ ) أَيْ أَوْ الْفَاسِدَةِ ( قَوْلُهُ أَوْهِبْنِي ) أَيْ أَوْ مَلِّكْنِي ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي لَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ إقْرَارٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ أُبْرِئَ الْمَدْيُونُ ثُمَّ ادَّعَى الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمُبْرَأِ مِنْهُ إنْ بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ رُوجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ السَّبَبِ كَالثَّيِّبِ فِي الصَّدَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِلَّا فَيُقْبَلُ قَالَ شَيْخُنَا : فَإِنْ ادَّعَى طُرُوُّ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا ( قَوْلُهُ : صُدِّقَ الْمُنْكِرُ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُهُ عَنْ إنْكَارٍ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ قَالَ : بَرِئْت مِنْ الْحَقِّ أَوْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فَقَالَ مَلَّكَنِيهَا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الدَّعْوَى وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِالْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا جَرَى .

( فَصْلٌ وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْمُقِرِّ أَجْنَبِيٌّ عَنْ بَعْضِ الْعَيْنِ ) الْمُدَّعَاةِ ( أَوْ عَنْ كُلِّهَا بِعَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ ) مَثَلًا ( فِي ذِمَّتِهِ بِوَكَالَةٍ ) لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ بِأَخْبَارِهِ ( صَحَّ ) الصُّلْحُ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِمَا ، وَكَّلَهُ بِهِ ، وَصَارَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ ( فَلَا ) يَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ ، وَقَدْ مَرَّ وَتَرَكَ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ هُنَا صُلْحَ الْحَطِيطَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ : عَلَى نِصْفِ الْمُدَّعِي ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ الصُّلْحَ عَنْ بَعْضِ الْعَيْنِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِعَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِعَبْدِهِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْوَكِيلُ صَالَحَ عَنْ الْمُقِرِّ ( عَلَى عَيْنٍ ، وَالْمَالُ لِلْوَكِيلِ ) أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ( فَكَشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ ) بِإِذْنِهِ ( بِمَالِ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ ) بَيَانُهُ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ ، وَبَيَّنْت ثَمَّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ ، وَيَقَعُ لِلْآذِنِ ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ ( وَإِنْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ ) بِعَيْنِ مَالِهِ أَوْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ( صَحَّ ) لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ مَعَهُ خُصُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ ( وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ : وَكَّلَنِي ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِمُصَالَحَتِك عَلَى نِصْفِهِ أَوْ ثَوْبِهِ هَذَا ) فَصَالَحَهُ ( صَحَّ ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا ( أَوْ عَلَى ثَوْبِي هَذَا لَمْ يَصِحَّ ) لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنِ غَيْرِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ صُوَرِ الْعَيْنِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَقَعُ لِلْآذِنِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْخَلَاقَ فِيهِمَا سَوَاءٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ إلْحَاقِ هَذِهِ بِتِلْكَ فَيَصِحُّ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا وَأَدَّاهُ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَا تَصْحِيحَ لَهُ

فِي هَذِهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْحِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ النَّوَوِيِّ ( وَلَوْ صَالَحَ لِوَكِيلٍ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ ( لِنَفْسِهِ ) بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الصِّحَّةِ وَيُوَافِقُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ عَدَمِهَا كَمَا قَدَّمْته ثَمَّ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ : وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ عَلَى عَيْنٍ ، أَوْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ ( فَإِنْ صَالَحَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْيِينِ الْخَمْسِمِائَةِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهَا وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ الْمُخَالِفِ لِكَلَامِ الْإِمَامِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ ( وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ ) ظَاهِرًا ( وَقَالَ أَقَرَّ عِنْدِي ) وَلَمْ يُظْهِرْهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِك لَهُ ( وَوَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك ) لَهُ فَصَالَحَهُ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولَةٌ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَعَادَهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ .
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : وَقَالَ : أَقَرَّ عِنْدِي مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك لَهُ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ : صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا وَبِقَوْلِهِ وَوَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك لَهُ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ ( فَلَوْ قَالَ أَنْكَرَ ) الْخَصْمُ ( وَهُوَ مُبْطِلٌ ) فِي إنْكَارِهِ ( فَصَالِحْنِي لَهُ بِعَبْدِي هَذَا ) لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا ( صَحَّ ) الصُّلْحُ ( عَنْ الدَّيْنِ لَا ) عَنْ ( الْعَيْنِ ) إذْ لَا يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ

دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ تَمْلِيكِهِ الْعَيْنَ ( أَوْ ) فَصَالِحْنِي ( لِنَفْسِي وَالْمُدَّعَى عَيْنٌ فَكَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ : وَهُوَ مُبْطِلٌ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هُوَ مُنْكِرٌ ، وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَك ، وَصَالَحَهُ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ لَهُ أَمْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُنْكِرٌ قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ دَارًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَأَقَرُّوا لَهُ جَازَ لَهُمْ مُصَالَحَتُهُ فَإِنْ دَفَعُوا لِبَعْضِهِمْ ثَوْبًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ لِيُصَالِحَ عَلَيْهِ جَازَ ، وَكَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا لِلْبَاقِينَ ، وَلَوْ قَالُوا لِوَاحِدٍ : صَالِحْهُ عَنَّا بِثَوْبِك فَصَالَحَهُ عَنْهُمْ .
فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ فِي الصُّلْحِ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ وَإِلَّا فَفِي إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ وَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ تَلْغُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُمْ وَهَلْ الثَّوْبُ هِبَةٌ لَهُمْ أَمْ قَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ ، وَإِنْ أُلْغِيَتْ فَهَلْ يَصِحُّ الصُّلْحُ كُلُّهُ لِلْعَاقِدِ أَوْ يَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الشُّرَكَاءِ ، وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ عَلَى قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ صَالَحَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَالِهِ لَهُ دُونَ إذْنِ الْبَاقِينَ لِيَتَمَلَّكَ الْجَمِيعُ جَازَ أَوْ عَلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَلَهُمْ لَغَا ذِكْرُهُمْ وَعَادَ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ لَهُ أَوْ يَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِمْ وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ عَلَى قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْمُقِرِّ أَجْنَبِيٌّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ : شَرْطُ صِحَّةِ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ أَنْ لَا يُعِيدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ ، وَإِلَّا كَانَ عَزْلًا ، وَأَصْلُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَسَيَأْتِي ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ إلْحَاقِ هَذِهِ بِتِلْكَ إلَخْ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِشِدَّةِ الضَّعْفِ فِي هَذِهِ بِسَبَبِ كَوْنِ الْمَصَالِحِ عَنْهُ دَيْنًا وَكَوْنِ الْمَصَالِحِ عَلَيْهِ مِلْكًا لِغَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ ( قَوْلُهُ يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الصِّحَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَقَرَّ عِنْدِي ) لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْإِقْرَارِ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَلْ لَوْ قَالَ : وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَك صَحَّ الصُّلْحُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ فِي التَّصْحِيحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولَةٌ ) ثُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ ( قَوْلُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا ) وَبَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَهُوَ فِي يَدِ الْغَيْرِ ، وَمَا لَا يَجُوزُ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ : أَنَا قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهَا فِي الْأَصَحِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ هُنَا ، وَفِي بَيْعِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُمَا ذُكِرَ مَحْضَ تَغَلُّبٍ بَلْ الْمُرَادُ التَّغَلُّبُ أَنْ يَثْبُتَ الْغَصْبُ قَبْلُ ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْإِثْبَاتِ ثُمَّ الِانْتِزَاعُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ ( قَوْلُهُ : إنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ مُنْكِرٌ ، وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ ) ، مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ : هُوَ مُحِقٌّ ، أَوْ قَالَ : صَالَحَنِي فَقَطْ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَفِي إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا عَدَمُهُ ( قَوْلُهُ

وَهَلْ الثَّوْبُ هِبَةٌ لَهُمْ أَمْ قَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا ( قَوْلُهُ فَهَلْ يَصِحُّ كُلُّهُ لِلْعَاقِدِ أَوْ يَبْطُلُ إلَخْ ) أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا .

( فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَوْقَفَ مَالٌ إلَى التَّبَيُّنِ ، أَوْ اصْطِلَاحُ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِ كَمَالِ وُقِفَ لِزَوْجَتَيْنِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا ) وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ ، وَهِيَ بَائِنٌ ( أَوْ ) مَالٌ وُقِفَ ( لِشَخْصَيْنِ ) عِنْدَ وَدِيعٍ وَقَدْ ( أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحَقُّهُ مِنْهُمَا فَاصْطَلَحَا ) أَيْ الزَّوْجَتَانِ ، أَوْ الشَّخْصَانِ ( عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدُهُمَا وَيُعْطِيَ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَهُ وَشَرْطُهُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ ( أَوْ عَلَى أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ جَازَ ) لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ نُزُولٌ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَسَيَأْتِي مَا لَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ .

( مَسَائِلُ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ لَوْ ( صَالَحَهُ ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ ( عَنْ الدَّارِ ) مَثَلًا ( عَلَى ) نَحْوِ ( عَبْدٍ ) مُعَيَّنٍ ( فَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ ) لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( انْفَسَخَ الْعَقْدُ ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالِانْفِسَاخِ تَسْمَحُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ ) لِلْعَبْدِ ( بِتَلَفٍ وَنَحْوِهِ ) كَتَعَيُّبٍ فِي يَدِهِ ( رَجَعَ فِي جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ ) بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ ( وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ ) الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ( فِي الذِّمَّةِ ) بِأَنْ صُولِحَ عَلَيْهِ ، وَقَبَضَهُ الْمُدَّعِي ، وَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ ( اُسْتُبْدِلَ بِهِ ) أَيْ أَخَذَ بَدَلَهُ ( وَلَا فَسْخَ ) وَلَا انْفِسَاخَ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْعِوَضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالدَّرَاهِمِ .

( وَإِنْ وَقَفَ أَرْضًا ) مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ ( وَأَقَرَّ بِهَا لِمُدَّعٍ ) لَهَا ( غَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ ) أَيْ قِيمَتَهَا لِإِحَالَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهِ ( فَإِنْ أَنْكَرَ وَصَالَحَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ ) الصُّلْحُ ( ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي قُرْبَةٍ ) وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ عَلَى الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ وُقِفَ ، وَالصُّلْحُ عَمَّا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ ، وَتَعْبِيرُهُ بِوَقْفِ الْأَرْضِ أَنَصُّ فِي الْمُرَادِ وَأَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِبِنَائِهَا مَسْجِدًا .

( وَإِنْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ ) مَالِكَهَا ( بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ) مِنْ حَبْسِهَا ( أَوْ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ ، وَلَا عَلَى مُؤَجَّلٍ كَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ عَلَى مُؤَجَّلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا .

( وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ ) الصُّلْحُ ( وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ) أَحَدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ ( وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ ) بِالْمُدَّعِي ( فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ عَلَى فَاسِدٍ ( بَلْ بَذْلُهُ ) أَيْ الْمَالِ لِذَلِكَ ( وَأَخْذُهُ حَرَامٌ ، وَهَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُقِرًّا وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا لَا ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ ( فَلَوْ وَكَّلَ ) الْمُنْكِرُ ( فِي الصُّلْحِ عَنْهُ ) أَجْنَبِيًّا ( جَازَ ) التَّوْكِيلُ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( كَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الصُّلْحِ لِإِقَالَةِ الشُّبْهَةِ ) عَنْهُ .
( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَادَّعَاهَا فَإِنْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ فَصَالَحَهُ صَحَّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْبِرِّ ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ : إذَا وَقَفَ مِلْكًا أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَأَقَرَّ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ فَإِنْ صَالَحَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُصَالِحْهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْأَظْهَرُ نَعَمْ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا : لَا وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَ فَسَادَ الصُّلْحِ فَيَصِحَّ أَوْ يَجْهَلَهُ فَلَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُنْشَآتِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ ) ( الطَّرِيقُ النَّافِذُ ) بِالْمُعْجَمَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ ( مُبَاحٌ لَا يَمْلِكُ ) لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( فَتْحُ بَابٍ ) مِنْ مِلْكِهِ ( إلَيْهِ ) كَيْفَ شَاءَ ( وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ ) التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَلَهُ ( إشْرَاعُ ) أَيْ إخْرَاجُ ( جَنَاحٍ ) أَيْ رَوْشَنٍ ( وَسَابَاطٍ فِيهِ ) أَيْ سَقِيفَةٍ بَيْنَ حَائِطَيْهِ ( لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ ، وَلَا يَضُرُّ الْمَارَّ ) الْمَاشِيَ ( الْمُنْتَصِبَ تَحْتَهُ ) وَعَلَى رَأْسِ الْحُمُولَةِ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً أَمْ ضَيِّقَةً لَا تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ، وَتَقْيِيدُهُ الظَّلَامَ بِالْمَشَقَّةِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ ، وَفِي التَّتِمَّةِ : إنْ انْقَطَعَ الضَّوْءُ كُلُّهُ أَثَرٌ ، وَإِنْ نَقَصَ فَلَا ، وَتَصْرِيحُهُ بِالْمُسْلِمِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَكَذَا ) لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ ( بِالْمَحْمَلِ مَعَ كَنِيسَةٍ ) أَيْ أَعْوَادٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَيْهِ مُعَدَّةٍ ؛ لَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا سُتْرَةٌ تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَتَسْتُرُهُ ( عَلَى الْبَعِيرِ إنْ كَانَتْ ) أَيْ الطَّرِيقُ ( جَادَّةً ) أَيْ وَاسِعَةً تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا فَقَدْ يَتَّفِقُ ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ .
وَقَالَ : إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ حَسَنٌ { : لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ خَاصَّةً ( وَلَوْ أَحْوَجَ ) الْإِشْرَاعُ ( إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى الْكَتِفِ ) أَيْ كَتِفِ الرَّاكِبِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ

( لَمْ يَضُرَّ ) فِي جَوَازِ الْإِشْرَاعِ ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَيْسَ بِعَسِيرٍ ، وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ الطِّينِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ ، وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا ، وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ ، وَقَوْلُهُ : يُضِرُّ بِالْمَارِّ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَضَرَّ بِهِ إضْرَارًا بِخِلَافِ يَضُرُّهُ مِنْ ضَرَّهُ ضَرَرًا فَإِنَّهُ بِفَتْحِهَا ( وَلَا يُحْدِثُ فِيهِ دَكَّةً ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَسْطَبَةً ( وَ ) لَا ( شَجَرَةً وَلَوْ اتَّسَعَ ) الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِهِمَا الطُّرُوقَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ ، وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِمَا وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ ، وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا لَهُ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ ، وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدَّكَّةِ ، وَإِنْ كَانَ بِفِنَاءِ دَارِهِ ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي جَوَازُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ

مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ( ، وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ ) فِي مُحَاذَاتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ ( صَارَ أَحَقَّ ) بِهِ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ ، أَوْ نَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاق بِهِ ، وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ فَإِنْ قُلْت : قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْت : الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ ، وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْأَحْيَاءِ ( وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ ) إذْ لَا ضَرَرَ ( أَوْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى جَنَاحِ صَاحِبِهِ ( أَوْ مُقَابِلِهِ إنْ لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ ) أَيْ انْتِفَاعُ صَاحِبِهِ ( وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ ) بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ ( لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِتَقْصِيرِ جَنَاحِهِ وَرَدِّهِ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَ إلَيْهِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ ) قَوْلُهُ الطَّرِيقُ النَّافِذُ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ وَقَفَ مِلْكَهُ شَارِعًا ( قَوْلُهُ إشْرَاعُ جَنَاحٍ ) الْمُرَادُ بِهِ إبْرَازُ الْخَشَبِ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ ( قَوْلُهُ : لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ ) بِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ بِإِظْلَامِ الْمَوْضِعِ فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ مُنِعَ ( قَوْلُهُ الْغَالِبَةُ ) قَالَ الْأُشْمُونِيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ( تَنْبِيهٌ ) فَإِنْ قِيلَ إذَا جَازَ الْجَنَاحُ فَلَهُ نَصْبُهُ وَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ السِّكَّةِ ، وَقَالُوا فِي الْمِيزَابِ : لَهُ تَطْوِيلُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ السِّكَّةِ فَلِلْجَارِ الْمُقَابِلِ مَنْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ، قِيلَ : الْفَرْقُ أَنَّ الْجَارَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمِيزَابِ فَكَانَ حَقُّهُ فِيهِ كَحَقِّ الْجَارِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَصْبِ الْجَنَاحِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هَكَذَا ظَنَنْته ع ( قَوْلُهُ : أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ ) وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَشْبَهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إلَخْ ) يَمْنَعُ مِنْ طَرْحِ الْكُنَاسَةِ عَلَى جَوَادِ الطَّرِيقِ وَتَبْدِيدِ قُشُورِ الْبِطِّيخِ وَرَشِّ الْمَاءِ بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ ، وَيُخْشَى مِنْهُ السُّقُوطُ ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ ، وَإِلْقَاءِ النَّجَاسَةِ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى التَّخَلِّي فِي الطَّرِيقِ ( قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرِ بِالْمَسْجِدِ إلَخْ ) وَبِأَنَّ شَجَرَةَ الْمَسْجِدِ يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ قَطْعِهَا إذَا رَأَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ ، وَشَجَرَةُ الْمَالِكِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَفِيهِ تَحَجُّرٌ عَلَى الْمَارَّةِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا ) أَيْ فَإِنَّهَا

مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا غَرَسَهَا لِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدِّكَّةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي جَوَازُهُ إلَخْ ) وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَا أَبْدَاهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَفِي كَوْنِ الدَّارِ فِي الشَّارِعِ لَهَا حَرِيمٌ كَلَامٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدِّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ ، وَالدِّكَكُ إنَّمَا تُبْنَى غَالِبًا فِي أَفَنِيَّةِ الدُّورِ لَا عَلَى أَبْوَابِهَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّكَّةِ الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهَا ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَقْطَعِ أَنْ يُبْنَى فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِهِمَا كَغَيْرِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ بِنَاءِ الدِّكَّةِ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ وَمَا هُنَا عَلَى بِنَاءِ الدِّكَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ فِيمَا زَادَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ إقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيَكُونُ إقْطَاعُ الْإِمَامِ فِيمَا زَادَ رَافِعًا لِلْمَنْعِ فِيهِ أب قَالَ شَيْخُنَا : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ إنْ أَقْطَعَهُ لِلِارْتِفَاقِ وَبِلَا عِوَضٍ جَازَ أَوْ بِعِوَضٍ أَوْ لِلتَّمَلُّكِ امْتَنَعَ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ .
( قَوْلُهُ : قُلْت : الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ إلَخْ ) فَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِفَرْقَيْنِ : الْأَوَّلُ أَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ ، وَعِنْدَ السُّقُوطِ اسْتِحْقَاقُ الطُّرُوقِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ الثَّانِي أَنَّ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ اخْتِصَاصٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي

مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُمَلَّكَ بِالْإِحْيَاءِ قَصْدًا فَقَوِيَ الْحَقُّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمَلُّكُهُ لِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ فَكَذَلِكَ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ، وَالِاخْتِصَاصُ بِالْهَوَاءِ اخْتِصَاصٌ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ فَضَعُفَ الْحَقُّ فِيهِ فَلِذَلِكَ زَالَ بِزَوَالِهِ أَيْ فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّ الرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ لَا مَكَانَ لَهُ ، وَلَا تَمَكُّنَ ، وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَرْضِ فَلَهَا مَكَانٌ وَتَمَكُّنٌ فس وَفَرَّقَ غَيْرُ صَاحِبِ الْمَطْلَبِ بِفَرْقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْجَنَاحِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ لَا لِلْمُرُورِ وَلَا لِلشَّارِعِ ، وَإِذَا سَبَقَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ جَنَاحًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مُؤَبَّدٌ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ مُؤَبَّدٌ فَإِذَا سَقَطَ جَنَاحُهُ كَانَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ الْآنَ وَأَمَّا مَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ فَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمِلْكِ بَلْ هُوَ دَائِرٌ عَلَى السَّبْقِ فَمَنْ سَبَقَ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ فِي السَّبْقِ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهِمَا سَابِقٌ عَلَى السَّبْقِ إلَى وَضْعِ الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ ا هـ .

( فَرْعٌ الطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ ) طَرِيقًا ( أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مَعَ وُضُوحِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ا هـ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَاعْتِبَارُ اللَّفْظِ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَأَمَّا ثِنْيَاتُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ ، وَيَسْلُكُونَهَا فَتَرَدَّدَ الْجُوَيْنِيُّ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ ، أَوْ لَا حَكَاهُ عَنْهُ الْأَصْلُ ، وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا الْقَمُولِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ ، وَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَوَاتِ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي هَذَا ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّرِيقَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ ( فَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا ) فِيهِ ( الظَّاهِرَ ) وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى مُبْتَدَأٍ جَعَلَهُ طَرِيقًا ( وَلْيُجْعَلْ ) أَيْ الطَّرِيقُ ( سَبْعَةَ أَذْرُعٍ إنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ : وَهَذَا التَّحْدِيدُ تَابَعَ فِيهِ النَّوَوِيُّ إفْتَاءَ ابْنِ الصَّلَاحِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ .
وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ عُرْفُ الْمَدِينَةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَمَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسَّبْعَةِ ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً ، وَالْآخَرُ

أَرْبَعَةً أَوْ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً ، وَالْآخَرُ عَشَرَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مَعْنًى ( فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ) مِنْ سَبْعَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ ( لَمْ يُغَيِّرْ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ ، وَإِنْ قَلَّ ( وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ ) مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يُسَبِّلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا ، وَعَنْهُ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : عِنْدَ الْإِحْيَاءِ ( وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي شَارِعِ الْمُسْلِمِينَ ) وَإِنْ جَازَ لَهُ اسْتِطْرَاقُهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَائِهِمْ ، وَاسْتِطْرَاقُهُ لَهُ لَيْسَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا بَذَلَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا : إنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ ، قَالَهُ فِي الْمَطَالِبِ ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَرُبَ مِنْهُ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ ( وَيَهْدِمُ ) وُجُوبًا الْجَنَاحَ ( إنْ فَعَلَ ) أَيْ إنْ فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَدْمُهُ بِالْحَاكِمِ أَوْ لَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمَطْلَبِ وَقَالَ : الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ .

( قَوْلُهُ : وَأَمَّا بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْبُنَيَّاتُ بِالْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ جَمْعُ بُنَيَّةٍ مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّوَسُّطِ : وَهَذَا التَّفْسِيرُ وَالضَّبْطُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَحْرِيفٌ قَبِيحٌ وَالصَّوَابُ بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ ثُمَّ النُّونُ جَمْعُ بُنَيَّةٍ مُصَغَّرًا ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْخَفِيَّةُ فِي الْوَادِي ا هـ وَفِي الصِّحَاحِ بُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ هِيَ الطُّرُقُ الصِّغَارُ تَنْشَعِبُ مِنْ الْجَادَّةِ ( قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي شَارِعِ الْمُسْلِمِينَ ) لَوْ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ دَارًا لَهَا أَجْنِحَةٌ فَكَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَالِيَةً عَلَى دُورِهِمْ ( قَوْلُهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَائِهِمْ ) وَأَفْتَيْت بِمَنْعِهِ مِنْ الْبُرُوزِ بِبَنَاتِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ الْإِعْلَاءِ وَالْجَنَاحِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا ع وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُونَ مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي أَفَنِيَّةِ دُورِهِمْ الَّتِي هِيَ بَيْنَ دُورِنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ جَازَ لَهُمْ سُلُوكُهُ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي مَحَالِّهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ .

( فَصْلٌ الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ مِلْكُ مَنْ نَفِدَتْ أَبْوَابُهُمْ إلَيْهِ ) لَا مَنْ لَاصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا يُقَالُ : لَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ لَمَا جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ لِأَنَّا نَقُولُ : جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُ ، وَمِنْ وَلِيِّهِ ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مَسَائِلَ قَرِيبَةٍ مِنْ ذَلِكَ كَالشُّرْبِ مِنْ أَنْهَارِهِمْ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ : الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ خِلَافَهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ طَرِيقًا لِلنَّاسِ قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فِيهِ ( وَشَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ ) مِنْ رَأْسِ السِّكَّةِ ( إلَى بَابِهِ ) لَا إلَى آخِرِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ بَاقِيهَا ( وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَلَا لِمَنْ دَارُهُ بِأَعْلَى السِّكَّةِ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَيُقَالُ : لَهَا الدَّرْبُ وَالزُّقَاقُ ( إشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ ) وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ( إلَّا بِرِضَاهُمْ ) جَمِيعِهِمْ فِي الْأُولَى ، وَبَاقِيهِمْ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّخْصِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَفِي الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَجُوزُ بِرِضَا مَالِكِهِ وَبِرِضَا شَرِيكِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقَوْلُهُ : بِأَعْلَى السِّكَّةِ شَامِلٌ لِلْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ وَالْعُلُوِّ النِّسْبِيِّ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ مَا لَيْسَ بِأَقْرَبَ إلَى آخِرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْمَلْ النِّسْبِيَّ لَفُهِمَ حُكْمُهُ بِالْمُسَاوَاةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ اعْتِبَارُهُ

أَيْضًا إنْ تَضَرَّرَ بِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ .
قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَشَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إلَى بَابِهِ إلَخْ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لِجَمَاعَةٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَبَنَى كُلُّ وَاحِدٍ دَارًا وَتَرَكُوا الْمَمَرَّ بِلَا قِسْمَةٍ أَوْ كَانَتْ مِلْكَ شَخْصٍ فَبَنَى فِيهَا دَارًا وَتَرَكَ الْمَمَرَّ ثُمَّ انْتَقَلَتْ السِّكَّةُ وَدُورُهَا عَنْهُ فَالطَّرِيقُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِلْجَمِيعِ ( قَوْلُهُ وَلَا لِمَنْ دَارُهُ إلَخْ ) دَارُهُ مِثَالٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ فُرْنٌ أَوْ حَانُوتٌ أَوْ نَحْوُهَا كَانَ كَالدَّارِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ اعْتِبَارُهُ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ ) أَيْ وَنَحْوُهُ .

( وَيَجُوزُ لِلْأَقْرَبِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ إشْرَاعُهُ ) أَيْ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ ( وَلَهُمْ قِسْمَةُ صَحْنِهِ ) أَيْ صَحْنِ الطَّرِيقِ غَيْرِ النَّافِذِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ ( فَإِنْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ مَا يَلِيهِمْ أَوْ قِسْمَتَهُ جَازَ ) لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مِلْكِهِمْ بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ ، وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ السَّدِّ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ ) لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ لِذَلِكَ وَ ( لَمْ يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ ) بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ نَعَمْ إنْ سَدَّ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ سَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ السَّدُّ ( فَإِنْ وَقَفَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا ) أَوْ وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُرُورِ ) إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ قَالَ : وَعَلَى قِيَاسِهِ لَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ ، وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ السِّكَّةِ لِحَقِّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْإِشْرَاعِ الَّذِي لَا يَضُرُّ ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا ، وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ أَوْ وُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَوْ فَتَحَ أَحَدُهُمْ ) فِيهِ ( بَابًا ) آخَرَ ( أَوْ مِيزَابًا ) آخَرَ ( أَسْفَلَ بَابِهِ ) أَوْ مِيزَابِهِ ( مُنِعَ ) أَيْ مَنَعَهُ مِنْ الْمَفْتُوحِ بَيْنَ بَابِهِ وَرَأْسِ السِّكَّةِ سَوَاءٌ أَسُدَّ الْأَوَّلُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ السِّكَّةِ ، أَوْ مُقَابِلُ

الْمَفْتُوحِ كَمَا صَرَّحَ بِالْأُولَى فِي الْأَصْلِ وَبِالثَّانِيَةِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ ، وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهَا بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ ( أَوْ ) فَتْحُ مَا ذُكِرَ ( أَعْلَى ) ذَلِكَ ( اُشْتُرِطَ ) لِجَوَازِهِ ( سَدُّ الْأَوَّلِ ) وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ مُنِعَ لِتَضَرُّرِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ بِزِيَادَةِ الزَّحْمَةِ بِانْضِمَامِهِ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ أَيْ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ شَرِكَتُهُ بِسَبَبِهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا خَاصَّةً وَقَدْ يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ اسْتِطْرَاقِ .
( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ مُقَابِلُ الْمَفْتُوحِ ) هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ ( قَوْلُهُ وَبِالثَّانِيَةِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ ) أَيْ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ مَنْ هُوَ مُقَابِلُ الْبَابِ الْأَوَّلِ كَذَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَابُ الْجَدِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَكَانَ الْمَنْعُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ .
ا هـ .
فس ( قَوْلُهُ لِتَضَرُّرِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ ) أَيْ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُ أَوْ يُقَابِلُونَهُ ( قَوْلُهُ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَيْ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ ) لَا يَتَقَيَّدُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ الشَّارِحُ .

( فَرْعٌ ) لَهُ فِي سِكَّةٍ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا ، وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ( وَلَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ بَيْنَ دَارَيْهِ إنْ كَانَ بَابُهُمَا جَمِيعًا أَوْ ) بَابُ ( أَحَدِهِمَا ) الْأَوْلَى إحْدَاهُمَا ( إلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ ) أَيْ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ يُفْتَحَانِ إلَى طَرِيقَيْنِ غَيْرِ نَافِذَيْنِ أَوْ غَيْرِ نَافِذٍ وَشَارِعٍ فَتْحُ بَابٍ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ مَمَرًّا إلَى الدَّارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهِ هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ الْجُمْهُورِ ، وَفِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَفْعَ الْحَائِطِ بَيْنَهُمَا وَجَعْلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً وَتَرَكَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا جَازَ قَطْعًا انْتَهَى ، وَهُوَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ : أَمَّا إذَا قَصَدَ اتِّسَاعَ مِلْكِهِ وَنَحْوَهُ فَلَا مَنْعَ أَيْ قَطْعًا ، وَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ عَكْسَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُصَادِفٌ لِلْمِلْكِ ( وَلَيْسَ لِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ ) فِي السِّكَّةِ ( إحْدَاثُ جَنَاحٍ أَوْ بَابٍ ) لِلِاسْتِطْرَاقِ إلَّا بِرِضَا أَهْلِهَا كَمَا مَرَّ وَمَسْأَلَةُ إحْدَاثِ الْجَنَاحِ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا ، فَإِنَّهُ قَدَّمَهَا ( فَلَوْ سَمَّرَهُ ) أَيْ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ ( جَازَ ) وَالْمُرَادُ أَنَّ فَتْحَهُ لِيُسَمِّرَهُ جَائِزٌ .
وَكَذَا فَتْحُهُ لِلِاسْتِضَاءَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جَمِيعِ الْجِدَارِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ أَفْقَهُ وَمُنِعَ بِمَا مَرَّ مِنْ تَعْلِيلِ الْجَوَازِ وَسُمِرَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا ( وَلَوْ أَذِنُوا ) فِي إحْدَاثِ جَنَاحٍ أَوْ بَابٍ لِمَنْ يَتَوَقَّفُ فَتْحُهُ عَلَى إذْنِهِمْ ( فَلَهُمْ الرُّجُوعُ ) عَنْ الْإِذْنِ مَتَى شَاءُوا ( كَالْعَارِيَّةِ ) نَعَمْ لَا يَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ الرُّجُوعُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَنَاحِ

بَعْدَ إخْرَاجِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ ، وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَهُوَ لَا يُكَلِّفُ ذَلِكَ ، وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْأَلَةِ فَتْحِ الْبَابِ ، وَذَلِكَ لَا يَأْتِي فِيهِ ، وَاقْتَصَرَ أَيْضًا عَلَى فَتْحِهِ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي السِّكَّةِ وَنُقِلَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ بِالرُّجُوعِ شَيْءٌ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فِي أَرْضٍ أَعَارَهَا لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا قَالَ : وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ ، وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا بَنَى فِي مِلْكِهِ وَالْمَبْنَى بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَزَالُ فَلَا غُرْمَ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَقْلَعُ فَغَرِمَ الْأَرْشَ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ ، وَهُوَ خَسَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ .
( وَيَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ ) لِمَنْ يَتَوَقَّفُ فَتْحُهُ عَلَى إذْنِهِمْ ( عَلَى ) بِمَعْنَى عَنْ إحْدَاثِ ( الْبَابِ ) بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ ( لَا ) عَنْ إحْدَاثِ ( الْجَنَاحِ ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُبَاعُ ) مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إحْدَاثِهِ فِي الشَّارِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فِي مَبْحَثِهِ ( وَيَكُونُ ) الْمُصَالِحُ ( شَرِيكَهُمْ ) فِي السِّكَّةِ بِقَدْرِ مَا مَلَكَ بِالْمُصَالَحَةِ فَهِيَ بَيْعٌ ( إلَّا إنْ قَدَّرَ مُدَّةً فَهِيَ إجَارَةٌ ) وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَطْلَقُوا ، وَبِمَا إذَا شَرَطُوا

التَّأْبِيدَ ، وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِيهِمَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالسِّكَّةِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ؛ إذْ الْبَيْعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ ، قَالَ : وَأَمَّا الْإِجَارَةُ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ ( وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ فِي آخِرِ السِّكَّةِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ، وَجَعْلُ مَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ آخِرِهَا وَبَابِهِ ( دِهْلِيزًا ) بِكَسْرِ الدَّالِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ ( وَإِنْ صَالَحَهُ ) غَيْرُهُ بِمَالٍ ( لِيُجْرِيَ نَهْرًا فِي أَرْضِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ ) أَيْ لِلْمُصَالِحِ ( لِمَكَانِ النَّهْرِ بِخِلَافِ ) الصُّلْحِ عَنْ ( إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى السَّقْفِ وَ ) عَنْ ( فَتْحِ بَابٍ إلَى دَارِ الْجَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا ) لِشَيْءٍ مِنْ السَّقْفِ وَالدَّارِ ( ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا ) فِي عَقْدِ الصُّلْحِ ( عَيْنُ الْإِجْرَاءِ وَالِاسْتِطْرَاقِ ) مَعَ كَوْنِهِمَا لَا يَقْصِدُ مِنْهُمَا ذَلِكَ فِي ذَاتِهِمَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي فَرْقَ الْأَصْلِ بَيْنَ عَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَالْمِلْكِ فِي السِّكَّةِ بِالصُّلْحِ عَنْ فَتْحِ بَابٍ فِيهَا بِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ بِخِلَافِهِمَا ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقَ وَإِجْرَاءَ الْمَاءِ .
وَلَوْ قُرِئَ غَيْرُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءُ لَمْ يَحْتَجْ لِلْعِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَمُشْتَرِي حَقِّ إجْرَاءِ النَّهْرِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي السَّقْفِ وَالدَّارِ ( كَمُشْتَرِي حَقِّ الْبِنَاءِ ) عَلَيْهِمَا فِي أَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بَيْعًا مَحْضًا ، وَلَا إجَارَةً مَحْضَةً بَلْ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا لَكِنْ فِي تَعْبِيرِهِ بِالنَّهْرِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ إجْرَاءَ مَائِهِ لَا يَأْتِي فِي السَّقْفِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ قَالَ فِيهَا بِلَا مِيمٍ أَيْ فِي الْأَرْضِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ

.

( قَوْلُهُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ غَيْرُ نَافِذَيْنِ أَوْ غَيْرُ نَافِذٍ وَشَارِعٍ إلَخْ ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مَمْلُوكٍ وَشَارِعٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ مِلْكَهُ ، وَالْأُخْرَى فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَرَضِيَ الْمَالِكُ بِفَتْحِ بَابٍ مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ إلَى الْأُخْرَى فَكَالْمَمْلُوكِينَ قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ عَكْسُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَلَهُ فَتْحُ بَابٍ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ إلَخْ ) نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمْعٍ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ عَلَيْهِ شِبَاكًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَسَمَرَهُ ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَمَّرَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَوْثَقَهُ بِالْمِسْمَارِ وَالتَّخْفِيفُ لُغَةٌ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ شَرِيكٌ ) وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ ؛ إذْ الشَّرِيكُ لَا يَزَالُ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِهِ .
( قَوْلُهُ وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا إلَخْ ) اُعْتُرِضَ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ لِلْبِنَاءِ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْقَلْعِ ، وَإِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَضْمَنُ لَهُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ فَبِالْأَوْلَى إنْ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الرُّجُوعِ ، وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ أَرْشَ تَعَيُّبِ الْجِدَارِ بِالنَّقْبِ ، وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرَدٍ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحَفْرِ ، وَقَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ أَنَّ الْمُعَيَّرَ يَغْرَمُ الْأُجْرَةَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ

الرُّجُوعِ هُنَاكَ إلَخْ ) هَذَا إيضَاحٌ لِفَرْقِ الْمَطْلَبِ ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ إحْدَاثِهِ فِي الشَّارِعِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالِحُ الْإِمَامَ أَمْ غَيْرَهُ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ إنْ ضَرَّ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَالْمُخْرِجُ يَسْتَحِقُّهُ ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمُرُورِ ( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَطْلَقُوا أَوْ بِمَا إذَا شَرَطُوا التَّأْبِيدَ ) فَهُوَ بَيْعُ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ ، وَجَعْلُ الْفَاتِحِ كَأَحَدِهِمْ كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ نَهْرًا كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِلنَّهْرِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِيهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ إلَخْ ) جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْأَمْلَاكِ كَحَقِّ الْمُرُورِ وَمَجْرَى الْمَاءِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ كَمَا جَوَّزَ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً لِلضَّرُورَةِ إرْفَاقًا بِالنَّاسِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالشَّائِبَةِ صَوَابٌ ، وَإِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الدَّقَائِقِ : إنَّهُ تَصْحِيفٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ فِيهَا بِلَا مِيمٍ إلَخْ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ .

( فَرْعٌ لِلْمَالِكِ إحْدَاثُ الْكَوَّاتِ وَالشَّبَابِيكِ ) وَلَوْ لِغَيْرِ الِاسْتِضَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَهِيَ الطَّاقَةُ ( وَ ) لَهُ ( حَفْرُ سِرْدَابٍ أَحْكَمَهُ بَيْنَ دَارَيْهِ تَحْتَ الطَّرِيقِ النَّافِذِ ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ( لَا ) تَحْتَ الطَّرِيقِ ( الْمَسْدُودِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الطَّرِيقَ يُقَالُ عَلَى النَّافِذِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّارِعِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عَامٌّ فِي الصَّحَارِيِ وَالْبُنْيَانِ وَالنَّافِذِ وَغَيْرِهِ وَالشَّارِعُ خَاصٌّ بِالْبُنْيَانِ وَبِالنَّافِذِ .
( قَوْلُهُ فَرْعٌ لِلْمَالِكِ إحْدَاثُ الْكَوَّاتِ إلَخْ ) قَيَّدَهُ صَاحِبُ الشَّافِي بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ وَرُدَّ بِتَصْرِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةٍ عَلَى جَارِهِ ، وَعَلَى حَرِيمِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الْجَارِ بِأَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ جِدَارًا يُقَابِلُ الْكَوَّةَ وَيَسُدُّ ضَوْأَهَا وَرُؤْيَتَهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا ، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ قَالَ السُّبْكِيُّ : فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تَخْرُجُ فَتَمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ ، وَقَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ لَهُ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ جِذْعٍ ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبَةٍ ، وَمِنْ بِنَاءٍ ( عَلَى جِدَارِهِ ) لِخَبَرِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ فِي أَرْضِهِ وَالْحَمْلَ عَلَى بَهِيمَتِهِ ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ } فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ وَرُؤْيَةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَظْرَفَةِ وَنَحْوِهَا وَخَشَبَةٍ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا ، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا ( وَلَوْ أَعَارَهُ ) لَهُ لِذَلِكَ ( فَلَهُ الرُّجُوعُ ) قَبْلَ الْوَضْعِ وَالْبِنَاءِ وَبَعْدَهُمَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ ( فَيَقْلَعُ ) ذَلِكَ إنْ شَاءَ ( بِالْأَرْشِ ) أَيْ مَعَ غُرْمِ أَرْشِ نَقْصِهِ ( أَوْ يَبْقَى ) ذَلِكَ ( بِالْأُجْرَةِ ) كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ ( وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ ) لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ ( ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَلَا تَتْبَعُ الْبِنَاءَ ) بَلْ تَسْتَتْبِعُهُ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ مَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ ( بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ ) وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ لِلْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ مَعَ الْأَرْشِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ تَفْرِيغُ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا تَوَجَّهَتْ إلَى مَا مَلَكَ غَيْرُهُ بِجُمْلَتِهِ ، وَإِزَالَةُ الظَّرْفِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ جَاءَتْ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ

الْحِصَّةِ مِنْ الْأَرْضِ فَنَظِيرُ مَا هُنَاكَ إعَارَةٌ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ ( وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى ) بِمَعْنَى عَنْ ( وَضَعَهُ ) أَيْ الْجِذْعَ عَلَى الْجِدَارِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْجِدَارِ وَهُوَ إمَّا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا ( بِخِلَافِ ) الصُّلْحِ عَنْ إشْرَاعِ ( الْجَنَاحِ ؛ لِأَنَّهُ هَوَاءٌ مَحْضٌ ) أَيْ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ هَوَاءٍ مَحْضٍ ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَإِنْ وَجَدْنَاهُ ) أَيْ الْجِذْعَ ( مَوْضُوعًا ) عَلَى الْجِدَارِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ ( فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ) وُضِعَ ( بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى ) لَهُ ( بِاسْتِحْقَاقِهِ ) دَائِمًا فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ الْجِذْعِ وَلِمَالِك الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْدِمًا ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .

( قَوْلُهُ فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ ) لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ إعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ فِي زَمَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَوْلُهُ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ الْقَرِيبِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ إلَخْ ) وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ ، وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَعَارَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ ) يَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَرَّةً لَوْ وَضَعَ أَحَدُ مَالِكَيْ الْجِدَارِ جُذُوعَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْهَدَمَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ الْمُخْتَصِّ وَالْمُشْتَرَكِ فِي أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَجْهًا ثَانِيًا ( قَوْلُهُ فَيُقْلَعُ بِالْأَرْشِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ مِلْكِهِ إلَّا بِتَخْرِيبِ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلًا مِلْكَ إنْسَانٍ وَكَبَّرَ وَصَارَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ فَإِنَّ لِمَالِكِهِ قَلْعَ الْبَابِ وَغُرْمَ النُّقْصَانِ فَكَذَا هُنَا ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ إلَّا الْقَلْعُ أَوْ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ وَلِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَلْعُ أَوْ التَّبْقِيَةُ بِأُجْرَةٍ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ ، وَبَقِيَ الْحَائِطُ بِحَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ

فِي وَضْعِ جِذْعٍ بِعَيْنِهِ عَلَى الْحَائِطِ فَأَرَادَ وَضْعَ غَيْرِهِ وَكَانَ الثَّانِي أَكْبَرَ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَأَثْقَلَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الْجِذْعَ بِعَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُعَيَّنًا بَلْ كَانَ مَوْصُوفًا وَأَرَادَ وَضْعَ جِذْعٍ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ أَمْ لَا الْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّرَ الزَّمَانَ أَوْ الْمَسَافَةَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي زَمَنِ اللَّيْلِ .

( فَصْلٌ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ ) بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ( تَتْرِيبُ الْكُتَّابِ مِنْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَهُمَا ( وَ ) لَا ( إحْدَاثُ كَوَّةٍ وَوَتِدٍ فِيهِ ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَايِقُ فِيهِ عَادَةً كَمَا لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ بِغَيْرِ إذْنٍ إمَّا بِالْإِذْنِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَوَّةِ وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَنْ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ : وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ أَيْضًا إلَّا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ( وَلَهُ الِاسْتِنَادُ وَإِسْنَادُ الْمَتَاعِ ) إلَى جِدَارِ شَرِيكِهِ ( وَإِلْصَاقُ جِدَارٍ بِهِ ) إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ( لَا يَثْقُلُهُ ) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ ( وَلَوْ مُنِعَ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنَادٌ مَحْضٌ ( وَهَكَذَا جِدَارُ الْغَيْرِ ) لَهُ ذَلِكَ فِيهِ ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ ، وَهُوَ كَالِاسْتِضَاءَةِ بِسِرَاجِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ ( وَلَهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( قِسْمَتُهُ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ وَعَكْسِهِ ) أَيْ قِسْمَتُهُ طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ ( بِالتَّرَاضِي ) لَا بِالْجَبْرِ فَلَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا ، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ لِاقْتِضَاءِ الْإِجْبَارِ الْقُرْعَةَ ، وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَخْرَجَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَضُرُّ الْآخَرَ فِي انْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ فَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَقَطْ ) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ ( وَالِارْتِفَاعُ ) لِلْجِدَارِ مِنْ الْأَرْضِ ( سَمْكٌ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّزُولُ مِنْهُ إلَيْهَا عُمْقٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ ( لَا طُولٌ وَعَرْضٌ ) لَهُ بَلْ طُولُهُ امْتِدَادُهُ مِنْ زَاوِيَةِ الْبَيْتِ إلَى زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى مَثَلًا ، وَعَرْضُهُ هُوَ الْبُعْدُ النَّافِذُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهِ إلَى الْآخَرِ ( وَ ) كَيْفَ يُقَسَّمُ الْجِدَارُ ( هَلْ يُشَقُّ ) بِالْمِنْشَارِ ( أَوْ يُعَلَّمُ ) بِعَلَامَةٍ كَخَطٍّ فِيهِ ( وَجْهَانِ )

الظَّاهِرُ جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا نَظَرَ فِي الْأَوَّلِ إلَى أَنَّ شَقَّ الْجِدَارِ إتْلَافٌ لَهُ وَتَضْيِيعٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَاشِرَانِ الْقِسْمَةَ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ هَدَمَاهُ وَاقْتَسَمَا النَّقْضَ ( وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ عَرْضِهِ ) أَيْ الْجِدَارِ قَبْلَ بِنَائِهِ أَوْ بَعْدَ هَدْمِهِ إذَا طَلَبَهَا مِنْهُ شَرِيكُهُ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( عَرْضًا ) فِي كَمَالِ ( طُولٍ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ ) مِنْهُمَا فِيمَا إذَا اقْتَسَمَا عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ ( بِمَا يَلِيهِ ) فَلَا يَقْتَسِمَانِ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِي الْآخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَسَمَا طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ ، وَقَوْلُهُ : لِيَخْتَصَّ كُلٌّ بِمَا يَلِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ فِي عَرْصَةِ الْجِدَارِ مَا مَرَّ فِيهِ بِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ ، وَيَتَيَسَّرُ قِسْمَتُهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْجِدَارِ .
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنَادٌ مَحْضٌ ) التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ لَا يُثْقِلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ عِنَادٌ مَحْضٌ ( قَوْلُهُ : وَالِاسْتِظْلَالُ بِجِدَارِهِ ) أَيْ وَالْمُرُورُ فِي أَرْضِهِ إذَا لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا بِاِتِّخَاذِهَا طَرِيقًا .

( فَصْلٌ لَوْ هَدَمَهُ ) أَيْ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لِاسْتِهْدَامِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَفِي نُسْخَةٍ لَوْ هَدَمَهُ أَحَدٌ ( لَزِمَهُ الْأَرْشُ ) أَيْ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا ، وَعَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ نَصَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى لُزُومِ الْإِعَادَةِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ( وَلَا إجْبَارَ عَلَى إعَادَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ ) وَفِي نُسْخَةٍ الْمَالِكَيْنِ ( وَلَا ) عَلَى إعَادَةِ ( الْبَيْتِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَلَوْ بِهَدْمِ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ لِاسْتِهْدَامِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ نَعَمْ يُجْبَرُ فِي الْأَرْضِ عَلَى إجَارَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ ، وَذِكْرُ الْبَيْتِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا ، وَإِصْلَاحِ دُولَابٍ بَيْنَهُمَا تَشْعَثُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْعِمَارَةِ ( وَلَا عَلَى سَقْيِ النَّبَاتِ ) مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَصَرَّحَ الْجُورِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ، وَنَقَلَ فِي الْمَطْلَبِ الْمَقَالَتَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِمْ فِي أَوَاخِرِ النَّفَقَاتِ كَلَامُ الْقَاضِي ( وَلَا عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ ) اسْتِقْلَالًا ، أَوْ مُعَاوَنَةً ( لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ ) أَيْ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَلَوْ كَانَ عُلُوُّ الدَّارِ لِوَاحِدٍ ، وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إعَادَتِهِ ، وَالسُّفْلُ وَالْعُلُوُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَكَسْرِهِ .
( بَلْ ) انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ ( لِلشَّرِيكِ فِي الْجِدَارِ )

الْمُشْتَرَكِ ( بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِنَاؤُهُ بِمَالِهِ ) أَيْ بِآلَتِهِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِخِلَافِ بِنَائِهِ بِآلَةِ الْآخَرِ أَوْ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثُمَّ مَا أَعَادَهُ بِآلَتِهِ مِلْكُهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَاءٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ قِيلَ : أَسَاسُ الْجِدَارِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ لَهُ بِنَاءَهُ بِآلَتِهِ ، وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ يُغَيِّرُ إذْنَ شَرِيكِهِ قُلْنَا ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ : لَا تَنْقُضُهُ لَا غُرْمَ لَك نِصْفُ الْقِيمَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ كَابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ بِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْبَكْرَةِ الْمُحْدَثَيْنِ ( فَإِنْ كَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْجِدَارِ الْمُنْهَدِمِ ( جِذْعُ خُيِّرَ الْبَانِي ) لَهُ ( بَيْنَ تَمْكِينِ الشَّرِيكِ مِنْ إعَادَتِهِ ) أَيْ الْجِذْعِ ( أَوْ نَقْضِ ) الْوَجْهِ وَنَقْضِ ( بِنَائِهِ ) الَّذِي أَعَادَهُ لِيُبْنَى مَعَهُ الْآخَرُ وَيُعِيدُ جِذْعَهُ .
( وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاؤُهُ ) أَيْ السُّفْلِ ( بِمَالِهِ فَقَطْ ، وَيَكُونُ ) الْمُعَادُ ( مِلْكَهُ ) وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ، وَقَوْلُهُ : فَقَطْ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ ( ، وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى ) فِي الْمُعَادِ ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( وَكَذَا لِلْأَسْفَلِ ) هَدْمُهُ ( إنْ بَنَاهُ ) أَيْ الْأَعْلَى ( قَبْلَ امْتِنَاعِهِ ) أَيْ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبِنَاءِ ( مَا لَمْ يَبْنِ ) الْأَعْلَى ( عُلُوَّهُ فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ ) وَلَيْسَ لَهُ هَدْمُهُ أَمَّا إذَا

بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ أَبَنَى عَلَيْهِ الْأَعْلَى عُلُوَّهُ أَمْ لَا رُبَّمَا قَالَهُ كَغَيْرِهِ يُؤْخَذُ أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ مِنْهُ ، وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ ، وَفِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ .

( قَوْلُهُ : وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الصُّلْحِ وَالْغَصْبِ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْبِنَاءِ مُمْكِنَةٌ إذَا كَانَ بِغَيْرِ طِينٍ وَنَحْوِهِ بَيْنَ الْأَحْجَارِ بَلْ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضِ مَوْضُوعًا عَلَى هَيْئَةِ الْبِنَاءِ ، وَقَالَ : إنَّهُ يُجْبَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى إعَادَتِهِ كَمَا فِي طَمِّ الْبِئْرِ بِتُرَابِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَفِي الْقَوَاعِدِ مِثْلُ هَذَا وَزَادَ فَقَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَ خَشَبَةً مِنْ جِدَارٍ أَوْ حَجَرًا مِنْ بَيْنِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ تَسْوِيَةَ الْحَفْرِ تَنْزِيلًا لِتَمَاثُلِ التَّأْلِيفِ مَنْزِلَةَ تَمَاثُلِ الْمِثْلِيَّاتِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ مُخَالَفَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْجَارِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ أَوْ الْمُتْلِفَ إذَا أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لَزِمَهُ مِثْلُهُ ، وَأَنَّهُ إذَا غَصَبَ شَيْئًا وَفَرَّقَ أَجْزَاءَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَجْزَاءَ الْجِدَارِ كُلَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَالْهَادِمُ لِلْجِدَارِ إنْ أَتْلَفَ أَجْزَاءَهُ لَزِمَهُ غَرَامَةُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ هَدَمَهُ فَقَطْ فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ كَلَّفَهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ شَاءَ غَرَّمَهُ أَرْشَ مَا نَقَصَ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْبُوَيْطِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَلَا إجْبَارَ عَلَى إعَادَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَلَوْ كَانَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمَصْلَحَتُهُ فِي الْعِمَارَةِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ الْمُوَافَقَةُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ أَمَّا الْوَقْفُ فَإِنَّ الشَّرِيكَ فِيهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ فَلَوْ

قَالَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ : لَا أُعَمِّرُ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ : بَلْ لَلشَّرِيكِ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِنَاؤُهُ بِمَالِهِ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِمَالِهِ مَا إذَا أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِلْآخَرِ مَنْعَهُ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَأَفْهَمَ جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ بِنَائِهِ بِآلَةِ الْآخَرِ أَوْ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهُ وَسَكَتَا عَمَّا لَوْ بَنَاهُ هَلْ لَهُ نَقْضُهُ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ تَمْكِينُهُ لِأَجْلِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ .
( قَوْلُهُ قُلْنَا : لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ ) فَكَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ بِنَاءُ السُّفْلِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ بِآلَتِهِ فَجَوَازُهُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَوْلَى ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا جُذُوعٌ لَا يَكُونُ لَهُ إعَادَتُهُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ حَقُّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخَائِرِ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ انْتِفَاعٌ بِعَرْصَةِ شَرِيكِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي إعَادَتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ يُرِيدُ يَبْتَدِئُ الِانْتِفَاعَ ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ يُجَابُ بِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْأُسِّ يَقَعُ تَابِعًا لَا مَقْصُودًا ، وَالْمَقْصُودُ بِالِانْتِفَاعِ إنَّمَا هُوَ الْجِدَارُ فَلِهَذَا مَكَّنَّاهُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك الدَّارَ وَأُسَّهَا دَخَلَ الْأُسُّ تَبَعًا ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْعَ مَجْهُولٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَكَانَ الضَّرَرُ فِيهِ أَخَفَّ بِخِلَافِ الْجِدَارِ ، فَإِنَّ الضَّرَرَ فِيهِ يَعْظُمُ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ ،

وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ صُورَتَهَا مَا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَلَبَّانِي وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ : وَعَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَتَبْقَى الْمَسْأَلَةُ عَلَى عُمُومِهَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ : إعَادَةُ مَا انْهَدَمَ بِآلَةِ نَفْسِهِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ مَنْ رَخَّصَ الشَّارِعُ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ حَيْثُ انْحَصَرَ كَوْنُ هَذَا التَّصَرُّفِ طَرِيقًا إلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ كَمَا رَخَّصَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ مَدْيُونِهِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْأَدَاءِ إذَا ظَفِرَ بِهِ ، وَمَنْ قَالَ : إنَّمَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْإِعَادَةُ بِآلَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْتَصُّ الْأُسُّ بِهِ ؛ إذْ رُبَّمَا يُرِيدُ شَرِيكُهُ الِانْتِفَاعَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَدْ سَهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي النَّقْضِ مِنْ غَيْرِ شَرِكَةٍ فِي الْأُسِّ إذَا أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ النَّقْضِ يَصِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْأُسِّ وَعَنْ الْآلَةِ الَّتِي يُعِيدُهَا شَرِيكُهُ وَالْمَبْحَثُ إعَادَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَمَنْعُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَا مَنْعُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْمَالِكِ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْبَكْرَةِ الْمُحْدَثَيْنِ ) قَالَ شَيْخُنَا لَوْ كَانَ الْبِئْرُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا دَلْوًا وَاحِدًا وَرِشَاءً وَاحِدًا قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُمَكِّنَ الشَّرِيكَ مِنْ الِاسْتِقَاءِ بِهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَهُمَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ لِيَنْصِبَ هُوَ رِشَاءً أَوْ دَلْوًا فَلَوْ فَعَلَ الْأَوَّلُ ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ الشَّرِيكُ وَطَلَبَ رَفْعَهُمَا لِيَنْصِبَ هُوَ رِشَاءً أَوْ دَلْوًا لَزِمَهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَبِمَا قَالَهُ كَغَيْرِهِ يُؤْخَذُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( تَعَاوَنَ الشَّرِيكَانِ ) بِبَدَنِهِمَا أَوْ بِإِخْرَاجِ مَالٍ ( فِي الْعِمَارَةِ ) لِلْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ انْهِدَامِهِ ( بِنِقْضِهِ ) بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا ( وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ ) بَيْنَهُمَا فِيهِ ( لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ( فَلَوْ أَعَادَهُ أَحَدُهُمَا بِهِ ) أَيْ بِنَقْضِهِ ( أَوْ بِآلَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْآخَرِ ) فِيهِمَا ( لِيَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ ) مِنْهُ ( جَازَ ) وَكَانَ السُّدُسُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فِي الْأُولَى وَثُلُثِ آلَتِهِ وَعَمَلِهِ فِي مُقَابَلَةِ سُدُسِ الْعَرْصَةِ فِي الثَّانِيَةِ هَذَا ( إنْ شَرَطَ لَهُ السُّدُسَ مِنْ النَّقْضِ ) فِي الْأُولَى ، وَمِنْ الْعَرْصَةِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلِلْآخَرِ فِيهَا ثُلُثُ الْآلَةِ ( فِي الْحَالِ وَعُلِمَتْ الْآلَةُ وَ ) عُلِمَ ( وَصْفُ الْجِدَارِ ) بِالْوَجْهِ إلَّا آتَى بَيَانَهُ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ الْآلَةُ ، أَوْ وَصْفُ الْجِدَارِ ، وَلَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِعَدَمِ صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْأَعْيَانِ فِي الْأُولَى .

( فَصْلٌ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى السَّقْفِ ) الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ( وَلِلْآخَرِ التَّعْلِيقُ الْمُعْتَادُ ) بِهِ كَثَوْبٍ ( وَلَوْ بِوَتِدٍ يَتِدُهُ ) فِيهِ وَكَذَا الِاسْتِكَانُ بِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ لِعَظْمِ الضَّرَرِ وَتَعَطَّلَتْ الْمَنَافِعُ ( بِخِلَافِ الْجِدَارِ ) الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَثَلًا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً كَمَا مَرَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِاتِّبَاعِ الْعُرْفِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَعْلَى ثَبَتَ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَطْعًا فَثَبَتَ لِلْأَسْفَلِ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا ، وَفِي الْجِدَارِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْآخَرِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا ( وَفِي جَوَازِ ) غَرْزِ ( الْوَتِدِ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ ) فِيمَا يَلِيهِ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْأَسْفَلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالثَّانِي لَا لِنُدُورِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ التَّعْلِيق .
( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا نَعَمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ تَجُوزُ إعَارَةٌ لِعُلُوٍّ ) مِنْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ ( لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَإِجَارَتِهِ ) لِذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُعَارُ وَتُؤْجَرُ ( فَإِنْ بَاعَهُ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْتُك حَقَّ الْبِنَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ ( لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ اسْتَحَقَّهُ ) أَيْ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ مِنْ مُكْثٍ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ ( مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَيْعِ ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا ( وَالْإِجَارَةِ ) لِوُرُودِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُمْلَكُ بِهِ عَيْنٌ وَإِنْ أَوْهَمَ خِلَافَهُ تَعْبِيرُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِبَيْعِ السَّقْفِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ ( فَلَوْ عَقَدَ ) عَلَى ذَلِكَ ( بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ صَحَّ وَتَأَبَّدَ ) الْحَقُّ ( إنْ لَمْ يُؤَقَّتْ ) بِوَقْتٍ ، وَإِلَّا فَلَا يَتَأَبَّدُ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْإِجَارَةِ ، وَجَازَ تَأْبِيدُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالْعَقْدِ فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ الَّتِي لَا تَأْقِيتَ فِيهَا عَقْدُ إجَارَةٍ اُغْتُفِرَ فِيهِ التَّأْبِيدُ لِمَا ذُكِرَ ( وَمَنْ هَدَمَ السُّفْلَ ) مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ ( طُولِبَ بِقِيمَةِ حَقِّ الْبِنَاءِ ) عَلَى الْعُلُوِّ ( لِلْحَيْلُولَةِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى أَمْ لَا ( مَعَ ) غُرْمِ ( الْأَرْشِ ) لَهُ أَيْ أَرْشِ نَقْصِ الْبِنَاءِ ( إنْ كَانَ قَدْ بَنَى ) وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ ( فَإِنْ أُعِيدَ السُّفْلَ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ ) لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ ، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى ، وَإِعَادَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى ، وَكَذَا لَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ ، وَأُعِيدَ فَلَا يَنْفَسِخُ هَذَا الْعَقْدُ بِعَارِضِ هَدْمٍ وَانْهِدَامٍ لِالْتِحَاقِهِ بِالْبُيُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( تَنْبِيهٌ ) لَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةً لِبِنَاءٍ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ

قَالَ الْإِمَامُ : لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى مَالِكِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَالِكُهُ ، وَقَدْ اسْتُهْدِمَ لَمْ تَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ .
قَوْلُهُ فَلَوْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ صَحَّ وَتَأَيَّدَ إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ( قَوْلُهُ أَيْ أَرْشُ نَقْصِ الْبِنَاءِ ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَهْدُومًا ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنَّ الْمُتَّجَهَ وَهُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ وَاخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا إذَا أَجَّرَهُ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً فَيَنْبَغِي تَخْرِيجُ الْفَسْخِ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْهِدَامِ الدَّارِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ فِي الْبِنَاءِ ( بَيَانُ مَكَان الْبِنَاءِ ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ يَجِبُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْبِنَاءِ ، وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِهِ طُولًا وَعَرْضًا فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ ( وَكَذَا سَمْكُهُ ) أَيْ الْبِنَاءِ ( وَطُولُهُ وَعَرْضُهُ وَصِفَتُهُ ) كَكَوْنِهِ مُنَضَّدًا أَوْ خَالِي الْجَوْفِ ، وَكَوْنُهُ مِنْ آجُرٍّ وَجِصٍّ أَوْ مِنْ لَبِنٍ وَطِينٍ وَنَحْوِهَا ( وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ ) عَلَى الْبِنَاءِ كَكَوْنِهِ خَشَبًا أَوْ قَصَبًا أَوْ جَرِيدًا أَوْ إزْجًا ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ( سَوَاءٌ كَانَ ) الْإِذْنُ فِيهِ ( بِعِوَضٍ أَمْ لَا ) وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَحْسَبُهُ ( وَتُغْنِي مُشَاهَدَةُ الْآلَةِ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ ) هَذَا كُلُّهُ إذَا أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ مِنْ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَإِنْ بَنَى ) يَعْنِي فَإِنْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ ( عَلَى الْأَرْضِ كَفَى بَيَانُ مَكَانِ الْبِنَاءِ ) لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : وَسَكَنُوا عَنْ حَفْرِ الْأَسَاسِ ، وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ قَدْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةَ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلَا بَيْعُ حَقِّ الْبِنَاءِ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَفْرِ الْأَسَاسِ لِيَرَى مَا يُؤْجَرُهُ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُ حُقُوقَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْأَرْضِ صَخْرَةً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُحْفَرَ لِلْبِنَاءِ أَسَاسٌ أَوْ يَكُونَ الْبِنَاءُ خَفِيفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسَاسٍ ، وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ مَحَلُّهُ إذَا آجَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَى

الْأَسَاسِ لَا فِيمَا إذَا آجَرَهُ الْأَرْضَ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا وَيُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَ الْأَسَاسِ ، وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَعُمْقَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ الْآتِي عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ قَدْرِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( تَنَازَعَا فِي سُفْلٍ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ لِلْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ ) الْمُدَّعِي ( عَلَى الْعُلُوِّ ) وَيَكُونُ السُّفْلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَهُوَ بَيْعٌ لِلسُّفْلِ بِحَقِّ الْبِنَاءِ ) عَلَى الْعُلُوِّ ( أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَيْتًا فَأَقَرَّ ) لَهُ ( بِهِ وَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ الْمُقِرُّ عَلَى سَطْحِهِ ) أَيْ الْبَيْتِ ( فَهُوَ عَارِيَّةٌ ) لَهُ

( فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ لَا غَيْرِهِ ) مِنْ سَطْحِ الْمُشْتَرِي ( عَلَى السَّطْحِ ) أَيْ سَطْحِ الْبَائِعِ لِيَنْزِلَ الطَّرِيقُ ( وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ ) كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا ( إنْ عُرِفَتْ السُّطُوحُ الَّتِي يَجْرِي ) الْمَاءُ ( مِنْهَا وَإِلَيْهَا ) وَمَجْرَى الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا وَلَا بَأْسَ بِالْجَهْلِ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ ، وَهَذَا عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ، وَخَرَجَ بِمَاءِ الْمَطَرِ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ : لَا غَيْرِهِ كَمَاءِ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أُرِيدَ سَقْيُ الْأَرْضِ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَاءِ الْغُسَالَةِ ( فَإِنْ بَنَى ) عَلَى سَطْحِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( مَا يَمْنَعُ النُّفُوذَ ) لِمَاءِ الْمَطَرِ ( نَقَبَهُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ ) وَأَجْرَيَا الْمَاءَ فِيهِ لِمِلْكِهِمَا الْمَنْفَعَةَ ( لَا الْمُسْتَعِيرُ ) ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ ذَلِكَ رُجُوعٌ فِي الْعَارِيَّةِ ( وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْتَحِقِّ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ مُشَارَكَتُهُ ) أَيْ الْغَيْرِ ( فِي الْعِمَارَةِ ) لَهُ إذَا انْهَدَمَ ، وَلَوْ بِسَبَبِ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْآلَاتِ ، وَهِيَ لِمَالِكِهَا وَلِأَنَّ الِانْهِدَامَ بِسَبَبِ الْمَاءِ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ ( وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَّةِ ) لَهَا ( إلَى بَيَانٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ ) فِيهَا ( مَتَى شَاءَ وَالْأَرْضُ تَحْمِلُ ) مَا تَحْمِلُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا ) لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا ( وَجَبَ بَيَانُ مَوْضِعِ السَّاقِيَّةِ ) وَهِيَ الْمُجْرَاةُ ( وَطُولُهَا وَعَرْضُهَا وَعُمْقُهَا وَقَدْرُ الْمُدَّةِ ) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ فَإِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَشْكَلَ بِذَلِكَ قَالَ فِي الشَّامِلِ : وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءُ فِي سَاقِيَةٍ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ قَالَ فِي الْأُمِّ : وَيَجِبُ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ لِسَاقِيَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فَاشْتِرَاطُهُ كَوْنَ السَّاقِيَةِ مَحْفُورَةً إنَّمَا ذُكِرَ فِي الْعَقْدِ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ لَا فِي الْعَقْدِ عَلَى إجْرَائِهِ فِي أَرْضٍ كَمَا صَنَعَ الْأَصْلُ بَلْ وَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ اشْتِرَاطَ بَيَانِ مَوْضِعِ السَّاقِيَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا ؛ فَلِهَذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَوْلُ الشَّامِلِ : إنَّ هَذَا إجَارَةٌ يُخَالِفُهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ بَيْعٌ قَالَ سَوَاءٌ وَجَّهَ الْعَقْدَ إلَى الْحَقِّ بِأَنْ قَالَ : صَالَحْتُك عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ أَمْ إلَى الْعَيْنِ بِأَنْ قَالَ : صَالَحْتُك عَلَى مُسَبَّلِ الْمَاءِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا إذَا وَجَّهَهُ إلَى الْحَقِّ أَنَّهُ عَقْدٌ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَإِنْ قَالَ : بِعْتُك مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ طُولِهَا وَعَرْضِهَا لَا عُمْقِهَا ، أَوْ بِعْتُك حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فَكَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ .
( وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ ) فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا ( دُخُولُ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِلتَّنْقِيَةِ ) لِلنَّهْرِ ( وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجَهُ مِنْ النَّهْرِ ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ ( وَلَيْسَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي إجْرَاءِ ) مَاءٍ ( الْمَطَرِ ) عَلَى السَّطْحِ ( طَرْحُ الثَّلْجِ ) عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حَتَّى يَذُوبَ ، وَيَسِيلَ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( وَلَا أَنْ يُجْرِيَ ) فِيهِ ( مَاءَ الْغُسَالَاتِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ بَلْ ( وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى طَرْحِ الثَّلْجِ عَلَيْهِ وَإِجْرَاءِ مَاءِ الْغُسَالَاتِ عَلَيْهِ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ ، وَفِيهِمَا جَهَالَةٌ ، وَفِي الْأَوَّلِ ضَرَرٌ

ظَاهِرٌ ( ، وَمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ ) وَلَا غَيْرَهُ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ لَا غَيْرِهِ إلَخْ ) شَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إلَى الطَّرِيقِ إلَّا بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَيَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ ، وَالْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا قَالَهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ قَالَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا أَمْرَانِ التَّأْقِيتُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا ، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ فِيهَا ابْتِدَاءً ( قَوْلُهُ أَشْكَلَ بِذَلِكَ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا إنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى دَوَامِهِ وَلِلتَّضَرُّرِ بِهَدْمِهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ كَمَا قَالَهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ قَالَ : لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا أَمْرَانِ التَّأْقِيتُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا ، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ فِيهَا ابْتِدَاءً قَوْلُهُ : قَالَ فِي الشَّامِلِ : وَلَوْ صَالَحَ إلَخْ ) مَا حَكَاهُ عَنْ الشَّامِلِ مِنْ وُجُوبِ الْحَفْرِ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِيهِ إلَخْ ) بَلْ هُوَ مُنَاسِبٌ لَهُ وَيُجَامِعُ الِاشْتِرَاطَ الْمَذْكُورَ ( قَوْلُهُ بَيَانُ مَوْضِعِ السَّاقِيَةِ ) أَيْ الْمُجْرَاةِ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّامِلِ : إنَّ هَذَا إجَارَةٌ يُخَالِفُهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ إلَخْ ) هُوَ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا عُقِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ جَارِيًا فِيمَا إذَا عُقِدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّامِلِ عَلَى مَا إذَا عُقِدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ لَا عُمْقُهَا ) ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا إلَى

الْقَرَارِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ وَفِيهِمَا جَهَالَةٌ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا الْمَانِعُ مِنْهُ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْجَارِي إذَا كَانَ عَلَى السَّطْحِ ، وَبَيَّنَ مَوْضِعَ الْجَرَيَانِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْبِنَاءِ فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَبْنِي ، وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ النَّاسِ أَوْ الْغَالِبِ ، وَهُوَ بِلَا شَكَّ يَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ الْبِنَاءِ فَمَنْ بَنَى حَمَّامًا وَبِجَانِبِهِ أَرْضٌ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ حَقَّ مَمَرِّ الْمَاءِ فَلَا تَوَقُّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُتَوَلِّي مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ عَلَى السَّطْحِ ( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ إلَخْ ) أَيْ وَلَمْ يَحْصُلْ الْبَيَانُ فِي قَدْرِ مَا يُصِيبُ .

( فَرْعٌ ) لَوْ كَانَ يُجْرِي مَاءً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ .

( فَرْعٌ الْمُصَالَحَةُ عَلَى ) بِمَعْنَى عَنْ ( قَضَاءِ الْحَاجَةِ ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ( وَطَرْحِ الْقُمَامَةِ ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ الْكُنَاسَةِ وَلَوْ زِبْلًا ( فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى مَالِ إجَارَةٍ بِشُرُوطِهَا ) الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ : عَقْدٌ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، أَوْ يُقَالَ : بَيْعٌ بِشَرْطِهِ ، أَوْ إجَارَةٌ بِشَرْطِهَا ، وَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ بِذَلِكَ لِلْحَاجَةِ ، وَتَعْبِيرُهُ فِي الْأُولَى بِالْمِلْكِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْحَشِّ ( وَكَذَا ) تَكُونُ الْمُصَالَحَةُ ( عَلَى ) بِمَعْنَى عَنْ ( الْمَبِيتِ عَلَى سَقْفٍ ) لِغَيْرِهِ بِمَالِ إجَارَةٍ بِشُرُوطِهَا ، وَفِيهِ مَا مَرَّ آنِفًا ( وَلِمُشْتَرِي الدَّارِ ) الَّتِي اسْتَأْجَرَ ، أَوْ اشْتَرَى بَائِعُهَا حَقَّ إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهَا ، أَوْ حَقَّ الْمَبِيتِ عَلَيْهِ ( مَا لِبَائِعِهَا مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ لَا الْمَبِيتِ ) لِأَنَّ الْإِجْرَاءَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ
( قَوْلُهُ : أَوْ يُقَالُ بِيعَ بِشَرْطِهِ ) مَوْرِدُ الْبَيْعِ الْعَيْنُ لَا الْمَنْفَعَةُ ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِهِ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى التَّأْبِيدِ ( قَوْلُهُ : أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْحَشِّ ) أَيْ الْمِرْحَاضِ

( فَرْعٌ لَهُ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ ) لِغَيْرِهِ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ أَوْ الْمُشْتَرَكِ وَقَدْ ( امْتَنَعَ الْمَالِكُ ) لَهَا ( مِنْ تَحْوِيلِهَا عَنْ هَوَائِهِ وَ ) لَهُ ( قَطْعُهَا ) وَلَوْ ( بِلَا ) إذْنِ ( قَاضٍ إنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهَا ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : إنَّ مُسْتَحِقَّ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ إجَارَةٍ كَمَالِكِ الْعَيْنِ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ يُخَاصَمُ ، وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَعْبِيرِهِ بِهَوَائِهِ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِهَوَاءِ مِلْكِهِ قَدْ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الْأَغْصَانِ أَيْ إبْقَائِهَا بِمَالٍ إنْ لَمْ تَسْتَنِدُ إلَى جِدَارٍ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ ( وَكَذَا لَوْ اسْتَنَدَتْ إلَى جِدَارٍ ) وَهِيَ رَطْبَةٌ ( لِزِيَادَتِهَا ) فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَثِقَلُهَا ( بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ ) وَالْمُرَادُ بِاسْتِنَادِهَا إلَيْهِ اعْتِمَادُهَا عَلَيْهِ بِثِقَلِهَا لَا مُجَرَّدُ اسْتِنَادِهَا إلَيْهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ ) فِي أَرْضِهِ ( كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ ) فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ ( وَكَذَا مَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ الْجَارِ ) فَيَأْتِي فِيهِمَا مَا تَقَرَّرَ فِي الْأَغْصَانِ ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَيْسَ لَهُ إذَا تَوَلَّى الْقَطْعَ وَالْهَدْمَ بِنَفْسِهِ طَلَبُ أُجْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ قَالَ : وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّةِ ، وَنَبَتَ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ ، وَكَبِرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ثُمَّ قَالَا : وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَعَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ جَوْهَرَةً لَهُ لَا يُذْبَحُ ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً

( قَوْلُهُ فَرْعٌ لَهُ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ تَحْوِيلِهَا إلَخْ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَطْعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةِ مَالِكِهَا بِالْقَطْعِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ كَانَتْ يَابِسَةً لَا تَلِينُ جَازَ ، وَلَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِقَطْعِ الْغُصْنِ مِنْهَا وَحَيْثُ يَجُوزُ الْقَطْعُ فَتَوَلَّاهُ صَاحِبُ الدَّارِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَالِكِ الْأَغْصَانِ بِأُجْرَةِ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِالتَّفْرِيغِ قَالَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ الدَّارُ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ قَبْلَ انْتِشَارِهَا عَلَى دَارِهِ فَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بَعْدَ إشْرَافِهَا عَلَى دَارِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلَا تَزَالُ الشَّجَرَةُ ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مَعِيبَةً ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا حَقَّ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ انْتِشَارِهَا عَلَى دَارِهِ ثُمَّ عَظُمَتْ حَتَّى أَضَرَّتْ وَلَوْ غَرَسَ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا كَبِرَ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهُ إلَى مِلْكِ جَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ فِي الْحَالِ ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ حَفْرَ بِئْرٍ فِي مِلْكِهِ وَكَانَتْ نَدَاوَةُ الْبِئْرِ تَصِلُ إلَى حَائِطِ الْجَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ حَفْرِهَا ( قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ يُخَاصِمُ ) لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّنَازُعِ ) ( مَتَى ادَّعَى ) شَخْصٌ ( عَلَى اثْنَيْنِ دَارًا ) فِي يَدِهِمَا ( فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا ) فِي أَنَّ نَصِيبَهُ لَهُ ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ ( وَصَالَحَهُ ) الْمُصَدِّقُ ( بِمَالٍ فَلِلْمُكَذِّبِ الشُّفْعَةُ ) فِيهَا ، وَإِنْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ مَعًا ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا فِي الظَّاهِرِ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ ، وَلَا يَبْعُدُ انْتِقَالُ مِلْكِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ ، وَإِنْ مَلَكَا بِسَبَبٍ ( إلَّا أَنْ صَدَرَ مِنْهُ ) أَيْ الْمُكَذِّبِ ( مَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرِيكَ ) الْمُصَدِّقَ ( مَالِكٌ ) لِنَصِيبِهِ ( فِي الْحَالِ ) فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ وَاسْتُشْكِلَ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ فِي دَارٍ بِيَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا ، وَالْآخَرُ نِصْفَهَا فَصَدَّقْنَا الثَّانِيَ بِيَمِينِهِ لِلْيَدِ ثُمَّ بَاعَ الْأَوَّلُ نَصِيبَهُ الثَّالِثَ ، فَأَرَادَ الْآخَرُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ مِنْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ وَيَمِينُهُ أَفَادَتْ نَفْيَ مَا يَدَّعِيهِ شَرِيكُهُ لَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لَهُ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لَمْ يُنْكِرْ مِلْكَ الْمُكَذِّبِ ، وَهُنَاكَ أَنْكَرَهُ لَكَ مُدَّعِي النِّصْفِ فَلَيْسَ لِمُدَّعِيهِ الْأَخْذُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ أَجَابَ بِذَلِكَ .

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّنَازُعِ ) ( قَوْلُهُ : وَاسْتُشْكِلَ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُنْكِرَ هَاهُنَا مُعْتَرِفٌ لِلْمُقِرِّ بِالنِّصْفِ ، وَمِنْ لَازِمِ اعْتِرَافِهِ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بِلَازِمِ قَوْلِهِ الثَّانِي : أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ هَا هُنَا قَدْ حَصَلَ ضِمْنًا ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلصُّلْحِ وَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ بِخِلَافِ مَنْ فِي يَدِهِ الدَّارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ اعْتِرَافٌ ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ هُنَاكَ إلَى تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ لِثَالِثٍ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَبَطَلَ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ أَنْ يَكُونَ لِثَالِثٍ انْحَصَرَ الْمِلْكُ فِي الْمُكَذِّبِ بِلَازِمِ قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِانْحِصَارِ الْمِلْكِ لِلْآخَرِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِثَالِثٍ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ أَجَابَ بِذَلِكَ ) هَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةِ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِصِدْقِ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ دُونَ تَعَرُّضٍ فِي إقْرَارِهِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ أَمَّا فِي صُورَةِ إقْرَارِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ بِكَمَالِهِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ بِالْفَرْقِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الْمِلْكُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي وَبِشِرَائِهِ تَعَلَّقَ حَقُّ الشَّرِيكِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُصْلَحُ إقْرَارُهُ الْمُثْبِتُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الشِّرَاءُ أَنْ يَكُونَ مُثْبِتًا حَقًّا لَهُ فِي دَفْعِ الشُّفْعَةِ لِتَنَافِيهِمَا وَإِنَّمَا يَسْتَوِي الْمَعْنَيَانِ لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُقِرِّ

( وَإِنْ ادَّعَيَا عَلَيْهِ ) أَيْ وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى ثَالِثٍ ( مِلْكَ دَارٍ فِي يَدِهِ بِالْإِرْثِ أَوْ الشِّرَاءِ ) مَثَلًا ( مَعًا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا اشْتَرَكَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ ( فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَوْرُوثِ وَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِكٌ فَالْخَالِصُ مِنْهُ مُشْتَرَكٌ كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ ( لَا إنْ كَانَا ادَّعَيَا ) مَعَ ذَلِكَ ( الْقَبْضَ ) لَهُ بِأَنْ قَالَا : وَرِثْنَاهُ أَوْ اشْتَرَيْنَاهُ مَعًا ، وَقَبَضْنَاهُ ثُمَّ غَصَبْنَاهُ فَلَا مُشَارَكَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَابِضًا لِحَقِّهِ ، وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَيَاهُ وَتَعَرَّضَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ أَوْ أَطْلَقَا نَعَمْ إنْ رُوجِعَ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الْأَخِيرَةِ فَادَّعَى اتِّحَادَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ مَعَ صَاحِبِهِ أَوَّلًا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ دَفْعَتَيْنِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَتَمَيَّزُ عَنْ الشِّرَاءِ تَمْيِيزَ الشِّرَاءِ عَنْ الْهِبَةِ ، وَالتَّمْيِيزُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَيُقَاسُ بِمَا قَالَهُ الْإِرْثُ فَلَفْظَةُ مَعًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِرْثِ وَالشِّرَاءِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَا فِي الْإِرْثِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَالْعِبْرَةُ فِي اتِّحَادِ الْإِرْثِ بِاتِّحَادِ الْمُورَثِ وَفِي اتِّحَادِ الشِّرَاءِ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَإِنْ قَالَا : اتَّهَبْنَا مَعًا وَقَبَضْنَا مَعًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْإِرْثِ .
وَالثَّانِي لَا مُشَارَكَةَ ( وَحَيْثُ شَرِكْنَا ) بَيْنَ الِاثْنَيْنِ ( فَصَالَحَهُ ) أَيْ الثَّالِثُ ( الْمُصَدَّقُ بِإِذْنِ الْمُكَذَّبِ ) بِفَتْحِ ثَالِثِهِمَا بِمَالٍ ( صَحَّ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ( بَطَلَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ ) الْمُكَذَّبِ ( وَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ ، وَإِنْ أَقَرَّ ) الثَّالِثُ ( لِأَحَدِهِمَا بِالْكُلِّ وَقَدْ اعْتَرَفَ الْمُقِرُّ لَهُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا ) كَمَا قَالَ الْكُلُّ بَيْنَنَا ( شَارَكَهُ ) فِيهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ

يَعْتَرِفْ الْمُقِرُّ لَهُ بِذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى النِّصْفِ ( أَخَذَ الْجَمِيعَ إنْ صَدَقَ الْمُقِرُّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ) بِالْكُلِّ ( وَلَا يَضُرُّ اقْتِصَارُهُ عَلَى دَعْوَى النِّصْفِ أَوَّلًا ) فَلَعَلَّهُ إنَّمَا ادَّعَاهُ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ لَا تُسَاعِدُهُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ يَخَافُ الْجُحُودَ الْكُلِّيَّ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ لَهُ الْمُقِرَّ هُنَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا عَدَمُ تَكْذِيبِهِ لَهُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ مَعَ الْآخَرِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ لِرَفْعِ ذَلِكَ ( وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي النِّصْفِ ) الْآخَرِ ( بَلْ أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ ) صَاحِبَهُ لِتَعَيُّنِهِ لَهُ بِإِسْقَاطِ الْآخَرِينَ حَقَّهُمَا مَعَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ ( وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ ) أَيْ لِصَاحِبِهِ أَيْضًا ( بِهِ وَقَفَ النِّصْفُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْإِقْرَارِ .
( وَإِنْ تَدَاعَيَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ( وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا ) اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ جِدَارِهِ بِأَنْ اتَّصَلَ بِهِ ( اتِّصَالَ تَدَاخُلٍ ) لِنِصْفِ لَبِنَاتٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ ( فِي جَمِيعِ السَّمْكِ ) الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ( أَوْ ) كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ( أَزَجٌ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالزَّايِ وَبِالْجِيمِ أَيْ عَقْدٌ ( قَدْ أُمِيلَ مِنْ أَصْلِهِ ) قَلِيلًا قَلِيلًا ( أَوْ بَنَى ) الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهُمَا ( عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفُهَا فِي مِلْكِهِ ) أَيْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا ( فَالْيَدُ لَهُ ) عَلَيْهِ وَعَلَى الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ مَبْنِيًّا عَلَى تَرْبِيعِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ زَائِدًا ، أَوْ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْآخَرِ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ

النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ كَمَا ذُكِرَ بِأَنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ جِدَارَيْهِمَا ، أَوْ مُتَّصِلًا بِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ أَوْ مُتَّصِلًا بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بِأَنْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ فِي بَعْضِهِ ، أَوْ أُمِيلَ الْأَزَجُ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ أَوْ بَنَى الْجِدَارَ عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفَاهَا فِي مِلْكَيْهِمَا ( فَلَهُمَا ) الْيَدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَوْلُهُ .
( وَلَوْ اتَّصَلَ بِجِدَارَيْهِمَا فَهُوَ فِي يَدِهِمَا ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَّصِلْ ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ، وَلَعَلَّهُمَا نُسْخَتَانِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِهِ ، وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَسْلَمُ لَهُ ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ الْجِدَارُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِ الْيَدِ ، وَإِنْ حَلَفَ مَنْ اُبْتُدِئَ بِيَمِينِهِ ، وَنَكَلَ الْآخَرُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ، وَقُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ فَيَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ ( وَلَا تَرْجِيحَ بِالنَّقْشِ ) بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَالصُّورَةِ وَالْكِتَابَاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( وَالطَّاقَاتِ ) وَالْمَحَارِيبِ الَّتِي بِبَاطِنِهِ ( وَالْجُذُوعِ وَتَوْجِيهِ الْبِنَاءِ ) أَيْ جَعْلِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَجْهًا كَأَنْ يُبْنَى بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ وَتُجْعَلُ الْأَطْرَافُ الصِّحَاحُ إلَى جَانِبٍ وَمَوْضِعُ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ ( وَمَعَاقِدُ الْقِمْطِ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ ، وَبِضَمِّهِمَا لَكِنَّهُ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ قِمَاطٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى الْقِمْطِ ، وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الِاشْتِرَاكِ فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّحْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ وَلِأَنَّ الْجُذُوعَ تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا ، وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا أَمْتِعَةٌ ، فَإِذَا حَلَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ ، وَاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الْإِعَارَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ أَوْ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ

( قَوْلُهُ أَوْ الشِّرَاءِ مَثَلًا ) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ فِي آخِرِ الشَّرِكَةِ ( قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَا فِي الْإِرْثِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ قَالَا اشْتَرَيْنَا مَعًا ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْإِرْثِ ) أَيْ فَلَا يُشَارِكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ : لِأَنَّ أَصْلَهُ إنَّمَا ذَكَرَهَا لِبَيَانِ الْخِلَافِ وَكَتَبَ أَيْضًا إلْحَاقَ الْهِبَةِ بِالشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ نَازَعَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ : أَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِيهَا إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ صَحَّ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِيهَا كَانَ بِلَا شَكٍّ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْإِرْثِ وَالْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ أَمَّا إذَا قُلْنَا : إنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلْحَاقُ الْهِبَةِ بِهِمَا بَلْ يَجْزِمُ عِنْدَ نِسْبَتِهِمَا الْمِلْكَ إلَى هِبَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ لَا جَرَمَ كَانَتْ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي تَخْصِيصَ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي الْمُشَارَكَةِ بِحَالَةِ عَدَمِ اعْتِرَافِهِمَا بِالْقَبْضِ وَالْجَزْمِ فِي حَالَةِ الِاعْتِرَافِ بِالْقَبْضِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِ الْهِبَةِ لِوُضُوحِ حُكْمِهَا مِمَّا ذَكَرُوهُ ا هـ وَلَعَلَّ هَذَا سَبَبُ حَذْفِ الْمُصَنِّفُ لَهَا قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قَضَى لَهُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيَدِ ، وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ لَهُ تَبَعًا عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يُسَلِّمُ لَهُ ) أَيْ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِهِ لَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَقَالَا : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ : وَنَكَلَ الْآخَرُ ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ أَوْ عَنْهُمَا ( قَوْلُهُ فَيَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ إلَخْ ) فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ ،

وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيهِ ، أَوْ يَقُولُ : لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرِ لِي ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْجُذُوعَ تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ إلَخْ ) يُخَالِفُ التَّرْجِيحَ بِالْجِدَارِ عَلَى الْأُسِّ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ وَالْيَدِ ، وَتَرْجِيحُ رَاكِبِ الدَّابَّةِ عَلَى الْآخِذِ بِلِجَامِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ بِاقْتِضَاءِ الرُّكُوبِ الْيَدَ بِخِلَافِ وَضْعِ الْجُذُوعِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يُجَوِّزُهُ قَهْرًا .

( وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي سَقْفٍ لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ ) بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلُوِّ ( كَالْأَزَجِ ) الَّذِي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ عَلَى وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ فِي الْعُلُوِّ ( فَالْيَدُ لِلْأَسْفَلِ ) عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُهُ بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا فَيَنْقُبُ وَسَطَ الْجِدَارِ ، وَتُوضَعُ رَأْسُ الْجُذُوعِ فِي النَّقْبِ ( فَلَهُمَا ) الْيَدُ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ ( أَوْ ) تَنَازَعَا ( فِي الدِّهْلِيزِ أَوْ الْعَرْصَةِ فَمِنْ الْبَابِ إلَى الْمَرْقَى ) مُشْتَرَكٌ ( بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا وَتَصَرُّفًا بِالِاسْتِطْرَاقِ ، وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهَا ( وَالْبَاقِي لِلْأَسْفَلِ ) لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا ( وَالسُّلَّمُ ) الْكَائِنُ ( فِي الْمَرْقَى ) أَيْ مَوْضِعِ الرُّقِيِّ ( لِلْأَعْلَى وَلَوْ لَمْ يُسَمَّرْ ) لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَيْهِ ، وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمَّرْ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ لِلْأَسْفَلِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَهُوَ الْوَجْهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمُسَمَّرِ فِي بَيْتٍ لِلْأَسْفَلِ فَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي غُرْفَةٍ لِلْأَعْلَى فَفِي يَدِهِ ( وَالْبَيْتُ ) الَّذِي ( تَحْتَ الدَّرَجَةِ ) أَيْ دَرَجَةِ السُّلَّمِ ( بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَوْضِعُ حُبٍّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ خَابِيَةٍ ( أَوْ جَرَّةٍ فَلِلْأَعْلَى ) مَا قَالَهُ فِي الْبَيْتِ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَا مُطَابِقَ لِأُصَلِّهِ ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْلُ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْقَى حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى مُثَبَّتًا كَسُلَّمٍ مُسَمَّرٍ فَلِلْأَعْلَى لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَبْنِيًّا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ ، أَوْ مَوْضِعِ حُبٍّ ، أَوْ جَرَّةٍ فَلِلْأَعْلَى عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مَعَ ضَعْفِ مَنْفَعَةِ الْأَسْفَلِ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي سَقْفٍ إلَخْ ) لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ الْحَامِلُ وَلَمْ يَبِنْ مَوْضِعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ ، وَكَانَ ارْتِفَاعُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا مَثَلًا فَقَالَ صَاحِبُ السُّفْلِ : ارْتِفَاعُهُ مِنْ جِهَةِ السُّفْلِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَارْتِفَاعُ الْعُلُوِّ خَمْسٌ وَادَّعَى عَكْسَهُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ مِنْ أَسْفَلِ الْجِدَارِ خَمْسًا وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مِنْ أَعْلَاهُ خَمْسًا وَاخْتَلَفَا فِي الْعَشَرَةِ الْوُسْطَى فَيَحْلِفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا ، وَيُجْعَلُ السَّقْفُ فِي وَسَطِ الْبِنَاءِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي بِنَاءِ السَّقْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا فَيَخْتَصَّ بِبِنَائِهِ ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي حِيطَانِ السُّفْلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْغُرْفَةُ فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ السُّفْلِ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِيطَانِ الْغُرْفَةِ فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ ) وَلِشَرِكَةِ الِانْتِفَاعِ فَإِنَّهُ أَرْضُ الْأَعْلَى وَسَمَاءُ الْأَسْفَلِ قَوْلُهُ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ ( قَوْلُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبَيْتِ ، وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَا مُطَابِقٌ لِأَصْلِهِ ) هُوَ صَحِيحٌ وَمُطَابِقٌ لِأَصْلِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ : وَالْبَيْتِ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَرْقَى ، وَقَوْلُهُ : تَحْتَ الدَّرَجَةِ حَالٌ مِنْ الْبَيْتِ وَفِيهِ إقَامَةُ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ وَقَوْلُهُ بَيْنَهُمَا خَبَرُ قَوْلِهِ السُّلَّمُ الْمُقَدَّرُ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ وَالسُّلَّمُ فِي الْبَيْتِ حَالَ كَوْنِ الْبَيْتِ تَحْتَهُ بَيْنَهُمَا ، وَقَوْلُهُ فَلِلْأَعْلَى خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَائِدٍ عَلَى الدَّرَجَةِ

( كِتَابُ الْحَوَالَةِ ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا مِنْ التَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ يُقَالُ : حَالَتْ الْأَسْعَارُ إذَا انْتَقَلَتْ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ ، وَفِي الشَّرْعِ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ ، وَتُطْلَقُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى وَالْأَصْلُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ وَلَهَا سِتَّةُ أَرْكَانٍ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ وَمُحَالٌ عَلَيْهِ وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي ، وَإِنْ سَمَّى بَعْضَهَا شُرُوطًا ( يُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا عَلَى مَلِيءٍ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَصَرْفُهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَخَبَرُ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا عَلَى مَلِيءٍ كَوْنُهُ وَفِيًّا وَكَوْنُ مَالِهِ طَيِّبًا لِيُخْرِجَ الْمُمَاطَلَ ، وَمَنْ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ ( وَهِيَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ) وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ فَهِيَ بَيْعٌ ؛ لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَالٍ بِمَالٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ يَمْلِكُ بِهَا مَا لَمْ يَمْلِكْهُ قَبْلَهَا ( لَا اسْتِيفَاءَ ) لِحَقٍّ بِأَنْ يُقَدَّرَ أَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ

( كِتَابُ الْحَوَالَةِ ) ( قَوْلُهُ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } ) أَيْ فَيَفْسُقُ بِهِ إذَا تَكَرَّرَ ( قَوْلُهُ بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ) أَوْ بِتَشْدِيدِهَا فِي الثَّانِي ( قَوْلُهُ : وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ ) كَمَا جُوِّزَ الْقَرْضُ مَعَ كَوْنِهِ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ إلَخْ ) وَلَا تَجُوزُ فِيهَا الْإِقَالَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَكَذَلِكَ الْقَمُولِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فَنَقَلَ جَوَازَهَا فِيهَا عَنْ كَافِي الْخُوَارِزْمِيَّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : الْحَوَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، وَلَوْ فُسِخَتْ لَا تَنْفَسِخُ ، وَقَوْلُهُ كَمَا جَزْم بِهِ الرَّافِعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَا اسْتِيفَاءَ لِحَقٍّ ) قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ : إنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ الْبَيْعِ لَمْ أَرَهُ مُسْتَمِرًّا فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ : إنَّ مِنْ تَأَمَّلَ مَسَائِلَ الْبَابِ عَرَفَ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ الْبَيْعِ لَا يَسْتَمِرُّ .

( وَشُرُوطُهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ ) لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءَ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ فَلَا يَلْزَمُ بِجِهَةٍ ، وَحَقُّ الْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَمَعْرِفَةِ رِضَاهُمَا بِالصِّيغَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ هُنَا بِالرِّضَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( لَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ ( وَالرِّضَا ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ ( هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَ نَقَلْتُ حَقَّك إلَى فُلَانٍ أَوْ جَعَلْت مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَى فُلَانٍ لَك أَوْ مَلَّكْتُك الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِحَقِّك ( وَقَوْلُهُ أَحِلْنِي كَقَوْلِهِ بِعْنِي ) فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ إنْ أَتْبَعْتُك عَلَى فُلَانٍ كَأَحَلْتُك عَلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَهَلْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إنْ رَاعَيْنَا اللَّفْظَ لَمْ تَنْعَقِدْ أَوْ الْمَعْنَى انْعَقَدَتْ كَالْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ ، وَلَوْ قَالَ : أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا ، وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَوَاخِرَ الْبَابِ وَصَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَصْحِيحِهِ .

( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ ) قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ شَخْصٌ وَلِيَّ طِفْلَيْنِ وَثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ فَأَحَالَ الْوَلِيَّ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى طِفْلِهِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَالَهُ الْمَرْعَشِيُّ ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْحَظُّ فِيهِ فَلَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهَنَ أَرْضَ مَنْ لَمْ يُجِزْ ع وَقَوْلُهُ : قَالَ الْمَرْعَشِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ إلَخْ ( قَوْلُهُ : إنْ رَاعَيْنَا اللَّفْظَ لَمْ تَنْعَقِدْ ) هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَوَاخِرَ الْبَابِ إلَخْ ) كَلَامُهُمْ ثَمَّ مُصَرِّحٌ بِصَرَاحَتِهِ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ غَيْرَهَا ، وَإِنْ حَكَى الْخُوَارِزْمِيَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ : أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ هَلْ تَنْعَقِدُ وَكَالَةً وَجْهَانِ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ .

الشَّرْطُ ( الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ ) الْحَوَالَةُ ( بِدَيْنٍ ) مِثْلِيٍّ أَوْ مُتَقَوِّمٍ ( لَازِمٍ ) كَالثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ) وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ أَصْلُهُ بِكَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا ( أَوْ ) بِدَيْنٍ ( أَصْلُهُ اللُّزُومُ ) كَالثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَا بِالدَّيْنِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ ، وَلَا أَصْلُهُ اللُّزُومُ كَدَيْنِ الْجَعَالَةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ ، وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَلَا تَصِحُّ بِدَيْنِ السَّلَمِ ، وَلَا عَلَيْهِ ، وَتَصِحُّ بِثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ ) بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى ثَالِثٍ ( وَعَلَيْهِ ) بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( وَلَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ) فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ ، وَالْخِيَارُ عَارِضٌ فِيهِ فَيُعْطَى حُكْمَ اللُّزُومِ ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَأْمَنُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فِيهِ بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِاسْتِقْرَارِهِ هُنَا الْأَمْنَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ جَوَازَ بَيْعِهِ

( قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ ) فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَارِزِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ ( قَوْلُهُ : يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ إلَخْ ) فَلَوْ كَانَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ غَيْرَ جَائِزٍ بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عَنْهُ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا إذَا بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ قَوْلَهُ : وَلَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ) إنَّمَا تَصِحُّ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ كَذَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ح ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ ) أَيْ بِنَفْسِهِ .

( وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ فِي الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ ) لِتَرَاضِي عَاقِدِيهَا ؛ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا ( وَكَذَا ) فِي الْحَوَالَةِ ( عَلَيْهِ ) يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بِهَا وَلِمُقْتَضَاهَا السَّابِقِ ( لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ لَمْ يَرْضَ ) بِهَا فَإِنْ رَضِيَ بِهَا بَطَلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا ، وَقِيلَ : لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ فِيمَا ذُكِرَ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَاسْتُشْكِلَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ فَقَدْ أَجَازَ فَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ مُقَارِنَةً لِلْمِلْكِ ، وَذَلِكَ كَافٍ ، فَإِنْ قُلْت : هَذَا يُشْكِلُ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ قُلْت : لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( فَإِنْ فَسَخَ ) الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فِي زَمَنِ خِيَارِهِ ( بَطَلَتْ ) لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى مَا فَرَّعَهُ الْأَصْلُ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَاكَ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ فَسَخَ بَطَلَتْ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْمُشْتَرِي بَاعَ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالثَّمَنِ الَّذِي لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِأَنَّ تَرَاضِيهِمَا عَلَى الْحَوَالَةِ اخْتِيَارٌ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَحَوَالَتُهُ عَلَيْهِ تَقَعُ إجَازَةً وَبَيْعًا عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الْخِيَارِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ حَالَ الْبَيْعِ نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا إذَا أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا مُقْتَضَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا قُلْنَا : إنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ التَّصَرُّفِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَحُكْمُ الثَّمَنِ حُكْمُ الْمَبِيعِ ا هـ قُلْت : وَهَذَا حُكْمُ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ لَكِنَّهُمَا حَكَمَا بِأَنَّ الْبَيْعَ إجَازَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهَا هُنَا فِي الْحَوَالَةِ ذَكَرُوا خِلَافًا فِي كَوْنِهَا إجَازَةً وَنَقَلَا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إجَازَةً بَلْ لَوْ اتَّفَقَ فَسْخُ الْبَيْعِ انْقَطَعَتْ الْحَوَالَةُ ، وَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فَرَّعَ أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَمْ يُصَرِّحَا بِتَرْجِيحِهِ بَلْ قَالَا عَقِبَهُ : إنَّ مَنْقُولَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ

وَاخْتِيَارَهُ بُطْلَانَ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَوَالَةِ اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا ا هـ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ ، وَأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ فَلْيَكُنْ هُوَ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمَا أَنَّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ ) لَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا صَحَّتْ لِإِفْضَاءِ الْبَيْعِ إلَى اللُّزُومِ فَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ .

( وَتَصِحُّ ) حَوَالَةُ الْمُكَاتِبِ سَيِّدَهُ ( بِمَالِ الْكِتَابَةِ ) لِوُجُودِ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهَا وَلِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لَكِنْ جَرَى الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَتَشْكُلُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِهِ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِمَالُ الْكِتَابَةِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ الْمُكَاتَبِ ، وَصَارَ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ قَدْ يَنْقَطِعُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ ( لَا ) حَوَالَةُ السَّيِّدِ غَيْرَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ لُزُومِهِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَهُ إسْقَاطُهُ فَلَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ الدَّفْعَ لِلْمُحْتَالِ ( وَلَوْ أَحَالَ ) السَّيِّدُ ( بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا حَيْثُ قَالَ - نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي - : إنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ لَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ جَازَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَالْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا لَا تَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ ) بِصِفَاتِهَا ( وَلَا ) تَصِحُّ الْحَوَالَةُ ( لِلسَّاعِي ) وَلَا لِلْمُسْتَحِقِّ ( بِالزَّكَاةِ ) مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكْسُهُ وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ( لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا وَلَا ) الْحَوَالَةُ فِي ( الْجَعَالَةِ ) بِدَيْنِهَا أَوْ عَلَيْهِ ( قَبْلَ التَّمَامِ ) لِلْعَمَلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ

بَعْدَ التَّمَامِ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَحَالَ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ ) الْحَوَالَةُ ( وَلَوْ رَضِيَ ) بِهَا لِعَدَمِ الِاعْتِيَاضِ ؛ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَجْعَلُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ ( فَإِنْ تَطَوَّعَ ) بِأَدَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ ( كَانَ قَاضِيًا دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ ) .
( قَوْلُهُ : حَيْثُ قَالَا نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا إلَخْ ) يُرَدُّ بِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَبْقَ لَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ عَلَى مُكَاتَبِهِ دَيْنٌ ( قَوْلُهُ وَلِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَاعْتُبِرَ أَدَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ

الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَحُلُولًا وَتَأْجِيلًا وَصِحَّةً وَتَكَسُّرًا وَجَوْدَةً وَرَدَاءَةً ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةُ إرْفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاتِّفَاقُ كَمَا فِي الْقَرْضِ وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ بِإِبِلِ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهَا فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ ، وَإِنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا بِحَالِ الْعِوَضَيْنِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الرَّهْنِ ، وَلَا فِي الضَّمَانِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ أَحَالَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أَوْ ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ ، وَبَرِئَ الضَّامِنُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَالزَّوْجَةِ فِيمَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَالزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ ، وَيُفَارِقُ الْمُحْتَالُ الْوَارِثَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ ( وَلَوْ شَرَطَ ) الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ ( رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا ) مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَسْقُطَ حَقُّ الْمُحْتَالِ بِقَبْضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( جَازَ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ كَمَا مَرَّ ، وَعَلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ - كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ .

قَوْلُهُ : وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ السَّابِعُ : أَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا وَلَا مُوَقَّتًا وَلَا مَشْرُوطًا بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ أَوْ ضَمِينٍ أَوْ خِيَارٍ ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ ا هـ الْأَصَحُّ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إذْ شَرْطُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ سَائِغٌ لِعِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَقَدْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ : لَوْ احْتَالَ عَلَى شَخْصٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ رَهْنًا أَوْ يَكُونَ بِهِ ضَامِنٌ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ ، أَوْ إرْفَاقٌ ، فَإِنْ قُلْنَا : بَيْعٌ صَحَّ ، وَإِلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَفِي بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ وَجْهَانِ ا هـ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَلَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ ضَامِنًا وَجَعَلَتْ بَيْعًا صَحَّ ا هـ فَالْجَوَازُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ فِي اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمُحِيلِ ؛ إذْ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَوْ الْمَضْمُونُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا .

( فَصْلٌ الْمُحِيلُ يَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ ) عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَبْرَأُ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ ( وَيَلْزَمُ الدَّيْنَ ) الْمُحَالَ بِهِ ( الْمُحَالُ عَلَيْهِ ) لِلْمُحْتَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِاللُّزُومِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّحَوُّلِ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي - ظَاهِرًا - كَوْنَهَا بَيْعًا ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ غَيْرُ الَّذِي كَانَ لَهُ وَالتَّحَوُّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ لَكِنْ تَغَيَّرَ مَحَلِّهِ ( فَإِنْ أَفْلَسَ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ ( أَوْ مَاتَ ) مُفْلِسًا ( أَوْ جَحَدَ ) الْحَوَالَةَ أَوْ دَيْنَ الْمُحِيلِ وَحَلَفَ ( فَلَا رُجُوعَ ) لِلْمُحْتَالِ ( عَلَى الْمُحِيلِ ) كَمَا لَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ، وَغَبَنَ فِيهِ ، أَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ ، وَتَلِفَ عِنْدَهُ ، وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْخَبَرِ اتِّبَاعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْمُلَاءَةِ فِي الْخَبَرِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَقِّهِ رَجَعَ بِهِ فَعُلِمَ بِذَكَرِهَا أَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ بِهِ وَأَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهَا حِرَاسَةُ الْحَقِّ لَا يُقَالُ بَلْ فَائِدَتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تِلْكَ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ : مِنْ فَوَائِدِهِ عَدَمُ نَدْبِ قَبُولِهَا حِينَئِذٍ ، وَيُفَارِقُ عَدَمُ رُجُوعِهِ هُنَا رُجُوعَهُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ، وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ بِأَنَّ الْعَلَقَةَ ثَمَّ بَاقِيَةٌ فِي الثَّمَنِ وَهُنَا لَا عَلَقَةَ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَلَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كَانَ قَبُولُهُ مُتَضَمِّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ ، وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى وَأَوْجَهُهُمَا نَعَمْ ( فَإِنْ شَرَطَ ) فِي الْحَوَالَةِ ( الرُّجُوعَ بِذَلِكَ ) أَيْ بِشَيْءٍ

مِنْهُ ( لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ ) لِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا ، وَقِيلَ : تَصِحُّ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَوْ بَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا فَلَا خِيَارَ ) لِلْمُحْتَالِ لِمَا مَرَّ ( وَلَوْ شُرِطَ يَسَارُهُ ) إذْ لَوْ اخْتَارَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَاخْتَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ نَقْصٌ فِي الذِّمَّةِ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ ، وَكَذَا لَا خِيَارَ لَهُ ( إنْ بَانَ ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ ( عَبْدًا لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُحِيلِ كَمَا لَوْ بَانَ مُعْسِرًا ( بَلْ يُطَالِبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ) وَإِنْ بَانَ عَبْدًا لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِمِلْكِهِ
( قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِلْمُحْتَالِ أَمَّا لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِوِلَايَةٍ فَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ بَانَ فَسَادُهَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : بَلْ تَدُومُ الصِّحَّةُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْوَلِيُّ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا لَوْ أَقْرَضَ مَالَ الطِّفْلِ مِنْ غَيْرِ مَلِيءٍ وَجَوَّزْنَاهُ ( قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِمَا أَمَّا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْمُحِيلَ قَبَضَ مِنْهُ دَيْنَهُ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْمُحْتَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ ( قَوْلُهُ : وَأَوْجَهُهُمَا نَعَمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) وَهُوَ الْوَجْهُ ( قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِمِلِكِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْحَوَالَةِ لَوْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا مَعَ تَبَيُّنِ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَمَّا الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ فَلَا يَسْقُطُ بِمِلْكِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ .

( فَرْعٌ لَوْ صَالَحَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِيَ ( أَجْنَبِيٌّ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ جَحَدَهُ ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ الصُّلْحَ قَبْلَ قَبْضِهَا وَحَلَفَ ( رَجَعَ ) الْمُدَّعِي ( عَلَى صَاحِبِهِ ) إنْ فُسِخَ الصُّلْحُ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ وَيُفَارِقُ الْحَوَالَةَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا صَارَ مَقْبُوضًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُصَالِحَهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا إذَا اعْتَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ صَالَحَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَعَنْدَ النَّوَوِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ أَمَّا إذَا صَالَحَهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ بِغَيْرِ حَوَالَةٍ

( فَرْعٌ وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ ) أَيْ عَقْدُ الْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَقَدْ أُحِيلَ ) الْبَائِعُ ( بِالثَّمَنِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ) لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَمَالِ الْحَوَالَةِ أَوْ قَبْلَهُ ( وَعَادَ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي ، وَيَرُدُّهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ ) وَهُوَ بَاقٍ ( أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ ) فَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ بِإِذْنِهِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْبَائِعِ يَقَعُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ حَتَّى لَا يَجُوزَ إبْدَالُهُ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسْخِ كَقَبْضِهِ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ الْمُحَالِ بِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي ( فَإِنْ قَبَضَهُ ضَمِنَ ) فَلَا يَقَعُ قَبْضُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يَصِحُّ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي التَّصَرُّفِ عَنْ الْإِذْنِ ، وَإِذْنُهُ بَاقٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي قَبْضِ الْبَائِعِ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْإِذْنِ ، وَقَدْ ارْتَفَعَ بِمَا ذُكِرَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالضَّمَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ ) عَلَى الْمُشْتَرِي ( لِثَالِثٍ ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ أَيْ ثَالِثًا ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ ( لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ مَالَهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَيَبْعُدُ ارْتِفَاعُهَا بِفَسْخٍ يَخْتَصُّ بِالْعَاقِدَيْنِ كَمَا لَا يَفْسَخُ لِذَلِكَ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي

الثَّمَنِ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ ( لَكِنْ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ ) بِالثَّمَنِ ( إلَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ ) أَيْ تَسْلِيمِهِ لِلْمُحْتَالِ ( بَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِطَلَبِ الْقَبْضِ ) مِنْهُ ( لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ كَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ : بَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَقَدْ أُحِيلَ بِالثَّمَنِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ نَوْعُ إرْفَاقٍ وَمُسَامَحَةٍ فَإِذَا بَطَلَ الْأَصْلُ بَطَلَتْ هَيْئَةُ الْإِرْفَاقِ التَّابِعَةُ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمُكَسَّرَةٍ وَتَطَوَّعَ بِأَدَاءِ الصِّحَاحِ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ بِتَرَدُّدِ الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ) وَقَدْ أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ ) وَهُوَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفَسْخِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَبْطُلُ ( قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ ) وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ .

( فَرْعٌ لَوْ أَحَالَهَا ) زَوْجُهَا ( بِصَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ) قَبْلَهُ ( بِرِدَّتِهَا أَوْ بِعَيْبٍ ) أَوْ بِخُلْفِ شَرْطٍ ( لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ ) بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أُحِيلَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ ( وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ ) مِنْ الصَّدَاقِ ( إنْ طَلَّقَ أَوْ الْكُلِّ إنْ انْفَسَخَ ) النِّكَاحُ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَحَالَ ) الْبَائِعُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( بِثَمَنِ عَبْدٍ ) بَاعَهُ مِنْهُ ( فَتَصَادَقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حُرِّيَّتِهِ ) إمَّا ابْتِدَاءً أَوْ بِزَعْمِ الْعَبْدِ أَنَّهُ حُرٌّ ( لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ ) لِتَعَلُّقِهَا بِثَالِثٍ فَلِلْمُحْتَالِ أَخْذُ الْمُحَالِ بِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي ( وَيَرْجِعُ ) الْمُشْتَرِي بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي نُسَخٍ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَأْتِي ( إلَّا إنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ) بِحُرِّيَّتِهِ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ فَيُرَدَّ الْمُحْتَالُ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كَمَا كَانَ ، وَالْبَيِّنَةُ ( لِلْعَبْدِ ) بِأَنْ يُقِيمَهَا هُوَ ( أَوْ ) تَشْهَدَ ( حِسْبَةٌ ) وَمَحَلُّ إقَامَتِهِ لَهَا إذَا تَصَادَقَ الْعَاقِدَانِ بَعْدَ بَيْعِهِ بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ كَمَا صَوَّرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهُ لَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُحْتَالُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ ( لَا لِلْعَاقِدَيْنِ ) بِأَنْ يُقِيمَاهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهَا مِنْهُمَا ( لِأَنَّهُمَا كَذَبَاهَا بِالْبَيْعِ ) .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ خِلَافُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي أَقَامَهَا صَرَّحَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الرُّويَانِيُّ خِلَافُ مَا قَالَهُ هُنَا وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الدَّعَاوَى صَرِيحٌ فِيهِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا فَإِنْ ذَكَرَهُ كَأَنْ قَالَ أَعْتَقْته

وَنَسَبْت أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ بِغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي سَمَاعُهَا قَطْعًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ : لَا شَيْءَ لِي عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ نَسَبَهُ ، أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ وَغَيْرَهُ قَدْ بَحَثُوا ذَلِكَ ( وَلَهُمَا تَحْلِيفُ الْمُحْتَالِ ) إنْ كَذَّبَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ ( يَمِينٍ ) نَفَى ( الْعِلْمَ ) بِالْحُرِّيَّةِ فَبِقَوْلِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَاعِدَةُ الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَتَعْبِيرُهُمْ قَدْ يُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحَلِفِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا أَمَّا الْبَائِعُ فَلِغَرَضِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الثَّمَنِ ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِغَرَضِ دَفْعِ الْمُطَالَبَةِ نَعَمْ إذَا حَلَفَهُ أَحَدُهُمَا فَهَلْ لِلثَّانِي تَحْلِيفُهُ أَيْضًا أَوْ لَا لِيَكُونَ خُصُومَتُهُمَا وَاحِدَةً فِيهِ نَظَرٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا نَظَرٌ فِيهِ أَنَّ لِلثَّانِي تَحْلِيفَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَتْ الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ ( فَلَوْ سَلَّمَ ) لَهُ ( الْمُشْتَرِي ) مَا احْتَالَ بِهِ عَلَيْهِ ( رَجَعَ ) بِهِ ( عَلَى الْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ : لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : ظَلَمَنِي الْمُحْتَالُ بِمَا أَخَذَهُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ ( فَإِنْ نَكَلَ الْمُحْتَالُ ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَ الْمُشْتَرِي ) عَلَى الْحُرِّيَّةِ ( وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَحْلِفُ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَيُوَجَّهُ بِمَا وَجَّهَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ صِحَّةَ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُحْتَالِ مِنْ

أَنَّ لَهُ إجْبَارَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُحْضِرُهُ لَهُ ، وَيَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِ فَيَحْكُمُ بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِالْحُرِّيَّةِ وَكَالْحُرِّيَّةِ فِيمَا ذُكِرَ جَمِيعُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِ الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا ( فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : الْحَوَالَةُ ) عَلَى الْمُشْتَرِي ( بِدَيْنٍ ) آخَرَ لِي عَلَيْهِ ( غَيْرَ الثَّمَنِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَصْلَ الدَّيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ ( وَإِنْ صَدَّقَهُ وَأَنْكَرَ الْحَوَالَةَ ) بِهِ ( فَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُحْتَالُ : الْحَوَالَةُ لَمْ تَكُنْ بِالثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ ، وَالْعَاقِدَانِ يَدَّعِيَانِ فَسَادَهَا قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا

( قَوْلُهُ : وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ) وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ تَرْجِيحَهُ ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ الْحَقُّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ ) وَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ : وَالْبَيِّنَةُ لِلْعَبْدِ بِأَنْ يُقِيمَهَا هُوَ ) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ طَلَبُ الْمُحْتَالِ بِإِقَامَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْبَيِّنَةَ يَأْتِي أَيْضًا فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالرِّقِّ حِينَ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِبَيِّنَتِهِ صَرِيحًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ تَكْذِيبِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالدُّخُولِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ مَعَ التَّكْذِيبِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ نَعَمْ تَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ صَغِيرًا حِينَ الْبَيْعِ أَوْ أَعْجَمِيًّا يَظُنُّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى إنْسَانًا شِرَاءً فَاسِدًا مَلَكَهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا كَذَبَاهَا بِالْبَيْعِ ) وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الضَّمَانِ : مَنْ أَقْدَمَ عَلَى عَقْدٍ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الِاعْتِرَافُ بِوُجُودِ شُرُوطِهِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ وَغَيْرَهُ قَدْ بَحَثُوا ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْبَائِعُ إلَخْ ) سَمَاعُ دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى الْمُحْتَالِ بِمَاذَا فَإِنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِ الْحَوَالَةِ غَيْرُ مُطَالَبٍ وَلَا حَقَّ لَهُ بِزَعْمِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ رَجَعَ بِهِ ، وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ إجْبَارُ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُحْضِرُهُ إلَيْهِ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِ لِيَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ

بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ الَّذِي أَحَالَ بِثَمَنِهِ ( قَوْلُهُ فَلِغَرَضِ انْتِفَاءِ مِلْكِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا الْمَحَلُّ مِنْ إصْلَاحِ الْوَالِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَصْلِ النُّسَخِ فَلِغَرَضِ بَقَاءٍ وَلَا مَعْنًى لَهُ ( قَوْلُهُ أَوَّلًا لِكَوْنِ خُصُومَتِهِمَا وَاحِدَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ ) لَك مَنْ لَهُ عَلَيْك دَيْنٌ ( أَحَلْتنِي ) بِهِ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا ( فَقُلْت بَلْ وَكَّلْتُك ) لِتَقْبِضَهُ لِي ( فَالْقَوْلُ قَوْلُك ) بِيَمِينِك ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ ( وَكَذَا لَوْ قُلْت أَرَدْت الْوَكَالَةَ بِقَوْلِي أَحَلْتُك وَقَدْ قُلْت ) أَحَلْتُك ( بِمِائَةٍ ) مَثَلًا لِذَلِكَ وَلِأَنَّك أَعْرَفُ بِإِرَادَتِك وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذَ أَنَّ أَحَلْتُك فِيمَا ذُكِرَ كِنَايَةٌ ، وَقَدْ قَدَّمْته فَعَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ ( لَا إنْ قُلْت ) أَحَلْتُك ( بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ ) فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ ( فَلَوْ حَلَفْت ) فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ( لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ ) عَنْك سَوَاءٌ أَقَبَضَ أَمْ لَا فَلَهُ مُطَالَبَتُك بِحَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَكِيلًا فَظَاهِرٌ ، أَوْ مُحْتَالًا فَقَدْ أَحَلْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ بِجَحْدِك وَحَلِفِك ( وَمَنْعِ الْقَبْضِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ انْدَفَعَتْ وَصَارَ مَعْزُولًا عَنْ الْوَكَالَةِ بِإِنْكَارِهِ وَلَك مُطَالَبَةُ زَيْدٍ بِحَقِّك ( فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ بَرِئَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ ) لِدَفْعِهِ إلَى وَكِيلٍ أَوْ مُحْتَالٍ ( وَلَزِمَ ) الْقَابِضَ ( رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَيْك ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ( فَإِنْ خَشِيَ امْتِنَاعَك مِنْ التَّسْلِيمِ ) لَهُ ( فَلَهُ ) فِي الْبَاطِنِ ( أَخْذُهُ وَجَحْدُك ) لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِك ، وَهُوَ يَخْشَى ضَيَاعَهُ ( وَلَوْ تَلِفَ ) الْمَقْبُوضُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْقَابِضِ ( بِلَا تَفْرِيطٍ ) مِنْهُ ( لَمْ تُطَالِبْهُ ) أَنْتَ إذْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( لِزَعْمِك الْوَكَالَةَ ) وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ ( وَلَمْ يُطَالِبْك لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ ) تَلِفَ مَعَهُ ( بِتَفْرِيطِ طَالِبَتِهِ ) لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا ( وَبَطَلَ حَقُّهُ ) لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ قُلْت : أَحَلْتُك ) عَلَى زَيْدٍ ( فَقَالَ ) بَلْ ( وَكَّلْتنِي ) لَا قَبْضَ لَك مِنْهُ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ ( جَرَى لَفْظُ الْحَوَالَةِ

أَوْ لَا ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ ( فَإِنْ حَلَفَ ) وَلَمْ يَقْبِضْ ( طَالَبَك ) بِحَقِّهِ ( وَلَا يَسْقُطُ حَقُّك ) عَنْ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَكِيلًا فَلَمْ يَقْبِضْ فَيَبْقَى حَقُّك أَوْ مُحْتَالًا فَقَدْ ظَلَمَك بِأَخْذِهِ مِنْك إنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ وَمَا عَلَى زَيْدٍ حَقُّهُ فَلَكَ أَخْذُهُ عِوَضًا عَمَّا ظَلَمَك بِهِ وَقِيلَ يَسْقُطُ حَقُّك عَنْهُ ؛ لِأَنَّك اعْتَرَفْت بِتَحَوُّلِ مَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِك ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ ) مِنْ زَيْدٍ ( فَلَهُ أَخْذُهُ ) أَيْ تَمَلُّكُهُ ( بِحَقِّهِ ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ ( وَإِنْ تَلِفَ ) مَعَهُ ( بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ أَمِينٌ ( أَوْ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا ) أَيْ وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّقَاصُّ ؛ لِأَنَّ لَك عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْك .

قَوْلُهُ قَالَ : أَحَلْتنِي فَقُلْت بَلْ وَكَّلْتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُك إلَخْ ) لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ زَيْدًا أَحَالَنِي عَلَيْك فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ حَاضِرًا وَجَبَ صِدْقُهُ وَتَسْلِيمُ الْمَالِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ صُدِّقَ زَيْدٌ بِيَمِينِهِ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمَدْيُونِ بِدَيْنِهِ ، وَسَقَطَتْ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعِي عَنْ زَيْدٍ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَإِنْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ التَّسْلِيمُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِذَا رَجَعَ الْغَائِبُ فَإِنْ صُدِّقَ الطَّالِبُ أَوْ كُذِّبَ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذُكِرَ ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَأَخَذَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْغَائِبُ دَيْنَ الْمُدَّعِي ، وَالْحَوَالَةُ وَعَدَمُ الدَّيْنِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى : وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَشَرَةً ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : أَدَّيْتهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي : لَمْ تَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَكَانَ لِي عَلَيْك عَشَرَةٌ أُخْرَى فَالْقَوْلُ لِلدَّافِعِ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَحَلْت عَلَيَّ زَيْدًا بِهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي : تِلْكَ عَشَرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ صُدِّقَ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَوَالَةَ إيفَاءٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ أَنَّهُ أَحَالَهُ بِمَا يَدَّعِي ، وَأَمَّا ثَمَّ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَدِّي فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ ) وَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ الْإِذْنِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ وَسَوَاءٌ أَتَنَازَعَا فِي أَنَّ الصَّادِرَ لَفْظُ الْوَكَالَةِ أَوْ لَفْظُ الْحَوَالَةِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الصَّادِرَ أَقَبْضُ مِنْ زَيْدٍ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّك أَعْرَفُ بِإِرَادَتِك ) أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا قَدَّمَا فَرْقًا ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَوَارِثُهُ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ هُنَا الْأَصْلُ بَقَاءُ

حَقِّ الْمُحِيلِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَلَفْظُ أَحَلْتُك حَقِيقَةٌ فِي التَّحَوُّلِ مُخْتَصَرُ الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ ) قُدِّمْت أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْحَوَالَةِ حِينَئِذٍ ، وَالِاحْتِمَالُ فِي قَوْلِهِ : أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ أَوْ بِالْمِائَةِ الَّتِي لِي عَلَى عَمْرٍو فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَفْظُ الْحَوَالَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوَكَالَةُ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالثَّانِي : لَفْظُ مِائَةٍ فَإِنَّهَا مُبْهَمَةٌ لَا تَتَعَيَّنُ لِلْمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا عَلَى السَّوَاءِ ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهَا لَمْ يَنْتَظِمْ فِيهِ مَعْنَى الْحَوَالَةِ فَيَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ بِمَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَكَانَ كِنَايَةً فِي الْوَكَالَةِ ( قَوْلُهُ : فَقَدْ أَحَلْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ إلَخْ ) وَالْحَيْلُولَةُ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهُوَ إنَّمَا اعْتَرَفَ بِبَرَاءَتِك فِي مُقَابَلَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ رَجَعَ إلَى حَقِّهِ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي نَظِيرِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَقَالَ فِي الْأُمِّ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ : لَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأَلْفَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ .

( مَسَائِلُ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ ( لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ ) غَيْرَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ ( يَحْتَالَ ) مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ ( وَكَذَا فُرُوعُهُ ) أَيْ الْمُحْتَالِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُ ، وَمِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَ زَيْدٌ بَكْرًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَ بَكْرٌ آخَرَ عَلَى عَمْرٍو ، أَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو فَأَحَالَهُ عَمْرٌو عَلَى بَكْرٍ فَأَحَالَهُ بَكْرٌ عَلَى آخَرَ أَوْ أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ ثَبَتَ لِعَمْرٍو عَلَيْك مِثْلَ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَأَحَالَ زَيْدًا عَلَيْك جَازَ ( وَلَوْ أَقْرَضْتهمَا ) أَيْ اثْنَيْنِ ( مِائَةً ) مَثَلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ ( وَتَضَامَنَا فَأَحَلْت بِهَا لِرَجُلٍ ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ أَيْ رَجُلًا عَلَيْهِمَا ( عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ جَازَ ) وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْقَدْرِ ، وَلَا فِي الصِّفَةِ ، وَتَرْجِيحُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْإِطْلَاقُ كَافٍ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ أَحَالَك أَحَدُهُمَا بِالْمِائَةِ بَرِئَا جَمِيعًا أَوْ أَحَلْت عَلَى أَحَدِهِمَا بِهَا بَرِئَ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ أَوْ أَحَلْت عَلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُحْتَالُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ جَازَ ، وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَّا ضَمِنَ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تُوَزَّعُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الَّذِي بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى ، وَالْقِيَاسُ الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ ( وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ

غَرِيمَهُ ) الدَّائِنَ ( أَحَالَ عَلَيْهِ فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعْت ) وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَهَلْ يُقْضَى بِهَا ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ ( لِلْغَائِبِ ) بِأَنْ ثَبَتَتْ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ ( إنْ قَدَّمَ وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا ؛ إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .
.

قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ ) وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ فَقَالَ الْآخَرُ : لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ أَحَلْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنَّكَ إذَا أَخَذْت مِنْهُ فَأَنْت مِنِّي بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَكَالَةٌ ؛ إذْ لَا يَصِحُّ حَوَالَةً وَلَا هِبَةً فَإِذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ مَاتَ الْمُحِيلُ بَطَلَتْ وَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُحِيلُ الْمَالَ إلَى الْمُحْتَالِ صَحَّ قَضَاؤُهُ الدَّيْنَ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى : لَوْ ادَّعَى عَشَرَةً ، وَأَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَعْطَيْتُكَهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي : تِلْكَ عَشَرَةٌ كَانَتْ لِي عَلَيْك غَيْرَ هَذِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَحَلْت عَلَيَّ زَيْدًا بِهَا فَقَالَ : تِلْكَ عَشَرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَوَالَةَ إيفَاءٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ أَنَّهُ أَخَذَ مَا يَدَّعِي ، وَأَمَّا ثَمَّ فَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَدَّى فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي ) وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ تَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ : نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .

( كِتَابُ الضَّمَانِ ) هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ وَشَرْعًا يُقَالُ : لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ ، أَوْ إحْضَارِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ ، وَالْحَمِيلُ فِي الدِّيَاتِ وَالزَّعِيمُ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ وَالْكَفِيلُ فِي النُّفُوسِ وَالصَّبِيرُ فِي الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ } وَقَوْلُهُ { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وَكَانَ حِمْلُ الْبَعِيرِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ كَخَبَرِ { الزَّعِيمُ غَارِمٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ } وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : هَلْ تَرَكَ شَيْئًا ، قَالُوا : لَا قَالَ : هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا : ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ ، قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ } وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ ( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا ( فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ( وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ ) لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ

غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ( فَيَصِحُّ ) الضَّمَانُ ( عَنْ الْمَيِّتِ ) وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ ( وَكَذَا ) يَصِحُّ ( عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ ) الضَّامِنُ وَلَوْ بِعَيْنِهِ لِمَا مَرَّ

( كِتَابُ الضَّمَانِ ) ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا : يُقَالُ : لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ ) الضَّمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَهُوَ وَاضِحٌ ثَانِيهَا : يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ : ضَمِنْت دَيْنَك عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَهُ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا ثَالِثُهَا : بِالْعَيْنِ فَقَطْ كَمَا إذَا قَالَ : ضَمِنْت دَيْنَك فِي هَذِهِ الْعَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ قَالَ الْأَصْحَابُ : ذِمَّةُ الْمَيِّتِ صَحِيحَةٌ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذِمَّتَهُ مُرْتَهَنَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ خَرِبَتْ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صَلَاحِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَالِحَةً لِلشَّغْلِ بِالدُّيُونِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا يَتَجَدَّدُ لَهَا الشَّغْلُ بِنَحْوِ رَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ وَتَرَدِّي بَهِيمَةٍ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَوْلُهُ كَذَا صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَذَا جَزْمُ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا عَلَى دَيْنِهِ صَحَّ وَكَانَ ضَمَانًا فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ فِي الْعَيْنِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كا ( قَوْلُهُ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ ) عِبَارَتُهُ امْتِنَاعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ شَفَاعَةٌ وَشَفَاعَتُهُ مَقْبُولَةٌ ، وَنَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ قَالَ جَابِرٌ فِي رِوَايَتِهِ : كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَفِي قِلَّةٍ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ خَلَّفَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ، وَمَنْ خَلَّفَ

كَلًّا أَوْ دَيْنًا فَكُلُّهُ إلَيَّ وَدَيْنُهُ عَلَيَّ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدَك قَالَ : وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدِي } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعِدَّاتِهِ بِدَلِيلِ قَضَائِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُحْمَلُ الْخَبَرُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى تَأَكُّدِ نَدْبِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ

( الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَضْمُونُ لَهُ ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ ( وَمَعْرِفَتُهُ ) بِأَنْ يَعْرِفَ الضَّامِنُ عَيْنَهُ ( شَرْطٌ ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ ( لَا رِضَاهُ ) لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الِالْتِزَامِ لَمْ يُوضَعْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ ( وَلَوْ ضَمِنَ أَوْ قَضَى ) شَخْصٌ ( دَيْنَ رَجُلٍ ) أَيْ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ ( بِإِذْنِهِ لَا بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( لَزِمَ الْغَرِيمَ ) وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ ( قَبُولُ الْمَالِ ) الَّذِي يُؤَدِّيهِ لَهُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلْغَرِيمِ أَنْ يَقْبَلَ ، وَأَنْ يَمْتَنِعَ ، وَلَهُ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ أَنْ يُطَالِبَ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ ، وَأَنْ يَتْرُكَهُ

ش ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَعْرِفَ الضَّامِنُ عَيْنَهُ ) وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ فَيَظُنُّهُ بِهَا إنْ طَلَبَهُ لِلدَّيْنِ عَلَى وَجْهِ السُّهُولَةِ فَيَضْمَنُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشِّدَّةِ فَلَا يَضْمَنُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَفَلَا تَكْفِي مَعْرِفَتُهُ نَسَبَهُ ، وَبِهَذَا قَطَعَ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَيَانِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُعِينِ وَادَّعَى جَمَالُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَقِيلَ : مَعْرِفَةُ مُعَامَلَتِهِ ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ قَاسِمٍ الْحَكَمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ الرِّيمِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي مُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مُعَامَلَتَهُ ، وَقَوْلُهُ : وَبِهَذَا قَطَعَ فِي الْبَسِيطِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَمَعْرِفَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ ا هـ وَبِهَا أَفْتَيْت وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : يَكْفِي رِضَا وَكِيلِهِ ( قَوْلُهُ لَا رِضَاهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الْتِزَامٍ إلَخْ ) فَيَصِحُّ مَعَ سُكُوتِهِ وَيَرْتَدُّ إنْ رَدَّهُ

( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الضَّامِنُ وَشَرْطُهُ ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ ( صِحَّةُ الْعِبَارَةِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ ) مِنْهُ وَالْقَيْدُ الثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَا ضَمَانُ الْمُكْرَهِ ، وَلَوْ رَقِيقًا بِإِكْرَاهِ سَيِّدٍ وَلَا ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ ( فَيَصِحُّ ) الضَّمَانُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهِ ( وَلَوْ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَكِتَابَتِهِ عِنْدَ الْقَرِينَة الْمُشْعِرَةِ ) بِالضَّمَانِ وَإِنْ أَحْسَن الْإِشَارَة بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ ، وَلَا كِتَابَةٌ تُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ثُمَّ إنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنُونَ فَهِيَ كِنَايَةٌ ، وَإِلَّا فَصَرِيحَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ ( وَكَذَا كِتَابَةُ نَاطِقٍ نَوَى ) بِهَا الضَّمَانَ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ نَوَى مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كِتَابَةَ النَّاطِقِ كِنَايَةٌ ، وَكِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالْقَرِينَةِ صَرِيحَةٌ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( فَإِنْ قَالَ ضَمِنْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِبَاهُ ) فِي الْأُولَى عِنْدَ ضَمَانِهِ ( أَوْ سَبَقَ لَهُ جُنُونٌ ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَأَمْكَنَ عِنْدَهُ بِأَنْ عُرِفَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِيَمِينِهِ ، وَفَارَقَ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ حَيْثُ صَدَّقَ الزَّوْجَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا ( وَيَصِحُّ ضَمَانُ سَكْرَانَ بِمُحَرَّمٍ ) كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ( لَا بِمُبَاحٍ ) كَالْمَجْنُونِ ( وَلَا يَصِحُّ ) الضَّمَانُ ( مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ ( وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ ) كَشِرَائِهِ فِيهَا ،

وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ ( وَالْمَرِيضُ إنْ ضَمِنَ ) شَخْصًا ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( فَمِنْ الثُّلُثِ ) مُعْتَبَرٌ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ كَمَا مَرَّ ( أَوْ بِإِذْنٍ ) مِنْهُ ، وَوَجَدَ الضَّامِنُ مَرْجِعًا ( فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) مُعْتَبَرٌ ( لَا يَرْجِعُ بِهِ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ وَارِثُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ : لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْ لِأَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ النُّونُ وَالْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا مَعَ مَا لَهَا بِهِ تَعَلُّقٌ .
( فَرْعٌ لَوْ ضَمِنَ الْعَبْدُ ) وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ ، وَفَارَقَ صِحَّةَ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّمَانِ ، وَالْأَمَةُ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ ( أَوْ بِإِذْنٍ ) مِنْهُ ( صَحَّ حَتَّى عَنْ السَّيِّدِ ) لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّهِ ، وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهَلْ تُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ ( لَا لَهُ ) أَيْ لِسَيِّدِهِ أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ ، وَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ ، وَكَلَامُهُ الْآتِي فِي صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ( فَإِنْ عَيَّنَ السَّيِّدُ لِلْأَدَاءِ جِهَةً ) كَكَسْبِ الْعَبْدِ أَوْ مَا فِي يَدِهِ لِلتِّجَارَةِ ( تَعَيَّنَتْ ) لِلْأَدَاءِ لِرِضَا السَّيِّدِ بِهَا ( وَإِلَّا تَعَلَّقَ ) غُرْمُ الضَّمَانِ ( بِحَادِثِ كَسْبِهِ ) أَيْ بِكَسْبِهِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَبِهِ ( مَعَ مَالِ تِجَارَةٍ فِي يَدِهِ وَرِبْحِهَا ) إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا كَمَا فِي

الْمَهْرِ ، فَإِنْ قُلْت : لِمَ اعْتَبَرُوا فِي الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ قُلْت لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الضَّمَانِ فَعُلِّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعْيِينَ جِهَةِ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِذْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
( فَلَوْ كَانَ ) الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( مَدْيُونًا فَبِالْفَاضِلِ عَنْ ) حُقُوقِ ( الْغُرَمَاءِ ) يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ( وَأُمُّ الْوَلَدِ ) وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ ) فِيمَا ذُكِرَ ، وَمَحَلُّهُ الْمُبَعَّضُ إذَا لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَوْ جَرَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ ( فَإِنْ جَرَتْ مُهَايَأَةٌ صَحَّ ) الضَّمَانُ ( فِي نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ( وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِكَسْبِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَصِحُّ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشِّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ ( وَ ) يَصِحُّ ضَمَانُ ( الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ

الزَّوْجِ ) كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا ( فَرْعٌ لَوْ أَدَّى ) الْعَبْدُ الضَّامِنُ ( مَا ضَمِنَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ ) مِنْهُ وَمِنْ سَيِّدِهِ ( بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لَهُ ) أَوْ قَبْلَ عِتْقِهِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ ( أَوْ ) أَدَّى مَا ضَمِنَهُ ( عَنْ السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ ) لَهُ .
وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي الْمُدَّةِ لَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِمَا بَقِيَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيمَا إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ فِيهَا وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا فِي تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ( وَيَضْمَنُ ) جَوَازًا السَّيِّدُ ( عَنْ عَبْدِهِ ) دَيْنًا ثَبَتَ عَلَيْهِ بِمُعَامَلَةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ ( لَا لَهُ ) أَيْ لِعَبْدِهِ أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ سَيِّدِهِ لَهُ ( إلَّا إنْ كَانَ مَأْذُونًا ) لَهُ فِي مُعَامَلَةٍ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِهَا دَيْنٌ فَيَصِحُّ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُشِيرُ إلَيْهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ تِجَارَةٍ فَيَصِحُّ وَفِي تَعْبِيرِهِ فِيهَا كَأَصْلِهِ بِالتِّجَارَةِ قُصُورٌ فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُعَامَلَةِ كَمَا عَبَّرْت بِهَا أَوْلَى ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمَانَهُ لَهُ يَصِحُّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ مُعَامَلَةٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا فِيهِ فِي الْأُولَى مِنْ تَوْفِيَةِ مَا عَلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَ لِنَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا وَفَّى دَيْنَهُ فِي الْأُولَى بَرِئَ السَّيِّدُ مِنْ ضَمَانِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ بَقَائِهِ

( قَوْلُهُ : وَلَا ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ) وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ مَالِيٌّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كِتَابَةَ النَّاطِقِ كِنَايَةٌ إلَخْ ) لَيْسَ ذَلِكَ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَصْلِهِ ، وَلَا كَلَامِهِ ؛ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ أَنْ يَكْتُبَ أَنَّهُ نَوَى بِهَا لِضَمَانٍ فَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ ، وَلَوْ مِنْ الْأَخْرَسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونٍ ) أَيْ أَوْ مُبَرْسَمٍ ( قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ صِبَاهُ فِي الْأُولَى ) هَذَا إذَا كَانَ بُلُوغُهُ بِالِاحْتِلَامِ ، فَإِنْ كَانَ بِالسِّنِّ رَجَعَ إلَى تَارِيخِ الْوِلَادَةِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ ( قَوْلُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ ) وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ ( قَوْلُهُ بِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ ) أَيْ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إقْدَامُهُ عَلَى الضَّمَانِ مُتَضَمِّنٌ لِدَعْوَاهُ الرُّشْدَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ سَفِيهًا بِخِلَافِ الصِّبَا ، وَقَوْلُهُ : فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ إلَخْ ) خَرَجَ بِهِ مَنْ سَفُهَ بَعْدَ رُشْدِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ كَانَ أَوْلَى ) هِيَ مَتْرُوكَةٌ فِي نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ .
( قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ السَّيِّدُ بِقَدْرِ الْمَالِ الَّذِي أَذِنَ فِي ضَمَانِهِ ، وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَيْضًا (

قَوْلُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَا فِي يَدِهِ لِلتِّجَارَةِ ) إذَا عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ مَالَ التِّجَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ وَافِيًا بِالدَّيْنِ تَعَلَّقَ الْبَاقِي بِالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ كَسْبِهِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ وَيُتْبَعُ بِالْبَاقِي إذَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُقَصِّرُ الطَّمَعَ عَلَى مَا عُيِّنَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِلْمَسْأَلَةِ ، وَقَوْلُهُ : وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَاب إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَيْ بِكَسْبِهِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْكَسْبُ مُعْتَادًا أُمّ نَادِرًا ( قَوْلُهُ : قُلْت : لِأَنَّ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الضَّمَانِ إلَخْ ) وَأَيْضًا الضَّمَانُ غَرَامَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ د وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ مَالُ تِجَارَةٍ فِي يَدِهِ ، وَرِبْحُهَا كَسْبُ يَدِهِ بِاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَطْلَبِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ كَذَا قِيلَ ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَإِلَّا تَعَلَّقَ بِحَادِثِ كَسْبِهِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنٍ أَمَّا ضَمَانُهُ بِإِذْنِ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ فَصَحِيحٌ .
( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الشِّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ ) الْمُعْتَبَرُ إذْنُهُمَا مَعًا وَهُوَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ ؛ إذْ التَّعَلُّقُ بِكَسْبِهِ شَامِلٌ لِلْمُعْتَادِ مِنْهُ وَالنَّادِرِ فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ مَالِكُ الرَّقَبَةِ فَقَطْ صَحَّ ، وَتَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ النَّادِرِ أَوْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ بِالْمُعْتَادِ ( قَوْلُهُ : وَيَضْمَنُ السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِهِ دَيْنًا إلَخْ ) ثُمَّ إنْ أَدَّاهُ السَّيِّدُ عَنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ

بِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الضَّمَانِ

( الرُّكْنُ الرَّابِعُ ) الْحَقُّ ( الْمَضْمُونُ وَيُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ ضَمَانِهِ ( كَوْنُهُ ثَابِتَا لَازِمًا مَعْلُومًا ) مُعَيَّنًا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيْنَهُمَا ( فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ ) كَدَيْنِ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ سَيَقَعُ ( وَكَذَا نَفَقَةُ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمِهَا ) وَإِنْ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهَا لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ فَلَا يَتَقَدَّمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ وَيَكْفِي ثُبُوتُهُ بِاعْتِرَافِ الضَّامِنِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ : لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفٌ ، وَأَنَا ضَامِنُهُ ، فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ ( وَيَصِحُّ ) الضَّمَانُ ( بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ ، وَمَا قَبْلَهُ ) لِوُجُوبِهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ أَمْ الْمُعْسِرِينَ ( لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنْ الْيَوْمِ أَمْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ ؛ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَبِضِيَافَةِ الْغَيْرِ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي ضَمَانِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَنْ الْيَوْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَفِي كَلَامِ أَصْلِهِ إشَارَةٌ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ : بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ ، وَفِي نُسْخَةٍ لَا نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ وَلِيَوْمِهِ وَجْهَانِ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ

( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ثَابِتًا ) لَازِمًا مَعْلُومًا أَيْ لِلضَّامِنِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا ( قَوْلُهُ يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ ) هَذَا الشَّرْطُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ فس ( قَوْلُهُ : كَدَيْنِ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ فَيَقَعُ ) وَنُجُومُ كِتَابَةٍ وَدَيْنُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ ( قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ) وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ يَصِحُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ ) وَيُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ ، وَهُوَ التَّبِعَةُ أَيْ الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مَغْصُوبًا ) أَيْ مُسْتَحَقًّا ( أَوْ ) إنْ ( أُخِذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ ) عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ وَشَمِلَ قَوْلُهُ مَغْصُوبًا مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ ( وَ ) يَصِحُّ ( ضَمَانُ نَقْصِ الصَّنْجَةِ ) الَّتِي وُزِنَ بِهَا الثَّمَنُ ( وَالرَّدَاءَةِ ) أَيْ وَضَمَانُ رَدَاءَتِهِ ( لِلْبَائِعِ ) وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ بِالثَّمَنِ بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا ، أَوْ أُخِذَ وَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي رَدَاءَتَهُ وَنَقَصَ الصَّنْجَةَ الَّتِي يُوزَنُ هُوَ بِهَا ( وَلَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِهَا ) أَيْ الصَّنْجَةِ ( صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَ ( الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ) فِي نَقْصِهَا ( صُدِّقَ الْبَائِعُ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ ( فَلَوْ حَلَفَ ) الْبَائِعُ ( طَالَبَ ) بِالنَّقْصِ ( الْمُشْتَرِي لَا الضَّامِنُ ) إلَّا إذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ( وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ ) بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ ( أَوْ ) عُهْدَةَ ( الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِلْمَبِيعِ ( صَحَّ ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَلَا يَنْدَرِجُ ) ذَلِكَ ( تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ) بِأَنْ يَقُولَ ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أَوْ دَرَكَ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَسُمِّيَ مَا ذُكِرَ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ مَا فِي الْعُهْدَةِ ، وَهِيَ الصَّكُّ الْمَكْتُوبُ فِيهِ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَضَمَانُ الدَّرَكِ لِالْتِزَامِهِ الْغُرْمَ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُسْتَحِقِّ عَيْنَ مَالِهِ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالْمَضْمُونُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ هُوَ رَدَّ الْعَيْنِ ، وَإِلَّا لَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهُ عِنْدَ التَّلَفِ بَلْ الْمَضْمُونُ إنَّمَا هُوَ مَالِيَّتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ حَتَّى لَوْ بَانَ الِاسْتِحْقَاقُ وَالثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ بِقِيمَتِهِ قَالَ : وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي ، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا ( قَوْلُهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : بِبَيْعٍ سَابِقٍ عَمَّا لَوْ ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْبَيْعِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الضَّامِنِ وَلَوْ ظَهَرَ مَرْهُونًا مَقْبُوضًا فَهَلْ هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مِنْ فُرُوعِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ يُقْطَعُ بِأَنَّ الضَّامِنَ غَارِمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ ، وَيَكُونَ كَالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ السَّابِقِ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ غَارِمًا ، وَفِي الْمَطْلَبِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ مُسَلَّمٍ

( فُرُوعٌ ) أَحَدُهَا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ ( أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أَوْ دَرَكَهُ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا ( أَوْ خَلَاصَك مِنْهُ فَإِنْ قَالَ ) ضَمِنْت لَك ( خَلَاصَ الْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ ( وَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ ) الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ كَفِيلًا بِالثَّمَنِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ ضَمِنَ الْعُهْدَةَ ) أَيْ عُهْدَةَ الثَّمَنِ ( وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لَا ) ضَمَانُ ( خَلَاصِ الْمَبِيعِ ) تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ( وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا فَلَا يُطَالَبُ بِجِهَةٍ أُخْرَى ، وَإِنْ عَيَّنَ ) جِهَةً ( غَيْرَ ) جِهَةِ ( الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يُطَالَبْ عِنْدَ ) ظُهُورِ ( الِاسْتِحْقَاقِ ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ : وَإِنْ عَيَّنَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ
( قَوْلُهُ بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ ) أَيْ أَوْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ ( قَوْلُهُ : لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ : وَإِنْ عَيَّنَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ ) لَيْسَ كَذَلِكَ لِشُمُولِهِ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ فَسَادَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةِ الْعَيْبِ أَوْ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ

( الْفَرْعُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَضْمَنَ مِنْ بَعْدِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ) الَّذِي يُرَادُ ضَمَانُهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ، وَلَزِمَهُ رَدُّهُ بِتَقْدِيرِ مَا ذُكِرَ ( وَ ) بَعْدَ ( الْعِلْمِ ) أَيْ عِلْمِهِ ( بِهِ ) وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْرُهُ فِي الْمُرَابَحَةِ مَعْلُومًا
( قَوْلُهُ : الثَّانِي : أَنْ يَضْمَنَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ : بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ مَا لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَبَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَهُ مِنْ الْمُدَّعِي بِدِينِهِ ، وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ شَخْصٌ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ ، وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ أَجَّرَ الْمَدْيُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ ، وَضَمِنَ ضَمَانَ الدَّرَكِ ، ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ فِي الْإِجَارَةِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَالسُّبْكِيُّ

( الْفَرْعُ الثَّالِثُ يَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ( بَعْدَ الْأَدَاءِ ) أَيْ أَدَائِهِ لِلْمُسْلَمِ ( إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ ) الْمُعَيَّنِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْأَدَاءِ لِمَا مَرَّ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلَمِ إنْ اسْتَحَقَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ ( وَلَوْ بَانَ ) فِي صُورَةِ ضَمَانِ عُهْدَةِ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي ( فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ ) غَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ ( أَوْ فُسِخَ ) الْعَقْدُ ( بِعَيْبٍ أَوْ وَجَبَ بِهِ أَرْشٌ ) لِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ كَحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ ( أَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ) بِتَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ نَحْوِهِ ( لَمْ يُطَالَبْ ) بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ ( ضَامِنُ الْعُهْدَةِ ) بَلْ الْبَائِعُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ضَمَانِهَا إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ عَلَى الضَّامِنِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا مَرَّ ، وَقَيَّدَ الْأَخِيرَةَ بِقَبْلِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ ، وَإِلَّا فَبَعْدَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ شَرْطٍ ، أَوْ مَجْلِسٍ أَوْ تَقَايُلٍ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا يُطَالَبُ الضَّامِنُ كَالْبَائِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ هُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ مَرْهُونًا أَوْ نَحْوَهُ دَاخِلٌ فِي خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا ( وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ ) مِنْ الثَّمَنِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَمْ أَجَازَهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70