كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

( قَوْلُهُ : وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) يَعْنِي مِنْ الْمَقْصُورَةِ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَقْصُورَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ يَتْرُكْ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ إلَّا إذَا قَامَ إلَى الْخُطْبَةِ .
( قَوْلُهُ : تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ) وَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلَامَ أَيْضًا قَدْ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ كَلَامَ النَّاسِ أَوْ التَّسْبِيحَ أَوْ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ أَوْ رَدَّ السَّلَامِ .
وَفِي الْعُيُونِ الْمُرَادُ بِهِ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت } وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَتَى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنْصِتْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلَّذِي قَالَ أَنْصِتْ أَمَّا أَنْتَ فَلَا صَلَاةَ لَك وَأَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ إجْمَاعًا وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا أَمَّا فِيهَا فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعُ أَمَّا قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فَيَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَمَعُوا وَصَلَّوْا عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا ؛

لِأَنَّهَا تُدْرَكُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ ، وَالسَّمَاعُ يَفُوتُ فَإِنْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ سِرًّا ، وَقِيلَ يَنْظُرُ فِي الْفِقْهِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ الْإِنْصَاتُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْكَلَامِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ هَلْ يُسَلِّمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ .

( قَوْلُهُ : وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْآذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ ) قُدِّمَ ذِكْرُ الْبَيْعِ عَلَى ذِكْرِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ السَّعْيِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَاهُ يُكْرَهُ أَيْضًا وَلَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي حَالَةِ السَّعْيِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ ، وَقَوْلُهُ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك وَأَقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك وَأَنْجَحَ مَنْ دَعَاك وَطَلَبَ مِنْك إلَيْك وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَوَائِحِ بَعْضٍ فَيُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ وَالتَّطَيُّبُ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَقَامُوا ) أَيْ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَيَتَطَوَّعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهَا بِسِتٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ أُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ ، وَكَذَا الْأَرْبَعُ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْضًا كَمَا يَقُولُ فِي الْفَرْضِ أُصَلِّي فَرْضَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ فَرْضَ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ تَابِعَةٌ لِلْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْجُمُعَةِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَيُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُشْتَرَطُ لِإِحْدَاهُمَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْأُخْرَى سِوَى الْخُطْبَةِ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَقُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا الْمَمْلُوكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالظُّهْرُ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِيدُ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَسُمِّيَ الْعِيدُ عِيدًا ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى الْعِبَادِ وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ السُّرُورَ يَعُودُ بِعَوْدِهِ وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ فِيهِ إلَى الْأَكْلِ مِرَارًا وَتَرْكُ صَلَاةِ الْعِيدِ ضَلَالَةٌ وَبِدْعَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فَقَدْ أُمِرُوا ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وقَوْله تَعَالَى { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } قِيلَ يَعْنِي صَلَاةَ عِيدِ الْأَضْحَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْمُسْتَحَبَّاتُ اثْنَا عَشَرَ ثَلَاثٌ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ وَتِسْعٌ أُخْرَى وَهِيَ السِّوَاكُ وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ الْمُبَاحَةِ وَيَتَخَتَّمُ وَالتَّبْكِيرُ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالْإِبْكَارُ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ لِصَاحِبِهَا وَفِي هَذَا تَكْثِيرُ الشُّهُودِ وَتَكْثِيرُ الثَّوَابِ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَاشِيًا ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ } وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي جَهْرًا أَمَّا سِرًّا فَمُسْتَحَبٌّ وَهَذَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ } .
( قَوْلُهُ : وَيُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّيْ عِنْدَهُمَا ) يَعْنِي جَهْرًا وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ .

( قَوْلُهُ : وَلَا يُنْتَفَلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْمُصَلَّى وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا فِي الْجَبَّانَةِ فَقَالَ إنَّا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَتَنَفَّلْ قَبْلَهَا فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُنِي عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُثِيبُك عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْكَرْخِيِّ رُوِيَ أَنَّ { عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَقَالَ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ أَفَلَا تَنْهَاهُمْ فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى وَلَكِنَّا نُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا } ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ فَإِنْ بَدَأَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ النَّافِلَةَ أَوْ يَتْرُكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ .

( قَوْلُهُ : فَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ ) أَيْ حَلَّ وَقْتُهَا مِنْ الْحُلُولِ .
وَفِي النِّهَايَةِ مِنْ الْحَلِّ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَانَتْ حَرَامًا وَقَوْلُهُ إلَى الزَّوَالِ أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ { وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ } وَخُرُوجُ الْوَقْتِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا كَالْجُمُعَةِ .

( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ) إنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
( قَوْلُهُ : وَثَلَاثًا بَعْدَهَا ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَيَأْتِي بِالِاسْتِفْتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْقُعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا يَعْنِي سَبْعًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً مَعَهَا ) يَعْنِي أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ فِيهِمَا سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ وَرُوِيَ ق وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ .
( قَوْلُهُ : وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا ) اعْلَمْ أَنَّ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَجِبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهِمَا سَاهِيًا وَلَوْ انْتَهَى رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ فِي الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ قَائِمًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ فَعَلَ وَيُكَبِّرُ عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَكَعَ وَاشْتَغَلَ بِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَإِذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَرْفَعُ وَقِيلَ يَرْفَعُ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ بَعْدَمَا أَدَّى بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بَاقِي

التَّكْبِيرَاتِ ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ ) يُرِيدُ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ .
( قَوْلُهُ : وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَهَرَ فِيهِمَا .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَتَقَدَّمَتْ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا وَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَلَا تُعَادُ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
( قَوْلُهُ : يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامَهَا ) وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ أَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ فَعَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ ، وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَمَّا كَمْ تَجِبُ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَأَمَّا مِمَّ تَجِبُ فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا ) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةٍ لَا بِفَاتَتْهُ أَيْ فَاتَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْإِمَامِ ، بَلْ الْمَعْنَى صَلَّى الْإِمَامُ الْعِيدَ وَفَاتَتْ هِيَ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ عَلَى النَّاسِ إلَى آخِرِهِ ) التَّقْيِيدُ بِالْهِلَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ حَصَلَ عُذْرٌ مَانِعٌ كَالْمَطَرِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعُذْرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ ) وَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ ) لِيُخَالِفَ الْأَيَّامَ الَّتِي قَبْلَهُ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ هَلْ يُكْرَهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَرْجِعَ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ يُكَبِّرُ ) يَعْنِي جَهْرًا وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَمَا صَلَّى فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي الْأَضْحَى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْفِطْرِ ) لِأَنَّهَا مِثْلُهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَخْطُبَ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ ) لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الْإِضَافَةُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ لَا تَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّكْبِيرِ يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا فَلَا تَسْتَقِيمُ الْإِضَافَةُ وَكَيْفَ يَنْفَعُ التَّعْلِيمُ فِي شَيْءٍ قَدْ فَرَغَ لَكِنْ قَدْ قِيلَ التَّشْرِيقُ اسْمٌ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَفَجْرُ عَرَفَةَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ تَشْرِيقًا ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ تَشْرِيقِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ } وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَقْضِي صَلَاةَ الْعِيدِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ

قَالَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا كَالْجُمُعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا بَدَلَ لَهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالسَّهْوُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا لِلسَّهْوِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَسْجُدُ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَيْ لَا يَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ) لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا لَكِنَّهُ يُسِيءُ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكُوهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَسَاءُوا فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهِ سَقَطَتْ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ .

( قَوْلُهُ : وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ أَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْبِدَايَةِ أَنَّهَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي النِّهَايَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعِنْدَهُ يُكَبِّرُ عَقِيبَ ثَمَانِي صَلَوَاتٍ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سُنَّةٌ .
وَفِي الْإِيضَاحِ وَاجِبٌ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } قِيلَ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُصَفَّى فَإِنْ قِيلَ التَّكْبِيرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتِمُّ قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَالشَّيْءُ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَيَمْضِي الْكُلُّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْعَاشِرُ نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْيَوْمَانِ بَيْنَهُمَا نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ

( قَوْلُهُ : وَالتَّكْبِيرُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ ) هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا التَّكْبِيرَ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَكْبِيرَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ إذَا صَلَّوْا مَكْتُوبَةً بِجَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَعَلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ، وَقَوْلُهُ الْمَفْرُوضَاتِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَيُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ التَّكْبِيرُ إنَّمَا يُؤَدَّى بِشَرَائِطَ خَمْسَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الرَّسَاتِيقِ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ إلَّا إذَا اقْتَدَوْا بِالْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَعَلَى مَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ لَا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَعَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا اقْتَدَيْنَ بِرَجُلٍ وَنَوَى إمَامَتَهُنَّ وَفِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ وَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِيدِ إذَا صَلَّوْا خَلْفَ عَبْدٍ ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَإِذَا أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْهَا يُكَبِّرُونَ وَالْمُسَافِرُونَ إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُونَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّكْبِيرُ يَتْبَعُ الْفَرِيضَةَ فَكُلُّ مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا

بَعْدَهَا أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي هَذَا الْعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَوْ تَرَكَهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي سَنَتِهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَعَ التَّكْبِيرِ .
( قَوْلُهُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَقُولُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً .

( بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْعِيدِ مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ بِالنَّهَارِ فِي الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ إلَّا أَنَّ الْعِيدَ لَمَّا تَأَكَّدَتْ فِي قُوَّةِ السُّنَّةِ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا وَالْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ النُّقْصَانُ ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ ذَهَابُ الضَّوْءِ وَالْخُسُوفُ ذَهَابُ الدَّائِرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ) فِي ذِكْرِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خُطْبَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدَنَا .
( قَوْلُهُ : كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا تَكْرَارِ رُكُوعٍ .
( قَوْلُهُ : فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ .
( قَوْلُهُ : وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ فِي الْأُولَى بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَحْفَظْهَا وَفِي الثَّانِيَةِ بِآلِ عِمْرَانَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا وَيَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفُ الدُّعَاءِ وَتَطْوِيلُ الدُّعَاءِ وَتَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدَهُمَا طَوَّلَ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ إلَى انْجِلَاءِ الشَّمْسِ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ وُجِدَ .
( قَوْلُهُ : وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ كَالظُّهْرِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ لَهَا الْجَمَاعَاتِ كَالْعِيدِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ

قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
( قَوْلُهُ : وَيَدْعُو بَعْدَهَا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ ) الْمُرَادُ كَمَالُ الِانْجِلَاءِ لَا ابْتِدَاؤُهُ ثُمَّ الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَدَعَا وَإِنْ شَاءَ قَامَ وَدَعَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَدَعَا وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْإِمَامُ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّاهَا النَّاسُ فُرَادَى ) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَالْأَصْلُ فِي النَّوَافِلِ الِانْفِرَادُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَجَلَّتْ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَجَلَّى بَعْضُهَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ فَإِنْ سَتَرَهَا سَحَابٌ أَوْ حَائِلٌ وَهِيَ كَاسِفَةٌ صَلَّى ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِنْ غَرَبَتْ كَاسِفَةً أَمْسَكَ عَنْ الدُّعَاءِ وَاشْتَغَلَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْكُسُوفُ وَالْجِنَازَةُ بُدِئَ بِالْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ يُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرُ وَإِنْ كَسَفَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لَمْ يُصَلِّ ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُصَلَّى فِيهَا وَهَذِهِ نَافِلَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ ) لِأَنَّهَا تَكُونُ لَيْلًا وَفِي الِاجْتِمَاعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى اللَّهِ بِالصَّلَاةِ } وَكَذَا فِي الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَة وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ ، وَالْفَزَعُ مِنْ الْعَدُوِّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُسُوفِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ ) وَهَذَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ .

( بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ) هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْكُسُوفِ أَنَّهُمَا تَضَرُّعٌ يُؤَدَّيَانِ فِي حَالِ الْحُزْنِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَقُلْت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } فَعَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ ) وَلَا يُكْرَهُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ) وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا .
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ .
( قَوْلُهُ : وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرَاتٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ يَخْرُجُ النَّاسُ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ مُشَاةً لَا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ أَوْ غَسِيلٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ خَاضِعِينَ نَاكِسِي رُءُوسَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَخْطُبُ ) يَعْنِي بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ خُطْبَةً وَاحِدَةً ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ خُطْبَتَيْنِ وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَهُمَا الِاسْتِغْفَارَ .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَلِّي ثُمَّ يَدْعُو وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ قَلَبَ رِدَاءَهُ وَيَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ ) بِالتَّخْفِيفِ

يَعْنِي إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ ) بِالتَّشْدِيدِ كَمَا يُقَالُ فَتَحْت الْبَابَ مُخَفَّفًا وَفَتَّحْت الْأَبْوَابَ مُشَدَّدًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُرَبَّعًا جُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا كَالْجُبَّةِ جُعِلَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ لِلدُّعَاءِ { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ } وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْعِيدِهِمْ فَقَالَ { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ } ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ مَعَ الْكُفْرِ يُوجِبُ نُزُولَ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ .

( بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ) إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّوَافِلِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَافِلُ اُخْتُصَّتْ بِخَصَائِصَ لَيْسَ هِيَ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيرِ الرَّكَعَاتِ وَسُنَّةِ الْخَتْمِ وَعَقَّبَهُ بِالِاسْتِسْقَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ نَوَافِلِ النَّهَارِ وَهَذَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } وَسُمِّيَ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } ، وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَدَاءَهَا بِالْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَلَمْ يَقُلْ تُسْتَحَبُّ التَّرَاوِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَتَفَرَّقُونَ عَنْ هَيْئَةِ الصُّفُوفِ فَلِهَذَا قَالَ يَجْتَمِعُونَ أَيْ يَرْجِعُونَ صُفُوفًا وَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ وَتَقِلُّ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ ، وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ التَّرْوِيحَةُ اسْمٌ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَقِيبَهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ .
(

قَوْلُهُ : وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ ) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَهَلْ يُصَلُّونَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَهَلْ يَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَة الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ سِتٍّ أَوْ كُلَّ ثَمَانٍ أَوْ كُلَّ عَشْرٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي التَّرَاوِيحِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ تَذَكَّرَ فِي الْقِيَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَعَدَ فِيهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ .
وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ إكْمَالِ

الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَلْ تَفْسُدُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ نَعَمْ تَفْسُدُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ شَكُّوا أَنَّهُمْ هَلْ صَلَّوْا عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُونَ وَلَا يَأْتُونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَ الْوِتْرِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا تَسْلِيمَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى .
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوهَا بِجَمَاعَةٍ ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ الْإِسْكَافِ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا فَسَدَ الشَّفْعُ وَقَدْ قَرَأَ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَهُ فِيهِ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ لِيَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَدُّ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقِرَاءَةُ وَلَا فَسَادَ فِيهَا وَإِذَا غَلِطَ فَتَرَكَ سُورَةً أَوْ آيَةً وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ الْمَقْرُوءَةَ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَتْمُ مَرَّةً وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ

سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ .
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَتْمُ فِي التَّرَاوِيحِ مَرَّةً سُنَّةٌ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَالْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ مَرَّةٌ أَفْضَلُ فَالْخَتْمُ مَرَّةً يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عَشْرِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً وَالْخَتْمُ ثَلَاثًا يَقَعُ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنْ أَرَادُوا الْخَتْمَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَا يُتْرَكُ الْخَتْمُ فِي رَمَضَانَ لِكُلِّ الْقَوْمِ يَعْنِي لَا يُقْرَأُ أَقَلُّ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْخَتْمُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
وَلَوْ حَصَلَ الْخَتْمُ بِلَيْلَةِ التَّاسِعِ أَوْ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا يَتْرُكُ التَّرَاوِيحَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ } ، وَلِهَذَا قِيلَ إذَا عَجَّلَ الْخَتْمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ صَلَّوْهَا بِإِمَامَيْنِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى كَمَالِ التَّرْوِيحَةِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ وَسُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ فِي التَّرَاوِيحِ فَقَالَ يَجُوزُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ

لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ أَمَّ الصَّبِيُّ الصِّبْيَانَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي التَّرَاوِيحِ وَكَانَ صَبِيًّا .
كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْهِدَايَةِ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ، وَأَمَّا أَدَاءُ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ قِيَامًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِيهَا فَمَا الْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِينَ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْعُدُوا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْأَفْضَلُ الْقِيَامُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْقُعُودُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الرُّكُوعَ نَهَضَ لِلرُّكُوعِ مُبَادِرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَانِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَإِذَا قَامُوا إلَى

الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى } وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ .
قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي الشَّهْرِ يَجُوزُ وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ تَطَوُّعًا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ وَسَائِرَ السُّنَنِ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَوَى فِي التَّرَاوِيحِ صَلَاةً مُطْلَقَةً الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّرَاوِيحِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي اللَّيْلُ كُلُّهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وُقِّتَ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُؤَدِّهَا فِي وَقْتِهَا ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَمْضِ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِإِمَامٍ وَصَلَّى التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَ الْعِشَاءِ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ ، وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ

أَوْ تَرْوِيحَتَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ ثُمَّ يُوتِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَقْتَ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ بِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ جَازَ وَتَكُونُ تَرَاوِيحَ .

( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَهِيَ بِجَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَفِي النَّوَافِلِ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَعْنِي بِهِ الْكَرَاهَةَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ فِي النَّفْلِ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ إلَّا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ عَارِضًا فَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ بِعَارِضِ الْخَوْفِ مَعَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالْتَأَمَ الْبَابَانِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّرَاوِيحَ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهَا وَالْخَوْفُ نَادِرٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ ) صُورَةُ اشْتِدَادِهِ أَنْ يَحْضُرَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا جَمِيعًا بِالصَّلَاةِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ سَوَادَ الْعَدُوِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ غَرَقٍ .
( قَوْلُهُ جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةً إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَطَائِفَةً خَلْفَهُ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا قَيْدٌ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَنْ لَوْ تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيَأْمُرُ طَائِفَةً تَقُومُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَتَقِفُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَدْ صَلَّتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يُرِيدُونَ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ شَرْعِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي زَمَانِنَا وَقَالَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَهُ فِيهِمْ فَقَالَ تَعَالَى { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْغَبُونَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَا لَا يَرْغَبُونَ خَلْفَ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَقَامُوهَا بَعْدَهُ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَإِذَا كُنْت أَنْتَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك كَقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً

تُطَهِّرُهُمْ } .
( قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ) يَجُوزُ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وقَوْله تَعَالَى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَوَاتِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ) يَعْنِي مُشَاةً فَإِذَا رَكِبُوا فِي مُضِيِّهِمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ .
( قَوْلُهُ وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمُوا ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ كَمُلَتْ ( قَوْلُهُ وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ .
( قَوْلُهُ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ قَدْ كَمُلَتْ وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ ) لِأَنَّهُمْ مُسْبَقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسَافِرِينَ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَهُمْ مُقِيمُونَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَنْصَرِفُونَ وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فَالرَّكْعَةُ الْأُولَى بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا كَمَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَا الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقِرَاءَةِ .
وَأَمَّا السَّهْوُ فِيمَا يَقْضُونَ إذَا سَهْوَا فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَالْمَسْبُوقِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ

مَسْبُوقُونَ ، يَقْرَءُونِ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ لَا غَيْرُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَظِرَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُوا وَيَنْصَرِفُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُتِمُّوا وَيُسَلِّمَ بِهِمْ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا تَصِيرُ صَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَإِنْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ رَكْعَتَيْنِ لَا انْصِرَافَ فِيهِمَا وَهِيَ هُنَا انْصَرَفَتْ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَأَصْلُهُ أَنَّ الِانْصِرَافَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ مُفْسِدٌ وَتَرْكُهُ فِي أَوَانِهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ وَتَقْرَأُ كُلُّ طَائِفَةٍ فِيمَا سَبَقَتْ وَلَا تَقْرَأُ فِيمَا لَحِقَتْ فَإِنْ عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ صَلَّوْا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِمَا فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا سَبَقَهُمْ إلَّا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا مَسْبُوقُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتُصَلِّي ثَلَاثًا بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِنَّ مَسْبُوقُونَ فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَقْعُدُونَ

ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ أُخْرَى بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَلَا يَقْعُدُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ رَكْعَةً ثَالِثَةً بِالْفَاتِحَةِ لَا غَيْرُ وَيَقْعُدُونَ وَيُسَلِّمُونَ .
( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً ) لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَتَنْصِيفُ الرَّكْعَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَجَعْلُهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ فَلَوْ أَخْطَأَ وَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى فَسَادُهَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى حَقِيقَةً وَقَدْ انْحَرَفُوا بَعْدَ الْقَعْدَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى الثَّالِثَةَ فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا انْصَرَفَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى وَقَدْ انْحَرَفُوا فِي أَوَانِهِ وَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ جَعَلَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ طَوَائِفَ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ جَائِزَةٌ وَتَقْضِي الثَّانِيَةُ رَكْعَتَيْنِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهَا فِيهَا لَاحِقَةٌ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَاتَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ ) لِأَنَّ الْقِتَالَ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا مَنْ رَكِبَ حَالَ انْصِرَافِهِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا وُحْدَانًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } مَعْنَى فَرِجَالًا أَيْ قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِكُمْ وَاشْتِدَادِ الْخَوْفِ هُنَا أَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ

يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُونَهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً رُكْبَانًا لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَى الْقِبْلَةِ

( بَابُ الْجَنَائِزِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالْجَنَائِزُ جَمْعُ جِنَازَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلنَّعْشِ أَوْ السَّرِيرِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ بِأَنْ يُفْزِعَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَيَمُوتَ فَزِعًا أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا لَيْسَ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ فَزِعًا أَوْ نَقُولُ أَنَّهُ لِمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ ) أَيْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْعَوِجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ .
( قَوْلُهُ وُجِّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُوضَعُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ رُوحِهِ .
( قَوْلُهُ وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ وَصُورَةُ التَّلْقِينِ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ سُمِّيَا شَهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا شَهَادَةٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَشَهَادَةٌ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ وَيُلَقَّنُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَلَا يُلَحُّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةَ لَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِ الْمُلَقِّنُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرَهَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي

الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيه فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا .
فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مَتَى يُسْأَلُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يُدْفَنَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَالْقَبْرِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِأَنَّ الْآثَارَ وَرَدَتْ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ اللَّهَ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أُلْهِمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَهْدِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ شَدُّوا لَحْيَيْهِ وَغَمَّضُوا عَيْنَيْهِ ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ أَتْبَعَهُ الْبَصَرُ } وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُغَمَّضْ وَلَمْ يُشَدَّ لَحْيَاهُ يَصِيرُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ وَرُبَّمَا تَدْخُلُ الْهَوَامُّ عَيْنَيْهِ وَفَاهُ إذَا لَمْ يُفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إمَّا وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ إغْمَاضَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُشَدُّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَشُدُّهَا مِنْ لَحْيِهِ الْأَسْفَلَ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ وَيَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا وَيَرُدَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَمُدَّهَا وَيُرَدَّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَسَاقَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ

يَمُدَّهُمَا ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ بِمَوْتِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الشَّوَارِعِ وَالْأَسْوَاقِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَيِّتِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وَيُبَادَرُ إلَى تَجْهِيزِهِ وَلَا يُؤَخَّرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ } فَإِنْ مَاتَ فُجَاءَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ ، فُجَاءَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضِيقٍ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي }

( قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى السَّرِيرِ ) لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ يَتَلَطَّخُ بِالطِّينِ وَصُورَةُ الْوَضْعِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ ثِقَةً لِيَسْتَوْفِيَ الْغُسْلَ وَيَكْتُمَ مَا يَرَى مِنْ قَبِيحٍ وَيُظْهِرَ مَا يَرَى مِنْ جَمِيلٍ فَإِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ مِنْ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ النَّاسَ وَإِنْ رَأَى مَا يُكْرَهُ مِنْ اسْوِدَادِ وَجْهِهِ وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ وَانْقِلَابِ صُورَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ } وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون بِقُرْبِ الْغَاسِلِ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْ الْمَيِّتِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَتَضْعُفَ نَفْسُ الْغَاسِلِ وَمَنْ يُعِينُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَر الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَرَاهُ إلَّا غَاسِلُهُ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ عَيْبٌ يَكْتُمُهُ .
وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ { وَغَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَغَسَّلَهُ الْمُسْلِمُونَ حِينَ مَاتَ } .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ لِأَيِّ عِلَّةٍ وَجَبَ غُسْلُ الْمَيِّتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَجْلِ الْحَدَثِ لَا لِنَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لَا تَزُولُ بِالْغُسْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحَدَثُ مِمَّا يَزُولُ بِالْغُسْلِ حَالَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالْآدَمِيُّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَرَامَةً لَهُ وَلَكِنْ يَصِيرُ مُحْدِثًا لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ

مَقْصُورًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْحَدَثِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ لَكِنْ اكْتَفَى بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا لَمْ تَتَكَرَّرْ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَكَذَا الْحَدَثُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يُؤَدِّي غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَى الْحَرَجِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ بِأَنَّ غُسْلَهُ وَجَبَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ جَمِيعُ مَائِهَا .
وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ لَكَانَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا فَصَلَّى مَعَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ لَكَانَ يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي الْحَدَثِ ثُمَّ الْمَوْتَى عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ وَهُوَ الشَّهِيدُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الشَّهِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاغِي وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْكَافِرُ الَّذِي لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً ) لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ غُسْلُ النِّسَاءِ وَلَا لِلنِّسَاءِ غُسْلُ الرِّجَالِ

الْأَجَانِبِ بَعْدَ الْوَفَاةِ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } وَيَجْعَلُ الْخِرْقَةَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ يَكْتَفِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ تَيْسِيرًا .
( قَوْلُهُ وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ ) لِأَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْغُسْلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَمَا أَنَّ الْحَيَّ يَتَجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ فَكَذَا الْمَيِّتُ وَهَلْ يُسْتَنْجَى الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَعَمْ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسْتَنْجَى لِأَنَّ الْمَفَاصِلَ تَرْتَخِي بِالْمَوْتِ فَرُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَيَخْرُجُ عَنْ بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ وَصُورَةُ اسْتِنْجَائِهِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلَ السَّوْأَةَ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ إلَيْهَا .
( قَوْلُهُ وَوَضَّئُوهُ ) لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِهِ النَّظَافَةُ وَالْمَسْحُ لَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أُخِّرَتَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَجْتَمِعُ تَحْتَهُمَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا وَيَوَضَّأُ كُلُّ مَيِّتٍ بِغُسْلٍ إلَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ إلَى النِّيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُمَضْمِضُوهُ وَلَا يُنَشِّقُوهُ ) لِأَنَّهُمَا لَا يَتَأَتَّيَانِ مِنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى خَيَاشِيمِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً رَقِيقَةً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِ الْمَيِّتِ وَيَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ

وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَلَا يَغْسِلُ يَدَ الْمَيِّتِ قَبْلَ غُسْلِهِ إلَى الرُّسْغِ كَمَا يَبْدَأُ بِهِمَا الْحَيُّ فِي غُسْلِهِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ يُوَضَّأُ أَوَّلًا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّابُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحُرُضُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَكْفِيه الْمَاءُ الْقَرَاحُ وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ غُسْلِهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ .
( قَوْلُهُ وَيُجَمِّرُ سَرِيرَهُ وِتْرًا ) أَيْ يُنَجِّرُ بِالْمِجْمَرَةِ إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسِ قَوْلُهُ ( وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ ) يَعْنِي الْوَرَقَ ( أَوْ بِالْحُرُضِ ) وَهُوَ الْأُشْنَانُ قَبْلَ الطَّحْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْحَارَّ أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الدَّرَنِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ ) وَهُوَ نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ عَلَى رَأْسِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ ) لِأَنَّهُ إذَا أَضْجَعَهُ عَلَيْهِ بَدَا شِقُّهُ الْأَيْمَنِ .
( قَوْلُهُ فَيُغَسِّلُ ) شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ( بِالْمَاءِ ) الْقَرَاحِ ( حَتَّى ) يُنْقِيَهُ وَ ( يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ ) شِقَّهُ الْأَيْسَرَ ( بِالْمَاءِ ) الْمَغْلِيِّ بِالسِّدْرِ ( حَتَّى ) يُنْقِيَهُ وَ ( يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ) وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ كَغُسْلِ الرَّجُلِ لِأَنَّ غُسْلَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ

وَاحِدٌ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ ) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْأَكْفَانِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ وَلَا وُضُوءَهُ ) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُعِيدُونَ غُسْلَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُونَ وُضُوءَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُغَسِّلُ الرِّجَالَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ وَلَا يُغَسِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا لَا يُشْتَهَى جَازَ أَنْ يُغَسِّلَهُ النِّسَاءُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى جَازَ لِلرِّجَالِ غُسْلُهَا وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْفَحْلِ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ زَوْجَهَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ تَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهِ فَإِنْ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهَا غُسْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُغَسِّلُهَا إذَا مَاتَتْ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُغَسِّلُهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَغْسِلَهُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا دَامَا فِي الْعِدَّةِ وَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ إنَّ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَهُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ حَالَةَ الْوَفَاةِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ لِمَعْنًى بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَ الْوَفَاةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِحُدُوثِ مَعْنًى آخَرَ وَأَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْغُسْلِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ يَبْطُلُ ذَلِكَ بِحُدُوثِ مَعْنًى بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ ثُمَّ يَعُودُ لَهَا حَقُّ الْغُسْلِ كَمَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ

مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَلَهَا ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ .
وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ وَهِيَ فِي نِكَاحِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْعَتَاقِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ كَالزَّوْجَةِ وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ لِغَيْرِهِ وَالْمُدَبَّرَةُ عَتَقَتْ مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ ثُلُثُهَا وَصَارَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ يُغَسِّلْهَا لِأَنَّ عُلْقَةَ النِّكَاحِ انْقَطَعَتْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ أُمُّ وَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ غُسْلُ الْمَوْتَى فَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَهُمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ وَإِذَا مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُنَشَّفُ فِي ثَوْبٍ ) وَيُجْعَلُ فِي أَكْفَانِهِ لِئَلَّا تَبْتَلّ أَكْفَانُهُ .
( قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَنُوطٌ لَا يَضُرُّهُ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهُ الرِّجَالُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَيُجْعَلُ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ فِي الْحَنُوطِ وَقَالَ طَاوُسٍ وَعَطَاءٌ لَا يُطَيَّبُ الرَّجُلُ بِالْمِسْكِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَنَّطَ النِّسَاءُ بِالزَّعْفَرَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ .
( قَوْلُهُ وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ

وَأَنْفَهُ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِفَضِيلَتِهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّتْ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ

( قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَيْفِيَّةُ الْكَفَنِ لَا أَصْلُهُ وَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَوَاجِبٌ وَالْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ ثُمَّ الدَّيْنُ بَعْدَهُ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ الْمِيرَاثُ بَعْدَ الْكُلِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَكَفَنُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيْتُ مَالٍ يُفْرَضُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا سَأَلُوا غَيْرَهُمْ فَرْقًا بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَإِنَّ الْحَيَّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا وَيُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيَّ يَقْدِرُ عَلَى السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَقْدِرُ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا مَالَ لَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ كَفَنُهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا تَجِبُ كِسْوَتُهَا فِي حَيَاتِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ كَفَّنَهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ التَّكْفِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَفَنُ السُّنَّةِ وَكَفَنُ الْكِفَايَةِ وَكَفَنُ الضَّرُورَةِ فَكَفَنُ السُّنَّةِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ .
وَهُوَ قَوْلُهُ ( إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٍ ) الْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ لَهُ كُمٌّ وَاللِّفَافَةُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ فِي الْكَفَنِ عِمَامَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَفِي الْفَتَاوَى اسْتَحْسَنَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ لِمَنْ كَانَ عَالِمًا وَيُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ فِي الْحَيَاةِ يُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى قَفَاهُ بِمَعْنَى الزِّينَةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ الزِّينَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

وَالْخَلَقُ وَالْجَدِيدُ فِي التَّكْفِينِ سَوَاءٌ وَالْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ سَوَاءٌ لِأَنَّ مَا جَازَ لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ جَازَ التَّكْفِينُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ وَأَحَبُّ الْأَكْفَانِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ الْبِيضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ جَدِيدًا أَوْ غَسِيلًا } وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَقِيلَ لَهُ أَلَا نُكَفِّنُك مِنْ الْجَدِيدِ فَقَالَ إنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ يُوضَعُ لِلْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالتُّرَابِ الْمُهْلُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَفِي رِوَايَةٍ ادْفِنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَابِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ ) وَهُمَا اللِّفَافَةُ وَالْإِزَارُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَيُكْرَهُ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اُسْتُشْهِدَ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْكِسَاءِ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا قَدَمَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَغُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ وَجُعِلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ } وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَفَّنَ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ وَالصَّغِيرَةُ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي التَّكْفِينِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُكَفِّنُهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ الْمَسْنُونُ وَقِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ كَثْرَةٌ وَفِي الْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادُوا لَفَّ اللِّفَافَةَ عَلَيْهِ ابْتَدَءُوا بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَأَلْقَوْهُ عَلَيْهِ

ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي حَيَاتِهِ إذَا ارْتَدَى بَدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَيْمَنِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الرَّجُلِ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطَ عَلَيْهَا الْإِزَارُ ثُمَّ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُوضَعَ عَلَى الْإِزَارِ مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفَ الْإِزَارُ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ يُعْطَفَ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ ثُمَّ اللِّفَافَةُ تُعْطَفُ بَعْدَ ذَلِكَ

( قَوْلُهُ وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَخِمَارٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا وَلِفَافَةٌ ) وَهَذَا كَفَنُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخِرْقَةُ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخْذَيْنِ .
وَفِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الصَّدْرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَالْبَطْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُهُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَفَوْقَ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْخُنْثَى يُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ احْتِيَاطًا وَيُجْتَنَبُ الْحَرِيرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلْبَسَ الدِّرْعَ أَوَّلًا وَهُوَ الْقَمِيصُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارَ فَوْقَ ذَلِكَ ثُمَّ الْإِزَارَ ثُمَّ اللِّفَافَةَ وَتُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَيَكُونُ الْقَمِيصُ تَحْتَ الثِّيَابِ كُلِّهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ ) يَعْنِي الْإِزَارَ وَالْخِمَارَ وَاللِّفَافَةَ وَيُتْرَكُ الْقَمِيصُ وَالْخِرْقَةُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ .
( قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا عَلَى صَدْرِهَا ) يَعْنِي ضَفِيرَتَيْنِ فَوْقَ الدِّرْعِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لَهُ وَآمَنُ مِنْ الِانْتِشَارِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِهَا اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ قُلْنَا ذَاكَ يُفْعَلُ لِلزِّينَةِ وَهَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَمَّمُ أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَنَبُ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهَا عَلَى الْقَفَا زِينَةٌ وَبِالْمَوْتِ انْقَطَعَتْ الزِّينَةُ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ ) لِأَنَّ ذَلِكَ زِينَةٌ وَالْمَيِّتُ مُنْتَقِلٌ إلَى الْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَلِأَنَّهُ إذَا سُرِّحَ شَعْرُهُ انْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحْتِيجَ إلَى دَفْنِهِ مَعَهُ فَلَا مَعْنَى لِفَصْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ أَتَنْصُونَ مَوْتَاكُمْ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أَتُسَرِّحُونَ شَعْرَهُمْ يُقَالُ نَصَاهُ إذْ أَمَدَّ نَاصِيَتَهُ كَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ وَلَا شَعْرُهُ ) لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُسَنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْخِتَانِ .
( قَوْلُهُ وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا وَتْرًا ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ } .
( قَوْلُهُ فَإِنْ خَافُوا أَنْ تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ عَنْهُ عَقَدُوهَا ) صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْكَشْفِ

( قَوْلُهُ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ صَلَّوْا عَلَيْهِ ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا } وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُوَافِقِينَ وَثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ أَيْضًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالْوَاحِدِ وَبِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَيِّتَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ

( قَوْلُهُ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ إذَا حَضَرَ ) إلَّا أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا حَضَرَ كَانَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِعَارِضِ السَّلْطَنَةِ وَحُصُولِ الِازْدِرَاءِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ ) وَلَمْ يَقُلْ فَإِمَامُ الْحَيِّ لَيَعْرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ السُّلْطَانِ وَاجِبٌ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ أَنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَاتِ الْمَيِّتِ أَوْلَى وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا لِلصِّغَارِ وَلِلْأَقْرَبِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْأَبْعَدِ مَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَهُ فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ فِي مَكَان تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابٍ كَانَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ تَسَاوَى وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَوْلَى وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَكْبَرُ أَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجُلٌ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْوَلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ .
وَقَالَ أَحْمَدُ الْوَصِيُّ أَوْلَى وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْمُوصَى مِمَّنْ يُرْجَى دُعَاؤُهُ قُدِّمَ عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ بَالِغٌ فَالْوِلَايَةُ لِلِابْنِ لِأَنَّ الزَّوْجَ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِابْنَ إنْ كَانَ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَاهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ

يَتَقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ فَعَصَبَتُهَا أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ بَعُدُوا وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ وَابْنٌ وَزَوْجٌ وَابْنُهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ فَالِابْنُ أَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ وَلَا يُقَدِّمُ أَبَاهُ إلَّا بِرِضَا الْجَدِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَوْلَى وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً إنْ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ أَوْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ فَابْنُ الْمُكَاتَبِ أَحَقُّ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ وَلِيِّهِ كَذَا فِي الْعُيُونِ .
وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَلَهُ أَبٌ حُرٌّ أَوْ أَخٌ حُرٌّ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَبُ وَالْأَخُ أَوْلَى مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَطَعَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ الصَّلَاةَ ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِعَادَةَ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا إعَادَةَ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالنَّفَلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَلِلْمَيِّتِ أَوْلِيَاءُ آخَرُونَ بِمَنْزِلَتِهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا لِأَنَّ وِلَايَةَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ مُتَكَامِلَةٌ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ

مُقَدَّمٌ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْوَلِيِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ خَوْفَ الْفَوَاتِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى التَّيَمُّمِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

( قَوْلُهُ فَإِنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ ) مَا لَمْ تَمْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ قَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّ تَفْرِيقَ الْأَجْزَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَبِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ قَدْ تَفَسَّخَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَنُوهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَغْسِلُوهُ فَإِنْ لَمْ يَهِيلُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ أَخْرَجُوهُ وَغَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِنْ أَهَالُوا التُّرَابَ لَمْ يُخْرِجُوهُ وَيُعِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْقَبْرِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرَك الطَّهَارَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ وَسَقَطَتْ فَرِيضَةُ الْغُسْلِ .

( قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَقِيبَهَا ) أَيْ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الطَّهَارَةُ وَالسِّتْرُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْقِيَامُ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَإِنْ كَانَ وَلِيّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومِينَ عَلَى أَصْلِهِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِصَلَاتِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبِ الْمُصَلِّي نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَهَا عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ فِيهَا إلَى جَانِبِ رَجُلٍ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَهْقَهَ فِيهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَانِيَةً وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَلِيه الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الْخُطَبِ وَالتَّشَهُّدِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَعْمَالُ مَوْقُوفَةٌ وَالدَّعَوَاتُ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيَّ أَوَّلًا وَآخِرًا } .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَالِثَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ) مَعْنَاهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ لِكَيْ يُغْفَرَ لَهُ فَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ أَنْ يَبْدَأَ فِيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا } { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ

بَيْتِي مُؤْمِنًا } { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي } وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ فَحَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ } ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ زِيَادَةٌ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ زَاكِيًا فَزَكِّهِ وَإِنْ كَانَ خَاطِئًا فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْهُ فِي خَيْرٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ وَاجْعَلْهُ خَيْرَ يَوْمٍ جَاءَ عَلَيْهِ .
وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا وَأَجْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا .
فَرَطًا أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لَنَا مَصَالِحَنَا فِي الْجَنَّةِ وَذُخْرًا أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا أَيْ مَقْبُولًا شَفَاعَتُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ الْمُخَافَتَةَ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ ) وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا بِشَيْءٍ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي الْمَيِّتَ فِيهِمَا بَلْ يَنْوِي بِالْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَنْ شِمَالِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } الْآيَةَ وَبَعْضُهُمْ { سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } إلَى آخِرِ السُّورَةِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَقُولَ بَعْدَهَا شَيْئًا إلَّا السَّلَامَ وَيَقُومَ

الْإِمَامُ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا بِتَسْكِينِ السِّينِ وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِزُ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهَا كُلِّهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاء وَصِبْيَانٍ وُضِعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ الصِّبْيَانِ بَعْدَهُمْ ثُمَّ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَكَيْفَ وَضَعْت أَجْزَأَك وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ وُضِعَ الْعَبْدُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ وُضِعَ رَجُلٌ خَلْفَ رَجُلٍ وَرَأْسُ رَجُلٍ أَسْفَلَ مِنْ رَأْسِ الْآخَرِ هَكَذَا دَرَجًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَضَعُوهُمْ هَكَذَا فَحَسَنٌ وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ وَهَذَا أَوْلَى حَتَّى يَصِيرَ الْإِمَامُ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَلَكِنْ يُجْعَلُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ وَالْخَنَاثَى بَعْدَهُمْ وَالنِّسَاءُ بَعْدَهُمْ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ) لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا تُرْفَعُ فِيهَا الْأَيْدِي فَكَذَا تَكْبِيرَاتُ الْجِنَازَةِ

( قَوْلُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ } يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ مَوْضُوعٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَيِّتُ فِي غَيْرِهِ لَمْ تُكْرَهْ وَقِيلَ الْعِلَّةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ عَلَى مَيِّتٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَوْضُوعًا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ وَبِالْعَكْسِ يُكْرَهُ ، وَالْكَرَاهَةُ قِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ إذْ لَوْ كَانَ مَسْجِدًا أُعِدَّ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ

( قَوْلُهُ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ ) بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً بِقَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَغْفِرَةً حَتْمًا } وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبَادِرَ فِي الْعِبَادَةِ فَقَدْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّهُ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .
( قَوْلُهُ وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُمْ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا أَلْقَيْتُمُوهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ أَوْ قَالَ فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ } الْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ دُونَ الْعَنَقِ وَالْعَنَقُ خَطْوٌ فَسِيحٌ وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَامَهَا أَفْضَلُ وَعَلَى مُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ كُرِهَ لِلنَّاسِ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ وَيُكْرَهُ نَقْلٌ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ } وَفِي نَقْلِهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ قَوْمٌ غَرَبَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ وَهُمْ يُرِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْجِنَازَةِ رَاكِبًا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّقَدُّمُ أَمَامَهَا بِخِلَافِ الْمَاشِي لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ رَاكِبًا تَأَذَّى بِهِ حَامِلُوهَا وَمَنْ هُوَ مَعَهَا .
وَفِي الْمَصَابِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ قَالَ فِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ { خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي

جِنَازَةٍ فَرَأَى قَوْمًا رُكْبَانًا فَقَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ } وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ تَنَعُّمٌ وَتَلَذُّذٌ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ وَعِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ مَعَ الْجِنَازَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا رَأَى النِّسَاءَ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ لَهُنَّ أَتَحْمِلْنَ مَعَ مَنْ يَحْمِلُ أَتُدَلِّينَ فِيمَنْ يُدَلِّي أَتُصَلِّينَ فِيمَنْ يُصَلِّي قُلْنَ لَا قَالَ فَانْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ } وَلِأَنَّهُنَّ لَا يَحْمِلْنَ وَلَا يَدْفِنَّ وَلَا يَضَعْنَ فِي الْقَبْرِ فَلَا مَعْنَى لِحُضُورِهِنَّ .
وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ تُزْجَرُ وَتُمْنَعُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { النَّائِحَةُ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنْ مُسْتَمِعِيهَا فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَخَمْشِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ } فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنِّيَاحَةِ وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ رَأْسَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ قَمِيصَهَا أَوْ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَعَنْ { أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ } وَالنِّيَاحَةُ هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالنَّدْبُ تَعْدِيدُ النَّادِبَةِ بِصَوْتِهَا مَحَاسِنَ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا الْإِفْرَاطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ وَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَدْبٌ وَلَا نَوْحٌ وَلَا إفْرَاطٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ

: الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ وَإِنَّا عَلَيْك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ لَوْلَا أَنَّهُ قَوْلٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَطَرِيقٌ بَيِّنٌ لَحَزِنَّا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّهَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْت قَدْ نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ قَالَ لَا إنَّمَا نَهَيْت عَنْ النَّوْحِ } .

( قَوْلُهُ وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ ) إنَّمَا أَخَّرَ الشَّيْخُ ذِكْرَ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ آخِرُ جِهَازِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ عُمْقِهِ إلَى صَدْرِ رَجُلٍ وَسَطِ الْقَامَةِ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمَيِّتِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلَوْ حَفَرُوا قَبْرًا فَوَجَدُوا فِيهِ مَيِّتًا أَوْ عِظَامًا قِيلَ يَحْفِرُونَ غَيْرَهُ وَيَدْفِنُونَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ وَظَهَرَ فِيهِ عِظَامٌ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْعِظَامَ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ وَيَدْفِنُونَ الْمَيِّتَ مَعَهَا .

( قَوْلُهُ وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْشَ عَلَى الْقَبْرِ أَنْ يَنْهَالَ أَمَّا إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَذَوُو الرَّحِمِ وَالْمَحْرَمِ أَوْلَى بِإِدْخَالِ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا بِثَوْبٍ إلَى أَنْ يُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ شَيْءٌ مِنْهُ حَالَ إنْزَالِهَا فِي الْقَبْرِ وَلِأَنَّهَا تُغَطَّى بِالنَّعْشِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ كَمَا لَا يُغَطَّى سَرِيرُهُ بِالنَّعْشِ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ قَالَ الَّذِي يَضَعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ) أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك أَيْ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَهُ قَبْرَهُ مِنْ الرِّجَالِ شَفْعٌ أَوْ وَتْرٌ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَصُهَيْبٌ } ( قَوْلُهُ وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ ) بِذَلِكَ { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا وَقُولُوا جَمِيعًا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ وَلَا تُكِبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ } .
( قَوْلُهُ وَتُحَلُّ الْعُقَدُ عَنْهُ ) لِأَنَّهَا إنَّمَا فُعِلَتْ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانَ وَقَدْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ دُفِنَتْ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
( قَوْلُهُ وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُعِلَ لَحْدُهُ اللَّبِنَ } .
وَفِي الْفَتَاوَى وُضِعَ عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ قَصَبٍ وَالْقَصَبُ فِي مَعْنَى اللَّبِنِ فِي قُرْبِهِ مِنْ الْبِلَاءِ .

( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ ) لِأَنَّهُمَا لِأَحْكَامِ الْبِنَاءِ وَهُوَ لَا يَلِيقُ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقَبْرَ مَوْضِعُ الْبِلَاءِ فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ الْأَحْجَارُ وَقِيلَ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ لِأَنَّهُ مَسَّتُهُ النَّارُ فَلَا يَتَفَاءَلُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ الْحَجَرُ وَالْخَشَبُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مِسَاسَ النَّارِ فِي الْآجُرِّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْكَرَاهَةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَقَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجَهُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ فِيهِ أَحْكَامَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْخَشَبُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَثَرُ النَّارِ وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ فِي بِلَادِنَا لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْأَرَاضِيِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ اتَّخَذُوا تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ اللَّبِنُ .
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ إذَا كَانَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ فَوْقِ اللَّبِنِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ وَصِيَانَةً عَنْ النَّبْشِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إذَا اتَّخَذُوا التَّابُوتَ مِنْ الْحَدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ .
( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْقَصَبِ ) يَعْنِي غَيْرَ الْمَنْسُوجِ أَمَّا الْمَنْسُوجُ فَيُكْرَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالْمَنْسُوجُ هُوَ الْمَحْبُوكُ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ ) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُهِيلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَبِالْمَسَاحِيِّ وَبِكُلِّ مَا أَمْكَنَ يُقَالُ هِلْت التُّرَابَ إذَا صَبَبْته وَأَرْسَلْته وَكَذَلِكَ يُقَالُ حَثَا التُّرَابَ أَيْضًا إذَا صَبَّهُ إلَّا أَنَّ الْحَثْيَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ دَفْعِ التُّرَابِ وَالْهَيْلُ الْإِرْسَالُ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ وَيُقَالُ هِلْت الدَّقِيقَ فِي الْجِرَابِ إذَا صَبَبْته مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ

شَهِدَ دَفْنَ مَيِّتٍ أَنْ يَحْثُوَ فِي قَبْرِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَيَقُولُ فِي الْحَثْيَةِ الْأُولَى { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } وَفِي الثَّانِيَةِ { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } وَفِي الثَّالِثَةِ { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } وَقِيلَ يَقُولُ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ فِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك .

( قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ ) أَيْ وَلَا يُرَبَّعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَاهَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَهِيَ مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ وَيُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَالْكَتْبُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُجَصِّصُوا الْقُبُورَ وَلَا تَبْنُوا عَلَيْهَا وَلَا تَقْعُدُوا عَلَيْهَا وَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهَا } وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَسْوِيَةِ التُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّشَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَلَكِنَّهُ بِالنَّهَارِ أَمْكَنُ لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ } وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُفِنَ لَيْلًا وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْلًا وَالْأَفْضَلُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ الصَّالِحِينَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَنْ يَجْلِسُوا سَاعَةً عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ .
قَالَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد { كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ } وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ إذَا أَنَا مِتّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي قَوْلُهُ فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ

صُبُّوهُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا مِنْ الْجَنَّةِ وَمَنْ عَزَّى مُصَابًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ مَشْغُولُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُرَ مِنْهُ جَزَعٌ شَدِيدٌ فَإِنْ رَأَوْا ذَلِكَ قُدِّمَتْ التَّعْزِيَةُ لِتَسْكِينِهِمْ وَلَفْظُ التَّعْزِيَةِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَأَلْهَمَك صَبْرًا وَأَجْزَلَ لَنَا وَلَك بِالصَّبْرِ أَجْرًا وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ { تَعْزِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْدَى بَنَاتِهِ كَانَ قَدْ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَقَالَ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى } .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ أَيْ الْعَالَمُ كُلُّهُ مِلْكُ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ أَخَذَ مِلْكَهُ وَهُوَ عِنْدَكُمْ عَارِيَّةٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَهُ مَا أَعْطَى أَيْ مَا وَهَبَهُ لَكُمْ لَيْسَ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ مَنْ قَدْ قَبَضَهُ فَقَدْ انْقَضَى أَجَلُهُ الْمُسَمَّى فَلَا تَجْزَعُوا وَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتَهَلَّ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ صُرَاخٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِفَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ وَتُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ ثُمَّ صَاحَ وَخَرَجَ بَاقِيه مَيِّتًا لَا يُحْكَمُ بِحَيَاتِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَالُ إذَا صَاحَ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ) وَفِي الْغُسْلِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُغَسَّلُ وَفِي الْهِدَايَةِ يُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِاسْتِهْلَالِهِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأُمُّ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ وَأَمَّا الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عِدْلَةً كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ الشَّهِيدِ ) سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ ) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْمُشْرِكِينَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ وَكَذَا إذَا أَوْطَأَتْهُ دَوَابُّ الْعَدُوِّ وَهُمْ رَاكِبُوهَا أَوْ سَائِقُوهَا أَوْ قَائِدُوهَا وَأَمَّا إذَا نَفَرَ فَرَسُ الْمُسْلِمِ مِنْ دَوَابِّ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ رَايَاتِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ سَوَادِهِمْ حَتَّى أَلْقَى رَاكِبَهُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَكَذَا الْمُسْلِمُونَ إذَا انْهَزَمُوا فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَوْ مِنْ السُّورِ فَمَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ هُمْ الَّذِينَ أَلْقَوْهُمْ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ أَوْ الْكَرِّ عَلَيْهِمْ .
( قَوْلُهُ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ ) الْمَعْرَكَةُ مَوْضِعُ الْقِتَالِ وَالْأَثَرُ الْجِرَاحَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ غُسِّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْعُفُ وَيَبُولُ دَمًا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ غُسِّلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْجَوْفِ لَمْ يُغَسَّلْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِلَوْنِ الدَّمِ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُشْرِكِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَلَا لَهَا سَائِقٌ وَلَا قَائِدٌ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا فِي الْقِتَالِ فَقَتَلَتْهُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَلْ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَفِعْلُهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالظُّلْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ صَارَ قَتِيلًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ .
( قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا ) قَيَّدَ بِالظُّلْمِ احْتِرَازًا عَنْ

الرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْقِ وَافْتِرَاسِ السَّبُعِ وَالتَّرَدِّي مِنْ الْجَبَلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ ) يَعْنِي مُبْتَدَأَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبْتَدَأَةً بَلْ الْوَاجِبُ أَوَّلًا الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحَرَّزَ أَيْضًا مِمَّا إذَا قُتِلَ ظُلْمًا وَوَجَبَتْ بِقَتْلِهِ الدِّيَةُ كَالْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فِي الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَتَلُوهُ بِالْمُثْقَلِ فَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ شَهِيدٌ ( قَوْلُهُ فَيُكَفَّنُ ) أَيْ يُلَفُّ فِي ثِيَابِهِ ( قَوْلُهُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الشُّهَدَاءَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْتَى وَلِأَنَّ { السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ لَهُ وَالصَّلَاةُ هِيَ شَفَاعَةٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ قُلْنَا هُوَ حَيٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى أَنَّهُ يُورَثُ مَالُهُ وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ جُنُبًا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بِقَوْلِ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغْسَلُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ دَمَهُ مِنْ كَوْنِهِ نَجِسًا وَلَمْ تَرْفَعْ النَّجَاسَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الدَّمِ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ ) يَعْنِي إذَا اُسْتُشْهِدَ الصَّبِيُّ غُسِّلَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ { السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا ذُنُوبٌ فَكَانَ الْقَتْلُ فِيهِمَا كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِمَا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُغَسَّلَانِ ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَيْ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الصَّلَاةُ وَقَدْ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِسُقُوطِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْغُسْلُ الثَّانِي الَّذِي لِلْمَوْتِ سَقَطَ بِالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ أُقِيمَ مُقَامَ الْغُسْلِ كَالذَّكَاةِ فِي الشَّاةِ أُقِيمَتْ مُقَامَ الدِّبَاغِ فِي طَهَارَةِ الْجِلْدِ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُغَسَّلَانِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الظُّلْمِ وَالظُّلْمُ فِي حَقِّهِمَا أَشَدُّ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ { زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَكُلُومِهِمْ } وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا صَلَّى حَامِلًا الشَّهِيدَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَ دَمُهُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا تُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْخُفُّ وَالْحَشْوُ وَالسِّلَاحُ ) الْفَرْوُ الْمَصْنُوعُ مِنْ جُلُودِ الْفِرَاءِ وَالْحَشْوُ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ قُطْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَبِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ ) اُرْتُثَّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ وَالرَّثُّ الشَّيْءُ الْخَلَقُ وَهَذَا صَارَ خَلَقَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ الْمَبِيعَةَ إلَيْهِ وَعَلَيْهَا دُيُونٌ بِمَعْنَى الذُّنُوبِ فَتَسْقُطُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } ثُمَّ الْبَيْعُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاقِلِ الْمُمَيِّزِ وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا وَكَذَا إذَا اُرْتُثَّ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ .
( قَوْلُهُ وَالِارْتِثَاثُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَتَدَاوَى ) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ يُرْوَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مَاءً فَكَانَ السَّاقِي يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ إذَا عَرَضَ الْمَاءَ عَلَى إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَشَارَ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ عَطَاشَى فَإِنْ أَوْصَى إنْ كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُرْتَثًّا لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ فَإِنْ كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَهُوَ مُرْتَثٌّ إجْمَاعًا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ { أَنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ الْقِتَالِ سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ جَعَلَ

يَسْأَلُ عَنْهُ فَوَجَدَهُ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ وَبِهِ رَمَقٌ فَقَالَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُك السَّلَامَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّ بِي كَذَا وَكَذَا طَعْنَةً كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي وَأَقْرِئْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنَّ بِي جِرَاحَاتٍ كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي فَلَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ ثُمَّ مَاتَ } فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ فَلَمْ يُغَسَّلْ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ يَبْقَى حَيًّا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ ) لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبْقَى ثُلُثَيْ نَهَارٍ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ وَيُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ أَوْ انْقَضَى ثُلُثَا نَهَارٍ وَهُوَ حَيُّ وَمَا تَمَامُ الْيَوْمِ شَرْطًا يَا بُنَيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَكَثَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيًّا وَالْقَوْمُ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ تَصَرُّمِ الْقِتَالِ .
( قَوْلُهُ أَوْ يُنْقَلُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ ) لِأَنَّهُ نَالَ بِهِ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَإِلَّا فَالْمُرْتَثُّ شَهِيدٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى أَنَّهُ يُغَسَّلُ

( قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ ) عُقُوبَةً لَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أُخِذَ الْبَاغِي وَأُسِرَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَمَنْ قَتْلَ نَفْسَهُ خَطَأً بِأَنْ أَرَادَ ضَرْبَ الْعَدُوِّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السَّعْدِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ وَالْبَاغِي لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ مَاتَ تَحْتَ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى ظَرْفِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ قَتْلَ الشَّهِيدِ أَمَانٌ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ وَكَذَا الْكَعْبَةُ أَمَانٌ لَهُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا ) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِيهَا النَّفَلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْفَرْضُ وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ بِهَا لِارْتِفَاعِهَا وَنُتُوئِهَا وَمِنْهُ الْكَعْبُ فِي الرَّجُلِ وَكُعُوبُ الرُّمْحِ وَجَارِيَةٌ كَاعِبٌ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِهِ جَازَ أَيْضًا وَإِنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِهِ جَازَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلَخْ ) وَإِنْ كَانَ تَحَلُّقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهَا فَمَنْ كَانَ ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْوَاوِ فَهُوَ جَوَابُ إذَا وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ لِلِاسْتِئْنَافِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَتَوَجَّهَ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى يُسَلِّمَ .
( قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ

( قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ ) إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ } وَزَادَ فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ وَبَطْنِ الْوَادِي وَالْإِصْطَبْلِ وَالطَّاحُونَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَتُكْرَهُ فِي الْمَقْبُرَةِ وَالْمَقْبُرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْبَلَةُ وَالْمَزْبَلَةُ مَوْضِعُ طَرْحِ السِّرْجِينِ وَالزِّبْلِ وَالْأَرْوَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ الزَّكَاةِ ) الْمَشْرُوعَاتُ خَمْسٌ اعْتِقَادَاتٌ وَعِبَادَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ وَكَفَّارَاتٌ .
فَالِاعْتِقَادَاتُ خَمْسٌ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
وَالْعِبَادَاتُ خَمْسٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ .
وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسٌ الْمُعَاوَضَاتُ وَالْمُنَاكَحَاتُ وَالْمُخَاصَمَاتُ وَالْأَمَانَاتُ وَالشَّرِكَاتُ .
وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسُ مَزَاجِرَ مَزْجَرَةُ قَتْلِ النَّفْسِ كَالْقِصَاصِ وَمَزْجَرَةُ أَخْذِ الْمَالِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ السِّتْرِ كَالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَمَزْجَرَةُ ثَلْمِ الْعِرْضِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَمَزْجَرَةُ خَلْعِ الْبَيْضَةِ كَالْقَتْلِ عَلَى الرِّدَّةِ .
وَالْكَفَّارَاتُ خَمْسٌ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ جِنَايَاتِ الْحَجِّ .
وَتَرْجِعُ الْعِبَادَاتُ الْخَمْسُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بَدَنِيٍّ مَحْضٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَمَالِيٍّ مَحْضٍ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ قَبْلَ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } ثُمَّ تَفْسِيرُ الزَّكَاةِ يَرْجِعُ إلَى وَصْفَيْنِ مَحْمُودَيْنِ الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } فَيَجْتَمِعُ لِلْمُزَكِّي الطَّهَارَةُ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ وَالْخَلَفُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ ) أَيْ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الزَّكَاةَ } وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ لَدُنْ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّمَاءُ وَهِيَ سَبَبٌ لِلنَّمَاءِ فِي الْمَالِ بِالْخَلَفِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ .
وَقِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّطْهِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَّكَّى } أَيْ تَطَهَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيتَاءِ مَالٍ مَعْلُومٍ فِي مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُزَكِّي دُونَ الْمَالِ الْمُؤَدَّى عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ لِأَنَّهَا وُصِفَتْ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هِيَ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَهَلْ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي .
قَالَ فِي الْوَجِيزِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّرَاخِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لَا تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْهُمْ إضْرَارٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ لِأَنَّ الْحَجَّ أَدَاؤُهُ مَعْلُومٌ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْتُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَا يُؤْمَنُ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّكَاةُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ ( قَوْلُهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ) اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةٌ : خَمْسَةٌ فِي الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا عَاقِلًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا كَامِلًا وَحَوْلًا كَامِلًا وَكَوْنُ الْمَالِ إمَّا سَائِمًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ .
( قَوْلُهُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ مَالٌ قَلِيلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا فَقِيرٌ وَالْفَقِيرُ

مُحْتَاجٌ إلَى الْمُوَاسَاةِ .
( قَوْلُهُ مِلْكًا تَامًّا ) يُحْتَرَزُ عَنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمِلْكَ التَّامَّ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمِلْكُ وَالْيَدُ وَأَمَّا إذَا وَجَدَ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ كَمِلْكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْيَدَ دُونَ الْمِلْكِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ .
( قَوْلُهُ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ) إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ فِيهِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهَلْ تَمَامُ الْحَوْلِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ فَعِنْدَهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُؤَيِّدُهُ جَوَازُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُكَاتَبٍ زَكَاةٌ ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ ذَكَرَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَقَدْ عُرِفَا بِقَوْلِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ قُلْنَا ذَكَرَهُ لِلْبَيَانِ مِنْ جِهَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَلَا مَا يَشُوبُهَا الْمَالُ كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَوَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ كَالنَّفَقَاتِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ إفَاقَةٌ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَآخِرِهَا وَإِنْ قَلَّ وَيُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِهَا لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَفِي آخِرِهَا لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَدَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا وُجِدَتْ الْإِفَاقَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ قَلَّ أَوْ كُثْرَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا كَمَا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْإِفَاقَةُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سُلِّمَ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ سُلِّمَ لِمَوْلَاهُ فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَجْلِ دَابَّتِهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُهَانُ وَيُحْبَسُ فَصَارَ فِي صَرْفِهِ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى بَلْ أَوْلَى فَنَقَصَ مِلْكُ النِّصَابِ وَانْعَدَمَ الْغِنَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ دَيْنٍ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِلْعِبَادِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ الزَّكَاةِ فَاَلَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَالْمَهْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ وَالنَّفَقَةُ إذَا قُضِيَ بِهَا مَنَعَتْ الزَّكَاةَ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا تَمْنَعُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَقَرَّتْ فَلَا يَسْقُطُهَا مَا لَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُشْرِ .
وَقَوْلُهُ يُحِيطُ بِمَالِهِ الْإِحَاطَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ لَا تَجِبُ أَيْضًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي الْمِائَتَيْنِ مَنَعَ الْوُجُوبَ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِثْقَالًا وَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ لَمْ يَكُنْ

مُحِيطًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَبْقَ الْبَاقِي نِصَابًا جُعِلَ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِأَنَّ الْمَدْيُونَ مِلْكُهُ فِي النِّصَابِ نَاقِصٌ لَا يُفِيدُهُ مِلْكُهُ لَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَذَلِكَ آيَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَدَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ ، وَالْخَرَاجُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْبَاطِنَةِ هُوَ يَقُولُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْبَاطِنَةِ فَهُوَ دَيْنٌ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ قُلْنَا بَلَى لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ إذَا عَلِمَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ قَائِمٍ أَوْ زَكَاةِ مَالٍ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ دَيْنِ زَكَاةِ الْمَالِ الْمُسْتَهْلَكِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ .
وَهَذَا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَوَجَبَتْ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ لَمْ يَجِبْ لِلثَّانِي شَيْءٌ وَمُنِعَتْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ لَمَّا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَفَادَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أُخْرَى وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَيْنِ اُسْتُحِقَّ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ بِهِ جُزْءٌ مِنْهُ فَبَقِيَ دَيْنًا لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ الْإِمَامُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَعِنْدَهُمَا يُطَالِبُ بِهِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ

النِّصَابُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا أَيْ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ وَفِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ مَانِعَيْنِ لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا مَطَالِبَ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَدَيْنِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوُجُوبَ بِالْإِجْمَاعِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا ) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ وَإِنْ لَحِقَهُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ ثُمَّ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِ النِّصَابِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تَجِبُ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَيْنَ النِّصَابِ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكُتُبُ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ نَحْوًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مُصْحَفًا يَقْرَأُ فِيهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ أَوْ مُقَارَنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ الِاقْتِرَانُ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ يَعْنِي إلَى الْفَقِيرِ أَوْ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَنَوَى عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ جَازَ وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَدْفَعَ لِأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَهَا إلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهٍ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا ) يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ وَكَذَا إذَا نَوَى تَطَوُّعًا وَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ النِّصَابِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي كُلِّ النِّصَابِ لِمَا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِشُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ فَيَجِبُ فِي الْكُلِّ شَائِعًا فَإِذَا خَرَجَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيِّنِ لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى كَمَا لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَكَذَا الْبَاقِي أَيْضًا مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي الْمُؤَدَّى يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْمُؤَدَّى فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْبَاقِي فَلَا يَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ وَعَدَمِ قَاطِعِ الْمُزَاحَمَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ الْمُعَيِّنَةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ انْعَدَمَتْ هُنَاكَ فَسَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ ضَرُورَةً لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ يَنْوِي بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيقَاعُ عَنْهُمَا لِتَنَافِيهِمَا فَلَغَتْ النِّيَّةُ فَلَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ .

( بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ ) الْإِبِلُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ وَنِسَاءٍ وَسُمِّيَتْ إبِلًا لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا وَقَدَّمَ الشَّيْخُ زَكَاةَ الْمَوَاشِي عَلَى النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الزَّكَاةِ أَوَّلًا كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي وَقَدَّمَ الْإِبِلَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ لِلْإِبِلِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ ) وَيُقَالُ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ بِالْإِضَافَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { تِسْعَةُ رَهْطٍ } وَالذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ ) السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تُرْسَلُ لِلرَّعْيِ فِي الْبَرَارِي وَلَا تُعْلَفُ فِي الْمَنْزِلِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَةً أَوْ إنَاثًا مُنْفَرِدَةً أَوْ مُخْتَلِطَةً وَقَوْلُهُ فَفِيهَا شَاةٌ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالشَّاةُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيِّ مِنْ الْغَنَمِ فَصَاعِدًا وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَلَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ وَجَبَتْ الشَّاةُ فِي الْإِبِلِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَجِبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ جِنْسِهِ قِيلَ لِأَنَّ الْإِبِلَ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا كَانَتْ مَالًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوُجُوبِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْحَافِ وَفِي إيجَابِ الشِّقْصِ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلِهَذَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَبِنْتُ

الْمَخَاضِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ كَإِيجَابِ الْخَمْسَةِ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ الْوَاجِبُ هُنَا الْعَيْنُ وَلَهُ نَقْلُهَا إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الشَّاةُ وَلَوْ أَنَّ لَهُ إبِلًا سَائِمَةً بَاعَهَا فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا اسْتَقْبَلَ لَهَا حَوْلًا آخَرَ إجْمَاعًا كَالْإِبِلِ إذَا بَاعَهَا بِالْبَقَرِ وَكَالْبَقَرِ إذَا بَاعَهَا بِالْغَنَمِ أَوْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِعُرُوضٍ وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا عَلَى الثَّانِي فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الْحَوْلُ أَيْضًا وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِهَا كَانَتْ زَكَاتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا حَتَّى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ .
وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا بِحَيْثُ تَبْقَى بِبَقَائِهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَإِنْ بَاعَ السَّائِمَةَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فِي الْحَوْلِ إنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا إلَّا بِحَوْلِ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا فِي الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يُوجِبُ فَسْخَهَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَذَا فِي شَرْحِهِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي

الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ بِغَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ أَيْ حَامِلٌ بِغَيْرِهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَخَضَتْ الْحَامِلُ مَخَاضًا أَيْ أَخَذَهَا وَجَعُ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ } أَيْ أَلْجَأَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَالْقِيمَةُ وَلَا يَجُوزُ هُنَا إلَّا الْإِنَاثُ خَاصَّةً وَلَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي الْبَقَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْغَنَمِ أَيْضًا يَجُوزُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى .
( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا ذَاتَ لَبَنٍ بِوِلَادَةِ غَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ إلَى سِتِّينَ ) وَهِيَ مَا لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ) وَهِيَ مَا لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا اشْتِقَاقَ لِاسْمِهَا وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ إلَى آخِرِهِ ) إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ يَعْنِي فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ بِنْتُ لَبُونٍ إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حِقَّةٌ إلَى خَمْسِينَ هَكَذَا أَبَدًا مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى بِنْتِ

اللَّبُونِ إلَى الْحِقَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَمَا يُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ جَمِيعُ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسًا صَارَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَوَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ لِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً .
( قَوْلُهُ وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ ) الْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ جَمَلٍ عَرَبِيٍّ وَالْعَرَبُ جَمْعُ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحِصَانٍ فَالْعِرَاب مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْبُخْتُ لِلْعَجَمِ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبُخْتِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ الْعِرَابِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَيْسَ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسْبَلَةِ زَكَاةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا فِي الْمَوَاشِي الْعَمْيِ وَلَا الْمَقْطُوعَةِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ سَائِمَةٌ فَجَاءَهُ الْمُصَدِّقُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَقَالَ لَيْسَتْ هِيَ لِي أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِقِيمَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوُجُوبَ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى مُصَدِّقٍ غَيْرِك إنْ كَانَ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ غَيْرُهُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِالْبَرَاءَةِ أَمْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ

لَمْ يُصَدَّقْ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَقَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْقُرَّاءِ صُدِّقَ لِأَنَّ دَفْعَ زَكَاةِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ مُفَوَّضَةٌ إلَى أَرْبَابِهَا .

( بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ ) قَدَّمَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِأَنَّ الْبَقَرَ تَحْصُلُ بِهَا مَصْلَحَةُ الزِّرَاعَةِ وَاللَّحْمِ ، وَالْغَنَمُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إلَّا اللَّحْمُ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ وَالْقِيمَةُ حَتَّى أَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَشْمَلُهُمَا وَسُمِّيَتْ الْبَقَرُ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقْرُ هُوَ الشَّقُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً وَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعُ أَوْ تَبِيعَةٌ ) وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ تَبِيعَا لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ يَتْبَعُ أُمَّهُ ثُمَّ الْأُنْثَى لَا تَزِيدُ عَلَى الذَّكَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَا فِي الْغَنَمِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الذَّكَرُ فِيهَا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَأَدْنَى سِنٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي الْبَقَرِ تَبِيعٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِالْعَجَاجِيلِ ( قَوْلُهُ وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَعْطَى تَبِيعَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَنْ السِّتِّينَ فَلَأَنْ يَجْزِيَانِ عَمَّا دُونَهَا أَوْلَى .
( قَوْلُهُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) فَفِي الْوَاحِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الْأَرْبَعِ عُشْرُ مُسِنَّةٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ لِأَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا فِي مَا وَرَاءِ السِّتِّينَ .
(

قَوْلُهُ وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ ) وَفِي مِائَةٌ وَعَشْرُ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ .
( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ ( وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ ) يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا أَمَّا فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجَامُوسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَقِلَّتِهِ فِي بِلَادِنَا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْبَقَرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَوَامِيسَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا تَنَاوَلَهَا فَيَحْنَثُ بِشِرَائِهَا لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلْمَعْهُودِ

( بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ ) قَدَّمَ الْغَنَمَ عَلَى الْخَيْلِ لِكَثْرَتِهِ وَكَوْنِ زَكَاةِ الْغَنَمِ مُتَّفِقًا فِيهَا وَزَكَاةِ الْخَيْلِ مُخْتَلِفًا فِيهَا ثُمَّ الْغَنَمُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ ) أَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ عِنْدَهُمَا وَمَا دُونَهُ حُمْلَانٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ ) وَصِفَتُهَا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهِيَ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يَجُوزُ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أَضْيَقُ مِنْ الزَّكَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبِيعَ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا ثُمَّ السُّنَّةُ أَنَّ النِّصَابَ إذَا كَانَ ضَأْنًا يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ .
( قَوْلُهُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ ) يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الضَّأْنِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْمَعْزِ لَا يَحْنَثُ

( بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ ) اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَهُوَ التَّمَايُلُ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا لِقِلَّةِ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ إسَامَتِهَا وَالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَقَلُّ سِنٍّ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَنْ يُنْزِيَ إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ يُنْزَى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ) إنَّمَا شَرَطَ الِاخْتِلَاطَ لِأَنَّ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ التَّنَاسُلِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ السَّوَائِمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا التَّنَاسُلُ حَصَلَ مِنْهَا الْأَكْلُ وَفِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَعَارِ وَالنَّاسُ لَا يَتَمَانَعُونَ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَلَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّ نَمَاءَهَا بِالتَّوَالُدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ النِّصَابُ اثْنَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكْرَانِ فَعَلَى هَذَا النِّصَابُ وَاحِدٌ .
وَالصَّحِيحُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ ثُمَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْغَزْوِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْغَزْوِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ الْوُجُوبُ فِي عَيْنِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْلُغْ الْفَرَسَانِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اشْتَرَطَ فِيهَا الِاخْتِلَاطُ أَوْ الْفُرْسُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ

وَلِهَذَا قَالَ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَوْلُهُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْخِيَارُ إلَى الْعَامِلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا هَذَا الْخِيَارُ فِي أَفْرَاسِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ أَمَّا فِي أَفْرَاسِ الْعَجَمِ فَيُقَوِّمُهَا حَتْمًا بِغَيْرِ خِيَارٍ لِتَفَاوُتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ زَكَاتُهَا مِنْ عَيْنِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي عِنْدَهُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرُّكُوبُ وَلِهَذَا قَرَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيهَا بِالْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ } وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَنْزِ أَيْضًا .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ مِنْ صَاحِبِهَا جَبْرًا لِأَنَّ زَكَاتَهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا بِخِلَافِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا وَلِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ فَلَوْ وَلِيَ السُّعَاةُ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِيهَا لَمْ يَتْرُكُوهَا لِصَاحِبِهَا وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا تَرَكَا الْقِيَاسَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ

وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ } إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ مَا رَوَيَاهُ عَلَى فَرَسِ الرُّكُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالرَّقِيقُ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْفِطْرَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي عَبْدِ الْخِدْمَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ فِي الْكَسْعَةِ شَيْءٌ } وَهِيَ الْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا كِبَارٌ ) الْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ أَوْلَادُ الْإِبِلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ الْحَمَلِ وَهُوَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالْعَجَاجِيلُ أَوْلَادُ الْبَقَرِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جِنْسِ الْخَيْلِ فَلِمَ أَوْرَدَهَا فِيهَا قَبْلُ لِأَنَّ زَكَاةَ الْخَيْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَيْضًا فَأَوْرَدَهَا فِيهَا ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا ) .
وَقَالَ زُفَرُ فِيهَا مَا فِي الْكِبَارِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْكِبَارِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَمَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ تَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْ الْمُسِنَّاتِ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَا يَجْزِيَهُ أَخْذُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ أَرْبَعِينَ حَمَلًا أَوْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَصُورَةٌ أُخْرَى إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَحَالَ عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوَالَدَتْ مِثْلَ عَدَدِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُصُولُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ هَلْ

يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَعِنْدَهُمَا لَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْقَى ( قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ شِرَاءً وَإِلَى صَاحِبِ الْمَالِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَدْنَى وَالزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِالْقِيمَةِ وَفِي دَفْعِ الْقِيمَةِ الْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ حِقَّةٍ فَالْخِيَارُ إلَى الْمُصَدِّقِ لِمَا فِي التَّشْقِيصِ مِنْ الضَّرَرِ وَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْجَذَعَةِ سِتُّ شِيَاهٍ أَوْ سِتُّونَ دِرْهَمًا .

( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ ) وَكَذَا فِي النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْمَعْلُوفَةِ صَدَقَةٌ ) يَعْنِي بِالْعَوَامِلِ وَلَوْ سُمِّيَتْ وَبِالْمَعْلُوفَةِ وَلَوْ لَمْ تَعْمَلْ عَلَيْهَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ فِي الْمَعْلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمَ النَّمَاءُ فِيهَا مَعْنًى ( قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ ) أَيْ وَلَا رَدِيئَةً .
( قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ مِنْهُ ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ فِي أَخْذِ خِيَارِهِ إضْرَارًا بِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَفِي أَخْذِ رَذَالَتَهُ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ فَيَقْسِمُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَسَطِ وَلَا يَأْخُذُ الرِّبَاءَ وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا وَلَا الْأَكُولَةَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّنُ لِلْأَكْلِ وَلَا الْفَحْلَ وَلَا الْحَامِلَ وَيَحْسِبُ عَلَيْهِ فِي سَائِمَتِهِ الْعَمْيَاءَ وَالْعَجْفَاءَ وَالصَّغِيرَةَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَاعِيهِ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ وَلَوْ أَتَاك بِهَا الرَّاعِي عَلَى كَفِّهِ وَلَا تَأْخُذْهَا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَالًا مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَى مَالِهِ وَزَكَّاهُ ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ نَمَائِهِ أَوْ لَا وَبِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَهُ ضَمَّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ مِنْ السَّائِمَةِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَزَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ وَمَعَهُ نِصَابٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَوْلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضُمُّ إلَيْهِ ثَمَنَ السَّائِمَةِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ حَوْلًا جَدِيدًا وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّهُ وَيُزْكِيهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السَّائِمَةِ يَبْلُغُ نِصَابًا بِانْفِرَادِهِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا ضَمَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا ثَمَنُ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الَّذِي أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَاشِيَةٍ ضَمَّ الثَّمَنَ إلَى جِنْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ يَضُمُّ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَاشِيَةَ إلَى الْمَاشِيَةِ وَإِنْ جَعَلَ الْمَاشِيَةَ بَعْدَ مَا زَكَّاهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا ضَمَّ ثَمَنَهَا إجْمَاعًا لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَبْقَ نِصَابًا .
( قَوْلُهُ وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ حَوْلِهَا ) لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ قَدْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْلِفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَجَعَلَ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِسَامَةِ فِي حَقِّ إيجَابِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَصْلًا .
( قَوْلُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا ) فَإِنْ قِيلَ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ

الْحَوْلِ وَسَامَتْ نِصْفَهُ اسْتَوَى الْوُجُوبُ وَعَدَمُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ قِيلَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ ( قَوْلُهُ وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاجِبَةٌ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ ) وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ يَبْقَى كُلُّ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَسْقُطُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعٌ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ الْغَنَمِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ هَلَكَ سِتُّونَ فَنِصْفُ شَاةٍ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رُبُعُ شَاةٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا بَيَانُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ ) قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهُوَ يُمْسِكُهَا عَلَى طَرِيقِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا كَالْوَدِيعَةِ ثُمَّ الْهَلَاكُ إنَّمَا يُسْقِطُهَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِهَا أَمَّا إذَا طَلَبَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ طَالَبَهُ بِهَا مَنْ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى هَلَكَتْ .
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَأَبُو سَهْلٍ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتًا وَلَمْ يُوجَدْ فَأَمَّا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ بَدَّلَ الْيَدَ فَصَارَ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ .
وَفِي الْبَدَائِعِ كَافَّةُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالُوا لَا يَضْمَنُ وَلَوْ طَلَبَ السَّاعِي لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْعَيْنَ أَوْ قِيمَتَهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الضَّمَانِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْأَدَاءِ مُعَجَّلًا وَبَيْنَ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَجَّلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَنْتَقِصَ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ تَطَوُّعًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي اسْتَرَدَّهَا أَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَقَعَتْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بِشَرَائِطَ ثَلَاثٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ مُنْعَقِدًا وَقْتَ التَّعْجِيلِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَفُوتَ أَصْلُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَذَا مَالٌ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ كَمَّلَ النِّصَابَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ لَا يَكُونُ مَا عَجَّلَ زَكَاةً وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ عَلَى فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِمِقْدَارِ مَا عَجَّلَ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ كَانَ مَا عَجَّلَ تَطَوُّعًا وَإِنْ اسْتَفَادَ شَيْئًا حَتَّى كَمَّلَ بِهِ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ صَحَّ التَّعْجِيلُ عَنْ الزَّكَاةِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتَفَادَ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَمَا عَجَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُمَا لِأَنَّ التَّعْجِيلَ حَصَلَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ

وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِنُصُبٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصَابِ الْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ الْخَمْسِ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّوَائِدُ عَلَيْهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَلَوْ عَجَّلَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ مَا دَفَعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ صَادَفَ الْفَقْرَ فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ الْغِنَى وَالْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَتْ جَمِيعُهَا وَلَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ لَا تَقَعُ الشَّاةُ عَنْهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَبَعْدَ النَّبَاتِ جَازَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ ثَمَرِ النَّخِيلِ إنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ .

( بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ ) قَدَّمَهَا عَلَى الذَّهَبِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَدَاوُلًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَهْرَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ يُقَدَّرُ بِهَا ثُمَّ الْفِضَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَ الْمَضْرُوبِ وَالْوَرِقُ وَالرِّقَّةُ تَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَجَمْعُهَا رُقُوقٌ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ) أَيْ مَوْزُونَةٍ زِنَةَ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا ( فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ) وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا يُبْنَى عَلَى هَذَا أَحْكَامُ الزَّكَاةِ وَنِصَابُ السَّرِقَاتِ وَتَقْدِيرُ الدِّيَاتِ وَالْمَهْرِ وَالْخَرَاجِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ حُلِيًّا فَيُجْمَعُ جَمِيعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْخَوَاتِيمِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالْكَوَاكِبِ فِي الْمُصْحَفِ وَالْأَوَانِي وَالْمَسَامِيرِ الْمُرَكَّبَةِ فِي السَّكَاكِينِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالدَّمَالِيجِ وَالْخَلَاخِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَتْ كُلُّهَا وَزْنَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهَا لِجَوْدَتِهَا وَصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا .
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْأَوْزَانَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفَةً فَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنِ الدِّرْهَمِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ عَشَرَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنُهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ خَمْسَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ سِتَّةٍ فَكَانُوا يَتَصَارَفُونَ بِهَا إلَى زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ الْخَرَاجَ فَطَالَبَهُمْ بِالْأَكْثَرِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَالْتَمَسُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ فَجَمَعَ

حُسَّابَ زَمَانِهِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمْ فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وَزْنَ السَّبْعَةِ فَجَمَعُوا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَزْنُهَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَقَسَمُوهَا أَثْلَاثًا فَكَانَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّبْعَةُ وَزْنَ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّك إذَا جَمَعْتَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَارَ الْكُلُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا أَخَذْتَ ثُلُثَ ذَلِكَ كَانَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ وَصُورَتُهُ أَنَّك تَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي عَشَرَةٍ وَتَجْمَعُهُ يَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى عِشْرِينَ يَصِحُّ مِنْ الْقِسْمَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا فَثُلُثُهُ سَبْعَةٌ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِدَرَاهِمِهِ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَعَلَيْهِ إطْبَاقُ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاعْلَمْ أَنَّك مَتَى زِدْت عَلَى الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ كَانَ مِثْقَالًا لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَمَتَى نَقَصَتْ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهِ وَهُوَ سِتَّةٌ كَانَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا .
( قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ مَعَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ ) قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ ) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْغَالِبَةُ كَانَ الْغِشُّ مُسْتَهْلَكًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ زَائِدَةً عَلَى النِّصْفِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ

الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ ) لِأَنَّ غَلَبَتَهُ عَلَيْهَا يُخْرِجُهَا عَنْ حُكْمِ الْفِضَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أُحْرِقَتْ لَا يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ أَمَّا إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ وَجَبَ زَكَاةُ الْخَالِصِ وَإِذَا اسْتَوَى الْخَالِصُ وَالْغِشُّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَمْسَةٌ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا نِصَابًا ) وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ .

( بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ) زِنَةُ كُلِّ مِثْقَالٍ مِنْهَا عِشْرُونَ قِيرَاطًا ( وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ نَظْمًا وَالْفَرْضُ فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبْ نِصْفٌ مِنْ الْمِثْقَالِ فِي الْحَوْلِ وَجَبْ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فِيهَا قِيرَاطَانِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَالْأَرْبَعَةُ الْمَثَاقِيلُ ثَمَانُونَ قِيرَاطًا وَرُبُعُ عُشْرِهَا قِيرَاطَانِ وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَالْآنِيَةِ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ ) التِّبْرُ الْقِطْعَةُ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَعْدِنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ وَقَوْلُهُ وَحُلِيِّهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ حُلِيٍّ مُعَدٍّ لِلِّبَاسِ الْمُبَاحِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ { النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى امْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ وَعَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُمَا قَالَتَا لَا قَالَ أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالَتَا لَا قَالَ فَأَدِّيَا زَكَاتَهُمَا } وَأَمَّا الْيَوَاقِيتُ وَاللَّآلِئُ وَالْجَوَاهِرُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ حُلِيًّا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ .
وَأَمَّا الْآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَلْجِمَةُ وَغَيْرُهَا فَالزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بَيْنَ الْأَدَاءِ مِنْ عَيْنِهَا وَالْأَدَاءِ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ تَصَدَّقَ بِرُبْعِ عُشْرِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَتُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِنْ

أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْدِلُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الذَّهَبُ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ عِنْدَهُ مُعْتَبَرَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَازَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَزْنِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ الْقِيمَةُ دُونَ الْقَدْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْفَعُ الْوَجْهَيْنِ لِلْفُقَرَاءِ بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقِيمَتُهَا كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ هَذِهِ أَجْزَأَهُ .
وَسَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ رِبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَأَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ خَمْسَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ قَفِيزٌ آخَرُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ دُونَ الْقَدْرِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ أَنْفَعَهُمَا لِلْفُقَرَاءِ وَهُنَا اعْتِبَارُ الْقَدْرِ أَنْفَعُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ زُيُوفٍ أَوْ نَبَهْرَجَةٍ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ فَأَدَّى عَنْهَا أَرْبَعَةً جَيِّدَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا خَمْسَةً رَدِيئَةً لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ آخَرُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَهَا وَلَوْ

كَانَتْ الدَّرَاهِمُ جَيِّدَةً فَأَدَّى عَنْهَا خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جَيِّدَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ قَلْبُ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَته لِجَوْدَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ رُبُعُ عُشْرِهِ فَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً زُيُوفًا أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى الْفِضَّةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي النَّذْرِ إذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ فَأَدَّى قَفِيزًا رَدِيئًا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ فَلَوْ أَوْجَبَ قَفِيزًا رَدِيئًا فَأَدَّى نِصْفَ قَفِيزٍ جَيِّدٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ قَفِيزٍ رَدِيءٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَوْجَبَ شَاتَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاتَانِ وَسَطًا فَأَدَّى شَاةً سَمِينَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَدَّى بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ .

( بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ ) أَخَّرَهُ عَنْ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِمَا وَالْعُرُوضُ مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّوَائِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَمِيرِ .
( قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) تَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا اشْتَرَاهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَبْلُغُ بِكِلَا النَّقْدَيْنِ نِصَابًا أَمَّا إذَا بَلَغَتْ بِأَحَدِهِمَا قَوَّمَهَا بِالْبَالِغِ إجْمَاعًا بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ يَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي سِتَّةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمِثْقَالِ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ .
فَإِنْ كَانَ لَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْحَوْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا حَتَّى نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ الطَّعَامِ أَدَّى رُبُعَ

عُشْرِهِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ زَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ بِوَاسِطَةِ الْجَفَافِ أَوْ الْبَلَلِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهُ فَنَقَصَ كَمَا إذَا ابْتَلَتْ الْحِنْطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهَا فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهَا فَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ إلَى زِيَادَةٍ بِأَنْ كَانَتْ يَوْمَ الْحَوْلِ مُبْتَلَّةً وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَيَبِسَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ فَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُضَمُّ وَنُقْصَانُ النِّصَابِ يُسْقِطُ قَدْرَهُ مِنْ الزَّكَاةِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَمَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّاجِرَ دَائِمًا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَتَصَرُّفُهُ قَدْ يَكُونُ رَابِحًا وَقَدْ لَا يَكُونُ بِازْدِيَادِ السِّعْرِ وَغَلَائِهِ وَأَمَّا فِي السَّوَائِمِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَوْتٍ وَوِلَادَةٍ وَرُبَّمَا يَغِيبُ بَعْضُهَا أَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ أَمَّا فِي ابْتِدَائِهِ فَلِلِانْعِقَادِ وَأَمَّا فِي انْتِهَائِهِ فَلِلْوُجُوبِ وَقَيَّدَ بِالنُّقْصَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا

هَلَكَ كُلُّ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مَعْنَاهُ انْتَقَصَ وَبَقِيَ الْبَعْضُ أَمَّا إذَا هَلَكَ كُلُّهُ وَاسْتَفَادَ نِصَابًا آخَرَ انْقَطَعَ حُكْمُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْحَوْلِ وَلَمْ يَبْنِ الْوَارِثُ عَلَى ذَلِكَ الْحَوْلِ .
( قَوْلُهُ وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) وَكَذَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَيُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَمَعَهُ أَيْضًا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِالْأَجْزَاءِ وَكَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا احْتِيَاطًا لِجِهَةِ الْفُقَرَاءِ .

( بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ) الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَا هُنَا الْعُشْرُ وَتَسْمِيَتُهُ زَكَاةً خَرَجَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِ النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ فَكَانَ نَوْعُ زَكَاةٍ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا كَانَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ سُمِّيَ زَكَاةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ ) حَدُّ الْقَلِيلِ الصَّاعُ وَمَا دُونَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَقِيلَ حَدُّهُ نِصْفُ صَاعٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ هُنَا الْعُشْرِيَّةُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَى الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْمَدَارِسِ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ مُسْقَى سَيْحًا ) السَّيْحُ الْمَاءُ الْجَارِي .
( قَوْلُهُ أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ ) يَعْنِي الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا } وَقَالَ الشَّاعِرُ إذَا وَقَعَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهَا وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا .
( قَوْلُهُ إلَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسْتَنْبَتُ عَادَةً بَلْ تَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا السَّعَفُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ وَالشَّجَرُ لَا عُشْرَ فِيهِ وَكَذَا التِّبْنُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَاقُ الْحُبُوبِ كَالشَّجَرِ لِلثِّمَارِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ الثَّمَرُ وَالْحَبُّ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ بِالشَّجَرِ الِاسْتِغْلَالَ كَشَجَرِ السَّرْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَأَمَّا الْقَصَبُ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَالْقَصَبُ الْفَارِسِيِّ فَقَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَالذَّرِيرَةُ هُوَ قَصَبُ السُّنْبُلِ وَأَمَّا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَنْبَتُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ وَسَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ وَمَنَعَ

النَّاسَ مِنْهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ ) أَيْ تَبْقَى عَيْنُهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَشْمِيسٍ مِمَّا يُقْتَاتُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذَّرَّةِ وَالدَّخَنِ وَالْأَرُزِّ وَالْجَاوَرْسِ وَالْعَدَسِ وَالْمَاشِّ وَاللُّوبِيَا وَهِيَ الدَّخَنُ وَالْحِمَّصُ وَالْبُرَعِيُّ وَالْهِنْدِبَاءُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ وَهُوَ يَبْقَى سَنَةً أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ وَالْفُلْفُلِ وَالْكَمُّونِ وَالْخَرْدَلِ وَالْكُزْبَرَةِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَفِي السِّمْسِمِ الْعُشْرُ فَإِنْ عُصِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْعُشْرُ أُخِذَ مِنْ دُهْنِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الشُّجَيْرَةِ شَيْءٌ وَكَذَا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذَا وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ فِي الصَّحِيحِ وَلَا عُشْرَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّعْتَرِ وَالشُّونِيزِ وَالْحَلْفِ وَالْحُلْبَةِ وَقِيلَ يَجِبُ فِي الشُّونِيزِ الْعُشْرُ وَهُوَ حَبَّةُ السَّوْدَاءِ وَلَا شَيْءَ فِي الْخِطْمِيِّ وَالْوَسْمَةِ وَبِزْرِهِ وَلَا فِي الْأُشْنَانِ وَلَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشَبِ كَالْقَطِرَانِ وَالسُّلْتِ وَالْقَتِّ وَالصَّمْغِ وَلَا شَيْءَ فِي بَزْرِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَلَا فِي بَزْرِ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالدُّبَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلزِّرَاعَةِ دُونَ الْأَكْلِ .
( قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوِسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوِسْقُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْوِسْقُ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِمْلِ جَمَلٍ وَجُمْلَةُ الْأَوْسَاقِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ فَيَكُونُ الْوِسْقُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مَنًّا فَالْخَمْسَةُ الْأَوْسُقُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةُ أَمْدَادِ الْأَرْبَعِ وَعَلَى تَخْرِيجِ أَنَّ

الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ مُدَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ لِأَنَّ نِسْبَةَ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ ثُلُثَاهَا فَخُذْ ثُلُثَيْ أَرْبَعَةِ أَمِدَادِ الْأَرْبَعِ تَجِدْهُ مُدَّيْنِ وَنِصْفًا .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ ) فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْخَضْرَاوَاتُ مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ كَالْبُقُولِ وَالرِّطَابِ فَالْبُقُولُ كَالْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَصَلُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ ، وَالْعِنَبُ إنْ كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُخْرَصَ جَافًّا فَإِنْ بَلَغَ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْعِنَبُ رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَاءِ وَلَا يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ كَثُرَ .
( قَوْلُهُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ ) الدَّالِيَةُ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ .
( قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ وَالْبَقَاءُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ سَيْحًا وَفِي بَعْضِهَا بِالْغَرْبِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السَّوَائِمِ إذَا عَلَفَهَا صَاحِبُهَا فِي الْحَوْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ

الْحَصَادَ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا يَنْتَفِعُ بِهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حُصِدَتْ وَصَارَتْ فِي الْجَرِينِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا صَارَ حَبًّا جَرِيشًا أَوْ أَطْعَمَ غَيْرَهُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عُشْرَ مَا أَكَلَ وَأَطْعَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْ الْحَصَادَ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ فِي الْجَرِينِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ حَصَادِهِ أَوْ سُرِقَ فَلَا عُشْرَ فِي الذَّاهِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي تَمَامِ الْأَوْسُقِ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّ الْبَاقِي لَوْ كَانَ مَعَ الذَّاهِبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ الذَّاهِبُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مُتْلِفِهِ ضَمَانَهُ أَدَّى عُشْرَهُ وَعُشْرَ مَا بَقِيَ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ ) أَيْ لَا يُكَالُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِسْقِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ كَالْحِمَّصِ وَالدَّخَنِ فِي بِلَادِنَا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَمْثَالٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ ) كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ ( وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ ) وَالْمَنُّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ .
(

قَوْلُهُ وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ بَنِي شَبَابَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ قَوْمٌ مِنْ خَثْعَمَ بِالطَّائِفِ كَانَتْ لَهُمْ نَحْلٌ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ مِنْ عَسَلِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّ النَّحْلَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فَدَفَعُوا إلَيْهِ حِينَئِذٍ الْعُشْرَ مِنْهُ } كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّحْلَ يَأْكُلُ مِنْ أَنْوَارِ الشَّجَرِ وَمِنْ ثِمَارِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } وَالْعَسَلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الثِّمَارِ وَفِي الثِّمَارِ إذَا كَانَتْ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ الْعُشْرُ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ ثِمَارَهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا عُشْرٌ وَبِهَذَا فَارَقَ دُودَ الْقَزِّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْوَرَقَ دُونَ الثِّمَارِ وَلَيْسَ فِي الْأَوْرَاقِ شَيْءٌ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ هُوَ الْإِبْرَيْسَمُ وَلَا عُشْرَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الثِّمَارِ وَالْعُشْرُ عِنْدَهُ يَجِبُ فِي قَلِيلِ الثِّمَارِ وَكَثِيرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّصَابُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ أَزْقَاقٍ ) كُلُّ زِقٍّ خَمْسُونَ مَنًّا وَمَجْمُوعُهُ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ

مُحَمَّدٌ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ وَالْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا ) الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَر رِطْلًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَ الرَّاءَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ خَمْسَةِ أَمْثَالٍ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عُشْرٌ ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْعَسَلِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ ) لَمَّا ذَكَرَ الزَّكَاةَ عَلَى تَعْدَادِهَا وَكَانَتْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمَصَارِفِ أَوْرَدَ بَابَ الْمَصَارِفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } الْآيَةُ ) اللَّامُ فِي هَذَا الْبَابِ لِبَيَانِ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَا لِلتَّشْرِيكِ وَالْقِسْمَةِ بَلْ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ دَفْعُ صَدَقَتِهِ كُلِّهَا إلَيْهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وَيَجُوزُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفِ لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لَا يُحْصَى وَالْإِضَافَةُ إلَى مَنْ لَا يُحْصَى لَا تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجِهَةِ فِيهِ فَيَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ وَهُوَ الْوَاحِدُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الدِّجْلَةِ فَشَرِبَ مِنْهُ جُرْعَةً وَاحِدَةً حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِهِ كُلِّهِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ بِجُمْلَتِهِمْ لِلزَّكَاةِ مِثْلُ الْكَعْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ مِثْلُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ وَاسْتِقْبَالِ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ كَافٍ وقَوْله تَعَالَى إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ وَهُوَ حَصْرٌ لِجِنْسِ الصَّدَقَاتِ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَعْدُودَةِ وَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ مُنْحَصِرَةٌ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هِيَ لَهُمْ وَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ .
( قَوْلُهُ الْآيَةُ ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا وَالنَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أُتِمُّ الْآيَةَ وَعَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ لِأَنَّ " فِي " لِلدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُ " فِي " فِي قَوْلِهِ { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ هَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ ( قَوْلُهُ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ ) وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ كَانَ يُؤَلِّفُهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمُوا وَيُسْلِمَ قَوْمُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ أَسْلَمُوا وَلَكِنْ عَلَى ضَعْفٍ فَيُرِيدُ تَقْرِيرَهُمْ عَلَيْهِ وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ مِثْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ خَوْفًا مِنْهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَخَافُونَ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُعْطِيهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُكِبَّهُمْ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَهُمْ كُفَّارٌ قِيلَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَغْنِيَائِهِمْ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ قَائِمًا مَقَامَ جِهَادِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ سَقَطَ هَذَا السَّهْمُ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ الْمُؤَلَّفَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ بِعَادَتِهِمْ فَكَتَبَ لَهُمْ فَذَهَبُوا بِالْكِتَابِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَأْخُذُوا خَطَّهُ عَلَى الصَّحِيفَةِ فَمَزَّقَهَا وَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا بِكُمْ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ إمَّا أَسْلَمْتُمْ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَرَجَعُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمْضَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ فَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْفَقِيرُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَا يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ وَيَطُوفُ عَلَى

الْأَبْوَابِ فَإِنْ قِيلَ الْبُدَاءَةُ بِالْفُقَرَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْوَجُ قُلْنَا إنَّمَا بَدَأَ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ فَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَهَلْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ صِنْفَانِ .
قَالَ قَاضِي خان صِنْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نِصْفَانِ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ( قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ ) أَيْ يُعْطِيه مَا يَكْفِيه وَأَعْوَانَهُ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُقَدِّرٍ بِالثَّمَنِ وَالْعَامِلُ هُوَ السَّاعِي الَّذِي نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَامِلِ أَوْ ضَاعَ سَقَطَ حَقُّهُ وَأَجْزَأَ عَنْ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُؤَدِّينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَإِنْ جُعِلَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا وَأُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مَعَ الْغِنَى وَصَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْهَا .
( قَوْلُهُ وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ ) إلَّا مُكَاتَبَ الْهَاشِمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ دُفِعَ إلَيْهِ

الزَّكَاةُ يَطِيبُ لِمَوْلَاهُ الْغَنِيِّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا دُفِعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ اسْتَغْنَى وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهَا .
( قَوْلُهُ وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ ) أَيْ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَوْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ غَنِيًّا سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ غَنِيًّا .
( قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَابْنِ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ وَهُوَ فِي مَكَان آخَرَ لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ ) وَلَا يَجِدُ مَنْ يُدِينُهُ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا يَكْفِيه إلَى وَطَنِهِ لَا غَيْرُ وَسُمِّيَ ابْنَ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلسَّفَرِ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ مِنْ زَادٍ وَحُمُولَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ ( قَوْلُهُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى ذِمِّيٍّ ) وَيَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ إجْمَاعًا وَاخْتَلَفُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الذِّمِّيِّ إلَّا أَنَّ الصَّرْفَ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْنُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُكَفِّنِ لَا لِلْوَارِثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا لَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ وَلَا يُبْنَى بِهَا السِّقَايَاتُ وَلَا تُحْفَرُ بِهَا الْآبَارُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهَا فَقِيرٌ أَوْ يَقْبِضَهَا لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُهَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ قَضَى بِهَا دَيْنَ حَيٍّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً تَعْتِقُ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ .
( قَوْلُهُ وَلَا تُدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ } وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ الْغَنِيِّ وَوَلَدِ الْغَنِيِّ الصَّغِيرِ وَزَوْجَةِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ عَلَيْهِ وَعَبْدِ الْغَنِيِّ الْقَنِّ وَدَفْعُهَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَالْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَقَوْلُهُ إلَى غَنِيٍّ يَعْنِي غَنِيًّا يُمْكِنُهُ

الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَنِيُّ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ ثِيَابِهِ وَدَارِ سُكْنَاهُ وَأَثَاثِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَدَوَابِّ رُكُوبِهِ وَسِلَاحِ اسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ الْغَنِيُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ غَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُ الصَّدَقَةِ وَقَبُولُهَا وَغَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ الْإِعْطَاءُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَالِهِ يَقِينًا أَوْ بِأَكْثَرِ رَأْيِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ صَدَقَةُ الْأَوْقَافِ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ الَّذِي يَحْرُمُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَصَاعِدًا وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ يَبْلُغُ نِصَابًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ عَادِلَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ الْكِفَايَةِ إلَى وَقْتِ الْحُلُولِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ أَوْ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ عَلَيْهِ مُسْتَحَقَّةٌ وَمُوَاسَاتُهُمْ وَمُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ مِنْ طَرِيقِ الصِّلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقُّوهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَكَذَا دَفْعُ عُشْرِهِ وَسَائِرِ وَاجِبَاتِهِ لَا تَجُوزُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الرِّكَازِ إذَا أَصَابَهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ خُمُسِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ وَسَوَاءٌ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِعَدَمِ خُلُوصِ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْأَبِ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ شُبْهَةً فِي مِلْكِ ابْنِهِ فَكَانَ مَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلَدِهِ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَا الْمَخْلُوقُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْطِيه زَكَاتَهُ وَكَذَا إذَا نَفَى وَلَدَهُ أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ فَوَلَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَلَدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَيَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
وَفِي الْوَاقِعَاتِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا فِي الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَاطًا فِي أَمْوَالِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى } قِيلَ بِمَالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَدْفَعُ إلَيْهِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَك أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ } وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنَاعَ الْيَدَيْنِ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ فَتَأْخُذُ مِنْهُمْ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مُوسِرَةً .
( قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِهِ ) وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إذْ كَسْبُ الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَرُبَّمَا يَعْجَزُ فَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ وَمُدَبَّرِ الْغَنِيِّ وَأُمِّ وَلَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقِنُّ وَمَا دُونَ الْغَنِيِّ إنْ كَانَ مَدْيُونًا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إجْمَاعًا وَمُكَاتَبُ الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ } .
( قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَلَوْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا وَقِيلَ إنْ كَانَ زَمِنًا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ يَجُوزُ

عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ غَنِيًّا بِمِقْدَارِ النَّفَقَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَ إلَى ابْنَةِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِغِنَى أَبِيهَا وَزَوْجِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَأَمَّا أَبُو الْغَنِيِّ فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَأَمَّا زَوْجَةُ الْغَنِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ تُعْطَى وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَا تُعْطَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُعْطَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْكَرْخِيِّ تُعْطَى عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُعْطَى وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَهْرٌ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهَا الْأَخْذُ وَلِلدَّافِعِ الْإِعْطَاءُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِنِصَابٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَصَارِفِ حُكْمُهُمْ سَوَاءٌ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ إلَّا فِي الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ خَاصَّةً فَإِنَّ خُمُسَ ذَلِكَ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَا تَكْفِيه فَإِذَا جَازَ لِنَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَخٌ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ فَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ يَنْوِي بِهِ الزَّكَاةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ فِي الْكِسْوَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ وَمَنْ عَالَ يَتِيمًا بِكِسْوَةٍ وَبِنَفَقَةٍ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ فِي الْكِسْوَةِ دُونَ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ فِي الْإِطْعَامِ إبَاحَةٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَى يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا رَجُلٌ أَعْطَى فَقِيرًا مِنْ زَكَاتِهِ أَوْ مِنْ عُشْرِ أَرْضِهِ أَوْ مِنْ فِطْرَتِهِ

ثُمَّ إنَّ الْفَقِيرَ أَطْعَمَهُ الْمُعْطِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ آخَرَ أَوْ هَاشِمِيٍّ أَوْ لِأَبِي الْمُعْطِي أَوْ لِابْنِهِ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَيَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ فَإِنْ تَبَدَّلَتْ الْعَيْنُ الْمُعْطَاةُ بِأَنْ بَاعَهَا الْفَقِيرُ بِعَيْنٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَ تَمْرًا فَبَاعَهُ بِزَبِيبٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ فِيهَا الْإِبَاحَةُ وَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ كَتَبَدُّلِ الْمِلْكِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ ) يَعْنِي الْأَجْنَبِيَّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الزَّكَاةِ كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ وَكَذَا يَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ الْأَوْقَافِ إلَيْهِمْ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُسَالَةٍ إذْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَا فَرْضٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ الْوَاقِفُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّطَوُّعِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِلْأَغْنِيَاءِ فَكَذَا لِبَنِي هَاشِمٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْوَاقِفُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَكُونُ صَدَقَةً وَاجِبَةً وَيَجُوزُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ إلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَلَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا جَزَاءُ الصَّيْدِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةً مِنْ وَجْهٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَغَلَبَ الْحَظْرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجُوزُ ( قَوْلُهُ وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ إلَى آخِرِهِ ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُرِّيَّةِ أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَاصِرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( قَوْلُهُ وَمَوَالِيهِمْ ) أَيْ عَبِيدِهِمْ لِأَنَّ مَوَالِيَهُمْ تَشَرَّفُوا بِشَرَفِهِمْ وَأَمَّا مُكَاتَبُوهُمْ فَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ .

( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفْع فِي ظُلْمَةٍ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ) هَذَا إذَا تَحَرَّى وَدَفَعَ وَأَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ دَفَعَ وَفِي أَكْثَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيه إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
( قَوْلُهُ أَوْ كَافِرٍ ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ { يَزِيدَ بْنَ مَعْنٍ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَدَفَعَهَا إلَى أَبِيهِ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهَا مَعَهُ فِي يَدِهِ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت وَلَك يَا مَعْنُ مَا أَخَذْت } .
( قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَمْ يَجُزْ ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجْزِيه وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ ) سَوَاءٌ كَانَ النِّصَابُ نَامِيًا أَوْ غَيْرَ نَامٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَا يَسْكُنُهُ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَهَذَا النِّصَابُ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ قَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَوْلُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا ) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ دَفَعَ جَازَ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ فِي الْغِنَى وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَعْقُبُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَيْرَ مَدْيُونٍ وَلَا لَهُ عِيَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ مَا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَى عِيَالِهِ كَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ دَيْنِهِ وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى

مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقْضِي حَوَائِجَهُ أَوْ إلَى مَنْ بَشَّرَهُ بِبِشَارَةٍ أَوْ إلَى مَنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً جَازَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالزَّكَاةِ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَقَبَضَهُ لَهُ وَلِيّه أَوْ مَنْ يَعُولُهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَقَبَضَ لِنَفْسِهِ جَازَ وَاللَّقِيطُ يَقْبِضُ لَهُ الْمُلْتَقِطُ .

( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنَّمَا تُصْرَفُ صَدَقَةُ كُلِّ قَوْمٍ فِيهِمْ ) لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَمَهمَا كَانَتْ الْمُجَاوَرَةُ أَقْرَبَ كَانَ رِعَايَتُهَا أَوْجَبَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا إذَا كَانَ فِي حِينِهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حِينِهَا فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْلِ .
وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ شَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ إلَى فُقَرَاءِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ دُونَ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمَالِ وَصِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُوصِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي الزَّكَاةِ يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْمَالِ وَفِي الْفِطْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ مَكَانَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ مَكَانَ الْعَبِيدِ وَالْأَوْلَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَكَانَ الْأَبِ وَالْمَوْلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَزِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَالنُّذُورِ الصَّرْفُ أَوَّلًا إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ إلَى الْجِيرَانِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ حِرْفَتِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَلَا يَنْقُلُهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى إلَّا إذَا كَانُوا أَحْوَجَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْبَيْتِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهَا لِثُبُوتِهَا بِالْقُرْآنِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ إذْ هِيَ بَعْدَ الصَّوْمِ طَبْعًا وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ هُنَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الصَّوْمِ جَائِزٌ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ ثُمَّ هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَعْنِي أَنَّهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ حَتَّى أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِثْلَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ ) أَيْ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا ذُكِرَ الْوُجُوبِ هُنَا أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْوَتْرُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْعُمْرَةُ وَخِدْمَةُ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا .
( قَوْلُهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ) احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا سَبَبُهَا وَهِيَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَصِفَتُهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ

السَّلَامُ { أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ } وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ } وَشَرْطُهَا وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْغِنَى وَفِي الْوَقْتِ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَفِي الْوَاجِبِ أَنْ لَا تَنْقُصَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَرُكْنُهَا وَهُوَ أَدَاءُ قَدْرِ الْوَاجِبِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَحُكْمُهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْغَنِيُّ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ وَمِمَّا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَهُوَ مِنْ أَرْبَعَةٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَمَكَانُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْعَبِيدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْمَالِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَفِي الزَّكَاةِ الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ حَتَّى أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى فَاعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَوْلَى .
( قَوْلُهُ إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَشَرَطَ الشَّيْخُ الْحُرِّيَّةَ بِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ وَالْإِسْلَامِ لِتَقَعَ الصَّدَقَةُ قُرْبَةً وَشَرَطَ الْيَسَارَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } وَقَدَّرَ الْيَسَارَ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ

بِهِ وَسَوَاءٌ مَلَكَ نِصَابًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِهَا فَضْلًا عَنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
( قَوْلُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَا كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَيُعْفَى لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نُسْخَةٍ مِنْ كُلِّ مُصَنَّفٍ لَا غَيْرُ ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ نُسْخَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَاحِدَةٌ يَسْكُنُهَا وَيَفْضُلُ عَنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا مَا يُسَاوِي نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ .
( قَوْلُهُ يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَنْ مَمَالِيكِهِ ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَيَعْنِي مَمَالِيكَهُ لِلْخِدْمَةِ وَيُؤَدِّي عَنْ مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَعَنْ عَبْدِهِ الْمُودَعِ وَالْمَرْهُونِ إذَا كَانَ لَهُ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ وَزِيَادَةُ نِصَابٍ وَيُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ وَالْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَلِي عَلَيْهِ وَيَمُونُهُ وَلَا تَجِبُ عَنْ مَمَالِيكِ هَذَا الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ عَبِيدُ التِّجَارَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْهُ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَجْعُولُ مَهْرًا إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ وَلَا عَنْ الْمَأْسُورِ وَلَا عَنْ الْمُسْتَسْعَى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَبْدُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْفِطْرِ إذَا عَتَقَ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ

عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيَهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَمُونُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ وَشَبَهِهَا .
( قَوْلُهُ وَلَا عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ ) بِأَنْ كَانُوا زُمَنَاءَ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً ثُمَّ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مَالٌ فَإِنَّ الْأَبَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ فِطْرَتِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِمَا وَيُخْرِجُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَمِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِهِمَا صَارَا كَالْفَقِيرَيْنِ فَيُخْرِجُ الْأَبُ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَبَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ ابْنِهِ الْفَقِيرِ فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا كَانَتْ فِي مَالِهِ كَنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ خِتَانِهِ فَيُخْرِجُ أَبُوهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ جَدُّهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ فِطْرَةَ أَنْفُسِهِمَا وَرَقِيقِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا .
وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا أَخْرَجَهُمَا الْأَبُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ مَمَالِيكِهِمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفَقَةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ إذَا كَانَ فَقِيرًا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ بَلَغَ مُفِيقًا ثُمَّ جُنَّ فَلَا فِطْرَةَ عَلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَقَدْ اسْتَمَرَّتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فِطْرَةُ بَنِي ابْنِهِ

إذَا كَانَ أَبُوهُمْ فَقِيرًا أَوْ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَفِي قَاضِي خان لَا يُؤَدِّي عَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ حَيًّا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلُ الْفِطْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِنْ كَانَا فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا كَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا مَجْنُونًا تَجِبُ عَلَى ابْنِهِ فِطْرَتُهُ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبِهِ ) لِقُصُورِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مِلْكَهُ كَامِلٌ فِيهِمَا بِدَلِيلِ حِلِّ الْوَطْءِ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يُخْرِجُ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ لِفَقْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ عَنْ نَكْسِهِ وَرَقِيقِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَاجِبَةٌ فِيهِمْ فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِيهِمْ كَانَ فِيهِ تَثْنِيَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَبَبِ مَالٍ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ } أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ

( قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ رَقَبَةً كَامِلَةً وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ عَبِيدٌ أَوْ إمَاءٌ بَيْنَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِي الْخَامِسِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ وَلَدُهُمَا وَالْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدٌ لَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِطْرَةُ الْجَارِيَةِ إجْمَاعًا وَتَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَلَدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَبَعَّضُ فَهُوَ ابْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِطْرَةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا مُؤْنَةٌ كَالنَّفَقَةِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْسَرَ فَهِيَ عَلَى الْآخَرِ بِتَمَامِهَا .

( قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ أَيْ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَالْمَوْلَى كَافِرًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا .

( قَوْلُهُ وَالْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجْزِي مِنْ الْبُرِّ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا مِثْلُهَا فِي الْجَوَازِ يَجْزِي مِنْهَا نِصْفُ صَاعٍ وَكَذَا دَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ لَا يَجْزِي مِنْهُ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجْزِي مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ لِأَنَّ الْبُرَّ وَالزَّبِيبَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّهُ يُلْقَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِي الزَّبِيبِ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ كَالشَّعِيرِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا رَوَى ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا ثُمَّ الدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الدَّرَاهِمُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ وَفُلُوسًا وَعُرُوضًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الدَّقِيقَ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ وَعَجَّلَ لَهُمْ الْمَنْفَعَةَ وَمَا سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ أَوْ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ قُلْت ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقِيلَ الْمَنْصُوصُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْخُبْزُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا

أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَجْوَزُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ هُنَا إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ( قَوْلُهُ وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ ) بِالْعِرَاقِيِّ أَيْضًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ زُبْدِيَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ .

( قَوْلُهُ وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ثُمَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ يَدْخُلُ وَقْتُ وُجُوبِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْوُجُوبِ بِطُلُوعِهِ أَيْضًا وَلَا يَفُوتُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّاهَا تَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً فَبَانَ لَك أَنَّهَا تَدْخُلُ ثُمَّ تَخْرُجُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ ( قَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ ) لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وُجِدَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَمَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى حِينَئِذٍ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُسْلِمٌ غَنِيٌّ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ فِطْرَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَلَوَاتٌ وَلَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ يَجُوزُ وَيُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15