كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

قَوْلُهُ ( وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ وَقَعَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بَقَاءَ نِكَاحِهِ وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهِ وَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ثُمَّ طَلَاقُهُ الْمَفْهُومُ بِالْإِشَارَةِ إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ) فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا طَلُقَتْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ " إنْ " لَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ وَأَمَّا كُلٌّ فَإِنَّهَا تُكَرِّرُ الْأَسْمَاءَ وَلَا تُكَرِّرُ الْأَفْعَالَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى طَلُقَتْ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَهِيَ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ بِالثَّلَاثِ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَارَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَاصِلُهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَقَعْ قُلْنَا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْوُقُوعَ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ إنَّمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِنِّينَ إذَا أُجِّلَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ قَالَ الْمَجْنُونُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الصَّحِيحُ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ طَلُقَتْ .

قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُون الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ ) فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فِي نِكَاحٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى نِكَاحٍ

قَوْلُهُ ( وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلٌّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا ) إنَّمَا قَالَ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا أَسْمَاءٌ وَبَعْضَهَا حُرُوفٌ فَالْأَسْمَاءُ مِثْلَ كُلٌّ وَإِذَا وَلِهَذَا يَدْخُلُهُمَا التَّنْوِينُ فَيُقَالُ كُلٌّ وَإِذًا وَالتَّنْوِينُ عَلَامَةُ الِاسْمِيَّةِ ، وَكَذَا مَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَالْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَفْظٌ فَلِهَذَا قَالَ وَأَلْفَاظُ لِيَشْمَلَ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِإِنْ ؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ لِلشَّرْطِ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا وَإِذَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَالشَّرْطِ فَيُجَازَى بِهَا تَارَةً وَلَا يُجَازَى بِهَا تَارَةً وَمَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ مِثْلَ إنْ لَكِنْ مَعَ قِيَامِ الْوَقْتِ وَكُلٌّ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَهِيَ تَعُمُّ الْأَسْمَاءَ ؛ لِأَنَّهَا تَلَازُمُهَا فَإِذَا وُصِلَتْ بِمَا أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ شُرُوطًا ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَلِيهَا وَالشَّرْطُ إنَّمَا جُعِلَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهَا الِاسْمُ دُونَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَهَا تَعُودُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا كُلٌّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ .
قَوْلُهُ ( وَكُلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ إذَا وُجِدَتْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ ) أَيْ انْتَهَتْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ قَوْلُهُ ( إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ

بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } وَ { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } فَكَرَّرَتْ النُّضْجَ وَإِرَادَةَ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ أَفْعَالٌ قَوْلُهُ ( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) أَيْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ لَنَا أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَضَى وَالتَّطْلِيقَاتُ الَّتِي اسْتَأْنَفَهَا فِي الثَّانِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ بَيَانُهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا تَكْرَارُ الْفِعْلِ وَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهَا فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ فَإِذَا زَالَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لَمْ يَنْصَرِفْ التَّكْرَارُ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ .

قَوْلُهُ ( وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَانْحَلَّتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَكَانَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا زَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ لَا زَوَالُ الْحِلِّ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَدَخَلَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَهْدِمُ فَتَعُودُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحٍ أَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ

بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّك دَخَلْت الدَّارَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ فِي الْحَالِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَاضِيَ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ مَا وَقَعَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ بِالدُّخُولِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت أَوْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ لَوْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ السَّاعَةَ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَهِيَ تَدَّعِي عَلَيْهِ

زَوَالَهُ بِالْحِنْثِ فِي شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ حِضْت طَلُقَتْ ) ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ إذَا أَخْبَرَتْ وَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَاقٍ أَمَّا إذَا أَخْبَرَتْ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا يُقْبَلُ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت يُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وُجُودُ الطُّهْرِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا بَقِيَ الطُّهْرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت ثُمَّ الْآنَ أَنَا حَائِضٌ أَوْ طَهُرْت مِنْهَا لَا يُقْبَلُ

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ حَضْرَتِهَا وَهَذَا إذَا كَذَّبَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا خَاصَّةً أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتَ طَالِقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْبُغْضَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ إنْ كُنْت تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْجَوَابُ فِي هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِهَا فَوَقَفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إنْ قُلْت أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك طَلُقَتْ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ صَاحِبَتُهَا وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت أَوْ كَلَّمْت لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا

فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَقَالَتَا جَمِيعًا حِضْنَا إنْ صَدَّقَهُمَا طَلُقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يُطَلَّقَا وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَلَمْ تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِوُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ فِي الْمُكَذَّبَةِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا عَلِقَتْ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَهُنَا قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا قَالَتَا حِضْنَا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُخَبِّرَةٌ عَنْ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا مُكَذِّبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ وَتَصْدِيقُهُ لِصَاحِبَتِهَا بِحَيْضِهَا فَلِهَذَا طَلُقَتْ وَأَمَّا الْمُصَدَّقَةُ فَوُجِدَ فِيهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا قَوْلُهُ ( فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ صَحَّ التَّزْوِيجُ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلُ مِنْهَا وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهَا بِالِانْقِطَاعِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي الْمُدَّةِ فَتَكُونَ حَائِضًا وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرَةً وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ وَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثُلُثَ حَيْضَةٍ أَوْ سُدُسَ حَيْضَةٍ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك فَحِينَ مَا رَأَتْ الدَّمَ تَطْلُقُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ فِي حَيْضَتِك أَوْ مَعَ حَيْضَتِك فَمَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ ، وَهُوَ مَرِيضٌ إذَا مَرِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا .
وَكَذَا الْمَرَضُ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا حَادِثًا مِنْ ذَلِكَ صُدِّقَ ، وَكَذَا صَاحِبُ الرُّعَافِ إذَا قَالَ إنْ رَعَفْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ

فَهُوَ عَلَى هَذَا ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَوَّلًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ طَلْقَةً وَفِي التَّنَزُّهِ ثِنْتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذًا فِي حَالٍ يَقَعُ وَاحِدَةً وَفِي حَالٍ اثْنَتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ .

قَوْلُهُ ( وَطَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَانِ بِالنِّسَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَتَفْسِيرُهُ حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدٍ طَلَاقُهَا ثَلَاثٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَمَةٌ تَحْتَ حُرٍّ طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَاقُهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّةَ الْمَنْكُوحَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا يَمْلِكُ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَمْلِكُ اثْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ وَصِفَةٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ إيقَاعٍ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا صَادَفَتْهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلِهَذَا لَمْ تَقَعْ وَسَوَاءٌ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ فَإِنَّهُ تَقَعُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْكَلَامِ شَرْطٌ وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ) وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا إنْ كَانَ مُوقَعًا أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَلْفُوظُ بِهِ مُوقَعًا آخَرَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى وَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَكَذَا وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً وَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْدَهَا أُخْرَى وَقَدْ بَانَتْ بِهَذِهِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ آخَرَ فَوَقَعَتَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ وَأَخْبَرَ أَنَّ قَبْلَهَا وَاحِدَةً قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَكَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَتَا وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا إلَّا هَكَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ أَحَدَ عَشْرَ طَلْقَةً .
وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَذَا هَذَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ

بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يُرِيدُ بِهِ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ يَقَعُ ثِنْتَانِ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ الثَّلَاثَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِخِلَافِ الْوَاوِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَعَتْ الْأُولَى لِلْحَالِ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَعَلَّقَتْ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِمَكَّةَ وَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ فِي مَكَّةَ وَمَتَى طَلُقَتْ فِيهَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ .

قَوْلُهُ ( وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ ) يَعْنِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ إذَا عُرِفَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِمَكَّةَ عُرِفَ أَيْضًا عَدَمُهُ بِالدَّارِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الدَّارِ قُلْنَا إنَّمَا ذَكَرَ الدَّارَ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِمَكَّةَ ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّارِ لِيُعْلِمَ أَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَكَانِ لَا بِاعْتِبَارِ شَرَفِ مَكَّةَ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِك إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي عَلَى فِعْلٍ فَصَارَ شَرْطًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ كَانَتْ طَالِقًا مَكَانَهَا ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي مَكَانِ الشَّمْسِ وَالْمُطَلَّقَةُ فِي مَكَان الْمُطَلَّقَةُ فِي كُلِّ مَكَان وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَيَّامَ ظَرْفًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ الظَّرْفُ جُزْءًا مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَ عَقِيبَ كَلَامِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْتِ مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ ، وَهُوَ فِعْلٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَمْ تَطْلُقْ دُونَ وُجُودِهِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ طَعَامًا ، وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ فَيَقَعُ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَإِذَا قَالَ غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا الشَّرْطَ فِي اللَّفْظَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا طَلُقَتْ الْيَوْمَ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَلَا تَطْلُقُ أُخْرَى فِي غَدٍ ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ هَذِهِ الطَّلْقَةِ الْيَوْمَ تَتَّصِفُ بِهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ الْيَوْمَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي غَدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ غَدًا وَبِالطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ فِي غَدٍ لَا تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِهِ الْيَوْمَ فَلَغَا .
قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا بِالْوَاوِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَهِيَ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَإِنْ قَالَ غَدًا وَالْيَوْمَ تَطْلُقُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى .
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ

أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَكَوْنُهُ ظَرْفًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُطَلَّقَةً فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت فِي شَعْبَانَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صَائِمًا فِي جَمِيعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت شَعْبَانَ اقْتَضَى صَوْمَ جَمِيعِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقَهُ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا أَمْسِ لَا يَحْرُمُ نِكَاحَهَا الْيَوْمَ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى حَالِ مِلْكِهِ .
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ ، وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجُ وَالزَّوْجُ يَنْطَلِقُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِثَلَاثٍ سِوَاهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِإِمَائِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك

بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ ، وَكَذَا التَّحْرِيمُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَهَا أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا وَكَانَ عَلَى يَقِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ يَقِينًا .
وَإِذَا ضَمَّ إلَى امْرَأَتِهِ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلَ الْحَجَرِ وَالْبَهِيمَةِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا مَنْ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا رَجُلًا فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَالْبَهِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُسَمَّى طَلَاقًا ، وَهُوَ يُوصَفُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَيِّتَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ عَتَقَ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ ) وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَقُمْ مِنْهُ أَوْ تَأْخُذُ فِي عَمَلٍ آخَرَ ، وَكَذَا إذَا قَامَ هُوَ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْهَاهَا عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ قَوْلَهُ ( فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ) يَعْنِي إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَامَتْ صَارَتْ مُعَرَّضَةً ، وَكَذَا إذَا اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَمَا إذَا دَعَتْ بِطَعَامٍ لِتَأْكُلَهُ أَوْ نَامَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ خَاطَبَتْ رَجُلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ خِيَارَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَتْ جَرْعَةً أَوْ جَرْعَتَيْنِ أَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ لَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ أَوْ فَعَلَتْ فِعْلًا قَلِيلًا وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ اُدْعُوَا لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِي أَوْ اُدْعُوَا لِي أَبِي أَسْتَشِيرُهُ أَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَقَامَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا .
وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَرَكِبَتْ ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْرَاضٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَإِنْ سَارَتْ الدَّابَّةُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مِنْ فِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا ، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهَا وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ

فَسَارَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا وَإِنْ أَوْقَفَتْهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْتِ فَكُلُّ مَا أَبْطَلَ خِيَارُهَا فِي الْبَيْتِ أَبْطَلَهُ فِيهَا وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ كَانَا فِي مَحْمِلٍ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ ابْتَدَأَتْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّتْهَا إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ وِتْرًا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يُبْطِلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي ، وَكَذَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا الشُّفْعَةُ وَإِنْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَإِنْ طَالَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك كَمَا شِئْتِ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا خِيَارَ لَهَا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ، وَكَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت فَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى يُفِيدَانِ الْوَقْتَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَيَّ وَقْتٍ شِئْت فَإِنْ اخْتَارَتْ

فِي الْمَجْلِسِ زَوْجَهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي كُلَّمَا وَغَيْرِهِ .

قَوْلُهُ ( فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ) وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ قَوْلُهُ ( وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ( وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا ) حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ فَهَذَا كُلُّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَإِنْ قَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدَ وَعْدٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ .
وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يَقَعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَكُونُ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛

لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَبَنْتُكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ .
وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ طَلَاقًا إذَا حَصَّلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا أَبَنْتُ نَفْسِي ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَك ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَيُقْبَلُ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ ( مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ مُؤَقَّتًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ لَمْ تُعْرِضْ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ لَا غَيْرُ وَإِنْ قَالَ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ

إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَإِنْ قَالَ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْخِيَارُ إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ .
مِثَالُهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَهِيَ تَسْمَعُ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي مَجْلِسِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ فَبَلَغَهَا الْعِلْمُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ وَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ ثُمَّ عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ التَّفْوِيضَ بِزَمَانٍ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّهِ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِالْأَلِفِ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دُفْعَةً أَوْ بِدُفْعَةٍ أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت تَطْلِيقَةً أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَائِنًا كَانَ رَجْعِيًّا قَوْلُهُ ( فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْمَلُ فِيهِ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَلَهَا الْمَشِيئَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَإِذَا شَاءَتْ وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَطَلُقَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَشِيئَةٌ حَتَّى لَوْ اسْتَرْجَعَهَا فَشَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُؤَثِّرْ مَشِيئَتُهَا وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا شِئْت كَانَ ذَلِكَ لَهَا أَبَدًا حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكُلَّمَا شَاءَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ سَقَطَتْ مَشِيئَتُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ " إنْ " لَا تَقْتَضِيَ الْوَقْتَ ، وَكَذَا إنْ أَحْبَبْتِ أَوْ رَضِيَتْ أَوْ أَرَدْتِ كُلُّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَهُوَ مِثْلُ الْخِيَارِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ طَلِّقِي نَفْسَك سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً ) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ تَفْوِيضًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ النَّهْيَ عَنْهُ وَكُلُّ مَا كَانَ تَوْكِيلًا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالنَّهْيَ عَنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَقَرَنَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْهُ وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَصَاحِبَتَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي حَقِّهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّفَرُّدُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقَا امْرَأَتِي وَلَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ

رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَتْ بَائِنَةً اعْتِبَارًا لِأَمْرِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَ مَشِيئَةً لِلْوَاحِدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك أَوْ أَبْغَضُك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ ) وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إذَا عَلِقَتْ بِالْقَلْبِ يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحُبِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُمَا يَقِيسَانِهِ عَلَى الْأَوَّلِ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ ) ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَمَعْنَاهُ إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهَا وَلَا رِضًا أَمَّا إذَا سَأَلَتْهُ ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَائِنَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمِيرَاثَ فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ وَانْقَلَبَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرِثَتْ مِنْ الزَّوْجِ ، وَهُوَلَا يَرِثُ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا تَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ لَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ .
وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ الَّذِي تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَعِيشُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مُضْنًى لَا يَقُومُ إلَّا بِشِدَّةٍ ، وَهُوَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ ، وَهُوَ يُحَمُّ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِنْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ

قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ وَرِثَتْ ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ وَقَعَ فِي فَمِ سَبُعٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَرِثَتْ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ) سَوَاءٌ سَمِعَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ إذَا كَانَ قَدْ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ .
وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِهِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَثْنِيًا وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَظْهَرُ لَنَا مَشِيئَتُهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ إبْلِيسُ ، وَكَذَا إذَا ضَمَّ مَعَ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ وُقِفَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا وُقِفَ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ وَإِنْ

قَامَ بَطَلَ وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَى فُلَانٍ وَلَا يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا ذِكْرَهُ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَاللَّغْوُ حَشْوٌ فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَلَهُمَا أَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ إجْمَاعًا .
؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ) وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَائِزٌ وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَدْ صَحَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا ذَكَرَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ فَبَطَلَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ .
وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُمْلَةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَقَعَ اثْنَتَانِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً .
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ وَمَتَى

رَجَعَ إلَى مَا يَلِيهِ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَهَذَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الْجُمْلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّا إنْ رَدَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ أَبْطَلْنَاهُمَا وَإِنْ رَدَدْنَا بَعْضَهُ إلَى هَذِهِ وَبَعْضَهُ إلَى هَذِهِ أَبْطَلْنَاهُمَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ مِمَّا يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ الثَّلَاثِ بَقِيَ ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ يَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ .
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ دُونَ الْغَايَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِابْتِدَاءُ يَدْخُلُ وَالْغَايَةُ تَسْقُطُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَعْنِي مِنْهَا إلَيْهَا

فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الِابْتِدَاءَ وَالْغَايَةَ وَإِذَا سَقَطَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ حَدًّا وَمَحْدُودًا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو آخِرُ كَلَامِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ مِنْ ثِنْتَيْنِ إلَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ .
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ مَعَ عِبَادِي وَإِنْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا إلَّا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثٍ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ) إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كُلًّا مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا لَا مِلْكًا تَامًّا ثُمَّ إذَا مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا هَلْ يَمْلِكُ عَلَيْهَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الرَّجْعَةِ ) هِيَ الْمُرَاجَعَةُ ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِجَاعِ الْمُطَلِّقِ مُطَلَّقَتَهُ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جُمْلَةَ عَدَدِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا عِوَضٌ وَيُعْتَبَرُ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ ) إنَّمَا شُرِطَ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ زَالَ الْمِلْكُ وَحُقُوقُهُ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الظِّهَارِ عَلَيْهَا وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالتَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِلزَّوْجِ إمْسَاكُ زَوْجَتِهِ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } سَمَّاهُ بَعْلًا وَهَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا .

( قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتُ امْرَأَتِي ) هَذَا صَرِيحُ الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَقَوْلُهُ رَاجَعْتُك هَذَا فِي الْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ رَاجَعْت امْرَأَتِي فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ ثُمَّ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا شَاهِدِينَ وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لَهَا رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِذَلِكَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ ، وَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْفِعْلِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ نَظَرَ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا .
( قَوْلُهُ أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ) يَعْنِي الْفَرْجَ الدَّاخِلَ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ انْكِبَابِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا عِوَضَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ امْرَأَتِي وَنَوَى الرَّجْعَةَ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ هُوَ رَجْعَةٌ وَمِنْ أَلْفَاظِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا رَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك أَوْ أَنْتَ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ كِنَايَاتُ الرَّجْعَةِ وَلَوْ جَامَعَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ صَارَ مُرَاجِعًا وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ يَعْنِي عَلَى الْفَمِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى

الْخَدِّ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ تُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ .
وَكَذَا إذَا لَمَسَتْهُ هِيَ أَيْضًا بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمَسَتْهُ فَتَرَكَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ وَإِنْ مَنَعَهَا وَلَمْ يَتْرُكْهَا لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً .
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا لَمَسَتْهُ مُخْتَلِسَةً وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ نَائِمٌ أَوْ زَائِلُ الْعَقْلِ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا إذَا تَرَكَهَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً بِالْإِجْمَاعِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يُشَاهِدُونَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلشَّهْوَةِ نَشَاطٌ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْجِمَاعِ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَظَرَتْ هِيَ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رَجْعَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَظَرَ إلَى دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَرْجِ .

وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا فَهَذَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا .

( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ ) يَقُولُ لَهُمَا : اشْهَدَا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ مَا يُؤَدِّي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَا تُصَدِّقُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ لِلْآيَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وقَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } وقَوْله تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا } وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِشْهَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ أَيْ قَرَنَ الْمُرَاجَعَةَ بِالْمُفَارَقَةِ فِي قَوْلِهِ { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا فِي الْمُرَاجَعَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي النِّكَاحِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَتُسْتَحْلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْكَوْنِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا فَنَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لَا بِقَوْلِهَا وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِالْكَلَامِ فَقَالَتْ : انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا : رَاجَعْتُك لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَلَهُمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَى الزَّوْجِ وَالْعِدَّةَ مِنْ الْأَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَالَ لِلزَّوْجِ أَنْتَ قَدْ رَاجَعْتهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ وَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ ) كَامِلَةً ؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ لَا يَلْزَمُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ ، وَهَذَا إذَا انْقَطَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنْ انْقَطَعَ آخِرَهُ يُعْتَبَرُ أَدْنَى وَقْتٍ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ .
( قَوْلُهُ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ .
لَهُمَا إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَلَّتْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالتَّيَمُّمِ حُكْمٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ لَمْ تُبْطِلْ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَارَ كَالْغُسْلِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا تَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ بِهِ مَا تَسْتَبِيحُهُ بِالْغُسْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ، ثُمَّ قِيلَ : تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا ، وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا

مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ ) وَذَلِكَ قَدْرُ إصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ غَسَلَتْ أَكْثَرَ بَدَنِهَا ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَبْقَى الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ بِبَقَائِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ .
وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا تَيَقُّنَ لِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا : تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إلَّا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ قَالَ مُحَمَّدٌ أُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ تَأْتِ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَنْقَطِعُ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي عُضْوٍ كَامِلٍ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِمَا وَالرَّجْعَةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالشَّكِّ ، وَلَا تَسْتَبِيحُ الْأَزْوَاجَ بِالشَّكِّ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَتَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ فَاعْتُبِرَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَيْثِيَّتَيْنِ فَقَالُوا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ .

( قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّقُ وَتَتَزَيَّنُ ) ؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ : تَتَشَوَّقُ أَيْ تَنْتَظِرُ وَتَتَطَاوَلُ كَيْ يَرَاهَا الزَّوْجُ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا ) يَعْنِي بِالتَّنَحْنُحِ وَمَا أَشْبَهَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمُرَاجَعَةَ ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَكَادَتْ تَبِينُ مِنْهُ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مُضَارَّةً لَهَا بِذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَارَّ امْرَأَتَهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } الْآيَةَ وَمَعْنَاهَا { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أَيْ قَارَبْنَ وَقْتَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أَيْ أَمْسِكُوهُنَّ بِالرَّجْعَةِ عَلَى أَحْسَنِ الصُّحْبَةِ لَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أَيْ اُتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } أَيْ وَلَا تَحْبِسُوهُنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ { لِتَعْتَدُوا } عَلَيْهِنَّ أَيْ تَظْلِمُوهُنَّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجَعْتهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } نَزَلَتْ فِي الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ

الرَّجْعِيِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّجْعَةُ تَصِحُّ بِدَلَالَةِ فِعْلٍ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ فَلِمَ لَا تَكُونُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً قُلْنَا الْمُسَافَرَةُ لَا تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ السُّكْنَى مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً فَكَذَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا .

( قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُهُ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُ يَجِبُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا .
لَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا وَيَلْحَقُهَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاللِّعَانُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ دَخَلَتْ فِي جُمْلَتِهِنَّ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ) ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ وَلَهُ مَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ لَهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا ) الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَثَبَتَ شَرْطُ الْوَطْءِ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ قَدْ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ يُزَادُ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَرُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَأَغْلَقَ الْبَابَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَكَشَفَ الْخِمَارَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ } وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قُلْنَا لَا حُجَّةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَالزَّوْجَ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ وَلَوْ كَانَ يَكْفِي أَحَدُهُمَا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْوَطْءِ هُوَ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةُ وَالْكَمَالِ قَيْدٌ وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ ثَالِثٍ فَدَخَلَ بِهَا

حَلَّتْ لِلْأَوَّلَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

مَسْأَلَةٌ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مُفْضَاةً فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَصَلَ فِي الدُّبُرِ فَإِذَا حَبِلَتْ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي الْقُبُلِ وَقَدْ نَظَمَ الْفَقِيهُ الْأَجَلُّ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيِّ بِنْ مُوسَى الْهَامِلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ نَظْمًا جَيِّدًا فَقَالَ وَفِي الْمُفْضَاةِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَهْ لَدَى مَنْ لَيْسَ يَعْرِفُهَا غَرِيبَهْ إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَحَلَّتْ لِثَانٍ نَالَ مِنْ وَطْءٍ نَصِيبَهْ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَحْبِلْ فَلَيْسَتْ حَلَالًا لِلْقَدِيمِ وَلَا خَطِيبَهْ لِشَكٍّ أَنَّ ذَاكَ الْوَطْءَ مِنْهَا بِفَرْجٍ أَوْ شَكِيلَتِهِ الْقَرِيبَهْ فَإِنْ حَبِلَتْ فَقَدْ وُطِئَتْ بِفَرْجٍ وَلَمْ تَبْقَ الشُّكُوكُ لَنَا مُرِيبَهْ .

( قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ تَتَحَرَّك وَتَشْتَهِي وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهِ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي مَسْلُولًا يَنْتَشِرُ وَيُجَامِعُ حَلَّتْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ الْمُخَالَطَةُ وَإِنَّمَا يُعْدَمُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَارَ كَالْفَحْلِ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ وَالْمَسْلُولُ هُوَ الَّذِي خُلِسَتْ أُنْثَيَاهُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْمُلَاصَقَةُ وَالْإِبَاحَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً .

( قَوْلُهُ وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يَحِلُّهَا لَهُ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مِنْ زَوْجٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ بِزَوْجٍ وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ وَقَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَيَدْخُلَ بِهَا وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَوْ لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَالَ { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ، قِيلَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ الْمُحَلِّلُ } ، وَهَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحَلِّلَكِ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا أَضْمَرَ الثَّانِي فِي قَلْبِهِ الْإِحْلَالَ لِلْأَوَّلِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ لَفْظًا وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَقَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ يَعْنِي لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورِثِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْتُ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ ) إنَّمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطَوَّلًا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ : إنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرْطِ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ صُدِّقَتْ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَتْهُ مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك لَا تَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَتَزَوَّجْ زَوْجًا آخَرَ أَوْ تَزَوَّجْتُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْرِفُ شَرَائِطَ الْحِلِّ فَدُخُولُهَا فِي الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ أَنْكَرَ الدُّخُولَ وَادَّعَتْ هِيَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُصَدِّقُ الثَّانِي عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْإِيلَاءِ ) هُوَ فِي اللُّغَةِ : الْيَمِينُ وَفِي الشَّرْعِ : عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ ، وَالْإِيلَاءُ مَمْدُودٌ ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ آلَى إيلَاءً وَالْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ ) وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَأَنْتِ حَائِضٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَطَؤُكِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَطَؤُكِ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ وَقَالَ : لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُمْسِكُ أَوْ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُك أَوْ لَا أَدْنُو مِنْك أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك أَوْ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهَا الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا .
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يَغْشَاهَا إنْ نَوَى الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ

وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ إنْ قَرَبْتُكِ وَإِنْ جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ غَايَةً إنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ كَانَ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ لَا أَقْرَبُكِ إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَفْطِمِي طِفْلَك وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى وُجُودُ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ فِي الْمُدَّةِ لَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَمُوتِي أَوْ تُقْتَلِي أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إجْمَاعًا .
وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ لَا : أَقْرَبُكِ حَتَّى أَمْلِكَك أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَانَ مُولِيًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَكَذَا إذَا

قَالَ : فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ وَإِنْ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ جَعَلَهُ غَايَةً فَقَالَ حَتَّى أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا .
وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يُجْعَلُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى يَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ صَارَ كُلُّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ كَأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي ابْتِدَائِهِمَا وَأَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا وَأَمَّا إذَا قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ كَانَ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ ( قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ ) بَائِنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ ) ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهَا فَزَالَتْ بِانْقِضَائِهَا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ إلَّا إنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا عَادَ الْإِيلَاءُ ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ ( فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى ) فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ التَّزْوِيجِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ ) لِتَقْيِيدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكَ وَالْآنَ قَدْ اسْتَفَادَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْيَمِينِ ، وَلَا أَضَافَ يَمِينَهُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ ) لِعَدَمِ الْحِنْثِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ ) لِوُجُودِ الْحِنْثِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جِمَاعِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ ، وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى بِشَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْي صَارَ الثَّانِي إيجَابًا آخَرَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَا أَجَلَيْنِ فَتَدَاخَلَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَنَّ الْيَمِينَ يَنْقَضِي بِيَوْمَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ أَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهِ مَالٌ فِي الْغَالِبِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِعُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى مَالٍ ، وَالْهَدْيُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّوْمُ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالِاعْتِكَافُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِمُولٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى أَمْكَنَهُ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا إلَّا بِمَعْنًى يَلْزَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِظِهَارٍ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ حَلَفَ بِصَلَاةٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ فَصَارَتْ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَلَهُمَا إنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهَا مَالٌ فِي الْغَالِبِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ بِالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا آلَى بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ يَكُونُ مُولِيًا بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ

فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا الشَّهْرِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالْحَجِّ أَنْ يَقُولَ : إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ حِجَّةٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّدَقَةِ أَنْ يَقُولَ : إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ كَذَا وَصُورَتُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا وَفِي الطَّلَاقِ إنْ قَرَبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَزَوْجَةٌ لَهُ أُخْرَى ، وَفِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ .
ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدَايَ هَذَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ عِتْقُ الْبَاقِي وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا أَوْ بَاعَهُمَا جَمِيعًا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاء ثُمَّ إذَا دَخَلَ الْآخَرُ فِي مِلْكِهِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ دُخُولِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي فَهُوَ مُولٍ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ يُوجِبُ ذَبْحَ شَاةٍ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى مِنْ الْبَائِنٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا حَقَّهَا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِيلَاءِ كَانَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَصَحَّ الْإِيلَاءُ فَإِذَا أَبَانَهَا فَالْمَبْتُوتَةُ تَلْحَقُهَا الْبَيْنُونَةُ بِعَقْدٍ سَابِقٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهَا ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ وَالتَّشْدِيدَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا أَوْجَبَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ وَالْإِيلَاءُ الْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّالِثِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى وَإِذَا قَرَبَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَالْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ ثُمَّ الْإِيلَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينَانِ وَهُوَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ

وَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ إذَا قَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ عِنْدَهُمَا حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا وَجَبَ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ اثْنَانِ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : كُلَّمَا دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا دَخْلَتَيْنِ أَوْ دَخَلَتْهُمَا جَمِيعًا دَخْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ إيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدٌ فَالْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الدَّخْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي عِنْدَ الدَّخْلَةِ الثَّانِيَةِ .

( قَوْلُهُ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ ) وَذَلِكَ نِصْفُ مُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ فَإِنْ أُعْتِقَتْ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَصِيرُ مُدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ تَكُونُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْإِمَاءِ وَمُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةُ الْحَرَائِرِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا تَتَحَوَّلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ تَحَوَّلَتْ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَالْعَبْدُ فِي الْإِيلَاءِ كَالْحُرِّ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَمُدَّتُهَا شَهْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ فَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ حَقِّهَا جُعِلَ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيْئًا وَالْفَيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمُدَّةِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ وَالْفَيْءُ عِنْدَنَا هُوَ الْوَطْءُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ قَامَ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ مَقَامَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ الْعَجْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَجْزٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا .
أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ يَكُونَ هُوَ مَجْبُوبًا أَوْ تَكُونَ هِيَ مَحْبُوسَةً فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَوْ نَاشِزَةً لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَفَيْؤُهُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْخِلُوهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ فَيْؤُهُ الْقَوْلُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ فَيْؤُهُ الْجِمَاعُ وَالْعَجْزُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا أَوْ هِيَ كَذَلِكَ فَهَذَا فَيْؤُهُ الْوَطْءُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِالْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَالْمَنْعِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا أَوْ رَاجَعْتهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي فِئْت إلَى امْرَأَتِي وَأَبْطَلْت إيلَاءَهَا ، وَهَذَا الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ

احْتِيَاطٌ حَتَّى إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْقَوْلَ فَكَذَّبَتْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْفَيْءِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِيهَا الْفَيْءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْفَيْءَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُهُ فِيهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا هَذَا إذَا آلَى وَهُوَ مَرِيضٌ أَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَفَيْؤُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ إذَا كَانَ فَيْؤُهُ بِالْقَوْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَمَّا الْيَمِينُ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَإِذَا وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ إلَّا بِالْحِنْثِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ فَلَيْسَ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفَاءً فِيهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ يَعْنِي إذَا قَالَ فِئْت إلَيْهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا قَرَبَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَحَّ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ ) أَيْ إذَا قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ الْفَيْءُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا تَبِينَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ يَرْفَعُ الْمُدَّةَ وَلَا يَرْفَعُ الْيَمِينَ وَالْفَيْءُ بِالْفِعْلِ يَرْفَعُ

الْمُدَّةَ وَالْيَمِينَ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ) أَيْ هُوَ كَذِبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَكُونُ إيلَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ ، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَرَامَ فِي الشَّرْعِ يَمِينٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى نِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمَحَارِمِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالتَّحْرِيمِ وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ تَحْرِيمٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا نَوَاهُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهَا مُولِيًا ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ الْيَمِينُ عِنْدَنَا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ فَقَدْ أَرَادَ الْيَمِينَ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ الْيَمِينِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَانَ بِهَا مُولِيًا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُولٍ إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ

قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى جَمِيعَ الْمُبَاحَاتِ صُدِّقَ ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا دُونَ غَيْرِهِ أَوْ امْرَأَتَهُ دُونَ غَيْرِهَا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ كَالْخَمْرِ إنْ نَوَى كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَعَلَهَا مِثْلَ أُمِّهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي حَرَامٌ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِيلَاءَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَهُمَا حُمِلَ عَلَى أَغْلَظِهِمَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَهَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ عَلَى مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ ، وَإِنْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَغْلَظِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْخُلْعِ ) هُوَ فِي اللُّغَةِ : مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْخِلَاعِ وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَفِي الشَّرْعِ : عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَالُ فِيهِ مِنْ الْمَرْأَةِ تَبْذُلُهُ فَيَخْلَعُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَبْطُلَ بِإِعْرَاضِهَا وَيَجُوزَ لَهَا فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ أَيْ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا يَبْطُلُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْخَطَرِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ ) الْمُشَاقَّةُ الْمُخَالَفَةُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يُدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا جَاءَ النُّشُوزُ وَحُدُودُ اللَّهِ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوجِبِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّشَاقُقُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا ( قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ) سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ يَتَعَيَّنُ الِانْخِلَاعُ مِنْ النِّكَاحِ مُرَادًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْهُ مَالٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْمَالُ فَوُجُودِ الْمَالِ مُغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْخُلْعُ عِنْدَنَا طَلَاقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ إلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِثَلَاثٍ ( قَوْلُهُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ ) ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضُ مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ إلَّا بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ .
فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهَا لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ

وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَمِنْ جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ حَتَّى إنَّهَا تَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ أَوْ طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ غَائِبَةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِوَقْتٍ فَيَقُولُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَإِنْ قَبِلْت قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ خَالَعْت نَفْسِي عَنْك بِأَلْفٍ فَذَلِكَ مِثْلُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَلَا وَقْتٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا الْخِيَارَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ تَمَّ ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ خَالَعْتُكِ بَارَأْتُكِ بَايَنْتُكِ فَارَقْتُكِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ

؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } إلَى أَنْ قَالَ { فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا ) يَعْنِي مِنْ الْمَهْرِ دُونَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ جَاءَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا } وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَكَذَا إذَا أَخَذَتْ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ) صُورَتُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبُولَهَا يُوقَفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا فَيَجِبُ الْمَهْرُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُولِي فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا ) هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالْبَيْنُونَةِ كَانَ رَجْعِيًّا ، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ وَطَلَّقَهَا كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ .

( قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُون بَدَلًا فِي الْخُلْعِ ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ دَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ فَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْخُلْعِ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ النِّكَاحَ فِي أَنَّهَا إذَا سَمَّتْ فِي الْخُلْعِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَخُلْعُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَصَحَّ الْخُلْعُ وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَهُ قِيمَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَفِي الْخُلْعِ لَوْ خَالَعَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا وَلَا سَمَّتْ لَهُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَا لَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا لَرَجَعَ لِأَجْلِ الْهِبَةِ ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ ضَمَانًا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ) ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهَا دَرَاهِمُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى أَكْثَرَ فَهِيَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ صَحَّ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهَا وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النَّفَقَةُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ فَلَمْ يَجُزْ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ بِبَعْضِهَا

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَوَّضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَتَقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَشْرُوطُ عِنْدَ وُجُودِ جَمِيعِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مَرَّةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِعَدَمِ كَمَالِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الشَّرْطِ الْمُسْتَحِقِّ بِهِ جَمِيعُ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْأَلْفَ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِوَضٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَعْوَاضِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْمِلْ لِي هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ فَحَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالطَّلَاقُ بِخِلَافِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِزَوْجٍ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسَلِّمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ .

( قَوْلُهُ وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ ) وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بَرِئْت مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ ( قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي النِّكَاحَ الْقَائِمَ حَالَةَ الْمُبَارَأَةِ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَزِمَهَا مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ بَارَأَهَا أَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا وَلَا يَتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَهْرِ .
وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ وَقَبِلَتْ هَلْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِهِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَفِي شَرْحِهِ إذَا خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ

لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ وَقَالَ إنَّ الْخُلْعَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِلَيْهِمَا هُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ بَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا سَلَّمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا مَا سَمَّيَا عِنْدَ الْخُلْعِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَا سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ لَهَا وَلَهُ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَا سَمَّتْ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ غَيْرُ الْمَهْرِ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الَّذِي احْتَرَزَ بِهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ .

( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا عَلَى مَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الظِّهَارِ ) الظِّهَارُ : هُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهَا أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ .
وَأَصْلُ ثُبُوتِهِ أَوَّلُ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ نَزَلَتْ فِي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْخَزْرَجِ وَفِي زَوْجِهَا أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { وَكَانَتْ خَوْلَةُ حَسَنَةَ الْجِسْمِ فَرَآهَا زَوْجُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ فِي صَلَاتِهَا فَنَظَرَ إلَى عَجُزِهَا فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ صَلَاتِهَا رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ وَاَلَّذِي نَفْسُ خَوْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَصِلُ إلَيَّ وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَنَا وَيَحْكُمَ اللَّهُ فِي وَفِيك بِحُكْمِهِ قَالَتْ خَوْلَةُ فَوَقَعَ عَلَيَّ فَدَفَعْته بِمَا تَدْفَعُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الضَّعِيفَ ثُمَّ خَرَجْت إلَى جِيرَتِي فَأَخَذْت مِنْهُمْ ثِيَابًا فَلَبِسْتهَا وَمَضَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْت عَائِشَةَ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَكُنْت غَنِيَّةً ذَاتَ مَالٍ وَأَهْلٍ حَتَّى إذَا أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَتَفَرَّقَ أَهْلِي وَكَبِرَ سِنِي وَنَثَرْت لَهُ دَاءَ بَطْنِي ظَاهَرَ مِنِّي وَجَعَلَنِي كَأُمِّهِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَلِي مِنْهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيَّ جَاعُوا فَهَلْ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا وَإِنَّهُ زَوْجِي وَابْنُ عَمِّي وَأَبُو أَوْلَادِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرُمْت عَلَيْهِ قَالَتْ فَجَعَلْت

أُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ حَرُمْت عَلَيْهِ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك شَيْءٌ وَإِنْ نَزَلَ فِي أَمْرِك شَيْءٌ بَيَّنْته لَكِ ، فَهَتَفَتْ وَبَكَتْ وَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إلَيْك شِدَّةَ وَجْدِي وَفَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ وَرَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إذْ تَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَغْشَاهُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي زَوْجِك الْقُرْآنَ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاَللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } إلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أَيْ سَمِيعٌ بِمَنْ يُنَاجِيهِ وَيَتَضَرَّعُ إلَيْهِ بَصِيرٌ بِمَنْ يَشْكُو إلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَتْ : وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ : إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صَوْمٍ قَالَ : مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ : وَاَللَّهِ مَا يَجِدُ ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَتْ : وَأَنَا أُعِينُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ افْعَلِي وَاسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لَا فَإِنِّي قَلِيلُ الْمَالِ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّنِي إذَا لَمْ

آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَلَّ بَصَرِي وَخِفْت أَنْ تَغْشُوَ عَيْنِي قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي مُعِينُك بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَدَاعٍ لَك بِالْبَرَكَةِ فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ } .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ ) يَعْنِي لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا بَعْدَ زَوْجٍ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا لَزِمَ الرَّجُلَ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِيهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمْت الدَّوَاعِي لَكَانَ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالظِّهَارُ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُؤَبَّدِ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْيَوْمِ وَالشُّهُورِ وَالسَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ قَرَبَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الظِّهَارُ

وَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَيَقَعُ بِهِ الظِّهَارُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَأَقْوَالُهُمَا لَا حُكْمَ لَهَا كَالطَّلَاقِ وَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُظَاهِرُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَرَفَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ ) ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا فَالظِّهَارُ بِحَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بَعْدَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ ( قَوْلُهُ وَالْعَوْدُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا ) يَعْنِي إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ وَطْأَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ فَإِذَا رَضِيَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَقَطَتْ وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَزْمِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَهِيَ مُبَانَةٌ أَوْ تَحْتَ زَوْجٍ آخَرَ أَجْزَاهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَإِذَا أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ ) وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَتَشْبِيهِهِ بِظَهْرِهَا ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِثْلُ أُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ إلَّا بِالتَّشْبِيهِ بِالْأُمِّ وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ بِالتَّشْبِيهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّك كَانَ مُظَاهِرًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ كَظَهْرِ ابْنَتِك إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ مُظَاهِرًا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهِ كَانَ مُظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِهَا أَبُوهُ كَانَ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهِ لَمْ أُبْطِلْهُ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ .
وَإِنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ، وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالٍ آخَرَ مِثْلُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِلِعَانٍ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا

فَمُظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا جَازَ ثُمَّ الظِّهَارُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ كَفَرْجِ أَبِي أَوْ كَفَرْجِ ابْنِي كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ أَوْ قَدْ ظَاهَرْت مِنْك فَهُوَ مُظَاهِرٌ ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أَبِي أَوْ عِنْدِي أَوْ مَعِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُظَاهِرَةً مِنْ زَوْجِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَكُونُ مُظَاهِرَةً وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَنْتِ حَرَامٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ كَالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ بَدَنُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ عُشْرُك كَانَ مُظَاهِرًا ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ بَطْنُك أَوْ فَخِذُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُعَبَّرُ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ بِمَنْ لَا تَحِلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى نِيَّتِهِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْإِكْرَامَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَحْرِيمٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ وَأَدْنَاهُ الْإِيلَاءُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفَرْجِ أُمِّي ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْكَرَامَةِ لَا يَكُونُ بِالْفَرْجِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّحْرِيمُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالظَّهْرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ظِهَارًا ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى لَهُمَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى الْكَرَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَيَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ كَانَ ظِهَارًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ ظِهَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ نَوَى ظِهَارًا أَوْ إيلَاءً أَوْ طَلَاقًا أَوْ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا ) وَكَذَا مِنْ مُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ إلَّا إنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ كَفَّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَوْلَى كَفَّرَ بِهِمَا عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَجَامَعَهُنَّ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُخْرَى ، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَسْقُطْ التَّحْرِيمُ عَنْ الْبَاقِيَاتِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ وَكَذَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَرَدْت التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي عِدَّتِهَا صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ زَوْجَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ .

( قَوْلُهُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ) يَعْنِي كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ بِلَا بَدَلٍ فَقَوْلُنَا كَامِلَةَ الرِّقِّ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَبَعْدَ مَا جَامَعَهَا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ عِتْقِ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ السِّعَايَةِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عِتْقًا بِالْبَدَلِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَصَامَ شَهْرًا أَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا رَقَبَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ وَقَوْلُنَا مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَنْوِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا ، وَلَوْ دَخَلَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا دَخَلَ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ أَوْ زَمِنًا أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مَقْطُوعَ

إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْمَى أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ أَخْرَسَ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ أَوْ أَشَلَّ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْوَرَ أَوْ أَعْشَى أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ الْأَنْفِ أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى أَوْ أَمَةً رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ صِيحَ فِي أُذُنِهِ لَمْ يَسْمَعْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى بَدَلٍ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَبْرَأهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ ثُمَّ إذَا كَفَّرَ بِالصِّيَامِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ فَإِنْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَصَامَتْ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ وَلَكِنْ تُصَلِّي الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ؛ لِأَنَّهَا لَا

تَجِدُ صَوْمَ شَهْرَيْنِ لَا حَيْضَ فِيهِمَا فَإِنْ أَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَإِنْ كَانَتْ تَصُومُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا وَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجِبُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ وَأَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) وَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ ) هَذَا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ ظَاهِرٌ لِلنَّصِّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِمَا { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ أَيْضًا عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ الْإِطْعَامَ جَازَ أَنْ يَطَأَ قَبْلَهُ .

( قَوْلُهُ وَيُجْزِي فِي الْعِتْقِ الرَّقَبَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوِّهِ كَالزَّكَاةِ قُلْنَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْإِيمَانِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّكَاةِ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَدَمُ النَّصِّ فِي الْمَقِيسِ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ ( قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْعَمْيَاءُ وَلَا مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَهُوَ الْأَخْرَصُ بِالصَّادِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُرَادَانِ لِلزِّينَةِ وَالْمَنْفَعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَهَابِهِمَا وَكَذَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْجَمَالِ وَمَنْفَعَةُ الشَّمِّ بَاقِيَةٌ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ ؛ لِأَنَّ فَقْدَهُ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِأَنْ كَانَتْ أُنْثَى ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ وَالتَّنَاوُلِ تَفُوتُ بِفَقْدِهِمَا فَصَارَ فَوَاتُهُمَا كَفَوَاتِ جَمِيعِ الْأَصَابِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجُوزُ الذَّاهِبُ الْأَسْنَانِ وَلَا مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْرَسُ وَالْخُرْسَى ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ

انْعَدَمَتْ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِي وَإِنْ أَعْتَقَ طِفْلًا رَضِيعًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا يُرْجَى لَهُ الْحَيَاةُ وَيُخَاف عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ الْمَوْتِ لَمْ يُجْزِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُمَا ( قَوْلُهُ وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِبَدَلٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْفِسَاخَ وَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ عِوَضٌ وَيُسَلِّمُ لِلْمُكَاتِبِ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي شَاهَانْ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عِنْدَنَا ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَرِثَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيهِ وَأَعْتَقَهُ لَمْ يُجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ عَنْهَا جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ لَمْ يُجْزِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْد الْمَسِيسِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُمَا إعْتَاقُ الْكُلِّ فَحَصَلَ إعْتَاقُ الْكُلِّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتَأْنَفَ عِتْقَ رَقَبَةٍ أُخْرَى .

( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَصَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَهُمَا ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى صِيَامِهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا جَامَعَ فِيهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ هُنَا لَمْ يَخْتَصَّ بِالصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا وَطِئَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ لَيْلًا عَامِدًا حَيْثُ لَا يَسْتَأْنِفُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ دَلِيلُهُ الْوَطْءُ نَاسِيًا بِالنَّهَارِ وَعَامِدًا بِاللَّيْلِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ نَهَارًا نَاسِيًا قَيْدٌ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِدًا اسْتَأْنَفَ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَقَيَّدَ بِجِمَاعِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَسْتَأْنِفْ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ ) لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَأْنِفْ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يُجْزِهِ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ فَلَزِمَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ ) وَظِهَارُ الذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) الْمُعْتَبَرُ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ الْفَانِي حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ فِيهِ إلَى الْمَوْتِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ذَلِكَ وَقْتُ التَّكْفِيرِ لَا وَقْتُ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَكَانَ وَقْتَ التَّكْفِيرِ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظِّهَارِ وَهُوَ فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَقَوْلُهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا سَوَاءٌ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ فُقَرَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ) وَدَقِيقُ الْبُرِّ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ فِي اعْتِبَارِ نِصْفِ الصَّاعِ ( قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ) وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءً فَإِنْ أَعْطَاهُ مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنَوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ( قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عِنْدَنَا تُجْزِي فِي الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا ) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ وَضَعَ لَهُمْ مَا يُشْبِعُهُمْ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشِّبَعُ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً وَعِشَاءً أَوْ سُحُورًا وَعِشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عِشَاءَيْنِ أَوْ سَحُورَيْنِ وَلَا يُجْزِي فِي غَيْرِ الْبُرِّ إلَّا بِالْإِدَامِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَا يُجْزِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ كَامِلًا وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ

يَوْمًا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ أَجْزَأَهُ ) وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ سِتِّينَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ) ، وَلَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَرَبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ ) كَمَا إذَا أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ثُمَّ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَأَنْ يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَالْجِمَاعُ لَا يَنْقُضُ الْإِطْعَامَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ ، وَلَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكَيْنَا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ ظِهَارَيْنِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِهِمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِيهِ عَنْهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَطْعَمَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَصَامَ شَهْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( كِتَابُ اللِّعَانِ ) لَقَّبَهُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْغَضَبُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ وَسَابِقٌ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ اللِّعَانُ شَهَادَاتٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْمَانٌ فِيهَا مَعْنَى الْحَدِّ وَفَائِدَتُهُ إذَا عُزِلَ الْحَاكِمُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَانْتَقَلُوا إلَى غَيْرِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَأْنِفُ اللِّعَانُ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبْنَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَنَيْت أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِي أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا أَوْ لَيْسَ هُوَ مِنِّي يُوجِبُ اللِّعَانَ وَإِنْ قَالَ جُومِعَتْ جِمَاعًا حَرَامًا أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } فَسَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ وَاسْتَثْنَاهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ وَقَالَ تَعَالَى { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا ؛

لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا وَيَجِبُ أَيْضًا بِنَفْيِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَاهُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَمَتَى سَقَطَ اللِّعَانُ فِي الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَقَوْلُهُ فَطَالَبَتْهُ إنَّمَا شُرِطَ طَلَبُهَا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ وَسَكَتَتْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا ، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لَا يُبْطِلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصَ وَلَا حُقُوقَ الْعِبَادِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا وَمِنْ شَرَائِطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ قَذَفَهَا لَمْ يَتَلَاعَنَا ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةَ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ كَقَاذِفِ الصَّغِيرَةِ .
قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ قَدْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فِي جَمِيعِ عُمْرِهَا مَرَّةً أَوْ خَرْسَاءَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَكَذَا إذَا كَانَا صَبِيَّيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَخْرَسَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ فَإِنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ فَاسِقِينَ يَجِبُ اللِّعَانُ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا طَرِيقُهُ

الِاسْتِفَاضَةُ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ ، وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْبُدَاءَةُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً عَفِيفَةً وَكَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا صَحِيحٌ وَقَدْ سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ اللِّعَانُ وَمَتَى كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ قَذْفُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ لَمْ يَصِحَّ .
وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ أَوْ زَانِيَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَيْسَ بِقَذْفٍ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَفِيفَةً إلَّا أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ اللِّعَانُ وَلَا الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَقَذَفَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى فِي الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِ وَقَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا يَحْتَرِزُ مِمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا إنَّهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فَهَذِهِ لَا يَجِبُ بِقَذْفِهَا لِعَانٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ ) ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ حَقٌّ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ الشَّيْنُ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ حَبَسَهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتَحِلَّ ) يَعْنِي حَدَّ الزِّنَا قَالُوا هَذَا غَلَطٌ مِنْ

النُّسَّاخِ ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهَا إيَّاهُ لَا يَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ إقْرَارِهَا بِالزِّنَا وَثَمَّ لَا تُحَدُّ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهَاهُنَا أَوْلَى وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تُحَدُّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَإِنَّمَا بَدَأَ فِي اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ ، وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَصُورَةُ كَوْنِ الزَّوْجِ كَافِرًا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهَا ثَانِيًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ ثُمَّ تَلَاعَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إنَّمَا تَبْطُلُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَدِّ وَعِنْدَ زُفَرَ تَبْطُلُ بِأَوَّلِ سَوْطٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي زِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِهَا وَلَا لِعَانَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ قَدْ صَحَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ مُوجِبُهُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا مُحْصَنَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ صَدَقَتْهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ خَرْسَاءَ .

( قَوْلُهُ وَصِفَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ فَيَقُولَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ) إلَى أَنْ قَالَ وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنَّمَا شُرِطَ الْإِشَارَةُ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ غَيْرَهَا بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ) يَعْنِي ، وَهِيَ قَائِمَةٌ وَكَذَا الرَّجُلُ يُلَاعِنُ وَهُوَ قَائِمٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ الْقِيَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَشْهَرُ وَأَبْلَغُ ( قَوْلُهُ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ { أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ } ) إنَّمَا ذُكِرَ الْغَضَبُ فِي جَانِبِهَا ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَضَبِ أَدْعَى لَهُنَّ إلَى الصِّدْقِ ثُمَّ اللَّعْنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ قَالَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ أَوْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا الْتَعْنَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ) وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يَقْضِيَ بِالْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُفَارِقَهَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ يَقَعُ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ زُفَرُ إذَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي ، وَلَوْ أَنَّهُمَا امْتَنَعَا مِنْ اللِّعَانِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ أَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَنَّهَا جُنَّتْ بَعْدَمَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَلْتَعِنَ هِيَ سَقَطَ اللِّعَانُ وَلَا حَدَّ ، وَلَوْ أَنَّهُمَا لَمَّا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ سَأَلَا الْقَاضِيَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يُجِبْهُمَا إلَى ذَلِكَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَدَأَ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَلْتَعِنَ ثَانِيًا فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ ، وَلَوْ أَنَّهُمَا الْتَعَنَا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ أَوْ عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الثَّانِيَ يَسْتَقْبِلُ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْتَقْبِلُ ، وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ وَقَدْ انْقَطَعَ بِالطَّلَاقِ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَلَاعَنَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَخَذَتْهُ بِذَلِكَ الْقَذْفِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّكَاحَيْنِ يَنْفَرِدُ بِحُقُوقِهِ عَنْ الْآخَرِ وَاللِّعَانُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَمْ

يَجُزْ أَنْ يَتَلَاعَنَا فِي نِكَاحٍ بِقَذْفٍ فِي نِكَاحٍ آخَرَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ أَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ اللِّعَانَ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ زَالَتْ وَإِنْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَلَاعَنَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ الزَّوْجِيَّةُ وَقَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ وَإِذَا سَقَطَ اللِّعَانُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَدِّ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ ( قَوْلُهُ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) ؛ لِأَنَّهَا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْعِنِّينِ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ مُعْتَدَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } وَهُمَا يَقُولَانِ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ فَأَمَّا إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ لَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ ) وَيُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ حِينِ الْعَلُوقِ إلَى حِينِ الْوَضْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً حِينَ الْعُلُوقِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَأَعْتَقَتْ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا عَلِقَتْ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا ثُبُوتًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزَّوْجَةِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَوْ نَفَى وَلَدَ الْحُرَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ ابْنُهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ وَالْأُمُّ لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حُقُوقِ وَلَدِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَهَا مَعَ تَصْدِيقِهَا لَهُ فِي الْقَذْفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَشْهَدَ بِاَللَّهِ إنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ وَقَدْ قَالَتْ إنَّهُ صَادِقٌ وَصُورَةُ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الزَّوْجَ فَيَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ فَيَقُولُ قَدْ أَلْزَمْت الْوَلَدَ أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ مَا قَطَعَ نَسَبَهُ مِنْ الْأَبِ جَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقِيَةٌ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ لَا تُقْبَلُ وَدَفْعُ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً فَتَزْوِيجُهُ لَهَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْوَلَدِ لِبِنْتِ الزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ ) بِأَنْ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِيمَا رَمَيْتهَا مِنْ الزِّنَا ( حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَرُمْت حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ ) ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَتَصِيرُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا وَقْتَ اللِّعَانِ أَوْ تَكُونُ مُحْصَنَةً ثُمَّ تَرْتَدَّ ثُمَّ تَلْحَقَ بِدَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتُسْلِمَ وَتَزْنِيَ فَحَدُّهَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْجَلْدُ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ أَيْ زَنَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَلْدُ إلَّا أَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْحَقَ وَتُسْبَى ثُمَّ تُسْلِمَ وَتَزْنِيَ وَرِوَايَةُ الْفَقِيهِ ابْنِ دَعَّاسٍ زَنَّتْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قُذِفَتْ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَلِأَنَّ الصَّغِيرَةَ يَسْتَحِيلُ مِنْهَا الزِّنَا وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَةُ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ اللِّعَانَ إلَى حَالَةٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا فِيهَا فِعْلُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا فِي الْحَالِ بِزِنًا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا لَهَا فِي الْحَالِ بِزِنًا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت مِنْ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً كَانَ قَاذِفًا لَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ سِنُّ الْقَائِلِ عِشْرِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَالَ لَهُ فِي الْحَالِ كَذَلِكَ هَذَا

( قَوْلُهُ وَقَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِعَانٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصَرِيحِ لَفْظِ الزِّنَا وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ فَهِيَ كَالْكِتَابَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي فَلَا لِعَانَ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِقِيَامِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا ( وَعِنْدَهُمَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَاذِفٌ وَيُلَاعِنُ ) ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُجُودَهُ عِنْدَ الْقَذْفِ قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ صَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَهُ عِنْدَ الْقَذْفِ فَلَا يُلَاعِنُ بِالشَّكِّ

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت ، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا تَلَاعَنَا وَلَمْ يَنْفِ الْقَاضِي الْحَمْلَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِتَمَكُّنِ الِاحْتِمَالِ قَبْلَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَهِيَ حَامِلٌ وَأَلْحَقَ الْحَمْلَ بِأُمِّهِ } فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ قِيَامَ الْحَمْلِ وَحْيًا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَقْبَلُ فِيهَا التَّهْنِئَةَ وَيَبْتَاعُ لَهُ آلَةَ الْوِلَادَةِ صَحَّ نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ وَثَبَتَ النَّسَبُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْلُودَ فِي فِرَاشِ الزَّوْجَةِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَالْفِرَاشُ ثَلَاثَةٌ قَوِيٌّ وَوَسَطٌ وَضَعِيفٌ فَالْقَوِيُّ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَالضَّعِيفُ فِرَاشُ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَالْوَسَطُ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَإِذَا نَفَى وَلَدَ الزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ مِنِّي أَوْ هُوَ مِنْ الزِّنَا وَسَقَطَ اللِّعَانُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ أَبَدًا وَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ وَلَمْ يَتَلَاعَنَا فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا نَفَاهُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ صَحَّ نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ اعْتِرَافٌ أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى الِاعْتِرَافِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ النَّفْيِ وَقْتًا وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَرَوَى الْحَسَنُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْوِلَادَةِ إلَى الْعَقِيقَةِ ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ ) ، وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ وَهُوَ غَائِبٌ وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قَدِمَ فَلَهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ مَا تُقْبَلُ فِيهِ التَّهْنِئَةُ بَعْدَ قُدُومِهِ وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ قُدُومِهِ أَيْضًا وَقَدْ قَالُوا فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ إذَا هُنِّيَ بِهِ فَسَكَتَ كَانَ اعْتِرَافًا وَإِنْ هُنِّيَ بِوَلَدِ الْأَمَةِ

فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا ؛ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِ الزَّوْجَةِ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَإِنَّمَا يُتَرَقَّبُ النَّفْيُ مِنْ الزَّوْجِ فَإِذَا سَكَتَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ صَارَ بِذَلِكَ مُعْتَرِفًا وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالدَّعْوَى فَالسُّكُوتُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الدَّعْوَى وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ كَوَلَدِ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الْأَوَّلَ وَاعْتَرَفَ بِالثَّانِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَحُدَّ الزَّوْجُ وَلَا لِعَانَ ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَحُدَّ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَمْلَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بَعْضُ نَسَبِهِ دُونَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْوَاحِدِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَلَاعَنَ ) ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِلثَّانِي فَثَبَتَا جَمِيعًا وَعَلَيْهِ اللِّعَانُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لِلزَّوْجَةِ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ كَانَ نَفْيُهُ لِلثَّانِي رُجُوعًا فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مَيِّتًا فَنَفَاهُمَا لَاعَنَ وَلَزِمَهُ الْوَلَدَانِ وَإِنْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ وَالثَّانِي لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي اللِّعَانِ فَائِدَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنْ نَفْيِ النَّسَبِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنْ جَاءَتْ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ وَأَقَرَّ بِالثَّالِثِ لَاعَنَ وَإِنْ نَفَى الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ الْعِدَدِ ) الْعِدَدُ جَمْعُ عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ هِيَ التَّرَبُّصُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ بِزَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ ، وَهِيَ مُدَّةٌ وُضِعَتْ شَرْعًا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْحَيْضُ وَالشُّهُورُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ فَالْحَيْضُ يَجِبُ بِالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَبِعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَوْتِ مَوْلَاهَا وَأَمَّا الشُّهُورُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ مِنْهُمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ الْحَيْضِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَمَّا الْفَاسِدُ فَعِدَّتُهَا فِيهِ الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ وَأَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ فَتَنْقَضِي بِهِ كُلُّ عِدَّةٍ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَهُ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ، وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُرَّةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ تُمَكِّنَ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِالتَّحْرِيمِ ( قَوْلُهُ وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَخَلُّلُ الْحَيْضَ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَتَى شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ

السَّلَامُ { الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } أَيْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ } .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ) ثُمَّ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ إذَا اتَّفَقَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا وَإِنْ نَقَصَتْ فِي الْعَدَدِ وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ فَتَعْتَدُّ بِالطَّلَاقِ بِتِسْعِينَ يَوْمًا وَفِي الْوَفَاةِ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَذَا قَالَ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إذَا ابْتَدَأَهُمَا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالذِّمِّيَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةُ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةُ كَالْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَالذِّمِّيَّةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي مَوْتٍ وَلَا فُرْقَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ إجْمَاعًا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ بِالْحَمْلِ مُدَّةٌ سَوَاءٌ وَلَدَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِيَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَالْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَكْثَرُ الْوَلَدِ بَانَتْ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِظُهُورِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ وَإِنْ أَسْقَطَتْ سَقْطًا إنْ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِمَّنْ تَحِيضُ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ لَا بِالشُّهُورِ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَحَاضَتْ بَطَلَ حُكْمُ الشُّهُورِ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ } ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرَّةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ ) فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَفِي كَمْ تُصَدَّقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا إذَا كَانَتْ حُرَّةً مِمَّنْ تَحِيضُ وَفِي تَخْرِيجِهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ حَيْضِهَا فَيُقَدَّرُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهُورًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ سِتُّونَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثُمَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعِنْدَهُمَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ كَأَنَّهَا طَلُقَتْ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيَبْدَأُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَيْضٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٍ حَيْضٍ .
وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَطَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ قَالَ لَهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ : إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ أَنْ يُجْعَلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا نِفَاسًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ

عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ الْحَيْضَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ النِّفَاسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا يُجْعَلُ النِّفَاسُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةً يُجْعَلُ النِّفَاسُ سَاعَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا .
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً ، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَإِنْ طَلُقَتْ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ

طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ الطُّهْرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَشْرَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ سَاعَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةٌ ) وَهَذِهِ الْعِدَّةُ لَا تَجِبُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالْمُعْتَبَرُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ صَغِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي فُرْقَةٍ وَلَا مَوْتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ فِي دِينِهِمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ مِثْلُهَا

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .

( قَوْلُهُ وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ ) يَعْنِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا غَيْرُ وَصُورَتُهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَمَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ عِنْدَنَا وَأَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الْحَيْضِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ ، وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَوْتِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ ) وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا لِلْإِيَاسِ فِيهَا قَدْرًا فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ يَبْطُلُ الْإِيَاسُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لَمْ يَكُنْ خَلَفًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّذِي قَدَّرُوا الْإِيَاسَ فِيهَا بِمُدَّةٍ إذَا بَلَغَتْهَا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَيَكُونُ كَمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا وَفِي الْمَرْتَبَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ حَيْضٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِيَاسِ بَعْدَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً بِالِاجْتِهَادِ وَرُؤْيَةُ الدَّمِ نَصٌّ فَيَبْطُلُ بِهِ الِاجْتِهَادُ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَحْمَرَ عَلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ أَمَّا إذَا كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ لَا يَبْطُلُ الْإِيَاسُ ثُمَّ عَلَى هَذَا الِاخْتِيَارِ إذَا كَانَ أَحْمَرَ تَبْطُلُ عِدَّةُ الْأَشْهُرِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا يُقْضَى بِفَسَادِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِفَسَادِهِ قَضَى أَوْ لَمْ يَقْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَهُوَ حَيْضٌ وَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ لَكِنْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْئِيُّ كُدْرَةً أَوْ خُضْرَةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ يُشْتَرَطُ حُكْمٍ الْحَاكِمِ بِالْإِيَاسِ لِعَدَمِ بُطْلَانِ مَا مَضَى أَوْ لَا يُشْتَرَطُ إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا

يُشْتَرَطَ وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْإِيَاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ .
وَفِي النِّهَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً ، وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا .

( قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ ) هَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ عِدَّتُهَا الْحَيْضَ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةُ إذَا وَجَبَتْ لِأَجْلِ الْوَطْءِ كَانَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَقُومُ مَقَامَ حَيْضَةٍ وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } هَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ حَيْضَتَانِ وَبِالْأَشْهُرِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَلَا تَحْتَ زَوْجٍ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهَا الْمَوْتُ وَالْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ وَإِنْ مَاتَ عَنْ أَمَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ مُدَبَّرَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِفِرَاشٍ لَهُ وَإِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا ، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِزَوْجٍ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً تَغَيَّرَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا بِمَوْتِهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ فِرَاشًا لَهُ .
فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا فَعَلَيْهِمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِدَّةُ الْمَوْلَى فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ ، وَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالشُّهُورُ يَدْخُلُ أَقَلُّهَا فِي أَكْثَرِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا

أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إجْمَاعًا وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَيْضٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَةَ لِوُجُوبِ الْحَيْضِ هَا هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ بِمَوْتِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ نِكَاحٍ فَيَلْزَمُهَا فِي حَالٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَفِي حَالٍ نِصْفُهُ فَأَلْزَمْنَاهَا الْأَكْثَرَ احْتِيَاطًا .
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا وَلَا أَيُّهُمَا أَوَّلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بِلَا حَيْضٍ فِيهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُ مَا بَيْنَهُمَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا كَالْغَرْقَى وَإِذَا حَكَمْنَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ مَعَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيجَابِ الْحَيْضِ مَعْنًى فَسَقَطَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الزَّوْجِ مُتَقَدِّمًا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْعِدَّةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْحَيْضِ وَإِذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَأَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ مِنْ النِّكَاحِ تَجْتَنِبُ فِيهَا مَا تَجْتَنِبُ الزَّوْجَةُ وَحَيْضَةٌ مِنْ الْعِتْقِ لَا تَجْتَنِبُ فِيهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا فَسَدَ نِكَاحُهَا فَصَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى

الْمَانِعَ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ إبَاحَةُ وَطْئِهَا وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْعِتْقِ وَعِدَّةٌ لِنِكَاحٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِحْدَادُ وَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ خَاصَّةً وَعِدَّةُ الْمُعْتِقِ لَا إحْدَادَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا حَصَلَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ صَارَ كَعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ حَاضَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَتَعْتَدَّ مِنْ الْعِتْقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَمْلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ( قَوْلُهُ وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ) ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مَاءَ لَهُ وَقَوْلُهُ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْرِفَةُ حُدُوثِهِ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ يَوْمَ الْمَوْتِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا حَبَلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِدَّةِ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الشُّهُورِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا مَاتَ الْخَصِيُّ عَنْ امْرَأَته ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ إذَا مَاتَ عَنْهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ كَالْفَحْلِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْذَفُ بِالْمَاءِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ كَالصَّبِيِّ إنْ حَدَثَ الْحَمْلُ قَبْلَ مَوْتِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا تَنْقَضِي بِالشُّهُورِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولِجُ فَاسْتَحَالَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ وَهَذِهِ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا قَبْلَهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى ) وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ أَنْوَاعٌ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا ثُمَّ بَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا وَمِنْهَا إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ بِعِوَضٍ أَوْ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ وَيَتَدَاخَلَانِ وَيَمْضِيَانِ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِدَّةِ هَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَمْ تَرْكُ الْفِعْلِ فَعِنْدَهُ هُوَ الْفِعْلُ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِالتَّرَبُّصِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَعَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِعْلَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا الرُّكْنُ تَرْكُ الْفِعْلِ وَهُوَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَتَرْكِ مُطَالَبَاتٍ كَثِيرَةٍ .
وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا فِعْلَ عَلَيْهَا أَصْلًا كَالصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ ثُمَّ إذَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي وَقَدْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ سَوَاءٌ

كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَتَعْتَدُّ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْأَشْهُرِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَعْنِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي فَإِنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَيَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضَتَانِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَبَقِيَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي حَيْضَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ عَلَيْهَا تَمَامَ عِدَّةِ الثَّانِي ) وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يُرَاجِعَهَا فِي الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فِي حَقِّهِ وَلِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ فِي حَقِّهَا .

( قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ مُضِيُّ الزَّمَانِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَا السُّكْنَى ؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا

( قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَوْ عِنْدَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا ) .
وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ فَإِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَبَ الْحَدُّ وَصُورَةُ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَنْ يَقُولَ تَرَكْت وَطْأَهَا أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَارَكَةٍ إنَّمَا الْمُتَارَكَةُ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا ، وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ وَإِنْ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَوَطِئَهَا إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ غَيْرِهِ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِنًا مَحْضًا .

( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُسْلِمَةً الْإِحْدَادُ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ زَوْجٍ وَفَاءً بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفُ بِفَوْتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤْنَتِهَا لِإِبَانَةٍ أَقْطَعَ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ ( قَوْلُهُ وَالْإِحْدَادُ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ أَوْ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةَ الشَّعْرِ وَيُقَالُ الْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ لُغَتَانِ ( قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ) بِأَنْ كَانَ بِهَا وَجَعُ الْعَيْنِ فَتَكْتَحِلُ أَوْ حَكَّةٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ أَوْ تَشْكِي رَأْسَهَا فَتَدَّهِنُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْغَلِيظَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَدَاوٍ لَا زِينَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْحِنَّاءُ طِيبٌ } وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ ) فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى صَارَ لَا يَنْفُضُ جَازَ أَنْ تَلْبَسَهُ لِزَوَالِ الطِّيبِ مِنْهُ وَكَذَا لَا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمُطَيَّبَ وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ إنْ قَصَدَتْ بِهِ الزِّينَةَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَبِسْته لِعُذْرٍ كَمَا إذَا كَانَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ ؛ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ لِلزِّينَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ قُلْنَا الْإِحْدَادُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمْهَا وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ قَدْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ .

( قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُنَّ مُخَاطَبَاتٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إحْدَادٌ ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِيَّةُ وَالْفَاسِدُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ عِدَّتُهَا وَطْءٌ فَهِيَ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي مِنْ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ

( قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ ) وَصُورَةُ التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ النِّكَاحَ وَأُحِبُّ امْرَأَةً صِفَتُهَا كَذَا فَيَصِفُهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَوْ يَقُولُ لَيْتَ لِي مِثْلُك أَوْ أَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك وَإِنْ قَضَى اللَّهُ لَنَا أَمْرًا كَانَ ، وَهَذَا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتَهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا ) بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَقِيلَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَاحِشَةِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنْ تَزْنِيَ فَتَخْرُجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ هُوَ نَفْسُ الْخُرُوجِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا : الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهَا فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاحِشَةَ غَيْرُ الْخُرُوجِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ وَالثَّلَاثُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ سَوَاءٌ أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَهُ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَكَذَا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهُ مَنْعُهُمَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ فِي سِعَايَتِهَا فَلَوْ مَنَعْنَاهَا الْخُرُوجَ تَعَذَّرَتْ السِّعَايَةُ وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ .

( قَوْلُهُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَمْتَدُّ ذَلِكَ إلَى هُجُومِ اللَّيْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ وَبَعْضَ اللَّيْلِ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ حَوَائِجَهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا أَكْثَرَ اللَّيْلِ .

( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا فَحَسَنٌ وَإِنْ ضَاقَ بِهَا الْمَنْزِلُ خَرَجَتْ وَلَا تَنْتَقِلُ عَمَّا تَخْرُجُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ) بِأَنْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ أَوْ كَانَتْ فِي الرُّسْتَاقِ فَخَافَتْ اللُّصُوصَ أَوْ الظُّلْمَةَ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِقَالِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ الزَّوْجُ بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ مُسَافِرٌ لِلْحَجِّ فَطَلَّقَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَادَتْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ سَفَرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَمْضِي لِمَقْصِدِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ فِي عَوْدِهَا إلَى إنْشَاءِ سَفَرٍ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا كَذَلِكَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرٌ وَهِيَ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ هُنَاكَ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَتْ وَبَلَغَتْ إلَى أَقْرَبِ بُقْعَةٍ فِيهَا الْأَمْنُ ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَتْ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ

بِالْمُحْرِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السَّفَرِ تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا انْقَطَعَ حُكْمُ سَفَرِهَا التَّابِعِ لَهُ وَصَارَ الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِنِيَّتِهَا فَخُرُوجُهَا إنْشَاءُ سَفَرٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلِمَا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى .

( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ دُخُولٌ فِي الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَعِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَرَفَعَ الْوَلِيُّ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمهُ الْمَهْرَ وَأَلْزَمهَا الْعِدَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ وَلِيَّ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا كَامِلًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَرَدَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ

( قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ عِنْدَنَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا جَاءَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَمُدَّةَ الْحَمْلِ بَاقِيَةٌ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ أَيْضًا وَكَانَ عُلُوقُهَا بِهِ رَجْعَةً إذَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عُلِمَ أَنَّهُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ ، وَهِيَ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ مُرَاجِعًا بِوَطْئِهَا فَلِهَذَا لَزِمَهُ وَكَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ .
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا كَذِبَهَا بِالْإِقْرَارِ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ ، وَهِيَ حُبْلَى فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَطَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ الثَّانِيَ صَادَفَهَا ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الْأَفْعَالُ فَقَدْ تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ

طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً لِبَقَاءِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ طَلُقَتْ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَضَعْ الثَّالِثَ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيُصَادِفُهَا الطَّلَاقُ الثَّالِثُ ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِوَضْعِهِ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِوُجُوبِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا .

( قَوْلُهُ وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْكَلَامُ سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَحِمَهَا مَشْغُولٌ بِالْحَمْلِ وَمُدَّتُهُ سَنَتَانِ وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ .

( قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ ) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ .
وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَذَلِكَ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ ، وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا قَالَ هُوَ ابْنِي مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْعِدَّةِ ) وَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ أَوْ وَفَاةٍ وَقَوْلُهُ حَمْلٌ ظَاهِرٌ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ يَعْنِي تَامَّةً ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ شَرْطُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَمْلُ ظَاهِرٌ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْفِرَاشُ مُلْزِمُ النَّسَبِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى .

( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثُمَّ إذَا وَطِئَهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي عَقْدٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ فِي وَقْتِ النَّفْيِ وَكَذَا إذَا سَكَتَ أَيْضًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ ) وَكَذَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ يُلَاعِنُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَصُورَتُهُ مَنْكُوحَةٌ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدْ بِهِ فَشَهِدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَنَفَاهُ لَاعَنَ فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ ؛

لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ .

( قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ ( قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } وَقَالَ تَعَالَى { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ .

قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّوْجُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ حَقًّا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَضَعَ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالْمَنْعُ مِنْ تَزَوُّجِ الْحَامِلِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَاطِئِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ } إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الزَّانِيَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ نِكَاحُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَاسِدٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْحَمْلَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ الْكُلّ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ النِّكَاحِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ النَّفَقَاتِ ) النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النِّفَاقِ وَهُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَ فَرَسُهُ إذَا هَلَكَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ صَرْفِ الْمَالِ وَإِهْلَاكِهِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَعِدَّتِهِ أَمَّا الْفَاسِدُ وَعِدَّتُهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ ( قَوْلُهُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً ) يَعْنِي بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ هِيَ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَهُوَ الطَّعَامُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَد وَالْإِدَامُ مِنْ غَالِبِ أُدُمِ الْبَلَدِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ يَغْلُو وَيَرْخُصُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ آلَةُ الطَّبْخِ وَآنِيَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِثْلُ الْكُوزِ وَالْجَرَّةِ وَالْقِدْرِ وَالْمِغْرَفَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا تَسْقُطُ بِيَسَارِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِكُفْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا .
وَنَفَقَةُ النَّسَبِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مِنْهَا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبِ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَمِنْهَا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَتَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ وَلَا تَسْقُطُ بِكُفْرِهِمَا وَمِنْهَا نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15